المؤلف: الشيخ جعفر كاشف الغطاء
المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: 1
الموضوع : الفقه
تاريخ النشر : 1422 ه.ق
ISBN (ردمك): 964-371-033-5
المكتبة الإسلامية
كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء
المحرّر الرّقمي: محمّد علي ملك محمّد
ص: 1
ص: 2
كشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء (ط - الحدیثه)
سرشناسه : كاشف الغطاآ، جعفربن خضر، 1228 - 1156ق .
عنوان قراردادی : [كشف الغطاآ عن خفیات شریعه الغراآ]
عنوان و نام پدیدآور : كشف الغطاآ عن مبهمات الشریعه الغراآ/ تحقیق مكتب الاعلام الاسلامی - فرع خراسان ؛ محققون عباس التبریزیان ، محمدرضا الذاكری ، عبدالحلیم الحلی
مشخصات نشر : قم : بوستان كتاب قم (مكتب الاعلام الاسلامی ، الحوزه العلمیه بقم )، 14 = 13.
فروست : (بوستان كتاب قم (مكتب الاعلام الاسلامی ، الحوزه العلمیه بقم )؛ 817، 779. مكتب الاعلام الاسلامی - فرع خراسان ؛ 12، 13)
شابك : 964-371-033-537000ریال :(ج .4) ؛ 964-371-033-537000ریال :(ج .4) ؛ 964-371-033-537000ریال :(ج .4) ؛ 964-371-033-537000ریال :(ج .4) ؛ 964-371-030-037000ریال :(ج .3)
وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
یادداشت : عربی
یادداشت : فهرست نویسی براساس جلد سوم : 1422ق . = 1380
یادداشت : ج . 1 (1422ق = 1380): 2000 ریال
یادداشت : كتابنامه
عنوان دیگر : كشف الغطاآ عن خفیات مبهمات شریعته الغراآ
موضوع : فقه جعفری -- قرن ق 13
شناسه افزوده : تبریزیان ، عباس ، مصحح
شناسه افزوده : ذاكری ، محمدرضا، مصحح
شناسه افزوده : حلی ، عبدالحكیم ، مصحح
شناسه افزوده : حوزه علمیه قم . دفتر تبلیغات اسلامی . بوستان كتاب
شناسه افزوده : حوزه علمیه قم . دفتر تبلیغات اسلامی . شعبه خراسان
رده بندی كنگره : BP183/3/ك 2ك 5
رده بندی دیویی : 297/342
شماره كتابشناسی ملی : م 81-1710
ص: 3
كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء
للعلّامة الشيخ جعفر كاشف الغطاء
الجزء الرابع
تحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان الرضوي
بوستان كتاب
ص: 4
بوستان كتاب
كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء / ج 3
المؤلف: العلامة الشيخ جعفر كاشف الغطاء التحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان الرضوي
المحققون عباس التبريزيان، محمد رضا الذاكري طاهريان) و عبدالحليم الحلي
الناشر: مؤسسة بوستان كتاب
(مركز الطباعة والنشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)
المطبعة مطبعة مؤسسة بوستان كتاب الطبعة الثانية
الكمية 1000 • السعر :الدوره: 80000 تومان
جميع الحقوق محفوظة
printed in the Islamic Republic of Iran
العنوان: قم، شارع شهداء (صفائیه) ص ب 917 الهاتف: 7-7742155 الفاكس: 7742154 ، الهاتف: 7743426
المعرض المركزي (1) قم، شارع شهداء بتعاون أكثر من 170 ناشر يعرض اثني عشر ألف عنواناً من الكتب)
المعرض الفرعي (2) طهران، شارع فلسطين الجنوبي الزقاق الثاني (يشن)، الهاتف: 66460735
المعرض الفرعي :(3) مشهد المقدّسة، تقاطع خسروي مجمّع ياس، الهاتف: 2233672
المعرض الفرعي (4): أصفهان، تقاطع كرماني گلستان كتاب، الهاتف: 2220370
المعرض الفرعي :(5) : أصفهان، ساحة انقلاب قرب سينما ساحل، الهاتف: 2221712
المعرض الفرعي (6) (للشباب): قم بداية شارع شهداء ،(صفائيه)، الهاتف: 7739200
التوزيع بكتا (توزيع الكتب الإسلامية و الإنسانية)، طهران، شارع حافظ، قرب تقاطع كالج بداية زقاق بامشاد، الهاتف: 88940303
وكالات بيع كتب المؤسسة في البلد و خارجه (المنضم إلى ورقة الاستطلاع للآثار في نهاية الكتاب)
عبر البريد الالكتروني للمؤسسة E-mail:info@bustaneketab.com
الآثار الحديثة في المؤسسة و التعرّف إليها في وب سایت http://www.bustaneketab.com
مع جزيل الشكر والتقدير لجميع الزملاء الذين ساهموا في استخراج هذا العمل منهم:
أعضاء لجنة دراسة الإصدارات • أمين لجنة الكتاب جواد آهنگر • الملخص العربي سهيلة خائفي ● الملخص الإنجليزي: عبدالمجید مطوریان • فیپا مصطفى محفوظي • المنضد:محمود هدايي • التصحيح و التنضيد سيد صادق حسيني • تنظيم صفحات الكتاب أحمد أخلي التطبيق: غلامرضا معصومي • تصميم الغلاف مسعود نجابتي • مدير الإنتاج: عبدالهادي أشرفي • الإعداد: حميدرضا تيموري • طلبات الطبع أمير حسين مقدم منش و بقية الزملاء • شؤون الطباعة علي عليزاده مجيد مهدوي و بقية الزملاء في قسم الليتوغرافيا، الطباعة والتجليد.
رئيس المؤسسة
السيد محمد كاظم الشمس
ص: 5
ص: 6
الصوم
وهو : تركُ المفطرات ، أو الكفّ عنها ، أو العزم على تركها ، أو مُشترك لفظاً أو معنىً بين الكُلّ ، أو البعض على اختلاف الأقسام.
وفيه مباحث :
الصوم من جُملة الأركان الّتي بُنيت عليها فروع الإسلام والإيمان
ويمتاز عن باقي العبادات : بأنّه القاطع للشهوات ، المضعف للقوّة الحيوانيّة عن طلب الملاذّ المحظورات ، وللقوّة السبعيّة عن البطش بالمؤمنين والمؤمنات. المقوّي للقوّة الملكيّة بتصفية النفس من شوائب الكدورات. الكاسر للقوّة الشيطانيّة عن طلب الكِبر والرياسات. المقرون بخلاء المِعدة ؛ الّذي هو من أعظم الرياضات ، الّتي كادت تُوصل إلى العلم بالمغيبات. الباعث على إعطاء الصدقات ، ورقّة القلب على الفقراء عند المجاعات. المذكّر بجوع الآخرة وعطشها ؛ يوم العَرض على ربّ السماوات. المعرّف لمقدار النعم ، الباعث على الشكر على ممرّ الأوقات ، المجرّد للعبادة بتركِ مَلاذّ الحيوانات ، المصحّح للمزاج ، المُغني عن الأدوية والعلاجات ، المانع عن الامتلاء المهيّج
ص: 7
للأبخرة الباعثة على النوم والكسل عن العبادات. الرافع لتكليف الخادم من الخدمات ، الباعث على المشقّة الكلّيّة الّتي بها يتضاعف ثواب الطاعات.
وباعتبار تصفيته للنفس ، وبُعده عن الرياء ؛ لخفائه على الحسّ ، واشتماله على المشقّة الكليّة ، وأنّه من الأُمور المتعلّقة بالنفس ، المقصور سلطانها على ربّ البريّة ، وردَ في بعض الأحاديث القدسيّة : «كلّ عمل ابن آدم له ، إلا الصوم ؛ فإنّه لي ، وبه أجزي» (1).
ولكونه مانعاً عن الشهوة الرديّة ، قال فيه سيّد البريّة : «من لم يستطع النكاح فليصُم ، الصوم خِصاء أُمّتي ، يا معاشر الشباب عليكم بالصيام» (2).
ولأنّه مُكمّل للنفس ، فلا تكون مَغلوبة للهوى ، قال فيه سيّد الأنام صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنّه يبعد الشيطان كما بين المشرق والمغرب ، ويسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في اللّه والمؤازرة على العمل الصالح تقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه (3) ، ولكلّ شي ء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام» (4).
وخُصّت بالصيام ؛ لأنّ ما عداه من زكاة تنمّي الأموال.
وممّا يدلّ على أنّه من أعظم العبادات : خلطه مع الولاية في بعض الروايات ، فعن أبي جعفر عليه السلام إنّ الإسلام بُني على خمسة أشياء : الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والولاية (5).
ص: 8
وما روي في عدّة روايات : «إنّ الصوم جُنّة من النار» (1). و «أنّ لكلّ شي ء زكاة ، وزكاة الأبدان الصوم» (2) ، و «أنّ خلوف فم الصائم أي رائحته أو طعمه عند اللّه أطيب من ريح المسك» (3). و «الصائم في عبادة ، وإن كان على فراشه ، ما لم يغتب مسلماً» (4).
وإنّ من صام لله يوماً في شدّة الحرّ ، فأصابه ظمأ وكّل اللّه به ألفَ ملك يمسحون وجهه ، ويُبشّرونه بالجنّة ، حتّى إذا أفطر ، قال اللّه تعالى : «ما أطيب ريحك وروحك ، يا ملائكتي ، اشهدوا أنّي قد غفرت له» (5).
وفي بناء هذا ومثله على الظاهر ، فيلحق ما اشتمل عليه بالأحاديث القدسيّة أو على التأويل وجهان ، أقواهما الثاني ، وفي بناء المسح والبُشرى على الظاهر أو التأويل وجهان.
وأنّ نوم الصائم عبادة ، وصمته ونَفَسه تسبيح (6) ، وعمله مُتقبّل ، ودعاءه مُستجاب.
وأنّ للصائم فرحتين : فرحة عند إفطاره برفع الحرج عنه أو بتوفيقه أو بالمركّب منهما ، وفرحة عند لقاء ربّه.
وأنّ العبد يصوم مُتقرباً إلى اللّه تعالى ، فيدخله به الجنّة.
وأنّه يغفر له بصوم يوم.
وأنّ لله ملائكة موكّلين بالدعاء للصائمين (7).
ص: 9
وأنّ المؤمن إذا صام شهر رمضان احتساباً ، يُوجب اللّه له سبع خصال : يذوب الحرام من جسده ، ويقرب من رحمة ربّه ، ويكفّر خطيئة أبيه آدم عليه السلام ، ويهوّن اللّه عليه سكرات الموت ، ويأمن من جوع يوم القيامة وعطشه ، ويعطيه اللّه البراءة من النار ، ويطعمه من طيّبات الجنّة (1).
وأنّه ما من صائم يحضر قوماً يأكلون إلا سبّحت أعضاؤه على الحقيقة ، أو التأويل كما يجري مثله فيما روي من مثله في الجمادات من الشعر ، والحجر ، والمدر ، ونحوها وصلّت عليه الملائكة (2).
وأنّ اللّه تعالى وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين ، وقال اللّه تعالى : «ما أمرتُ ملائكتي بالدعاء لأحدٍ من خلقي إلا استجبتُ لهم» (3) وأنّ من كتم صومه ، قال اللّه تعالى لملائكته : «عبدي استجار من عذابي ، فأجيروه» (4).
وأنّ الصائم إذا رأى قوماً يأكلون ، سبّحت له كلّ شعرة في جسده (5).
وأنّ ثلاثة يُذهبن البلغم ، ويزدن في الحفظ : السواك ، والصوم ، وقراءة القرآن ، إلى غير ذلك من الأخبار (6).
وهي كثيرة ، وأهمّها : استعمال الجوارح في الطاعات ، وعصمتها من المعاصي والتبعات ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنّ من صام شهر رمضان إيماناً ،
ص: 10
واحتساباً ، وكفّ سمعه ، وبصره ، ولسانه عن الناس ، قبلَ اللّه تعالى صومه ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخّر ، وأعطاه أجر الصابرين» (1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء ، فإنّ الاستغفار به تُغفر ذنوبكم ، والدعاء يُدفع عنكم به البلاء» (2).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنّه قال لجابر : «هذا شهر رمضان ، من صام نهاره ، وقام ورداً من ليله ، وعفّ بطنه وفرجه ، وكفّ لسانه ، خرج من ذنوبه كخروجه من هذا الشهر» فقال جابر : ما أحسن هذا الحديث ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «وما أشدّ هذه الشروط» (3).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «ما من عبدٍ صالح صائم يُشتم فيصبر ، ويقول : سلام عليك ، إنّي صائم ، لا أشتمك كما شتمتني ، إلا قال اللّه تبارك وتعالى : استجار عبدي بالصوم من شتم عبدي ، قد أجرته من النار» (4).
وعن أبي جعفر عليه السلام : «إذا صمتَ ، فليصُم سمعُك وبصرك وشعرك وجلدك». وعدّ أشياء غير هذا. قال : «ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك» (5).
وعن الصادق عليه السلام : «إذا صُمت ، فليصُم سمعُك وبصرك من الحرام ، والقبيح ، ودع المراء ، وأذى الخادم ، وليكن عليك وقار الصائم ، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك».
وعنه عليه السلام : «إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، فإذا صمتم فغضّوا أبصاركم ، واحفظوا ألسنتكم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا». قال : «وسمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم امرأة تسبّ جاريتها وهي صائمة ، فأمر لها بطعامٍ وقال لها :
ص: 11
كُلي ، فقالت : إنّي صائمة ، فقال : أنتِ صائمة وتَسبّين جاريتك؟! إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب» (1).
وهو وإن كان محمولاً على المبالغة ، إلا أنّ فيه حثّا عظيماً على ترك المعاصي في الصوم أو خصوص السبّ.
وفي الفقه عن الرضا عليه السلام : «إنّ الصوم حجاب ضربه اللّه تعالى على الألسن ، والأسماع ، والأبصار ، وسائر الجوارح ، وقد جعل اللّه تعالى على كلّ جارحة حقّا للصيام ، فمن أدّى حقّها ، كان صائماً ؛ ومن ترك شيئاً منها ، نقص من فضل صومه بحسب ما ترك شيئاً منها» (2).
وعن الصادق عليه السلام : «ليس الصيام من الطعام والشراب فقط ، ولكن إذا صمتَ ، فليصُم سمعُك ، وبصرك ، ولسانك ، وبطنك ، وفرجك ، واحفظ يدك وفرجك ، وأكثر السكوت إلا من خير ، وارفق بخادمك» (3).
وعنه عليه السلام : «إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا ؛ فإنّ الحسد يأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب» (4).
وفي خُطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «من صام شهر رمضان في إنصات ، وسكوت ، وكفّ سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجميع جوارحه من الحرام والكذب والغيبة تقرّباً ، قرّبه اللّه منه حتّى تمسّ ركبتاه ركبتي إبراهيم الخليل عليه السلام» (5).
وعن الصادق عليه السلام : «إذا صام أحدكم الأيّام الثلاثة في الشهر ، فلا يجادلنّ
ص: 12
أحداً ، ولا يجهل ، ولا يسرع إلى الحلف والايمان باللّه ، فإن جَهل عليه أحد ، فليحتمله» (1).
وعن الباقر عليه السلام إنّ الكذبة تفطر الصائم ، والنظرة بعد النظرة ، والظلم قليله وكثيره (2). وفي وصيّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام احذر الغِيبة ، والنميمة ، فإنّ الغيبة تُفطر الصائم ، والنميمة تُوجب عذاب القبر (3). ويُفهم من مجموع هذه الأخبار : أنّ الحسنات في الصوم يتضاعف ثوابها ، والمعاصي يزداد وِزرُها أو عقابها. ويجري مثل ذلك في جميع الأمكنة المعظّمة ، والأوقات المشرّفة.
وأنّه ينبغي أن يكون الصائم في صيامه على أفضل الأحوال.
ومن الاداب (4) : استقبال القبلة عند النظر إلى الهلال ، والتكبير ، ورفع اليدين ، ومخاطبة الهلال ، والدعاء بالمأثور ، وهو كثير ، ومن جملته : «ربّي وربّك اللّه ربّ العالمين ، اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن ، والإيمان ، والسلامة ، والإسلام ، والمسارعة إلى ما تُحبّ وتَرضى ، اللّهمّ بارك لنا في شهرنا هذا ، وارزقنا خيره ، وعونه ، واصرف عنّا ضُرّه وشرّه ، وبلاءه ، وفتنته» (5).
وعن شيخنا العماني : أنّه أوجب أن يقال عند رؤيته : «الحمد لله الّذي خلقني ، وخلقك ، وقدّر منازلك ، وجعلك مواقيت للناس ، اللّهمّ أهلّه علينا إهلالاً مُباركاً ، اللّهمّ أدخله علينا بالسلامة والإسلام ، واليقين والإيمان ، والبرّ والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى» (6).
ص: 13
ومنها : السحور ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «تسحّروا ولو بجرع الماء ، ألا صلوات اللّه على المتسحّرين ، إنّ اللّه وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين» (1).
ويشتدّ استحبابه في شهر رمضان ، ثمّ مُطلق الواجب المعيّن ، وبعدهما الواجب الموسّع ، ثمّ المستحبّ.
والظاهر تضاعف فضله بتضاعف فضل ما هو له. وكلّما قرب من الفجر فهو أفضل.
وأفضله : السويق (2) ، والتمر ، والزبيب ، والماء.
ويُستحبّ أن يكون في السدس الأخير من اللّيل.
ومنها : تعجيل الفطور ، إلا لمن لا تنازعه نفسه ، فيؤخّره عن الصلاة ، مع عدم المنتظر ، أو يعارضه مرجّح آخر.
ومنها : تقديم الصلاة على الإفطار ، إلا مع وجود المنتظر أو مُنازعة النفس ، كما في الأخبار (3). ويلحق به حصول الضعف عن الصلاة أو غيرها من العبادات ، أو بعض المكاسب الضروريّات ، أو فساد الزاد بالتأخير ، إلى غير ذلك من المرجّحات.
ومنها : أن يقول عند الإفطار : «اللّهمّ لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّله منّا ؛ ذهب الظمأ ، وابتلّت العروق ، وبقي الأجر ، اللّهمّ تقبّل منّا ، وأعنّا عليه ، وسلّمنا فيه ، وتسلّمه منّا» (4). وأن يقول طلباً للدّعوة المستجابة عند أوّل لقمة : «بسم اللّه ، يا واسع المغفرة ، اغفر لي» فيغفر له (5) ، وورد غير ذلك (6).
ص: 14
ومنها : الإفطار على الحُلو ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم يفطر على الرّطَب في وقته ، والتمر في وقته (1) ، فإن لم يكن ، فعلى الماء الفاتر ، فإنّ الماء الفاتر يُنقّي الكبد ، ويغسله من الذنوب ، ويُطيّب النكهة والفم ، ويقوّي الأضراس ، ويسكّن العروق الهائجة ، والمِرّة الغالبة ، ويقوّي الحَدَق (2) ، ويجلو البصر ، ويقطع البلغم ، ويُطفئ الحرارة من المعدة ، ويذهب بالصداع (3) ، (4). وروى استحباب الإفطار على اللّبن (5).
ومنها : قراءة سورة إنّا أنزلناه عند الفطور والسحور ، مُقارناً أو مُقدّماً أو مُؤخّراً ، مع الاتصال على الأقوى ، روي عن زين العابدين عليه السلام : «أنّ من قرأها عند فطوره وسحوره ، كان فيما بينهما كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه» (6).
ومنها : إفطاره يوم صومه لدعوة أخيه المؤمن أو أُخته المؤمنة إلى طعام أو شراب ، قليل أو كثير ، في الصوم المندوب. وربّما أُلحق به الواجب الموسّع ، حيث لا مانع من الإفطار. ولو تعارضت الدعوتان ، قُدّمت دعوة الإفطار على تأمّل.
ولو كان الغرض مجرّد إفساد الصيام ، لا تلذّذه بالشراب والطعام ، قوي رجحان الصيام.
روي عن الباقر عليه السلام : «من أدخل على أخيه السرور بالإفطار في يوم صومه ، حسب له بعشرة أيّام» (7).
ص: 15
وعن الصادق عليه السلام إذا أكل ولم يخبره بصومه ، حُسب لهُ بصيام سنة (1). وعن الرضا عليه السلام أنّ الإفطار أفضل ، ولو بعد العصر بساعة (2) ، ولا يبعد أن يقال باستحباب دعوته.
ويتضاعف الأجر لمن أفطر ، ولم يُخبر بصيامه ، كما مرّ. وليس له أن يقول : لستُ بصائم ؛ لأنّه كذب.
ومنها : المحافظة في شهر رمضان على أغساله ، وصلواته ، والاعتكاف ولا سيّما في العشر الأواخر ، وتعويذاته ، وحُروزه ، ومُناجاته ، ودعواته الموظّفات ، والتشاغل في أيّامه ولياليه بالذكر والدعاء ، ولا سيّما بالمأثور ، فإنّ دعاء الصائم مُستجاب ، ولو في غير رمضان.
وقراءة القرآن ، ولا سيّما السور الموظّفات لخصوص بعض الأوقات.
وإحياء ليلة القدر ، ويتحقّق باليقظة تمام اللّيل إلا ما شذّ ، مع الاشتغال بالعبادة إلا ما شذّ.
والاعتكاف ، ولا سيّما في العشر الأواخر.
وترك الهذر (3) ، والمراء.
والصلاة ، والتدريس ، والموعظة ، وصِلة الأرحام ، وقضاء حوائج الإخوان ، وإجابة دعوتهم ؛ كلّ ذلك لمن صام فيه أو لم يصُم ، غير أنّ الصائم أكثر أجراً. ويجري هذا في كلّ صيام.
ويتضاعف أجر العمل بزيادة فضيلة الوقت ، فليلة الثالثة والعشرين أفضل من جميع ليالي شهر رمضان ، وبعدها الواحدة والعشرون منه ، وبعدها التاسعة عشر ،
ص: 16
وبعدها ليالي الجُمعات منه ، والعشر الأواخر ، وللبواقي أيضا تفاوت في الفضل.
ومنها : الكون حال الصيام خصوصاً شهر رمضان في الأماكن المشرّفة ، كالمشاهد ، والمساجد ، وفي مكان الاجتماع للعبادة ؛ مع التحرّز عن الرياء ، والخضوع ، والخشوع ، وحضور القلب.
ومنها : القيلولة ، ويُراد النوم قبل نصف النهار ، على الأقوى ، وإن فُسّرت في اللغة بالنوم فيه (1). والطيب ، خصوصاً أوّل النهار.
ومنها : الاستهلال لشهر رمضان ، ولا سيّما مع عدم قيام الناس به ، وقيل بوجوبه مطلقاً (2) ؛ ، وقيل به مع عدم القيام ، وهما ضعيفان ، بل الاستهلال مُستحبّ في سائر الشهور ، خصوصاً مالها رجحان ، كرجب وشعبان.
ومنها : ترك قول : «رمضان» فإنّه يُكره ، بل يقول : «شهر رمضان» وعُلّل في الرواية : بأنّ رمضان اسم من أسماء اللّه تعالى (3). حتّى أنّه ورد : أنّ من قال «رمضان» كَفّرَ بصدقةٍ أو صيام (4).
ومنها : ترك الشعر في شهر رمضان ؛ فإنّه يُكره فيه ليلاً ونهاراً ، كما يُكره في الحرم ، وللمُحرم ، ويوم الجمعة ، وفي اللّيل ، إلا أن يكون شعر حقّ ، وخصوصاً ما كان في أهل البيت عليهم السلام ؛ لورود الرخصة ، بل الأمر فيهنّ (5) ؛ والمعارض محمول على التقيّة.
ومنها : ترك الجماع للمسافر ، والامتلاء في شهر رمضان ، ولكلّ من أُذنَ له في إفطاره لمرضٍ وغيره إلا في التقيّة ، فيقتصر على ما تندفع به ، وما كان لخوف يقتصر فيه
ص: 17
على ما يندفع به الخوف.
ومنها : ترك مباشرة النساء في غير الجماع.
ومنها : ترك الاستحمام ؛ لما رُوي من كراهة دخوله على الريق (1).
ومنها : ترك الحجامة ، والفصد ، وإخراج الدم ، مع خوف الضعف. والظاهر جريانه في كلّ فعل يُخشى منه عليه الضعف.
ومنها : ترك الكحل ، والسعوط ، والتقطير بالأُذُن وإن انفصلت إلى الجوف اتّفاقاً ؛ فإنّها مكروهة. وفي السعوط ، والتقطير ، والكُحل الّذي فيه مسك أو يصل طعمه إلى الحلق ، كراهة شديدة.
ومنها : ترك السّواكُ بالعود الرّطب أصالةً ، فإنّه مكروه. وربّما أُلحق به الرطب بالعارض ، وكلّ رطب.
ومنها : ترك شمّ الرّيحان وهو كلّ نبت طيّب ، ولا سيّما النّرجِس ، وتخصيص الحكم بما يُسمّى رَيحاناً عرفاً غير بعيد والمسك ، وكلّ ذي رائحة شديدة ، فإنّها مكروهة. وما عدا ذلك يُستحبّ كما سبق ، وفي بعض الروايات التعليل في شمّ الريحان بالتلذّذ (2) ، فقد يفيد عدم البأس في الطيب بعدمه.
ومنها : ترك ابتلاع الريق إذا اجتمع في الفم كثيراً ، أو كان فيه طعم ، فإنّه مكروه.
ومنها : ترك ابتلاع الرطوبات الخارجة من الصدر أو النازلة من الدماغ ، والأخير أشدّ كراهيةً.
ومنها : ترك ابتلاع الرطوبة العارضة للريق حتّى يبصق ثلاث مرّات ، ويقوى إلحاق دخول المذوق.
ومنها : أن لا يبادر إلى الإفطار بمجرّد مظنّة الغروب ، حيث يكون في السماء علّة ، وإن جاز له ذلك ؛ ولوجود العلّة.
ص: 18
ومنها : أن يتجنّب ما يخشى منه الأوْلَ إلى فساد الصيام أو شبهه فيه ، كملاعبة النساء ، وذَوق المطعومات والمشروبات ، والمضمضة والاستنشاق لغير الصلاة ، والسعوط ، والتقطير ، ونحو ذلك.
ومنها : ترك إظهار الصيام ، مع الخوف من الرياء ، والعُجب ، ونحوهما ، ممّا يفسد العمل ، أو ينقص ثوابه.
ومنها : ترك دخول المرأة إلى الماء حتّى يصل إلى فرجها ؛ لئلا تحتمله به. وفي إلحاق الخُنثى وممسوح الذكر بها قول (1) ، ولإلحاق المائعات بالماء وجه ، والمانع عن دخوله إلى باطن الفرج رافع للكراهة. وجلوسها في الماء أشدّ كراهة. وترك استرخاء الدُّبر فيه أولى.
ومنها : ترك المبالغة في المضمضة ، والاستنشاق ، ولو في وضوء الفريضة.
ومنها : ترك قلع الضّرس.
ومنها : ترك لبس الثوب المبلول ، ومع العصر تخفّ الكراهة ؛ وإلحاق الالتحاف به قويّ. وليس في رشّ الماء على البدن والرأس كراهة. وفي إلحاق وضع الخرقة المبلولة على بعض البدن وجه.
ومنها : ترك الاحتقان بالجامد ، بل مُطلق إدخال الشي ء في الدُّبُر أو الفرج ، وكذا مطلق المنافذ ، مع خوف دخول الجوف.
ومنها : ترك النظر بشهوة واللّمس للنساء ، والتقبيل ، والضمّ ، والملامسة مطلقاً.
ومنها : ترك مُعاشرة السفهاء ، وحضور مجالس البطّالين ، والهَذَر ، فلا يجعل يوم صومه كيوم فطره ، بل يكون على أفضل الأحوال من كلّ وجَه.
ومنها : ترك السفر في شهر رمضان ، إلا لعارض قويّ دنيويّ ، كحفظ مالٍ ونحوه ؛ أو أُخرويّ ، كاستقبال مؤمن ، أو تشييعه ، أو زيارة الحسين عليه السلام ، أو باقي الأئمّة عليهم السلام ، ونحو ذلك إلى ثلاثة وعشرين منه ، فيُرَخّص فيه.
ص: 19
وهي قسمان :
وهي أُمور :
أحدها : البلوغ ، فلا يجب كغيره من العبادات على غير البالغ ، ولا يجب عليه اختبار العلامات ، ولا تحصيلها بمعالجة الإنزال مثلاً. ولو علم الفحولة من دون ظهور شي ء منها ، حُكم بالبلوغ على إشكال.
ويعلم بخروج المني في نومٍ أو يقظةٍ من الفرج ، من الذكور والإناث ، وبنبات الشعر الخشن على العانة في القسمين أيضاً ، وبالعدد ، وهو في الذكور بلوغ خمس عشرة سنة تامّة ، وفي الإناث تسع سنوات تامّات.
والخنثى المشكل والممسوح في العدد كالرجال ، وفي العلامتين الأُخريين يُعتبر الحصول في المكانين ، متفقتين أو مختلفتين ؛ إذ المدار على المخرج أو على الموافقة بينه وبين المصدر ، ولو حصلت إحداهما في محلّ ، وغيرها (1) في الأخر من العلامات الاتية ، فكذلك.
وبالإحبال والإيلاد للرجال والخنثى المشكل ؛ والحيض والحمل والولادة للنساء أو الخنثى المشكل.
وقد يُعلم البلوغ باجتماع أمارات تُفيد العلم ، كنبات الشعر على العارض ، وموضع الشارب ، والصدر ، والبطن ، والظهر ، والأُذن ، والأنف ، والإبط ، ونحوها ، وظهور الرائحة الكريهة الدالّة على الفحولة تحت الآباط ، أو في أُصول الأفخاذ ، ونحوها.
وشدّة الرغبة إلى الجماع ، والنظر إلى صور الحسان ، ولمسها ، وقوّة انتصاب
ص: 20
الذكر ، وغلظة الصوت ، وتدوير على الثديين ، وانفصال طرف الأنف ، ونزول المذي عند الملاعبة ، ونحوها.
وقد يحصل العلم ببعضها ، كطول اللّحية ، وغلظ الشارب ، وطول الشعر ، مع الغلظ في بعض ما مرّ.
ولو وجد المَني في الثوب المختصّ ، وحصل العلم ، فلا بحث في الثبوت ، ومع قيام الاحتمال لا ثبوت على إشكال. ولو وجد في المشترك ، لم يحكم به على أحدهما ، ويحتسبان بواحد في مثل الجمعة ، ونحوها.
ثانيها : العقل ، فلا يجب على ذي الجنون المُطبق مطلقاً ، والأدواري حال عروضه.
ثالثها : السلامة من المرض ، وجميع المضارّ الّتي يُخاف منها على نفس مُحترمة ، أو عرض محترم ، أو من تلف شي ء يجب حفظه ، أو مشقّة لا تُتحمّل ونحو ذلك.
رابعها : الطهارة من دم الحيض والنّفاس.
خامسها : السلامة من الإغماء الغالب على العقل.
ولو كان العروض في الأقسام الأربعة اختيارياً ، عُوقب على الفعل بعد تعلّق الوجوب ، وسقَطَ الوجوب.
سادسها : الخلوّ عن السفر الموجب للقَصر في الصلاة ، عدا ما استثني منه ، كصوم البدل في طريق الحجّ ، وصوم الحاجة في المدينة ، وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب.
وأمّا ما لم يوجب القَصر ، كسفر المقيم عشرة أيّام ، أو العاصي بسفره ، أو كثير السفر ما لم ينقض حكمه بإقامةٍ ، أو المتردّد ثلاثين يوماً ممّا هو بحكم الإقامة ، فكالحَضَر.
والخائف في محلّه ، والخارج بعد الزوال من محلّ الصوم يصوم ، وإن قصّر صلاته. وكذا الداخل قبله مُمسكاً ؛ لعدوله عن الإقامة بعد الزوال.
والمُقصر صومه يتمّ صلاته لو (1) حصل موجب الإتمام بعد الزوال. ومواضع
ص: 21
التخيير مقصورة على الصلاة ، وتفصيل الأحكام سبق في كتاب الصلاة.
سابعها : أن لا تكون مرضعة قليلة اللّبن ، أو شيخاً ، أو شيخةً ، أو ذا عطاش ، وهو داء لا يروي صاحبه ، فإنّه لا يجب عليهم الصوم ، وإن تمكّنوا منه ، وسيجي ء تفصيل الحال إن شاء اللّه تعالى.
ثامنها : أن لا يكون باعثاً على ضعفٍ يمنع عن مقاومة عدوّ طالبٍ لقتله ، أو هتك عِرضه ، أو قتل نفس أو هتك عِرض محترمين ، ونحو ذلك.
تاسعها : أن لا يكون مانعاً عن تحصيل قوت ضروري ، وفي الحكم بالرجوع إلى السؤال في تلك الحال خصوصاً لأرباب العزّة والجلال نهاية الإشكال.
عاشرها : أن لا يخاف على نفسه من جوع أو عطش أو نحوهما ؛ فإنّه يجب عليه الإفطار حينئذٍ. والأقوى أنّه لا يجوز له ابتداء ، وإن علم بالعروض. والظاهر أنّه لا يجوز الإفطار لو توقّف عليه قضاء دين أو أداء واجب ، كالجماع لمن مضى عليها أربعة أشهر إذا قلنا بفوريّته حينئذٍ ، أو كان لا يتمكّن إلا في النهار.
وهل يجب عليه أن يقصد السفر ويخرج إلى محلّ الترخّص ليؤدّي الواجب ، أو لا؟ الظاهر الثاني. ومتى اختلّ شرط من الشروط في جزء من النهار ارتفع الوجوب.
وهي أُمور :
أوّلها : ما مرّ من شرائط الوجوب عدا مسألة الشيخ والشيخة وما أُلحق بهما.
والمميّز من غير البالغ عبادته صحيحة على الأصحّ.
ثانيها : الإيمان ، فلا يصحّ صومُ غير المؤمن ، مُسلماً كان أو لا. وسقوط القضاء عنه إذا استبصر لطفاً لا يستلزم الصحّة ، بناءً على أنّها موافقة الأمر. والقول بالصحّة بهذا المعنى ، والبقاء على حالها حتّى يموت على حاله ، كالقول بالكشف ، بعيد.
ثالثها : أن لا يكون في شهر رمضان من غيره ، ولا في وقت معيّن لغيره ، فإن كان في وقت أحدهما بطل.
ص: 22
رابعها : فراغ الذمّة من قضاء شهر رمضان في غير الإجارة لمن أراد صوم الندب ، والأقوى لحوق مطلق التحمّل ، وإن لم يكن عن إجارة بها.
خامسها : أن يكون المحلّ مُتّسعاً له على وفق إرادة الشارع.
فلو شرع في صوم تتابع الشهرين في وقت لا يسلَم له شهر ويوم ، بطل.
سادسها : النيّة ، وتتحقّق بكون الباعث عليه هو اللّه ؛ لأنّه اللّه ، أو القُرب إليه قُربَ الوجيه من الغلمان إلى السلطان ، أو إلى رحمته ، أو طلباً لرضوانه ، أو غفرانه ، أو خوفاً من سخطه ، أو شكراً لنعمه السابقة ، أو جلباً لنعمه الحقة في الدنيا أو الآخرة ، أو دفعاً لعقوبات الدنيا أو الآخرة ، أو حياءً منه ، أو قضاءً لما يلزم العبد من خدمة المعبود ، أو للمركّب منها ، إلى غير ذلك ، وقد سبق ما يُغني عن التفصيل. وتختلف المراتب باختلاف القصود.
وهي روح العمل ، فلو خلا منها كان بدناً بلا روح.
وقد ورد الحثّ عليها في القرآن المُبين ، قال اللّه تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (1).
وورد في متواتر الروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وآله الهداة : «إنّما الأعمال بالنيّات» (2).
فتوقّف الصوم عليها ، بل سائر العبادات من المعلومات ، وهي في جميع العبادات بالشرطيّة أولى من الشطريّة.
أوّلها : لا يُشترط فيها نيّة الوجه من الوجوب والندب ، ولا صفة الأداء ، والقضاء ، والأصالة ، والتحمّل ، فلو لم ينوها ، أو نوى شيئاً منها في محلّ ضدّه على وجه
ص: 23
لا ينافي التعيين ، ولا يقتضي تغيّر النوع ، ولا التشريع ، صحّ. وكذا لو نوى صفة خارجة ، صحّ. ولو لزم منها التشريع ، عُوقب ، ولا فساد.
نعم لو توقّف التعيين على شي ء منها أو من غيرها ، لزمت نيّته.
والترديد بين الفعل وعدمه يُفسدها ، إلا ما كان لاحتمال طروء العارض من حيض أو سفر ونحوهما.
وكذا لو ردّد بين نوعين متغايرين ، أو عيّن أحد المحتملين ، وإن أصاب الواقع. فمن ردّد بين شعبان ورمضان ، أو بين أحدهما وغيرهما من الشهور الّتي يُطلب صومها بالخصوص ، أو مطلقاً ، أو عيّن رمضان ، أو شهراً لاحقاً ممّا طلب صومه بالخصوص ، أو مطلقاً مع اشتباه الهلال ، بطلت نيّته.
ولو عيّن سابقاً ، صحّ مع إصابة الواقع فقط. ولو انكشف الخلاف ، فسد ، إلا في شعبان ؛ فتجزي عن رمضان نيّته إذا وافقت رمضان أيضاً.
ولو أطلق ولم يُعيّن شهراً ، صحّ حيث لا ترديد ولا اختلاف للنّوع ، أو كان اختلاف واشتباه ، وإلا لزم التعيين في غير المعيّن ، أو المعيّن غير شهر رمضان على إشكال.
ثانيها : يُشترط وقوع النيّة في بعض أجزاء اللّيل في الواجب المعيّن ، وفيه (1) مع العُذر ؛ لسهوٍ ، أو نسيانٍ أو جهلٍ بالموضوع. وفي الواجب الموسّع مطلقاً فيها أو في نهار الصوم قبل الزوال. وفي الندب فيها أو فيه إلى اللّيل.
وحيث تقع النيّة في محلّها ، يجزي استمرار حكمها.
ونيّة النهار لا تؤثّر في نهار آخر ، وكذا نيّة ليلةٍ لغير يومها ، فلكلّ يومٍ نيّة في محلّها.
ومن نوى في أثناء النهار في محلّ الجواز ، حُسب له بيومٍ تامّ.
ومن وقعت منه النيّة ، ولو في أوّل اللّيل ، ثمّ نامَ إلى اللّيلة الأُخرى ، صحّ صومه.
ص: 24
وحصول مُفسدات الصوم بعدها ليلاً أو نهاراً مع العُذر ، من أكلٍ وجماع ، لا ينافي حكمها. وحيث إنّه لا يُشترط فيها الخطور ، أغنى عنها السحور.
ثالثها : لا يجوز العدول من نيّة صومٍ إلى غيره ، مُعيّناً كانَ أو غيره ، فَرضاً كانَ أو ندباً ، إلى موافقة في تلك الصفات أو مخالفة.
ويتأدّى كلّ معيّن بنيّة مخالفه مع العُذر في وجه ، ويمتنع مع العلم على الأقوى. ويتأدّى رمضان بنيّة غيره ، مع الجهل بالشهور ، إلا إذا تبيّن فساد النيّة الأُولى ، وبقي محلّ النيّة ، فيجوز العدول على الأقوى.
رابعها : لو عقد نيّة الصوم ودخل فيه ، ثمّ نوى القطع متّصلاً أو منفصلاً أو القاطع ، أو علم بالانقطاع ، أو تردّد فيها ، لم تبطل. وفي الابتداء يفسد في القسمين الأوّلين منهما ، ويعصي بسببهما مع التعيّن ، ويجري في التردّد. وفي كراهة ترك المفطرات ، وجميع المحرّمات ، وفعل الواجبات يقوى ذلك.
وفي الإجزاء مع عروض الارتداد في الأثناء إشكال ، والفساد أوجه.
ولو نوى الإبطال لزعم الاختلال ، فبانَ عدم الإشكال ، فلا إشكال. وكذا لو زعم رجحان ترك الصيام ، فبانَ الرجحان ؛ وفيه لمحض هوى النفس نهاية الإشكال ، وأمّا في التردّد في الأثناء ، متوقّفاً على السؤال ، فلا إشكال ، ولا لذلك فيه نهاية ولا إشكال.
خامسها : لو علم أنّ عليه صوماً مُعيّناً في الواقع ، مُشتبهاً في علمه ، دائراً بين وجوب وندب ونذر وتحمّل بإجارة ، وغير ذلك ، نوى ما في ذمّته. ولو قضت العادة بحضور نوعٍ ، أغنت عن إحضاره.
سادسها : يجوز قطع نيّة الصوم المندوب والواجبات الموسّعة في أيّ وقت شاء من النهار ، سوى قضاء شهر رمضان بعد الزوال في غير التحمّل بالإجارة ، وأمّا فيها ، بل في التحمّل مطلقاً ، فيجوز ذلك على الأقوى.
وفي جواز العدول مع بقاء محلّ النيّة إشكال ، أمّا لو عيّن السبب ، فظهر غيره ، جدّد التعيين ، ولو في شهر رمضان ، وإن لم يلزم في ابتدائه.
سابعها : يُستحبّ أن ينوي الصوم بل سائر العبادات تبرّعاً عن الأموات ، من
ص: 25
الأنبياء ، والأوصياء ، والعلماء ، والأرحام ، وغيرهم ، وتشريكهم. ويتفاوت الأجر بتفاوت القَدر وأرجحيّة الوصل ؛ وقد تُلحظ مراتب الاحتياج.
وإهداء ما يُهدى من الأعمال إلى الأحياء من المؤمنين فيه ثواب جسيم.
ثامنها : تقع نيّة القُربة من الأجير ؛ لأنّ الالتزام بالأُجرة كالالتزام بالنَّذر.
تاسعها : نيّة الصبيّ المميّز وصومه وعباداته صحيحة على الأصحّ شرعيّة.
ولو نابَ عن الأموات ، وصلَ الأجر إليهم ، ولا تجزي نيابته عن الواجبات ظاهراً.
عاشرها : يُمرّن الصبيّ على الصوم ونيّته ، وسائر الأعمال ونيّتها ببلوغ تسع سنين إذا كان ذكراً ، وقيل : سبع سنين ، وروى : أنّه إذا أطاق صوم ثلاثة أيّام متتابعة أُمر بالصوم (1).
وفي الأُنثى ببلوغ سبع سنين في وجه قويّ.
والظاهر أنّ الحال يختلف بالقوّة والضعف ، والتمييز وعدمه ، فيختلف الحال باختلاف قابليّة الأطفال. ولا تمرين في المجانين.
حادي عشرها : يُمرّن العاجز من الأطفال عن إتمام الأيّام بصيام بعضها ، نصفها أو ثلثها ، أو أقلّ أو أكثر ، على حسب ما يُطيق ، ويُلقّن نيّة الصيام صورة. ويقوى استحباب تمرينهم بحسب الكيفيّة ، بتقليل الطعام والشراب مثلاً.
ثاني عشرها : نيّة المسافر الوارد قبل الزوال ولم يطعم ولم يفعل شيئاً مفسداً للصوم حين وروده إلى دون محلّ الترخّص ، فنيّته حين السفر لا أثرَ لها. وكذا كلّ من أُذِنَ له في النيّة أثناء النهار نيّته حين الدخول في الصيام ، ويُحسب لهم صوم يوم تامّ.
ثالث عشرها : لو نوى صوماً بزعم أنّه عليه ولم يكن عليه ، فصامه ، أُعطي الأجر عليه ، وإن لم يكن صحيحاً بالنسبة إليه.
رابع عشرها : لو ضمّ إلى نيّة الصوم في المبدأ أو في العارض نيّة الرياء ، فسدَ.
ولو ضمّ الراجح من تهذيب الأخلاق ، وكسر الشهوة ، وصفاء النفس ، ونحوها زاد
ص: 26
أجره. ولو ضمّ مُباحاً ، فإن كان عارضاً والأصل القُربة ، فلا بأس. ولو كانا أصليين ، فالأقوى الصحّة. ولو اختصّ المباح بالأصالة ، أو كان المجموع أصلاً ، فالأقوى البطلان.
خامس عشرها : من فَسَد صومُه ، ووجب عليه الإمساك بقيّة النهار ممّا سيأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى لا تجب عليه النيّة ؛ لأنّه ليس بصوم.
سادس عشرها : مظنّة طروء العارض لا تُنافي نيّة الصيام ، ومظنّة زواله لا تسوّغها ، فلا عبرة بنيّة الحائض ، والمسافر ، ونحوهما ، قبل زوال العارض ، بل لا بدّ من تجديدها بعد الزوال.
سابع عشرها : لا مانعَ من النيّة في أثناء الأكل ، والجماع ، ونحوهما من مُفسدات الصوم.
ثامن عشرها : تكفي النيّة الإجماليّة في الصوم ، فلا حاجة إلى التفصيل فيما يُمسك عنه ، فتكفي نيّة الإمساك عن المفطرات إجمالاً.
تاسع عشرها : لا حاجة في نيّة الصوم إلى معرفة حقيقته من كونه التوطين أو الكفّ ، فيكون وجوديّاً ، أو الترك المشروط ، فيكون عدميّاً ، بل يكفي الإجمال.
العشرون : لا حاجة إلى تجديدها إذا فعل بعض المفطرات بحيث لا يفسد الصوم ، كالجماع سهواً ونحوه.
الحادي والعشرون : تكرير النيّة يؤكّدها ، فلو نوى ونسي ثمّ نوى ، لم يكن عليه بأس. ولو نوى الأبعاض بعد نيّة المجموع بقصد البعضيّة ، فقد أكّد النيّة.
الثاني والعشرون : قيل : دخول العُجب في أثناء الصوم أو غيره من الأعمال رافع للقبول دون الصحّة (1).
وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّه مفسد (2) ، وهو الأقوى.
الثالث والعشرون : نيّة الخوف والرجاء إن كانت على وجه المعاوضة الحقيقيّة في
ص: 27
الدفع والنفع مع جبّار الأرض والسماء أبطلت العمل ؛ وإن كان الغرض الوصول لتحصيل المأمول فلا بأس بهما. وعليه يُنزّل قول بعض الفضلاء ببطلان عبادة الخوف والرجاء (1) ، فمتى لوحظ أمر اللّه ، كان العمل لله.
الرابع والعشرون : من اغتسل للجنابة ، وكان عليه صوم واجب ، موسّعاً كان أو مضيّقاً ، وأمكنه الصوم نهاراً ، نوى الوجوب في اللّيل لغسل جنابته. ولو اغتسل نهاراً ، ولم يكن عليه مشروط به ، وتعدّى وقت النيّة ، نوى الندب.
الخامس والعشرون : إنّ الرياء والعُجب المتأخّرين لا يُفسدان ، والأحوط البناء على الفساد.
السادس والعشرون : لا بدّ لكلّ يوم من نيّة مُستقلّة ، ولو من أيّام رمضان على الأقوى.
السابع والعشرون : إذن المالك والزوج مطلقاً ، وعدم منع الوالدين في صوم التطوّع ، ولا توقّف في الواجب الموسّع على الأقوى ، والمحافظة على الاحتياط خصوصاً في العبد أولى.
الثامن والعشرون : الأخذ عن الفقيه المأمون المجتهد الحيّ في كلّ حكم نظريّ ، أمّا الضروريات فلا تحتاج إلى تقليد.
التاسع والعشرون : أن لا يكون باعثاً على تعدّي حدود الشرع ، فقد بلغنا أنّ بعض الصائمين يؤذي المسلمين ، لخروجه عن الشعور ، فيقع في المحذور ، والتحفّظ له غير مقدور ، واللّه أعلم بحقائق الأُمور.
وفي جعلها بتمامها مفطرات وجعل جميع مفسدات الصلاة أبين شاهد على أنّ نيّة القطع فضلاً عن نيّة القاطع والتردّد ليست من المفسدات.
ص: 28
وهي أُمور :
أوّلها وثانيها : الأكل والشرب.
ومنهما : الابتلاع للمُعتاد قدراً وجنساً وغيره ، على النحو المعتاد وغيره ، من غير فرق بين الطعام ، والشراب ، والجمادات ، والذباب ، بالغاً في القلّة أقصاها أو لا ، مقروناً بالمضغ أو لا ، جاهلاً بالحكم أو عالماً به ؛ غير أنّ ما وقع من الفقيه ومقلّديه لا يجب تداركه ، وإن تبدّل اجتهاده.
ولو حصل له القطع بالفساد أعادوا وأعاد.
ويصحّ صوم الناسي ، فرضاً أو نفلاً ، موسّعاً أو مضيّقاً ، وإن أتى بجميع المفطرات ، سوى ناسي غسل الجنابة ، كما سيجي ء بيانه.
ولو نسي نوع الصوم فظنّه ندباً ، فذكر وجوبه بعد الإفطار ، بطلَ. ومن شكّ في صومه ، فكالناسي. وطريق الاحتياط واضح.
ويلحق به أيضاً المكرَه المسلوب الاختيار ، ومن سقطت ذبابة أو شي ء في جوفه من حيث لا يدري.
ويفسد مع الخوف وبقاء الاختيار ، كالتقيّة على نفس أو عرض أو مال محترم ، ويلزم الاقتصار على ما يندفع معه الضرر ، ولا يجب الانصراف عن محلّ التقيّة إلى غيره مع الإمكان ، على إشكال ، وصاحبها أدرى بها.
ومن اضطُر إلى المفطر لجلب قوّةٍ في الحرب اللازم لدفاع ونحوه ، أو لحفظ نفس مُحترمة ، أو مال يضرّ فواته ، أو نحو ذلك ، فأفطر ، فسد صومه ، ولا إثم عليه.
والعلك ، وذوق المرق ، ومضغ الخبز كما روي عن الزهراء عليها السلام (1) وزقّ الطائر ، ومصّ الخاتم ، وجميع ما يُوضع في الفم إذا لم ينفصل منه شي ء إلى الجوف
ص: 29
لا بأس به ، ومع الانفصال مفسد. ويُكره مصّ النواة وشبهها ، مع عدم لزوم الانفصال.
والسعوط ، والتقطير ، والكُحل من دون دخول الجوف ، أو معه مع عدم القصد ، لا بأس به.
وما دخل اتفاقاً من دون تعمّد الإدخال في المنافذ لا بأس به في الجميع ، على الأقوى.
ولو تمضمض لغير وضوء ، أو لوضوء لغير الصلاة ، فدخلَ الماء جوفه ، فسد الصوم. ولو توضّأ للصّلاة فدخل ، فلا بأس به. والقضاء في وضوء النافلة أحوط.
وفي إلحاق الاستنشاق فيه بالمضمضة ، ومضمضة الغُسل واستنشاقه بهما فيه وجه.
وبقاء الرطوبة غير ضارٍّ ، لكن يُستحبّ أن يبصق ثلاث مرّات.
ولو أكل ناسياً ، فظنّ فساد صومه فأكل عامداً ، بطل صومه.
وما ارتفع من المعدة ، ولم يبلغ فضاء الفم ، فلا بأس به ؛ دون ما بلغ ، فإنّه يفطر بابتلاعه. وما تحدّر من الدّماغ ، أو حصلَ في فضاء الفم ، أو خرج من الصدر من الرطوبات المتكوّنة فيها فلا بأس بها ، ما لم يبتلعها من خارج الفم.
وأمّا ما كان من خارج ، فمكث في الأسنان حتّى خرج بنفسه أو بالخلال إلى فضاء الفم ، أو تحدّر إليه ، أو حصل فيه من غير الرطوبات ، كلحمٍ أو سنّ أو نحوهما ، أو حصل في الأنف أو الأذن فابتلع عمداً حتّى وَصَلَ الحلق ولا بأس بالواصل إلى الدماغ أفسد.
ولو كان عن طعنة أو مداواة جرح فلا بأس.
ولو مصّ أحد الزوجين لسان الأخر ، فابتلع من ريقه عمداً ، فسد صومه ، وللاحتياط في غير العمد وجه.
وما خرج من المعدة إلى الحلق قبل البلوغ إلى فضاء الفم لا بأس بابتلاعه ، وكذا المشكوك في بلوغه.
ص: 30
ويفسد ببلوغ المفسد من الفم إلى الجوف ، بل إلى أقصى الحلق.
ثمّ الخارج من المعدة إن وصل فضاء الفم غفلة أو قهراً أو عمداً ، ولم يُعدّ مستفرغاً ، وجب إخراجه ، ومع الدخول عمداً يفسد.
ولو أدخل شيئاً في الجوف فقاءه من حينه فسد ، حتّى لو دخل السافل من دون اختيار أو عن نسيان أو قبل الصبح ، وبقي العالي ، جاز إخراج السافل ما لم يدخل في اسم القي ء. ولو دخلَ في اسمه ، بقي الداخل والخارج على حالهما ، أو فصلا إن أمكن. وإن دار بين إدخال الخارج والقي ء ، قدّم القي ء ، والأحوط القضاء.
ولو سقط شي ء في الفم ، فدخل إلى حيث لا يمكن إخراجه إلا بالنطق بحرفين فصاعداً وهو في الصلاة ، أو كان في ماء ، ولا يمكن سجوده إلا بإدخال رأسه في الماء ، أو كان بحيث لو فتح فاه للقراءة دخل الماء فيه ، ونحو ذلك ، فمع سعة الوقت للفريضة أو كون الصلاة نفلاً مطلقاً يقطع الصلاة ، ومع الضيق يرعى حرمة الصلاة على إشكال.
ومجرّد الطّعم من حلاوة أو مرارة أو غيرهما غير مُخلّ ، وإن بلغ الجوف ، إلا أنْ يقرن بوصول بعض الأجزاء العرفيّة ، دون المنتقلة لانتقال العرض إلى الجوف.
والأقوى أنّ الدخول من غير المنافذ المعلومة كطعنة ونحوها غير مفسد.
ولا حظرَ باستعمال المفطر قبل العلم بطلوع الفجر ، ولو مع الظنّ القائم مقام العلم في مقامه ، ما لم يكن في السماء علّة ، فيقوم الظنّ مقامه ؛ فإن صادف طلوع الفجر ، ولم يكن مُختبِراً بنفسه ، بطل مطلقاً ؛ ومع الاختبار يصحّ في الواجب المعيّن فقط. والأحوط إلحاق خبر العدلين بل العدل الواحد بالعلم في جواز الإفطار ، ووجوب الصوم.
ولو قطع بالغروب أو ظنّ وبالسماء علّة ، ولا طريق له إلى العلم ، فأفطر عملاً بظاهر الشرع ، فظهر الخلاف ، مضى صومه ، والأحوط القضاء.
ولو أفطر في الصحو عملاً بالظنّ الغير المبيح ، أثم مطلقاً ، ويقضي مع الخطأ.
ولو شكّ في حصول أصل المفسد ، أو في أنه قبل طلوع الفجر أو بعده ، أو في أيّام
ص: 31
أفطرها أنّها قبل البلوغ أو بعده ، أو حال الجنون أو الإفاقة ، أو حال الإغماء أو الصحو ، واستمرّ على الشكّ ، فلا قضاء عليه.
ولا فرق في ذلك كلّه بين أقسام الصيام ، وأقسام المفطرات ، عدا المستثنيات ، وما لا يقضي بالفساد قد يمنع عن الانعقاد ، كما إذا وقع مع اتّساع وقت النيّة.
ثالثها : وصول الغبار الغليظ إلى الجوف ، بإيصاله إليه ، أو بفعلٍ باعث عليه ، منه أو من غيره ، من غير فرقٍ بين غبار التراب والدقيق والنورة ونحوها ؛ دون ما يوصله الهواء من دون قصد. ودون الخفيف منه. ودون الدخان ، إلا لمن اعتاده ، وتلذّذ به ، فقام عنده مقام القوت ، فإنّه أشدّ من الغبار. ودون البخار ، إلا مع الغلبة والاستدامة ؛ فإنّه إذا فقد الماء قد يقوم هذا مقامه ، والأحوط تجنّب الغليظ منهما مطلقاً.
ولا يلزم سدّ الفم والأنف من غُبار الهواء ، ويلزم عمّا يحدث بكنسٍ أو نسفٍ أو تقليب طعامٍ أو حفر أرضٍ ونحوها. ومع النسيان والقهر والشكّ في الدخول في الغِلظ يرتفع المنعُ.
ووصوله إلى الجوف ، وخروج آثار الغبار بنخامته وبصاقه لا يبعث على فساد ، ولا يدلّ على غِلَظه ؛ إذ قد يحصل من استمرار الخفيف. ولو خرج إلى فضاء الفم بهيئة الطين فابتلعه أثم ، وأفسد صومه ، وكمن ابتلع النخامة والبصاق من خارج الفم.
رابعها : الارتماس عمداً ، وهو مُفسد للصوم بأقسامه.
ويحصل بغمس الرأس بتمامه وخروج الشعر وحده من الماء لا ينافي صدق التمام بما يُسمّى رمساً ، فلا بأس بالإفاضة ولو مع كثرة الماء.
وأمّا سدّ المنافذ وإدخال الرأس في مانعٍ من وصول الماء إليه متّصل به فلا يرفع حكم الغمس ، وفي المنفصل يقوى رفعه.
ولا فرقَ بين الابتداء به حال الصوم ، واستدامته.
ولو تعمّد الرمس في صوم واجب معيّن مطلقاً أو غيره من أقسام الصوم محرّماً ،
ص: 32
بطل صومه وغسله. ولو نوى حال الإخراج ، قويت صحّة الغسل. وفي غيرهما يبطل الصوم وحده. والناسي لا يفسد صومه ولا غسله.
نعم لو ذكر بعد الرمس ، ولم يُبادر إلى الخروج ، بطل صومه لا غسله. وإذا ارتمس في المغصوب أو فيما كان في إنية من أحد النقدين ناسياً للصوم ذاكراً للنقدين والغصب ، يبطل الغسل وحده.
هذا إذا نوى الغسل حين الرمس ، ولو نواه حين المكث في المعيّن ، مع استلزام مضيّ بعض الزمان ، بطل الغسل أيضاً.
ولو نواه حين الإخراج أو مع عدم الاستلزام ، قويت الصحّة ، وإن بطل الصوم بالمكث. وإن توقّف إخراج نفس محترمة أو مالٍ محترم عليه ، أفسد الصوم من غير إثم ، وصحّ الغسل.
ولا فرق بين الغمس دفعةً وتدريجاً مع الانتهاء إلى حصول تمام رأسه تحت الماء حيناً. ولو اقتصر على إدخال بعضه فلا مانع ، وإن كان ما فيه المنافذ.
ويقوى عدم إدخال باقي المائعات في حكم الرّمس ، إلا ما كان من المياه المضافة ونحوها ، في وجه قويّ.
ولو شكّ في دخول تمام الرأس ، بنى على صحّة صومه. ولو أخبره عدل أو عدلان بدخوله بالتمام ، قوي بطلان الصيام. وذو الرأسين يبطل بغمسهما معاً ، ما لم يكن أحدهما زائداً ، فيكون المدار على الأصلي ، وطريق الاحتياط أسلم.
وما كان منه عن نسيان ، أو قهر ، أو سقوط من غير اختيار ، أو إلقاء نفسه زاعماً أنّ الإلقاء لا يسبّب انغماس الرأس بالماء لا يبعث على فساد.
خامسها : القي ء عامداً مختاراً ، ولو خرج من غير قصد فلا بأس به ، ولو كان عن ضرورة فلا إثم فيه ، ولكنّه مفسد للصّوم. والمدار على ما يُسمّى قيئاً ، فليس منه على الظاهر إخراج الحصاة ، والنواة ، والخيط ، وبعض الحيوانات في وجه قويّ.
ص: 33
ولو أدخل المغصوب في جوفه ليلاً ، فوجب عليه قيئه نهاراً ، فقاءه ، فسد صومه ، وكذا إن لم يفعل في وجه قويّ.
ولو أحسّ به ولم يكن مغصوباً ، فأمكنه من غير عُسر حبسه ، وجب ، وإن أطلقه فسد صومه. ولو خرج إلى فضاء الفم فردّه ، فسد صومه ، وأفطر على حرام في وجه قويّ. ولو رجع من دون اختياره ، لم يفسد. وكلّما وصل أقصى الحلق فردّ قبل الخروج إلى الفم ، فليس فيه شي ء مع العمد ، والسهو ، والاختيار ، والاضطرار.
سادسها : الحُقنَةُ بما يُسمّى احتقاناً عُرفاً بالمائع مع تسميته مائعاً عُرفاً ، وهي مع العمد والاختيار مفسدة للصوم ، بأقسامه.
ولو صبّ في غير الدُّبُر من قُبُل الرجل أو المرأة ، أو جَرح أو قَرح أو طعنة أو احتقن بالجامد وإن ظنّه مائعاً إذ لا قطع لنيّة القطع أو المشكوك في ميعانه ، أو أدخل الدواء بالمِحقَنَة وأخرجه بها من غير صبّ ، أو صبّه بالآلة أو بدونها دون المحلّ ، أو فعل نسياناً أو مسلوب الاختيار ، فلا بأس.
ولا فرق في الإفساد بين الدواء وغيره مع الإيصال إلى الجوف ، ولا بين الواصل بالآلة وبغيرها ، ولا بين القليل والكثير. والمدار على حال الصبّ ، فلو أدخل الإله في الليل ، وصبّ في النهار ، فسد صومه ، وبالعكس بالعكس ويُعرف المائعُ بوضعِ جامدٍ فيه وإخراجه ، فإن لم يتقاطر منه ، فهو جامد.
ولو نسي فصبّ البعض وذكر ، أخرج الباقي مع الإمكان ، وإلا فسد صومه ، ولا بأس مع عدم الإمكان.
والنظر في الميعان ، وعدمه على ابتداء الحصول في المحلّ ، فلو وصل الجوف مائعاً ، فجمَدَ ، بطل الصوم ، ؛ بخلاف ما لو وصل جامداً فماعَ.
ويُصدّق الحاقن في الوصول ، والدخول ، والميعان ، وخلافها ، وإن لم يكن عدلاً ، حيث لا يعلم كذبه في وجه قويّ. ولا يلحق بذلك وصول الماء إلى جوف المرأة من جهة الفرج.
ص: 34
سابعها : الجنابة ، مع العمد والاختيار ، إمّا بإنزال المني بدلكٍ أو خضخضة أو مُلاعبة أو غير ذلك ، أو بالجماع قُبُلاً أو دُبُراً موصولين ، من ذكر أو أُنثى لذكر ، أو ذكر لأُنثى ، إنسان أو حيوان ، حيّ أو ميّت ، مع الإنزال وعدمه ، مع غيبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها فعلاً.
فلو دخل بجملته ملتوياً ، ولم يبلغ الحدّ ، ولو أُرسل بلغ ، فلا فساد فاعلاً أو مفعولاً. ولا فساد مع النسيان والقهر المانع عن الاختيار ، والشكّ في الأصل ، أو في غيبة الحشفة ، والإيلاج في غير الفرجين بلا إنزال ، وإدخال غير الذكر من إصبع وغيره ، وإدخال إله الطفل الصغير قبل نشرها (1) على إشكال.
ولو ارتفع القهر أو النسيان أو طلع الصبح بعد إدخاله فنزعه من حينه ، فلا بأس. ولو تراخي فسد الصوم. ولو طعنَ بزعم غير الفرج فدخل فيه من غير قصد ، فلا شي ء عليه ، وكذا العكس ؛ لعدم اعتبار نيّة القطع.
ولا فرق بين دخول الذكر ملفوفاً أو مكشوفاً ، منتصباً أو ملتوياً ، داخلاً بنفسه أو بحشوة ، مفصولاً من عرضه أو لا ؛ فإنّ الجميع مفسد للصوم ، دون المساحقة ، ونحوها ، مع عدم الإنزال.
ولا عبرة بالشكّ في خروج المني ، ولو بعد الإنزال وقبل الاستبراء وإن وجب الغسل مع العلم بالخروج والشكّ بالخارج من الرطوبات ، ولا بالاستبراء للمُحتلم في نهار الصوم ، ولا بجنابةِ مَن لم يعلم بجنابته إلا في النهار على نحو ما مرّ. ومن تحرّك منيّه إلى المجرى وأمكنه حبسه لم يلزمه ؛ خوفاً من الضرر.
وجماع الخنثى لمثله مُشكلاً أو لا ، قُبلاً أو دُبُراً يقضي بالفساد على الأقوى.
ومن خرج منه المني من غير قصد ، فإن كان بعد فعل ما تقضي العادة بخروجه
ص: 35
بعده ، فكالقاصد ، من غير فرق بين النظر ، واللمس ، والضمّ ، والتقبيل ، وغيرها ، وإلا فلا. والأحوط البناء على الفساد ، مع خروجه مطلقاً فيما عدا النظر ، من اللمس ، والضمّ ، والتقبيل ، ونحوها ، ولا سيّما في المحرّم منها.
وخروج مني الرجل من فرج المرأة لا يوجب غُسلاً ، ولا إفطار.
ثامنها : البقاء على الجنابة عمداً مُختاراً حتّى يطلع الفجر ، فتعمّد المقارنة لابتداء النهار. مع الاستمرار ، كتعمّد ابتداء الجنابة في أثناء النهار ، ومنه إحداث سببها في وقت لا يسع الغسل بعد حصوله ، ولا التيمّم ، ولو وسع التيمّم فقط ، عصى ، وصحّ الصوم على إشكال.
والنوم ناوياً لعدم الغسل ، أو متردّداً فيه على تردّد ، وكذا النوم مسبوقاً بنومٍ مسبوق بالجنابة ، عازماً على الغسل أو لا ، وقضاء العادة بعدم اليقظة عزم على العدم ، والنسيان هنا كالعمد في لزوم القضاء ، والجهل بالحكم في جميع الأقسام كالعمد في لزوم القضاء ، مع عدم خطور السؤال بالبال ، ومعه كالعمد في لزوم الكفّارة أيضاً.
والحكم ماشٍ في جميع أقسام الصوم ، سوى صوم التطوّع ، على الأصحّ.
ومطلق الإصباح في العمد وغيره مفسد في الواجب الموسّع.
وتارك التيمّم ، مع فقد الماء حتّى يصبح ، كتارك الغسل. والأحوط ، بل يجب بقاؤه معه متيقّظاً حتّى يصبح فيه ، وفي كلّما يصحّ فيه الصوم بالتيمّم عوضاً عن الغسل.
ولو تيقّظ بعد الصبح محتلماً ، فإن علم سبق الجنابة عليه ، ليبس المني مثلاً ، دخل في حكم البقاء جنباً غير متعمّد حتّى يصبح ، وإلا فهو كمن أجنب بالنهار من ذوي الأعذار ، فلا يُفرّق فيه بين الموسّع وغيره.
ولو جامع في الوقت الضيّق عن الغسل ، أو أخّر الغسل عمداً حتّى ضاق الوقت عنه ثمّ تيمّم ، عصى وصحّ صومه ، ولا شي ء عليه ، والأقوى القضاء والكفّارة.
ولا يجب البدار على من احتلم بالنهار أو أخّره لبعض الأعذار ، وإن كان أحوط.
ص: 36
وغير العالم بالجنابة ؛ لعدم الخطور أو الشكّ ، ثمّ ظهر إصباحه بها ، لا شي ء عليه في المعيّن فقط.
ولو شكّ في يوم أصبح به جنباً فيما مضى في أنّه هل كان ممّا يفسده الإصباح جنباً أو لا ، وأنّه هل كان عن عمد فيفسد في محلّه أولا ، أو أنّه صادف الفجر أو لا ، بنى على الصحّة ؛ أو أنّه هل كان ممّا يجب قضاؤه أو لا ، بنى على عدم وجوبه. وكذا الحال في جميع المفطرات في جميع ضروب الصيام.
تاسعها : البقاء على حدث الحيض بعد النقاء حتّى تصبح ، مع العمد ، والاختيار ، إمّا بترك الغسل أو التيمّم في محلّه. وفي الواجب الموسّع لا يفرّق بين العمد وغيره في إفساده ، وفي التطوّع لا بأس به مطلقاً على إشكال.
وللفرق بين النومة الواحدة للعازم على الغسل ، والنومتين هنا وجه ، والقول بالصحّة فيهما معاً أوجه. ولو حصل النقاء حيث لم يبقَ مقدار فرصة الغسل أو بدله ، أو اشتغلت بالغسل أو بدله في وقت تظنّ سعته له ، ففاجأها الصبح ، أو لم تعلم
بنقائها في اللّيل ، حتّى دخل النهار ، صحّ صومها المعيّن أو المندوب ، دون الواجب الموسّع.
والنوم مع العزم على عدم الغسل أو التردّد بحكم عامد الترك.
ولا يجب البدار على من جاز تأخّرها إلى النهار لبعض الأعذار ، وإن كان الأحوط ذلك. ومع ضيق الوقت عن الغسل وإمكان التيمّم يتعيّن التيمّم.
والأحوط بقاؤها متيقّظة إلى الصبح ، بل يجب كما في بقاء الجنابة.
عاشرها : البقاء على حدث النفاس بعد النقاء حتّى تصبح ، مع العمد والاختيار ، إمّا بترك الغسل أو التيمّم في محلّه ، والأحكام السابقة في الحيض جارية هنا ؛ لأنّ دم النفاس والحيض واحد بالحقيقة ، وفي جميع الأحكام سوى ما استثني ، وليس هذا منها.
ولا يجوز لهما الانتظار إلى النهار لرجاء الماء الحارّ ، مع عدم الاضطرار. ولو
ص: 37
تأخّرتا عن الغسل مع الاختيار حتّى ضاقَ وقته ، فتيمّمتا ، عصتا ، وفي صحّة الصوم إشكال.
حادي عشرها : ترك المستحاضة الّتي يلزمها الغسل لصلاتها النهارية ما يلزمها من الأغسال لها كلا أو بعضاً ، وفي توقّف صومها على فعل الوضوءات قبل الأغسال ، وما لزمها من فرائض الصلوات ، وجه قويّ. ولا توقّف على وضوءات من يلزمها الوضوءات فقط.
وتفصيل الحال : أنّها إن استمرّ بها الدم القليل الّذي لا يثقب القطنة تمام النهار ، لم يتوقّف صومها على شي ء ؛ إذ ليس عليها سوى الوضوءات لكلّ واحدة من الصلوات.
وإن استمرّ الدم للمتوسّطة الثاقب غير السائل ، توقّف الصوم على غسل واحد ؛ إذ لا غسل عليها مع الوضوء إلا لصلاة الصبح ، وليس لباقي الصلوات سوى الوضوءات.
وإن استمرّ الثاقب السائل ، توقّف صومها على غُسلين : غُسل للصبح ، وآخر قبل الظهرين ؛ والأحوط مُراعاة غسل العشاءين.
ويلزم الغُسل للانقطاع كما يلزم للاستمرار.
ومتى حدثت صفة توجب الغُسل في أثناء النهار بابتداء دمٍ ، أو تغيير صفة غير موجبة إلى صفة موجبة ، لزم الغسل قبل الصلاة الباقية.
ففي المتوسّطة والكثيرة ، إن سبق الدم الظهرين ، غسل للظهرين. والأحوط مُراعاة العشاءين. ولو انتقلت الوُسطى بعد صلاة الصبح إلى الكبرى ، كان عليها بإضافة الأوّل غسلان.
والظاهر عدم وجوب تقديم غسل صلاة الصبح عليه ، والاحتياط فيه. ولا يتوقّف صوم اليوم الاتي على غسل العشاءين للّيلة الماضية ، ولا المستقبلة على إشكال.
ولو شكّت في موجب الغسل بعد تمام اليوم فلا شي ء ، والأقوى وجوب البحث
ص: 38
في الابتداء. ولا شي ء على الناسية للاستحاضة أو للصوم والمجبورة على عدم الغسل والمختلّ غسلها لا عن عمد.
ويفسد صومُ جاهلة الحكم ، والنائمة ، عازمة على عدمه أو متردّدة.
وفي جري حكم النوم ، مع العزم على الغسل كما في الجنابة ، من الفرق بين الوحدة والتعدّد وجه. والقول بالصحّة مطلقاً أصحّ.
ومؤخّرة صلاة الصبح عمداً إلى بعد طلوع الشمس لو أتت بالغسل قبلها صحّ صومها ، على إشكال.
والفاقد للماء تقصيره في ترك التيمّم بدل الغسل كتقصير تارك الغسل.
ولا توقّف للصوم على غُسلٍ ممّا عدا الأغسال المذكورة ، كغُسل مسّ الموتى ، فإنّ حدث المسّ لا يمنع إلا ما يمنعه الحدث الأصغر ، فلو صام الماسّ من غير غسل فلا بأس عليه.
ثاني عشرها : تعمّد الكذب ، وتعمّد كونه على اللّه أو رسوله أو أحد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام وإلحاق الزهراء عليها السلام أحوط في نسبة الأحكام الشرعيّة ، مستفادة من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ ، رجع عن الكذب وأخبر بالصدق من حينه أو لا ، تابَ أو لا ، جاهلاً بالحكم أو عالماً به ، دون من عداهم من الأنبياء والأوصياء ، ودون الأُمور العاديّة والطبعيّة ، والاحتياط في تسرية الحكم إليهما ، وإلى القضاء والفتوى.
ولو نقلَ قول الكاذب عليهم ، أو قصدَ الهزل ، أو قصدَ الكذب فبانَ صِدقاً إذ لا إفساد في نيّة القطع أو الصدق فبانَ كِذباً ، أو أفادَ المعنى بفعلٍ أو تقرير ، أو كان ناسياً للصوم ، أو مجبوراً ، أو في مقام تقيّة ، أو دون البلوغ مميّزاً ، فلا فساد. وطريق الاحتياط غير خفيّ.
أمّا لو حدّث بحكم صادقٍ ، ثمّ قال كذبتُ ، أو كاذبٍ ، فقال : صدقتُ ، أو أخرج الخبر الكاذب إلى الإنشاء بعهدٍ أو يمينٍ ونحوهما ، أو أخبر بخبرٍ عن إمام مسند إلى واسطة ، أو كذب ليلاً فقال نهاراً : ما أخبرتُ به البارحة صِدق ، أو أخبر صادقاً في
ص: 39
اللّيل فقال في النهار : خبري ذاك كذب ، أو سأله سائل هل قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم كذا؟ فقال : نعم ، في مقام لا ، أو لا في مقام نعم ، أو أفاد المعنى بإشارة أو كناية ، ترتّب الفساد.
ولا فرقَ بين أقسام الصيام ، ولا بين ألفاظ اللُّغات. نعم يُشترط فيه قصد الإفهام ؛ فلو تكلّم بالخبر غير موجّه خطابه إلى أحد ، أو موجّهاً إلى من لا يفهم معنى الخطاب ، فلا فساد.
ثالث عشرها : خروج دم الحيض المعيّن في نفسه أو بتعيينها وإن عدلت على إشكال ولو قطرة منه قبل الغروب بدقيقة ، بعلاج وبدونه ، مع العلم والجهل ، والتذكّر والنسيان ، وفي جميع الأحوال.
رابع عشرها : خروج دم النفاس على نحو دم الحيض ، بل هو من الحيض ، فتجري فيه تلك التفاصيل. ولا فرق بين الخروج فيهما ، والإخراج.
خامس عشرها : السفر بالغاً محلّ الترخّص قبل الزوال ، مع الوصول إلى مكان يجوز فيه تقصير الصلاة. والأحوط مُراعاة محلّ الترخّص في الإفطار لمن تردّد في أثناء المسافة ثمّ عزم من محل العزم ، وإن كان الاكتفاء بالضرب في الأرض بعد العزم أقوى.
وكذا الحال في كلّ من فارقَ أسباب التمام ، من سفينة ، أو دواب ، أو معصية ، أو تجارة ، أو سعاية ، أو بيادر زراعة.
وأمّا في الوطن ونيّة الإقامة فلا تأمّل في اعتباره ، وكذا الأحوط مُراعاة الصيام بعد تجاوز مقدار محلّ الترخّص للراجع إلى سفينته أو دوابّه ، ونحو ذلك.
والحكم بوجوب الإفطار في السفر الشرعي جارٍ في جميع أقسام الصوم ، ما عدا ثلاثة أيّام متوالية للحاجة المعتبرة في المدينة المؤسّسة أيّام النبيّ صلى اللّه عليه وآله
ص: 40
وسلم أو مطلقاً ولا يسري الحكم إلى قضاء منذورها وصوم ثلاثة أيّام بدل الهدي ، وصوم ثمانية عشر يوماً بدل البدنة للخارج من عرفة قبل الغروب ، وصوم الداخل إلى محلّ التمام قبل الزوال ، وصوم الخارج بعد الزوال ، ولم يكن أتياً ببعض المفطرات. والأقوى عدم الفرق بين صوم التطوّع ، والمنذور سفراً وحضراً ، وغيرهما.
سادس عشرها : حدوث المرض الضارّ ضرراً مُعتداً به بسبب الصيام ، بزيادةٍ ، أو بُطءٍ أو تقبيح صورة ، أو نحو ذلك.
سابع عشرها : عروض سبب الخوف على محترم من نفس أو غيرها من جوعٍ أو عطش ، أو تقيّة ، أو خوف على مال ، من نقدٍ أو جنس أو جمع زراعة أو ثمرة يضرّ إهمالها بحاله ، ونحو ذلك.
ثامن عشرها : عروض الجنون في أثناء اليوم ، ولو قبل الغروب بجزءٍ ما من الزمان ، بما يُسمّى جنوناً عُرفاً ، دون الخَبَل ، وقلّة الفطانة ، وزيادة الغِرّة (1).
تاسع عشرها : عروض الإغماء والسكر ، بعلاج وبدونه ، في أيّ جزء كان من أجزاء اليوم ، والأحوط القضاء والكفّارة في ذي العلاج في كلّ المُفسدات الشرعيّة ، من إغماءٍ وحيض وغيرهما.
العشرون : عروض الردّة عن الإسلام أو الإيمان ، بإنكار أصلٍ أو جحوده ، أو إنكار ضروريّ كصوم شهر رمضان ونحوه ، أو سبّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام ، أو الزهراء عليها السلام ، ونحو ذلك.
ص: 41
الحادي والعشرون : منع السيّد عبده ، والزوج زوجته ، والوالدين ولدهما عن صوم التطوّع بعد الدخول فيه بعد الإذن منهم.
وإلحاق الواجب الموسّع به قويّ ، والأقوى خلافه ، ولو أذنوا بعد المنع فالفساد باقٍ.
الثاني والعشرون : عروض مُنافاة بعض الواجبات ، كتحصيل نفقة العيال ، أو ما يُقضى به الدين مع مُطالبة الغريم ، أو الجهاد الواجب ونحوها ، على رأي ، والأقوى العدم.
وأقسامه أربعة : مندوب ، ومكروه ، وواجب ، وحرام.
وضروبه كثيرة :
منها : صوم ثلاثة أيّام من الشهر : أوّل خميس ، وآخر خميس ، وأوّل أربعاء من العشرة الثانية. وعليها استمرّ عمل النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى قُبض ، وقد كان بُرهةً من الزمان يصوم حتّى يقال : لا يفطر ، ويفطر حتّى يقال : لا يصوم ، ثمّ انتقل منه إلى صوم الاثنين والخميس ، ثمّ إلى صوم داود عليه السلام يوماً ، ويوماً لا (1).
وعن الصادق عليه السلام : أنّ صوم تلك الثلاثة أيّام يعدل صوم الدهر (2) ، ولعلّ المراد ممّا عداها ، أو مع عدم نيّة خصوصها ، أو مع فرضها خالصة عن الخصوصيّة ، كما
ص: 42
يقال مثله : في أنّ الفاتحة تعدل قراءة القرآن (1). ونحو ذلك.
وهي الّتي أوصى بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم عليّاً (2) ، والّتي تُذهب ببلابل القلب أي همومه ، وور الصدر ، أيّ وسوسته أو حقده وغضبه (3).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، قال : «إنّي دخلت الجنّة فوجدت أكثر أهلها البُله ، وهم الغافلون عن الشرّ ، العاقلون للخير ، الصائمون ثلاثة أيّام من كلّ شهر» (4).
ولعلّ المراد أكثرهم نَفعاً ، أو أتْباعاً ، أو الّذين لهم رتبة الحضور بخدمة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو جنّة مخصوصة ، أو من لهم أهليّة. ويمكن تعميم صوم أيّ ثلاثة ممّا ورد فيها الخصوص أو مطلقاً.
وعن الرضا عليه السلام صوم خميس بين أربعاءين (5) ، وفي رواية أبي بصير شهر على الأوّل ، وشهر وفق رواية الرضا عليه السلام ، وهكذا (6). وعن الصادق عليه السلام التخيير بين الأوّل ، وبين صيام الاثنين والأربعاء والخميس ، وبين ثلاثة أيّام من كلّ شهر (7).
وفي بعض الأخبار اعتبار النحو الأوّل مع تقييد الخميس الأخير بأوّل خميس من آخر الشهر (8) ، وروى مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة ، نقله في الدروس (9) ، والأوّل أشهر وأظهر.
ومنها : صوم أيّام البيض من كلّ شهر : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر. وسُمّيت بِيضاً لبياض لياليها. أو لبياض آدم عليه السلام بعد سواده لتركه
ص: 43
الأولى ، وزوال السواد منه أثلاثاً ، في كلّ يوم منها ثلثاً.
فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام : «من صام أيّام البيض : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، كتب اللّه له بصوم أوّل يوم صوم عشرة آلاف سنة ، وبثاني يوم صوم ثلاثين ألف سنة ، وبثالث يوم صوم مائة ألف سنة ، ثمّ قال : هذا لك ولمن عمل ذلك» (1).
والقول بأنّ أيّام البيض الأربعاء والخميسان (2) ، لا اعتداد به.
ومنها : صوم ثلاثة أيّام من الشهر كيف أراد ، ورُخص في تقديمها ، وتأخيرها في الشهر ، وإلى الأيّام القصار ، وإلى الشتاء (3).
ومنها : صوم ثلاثة من أوّل الشهر ، وثلاثة من وسطه ، وثلاثة من أخره. روي : أنّه صوم سليمان بن داود عليه السلام (4).
ومنها : صوم ثلاثة أيّام للحاجة ، خصوصاً في المدينة.
ومنها : صيام ثلاثة أيّام للاستسقاء ، آخرها يوم الاثنين. وقيل : أو يوم الجمعة (5) ، ولا بأس به.
ومنها : صيام ثلاثة أيّام من رجب : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر ، عمل أُمّ داود.
والظاهر أنّ صيام بعض الأيّام من المتعدّد اختياراً أو اضطراراً يلحقه ثواب الأصل والخصوصيّة ، مع ملاحظة نسبة الكميّة ، وإن فاته ثواب المجموعيّة ، كما في نحوه من الأعمال.
ص: 44
ومنها : صوم شهر رجب ، فعن عليّ عليه السلام رجب شهري ، وشعبان شهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وشهر رمضان شهر اللّه (1) وعن الباقر عليه السلام : «من صام يوماً من أوّل رجب أو وسطه أواخره ، أوجبَ اللّه له الجنّة ، وجعله معنا وفي درجتنا يوم القيامة ، ومَن صامَ يومين منه ، قيلَ له : استأنف العمل ، فقد غفر اللّه لك ما مضى ، ومن صام ثلاثة أيّام من رجب ، قيل له : قد غفر لك ما مضى وما بقي ، فاشفع لمن شِئتَ من مُذنبي إخوانك وأهل معرفتك ؛ ومَن صامَ منه سبعة أيّام أُغلقت عنه أبواب النيران السبعة ؛ ومَن صامَ منه ثمانية أيّام ، فُتحَت له أبواب الجنّة الثمانية» (2).
وفي «المجالس» و «ثواب الأعمال» : عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أنّه قال : «رجب شهر اللّه ، من صامَ منه يوماً إيماناً واحتساباً ، استوجبَ رضوان اللّه الأكبر.
ومَن صام منه يومين ، لم يصِف الواصفون ماله عند اللّه من الكرامة.
ومن صام منه ثلاثة أيّام ، جعل اللّه بينه وبين النار حجاباً طوله مسيرة سبعين عاما.
ومَن صامَ منه أربعة أيّام ، عُوفيَ من البلايا كلّها ، والجنون ، والجذام ، والبرص ، وفِتنة الدجّال.
ومَن صامَ منه خمسة أيّام ، كانَ حقّا على اللّه أن يُرضيه يوم القيامة.
ومَن صام منه ستّة أيّام ، خرج من قبره ونوره يتلألأ ويُبعث من الآمنين.
ومَن صامَ منه سبعة أيّام ، غُلقت عنه أبواب جهنّم سبعتها.
ومَن صامَ منه ثمانية أيّام ، فَتَحَ اللّه له بكلّ يوم باباً إلى الجنّة يدخل من أيّها شاء.
ومن صام منه تسعة أيّام ، خرج من قبره وهو ينادي : لا إله إلا اللّه ، ولا يُصرف وجهه دون الجنّة.
ومن صامَ منه عشرة أيّام ، جعلَ اللّه له جناحين أخضرين يطير بهما كالبرق
ص: 45
الخاطف إلى الجنان.
ومَن صامَ منه أحد عشر يوماً ، لم يوافِ عند اللّه أفضل منه ، إلا من صام مثله أو زاد عليه.
ومَن صامَ منه اثنا عشر يوماً كساه اللّه يوم القيامة حُلّتين خضراوين من سُندس واستبرق.
ومَن صامَ منه ثلاثة عشر يوماً ، وُضِعت له يوم القيامة مائدة من ياقوت أخضر في ظلّ العرش ، فيأكل منها ، والناس في شدّة شديدة.
ومَن صامَ منه أربعة عشر يوماً ، أعطاه اللّه تعالى من الثواب ما لا عين رأت ، ولا أُذُن سمِعت ، ولا خطرَ على قلب بشر.
ومَن صامَ منه خمسة عشر يوماً ، وقف يوم القيامة موقف الآمنين.
ومن صام منه ستّة عشر يوماً ، كان من أوائل من يركبون على دوابّ من نور تطير بهم في عرصات الجنان.
ومَن صامَ منه سبعة عشر يوماً ، وضعَ له على الصراط سبعون ألف مصباح من نور ، حتّى يمرّ بتلك المصابيح إلى الجنان.
ومَن صامَ ثمانية عشر يوماً منه ، زاحمَ إبراهيم الخليل في قبّته.
ومَن صامَ تسعة عشر يوماً منه ، بنى اللّه له قصراً من لؤلؤ رطب بحذاء قصر آدم عليه السلام وإبراهيم عليه السلام.
ومَن صامَ عشرين يوماً منه ، يكن كمن عبد اللّه عشرين ألف ألف عام.
ومَن صامَ واحداً وعشرين منه ، شفعَ يوم القيامة في مثل ربيعة ومُضر.
ومَن صامَ اثنين وعشرين يوماً ، ناداه مُنادٍ من السماء : أبشر يا وليّ اللّه بالكرامة العظيمة.
ومَن صامَ ثلاثة وعشرين يوماً منه ، نُودي من السماء : طوبى لك يا عبد اللّه ، تعبت قليلاً ، ونعمت طويلاً.
ومَن صامَ منه أربعة وعشرين يوماً ، هوّن اللّه عليه سكرات الموت ، ويرد حوض
ص: 46
النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم.
ومَن صامَ منه خمسة وعشرين يوماً ، فهو أولى الناس دخولاً في جنّة عدن مع المقرّبين. ومَن صامَ منه ستّة وعشرين يوماً بنى اللّه له قصراً يسكنها ناعماً ، والناس في الحساب.
ومَن صامَ منه سبعة وعشرين يوماً ، وسّعَ اللّه عليه القبر مسيرة أربعمائة عام.
ومَن صامَ منه ثمانية وعشرين يوماً ، جعل اللّه بينه وبين النار سبعة خنادق.
ومَن صامَ منه تسعة وعشرين يوماً ، غفرَ اللّه له ، ولو كان عشّاراً (1) ، ولو كانت امرأة فجرت سبعين مرّة.
ومَن صامَ ثلاثين يوماً منه ، نادى مُنادٍ من السماء : يا عبد اللّه ، قد غُفر لك ما مضى ، فاستأنف العمل فيما بقي» (2).
ومنها : صوم شعبان ، فعن الصادق عليه السلام : «مَن صامَ أوّل يوم من شعبان ، وجبَت له الجنّة البتّة ؛ ومَن صامَ منه يومين ، نظرَ اللّه إليه في كلّ يوم وليلة في دار الدنيا ، ودام نظره إليه في الجنّة ؛ ومَن صامَ منه ثلاثة أيّام ، زارَ اللّه في عرشه» (3).
وهو الشهر الّذي كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم يُحافظ على صيامه ، وله فضل عظيم (4).
ومنها : صوم نصف رجب ؛ لوروده بالخصوص في بعض النصوص (5).
ومنها : صوم الاثنين والخميس ؛ لما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنّه
ص: 47
كان يداوم على صومهما بُرهة من الزمان (1).
ومنها : صوم يوم الجمعة ، فعن الصادق عليه السلام : استحباب صومه ؛ لأنّ ثواب العمل يضاعف فيه (2) وروى : مَزيد تأكيد في صوم الخميس والجمعة في شهرٍ حرام (3).
ومنها : صوم يوم السبت من شهرٍ حرام ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «مَن صامَ من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت ، كتبَ اللّه لهُ عبادة تسعمائة سنة» (4).
وما روي من النهي عن صوم الاثنين (5) ، محمول على التقيّة ، أو قصد التبرّك ، كما صنع بنو أُميّة لعنهم اللّه. والنهي عن إفراد الجمعة بالصيام حتّى يصوم معه غيره (6) ، محمول على التقيّة.
ومنها : صوم أوّل يوم من ذي الحجّة ، فعن الكاظم عليه السلام : أنّ صوم أوّل يوم منه يعدل صوم ثمانين شهراً (7) ، وروى : أنّ صومه كفّارة ستّين سنة (8) ، وروى : كفّارة تسعين سنة (9).
ومنها : صوم ثامن ذي الحجة ، فعن الصادق عليه السلام : إنّ صوم يوم التروية كفّارة سنة (10).
ومنها : صوم تسعة أيّام من أوّل ذي الحجّة جملةً ، فعن الكاظم عليه السلام : أنّها
ص: 48
تعدل صوم الدهر (1).
ومنها : صوم كلّ يوم من المحرّم ، أيّ يوم كان ؛ لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «مَن صامَ يوماً من المحرّم ، فلهُ بكلّ يوم ثلاثون يوماً» (2). وروى : أنّه مَن صامَ يوماً من المحرّم ، جعلَ اللّه بينه وبين جهنّم جنّة كما بين السماء والأرض (3).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنّ أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة في جوف الليل ، وأفضل الصوم بعد شهر رمضان صوم شهر اللّه الّذي يدعونه المحرّم» (4).
ورود في صوم تاسوعاء وعاشوراء : أنّ صومهما يعدل سنة (5) ، والأولى أن لا يصوم العاشوراء إلا إلى ما بعد صلاة العصر بساعة. وينبغي له الإفطار حينئذٍ على شربةٍ من ماء.
ومنها : صوم يوم التاسع والعشرين من ذي القعدة ، وروى : أنّه كفّارة سبعين سنة (6).
ومنها : صوم يوم النصف من جمادى الأُولى ، ذكره الشهيد رحمة اللّه عليه (7).
ومنها : الصوم عند الشدّة ، فعن الصادق عليه السلام : «إذا نزلت بالرجل النائبة والشدّة ، فليصُم ، فإنّ اللّه تعالى يقول ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (8) والصبر الصوم» (9). وشكا رجل إلى الكاظم عليه السلام ضيق يده ، فقال له : «صُم وتصدّق» (10).
ص: 49
ومنها : صوم الولد أو القرابة الأدنى عن الشيخ العاجز عن الصوم ، أو المتعسّر عليه حال حياته ، وعليه يُنَزّل ما دلّ على الوجوب (1).
ومنها : الصوم للدعاء ؛ لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «دعاء الصائم لا يردّ» (2).
ومنها : صيام أهل الشبق (3) من العزّاب ؛ لأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم لهم بذلك» (4).
ومنها : صيام أيّام الهجير ؛ للأمر به (5).
ومنها : صيام النيابة حيث لا تجب بإجارة ولا بغيرها.
ومنها : صوم من نامَ عن صلاة العشاء حتّى ينتصف اللّيل.
ومنها : صيام الأولاد المميّزين قبل بلوغهم.
ومنها : صوم يوم الشكّ ؛ للأمر به (6).
ومنها : صوم يومٍ ، ويوم لا ؛ لفعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولأنّه صوم داود عليه السلام (7).
ومنها : صوم يومين وإفطار يوم ، روي : أنّه صوم مريم عليها السلام ؛ (8) وفي هذا
ص: 50
وأمثاله إشعار برجحان ما اعتاده الأنبياء السابقون ، ونحوهم.
ومنها : صوم ستّة أيّام بعد عيد الفطر ، وتركه أولى.
ومنها : صوم يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة ، فعن الصادق عليه السلام : أنّه يعدل صوم ستّين سنة (1) وروى : أنّه يعدل صوم الدنيا (2) ، وروى : أنّه يعدل في كلّ عام مائة حجّة ، ومائة عمرة مَبرورات مُتقبّلات ، وهو عيد اللّه الأكبر (3) ، وكانت الأنبياء تأمر الأوصياء أن يتّخذوا يوم نصب الوصيّ عيداً للنّاس (4).
ومنها : صوم يوم المبعث ، وهو السابع والعشرين من رجب. وروى عن الرضا عليه السلام : أنّه لثلاثٍ مضين من رجب. قال سعد : وهو غلط من الكاتب (5).
وعن الصادق عليه السلام : أنّ صومه يعدل صوم ستّين سنة (6) ، وعن الرضا عليه السلام : صوم سبعين سنة (7).
ومنها : صوم يوم دحو الأرض ، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ، فعن الرضا عليه السلام : أنّ صومه يعدل صوم ستّين شهراً (8).
ومنها : صوم يوم مولد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، السابع عشر من ربيع الأوّل. وقول الكليني : إنّه الثاني عشر (9) ، ضعيف.
وفي روضة الواعظين : روى أنّ صومه يعدل صوم ستّين سنة (10).
ص: 51
ومنها : صوم يوم المباهلة ، الرابع والعشرين من ذي الحجّة ، ذكره الأصحاب (1).
ومنها : صوم النيروز ؛ لأمر الصادق عليه السلام به (2).
ومنها : الصوم لقضاء الحاجة ، كما يظهر من تتبع الأخبار (3).
ومنها : الصوم لصحّة المزاج والغنى عن العلاج ، كما يظهر من بعض الروايات (4).
ومنها : صوم الاحتياط لمن كان عليه مظنّة الواجب أو مستحبّ.
ومنها : القضاء عمّن فاته في السفر شي ء من الأيّام ، ومات في شهر رمضان.
ومنها : صوم قضاء النفل ، كصوم الثلاثة ، وصوم الكفّارات المندوبات ، ونحوها ، وسيجي ء تفصيلها في القضاء والكفّارات إن شاء اللّه تعالى.
ومنها : الصوم التمريني للأطفال درجات بحسب ما يقدرون ، من نصف اليوم وثلثه ، وأقلّ أو أكثر.
ومنها : صوم التأديب ، وهو الإمساك استحباباً ، وهذان القسمان خارجان عن حقيقة الصوم.
ويُستحبّ الإمساك للمُسافر إذا ورد ، أو نوى الإقامة ، أو تمّ لهُ الثلاثون في أثناء النهار.
ولا يبعد ذلك في المقيم إذا عدل قبل صلاة فريضة تامّة ، ولو علم الرمضانيّة في أثناء اليوم ، ولا تلزم نيّته.
ويقوى ذلك في غيره من المعيّن ، دون غيره ، والمريض إذا عوفي قبل الزوال وقد فعل المفسد ، أو بعد الزوال مطلقاً ، وللحائض والنفساء إذا طهرتا ، والكافر إذا أسلم ، والمجنون إذا عقل ، والمغمى عليه إذا أفاق ، والصبي إذا بلغ في أثناء النهار مطلقاً.
وأمّا من أفسد صومه عمداً بحيضٍ أو نفاسٍ أو إغماءٍ أو جنون ، فلا يبعد إيجاب
ص: 52
الإمساك عليه ، وإلحاق الكافر بهذا القسم قويّ.
وأمّا تعمّد المفطرات في غير محلّ الإذن ، فيجب بعدها الإمساك ، وكذا مع الإذن للخوف أو للشكّ فتبيّن من شهر رمضان.
وهو عدّة أُمور :
منها : صوم الولد تطوّعاً من دون إذن والديه ، ويُمنع منه مع المنع ، على الأقوى.
ومنها : صوم الضيف تطوّعاً من دون إذن مضيّفه ؛ لنهي النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ؛ ، (1) وقيل بتحريمه ؛. (2) ولا يبعد إذا سبّب الفساد في الزاد. ويلحق به العيال بغير إذن المُعيل ، ومع العلم بالإذن يرتفع المحذور.
ومنها : صوم صاحب البيت تطوّعاً من دون إذن ضيفه ؛ لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «لا ينبغي لمن عنده ضيف أن يصوم إلا بإذنه» ؛. (3)
ومنها : صوم التطوّع لمن عليه صوم واجب غير قضاء شهر رمضان ، وإلا حرم على الأصحّ فيهما ، وقضاء الصبيّ المميّز لا يمنع نفله على الأقوى.
ومنها : صوم يوم عرفة مع شكّ الهلال ، أو تسبيبه للضّعف عن الدعاء.
ومنها : صوم الدهر عدا العيدين ، على الأقوى.
ومنها : صوم ثلاثة أيّام بعد عيد الفطر ، بل لا تبعد كراهة صوم الستّة ؛. (4)
ومنها : صوم التطوّع المضعف عن العبادات ، أو عن القيام بحقوق الزوجات ، أو
ص: 53
قضاء حوائج أرباب الحاجات ، أو السعي في بعض المكاسب الضروريّات ، أو المضيّع لحقوق بعض الإخوان ، كالشركاء في الخوان (1) ، أو الباعث على نحول الأجسام كالهمّ ، ومن ليس لبدنه قوام ، ومن دعاه أخوه إلى الإفطار فبقي على الصيام ؛ فقد رضي بالثواب الناقص عوضاً عن الثواب التامّ.
ومنها : صوم يوم عاشوراء تامّاً منوي الصوم ، ولعلّ ذلك لكونه كان عيداً في الجاهليّة ، أو لزيادة العطش بحرقة القلب رحمةً من اللّه ، أو لإظهار الصبر والرضا بقضاء اللّه بعد الوقوع ، أو لأنّ بني أُميّة لعنهم اللّه كانوا يصومونه تبرّكاً أو شكراً ، فلا يَتشبّه بهم مؤمن.
وأفراده عديدة :
منها : صوم يوم العيدين : الأضحى والفطر.
ومنها : صوم أيّام التشريق : الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر من ذي الحجّة ، لمن كان بمنى ، أو في مكّة ، على الأقوى ، منذورة أو لا ، قضاءً أو لا ، مبعّضة كأن يخرج منها أو يدخلها قبل الزوال أولا ، وأمّا في غيرهما فلا بأس بصيامها.
ومنها : صوم الوصال ؛ بأن يصوم إلى السحور ، فيجعل فطوره سحوره ، أو يصوم يومين مع ليلة بينهما.
ومنها : صوم نَذر المعصية.
قيل : ومنها : صوم الدهر (2) ، وهو حقّ مع إدخال العيدين.
ومنها : صوم الصمت ؛ بأن يصوم صامتاً إلى الليل ، مُتقرّباً بذلك.
ص: 54
ومنها : صوم المريض المتضرّر ، والخائف على نفسه لتقيّةٍ ، ونحوها. نعم لو أمكن دفعها بمجرّد الذوق أو شرب الدخان قليلاً ، تعيّن وصحّ الصوم ، وصاحب الخوف أدرى به ، ومع الجهل أو غلبة الوسواس يرجع إلى غيره.
ومنها : صوم الحائض والنفساء.
ومنها : صوم المسافر حيث يتعيّن عليه الإفطار.
ومنها : صوم الزوج إذا وجبَ عليه الجماع في النهار بعد مضيّ أربعة أشهر.
ومنها : صوم الحامل والمرضعة ، مع الخوف على الحمل ، والرضيع.
ومنها : المنذور حضراً وسفراً ، ويكفي في المسافة الموجبة للإفطار ثمانية فراسخ ، أربعة ذهاباً ، وأربعة إياباً ، من دون قصد إقامة العشرة على الغاية ، كما في الصلاة.
ومنها : صوم العبد تطوّعاً بدون إذن مالكه ، وصوم الزوجة مطلقاً من دون إذن زوجها ، وصوم الولد مع منع أحد والديه ، والمطلّقة رجعيّة بحكم الزوجة. ولا فرق بين الدائمة وغيرها ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، ولا بين المملوك المبعّض وغيره ، ولا بين المكاتب وغيره.
ومنها : صوم التطوّع مع شُغل الذِّمّة بقضاء شي ء من شهر رمضان ، والأحوط ترك التطوّع ممّن عليه صوم واجب كائناً ما كان ، مع إمكان الإتيان ، أمّا من كان عليه كفّارة كُبرى ، فلا بأس أن يصوم شعبان ؛ وذلك لأنّه لا يحصل التتابع به وحده ، أمّا صوم إجارة النيابة فلا إشكال من جهته.
ومنها : صوم الأجير على فعل ما يقتضي الإفطار ، أو عملٍ يقتضي الصوم ضعفاً على الإتيان به.
وهو : صوم شهر رمضان ، وصوم النذر ، والعهد ، واليمين ، وعوض دم المتعة ، وصوم قضاء النيابة تحمّلاً بإجارة أو قرابة ، وصوم قضاء الواجب ويتبعه القضاء
ص: 55
المندوب وصوم الكفّارات الواجبة ، وصوم الاعتكاف الواجب ، وصوم عوض البدنة (1).
وأمّا ما وجب بأمر المخلوق ، فليس من الأقسام ، وإن كان من الواجب.
وينحصر البحث في مقامات :
وفيه مباحث :
وهو أُمور :
أحدها : رؤية الهلال ؛ فمن رآه ، وجبَ عليه صومه ، انفرد برؤيته أولا ، عَدلاً كان أولا ، في السماء علّة أولا ، شهدَ عند الحاكم أولا ، رُدّت شهادته أولا ، ولا اعتراضَ عليه من حاكمٍ وغيره.
ويحرم إظهار سوء الظنّ به ما لم يقع منه إقرار بخلافه على وجه مُضادّ.
وفيما لو عارضه حقّ آدمي ، كجماعِ مَن تضيّق وقت جماعها في النهار ، وصيام إجارة مُعيّنة في ذلك اليوم ، إشكال. على أنّ الأقوى قبول قوله.
ولا يجوز لأحدٍ من عياله وغيرهم تقليده ما لم يكن مجتهداً ، وإنّما يلزمه حكم نفسه ، من وجوب الصيام برؤية هلال شهر رمضان ، ووجوب الإفطار برؤية هلال شوال ، وهكذا. ومتى حصلَ له العلم من قوله ، عمل. ومتى رؤى ، فهو للّيلة المستقبلة ، قبل الزوال أو بعده. ولا عبرة بتوهم الرؤية أو ظنّها ، حتّى يكون منها على يقين ، وحكم الرؤية في المرأة والماء مع اليقين حُكم السماء.
ثانيها : عَدّ ثلاثين للشهر السابق ؛ فإذا تمّ ثلاثون يوماً ، فاليوم الّذي بعده للشهر المستقبل. ولا حاجة حينئذٍ إلى رؤية الهلال ، سواء كان ثبوت الهلال السابق بالرؤية أو
ص: 56
البيّنة أو غيرهما. ولو خفيَ الهلال شهوراً مُتعددة ، فالعمل على ذلك في كلّها حتّى يُعلم النقصان.
ثالثها : الشياع المُفيد للعلم ، أو الظنّ المؤاخي له ؛ ومَداره على أن تلهَج ألسُن الناس برؤية الهلال ، أو بمضيّ ثلاثين من الشهر الأوّل ، من غير ضبطٍ لعددهم ، من غير فرقٍ بين أن يكونوا صغاراً أو كباراً ، عبيداً أو أحراراً ، نساءً أو رجالاً ، عدولاً أو فسّاقاً ، مسلمين أو كفّاراً ، مؤمنين أو مخالفين.
ولو قامت البيّنة بالشياع أو حكمَ المجتهد به أو شاعَ حكمه به ، أجزأ.
رابعها : الشياع العمليّ ؛ بوجدان أهل البلد العظيمة صائمين على أنّه شهر رمضان ، أو مُفطرين على أنّه شوّال ، أو مُقيمين العزاء على أنّه عاشوراء ، أو حاجّين على أنّه الأضحى ، أو زائرين على أنّه رجب ، وهكذا. والظاهر اشتراط حصول العلم هنا.
خامسها : شهادة العدلين من الرجال دون النساء ، والخناثى المُشكلة على المُثبت للهلال ، من رؤية ، أو حُكم فقيه ، أو شياع ؛ دون شهادتهما على الشهادة ، في صَحوٍ أو غيم ، من خارج البلد أو داخله أو مُلفّق ، حضرا عند المجتهد أولا ، زكّاهما أولا ، ردّت شهادتهما أولا ، على إشكال.
ولو تركّبت الشهادة من رؤيتين ، أو عدد ورؤية ، أو أحدهما وشياع أو حُكم مجتهد ، أو شياع وحكم مجتهد ، لم تؤثّر شيئاً ، وإن اتفقا على شهادة العلم.
ولو شهدا بالعلم من دون ذكر سبب ، قُبلت شهادتهما ، كما لو شهدا بفضّ بكارةٍ ، ووضع حملٍ ، وأكلٍ ، وقي ء ، ونحوها.
ولو تضادّا بشهادة تدوير ، ووضع ، وجهةٍ ، ونحوها ، بطلت.
والأعوام يرجعون في معنى العدالة إلى العُرف ، فمن دُعي مُتديناً خيّراً ، فهو عدل.
ص: 57
ولا حاجة في هذه الطرق بأجمعها إلى الرجوع إلى الفقيه المأمون ، ومع الرجوع إليه يجب التّعويل عليه ، إلا في مقابلة العلم.
سادسها : حكم الفقيه المجتهد المأمون بالنسبة إلى مقلّديه ، سواء حكم برؤيةٍ أو ببيّنة أو غيرهما. ولو شهدَ من غير حكم ، كان كغيره من الشهود.
وفي الاكتفاء بنقل الواسطة العدل الواحد لحكمه قوّة ، وطريق الاحتياط غير خفيّ ، والترك أحوط.
ولو عدلَ عن اجتهاده عن اجتهادٍ ، صحّ ما مضى منه ومن مُقلّديه بعد الفراغ ، وفيه بعد الدخول فيه ما فيه. ولو فسد حكم الرؤية أو الشهود أو الشياع أو العدل ، فسد اعتبارها.
سابعها : الرجوع إلى الثقة العدل ممّن لا يمكنه التوصّل إلى العلم ، كالأعمى العاجز عن تحصيل العلم.
ثامنها : كلّما أدّى إلى حصول العلم بدخول الشهر من القرائن المحصّلة من أقوال أو أفعال أو أحوال أو نحوها.
كلّما أفاد الظنّ ولم يكن حجّة شرعيّة في هذا الباب ، فلا مَدار عليه ، كخبر العدل الواحد ، والجدول ، وأمارات النجوم ، وعدّ شعبان ناقصاً وشهر رمضان تامّاً ، وغيبوبة الهلال بعد غروب الشفق ، وتطوّق الهلال ، وحدوث الظلّ من مقابلته لثلاث ، ورؤيته قبل الزوال ، وعدّ خمس من السنة الماضية ، وستّ من الاتية ، وعدم طلوعه من المشرق لليلتين سابقتين ، وسرعة شروقه ، وبطئه ، وبطء غروبه وسرعته ، وتقدّم أيّام محاقه ، وتأخّرها ، وارتفاعه ، وكبر جرمه ، إلى غير ذلك ممّا يفيد الظنّ بسبق طلوعه أو تأخّره ،
ص: 58
ما لم يحصل يقين من مجموع الأمارات.
متى يثبت الحكم في مكانٍ بثبوت الهلال ، تمشّى منه إلى الأماكن القريبة ؛ فإذا ثبت في مكّة أو المشهد الرضوي أو بغداد أو بلاد الشام أو بلاد أصفهان ثبت في نواحيها ، وجميع البلدان المقاربة لها ، فالبصرة تتبع بغداد ، والمدينة مكّة ، وبعلبك الشام ، وهكذا. ولا يسري إلى البلاد النائية ، فلا يلحق العراق بمكّة ، ولا بغداد بأصفهان ، وهكذا.
ولو رؤي الهلال في محلّ ، ثمّ انتقلَ إلى ما يُخالفه ، زادَ عليه إن زاد ، ونقص إن نقص. ولو فرض الانتقال بعد الدخول في يوم الصوم ، قويت مُراعاة الابتداء ، فيقضي على نحو ما كان في ذلك المكان.
من انسدّ عليه طريق معرفة أوّل شهر رمضان ، وضاعَ عليه بين الشهور ؛ لكونه مسجوناً في بلاد المشركين ، أو في بلاد المسلمين ، ولا يتردّد عليه أحد منهم ، أو ممنوعاً عن الاطلاع بأيّ مانع كان ، يصوم ما يغلب على ظنّه أنّه شهر رمضان.
فإن لم ينكشف الحال إلى الأخر ، أجزأه عند اللّه ؛ وإن انكشف الوفاق ، فلا كلام ؛ وإن انكشف الخلاف بالتقدّم ، كما لو ظهر شعبان أو رجب ، وجب عليه القضاء ؛ ولو انكشف بالتأخير ، كشوّال والأضحى ونحوهما ، كان مجزياً. ويقضي خصوص المخالف إن خالف ببعض دون بعض ، ويقضي يوم العيد.
والظاهر أنّه مع انسداد باب الظنّ يسقط تكليف صوم الأداء ، وإذا مضت السنة لزمه القضاء. والأحوط أن يأتي بصوم شهرٍ ناوياً به احتمال كونه شهر رمضان ؛ أمّا لو علم أنّه فيه أو بعده ، نوى ما وجبَ عليه وصام.
واحتمال وجوب صوم السنة بأجمعها ضعيف.
وتقوى تمشية الحكم إلى جميع أقسام الصوم المعيّن ممّا فيه قضاء.
ص: 59
وفي ناذرِ صومِ الدهر بالنسبة إلى العيدين وجهان.
يُكره السفر في شهر رمضان حيث يكون باعثاً على الإفطار ، قبل انقضاء ثلاثة وعشرين يوماً منه ، ويتحقّق بدخول وقت الزوال منه. والظاهر أنّ كلّما قلّت أيّام الصوم ، اشتدّت الكراهة. ولو خرجَ قبل ليلة الهلال إلى محلّ الترخّص ، فلا كراهة.
ورفع حكم التمام لترك بعض الأسباب ، من سفينة أو دواب أو مكسب يدور فيه ونحوها ، لا كراهة فيه.
ومَن خرجَ إلى محلّ الترخّص قبل الزوال ، أفطر مع اجتماع شرائط القصر مطلقاً. وإن خرجَ بعد الزوال ، أتمّ الصيام مطلقاً.
ومن أصبحَ عليه الصبح في محلّ الترخّص ، جازَ لهُ استعمال المُفطرات ؛ فإن استعملَ شيئاً منها ، أو (1) دخل بعد الزوال ، فلا صوم له مطلقاً.
ويُستحبّ لهُ الإمساك أيضاً. وكذا حال المريض إذا برأ في أثناء النهار إلى الزوال.
ومثل ذلك المعذور في إهمال النيّة إلى النهار ، وتتمشّى هذه الأحكام في جميع أقسام الصيام من الواجب المعيّن.
كلّ موضع تقصر فيه الصلاة عند السفر وجوباً أو جوازاً يلزمه فيه الإفطار في شهر رمضان ، سوى الخروج بعد الزوال ، وتجاوز محلّ الترخّص في النهار.
وكلّ موطن تلزم فيه الصلاة تماماً يجب فيه الصيام ، إلا من دخل أوّل النهار وقد استعمل المُفطر.
فكلّ ما ذكر في كتاب الصلاة ، ممن يلزمهم التمام من المُقيم عشرة أيّام ، والمتردّد
ص: 60
ثلاثين يوماً ، والعاصي بالسفر ، وكثير السفر ، يلزمهم الصيام. وفي مواضع التخيير يجب الإفطار.
شهر رمضان ليس عملاً واحداً ، بل كلّ يوم منه عبادة مستقلّة ؛ فلا تجزي نيّة الشهر بالتمام عن نيّة تفصيل الأيّام ، كما عداه من ضروب الصيام. ونيّة يوم الشكّ من شعبان تقتضي الإجزاء إذا بانَ من شهر رمضان ، ونيّته من شهر رمضان كنيّة التردّد تبعث على البطلان.
وجوب صيام شهر رمضان من ضروريّات الإسلام ، فضلاً عن الإيمان ؛ فمن استحلّ تركه ، وهو مسلم أصليّ ، فهو مرتدّ فطريّ ، يقتل ، وتُقسّم مواريثه ، إن كان في الإسلام مُعاشراً للمسلمين ، غير ممنوع عن مواجهتهم ، دون من لم تبلغه أُمورهم.
والشاكّ على الفرض المذكور بمنزلة المُستحلّ.
ولو ترك ولم يستحلّ ، عُزّر مرّتين ، وقتله الحاكم في وجهٍ في الثالثة ، والاحتياط في الرابعة. وهكذا فاعل كلّ كبيرة يجري عليه ذلك.
ولا يجري الحكم في غيره من الصيام ، ولا فيما عدا الجماع ، والشراب ، والطعام ، مع الكون على النحو المعتاد بين الأنام.
ومن فعل لشُبهةٍ تُعدّ شُبهةً عُرفاً ، فلا يُحكم عليه بالتكفير ، وإنّما يُحكم عليه بالتعزير مع التقصير. ويعزّر المُجامع والمُجامعة عن تقصير بخمسة وعشرين سوطاً ، والمُكرِه منهما يتحمّل ما يلزمهما.
يُستثنى من كراهة السفر في شهر رمضان ما كان لتشييع المؤمن أو لاستقباله ، ولو
ص: 61
يومين أو ثلاثة أو أكثر ، وما كان لحجّ أو عمرةٍ أو حاجةٍ لا بدّ منها ، فإنّ الخروج إلى السفر في ذلك كلّه أفضل.
والظاهر إلحاق زيارة المشاهد ، بل زيارة الإخوان ، وقضاء حوائجهم ، وما روي من رجحان الصوم على زيارة الحسين عليه السلام (1) محمول على التقيّة ، أو على حالة العزم على الجمع بينهما ، أمّا مع الدوران فالزيارة أولى.
يجب الوفاء مع جمع شرائطها ، من اشتمالها على الألفاظ المخصوصة ، المقرونة بالقصد ، والكمال ، والاختيار ، والرجحان ، ونيّة القربة في خصوص النذر ، وعدم المرجوحيّة في الدين والدنيا للأخيرين ، وحصول الإذن من المولى والزوج والأب دون الأُمّ ، والأجداد ، على الأقوى.
ولو عيّن مكاناً أو زماناً راجحين تعيّنا ، والأقوى إلحاق المرجوحين.
ولو التزم بصومٍ ، لزم تفريقه أو جمعه أو خصوص عدده ، فأتى به بخلاف ما سُنّ متقرّباً بالخصوصيّة وبالمُلزم ، عصى من ثلاثة وجوه ؛ وإن لم يكن مسنوناً في الأصل ، عصى من وجهين ؛ ومع عدم الالتزام ، من وجه واحد. ويبطل في الجميع ، مع قصد الخصوصيّة.
والمكروه من الصيام كالمندوب في هذا المقام.
ولو انقلبَ الرجحان ، انحلّت النذور والعهود والايمان. ولو علّق شيئاً منها بواجبٍ ، تضاعف وجوبه. ولو علّق الجميع بواحد ، وجبَ من الوجوه الثلاثة.
ولو كرّر الواحد ، وقصد التأسيس دون التأكيد ، تكرّر حكمه. ولو علّقها بصوم يوم ، وكان قبل الزّوال ، وجبَ صومه ؛ ولو علّقها بصوم معيّن ، جرَت فيه أحكام صوم شهر رمضان ، فيجب تبييت النيّة لغير المعذور.
ص: 62
ويجري حكم الجنابة نسياناً ونوماً ، وحكم المفطر مع الاعتبار وعدمه ، وغير ذلك على نحو شهر رمضان.
ولو علّقها بالعيدين ابتداء أو تعلّقت اتفاقاً أو وافق اليوم المعيّن حيضاً أو نفاساً أو سفراً ، سقطَ وجوب المعيّن.
وأمّا القضاء فسيجي ء حكمه بحول اللّه.
ولو علّقها على شرط فلم يحصل ، فلا وجوب. وكلّ من نذر لغير اللّه تعالى. أو عاهد ، أو حلف لغيره صياماً أو غيره من العبادات ، فلا حكم لفعله وقوله.
ولو علّقها ب- «أيّام» ، امتثل بصوم ثلاثة فصاعداً. والأحوط لمن التزم بصوم «حين» صيام ستّة أشهر ، ولمن التزم بصوم «أيّام كثيرة» صيام ثمانين يوماً. ولو التزم بصوم «شي ء أو جزءٍ أو سهم من الشهر» أجزأه اليوم الواحد ، وفي المقام أبحاث كثيرة تجي ء في محلّها إن شاء اللّه تعالى.
فإنّ الحاجّ المتمتّع يلزمه الهدي ، وهو واجب عليه ؛ فإن عجز عن ذلك ، صامَ ثلاثة وسبعة أيّام ، كما سيجي ء تفصيله في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى.
وفيه مسائل :
منها : أنّه يُشترط الإخلاص للنائب ، بأن يكون قصده فراغ ذمّته من الواجب لوجه اللّه تعالى ، كما في غيره ممّا أوجبته الأسباب من النذور ونحوها.
ومنها : أنّه لو علم أنّ المعاملة وقعت على تأدية قضاء عن الميّت ، جازَ له أن ينويه ، أو على تبرّع عنه ، نواه. وإن لم يُعلم الوجه ، نوى ما يُراد منه. ولو أطلق في جميع الصور ، فلا بأس عليه.
ومنها : أنّ النائب لا يستحقّ الأُجرة إلا بعد العمل مع الإطلاق ، لكن شاعَ في
ص: 63
زماننا إرادة تقديمها عليه ، فكانت كالمشروطة يُطالب بها قبل العمل.
ومنها : أنّه لا بدّ من مُباشرة النائب بنفسه مع شرطها عليه ، إلا أن يأذن الوصيّ ونحوه ؛ فلو تعذّر فعله بنفسه ، انفسخت الإجارة. ولا يلزم مع الإطلاق أو اشتراط جواز الاستنابة. والأحوط المحافظة عليها مع الإطلاق.
ويجوز للنائب الاستنابة بإجارة ، والأحوط أن لا ينقص من الأُجرة المعيّنة له إلا بعد انقضاء بعض العمل ، وتكفي نيابة المتبرّع عن النائب. ولو ماتَ أخرج (الوارث من) (1) المسمّى مقابل ما بقي من العمل في المباشرة ، ومقدار ما يستأجر به عنه في المطلقة من أصل المال.
ومنها : أنّه لو شُرطَ لهُ زمان معيّن أو مكان معيّن ، راجحاً أو مرجوحاً ؛ لزم ؛ كما أنّه لو شُرط للصلاة زمان معيّن أو مكان معيّن أو نوع معيّن ، كالجماعة ونحوها ، أو كيفيّة معيّنة ، كالتسبيحات الثلاثة بدل القراءة ، أو تثليث التسبيح في الركوع والسجود ، لزم الشرط ، وإلا فالإطلاق يُنزّل على المتعارف في الزيادة والنقص.
وأمّا الخصوصيّات ، كالسور الخاصّة والقنوتات الخاصّة ، فلا لزوم فيها ما لم تُشترط.
ومنها : أنّه لا يجب البدار إليه بعد الاستئجار ، ولا التأخير المؤذن للإهمال ، بل يكتفى بعدم عدّه متهاوناً عُرفاً. ولو شُرط شي ء ، اتّبع الشرط.
ومنها : أنّه يلزم النائب القيام بما لزم المنوب عنه ، من خصوص نوع العبادة ، ومقوّماتها ، وشرائطها المتعلّقة بذاتها ، دون ما تعلّق لخصوص الفاعل ، فإنّ لكلّ حكمه.
ومنها : أنّه يجوز لمن في ذمّته قضاء عن نفسه أو عن غيره أن يشغل ذمّته بغيرهما ، ويأتي بالمتأخّر قبل المتقدّم ، مع عدم اشتراط وقت معيّن يلزم فواته ، وعدم لزوم الإهمال.
ص: 64
ومنها : أنّه لو تعدّد المنوب عنه ، عيّن كلّ عملٍ لصاحبه. وإذا نسيهما ، وكانا مختلفين بالتقدّم أو التأخّر ، أو الصغر والكبر ، أو الصفة أو بعض الصفات ونحوها ، عُيّن بأحد القيود. وإن تعذّر عليه من جميع الوجوه ، تعذّرت النيابة ، وانفسخت الإجارة.
ومنها : أنّه لو تعدّد المنوب عنه ، وقد صام عن بعضهم من غير تعيّن ، أعادَ ما صام. ولو علم أنّه صام بقصد واحد معيّن عن اثنين ثمّ نسيه ، بنى عليه ، ونوى من لم يصم عنه. ولو كان مستأجراً للتبرّع عن جماعة دفعة على وجه الشركة ، نوى الجميع ؛ ولو انحصرت النيابة بواحدٍ ولم يشخّصه ، نوى صاحب الحقّ.
ومنها : أنّه لو كانت الإجارة مطلقة ، جازَ أن ينوي الصوم في أثناء النهار قبل الزوال والأحوط تبييتها.
ومنها : أنّه لا تجوز النيابة عن الحيّ في الصوم ، وإن جازَ في بعض الصلوات في الحجّ والزيارات ، سوى ما يأتي من صوم النيابة عن الشيخ أو عن الشيخين.
ومنها : أنّه لا تفرغ ذمّة المنوب عنه بمجرّد الاستئجار ، وإنّما تفرغ بفعل النائب العمل.
ومنها : أنّ لكلّ من النائب والمنوب ثواباً تامّاً ؛ لطفاً من اللّه تعالى ، وربّما يقال : إنّ للنائب تسعة أعشار الأجر ، وللمنوب عنه العُشر الأخير.
ومنها : أنّه تُستحبّ النيابة عن الأموات ، من الأنبياء ، والأوصياء ، والعلماء ، وكافّة المؤمنين ، تخصيصاً وتشريكاً. وأمّا الإهداء ؛ فتستوي فيه الأموات والأحياء.
ومنها : أنّه تُستحبّ المبادرة إلى عمل النيابة ، والإتيان به على أحسن الوجوه ، مُحافظاً على الاداب الشرعيّة.
ومنها : أنّه لا مانعَ من استئجار الفاسق مع الاطمئنان ، ولا يجوز للوصيّ استئجار العدل مع عدمه لغلبة النسيان مثلاً.
ومنها : أنّه تصحّ الإجارة بطريق المُعاطاة من غير صيغة خاصّة ، ويلزم بفعل بعض العمل أو التصرّف ببعض الأُجرة ، فينوي الندب عند الدخول ، وإذا دخل ولو في
ص: 65
شي ء من المقدّمات أو تصرّف بشي ء ، نوى الوجوب.
ويجوز فيها اشتراط الخيار. ولو ظهر غبن للنائب أو المنوب عنه ، تسلّط النائب والوصيّ مثلاً على الفسخ ، على إشكال. وفي ثبوت خيار الغبن في جميع الحال إشكال.
ولو قال له : صُم مُقتصراً على ذلك ففعل ، كان لهُ أُجرة المثل.
ومنها : أنّ صوم الإجارات داخل في قسم المعاملات ، فلا يمنع من صوم النفل ، ولو قلنا بالمنع فيما عداه.
ومنها : أنّه تصحّ معاوضة صوم بصوم بين النوّاب ، كغيره من العبادات ، بعقد الصلح ، مع عدم اشتراط المباشرة.
ومنها : جواز ضمان العبادة ، إذا كانت في الذمّة ، وإبراء الذمّة منها مطلقاً.
ومنها : أنّ النائب وإن أُخذت عليه المباشرة لا يلزم أن يكون عارفاً قبل الاستئجار ، وإنّما يُلزم بالتعلّم.
ومنها : أنّه لو ادّعى فراغَ الذمّة ، قُبِلَ قوله.
ومنها : أنّه لو عجزَ بعد القدرة ، استأجر لما بقي في الذمّة ، وردّ بالنسبة من الأُجرة مع التعيين.
ومنها : أنّ النائب إذا ماتَ ، ولم يعلم أنّه أدّى ما عليه أولا ، لم يرجع على ماله بشي ء.
ومنها : أنّه بعد موته لا يلزم ولده أداء ما عليه ، ثمّ إن كان معيّناً تعلّق بماله ما قابلَ الباقي ؛ وإن كان في الذمّة ، لزمَ الاستئجار له ، وجرى عليه حكم الديون.
ومنها : أنّه إن نواه عن شخص فأراد العدول إلى غيره في أثناء النهار ؛ لظهور فراغ ذمّته من الأوّل وغير ذلك ، لم تصحّ.
ومنها : أنّه لو استأجر الفضوليّ شخصاً ، فأجازَ الوصيّ صحّ.
ومنها : أنّه من اتّخذ صوم النّيابة وغيره مَكسباً ، وحصلت به مئونة العام ، فالزكاة عليه حرام ، وعليه الخمس فيما زاد على المؤونة.
ص: 66
ومنها : أنّه لا يجب على الوصيّ ولا وكيله طلب الأقلّ والأفضل ، بل يبني على الأُجرة المتوسّطة والشخص المؤدّي. ولو زادَ في الأُجرة طلباً للأفضل من الشخص أو الزمان أو المكان ، مع مُراعاة الغبطة ، فلا بأس.
ومنها : أنّه يجوز للوصيّ أن يستأجر نفسه وللوكيل أيضاً ، إن دخلا تحت اللفظ ، أو دلّت القرائن على إرادة الفعل دون الفاعل.
ومنها : أنّه تجوز نيابة الرجل عن المرأة ، والعبد عن الحرّ ، وبالعكس ، ونيابة الصبيّ المميّز ، واستئجاره من الوليّ ، لكن لا يُعتمد عليه في أداء الواجب. وتجوز النيابة في كلّ الطاعات عن الصبيّ المميّز ، وعن غير المميّز ، بمعنى إهداء الثواب إلى المنوب عنه. وهذه الأحكام كلّها بالتمام جارية في الصلاة والصيام.
ومنها : أنّه لا حاجة إلى تسمية المنوب عنه ، بل يكفي تعيّنه وتميّزه بوجهٍ من الوجوه.
إذا ماتَ الذكر المسلم المؤمن بعد استقرار القضاء عليه ، أومأتَ وهو مسافر ، أو فاته الأداء ، ولا تقصير عليه فيهن ، وكان له قريب نَسَبيّ ، وجب على الولد الذكر الأكبر. والأحوط مُطلق الوليّ الذكر الأكبر ، وهو الأولى بالميراث ، أي بأصله لا بقدره ، مختصّاً به مع الانفراد ، أو لكونه أكبر الأولياء ، مع بلوغه وعقله حين موت المنوب عنه ، ورث أو لا. ومع عدم الوليّ يتصدّق من أصل ماله عن كلّ يوم بمدّ على من دخل في مصرف الصدقات.
وإن مات الوليّ ولم يقض ، فإن لم يكن متمكّناً من القضاء ، فلا شي ء على وليّه ؛ وإن تمكّن ، فالظاهر الوجوب عليه. وتحتمل الصدقة من تركته ، وجواز الاستئجار عنه.
ولو تعدّد المتساوون في السنّ المتوافقون بالرتبة ، قسّم القضاء عليهم بالحصص على حسب الرؤوس ، دون السهام. ولو زادَ عدد الأولياء على عدد الأيّام ، كانَ الوجوب كفائيّاً ، كما لو كانا اثنين واليوم واحد ؛ فلو أتى به أحدهما ، سقطَ عن الأخر ،
ص: 67
ولو جاء باثنين مُقترنين ، أجزأ.
ولو أفطرا فيه بعد الزوال ، قوي القول بعدم الكفّارة. وفي القول بالاكتفاء بالواحدة أو لزوم التعدّد إشكال ، وعلى الأوّل تكون كالصوم. ولو استأجر أحدهما صاحبه على النصف ، صحّ ، وعلى الجميع صحّ في النصف.
وليس للوليّ أن يجتزئ بالصدقة من ماله أو مال الميّت. نعم في الواجب من شهرين متتابعين يقوى القول بجواز صيام الشهر الأوّل ، والتصدّق عن الثاني. وفي الكفّارة المخيّرة يقوى التخيير بين الصوم ، والإخراج من أحد المالين ، والأقوى تعلّق الوجوب بمال الميّت ، وفي الترتيب يلحظ الترتيب. ومن كانا على حقوٍ واحد يشتركان.
ولو اشتبه العُذر وعدمه ، وقابليّته عند الموت وعدمها ، لم يجب. وفي اجتماع العبد مع الحرّ والمبعّض ، أو الحرّ مع الأخير إشكال.
ويقتصر في المقدار على المتيقّن ، كما في صوم الإجارة ؛ وصوم الإجارة يرجع إلى التركة ، على الأقوى.
ومع اشتباه الأكبر يُحتمل السقوط ، والقرعة ، والتوزيع. وفي كفّارة الجمع إنّما يلزم بصومها.
وللتسرية إلى المقصّر في ترك الأداء ، ولزوم النيابة عن الأُمّهات من النساء ، وتعدّي الحكم إلى إباء الإباء ، وإلزام غير البالغ ، والمجنون بعد البلوغ والعقل ، وقسمة القضاء على نسبة السهام وجه. والأوجه ما ذكرناه.
ولا يتحمّل صوم نيابة الإجارة على الأقوى ، ويتحمّل ما عداه من قضاء أصليّ أو تحمّليّ بالقرابة أو غير ذلك.
ولو أوصى الميّت بإخراج صيام عنه ، فأخرج ، سقط عن الوليّ ، على الأقوى ، وللولي أن يستأجر ولا يُباشر ، على إشكال.
ومن لم يتيقّن شُغل ذمّة الميت ، فلا شي ء عليه. وليس قول الميّت حجّة على ولده ، وطريق الاحتياط لا يخفى.
ولو تبرّع مُتبرّع عن الميّت ، سقطَ عن الوليّ على الأقوى. ولو اعتبرنا مطلق
ص: 68
الوليّ ، وتعدّد المنوب عنهم ، نابَ عن الجميع ، ويقوى لزوم الأقرب فالأقرب مع تعذّر الإحاطة بالكلّ.
وولد الزنا لا يُنسب إلى الزاني ، ولا يُلحق به ، ولا يتحمّل عنه.
ولا شي ء للممسوح والخنثى المشكل ، ولا عليهما ، إن قصرنا النائب والمنوب عنه على الذكر من الأولاد والأبوين. وإن عمّمنا في المنوب عنه وفي النائب للولد وغيره أو قصرنا على الولد ، وقلنا بأنّ الخنثى يكون والده ومولده ، جرى فيها الحكم.
وفي التوزيع لو ساوينا بين الابن والبنت إشكال.
ومن علم أنّ على المنوب عنه صوماً لا يَعرف كمّيته ، وجبَ عليه الإتيان منه حتّى لا يبقى عالماً ببقاء شُغل ذمّته. والأحوط بلوغ المظنّة المعتبرة بالوفاء.
ولا يُتحمّل عن المرتدّ ، ولا عن المخالف ، ولو كان بصفتهما.
ومن اجتمع عليه قضاء النفس ، وتحمّل القرابة والإجارة كانَ له الابتداء بما شاءَ منها.
وما ذكرناه من الأحكام جارٍ في الصلاة والصيام ، ويظهر ممّا مرّ حكم النيابة التبرّعية الندبيّة.
وفيه مطالب :
وهم أقسام عديدة :
الأوّل : الكافر الأصليّ الّذي لم يتشبّث بالإسلام إذا تاب ، فإنّه لا يقضي ما فاته من صلاة وصيام. ولو كان مرتدّا عن فطرة أو ملّة ، لزمه القضاء. وأمّا المتشبّثون بالإسلام كالغلاة ، والخوارج ، والمجسّمة بالحقيقة ، ونحوهم فالأقرب لزوم القضاء عليهم.
الثاني : المخالف لطريقة الحقّ ، من أيّ صنف كانَ من أصناف المسلمين ، إذا تاب ،
ص: 69
فإنّ صومه وصلاته باطلتان على الأصحّ ، لكن لا يجب القضاء عليه مع الإتيان بالصحيح على مذهبه ؛ أمّا الصحيح على مذهبنا فقط ، والفاسد على المذهبين ، فيجب قضاؤه. ولو كان خلافه ارتداداً ، احتمل وجوب القضاء ، والسقوط أقوى (1).
الثالث : غير البالغ ، فلا يجب قضاء ما فات قبل البلوغ ، وإن كان بعد التمييز ، ويقوى استحباب قضاء ما فات بعد التمييز قبل البلوغ ؛ لتوجّه الخطاب إليه بناءً على ما ذهبنا إليه من صحّة عباداته. وبناءً على القول بالتمرين يُستحبّ للوليّ تمرينه قبل البلوغ.
الرابع : المجنون ، والمُغمى عليه ؛ فمتى حصلَ شي ء منهما في جزءٍ من النهار ، فسدَ صوم ذلك اليوم ، ولم يجب قضاؤه. ولو حصلا بعلاج واختيار قبل تعلّق الخطاب منجّزاً أو بعده ولو بقصد الاحتيال في التخلّص ، فتتعدّد جهة المعصية فالظاهر عدم وجوب القضاء أيضاً بعد الإفاقة ، والأحوط القضاء في القسم الأخير ، لا سيّما الأخير منه.
الخامس : الصوم عن المريض والحائض والنفساء إذا ماتوا قبل وقت القضاء ، أو بعده مع عدم التمكّن من فعله.
السادس : المريض إذا استمرّ به المرض إلى شهر رمضان المُقبل ، من غير فرقٍ بين رمضان واحد ومتعدّد ، فإنّه لا يجب عليه القضاء ، وإن صحّ بعد ذلك. ويُستحب له القضاء.
أمّا لو كان المانع عند الأداء المرض ، ومانع القضاء غيره ، أو بالعكس ، أو كان المانع ابتداء واستدامة غير المرض ، فإنّه لا يسقط عنه القضاء على الأقوى.
السابع : من وجبَ عليه صوم موقّت ، ولم يكن من شهر رمضان ، ولا من النذر والعهد واليمين ، فلا قضاء عليه مع تركه.
الثامن : من صامَ في سفره ، ولم يكن عالماً بأنّ المسافر حُكمه الإفطار ، مضى صومُه ، ولا قضاء.
ص: 70
التاسع : تُستحبّ المبادرة إلى القضاء مع عدم خوف الفوت ، وإلا وجبت.
ولا يكره في عشر ذي الحجّة ، والرواية عن عليّ عليه السلام ؛ (1) مدخولة.
ولو اجتمع عليه قضاء وكفّارة ، تخيّر في التقديم ، وإن اختلفت في السبق واللحوق ، والأحوط تقديم الأوّل مع اتحاد السبب.
ولو نذر إتمام الندب ، لزم القضاء. ولو نذرَ التتابع في غير المتتابع ، تابعَ قضاءه كأدائه ، على إشكال.
وهو ضروب :
أحدها : صوم عقدَ النذر والعهد واليمين المتعلّقة بوقتٍ معيّن مع فوت الوقت ، عمداً أو سهواً أو نوماً ، مختاراً أو مضطرّاً ، ولو مع امتناع صدوره من الملتزم لحيضٍ أو نفاس أو جنون أو إغماء أو مُصادفة وقت يتعذّر فيه الصوم كالعيدين وأيّام التشريق في منى من غير قصدٍ لها حال النذر ، على إشكال يقوى في الأخير.
ولو عقدَ صوم الدهر ، وصحّحناه ، فلا قضاء لو أخلّ بشي ء منه ، وينعقد في غير المحرّم.
ولو عقدَ بأحدها صوماً مندوباً لا قضاء له ، كيوم الغدير والمولود ونحوهما ، تعلّق به القضاء بسبب العقد. ولو عقد شيئاً من القضاء ، كان قضاءً في نفسه ، أداءً من جهة العقد. ولو عقد وقتاً ففاتَ الوقتُ ، كان قضاءً من الوجهين.
ولو عقدَ يوماً من شهر رمضان ، وجبَ قضاؤه من وجهين ، كما وجب أداؤه كذلك. ولو تعدّدت جهات الوجوب فتعلّق بشهر رمضان ونحوه ، جاز ؛ فيصحّ الترامي مع اتحاد نوع الملزم واختلافه والجمع بين الأمرين ، كما يصحّ التكرار تأسيساً وتأكيداً ، ويختلف الحكم.
ص: 71
ولو ترتّبت جهات الالتزام في الابتداء ، لم يجب الترتيب في القضاء. ولو عقدَ صوم شهر مُعيّن ففاتَ ، قضاهُ كما فات ، هلالياً أو عدديا ؛ بخلاف ما لو عقدَ شهراً مطلقاً ، فإنّه يتخيّر في القضاء كالأداء بين صوم ما بين الهلالين ، وبين العددي. ولو التزم بسنة ، احتسب الشهور هلاليّة ، وأكمل المنكسر من الأيّام في وجه.
وقضاء النذر وشبهه لا يتوقّف على الإذن من الوالدين ونحوهما ، وإن توقّف أصله.
ولو عقد صوماً مُعيّناً في مكانٍ معيّن ففاتَ وقته ، قضاهُ في مكانه ، فإن تعذّر ، قضاهُ حيث شاء. ولو جعلهما أصلين في التزامين ، أو جعل الصوم قيداً ، اختلفَ الحكم.
ولو عقده متتابعاً أو متفرّقاً ، قضاهُ على نحو ما عقد ، على الأقوى. ولو أطلق العقد ، لم يجب التتابع في الأصل ولا في الفرع ، على الأصحّ ، ولا فوريّة فيه.
ولو عقدَ صوماً جائزاً في السفر ، كثلاثة أيّام الحاجة في المدينة في وقت معيّن ، ففاتَ الوقت وأمكن قضاؤها في محلّها ، قضاها ، وإن كان مسافراً ، على إشكال. وإن تعذّر وأوجبنا قضاءها في غير محلّها ، قضاها في الحضر دون السفر. وفي القسم الأوّل مع عدم قصد الحاجة إشكال.
ولو علّق العقد بالجائز والمحظور ، صحّ في الأوّل دون الثاني. ولو علّق بلفظ «زمان» كان خمسة أشهر ، وبلفظ «حين» كان ستّة.
ومن نذر صوماً معيّناً لم يحرم عليه السفر. ولو سافر ، قضى وكفّر عن كلّ يوم بمدّ ، إلا أن يقيّد الحضر. ويحتمل سقوط الكفّارة. ولو تعلّق أصالةً بالحضر وبالصوم تبعاً ، أو بهما أصالة ، لم يجز السفر.
ثانيها : صوم شهر رمضان ؛ فإنّه يجب قضاؤه على كلّ من فاته عمداً أو نسياناً ، أو بنومٍ ، أو مرضٍ ، أو سفرٍ معتبر ، أو حيض ، أو نفاس ، مع يقين الفوات ؛ فلو ظنّه من غير طريق شرعيّ أو توهّمه ، فلا يجب عليه. ولو تيقّنه وشكّ في حصول الموجب
ص: 72
حينئذٍ من بلوغ أو عقل ونحوهما ، فلا قضاء مع جهل تاريخهما ، أو العلم بتاريخ أحدهما ، وإن كان المعلوم هو الموجب على الأقوى.
ولو علم الفوات ، وشكّ في فعل القضاء ، أو ظنّه من غير طريق شرعيّ ، قضى ؛ إلا إذا كان للقضاء وقت محدود ، كما بين رمضانين ، فشكّ بعد مضيّه ، والأحوط القضاء فيه أيضاً.
وكثير الشكّ لا عِبرة بشكه ، ولا ترتيب في القضاء ما لم يُقيّد في الإلزام. فلو نوى قضاء اليوم الأخير من الشهر قبل الأوّل ، أو قضاء الشهر اللاحق قبل السابق ، فلا مانع.
ولا فورية في القضاء ، فيجوز التراخي فيه كغيره من الواجبات الموسّعة ، ما لم يظنّ الوفاة ، أو يدخل في صفة الإهمال ، فيتضيّق. ومن كثرَ عليه القضاء أتى منه إلى حيث يظنّ الوفاء ، ومُراعاة العلم أولى. وكثير الشكّ يراعي حال أهل الاستواء.
ولا تُعتبر نيّة القضائيّة ، ولا الخصوصيّة إذا اختلفت الجهة من الأصالة والنيابة ونحوهما ، إلا إذا لم يكن مشخّص سوى تعيين تلك الجهات ، كما مرّ في مباحث النيّات.
ثالثها : ما يقضى استحباباً ، وهو صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، فإنّها تقضى إذا أُخّرت. وصوم النيابة عمّن استمرّ به المرض من شهر رمضان إلى شهر رمضان الأخر ؛ وفي إلحاق باقي الأعذار وجه. وقضاء الولد ثمّ الأقرب إلى الشيخين إذا أفطرا وكانا حيّين. وقضاء الولي عن المريض إذا ماتَ قبل البرء ، والحائض والنفساء قبل الطهر ، أمّا عن المسافر فواجب على الوليّ مطلقاً.
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الشيخ والشيخة ، أي : الكبيران اللذان يتعذّر ، أو يتعسّر عليهما الصيام لكبرهما ، يفطران ، فإذا قويا فليس عليهما قضاء. والأحوط لزومه ، كما عليه
ص: 73
معظم الفقهاء. ولا يجب عليهما الاقتصار في الإفطار على ما يَندفع به الضرار.
المسألة الثانية : ذو العطاش ، وهو مرض لا يروى صاحبه ؛ فإنّه يجوز له الإفطار ، ولا يجب فيه الاقتصار على ما يدفع الضرار ، والأحوط الاقتصار ، والأقوى عدم وجوب القضاء ، والأحوط القضاء ، خصوصاً ممّن يرجو البرء.
المسألة الثالثة : الحامل المُقرب والمرضعة القليلة اللبن لهما الإفطار مع الخوف على النفس أو الولد ، وإن لم يبلغ المظنّة الموجبة. ويلزمهما القضاء إذا تمكّنتا.
والضابط في هذه المسائل الثلاثة : وجوب الإفطار إذا بلغ حدّ الإضرار ، وجوازه إذا بلغ المشقّة ، و (1) لم يبلغ ذلك المقدار. ويلزم القضاء في الإفطار لخوف الضرار ، دون ما عداه ، ما عدا المسألتين السابقتين ، ولا يُرخّص في الإفطار في كلّ مشقّة ما عدا الثلاثة ، إلا إذا بلغ الغاية.
وهذه المسائل الثلاثة لا تجري فيما عدا شهر رمضان ، وإن كان معيّناً ، ولكن يلزم القضاء مع جواز الإفطار.
الرابعة : لا ترتيب ولا موالاة بين أنواع القضاء ، ولا أفراده كما مرّ ، ولكن يُستحبّ تقديم الأهمّ فالأهمّ ، فقضاء رمضان أولى بالتقديم من غيره في حدّ ذاته.
ولو أتى بواجب غير رمضان وعليه قضاؤه فلا بأس. والقول بالخلاف (2) مردود. أمّا التطوّع فلا ، ويجوز لو كان الواجب موسّعاً غير قضاء شهر رمضان ، على الأقوى. ولو امتنع الإتيان بالواجب مُقدّماً ، ككفّارة التتابع في شعبان ، أو لزم تأخير الواجب لنذرٍ أو غيره ، فلا إشكال.
الخامسة : يُستحبّ تحرّي أوقات فضيلة الصيام لصوم القضاء ، فالأولى لمن كان عليه قضاء أن يأتي به في الأوقات المُعدّة لندب الصيام ، غير أنّه لا يقصد الإتيان بالصوم الموظّف.
السادسة : يجوز إفساد كلّ صوم مندوب وواجب موسّع ، قبل الزوال أو بعده ، سوى
ص: 74
قضاء شهر رمضان ، فإنّه لا يجوز إفساده بعد الزوال ، فلو علم بالزوال تعيّن الإتمام.
السابعة : من أرادَ صوم التطوّع ، وعليه قضاء شهر رمضان أمكنه نذره ، فيخرجه عن التطوّع إلى الوجوب ، فلا يبقى المنع.
الثامنة : لو أتى بالواجب الموسّع من الصيام ، من القضاء وغيره ، في وقت واجب معيّن منه بنذرٍ أو غيره ، فالأقوى فساد الموسّع.
التاسعة : لو كانَ عليه قضاء نفسه وقضاء النيابة ، فالأولى تقديم النيابة ؛ لأنّها من حقوق الناس ، والأولى تقديم كلّ سابقٍ على لاحقٍ مع تساوي الجهات.
العاشرة : قد تقدّم أنّ صيام القضاء أصالة ونيابة ما لم يتعيّن بسبب ، وجميع الموسّعات الواجبات تجوز نيّتها قبل الزوال ، ولا يجب تبييتها كالمعيّن.
الحادية عشرة : من أخّر قضاء شهر رمضان إلى الشهر المُقبل عن عُذر ، لم يكن عليه سوى القضاء ، وكذا كلّ معذور في إفطاره. ولو كان من غير عُذر ، كفّر عن كلّ يوم بمدّ ، وفي تعدّد الأمداد بتعدّد السنين وجه قويّ ، والأقوى خلافه.
الثانية عشرة : كلّما ذكرناه من المُفطرات فهو سبب للقضاء في الصوم المستتبع للقضاء ، وأمّا ما لم يكن لهُ قضاء فقد فاتَ فيه الصيام إلى يوم القيامة.
الثالثة عشرة : إذا دخل رمضان الثاني ، وشكّ في أنّه أتى بما فاتَ من رمضان السابق أو لا ، بنى على الإتيان ، كما مرّ. والأحوط الإتيان من غير كثير الشكّ.
الرابعة عشرة : لا يجوز لوليّ الميّت أخذ الأُجرة من مال الميّت أو من غيره على فعل ما وجب فعله عليه ، ولو أخذها على فعل مستحبّات العبادة ، فلا بأس.
الخامسة عشرة : لا يجب على نائب القرابة سوى الإتيان بمجرّد الواجب ، وأمّا نائب الإجارة فمرجعه إلى المُتعارف في جميع العبادات.
السادسة عشرة : لو دخلَ في صيام وقد شكّ في تعيّنه ؛ لتعدّد جهات شُغل ذمّته كقضاء عن نفسه وغيره ، أبطله ولم يحتسب لشي ءٍ من تلك الجهات.
السابعة عشرة : لو نوى قِسماً من الصيام فدخلَ فيه ، فبانَ أنّ اليوم مُعيّن لصوم مُعيّن غيره ، احتملَ القول بصحّته عن المُعيّن ، والأحوط القضاء في محلّه.
ص: 75
وفيه بحثان :
وقبل الشروع فيها لا بدّ من تمهيد مقدّمة ، وهي : أنّ الصيام على أنواع :
منها : ما خُوطب فيه بالأداء ، ولا قضاءَ في تركه ولا كفّارة ، كصوم الكافر الّذي أسلمَ بعد خروج وقت الأداء ، وكالأجير في وقت مُعيّن إذا فاتَ الوقت ، والمُخالف الّذي استبصرَ كذلك.
ومنها : ما خُوطب فيه بالقضاء فقط ، كناسي غسل الجنابة ، ومُستعمل الإفطار قبل الاعتبار في الصوم المعيّن ، ومطلقاً في غيره ، ومكرّر النوم جُنباً عازماً على الغسل قبل الصبح فغلبه الصبح ، والمرتمس على إخراج نفس محترمة ونحوها إذا توقّف عليه ، وكلّ مأذون لهُ في الإفطار ، ومُدخل الماء في فمه فسبقه إلى جوفه في غير مضمضة الصلاة ، والمُفطر تقيّةً أو خوفاً ، ومن عرضَ لهُ السفر أو المرض أو الحيض أو النفاس من غير علاج ، وناسي نيّة الصيام إلى ما بعد الزوال في الصوم الواجب ، ومَن دَخلَ عليه النهار مُسافراً فدخل قبل الزوال وقد تناول المفطر سابقاً ، أو دخل بعد الزوال مطلقاً ، ومن ماتَ بعد أن أفطر لعُذرٍ بعد تمكّنه من القضاء ، ولم يتضيّق عليه رمضان المُقبل ، ومن برأ بين الرمضانين فعرضَ لهُ مانع عن القضاء قبل دخول رمضان المُقبل.
ومنها : ما خُوطب فيه بالكفّارة فقط ، كالشيخ والشيخة وذي العطاش على الأقوى فيها ، ومن استمرّ عليه المرض من رمضان إلى رمضان المُقبل.
ومنها : ما خُوطب فيه بالأداء والقضاء ، كالواجبات الموسّعة ، كصوم النذور ونحوها إذا ماتَ عنها ، فإن وجبَ أداؤها على المنوب عنه ، يجبُ قضاؤها على الوليّ ، ولا كفّارة.
ومنها : ما وجبَ عليه الأداء والكفّارة دون القضاء ، كمن تعمّد الإفطار ثمّ عرضَت لهُ في أثناء النهار بعض الأعذار المسقطة للقضاء ، كالجنون والإغماء في وجهٍ قويّ.
ص: 76
ومنها : ما وجبَ فيه القضاء والكفّارة ، ولم يكن وجب فيه الأداء ، كمن برأ بين الرمضانين وأخّر إلى رمضان المُقبل من غير عُذر.
ومنها : ما وجب فيه القضاء والأداء والكفّارة ، وهو من أفطر عمداً في شهر رمضان ونحوه بأيّ مُفطر كان ، من أكلٍ ، وشربٍ ، وجماعٍ ، وقي ءٍ ، وارتماسٍ ، وترك نيّةٍ ، ورياءٍ ، وعُجبٍ ، وغيرها ، فكلّ محرّم مُفسد ، وكلّ مُفسد فيه قضاء ، وكلّ مَقضيّ فيه كفّارة ، وسيجي ء تفصيله.
ومنها : ما سقط فيه الجمع ، وهو المَغميّ عليه ، والجنون من غير علاج أو مطلقاً في وجه ، وإن ترتّب الإثم.
الأوّل : كفّارة شهر رمضان ، وتجب على من أفسد صومه عمداً بأيّ مُفسد كان ، أو أخلّ بشرطٍ أيّ شرط كان ولو بالنية ، سواء حصلَ لهُ عارض يُنافي الصيام بعد الإفساد أو لا. ومنه ما إذا عزَم على السفر وأفطر قبل بلوغ محلّ الترخّص ، ومثله ما إذا رجع وأفطر بعد تجاوز محلّ الترخص ، سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلاً به من غير عُذر ، وإلا فالقضاء فقط.
ففيه مع عدم الإذن شرعاً كفّارة كُبرى ، مُخيّرة بين العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، سواء كانَ على مُحلّل أو مُحرّم. والأحوط في الإفطار على المحرّم كفّارة الجمع بين هذه الخصال الثلاثة المذكورة.
ويجب لكلّ يوم كفّارة واحدة. وإن تعدّدت فيها المُفطرات.
ولا كفّارة في إفطار صوم واجب سوى رمضان وقضائه ، والنذر وشبهه ، والاعتكاف الواجب.
ولو ازدرد المُحلّل والمُحرّم دفعةً ، فالعمل على ما سبقَ إلى الجوف ؛ وفي الدفعة يغلب المحرّم ، ومع الشكّ يغلب المحلّل ، وللعكس وجه. ولا يثمر رضا المالك بعد الإفطار ، والحكم يتبع الواقع.
ص: 77
ولو عُذر في الإفطار أو المحرّم ، لم يتعلّق به حكم.
الثاني والثالث : كفّارة النذر والعهد لمن أخلّ بالوفاء عمداً ؛ وهي كفارة مخيّرة رمضانيّة ، على الأصحّ.
الرابع والخامس : كفّارة الظهار ، وقتل الخطأ ، ومنه هنا شبيه العمد ؛ وهي مثل كفّارة شهر رمضان ، إلا أنّها مرتّبة : الصيام بعد العَجز عن العِتق ، والإطعام بعد العَجز عن الصيام.
السادس : كفّارة قتل المؤمن عمداً ظُلماً ؛
ويجب فيها الجمع بين الخصال الثلاثة الرمضانيّة.
السابع : كفّارة خُلف اليمين ، ويجب فيها العتق ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، مُخيّراً بينهنّ ؛ فإن عجزَ عن الجميع ، وجبَ صيام ثلاثة أيّام مرتّباً بينهنّ.
الثامن : كفّارة الإيلاء ؛ وهي كفّارة اليمين.
التاسع : كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ؛ وهي إطعام عشرة مساكين ؛ فإن عجز ، صامَ ثلاثة أيّام. ومن أخّر قضاء شهر رمضان بين الرمضانين من غير عُذر ، فكفّارته عن كلّ يوم مدّ من طعام في أوّل عام ، والأحوط تسريته إلى كلّ عام.
العاشر : كفّارة الاعتكاف ؛ وهي مخيّرة رمضانيّة.
الحادي عشر : الشيخ ، والشيخة ، وذو العطاش وهو داء لا يروى صاحبه والحامل المقرب ، والمُرضعة القليلة اللبن إذا خافتا على الولد ؛ فإنّ الجميع يفطرون ، ويتصدّقون عن كلّ يوم بمدّ. ويُشترط فقد المتبرّعة ، والقابلة للأُجرة المتعارفة مع حصول الغرض والقدرة على البذل.
ومع استغناء الولد بالغذاء من دون إرضاع يقوى عدم الجواز ، ويسري الحكم إلى المتبرّعة ، والمستأجرة.
وفي تسرية الحكم فيما لو أرضعت من أولاد الكفّار وشبههم إشكال.
والأحوط التكفير مع الخوف على أنفسهما أيضاً.
ص: 78
وهذه الكفّارة في مال الزوجة ، على الأقوى.
الثاني عشر : كفّارات الحجّ وهي مفصّلة في محلّها.
الثالث عشر : باقي الكفّارات من المفردات ، ولها أفراد :
أولها : جزّ المرأة شعرها في المُصاب
بالنحو المتعارف بين النساء ، ولا يُشترط التمام ، والظاهر إلحاق الحلق والإحراق به. ويستوي جزّها وجزّ غيرها عن أمرها. ولو قصرت في الدفع ففي لزومها إشكال. ولو كان الجزّ لا للحزن ، بل لدفع الوسخ أو القمل مثلاً ، لم يلزم فيه. ولو خلا عن العُذر ، احتمل اللّحوق ، وفيه كفّارة مخيّرة رمضانيّة.
ثانيها : نتف المرأة شعرها في المُصاب بما يصدق عليه اسم نتف الشعر عُرفاً ، كلا أو بعضاً ، وخدش وجهها مع الإدماء وهي وسابقتاها مُختصّة بالنساء ، ولو فعل شي ء منها في غير المصاب فلا كفّارة وشقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته خاصّة وإن كانت متعة ، ولا يتسرى إلى الأمة. والظاهر عدم التسرّي إلى القلنسوة (1) والخُفّ ، ونحوهما ، وفيها كفّارة يمين.
ثالثها : النوم عن صلاة العشاء حتّى ينتصف الليل ، وفيها الإصباح صائماً إن لم يكن مانع من الصوم ، وإلا سقط. ولا يلحق به الناسي والسكران والعامد على الأقوى. ولو أفطر في ذلك اليوم عمداً ، فليس عليه تداركه ، ولا كفّارة. ولو وافقَ السفر أو العيد ، سقطَ.
رابعها : الوطء في الحيض مع العلم به ، على الواطئ دينار في ثلث زمانه الأوّل ، ونصفه في الثلث الثاني ، وربعه في الثلث الأخير. وإن كانت الموطوءة جاريته ، يتصدّق بثلاثة أمداد طعام على ثلاثة مساكين ، وقد مرّ الكلام فيها مفصّلاً في بحث الحيض.
ص: 79
خامسها : نكاح المرأة في عدّتها ، فعلى الناكح خمسة أصواع من دقيق.
سادسها : تزويج امرأة لها زوج ، وعليه خمسة أصواع من دقيق أيضاً ، وقيل : خمسة دراهم (1). ويحتمل التقييد بالعلم والجهل بالحكم مع عدم العُذر.
سابعها : الحلف بالبراءة كاذباً ، وفيه إطعام عشرة مساكين ، وقيل : كفّارة نذر (2) ، وقيل : كفّارة يمين مع العجز ، وكفارة ظهار مع القدرة (3) ، وقيل غير ذلك (4). والحلف بالبراءة صدقاً وكذباً حرام.
ثامنها : العجز عن الوفاء بصوم يوم منذور ، وفيه إطعام مسكين مدّين ؛ فإن عجزَ ، تصدّق بما استطاع ؛ فإن عجَز ، استغفرَ اللّه تعالى.
تاسعها : ضرب العبد فوق الحدّ الشرعي لمن كان عليه حدّ أو مطلقاً ؛ وفيه إطلاقه من الرقّ ، وعتاقه ، وربّما يخصّ المسلم بل المؤمن.
عاشرها : من نذر أيّاماً من الصوم فعجز ، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ ، والاستحباب أظهر في جميع أفراد الثاني عشر.
ومنها : كفّارة ترك النوافل الرواتب ممّن لا يقدر على قضائها ، وهي مدّ لكلّ ركعتين من صلاة الليل ، وكذا لكلّ ركعتين من صلاة النهار ؛ فإن لم يقدر ، فمدّ لكلّ أربع ركعات ؛ فإن لم يقدر ، فمدّ لصلاة اللّيل ، ومدّ لصلاة النهار.
ومنها : كفّارة من أخّر القضاء (لاستمرار) (5) مرضه إلى ما بعد رمضان آخر ، وهي عن كلّ يوم مدّ ، وربّما أُلحق به سائر الأعذار.
وروى عن الصادق عليه السلام : أنّ كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج
ص: 80
الإخوان (1) ، وكفّارة الاغتياب الاستغفار للمُغتاب (2) ، وكفّارة المجلس قراءة ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ ) عند القيام (3). وكفّارة الضحك : اللّهم لا تمقتني (4). وروى في اللطم على الخدّ الاستغفار والتوبة (5) ، ويجزي الاستغفار عند العَجز عن خِصال الكفّارات أجمع. وكفّارة الصغائر ترك الكبائر. وكفّارات الحجّ تجي ء في محلّها بحول اللّه. وورد في كثير من العبادات أنّها كفّارة من الذنوب.
وفيها مسائل :
يُعتبر في الرقبة المُعتقة في جميع ما ذكر الإسلام ، فلا يجزي عتق الكافرة ، ولو كانت ممّن انتحل الإسلام.
وولد الزنا من المسلم تقوى تبعيّته له ، كتبعيّة المسبيّ للسابي ؛ ومن الكافر يحتمل فيه عدم التبعيّة ؛ لعدم النسب شرعاً ، والظاهر اعتبار النسب عُرفاً.
ولا يُشترط كونها من الفرقة المحقّة ، وإن كان الأحوط ذلك.
ولا يجزي عتق أبعاضٍ لو لُفّقت عادلت رقبة ، ولا بعضو أفضى إلى السراية.
ويجزي عتق المكاتب الّذي لم يتحرّر منه شي ء ، وأُمّ الولد والمدبّر ، والأُنثى والذكر ، والصغير والكبير ، والمريض والصحيح.
نعم يُشترط أن لا يسبق إليها ما يقتضي العتق ، كالتنكيل ، والعمى ، والجذام ، والإقعاد ، وبعض أقسام القرابة.
ولو زعم أنّها مؤمنة فأعتقها ، فظهر الخلاف ، قوي الإجزاء. والأحوط تكرير
ص: 81
الإعتاق برقبة مؤمنة ، وإمضاء إعتاق الأُولى.
ويكفي في ثبوت الإيمان وجودها في بلاد المسلمين ، وإن لم يسمع منها الإقرار بالشهادتين.
ويُشترط تعيينها ، فلا يكفى عتق رقبةٍ مبهمة ، ونيّة القربة ، وإيراد صيغة صريحة في التحرير ، كحرّرتك ، وأنت حرّ ، وأعتقتك ، مقرونة بالقصد ، والاختيار ، وجواز التصرّف. ولا مانع مع إجازة الوارث للمريض والغرماء للمدين المفلس.
ويشترط الخلوّ عن اشتراط العوض ، والعتق ، والتخيير (1).
وتجزي مع العجز سائر اللغات ، ومع العجز عن الجميع الإشارة ، مع الكتابة وبدونها.
ولو أعتق فضولاً ، فأجاز المالك ، لم يصحّ.
وهو أقسام :
الأوّل : صوم شهرين متتابعين هلاليّين في الحُرّ ، وشهر في العَبد مع عدم الانكسار ، أو عدديّين (2) مع انكسارهما لعروض بعض الأعذار الموجبة للإفطار ، وهلاليّ ، وعدديّ مع انكسار أحدهما دون الأخر.
ويكفي في تتابعهما اتصال الشهر الثاني بالشهر الأوّل ، ولو بيومٍ منه ؛ فمتى حصلَ شهر ويوم مع التتابع ، جازَ التفريق في الباقي ؛ فلو ابتدأ بهما قبل شعبان بيومٍ ثمّ أتمّه كانَ مُتابعاً ؛ ولو اقتصرَ على شعبان وحدَه ، لم يُتابع.
ولو أخلّ بالتتابع اضطراراً لحيض أو مرض أو إجبار ونحوها ، فكالمتابع. وفي إلحاق من زعمَ إتمام الشهر واليوم فأفطر بالمفطر للعُذر إشكال.
ومن عجزَ عن صوم الشهرين والبدل ، صامَ ثمانية عشر يوماً ؛ فإن عجزَ تصدّقَ بما وجد ، أو صام ما استطاع ؛ فإن عجزَ استغفرَ اللّه ، ولا شي ء عليه. والأحوط التصدّق
ص: 82
بثمانية عشر مُدّا عن الأيّام الثمانية عشر إن أمكن مُقدّماً على الصيام ما استطاع والاستغفار.
ولا فرق في هذه الأحكام بين وجوب الشهرين بكفّارة حجّ أو صوم ، أو بنذرٍ ، أو غيرهما ، ما عدا الإجارة ، وما صرّح به بمتابعة الستّين يوماً.
ومن لزمه صوم شهر متتابع بنَذر ونحوه ، أجزأه في حصول التتابع صيام خمسة عشر يوماً. وفي إلحاق ما وجب فيه شهر بغير الالتزام بالنذر ونحوه ، ككفّارة العبد في الظهار ، وقتل الخطأ ونحوهما وجه ، والأقوى العدم ؛ اقتصاراً على المنصوص. ولا يجزي التنصيف أو الزيادة عليه في التتابع في غير ما ذكر ، كصوم عشرين متتابعات ونحوها ، ولو نوى في الكفّارة صوم الشهرين أو غيرهما ، ممّا يلزمه التتابع ، ونوى التفريق أو ردّد عمداً ، بطل ولو تابعَ ؛ ولا بطلان مع السهو.
ولو دخلَ فيهما قبل شعبان بيوم لاحتمال النقصان ، فيحصل اليوم بعد الشهر ، بطلَ مطلقاً. لا يكفي الدخول في السنة الثانية لو نذر تتابع السنتين. ولا يجري نذر تتابع الشهور مجرى تتابع الشهرين ، إلا إذا اعتبره في كلّ شهرين منها ، فإنّه يرجع إلى الاكتفاء بوصل يوم من الشهر الثاني بالشهر الثالث. ولو تعدّدت عليه الكفّارات المتتابعات فاكتفى بالوصل فيها ، وأخّر ما يجوز تفريقه بجملته ، فلا بأس.
الثاني : صوم ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين وكفّارة قضاء شهر رمضان ، ويُشترط فيها التتابع.
الثالث : صوم عشرة أيّام وثلاثة أيّام في كفّارات الحجّ ، وستأتي في محلّها.
الرابع : صوم من أخّر صلاة العشاء إلى نصف اللّيل في اليوم الّذي أصبح فيه ، وهو مستحبّ على الأصحّ.
وهو لكلّ مسكين مُدّ ، فللستّين ستّون مُدّاً ، وللعشرة عشرة أمداد ، وللواحد واحد ، على الأصحّ.
ص: 83
وورد في خصوص العجز عن صوم يوم منذور الصدقة بمُدّين على الفقير ، ولا يجوز التكرار مع الاختيار في الكفّارة
الواحدة على المسكين الواحد. والمراد بالمدّ : رطلان وربع ، والرطل : ثمانية وستّون مثقالاً صيرفيّاً وربع من أيّ طعام كان من مأكول العادة ، ويجزي الدقيق ، وفي الخبز إشكال ، والأحوط الحنطة أو دقيقها. ويجزي الإشباع عوض المُدّ من مأكول العادة من الأقوات.
ويجزي مجرّد دخوله إلى الجوف ، وإن قاءَهُ بعد الشبع ؛ ولو قاءَ في الأثناء ، قوي عدم احتساب الفائت.
ولو لم يوجد العدد في محلّه ، نقله إلى محلّ آخر. ولو تعذّر ، كرّر حتّى يستوفي العدد. ويستوي الصغار والكبار ، والعبيد والأحرار ، والذكور والإناث في القسمين. والأحوط احتساب صغيرين بكبير مع الانفراد في الإشباع.
ويُستحبّ وَضع الإدام (1) وإضافة أُجرة ما يتوقّف عليه الانتفاع.
وقبض الولي مُعتبر في التسليم ، وإذنه في الإشباع مجرّد احتياط.
ولو خالفَ بين الأطعمة فجعل لكلّ مسكين نوعاً ، أو لمسكين واحد من نوعين ممّا يجوز إعطاؤه ، فلا بأس. ولو وكّل المسكين في القبض عنه صحّ ، ولو كان الوكيل ربّ المال ؛ ويجري في جميع ما فيه تسليم ، أمّا ما فيه إشباع فلا.
والصاع فيما روي في الصاع (2) تسعة أرطال ، وهي أربعة أمداد. والمراد من الدقيق ما يُسمّى دقيقاً من المأكول المتعارف.
ويجوز إعطاء الصوع بتمامها لمسكين واحد ، وكذلك يجوز إعطاء الأمداد المتعدّدة في كفّارة الشيخ والشيخة ونظائرهما لمسكين واحد.
والمراد من الدينار : الذهب القديم ، ووزنه ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي.
ولا تجزي القيمة ، ولا الجنس المغاير عوض الأمداد والصوع والدنانير ، إلا أن يوكّله على المعاوضة والقبض.
ص: 84
ولو اشترى المكفّر ممّن أعطاه كفّارة طعاماً فلا بأس.
والمراد بالمسكين : العاجز عن قوت سنة ، ووجدان الزائد عن السنة مع مقابلة الديون ، أو ما كان من مالٍ متّخذ للاسترباح لا يفي ربحه بقوتِ السنة ، أو ملكٍ لا تَفي فوائده بذلك ، أو المستثنى في أداء الديون كالدار وأثاثها ، ودابة الركوب وأسبابها ، والجارية وثيابها ، والكتب العلميّة المحتاج إليها ، والثياب ، والحلي العاديّة. وكلّ شي ء يُعدّ من الضروريّات عادة لا يُنافي المسكنة. وكيف كان ؛ فالمدار على ما يُسمّى مسكيناً أو فقيراً عُرفاً.
ولو ظنّه فقيراً ، فبان غنيّاً بعد تسليمه ، استرجعه إن كان باقياً ، وإلا فلا ضمان عليه على الأقوى.
ويجوز إعطاؤها بأقسامها للهاشميّين وغيرهم ، من الهاشميّين وغيرهم ، كما في باقي الصدقات عدا الزكاة.
وذو الكسب القائم بمئونته ، وواجب النفقة على المعطي ، أو على غيره مع غناهم بحكم الغنيّ على الأحوط. والأقوى عدم البأس في غير الزوجة والمملوك. ولا يُعدّ إيجار النفس للعبادة كسباً ما لم تُتخذ صنعة.
وابن السبيل فقير وإن كان غنيّاً في بلاده.
ولو عجزَ المُنفق أو امتنع ، فلا غنى. ولو كانت حاجة ضروريّة وراء الإنفاق ، جازَ الإعطاء لها.
ولا تشترط العدالة.
ولو علم صرفها في المعصية ، لم يَجُز إعطاؤه ؛ ولو علم أنّ في منعه ردعاً عن المعصية ، فالأحوط منعه ؛ للأمر بالمعروف ، والنهي عن المُنكر.
ولو دفع شيئاً ظنّه من جنس الواجب ، فظهر من غيره ، أعاد. ولو قيل باحتساب مقدار ما فاتَ منه مع التلف ، كان وجهاً.
ويكفي في ثبوت الفقر ادّعاؤه ، ومع عدم الادّعاء يجزي ظاهر الحال من غير حاجة إلى حصول العلم.
ص: 85
ولو سلّم فقيراً ، فصارَ غنيّاً بعد القبض ، مضى الحُكم ، ومع العكس والعلم لا يصحّ إلا بنيّة جديدة مع بقاء العين ، ومع التلف والعلم الإعادة.
يُعتبر فيها أن يكون ممّا يُعدّ لباساً عُرفاً ، من غير فرقٍ بين الجديد وغيره ، ما لم يكن منخرقاً لا يستر البدن. وستر العورة والرأس واليدين والقدمين ونحوها لا يغني ، فلا عبرة بالعمامة والقلنسوة ، والخفّ ، والجورب ، بل السراويل في وجه قويّ. ويقوى الاكتفاء بالثوب الواحد ، والأحوط اعتبار الاثنين.
وتجب مُراعاة العدد ؛ فلو كرّر على واحد ، بأن كساهُ عشر مرّات ، لم تُحسب له إلا واحدة ، إلا مع الاضطرار ؛ لفقد مستحقّ آخر.
ويُشترط الإيمان بالمعنى الخاصّ والفقر ، على نحو ما مرّ في الإطعام ، من غير فرقٍ بين الصغير والكبير ، والحرّ والعبد ، والذكر والأُنثى.
والظاهر عدم إجزاء كسوة البالغ نهاية الصغر ، كابن شهر أو شهرين.
ولو كان الثوب غيرَ ساتر لرقّته ضعّفه حتّى يتحقّق الستر.
وقبول الوليّ شرط في المولّى عليه.
ولو بانَ عدم إيمانه ، أو عدم فقره بعد قبضه ، والعين باقية ، استرجعها ؛ ومع التلف لا ضمان على الأقوى ، ما لم يكن مفرّطاً ، وتفرغ الذمّة بمجرّد القبض ، حتّى لو سلب منه حينه أجزأ.
ولا يُشترط اعتبار حال اللابس ؛ فلو كسي المتجمّل ما لا يناسبه أجزأ.
ولا يُشترط دوام اللبس ، وأمّا حصوله في الجملة فربّما يقال به ، والأقوى عدمه.
ولو صار غنيّاً بعد القبض ، لم يجب ردّه.
ولو سلّم الثوب إليه غير مخيط ، لم يكن مجزياً.
نعم لو وكّله على خياطته ، بل لو أعطاه ثمناً أو غزلاً ووكّله على جعله لباساً ، فلا بأس.
ص: 86
ولا تجزي القيمة عن اللباس ، ولو باعَ الفقير لباسه عليه ثمّ احتسبه عليه فلا بأس.
ولا يجزي إعطاء لباس الرجال للنساء وبالعكس مع اشتراط اللبس ، ومع الإطلاق وجهان ، كإعطاء الكبير لباس الصغير ، والأقوى المنع.
الأوّل : في أنّه لا فوريّة في شي ء من الكفّارات ، ما لم تتضيّق بنذرٍ ونحوه.
الثاني : الكفّارات عبادات تُعتبر فيها النيّة
كغيرها من العبادات ، ولا يجزي التبرّع فيها إلا عن الميّت ، ويجزي الفضولي إن تعقّبت الإجازة على إشكال. ولو تعدّدت أنواعها ، لزمت نيّة التعيين فيها ، حتّى لو نوى قسماً فظهر خلافه بطل. ولا يجب تعيين أفراد النوع الواحد ؛ حتّى لو نوى فرداً فظهر خلافه ، فلا بأس.
الثالث : لو وجب العمل بنَذر أو غيره من الموجبات ، فأدخل نيّة الكفّارة فيه ، لم يكن مُجزياً عنها. وكذا لو أدخل بعضها في البعض.
الرابع : إعطاء الكفّارة لأهل البلد أولى ، وإخراجها مع الضمان لا مانع منه ، ولا ضمان على المجتهد في إخراجها إذا راعى غِبطة الفقراء.
الخامس : لو تكرّرت أسباب الكفّارات ، تكررت.
والسبب في كفّارة الإفطار إفساد الصيام ، فلا تكرار إلا بتكرّر الأيّام. ولو كرّر الجماع والأكل والشرب وأتى بجميع المفطرات في اليوم الواحد ، لم تجب سوى كفّارة واحدة ، وإن أثم بالمعاودة.
ولو جبر زوجته على الجماع ، دائمة أو غيرها ، في الدُّبر أو القُبل ، تحمّل كفّارتها مع كفّارته إن كان ممّن تلزمه الكفّارة.
وفي إلحاق المملوكة ، والمحلّلة ، والأجنبيّة ، والملوط به ، والنائمة ، والناسية ، وإلحاق الجابرة بالجابر ، والجابر الخارج ، والدافع لأحدهما حتّى ترتّب عليه الدخول ، وجه قريب ، وخلافه أوجه.
ولو كان المُكره أو المكرهة غير مكلّفين فلا تحمّل. وإن كان المكرِه مُفطراً وهي صائمة ، فلا يبعد الحكم بتحمّله عنها. ولو كرّر النَّذر أو العهد أو اليمين مؤسّساً ،
ص: 87
تكرّرت. ولو قصد التأكيد ، فلا تكرار مع عدم الفصل ، ومع فصله وفصل الكفّارة تنبغي مُراعاة الاحتياط.
السادس : لو عجز عن المرتبة الأُولى ، ودخل في الثانية وأتمّها ، ثمّ قدر على الأُولى ، مضى وأجزأت : ولو تجدّدت القدرة في الأثناء فكذلك ، والأحوط العَود.
السابع : لو كان قادراً على المرتبة الأُولى فأهمل ، ثمّ عجزَ عنها ، أجزأته الثانية ، وهكذا.
الثامن : لا يجوز تلفيق الكفّارة من جنسين مُتغايرين ، كنصف صوم ، ونصف إطعام ، ويجوز من طعامين.
التاسع : يجوز التوكيل في إخراجها حيث تكون ماليّة ، ويتولّى الوكيل (1) النيّة. وتجزي نيّة الموكّل حين الدفع إلى الوكيل ، وأمّا في البدنيّة فلا تجوز النيابة على الأقوى ، إلا عن الميّت.
العاشر : لو كفّر من جنسٍ ، فظهر أنّ الواجب غيره ، أعادَ الكفّارة.
الحادي عشر : الكفّارة عن معصية لا ترفع الذنب وحدها ، كما أنّ التوبة كذلك ، وإذا اجتمعا رفعا إن شاء اللّه تعالى.
الثاني عشر : حال الكفّارات كحال غيرها من العبادات لا بدّ من أخذها من المجتهد الحيّ من غير واسطة ، أو بواسطة العدل ، ونحو ذلك. فلو عمل من غير علم ، كان كالسائر على غير الطريق ، لا تزيده كثرة السّير إلا بُعداً.
ولو كفّر بنوعٍ عن اجتهاد أو تقليد ، فعدلَ المجتهد إلى غيره عن اجتهاد ، لم تجب الإعادة ، على الأقوى ، كما في باقي العبادات ، وما كان عن علم لا تجب إعادته على إشكال.
الثالث عشر : لو فعل المفطر الموجب للكفّارة ، ثمّ عرضَ لهُ ما يُفسد الصوم اختياراً كالسفر ، ولو شرع في مقدّماته ، كما إذا فعله بعد الخروج قبل بلوغ محلّ الترخّص - أو
ص: 88
اضطراراً كالحيض والنفاس والإغماء ونحوها لم تسقُط الكفّارة. ولو ظهر حصول المفسد سابقاً ، كما لو ظهر له أنّه فعل المفطر مُصبحاً من غير اعتبار ، فلا كفارة ، وإن أثم بالتجرّي.
الرابع عشر : لو ماتَ وعليه صوم كفّارة ، تحمّلها الوليّ عنه ، كغيره من أقسام الصيام ، ما عدا الاستئجار. وما لم يكن فوته لبعض الأعذار. وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً. ولا تحمّل فيما لم يتعيّن فيه الصوم إلا مع عدم إمكان الأداء من التركة في وجه قويّ.
الخامس عشر : لا ترتيب بين القضاء والكفّارة ما لم يتعيّنا بمعيّن ، وتقدّم السبب وتأخّره لا يقتضي الترتيب.
السادس عشر : الصوم كلّه يجب فيه التتابع ، إلا أربعة :
صوم النَّذر وما في معناه ، وصوم قضاء رمضان وغيره ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهَدي ، وسيأتي في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى.
السابع عشر : الظاهر عدم اشتراط تقدّم التوبة في صحّتها ، فلو فعلها ثمّ تاب فلا مانع ، والمحافظة على التقديم أقرب إلى الاحتياط.
الثامن عشر : تجب المحافظة على المقادير في الكفّارات ، فلا يجوز النقص فيها اختياراً ، ولا الزيادة ؛ لمخالفة الأمر. وهل تجزي لو أتمّ الناقص وأهمل الزائد بعد أو لا؟ الوجه عدم الإجزاء ؛ لفساد النيّة.
التاسع عشر : تجب ملاحظة التراب ، والخليط ، فإن كانا خارجين عن عادة الطعام ، لزم حطّهما من المقدار ، وإلا فلا بأس بعد الاعتبار.
العشرون : لو قدّم الطعام إلى مريضٍ يضرّه الطعام ، أو يمنعه المرض عن أكله المعتاد ، أو سلّم الملبوس إلى من لا يجوز له لبسه ليلبسه ، فالظاهر عدم الإجزاء.
الحادي والعشرون : يُستحبّ تسليم الكفّارة إلى المجتهد ، والقول بالوجوب بعيد.
الثاني والعشرون : ليس على المجتهد نيّة في الدفع إن قبضها بحسب الولاية عن الفقراء ، وإن تولاها عن المالك كان وكيلاً وأميناً ، فلا بدّ من النيّة.
ص: 89
الثالث والعشرون : أنّه يُعتبر القبض في تملّكها كسائر الصدقات ، ويقوى جواز احتسابها على المديون بجنسها.
الرابع والعشرون : أنّه لا يجوز العدول منها إلى غيرها من العبادات ، ولا من بعضها إلى بعض.
الخامس والعشرون : إذا تعدّدت الكفّارات ، وامتنع الجمع بينها ، بنى على الميزان ، وكذا مع التعارض بينها وبين غيرها.
السادس والعشرون : الجهل في الحكم بمنزلة العمد مع التقصير للخطور بالبال وإهمال السؤال.
السابع والعشرون : أنّ في اشتراط البناء على التوبة فيما فيه عصيان والقضاء فيما فيه قضاء في صحّتها وجهاً قويّاً.
الثامن والعشرون : أنّه لو نذر صيام رمضان في الاعتكاف فأفطر في يوم منه بعد الدخول في ثالث الاعتكاف كفّر ثلاثاً ، وقبله كفّارتين.
التاسع والعشرون : أنّ مَن كان عليه شي ء من الكفّارات ، فنسي تعيينه ، أتى بجميع المحتمل مع الحصر ، وسقط الحكم مع عدمه.
ص: 90
ص: 91
ص: 92
كتاب الاعتكاف
وفيه مباحث :
وهو لَبث مخصوص للعبادة ، مُعتادة أو غير مُعتادة. ولو قصد اللبث مجرّداً عن قصد العبادة ، أو العبادة مجرّدة عن اللّبث ، لم يكن مُعتكفاً على الأقوى. ولو قصد ما يكون عبادة بالعارض كالاكتساب الراجح ، وعقد النكاح ونحو ذلك ، قويت صحّته ، والأقوى خلافها.
وهو من جملة الطاعات المقرّبة إلى جبّار السماوات ، فعن الصادق عليه السلام : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتكف أوّلاً في العشر الأُولى من شهر رمضان ، ثمّ في السنة الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ في السنة الثالثة في العشر الأخيرة ، ثمّ لم يزل يعتكف في العشرة الأواخر (1).
وعنه عليه السلام ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : انّه إذا دخل العشر
ص: 93
الأواخر شدّ المئزر ، واجتنب النساء ، وأحيا الليل ، وتفرّغ للعبادة (1). وأنّه فاته الاعتكاف سنة ، فقضاه في السنة الثانية ، بأن اعتكف عشرين يوماً ، عشراً للسنة الماضية ، وعشراً للسنة الحاضرة (2).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : اعتكاف عشرٍ في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين (3).
وهي أقسام
ويُعتبر فيها قصد القربة بأيّ نحوٍ اتّفق ، على نحو ما تقدّم في الصوم ، من غير حاجةٍ إلى نيّة وجوبٍ وندبٍ ، وأداء وقضاء ونحوها ، فلا حاجة إلى تجديد نيّة الوجوب للدخول في اليوم الثالث ، أو لنذرِ الإتمام ، والالتزام به بأيّ نحو كان بعد الدخول فيه.
ويُستحب التلفّظ بالنيّة على نحو الإحرام بالحج والعمرة.
وأن يشترط جواز الفَسخ متى أراده ، فيشترط الإحلال متى شاء ، أو يشترط ذلك إذا حصل ضارٍّ أو مانع. ولو شرطَ أمراً مخصوصاً وإن لم يكن مانعاً ، أو مانعاً كذلك ، أو في يوم مخصوص ، أو وقت مخصوص من ليلٍ أو نهار ، عملَ على شرطه ، ويندفع عنه حينئذٍ قضاء الوجوب ووجوب (4) الإتمام إلا في التحمّل وكراهة القطع في غير الواجب. ولو كان واجباً بنذرٍ ونحوه ؛ فإن أخذ الشرط حين إجراء الصيغة ،
ص: 94
فلا قضاء ولا إثمَ ، وإلا لزما.
وتُعتبر المقارنة في الشرط لعقد النيّة ، فلا أثر للمتقدّم والمتأخّر المنفصل ، وفي اعتباره قبل الدخول في الثالث وجه ، والأقوى خلافه.
وتستوي اللغات في صورة النيّة وشرطها ، وتتوقّف على فهم العاقد.
ولو شرطَ ثمّ أسقط حكم شرطه ، فكمن لم يشرط.
ولا فرق في العارض حيث يطلقه بين الإلهي وغيره.
ولو زعم العارض فعزم على الخروج أو خرج ، فتبيّن خلافه ، فإن كان فسخ وأحلّ بالإفطار بطل ، وإلا صحّ وأتمّه ، إلا أن تذهب صورته. ولو أدخل نيّة الخروج في يوم كذا لعلمه بحصول المسوّغ من الأُمور المقرّرة ، فلا بأس مع حصول الانعقاد سابقاً.
ونيّة التفريق والقطع والإبطال والضميمة كنيّتها في الصوم وغيره من العبادات.
ولو نوى اعتكاف تسعة أيّام مثلاً ، فإن جعلها اعتكافاً واحداً ، فنيّته واحدة ، وإلا تعدّدت نيّته بتعدّد اعتكافاته.
ولو نواه في شهر ، فظهر في غيره ، أو في يوم خميس ، فظهر غيره ، فلا بأس.
ولو أدخل في نيّته ما لا يصلح للاعتكاف من زمان أو مكان ، كأن ينوي عشرة أيّام وفيها عيد ، وينوي مكاناً ويدخل فيه غير المسجد ؛ فإن كان مُشتبهاً صحّ فيما يصحّ ، وإن كان عن عمد بطلَ ، ويحتمل التوزيع.
والشرط بالنسبة إلى غير البالغ تمرينيّ ؛ لأنّه لا حرج عليه معه بدونه ، ولا يصحّ له اشتراط الفسخ في اعتكافه لاعتكاف عبده أو ولده ، أو اعتكاف آخر.
ولو شكّ في أصل الاشتراط أو العارض المشروط بعد الدخول ، بنى على أصل العدم.
ولو شكّ في أصل النيّة ، بنى على الصحّة إن أجرى على نفسه حكم الحبس ، أو كان كثير الشكّ ، وإلا فلا.
وكذا لو شكّ في شي ء وقد دخل في غيره ، أو شكّ بعد الفراغ. ولو فسد شرطه لم يفسد اعتكافه.
ص: 95
ولا يجوز التوكيل في النيّة والعقد والشرط ، وتجب مُقارنة النيّة لأوّل الاعتكاف.
وصورة الاشتراط على الأفضل بعد أن يقول : أعتكف في هذا المكان أو المسجد ثلاثة أيّام مع ما بينها من الليالي ، أو أربعة ، أو خمسة ، وهكذا وأشترط على ربّي أن يحلّني متى شئت ، وإن قيّده بالعارض قال : أشترط على ربّي إن صدّني صادّ ، أو منعني مانع أن يحلّني حيث حبسني ، ومن لم يُحسن يُتابع غيره بعد فهم المعنى.
والنوم ، والغفلة ، والنسيان بعد انعقاد النيّة لا ينافي استمرار حكمها.
ولو نوى الاعتكاف فقال : إن كان كذا فعلته ، بطل ، إلا أن يكون شرطاً مؤكّداً ، كقوله : إن كان راجحاً ، أو إن كان المحلّ مسجداً ، ونحو ذلك.
وتجوز نيّته عن الميّت والأموات دون الأحياء ، ولا يجوز العدول بالنيّة عن اعتكاف إلى غيره ، مع اختلافهما في الوجوب والندب ، واتحادهما ، ولا عن نيابة ميّت إلى غيره ، إلا إذا نوى واجباً فبانَ عدم وجوبه ، فإنّ الأقوى جواز العدول إلى الندب ، ولا يخلو من إشكال.
وتُشترط فيها المقارنة ، فلو قدّمها من غير إدخال الواسطة في الاعتكاف بطلَ ، ويكفي التبييت على الأقوى. ومن أراد تمام الاحتياط ، حافظَ على أن يكون عند الفجر داخل المسجد متيقّظاً ؛ ليقارن الفجر بنيّته بعد أن يكون نوى مقارناً للغروب. ويكفي ظنّ الغروب وطلوع الفجر مع وجود علّة في السماء ، وفيمن فرضه التقليد كالأعمى ، ومن له مانع عن العلم ، وفي غيرهما لا بدّ من العلم ، أو ما يقوم مقامه.
فلا اعتكاف لمن لا يصحّ منه الصوم ، ولا لمن فسدَ صومه ببعض المُفسدات ، ويكفي مُسمّى الصوم وإن لم يكن للاعتكاف ، كصوم شهر رمضان ، وما وجب بالسبب ولو بالتحمّل ، وصوم التطوّع ، والمختلف.
ومن أوجب اعتكافاً على نفسه ، فقد أوجب صوماً.
ولو خرج ناوي الإقامة في المسجد لبعض الأعذار بعد انعقاد إقامته ولو بصلاة
ص: 96
فريضة تماماً ، أو بالدخول في ثالثتها إلى ما دون المسافة ، ناوياً للعَود والإقامة أو دونها ، أو متردّداً فيه أو فيها مع العزم على العَود ، صحّ اعتكافه. ولو عزم على المسافة وعدم العود بعد دخول محلّ الاعتكاف ، ولم يضرب في الأرض ، صحّ اعتكافه ، في وجه قويّ ، والاحتياط فيما عدا نيّة العَود والإقامة أوفق بالجزم. ولو أدخل في نيّة الإقامة الخروج إلى ما فوق محلّ الترخّص ، فلا إقامة له.
وكلّ من انكشف فساد صومه ، تبيّن فساد اعتكافه.
ولو تعيّن عليه الصوم في مكان مخصوص ، فنواهُ في محلّ الاعتكاف ، فسدَ الصوم ، وفسد الاعتكاف ؛ ولو وجب الاعتكاف في مسجد ، فنواهُ في آخر ، بطل الاعتكاف وصحّ الصوم ؛ ومتى طرأ عليه بعض مفسدات الصوم من حيض أو جنون أو إغماء أو كفر أو نحوهنّ ، ولو قبل الغروب بثانية ، أي جزء من ستّين جزءاً من الدقيقة ؛ لأنّ الدقيقة ستّون ثانية ، والساعة ستّون دقيقة بطلَ اعتكافه. وإن وجبَ عليه بنَذر أو نحوه ، قضاه من رأس.
ومن أصبح جُنباً ، أو أكل مُستصحباً للّيل أو ظانّاً لدخوله أو فعلَ غير ذلك ، وبنى على صحّة الصوم ، صحّ اعتكافه إن لم يكن مُفسداً.
وكلّ زمان يصحّ فيه الصوم ولا مانع من الاعتكاف فيه ، يصحّ فيه الاعتكاف ، إلا أنّ شهر رمضان أفضل أوقاته ، وأفضله العشرة الأخيرة.
والظاهر اختلاف مراتب الرجحان باختلاف فضيلة الصوم في الأوقات والشهور ، فلفعله في شعبان امتياز على رجب ، ولرجب امتياز على غيره ، وهكذا ، والأفضل الإتيان بالصوم الواجب لمن عليه صوم واجب من تحمّل من غير إجارة أو بإجارة ، وترك التطوّع.
وتُشترط فيه الجامعيّة ، والمسجديّة ، والوحدة. والأقوى جوازه في كلّ مسجد جامع. ولو تعدّد في البلد الواحد ، جاز الاعتكاف في الكلّ. ولا يجوز في مسجد السوق والمحلّة والقبيلة.
ص: 97
وتثبت المسجديّة والجامعيّة بالبيّنة ، والشياع ، واستعمال المسلمين ، أو حكم الحاكم لمقلّديه.
والأحوط الاقتصار على المساجد الستّة : المسجد الحرام ، ومسجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ومسجد كوفان ، ومسجد البصرة ، ومسجد المدائن ، ومسجد بُراثا. والأحوط الاقتصار على الخمسة الأُول. وأحوط منه الاقتصار على الأربعة الأُول ، مع المحافظة على تجنّب الزيادات الحادثة بعد زمان أهل الشرع.
وأمّا حائطه وبئره وقرارهما وسطحه ومِنبره ومنارته ومحاريبه ملحقة به ما لم يعلم خروجها عنه. والأجنحة ومساند الجدران من الخارج ، ما لم يعلم دخولها.
وتستوي بقاع المسجد في تعلّق الاعتكاف ؛ ولو خصّ بعضاً منها ، فالأقوى عدم الاختصاص ، والاحتياط أولى. وكذا لو خصّ كلّ يوم بمكان.
وجوامع غير أهل الحقّ كجوامع أهل الحقّ في الصلاة والاعتكاف وسائر الأحكام. غير أنّ الاعتكاف فيه مبنيّ على اتخاذ أهل الحقّ له جامعاً لصلاتهم.
ولمتولّي المساجد كحاكم الشرع ونحوه ولاية عليها ، كولايته على جوامع أهل الحقّ.
ولا يجوز اتّخاذ المسجدَين أو المساجد محلّا للاعتكاف الواحد.
وما أُضيف إلى المسجد الجامع مُلحق به. والأحوط توقّفه على الاستعمال. وتُعرف الحدود بالبيّنة والشياع والأوضاع وإخبار الخدمة.
وحضرة مسلم وهاني خارجتان من مسجد كوفان ، وكذا موضع قبر المختار.
ولو بانَ عدمُ المسجديّة أو الجامعيّة في الأثناء ، بطلَ الاعتكاف. والحدوث في الأثناء لا يصحّح ما تقدّم.
ولو كانت بين الجامعين باب فاعتكف وصار لكلّ من المسجدين شطر منه ، فلا تبعد الصحّة ، والأحوط الاقتصار على الواحد.
ولو تعذّر عليه المَكث في محلّ النيّة ، احتمل جواز الاكتفاء بجامع آخر ، والأقوى البطلان.
ص: 98
ولا يجوز الاعتكاف في الروضة ، وإن كان فيها فضل المسجد وزيادة ، ولا في رواقها ، إلا إذا كان مُعدّاً للعبادة لا للأحكام ونحوه ، ولا في الكعبة مع احتمال الجواز فيها ، وأولى منها حِجر إسماعيل.
ولو كثر المعتكفون فضاقَ المسجد عن اللبث فيه ، لم يجز التناوب لكلّ واحد يوم.
ولا تصحّ الوكالة والنيابة فيه ، ويُعتبر فيه أن لا يخرج من البدن قدر مُعتدّ به كنصفه وثلثه ، أمّا ما لا يُعتدّ به من بعض الأطراف فلا بأس بخروجه وإن خالف الاحتياط. وروى إخراج النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم رأسه للتنظيف ؛. (1)
ولو نوى الاعتكاف ببعض بدنه ، لم يصحّ مطلقاً. والشعر لا عِبرة به. والمدار على حصول مُسمّى الكَون ، قائماً أو جالساً أو مُضطجعاً أو راكباً ، مُستقرّاً أو مُضطرباً.
فلو خرجَ من غير علّةٍ ، أو خرج لعلّة فمكثَ خارجاً لغير علّة ، بطلَ اعتكافُه. والنسيان والعثار والإجبار والجهل بموضع المكان أعذار لا تقتضي البطلان ، وإلحاق جهل الحكم به قويّ.
ويجوز الخروج للضرورة الشرعيّة ، والعقليّة ، والعاديّة ، وللأكل ، والشرب ، والغُسل ، والإقامة للشهادة ، والتحمّل ، ولمقدماتها مع التوقّف على الخروج ، وردّ الضالّ ، وإعانة المظلوم ، وإنقاذ المحترم ، وعيادة المريض ، وتشييع المؤمن الحيّ ، وجنازة الميّت وصلاتها ، وحضور دفنها ، وسننه ، واستقبال المؤمن ، وغسل النجاسات والقذارات ، والاستحمام لشديد الحاجة إليه ، وصلاة الجمعة ، والعيد ، بل مطلق الصلاة في مكّة ، وخوف ضيق وقتها ، وقضاء حاجة المؤمن ، وإعانة بعض المؤمنين
ص: 99
خصوصاً المعتكفين على مطالبه ، والخروج معه رفعاً لخوفه ، أو ردّاً لماله الضائع أو الشارد والمسروق ، أو قياماً بحقّه ، وانتظاره لدفع خوفه ، وفعل ما فيه غَضَاضة في المسجد ، وإخراج الريح خارج المسجد.
ويُشترط في صحّته عدم الطول الماحي لصورة الاعتكاف. ويُحافظ على أقرب الطرق مع عدم الباعث على الطول من حاجةٍ تدعو إليه. ويلزمه الرجوع على الفور ، وأن لا يجلس تحت الظلال ، وإن جلس أثم ، ولا يبطل اعتكافه. والجلوسُ لقضاء الحاجة ليس منه ، والمشي تحت الظلال جائز ، والاحتياط لا يخفى.
والخروج لما تعلّق بمصالح المسجد وآدابه ، كإخراج كناسته ، والوضوء للحدث خارجه ، والقي ء ، والطبخ ، والخبز ، وغسل الثياب ، ونحوها ، وما تعلّق بمصالح نفسه ، من الإتيان بماءٍ أو حطبٍ أو عَلَف لدابّته أو نحو ذلك ، لا بأس به. ولا يلزم الاستئجار والاستعانة وإن كان واجداً ، أو مُطاعاً. ويشكل في واجد المملوك والأجير.
ومن الحاجة : امتثال أمر المالك ، والوالدين ، والخادم لمخدومه ، والمتعلّم لمعلّمه ، والمُنعَم عليه لصاحب نعمته ، ومعرفة الوقت ، والتأذين ، وجهاد العدوّ ، ومصاحبة المَحرم للمرأة الجميلة ، والخادم للمتشخّص أو المرأة الجليلة ، والقويّ للشيخ الضعيف ، والمريض للاعتماد عليه.
ومن الحوائج : طلب الاحتياط في غسل أو إزالة نجاسة أو نحوهما ، ما لم يدخل في الوسواس ، فإن دخل فيه فسد الاعتكاف.
ومنها : ما لو احتاج إلى مسألة ، والمُجتهد خارج المسجد ، أو احتاج إلى قران ، أو كتاب دعاء ، أو شي ء ممّا تتوقّف عليه العبادة. ولو أضرّ به الشعر فلم يسعه الحلق في المسجد خرجَ ، ومثله طلي النورة والحجامة والفِصادة (1) ونحوها.
ومن الأعذار : مظنّة تمام الاعتكاف ، فتبيّن خلافه بعد خروجه ، أو بعد نيّة فراغه.
ص: 100
فلو وجب عليه الخروج لجنابةٍ أو لعارضٍ يخافه على نفسه أو عرضه أو غيره ممّا يوجب الخروج ، فمكثَ ، بطلَ اعتكافه.
ولا يصحّ التطوّع به من الزوجة وإن كانت بالمنقطع ؛ والمملوك وإن كان مُبعّضاً إلا أن يكون مهاياً فيعتكف في نوبته ، ما لم يؤدّ إلى ضعفٍ في نوبة المولى إلا عن إذن الزوج والمالك. (والأقوى عدم التوقّف على إذن الوالدين ، لكن يُفسده منعهما ، ولو دخلوا عن إذن فلهما فسخه ما لم يدخل في محلّ الوجوب) (1) والأقوى عدم التوقّف في الواجب الموسّع ، وإن كان الاحتياط فيه.
ولو كان ضدّاً للواجب ، كما إذا كان مُنافياً لأداء دين الغريم المُطالِب أو نحو ذلك من الواجبات ، فالأقوى الصحّة ، والأحوط الإتيان بعد أدائه.
ولو غصب مكاناً من المسجد أو جلس على فراشٍ مغصوب ، فالأقوى البطلان ، وأمّا اللباس والمحمول فلا يبعث على الفساد على الأقوى.
ولو وُضِعَ في المسجد تراب أو فراش مغصوب ، ولا يمكن نقله ، فلا مانع من الكَون عليه. ولو جلسَ في المغصوب أو عليه مجبوراً أو جاهلاً بالغصب ، فليس عليه شي ء.
ومَن سبق إلى مكانٍ فهو أحقّ به حتّى يُفارقه ، أو يُطيل المَكث غير مشغول بالعبادة حتّى يُخلّ بعبادة المتعبّدين. ولو فارقه وله فراش أو شي ء مُعتدّ به ، بقيَ اختصاصه إن كان خروجه لغرض صحيح لا يقتضي البطء المفرط. ووضع الخيط والعُود والخِرقة كلا وضع ، وأمّا ما يسجد عليه والسبحة ، فممّا يلحظ في الوضع. وحدّ الانتظار إلى أن يحصل خلل في نظم الصلاة ونحوها ، كلزوم الفُرَج في الجماعة بعد قول : قد قامت الصلاة ، أو لزوم التعطيل مع الحاجة إليه.
ص: 101
والسابق للحجرة أولى بها في السكنى ، ولكن ليس له منع الشريك ما لم يحصل ضرر ، بخلاف المدرسة ، وتجري ؛ (1) الوكالة في الاختصاص حيث يجلس الوكيل في مكان الموكّل. وبقاع المسجد ممّا لها أعمال خاصّة يُقدّم فيها مُريد الأعمال الخاصة على غيره.
وتنبغي مُراعاة المراتب في التقديم ، واختيار أفضل الأماكن والصفوف ، فللعلماء التقدّم على من عداهم ، ثمّ الصلحاء ، ثمّ بني هاشم ، وهكذا ، والأفضل أولى بالأفضل ، وهكذا.
وتختلف فضيلة الاعتكاف باختلاف فضيلة المكان ، فللمسجد الحرام فضل على ما عداه ، ثمّ لمسجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ثمّ لمسجد كوفان ، ثمّ لمسجد البصرة ، ثمّ مسجد المدائن ، ثمّ مسجد بُراثا ، ثمّ باقي المساجد مرتّبة ؛ ثمّ ما زادت جماعة الناس فيه فضيلته زائدة على غيره ، وما كان في البقاع المشرّفة كالنجف ونحوه على غيره.
ولو منع متولّي المسجد كالحاكم ونحوه عن الاعتكاف لحِكمة ، من تقيّة وغيرها ، حرم وبطل. ولو عيّن لبعض المعتكفين مكاناً مخصوصاً ومنعه عن غيره ، حرم لبثه في غيره ، وبطل اعتكافه. ولو خصّ النساء بموضع والرجال بغيره ، لم تجز مخالفته ، وكلّ من حرم عليه اللبث ، لخوف على نفسه أو عرضه أوامر يلزمه حفظه ، فلبثَ ، بطلَ اعتكافه.
وأقلّه ثلاثة أيّام غير مُنكسرة ، مبدؤها طلوع الفجر ، وختامها غروب الحُمرة المشرقيّة من اليوم الثالث. وتدخل الليلتان المتوسّطتان. ولا يُشترط دخول الأُولى ؛ ولو أدخلها دخلت ، كما إذا نذر شهراً على الأقوى.
ص: 102
ولو أضاف كسراً متقدّماً أو كسراً مُتأخّراً ، لم (1) يدخل في الاعتكاف ، ولم يحتسب من الثلاثة.
والاحتياط بإدخال الليلة الأُولى والأخيرة ضعيف ، وفي الآخرة أشدّ ضعفاً.
ولو عقدَ اعتكافاً قبل العيد بيومين ، أو نذرَ اعتكافاً أقلّ من ثلاثة مع نفي الزيادة ، ولو بإخراج ليلة من المتوسّطتين ، بطل نذره واعتكافه. ولو أطلق النذر أو وجب عليه يوم ، لزمته ثلاثة تامّة.
ولا حدّ لأكثره ، فله أن ينوي أربعة وخمسة وعشرة وهكذا.
ولا تجوز ثلاثة وكسر في وجه قويّ.
ومتى أتى بيومين تامّين ، وجبَ عليه إكمال الثالث ، ما لم يكن مُشترطاً. وتمام اليومين يحصل بغروب الحمرة المشرقيّة من اليوم الثاني.
ويُشترط التتابع في الثلاثة ، فلو فصل بين أجزائها ، بطلَ. ولو نذرها بشرط التفريق والاقتصار عليها ، بطل.
ولو لم يشرط عدم الزيادة ، أضافَ إلى كلّ يوم يومين.
ولو نوى شهر رمضان أو نذره ، دخلت الليلة الأُولى. ولو نذر شهراً مطلقاً ، لزمه التتابع. ولو قيّد جواز التفريق أو عمّم ، جازَ على وجه يصحّ ، تابعَ أو فرّقَ.
ولو بانَ سبق النيّة على دخول اليوم ، أعادها مُقارناً لدخوله. ولا بدّ من ثلاثة أيّام تامّة بعد المُنكسر مع النيّة مُقارنة لابتدائها ، ولا دخول للمنكسر فيها ، وإلا بطل.
واعتكاف شهر رمضان مثلاً أو العشر الأواخر لا يخلّ به الزيادة والنقصان ، بخلاف الترديد في أصل النيّة.
ولشرف الزمان مدخل في تفاوت فضل الاعتكاف ، وأفضل الشهور شهر رمضان ، وأفضله العشر الأواخر منه ، وتتفاوت البواقي في الفضل لتفاوتها فيه.
وكلّ زمان لا يصلح للصوم لا يصلح للاعتكاف ، فلا يصحّ ممّن فرضه القصر إلا
ص: 103
في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ؛ للإذن في صيام ثلاثة أيّام للحاجة ، وكذا كلّ من أُذن له في الصيام من المسافرين يجوز له ذلك ، إذا أمكن له الكون في المسجد حين الصيام.
ولو نوى الاعتكاف ذاهلاً عن الصيام في الواجب الموسّع ، أجزأته نيّة الصوم قبل الزوال ، وفي المندوب إلى الغروب في وجه.
ويبطل بالارتداد عن الإسلام أو الإيمان ، ويجب عليه القضاء حيث يجب ، بالإعادة من رأس.
ويجب بشرط البلوغ والعقل وعدم المانع من شرع أو عقل ، وحصول أسباب الوجوب ، كأمر مفترض الطاعة من المولى ومالك المنفعة أو نَذر أو عهد أو يمين أو تحمّل. ولا يجب بأمر الزوج ؛ ويقوى وجوبه بأمر الوالدين مع عدم معارضة ضرر الولد.
وفيه مسائل :
الأُولى : الاعتكاف إذا لم يتعيّن بنذرٍ ونحوه لا يلزمه إتمامه بالشروع فيه ، ندباً كان أو واجباً موسّعاً ، ما لم تغرب عليه الحُمرة المشرقيّة من اليوم الثاني ، ولم يكن قد اشترط ، أمّا لو شرطَ فإنّ له العمل بمقتضى الشرط حينئذٍ. ويجري الحكم في كلّ ثالث من سادس ، وتاسع ، وهكذا من الأيّام التامّة. والالتزام بالإتمام لمجرّد الشروع في الواجب الموسّع والمندوب أوفق بالاحتياط. ولا فرق بين دخول الثالث ، وهو خارج المسجد أو داخله ، وكونه خارجاً عند دخوله لحاجة لا يخلّ ؛ للاكتفاء بالنيّة الأُولى عن نيّته.
ص: 104
الثانية : يلزم قضاء الاعتكاف المعيّن الواجب بنَذرٍ ونحوه ، أو بالدخول في ثالثه مع تركه أو إفساده عمداً ، علماً منه أو جهلاً أو سهواً. ولو مضى منه ما يصحّ أن يكون اعتكافاً مستقلا ، وترك من الواجب بعضاً منه ، قضاه بنفسه مع استقلاله ، كما إذا ترك ثلاثةً من تسعة منذورة ، ومع إضافة ما يبعث على قابليّة الاستقلال كالرابع من الأربعة المنذورة ، فيلزم إضافة يومين إليه. هذا إذا لم يشرط التتابع ، وأمّا مع شرطه ؛ فإن كان عن عُذر فكذلك ، وإلا أعاده من رأس.
ولو أخذ التتابع في عقد الإجارة ، فإن صرّح بالتتابع العُرفي ، فالإعادة مطلقاً ، ولو صرّح بالشرعي ، فالحكم ما تقدّم ، ومع الإطلاق الوجهان ، والبناء على الشرعيّ أظهر.
الثالثة : إذا نذر اعتكافاً في زمان مُعيّن ، أو عاهدَ أو حلفَ فلم يأتِ به ، لزمته كفّارة السبب الموجب.
ولو تعدّد السبب ، تعدّدت بتعدّده مع اختلافه جنساً ؛ ومع اتحاده ، فالاتحاد مع قصد التأكيد ، وتتعدّد مع قصد التأسيس ، ولا كفّارة للاعتكاف.
الرابعة : ما يحرم على المعتكف قسمان :
أحدهما : مُفسد للاعتكاف ، مُوجب لقضائه إن كان واجباً معيّناً بالأصالة بنذر ونحوه ، أو بالدخول في الثالث في وجهٍ قويّ ، ومثله بالدخول مطلقاً على القول به.
وهو الجماع من أُنثى لذكر ، أو من ذكر لأُنثى أو ذكر ، ولإلحاق الحيوان به وجه قويّ ، من غير فرق بين الإمناء وعدمه.
وتلزم الكفّارة فيه مع الوجوب أصالةً ، أو بالدخول في الثالث على الأقوى ، وهي كفّارة مخيّرة رمضانيّة واحدة ليلاً ، وتُضاف إليها كفّارة الصوم نهاراً إن كان ممّا تلزم فيه الكفّارة ، كشهر رمضان وقضائه.
ص: 105
ولو جبرَ زوجته معتكفَين في شهر رمضان ، تكرّرت عليه كفّارة شهر رمضان ، وفي غيرها وغيره لا تكرار عليه ، بل لكلّ حكمه على الأقوى. ولا تجب في الموسّع والمندوب قبل تعيّنهما في وجه قوي.
ويحرم الاستمناء وإن حرم لذاته للاعتكاف ، وإلحاقه بالجماع في الأحكام لا يخلو من وجه ، والأقوى خلافه.
الثاني : ما يحرم ولا يوجب إفساداً ، ولا قضاءً ، ولا كفّارة ، وهو أُمور :
أحدها : النظر والتقبيل واللّمس بشهوة لمحلّل ، كالحليل والحليلة ؛ أو محرّم ، كالأجانب والمحارم. ويقوى إلحاق المسّ والضمّ من وراء الثياب مع الشهوة ، والنظر بالمرأة.
ثانيها : شمّ الطيب ، مع استعماله وبدونه ، ولا يحرم مجرّد الاستعمال. ولو ذهبت رائحته بالمزج أو بدونه ، ارتفع المنع. وهو حرام في نفسه وإن لم يكن عن قصد ، فلو كان في ثيابه غسله ؛ أو ثياب جليسه ، اعتزل عنه ؛ أو في مكان ، خرجَ عنه ؛ إلا إذا سدّ أنفه بحيث لا يشمّه.
ولو تعذّر اجتنابه لانتشار رائحته في المسجد وعسُر عليه السدّ ، جاز ، ولا مانع.
وخَلُوق الكعبة وهو طيب معروف تُطيّب به الكعبة وغيره هنا سواء.
ومن كان أنفه معلولاً لا شامّة له ، فلا بأس عليه باستعماله ، والأحوط تجنّبه له.
والمراد به : ما يتخذه المتطيّب شمّاً ، أو أدهاناً ، أو بخوراً ، أو لطوخاً ، فما لم يكن متّخذاً لذلك فليس من الطيب وإن طابت رائحته ، كالهيل ، والكمّون ، والحبة الحلوا والسوداء ، والشيح ، والبابونج ، ونحوها.
نعم يحرم شمّ الريحان ، وهو ما طابت ريحه من النبات أو ورقة أو أطرافه ، كان أو لم يكن له ساق ، وكذا الزّعفَران على الأقوى.
وما كان طِيباً في بعض البلدان مُتّخَذاً للتطيّب فيها دون غيرها يختصّ بها ، والأحوط تسرية المنع في جميع البلدان.
ثالثها : المُماراة ، وهي المجادلة والمغالبة طلباً للافتخار وإظهاراً للفضيلة في أمر دينٍ
ص: 106
أو دنيا ، حقّ أو باطل ، فلو فعله عصى من وجهين ؛ لحرمته في نفسه ، وللاعتكاف. ولو ناظر وبالغ في المناظرة حتّى آل إلى علوّ الصوت واحمرار الوجه طلباً لإظهار الحقّ ، كان أتياً بأفضل الطاعات ، وإن لم يكن مع الحقّ ، لكن تصفية النفس إذا حمى ميدان البحث صعب حصولها إلا بعصمة اللّه.
رابعها : البيع والشراء ، أصالة ، ووكالة ، وولاية. ولو باشر وكيله أو وليّه ، فلا بأس عليه إن لم يكن مُعتكفاً. ويعمّ التحريم ما كان بلسان العرب وغيره ، ويختصّ بالصحيح ، والمعاطاة فيهما منهما على الأقوى.
ولا منع في باقي العقود : من نكاح وإجارة وصلح وهبة ووقف ونحوها ، ولا في الإيقاعات : من الطلاق والعتق ونحوهما ، ولا في ضروب الاكتساب من الصناعات بأسرها.
ولو اضطرّ إليهما فلا بأس.
ومع التحريم يصحّ العقد على الأقوى.
والبيع اللازم وذو الخيار سيان في المنع.
ولو باعَ أو اشترى مُعتكفاً ، وقبض أو أقبض محلا فيما يتوقّف الملك فيه على القبض ، كالصرف ونحوه ، عصى ، ولو انعكس الحال فلا إثم.
ولا فرق في تحريم المحرّمات بين الليل والنهار الداخلين في الاعتكاف ؛ إلا ما حرم للصوم ، فإنّه يخصّ النهار.
وتحريم محرّمات الإحرام بأسرها كما نقل عن الشيخ لا وجه له.
وتعميم تحريم البيع والشراء لسائر العقود والإيقاعات والصنائع ، بل جميع المُباحات الخارجة عن العبادات ، في نهاية البُعد. وأبعد منه ادّعاء فساد الاعتكاف بها ، والكلّ مردود.
المسألة الخامسة : يحرم عليه جميع مُفسدات الصوم ، ويحرم عليه تسبيبها ، فشرب الدواء لحصول الحيض أو النفاس أو الإغماء محظور ، وكذا مسبّبات الخروج كجرح
ص: 107
نفسه أو إجنابها أو جناية أو إتلاف أو نحوها ، وفعل ذلك كلّه باعث على الإثم مع وجوب الاعتكاف ، وعلى فساده أيضاً ووجوب القضاء في محلّه.
السادسة : لا يجوز لها طلب الطلاق الرجعي مع وجوبه وتعيّنه.
وإن طلّقها خرجت إلى بيتها وقضت عدّتها ثمّ أتمّت اعتكافها ، ولا يلزمها الخروج لعدّة أُخرى.
السابعة : لو أفسد اعتكافه ، كان له الخروج من المسجد
واستعمال المحرّمات في الاعتكاف من النساء وغيرها في المسجد وخارجه ، عدا ما حرم لنفسه أو للمسجديّة ، وإنّما يلزمه القضاء مع تعيّنه عليه ، وليس كمفسد الحجّ والعمرة حيث يبقى على الإحرام حتّى يأتي بالمحلّل ، بل حكمه مغاير له.
نعم لو أفسد اعتكافه بنفس الجماع بعد الوجوب لا قبله ، لزمته الكفّارة ، والأحوط ترك الجماع مطلقاً مع لزوم القضاء.
الثامنة : يُستحبّ فيه المحافظة على العبادات ، من تلاوة ، أو دعاء ، أو صلاة ، أو تدريس ، أو تعلّم ، أو تعليم ، أو ذكرٍ ، أو تعزية ، أو مدح لأهل اللّه بشعر أو نثر ، أو استماعها ، أو قضاء حوائج المؤمنين ، أو خدمة المعتكفين ، أو إصلاح بناء في المسجد ، أو كنسه ، أو فرشه ، إلى غير ذلك.
ورجّح في الدروس التلاوة والتدريس على الصلاة ندباً ؛ ، (1) ومن كان عليه فرض صلاة أو غيرها ، بإجارة أو بدونها ، فالاشتغال به أولى من فعل الندب.
ولو عيّن عبادة مخصوصة بنذرٍ ونحوه ، لم يعدُها ؛ (2) إلى غيرها. ولو اشتغل بغيرها ، احتمل بطلانه وبطلان الاعتكاف ، والأقوى صحّتهما.
والعبادة الفاقدة للشروط أو المشتملة على الموانع بمنزلة عدمها. وعبادة المقلّدين من
ص: 108
غير تقليد في محلّ التقليد كالعدم. ولو تبيّن له فساد عبادته بأسرها من غير تقصير لفقد بعض الشروط أو وجود بعض الموانع ، اكتفى بالعبادة الصوريّة في صحّة الاعتكاف على الأقوى ، وإن قلنا بأنّ العبادة شرط في الاعتكاف ، ولا يغني مجرّد اللّبث.
التاسعة : قد علم أنّ الاعتكاف لا يجوز أن تُعلّق نيّته بمسجدين أو مساجد ، فلا ينوي سوى الاعتكاف في المسجد الواحد ، وبعد تعذّره تستوي فيه جميع الجوامع ، القريب إلى الأوّل والبعيد منه ، ومع عدم العذر ؛ (1) يتعيّن الأوّل على الأقوى. وأمّا في القضاء فيحتمل قويّاً جواز القضاء في غير ذلك المسجد من المساجد القابلة للاعتكاف. والأقوى لزوم الاقتصار على مسجد الأداء.
العاشرة : قد تبيّن أنّ كفّارة الاعتكاف حيث تجب رمضانيّة ، ويقوى وجوب المباشرة فيها ، إلا عن الميّت ، فتجوز فيها النيابة عنه ، كما أنّ الاعتكاف والصوم لا تجوز النيابة فيهما عن الحيّ ، وتجوز عن الميّت.
الحادية عشرة : لا يجب على الوليّ تحمّل قضاء الاعتكاف عن الميّت ، وإن كان الأحوط ذلك ؛ خروجاً عن الخلاف ، ولوجوب الصوم له.
الثانية عشرة : ما يوجب الكفّارة فيه ، كالجماع ، يجري في الواجب المعيّن منه ، وأمّا في الواجب الموسّع ، والمندوب قبل تعيّنهما فثبوتها فيهما محلّ إشكال ، والأقوى عدم الثبوت ؛ كما أنّ الأقوى عدم تكرار الكفّارة بتكرّره.
وإنّما تجب الكفّارة مع التعمّد والاختيار. والجاهل بالحكم مع عدم المعذوريّة عامد. وليس على الناسي والمجبور كفّارة. نعم يلزمهما القضاء مع التعيّن ، والعوض
ص: 109
في الواجب الموسّع ، والأحوط التكفير في الواجب الموسّع ، والمندوب.
الثالثة عشر : لو نذرَ ثلاثة اعتكافات مثلاً ، فاعتكفَ كلّ تسعة أيّام بنيّة اعتكاف واحد ، لزمه اعتكاف سبعة وعشرين يوماً. ولو خصّ كلّ ثلاثة بنيّة ، أجزأته تسعة أيّام.
ولو أطلقه ، جازَ في كلّ مسجد جامع. ولو خصّه بمسجد معيّن أو ببعضه مع رجحانه وبدونه على الأقوى تعيّن ولم يجز غيره.
ولو نذر لبث ثلاثة أيّام مثلاً في محلّ طاعة وليس بمسجد جامع ، كالنجف ونحوه ، وجب ؛ لرجحانه ، ما لم يحتسبه اعتكافاً ، فيكون تشريعاً محرّماً.
الرابعة عشر : من تعيّن عليه الاعتكاف ، فعارضه حقّ لازم من أداء دين فوري أو إنقاذ ما يجب إنقاذه أو نحو ذلك هدمه وقضاه بعد ذلك ، ولا كفّارة عليه. ولو كان من تسبيبه مختاراً بعد وجوب الاعتكاف ، كفّر.
تُستحبّ فيه المداومة على العبادات ، وإحياء الليالي بها ، كما أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم كان كذلك ، فإنّه إذا جاء العشر الأواخر من شهر رمضان ضُربت له قُبّة في المسجد من شعر ، واعتكف فيه ، وشدّ المئزر ، واجتنب النساء ، واشتغل بالعبادة ، وأحيا اللّيل.
وقول الصادق عليه السلام : «أمّا اعتزال النساء فلا» (1) مُراده به : أنّه لم يكن ليبعد عنهنّ بعد هجر ، وإنّما هو اجتناب ممّا يُراد منهنّ.
ويُستحبّ طلب المعتكفين ، وإضافتهم ، والاجتماع معهم في الدعاء والأعمال ،
ص: 110
وتنبيههم على واجبات الاعتكاف ومحرّماته ومكروهاته ومصحّحاته ومفسداته.
وينبغي تجنّب مواضع الشبهات ، والأخذ بالاحتياط عند احتمال عروض المفسدات ، والاقتصار على مقدار ما تندفع به الضرورات في الخروج لقضاء الحاجات ، وعدم إطالة اللبث خارج المسجد زائداً على الضرورة ، وعدم إطالة الجلوس على الخلأ لقضاء الحاجة زائداً على الحاجة ، وتحرّي أقصر الطرق لطلب الحاجة ، وعدم زيادة التأنّي في المشي خارجاً عن العادة ، وعدم الجلوس تحت الظلال حال التخلّي مع المندوحة عنه ، وعدم مباشرة المشاغل خارج المسجد مع حضور الأجير القابل ، وعدم صعود المكان الكثير الارتفاع ، وعدم الهبوط إلى المكان الكثير الانخفاض ، خروجاً عن خلاف بعض الأساطين ، وانحرافاً عن اتّباع الظنّ إلى العمل باليقين ، وهكذا الحال بالنسبة إلى جميع ما فيه قيل وقال ، وقد مرّت الإشارة إليه بالتفصيل. وهو حسبي ونعم الوكيل.
ص: 111
ص: 112
ص: 113
ص: 114
كتاب العبادات الماليّة
وفيها أبواب :
وفيها مباحث :
أنّ (1) متعلّق التكاليف مختلف باختلاف أحوال المكلّفين ؛ لاختلافهم في طرق اختبارهم ، فكانت على أقسام :
منها : ما يكون الغالب فيه التعلّق بالبدن ، وإن تعلّق بالمال في بعض الأحوال كالصلاة ، والصيام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ونحوها.
ومنها : ما يتعلّق بالمال خاصّة ، وإن تعلّق بالبدن على بعض الوجوه ، كالزكاة ، والخمس ، ونحوهما.
ومنها : ما يتعلّق بهما معاً ، كالحجّ ، والجهاد ، ونحوهما.
ص: 115
ثمّ منها : ما يكون وجوبه بالأصالة كما مرّ. ومنها : ما يكون بالعارض كالنفقات والكفّارات ، وجميع الملتزمات.
في أنّ الغرض من التكليف اختبار العباد ، وإلقاء الحجّة عليهم ، ولمّا كانت أحوال الناس في الميل إلى الدنيا مختلفة ، اختلفت اختباراتهم ، فمنهم من كثر حرصه على الحياة ، فاختباره بما ينافيها كالجهاد.
ومنهم من غلب عليه الكسل وحبّ الراحة ، فاختبر بالصلاة ومقدّماتها وسائر ما فيها تعب البدن.
ومنهم من غلب عليه حبّ الشهوات ، من النساء ، ومن الشراب ، والغذاء ، واللعب ، واللّهو ، فاختبر بالصيام والنهي عن التعرّض للملاهي ، ونحوها ، من الزنا ، واللّواط ، والاغتياب ، والقذف ، والسبّ ، وشبهها من الحرام.
ومنهم من غلب عليه حُبّ المال ، فكُلّف بالزكاة ، والخمس ، والنفقات ، وما يلحقها من الماليات في الواجبات والمحرّمات.
ومنهم من غلب عليه حبّ الوطن ، فأُمر بالحجّ.
ومنهم من غلب عليه حُبّ الرئاسة والجاه والاعتبار والكِبر ، فكُلّف بالركوع والسجود ، والطواف والسعي ، ونحوها ممّا فيه تمام الخضوع والتذلّل (ولذلك بذل جمع من الملاحدة على ما نقل مالاً كثيراً لنبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلم على ترك تكليفهم بهذه الأُمور الباعثة على الذلّ قائلين : نحن سادات العرب ، فكيف نرفع أعجازنا ونضع جباهنا على الأرض ونحوها من العبادات؟! فأجابهم : بأنّي مأمور ، ولست قادراً على أن أفعل شيئاً بغير أمر ربّي.
ومنهم من مالَ إلى السفاهة أشدّ الميل ، فاختُبر بتحريم الزنا ، واللواط ، وعمل الملاهي ، وشرب الخمر ، والكذب ، والفحش ، والغيبة ، والنميمة ، وهكذا.
ص: 116
وبعد التأمّل في أحوال الخلق تعلم تفاوتهم في رغباتهم ، فيختلف الاختبار بحسب تكليفاتهم) (1).
وقد أُشير إلى جميع أنواع الاختبار بما تضمّنه كلام العزيز الجبّار في قوله تبارك وتعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (2) فإن الصبر عام لجميع ما مرّ من الأقسام.
في بيان فضيلة بذل المال (3)(ورجحانه ممّا يشهد به العقل فضلاً عن النقل) (4) ، وكفى في ذلك قوله تعالى ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (5) وقوله تعالى ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) (6) وقوله تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (7) وقوله تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) (8) وقوله تعالى ( إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ ) (9) إلى غير ذلك ممّا تضمّن مدح المتصدّقين والمتصدّقات وغيره ، مضافاً إلى ما ورد في الأخبار (10) ممّا يتعلّق برجحان بذل المال ، وبيان مقدار أجره ممّا لا يمكن عدّه بحساب ، ولا جمعه في كتاب.
ص: 117
وهي أُمور (1) :
منها : النيّة ، وقد سبق بعضُ أحوالها في كتاب الطهارة والصلاة ، فلا زكاة ولا خمس فيما عدا أرض الذمّي كما سيجي ء (وعدا المأخوذ قهراً في أحد الوجهين) (2) ولا صدقة ولا نذر ، ولا عتق ، ولا وقف ، ولا سكنى ، ولا عُمرى ، ولا تحبيس إلا مع النيّة.
والمراد بها : (قصد ينبعث عن) (3) داعٍ تنبعثُ به النفس إلى العمل خالصاً لوجه اللّه تعالى ، إمّا لأهليّته تعالى لأن يُعبَد ، أو لأهليّة العابد لأن يَعبُد ، أو طلب القُرب المعنوي إليه ، أو رضوانه ، أو عفوه وغفرانه ، أو نيل الشرف بخدمته وعبوديته ، أو للحياء منه ، أو رفع الجور الحاصل بمنع فوائد ماله ، فينبعث عن إنصافه ، ومروّته ، أو لحصول رياضة تبعث على تصفية ذاته عن تكبّره وطغيانه ، وهذان من مكارم الأخلاق المغنية عن النيّة ، أو للوفاء بشكر جميع نعمه ، أو رجاء ثوابه ، أو الأمن من ضروب عقابه دنياويّين أو أُخرويّين ، لا بقصد المعاوضة ، أو لما تركّب من الاثنين والثلاثة فما زاد من هذه الوجوه ، إلى غير ذلك.
وبها تختلف مراتب الأولياء ، والصدّيقين ، والمقرّبين ، والعباد الراجين ، والخائفين.
ويتولاها المالك أو وليّه أو وكيله (حال الشروع في العقد أو) (4) عند إيصال الحقّ إلى محلّه أو إلى يد المجتهد.
ص: 118
وليس على المجتهد نيّة ، كما أنّ له في جواز النقل والحمل خصوصيّة لقيامه مقام الإمام ، وهو وليّ عن فقراء أهل الإسلام ، وتجي ء إليه الحقوق من كلّ مقام ، فالعبادة تمّت بالوصول إليه ، ودفعه دفع أمانة ، بل لو أوصل لا لوجه اللّه فلا بأس. ويجري مثله في العزل على إشكال.
(يقوى إلحاق عدول المسلمين به ، ومع تعدد الآحاد والاتصال أو شبهه تجزي النيّة الواحدة ، ومع طول الفصل لا بدّ من التعدّد) (1).
ولو داخلها الرياء المقارن بطلت ، ويقوى في العُجب المقارن أيضاً ، دون المتأخِرَين (2) ، وإن كان الأوّل أشدّ إشكالاً.
(وليس من العُجب ما كان لمقام العبوديّة ، ولا من الرياء ما كان للحضرة القدسيّة ، ولا اعتبار بالخطور في المقامين ، ومن الرياء ما كان للجنّ أو أهل السماء ، كما قد يقع من بعض العارفين) (3).
ولو ضمّ إليها بعض الضمائم ؛ فإن لم تُنافِ القربة ، كما إذا قصد معها التوصّل إلى أُمور أُخرويّة أو دنياويّة وكانت غير مقصودة بالأصالة أو مساوية ، فلا مانع ، (وتبطل في القسمين الأخيرين) (4) و (5).
ولا بدّ من كونها مقارنة (للعقد أو الإقباض أو لهما ، وعلى الأخر يكفي الاقتران بالعقد مع عدم الفصل الطويل) (6) فلا يكفي سبقها بمدّة تُنافي المقارنة عُرفاً ، ولا لحوقها مع عدم بقاء العين في يد القابل لها ، وعدم شغل ذمّته.
والظاهر أنّ دفع الوكيل وقبض المستحقّ مع تعيّن الجهة لهما متضمّن للنيّة ؛ إذ لا تحقّق لها إلا بها.
ص: 119
(ويمكن على القول بوضع أسماء العبادات للصّحيح الاكتفاء بالاسم من العارف في الأصالة وغيرها في جميع العبادات ، ولو قصد القُربة إلى غير اللّه للتوصّل إلى القُرب إلى اللّه دون التقريب ، أجزأ في وجه قريب) (1).
ولو دفع إلى المستحقّ شيئاً من الحقوق قبل التعلّق ، ليحتسبه بعدُ منها من غير إعلام ولا اطّلاع على القرض ، فاحتسبه منها بعد التعلّق مع عروض التلف ، لم يُحسب له.
ويتولله ها المالك مع قابليّته وحضوره ، أو وكيله ، أو وليّه مع نقصانه ، من أبٍ أو جدٍّ لأب ، وهما في الولاية متساويان كَفَرسي رهان ؛ فإن لم يكن أحدهما ، فالوصيّ من أحدهما ؛ فإن لم يكونوا ، فالمجتهد أو وكيله ، وإلا فعدول المسلمين واحداً أو أكثر ، والوليّ عن الغائب الكامل مع لزوم التعطيل بالتأخير أحد هؤلاء ، وحصّة صاحب الأمر جُعلت فداءه من هذا القبيل ، وإن كانت الولاية منه.
ولا يجوز العدول من بعض العبادات إلى بعض بعد التسليم كلا أو بعضاً فيما سلّمه (2) ، ولو دفع دافع فضولاً ناوياً فأجاز صاحب المال أو وليّه صحّ ، والأحوط الإعادة ، (ولا سيّما في صورة الغصب على القول بالكشف ، ودفع المجتهد مع امتناعه مُجزٍ عن دفعه من غير نيّة ، والأحوط نيابته فيها عنه) (3).
ولو دفع الأجنبي من ماله غير متبرّع فأجاز المدفوع عنه جميع ما صدر عنه ، أو دفعاً
ص: 120
مخصوصاً ، صحّ ، وشغلت ذمّته له ، غير أن الشبهة فيه أقوى ممّا تقدّمه.
ويجري مثل ذلك في المال المرهون والمحجر عليه مع إجازة من له الولاية (ولا يجزي مجرّد التبرّع إلا مع التلف ففيه وجه) (1).
ويُشترط فيها التعيين في أنواع العبادات ، ولا يجوز الترديد بين عبادتين فما زاد إذا لم يكن بينهما تجانس ، فلو ردّد بين الخُمس والزكاة مثلاً لم يصحّ (ولا مانع في آحاد الصنف أو العبادة فيها. وفي الترديد بين أصناف الواحد إشكال) (2).
ولو علم أنّ عليه شيئاً من عبادة مخصوصة ، نواها عمّا يطلب به ، ويُحتسب له في علم اللّه. ومع الجهل المطلق إن كان له طريق تخلّص فَعَلَه ، وإلا لزم التكرار مع الحصر حتّى تفرغ ذمّته. ولو كان وليّاً أو وكيلاً عن متعدّدين ، فإن أمكن تمييزهم بوجهٍ من الوجوه ، لزم ذلك ، وإلا دفع المطلوب ، وأحال الأمر إلى علّام الغيوب.
ولو كان عليه حقّ مُبهَم كنَذر ونحوه ، وجهل جنسه ، فإن كان جهلاً مطلقاً لا يمكن تشخيصه بالمرّة ، انحلّ النّذر ؛ وإن دارَ بين آحاد محصورة ، لزم إعطاء ما به يحصل يقين البراءة.
ولو دفع شيئاً عن نوعين مُشاعاً ، لزم تعيين السهمين ؛ ولو علم جنسه وجهل قدره ، أعطى ما تيقّنه ، والأحوط إعطاء ما به يحصل يقين البراءة. ولو علمهما (3) وجهل وجهه لحق حكمه بمجهول المالك ، يُسلّم إلى الفقراء.
ومنها : أنّه لو دفع زكاةَ مالٍ ، فنسي فدفعها مرّة أُخرى ، جازَ احتسابها من الأُخرى ، في وجه قويّ ؛ أمّا لو دفعها لاشتباه التعلّق قبل الوقت ، فلا.
ومنها : أن تكون النيّة (بالتسليم أو) (4) الاحتساب بعد دخول وقت العمل ؛ فإن دفع قبله أو احتسب لم يُحسب له ، مخطئاً كان أو متعمّداً ، إلا باحتساب جديد مع بقاء العين ، أو بقاء
ص: 121
شغل الذمّة ؛ لعلم المدفوع إليه بذلك.
ولو دفعها قرضاً وعلم المدفوع إليه بذلك ، احتسبها عليه بعد دخول الوقت ، مع بقاء قابليّته ، مع التّلف وبدونه ، وإن شاء استوفاها منه على الحالين.
ولو لم يعلم وبنى على الظاهر من كونها هبة ؛ فإن تلفت وجبت الإعادة ، ولا شي ء على المدفوع إليه ، وإلا فإن صدّقه المدفوع إليه (مقرّاً بالعلم قبل التلف ، وعدم علم الدافع بحاله) (1) كان له الاحتساب عليه مع بقاء قابليته إلى حين الاحتساب ، وله الأخذ. وإن كذّبه وكان ممّا يمكن الرجوع به ، كهبة الأجنبي مثلاً ، فله أن يسترجع في ظاهر الشرع ، ويُحتسب مع حصول الشروط ، وإلا فلا يبعد تقديم قول المدفوع إليه بيمينه ، وكذا لو اختلفا في أنّ الدفع هل كان بعد دخول الوقت ، أو لا.
ومنها : اشتراط عدم ردّ المدفوع إليه ، فلو علم بكونها خُمساً أو زكاة أو نَذراً مثلاً ، وردّها لم تُحتسب ، ويقوى في الاحتساب في الدين عدم مانعيّة الردّ مع العلم حين الدفع أو بعده. ولو دفع شيئاً منها غيرَ معلمٍ بوجهه ، جاز احتسابه ؛ ولو علم بعد ذلك ، فالأقوى عدم جواز ردّه.
ولو ظهر عدم (قابليّته للدفع) (2) إليه ، ولم (3) يكن أعلمه حتّى تلف ، فلا شي ء له (4). وإذا لم يكن من الدافع تقصير ، فلا ضمان عليه على الأقوى. ولو تقدّم منه أنّه لا يأخذ شيئاً ، من خمس أو صدقة مثلاً ، فدفع إليه من غير إعلام ، فالأقوى عدم البأس ، وحصول البراءة.
ومنها : اشتراط البلوغ والعقل (5) وقد مرّ بيانه والرشد في الدافع ، واشتراط الأوّلين في الأخذ ، ويدفع الولي أو يأخذ عن المولّى عليه ، ولو كان الجنون أدواريّاً أو
ص: 122
السفه كذلك ، تولّى أمر نفسه حال الصحّة (1) ، والولي حال الجنون أو السفه.
ولو شكّ في بلوغه أو عقله أو سفهه ، لم يصحّ دفعه ، والأحوط مُراعاة إذنهما معاً (وإن حصل الشكّ مع تراخي الزمان في أنّ ما صنعه كان حين البلوغ والعقل ، أو لا ، فالقول بالصحّة هو الوجه ، والقول بالفساد ضعيف. وهكذا الحال في جميع العبادات والمعاملات الصادرة منه) (2).
ولو شكّ في أنّ دفعه السابق بعد تجاوز المحلّ هل كان مع القابليّة أو لا ، بنى على الصحّة.
ومنها : اشتراط إباحة (3) الدفع ، فلو دفع من مال الغير بغيرِ إذنه ، أو من المرهون والمحجور عليه (4) ونحو ذلك ، ولم تتعقّب الإجازة ، بطل (5) ، ولو تعقّبت صحّ. وأمّا لو دفع في أرض محصورة مغصوبة أو فضاء كذلك ، أو دار ، أو فراش ، أو في كيس مغصوب (6) ونحوه ، أو كفّ مغصوبة ، فالأقرب البطلان ، ولا أثر للإجازة ، وفي مثل الفراش واللباس إشكال.
ولو احتسب بعد الدفع ، أو احتسب ديناً في الذمّة ، أو فعل ذلك مع مضادّته لواجب ، فالأقوى الصحّة ، ومع فساد الدفع وبقاء (العين واعتراف المدفوع إليه بالفساد ، له الرجوع بالعين واحتسابها عليه ، مع بقاء) (7) قابليّته. ومع التلف لا رجوع عليه إلا مع علمه وجهل الدافع. ولو كان جاهلاً بالغصب وحصول المانع ، وقع دفعه في محلّه ، واحتسب له ممّا عليه.
ومنها : أنّه إذا شكّ في شرطٍ أو شطرٍ فلا يدري هل عمل رياءً مثلاً أو لا ، أخلّ
ص: 123
بشي ء من المدفوع مع سبق بنائه على التمام أو لا وكان كثير الشكّ ، أو مضى له بعد الدفع فاصلة معتبرة ، فلا اعتبار بشكّه فيهما ، ومع بقاء المحلّ واعتدال المزاج يأتي بالمشكوك به في الباقي ، ولو شكّ في أصل الدفع بنى على العدم.
وإن علم أنّ في ذمّته حقّا ، ولم يعلم ما هو ، فإن أمكن التخلّص ، كما إذا دار بين نصفي الخمس ، وأعطى لفقراء بني هاشم بنيّة دفع اللازم ، أو بين الخمس والزكاة والدافع هاشميّ ، فيدفع إلى طائفته ، أو من غيره إلى هاشميّ مع اضطراره ليكون ممّن يجوز أخذ الزكاة له من غير الهاشمي.
وإن لم يمكن ، قام احتمال القرعة والتوزيع على النسبة ، وإدخاله في مجهول الحال (1) ، فيكون صدقة للفقراء. وخير الثلاثة أوسطها ، والبناء على التكرار أوفق بالاحتياط. ولو كان الشكّ في وجوه غير محصورة ، فالأقوى الأخير (2).
ومنها : أنّه لو شكّ في تحقّق شرط في نَذر أو نصاب في زكاة أو خمس أو غيرها فيكون شاكّاً في أصل شغل ذمّته لم يجب عليه شي ء.
ولو علم بالشغل ، وشكّ في المقدار ، فالأقوى وجوب الاختبار بالنظر في حسابه وكتابه ، وترك العمل على الأصل. ومع التعذّر ورضا المجتهد ورضا صاحب المال يتولّى الصلح المجتهد عن أهل الحقوق مع صاحب المال (3).
ص: 124
ومنها : أنّه لو شكّ في جنس الواجب عليه ، هل هو من الجنس أو النقد ، من الحيوان أو غيره ، فإن أمكن التخلّص بإعطاء القدر المشترك من القيمة في مقام إجزائها ، أدّاها ؛ وإن لم يُمكن ، ودار بين المحصور ، قامَ احتمال القرعة ، والتخيير ، والتوزيع ، وإعطاء الجميع ، والقيمة ، والأقوى الأخير ؛ ولو دارَ بين غير المحصور ، لزم إعطاء القيمة.
منها : أنه لو أخبره وكيله بحصول الشروط في محالّها أو عدمه ، يقبل خبره ، عدلاً كان أو فاسقاً (1). ولو قامت البيّنة العادلة من خارج ، فعليها العمل.
ويقوى الاعتماد على خبر العدل أيضاً.
ومنها : أنّه يجوز أخذ الأمين والحاكم ، والساعي (2) من مال من في عين ماله أو في ذمّته شي ء من الحقوق الواجبة وقد امتنع عن أدائها بإذن المجتهد (أو من قام مقامه ، ومع تعذّر ذلك يجوز له حسبة ، ويرجع في مصرفه إلى المجتهد) (3) فإن تعذّر فإلى عدول المسلمين. ومن كان عليه دين لهذا المانع فله إنكاره وتسليمه بيد المجتهد ، وتبرأ ذمّته حينئذٍ. وإن كان الأخذ مديوناً للمانع أو فقيراً أو من بعض أهل المصارف ، أخذَ لنفسه ، أو احتسب عليها بإذن المجتهد.
ومنها : أنّه لا يجوز الاحتيال في إعطاء الأموال ممّا يتعلّق بالعبادات ، من زكوات ، وأخماس ، أو مظالم ، أو باقي ضروب الصدقات ، كأن يبيع على المستحقّ جنساً بكثير من الثمن فيحتسبه عليه ، وإلا لأمكن فصل زكوات أهل الدنيا ومظالمهم بتمليك مقدار مل ء فم الفقير المستحقّ للزّكاة ونحوها المشرف من العطش على التلف ماء ، أو
ص: 125
المستحقّ للخُمس كذلك بألف ألف كرّ من الذهب أو أكثر ، ثمّ احتسابه عليهما دفعةً أو تدريجاً في الأوّلين ، أو تدريجاً في الأخير ، وكذا الكلام في باقي الصدقات في النذر وغيرها.
وأمّا الاحتيال في نفي الشروط كالصياغة (1) ، والعلف ، والعمالة ، والتمليك للغير في أثناء الحول (2) ، وهبة البعض لئلا يتمّ النصاب ، ورفع شي ء علّق عليه النّذر ، أو العهد أو اليمين فلا بأس به.
وأمّا الاحتيال في الإتلاف ونحوه قبل تحقّق شرط النذر ونحوه ما لم يعلم عدمه ففيه إشكال. والقول بالتحريم لا يخلو من قوّة.
ومنها : أنّ مُدّعي الفقر ليأخذ ممّا يستحقّه الفقراء من زكاةٍ ، أو خمسٍ ، أو نذورٍ لهم ونحوها ، أو كفّارات أو نحو ذلك ، يُبنى على تصديقه. وأمّا مُدّعي النسب أو السبب ، كالعروبة ، وضدّها ، أو البلد ، أو المحلّة ، أو الصفة ، ونحوها حيث يتعلّق بها النّذر وشبهه ، من وقف أو غيره ، فالظاهر قبول دعواه ، والأحوط طلب البيّنة عليه.
ولو تعلّقت الدعوى بحقّ مخصوص ، كأن يدّعي الغنى ليقترض من الوليّ مال المولّى عليه ، أو العدالة ليأتمن ماله إلى غير ذلك ، فلا تُسمع دعواه بلا بيّنة (3).
ص: 126
ومنها : أنّه لا يتعيّن مقدار في المدفوع إلى المستحقّ ، فيجوز دفع القليل والكثير دفعة ، ولو زاد على الغنى ، ما لم يكن خُمساً ، فإنّه (1) لا يجوز الدفع فيه زائداً على مئونة السنة ؛ وما لم يكن مأخوذاً في التزامه قدر خاصّ ، فإنّه لا يجوز تقديمه ؛ وما لم يكن فطرةٍ ، فإنّه لا يجوز فيها دفع الناقص عن الصاع إلا مع الاضطرار أو بعض الأسباب ، كما سيجي ء في تلك الباب.
ومنها : أنّ كلّ ما تعلّق الحقّ فيه من المال المعيّن ، من خمس أو زكاة مال أو نَذر في مال معيّن ونحو ذلك ، لا يجوز التصرّف بشي ء منه لإشاعته ، فيه إلا مع الضمان فيما يصحّ الضمان فيه كالأوّلين ؛ فلو اشترى بعينه أرضاً محصورة ، أو ماء كذلك ، أو داراً ، أو حمّاماً ، أو بُستاناً ، أو فراشاً ، أو ثياباً ، أو مركوباً ، أو ظروفاً ، أو نحوها ، فلا يصحّ فيه أو عليه وضوء ، ولا غسل ، ولا تيمّم ، ولا صلاة ، ولا تغسيل ، ولا جهاد ، ولا شي ء من جميع العبادات الّتي تستلزم التصرّف المنهي عنه من جهتها.
ولو كان الثمن مائة كُرّ من الذهب ، والداخل فيه قيراطاً منه ، جرى عليه حكم المغصوب ، في حرمة جميع التصرّفات. ولو ملك شيئاً وفي عينه حق ، تبعّضت (2) الصفقة ، وكان للمتملّك الخيار في مقامه ، إلا فيما ضمن في مقام الضمان.
ولا يجب الإخراج من المأخوذ من الكفّار ، حربيّين أو ذميّين أو من المخالفين على إشكال ، ولا سيّما في الأخير.
ومنها : أنّ قبضَ الوكيل والوليّ قبضُ الموكّل والمولّى عليه. ولو جعل للمستحقّ شيئاً هو في يده أو يد وكيله أو وليّه ، فلا حاجة إلى إقباضٍ جديد. ولو جعل الوليّ شيئاً في يده للمولّى عليه ، حصلَ القبض من غير نيّة على الأصحّ.
ومنها : أنّ القبض شرط في جميع (3) الأموال المدفوعة بقصد القربة من واجب أو سنّة ، فلا يُملك شي ء منها إلا بعد الإقباض ، ولا يكفي في ذلك مقاولة ولا عقد.
ص: 127
ولا يجوز القبض من دون إذن من المالك أو الوكيل أو الوليّ ، ولو قبض بدون ذلك توقّف على الإجازة ، ويصحّ حينئذٍ على الأقوى.
ومنها : أنّ من أهدى ثواب شي ء منها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو أحد الأئمّة عليهم السلام ، أو أحد الأنبياء أو الأوصياء أو الأولياء أو غيرهم ، فقد وصلهم في مماتهم. ولعلّه أفضل من الوصل في حياتهم ، وكذا الأرحام والجيران والأصدقاء.
ومنها : أنّ العاجز إلا عن بعضها يُقدّم الراجح ، ولو قدر على الجمع أو التكرار للأفضل ، كان الجمع أفضل.
ومنها : أنّه ينبغي له الاقتصاد ، فلا يُسرف فيها ، فيقعد ملوماً محسوراً.
ومنها : أنّ من ليس له سوى السؤال لعدم المال ، كان الراجح له ترك مندوباتها ، والاقتصار في السؤال على قدر الضرورة.
ومنها : أنّها إذا تعلّقت بغير اللّه ، من نبيّ أو وصيّ أو وليّ مع قصد التعبّد لهم ، بطلت (1) ، وبعثت على العصيان ، وإن كان المراد في الحقيقة التعبّد لله فلا بأس (2).
ومنها : أنّ ما تعلّق بالفقر ، من خمس ، أو زكاة ، أو نذور ونحوها ، مشروطة به ، يُشترط في المدفوع إليه أن لا يملك مئونة السنة اثنا عشر شهراً هلاليّة مع عدم الانكسار ، أو أحد عشر شهراً كذلك وشهراً هلاليّاً ملفّقاً أو عدديّاً كذلك ، وهو الأقوى.
واحتمال العدديّة في الجميع ضعيف. وفي انكسار اليوم يحتمل الإتمام بيوم تامّ ، أو بمقدار ما فاتَ من الكسر ، ولعلّه الأقوى ، أو على النّحو السابق ، وطريق الاحتياط غير خفيّ.
ص: 128
والقادر على التكسّب بحيث لا يفي بمئونته ، تجارة أو صناعة أو نحوهما ، ومن كان قابلاً لتعلّم الصنعة وكدّ البدن ، ولم يكن من عادته ؛ دخل في سهم الفقراء ، والأحوط تخصيص غيره به.
ومَن صنعته الدخول في إجراء العبادات ، من الصلاة ، والصيام ، والحجّ ، والزيارات ، ونحوها ، إن اتّخذها صنعة وأغنته ، خرجَ من صفة الفقر.
ومن عنده بستان أو حمّام أو دار مثلاً يستغلّها ولم تفِ غلّتها به ، أو رأس مالٍ لا يفي ربحه بمئونة سنته ، ويكون فعله موافقاً لرأي العقلاء ، فهو من الفقراء.
وقد علمت بالمقابلة حقيقة صفة الغنى ، فإذا تعلّق نَذر أو نحوه بمن فيه تلك الصفة ، اعتبر فيه تملّكه لمئونة السنة. وكلّما يُعتبر من القيود في العهود ، فالمدار على حصولها.
ومنها : أن يكون المُعطَى بفتح الطاء غير واجب النفقة على المعطِي بكسرها (1).
ويقوى الجواز في واجب النفقة على غيره ، بل في القسم الأوّل أيضاً ، سوى الزوجة الدائمة والعبد ، والأحوط خلافه فيما يتعلّق بالإنفاق.
ولا بأس بدفعها إلى غير الإباء والأُمّهات والذراري من الأرحام ، وإن دخلوا في العيال عُرفاً.
ولو وجبت نفقته بنفسه دون عياله ومماليكه وسائر واجبي النفقة عليه ، بل جميع من كان في عياله ، ولو بالالتزام العادي أو العُرفي ، جازَ أخذه ليدفعها في مصرف من يُنفق عليهم ، وجاز لهم مع فقرهم أخذها. ولو حصلت ضرورة زائدة على النفقة ، جاز أخذها للجميع.
ومنها : إسلام الدافع وإيمانه ، وكذا عدالته حيث يكون وصيّاً أو وكيلاً (2) ؛ لتولّية النيّة ، وهو غير مأمون ، فلا يحصل بدفعه يقين فراغ الذمّة ؛ لابتنائه على صحّة النيّة ، وهي خفيّة. وللقول بالاكتفاء بدفع النائب الفاسق ؛ للبناء على صحّة فعل المسلم ، وجه.
ص: 129
ومنها : إسلام المدفوع إليه وإيمانه ولو تبعاً ، دون عدالته ، إلا مع توقّف منعه عن المنكر على منعه ، ولا يُشترط الأوّلان في المؤلّفة ؛ لأنّهم قوم من الكفّار ، ولا في الصدقات المندوبة ولا الواجبة المتعلّقة بهم. وتُشترط العدالة في العمالة. وسيجي ء بيانها في محلّها. والأولاد يلحقهم حكم الآباء (1).
ومنها : رجحان الإظهار في واجباتها مع أمن الرياء والعُجب ، والإسرار في مندوباتها (إلا أن يكون ممّن يُقتدى به ، وتختلف المرجّحات باختلاف المقامات) (2). وربّما جرت الأحكام الخمسة فيها.
ومنها : استحباب تسليمها واجباتها ومندوباتها بيد المجتهد (3) ، ولا يجب ذلك على الأقوى إلا في حصّة صاحب الزمان روحي له الفداء من الخمس ، أو ما قيّد تسليمها بيده في نَذر أو شبهه.
ومنها : أنه يجوز (4) للمجتهد أن يقترض على الوجوه عامّة وخاصّة ، ثمّ يستوفي منها مع قصد شغل ذمّته وبدونه.
ومنها : عدم تعيين الردي ء للإنفاق (5) إلا إذا قيّد في باب الالتزام ، ويجزي الوسط ، والأولى الإعطاء من الأعلى.
ومنها : أنّ الممتنع عن أداء الواجبات يجبره المجتهد ، أو من قام مقامه (6) ، ويتولّى الأداء والنيّة عنه مع امتناعه ؛ ويؤدّي عن الغائب (7) مع لزوم التعطيل بانتظاره ، ويتولّى
ص: 130
عنه النيّة. ولو قيل بعدم التوقّف على النيّة فيه وفي جميع أنواع الجبر (1) لم يكن بعيداً ؛ إذ العبادة إنّما تتحقّق بفعله ، وهو من باب الاستيفاء والمقاصّة (2).
ومنها : أنّه لا يجوز للمضطرّ الامتناع عن أخذها ، والممتنع عنها كمانع أداء الواجب منها ، بل يجب عليه طلبها عند ذلك.
ومنها : أنّ الأولى تخصيص مَن في البلد الّتي توجّه الخطاب فيها ، ولعلّ الأفضل تخصيص أهل البلد بها (3).
ولا يجوز تأخير ما تعلّق به سهم على نحو الشركة مع وجود محلّه (4) ، وعدم المانع من تسليمه على نحو يفضي إلى التعطيل. ومع الامتناع لو عزله ولم يفرّط وتلف لا ضمان عليه.
ولو نقله إلى غير البلد مع عدم التخصيص ، ومع عدم الإفضاء إلى التعطيل ، وإمكان إيصاله في البلد جاز ، وضمن مع التلف إن لم يكن مجتهداً أو مأذوناً منه ، ومع الالتجاء لا ضمان.
ومنها : أن الأولى ترجيح الأرحام ، ثمّ الجيران ، ثمّ الأصدقاء ، ثمّ شديدي الاحتياج ، ثمّ العلماء ، ثمّ الصلحاء ، ثمّ الأقرب إلى اللّه فالأقرب (5). والأولى التشريك بين الأرحام ، وغيرهم ، وتختلف المراتب باختلاف قوّة الصفة وضعفها وكثرتها وقلّتها ، فقد يُقدّم مُؤخّر ، وقد يُؤخّر مُقدّم ، والمدار على الميزان.
ومنها : تخصيص الأجلاء بما يُناسب حالهم ، من إعطاء كِرام الأموال جنساً ،
ص: 131
ووصفاً ، وقدراً ، وكيفيّة. وكلّما زاد في إكرام المُعطَى من المؤمنين كان أولى.
ومنها : رجحان الابتداء بالواجبات (1) ، ثمّ الأهمّ فالأهمّ من المندوبات. ويتعيّن الابتداء بالواجب ، بل الأوجب إن خاف العجز عن الأداء بعد الأداء.
ومنها : رجحان ألا يجعل للشيطان عليه سبيلاً ، وربّما وجب. ومن سبيله : إعطاء من يخدمه ، ومن يعظّمه ويكرمه ، أو يطعمه ، أو يقضي مطالبه ، ويتكفّل مأربة ، فإنّه يُخشى أن يكون قصدَ الدفع بمال اللّه عن ماله ؛ فإن أراد إبعاد الشيطان ، وفّى الأُجرة وجزاء الإحسان من ماله ، ثمّ دفع من وجوه القربة ما هو الموافق لحاله.
ومنها : استحباب الدعاء (2) لكلّ من أعطى شيئاً من الأموال مُتقرّباً إلى ذي العزّة والجلال من كلّ من وصل إلى يده الحقّ ، من مجتهد أو نائبه أو المستحقّ ؛ لتشتدّ الرغبة في الإعطاء ، ولدخوله في (3) حسن الوفاء ، ولتخرج عنه غصّة دفع المال ، ولتسكن فَورتُه بعد اضطراب البال ، وليرغب من سواه ، وقد أمر به اللّه.
ومنها : مُراعاة المرجّحات في الزيادة والنقصان من جهة غرامة أو كثرة عيال ، أو لأنّه عاشَ مرفّه الأحوال وقد كان من أهل الدّول ، فشمله قولهم عليهم السلام : «ارحموا عزيزَ قومٍ ذلّ» (4).
ومنها : أنّه تُشترط الحرّية في كلّما يعطى للتمليك ، ولا يجوز أخذ العبد لنفسه ولا سيّده له ، حتّى لو كان المملوك هاشميّاً لاشتراط رقيّته على أبيه (5) على القول بمضيّه فيه ، أو لكونه من ذراري أبي لهب ، أو لم يكن مسلم في سلسلة النسب لم يجز أن يأخذ من سهم الهاشميّين ، وكذا غيره من (6) الفقراء والمساكين. وإذا دفع إلى المبعّض صحّ منه ما قابل الحريّة.
ص: 132
ومنها : أنّه يجوز الأكل والأخذ من مال تتعلّق الزكاة والخمس وغيرهما بعينه بقصد الاستنقاذ من الممتنع عن الأداء في الدفع والاحتساب ، كما يجوز من كلّ غاصب. والأحوط مراعاة إذن المجتهد أو نائبه بعد العلم بهما مع الإمكان ، وبعد ذلك يدفعه إلى المستحقّ. ولو كان مستحقّاً ، جاز له الاحتساب على نفسه مع إذن المجتهد أو من قام مقامه.
ومنها : أنّ جاهل الحكم بشي ء من الواجبات إن لم يكن متصوّراً لها في الخِيال فليس عليه وبال ، غير أنّه بعد العلم بحقيقة الحال يجب عليه قضاء ما يُقضى من المال وغير المال. ومتى خطر في باله الإشكال ، وجب عليه السؤال.
ومنها : أنّه لو جهل ما عليه من الحقّ ، أدّى حتّى لا يبقى له يقين ببقاء شغل ذمّته ، وهذا جارٍ في جميع البدنيّات والماليّات. والأحوط اعتبار الأداء حتّى يظنّ ، بل حتّى يعلم الوفاء.
ومنها : أنّها لو أراد التخلّص من حقّ واجب عليه ولا يعلم مقداره ، صالح المجتهد عليه ؛ لأنّ أمر أرباب الاستحقاق إليه. وفي جواز التسليم حينئذٍ لوجه الصلح ، ممّا عدا حقّ الصاحب جعلني اللّه فداءه إلى الفقراء ، أو إلى مجتهد آخر من دون إذنه إشكال ، والأقوى الجواز.
ومنها : أنّ ما أخذ من المال ، من وجه زكاة أو خمس أو غيرهما ، إذا تحقّقت فيه شرائطُ الزكاة والخمس وغيرهما ، وجب الإخراج منه.
ومنها : أنّه لو دفعها على زعمِ قابلية المدفوع إليه ، فظهر خطوة ؛ أو إلى المجتهد ، فأخطأ ؛ فإن بقيت العين وأمكن استرجاعها ، استُرجعت ؛ وإن تعذّر ذلك ، فلا ضمان. ولو كان الخطأ لفقد شرط ، كوقت ونحوه ، أُعيدت (1).
ومنها : أنّه لا يملك شي ء منها قبل القبض ، ولا يختصّ بها أحد مع عمومها قبله ،
ص: 133
فما يصنعه بعض الجهّال من إعطاء شي ء ممّا يجب عليه لبعض المستحقّين ، وطلب الإبراء منه أو الصلح معه لا وجه له. نعم قد يكون للمجتهد ذلك إذا رأى صلاح الفقراء.
ومنها : أنّه لا يُشترط العلم بالمدفوع حين الدفع على نحو ما يلزم بالبيع ، ويكفي فيه العلم في الجملة ، نعم تلزم معرفة ما يتوقّف عليه فراغ الذمّة.
ومنها : أنّه لو قبض شيئاً من الحقوق مختصّة بصنف ، وقد كان عند القبض داخلاً فيه ثمّ خرج عنه من حينه ، لم يجب عليه ردّه ، وإن كانت العين باقية.
ومنها : أنّه لو خرج المدفوع ناقصاً في القيمة أو مَعيباً ، جازَ للمدفوع إليه ردّه وقبوله على إشكال ، ولا سيّما في القسم الأوّل. ومع الردّ للمالك الإعطاء لغيره ، وله مع القبول إعطاء التتمّة أو الأرش ، لو قلنا به لغيره أيضاً ، والأحوط تخصيصه بذلك مع بقائه على الصفة.
ومنها : أنّه لو احتال بالدفع والردّ مكرّراً لم يجز ذلك ، ولا سيّما مع الإجحاف ، فإنّ فتحَ هذا الباب يقضي على الحقوق بالتلف والذهاب ولو قصد بالدفع إلى شخص تعدّد المدفوع إليه ثمّ العود إليه لم يجز ، وحكم الفطرة خاصّ بها ، ويبنى على المسامحة في السنن.
ومنها : أنّه لو دفع شيئاً إلى المستحقّ ، ثمّ ادّعى عدم شغل الذمّة ، أو ادّعى زيادة المدفوع على الحقّ ؛ فإن تلف ، فلا شي ء له مع عدم علم المدفوع إليه ، وكذا مع عدم علمهما معاً. ومع جهل الدافع وعلم المدفوع إليه ، يرجع عليه ، ومع البقاء إن صدّقه المدفوع إليه ردّه إلى الدافع ، وإلا فالقول قول المدفوع إليه. ولو ادّعى الدافع علمه حلّفه على نفيه.
ومنها : أنّهما لو اختلفا في صحّة دفعه أو (1) قبضه ، فالقول قول مدّعي الصحّة مع يمينه ، وعلى غيره إقامة البيّنة عليه. ولو اختلفا في الأصل ، فالقول قول الدافع مع يمينه.
ومنها : أنّه لو دفعها وأقبضها ، لم يجز له ارتجاعها بعد تمليكه إيّاها ؛ لأنّه استوفى
ص: 134
عوضها بوصول أجرها ، وليس للمدفوع إليه الردّ إلا بهبة جديدة إن كان ممّا تصحّ هبته.
ومنها : أنّه لو ادّعى الدافع أنّ المدفوع إليه غير مُستحق ، أو ليس من الصنف الّذي يدفع إليه ، كان القول قول المدفوع إليه ، والبيّنة على الدافع.
ومنها أنّه لو دفع إلى القابل وغير القابل ، أو أتى بالقابل (1) وغير القابل ، فإن كان عن جهل صحّ فيما يصحّ ، وفسد فيما يفسد ، ومع العلم إشكال.
ومنها : أنّ من ترك من يعول من واجبي النفقة ، يجوز للمجتهدين ثمّ المحتسبين القبول له ، والإنفاق عليهم ، ومع فقرهم والأخذ لهم يجوز أن يتصرّفوا به بعنوان القرض عليه ، إن كان حقّهم من (2) حقوق المخلوقين ، كحق الزوجة ، دون الأرحام.
ومنها : أنّه يجوز للمُجتهد طلب الزكاة وإرسال السعاة ، ويلزم التسليم إليه وإليهم ، إن لم يكونوا سلّموها ، ويقوم مقام الإمام في الأحكام ، وكذا في الخُمس ، وجميع حقوق الفقراء ؛ لأنّه وليّهم ، وحضوره عبارة عن حضورهم.
ومنها : أنّه يجوز له جَبر مانعي الحقوق ، ومع الامتناع يتوصّل إلى أخذها بإعانة ظالم ، أو بمَعونة الجُند ، ؛ كما لهُ أن يتوصّل بذلك في تحصيل حقوق المظلومين ؛ لأنّ الأصل عدم جواز التسليم إلى غير المُجتهد في الحقوق العامّة ، إلا ما قامَ الدليل على خلافه.
ومنها : أنّه لا تجب الصيغة في الدفع ، ولا مُطلق اللفظ ، بل يكفي مُجرّد التسليم.
ومنها : أنّه يجوز التوكيل في إعطاء الحُقوق وأخذِها.
ومنها : أنّه لو دفعَ مُجتهد أو مُقلّد إلى مُستحقّ شيئاً بزعم استحقاقه ، أو قبل الوقت بزعم دخوله ، ثمّ انقلبَ رأي المجتهد ، وهكذا ؛ فإن كان لدليلٍ قطعيّ ، نقضَ اجتهاده ، وأعادَ التأدية مع بقاء المدفوع ، وتقليد المدفوع إليه إيّاه. ولو كان لظنيّ ، مضى الأمر بما فيه ، كما لو كان لقطعيّ وتلف لعدم تقصيره.
ص: 135
ولو تعارض رأيُ الفاضل والمفضول قبل الدفع ، فالعمل على رأي الفاضل ، ويجوز الأخذ بقول المفضول مع عدم إمكان الرجوع إلى الفاضل ، ومع إمكانه في غير بلد ، وفي البلد الواحد على إشكال ، كلّ ذلك بشرط عدم العلم بمخالفة رأي المفضول لرأي الفاضل ، وإلا تعيّن العمل بقول الفاضل.
ومنها : أنّ العبادات الماليّة الواجبة تُقدّم على الوصيّة ، وتُخرج من دون وصيّة ، ولا يُعارضها شي ء من الماليّة المستحبّة ، ولا من البدنيّة ، واجبها ومُستحبّها.
ولو أوصى بها وبغيرها ، قُدّمت في الوصيّة ؛ ولو تعارضت مع الديون أو بعضها مع بعض ، وزّع على الجميع ؛ ومع التعارض وقت الحياة ، يُقدّم الأهمّ فالأهمّ.
ومنها : أنّ مَن كانَ عليه أموال واجبة تعلّقت بأعيان أمواله ، من حيّ أو ميّت ، وقصّر في إعطائها حتّى تلفت ، وليس عنده شي ء يدفع منه عوضها فقير يُعطى من مال الفقراء ؛ ليفرّغ ذمّته. وكذا من كانت عليه حجّة إسلام أو كفّارات أو نذور ونحوها ممّا يَتعلّق بالذمّة ، ثمّ ذهبت أمواله.
ومنها : أنّه لو علم أنّه كانَ على الميّت واجبات ، ولم يعلم بأدائه ولا عدمه ، لم يجب أداؤها عنه ، للخالق كانت أو للمخلوق ، مع عدم المُدّعي.
ومنها : أنّه لو دفعَ منها شيئاً وخالف التقيّة في دفعه ، بطل عَملُه.
ومنها : أنّه إذا اختلفَ قصد الدافع والمدفوع إليه ، فالمدار على قصدِ الدافع مع عدم المرجّح.
ومنها : أنّه يصدّق المالك في دعوى انتفاء بعض شرائط الوجوب ، ولا يبقى للساعي اعتراض.
ومنها : أنّه لو تصرّف بشي ءٍ يجب أداؤه فأعسر ، حرمت مُطالبته ، وساوى الديون.
ومنها : أنّه لا يجوز التداخل في أقسامها ، فلا يدفع شيئاً ، ويحتسبه عن عبادات مُتعدّدة.
ومنها : أنّه لا يجوز العدول في النيّة من عبادة ماليّة إلى أُخرى بعد الإقباض ، إلا أن يرجع المال من المدفوع إليه إلى الدافع بتمليك جديد.
ص: 136
ومنها : أنّه لو تعبّد بإعطاء مالٍ واستثنى منفعته له مُدّة معيّنة في غير الواجب (ولم يكن مانع) (1) استثناءً لا يُنافي نيّة القُربة ، كان جائزاً (2).
ومنها : أنّ مئونة النقل على المالك ، إلا مع خوف الفساد ، إلا مع كونه مجتهداً أو عن إذن المجتهد ، فإنّ المئونة على المصرف مع مُراعاة المصلحة ، والعمل بالولاية. ولِلحُوق المحتسبين وجه.
ومنها : أنّه يجوز دفع ما به تحصُل كفاية سنين ، من جميع الحقوق الخالية عن شرط سائغ مُنافٍ ؛ سوى الخمس فإنّه لا يجوز دفع ما يزيد على كفاية السنة منه.
ومنها : أنّ المؤن تخرج من المالك ، مع عدم الشرط السائغ ، إلا في الخمس ، والزكاة على نحو ما سيجي ء.
ومنها : أنّه لا يجوز دفع مملوك مسلم ، أو قران ، أو شي ء محترم ، إلى كافر ذميّ أو غيره ، ولا دفع الأوّل إلى غير أهل الحقّ ، وفي الباقي إشكال.
ومنها : أنّه ينبغي عدم إعانة الزوجة الناشزة حتّى تلجئها الحاجة إلى زوجها. وكذا العبد الابق ، وجميع أهل المعاصي ؛ ليرجعوا إلى الطاعة ، ويتركوا المعصية.
وهي في الأصل بمعنى النموّ والزيادة ، أو الطهارة (3) ، فسُمّيت بذلك لأنّها تُنمي المال ، أو تطهّره ، أو تطهّر دافعها من المعاصي ، أو أعماله من المُفسدات ، وهي أقسام :
ص: 137
وفيه مباحث :
وهو معلوم من تضاعيف الكتاب (1) ، والسنّة المتواترة (2) ، والإجماع ، وضرورة المذهب ، بل ضرورة الدين.
ومُنكر وجوبها بين أظهر المسلمين كافر مرتدّ فطري ، إن انعقدت نطفته ، وكان أحد أبويه مسلماً. وحكمه أن يُقتل ، ولا تُقبل له توبة في الدنيا ، ولا في الآخرة ، وتُقسّم مواريثه ، وتَعتدّ نساؤه عدّة الوفاة ، وتُوفّى ديونه ، وتؤدّى وصاياه ممّا كان قبل الارتداد ، سوى ما كان من عبادات على الأقوى. ولو سَلِم من القتل بهربٍ أو غيره لم يختلف الحكم. ولو ملك شيئاً جديداً بحيازةٍ ونحوها ، عادت إلى الوارث. هذا إذا كان رجلاً.
وإذا كانت امرأة ؛ حُكم عليها بالكُفر ، وضُربت تأديباً واستُتيبت ؛ فإن تابت ، فُكّ سبيلها ، وإلا حُبست واستُخدمت ، وضيّق عليها في المطعوم بإعطائها الجشب منه ، والملبوس بإعطائها الخَشِن والخَلَق منه ، والمفروش والمكان حتّى تتوب أو تموت. وإذا تابت ورجعت ثلاثاً ، قُتلت في الرابعة.
وحكم الخُنثى المشكل كحكمها ، وكذا الممسوح.
والتارك غير المستحلّ ، رجلاً كان أو امرأة ، يؤدّب مرّة ؛ فإن عادَ أُدّب ثانيةً ، فإن عادَ أُدّب ثالثة ، وقيل : يقتل (3) ، والأحوط قتله في الرابعة. وهكذا حال كلّ من صدر منه كبيرة بتركِ واجب يُعدّ تركُه من الكبائر ، أو فعل حرام يُعدّ فعله كذلك.
وحكم الكفر بالإنكار جارٍ في جميع ضروريّات الدين البديهيّة من دين المسلمين.
وروى : «أنّ (4) من لم يؤتِ الزكاة لم يُقم الصلاة» (5). وأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه
ص: 138
وآله وسلم أخرج جماعة من المسجد ، وقال : «لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكّون» (1) وأنّ من منع قيراطاً أي نصف عشر المثقال الشرعيّ من الزكاة (2) فليمُت إن شاء يهوديّاً ، وإن شاء نصرانيّاً (3) ، إلى غير ذلك (4) ، والمراد : التشبيه بالكافر ؛ لعظم الذنب.
روي عن الصادق عليه السلام : أنّ اللّه عزوجل يقول : «ما من شي ء إلا وكّلت به من يقبضه غيري ، إلا الصدقة ، فإنّي ألقفها بيدي ، ثمّ أُربيها كما يربّي الرجل فُلوّه (5) وفصيله (6) ، فيأتي يوم القيامة وهي مثل أُحد ، أو أعظم من أُحد» (7).
وبناء هذه الرواية وأمثالها على ظاهرها «بأن يكون المُرادُ : أنّ اللّه يتولاها بحكمه ، فتربو بإرادته ، ولا (8) يأمر الملائكة بتوليتها» غير بعيد. وبناؤها على التأويل أقرب.
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنّ الصدقة تدفع ميتة السوء (9).
وعن الباقر عليه السلام : لأن أعول بيتاً من المُسلمين أسدّ جوعتهم ، وأكسو عورتهم ، خير من سبعين حجّة ، كلّ حجّة خير من عتق سبعين رقبة (10).
وعن الصادق عليه السلام : داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا البلاء بالدعاء ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنّها تفكّ من بين لحيي سبعمائة شيطان. ولا شي ء أثقل
ص: 139
على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الربّ قبل أن تقع في يد العبد (1).
وعنه عليه السلام : لم يخلق اللّه شيئاً إلا وله خازن يخزنه ، إلا الصدقة ، فإنّ الربّ يليها بنفسه ، وكان أبي إذا تصدّق بشي ءٍ وضعه في يد السائل ، ثمّ ارتدّه منه فقبّله ولثمه ، ثمّ ردّه في يد السائل (2). وتأويل هذه الروايات غير خفيّ.
وقال عليه السلام : «إنّ صدقة اللّيل تُطفئ غضب الربّ ، وتمحو الذنب العظيم ، وتهوّن الحساب ؛ وصدقة النهار تُنمي المال ، وتزيد في العمر» (3) إلى غير ذلك. وهي بظاهرها تَعمّ الصدقة الواجبة بأقسامها ، والمندوبة. ورجحان الصدقات المستحبّات من الضروريّات ، حتّى أنّ العقل مُستقلّ في ثبوت رجحانها.
قال اللّه تبارك وتعالى ( الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) (4) إلى آخر الآية. وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : ما مِن ذي زكاة مال نَخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلّده اللّه تربة أرضه يطوّق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة (5).
وعن الصادق عليه السلام : أنّ مانع الزكاة يُطوّق بحيّةٍ قرعاء أي ليس في رأسها شعر لزيادة سمّها تأكل من دِماغه ، وذلك قوله تعالى ( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) (6).
وعنه عليه السلام في تفسير قوله تعالى ( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) إنّ اللّه تبارك وتعالى قال : «يا محمّد ، ما مِن أحدٍ يمنع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثُعباناً مطوّقاً في عنقه ، يَنهشُ من لحمه حتّى يفرغ من الحساب» (7).
ص: 140
وعنه عليه السلام : أنّه يُحبس بقاعٍ قرقر أي سهلة لينة لا يوجد فيها مخبأ ، ولا يُمكن الفِرار فيها ، ويُسلّط عليه شجاع (1) أقرع يريده ، وهو يحيد أي يميل عنه ، فإذا رأى أنّه ما يمكن التخلّص منه ، أمكنه من يده فقضمها (2) أي عضّ عليها بأطراف أسنانه كما يقضم الفحل (3) ، والظاهر أنّ المراد : أنّه يكسرها كما يكسر فحل الإبل الشي ء إذا عضّ عليه.
وعن أبي جعفر عليه السلام : أنّ من بقي حقّ اللّه في أموالهم يُبعثون من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم ، والملائكة يعيّرونهم ، يقولون : هؤلاء الّذين منعوا خيراً كثيراً بسبب خير قليل (4). وهذه الأخبار تُبنى على ظاهرها.
وعن الصادق عليه السلام : ما ضاعَ مال في برّ أو بحرٍ إلا بتضييع الزكاة ، ولا صيد طير إلا بتركه التسبيح (5) ، إلى غير ذلك من الأخبار (6).
عن الصادق عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام : أنّ اللّه تعالى جعل في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء ، وإنّما يُؤتون من مَنعِ مَن منعهم حقوقهم (7).
وعن الصادق عليه السلام : أنّ اللّه تبارك وتعالى علم أنّ نسبة الفقراء إلى الأغنياء ربع عشرهم ، فللفقراء من كلّ ألف خمسة وعشرون (8).
ص: 141
وعن الرضا عليه السلام : أنّ علّة الزكاة الاختبار للأغنياء ، وحثّهم على المواساة ، وتذكيرهم فقر الآخرة (1).
وفي بعض الروايات : أنّ من أسبابها نموّ المال ، وحصول البركة فيه (2). إلى غير ذلك.
إنّه لا يجب في المال حقّ بالأصالة سوى الزكاة والخمس.
وما ورد ممّا ظاهره وجوب إعطاء الضغث بعد الضغث (3) وهو لغةً القبضة من الحشيش المختلط رطبها بيابسها (4) ، والمراد : القبضة من الزرع السنبل وممّا ظاهره وجوب الحفنة بعد الحفنة (5) محمول على الاستحباب ، جمعاً. وكذا ما دلّ على أنّ من الواجب على الإنسان أن يفرض في ماله شيئاً مُقرّراً يُعطيه إن شاء في كلّ يوم ، وإن شاء في كلّ جمعة ، وإن شاء في كلّ شهر (6).
وأمّا ما وجب بالعارض بسبب الإنفاق أو النذور أو العهود والايمان ونحو ذلك ، فكثير.
أنّ الزكاة هنا متعلّقة بعين المال على وجه الشركة ، لا بالذمّة ، ولا بالعين على نحو تعلّق الرهن أو أرش الجناية ، وإن جاز الدفع من عين أُخرى ، ومن القيمة ، والدفع من نوع آخر في زكاة الإبل. وجواز التصرّف مع البناء على الأداء للدليل.
فليس للمالك التصرّف في المال مع بقاء الزكاة فيه إلا مع ضمانها ، فإن لم يضمن
ص: 142
ونقله عن ملكه ، تبعّضت الصفقة ، وكان للمُشتري مع جهله الخيار. ولو ترتّبت عقود عليها وعلى قيمتها وحصل ربح ؛ فإن أجاز المجتهد عن الفقراء تلك المعاملة ، ضرب الفقراء في الربح ، وإلا فللفقراء أصل السهم من أصل المال. والأحوط إدخالهم في الربح مطلقاً.
ولو ضمن البائع ، ولم يؤدّ ، انكشف فساد ضمانه ، ورجع حقّ الفقراء إلى نفس المال. وليس للمتملّك التصرّف في شي ء من المال قبل الإخراج ، مع العلم بعدم الإخراج وعدم الضمان ؛ لأنّ السهم مُشاع ، وتصرّفاته بأسرها حرام.
والظاهر عدم لزوم إخراج زكاة (ما انتقل) (1) من أهل الذمّة ، وما أُخذ من أهل الحرب ، والأحوط الإخراج.
وكذا المأخوذ من غير أهل الحقّ ، لا سيّما إذا دفعوا ، وإن نجز (2) دفعهم ، على إشكال.
وحيث تعلّقت بالعين ، لزمَ تقديمها على الدين ، وعدم تكرّرها ببقاء مقدار ما ينطبق على النصاب أحوالاً ، وعدم الضمان لو تلف المال أو بعضه بلا تفريط ، وجواز أن يبيت الإمام قبل إخراجها من ماله ، لو عملنا برواية : «أنّ الإمام لا يبيت وفي ذمّته حقّ» وأبقيناها على إطلاقها ، وتقديمها على زكاة الفطرة عند التعارض ، واشتراكها مع الخمس في الإخراج مع التعارض ، وعدم استثناء ما يُستثنى للمديون في وجوب إخراجها ، ويتبع الساعي عن الإمام والفقراء العين أو عوضها مع التلف بتفريط ، وحرمة التصرّف بما تعلّقت به من دون ضمان ، وعدم تعلّق النّذر وشبهه بذلك السهم لو نذر التصرّف بماله من دون ضمان. واستحقاق السهم من الأرباح والنماء (3) مع إجازة المجتهد ، وتبعيّة حصّة الفقراء بالإعراض ، كما لو أعرض المالك عن بعض المتساقط من سنبل ، أو تمر أو زبيب ، أو نحوها (وبالهبة من قبضة سنبل أو طعام أو تمر أو نحوها) (4)
ص: 143
والشركة فيما يحصل من البذر المتخلّف لاعن إعراض ونحوه ، وعدم جواز التصرّف بها على القول بالرهن ؛ لأنّ فوائد الرهن ونماءه رهن ؛ وعدم تعلّق أحكام المدينين به ، فلو نذر لهم ناذر أو وقف عليهم واقف لم يدخل فيهم ، وعدم لزوم الإعطاء بحساب الأصل لو تبدّلت من غير ضمان إلى أنواع أُخر لأجل الحفظ أو لغيره من المصالح ، ولزوم قيمة المثل لما تبدّلت إليه لا أصله مع الإعواز ، وتعلّق حكم الوديعة ، فلا يسافر إلا بعد الضمان أو التأدية أو الوضع عند أمين ، وإعطاء المؤن المصروفة بعد التعلّق ، وجواز التأخير ، وعدم الضمان لو دفعها من غير اختيار كالوديعة ، وتخصيص الفقراء بها دون الغرماء في مال الميت والمفلس ، وعدم دخولهم في التقسيط مع القصور ، وعدم الدخول في إرث الورّاث ، ولا في أمر الديون والوصايا ، وتبعّض الصفقة وثبوت الخيار لو باع الجملة. وعدم لزوم محذور لو التزم بأن لا يكون مشغول الذمّة مع عدم إخراجها ، وعدم جواز أخذ الرهن على ما في الذمّة مع وجودها ، وعدم جواز ضمان من طلب منه قبل ضمانه ، وطلب عوض النفقة ، والمصرف مع الصرف عليها ، واشتراك ضمان الجناية في بعض الوجوه ، ووجوب الحفظ لها كالوديعة ، ولزوم الحلف في النذر وشبهه مع التعلّق بملك أربعين شاة وليس عنده سواها ، (وجواز بيعها بحالّ ومؤجّل ، وجواز جعلها رهناً ، وجواز المصارفة ونحوها ، ممّا يُشترط فيه القبض في التقدير عليها مع الغير) (1) فإنّ الدين غير مقبوض ، وجواز المضاربة عليها (2) باقية على حالها.
وكون الدعوى للفقراء مع الغاصب أو السارق ، وجواز الإنفاق عليها من مال الفقراء مع الغبطة ، (وجواز أخذ الأرش عن عيبها في وجه) (3) وجواز أن يأخذ المالك من الساعي أُجرة عليها لو تأخّر عن القبض ، وصدق قوله لو قال : ليس في يدي من مال الناس شي ء.
ص: 144
لو اشترى أو تملّك بوجهٍ آخر ، أو باعَ أو ملكَ مالاً فيه حقّ من زكاة ولم تكن مضمونة ، كان الأخذ عاصياً ، تجري عليه أحكام الغصب ؛ حتّى لو كان في ثمن ما قيمته قنطار من الذهب قيراط منه أو درهم حرم الكون فيه ، وفسد ما يتبعه من العبادات ، واستخدامه إن كان مملوكاً ، ووطؤها إن كانت جارية ، وهكذا. ووجب تجنّب ما شُري بالذمّة مع العزم على الأداء منه ، على قول ، وتجنّب مال القرض مع العزم على الوفاء منه. والأحوط تجنّب ما كان أداؤه منه ، ولو مع عدم العزم. ولو أجاز المجتهد التصرّف صحّ.
لا يُشترط الإيجاب والقبول ، ويكفي مجرّد الدفع والإقباض في دفع الزكاة ، لكن يُشترط أن يكون ذلك من المالك أو وليّه أو وكيله ، فإذا امتنع ، قَهَرَه الحاكم على الدفع. وإن لم يُمكن ، تولاه المُجتهد أو من يقوم مقامه.
وليس للفقير الأخذ إلا عن إذنه. ولو تعذّر الاستئذان أخذها الفقير أو غيره وسلّمها إلى المجتهد ؛ فإن تعذّر ، سلّمها إلى عدول المسلمين ليدفعوها إلى المستحقّين ؛ فإن لم يكونوا ، احتسبها على نفسه.
إنّما تجب على من جمع عدّة صفات :
أحدها وثانيها : العقل ، والبلوغ ببلوغ خمس عشرة سنة تامّة من حين سقوطه بتمامه من بطن أُمّه ، أو صدور حمل عنه في الذكر (1) ، وفي اعتبار اليوم المنكسر والهلالي
ص: 145
والعددي من الشهر بحث. وتسعٍ كذلك ، أو حيض ، أو حمل في الأُنثى ، أو احتلام ، والمراد خروج المني بأيّ نحو كان ، أو نبات شعر خشن على العانة بمقتضى الطبيعة فيهما.
والخنثى المشكل بحكم الذكر في العدد. ويُعتبر في حصول العلامة فيها أن يكون من الفرجين ، أو على الفرجين ، أو من أحدهما وعلى الأخر ، ويقع على قسمين (1).
ويكتفى بواحد من ذي الفرجين المتساويين مع العلم بالتساوي من كلّ وجه إن أمكن على إشكال. ومع العلم بزيادة أحدهما المدار على الأصلي ، وربّما يقال بالملازمة بين الحصول من الزائد وبين البلوغ ، ومع الشكّ يُعتبر التعلّق بهما.
ولا تجب على الصبي والمجنون ، ولا وليّهما ، من غير تأمّل في النقدين ، وعلى الأصحّ في الغِت والمواشي ، وإن استحبّت فيهما ، والمشكوك في بلوغه أو عقله مع عدم ثبوته سابقاً محكوم بعدمهما فيه.
ويُعتبر البلوغ والعقل من ابتداء الحول إلى انتهائه في ذوات الحول ، وحين التعلّق في غيرها ، حتّى لو جُنّ في أثناء الحول في القسم الأوّل ثمّ عقل وقت التعلّق ، أو جنّ حين التعلّق في القسم الثاني ، لم تجب الزكاة. أمّا لو كان عاقلاً حين التعلّق ثمّ جُنّ ، وجب على الوليّ الإخراج.
ويُستحبّ للولي الإخراج من غلات الصبيّ ومواشيه. وربّما يقال بتوجّه الاستحباب إليه أيضاً مع تمييزه ، وهو بعيد بالنسبة إلى العبادات الماليّة.
وأمّا المجنون ؛ فالحكم بالاستحباب فيه مُشكل ، والأحوط الترك فيهما.
وأمّا الاستحباب في مالهما إذا اتجر به الوليّ أو مأذونه فالقول به أقوى ، وسيجي ء البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.
وما وجب في مال المجنون من زكاة أو حقّ سابق على الجنون ، أو استحبّ فيه ، أو
ص: 146
في مال الطفل ، يتولّى الوليّ إخراجه. ولو تعدّد الأولياء ، جاز (1) لكلّ واحد منهم ؛ فإن تشاحّوا وأمكن التوزيع ، وزّع عليهما ، وإلا فالمرجع إلى القُرعة ؛ فإن لم يرضوا ، جبرهم الحاكم عليها ؛ فإن أتلفا شيئاً منها مع تفريط الوليّ ، كان الضمان عليه ، ومع عدمه يكون الضمان عليهما ، فيؤدّي الولي العوض من مالهما.
ولو طرأ الجنون مع التعلّق بالبعض ، كأن يجنّ بعد اصفرار البعض أو احمراره ، أو صيرورة بعض الحبّ شعيراً مثلاً ، رُوعي فيه النصاب ، فيجب فيه مع بلوغه ، ولم يجب في الباقي.
وإذا بلغ الطفل لم يمكّنه الوليّ من دفع زكاته حتّى يأنس منه الرشد بالاختبار لأحواله بالتصرّف بأمواله. ولو دفع شيئاً إلى الفقير ، جاز الاحتساب عليه من الوليّ مع بقاء العين وتلفها.
ولو سلّمها معزولة ، أو في ضمن المال إلى القابض ، فتلفت بإتلافه أو بآفة سماوية ، ضمنها ، وأدّاها من مال نفسه إلى الوليّ ليسلّمها إلى أهلها.
وكلّ من تعلّق به ضمان شي ء ، فإن كان مثليّا ، دفع المثل إن أمكن ؛ وإن لم يمكن ، أو كان قيميّاً وتلف ، ضمن القيمة وقت الدفع في الأوّل ، والتلف في الثاني ، على أصحّ الوجوه.
ولو دفعها غير مَن تعلقت به عن المالك من مال المالك ، فأجاز قبل التلف ، أجزأت ، وكذا بعده ؛ لأنّ القول بالكشف أقوى.
ولو دفعها عنه من مال نفسه فأجاز ؛ فإن كان قاصداً للتبرّع فلا شي ء له ؛ وإن نواها قرضاً ، رجع. والأحوط ترك الاحتساب في جميع هذه الصور. ولو أمر الوليّ الناقص بالدفع ، وتولّى هو النيّة غير مُكتفٍ بنيّة الناقص ، فلا بأس.
ولو كانت عليه زكوات من جهات متعدّدة ، لم يلزم تعيين جنس المال في النيّة. ولو كان عن جماعة ، لزم عليه تعيين المدفوع عنه. ولو كان واحداً ولم يعيّنه ، دَفَعَها بنيّة
ص: 147
صاحبها ، وأجزأت عنه.
ثالثها : الحرّية ، فلا تجب على العبد ، قنّاً كان أو مدبّراً أو مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً من الضريبة ، ولا على الأمة متّصفة بتلك الصفات ، أو أُمّ ولد. ولو تحرّر بعض منهما ، وجب (1) ما قابل الجزء الحرّ.
ويُشترط استمرار الحريّة من مبدأ الحول إلى حين التعلّق فيما يُعتبر فيه الحول ، وحصولها قبل التعلّق مستمرّاً إلى حينه في غيره ، ويجري هذا القول على قول من نفى ملكية المملوك ، وقول من أثبتها على الأصحّ.
ولو أتلف المملوك عيناً فيها الزكاة من غير تفريط المولى ، كان الضمان على العبد يُتبع به بعد العتق ، ولا رجوع على المولى. ولو كان مغروراً من جانب المولى ، ورجع الفقراء على العبد بعد عتقه فأدّى لهم ، رجع على الغارّ ، واستقر الضمان على مولاه. وإن لم يكن مغروراً من جانب المولى ، فلا رجوع له عليه ، إلا إذا كان المولى جابراً له ، فالضمان عليه ، ولا رجوع له على عبده.
ولو دفع بزعم أنّه حرّ ، فبان عبداً ؛ أو عبد ، فبان حُرّاً ، فسدَ ؛ لفساد النيّة في الأخير ، ولانكشاف عدم السلطان في الأوّل. وكما لا يجوز له الإعطاء ، لا يجوز له القبول إلا بإذن سيّده سابقاً أو لاحقاً ، فإذا قبل ، كان للسيّد ، وإن كان مأذوناً في القبض لنفسه على أصحّ الوجهين ، فتشترط قابليّة المولى لأخذها ولو كان في سبيل اللّه لا بقصد التمليك ، لم تدخل في ملك المولى. ولو كان مشتركاً ؛ فإن كان مأذوناً ، ملكَ كلّ واحد من الموليين من المال بنسبة حصّته ؛ وإن كان وكيلاً ، كان بينهم بالسوية ؛ وإن اختلفوا في الاستحقاق وعدمه ، ملكَ المستحقّ مقدار حصّته دون غيره.
ولو دفع إلى القابل وغير القابل من أيّ جهة كانت ؛ فإن تعدّد الدفع ، أو كان مع الجهل بالموضوع أو الحكم مع المعذورية ، صحّ في القابل دون غيره ، وفي غير ذلك
ص: 148
يقوى ذلك ، والأحوط الإعادة.
ولو ارتفع المانع فيما مرّ من الأقسام قبل الإقباض ، عادَ الولي فضولياً ، وتولاه مولاه ، وبالعكس يحتمل ذلك ، والإجازة للمولّى عليه دون مولاه.
رابعها : إمكان التصرّف بما يُطلق عليه ذلك عُرفاً ، فلا يكفي التمكّن من بعض التصرّفات النادرة ، ولا يشترط جميع التصرّفات مستمرّاً من أوّل الحول إلى أخره ، إمّا منه ، أو من وليّه مع نقصه حيث يتعلّق بالمولّى عليه ، أو من وكيله.
فلا زكاة في مغصوب ، ولا بعيد ، ولا ضائع ، ونحوها ، ولو في بعض من الحول. ولا عبرة بتمكّن الوليّ الشرعيّ بالنسبة إلى الغائب أو المستور مثلاً.
والظاهر اعتبار التمكّن ممّا في يد الغاصب (مجّاناً أو بالعوض اليسير في وجه قويّ. ولو أمكنه الغاصب) (1) من التصرّف ، مع بقاء يد الغصب ، فلا زكاة. ولو كان في يد المالك وفي البُعد والخفاء ؛ إن أمكن الوصول إليه بمالٍ لا يضرّ بحاله ، ولا يزيد على ماله ، صدقَ التمكّن ، وإلا فلا.
ولو أمكن أخذه بسرقة ونحوها من غير عُسر ، دَخَلَ في المتمكّن على إشكال. ولا يخرج عن التمكّن بعروض شي ء من قبله ، كإغماء أو جنون أو نَذر أو عهد أو نحوها من الموانع الشرعيّة الاختياريّة المانعة عن التصرّف ، في وجه قوي.
أمّا ما يتعلّق بالمخلوق ، كأن يشترط عليه في عقدٍ لازم أن لا يتصرّف حيث يصحّ ، فالظاهر الحكم بانقطاع الحول به ، واستئنافه (2) بعد ارتفاع المانع.
ولو كان مريضاً مرض الموت ، فهل يلحق بالممنوع من التصرّف فيما زاد على الثلث ، أو لا؟ وجهان ، أقواهما الثاني.
ولو زعم التمكّن أو خلافه فبانَ الخلاف ، بنى على الواقع دون الزعم. ولو رهنه أو
ص: 149
حجر عليه في أثناء الحول ، انقطع الحول. ولو آجرَ (1) أو صالحَ على المنافع ، لم يخرج عن صدق التمكّن.
ولا زكاة على الديّان والمقرض ، سواء تمكّنا من الأخذ والاستيفاء ، أو لا. ومع الاستيفاء يُعتبر الحول من حينه. وإذا قبض المُقرض أو الديّان من المُستدين أو المُقترض (2) ، اعتُبر به الحول من حين القبض. ولو عزلاه مع الامتناع عن أخذه ، وقبضه الحاكم أو عدول المسلمين ، كان بحكم المقبوض ، وإلا كان على حكم المُقترض والمُستدين ، ومع عدمهم يقوى الاكتفاء بالعزل.
ولو زعم القبض فبانَ الخلاف ، أو العدم فبان القبض ، دارَ الحكم مدار الواقع ، على إشكال في الأخير.
والقدرة على تسليم الزكاة ليست بشرط في وجوبها ، فإن لم يقدر على تسليمها ، عَزَلَها ، وترقّب الإمكان ، وإلا أوصى بها ، وأشهدَ عليها مقبولَ الشهادة.
ولا تتعلّق الزكاة بالوقف عامّاً أو خاصّاً ؛ لتعلّق حقّ الغير به ، وتتعلّق بنمائه حيث يكون خاصّاً ؛ لأنّه مملوك لصاحب الوقف ، وكذا المحبوس بأقسامه ، ولو في بعض الحول ، في وجه قويّ.
خامسها : ملكيّة النصاب لمالكٍ واحد ، فلو اشترك النصاب أو الأكثر منه بين اثنين أو جماعة ، ولم يبلغ سهم أحدهم نصاباً ، لم تجب الزكاة ؛ ولا تجب فيما يملك بالقبض قبله ، كالموهوب ، ومال القرض ، والسلم ، والصرف ، وهكذا. وتجب فيما للبائع فيه الخيار ؛ لأنّه ملك من في يده على الأقوى ، وكذا الموهوب قبل التصرّف بالنسبة إلى المتّهب ، والقرض بالنسبة إلى المقترض كذلك ، وغير ذلك ، ولا بدّ من ذلك في تمام العام ؛ فلو باعه أو وهبه في أثنائها ثمّ عادَ إليه ، احتسبَ العام من حين العَود.
ص: 150
ولو بلغ النصاب مع الرطوبة الأصليّة ثمّ نقص للجفاف ، فالمدار على وقت التعلّق ، ولا اعتبار بالرطوبة العارضيّة بحصول النصاب.
والأقوى اعتبار التصفية من الخليط كالتراب ونحوه أصليّاً أو عارضيّاً. والأولى مُراعاة الاحتياط في القليل في الأوّل (1).
ولو شكّ في حصول النصاب ، لم يجب البحث ، والأحوط ذلك.
ولو اختلفت الموازين فيه ، أخذ بالراجح كثرة أو ضبطاً ، ومع عدم الرجحان فلا وجوب.
ويستحبّ أن يزكّى «المال الغائب عن صاحبه سنين ولا يعلم مكانه» عن سنة واحدة. ولو كان له طريق إلى العلم ولو ببذل يسير ، لم يدخل في حكم الغائب (2). وتُستحبّ زكاة الديّان لدينه إن أمكن تحصيله ، بل القول بالاستحباب مطلقاً (3) لا يخلو من وجه.
سادسها : أن لا يكون مخلوطاً بالحرام على وجه لا يعرف مقدار الحرام ولا صاحبه ، وإن علم أنّ الحلال أكثر من النصاب. ولو مرّت عليه أعوام بتلك الحال ، لم يجب فيه إلا الخمس ؛ لأنّه لا يسوغ له التصرّف. وربّما أُلحق باشتراط إمكان التصرّف ، ويقوى أن يقال : هو متمكّن من التصرّف بعد إخراج الخمس ، فتتعلّق به الزكاة.
لا تجب إلا في تسعة أشياء : الغِت الأربع ، وهي : الحِنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ؛ والبهائم الثلاث ، وهي الإبل ، والبقر ، والغنم ؛ والنقدين ، وهما الفضة والذهب ، فينحصر البحث في مطالب :
ص: 151
وفيه مقاصد :
أنّه لا يجب في الغلات ممّا عدا الأربع من ذرّة أو أُرز أو سمسم أو ماش أو عدس أو حمّص أو باقلاء أو غيرها ممّا يُكال أو يُوزن ، فضلاً عن غيره. ولا تجب ولا تُستحبّ فيما لا يدخله الكيل والوزن من البقول أو الخضروات ، وإن عرض له ذلك في مثل هذه الأيّام. ويُستحبّ فيما عداها ممّا يدخله الكيل والوزن على الأقوى.
ولو اختلفت البلدان فيهما ، لحق كلّ واحدة حكمها.
والمدار على ما يُسمّى شعيراً أو حنطة أو تمراً أو زبيباً. وكلّ منها له نصاب مُستقلّ ، فلو اجتمع ممّا زاد على الواحد منها نصاب لا من أحدها ، فلا زكاة.
ولو دخل قليل من الحنطة في الشعير أو بالعكس مثلاً ، اعتبر الاسم ؛ فإن تساويا ولم يبقَ له اسم مخصوص ، لوحظا منفردين في إجراء الحكم ؛ وإذا دخل المغشوش في اسم أحدهما ، فالمدار عليه ، وطريق الاحتياط لا يخفى.
في أنّه يُشترط في تعلّق وجوب الزكاة بها النصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستّون صاعاً ، فهو ثلاثمائة صاع.
والصاع : أربعة أمداد ، فهو ألف ومائتا مدّ.
والمدّ : رطلان وربع ، فالصاع تسعة أرطال عراقيّة قديمة ، فهو ألفان وسبعمائة رطل بالعراقي.
والرطل : مائة وثلاثون درهماً ، على الأصحّ ، كلّ عشرة منها سبعة دنانير.
والدينار الذهب الصنمي ، ووزنه مثقال شرعي.
ص: 152
فالرطل العراقي وهو نصف المكّي وثلثا المدني واحد وتسعون مثقالاً شرعياً. والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، فيكون الرطل ثمانية وستّين مثقالاً صيرفيّاً وربعاً.
والدرهم : ستّة دوانيق.
والدانق : ثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير. فالدرهم ثمان وأربعون حبّة.
فلو بنينا الأُوقيّة المتعارفة على مقدار وزن الرطل العراقي ، لكان النصاب ثمان وعشرين وزنة وثلاث حُقق ، عبارة عن تغار وثمان وزنات ورطل. وإن بنيناها على خمس وسبعين مثقالاً ، فهو خمس وعشرون وزنة ونصف وتسع أواقٍ. وإن بنيناها على بقالي المشهد الّذي أُوقيّته مائة مثقال ، كان تسع عشرة وزنة وأربع حقق وأُوقيّتين وثلاثة أرباع أُوقيّة.
وبالمن التبريزي القديم الّذي هو عبارة عن ستمائة مثقالٍ صيرفي ثلاثمائة منّ وسبعة أمنان وثمن المنّ. وبالتبريزي العطّاري الجديد ، وهو عبارة عن ستمائة (وأربعين مثقالاً صيرفيّاً. مائتين وثمانية وثمانين مَنّ إلا خمسة وأربعين مثقالاً صيرفيّاً ، وبالمنّ التبريزي الجديد البقالي الّذي هو عبارة عن ستمائة) (1) مثقال صيرفي ، وثمانين مثقالاً ، مائتين (وستّة) (2) وخمسين مَن إلا خمسة وأربعين مثقالاً.
وبناء معرفتها على الدنانير ؛ لأنّها أقرب للضبط من حبّ الشعير ، لشدّة اختلافه ، وأنّ الدنانير لم تختلف في الجاهليّة والإسلام على ما قيل ، ونقل فيه الإجماع (3). لكن بعد النظر الدقيق يفرّق بين العتيق وغيره ، فتنبغي مُراعاة العتيق.
وهذا التقدير تحقيق في تقريب ؛ لأنّ الاختلاف في الجملة لازم.
ويسقط مقدار الخليط من تراب أو غيره من الوزن. وفي عدم مراعاة اليسير لو كان ممزوجاً من الأصل دون العارض وجه قويّ.
ص: 153
ويُعتبر فيها الجفاف وقت الاعتبار ، لا وقت التعلّق ، ولا بأس بالرطوبة الجزئيّة من الأصل.
ولا يُضاف شي ء من الأنواع إلى غيره ، وإنّما لكلّ نصاب على انفراده.
ولا تجب إلا فيما بقي منه نصاب بعد إخراج حصّة السلطان ، إماميّاً أو غيره ، أخذها بعنوان الخراج بضرب الدراهم ونحوها ، أو بالمقاسمة وأخذ الحصّة الموظّفة له ، أو باسم الزكاة.
وأمّا المؤن السابقة على التعلّق أو اللاحقة ، من بذرٍ ، أو أُجرة أرض ، أو أُجرة حفر الأنهار الصغار المتّخذة لتلك السنة ، أو تنظيف الكبار ؛ وقيمة العوامل ، والآلات ، والماء ، وأُجرة الناطور ، والوكلاء ، والمقاسمين ، والكيّال ، وأُجرة الحيوان العامل والمركوب للحفّاظ ، وما يبذل لدفع المضارّ والمفاسد أو للحفّاظ من ثياب وغيرها ممّا يتوقّف عليه حصول الغرض ، ونحو ذلك فالنصاب مُعتبر قبل إخراجها (1). وكلّما تصرّف به المالك بعد تعلّق الزكاة تتعلّق به الزكاة.
ولو شكّ في بلوغ النصاب ، بنى على العدم ، ولا يجب التفحّص. ولو علم بوجوده وشكّ في نقصانه ، بنى على البقاء ، بخلاف ما إذا علم ، وشكّ في المقدار ، فإنّه يجب عليه الاختبار. ويصدّق الوكيل في ثبوته ونفيه ، وإخراج الواجب ، ومقدار الخارج من المؤن وغيرها ، والأحوط الاقتصار على العدالة.
والحبوب والثمرات المتفرّقة زماناً أو مكاناً كغيرها ممّا تتعلّق به الزكاة يضمّ بعضها إلى بعض ، فيحصل النصاب من الضمّ (2) في العام الواحد. ولا يضمّ شي ء من الأربعة إلى غيره ، بل لكلّ نصاب.
وخليط الشعير والحنطة يُلحظان فيه على انفراده مع كثرة الخليط تخميناً إن لم يعزل ، فإن عزل فما بلغ منهما النصاب وجب فيه دون غيره.
والشركاء يلحظ النصاب في حصّة كلّ على انفراده ، دون المجموع ، وإن كانوا في
ص: 154
بيت واحد ومأكل واحد ، أو كان أباً مع ولده أو زوجاً مع زوجته.
ويُعتبر النصاب حال التمرية ، والزبيبيّة والحنطية ، والشعيريّة بعد البروز من السنبل ، وما كان من ثمر النخل والعنب لا يكون تمراً أو زبيباً يلحظ بالنسبة إلى غيره.
في أنّ الوجوب مشروط بالدخول في الملك بملكية أرض أو بذر ، أو عمل بزراعة ، أو غرس ، أو مساقاة ، أو بابتياع ، أو هبة ، أو مهر ، أو صلح ، أو غير ذلك ، فعمّال الزروع والبساتين من نجّار أو حدّاد أو حِق أو حافظ ، ونحوهم إن ملكوا الحصّة من العين قبل التعلّق تعلّقت بهم الزكاة ، وإلا فلا ، كما إذا استحقّوا مطلقاً لا من خصوص الزرع أو من غيره فقط ، أو استحقّوا منه بعد تعلّق الزكاة ، فمن كان له سهم في أصل الزراعة من العمّال أو غيرهم ، أو حصل له ذلك قبل تعلق الزكاة باحمرار أو اصفرار أو نحوهما ، واستمرّ إلى حين التعلّق ، وجبت عليه ، وإلا فلا.
لا كلام في أنّه لا يجب إخراج الزكاة وتسليمها إلا بعد التصفية ، والأقوى أنّ تعلّقها يكون ببدوّ صلاحها ، ويحصل في ثمر النخل بالاحمرار ، والاصفرار ، وما قام مقامهما ، وفي ثمر الكرم بصدق العنبيّة ، وفي الزرع بانعقاد الحبّ بحيث يسمّى شعيراً وحنطة ، فمتى حصل ذلك في شي ء منها ، وكان بحيث يبلغ النصاب بعد التسمية تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً ، أو بعد فرضه كذلك ، وإن لم يكن معدّاً لذلك ، تعلّقت به الزكاة.
ولو شكّ في حصول سبب التعلّق ، أو شكّ في البلوغ على تقدير التصفية ، لم يجب الاختبار والاحتياط فيه ؛ أمّا لو علم البلوغ فلا يجوز التصرّف بشي ء منه إلا مع الضمان. ويجوز التسليم منه على الحساب ، وإخراج الحصّة منه بالتمام ، إلى غير ذلك من الأحكام.
ص: 155
لا يجوز أخذ الردي ء عن الجيد ، ولا يجب تسليم الجيّد عن الردي ء ، بل يؤخذ من كلّ واحد مقدار ما يجب فيه ؛ فلا يؤخذ الجعرور (1) ، ولا معى فأرة ، ونحوهما عوض الجيّد ، والأحوط إعطاء الحصّة من الفاضل أو المساوي.
ويجوز الدفع من العنب والبسر والزرع قبل التصفية على الحساب ، ولا يجوز أن يعطي من جنسٍ من الأجناس الأربعة عوض جنس آخر ، إلا بالقيمة ، وتحتسب القيمة فترجع إلى مسألة إخراج القيمة.
ولو دفع في محلّ آخر من الجنس ، فلا بأس وإن تفاوتت القيمة ؛ وإن أعطى من القيمة ، أعطى قيمة محلّ الدفع ، والأحوط أعلى القيمتين.
والأقوى أنّ للمجتهد ومأذونه الأخذ من غير الجنس ، ويرجع إلى الصلح بالولاية. ولو اختلف الساعي والمالك في جنس المزكّى أو قيمته ، قدّم قول المالك من غير يمين ، وله الدفع من القيمة ، وإن أمكنت العين.
ولو حصلت مصلحة للفقراء بأخذ الردي ء جاز. ولو أخذ جيّداً فظهر رديئاً ، كان للعامل أو الفقير ردّه. ولو احتسب بالقيمة وأُضيفت إليه التتمّة ، فلا بأس.
ولا يجب الإعطاء من العين ، فلو أعطى المماثل أو الأعلى من خارج ، فلا بأس. ولو وكّل على الإعطاء في محلّ آخر ، جاز الإعطاء فيه من الجنس أو من قيمته فيه. ولو وكّل أميناً على الإعطاء ، اكتفى ، والأحوط استخباره.
وهو «العُشر» فيما سُقي سيحاً من الماء الجاري على وجه الأرض أو في نهر أو قناة أو ثلج من عينٍ أو غيرها ، أو كان عذياً بفتح العين أو كسرها
ص: 156
وسكون الذال زرع لا يسقيه إلا ماء المطر ، أو بَعلاً بفتح الباء وسكون العين النخل والشجر والزرع تشرب عروقه من الأرض من غير أن يُسقى.
و «نصف العشر» فيما سقي بالدوالي والدالية : المنجبون ، أعني الدولاب الّذي تديره البقر ، والظاهر إلحاق غير البقر بها والناعورة الّتي يديرها الماء ، وشي ء من خوص يشد في رأس جذع طويل ، والنواضح : وهي السواني ، والسانية : الناقة الّتي يُستسقى عليها.
وليس المدار على خصوص هذه الأشياء ، بل المراد أنّ العُشر لازم في كلّ ما لا يخرج بالآلات ونحوها. ويدخل في ذلك مضافاً إلى ما سبق ما يخرجه بالمتح (1) بدلوٍ أو بظرف غيره ، أو بغير متح ولو بكفّيه. ولا فرق بين أن يقع منه أو من غيره ، عن تبرّع أو عن أُجرة ، من غاصبٍ أو غيره.
وإذا اجتمع الأمران ، عمل على الأغلب زماناً ، لا عدداً ولا نفعاً على الأقوى ، ومع التساوي «ثلاثة أرباع العشر» ومع الشكّ يخرج «نصف العشر». والأحوط ثلاثة أرباعه ، والأحوط من ذلك «العشر».
ولو كان بعض من الزرع الواحد يسقى بالنحو الأوّل ، والبعض الأخر يُسقى بالنحو الثاني ، كان (لكلّ حكمه. ولو كان الزرع مشتركاً ، واختلف الشركاء في كيفيّة السقي ، كان) (2) على من سقى موافق حصّته من غير علاج العشر ، وعلى الثاني نصفه. ويصدّق قول المالك في كيفيّة السقي.
ولو سقي بالماءين دفعةً ، بنهرين أو نهرٍ واحدٍ ، لوحظ الاختلاف في القلّة ، والكثرة ، والمساواة. وحكم الشكّ عُلم ممّا تقدّم.
ولو سقى زارع بالدوالي مثلاً ، فجرى الزائد على زرعٍ آخرَ من دون علاج ، احتمل فيه الوجهان ، ولعلّ نصف العُشر أقوى.
ص: 157
ولو أُخرج الماء بالدوالي مثلاً على أرض ، ثمّ زرعت فكان الزرع بعلاً ، احتمل أيضاً ، والأقوى نصف العشر.
ولو سقي البعل أو العِذي بالدوالي عفواً من غير تأثير ، لزم العشر ، وبالعكس بالعكس (1). ولو شكّ في كيفيّة السقي ، هل هو من موجب العشر ، أو من غيره؟ بنى على الثاني ، والأحوط الأوّل.
المقصد السابع : في الخَرص (2)
وهو جائز وإن كان على غير القاعدة.
ومصلحته : أنّه إن ضمن حصّة الفقراء ، جاز له التصرّف كيف شاء ، وكان الكلّ بحكمه ، ومع (3) الضمان يكون أمانة في يد المالك ، وله أن يتصرّف بمقدار ما يُريد مع ضبطه.
ومحلّه : ثمرة النخل والكرم من غير إشكال ، ويقوى جوازه في الحِنطة والشعير فراراً من لزوم الحرج والضيق ، ويُحتمل قويّاً جوازه فيما تتعلّق به الزكاة استحباباً ممّا يدخله الكيل والوزن ، محافظةً على السنّة.
ووقته : زمان أمن الافة باحمرار واصفرار ، وصيرورة عنبٍ ، وانعقاد حبّ على الأقوى.
ولو ظهر في الخرص غبن فاحش ، كان للمغبون الرجوع. ولو كان في عدّة أُمور ، فليس له سوى فسخ (4) الجميع.
والظاهر جواز اشتراط الخيار ، وجواز أن يقبل الساعي القبض مع الخرص عليه ،
ص: 158
والظاهر أنّ التراضي شرط فيه. ولو رضي بعضُ الشركاء فقط ، خُصّ بالخرص ، ولو وقع الرضا على البعض دون البعض جاز ، وفي توقّفه على احتمال الضرر وجهان.
وفاعله الإمام أو نائبه الخاصّ أو العام ؛ لولايته على مال الفقراء. ويجوز للمالك ذلك مع تعذّرهما ، ومع عدم التعذّر الأحوط الرجوع إليهما. وإن كان القول بجوازه من المالك مع ذلك أقوى.
ولا يُشترط في الخرص صيغة ، بل هو معاملة (خاصّة ، يكتفى فيها بعمل الخارص وبيانه. ولو جيئ بصيغة الصلح كان أولى. وهو معاملة) (1) غريبة ؛ لأنّها تتضمّن وحدة العوض والمعوّض ، وضمان العين.
ثمّ إن زاد ما في يد المالك فله ، وإن نقص فعليه ، وإن تلف بآفة سماوية كلا أو بعضاً فنقص فليس على المالك. ويُحتمل القول بأنّ المالك لا يضمن ما تلف أو نقص ، ولعلّ الأوّل أقوى ، ولكلّ من المالك والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش.
ويُشترط في الخارص إن لم يكن مالكاً أن يكون عدلاً ضابطاً. واعتبار العدلين أوفق بالاحتياط.
ولو رجع الخارص من جانب الشرع عن خرصه بدعوى أنّه زادَ فيه ، قبل قوله. ولو ادّعى أنّه أجحف بالفقراء ، لم يُقبل بغير البيّنة في وجه قويّ. ولو ادّعى العلم على المالك ، كان له الحلف في نفي علمه. ولو ظهر فسق الخارص ، بطل خرصه. ولو تجدّد بعد الخرص فلا بأس. ولو زاد من ربح الزراعة على مئونة السنة ، وجب إخراج الخمس بعد إخراج الزكاة.
في أنّه لا يرفع وجوب إعطاء الزكاة وجوب الخمس ، بل يجب فيما زاد على مئونة السنة والمصارف ، وليس على نفس حصّة الزكاة خمس ، كما أنّه ليس في حصّة الخمس
ص: 159
ولو بقيت معزولة أعواماً غير معيّنة لأحدٍ زكاة.
والخمس هنا أعمّ من الزكاة ؛ لأنّه يلزم الزارع ، والعامل ، والأجير ، ومالك الأرض ، ومستأجرها ، ومشتري الزرع ، وجميع من دخل في قسم المكتسبين ، والمحترفين (1). وإخراج الزكاة مقدّم على إخراج الخمس ؛ لأنّ الخمس يجب في مال المكتسب ، لا في أمانةٍ من مال الفقراء.
أنّها لا تجب إلا بعد إخراج حصّة السلطان في مقاسمته أو خراجه أو أخذه بعنوان الزكاة ظلماً ، وبعد إخراج المؤن المتعلّقة بزرعه الّذي تعلّقت به الزكاة ؛ من تنقية الأنهار الكبار ، والقنوات ، وسدّ الثلَم ، وقيمة البذر إن أخذ بالثمن ، وعينه إن لم يكن بالشراء ، وأُجرة اللّقاح والتكبيس ، والتركيس ، والتعكيس ، والنواطير ، والمقاسمين ، والكيّالين والوكلاء ، والكتّاب ، وأُجرة الأرض ، وقيمة الآلات ، والعوامل ، وما يُعطى لدفع الظلم ، ويوضع للهيبة ، ولاعتبار حفظ الزرع ، كإكرام الضيوف ، وأُجرة الحفّاظ ، والدواب المستأجرة ، وأُجرة العمّال ، كالحلاقين ، والنجّارين ، والحصّادين ، والدوّاسين ، والحدّادين ، حيث لا يكون لهم سهم بالزرع متقدّم على وقت تعلّقها ، وجميع المصارف المتعلّقة قبل التعلّق وبعده ممّا عدا ما اتخذ للانتفاع به على الدوام ، كحفر القنوات والأنهار الكبار ، وبناء الجدران ، و (فراخ) (2) الأشجار ، ونحوها.
ولا يُحتسب منها ما ازداد على المُتعارف ، وبذل ما لا يُحتاج إليه ، وما دفعه إلى السلطان مع عفوه عنه ، وما بذل من قيمة أو أُجرة زائدَين لعدم التفحّص ، وما تبرّع به من عمل أو مال أو تبرّع به غيره ، ولا ببذرٍ نبتَ لنفسه أو أعرض عنه صاحبه. ولا تخرج المُؤَن في غير الغلّات.
ص: 160
يُشترط في تعلّق الزكاة بهما شروط :
أوّلها : النصاب ، ولكلّ منهما نصابان ، أوّلهما شخصيّ والأخر جنسيّ.
فأوّل نصابي الذهب : عشرون مثقالاً شرعياً ، عبارة عن مقدار عشرين ديناراً ذهباً صنميّاً ، عبارة عن خمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً.
وثانيهما : أربعة دنانير ، عبارة عن ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ، فكلّ أربعةٍ نصاب بلغت ما بلغت.
وأوّل نصابي الفضّة : مائتا درهم ، عبارة عن مائة وأربعين ديناراً أي مثقالاً شرعيّاً مائة وخمسة مثاقيل صيرفيّة.
وثانيهما : كلّ أربعين درهماً عبارة عن ثمانية وعشرين مثقالاً شرعيّاً ، واحد وعشرين مثقالاً صيرفيّاً ممّا فوق المائتين بالغة ما بلغت.
والزكاة فيهما ربع العشر ، من كلّ أربعين واحد ، ففي النصاب الأوّل للذهب أعني العشرين مثقالاً شرعيّاً نصف مثقال ، وفي النصاب الثاني أعني كلّ أربعة أربعة من الدنانير قيراطان ؛ لأنّ كلّ دينار عشرون قيراطاً ، فالأربعة دنانير ثمانون قيراطاً ، وربع عشرها قيراطان.
وفي النصاب الأوّل من الفضّة أعني المائتين درهماً خمسة دراهم ؛ لأنّ عشر المائتين عشرون درهم ، وربعه خمسة ، وفي النصاب الثاني أعني الأربعين درهماً درهم ؛ لأنّ عشر الأربعين أربعة ، وربعها واحد.
وليس فوق العشرين ديناراً زكاة حتّى تبلغ الأربعة دنانير ، ثمّ ليس فوق الأربعة زكاة حتّى تبلغ الأربعة ثانياً ، وهكذا. وليس فوق المائتين درهماً زكاة حتّى تبلغ الأربعين ، ثمّ ليس فوق الأربعين زكاة حتّى تبلغ الأربعين ثانياً ، وهكذا.
والمدار على ما يُسمّى ذهباً وفضّة ، جيّداً كان أو رديئاً. ويُضاف الجيّد من المجانس
ص: 161
إلى رديئه ، ولا يُضاف شي ء من النقدين إلى الأخر ، بل يُعتبر نصاب كلّ واحد منهما على انفراده. والمغشوش منهما يلاحظ بلوغ الصافي منه النصاب.
والمغشوش منهما بغيره يعتبر بلوغه النصاب فرضاً إذا كان خالصاً ، ومع الشكّ لا يجب. والأحوط إعطاء الزائد أو التصفية.
ولا تجب الزكاة إلا مع العلم العادي أو الشرعي ببلوغ النصاب. ولو عَلِمَه وجهل المقدار ، وجب الاستعلام على الأقوى ، إلا مع إجراء صيغة الصلح مع وليّ الفقراء.
ولا يمنع وجوب الزكاة دين.
ومن خلّف نفقة لعياله لسنة أو سنين ، فإن كان حاضراً ، وجب عليه إخراجها مع اجتماع الشروط. وإن كان غائباً لا يعلم بالحال ، فلا شي ء عليه. ولو علم بالزيادة على الواجب ، ولم يعلم بالبقاء ، فلا شي ء عليه أيضاً على الأقوى.
ولا يبعد تسرية الحكم إلى كلّ من أبقى مالاً ليُصرف في صدقات أو خيرات أو مبرّات أو نحوها. والأحوط خلافه.
ويحصل النصاب باجتماعه من الكسور إذا حصلت الشروط.
ولو كان بعض الجنس جيّداً وبعضه رديئاً ، لم يجز تخصيص الدفع بالردي ء ، ولا بالجيّد ناقصاً ، مُلاحظاً للقيمة ، إلا أن يشغل ذمّة الفقير ، ثمّ يحتسبها عليه ، وللمجتهد ذلك مع مُراعاة غِبطة الفقراء.
ولو دفعَ شيئاً ، فظهرَ غبن على المالك أو المدفوع إليه ، كان للمغبون الفسخ ، ما دام المدفوع باقياً ، ومع التلف لا رجوع للمالك. ويقوى القول بلزوم تسليم الفقير تفاوت قيمة المثل.
وليس على الدافع والمدفوع إليه تصديق الأخر في دعواه ، ولكن لكلّ منهما حيث يكون مَغبوناً أو يكون الجنس مَعيباً أو غير مُجانس بدعواه الحلف على نفي العلم ، إذا كان الدفع باطّلاع ونظر من المُدّعي ، وإلا فقول المالك مُعتبر من دون يمينه. وللفرقِ بين حُضور الفقير فلا يُسمع قوله ، وعدمه فيُسمع وجه.
ص: 162
الشرط الثاني : أن يكون مسكوكاً بسكّة المُعاملة ، قديمة أو جديدة ، إسلاميّة أو غيرها ، باقٍ أثرها مع بقاءِ المعاملة فيها أو لا ، صافية أو مَغشوشة ، أُلغيت سكّته أو لا ، عمّت الأماكن أولا ، اتخذ للمعاملة أو لزينة الحيوانات أو النساء أو لغير ذلك.
فلا زكاة في تبرٍ وهو الذهب والفضّة قبل الصياغة وفتاتهما أو نقارٍ جمع نُقرة ، وهي القِطع المذابة من الذَّهَب أو الفضّة ، ولا في مَصوغ غير مسكوك ، سواء قصدَ الفرار به من الزكاة أولا ، وسواء جعل على هيئة محرّمة يجب كسرها أولا ، وسواء كان بفعل المالك أو مأذونه أولا ، وسواء كان في تمام الحول أو في بعضه ، ولو ساعة من الزمان إذ ينكسر بها الحول ، وسواء اتُخذ للصرف أو للزينة أو لا.
ولو كانت سكّته غير سكّة سلطان الوقت ، فإن عمّت بها المعاملة فكسكّة السلطان ، وإلا فلا اعتبار بها. ولو فرض وقوع المعاملة بغير المسكوك فلا شي ء فيه ، والأحوط إلحاقه بالمسكوك حينئذٍ.
ولو حصل ربح زائد على مئونة السنة بترقّي قيمة النقدين مع قصد الاكتساب ، وجب أيضاً الخمس.
الشرط الثالث : أن يحول عليه الحول. والمراد به هنا وفي الأنعام : أحد عشر شهراً هلاليّة لو ملكَ النصاب أوّل الشهر ، أو ملفّقة من أحد عشر هلاليّة وشهر عددي لو ملكه في أثناء الشهر أو أثناء اليوم ، مع احتمال تكميل يوم أو كسر للشهر المنكسر. فلو حصل النصاب وبقي جامعاً للشرائط إلى هلال الثاني عشر ، وجبت الزكاة ، وجازَ إعطاؤها زكاة. ثم إن استمرّ إلى تمام الثاني عشر ، علم صحّة ما فعل. والأظهر انكشاف عدم الوجوب إن لم يستمرّ. ثمّ إن فقدَ شي ء من النصاب أو وهبه أو عاوض عليه ولو من جنسه ، استرجعه بعد ذلك ؛ لخيارٍ أو غبن أو لا ، قصد الفرار بذلك قبل دخول الحول أو فيه ولو في آخر جزء من اليوم أو لا ، أو رفع شرطاً من الشروط كائناً ما كان ، ولو في جزء من اليوم ، لم تجب الزكاة ، وسيأتي تمام الكلام في بيان حول الأنعام.
ص: 163
ويشترط فيها أُمور :
وهو بلوغ أحد عشر شهراً في الوجوب ، واثنى عشر شهراً في الاستقرار ، على نحو ما مرّ في نصاب النقدين.
ولكلٍّ من النَّعَم الثلاث نصاب مُستقلّ ، فللإبل عرابيها وبخاتيها ، ويعبّر عنهما بالعربيّة والخراسانية اثنى عشر نصاباً ، خمس نُصُب في خمس وعشرين منها : في خمسٍ شاة ، ثمّ لا شي ء حتّى تبلغ العشرة ، وفيها شاتان ، ثمّ لا شي ء حتّى تبلغ الخمس عشرة ، وفيها ثلاث شياه ، ثمّ لا شي ء حتّى تبلغ العشرين ، وفيها أربع شياه ، ثمّ لا شي ء حتّى تبلغ الخمس والعشرين ، وفيها خمس شياه.
ثمّ إذا زادت واحدة ، وبلغت ستّاً وعشرين ، ففيها بنتُ مَخاض ، وهي من الإبل ما دخلت في السنة الثانية. ثمّ إذا زادت عشراً ، وبلغت ستّاً وثلاثين ، ففيها بنت لبون ، وهي ما دخلت في السنّة الثالثة. ثمّ إذا زادت عشراً ، وبلغت ستّاً وأربعين ، ففيها حِقّة ، وهي ما دخلت في السنة الرابعة.
ثمّ إذا زادت خمس عشرة ، وبلغت إحدى وستّين ، ففيها جَذعَة ، وهي ما دخلت في السنة الخامسة. ثمّ إذا زادت خمس عشرة ، وبلغت ستّاً وسبعين ، ففيها بنتا لبون. ثمّ إذا زادت خمس عشرة ، وبلغت إحدى وتسعين ، ففيها حِقّتان.
ثمّ إذا زادت ثلاثين فما فوق ، فبلغت مائة وواحداً وعشرين ، كان في كلّ أربعين بنت لبون ، وفي كلّ خمسين حِقة.
فنُصُبُها إذن اثنا عشر : خمس ، ثمّ عشرة ، ثمّ خمس عشرة ، ثمّ عشرون ، ثمّ خمس وعشرون ، ثمّ ستّ وعشرون ، ثمّ ستّ وثلاثون ، ثمّ ستّ وأربعون ، ثمّ إحدى وستون ، ثمّ ستّ وسبعون ، ثمّ إحدى وتسعون ، ثمّ مائة وإحدى وعشرون. فهذه اثنا عشر نصاباً.
ص: 164
ولو حالَ الحول على صغارٍ ليس فيها السنّ الواجب أو كبار كذلك ، لزم إعطاؤه. ولو كان الكلّ مراضاً ، لم يجب إعطاء الصحيح ، ولو كان البعض كذلك ، قوي التوزيع.
وأسنان الإبل فيما يترتّب عليه اسم خاصّ عشرة : من حين التولّد إلى بلوغ سنة حوار ، وبعده إلى بلوغ سنتين بنت مخاض ، وبعده إلى بلوغ ثلاث سنين بنت لبون ، ثمّ إلى بلوغ أربع سنين حُقّة ، ثمّ إلى بلوغ خمس سنين جذعة ، ثمّ إلى بلوغ ستّ سنين ثنيّة ، ثمّ إلى بلوغ سبع سنين رباعيّة ، ثمّ إلى بلوغ ثمان سديس ، ثمّ إلى بلوغ تسع بازل ، ثمّ إلى بلوغ العشر مخلف.
والظاهر أنّ السن الأوّل ، ومن الثامن فما فوق يستوي فيه لفظ المذكّر المؤنّث ، فإذا بلغت الإحدى عشرة فما فوق أُضيفت إلى ما بلغت ، كأن يقال : بنت إحدى عشرة ، أو بنت اثنتي عشرة ، وهكذا.
والظاهر أنّ الحادية والعشرين كغيرها من الحدود جزء من النصاب ، لا شرط. فلو تلفت بعد الحول بغير تفريط ، نقصت حصّة الفقراء بمقدار ما كان لهم منها.
وطريق أخذ الحقّ منها في غير النُّصُب الخمسة السابقة : أن يدخل العامل فيها من جانب الإمام أو نائبه بإذن المالك بطريق الرِّفق إن أمكن ، بخلاف البواقي ، ويقسّمها قسمين ، ويخيّر المالك ، ثمّ يقسّم ما لم يختره قسمين ويخيّره ، وهكذا إلى أن يبقى مقدار الواجب. ولو بقيت واحدة جرى فيها حكم الشريكين ، والأحوط البناء على القرعة.
ومع غيبته يقوم المجتهد أو نائبه مقامه ، فإن لم يكن قام عدول المسلمين ، وللمالك الاكتفاء عن ذلك بترجيح سهم الفقراء على سهمه.
ومن وجبَ عليه ما سنّه أدنى بدرجة من الموجود عنده ، كأن وجبت عليه بنت مخاض ، وليس عنده إلا بنت لبون ، أو بنت لبون ؛ وليس عنده إلا حِقة ؛ أو حِقة ، وليس عنده إلا جَذعَة ، دفع الزائد وأخذ معه شاتين أو عشرين درهماً ، والخيار إلى المالك ، وفي الاكتفاء بشاة وعشرة دراهم وجه. والأحوط خلافه.
ص: 165
ولو انعكس الحال ، كأن كان الموجود أدنى بدرجة ، أضاف للعامل أو الفقراء أحد الأمرين ، والخيار هنا للدافع أيضاً. والظاهر الاقتصار على ذي الدرجة الواحدة ، فلا خيار بين الأربع شياه وأربعين درهماً.
ولو كان الأعلى المدفوع قليل الثمن ، بحيث ينقص عن الأدنى (بأكثر من درجة أو يزيد بأكثر منها) ؛ (1) أو الأدنى كثير الثمن ، بحيث يزيد على الأعلى ، فالظاهر سقوط الجبران ، مع احتمال البناء على التعبّد.
والظاهر اعتبار تماميّة المدفوع ؛ فلو كان له نصفان في بنتي مخاض ، لم يجز دفعهما عنها ، بل يرجع إلى القيمة.
ولو دفع المالك الأعلى تبرّعاً مع وجود الأدنى ، جازَ على الأقوى. ولو دفعه فبان أنّه لم يبلغ سنّ ما وجب عليه ، أو بلغ زائداً على الواجب ، كان له استرجاعه.
وفي جواز دفع القيمة عن العين وجه قوي يأتي الكلام فيه. وأمّا مع فقد السنّ الواجب فلا ريب في إجزاء القيمة.
ولو حال الحول على نصاب كلّه صغار ، احتمل فيه لزوم إعطاء الكبير ، وتوزيع القيمة.
وقد يحصل من ضمّ الكسور نصاب ، فيجزي حينئذٍ إعطاء المضموم في وجه قويّ.
ولو كان الكلّ مِراضاً ، لم يجب إعطاء الصحيح ؛ ولو كان البعض كذلك ، قوي التوزيع.
ويرجع إلى نصابين :
أوّلهما : ثلاثون ، وفيه تبيع ، أي : دخل في السنة الثانية ، أو تبيعة كذلك.
ثانيهما : أربعون ، وفيه مسنّة ، أي : دخلت في السنة الثالثة فما زاد.
ص: 166
وكأنّهما في الحقيقة راجعان إلى نصاب واحد ، فإن انفرد بعض العددين بالوفاء من دون زيادة ، تعيّن ، كأربعين ومائة وستّين ؛ لأنّا لو اعتبرنا الثلاثين ، بقي الزائد من دون إخراج ، فيدخل النقص على الفقراء ؛ وبالعكس التسعون ، والمائة وخمسون.
ولو لزمت الزيادة في كلّ منهما ؛ فإن كانت متفاوتة ، أُخذ بما فيه صلاح الفقراء ، كمائة وسبعين ، ولو تساوت الزيادة فيهما ، كمائة وثلاثين ، أو تساويا في عدمها عنهما ، كمائة وعشرين ، تخيّر المالك في اعتبار ما شاء من النصابين.
والأحوط مُراعاة صلاح الفقراء بتقديم المستغرق على غيره ، ثمّ الأقلّ عفواً على غيره ، ويتخيّر مع التساوي في الاستغراق ، ويجزي (1) مثل ذلك في النصاب الأخير من الإبل. وإذا حصلَ الاستيفاء بالخلط منهما دون الأخذ بواحد منهما ، كمائة وثلاثين ، بنى على الخلط احتياطاً.
وتفصيل الحال : أنّه إذا كان ثلاثين ، ففيه تبيع أو تبيعة. وإذا بلغ أربعين ، ففيه مسنّة. وإذا بلغ ستّين ، ففيه تبيعان ، وإذا بلغ سبعين ، ففيه تبيع ومسنّة. وإذا بلغ ثمانين ، ففيه مسنّتان. وإذا بلغ تسعين ، ففيه ثلاث تبيعات. وإذا بلغ مائة وعشرين ، ففيه ثلاث مسنّات. ويحتمل التخيير بينها وبين أربع تبايع. وإذا بلغ مائة وخمسين فخمس تبايع. وإذا بلغ مائة وستّين فأربع مسنّات أو أربع تبايع ومسنّة.
والأحوط أنّ الاستيفاء إذا حصل بالأعلى والأسفل قُدّم الأعلى.
والجاموس من البقر ، فيدخل في الحساب مع غيره.
ومع عدم السن الواجب يرجع إلى القيمة. والملفّق كنصفي مسنّة أو تبيعة لا يجزي ، إلا إذا كان النصاب ملفّقاً في وجه قوي.
ومع فقد الأدنى إذا رضي بدفع الأعلى قُبِل منه في وجه قوي.
ولا يجزي المدفوع من جنس آخر ، إلا إذا احتسب بالقيمة ، وأجزنا دفعها ، وسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.
ص: 167
وهو خمسة : أربعون ، وفيها شاة. ثمّ مائة وواحدة وعشرون ، وفيها شاتان. ثمّ مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه ؛ ثمّ ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه. ثمّ تبقى على هذه الحال إلى أن تبلغ خمسمائة ، ففيها خمس شياه ، لأنّها إذا بلغت الأربعمائة كان على كلّ مائة شاة بالغة ما بلغت ، وما زاد عفو.
ويقوم الإشكال في احتسابها خمسة ، إذ لا ثمرة فيها ؛ لأنّ الثلاثمائة والواحدة تساوي الأربعمائة في القدر المأخوذ.
ويمكن بيان الثمرة في تعلّق الوجوب بالثلاثمائة وواحدة دون ما زاد. وفي جهة الضمان ، فإنّه إذا تلف ممّا زاد على الثلاثمائة وواحدة شي ء ، كان الضمان على المالك ؛ لبقاء النصاب الّذي هو متعلّق الوجوب ، بخلاف ما إذا تلف من الأربعمائة ، فإنّه يوزّع بين المالك وبين الفقراء.
وفي جواز التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة من غير ضمان ، بخلاف الأربعمائة.
وفيما لو كان بعضها مراضاً أو ضعافاً ، فإن (1) كان منها ثلاثمائة وواحدة صحاحاً ، ولم تبلغ الأربعمائة ، وجب الإعطاء من الصحاح ، وإن بلغ وزّع.
وفي الرجوع من الفقراء على الغاصب ونحوه فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة ، وفيما كان في الأربعمائة.
وفيما لو نذرَ نوعاً أو حلف أن يؤدّي زكاة نصاب رابع ، أو خامس ، أو لا يأكل من مال زكاة ، أو يأكل منه.
وفيما إذا جعلت للتجارة ، وكانت أربعمائة.
وفي جري حكم الأمانة.
ص: 168
وفي تخصيص ضمان الجناية ، إلى غير ذلك.
وفي بعض هذه الوجوه نظر.
ويُشترط بلوغ النصاب في الأقسام الثلاثة من البهائم للمالك الواحد ، فلو اشترك بين الخليطين ، وإن كان أحد الأبوين ، فلا زكاة ، وكذا في غيرها. ولو ملك من كلّ واحدة من ثمانين شاة ثلثها مثلاً لم يحصل النصاب ، ولو كانت مشتركة بحيث يعلم أنّه مع القسمة يحصل له نصاب وجبت.
والمتولّد المخالف لأبويه بالاسم يُعتبر اسمه ، لا أصله. ولو لم يدخل في الأسماء الثلاثة لم يتعلّق به حكم. ولو تولّد من الجنس ما يدخل في اسم جنس آخر فحكمه حكم الأخر.
ومتى تعذّر فرض من الزكاة أُخذت قيمته ، وما وجب فيه من الأنعام أُنثى ، كما في الإبل والنصاب الثاني من البقر ، لا يجوز فيه إعطاء الذكر إلا بالقيمة.
ولا تؤخذ هَرِمَة ، ولا ذات عوار ، ولا مريضة عوض الصحاح ، ولو كان الجميع معيباً ، جاز أخذ المعيب بشرط أن لا يكون عيب الخارج أشدّ من عيب الباقي.
ولو رأى عامل الصدقات أو المتولّي الشرعي صلاحاً للفقراء في أخذ المعيب ، فله أخذه. ولو تشاحّ المالك ووليّ الفقراء ، مع كون بعضها صحاحاً وبعضها مراضاً ، بنوا على القرعة أو الإشاعة ، وإعطاء قيمة الحصّة المشاعة.
والواجب في الشاة المأخوذة في الغنم أو الإبل (1) الجذع من الضأن ، وهو ما بلغ ستّة أشهر ، والأحوط السبعة ، ثمّ الثمانية ، ثمّ السنة. والثني من المعز ، وهو ما دخل في الثانية ، والأحوط في الثالثة. والضأن والمعز جنس واحد ، وبانضمامهما يحصل النصاب.
ويدخل في الحساب فحلُ الضراب ، والأكولة الكبيرة السمينة ، والربّى ، وهي الّتي تربّي اثنين ، والمعدّة للبن ، والمختار من البهائم لأيّ سبب كان. وتجزي لو دُفعت ،
ص: 169
ولكن لا يجب دفعها على صاحب المال ، ولا يجب دفع شي ء من كرائم الأموال إلا إذا كان الجميع كراماً ، بل يكفي مع ذلك إعطاء المتوسّط على الأقوى.
ولا يدخل المتجدّد من كبار أو صغار في حول المتقدّم ، بل لكلّ حول منفرد وإن لم يتغيّر حكم النصاب الأوّل بوجوده لو حصل معه في زمان واحد ، كخمس من الإبل ولدت خمساً ؛ بناءً على أنّ النصاب خمس خمس ، أو اشترى معها خمس ، أو عشرة منها ولدت عشراً ، أو تجدّد بالتملّك معها ذلك ، أو أربعمائة من الغنم مثلاً يحصل معها أربعمائة ، أو عشرون ديناراً حصل بعدها عشرون ، ونحو ذلك.
وإن كانت بحيث لو قارنت لم يكن فيها شي ء كأربعين من الغنم ولدت أربعين ، أو تجدّد بالتمليك (1) معها ذلك ، فالأقوى أنّه لا عبرة إلا بالمتقدّم.
وإن كانت بحيث لو قارنت حصل نصاب آخر ونسخ النصاب الأوّل ، كما لو ولدت ستة وعشرون من الإبل عشرة ، أو ثلاثون من البقر عشرة ، فالأقوى أنّ النصاب الثاني يُحتسب بعد أن ينقضي حكم النصاب الأوّل ، ولا شي ء في الزائد على النصاب الأوّل فيما مضى من الحول الأوّل ، كما إذا لم يستكمل النصاب أوّلاً ثمّ أتمّته السخال ونحوها ، فإنّ الحساب من وقت الإكمال.
ولو شكّ في أنّ الزائد متجدّد ، أو سابق بنى على الأوّل ، كما لو شكّ في وقت الدخول في الملك ، فإنّه يبني على التأخّر (2).
الشرط الثاني : الحول على نحو ما في النقدين ، بمعنى استمرار النصاب بنفسه باقياً على الملك السابق ، جامعاً للشرائط حولاً تامّاً اثنا عشر شهراً هلالية لو قارن حصوله ابتداء الشهر ، وملفّقة من شهر عددي أو المنكسر مع ما فات منه. وأحد عشر هلاليّة لو حصل في أثناء الشهر ، ولو في نصف اليوم الأوّل في وجه قوي. ولا ينافي ذلك وجوب الإخراج بدخول الشهر الثاني عشر ، فيكون تمامه شرط الاستقرار. ولو لم يتمّ ،
ص: 170
انكشف عدم الوجوب ، وقد مرّ مثله.
ولو بدّل ولو بالمجانس ، أو وهب ، أو تلف ، أو جنّ ، أو زال شرطاً من الشروط في أثناء الحول ، ولو بأقلّ القليل من الزمان ، لم يُحتسب ما سبق من الحول ، واستأنف الحول جديداً.
وإن مات أو ارتدّ عن فطرة ، جُدّد وراءه الحول ، وسقط اعتبار الماضي ، والمرتد الملّي يبقى حكم حوله ، ويقهر على إعطاء الزكاة ؛ وإذا استُتيب ثلاثاً ثمّ قتل في أثناء الحول ، جدّد الوارث الحول ، كالسابق.
ولا زكاة بين النصابين في جميع ما لوحظ فيه النصاب ، ويُسمّى في الإبل (1) شنقاً (2) ، وفي البقر وقصاً (3) ، وفي الغنم عفواً.
ولو جمع الفقير من الزكاة نصاباً ، وحال عليه الحول ، وجبت فيه الزكاة ، وما أصابه من زراعة أو غيرها وتعلّق به الخمس وجب إخراجه بعد الزكاة. وإذا اكتسب بما أصابه من زكاة فربح زائداً على مئونة سنته ، وجب عليه الخمس.
الشرط الثالث : السوم والرعي في المرعى ، فالسائمة هي المرسلة في مرعاها ، مقابل المعلوفة. والمُعتبر فيه صدق السوم عرفاً ، فلا يقدح فيه علف اليوم واليومين ، فضلاً عن الساعة والساعتين. فلا زكاة فيما يُعلف ليلاً مثلاً ويسوم نهاراً ، ولا فيما يمضي عليه الشهران والثلاثة مثلاً معلوفاً ، فلا زكاة في بهائم إيران ولا خراسان ولا أذربيجان إلا ما شذّ وندر منها ، لأنّها تعلف الشهرين والثلاثة لا تخرج إلى المرعى.
ولا فرق بين كون الإرسال من المالك أو بإذنه أو الغاصب ، ولا بين كون نبات
ص: 171
الأرض محلّلاً أو محرّماً. والأقوى إلحاق المرسل في الزرع حيث يكون بالصحراء بالمعلوف.
ولا فرق في المعلوف بين أن يعلف بنفسه ، أو يعلفه المالك أو مأذونه أو الغاصب من مالهما أو مال المالك. ولا بين أن يكون مجبوراً لعذر مرض أو هرم أو خوف من نهب أو سلب أو أسد أو غير ذلك.
ولو منع عن السوم إلا ببذل مال فبذله ، دخلَ في حكم السوم. ولو تغذّت بلبن ، ولم يكن من السخال عن رضاع أو غيره ، لم تكن سائمة.
ولو رعت نبات الدار أو البُستان لم تكن سائمة ، مع احتمال ذلك ، خصوصاً مع سعتهما. والظاهر إلحاق الصغار المتغذية باللّبن بالسائمة دون الكبار ، فيكون حولها من حين النتاج ، من غير فرق بين أن ترضع من سائمة أو معلوفة أو منهما ، ولا فرق بين استمرار الرضاع إلى تمام السنة والتركّب منه ومن السوم ، ولا بين كون الرضاع بعوضٍ أولا ، من الثدي أولا ، على تأمّلٍ في الأصل ، وفي بعض الأقسام.
الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل ، فلا زكاة في العوامل ، وإن كانت سائمة ، كالمتّخذة للحرث ، والسقي ، والركوب ، والإيجار ، والدياسة ، وإدارة المدار ، من غير فرق بين اتخاذ المالك ، ومأذونه ، والغاصب ، ونحوهم.
والمدار في الصدق على العرف ، فلو عملت قليلاً بحيث لا يبعث على صدق الاسم لم تدخل في العوامل ، ولا يلزم حصول العمل على الدوام ، ولا يكتفى بحصوله في بعض الأيام ، بل المدار على صدقه عرفاً ولو شكّ من الأصل في صدق اسم السوم والعمالة ، سقط الوجوب ، ولو شكّ بالعارض قوي الوجوب.
ويُصدّق المالك في نفي النصاب ، والسوم ، والحول ، وثبوت العمالة ، ووقوع الدفع إلى المستحقّ ، ونحو ذلك. ويجوز الدفع من العين ، ومن الخارج حيث لا يكون رديئاً والمال جيّداً.
ويجوز في جميع ما سبق من الأقسام الدفع من القيمة أو العين.
ص: 172
ولا يضمّ مال أحد إلى غيره ، وإن كان خليطاً أو كان أباً وابناً. والزكاة المالية متعلّقة بالعين ، كما مرّ. ولو جعلها معلوفة بعض العام أو سائمة فراراً من الزكاة لم تجب. وتضمّ الأموال المتباعدة من جميع الأجناس كما مر.
ولا يجوز تقديم الزكاة على وقت الوجوب إلا قرضاً ، ثمّ تحتسب مع بقاء القابلية. ولا تأخيرها قدراً معتداً به ، فلو أخّرها لعذر ، من فقد المستحقّ ، أو منع مانع ، أو مدّة يسيرة طلباً للأفضل ، لم يكن عليه ضمان. وكذا لا يجوز نقلها مع لزوم التعطيل ، فلو نقلها بلا عذر أثم وضمن. ولو نقلها مع وجود المستحقّ ، وعدم لزوم التعطيل ، ضمن ولم (1) يأثم ما لم يكن مجتهداً أو مأذوناً منه.
ويجوز إعطاء القيمة في جميع الأجناس. والأحوط العين في الأنعام ، ولا يُشترط فيها أن تكون مساوية للمخرج ، فلو كان النصاب كلّه صغاراً ليس فيه السن الواجب ، أو كباراً كذلك ، لزم إعطاء الواجب أو بدله.
ولو كان الجميع مراضاً ، لم يجب إعطاء الصحيح ، ولو كان البعض كذلك قوي التوزيع ، ولو تبرّع المالك دخل في قوله تعالى ( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) (2).
والمتولّد من غير النعم الثلاثة أو منها ، متحدة الصنف أو لا ، أو منها ومن غيرها ، يتبع صدق الاسم ، ويلحقه في الحكم كما مرّ.
وهو أقسام
الأوّل : مال التجارة ، وهو الّذي يُملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب ، على وجه المعاوضة بين مالين (3) ، ببيع أو صلح أو هبة معوّضة. وعامل المضاربة يدفع من سهمه إذا بلغ النصاب ، دون ما ملك بالإرث ، أو الحيازة ، أو الهبة ، أو الصدقة ، أو الوقف ، أو النكاح ، أو الخلع ، أو ملك بالمعاوضة للقنية ، أو للوقف ، أو الصدقة ، أو الإيجار ،
ص: 173
أو الجعالة ، أو غيرها ممّا يتعلّق بالمنافع ، على الأقوى.
ويُشترط استمراره تمام الحول بالمعنى المتقدّم ذكره ، سواء حصل فيه التبديل والتغيير أولا ، ويشتدّ الرجحان فيما لو استمرّ بنفسه.
ويُشترط قصد الاكتساب تمام الحول ، فلو قصد القنية أو الصدقة أو نحوهما ، بداية أو نهاية أو بينهما ، انكسر الحول. وأن يطلب الفضل بعد إحراز رأس المال ، فإن كان لا يجد إلا وضيعة ، أو وجد رأس المال فأخر اتفاقاً لا (1) لطلب الفضل وإن حصل اتفاقاً ، فلا زكاة.
وأن يبلغ النصاب المقرّر في زكاة النقدين عيناً أو قيمة فيكون حالها كحالهما (2) ، فلو نقص في أثناء الحول ، ولو في جزء ما من الزمان ، انقطع الحول.
وأن تجتمع شرائط الزكاة الواجبة سوى البلوغ والعقل ، فالأقوى الاستحباب في مال اليتيم ، والمجنون ، والخطاب للولي. ويستحبّ فيها الإخراج على نحو زكاة النقدين ، وهو ربع العشر.
والظاهر تعلّقها بالقيمة لا بالعين ، بمعنى إجزاء التأدية منها (3) ، ولا بأس بالعين. والمدار على نقد شرائه لا نقد البلد.
ولو اشترى نصاباً للتجارة ، كأربعين شاة ، أو عشرين ديناراً مثلاً ، وحال عليه الحول وجبت زكاة المال ، وسقطت زكاة التجارة. ولو زرع أرضاً للتجارة وحصل النصاب ، تعلّقت زكاة المال والتجارة ، وإن زاد ربحه على مئونة السنة وجب (4) الخمس أيضاً.
القسم الثاني : الخيل الإناث العتاق العربيّة ، الكريمة الأصل من الطرفين ، والبراذين الإناث خلاف العتاق ، وفي كلّ واحدة من القسم الأوّل ديناران ، ومن القسم الثاني
ص: 174
دينار. وليس في الحمير ، والبغال ما لم تتخذ للتجارة شي ء.
ويُشترط في استحباب الزكاة فيهما البلوغ ، والعقل ، والحريّة ، والحول ، والسوم ، وإمكان التصرّف من المالك أو وكيله أو وليّه على النحو السابق فيهن ، (وأن لا تكون عوامل) (1) ولا يكون من كسور لا تبلغ الواحدة ، ومع البلوغ إشكال.
الثالث : ما عدا الغلات الأربع ممّا يدخله الكيل والوزن ممّا عدا الثمار والخضروات بعد إخراج المؤن.
الرابع : غلات الأطفال والمجانين ومواشيهم على نحو ما تقدّم.
الخامس : الحُلِيّ المحرّمة على رأي.
السادس : الحُلِيّ الّتي فُرّ بها من الزكاة خروجاً من الخلاف.
السابع : المال الغائب ، إذا مضت عليه أحوال ، ثمّ وصل إلى يد صاحبه ؛ فإنّه تُستحب زكاته لسنة.
الثامن : النماء الحاصل من العقارات المُتّخذة للنماء ، كالحمّامات ، والدكاكين والخانات ، والبساتين ، عروضاً كانت أو نقوداً ، حال عليه الحول أولا.
التاسع : زكاة المؤن المصروفة على الزراعة والغرس.
العاشر : زكاة العوامل من البهائم.
الحادي عشر : زكاة الدين المقدور على استيفائه أو مطلقاً.
الثاني عشر : زكاة ما تعلّقت به المعاوضة على ما فيه الزكاة فراراً.
الثالث عشر : زكاة ما شكّ في تعلّق الزكاة به احتياطاً.
الرابع عشر : زكاة ما شكّ فيه بعد التسليم ، وكذا ما اشتري ممّن يظنّ به أنّه لا يزكّي.
ويُشترط في الجميع الحول ، وإمكان التصرّف ، والبلوغ ، والعقل ، فيما عدا المستثنى ، والنصاب فيما يلحق بذي النصاب ، والحول فيما يلحق بذي الحول.
ويُستحبّ وسم إبل الصدقة في المحلّ الظاهر منها كأفخاذ الإبل.
ص: 175
وهما كالظرف والجار والمجرور إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، فلمّا ذكرا معاً في مصرف الزكاة صارا متغايرين في المعنى.
والشرط فيهما عدم ملكية ما يقوت به سنته لنفسه وعياله الواجبي النفقة شرعاً أو عرفاً ، ومنهم الضيوف إن كان من أهلها ، زائداً على الديون حالّة ومؤجّلة ، وعلى المستثنيات في الديون من فرس الركوب ، وعبد الخدمة ، والجارية ، والفرش ، وكتب العلم ، لمن كان من أهلها ، بما يناسب حاله ، من عددها وكيفيّتها ، ودار السكنى ، والظروف والآلات المحتاج إليها في البيوت ، وثياب العادة ، وثياب الزينة وحُليّها ممّا يناسب حال المالك فيهنّ ، وما يحتاجه من الات الصنائع ، وعقار ، ورأس مال يستنميها ، ولا يزيد نماؤها على قوت السنة ، ولا ينكر عليه في تبعيتهما ، ومال موجود لا يتمكّن من التصرّف به ، ولا الاقتراض عليه ، ومال تعلّقت به حقوق واجبة من نذور وعهود ونحوها ، ولا يزيد الفاضل على مئونة السنة. وأن لا يكون صاحب صنعة أو حرفة تفي بمئونته ، ولو على التدريج عاما تامّاً ، دون من لم يكن له حرفة وصنعة ، كأُجَراء الصلاة والصيام والحجّ ونحوها ، ما لم يكن صنعة كسائر الصنائع.
والبناء على اختلاف الأحوال والأطوار ، فقد يُعدّ صاحب الخمسين غنيّاً ، وصاحب الألف فقيراً ، فيلاحظ الحال في المأكول ، والملبوس ، والمفروش ، والمركوب والمسكن ، وغيرها ؛ كيفيّةً ، وكميّة ، وارتفاعاً واتضاعاً ، ونحوها على نحو ما تقدّم. ووجود ما يناسبه منها لا ينافي فقره ؛ لأنّها وإن تضاعفت قيمته لزمته ، أو للزوم حاجته إليها لا يعدّ من الغنى ، وكذا صداق التزويج ممّا يوافق حاله مع الحاجة إليه.
والمشغول بطلب العلم فقير ، وإن كان ذا صنعة تعارض تحصيله ، ولو تعيّن عليه طلب العلم ، وانحصر طريق معاشه بها وبأمثالها ؛ أو كان شديد الحاجة جدّاً لا يمكنه
ص: 176
الاستغناء ، وجب عليه الأخذ. ويجب عليه الإخبار عن حاله. ولو امتنع ، كان كمانع الزكاة.
ولو كان طالب العلم غنيّاً في القوت واللّباس ، محتاجاً للكتاب ، أو للرفاهيّة لزيادة التوجّه ، أو للنكاح لصفاء البال ، ونحو ذلك ، كان له الأخذ من سهم سبيل اللّه.
وصفتا الفقر والمسكنة متّحدتان بالمعنى مع انفراد إحداهما عن الأُخرى ، فتقوم كلّ واحدة مقام صاحبتها مع الانفراد ، ومع الاقتران متغايران ، كما في أية الزكاة (1) ، فإنّ الأصحّ أنّ الفقير أحسن حالاً يتعفف عن السؤال ، والمسكين أشدّ منه ويحتاج إلى السؤال ، كما أنّ البائس أشدّ حالاً منهما ، وكلّ منهما مستحقّ.
وتظهر الثمرة في باب النذور ، والايمان ، والعهود ، وفي باب استحباب التوزيع على الأقسام الثمانية ؛ لأنّ البسط غير واجب ، بل يجوز التخصيص.
ويُصدّق مُدّعي الفقر ، عُلم غناه سابقاً أو لا ، من غير بيّنة ولا يمين. ويجوز إعطاؤه دفعة فوق غناه.
ولو دفع زكاته إلى الإمام أو نائبه العام أو الخاصّ ، برئت ذمّته ، سواء أصاب الدافع المدفوع إليه في دفعه أو أخطأ فيه ، ولا ضمان على أحدٍ منهم. ولو دفعها بنفسه إلى الفقير بزعم فقره ، وعلم المدفوع إليه بأنّها زكاة ، وكان ممّن لا يستحقّها ، استرجعها منه مع التلف وبدونه ؛ ومع علم الدافع لا رجوع مع التلف ، إلا أن يكون بعد العزل. وإن لم يعلم بكونها زكاة ، استرجعها مع بقائها دون التلف ، والحكم في دفع الإمام أو نائبه مثله.
ولا يجب في دفعها تسميتها زكاة ، ولا سيّما إذا كان الفقير ممّن يستحيي من اسم الزكاة.
المنصوبون لجمعها ، أو ضبطها ، أو حفظها ، أو حملها ونقلها ، ونحو ذلك ، ولهم
ص: 177
أخذ (1) الأسهم الثمانية على الاشتراك بينهم إن تعدّدوا ، والاختصاص إن اتحدوا.
وفي جعل التوزيع على الرؤوس ، أو على مقدار العمل ، وفي ترجيح بعض على بعض لمرجّح (2) أو لا ، وجهان ، أقواهما الأوّلان.
ويُشترط عدالتهم دون فقرهم ، وأن لا يكونوا هاشميّين إن كانت عمالتهم على زكاة أموال غير بني هاشم. ولو جعلوا أُجَراء أو (3) صولحوا على العمل بمعيّن من بيت (4) المال أو من متبرّع ونحو ذلك ، لم يدخل في قسم الزكاة ، ولا يُشترط فيه شرائطها. ولو جمعوا بين العمالة والفقر ، كان لهم أخذ سهمين من الزكاة ، وهكذا كلّ من تعدّدت جهات استحقاقه له الأخذ على عدادها. ومتى دخلوا تحت الأُجَراء ونحوهم ، كان للإمام ومنصوبة عامّاً أو خاصّاً معاملتهم على جمع سائر الحقوق من خمس وغيره ؛ لأنّهم أولياء الأُمور العامّة.
ولو عملوا نصف العمل أو أقلّ أو أكثر ، استحقّوا السهم إذا صدق عليهم الاسم. ولو كان بصورة الإجارة ونحوها ، قضي بالتوزيع.
ولو خانَ العامل أو فَسقَ ، عُزِل ولم يُعطَ شيئاً قبل إتمام العمل. ولو جُنّ انعزل ، ويقوى اعتبار التوزيع هنا.
ولو نصب للعمالة ، فهل له عزل نفسه ، أو لا؟ الأقوى الأوّل. وللعامل إذا اتّسع عمله وضع الأُجَراء من يده ، دون العمّال. والأقوى جواز ذلك مع الإذن ، فيشتركون في السهم.
ولو عُيّن للعمل ، فلم يُصب شيئاً من الزكاة ؛ لامتناع المنصوب عليهم ، أو تلف ما أخذه بعد قبضه ، لم يكن له شي ء ، ومع الإتلاف منه أو للتفريط يضمن أيضاً.
وعلى العامل تصديق المالك لو أخبره بالدفع ، وليس له أن يختار من المال
ص: 178
صفاياه. وليس للمالك إعطاؤه الردي ء. ويُستحبّ له الدعاء للمالك بعد قبض الحقّ.
والظاهر أنّهم قسم من الكفّار وحّدوا اللّه ، ولم يقرّوا بالنبوّة لمحمّد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فتألّفهم ليقرّوا بالإسلام ، ويعترفوا بالنبوّة ، ويجاهدوا مع المسلمين. والظاهر أنّها حرام عليهم ، وإن وجب إعطاؤها لهم.
ويستوي هنا العبد والحر والمكلّف وغيره ، فيجوز إعطاؤها لكلّ منهم مع حصول الغرض به.
والأقوى سقوط هذا السهم في زمن الغيبة ، وثبوته لمن بسطت يده من الأئمّة عليهم السلام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، والتخصيص بمن ذكرنا لمن كان له سهم من الزكاة ، أمّا الدفع لتقوية الإسلام أو الإيمان ، أو للاستجلاب إلى الطاعات ، أو للإعانة على أخذ الزكوات والصدقات وغيرها من العبادات ونحو ذلك ، فهو داخل في سبيل اللّه ، فلا يختصّ بكافر ولا غيره.
والشرط في إعطاء هذا السهم رجاء التأثير في المعطى له ، وعدم لزوم الخلل من جهة حسد قوم آخرين ، فينتقض الغرض.
وفي هذا القسم يجب البسط ، مع توقّف الغرض عليه. ولو دخلوا في الإسلام وحصل الاطمئنان ، فلا شي ء لهم ؛ ومع بقاء الخوف منهم بالرجوع إلى ما كانوا عليه ، يبقى السهم لهم.
والظاهر أنّ هذا السهم مداره على حصول التأليف ، فإن كانوا متعدّدين لا يألفون إلا بتمامه ، سُلّم السهم تامّاً ؛ وإن كانوا قليلين يحصل تأليفهم ببعضه ، أُعطوا بعضه ؛ ولو حصل تأليفهم بلين الكلام ، وحسن السيرة ، اقتصر على هذا الحال ، ولم يُبذل المال.
وهذا السهم للمكاتَبين العاجزين عن تسليم مال الكِتابة ، لقصور السعي ، وفقد
ص: 179
المتبرّع ، وللمماليك تحت الشدّة ، وللمسلمين منهم في أيدي الكفّار ، بل للتخليص من الرقيّة مطلقاً ، وللتخليص من كفّارات العتق في وجه قوي. والأحوط حيث لا يقصد في سبيل اللّه الاقتصار على القسمين الأوّلين ، بل على الأوّل منهما.
وهذا (القسم إن وجد ما يفي) (1) به منها أُعطي بتمامه ، وإلا أُعطي منه ما يتوقّف عليه من كلّ الثمن أو بعضه ، ويُسلّم السهم بيد المولى ؛ ولو كان في سبيل اللّه ، جاز تسليمه إليه برضا المولى.
ثمّ ما ذكر من الشروط لو قلنا بها بالنسبة إلى هذا السهم ، وإلا فلو جعل في سبيل اللّه كان فكّ الرقاب مطلقاً منها على ما سيأتي.
ولو دفع إلى المكاتَب مثلاً ، فحصل فكّه من وجه آخر ، أو أعتقه مولاه مجّاناً ، استرجع منه على الأقوى ، إلا أن يُجعل من سهم آخر. وكذا لو دفع إليه وبانَ حرّا.
ولو مات المحرّر من هذا السهم ؛ كان ميراثه للفقراء ؛ لأنّهم الأصل في باب الزكاة ، فكأنّهم أولياء نعمته.
ولو قصر السهم عن عتق رقبة تامّة ، جاز التبعيض. وفي تقديم الأكثر شدّة على غيره احتمال الإيجاب والاستحباب ، والثاني أقرب إلى الصواب ، وكذا تقديم الأعلى منزلة على غيره ، (وكذا باقي المرجّحات) (2).
وهم الغارمون ، بشرط أن لا يكون (عندهم وفاء ولو مساوياً للدّين ، ولا صنعة تفي به ، وأن يكون) (3) صرفه في غير معصية (4) من واجب أو مندوب أو مكروه أو مباح.
والناسي ، والجاهل بالموضوع ، والجاهل بالحكم مع عدم احتمال المعصية عنده ، والمجبور ، والمضطر ، لا يدخلون في العُصاة. ومن جُهل حاله ، ولم يعرف بالمعصية
ص: 180
بحكم المطيع ، سواء ادّعى الصرف في الطاعة أولا ، ولا يجب الفحص عنه.
ولو جهل الحاكم حاله فأعطاه ، وهو يعلم أنّه صرف في معصية ، حَرُم عليه الأخذ. ولو نسي حال نفسه ، جاز له الأخذ. ولو دفع سهمه إليه ، فصرفه في غير الدين ، أو إبراء الديّان ذمّته ، أو أُعطي فبانَ أنّ صرفه كان في معصية ، أو أنّه لا دين عليه ، وعلم أنّ المدفوع إليه من سهم الغارمين ، استُعيد منه (1) مع العزل ، ومع عدمه لا يؤخذ منه مع التلف وعلم الدافع ، ويؤخذ بدون ذلك ، ومع جهله يؤخذ مطلقاً.
ولو زعم المدفوع إليه أنّها هبة وتلفت ، أو كان رحماً للدافع ، حكم له. ولو كان بعد العزل والتلف ، وقامت البيّنة به ، تخيّر وليّ الفقراء بين الرجوع إلى المعطي والآخذ ، ويرجع الأخذ بغرامته على الدافع.
ولو لم يعلم المدفوع إليه بالحال ، رجع على العين مع البقاء دون التلف. ولو كان له دين ، جاز احتسابه على المدين حيّاً أو ميّتاً من سهم الغارمين ، مع الفقر في الحيّ ، وعدم وفاء التركة في الميت ، أو كان وفاء وامتنع الاستيفاء في وجه.
ولو كان له على الديّان دين ، جاز له الاحتساب من الزكاة ، وإسقاط ما على المدين.
ولو استدان لطاعة ، فصرفه في معصية ، أو بالعكس ، فالمدار على المصرف ، دون القصد على إشكال. وكذا لو كان متردّداً في الصرف.
ولو استدانَ بقصدهما معاً ، قوي التوزيع ، والأحوط الحرمان.
ولو كان المديون ذا مال ، ولم يكن عنده مال حين المطالبة ، وتعذّر عليه القرض ، قوي القول بجواز إعطائه من هذا السهم.
الشامل لجميع القُرَب ، من بناء خانات ، أو قناطر ، أو تعمير روضة ، أو مدرسة ،
ص: 181
أو مسجد ، أو إحداث بنائها ، أو وقف أرضها ، أو تعميرها ، أو وقف كُتب علمٍ أو دعاءٍ ونحوها ، أو تزويج عزّاب ، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شي ء من الات العبادة ، أو إحجاج أحد ، أو إعانته على زيارة ، أو في قراءة ، أو في تعزية ، أو تكرمة علماء ، أو صلحاء ، أو نجباء ، أو إعطاء أهل الظلم أو الشرّ لتخليص الناس من شرّهم (وظلمهم ، أو إعطاء من يَدفع ظلمهم ، ويخلّص الناس من شرّهم) (1) ، أو بناء ما يتحصّن المؤمنون به عنهم ، أو شراء الأسلحة لدفاعهم ، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين من تجهيز الأموات ، أو خدمة المساجد ، والأوقاف العامة ، أو غير ذلك من الأشياء ، فيداخل جميع المصارف ، ويزيد عليها ، وإنّما يفارقها في النيّة ؛ فلا يُعتبر في المدفوع إليه إسلام ، ولا إيمان ، ولا عدالة ، ولا فقر ، ولا غير ذلك.
ويُراد به : المسافر الّذي لا نفقة عنده ولا يقدر على الاستدانة ، وإن كان غنيّاً في محلّه.
ويُشترط جواز سفره ، بأن يكون داخلاً تحت حكم من الأحكام الأربعة ، إمّا الوجوب ، أو الندب ، أو الكراهة ، أو الإباحة. فلو كان سفر معصية لنفسه أو لغايته ، لم يُعطَ شيئاً.
ويُعطى بمقدار حاجته.
ولو أُعطي ثمّ جاءه ما يكفيه ، فالظاهر الارتجاع مع البقاء ، ومع التلف فلا رجوع.
ولو حصل له من يقرضه من المال ما يدخل عليه بسببه النقصان ؛ لنفع يُطلب منه ، أو لأخذ جنس إذا باعه بالنقد حصلت له غرامة ، فإن كان ضارّاً بحاله أو فيه إجحاف ، لم يمنع من أخذ الزكاة ، وإلا منع. وكذا لو حصل له من الصدقات ، فلم يقبل ، لم يخرج عن الاستحقاق.
ص: 182
والظاهر أنّه لا يجوز إعطاؤهم زائداً على حاجتهم ، ولو لم يكن من الزكاة ، إلا ما يخصّ سهماً من السهام استحبّ له تقديم ما فيه الرجحان. ولا تلزم فيه الخصوصيّة في الدفع ، وإن توقّف ثوابها عليها. ولو نوى سهماً فظهر غيره ، فلا بأس.
وهي أُمور :
أحدها : الإيمان ، ويتحقّق بالإقرار والاعتقاد من دون عناد باللّه ، وبالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وبالأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، من دون إنكار ضروري ، أو كُفر نعمة ، أو هتك حرمة الإسلام بقولٍ صادق أو كاذب ، أو فعل يقضي بالإهانة حتّى لو نقل كيفيّة بعض الأفعال المباحات القاضية بالاستخفاف عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلاً كفره أو بُغض من تجب ولايته ومحبّته على جميع أهل الإسلام. والجاهل والشاكّ في شي ء منها كالمنكر لها ، وضعيف الاعتقاد كقويّه.
والجاهل المطلق القاصر عقله عن الإدراك ، أو البعيد بحيث لا يمكنه الوصول والسؤال ، أو المربّي بين كفّار ونحوهم لا
يمكنه الخروج عنهم للاستعلام ، أو كان مشغولاً بالنظر حيث يقبل عذره لو اعتذر ، ليسوا من العُصاة ، ولا يُعطون من الزكاة ، في وجه قويّ. ويُشترط ذلك فيما عدا صنفين : المؤلّفة وفي سبيل اللّه.
ويكفي في ثبوت وصف الإيمان ادّعاؤه ، وكونه مندرجاً في سلك أهله ، أو ساكناً أو داخلاً في أرضهم ، ما لم يعلم خلافه. والأطفال يلحقون بآبائهم وأُمّهاتهم ، ويكفي في الإلحاق إيمان أحد الأبوين ، والجدّ القريب ، والمالك بعد حصوله في يده ، من دون (مصاحبة) (1) أحد أبويه.
ويُعطى سهم الطفل والمجنون بيد الوليّ الشرعي. وفي إلحاق البالغ المجنون بعد (كفره بأبيه) (2) المسلم إشكال.
ص: 183
ثانيها : العدالة ، ويكفي في إثباتها المظنّة الحاصلة من النظر إلى ظاهر حاله ، بحيث إذا سئل عنه من عاشَره وخالطه ، من أهل محلّته أو غيرهم ، احتسبوه من أرباب الديانات والأمانات.
وهي شرط في العاملين حيث يعطون من سهم العمالة ، وأمّا لو جعلوا بإجارة أو جعالة أو نحوهما ، فالنظر إلى الحاكم. ولا تُشترط في غيرهم ، ولا مانع من إعطائهم إلا أن يكون الحرمان مانعاً عن العصيان ، فيدخل في باب النهي عن المنكر. والأحوط مُراعاتها في سهم الفقراء ، وسهم المساكين ، ثمّ الأحوط على تقدير إعطائهم الاقتصار على غير فاعلي الكبائر ، خصوصاً شاربي الخمور.
والظاهر أنّه كلّما هانت معصيته ، كانت عطيّته أرجح. ولا شكّ في عدم اشتراطها مع الإعطاء من سهم في سبيل اللّه ، بل يتبع حصول القربة.
ويُعطى أولاد فسّاق المؤمنين ، دون الكفّار وباقي فرق المسلمين.
ثالثها : أن لا يكون واجب النفقة على المالك ، كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة الدائمة ، والمملوك ، فإنّهم لا يُعطون من سهم الفقراء والمساكين من ماله ، ويُعطون من السهام الأُخر إذا دخلوا تحت مستحقّيها. والحكم فيما عدا الأخيرين بطريق الندب وموافقة الاحتياط.
ولو كان أحدهم تجب عليه نفقة هو عاجز عنها ، كنفقة عبده أو زوجته ، أو آبائه ، أو أولاده ، جاز إعطاؤه لينفق عليهم ، وإعطاؤهم بأيديهم. والعبد لا يُعطى ، وإنّما يُعطى مولاه فيما يراد تمليكه في وجه قويّ. وكذا لو احتاجوا بعض الحوائج الضروريّة لأجل التوسعة في وجه قويّ.
ومن نذرَ ، أو عاهدَ ، أو حلفَ أن ينفق عليه بحكم واجب النفقة من الأنساب. أمّا الخادم الّذي وجبت نفقته بخدمته بمعاملة صلح أو غيره ، أو الّذي كانت الخدمة حرفة له ، فلا يجوز له الأخذ من مخدومه ولا غيره ، إلا في حوائج ضروريّة ، أو للتوسعة مع
ص: 184
دخولها في الحاجة.
ومن وجبت نفقته على الغير ، فإن كانت زوجته أو مملوكاً أو أجيراً للخدمة ، أو كانت (1) له صنعة كما مرّ لم يجز إعطاؤه ، إلا إذا وجبت عليه نفقة آخر وعجز عنها ، أو لزمته حاجة ، أو جاءه ضيف يلزمه إكرامه ، أو ضاق عليه أمر فأراد التوسعة.
وإن كان من الأنساب ، أو وجب بالنذر ونحوه ، فالجواز مطلقاً قويّ ، والأحوط الترك فيما عدا المستثنى. والزوجة الناشز حكمها في المنع حكم غيرها ، وكذا العبد الابق ، والأجير الممتنع.
ويجوز إعطاء زكاة الزوجة ، والأجير ، والمنذور له ، وشبهه للزوج ، والمستأجر ، والناذر ، ونحوه مع استحقاقهم.
ولو نذر ما وجب عليه من زكاة وغيرها ممّا يعود أمره إليه لشخصٍ ، لم يجز إعطاؤها لغيره ، ولو أعطاها لم تحتسب له.
وتُعطى زكاة القريب لقريبه ما لم يكن واجب النفقة ، بل هو أفضل من غيره ، سواء أدخله في عياله أو لا. ولو أخذ واجب النفقة زكاة أو غيرها من الحقوق بحيث حصلت له الكفاية ، سقط وجوب الإنفاق عليه من جهة القرابة. ومن أخذ للتوسعة أو لبعض الحوائج فاكتفى بها ، سقطت بذلك نفقته أيضاً.
رابعها : الحرية ، فلا يُعطى مملوك من سهم الفقراء ؛ لأنّه لا يملك شيئاً ، ويُعطى من سهم في سبيل اللّه مع رضا مولاه ، ومع عدم رضاه واضطرار العبد يدفعها حاكم الشرع إليه. ولو كان مولاه عاجزاً عن نفقته ، وكان فقيراً ، أخذها لنفسه ودفعها إليه. ولو أُريد تعيّنها للعبد ، جعل دفعها إليه مشروطاً على المولى ، ولزم ذلك على الأقوى.
ولو دفعت حصّته إلى المبعّض ، صحّ منها ما قابل الجزء الحرّ ، وكان الباقي بحكم
ص: 185
المدفوع إلى العبد. ولو قبض حرّا فعاد رقّاً ، ملكها وصارت لمولاه مع بقائها إلى حين الرقيّة.
خامسها : أن لا يكون هاشميّاً من ذريّة هاشم بن عبد مناف إذا أخذها من غير هاشمي. وأمّا من كان من ذريّة أخيه المطّلب فكسائر الناس.
وذريّة هاشم مخصوصة بذرية عبد المطّلب وأولاده على ما نقل الصدوق أحدعشر (1). وذريّة عبد المطلب مُنحصرة من بين أولاده بذريّة أبي طالب ، وأبي لهب ، والعبّاس ، والحارث. والمعلوم منهم اليوم ذريّة أبي طالب عليه السلام ، وذريّة العبّاس.
ويعمّ المنع سهم الفقراء ، والمساكين ، والعاملين غير المستأجرين ، والغارمين ، وأبناء السبيل. وأمّا سهم ( الْمُؤَلَّفَةِ ) و ( فِي الرِّقابِ ) مع فرضهما بارتداد الهاشمي ، أو كونه من ذريّة أبي لهب ، ولم يكن في سلسلة مسلم ، والحاجة إلى الاستعانة به (2) ، وبتزويجه الأمة واشتراط رقيّة الولد عليه على القول به وفي سهم سبيل اللّه ، فعلى تأمّل.
ويجوز إعطاؤهم من الصدقات المستحبّة والواجبة عدا الزكاة المفروضة (3) ، والأحوط الترك ، ولا سيّما في الأخير. ويجوز لهم الأخذ من الزكاة إذا قصر الخمس عن كفايتهم ، واشتدّت حاجتهم ، ولا تقدّر بقدر على الأقوى. والأحوط الاقتصار على ما تندفع به الضرورة.
ويثبت النسب بالشياع بما يُسمّى شياعاً ، أو قيام البيّنة. والظاهر الاكتفاء بادّعائه أو ادّعاء آبائه لها ، مع عدم مظنّة الكذب ، والأحوط طلب الحجّة منه على دعواه. أمّا ادّعاؤه في الفقر فمسموع.
ص: 186
وحكم الادّعاء للنّسب الخاص ، كالحسنيّة ، والحسينيّة ، والموسويّة ، والرضويّة ، حكم الادعاء للعام. ولا مانع من إعطائها لموالي بني هاشم من عتقائهم ، وخدّامهم.
ومن انتسب إلى هاشم بالأُمّ (1) لا يلحق ببني هاشم ، فله من الزكاة كما لغيره. ومن جهل نسبه وجهلته الناس أيضاً كاللّقيط مثلاً يأخذ من الزكاة ، لا من الخمس ، والأحوط تجنّب ما عدا زكاة الهاشمي.
ولبني هاشم أخذ الزكاة بهبة ونحوها ممّن أخذ منها ، والتصرّف في الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل اللّه.
يجوز للمالك أو وليّه أو وكيله الإخراج ، ولا يجب حملها إلى الإمام ونائبه الخاصّ مع عدم طلبه ، ولا إلى الفقيه الجامع للشرائط مطلقاً مع عدم الاستدعاء ، على الأقوى فيهما. والأحوط ذلك خروجاً من خلاف المفيد ؛ (2) والحلبي ؛. (3) ويُستحبّ تحويل أمرها إلى الإمام ، ونائبه الخاصّ أو العامّ.
ولا يجب بسطها على الأصناف الثمانية ، ولا التعميم في صنفٍ منها. نعم يُستحبّ البسط على الأقوى ، ويجوز ترجيح بعض المستحقّين على بعض بجهة مرجّحة ؛ (4) وبدونها. ويُستحبّ مع وجود المرجّح ، من حاجة ، أو علم ، أو تقوى ، أو رحم ، أو جوار ، أو صداقة ، أو نحوها. وينبغي أن لا يُخصّ بها الأرحام ، بل يجعلها بينهم وبين باقي المسلمين ، وأن يخصّ المتجمّلين بصدقة المواشي ؛ لأنّها أعزّ لهم ، وغيرهم بصدقة النقدين والغلّات.
ولا يجوز تقديم الزكاة على وقتها ، إلا على وجه القرض ثمَّ إن بقي المقترض على
ص: 187
حاله من القابلية لأخذها ، جاز احتسابها عليه ، وأخذها منه. ولا فرق بين أن يحصل له الغني أو لا ، وإن حصل له الغنى من أرباحها ، أو من خارج ، أو خرج عن القابلية من وجهٍ آخر ، استُعيدت منه.
وتجب المبادرة بإعطائها حين حلول وقتها على نحو مبادرة الأداء للغريم المطالب. ويجوز التأخير شهراً أو شهرين أو ثلاثة مع عزلها ، وطلب الأفضل. ولو لم يجد المستحقّ عزلها ، وانتظر حصوله. ولو أخّرها من غير عذر ضمنها. ولو فقد المصرف ، وتعذّر النقل عزلها ، وأوصى بها. والأحوط صرفها حينئذٍ في سبيل اللّه من مصارف القربات ، ولا تقف على حدّ.
ولا يجوز نقلها لغير المجتهد إلى مواضع بعيدة ، مع وجود المستحق في البلد ، أو موضع قريب منها. ولو أخرجها ونقلها لفقد المستحق ، وعدم مصرف آخر في البلد ، فلا بأس ، ولا ضمان مع التلف.
ولو نقلها إلى بعض المواضع القريبة مع وجود المستحقّ جاز ، وعليه ضمانها مع التلف ، ما لم يكن مجتهداً أو مأذوناً منه. ولو عصى وأخرجها في غير صورة الجواز ووصلت إلى أهلها ، أجزأت.
والأفضل صرفها في البلد ، مع فقد المرجّحات في الخارج ، بل إلى خصوص أهل البلد.
ويجوز التسليم بيد المستحقّ ، وبيد وكيله ، أو وليّه. وللمجتهد أن يدفع عن الغائب (وأن يقبض عن الغائب) (1) ، وأن يبدّل الصنف المستحقّ بغيره (2) مع مراعاة المصلحة ، وأن يسقط شيئاً منها عوض نقل أو محافظة أو غيرها ، وأن ينقل زكاة إلى مستحقّ الخمس وبالعكس بطريق المعاوضة مع المصلحة على إشكال.
ويجوز الأكل من مالٍ فيه زكاة غير مضمونة بقصد الاستنقاذ ، وتسليم قيمتها إلى المجتهد. وما يُعطى للمولّى عليه لا يُسلّم إلا إلى وليّه أو المأذون من وليّه ، ولو سلّم بيده
ص: 188
فأتلف لم يضمن ، وعلى المالك دفعها مرّة أُخرى.
ولو دفع إلى وكيله زكاة أو نحوها ليفرّقها ، وكان مستحقّاً لها ، لم يجز له أن يأخذ منها سهماً ، إلا إذا علم بالفحوى إذنه بالأخذ لنفسه ، فيجوز (1) أخذ ما تقضي الفحوى بجوازه ، ويستحقّ أُجرة على عمله إن لم يعلم أنّ قصده العمل تبرّعاً ، كما تقضي به العادة في هذه الأزمان ، ولو شرط الأُجرة فلا بأس ، إلا أن يكون مجتهداً ، فالأحوط له التبرّع.
فلو مات ولم يؤدّ زكاته ، أُخرجت من أصل ماله ، كالديون ، أوصى بها أو بعدمها أو لم يوص. ولو جهل حاله في الإيصال وعدمه ، فلا يجب الإخراج.
ويجوز أن يعطى الفقير من الزكاة كثيراً أو قليلاً ، نقص عمّا يجب في النصاب الأوّل من النقدين أو الثاني ، أو لا. والأحوط أن لا ينقص عمّا يجب في النصاب الأوّل من نصف دينار أو خمسة دراهم ، وأدنى منه في الاحتياط أن لا ينقص عمّا يجب في النصاب الثاني من النقدين من درهم أو قيراطين.
ولو اجتمعت في واحد أسباب متعدّدة من وجوه الاستحقاق جاز إعطاؤه من كلّ الجهات المجتمعة.
والأقوى في العبد المشترى من الزكاة أنّ ميراثه للفقراء ، ترجيحاً لسهمهم على باقي السهام.
ولو عيّن المجتهد الشراء من سهم الفقراء مثلاً دون المساكين أو بالعكس ، قوي اختصاص الإرث بذلك الصنف. ولو جعل وقفاً خاصّاً من سهم سبيل اللّه. فميراثه للموقوف عليهم ؛ وفي الوقف العام يقوى القول بأنّ ميراثه للإمام ، ورجوع ميراثه للموقوف عليهم غيرُ خالٍ من الوجه.
ويُستحبّ الإعلان بإخراج الزكاة واجبة أو مندوبة من الّذي يقتدي به الناس ، حتّى ينبعثوا على أدائها ، ويرغبوا في إعطائها ، ولو لم يكن كذلك ، فإن كانت مفروضة ،
ص: 189
رجّح إظهارها ، أو مندوبة رجّح إسرارها.
وينبغي للدافع زيادة الشكر لله على ما أجرى على يده هذه العبادة العظيمة ، وجعل الناس محتاجين إليه ، ولم يجعله محتاجاً إليهم ؛ وللأخذ الشكر له على ما جعل له من يعينه على دنياه ، والدعاء للمالك ، والشكر له في مقابلة إحسانه ، وأن يقتصر في مصارفه على مقدار حاجته ؛ ليكون الفاضل من بعد أخذه للإخوان ، أو لبعض أسباب الرجحان. وهذه السنن جارية في الأخماس ، والزكوات ، وسائر الصدقات.
وسُمّيت بذلك لتأثيرها في الخُلُق ، أو في الدين ، أو في الصوم ، أو في المركّب من الاثنين والثلاثة ، ولكلّ وجه ، وله أثر. ووجوبها مقطوع به. والكلام فيها في مقامات :
الأوّل : التكليف ، فلا تجب على الصبي ، والمجنون المطبق ، والأدواري إذا صادف وقت ابتداء الخطاب ، ووقت الجنون ، ولا تُستحبّ لهما.
الثاني : عدم الإغماء ، فلو كان مُغمى عليه ابتداء وقت الخطاب ، لم تكن واجبة ولا مندوبة.
الثالث : الحريّة حين ابتداء الخطاب ، فلا تجب ولا تُستحبّ للمملوك ، قنّاً كان أو مكاتباً ، مطلقاً أو مشروطاً أو مدبّراً أو أُمّ ولد ، مُبعّضاً أو لا. والأحوط أن يؤدّي هو عن الجزء الحرّ ، والمولى عن الجزء الرقّ ، ويوزّع بالنسبة.
الرابع : الغنى ، وهو من شرائط الوجوب ، كما أنّ ما سبق من شرائطه وشرائط الصحّة. ويحصل بملكه مئونة السنة لنفسه وعياله الواجبي النفقة شرعاً أو عُرفاً ،
ص: 190
فلا تجب على الفقير وإن استحبّت له ، ملكَ صاعاً بعد قوت يوم وليلة أو لا ، ملكَ عين نصاب تجب فيه الزكاة أو لا ، ملك قيمة النصاب أولا.
والضابط : أنّ كلّ من جاز له أخذها لفقره لم يجب عليه إعطاؤها. وتحقيق معنى الفقر تقدّم في حكم زكاة المال.
يجب على كلّ مكلّف جامع لشرائطها صائماً شهر رمضان أو لا إخراجها عن نفسه ، وعمّن يعوله ، مع صومه أو إفطاره ، عالماً بعيلولته ، مختاراً فيها ، في المأكول والمشروب كلّا أو غالباً ، بحيث يُسمّى مُعيلاً ، فرضاً أو نفلاً ، راجحاً أو مباحاً أو مرجوحاً ، ما لم يكن محرّماً.
والأحوط إعطاؤها عمّن يعوله (1) مسلماً أو لا ، مؤمناً أو لا ، قريباً أو لا عيلولة تكليفية تبرّعية فقط. فلو عالَ من غير طلب وجبت ، ولو لم يعُل لم تجب. وإن وجبت ، بقي الوجوب كما في الزوجة المطيعة إذا قصّر ولم يعُلها ، أو ارتفع كما في الناشز ، فلا تجب عن الزوجة والعبد والإباء والأولاد ما لم يعُلهم.
ولو وفد عليه وافد ، فإن أدخله في العيال ، ولم يذُق شيئاً ، وجبت وإن لم يقصد عيلولته. وأمّا الضيف ، فالظاهر لزوم فطرته بمجرّد الضيافة ، وليس المدار على الأكل ، فلو لم يأكل ، أو قاءه من حينه ، جرى عليه الحكم. والداخل غصباً ليس بضيف. والخادم إذا أُخذ أجرته وقام بنفسه. لم يلزم من جهته شي ء ، ولو كان تعيّشه من المخدوم تبرّعاً أو شرطاً ، كانت فطرته عليه.
والعبد المشترك بين جماعة ، وكلّ من تعدّد المعيل به ، إن تبرّع أحدهم بالإنفاق عنه أجزأ ، وإن قاموا بها جميعاً سقطت في وجه ، والأقوى وجوب قيامهم بها على نسبة الحصص. أمّا من كانت نفقته شيئاً من نفسه وشيئاً من غيره فعلى نفسه.
ص: 191
وفطرة العبد في زمن الخيار على من له العبد.
ولو عالَ أحداً ندباً ، تبرّعاً من قرابة أو أجنبي ، أو وجوباً كزوجة موسرة ، فالزكاة على المعيل ، وليس على المعال شي ء. ولو امتنع المعيل عن الأداء ، وجب على المعال على الأقوى ؛ ولو جهل الحال ، فلا شي ء على المعال.
وكلّ من فقد المانع من تعلّق الزكاة قبل غروب الحمرة المشرقية من ليلة هلال شوّال ، ثمّ استمرّ على حاله إلى ما بعد المغرب ، ولو بجزء من الزمان جامعاً للشرائط ، تعلّقت به الزكاة ، فمن بلغ ، أو أسلم ، أو أعتق ، أو صحا من الإغماء وجبت عليه. وكلّ من دخل فيمن يُزكّى عنه كذلك وجبت الزكاة عنه ، كالمولود قبل الغروب ، والضيف الوافد كذلك.
ولو دخل بعض العيال من ضيف أو غيره في عيال آخر قبل الغروب ، واستمرّ إلى ما بعده ، وجبت فطرته على الثاني. فالمدار إذن على الانضمام إلى العيال ، لا على كونه عيالاً. ويُستحبّ الأداء عن كلّ من دخل في العيال أو انضمّ إليهم قبل صلاة العيد ، بل قبل الزوال في أقوى الأقوال.
وكلّ من شكّ في ارتفاع مانعه قبل الوقت المعلوم لم تجب فطرته. ومن شكّ في حدوث مانعه بنى على عدمه. (وكلّ من غاب عنه من تجب فطرته بنى على بقائه) (1) وأدّى عنه ، عبداً كان أو غيره. ولو غابَ المعيل ، أدّى عن عياله حيث كان. ولو وكّل أحدهم في التأدية عنه وعنهم فلا بأس. وكذا لو وكّل أجنبيّا ، وتُعتبر العدالة في الوكيل أو حصول الاطمئنان بفعله.
ويُستحبّ للفقير تأديتها إذا لم تضرّ بحاله. وأدنى من ذلك في الفضل أن يكتفي بإدارة ما يلزم للرأس على عياله ، كلا أو بعضاً ، مديراً على الجميع ما يلزم للرّأس الواحد ، أو على كلّ اثنين أو كلّ ثلاثة وهكذا ويزداد النفع في الآخرة بمقدار زيادة الدفع ثمّ يدفع المدار إلى المستحقّين. وأدنى من ذلك أن يرد بعد تمام الدور إلى بعض
ص: 192
السابقين ، وإذا كان بعض المدار عليهم من الأطفال ونحوهم ، فالأحوط إنفاق الوليّ ما يقابله مضاعفاً بمقدار عددهم عليهم.
والأقوى فيه أنّ المدار على القوت المتعارف في مكان الإخراج ، حنطةً كان ، أو شعيراً ، أو تمراً ، أو زبيباً ، أو أُرزاً أو ذرّة ، أو أقطاً (1) ، أو لبناً ، أو ثمر البلوط ، أو سمكاً ، أو نحوها : والأحوط الاقتصار على سبعةٍ : التمر ، والزبيب ، والحِنطة ، والشعير ، والأرز ، والأقط ، واللبن. وأحوط منه الاقتصار على خمسة : الأربعة الأُوَل مع الأقط. وأحوط منهما الاقتصار على الأربعة الأُوَل.
والظاهر أنّ الأربعة الأُوَل تجزي مع غلبتها وندرتها. وما عداها بشرط غلبة القوت. وما عدا الغالب بالقيمة (2) لا بعينها.
ولو تعدّدت أفراد القوت تخيّر ، ويجزي أن يخالف بين أفراد الأنواع مع اختلاف الرؤوس ، فيُعطي عن كلّ رأس من نوع ، ولا يعطي من نوعين عن رأس واحد إلا مع احتساب القيمة. وكذا ما كان من الدقيق أو الخبز ، وما كان خارجاً عن الأقوات. وإخراج التمر أفضل ، ثمّ الزبيب ، ثمّ ما كان أغلب قوتاً. ولو علم زيادة انتفاع الفقير بنوع خاص أو بالقيمة ، كان أرجح.
وهو صاع بصاع النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، عبارة عن تسعة أرطال عراقية ، وقد تقدّم بيانها. والمقادير بحسب الوزن في النجف مختلفة ، فبناءً على أنّ الأوقية بالعيار العطاري خمسة وسبعون مثقالاً صيرفيّاً يكون حقّتين وأربعة عشر مثقالاً
ص: 193
وربعاً. وبعيار البقالي حيث إنّ المشهور أنّ الأوقية مائة مثقال صيرفيّة يكون جاركا وأربعة عشر مثقالاً وربعاً ، فالصاع ستمائة مثقال صيرفي وأربعة عشر مثقالاً وربع.
وبالمنّ التبريزي القديم : وهو عبارة عن ستمائة مثقال صيرفية منّ وأربعة عشر مثقال وربع. وبالمنّ التبريزي الجديد العطّاري : وهو عبارة عن ستمائة مثقال وأربعين مثقالاً صيرفيّاً منّ إلا خمسة وعشرين مثقالاً وثلاثة أرباع المثقال ، وبالجديد البقالي : وهو عبارة عن ستمائة مثقال صيرفي وثمانين مثقالاً منّ إلا ثمن منّ وخمسة عشر مثقالاً وثلاثة أرباع مثقال عن كلّ رأس.
ولو كان شخصان على حَقوٍ (1) واحد دفعا صاعين ، ويجوز الدفع من أيّ نوع كان من الأنواع السابقة. ولو دفع الأعلى مساوياً بالقيمة ، جاز احتسابه بضعفه من الأسفل ، وبدون المساومة لا يحتسب إلا على نحو احتساب الأسفل.
والمدار على المسمّى في المدفوع ، لا على خصوص ما يُؤكل منه ، فنوى التمر ونخالة الشعير دون قشور الأرز مثلاً داخلان في التقدير. ويدخل التبن والتراب والشعر والرمل ، ونحوها ما لم يكن فاحشاً. وإدخال شي ء منها لإتمام الوزن لا وجه له. والأحوط إضافة ما قابل الخليط من النوع المطلوب ، وإعطاؤه ، أو تقويمه صافياً إذا أُريد دفع القيمة.
والحمل على أرطال المدينة فيكون صاعاً ونصفاً ، أو مكة فيكون عبارة عن صاعين بعيد كلّ البعد.
والمُعتَبرُ في القيمة حين الدفع في مكانه ، لا حين التعلّق.
وتُعرف القيمة بالشياع ، أو بتقويم عدلين ، أو عدل واحد على الأقوى. ولو اختلف المقوّمون أُخذ بالراجح ، ومع التساوي والاشتباه يؤخذ بالأكثر. وفي الاكتفاء بتعيّن القيمة حين الضمان بحث. والفروع كالمخبوز ، والمطبوخ ، والعنب ، والبسر ، ونحوها تُحسب بالقيمة مطلقاً.
ص: 194
أمّا مبدأ وقت الوجوب فهو غروب الحمرة المشرقية ، وبه يدخل شوّال ، على أصحّ الأقوال. والمدار في ذي العيال على المعيل لا المعال ، فلا يجوز دفعها قبل ذلك على أنّها فطرة.
ولو دفعت قرضاً فحسبت فطرة بعد دخول الوقت مع بقاء المقترض على صفة القابلية جاز. ولو عدل فأراد الردّ منه والإعطاء لغيره ، كان له ذلك.
ولو ذهبت قابليّته ، استعادها وأعطاها ، أو أعطى بدلها. ولو دفعها زكاة مع علمه بعدم الجواز ، مشتبهاً كان أو لا ، كان له الردّ ، مع بقاء العين دون التلف.
ومع العزل يستوي الحالان في جواز الردّ ، ولكن يتولاها المجتهد بعد خيانته. ولو لم يعلم الأخذ بالقرض ، لم يجز الاحتساب إلا مع بقاء العين.
وأمّا منتهى وقت وجوب الإخراج : فهو الدخول في صلاة العيد ، قدّمها عند طلوع الشمس ، أو أخّرها إلى قرب الزوال ؛ وإن لم يصلّها ، فإلى الزّوال.
ولو أخّرها عن الصلاة ، فظهر فساد الصلاة ، جاز دفعها. ولو فات الوقت ، فلا قضاء لها ، وإنّما تُعطى صدقةً.
هذا إذا لم يعزلها ، فإن عزلها جاز له تأخيرها ؛ وإن عزل بعضها ، جاز له تأخير المعزول ، وكانت زكاة. ومع العزل تكون أمانة يجب حفظها ، فلو أتلفها أو فرّط فيها ضمن.
ولو سلّمها إلى المجتهد ، أو نائبه بَرِئ منها ، وأتى بالرّاجح ، وخرج عن محلّ الخلاف.
ومع وجود المصرف تجب المبادرة إلى تسليمها ، إلا أن يؤخّرها لحكمة ، فيجوز التأخير حيث لا يدخل في الإهمال والتهاون.
أمّا الأول ؛ فمصرفها مصرف الزكاة الماليّة. والأحوط إخراج المؤلّفة والعاملين منها
ص: 195
وإعطاء الباقين ، وأحوط منه الاقتصار على الفقراء والمساكين. ولا تُعطى زكاة غير الهاشمي إلا لمثله أو لهاشميّ مضطر. وزكاة الهاشميّ تُعطى لمثله ولغيره. وقد مرّ في الزكاة المالية ما يغني عن الإطالة.
وأمّا الثاني ؛ فالظاهر أنّه لا يجوز إعطاء أقلّ من صاع أو قيمته للفقير ، إلا إذا تعذّر ، كأن تلف منه شي ء بلا تفريط ، أو تعدّدت الملّاك للعبد مثلاً ، فلزم كلّ واحد بعضُ صاع. والأحوط أن يجمعوا ممّا لزمهم مقدار صاع إذا أمكن ثمّ يدفعونه ، ومع النقص عنه يلحظ ما هو الأقرب إليه في وجه قويّ. ويُستحبّ حملها إلى الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ. والقول بالوجوب ضعيف.
وتُشترط فيها النيّة كما تُشترط في سائر العبادات. وقد مرّ الكلام فيها بما يغني عن الإعادة. والمتولّي للنيّة المالك أو وكيله إذا دفع إلى الفقراء أو غيرهم من المصارف ، وكذا إذا دفع إلى المجتهد ، وليس على المجتهد نيّة ، حتّى لو أوصلها إلى محلّها من غير نيّة كفى إن قبض بولايته ، لا بوكالته.
والاكتفاء بالنيّة وقت العزل دون الدفع أقوى ، وذلك جارٍ في جميع ما يتولاه المجتهد ويقع فيه العزل.
ولو وجبت على حيّ أو ميّت زكاة مال أو خمس ، ولم يمكن الجمع بين الفطرة وبينهما ، احتمل التوزيع بالحصص ، وتقديمهما عليها ؛ لقوّة وجوبهما.
ولو عزلَ الفطرة ثمّ امتزَجَت بماله ولم يضمنها ، حرُمت تصرّفاته ، كغيرها من الحقوق المعزولة.
ولو اجتمعت فطرة إذا أُعطيت للفقير أغنته أو زادت على غناه ، جازَ دفعها دفعة واحدة.
ولو دفع شيئاً من جنس فظهر ناقصاً ، لم يجز إتمامه إلا من ذلك الجنس.
ولو خرج معيباً ، جاز إعطاء الأرش من جنس آخر على إشكال.
ص: 196
ويُستحبّ فيها ملاحظة الرجحان من جهة الرّحم ، أو الجوار ، أو الفضيلة ، أو الصلاح أو الأحوجيّة ، وهكذا.
وهو واجب في الجملة ، بالضرورة من الدين على نحو وجوب الزكاة ، والحكم في تركه مثله في تركها ، وفيه بحثان :
وهو سبعة أُمور : غنائم دار الحرب ، والمعادن ، والكنوز ، والغوص ، والمكاسب ، وأرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم ، والحرام المختلط بالحلال.
ولا يجب في غير ذلك ، من هبة ، أو هدية ، أو صِلة ، أو خمس ، أو زكاة ، أو صدقة مندوبة ، أو مملوك (1) بوصيّة ، أو التقاط ، أو نماء وقف ، أو ربح ، أو زيادة في عين أو قيمة من غير قصد الاكتساب فيها ؛ فلو اشترى داراً ، أو أرضاً ، أو بستاناً ، أو حمّاماً ، أو دكّاناً ، أو ثياباً ، أو ظروفاً ، أو فراشاً ، أو حيواناً ، لا للاكتساب ، فزادت قيمته ، أو ظهر نماؤه ، فلا خُمسَ فيه ؛ ولو قصد الاكتساب به ولو بالأخرة فزاد بعد ذلك ، دخل في حكم المكاسب على الأقوى.
ولو شراه بقصد الاكتساب ، ثمّ عدل إلى قصد القنية (2) قبل ظهور الربح ، خرج عن المكاسب. ولو قصد الاكتساب بالنماء دون المثمن (3) ، دخل النماء في المكاسب ، دون زيادة المثمن. وطريق الاحتياط غير خفيّ.
وينحصر البحث في سبعة مقامات :
ص: 197
كلّما أُخذ من الكفّار الحربيّين من محمول ، وغير محمول ، أرض أو غيرها ، ولم يكن مغصوباً من مسلم ، أو ذميّ ، أو معاهد ، أو معتصم بأمان ، أو عهد بجهاد وعسكر مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ؛ أو الإمام ؛ أو منصوبهما ، أو بإذنٍ من أحدهما ، ففيه الخمس. ومن الغنيمة فدائه المشركين ، وما صُولحوا عليه.
وأمّا ما أُخذ بسرقة أو خدعة ، بمعاملة أو بحيلة ، أو دعوى باطلة ، أو باسم الربا ، أو نحو ذلك ، فهو لأخذه ، وفيه الخمس على الأصحّ.
وما أُخذ بالنحو الأوّل من غير إذن الإمام فالكلّ للأئمّة عليهم السلام.
وقد أحلّوا سلام اللّه عليهم جميع ما هو مختصّ بهم من الأنفال أو مشترك بينهم وبين ذراريهم من الخمس لشيعتهم الاثني عشرية ، من عقارات ، أو مملوكين ، أو مملوكات ، أو أجناس ، أو نقود ؛ تملّكوها بهبات أو بمعاوضات أو بغيرها من المملكات ، من الغاصبين لحقوق الأئمّة الهُداة ، أو ممّن تفرّع عليهم ، وانتقل إليه لبعض الجهات. ومن حلّل منهم عليهم السلام حقّهم كلا أو بعضاً لشيعتهم كلّ أو بعض ، مضى تحليله.
والظاهر أنّ ما حواه العسكر من البُغاة عن إذن الإمام يُخرَج منه الخمس أيضاً.
وما كان من أموال المخالفين وغيرهم ممن لا يرى رأي الإماميّة ممّن لم ينصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام لا يجوز أخذه. بل يجري عليهم أحكام المسلمين في الدنيا. وأمّا من نصب العداوة لأحدهم عليهم السلام ، فقد ورد في بعض صحاح الأخبار إلحاقهم في إباحة المال وإخراج الخمس بالكفّار (1) ، غير أنّ إلحاقهم بهم في غير حكم النجاسة ، ممّا اضطربت فيه الأفكار. وتنزيل الناصب فيها على الكفّار كما ذكره الحلّي (2) وجه وجيه.
ص: 198
الأوّل : ما يُستحلّ به المال ، وتُسبى به النساء والأطفال ، وهو كفر الإنكار ، والجحود ، والعناد ، والشكّ في غير وقت النظر مقدّراً بأقلّ قدر في حقّ الملك الجبّار ، أو النبيّ المختار صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو المعاد مطلقاً. وكفر الشرك بإثبات إله آخر ، أو نبيّ آخر ، مع إثبات ما عداها وبدونه (1).
القسم الثاني : ما يُحكم فيه بجواز القتل ، ونجاسة السؤر ، وحرمة الذبائح ، والنكاح من أهل الإسلام ، دون السبي والأسر وإباحة المال ؛ وهو كفر من دخل في الإسلام ، وخرج منه بارتداد عن الإسلام ويزيد الفطري منه في الرجال بإجراء أحكام الموتى أو كفر نعمة من غير شُبهة ، أو هتك حُرمة ، أو سبّ لأحد المعصومين عليهم السلام ، أو بغض لهم (2) ، أو بادّعاء قِدَم العالم بحسب الذات ، أو وحدة الوجود أو الموجود على الحقيقة منهما ؛ أو الحلول ، أو الاتحاد ، أو التشبيه ، أو الجسميّة ، أو المحلّيّة للأعراض والأحوال أو (3) المكان على نحو الأجسام فيهنّ ، أو الرؤية على نحو المرئيّات ، أو الزوجة ، أو الوالد ، أو الولد ، أو النسب ، أو تفويض الخلق إلى بعض المخلوقات ، أو الوعيد ، أو إنكار الشفاعة ، أو عدم عود الأجسام ، أو عدم تأليم جهنّم ، أو إنكار وجوب الصلاة اليوميّة ، أو الطهارة لها ، أو الصوم ، أو الزكاة ، أو الخمس ، أو الحجّ ، ونحوها من ضروريّات الدين ، مع عدم السبق بشُبهة ، ولكن مع انتحال الإسلام.
القسم الثالث : كفر النفاق ، وهو عكس الجحود ، ويجري عليه أحكام الإسلام ، ما لم يظهر الخلاف ، فيخرج عن ظاهر الإسلام ، ويلحق بالقسم الثاني.
والظاهر أنّ إخراج الخمس من الغنيمة بعد المؤن والسلب والجعائل وما يرضخه (4)
ص: 199
الإمام للنساء والعبيد والكفّار وإن قاتلوا مع المسلمين ، ولا نصاب هنا.
جمع معدن ، من عَدَنَ ، أي أقام ، لإقامة ما يحمل منه فيه ، أو لإقامة الناس فيه لأخذ ما فيه. وهو هنا ما كان من الأرض ، وخرج عنها في الجملة لخصوصيّة فيه.
وهي جامدة منطبعة ، كالنقدين ، والحديد ، والرصاص ، والصفر ، ونحوهنّ ؛ وغير منطبعة ، كالياقوت ، والعقيق ، والفيروزج ، والبلور ، والكحل ، والملح ، واللؤلؤ ، والمرجان ، والمغرة ، والأحوط إلحاق النورة ، وطين الغسل ، وحجارة الرحى والملاحة ، وحجر النار ، ونحوها ؛ ومائعة ، كالقير ، والنفط ، والكبريت ، ونحوها.
وإنّما يجب إخراج الخمس فيها بعد وضع المصارف ، وحصول أوّل نصابي الزكاة على الأصحّ فيهما. والأحوط اعتبار الدنانير هنا.
ولا يُشترط إخراج النصاب دفعةً ، بل يجب مع التعاقب ، وإن حصل بين الدفعات إعراض.
ولو اشترك جماعة في إخراج معدن ، اعتُبر النصاب في نصيب كلّ واحدٍ منهم. ولو كان في البين حائز وناقل وسابك ، اختصّ به الحائز مع اشتراكهم في النية ، والناقل دون السابك مع اشتراكهما فيها دون الحائز ، واختصّ السابك مع خلوّهما عنها ، وكان للنّاقل المأمور الأُجرة ، إلا إذا قصدوا الشركة بتوكيل بعضهم بعضاً ؛ فإنّه يوزّع عليهم جميعاً.
ولا يصحّ إخراج الخمس من تراب المعدن ؛ لقيام احتمال الاختلاف. ولو علم التساوي أو زيادة المدفوع على الحقّ ، لم يجز أيضاً ؛ لأنّ الظاهر أنّ الخمس إنّما يجب بعد ظهور الجوهر.
ولو وجد معدن في أرض مملوكة فهو للمالك ، وفي المباحة للواجد.
ولو بلغ النصاب حين الأخذ ، ثمّ نقصت قيمته عنه أو بالعكس ، فالمدار على حين الاستنباط. ولو حصل النصاب من معادن متعدّدة ، وجب الخمس.
ص: 200
ولو وجد شي ء من المعدن مطروحاً في الصحراء فأُخذ فلا خمس. وفيما يحتاج إلى العمل من التراب كالتربة الحسينيّة ، والظروف ، وآلات البناء لوجوب الخمس فيه وجه.
وما شكّ في معدنيّته فلا شي ء فيه.
ولو حصل شي ء قليل منه في مكان ، فاستنبط مرّة بمقدار النصاب ثمّ انقطع ، ففي دخوله في حكم المعادن إشكال. ولو جعل ما أخذ من المعدن مكسباً ، وجب في ربحه ، مع جمع شرائط (1) الخمس.
ويجب الخمس في العنبر ، قيل : هو روث دابة بحرية (2). وقيل : ينبع من عين (3). وقيل : يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه حيوان إلا مات ، ولا ينقره طائر إلا وقع فيه منقاره ، وإذا وضع رجله فيه سقطت أظفاره (4). وقيل : جماجم تخرج من عينٍ في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال (5). وقيل : نبات في البحر (6). وقيل : يقذفه بعضُ دوابّ البحر لسمّيته بعد أن يأكله لدسومته فيطفو على الماء ، فيقذفه إلى الساحل (7). والأقوى لزوم البناء على الصدق عُرفاً. ويقوى اعتبار نصاب المعادن فيه. والأحوط عدم اعتبار النصاب فيه.
والكنز : المال المذخور تحت الأرض. والمراد ما كان من النقدين مذخوراً بنفسه ، أو بفعل فاعل. وهو لواجده ، وعليه إعطاء خُمسه بعد المصارف ، مع بلوغه حدّ النصاب الأوّل في زكاة النقدين ، عشرين ديناراً ، أو مائتي درهم. ومع وجدانه في
ص: 201
أرض الكفّار الحربيين ، سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا ، وسواء كان في أرض مملوكة أو دار مملوكة لهم ، أو لا ، أو وجد (1) في أرض المسلمين ولم تكن مملوكة لأحدهم من الأصل ، أو ملكت فصارت خربة ، وذهب عنها أهلها ، أو كانت مملوكة ولم يعرفها من عُرف من أصحابها ، ولم تكن عليها سكّة الإسلام.
أمّا لو كان لها أهل ملكوها بغير الإحياء ، أو به مع مضيّ مدّة يمكن فيها كونها لهم جميعهم أو بعضهم ، فهي للمدّعي منهم من غير يمين ، تعدّد أو اتّحد. ولو تنازعوا بينهم ، جرى عليهم حكم التداعي.
وقول المالك مُقدّم على قول المستأجر ، إلا إذا استطالت مدّة المستأجر وظهر أنّها ليست للمالك. ولو انفرد المستأجر بالدعوى سمع قوله على الأقوى. ولو تعدّد المستأجرون ، اشتركوا فيها كالملاك. ولو تنازعوا ، رجع أمرهم إلى التداعي.
وإذا كانت في أرض المسلمين غير مملوكة ، أو مملوكة ولم يعرفها المالك ، وكانت عليها سكّة الإسلام ، فحكمها حكم السابقة ، غير أنّ الأحوط إجراء حكم اللقطة عليها ، يعرّف منها ما يجب تعريفه في اللقطة ، ويترك ما يترك.
وأمّا ما كان في أرض الكفّار مُدّخراً في جدار ، أو في بطن شجرة ، أو خباء من بيوت أو خشب ، أو تحت حَطَب ، فهو لواجده من غير خمس. وكذا لو كانت على وجه الأرض البعيدة ، ولا يدَ للمسلمين ولا للكفّار عليها ، أو كانت في دار حربيّ ، وإن كانت في أرض المسلمين. وكذا ما وجد في مفاوز المسلمين. والأحوط إعطاء الخمس من هذه كلّها.
وما وُجِد في بطن حيوان ملك بالصيد كظبي أو حمار وحش أو سمكة أو نحوها فهو لواجده ، كان عليه أثر الإسلام أو لا ، ولا حاجة إلى تعريف صاحبه. والأحوط إعطاء الخمس وإن كان مملوكاً بالسابق ، ولو كان أصله مباحاً ، عرّفه الملّاك السابقين ، وقبل دعواهم إذا ادّعوه. وإن لم يعرفوه فهو له ، سواء كان عليه أثر الإسلام أو لا. و
ص: 202
الأحوط إجراء حكم اللقطة في القسم الأوّل.
ولو جعل ما كان من الكنز مكسباً ، تعلّق الخمس بربحه أيضاً. والظاهر تخصيص الحكم بالنقدين ، وغيره يتبع حكم اللقطة.
من المعادن البحريّة ، من الدرّ ، والجوهر ، والمرجان ، ونحوها. وفيها يجب إخراج الخمس مع بلوغها قيمة دينار فما فوق ، سواء أُخرج دفعة أو متعاقباً ، ومع الاشتراك يُعتبر النصاب في نصيب كلّ واحد.
ويخرج الخمس بعد إخراج المصارف منه ، ويضمّ ما يحصل من الأجناس بعضها إلى بعض.
وما يخرج (1) بالغوص من المعدنيّات كالخارج بالآلات فلا شي ء فيه. ولو خرج بنفسه بغير غوص فلا شي ء فيه ، والأحوط الإخراج منه. والعنبر من الغوص أو بحكمه ، وقد مرّ بيان الخلاف في حقيقته.
وما غرق في البحر وخرج بنفسه فلأصحابه. وما أخرجه المخرجون مع عدم تعرّض أهله للإخراج فهو لهم. ولو طالب صاحبه لم يجب إعطاؤه ، وما دام صاحبه عنده راجياً لإخراجه لا يجوز التعرّض له. وما أعرض عنه لقابضه مطلقاً. وما يخرج من الأنهار كدجلة ، والفرات ، ونحوهما يجري فيه حكم ما غرق في البحر.
والخمس على الغوّاص إن كان أصيلاً ، وإن كان أجيراً فعلى المستأجر. والمتناول من الغوّاص لا يجري عليه حكم الغوص ، إلا إذا تناول وهو غائص ، مع عدم نيّة الأوّل للحيازة.
ولو غاصَ من غير قصد ، فصادف شيئاً ، دخلَ في حكم الغوص. ولو غاصَ قاصداً للمعدن ، فأخرج معه مالاً آخر ، فهل يوزّع المصرف عليهما؟ الأقوى تخصيصه
ص: 203
بالمعدن. ولو قصد غيره فأتى به ، قوي عدم احتساب المصرف عليه. ولو شركهما في القصد ، قضى بالتوزيع.
ولو غاصَ غوصات متعدّدة ، فأصاب ببعضها في مقام واحد ، قوي أخذ مصارف الجميع ممّا أُصيب ، بخلاف ما إذا اختلف الزمان أو المكان.
ومن غاص فأخرج حيواناً بغوصه فظهر في بطنه شي ء من المعدن ، فالظاهر جري حكم الخمس فيه ، بخلاف ما إذا وجده على الساحل. ومثل هذه المسائل الفاقدة للأقوال والدلائل لا بدّ فيها من الاحتياط الكامل ، ويُعتبر النصاب بعد إخراج المصارف على الأقوى. ولو اتّجر بما أخذ من الغوص ، وجب الخمس في ربحه أيضاً.
في أنّه يجب الخمس في أرض الذمّي إذا اشتراها من مسلم ، أو تملّكها منه بعقد معاوضة كائنة ما كانت على الأقوى. ويضعف إلحاق التملّك المجّاني.
والظاهر عدم الفرق بين أرض الزرع ، والبستان ، والدار ، وغيرها في وجه قويّ.
وطريق الأخذ في هذا القسم : أن يقوّم مشغولاً بما فيه بأُجرة للمالك.
ولا فرق بين المسلم المؤمن وغيره وفي دخول المنتحل للإسلام الخارج عنه في الحقيقة وجهان ، والأوجه عدمه ، ومصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس ولا بين الأرض المفتوحة عنوة وغيرها مع جواز بيعها.
ولو باعها الذمّي من ذمّي أو مسلم ، تخيّر أرباب الخمس بين الرّجوع على البائع والرّجوع على المشتري. وللمشتري الرجوع على البائع بما قابل خمسها من الثمن.
ولا يشترط هنا نصاب ، ولا حول ، ولا كثرة الثمن ، ولا قلّته ، فإنّ المأخوذ من الأرض لا من الثمن. ولو أسلم بعد العقد أو بعد القبض فيما يتوقّف الملك عليه ، بقي وجوب الخمس ، وقبل ذلك لا وجوب عليه.
ولو اشتراها من مسلم ، ثمّ باعها منه أو من مسلم آخر ، ثمّ شراها منه ، كان عليه
ص: 204
خمس الأصل مع خمس الأربعة الأخماس ، وهكذا حتّى تفنى (1) قيمتها (2). ولو اشترى الخمس أيضاً في جميع الدفعات ، أُخذ منه خمسه. ولو كرّر مرّتين فخمسا الخمسين ، وهكذا.
ولو شراها من الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، وشرط نفي الخمس أو تحمّله عنه ، بطل الشرط ، ويقوى بطلان العقد أيضاً.
ولو تملّك ذمّي من مثله بعقد مشروط بالقبض ، فأسلم الناقل قبل الإقباض ، أُخذ من الذمّي الخمس في وجه قويّ.
ولو اشترى وشرط الخيار لنفسه وفسخ ، بقي مطالباً بعوض الخمس. وكذا لو ردّ بخيار العيب ، أو الحيوان ، أو الغبن ، ونحوها ، أو بالإقالة على الأقوى في الجميع.
وليس له الردّ بدون إذن الناقل ، إن جعلنا الخمس متعلّقاً بالعين. ولم يكتف بضمانه ؛ للزوم تبعّض الصفقة في البيع أو شبهه على البائع. وليس للذمّي الخيار مع عدم علمه بلزوم الضرر عليه في أخذ الخمس منه على الأقوى.
في أنّه يجب في الحلال المختلط بالحرام مع عدم إمكان معرفة صاحبه ومقداره ، وكونه عيناً ؛ فلو عرف صاحبه ومقداره ، وجب الإيصال إليه ؛ ولو عرفه دون المقدار ، وجب صلح الإجبار ، ودفع وجه الصلح إليه. ولو عرف المقدار دونه ، تصدّق به عنه.
ولو جهل مع العلم بزيادته على الخمس ، فهو بحكم المعلوم حقيقة ، يرجع فيه إلى الصلح ، وكذا ما علم نقصه عن الخمس على الأقوى. وأمّا مع جهل صاحبه ومقداره بالمرّة ، فيجب إعطاء الخمس منه.
وأمّا ما كان قد تصرّف به فصار في ذمّته أو أدائه لغيره ، فإن كان مع اختلاط أعيانه ،
ص: 205
جرى فيه الحكم المذكور ، وإن كان قد تصرّف به شيئاً فشيئاً ، دخل في حكم مجهول المالك ، يعالج بالصلح ، ثمّ الصدقة.
ولو كان الاختلاط من أخماس ، أو زكوات ، فيحتمل أن يكون كمعلوم الصاحب ، وأن يكون كالسابق ، وهو أقوى. ولو كان الاختلاط مع الأوقاف ، فكمعلوم الصاحب في وجه قويّ. ولو حصل الاشتباه بين هذه الثلاثة ، أو أحدها وبين غيرها ، أو بينها بعضها مع بعض ، فالأقوى فيه الرجوع إلى الحكم السابق ، وهو إخراج الخمس ، إلا في اختلاط الأوقاف ، فإنّ علاجها الصلح.
وإذا تملّك شيئاً بمقابلة ذلك المخلوط ، أمكن الرّجوع في الخمس إلى الناقل والمنقول إليه.
ولو حصل مال في يد الموروث ، ولم يعلم بأنّه أخرج واجبه أو لا ، لم يجب الإخراج.
ولو كان ما فيه الواجب مشتركاً ، فامتنع أحد الشركاء عن القسمة ، أدّى غير الممتنع سهمه ، وحلّ له التصرّف بمقدار أربعة أخماس حصّته. ولو أمكن جبره على القسمة جبر.
ومصرف هذا الخمس كمصرف غيره من الأخماس.
ولو خلط الحرام مع الحلال عمداً خوفاً من كثرة الحرام لتجتمع شرائط الخمس ، فيجتزي بإخراجه ، فأخرجه ، عصى بالفعل ، وأجزأ الإخراج. ولو عرف المالك بعد إخراجه ، ضمنه له. ولو عرف القدر زائداً على المخرج ، تصدّق بالزائد ؛ واحتمل وجوب التصدّق بجميعه ، والاكتفاء بالسابق. ولعلّ الأقوى هو الأوّل. ولو ظهر ناقصاً أو مساوياً فلا ضمان.
فيما يفضل عن مئونة السنة لنفسه ، ونفقة عياله الواجبي النفقة ، ومماليكه وخدّامه ، وأضيافه ، وغيرهم ، وعطاياه ، وزياراته ، وحجّاته فرضاً أو ندباً ، ونذوره ،
ص: 206
وصدقاته ، ومركوبه ، ومسكنه ، وكتبه ، وجميع حوائجه ممّا يناسب حاله ، سنة كاملة ، ممّا لم يكن عنده من أرباح تجارات ، وزراعات ، وصناعات ، وحيازة مباحات قصد بها الانتفاع في الدنيا ؛ سواء حصل بارتفاع قيمة أو نماء أو غيرهما ؛ لا من مواريث ، وهبات ، وصدقات.
وفي المنتقل بوجه الجواز ، كما فيه الخيار هل يتعلّق به الخمس ، أو يعتبر في الملك الاستقرار؟ وعلى الأوّل لا يجوز الردّ بعد ظهور الربح ، لتبعّض الصفقة. وكذا الهبة الّتي يجوز ردّها ، لو قلنا بتعلّقه بها لخروج بعضها عن قابليّة الردّ ، وهو أقوى من التصرّف.
وليس مضيّ الحول وقتاً للوجوب ، وإنّما يؤخّر إليه جوازاً ؛ احتياطاً لمئونة السنة.
فما بقي من ربح السنة الماضية إلى دخول السنة المستقبلة ولو كان ممّا سببه التقتير ، ولم يُتّخذ للقنية ، كالحبوب ونحوها يلزم إخراج خمسه. وكذا ما اتّخذ للقنية إذا أُريد بيعه. أمّا إذا أُريد بقاؤه فيجري في مئونة العام الداخل ، ولا يُعتبر له الات جديدة إلا بعد تلفها أو نقلها مع إدخال ثمنها فيما استجدّ ، وليس له التجديد من الربح. وليس له تجديد شي ء (1) من الخدم والمراكب والآلات وغيرها ممّا بنيت على الدوام مع بقائها ، (أمّا لو تلفت فالجديد من المئونة) (2) ، وما لم يبنَ على الدوام يلحق بربح السنة الماضية فيما بقي ممّا تُراد قنيته من حول سابق إلى لاحق لا يُعتبر في نفسه ، ولا في ربحه ، ولكنّه يدخل في مصارف السنة الاتية.
وكلّما اتُّخذ للاكتساب فظهر ربحه ، تعلّق به بزيادة قيمة سوق ، أو أثمار ، أو إنتاج ، أو فراخ أشجار ، أو غير ذلك. وما أُريد الاكتساب والربح بفوائده ، دخلت فوائده دون زيادة أعيانه قيمة وعيناً.
وما لم يقصد الاسترباح به ولا بفوائده ، وإنّما الغرض الانتفاع بها ، فالظاهر أنّه
ص: 207
كسابقه ، وفوائده كفوائده.
وتُحتسب المئونة من الرّبح المُكتَسب دون غيره على أصحّ الأقوال.
ويدخل في الاكتساب أخذ العسل ، والمن ، والترنجبين ، والصمغ ، والشيرخشت ، والسماق ، والعفص ، والفلي (1) ، ونحوها. ويدخل في المئونة دار تناسبه ، وزوجة كذلك ، وما يحتاج من ظروف ، وأسباب ، وغلمان ، وجوار ، وخيل ، وفراش ، وغطاء ، ولباس ، ومراكب ، ونحوها ممّا يليق بحاله. وما بقي منها إلى العام الجديد يبقى على حاله ، ولا يستجدّ منه غيره للعام الاتي مع الاكتفاء به.
وليس العام كعام الزكاة ، بل اثنا عشر شهراً على نحو ما هو المعروف.
ويلحق بالمؤن ما يؤخذ قهراً ، أو يصانع به ظالم ، وما يلزمه من حقّ نَذر أو عهد ، ونحوهما ، أو حجّ ، أو ما يستحبّ له من زيارة أو حجّ مستحبّ ، ونحوهما.
والدين السابق على العام ، والمقارن من المئونة.
ولا يجبر خُسران غير مال التجارة بالربح منها. والأحوط أن لا يُجبر خُسران تجارة بربح أُخرى ، بل يقتصر على التجارة الواحدة.
وما يدخله من الأرباح في العام يلحظ مُجتمعاً أو مُرتّباً (2). ولكلّ عام ما يظهر من ربحه فيه. ولو دخله أرباح من جهات مختلفة متحدة في النوع أو مختلفة أُخذت المئونة المحتاج إليها من جميعها ، ممّا دخل فيه الخمس أولا.
وكلّما اتخذ للانتفاع لا للاكتساب فليس فيه شي ء ، زاد فيه زيادة في نفسه ، أو في قيمته. وكلّ مئونة من ربح عامها.
وله الخيار إذا ظهر الربح بين الدفع في مبدأ العام وبين الانتظار احتياطاً له.
ولو اتخذ من الدور ، أو الأزواج ، أو المراكب ، أو اللباس ، أو الفراش ، أو المأكل ، أو الظروف ، أو الكتب ، أو الآلات ما يزيد على حاله كمّاً أو كيفاً ، دخل التفاوت فيما فيه الخمس.
ص: 208
ولو اقتصد في قوتٍ ، أو لباسٍ ، أو آلاتٍ ، أو مساكن ، أو أوضاع ، ولم يفعل ما يُناسبه ، لم يُحسب التفاوت من المئونة على الأقوى ، وأُخذ الخمس من تمام الربح. ولو باعَ شيئاً ممّا يحتاجه ، جازَ له استجداده ، ولو ربح به دخل ربحه في الأرباح. ولو باعَ داره أو خادمه مثلاً ، جازَ له أن يستجدّ عوضهما ممّا يناسبه ، مع تكميل ما نقص من الربح بعد إعطاء ثمن ما بيع.
ولا يُعتبر ههنا نصاب ، بل يجب الإعطاء من القليل والكثير.
وصيد البرّ والبحر ، وحيازة المباحات : من الماء ، والحطب ، والحشيش ، والكمأة ، ونحوها من المكاسب. ولكلّ ربح عام مستقلّ. والقدر المُشترك بين الرّبحين يوزّع عليهما. ولو حصل ربح في المال المخمّس ، وجب إخراج خمسه.
ولو اتّجر بما أصابه من الخمس ، فربح زائداً على قوت سنة ، وجبَ عليه الخمس. ولو قبض شيئاً من الخمس ، من نقد مسكوك أو من أحد النعم الثلاث ، فحال عليه الحول ، وجبت فيه الزكاة.
وينحصر البحث في مطالب :
يُقسّم ستّة أقسام ، ثلاثة منها للإمام ، سهم بالأصالة ، وهو سهم الإمامة ، وسهمان بالانتقال إليه ، وهما سهم اللّه وسهم رسوله. وثلاثة أسهم لأرحامه : من اليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل. فيكون للإمام نصف الخمس ، والنصف الأخر لأرحامه.
ويُشترط فيهم الإيمان في الأقسام الثلاثة ، والفَقر في القسمين الأوّلين. ولا تُشترط العدالة ، وربّما وجبت ؛ للنهي عن المُنكر. والحاجة في حال الغُربة ، وإن كانوا أغنياء في محلّهم في القسم الثالث.
ص: 209
ومتى ارتفع الفقر أو اليتم أو الاحتياج ، لم يعطوا من سهامهم شيئاً.
ولا تجب القسمة على الأقسام ، بل يجوز تخصيص أحدهم ، ولا يجب البسط على الأفراد ، بل يجوز التخصيص بالبعض دون البعض.
ولا يجوز أن يدفع إلى فقير أو يتيم ما يزيد على قوت سنته. وإلى ابن السبيل ما يزيد على الحاجة ، ولا يُقدّر بقدر.
وهذه السهام الثلاثة مخصوصة بمن ينتسب إلى هاشم جدّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم من طرف الأُبوّة ، دون مَن انتسبَ مِن جانب الأُمومة فقط ، ودون من انتسب إلى أخيه المطّلب.
وذريّة هاشم مختصّة بذريّة عبد المطّلب. وله عشرة أسماء غير اسمه المشهور تعرفها العرب ، وملوك العجم ، وملوك الحبشة. وملوك القياصرة ، وهي : عامر ، وشيبة الحمد ، وسيّد البطحاء ، وساقي الحجيج ، وساقي الغيث ، وغيث الوادي في العام الجدب ، وأبو السادة العشرة ، وحافر بئر زمزم. وله اسمان آخران.
وأولاده أحد عشر : عبد اللّه ، وأبو طالب ، والعبّاس ، وحمزة ، والزّبير ، وأبو لهب ، وضرار ، والغيداق ، ومقوّم ، وحجل ، والحارث ، وهو أسنّهم. وقيل : اثنا عشر بإضافة قشم (1). وقيل : عشرة بإسقاطه ، وجعل الغيداق وحجل واحداً (2).
وبناته ستّ : أُمّ حكيم وهي البيضاء ، وبرّة ، وعاتكة ، وصفيّة ، وأروى ، وأيمة.
وانحصر النسل بأربعة منهم : أبي طالب ، والعبّاس ، وأبي لهب ، والحارث ، والمعروف منهم اليوم من انتسب إلى أبي طالب أو العبّاس ، والذين بارك اللّه تعالى فيهم ، وظهر أمرهم ذريّة أبي طالب. ولو زنى هاشميّ بهاشميّة ، فليس لولدهما نسب ، ولو زنت به مع اشتباهه أو عذره ، فالولد من أهل الخمس ، وبالعكس من المنتسبين بالأُمّ لا خمس لهم.
ص: 210
قيل : وينبغي توفير الطالبيين على غيرهم (1) ، والعلويين (2) على غيرهم (3) ، وليس بالبعيد تقديم الرضويّ ، ثمّ الموسوي ، ثمّ الحسني ، والحسيني (4) ، وتقديم كلّ من كان علاقته بالأئمة أكثر.
ويصدّق مدّعي النسب ما لم يكن متّهماً كمدّعي الفقر.
وسهم الإمام يوصل إليه مع حضوره ، وإمكان الوصول إليه ، ومع عدم الإمكان لتقيّة ونحوها ، أو غيبته يُعطى للأصناف الثلاثة على الأقوى ، ويتولّى أمره المجتهد. والأحوط تخصيص الأفضل. ويتولّى إيصاله إلى مصرفه. وإذا تعذّر الوصول إليه ، ولم يمكن حفظ المال حتّى يصل الخبر ، تولاه عدول المسلمين.
ولو دفع أحد إلى غيره وغير وكيله أو مأذونه مع الإمكان ، وجبت الإعادة. وللمجتهد الإجازة ، والأحوط البناء على الإعادة. ولو دفع إلى من ظنّه مجتهداً فظهر خلافه ، فإن بقيت العين استُرجعت منه ، وإن تلفت ، وكان عالماً بأنّه حقّ الصاحب ، ضمن. وإن تعذّر إرجاعها ، وكان الدافع معذوراً ، فلا ضمان عليه ، وإلا ضمن.
تُشترط في صحّته النيّة ، بالمعنى الّذي مرّ بيانه مراراً ، من المالك أو وكيله ، إلا فيما كان من الذمّي المشتري للأرض من المسلم ، فلا وجوب فيها ، ويحتمل وجوب تولّي الحاكم أو الأخذ. والأقوى خلافه.
فلو دفعه بلا نيّة ، أو نوى الرياء أو غيره من الأُمور الدنيوية ، وجبت إعادته ، وأُخذ ممّن في يده مع بقائه وتصديقه ومع عدم التصديق إشكال ومع تلفه مع علمه وجهل الدافع.
ص: 211
ويلزم فيها التعيين إن وجب عليه متعدّد في كونها حصّة الإمام أو الحصص الباقية. والأقوى عدم اعتبار التعيّن (1) بين الحصص الثلاثة. ولو عيّن في الدفع وقبض فليس له العدول إلى غيره.
ويجوز الدفع إلى صاحب الصنف ، وإلى وصيّه أو وليّه الشرعي ، ولو عدول المسلمين ، أو وكيله. ولو دفع إلى المولّى عليه وتلف ، لزمت إعادته ، ومع بقائه لهُ أخذُه ودفعه إلى الولي إن شاء.
ويجوز احتساب الدين على المدين ، ولو كان غريمه مديوناً لصاحب الخمس ، جازت مقاصّته به مع التراضي.
ولو أخلّ بالنيّة الوكيل ، فلا ضمان على الموكّل ، وليس عليه الفحص عن حاله مع عدالته ، والأحوط أن لا يُستناب غير العدل في الأحكام الخفيّة الموقوفة على النيّة.
ولا يجوز دفعه إلى المماليك من بني هاشم الّذين ملكوا بأسر ، كذراري أبي لهب ، أو تبعيّة ، أو شرطيّة على القول بها. ويجوز الدفع إلى مواليهم.
ولو قلنا بأنّ المماليك يملكون مطلقاً ، أو خصوص ما ملّكهم اللّه من زكاة أو خمس ونحوهما ، أو قلنا بأنّ التملّك شرط في القابل للملك وفي غيره يكفي الاختصاص ، جاز الدفع إلى المملوك من بني هاشم.
وإذا وجب الخمس ، فإن شاء دفع من الجنس ، وإن شاء دفع من القيمة ، وليس له الدفع من الأدنى ، بل إمّا من الأعلى أو المساوي.
وليس لهاشمي أن يُبرئ ذمّة أحد من حقّ الخمس ، ولا أن يضيع حقوق السادات بأخذ القليل جدّاً عوضاً عن الكثير. ولو كان باختلاف يسير ، جاز له شراؤه ، ثمّ يحتسب المالك ثمنه عليه.
ويصدّق المالك في الدفع ، حتّى لو قال للمجتهد : دفعت إلى مجتهدٍ آخر ، فليس له معارضته.
ص: 212
تجب المُبادرة إليه على نحو الدفع إلى الغريم المطالب. ولو أخّر في الجملة لطلب الرّجحان ، فلا بأس ما لم يسمّ تعطيلاً. وكذا لو فقد المستحقّ ، ولا يضمن مع (العزل وعدم التفريط على الأقوى. وكذا لو أبقاه في ماله بمصلحة أهله ، ولو تلف من المال شي ء وزّع على النسبة. ويجب النقل والأُجرة من الحقّ بتحويل أو مع أمين ، ولا يضمن مع) (1) التلف مع فقد المستحقّ في البلد وعدم حضور المجتهد ، ويرتفع ضمانه بتسليم المجتهد.
ويجوز للمجتهد طلب الحقوق إلى محلّه ، ولا ضمان عليه. ولو عزله وحمله ليوصله إلى مستحقّه في البلد وتلف من غير تفريط ، فلا ضمان. ولو طلب المجتهد منه حقّ صاحب الزمان جعلت فداءه فلم يسلّمه ، ضمنَ.
وفي تحقّق الإخلاص في النيّة بالنسبة إلى الدافع إلى الفقير ليردّه إليه فيأخذه أو يكرّر حسابه عليه إشكال.
ولو خاف من الدفع اختبار الظّالم فيطمع فيه ، أو اختبار الفقراء فيهجموا عليه أو يؤذونه ، جاز تأخير الدفع ، وربّما وجب.
ولو دفع إلى شخص ، فقبل فضولاً عن آخر ، فحصلت الإجازة ، صحّ. ولو قبل المجتهد عن الغائب ، فالظّاهر إجزاؤه ، كما لو دفع خمس الغائب مع تعذّر دفعه. ومثل ذلك يجري في جميع الحقوق.
ويجب على المضطرّين من بني هاشم طلب الخمس ، ولا غضاضة عليهم ؛ لأنّه حقّ الإمارة والسلطنة وأولاد السلاطين ، بخلاف الزكاة ، وباقي الصدقات ، فإنّها من أوساخ الناس ، وأوساخ الأموال ، وإن وجب أخذها عند الاضطرار.
ولا يجوز الاحتيال في أخذ الحقوق الواجبة ، بهبة ما يملكه لزوجته أو ولده مثلاً
ص: 213
حتّى يكون فقيراً فيأخذ حقّ الفقراء ، أو يشتري من أحدهما شيئاً يسوى درهماً بألف دينار ، حتّى يكون مديناً ، وهكذا ، ولو فعل وقبل ، عصى وملك.
ومن قبض من الخمس بمقدار نصاب الزكاة ، ثمّ حال عليه الحول ، وجبت زكاته ؛ ولو اتّجر به ، وجب الخمس في ربحه.
والخمس مشترك بين الإمام وأرحامه كما مرّ.
منها : الأرض الّتي تملك من غير قتال ، إمّا بانجلاء أهلها عنها ، أو بتسليمها إلى المسلمين وهم فيها من غير قتال.
ومنها : أرض الموات ، سواء ملكت ثمّ بادَ أهلها ، أو لم يجرِ عليها ملك. والمراد بالموات ما لم ينتفع به لعطلته لانقطاع الماء عنه ، أو لاستيلائه عليه ، أو لاستيجامه ، أو كثرة الشجر فيه ، أو استيلاء التراب أو الرمل عليه ، أو ظهور السبخ فيه ، إلى غير ذلك من موانع الانتفاع. ولو عرف مالكها وقد ماتت ، وكان ملكها بالإحياء ، دخلت في حكم الموات ، بخلاف ما إذا ملكت بغير ذلك.
ومنها : رؤوس الجبال ، وبطون الأودية ، والآجام ، ولو كانت في أرض مملوكة لغيره في وجه قويّ.
ومنها : صواف الملوك وقطعائهم من المنقول وغيره ، من الأرض وغيرها ممّا يختصّ بهم.
ومنها : ما يصطفيه من الغنيمة من ثوب ، أو فرس ، أو عبد ، أو جارية ، ونحو ذلك.
ومنها : غنيمة من غنم بقوّة الجند من غير إذن الإمام.
ومنها : المعادن.
ومنها : ميراث من لا وارث له. وكلّ شي ء يكون بيد الإمام ممّا اختصّ أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات ؛ لأنّهم أحلّوا ذلك للإماميّة من شيعتهم.
ص: 214
ومنها : ما يُوضع له ، من السلاح المعدّ له ، والجواهر ، والقناديل من الذهب ، أو الفضّة ، والسيوف ، والدّروع ، ونحوها.
ومنها : ما يُجعل نذراً لإمامٍ بخصوصه على أن يستعملها بنفسه الشريفة ، أو يصرفها على جنده من الدراهم والدّنانير ، وجميع ما يطلب للجيوش والاستعداد.
ومنها : المال المعيّن للتسليم إليه ليصرفه على رأيه ، وهذه الثلاثة ونحوها لا يجوز التصرّف فيها ، بل يجب حفظها ، والوصيّة بها. ولو خيف فساد شي ء منها ، بِيعَ وجُعلَ نقداً ، وحفظ على النحو السابق.
ولو أراد المجتهد الاتّجار به مع المصلحة ، قوي جوازه.
ولو وقف عليه واقف ، كان للمجتهد أو نائبه وإلا فعدول المسلمين قبضه عنه. ولو خافَ المجتهد من التلف مع بقاء العين ، أقرضها من مَليّ تقي. ومع تعدّد المجتهدين يجوز لكلّ منهم التوجّه لذلك. ولو اختلفت آراؤهم ، عوّل على قول الأفضل.
ولو ظهرت خيانة الأمين ، أو خيف عليه من التلف عند شخص ، انتزعه الحاكم ، وجعله عند غيره. وكذا لو كان قرضاً وخشي من إفلاس المقترض أو من ورّاثه.
ولو احتاجت بعض الأُمور المختصّة به إلى الإصلاح ، وتوقّف على بذل المال ، أُخذ من ماله الأخر من قناديل ، أو سلاح ، أو فرش ، ونحوها مقدار ما يصلحه به ، ويتولّى ذلك المُجتهد أو وكيله أو مأذونه ؛ فإن لم يكن أحدهم ، قام عدول المسلمين مقامهم.
وفيها مباحث :
وهي العطايا المتبرّع بها بالأصالة من غير نصاب ، وفيها مقامات
ص: 215
وهو ثابت عقلاً وشرعاً ، بل من ضروريّات الدين ، وفي القرآن المبين ( وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) (1).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنّ اللّه ليدفع بالصدقة الداء ، والدبيلة ، والحرق ، والغرق ، والهدم ، والجنون ، إلى أن عدّ سبعين نوعاً من السوء» (2) وعنه صلى اللّه عليه وآله : «الصدقة تدفع ميتة السوء» (3).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الإخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين» (4).
وعن الباقر عليه السلام : «صنائع المعروف تدفع مصارع السوء» (5).
وعن الصادق عليه السلام : «داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا البلايا بالدعاء ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، وهي تقع في يد الربّ ، قبل أن تقع في يد العبد» (6).
ويُستحبّ للمريض أن يتصدّق بيده على فقير ، ويأمره بالدعاء له. ويستحبّ التبكير بالصدقة لدفع شرّ يومه ، وروى : أنّها تقضي الدين ، وتزيد المال ، وتُخلف البركة (7).
ص: 216
والتوسعة على العيال. وإكرام الضيوف ، وزيادة الوقود في الشتاء لهم من أعظم الصدقات ، وإعطاء السائل ، ولو كان على فرس. وكان عليه السلام إذا أعطى الفقير أخذها من يده فقبّلها ثمّ ردّها إليه (1).
وأفضله العلماء ، ثمّ الصلحاء ، ثمّ بنو هاشم ، ثمّ الجيران ، ثمّ الأصدقاء ، ثمّ مطلق أهل الإيمان ، ثمّ المخالفين ، ثمّ الذمّيين ، وتعطى لبني هاشم ، والفقراء أولى من الأغنياء ، ومع تعارض الصفات تلحظ زيادة العدد ، وقوّة السبب. وإعطاء العدل أفضل من إعطاء غيره ؛ ولو كان في منع الفاسق نهي عن المنكر ، قوي وجوبه.
وحدّها : أن لا يبلغ بها إلى حيث يضرّ بحاله. ومعياره مضمون قوله تعالى ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) (2) ومضمون قوله تعالى ( وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) (3).
ولأحدّ لقليلها ، فتُعطى التّمرة ، وشقّها. وينبغي أن يُراعى حال المتصدّق عليه في كثرة حاجته وقلّتها ، وعلوّ منزلته وضِعتها. وحال نفسه بملاحظة مقدار قدرته.
المقام الرابع : في جنسها
يُستحبّ بذل المحبوب ، كما يُكره إعطاء الخبيث (4) ، وأن يختار لها من مُختار
ص: 217
أمواله ، خصوصاً لمن تناسبه كرائم الأموال لعزّته ، ونجابته.
ويُلحظ ما هو الأنفع للفقير ، كالطعام في وقت الغلاء ، والتمر إذا عزّ ، واللحم واللبن كذلك. ولا يبعد ترجيح التمر والزبيب على غيرهما ، مع فقد المرجّحات الخارجيّة. وورد الحثّ على صدقة الماء (1) ، ويلحق بها بذل الجاه ، والكلام الليّن ، ومكارم الأخلاق ، فقد ورد : أنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم (2).
تُشترط فيها نيّة القُربة على نحو غيرها من العبادات ، ويتوقّف تملّكها على الدفع والقبض ، فيحصل الملك بهما ، وإن لم يكونا مع الصيغة اللفظية. ولا يجوز الرجوع بها بعد ذلك ، سواء كانت لرحم أو غيره.
والإسرار بها أفضل إلا لدفع التهمة ، أو قصد القدوة ونحوهما من المرجّحات.
ويكره أن يتصدّق بجميع ماله إذا لم يكن محتاجاً إليه. ويكره السؤال وإظهار الحاجة وشكاية الفقر ، إلا مع الاضطرار فيجب. وليس طلب جوائز الملوك ، بل عطاياهم مطلقاً خصوصاً ما كان من المزارع والعقارات بأقسامها من السؤال ، كما هو ظاهر الحال. واللّه الموفق للصّواب.
ص: 218
من الماليّات المحضة الداخلة في العقود ، والإيقاعات والأحكام ، وفيه كتب
ص: 219
ص: 220
وفيه أبواب :
وفيه أبحاث :
الوقفُ : هو الحبس ، ومأخذه من الوقوف بمعنى القيام بلا حركة في مقابلة المشي ؛ لأنّه يحبس المال عن تصرّف صاحبه ، أو صاحبه عن التصرّف فيه.
ويُستعمل في الشرع على وجه الحقيقة بطريق الوضع الابتدائي والهجري ، أو على وجه المجاز المرسل ، لعلاقة الكلّ والجزء ، أو الإطلاق والتقييد ، على اختلاف الوجوه للحبس الخاصّ ، أو لما دلّ عليه من الألفاظ المعتبرة في صحّته أو مطلقاً ، أو للدليل والمدلول على وجه الاشتراك اللفظي أو المعنوي على بُعدٍ ، أو الحقيقة و؛ (1) المجاز.
ص: 221
ومن مقوّماته على الأقوى : اعتبار القُربات ؛ لاحتسابه من الصدقات ، وظهوره من كلام أهل اللّغة (1) ، والرّوايات (2) ، وفي الاستناد إلى الأصل وجه قوي (3) ، لا يخفى على ذوي الفضل.
ومن جملة المقوّمات : اعتبار الدوام على مرّ الأوقات ؛ إذ بدونه يكون من المحبوسات لا من الموقوفات ، وهو مُعتَبر في الحبس ، دون المحبوس ، ودون آحاد المحبوس عليه (4) ، ونقله إلى ثالث خارج منه (5) مخرج عنه ، كإضمار نقله ببيعٍ ونحوه ، أو غيره من النواقل ولو بطريق المجاز.
وما وُضِع على الانقطاع ، أو توقّفَ الانتفاع بمنفعته على الفناء ، كالمطعوم والمشروب ، أو على الزوال بنذر وشبهه ، أو على التزلزل بخيار أو شفعة ونحوهما ؛ لا يصحّ فيه.
وهو من الأحكام القديمة الّتي جرت عليها الشرائع السابقة في وضع الكنائس ، والبِيَع ، والمساجد ، والربُط (6) ، والموارد ، والكتب ، والمماليك ، ونحوها.
وهو محرّر لرقبة العقار وغيره على نحو تحرير العبد والجوار ، فإنّه ناقل للعين ، مسلّط على المنفعة ، كالعتق للعتيق المشروط عليه الخدمة.
وهو بقسميه عامه وخاصه مفيد للاختصاص دون الملك ، فإنّه لله. والقول بانفصال الملك في القسم الثاني ، الموقوف عليه ، غيرُ بعيد ، كما مال أعاظم الفقهاء إليه (7) ، وإن كان الأقوى خلافه ، وجريان الأحكام فيه على نحو جريانها في الوقف العام ، وفي متعلّقات النذور ، فإنّ الأقوى خروجها عن ملاكها ، ورجوعها كباقي
ص: 222
الكائنات إلى من بيده أزمّة الأُمور ، وملك الفوائد والمنافع ليس بمقتضى لملك العين ، ولا مانع.
وفي ذلك دفع لمنافاته ، لقولهم عليهم السلام : «الناس مسلّطون على أموالهم» (1).
ولا يبعد دخول التقييد بالصحّة في معناه ، لقُربه من العبادات بدخول القُربة ، كما أنّ القصود الاتي تفصيلها لا يبعد بعد إمعان النظر دخولها.
وقد يكون معنى ثانياً له ، فيقابل باقي الصيغ ، كما قابل معناه معانيها ، ولا بدّ من صيغة يحكم بدخولها تحت مدلوله ، أو دخوله تحت مدلولها ، إمّا من دون ضميمة لصراحتها فيه ، كوقفتُ وقد يقال فيها : «أوقفتُ» في الإيجاب ، و «قبلتُ ، ورضيتُ» في القبول ، حيث يلزم الإتيان بها. وقد يقال : بأنّ في المسجديّة ونحوها لا تحتاج إلى قبول.
أو مع ضميمة تجعلها بمنزلة الصريحة ؛ لقُرب معناها بدونها ، فيزداد بها قرباً ك- «سبّلت وتصدّقت» في الإيجاب ، و «أجزت ذلك وأمضيت» في القبول ، فيكتفى بها بشرط أن يكون مع القرينة الصريحة ، وفي الاكتفاء بقرينة الحال إشكال. وفي لفظ «حرّمت ، وملّكت ، وقبلت التحريم والتمليك» معها بحث.
ولا يصحّ بالألفاظ البعيدة عن مدلوله : كبعت ، واشتريت ، وآجرت ، واستأجرت ، ووهبت ، واتّهبت ، ونحوها ، ولو مع القرائن المصرّحة.
ولو بدّل ضمير المتكلّم بضمير المخاطب أو الغيبة ، قوي البطلان. ولا بدّ فيها من الماضوية ، وإرادة الإنشائية ، فلا تجزي صيغة المضارع ، ولا الصيغة الأمرية ، وتجزي الجملة الاسميّة بلا قرينة في الصريحة ، ومعها في غيرها ما يلزم مقامها معها.
ص: 223
والأولى الاقتصار على قول : «هذا وقف» ، دون قول : «هذا موقوف» ، ولا يجزي فيهما قول : «نعم» في جواب من قال : هل وقفت؟ أو هل قبلت؟ ولا لفظ الخبر ، مع إرادة الخبر ، ولا كلّ ما شُكّ في دخوله تحت المصداق ولو تبانا قُدّم على وضع لفظ له في الابتداء أو بسبب الهجر بعد عصر أهل اللغة.
ولو أتى بها بصيغة عربيّة محرّفة ، أو عجميّة ، أو يونانية ، أو سريانية ونحوها جامعة للشرائط السابقة ، صحّ.
ولا بدّ من تأخّر القبول عن الإيجاب ، وعدم الإتيان بشي ء منه ولو بحرف حتّى يتمّ الإيجاب ، وليس سكوت الوقف بمنزلة الحرف.
ولو اختلف الطرفان الفارسيّة والعربيّة مثلاً ، قوي الإجزاء ، وهو شرط بالنسبة إلى الطبقة الأُولى.
ولو عجز عن الألفاظ الصريحة مباشرة ، جاز له الإتيان بغيرها ، ولم يجب عليه التوكيل ، ويلزمه تحرّي الأقرب فالأقرب.
ولو عجز عن اللفظ ، أجزأت الإشارة مع الكتابة وبدونها ، ولا تجزي الكتابة إلا مع تعذّرها ، ولو اختصّ العجز بجانب أو ببعضه ، اختصّ الجواز به.
ولو أمكن تحصيل القدرة من حينه من دون فوت غرض ، تعيّن عليه التعلّم. ولو طرأ العجز في الأثناء ، كان لكلّ حكمه.
والظاهر أنّه يغتفر (1) في الثواني ما لا يغتفر (2) في الأوائل ، فلا حاجة إلى الصيغة في التوابع من النماء ونحوه مع اشتراط وقفيّته ، بل يقال بالنسبة إلى كلّ شرط.
ويُشترط فيها عدم الفصل المخلّ بينهما ، وعدم تفكيك الحروف ، حتّى تخرج عن الهيئة العربية ، وليس فصلُ السعال ، والتثاؤب ، والتنفس ، وكلّ اضطرار عارض مُخلا ، ما لم تذهب الصورة.
ولو جاءتا بالصيغة بوجه محرّم كصوت رقيق لطيف من غير محرم ، أو مشتمل
ص: 224
على الترجيع ، داخل في مصاديق الغناء ، أو في صلاة الفريضة ، أو غير ذلك قوي القول بالصحّة ؛ لأنّ التقرّب بالمعنى لا ينافي العصيان بالتلفّظ ، على إشكال. ولو رفعا الصوت زائداً على المتعارف ، كان احتمال الصحّة فيه أقوى ممّا تقدّمه.
وجميع ما تقدّم تستوي فيه صيغ العقود ، وفي الوقف أشدّ اعتباراً ؛ دخول القربة فيه.
واعتبار الإيجاب والقبول القوليين في الوقف الخاصّ قويّ ، والقول بالاكتفاء بالفعلي في القبول لا يخلو من وجه ، وفي العام يكتفي بالقبول الفعلي ، والقول بعدم الاحتياج إلى القبول مطلقاً لا يخلو من وجه.
وذو الرأسين لبدنين على حقوٍ واحد لواحدٍ إن علمت أصالتهما ، اكتفي بلسان أحدهما ؛ وإذا علمت زيادة أحدهما ، أو كانت محلّ شكّ ، أجزأ الواحد منها على الأقوى. ولا سيّما على القول بأنّ صدق المشتقّ يتحقّق بالخلق والفعل دون القيام.
ولو توزّع الإيجاب أو القبول على اللسانين ، فالظاهر البطلان في الجانبين. ولو خاطبه اثنان أحدهما موجب والأخر قابل ، فأوجب بلسان وقبل بلسان صحّ العقد.
ولو كان وليّاً أو وكيلاً لاثنين ، فأوجب بلسان عن أحدهما وقبل بلسان ، صحّ ؛ وربّما كان الأمر فيه أسهل من غير مكان.
ولو جوّزنا عليه وقوع النيّتين ، لأنّه ذو قلبين وإن كانت اليقظة والنوم فيهما متلازمان ، أو نوى القربة في أحد القلبين دون الأخر ، صحّ. ولو نوى في الأخر ما ينافيها ، فالمسألة ذات وجهين.
وهو أُمور :
أحدها : قصد اللفظ منهما جنساً ، ونوعاً ، وصنفاً ، وشخصاً ، وإن حصل الجميع دفعة ؛ فلو ألقياه عن جنون أو صبا مانعين عن الإدراك ، أو غلط ، أو سهو ، أو سُكر ، أو إغماء ، أو دهشة ، أو جوع ، أو عطش ، أو مرض ، أو همّ ، أو فرح ، أو جبر سالبة
ص: 225
للإدراك ، مخرجة عن الشعور ، لم يصحّ.
ولو قصد لفظاً فجاء بغيره فسد. ولو قصد بعضاً منه في إيجاب أو قبول ، أو بعضاً منهما أو من أحدهما ، فسد الفاقد وصحّ الواجد وأتمّ إن لم يترتّب خلل من جهة الفصل.
ولو قصد لفظاً من ألفاظه فجاء بغيره منهما ، قام احتمال الصحّة ، والأقوى البطلان. ولو كرّر اللفظ مراراً مردداً في القصد ، بطل ، مجّاناً كان أو لا.
ولو عيّن الجميع صحّ الأوّل ولغا الثاني ، ولو قصد المجموع إشكال.
ثانيها : بناء كلّ منهما على قصد صاحبه ، فلو علم أحدهما بعدم قصد صاحبه بطل وإن كان في الواقع قاصداً ؛ لأنّ حقيقة قصده موقوفة على قصده ، ويكفي في معرفة قصده ظاهر الحال ، وبناء المسلم على الوجه الصحيح في الأقوال والأفعال.
ثالثها : قصد الإنشاء في تحصيل مضمون العقد ، فلو قصدا أو أحدهما إخباراً أو إنشاء من غير ذلك من ترجّ أو تمنّ أو دعاء أو نحوها بطل.
ولو قال : وقفت هذا الإبل ووقفت ذاك ، ولكن قاصداً للإنشاء ، صحّ.
رابعها : قصد الدلالة ، فلو زعم الإهمال وأتى به بطل ، وإن كان موافقاً غير مهمل ، ولا تجب معرفة الدلالة التفصيلية ، ويكفي في مقاصده المعجم بالنسبة إلى صيغ المعرب ، وبالعكس القصد الإجمالي ، ولا حاجة فيه إلى التفصيل.
خامسها : قصد المدلول ، بأن يقصد استعمال اللفظ في معناه ، فإن قصد اللفظ والدلالة ، ولم يقصد خصوص المدلول ، أو ردّه في المدلول مع اتحاد الصيغة أو تعدّدها ، بطل ، ولو قصد بلفظ معنييه ، أو مجازيه ، أو حقيقته ومجازه على وجه الترديد ، بطل.
سادسها : قصد التأثير من الصيغة المعيّنة ، فلو ألقاها من دون قصد ، أو مع قصد حصول من غيرها بَطَلَ. ولو أوقع الصيغة معلّقاً لها بما يحتمل التأثير احتياطاً في تحصيل المطلوب ، صحّ.
ولو قصده مردّداً بين الألفاظ المتكرّرة فَسَدَ. ولو كرّر وقصد التأثير بالجميع ، صحّ
ص: 226
ما تقدّم ، ولغا ما تأخّر ، وفي العقد بالمجموع إشكال.
سابعها : قصد الأثر وطلبه وإرادته ، فلو قصد التأثير من دون إرادة منه لما يترتّب عليه من الأثر ، لم يصحّ. والمراد بقصد التأثير والأثر العرفيان ، لا الشرعيان ، حتّى لو صدر ممّن لا يعرف المسائل الشرعية كان صحيحاً.
ثامنها : قصد كلّ منهما في خطابه شخصاً معيّناً بالاسم أو الإشارة ، فلا يجزي قصد المبهم ، وفي الاكتفاء بالتعيّن مع الأوّل إلى التعيين وجه.
وهذه القصود بجملتها تُعتبر فيها المقارنة ، فلو وقع إيجاب أو قبول أو بعض منهما أو من أحدهما خالياً عنها أو عن بعضٍ منها بَطَلَ.
وهي جارية في جميع العقود الجامعة للإيجاب والقبول ، وفي إيجاب الإيقاعات ، ويجري مثلها إلا ما شذّ في العبادات.
ولو قصد بإجرائها الاحتياط في تحصيله صحّ.
تاسعها : أن يكونا أصليين (1) ، أو وليّين ، أو وكيلين ، أو مختلفين ، فمن كان خارجاً منهم وتولّى طرفاً من الطرفين ، كان فضولياً فيه ، وإن تولاهما كان فضوليّاً فيهما.
ومن كان ذا وكالة مقيّدة وأهمل القيد ، أو ذا ولاية لكلّ غائب فعقد حيث لا مصلحة مثلاً ، دَخَلَ في قسم الفضولي.
ومثل ذلك صاحب المال المحجور عليه لَفلَس أو سَفَه أو رِهانة أو حقّ مقاصّة أو نحو ذلك.
ثمّ صحّة الفضولي في هذا الباب ، وفي كلّما يدخل في قسم العبادات الصرفة أو الداخلة في المعاملات لا تخلو من إشكال لو (2) كان من غير الغاصب ، وأمّا فيه فالإشكال أشدّ.
وإذا عقد الوقف عن المالك فالإشكال فيه أضعف ممّا إذا عقد لنفسه ، وإذا عقد لنفسه زاد الإشكال ؛ لبُعده عن تحقّق القربة فوق ما سبق. وعلى فرض صحّته تتضمّن
ص: 227
الإجازة أمرين : ملكيته لتوقّف الوقف عليها ، وثبوت الوقف عنه.
ولا يبعد القول بأنّ صحّته هنا أقرب من صحّته في غيره من العبادات ، كالأخماس ، والزكوات ؛ نظراً إلى أنّ القربة هنا ليست كباقي القربات ، ولدخوله في قسم المعاملات.
وفي استحقاق الوليّ أو الوكيل الأُجرة مع إطلاق الأمر وعدم ظهور التبرّع من خارج ، وجه قريب.
عاشرها : تعيين النائب ، فلو كانت الولاية على متعدّدين ، أو الوكالة كذلك ، لزم تعيين من عقدوا عنه بالاسم أو الإشارة ، ويكفي الأول إلى العلم اليقيني (1).
ويجري الحكم في الوكلاء عن الوكلاء ، فلو وقفوا حصّة مشاعة تصلح أن تكون لأداء متعدّدين لو قبلوا عن واحد من المنوب عنهم ولا تعيين ، ولا أوْلَ إلى التعيين ، بطل الوقف. ولو عيّن ما زعم أنّه غيره فأصابه ، فالأقوى البطلان.
حادي عشرها : سماع كلّ واحدٍ منهما ما أوقعه صاحبه ، أو علم الصدور بالقرائن على وجه الفور مع العجر ، فلو علم الصدور لا من طريق السماع مع القدرة عليه ، بطل على إشكال.
وفي لزوم الاستماع بالإصغاء وجه قوي.
ثاني عشرها : قصد كلّ منهما إسماع صاحبه أو إفهام ما يوجهه إليه ممّا يقوم مقام اللّفظ ، فلو استرّ بالخطاب فوافق السماع ، فلا عبرة به ، على تأمّل. ويُعتبر في جميع ما مرّ مقارنته ، فكلّ ما كان مفصولاً لم يكن مقبولاً.
ثالث عشرها ، رابع عشرها ، خامس عشرها ، سادس عشرها ، سابع عشرها ، ثامن عشرها : البلوغ ، والعقل ، واليقظة ، والتذكّر ، والصحو ، والإفاقة ، والاختيار ، والشعور ، فلا يصحّ ممّن فقد شيئاً منها.
فلا يصحّ من غير البالغ ، مميّزاً أو لا ، بلغ عشراً أو لا ؛ ولا من المجنون ، إطباقيّاً أو
ص: 228
أو أدواريّاً حال الجنون ، أصالة وولاية ووكالة وفضولاً ؛ فلو صادف (1) أحد الطرفين أو بعض منهما أو من أحدهما أحد النقصين ، وَقَعَ باطلاً.
ومع الشكّ في عروض الجنون يبنى على العقل ، وفي عروض البلوغ يبنى على الصبا ، وكذا في عروض كلّ كمال ونقص. وإذا حصل الشكّ في الوقوع حال النقص أو الكمال ، فإن كان حين العقد ولم يعتضد أحدهما بأصل ، بني على الفساد ، وأصالة صحّة العقد لا تثبت صحة العاقد.
فلو تقدم له حالان : حال عقل ، وحال يعتوران على الدوام ، وشكّ فيه ، بني على الفساد. وإن كان بعد التفرّق والدخول في حال آخر ، بني على الصحّة ، وقد يُستفاد من قوله : «إذا شككت في شي ء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشي ء» (2).
والخنثى المشكل والمثقوب الّذي لا يعلم حاله يبنى في بلوغ العدد فيهما على حكم الذكر.
ولو كان لأحدهما وكيلان : ناقص لم تصحّ وكالته ، وكامل ، ووقع الاشتباه في مصدره ، بني على الصحّة على إشكال.
ولو وقع شي ء منهما مرّةً حال الكمال ، ومرّة حال النقصان على وجهين مختلفين ، ولم يتميّز أصلاً ، احتمل الحكم بالبطلان ، والأقوى القرعة ، وجميع ما ذكر من شرائط الوجود ، فلا يغني العلم فيهما عن الواقع.
وهو أُمور :
أحدها : نيّة التقرّب بإيقاع الصيغة وقصد معناها وتأثيرها وأثرها على وجه يترتّب عليها الأثر الأُخروي مع إيمانه في أحد الوجهين ، ومع الاكتفاء بالصورة مع عدمه.
وهي شرط بالنسبة إلى الأصيل ، والولي ، والوكيل ، والفضولي على الوجه
ص: 229
القويّ ، فلا يكفي اقترانها بالإجازة. ولو جاء بها الأصيل ، وقام بالصيغة الوكيل ، لم يجز في وجه قوي. ويحتمل الإجزاء مع المقارنة ، وتُشترط فيها ، فلو أتى بها متقدّمة منفصلة أو متأخّرة جاء الفساد.
والوجه عدم اعتبار الوجه ، كما في سائر المعاملات الّتي أُريد بها الثواب ، على القول باعتبار الوجه في غيره.
ولا بدّ من تعيين جهة الوقف فيها في العموم والخصوص والتشريك والترتيب ونحوها ، فلو ردّد فيها لم يصحّ.
ولو أطلق ثمّ عيّن ، فلا تبطل (1) الصحّة. ولو حصل الشكّ في تعيين المراد من الصيغة المتقدّمة ، بني على الأقلّ من كلا القسمين. ولا يُنافيها هنا من جهة الصيغة بحسب غصب مكان أو الات أو لسان أو قلب أو محلّ ، كصلاة ونحوها.
ولو نوى جهةً فليس له العدول إلى غيرها بعد الشروع في الصيغة حتّى يُعيد ما أتى به معها.
ونيّة القطع أو الإبطال أو الترديد بعد تمام الصيغة قبل الإقباض من الطرفين أو في أثنائهما لا تقتضي فساداً. وقبل الشروع في العقد يقوى كونها مُنافيةً لها.
وكذا في مسألة العُجب والرياء من الموجب المقارنين لا المتأخّرين ، ومسألة التبعيض ، ومسألة اختلاف المراتب باختلاف الجهات ، وهي ثمرة تقدّم بحثها.
ثانيها : قصد الدوام من الوجوه (2) ، فلو قصد الانقطاع عالماً أو جاهلاً أو خلا عن قصده بطل ، وإن كان ممّا لا ينقطع.
ثالثها : أنّه يجوز له إدخال نفسه (3) في الوقف إذا كان مأذوناً بالخصوص أو العموم على وجه يشمله من الواقف أو من الشرع ، وليّاً كان أو وكيلاً.
ولا ينبغي التأمّل في الشمول مع إرادة الجهة ، وفي غيرها كقوله : قف على أهل بلد
ص: 230
كذا ، وعلى بني تميم ، وهو داخل فيها إشكال. والأقوى في مثله الدخول.
ولو أطلق الأمر بالوقف ، كانَ الأقوى عدم جواز إدخال نفسه. ولو أدخل نفسه ولم تكن قرينة تفيد دخوله ، جاءه حكم الفضولي.
رابعها : أنّ الإذن بالوقف أو الأمر به بصيغة «قف» يفيد الإذن بالوقف التام بتبعيّة الإذن بالمقدمات ، كتخليصه من الموانع ، والإقباض ، ونحوها.
بخلاف ما لو قال : أجز بصيغة الوقف ، فإنّه لا يفهم منه سوى إحالة قصد القربة وباقي القصود إليه.
وهي أُمور :
أحدها : أنّه يلزم أن يقبل ما أُلقي إليه على نحو ما وُجّه إليه ، فلو وجّه إليه مطلق فقبله مشروطاً ، أو مشروط فقبله مطلقاً ، أو عام فقبله خاصّاً ، أو بالعكس ، أو تشريك فقبله ترتيباً أو بالعكس ، لم تصحّ.
ثانيها : أنّه لو تعلّق الإيجاب بجماعة ، فقبل بعضهم ، احتمل القول بالصحّة في الجميع ، والبطلان فيه ، والتوزيع.
ولو تقدّم القبول على الإيجاب ، ثمّ جاء به بعده ، فإن قصد به التأسيس صحّ ، وإن قصد به التأكيد لما مرّ ففيه الوجهان. ويجري الكلام في كلّ صيغة أُعيدت بعد الفساد بوجه صحيح في عقد أو إيقاع على أيّ نحو كان.
والمراد منه : من يعود الوقف إليه ، ويجري مع تولّي الإيجاب ما يجري في الموجب.
أحدهما : ما تتوقّف الصحّة على اتّصافه به ، ويجري فيه مع ما جرى
ص: 231
(في إذا توالي) (1) الإيجاب أُمور :
أحدها : أن يكون مالكاً ؛ إذ لا وقف إلا في ملك ، فلا يصحّ وقف غير المالك ، ولا الوقف عنه ، وإن كان مختصّاً كالمحجر عليه ، والوقف العام إذا سبق إليه ، والمباح قبل الحيازة إذا وقع عليه أو وصل إليه ، والحريم المتعلّق بأملاكه ، وما تعلّق به عقد موقوفة صحّته على قبض بناءً على لزوم الوفاء به وإن لم يكن مملكاً.
ثمّ إن يكن ملكاً لأحدٍ بطل من أصله ، وإن كان ملكاً لأحد توقّف على إجازته ، مع الغصب وبدونه ، ومع نيّته عنه وعن نفسه ، وفي صحّتها بقول مطلق إشكال ، ومع الغصب بقسميه أيضاً ، أو الأخر منهما أشدّ إشكالاً.
وتستتبع الإجازة في القسمين الأخيرين حكمين : نقل الملك ، وحصول الوقف ، وصحّة الفضولي فيما تُعتبر فيه القربة مخصوصة بما تجزي الوكالة في نيّته.
ولو أجاز عقده دون نيّته بطل ، ولو أجاز العقد أولا (2) الفصل بإجازة القربة لم تصحّ. ولو قصد الفضوليّ وجهاً ، كالوجوب مثلاً ، فأجازه ندباً ، أمكن القول بالصحّة.
أمّا لو قصد العموم أو التشريك ، فأجاز الخصوص أو الترتيب ، حكم ببطلانه ، ويهون الأمر من جهة الغصب ونحوه أنّ القربة هنا أوسع منها في باقي العبادات.
ولا تجزي نيّة القربة في الإجازة عن نيّة الفضولي ، والجمع بين النيّة فيها وفي الإقباض بعد نيّة العقد أولى ، واعتبار النيّة في الإجازة على النقل أقرب من الكشف ، ويجري مثل ذلك في فضولي الإجازات.
ولو باع أو وقف بين الإجازتين ، صحّ على النقل ، وفسد على الكشف.
ولو تكثّرت العقود من الفضوليين دفعة فأجاز الجميع بَطَلَ ، ويحتمل القول ببقاء حكم الإجازة ، ويجري ذلك في تعدّد الوكلاء ، ومع الترتيب يصحّ الأول ويلغو الباقي ، ولو أجاز واحداً مردّداً بطل.
ص: 232
ولو ترامت العقود ، فإن كانت متجانسة ، كانت إجازة الأعلى مقتضية لصحّة ما هبط عنها ، دون ما عليها ، وفي المختلفة ينعكس الحال.
ويجري في كلّ من قيّدت وكالته بعقد ، فأتى بالعقد خالياً عن القيد كان فضولياً ، وتجري الفضولية في العقد والإقباض وفيهما معاً ، وإجازة العقد لا تستلزم إجازة الإقباض ، بخلاف العكس.
ولو وقف ما يملك وما لا يملك ، صحّ الأوّل ، وتوقّف الثاني على الإجازة. ولو وقف عامّاً ، فأجاز خاصّاً مشمولاً له ، صحّ في وجه ، ولو انعكس الحال قوي القول بالصحّة في الخاص ، ونحوه ما لو جمع بين ما يصحّ الوقف عليه ، وما لا يصحّ.
ثانيها : أن يكون تامّ الملك ، بثبوت سلطان تامٍ لا معارضَ له ، فلا يصحّ لراهن ، ولا مفلَس ، ولا محجور عليه ، لسفهٍ ، أو جهة مقاصّة ، أو تعلّق حقّ خيار لغيره ، أو تعلّق حقّ شرعي مُنافٍ ، من نذر أو عهد أو يمين ، أو وقفية خاصّة على القول بالملكية فيها ، ويكون فضوليّاً في الخمسة الأُول ، وباطلاً في البواقي.
ثالثها : عدم الفساد عليه ، بل وصول النفع في الدنيا أو الآخرة إليه ؛ فلو وقف ما فيه فساد عليه بنفسه أو بوكيل الولي مولّى عليه ، كان فاسداً. ولو جمع بين ما فيه الفساد وغيره ، اختصّ حكم الصحّة بغيره.
رابعها : عدم المعارض الشرعي بالنسبة إليه ، ولو قال : أوقف مالي عنك ، أو أوقف مالك عنّي ، قضي بملكية الموقوف عنه ، ثمّ وقفيته عنه. وفي تنزيله على التملّك المجّاني أو مع العوض فيضمنه وجهان. ولعلّ الأخير أقوى. ومع الفضولية في ذلك وتحقّق الإجازة يقوى عدم الضمان. ولو وقف ثمّ ملك لم يصحّ ، وتحتمل الصحّة مطلقاً ، وفي خصوص ما إذا أجاز.
القسم الثاني : ما يتحقّق فيه الشرط منه أو من وليّه أو وكيله باتصافه أو اتصاف نوّابه ، وهو أُمور :
أحدها : القدرة على التسليم ولو بشفاعة شفيع لا تبعث على نقصان لا يرضى به
ص: 233
إنسان ، أو بذل مال يضرّ بحاله.
فلا يصحّ وقف الطير في الهواء ، والسمك في الماء ، والحيوان الوحشي إذا ذهب مع الوحوش ، والبحري إذا دخل في البحر ، مع عدم رجاء العود فيها.
ويقوى إلحاق البعير الممتنع ، والعبد الابق ، والمال في يد الغاصب القوي ، وتغني القدرة على التسليم عنها. ولو كانت القدرة مختصّة بالبعض ، خصّ بالصحّة.
ولو جمع المملوك وغيره ، وتامّه وغيره ، صحّ في القابل دون غيره.
ولا بدّ من القدرة الشرعيّة والفعلية ، فلو منع من التسليم مانع شرعيّ ، كان بمنزلة المانع العقلي.
والظاهر أنّ دائرة التسليم والإقباض هنا أوسع من دائرة الرافع للضمان ، فيجري فيه احتمال الاكتفاء بالتخلية.
ولو منعناه هناك ، والقدرة من نوّابه مُغنية عن قدرته ، فلا تكون من الشرائط المختصّة به.
ثانيها : العلم بالرجحان أو مظنّته (1) منه مع قابليته ، أو وليّه ، أو وكيله ، ومع الشكّ أو الوهم لا يصحّ إلا مع قصد القربة الاحتياطية. والظاهر أنّ الرجحان على نحو ما سيجي ء من الشرائط الواقعيّة. ولو جمع من معلوم الرجحان وغيره ، صحّ دون غيره.
ثالثها : السلامة من النقص ؛ سواء كان البلوغ أو العقل ، والعوارض الرافعة للشعور ، فإنّه يجزي حصولها فيه مع المباشرة ، وفي نوّابه مع عدمها.
رابعها : الاختيار ؛ فإنّه يجزي حصوله فيه أو في نوّابه. ولو جمع في جميع الصور السابقة بين القابل وغيره ، صحّ في القابل دون غيره.
خامسها : السلامة من الحجر ؛ فلا مانع من جهته مع إطلاق نوّابه. ولو شكّ في
ص: 234
سبب الحجر ، نفي بالأصل. ولو سبق له حالان في أحدهما له قابليّة دون الأُخرى ، بنى على الصحّة ، وهو أقوى ههنا من باب النقصان ، ولا وجه لاعتبار التاريخ.
ويُعتبر فيه أُمور :
أحدها : أن يكون مذكوراً ، فلو قال : وقفت ، ولم يذكر شيئاً ، أو ذكر لفظاً مهملاً ، أو ممّا لا يُراد وقفه ، بطلَ.
ثانيها : أن يكون موجوداً حين الوقف ؛ إذ المعدوم لا يتعلّق به حكم ، إلا ما دلّ الدليل عليه ، فلو قارن حرف منهما أوّلاً أو آخراً عدمه بطل ، ويلزم تقدّمه عليها ليحصل العلم بالاقتران ، والأول إلى الوجود لا يفيد في الأُصول (1) ، ويفيد في التوابع.
فلو وقف ما يكون من الحمل ، أو النماء المستعدّ للبقاء ، أو النخل أو الشجر ، بطل بخلاف ما إذا وقف الأُصول ، وشرط بعضها.
وهو شرط وجودي لا يغني عنه العلم مع مخالفة الواقع ؛ فإذا وقف ما علم وجوده فانكشف عدمه ، انكشف فساده.
ولو وقف معدوماً وموجوداً ، صحّ في الموجود ، ولو شكّ في طرف الوجود بعد العدم أو بالعكس ، بنى على الحال السابق.
ولو وقف شيئاً فظهر من غير الجنس ، كجماد ظهرَ حيواناً ، أو حيوانٍ ظهرَ إنساناً ، أو فضةٍ ظهرَت ذهباً ، أو حمارٍ ظهرَ فرساً ، أو جملٍ ظهرَ فيلاً وهكذا ، التحق (2) بالمعدوم على الأقوى ، ولعلّ أخبار النيّة تشهد به.
ولو اختلف بالسنّ اختلافاً فاحشاً مع وحدة الجنس ، كأن وقف جَذَعاً (3) ، فظهر
ص: 235
بازلاً (1) ، أو طفلاً ، فظهر شيخاً ، ففيه وجهان كفرسي رهان.
ولو كان الاختلاف بالعيب المفرط والصحّة ، أو بسبب القيمة مع الغبن الفاحش ، فترتّب الضرر العظيم عليه ، حكم بالصحّة على إشكال. ولا سيّما فيما إذا كان الضرر مسبّباً عن تدليس الموقوف عليه.
وربّما رجعت المسألة إلى تعارض الاسم والإشارة ، وفي أصل الحكم وجوه واحتمالات القول بالفساد وبالصحّة مع اللّزوم ، وبها مع الخيار.
ويتمشّى الحكم في جميع الصدقات المندوبة ، وأمّا الواجبة فالظاهر فيها خلاف ذلك ، فلو دفع في خمس أو زكاة شيئاً رجع به وأعطى بدله ، وكذا القربات المنضمّة إلى باقي المعاملات على الأقوى.
ثالثها : التعيّن بذاته أو بالتعيين ، فلو وقف عبداً من العبيد أو بهيمة من البهائم ، أو قال : هذا العبد أو ذاك ، بطل ، وكذا لو علّقه بمفهوم الفرديّة ؛ لأنّه لا ربطَ له بالوقفيّة.
ولا فرق بين أن يكون التعيين بالاسم أو الإشارة أو الصفات والقيود المعيّنة للشخص.
ولو علّق الصيغة بكلّي موصوف بما يرفع الجهالة ، قوي القول بالصحّة إن لم يُقم الإجماع على خلافه ؛ لأنّ الحقيقة تتعيّن بتعيين الشخص ، وتعيينه يتمّ بالإقباض ، وفي الاكتفاء بالكلّيات في العبادات وأمر الصدقات ، من الواجبات والمندوبات ، نظر.
ولو رتّب فقال : وأَمَتي الفلانية وقف وإن لم تكن فالاخرى ، بَطَلَ الوقف فيهما.
ولو جمع بين المعيّن وغيره ، اختصّ الفساد بغيره. ولو وقف بهما بَطَلَ. والظاهر أنّ لفظ الجزء ، والسهم ، والشي ء ، والكبير ، والقديم هنا من المبهم ؛ قصراً لما خالف القاعدة عن المتيقّن.
رابعها : أن يكون معلوماً حين العقد أو أدّى إلى العلم بعده. ولو وقف متعيّناً غير آئلٍ إلى التعيين ، كعبد حكم به فلان مثلاً وقد مات الحاكم قبل أن يعلم حكمه ، أو أكبر
ص: 236
العبدين سنّاً ، ولا يعلم ذلك إلا في بلاد النوب أو الحبشة ، بَطَلَ.
والظاهر أنّ الأول إلى التعيين مُجزٍ في التبرّعات ، والصدقات الواجبات والمندوبات ، فإنّ المداقّة فيها لخوف الغبن فيها ليس على نحو البيوع والإجارات. ولو جمع بين المعلوم وغيره ، بَطَلَ في غيره.
خامسها : أن يكون عيناً ، لا منفعة ، ولا دَيناً ، فلو وقف منفعة أو ديناً أو جمع بينهما بَطَلَ. ولو جمع بينهما أو بين أحدهما وبين العين ، وزّع على نحو ما سبق. وفي إلحاق الطبيعة الكلّية بالعين إشكال.
سادسها : أن يكون محلّلاً يجوز الانتفاع به في نفسه ، وبالنسبة إلى خصوص الموقوف عليهم ، فلا يصحّ وقف الأصنام ، والصلبان ، وآلات اللّهو ، وآلات السحر ، والشعبذة ، وكتب الضلال ، ونحوها ولو كان لرضاضها نفع.
ولو قصد مادّتها بانياً على إتلاف الصورة ، أو شرط إتلافها (1) ، توجّه القول بالصحّة.
سابعها : أن لا يكون نجساً أو متنجساً لا يقبل التطهير ، فلا يجوز وقف الخنزير ، ولا كلب الهراش ، ويقوى جواز وقف كلب الصيد ، دون الكلاب الثلاثة في وجه قويّ.
ثامنها : أن يكون له منفعة في حدّ ذاته وفي حقّ الموقوف عليه ، وإن لم تكن بالنسبة إلى الواقف ، فلا يجوز وقف السنانير ، والسباع ، والوحوش ، والحشار ، وحيوانات البحر ممّا لا نفع فيها.
تاسعها : أن يكون ممّا يُنتفع ببقائه ، ولا يختصّ نفعه بفنائه ، كمطعوم ، ومشروب ، ووقود ، وسراج ، وطيب ينتفع به برشّ ، أو لطوخ ، أو بخور ، أو شمّ ، أو وضع على مطعوم أو مشروب ونحوه ، وعقاقير ، وأدوية ، وآلات الغسل كصابون ونحوه.
عاشرها : أن يكون قابلاً للانتقال إلى الموقوف عليه أو الموقوف له ، فلو لم يكن جائز النقل ، كالوقف عامّه وخاصّه لمصحف أو عبد مسلم وسائر المحترمات
ص: 237
الإسلاميّة على كافر ، لم يصحّ وقفه.
وفي إلحاق المملوك المؤمن ، وسائر المحترمات الإيمانية في الوقف على غير أهل الحقّ وجه قويّ ، والوقف على المستباح المال من الكفّار لا يجوز.
وأمّا المعتصم بشي ء من العواصم لوجهٍ راجح ، فلا بأس بالوقف عليه ، ما لم يكن من المحترم ، ولو كان المانع عهداً أو يميناً صحّ دون النّذر.
حادي عشرها : أن لا يكون مُعِيناً على معصية مقارنة لوقفيته ، كوقف السيف وغيره من الات السلاح على أعداء الدين والحرب قائمة ، ولا سيّما وقت انعقاد الصفوف ، ووقف الات معدّة لعمل اللّهو ، وقول الزور ، وكتابة المظالم ، ونحوها ، وكذا غير المعدّة مع شرطيتها أو علّيتها ، ومع العلم مجرّداً إشكال.
ثاني عشرها : أن لا يكون من الأراضي المشتركة بين المسلمين ، كالمقابر ، والأسواق ، وطرق المسلمين ، والأرض المفتوحة عنوة ؛ لكونها بمنزلة غير المملوك ، ولجهل الحصّة ، واحتمال خروجها عن التموّل.
وفيه مقامان :
منها : أن يكون مذكوراً ، فلو قال : هو وقف وأطلق بَطَلَ ، ولو قامت قرينة حالٍ أو مقالٍ على تعيّنه (1) صحّ.
ومنها : وجوده ، فلو ذكر معدوماً في أوّل الطبقات أو وسطها أو آخرها ، ولم يشاركه غيره ، بَطَلَ الوقف. وهو شرط في مبدأ الوقف ، فإنّه لا مانع من الوقف على
ص: 238
موجود ، ثمّ من يوجد ، كما أنّ القبول والقبض كذلك.
ومنها : أن لا يكون مرتدّاً فطريّاً من الذكور المعلومة ذكوريتهم.
ومنها : أن يكون غير الواقف ؛ فلو اختصّت الطبقة الأُولى به ، كان منقطع الأوّل باطلاً ، وفي الوسط منقطع الوسط ، وفي الأخير منقطع الأخير. وإن شاركه غيره ، بطلَ فيه وصحّ في غيره ، كما في كلّ عقد جامع بين جامع للشروط وغير جامع.
ولو أدخل أحد الشخصين على حَقوٍ واحد صاحبه ؛ فإن ظهرت الوحدة ، جاء الحكم ، وإلا صحّ الوقف ، ولو تعلّق بعام وقصدت آحاده بطل في حقّه وإن كانت له جهة وقصدت جهته ، ووجدت فيه ، دخل في الوقف. ولو دخل في الجهة ثمّ خرج ، ثمّ دخل ثمّ خرج ، وهكذا ، دخل حين دخل ، وخرج حين خرج.
ومنها : أن يكون قابلاً للتمليك ، فلو أوقف على جماد أو ناقة أو بقرة أو مملوك ، جرى فيه مع الاتحاد والاشتراك ما جرى فيهما فيما سبق. ولو حصلت في مثلها جهة رجع إليها وصحّ الوقف ، فالوقف على المساجد ، والربط ، والمدارس ، ونحوها وقف على المسلمين. والوقف على المبعّض موزّع ، وعلى أُمّهات الأولاد بوجهٍ يوافق العتق صحّ ، لا بدونه.
ومنها : أن يكون موجوداً حين العقد ، فلا يجوز ابتداء الوقف على من سيوجد ، ولو في أثنائه.
منها : أن يكون قابلاً لبقاء التملّك ؛ فلو وقف مملوكاً على أحد عموديه ، بَطَلَ الوقف ، والظاهر بطلان الملك إن قلنا به ، والعتق أيضاً.
ومنها : أن يكون بارزاً ، فلا يجوز الوقف على الحمل وإن كان قابلاً لملك الميراث بشرط ترتّب الخروج حيّاً. والفرق بينه وبين الوصيّة أنّ الانتقال فيه حين المقال ، وفي الوصيّة بعد حلول المنيّة ، فالملكيّة فيها تعليقيّة لا تنجزيّة.
ومنها : أن لا يترتّب عليه تقوية أهل الباطل في أُصول أو فروع ، مع العذر وبدونه ، فلا يصحّ الوقف على الزناة ، والفواحش ، والسرّاق ، والمحاربين ، مع ملاحظة الوصف ، ولا الكفار ، والمحالفين ، والأخباريين القاصرين أو المعاندين للمجتهدين ،
ص: 239
والمحرّمين لشرب الدخاخين ، كما لا يجوز الوقف على (1) التوراة ، والإنجيل ، والبيع ، والكنائس ، وبيوت النار.
ولو وقف الذمّي على الكنيسة ، أمضينا وقفه بمقتضى جزيته ، وفي صورة الجمع بين القابل وغيره نظير ما مرّ.
ومنها : أن يكون ممن ينتفع بالوقف ، ولا مانع له شرعاً ، ولا عقلاً ، ولا عادة ، فلو كان عبثاً بالنسبة إليه وإن لم يكن كذلك في نفسه بَطَلَ. ومنه ما لو وقف قليل على كثير ، فيكون لكلّ منهم سهم لا ينتفع به لقلّته ، فلا يمكن وصول المنفعة منه إليه.
ومنها : أن يكون متعيّناً في نفسه أو بالتعيين ، فلا يصحّ على مُبهم صرف لا يؤول إلى التعيين. فلو وقف ذلك ملاحظاً في أوّل الطبقات ، انقطع أوّله ، وفي الوسط وسطه ، والآخر أخره ، وفي صورة الاشتراك ما مرّ من التوزيع.
ومنها : أن يكون قادراً على التسليم مع عجز الواقف عن التسليم ، فلو سلبت قدرتهما بَطَلَ.
ومنها : أن يكون ممّن لا يُرجى انقطاعه ، وبطؤ استمراره ؛ فلو لم يكن كذلك ، رجع حبساً. ولو اتفق انقطاع ما لا يرجى انقطاعه ، فالأقوى صحّة الوقف ولم يرجع حبساً ؛ فلو أكل البحر مسجداً أو رباطاً أو مدرسة أو مقاماً ، لم يتخلّف عن الوقفيّة فيما مضى. وكذا إذا انقطع أهل بلد الموقوف عليهم مع التخصيص لهم ، وفي مسألة المتّحد والجامع يجي ء ما مرّ.
ولا يُشترط إيمانه ، بل ولا إسلامه ، مع عدم مُنافاته القربة ، كما إذا قصد تأليفهم ودفع عداوتهم للمؤمنين ، ولو تأمّلنا في صحّته خصّصنا ذلك بالوقف المتعلّق بهم بالخصوص ، أو بالداخلين في الوقف المخصوص.
ولا ينبغي البحث في دخولهم تحت الموقوف على المستطرفين مثلاً ، من رُبُط ، وقناطر ، وموارد ، وهكذا.
ص: 240
وهي عديدة ، والضابط فيها تنزيلها على ما كان في حال التخاطب ، من لغةٍ أو عُرفٍ عام أو خاصّ ، عرفي أو غيره ، أو حقيقة شرعيّة ، إذا قصد بالخطاب الجري عليها ، ومع القربة المخرجة عن الحقيقة يبني على ما أفادته ، وتُلغى الحقيقة. ولو جيئ بلفظٍ مجمل خالٍ عن القرينة ، أو أُريد معنىً مجازي ولا قرينة فيه ، ولا تصديق لملقيه ، حكم ببطلانه.
منها : لفظ المسلمين ، وذكر فيه وجوه :
منها : أنّ المسلم من اعتقد الشهادتين.
ومنها : أنّه من اعتقد الصلاة إلى القبلة ، وإن لم يصلّ ، إذا لم يكن مستحلا.
ومنها : أنّه معتقد وجوبها ، مع عدم تركها.
ومنها : أنّه من وافق مذهب الحقّ ، فجميع من خرج عن مذهب الإماميّة ليس بمسلم.
ومنها : أنّه كذلك إذا كان الواقف مؤمناً ، ولعلّ الأقوى هو الأوّل. والظاهر خروج الخوارج والنواصب والمجسّمة والمشبّهة على الحقيقة ، دون المجبّرة والمفوّضة ، هذا بحسب الحقيقة ، وإلا فكلّ عبارة (1) تحمل على مصطلح مصدرها.
ومن ادّعى اختصاص وصف الإسلام ببعض أهل الباطل فقد كابر وعاند أهل الإيمان ، ولا ريب أنّه من حزب الشيطان.
ومنها : لفظ المؤمنين ، وهم والإماميّة واحد ، وقيل : يُعتبر ترك الكبائر بناءً على أنّه ثلث الإيمان (2). والظاهر أنّه صادق على طائفة واحدة ، وهي الفرقة الجعفريّة الاثنا عشرية.
ص: 241
واشتراط القول بعصمة أئمّتهم قريب بعد التأمّل في طريقتهم ، ومتى صدر عن قوم نُزّل على مصطلحهم ، واشتراط تجنّب الكبائر بعيد.
ومنها : لفظ الشيعة ، وهم من شائع عليّاً عليه السلام في الخلافة بلا فصل.
ومنها : القرشيّة ، والهاشميّة ، والعلويّة ، والفاطميّة ، والحسنيّة ، والحسينيّة ، والموسويّة ، والرضويّة ، وهم كلّ من انتسب إلى قريش ، وهاشم ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وموسى ، والرضا عليهم السلام من طرف الإباء من غير أن يدخله (1) في السلسلة إحدى الأُمّهات.
وقد يقال : بأنّ النسبة إلى الطبقة العُليا مشروطة بعدم بلوغ السفلى ، والعباسيّة والأمويّة من انتسب إلى أُميّة والعبّاس من طرف الأب كما مرّ ، والجعفريّة من كانوا على مذهب جعفر بن محمّد عليهما السلام ، والناووسيّة ، والزيديّة ، والكيسانيّة ، والفطحانيّة ، والإسماعيليّة ، والحنفيّة ، والشافعيّة ، والمالكيّة ، والحنبليّة من انتسب بالمذهب إلى المنسوبين إليهم ، وكذا جميع أهل المذاهب ، والواقفيّة من ذهبوا إلى الوقف على الكاظم عليه السلام.
والجيران ؛ قيل : بعد أوّل داره أو بابها عن مقدار أربعين ذراعاً بذراع اليد (2) ، وقيل : أربعين داراً (3) ، وظنّي أنّ الحَكَمَ العرف ، وهو مختلف باختلاف سعة الوطن وضيقه ، وسعة الدار ، وضيقها. وقد يقال بالاختلاف ، لاختلاف الأشخاص.
والعترة ؛ الذريّة ، والخاصّ من قومه ، والعترة الأخصّ من قرابته ، وهم أخصّ من العشيرة وأعمّ من الذريّة. وقيل : الأقرب لبناً (4).
والقوم : أهل لغة الواقف من الذكور خاصّة ، وقيل : يدخل فيهم الإناث (5) ،
ص: 242
وقيل : ذكور أهله ، وعشيرته (1).
وسبيل اللّه : كلّ قربة ، وقيل : الجهاد والغزاة والحجّ والعمرة (2).
وسبيل الثواب قيل : الفقراء والمساكين ، ويبدأ بأقاربه (3). وفي سبيل الخير : أنّه الفقراء ، والمساكين ، وابن السبيل ، والغارمون ، والمكاتبون ، والفقراء من لم يجدوا قوت سنتهم. والمساكين : من كانوا كذلك ، وألحت بهم الحاجة حتّى ذلّوا.
والبائسون : من أصابهم التعب (4) في تحصيل المعيشة ، ولم يقفوا على حاصل.
ولو جعل مال الوقف بعد أولاده أو غيرهم إلى الفقراء ، عمّ. وقيل : يختصّ أقاربه (5) ، وربّما نُزّل على إرادة الأفضل. ولو وقف على مواليه ولم يعيّن ، بطل ؛ لإجماله ، لكثرة معانيه. وقيل : يُوزّع (6) ، وربّما قيل : ذلك في المفرد (7). ولو لم يكن له سوى قسم واحد ، اختصّ به.
ولو قال : على مستحقّ الخمس ، اختصّ بالذكور من أولاد الذكور من بني هاشم دون خصوص أولاد أبي طالب والعبّاس ، كما قيل (8).
ولو قيل : على نسل هاشم أو النبيّ أو ذريّتهما ، عمّ الذكور والإناث ، ويتساوون في أصل الاستحقاق والمقدار. ولو قال : على كتاب اللّه ، لم يبعد أن يُقسّم على نحو الميراث ، ولو قال : على من انتسب إليّ ، لم يبعد اختصاصه بمن اتصل بالذكور ، كما قيل (9). والأحوط التعميم ؛ لقضاء العرف.
ص: 243
ولو وقف على الأقرب إليه ، نُزّل على الإرث. ولو كان له مانع ، فُرِضَ عدمه. ولو قال : على الأقرب إليّ ، ولم يكن سوى الأخيرة ، اختصّ بالخلصاء ، وخرج بنو الأوّلات.
ولو وقف على الفقراء ، اختصّ بأهل مذهبه ، ولا يجب استيفاء فقراء البلد ، ولا يختصّ لهم (1) فضلاً عن غيرهم ، ولو بيع جاز ، ولا ضمان في النقل ولو بغير إذن المجتهد ، والفرق بينه وبين الزكاة واضح ، والأحوط الاقتصار على الثلاثة فما زاد. وقيل : بلزوم ذلك (2) ، والفرق بينه وبين الزكاة ظاهر.
ولعلّ الفرق يقضي بالاكتفاء بالواحد ، والرجوع إلى المجتهد لا ينبغي تركه ، ولا تجب التسوية في غير المحصور والأقارب للمنتسب من الذكور والإناث ، ويُقسّم بالسوية ، والأعمام والأخوال بالسوية. ولو وقف على البِرّ أو في البِرّ ، فهو كلّ قربة.
ولو وقف على الفقهاء ، وكان من العلماء ، نُزّل على المجتهدين ، وإلا نزّل على المتعارف بين الأعوام ، فيدخل فيهم من كان ماهراً في علم عربية أو كلام أو حكمة ، دون النجوم والهيئة ، أعلاهم ، وأوسطهم ، وأدناهم.
ولو وقف على الصوفية ، وكان عارفاً ورعاً ، نُزّل على المعرضين عن الدنيا ، المشغولين بالعبادة. وربّما اعتبر مع ذلك الفقر ، والعدالة ، وترك الحرفة ما عدا (3) ما لا يُنافي العزلة ، كالغزل والخياطة والكتابة ونحوها في اصطلاح الأعوام وربّما يدخل بتعميم العلماء في هذه الأيّام أهل الطريقة الباطلة أو الأعمّ.
ولا يُشترط سكنى الرباط ، ولا لبس الخرقة من مسح (4) ، ولا من زي مخصوص ، وفي كثير من هذه المقامات كلام يظهر بعد التأمّل.
وبيان حقيقة الحال : أنّه يرجع كلّ خطاب إلى المتفاهم في اصطلاح التخاطب ، ثمّ
ص: 244
إلى القرائن ، حاليتها ومقاليّتها ، ولو اجتمع عنوان لا يوافق الشرع مع غيره ، صحّ غيره دونه. ولو وقف على الشباب ، والكهول ، والشيوخ ، والعجائز ، اعتُبر العرف.
وهو قسمان : أصلي شرعي وجعلي ما لكي.
ومحلّه : الأوقاف العامّة ، من المساجد ، والمدارس ، والربط ، والقناطر ، والمقابر ، وجميع ما وُقِف على وجه العموم ، ولم يعيّن الواقف ناظراً ، فإن عيّن كانت للمعيّن ، والمجتهد ناظر عليه إذا أخلّ أو أفسد.
ومع عدم المنصوب تكون النظارة للمجتهد بعد غيبة الإمام عليه السلام وروحي له الفداء ؛ لأنّه قائم مقامه في الأحكام ، فله المباشرة بنفسه ، ونصب قيّم من قبله يتولّى إصلاحها وتعميرها ، وفتح أبوابها ، وسدّها ، وحفظها ، وهدم عمارتها ، وبيع آلاتها ، ونحو ذلك.
وإن رأى الصلاح في منع أحدٍ من الدخول فيها ، أو رأى نصب إمام عوض إمام ، أو خادم عوض خادم ، وجب اتّباعه.
ولا يُشترط فيه تقديم الفاضل ، وإن كان أحوط ، خصوصاً مع الحضور في البلد. وإذا نصب قيّماً ، فليس لمجتهدٍ آخر عزله ، (إذا نصب قيماً) (1) فالظاهر عدم جواز عزل نفسه إلا مع الإذن ، كما في سائر المناصب الشرعية.
والظاهر أنّه تُشترط فيه الحرية ، فالرق والمبعّض ليس لهما قابليّة. ولو نصبه المجتهد ثمّ مات ، بقي على حاله ، حتّى يحصل سبب العزل.
ولو تعذّر أو تعسّر الرجوع إلى المجتهد ، قام عدول المسلمين عنه ، ويكفي الواحد. ولو لم يمكنه نصب العدل ولا توكيله ، وكّل فاسقاً أميناً. ولا تجب عليه المباشرة ، وله
ص: 245
طلب الأُجرة على نظارته.
وتجري (1) النظارة الشرعيّة في الوقف الخاصّ إذا كان بعض الموقوف عليهم ناقصاً ، وليس لهم وليّ إجباريّ ، ولا وصيّ منصوب من قبله ، فإنّ النظارة إذن إلى المجتهد كالوصاية.
ويُشترط فيها في المقامين العدالة وقابليّة النظر ؛ لكونه من أهل النظر ، ولو فسق انعزل من دون عزل ، ولو عادت ولايته لم تُعد نظارته ، وكذا لو طرأ عليه مُزيل العقل ثمّ عقل ، وفي المغمى عليه تأمّل.
ولو نَصَبَ مجتهد ناظراً ، ثمّ اطلع مجتهد آخر على عدم قابليّته عزله ؛ ، (2) ولو لم يكن واطلع عليه عدول المسلمين ، عزلوه.
ولو بلغ الناظر بعد نظارته رتبة الاجتهاد ، فليس له التخلّف عن أمر المجتهد ، ولو تبيّن لمن نصبه من المجتهدين عدم قابليّته ، عزله.
ولو نصبه للنظارة في عدّة أُمور ، فظهرت قابليّته لبعض دون ، بعض ، خصّه بما هو قابل ، وعزله من غيره.
وللمجتهد أن يعدّد نصب بدله دون الثاني ، ولو أطلق بنى على الاستقلال ، ولو قَسّمَ النظارة على الأموال ، اختصّ كلّ واحد بما عيّن له.
وله جعل الواقف وأولاده وأرحامه وغيرهم كائناً من كان نظّاراً.
الناظر الجعلي من المالك أو أوليائه أو من المتولّي الشرعي وقد تقدّم ذكره على مال الموقوف عليهم ، على نحو الناظر على الوصي ، وهو قسمان : ناظر على الوقف العامّ ، وناظر على الوقف الخاصّ ، وفي المقامين تُعتبر العدالة والقابليّة لمعرفة المضارّ والمنافع ، وتقع على أنحاء :
ص: 246
أحدها : ولاية التصرّف في جميع الأُمور ، حتّى لا يكون للموقوف عليه سوى وصول الفوائد إليه.
ثانيها : أن يخلّي إليه أمر السهام في الزيادة والنقصان.
ثالثها : أن يخلّي إليه أمر الإدخال والإخراج ، فيعطي من شاء ، ويمنع من شاء.
رابعها : أن ينظر فيما يتعلّق بالصلاح والفساد ، مع بقائه في يد الموقوف عليه.
خامسها : كذلك مع البقاء في يده كالودعيّ.
سادسها : أن يكون مرجعاً على نحو المقلّد والمجتهد ، فلا يتسلّط على شي ء سوى الحكم إذا رجع إليه الموقوف عليه.
سابعها : أن يكون منصوباً لرفع النزاع بين الموقوف عليهم.
ثامنها : أن يكون منصوباً لوضع الحفّاظ والأُجراء ، إلى غير ذلك.
ثمّ المركّبات كثيرة ، والظاهر عدم المانع في جميع الأقسام ؛ لأنّ الوقوف على ما وقفها صاحبها.
ثمّ النظارة لا تحتاج إلى الإيجاب اللفظي ، ويكفي في القبول أن يكون نقليّاً ، ولا يلزمه القبول إلا إذا أوصى إليه ناظر مأذون في الوصيّة بها ولم يردّها عليه ، حتّى تعذّر عليه نصب غيره لموته أو ضعفه.
وله أخذ الأُجرة ، مع تقرير الواقف أو الحاكم ، من فوائد الموقوف أو من خارج ، لأمن أعيانه. وكذا مع عدم التقرير في وجه قويّ ، ويقوى أنّه ليس له عزل نفسه مطلقاً إن لم يُقم إجماع على خلافه ، وأنّه يجب على الناس القبول كفايةً.
وتشترك (1) هذه الأحكام بين المنصوب الشرعي والمالكي ، لكنّها في الأوّل أظهر ، وليس لمن نصبه أو غيره عزله ، إلا مع ترتّب فساد أو حصول اشتراط ، ومع الفساد أو سلب القابلية ؛ لارتفاع عدالة أو حدوث جبران ، فيعزل بلا عزل ، ويعود إذا عاد بحاله.
ص: 247
ولو عزله الحاكم من غير تقييد ، لم يعُد على إشكال. ولو عدّد النظّار وصرّح بالاستقلال أو الانضمام فذاك ، ولا حاجة إلى نصب البدل مع فقد أحدهما في القسم الأوّل على الأقوى.
ولا يجوز للحاكم ذلك ويتعيّن في القسم الثاني كما مرّ ، ومع الإطلاق يظهر الاستقلال. ولو صرّح بالترتيب أو تعين الأوقات أو المحالّ أو التبديل أو التغيير امتنع ، كما إذا صرح بالتعدية أو عطف ب- «ثم» والفاء ، ولو عطف بالواو فالظاهر التشريك.
ومتى ماتَ الناظر في الوقف الخاصّ ، ولم يوظّف غيره ، رجع الأمر إلى الحاكم ، ويقوى انقطاع النظارة والرجوع إلى الموقوف عليهم. وإذا اختلف النظّار مع الاستقلال اقترعوا ، ومع الاشتراك يخيّرهم إن بقيت عدالتهم (1) ، وإلا نصب بدلهم.
وإذا امتنع أحدهما دون صاحبه ، نصب الحاكم بدله ، ولو نصب لنصب النظّار ، فنصب وانعزل ، انعزل منصوبة ، ومع الوكالة لا ينعزل.
وله جعل النظارة لنفسه ولولده ، وغيره وغيرهم ، من الموقوف عليهم وغيرهم ، موحّداً ، أو معدّداً ، شركاء أو مرتّباً ، مع الاستقلال والانضمام والتلبّس في ابتداء الوصف لا بعده.
ولو فسد شرط النظارة ، مع إرادة الاستقلال في الشرط ، لم يفسد الوقف. ولو أقرّ بنظارة غيره منفرداً ، لم تثبت وانعزل ، ويرجع الأمر إلى الحاكم ، ويهمل الموقوف ، وكذا في كلّ ناظر تطلب نظارته.
وربّما يقال : بأنّ الوقوف إذا أُطلقت كان النظر إلى الحاكم ، وهو في الوقف ، ويقوى في القسم الأوّل رجوعه إلى ورثة الواقف من حين موت الموقوف عليهم ، لا لورثتهم ، ولا يُصرف في وجوه البرّ حينئذٍ.
ص: 248
وهي أُمور :
أحدها : الدوام ، فلو كان منقطع الأوّل أو الأخر أو الوسط أو المركّب منهما بَطَلَ. والانقطاع إمّا بعدم الموقوف عليه في بعض الأحوال المذكورة ، أو بذكر ما لا يقبل الملك فيه من جماد أو بهيمة أو مملوك ، أو من لا يجوز الانتقال إليه ، أو قطع السلسلة بشي ء منها.
ولو وقف على بعضٍ فلا انقطاع ، ويجوز جعل تمام السلسلة مبعّضين. وليس من القطع أن يقف على زيد سنة ، ثمّ من بعدها على عمرو.
ومنقطع الأوّل لا يدخل في وقف ولا في حبس ، وكذا منقطع الوسط على الأقوى.
ومنقطع الأخر يدخل في الحبس إن كان ممّا عادته الانقطاع ، وإلا صرف الموقوف في الأوقاف على النهج الشرعي ، ولو خلا عن القبض لأنّ الموقوف عليهم في أوّل الأحوال المذكورة كان منقطعاً ، ولو كان ممّا لا ينقطع عادة ، فاتفق انقطاعه من الأخر ، مضت وقفيّته ، بخلاف ما كان في المبدأ والوسط ، فإنّه يتبع الواقع.
ولا يشترط دوام المنفعة بدوامه على الوقف على الأقوى ، ويصحّ وقف الدراهم. ولو ردّد بين الدوام وغيره ، أو بين الوقف والتحبيس أو غيره من العقود ، أو ذكر ما يحتمل الدوام وعدمه ، أو علّق الدوام على شرط أو صفة ولم يكن مؤكداً ، بَطَلَ.
ولو جمع بين ما يدوم وما لا يدوم. صحّ في الدائم دون غيره ، على نحو ما تخلّف شرطه.
ولو وقف ما للغير فيه خيار أو شفعة بطل ، ويحتمل الانتظار والكشف ، ولو كان له الخيار صحّ وبطل خياره.
ولو جعله حبساً ثمّ وقفاً ، كان منقطعاً. ولو جعله خاصّاً ثمّ عامّاً أو بالعكس ، لم يكن من المنقطع ، كما لو جعله حبساً ثمّ ترتيباً أو بالعكس.
ص: 249
ولو انقطع بعض الطبقة الأُولى ، رجع إلى الباقي ، ولم يجرِ عليه حكم الانقطاع. والأقوى أنّ القطع في الابتداء مفسد وجوده وقصده دون الأخيرين ، فإنّهما يفسدان بالقصد فقط على الأقوى.
ولا فرق بين الانقطاع بسبب موقوف أو موقوف عليه أو فقد قابليّته. وتحبيس الأعيان وإيجارها قبل الوقف لا ينافيانه ، ولا ينافي الدوام انقطاع المنفعة المقصودة.
ولو خربت المساجد أو المدارس ، أو تعطّلت تعطيلاً لا يُرجى ارتفاعه لخراب البلد خراباً لا يُرجى عوده بعدُ بقي الوقف على حاله.
ويجوز للمجتهد إيجارها لزراعة ونحوها مع ضبط الحجج مخافة تغلّب اليد.
وأمّا الآلات ؛ فإن فسدت عادت إلى حكم ملك الموقوف عليهم ، كثمرة الوقف ، لكنّها تباع لإصلاح الوقف لا الموقوف عليهم.
ولو وقف بشرط عوده ملكاً له أو لغيره بَطَلَ ، والانقطاع من جهة الموقوف ، وكذا الموقوف عليه إذا كان مرجوّ الدوام ، وكذا الجهات الملحوظة بالوقف ، كالوقف على المشاهد ، والمساجد ، والكعبة ، ونحوها ، وربّما رجع إلى الوقف على المسلمين.
وأمّا الوقف على صاحب الزمان روحي فداه فلا بأس ؛ لتحقّق معنى الدوام بالنسبة إليه ، ولرجوعه إلى نحو ما ذكر ، ويتولّى المجتهد القبض عنه ، وقد يقال : بأنّه قابض ، لقدرته على التسلّم ، ولو أُدخل في مبدأ نيّة القطع لا بعد العقد بطل.
فلو نوى البيع في صورة الجواز على القول به لم يجز.
ثانيها : إخراج الواقف نفسه عن الموقوف عليهم في جميع الطبقات ، فلو وقف عليها مفردةً في أوّل الطبقة ، كان منقطع الأوّل ، وكذا في غيره ، ولو أدخلها مع غيره خرجت.
ودخل هذا لو كان الملحوظ الذوات ، و (1) أمّا مع ملاحظة الصفات والجهات فيدخل مع الاتصاف ، فإذا زالت خرج ، وإذا رجعت دخل.
ص: 250
ولو شرط عوده إليه في وقف أو عند الحاجة أو وفاء ديونه أو الانتفاع به مدّة أو إعطاء نفقة زوجته أو مملوكه بَطَلَ ، ويقوى عدم البأس في العمودين. ولو شرط أكل أهله صحّ.
ولو شرط إجارة عبادة تجوز عن الأحياء ، وكان حيّاً ، كزيارة وحجّة ونحوهما ، قوي البطلان.
ولو شرط ردّ مظالم عنه أو صدقة أو عبادة أو أداء ديون لزمته في حياته ونحو ذلك ، قوي القول بالصحّة ، وكذا لو وقف على مصارف الأموات فمات ويمكن إلحاق ذلك بتبدّل الجهات ، ويمكن أن يقال بتبدّل الموضوع بذهاب الحياة ولو قال : أدخل في الوقف إن كان كذا ، أو ردّد بين الدخول وعدمه صحّ.
ولو أخرج نفسه في الابتداء ، فأدخلها في القصد في الأثناء في ضمن صيغة الإيجاب أو القبول أو بينهما ، فسد في حقّهما إذا تضمّنت (1) ، وإلا فسدت ، وأفسدت.
ولا يفسد لو كان بينهما وبين القبض إذا قبضها للموقوف عليه في وجه ، وما لا يجوز إخراجه عن نفسه لنَذر أو عهد أو غيرهما من أنواع الالتزام لا يصحّ وقفه.
ثالثها : القبض عن إقباض مَن لهُ ذلك أو مستمرّاً في يد الواقف ، مع ولايته وقصده عن المولّى عليه أو أطلق ولو نوى الخلاف فالأقوى الجواز ، وفيه نظر أو في يد الموقوف عليه ، مع الإذن منه أو من وليّه أو وكيله ، وهو شرط في الطبقة الأُولى فقط.
ويكفي مجرّد الرضا ، ولا حاجة إلى صيغة ولا لفظ.
ولا مانع من التسليم في مواضع غصب على الأقوى ؛ لأنّ القربة وإن كانت معتبرة في العقد ، لكن الظاهر أنّها ليست كسائر القُرَب المعتبرة في العبادات الصرفة.
ولأنّ القربة لا بدّ من الإذن فيها شرعاً ، فلو قبض المؤمن المملوك أو المصحف أو نحوهما كافر بالوكالة من الموقوف عليه ، بطل على إشكال ، ويحتمل لحوق المخالف به.
ص: 251
وقبض المسجد الصلاة فيه ، والرباط النزول فيه ، والجسر العبور عليه ، والمدرسة القراءة فيها ، وقد تلحق المطالعة ، والمقبرة الدفن فيها ، وهكذا ، ولا يُشترط فيها الفوريّة.
ولو قبض بعضو محرّم أو آلة محرّمة ، قوي الجواز. ولو جمع بين مقبوض وغيره ، لم يصحّ إلا في المقبوض.
ولو قبضه أو أقبضه لا بعنوان الوقف ، أو قبض ما لم يكن موقوفاً بزعم أنّه منه ، بَطَلَ. ولو قبض الفضولي فأُجيز قبضه في الجميع أو في البعض ، صحّ ما أُجيز ، غاصباً كان أو لا.
ولو نوى القبض عن نفسه بَطَلَ. ولو تكرّرت العقود والقبوض وأُجيز قبضٍ منها ، صحّ عقده. والظاهر الاكتفاء فيه هنا بالتخلية ، وإن لم يكتفِ بها في باب الضمان ، وكذا القول في باب الهبات ، والصرف ، والسلَم ، والمضاربة ، والتفريغ للمانع من الانتفاع شرط في القبض ، ولا ينبغي التأمّل في الاكتفاء بالتخلية في المشترك.
ولو تعدّد الموقوف عليهم ، فقبض بعض دون بعض ، صحّ في خصوص سهم القابض. ولو وقفه على المرتهن ، وكان مقبوضاً في يده ، لم يؤثر قبضه للرهنية ، بل لا بدّ منه ومن الإذن فيه من جهة الوقفية.
والظاهر عدم اشتراط نيّة الخصوصيّة ، من عموميّة ، وخصوصيّة ، وتشريك ، وترتيب. ولو وقفه صحيحاً وقبضه بعد أن صار معيباً ، صحّ ، ولا خيار كالعكس ، ومع تبدّل الحقيقة يقوى البطلان.
رابعها : الرجحان بحسب الدين أو الدنيا ؛ لتحقّق إمكان نيّة القربة بكلّ منهما ؛ لأنّ كلا من الوجهين مراد لربّ العالمين ؛ لأنّه يريد لهم جلب الصلاح ودفع الفساد.
ولا يجب ذلك في سائر الطبقات ، وإنّما يُعتبر في الطبقة الأُولى ، وليس عليه البحث عن غيرها ، ولا يغني الرجحان الذاتي عن العارضي.
فلو كان تركه محظوراً أو مكروهاً بحسب الدين أو الدنيا ، كان صحيحاً ؛ ولو كان
ص: 252
فِعلُه كذلك ، لم يكن كذلك.
والمراد ما ثبت فيه أحد الوصفين لذاته ، لا باعتبار معارضة ما هو أرجح منه ، وإلا لم تنعقد أكثر الوقوف.
وهو شرط بحسب الوجود ، فلو زعم راجحيّته أو مرجوحيّته ، وكان الواقع على الخلاف ، كان المدار على الواقع. ولو انتقل من الراجحيّة إلى المرجوحيّة بعد وقوعه أو بالعكس ، بقي على حاله ولم يتغيّر حكمه ، ما لم يدخل في قسم المحظور.
ولو شكّ (1) بين ما وقفه راجح ومرجوح ، صحّ في الأوّل ، وبطل في الثاني. ولو حصلت الصفة المنافية للانقعاد بعد الأخذ في العقد قبل إتمامه ، لم ينعقد. ولو حدثت بعده قبل القبض ، قوي احتمال الصحّة.
فلو وقف من كان عليه دين للتخلّص من الغرماء ، وكان من المستثنى في الدين ، أو كان مستطيعاً به لو بقي مالكاً له إلى خروج القافلة ، صحّ. ولو كان بعد الاستطاعة ويلزم عليه بذلك تعذّر الحجّ ، ففيه وجهان.
ولو قصد حرمان الوارث ، فإن كان ممّا تترجّح مساعدته أو تساوي غيره ، قام احتمال الفساد. ولو كان ممّا يترجّح حرمانه كمخالف أو ظالم أو مرتكب الكبائر صحّ.
والظاهر أنّ القربة فيه وفي باقي الصدقات ليست على نحو غيرها من العبادات الصرفة ، والمدار على الرجحان في حقّ الموقوف عنه دون الواقف من وليّ أو وكيل ؛ لأنّ القربة عنه لا عنهم ، فلو كان محظوراً فضلاً عن أن يكون مكروهاً في حقّهم لحصول ما يُنهون بسببه من الصيغة صحّ.
خامسها : قصد القربة ، ولا تغني نية التقرّب بنفس العقد ومعناه ، بل لا بدّ منها بملاحظة العوارض. ولو قصد التقرّب ببعض الموقوف عليهم في الطبقة الأُولى دون بعض ، صحّ في حق المتقرّب به خاصّة. وكذلك إذا تعدّدت الموقوفات ، فقارن القصد
ص: 253
بعضاً منها دون بعض ، جاء حكم التوزيع في وجه قويّ ، وقد تقدّم الكلام في تفاصيل أحكامها.
سادسها : أن يجمع بين شرائط الصيغة ، والموجب ، والقابل ، والموقوف ، والواقف ، والموقوف عليه ، على نحو ما تقرّر سابقاً ، فمتى اختلّ شرط منها فيه بَطَلَ. ولو جمع بين الواجد والفاقد ، صحّ في الواجد دون الفاقد.
في الشرائط الجعليّة الصادرة من المالك أو من نوّابه ، وليست العلّية فيها ، وهي على قسمين : صحيحة وفاسدة.
أمّا الصحيحة :
فهي كلّ ما لم يشتمل على ما ينافي مقتضى العقد أو الشرع ، وهذه يجب الوفاء بها إن رجعت إلى أحوال الوقف وكيفيّاته ؛ لأنّ المؤمنين عند شروطهم ، وهي الوقوف على حسب ما وقفها أهلها ، ومن هذا القسم اشتراط الناظر على التفصيل السابق.
ومنه اشتراط تعميره من فوائده ومنافعه ، أو من مال عينه الواقف له من نفسه ، مستمرّاً أو لا ، أو من مال الموقوف عليهم ، ويلزمون بذلك مع تحقّق القبول.
وفي هذا لو قصرت فوائده عن أن تكون لها قابليّة الدخول في مصارفه ، رجعت إلى غيره كما يجي ء في محلّه إن شاء اللّه في مقابلة نظارة أو سياسة أو حفظ ، فإنّ الأقوى جوازه.
وفي التزام أهل الوقف بما شرطه الواقف من مالهم إشكال.
ولو شرط لنفسه خلوّ شرط له مجّاناً بَطَلَ ، ولو شرط لنفسه عملاً آخر (1) في حياته أو بعد موته فلا ، ولو شرطها لأرحامه ، أو شرط أن لا ينتفع به إلا في جهة معيّنة صحّ.
ص: 254
ومنها : ما يتعلّق بالموقوف عليه ، من شرط علمه ، أو صلاحه ، أو قابليّته للانتفاع به (1) ، أو تزويجه ، أو قراءته ، أو قرابته ، إلى غير ذلك ، ثمّ قد يشترط أنّه إذا ذهب الوصف خرج ولا يعود ، وقد يشترط العود كلّما عاد.
ومنها : ما يتعلّق بالموقوف ، فيُشترط فيه استعمال خاصّ ، مع وجود منفعة خاصّة ، أو هيئة أو كيفيّة كذلك وشبهه ، وما يقيّد بالزمان أو المكان ، فيفيد الاستعمال بزمان ومكان خاصّين ، وما قيّدت إجارته بعدد مخصوص ، وقد يضيف إلى ذلك أنّه إذا تعذّر ذلك رجع إلى غيره ، وغير ذلك.
ويجب العمل بوفق الشروط ، فإن تعذّرت لخراب المكان وعدم الإمكان في خصوص ذلك رجع إلى غيرهما. والأحوط مراعاة الأقرب فالأقرب إلى الحقيقة.
والترديد في الشرط أو شرط الشرط ليس كالترديد في العقد.
ولا يُثمر الشرط سوى الوجوب ، فلو أخلّ به فلا خيار للواقف ، والظاهر أنّه إنّما يقضي بتركه لا باستعمال الوقف.
ولو دخل الشرط في عقد الفضولي ، فأجاز المالك العقد والشرط ، صحّا معاً ، وله إجازة العقد دون الشرط على إشكال.
ولو تعدّدت الشروط ، عملَ بجميعها. ولو كانت من الفضولي ، وجب العمل بما أُجيز منها. ويتبعّض الشرط بتبعّض العقد بالنسبة إلى المبعّض ، ولا تتوقّف صحّة العقد على قبض الشرط.
ومنها : اشتراط أن لا يؤاجر أكثر من سنة ، أو لا تكون الإجارة لشخصٍ واحد ، أو لا يعود إلى مستأجر سابق قبل مضيّ سنتين ، أو لا يؤجر لأعراب ، وهكذا.
القسم الثاني : الشرائط الفاسدة ، وهي ضروب :
منها : ما يُنافي حقيقته ، كشرطٍ يقتضي الانقطاع ، كاشتراط الخلوّ منه في بعض
ص: 255
الزمان ، أو اشتراط رجوعه إلى غير القابل للملك في تمام الطبقة ، أو اشتراط الرجوع إليه وحده في بعض الزمان ، أو اشتراط بيعه أو هبته أو باقي المملّكات ، أو وقفه على غير الموقوف عليهم ، ونحو ذلك ، فإنّ ذلك فاسد مفسد.
ومنها : ما يقتضي القدح ببعض شرائطه ، كاشتراط الواقف البقاء في يده ، وعدم إقباضه ، أو اشتراط دخوله في الموقوف عليهم ، أو اشتراط أن يكون لقرابته.
ومنها : ما يقتضي فساده في بعض الموقوف عليهم ويوزّع بالنسبة ، كشرط دخوله في ضمن الموقوف عليهم. وربّما يُفرّق بين دخوله على طريقة الاشتراط ، وبين دخوله في الضمن فيفسد ويُفسد في الأوّل ، ولا يفسد في الثاني. ونحوه ما إذا أدخل غير القابل مع القابل ، فتضمينه كتضمينه ، وشرطه كشرطه.
ومنها : ما يتضمّن اشتراط فعل حرام أو ترك واجب ، وإنّما قدم عليه عن جهل يُعذر فيه ، أو غفلة بحيث تجامع نيّة القربة ، ولا كلام في فساده ، وإنّما البحث في إفساده.
ومنها : ما يتضمّن رجوع منفعة الوقف إليه في بعض الأزمنة مجّاناً ، طالت أو قصرت.
ومنها : أن يشترط ما يشترطه الواقفون ، فإنّه باطل ؛ لجهالته ، وفي لحوق المعاوضات بذلك ، فإذا شرط بيع ثمرته عليه ، أو شرط أن يكون الأجير على حصاده أو جمعه أو تلقيحه أو حفظه مثلاً ، إشكال.
ومنها : أن يشترط مالاً على الموقوف عليهم خارجاً عن فوائده. ولو شرط أُموراً أُخروية تتعلّق بحياته أو مماته ، فالحكم كما مرّ.
ومنها : أن يشترط قسمة الوقف في غير محلّ الرخصة ، وجميع الشروط الفاسدة مفسدة للوقف في الجملة ، إلا مع ظهور الانفصال ، كاشتراط الناظر.
وينقسم إلى عامّ ، وخاصّ ؛ ثمّ مطلق ، ومقيّد ؛ وتشريك ، وترتيب ، وأقسام
ص: 256
التركيب كثيرة :
أمّا العامّ ؛ فمنه ما يصرّح فيه بالعموم ، بأن يعلّقه بموضوع ذي أفراد غير محصورة ، كالوقف على السادات ، والمشتغلين ، والعرفاء ، والعلماء ، والفقراء ، والمساكين ، وبني هاشم ، والحسنيّين ، والحسينيين ، وهكذا.
ومنه ما يرجع إليه ، كالوقف على الجهات العامّة من المساجد ، والمدارس ، والمشاهد ، والربط ، والقناطر ، ونحوها ، فإنّه يرجع إلى الوقف على كافة المؤمنين ، بل المسلمين ، بل عامّة المستطرفين.
ومنه مطلق كما مرّ ، ومنه مقيّد ، كأن يقيّد العلماء أو الفقراء أو المدارس أو الربط مثلاً بصنف خاصّ ، أو أهل إقليم خاصّ ، أو بلد خاصّ.
ومنه ما فيه تشريك كما مرّ ، ومنه ما فيه ترتيب ، كأن يرتّب صنفاً من العلماء على صنف آخر ، أو أهل إقليم على أهل إقليم ، أو يقسّم السنين عليهم سنة بعد سنة في وجه قويّ.
وقد يجمع بين العامّ والخاصّ مشرّكاً ، فيقف على الفقراء وعلى آل فلان مشرّكاً ، فيبنى على التنصيف ظاهراً أو مرتّباً. وكذا بين الإطلاق والتقييد ، فيقف على مطلق الفقراء أو على فقراء آل فلان مشرّكاً ، فيحكم بالتنصيف أو مرتّباً.
ويجري في الخاصّ نحو ما جرى في العامّ من الأقسام الثمانية ، ويجري الإطلاق والتقييد ، والتشريك ، والترتيب في الموقوف ، وتتعدد حينئذٍ جهات التركيب (1) في جميع الأقسام ، وبعضها لا يخلو من إشكال.
والعموم والخصوص ، والترتيب والتشريك ، والإطلاق والتقييد ، كما يكون في الأنواع والأفراد ، يكون في الأزمنة ، والأمكنة ، والأوضاع ، وسائر العقود.
ثمّ قد يكون بين المتجانسات ، وبين المختلفات ، فلو حصل الترديد بين العموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ، والتشريك والترتيب ، مع التجانس ، قُدّم كلّ سابق
ص: 257
على لاحقه. ويحتمل العكس والتخالف ، وأمّا مع التخالف فيتعيّن التخالف.
ولو صدر في الفضولي إجازة العقد لحقه القيد إلا فيما عدا الأخيرين ، فيحتمل صحّتها في الناقص ، ويجوز التخصيص في المدارس ، والربط ، والمقابر ، والموارد ، ونحوها ، وفي التخصيص بالمساجد إشكال.
والترتيب في الموقوف على معنى أنّه يكون طبقات ، طبقة بعد طبقة ، خصوصاً بالنسبة إلى ذي المواليد ، كالمولود من الحيوان والخارج من الفُسلان (1) ، فيكون ذا قسمين : ترتيب وتشريك على نحو الموقوف عليه غير بعيد ، ومثل جعل الترتيب مقروناً باختلاف الموقوف عليه.
ولو قال : الأعلى فالأعلى ، فالمراد الأعلى ممّا يحبسه فالأعلى ، فيرجع إلى الترتيب ، وكذا الأوّل فالأوّل ، والمقدّم فالمقدّم ، والسابق فالسابق ، ونحوها.
ولا يفيد الترتيب الذكري ترتيباً ، سواء صدر من حكيم وغيره ، وكذا العطف بالواو ، كما في صورة آحاد الجمع ، والجمع بلفظ «مع» أو ما يقوم مقامها.
ويُستفاد من العطف ب- «ثم» و «الفاء» ، وإرادة ترتيب الذكر أو الرتبة خلاف ظاهرها.
ولو جمع بين المتعدّدين مع أحد الأدوات أو خالف فيها ، بني على الترتيب ، على نحو ما ذكر.
ولو قال : على كذا أمر بعد كذا ، أو بعده على فلان ، أفاد الترتيب ، ويفهم ذلك وإن كانت إرادة أنّ المعدوم بعد الموجود غير بعيدة ، وكذا لو قال : واحداً بعد واحد ، أو فرداً بعد فرد ، على الأقوى.
والظاهر من قوله : بطناً بعد بطن ، وظهراً بعد ظهر ، من ظاهر اللغة الترتيب ، وبالنظر إلى العرف إشكال ، لظهورها في إرادة التعميم والاستغراق عرفاً.
ولو قال : بطناً بطناً ، أو ظهراً ظهراً ، أو واحداً واحداً ، لم يفدِ سوى التعميم.
ص: 258
ولو قال : على نحو وقف فلان ، وقد علمه ، كان على نحوه ؛ ولو لم يعلمه احتمل الجواز ؛ اكتفاءً بالتعيّن ، والأول إلى التعيين ، فيلحق به في تعميمه وتخصيصه ، وإطلاقه وتقييده ، وتشريكه وترتيبه ، والفساد بالجهالة ، ولا يبعد القول بالصحّة تسامحاً في أمر الشرع ، ويلحق به جميع الشرعيّات من الصدقات وغير الصدقات.
وأظهر في الجواز ما إذا وقف شيئاً على نحو ثمّ غفل عن حقيقته ، وكان مرسوماً في صك يمكن الرجوع إليه ، فوقف شيئاً على نحوه ، ولا ينبغي الشكّ في الاكتفاء بالإشارة مع القرب والضبط.
ولو ردّد بين حالين أو ثلاث أو أكثر من تلك الأحوال فسد.
فلو قال : وقفته على أولادي ، فإن انقرضوا وانقرض أولادهم فعلى المساكين ، احتمل الانقطاع وعدمه.
وحصول الفساد في بعض أفراد العام يخصّه ولا يبطله ، وفي بعض أفراد المطلق يقيّده ولا يفسده.
ولو وكّل في الوقف مطلقاً ، احتمل التفويض ، فيفعل ما شاء ؛ والإبهام ، فيفسد. ولو وكّل مطلقاً صحّ ، وكان الأمر إليه في تعيينها ما يشاء. ولو تعدّد الوكلاء واختلف المتعلّق ، تعيّن المتقدّم ، ومع الاجتماع حاله كحال المقارنة في (1) المتجانس يقضى بفساده.
ولا بدّ فيها من بيان أُمور :
لا يجوز نقل الوقف عن الموقوف عليهم بوقفٍ ولا بيعٍ ولا هبةٍ ولا صُلحٍ ولا غيرها
ص: 259
من المملّكات ، والانتقال عن حكمهم إلى حكم نفسه بعتقٍ أو انعتاق ، ما لم ينسلخ عن الوقف ، فيدخل في الملكيّات ؛ كما هو الظاهر من إطلاقه ، والمعروف من مفهومه ومصداقه ، ولبنائه على الدوام ، كما قضت به أقوال الأئمّة وأفعالهم عليهم السلام.
ولأنّه لو جاز في بعض أوقات بنائه ، لجاز في أبنائه ، (1) ولأنّه متعلّق بالأعقاب ، فبيعه داخل في الغصب والعدوان بلا ارتياب.
فلا فرقَ بينه وبين أن يبيع أحد الشركاء مالاً مشتركاً بينهم ثمّ يتصرّف بالثمن لنفسه ولا ينالون منه شيئاً ، كما يظهر أنّه كذلك من أقوال المجيزين ومن أدلّتهم.
ودعوى الشهرة البسيطة فضلاً عن الإجماع في محلّ المنع ، والشهرة المركّبة لا اعتبار بها ؛ لفقد المظنّة أو ضعفها ، والإجماع في محلّ المنع.
وليس في الأخبار المستَندُ إليها ما يُعتبر سَنده ودلالته معاً ، والّذي يظهر لمن أتقن النظر أنّ الوقف المأذون في بيعه ما كان محبوساً على قومٍ من دون أن يكون داخلاً في اسم الوقف.
فالخروج عن القواعد المحكمة ، وترك ما قضى به العقل والشرع من تحريم الظلم والعدوان ، ثمّ أكل مال الناس بالباطل ، أو ما كان مستحقاً لهم وإن لم يكن ملكاً لهم لمجرّد روايتين أو ثلاثة لا دلالة فيها ، خروج عن ضابطة الفقاهة.
في أنّ ما ينتهي إليه الوقف بنفسه أو بآلاته إلى الاضمحلال ، لعدم إمكان صرف تلك الأعيان فيه أو في وقفٍ آخر ، بمنزلة نماء الوقف ، وفوائده ، فلو خلقت الثياب أو الفرش أو الوسائد أو السيوف أو السهام أو الرماح موقوفة بحيث لا ينتفع بأعيانها ، ولم تبقَ صورة للانتفاع إلا بأثمانها ، وكذلك الأمر في الآلات ، وجميع المتعلّقات في
ص: 260
المساجد (1) ، والمدارس ، والربط ، ونحوها من الموقوفات ، ترجع ملكاً للموقوف عليهم ؛ لأنّه بعد انسلاخ الوقفيّة لا محيص عن الملكيّة ، فتكون من أملاك الموقوف عليهم.
فما كان موقوفاً على المساجد ونحوها يكون مملوكاً للمسلمين ، وما كان على المدارس ملك للمشتغلين ، فيُباع بحكم الشرع ويجعل وقفاً على نحو ما كان إن أمكن.
فلو كان صفراً أو نحاساً فعلاً ، جُعل على نحو ما كان ، أو يُبدّل بوقف آخر ، وإلا كان كالآلات يُصرف ثمنه وفي التعارض بين صرف الأعيان في غير محلّها وصرف الأثمان فيه يقُدّم الثاني على إشكال. وإذا اختلفت أبعاضه ، أُعطي كلّ حكمه على خصوص ذلك الموقوف ، أو على غيره الأقرب فالأقرب ، كما نقول ذلك في الفاضل ممّا عيّن للوقف إذا يُرى (2) احتياجه في المستقبل إليه.
وما يختصّ التصرّف بالحاكم لعدم انحصار الملّاك فلا يقوم مقامه أحد سواه. ولو عدم الموقوف ، أو كان بمنزلة العدم ، كأن استولى عليه الماء مثلاً ، رجعت آلاته إلى غيره عيناً أو قيمة.
يثبت بأُمور :
أحدها : حصول العلم ؛ لأنّه مدرك الأحكام ، أُصولها وفروعها ، موضوعاتها وأحكامها.
ثانيها : البيّنة الشرعيّة ، ولا حاجة إلى الرجوع في قبولها إلى الشرع إلا في القضاء والحكومة.
ثالثها : خبر العدل ، ويُقبل في الأوقاف العامّة ، كالمساجد والمدارس ونحوها ، مع
ص: 261
خلوّها عن المعارض ، دون الأوقاف الخاصّة.
رابعها : إقرار صاحب اليد ، مع مقبوليّة إقراره.
خامسها : استقلال يد الموقوف عليه ، وبذلك يثبت جميع ما أضيف إلى المساجد من أراضي ، وجدران ، وفرش ، وآلات ، وسرج ، وظروف ، ونحوها داخلة في يد المسلمين بالدخول في مساجدهم ومدارسهم مثلاً.
ويُبنى على دخولها في الوقف ما لم يعلم الخلاف ، فالمشكوك فيه منها محكوم بوقفه ، وما عُلِم وضعه فيها وعدم إجراء صيغة الوقف عليه ، وما لم يقبل الوقف ، كالشمع والأدهان المتّخذة للتطييب والإسراج ، فهي من باب الاختصاص بالمسلمين ، بل من أملاكهم ؛ لأنّ اللّه تعالى أمر بالإعطاء ، ويكفي في التمليك المجّاني الإيجاب والقبول الفعليّين ، وقد حصلا.
سادسها : الشياع الباعث على الظنّ المتاخم مع العلم ، وإن لم يبلغ العلم ؛ لأنّه أحد السبعة الّتي تثبت بالشياع ، على ما ذكروه ، وفي الحقيقة هي كثيرة.
سابعها : استعمال المسلمين لها على نحو ما يستعملون الأوقاف من دفنهم ، وصلاتهم. ومنهم تلقاهم فيه طبقة بعد طبقة على نحو الوقفية.
ثامنها : حكم المجتهد به ، فإذا حكم بوقفيّته ، جرى حكمه على سائر الفقهاء ومقلّديهم ، وإن كان مفضولاً وهم فضلاء.
تاسعها : وجدان علامة الوقف على وجه تطمئنّ النفس به ، من محاريب على نحو المساجد ، أو وضع أماكن للكتب مثلاً بحيث يفيد أنّها مدرسة.
عاشرها : الكتابة إذا كانت مضبوطة مرسومة ، بحيث تظهر منها الصحّة وإن لم تبلغ العلم.
حادي عشرها : أن يرى منهم من الاحترام والتعظيم ما لا يكون إلا للمساجد والمشاهد العظام.
ثاني عشرها : أن يرى بناءً لا يناسب غير الأوقاف كالقناة والأشكال المخروطة الّتي لا تعتاد إلا للمقامات ، كما جرت عليه العادة.
ص: 262
لمّا كان المستحقّون جميع البطون ، ولا تُعرف سهامهم ، ولا يُعرفون لمن ، يكون للقسمة وجه بأيّ نحو يكون.
وبيان الحال على وجه التفصيل دون الإجمال : هو أنّ الموقوف من دارٍ أو بستان ونحوها ممّا يقبل القسمة ، إمّا أن يكون وقفه من متعدّد أو متّحد ، على موقوف عليه ، متعدّد الجهات أو متّحدها.
فما كان من القسمين الأوّلين تصحّ قسمته ، سواء كان في الوقف العام كأن يوقف على المسجد والمدرسة والعلماء والفقراء وهكذا ، أو بالمناصفة مثلاً من غير تشريك في الابتداء ، ولا عَود إليه في الأثناء أو في خاصّ ، كأن يقف على أولاده نصفاً وعلى أرحامه النصف الأخر من دون عَود كذلك ؛ إذ لا مانع ولا منافاة لها مع الوقف ، وفي الصورتين الأخيرتين لا تصحّ لما ذكرناه.
ولو قال : وقفته موزّعاً على نحو ما اختاره أو يختار فلان ، أو وقفته على وضع الأرصاد الّتي يقسّمها فلان ، ففي إدخاله تحت السهام المنفيّة نظراً إلى الأوّل ، فيصير كوقتين ، وينكشف بالاختيار ، والقسمة ؛ لأنّ الشرعيات والقربات مبنيّة على المسامحة وجه (1).
فإذا حصل شقاق ، دار أمرهم بين المهايأة (2) وإيجار بعضهم شريكه حصّته من النصف الشمالي مثلاً بحصّته من النصف الجنوبي إلى ما شاؤوا من السنين ، أو اصطلاحهم على ذلك ، وإن امتنعوا جبرهم الحاكم على أحد الأمرين.
ولو عيّن سهاماً مختلفةً باختلاف الأجناس أو الأنواع أو الأصناف أو الأشخاص أو الطبقات أو الأمكنة أو الأوقات أو غيرها من الجهات ، وجعل لكلّ فريق من الرجال
ص: 263
والنساء في كلّ سنة أو في سنة كذا سهماً معيّناً ، أو كان ناذراً قبل الوقف إن لم نجعل النذر مخرجاً عن الملك أو حالفاً أو معاهداً على قسمته في كلّ سنة بين الفريقين ، على نحو كذا ، ثمّ وقف ، قُسّم. وقسمة المشترك بين الوقف وغيره بإفرازه عن غيره لا مانع منها ، ولا يلزم بيع الوقف ؛ لأنّها إفراز شرعاً لا بيع.
وفي موضع جواز القسمة يتولاها الخاصّ أو الولي أو الموقوف عليه أو الوصيّ أو الناظر ، إن دخلت في عموم ولايتهما ، وإلا تولاها الحاكم ، وإلا العدول.
ويتمشّى الحكم بمنع القسمة في المشتركات من طرق ونحوها ، لنحو المانع منها في الوقف. ولو تعدّدت الجهة فيها ، كما إذا جعل نصف سوقاً ونصف طريقاً على وجه الإشاعة ، أو نصف وقف عاما ونصف خاصّاً ، ونصف وقفاً ونصف طريقاً ، صحّت القسمة.
ولو ظهر غبن في القسمة أُعيدت ، ولعلّها مبنيّة على الكشف أو أنّ الوقف يعود ملكاً.
والمتولّي لقسمة المشتركات وللوقف مع عدم المتولّي المجتهد.
ولو اشترط القسمة حيث لا تصحّ ، بطل الشرط والعقد ، بناءً على أنّ الشرط في الوقف متّصل.
كأن يقف نصفاً مُشاعاً من أرض أو حيوان (1) ناطق أو صامت ، ولا مانع منه ، كما أنّه لا مانع من بواقي النواقل ، كبيع وصلح ، أو هبة وتصدّق ، ونحوها ممّا تتوقّف صحّته على القبض وغيره. ويكفي في القبض هنا التخلية ، ويجوز بيع النصف الملكي. ولا تترتّب القربة على حصّة الوقف في عتقه ، عامّاً كان أو خاصّاً ، وليس كالملك. ويجوز شراء حصّة من عبد يكون موقوفاً ، وإعتاق الموقوف باطل ، عامّاً كان أو خاصّاً
ص: 264
على الأقوى في خصوص الوقف العامّ.
ثمّ إن بقي على حاله فلا كلام ، وإن أراد القسمة اقتسموه ، فإن بأن الفساد في البعض فَسَدَ الوقف ، وإن ظهر غَبن أو ظهر غيره فكذلك فسدت ، لعدم تحقّق معناها على إشكال.
ولو وقف شيئاً فظهر الفساد في حصّة (1) منه ، جاءه حكم الإشاعة ، وإذا وقف جزءاً مُشاعاً على فريق ، ثمّ وقف آخر عليهم على ذلك النحو ، أو عليهم وعلى غيرهم وشرّك بينهم في بعض الطبقات ، امتنعت القسمة.
وتصحّ بين الموقوف والجزء المملوك ، وبين الموقوفين عامّين أو خاصّين أو مختلفين ، مع عدم الاشتراك في شي ء من الطبقات. ودعوى أنّ وقف المشاع يقتضي كون الوقف ابتداء أو بالأخرة (2) بعد القسمة ملكاً ووقفاً ، لا وجه لها بعد قيام الأدلّة على فسادها.
والفرق بين الإفراز والتمليك غير خفيّ على ذكيّ.
ولو وقف جزءاً مشاعاً أو مقسوماً وظهر الخلاف صحّ على إشكال.
أنّه لا شفعة في الوقف ، فلو وقف أحد جزءاً مشتركاً ، عامّاً أو خاصّاً ، فلا شفعة فيه ، كسائر التمليكات ، ممّا عدا البيع.
وتثبت الشفعة فيه وفي آلاته في مقام جواز البيع إذا بيع ، وكان ممّا تتعلّقت به الشفعة وتجتمع فيه شرائطها ، وهل لصاحب الوقف شفعة إذا اجتمعت شرائطها؟ وجوه ، ثالثها : الفرق بين العامّ والخاصّ ، فتثبت في الثاني دون الأوّل ، أو بين ما إذا كان الموجود من الطبقة واحداً أو متعدّداً ، فتثبت في الأوّل دون الثاني ، ويتوجّه مع الوحدة ، والقول بأنّ الانتقال إلى الطبقة الثانية بعد فقد الأُولى ولا شركة ، أو على القول بثبوتها مع الشركة ، وهو ضعيف ، أو القول بأنّ شركة المعدومين كلا شركة.
ص: 265
أنّ المستنبط من نفس الموقوف قد يملك بالفصل ، مع أنّه كان وقفاً حال الوصل ، كالتراب المفصول من أراضي الأوقاف العامّة عدا المساجد فإنّه يعود ملكاً ، ويُباع على حاله أو بعد صيرورته أجراً (1) أو ظروفاً أو نحوها ، وعظام الفيل ، وبعض الحيوانات.
فلا بأس ببيع التربة الحسينيّة مع الفصل ، حيث نقول بأنّ أرض كربلاء وقف ، ولا بملكية الظروف المصنوعة ، والآجُرّ المتّخذ من أرض النجف ، وإن صحّ أنّها وقفها الدهاقين (2).
كما أنّه لا بأس بصنيع مثل ذلك من المشتركات ، كالطرق النافذة ، والأسواق ، والمقابر ، والأرض المفتوحة عنوة ، فإنّها إذا فصلت تغيّر حالها كتغيّر الات الوقف إذا بطل الانتفاع بها.
أنّ الوقف العامّ إذا تمّ وقفه انسلخ عن حكم الواقف ورجع إلى اللّه على نحو المباحات ، ولا يمضي له حكم إلا فيما شرطه ؛ لأنّه بعد الانسلاخ من الملكيّة ، والخروج عن يد المالك ساوى من لم يكن مالكاً.
والاستصحاب بعد تغيّر الموضوع لا يُنظر إليه ، والتقييد لا يفيد شيئاً ، فمرجعه على تقدير التقييد فضلاً عن الإطلاق إلى المجتهد ؛ لأنّه بعد الخروج عن يد الواقف وفقد المتولّي لا متولّي سواه.
فإذا رأى الصلاح في هدم دار وجعلها حمّاماً ، أو حمّام وجعله داراً ، كان له ذلك ، أمّا بعد الخراب أو التعطيل فلا تأمّل ، ويقوى في غيره ذلك. وأمّا مع الشرط
ص: 266
المنصوص أو المفهوم ، كوضع المدارس والربط مثلاً ، فللمجتهد الوضع على غير الهيئة السابقة مع الخراب ، مع تعسّرها أو تعذّرها لعدم المتولّي ، ولا يزيد حكمها على مال الغائب إذا حصل ضرر عليه ببقاء ما وضعه على حاله.
وإذا شكّ في الشرطيّة وعدمها ، بنى على عدمها ، وأنّ للواقف سلطاناً باقياً ؛ لتعذّر تعمير المشاهد المشرفة والمساجد المعظمة وجميع الأوقاف ؛ لأنّه غالباً يتوقّف على الهدم ، وقد علم أنّ الواقف إنّما أراد بوقفه بقاء جدارها على ذلك الحال على وجه التعبّدية التعليلية دون الشرطية.
وكذا سقفه وأوضاعه ، ليبقى انتفاعه على مرور الأيّام ، وإلى ما بعد سنين وأعوام ، وعلى ذلك لا يجوز النقض ؛ لأنّ فيه نقضاً لغرض الواقف ، ولا وضع شي ء من الات السقف في الجدران ، ولا العكس.
نعم إذا ثبت الاشتراط بحكم الشرع ، كما في أصل المسجدية ، أو العرف كما في المدارس وكثير من الأوقاف ، فإنّه يجوز هدمها وتغيير أوضاعها من دون تغيير موضوعاتها.
وأمّا الأوقاف المعدّة لاكتساب الفوائد والمنافع ، كالأوقاف الخاصّة ، فإن الظاهر منها الإذن في تغييرها والمنع عن تعطيلها ، وندرة منفعتها ، فضلاً عن عدم الدلالة على تخصيصها.
وعلى ما ذكرنا يجوز للناس النوم في المساجد والمدارس ، أو التردّد فيها ، والأخذ من مائها ، والاكتساب فيها بأعمال الدنيا والآخرة من غير تخصيص بالمصلّين والمشتغلين مثلاً ، كما يُصنَعُ في المباحات ، إلا أنّ الغرض المعدّة له مقدّم على غيره.
فلو أخلّ المكتسبون والمتعبدون بالأغراض المعدّة لها كأن يعمل عملاً أو يقرأ قراءة رافعاً لصوته ، أو يدرّس كذلك ، أو يعمل صنعة تشتمل على أصوات عالية فيخلّ بصلوات المصلّين فرضاً أو نفلاً في المساجد ، أو يخلّ بدرس المدرّسين أو فهم المتعلّمين أو مطالعتهم حرم ذلك.
والسبب في ذلك أن تقدّم المنفعة المعدّ له شرطاً مفهوم في الوقف ، ومعلوم من
ص: 267
الشرع في السيرة والإجماع ، كما لا يخفى.
أنّ القبض إن نجعله عبارة عن التخلية في جميع المقامات ، فلا بدّ من القول بذلك فيما إذا حصل مانع عن غيره أصلي ، كأن يكون ما لا يُنقل ولا يُحوّل ، أو شرعيّ كما إذا كان مشتركاً ، فإنّ قبض المشترك يتوقّف على الاستئذان.
وربّما حصل بسبب ذلك من النقصان ما لا يرضى به إنسان أو بذل المال ، وقد لا يتمكّن منه ضعيف الحال ، وباب التوكيل قد ينسد ، فلا يقوم به أحد.
فالذي يظهر بعد إمعان النظر أنّ التخلية التامّة كافية في تحقّق معناه ؛ إذ ليس معنى القبض فيه سوى قيام الموقوف عليه مثلاً مقام الواقف ، ويكون تسلّطه كتسلّطه.
وقد يقال بالفرق بين أن تكون الشركة مع الواقف وبينها (1) مع غيره ، أو يقال بالفرق بين ما فيه الإذن من غير سؤال وما يتوقّف على السؤال.
أنّ أُمّ الولد لمّا لم يجُز نقلها إلى مالكٍ بشي ء من النواقل لم يجُز وقفها ، وفيها وجوه ثلاثة ، ثالثها الفرق بين العامّ والخاصّ.
والّذي يظهر بعد إمعان النظر أنّا إن قلنا بعدم انتقال الوقف إلى المخلوق مطلقاً ، وإنّما يرجع إلى المالك الأوّل الّذي بيده الملك على نحو ما كان ، إن لم يحدث شي ء سوى الخروج من يد المالك الصوري ، التحقيق كالعتيق ، وهذا مبني على أنّ الممنوع في أُمّ الولد هل هو نقلها من صاحبها أو انتقالها إلى خارج ، وعلى الأوّل لا مانع ، وعلى الثاني يمتنع. وإن فرّقنا ، بين الوقفين في المقام ، اختصّ المنع بالوقف ، الخاصّ ، وعمّ الجواز العام.
ص: 268
أنّه إذا قامت البيّنةُ على أنّ الشي ء الفلاني وقف بهذه العبارة ، وأقوال المالك كذلك ، بُني على أنّه صحيح جامع للشرائط ، سواء قلنا بأنّ لفظ الوقف موضوع لما قام به الأثر ، فيكون مدلولاً له ، أو قلنا بأنّه موضوع للصيغة ؛ لأنّ الظاهر منه الصيغة المؤثرة ؛ لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع ، والفرد الكامل.
ولو شهدَت على أنّه أجرى الصيغة على نحو كذا ، وقال : قال : هو وقف أو أقرّ بذلك ، فالظاهر أنّه ذكر ذلك قبل التصرّف ، بني على مجرّد الصيغة ؛ وإن تمادى الوقف ، بني على جمعه الشرائط على إشكال.
ويجري مثل هذا الكلام في جميع ما يتوقّف على القبض ، من الهبات ، والصدقات والصرف ، والسلَم ، وفي جميع المعاملات والعقود والإيقاعات.
وقف المريض في مرضٍ نشأ عنه الموت يخرج من الثلث ، مع دخوله تحت اسم المرض عرفاً ، فلا يدخل في الحكم ما استند الموت فيه إلى قتل أو مرض مستقلّ لم ينشأ عنه.
نعم لو نشأ عنه كان بحكمه ، ولا يدخل فيه بعض الأمراض التي لا يعرفها سوى الحُذّاق ، وأهل البصيرة من الأطبّاء.
ومن قُدّم إلى الصلب ، أو أشرف على الغرق ، أو السقوط من السطح ، أو أكل شي ء من السم فمات ، وقد كان وقف بعد حصول السبب لا يسري إليه حكم المرض.
وفي حكمه جميع التبرّعات من الهبات ، والصدقات ، وجميع زيادات المعاوضات ، وتكفي المظنّة في استناد الموت إلى ذلك المرض.
ولو شكّ في حدوث مرض جديد ، بنى على عدمه. ولو أوقع الصيغة صحيحاً وأقبض مريضاً ، كان المدار على الإقباض ، ولو كان في أثناء الصيغة بجميع الأقسام صحّ كان أولى.
ص: 269
ولو رتّب في أداء ، أو بينه وبين غيره من القربات ، بدأ بالأوّل فالأوّل ، ولو اشتبه الترتيب أُقرع ، وهكذا جميع ما يتوقّف على القبض.
ولو وقف الفضولي وأقبض ، فأجاز المالك حال المرض ، كان من الأصل على الكشف في وجه ، ومن الثلث على النقل. ولو زاد على الثلث ، صحّ فيما ساواه وبطل في الزائد ، إلا مع إجازة الوارث.
أنّ كلّ وكيل ترك قيداً اعتبره المالك ، من صفة ، أو زمان ، أو مكان ، أو شرط إنّما عهد به المالك إليه ، رجع فضوليّاً ، يتوقّف على الإجازة.
أنّ كلّ من تعلّق به ضمان الوقف ، عامّاً أو خاصّاً ، لتلفٍ أو تعدّ أو تعويض ، من أهله أو لا ، وفي ضمان من كان من أهله بنيّة الغصب وجه قوي ، لزمه ضمانه بمثله إن كان منه مِثليّ ، وبقيمته في القِيميّ ، أو يجعل وقفاً على النحو السابق إن عامّاً فعامّا ، أو خاصّاً فخاصّاً على نحو ما كان ، ولا يحتاج إلى صيغة جديدة ، ولا قبض جديد ، فقد يُغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، ويجري في التوابع ما لا يجري في المتبوعات.
أنّه لا يدخل فيه خيار ، ولا خيار الشرط ، فلو شرطه فيه فسد الشرط والعقد وإن قصد به الاستقلال ففي فساد العقد إشكال.
ولا خيار الاشتراط ، فلو اشترط شرطاً سائغاً كان ثمرته وجوب الوفاء به ، ومع التخلّف عنه يكون غاصباً ويُجبر عليه ، ولا فساد ، ولا خيار من جهته.
ولا خيار الحيوان ، ولا خيار التبعيض ، ولا خيار العيب ، ولا خيار التدليس ، ولا خيار الغَبن ، ولا غيرها على إشكال في بعض الأقسام.
ص: 270
أنّ نفقة الموقوف تلزم الموقوف عليه في الوقف الخاصّ ، أمّا على القول بالملك فواضح ، وعلى الأخر باعتبار انحصار منافعه فيه فهو كالمملوك ، وعند ذلك يمكن أن يقال في الوقف العام ، فيؤخذ من سهامهم من الحقوق إن كانوا من أهلها ، وإلا وجب الإنفاق من بيت المال.
ملك المنافع للموقوف عليهم ، في عامّه للعموم ، وخاصه للخصوص ، ويجري فيها حكم الأملاك ، ومنها نتاج الحيوان وفُسلان (1) الشجر وما يتبعها ، مع عدم اشتراط الوقف فيها ، فإن شاءوا باعوا ، وإن شاءوا أجروا كما يصنع الملّاك.
لا يجوز للموقوف عليهم نكاح الموقوف ، مع القول بالملكية وعدمه ، عامّاً كان أو خاصّاً ، فلو وطئ أحدهم كان ضامناً للعُقر (2) ، وقيمة الولد ، ويكون مصرفه مصرف النماء. والفوائد تعطى لأهل الوقف ، وينقص منه مقدار حصّته على الأقوى.
وقف الحامل لا يدخل فيه الحمل المتكوّن قبل العقد ، وما كان بعد تمام العقد من الفوائد ، ولا ثياب المملوك ، ولا سرج الفرس ، ورحلها ، ولا الطلع المؤبّر (3) ،
ص: 271
ولا الثمرة الخارجة عن الأكمام (1) ، ولا ما كان في السفينة أو الصندوق ، ولا قراب السيف ونحوه ، ولا ما يوضع فيه المصاحف والكتب والأجناس والنقود ، وكلّ مظروف بالنسبة إلى ظرفه ممّا لم يحكم العرف بكونهما بمنزلة الواحد.
أنّه إذا جُني على الموقوف ، كانَ الاستيفاء للموقوف عليه ، قصاصاً كانَ أو دية ، أو مثلاً أو قيمةً ، إن كان خاصّاً ، وكان من القصاص إلى الحاكم ، والدية في مصرف الموقوف عليهم إن كان عاما. وفي المقامين إن كانت الدية دية نفس اشتري عوضها وجُعل وقفاً ، وإن كانت دية جارحة كانت كالنماء ، ويحتمل لحوقها بالسابق.
أنّه لو كان الموقوف وصياً ، أو مجتهداً ولم يكن ناظر شرعي أو كان ، فهل يكتفي بنفسه عن غيره أو لا؟ الأقوى عدم الاكتفاء ، ولا فرق بين القن والمبعّض.
أنّ الموقوف لا يملك شيئاً ، وجميع ما بيده للموقوف عليهم. وإذا أبقى شيئاً بعد موته كان للموقوف عليهم ، وحاله حال النماء ، وفي المبعّض يوزّع.
إذا اختلط الوقف بالحرام وجهل الصاحب والمقدار ، أُخرج الخمس لبني هاشم
ص: 272
وحلّ ، أو يرجع فيه إلى القرعة ، أو إلى الصلح القهري.
أنّه لو دار بين الأنواع من عامّ وخاصّ ، ومطلق ومقيّد ، وتشريك وترتيب ، ومما يعمّ الذكور والإناث ، وما يخص أحدهما ، أو ما يعمّ الرحم وغيره والوارث وغيره ، وما يخصّ أحدهما ، فالحكم تقديم الأوائل على الثواني ؛ فلو دارَ بين الملك لمن في يدهم وبين الوقف ، حكم بالملك ، وقد مرّ بيان شطر منه.
أنّه لو أخذ من مال الزكاة شيئاً ، وجعله المجتهد وقفاً في سبيل اللّه ، كان ميراثه إذا أعتق لأهل الزكاة.
أنّه لا يجوز وقف المشتركات على أرباب الحصص جميعاً من مجتهد وغيره ؛ لأنّه من الوقف على المالك ، والتخصيص رافع للشركة ، والوقف على أربابها سائغ من المجتهد.
أنّه لو وقف على جماعة ، فقبلَ بعض ، وردّ بعض ، جرى الوقف في القابل وأعقابه وأعقاب الرادّ ، دونه.
أنّه لو وقف على غير القابل ، فصار قابلاً في أثناء العقد أو بعده قبل القبض وكذا فاقد الشرط وصحّته إذا وجدها كذلك بَطَلَ.
ص: 273
أنّه إذا وقف شيئاً على جهة ، فزادت فوائده على مصارفه ، جعل الزائد في أمثاله الأقرب فالأقرب ، وإذا وقف مرتّباً أو وقفه جماعة كذلك ، فكان المتقدّم مجزياً والأخر لا مصرف له ، احتمل البطلان فيه ، وقصر الصحّة على المتقدّم ، والصحّة فيه ، وصرفه على أمثاله.
أنّه إذا نذر أو عاهد أو حلف أن يقف شيئاً معيّناً على نحوٍ ، فنسي فجعله على نحوٍ آخر ، قوي البطلان ، ولزوم الإعادة. ولو نذره على نحوٍ مطلق ، فنسي ، فجعله بنحوٍ آخر ، احتمل البطلان ولزوم البدل ، والصحّة ، ولزومه.
أنّ نفقة الموقوف من المالك على الموقوف عليهم إن قلنا بملكهم ، وإلا ففي كسبه ، فإن عجز رجع إليهم ، ولو عتق معارض كانت نفقته على نفسه.
أنّه إذا قتل الموقوف عليه قصاصاً بَطَلَ الوقف ، وإذا قتل بوجه تضمن ديته إلى الموقوف عليهم ، فالأقوى أنّه يلزم شراء عوضه ووقفه.
أنّه إذا أجر بطن من البطون الوقف إلى مدّة ، ثمّ انقرض المؤجر قبل انقضاء المدّة ، انفسخت الإجارة ، ورجع المستأجر بمقدار مقابل ما بقي له من المدّة عل تركة المؤجر.
ص: 274
وإذا أجره الناظر وكان عامّاً ، أو المجتهد والمنصوب من الواقف على العموم ، مضت إجارته على البطون ؛ وإن كان ناظراً خاصّاً بسنين معدودة أو أوقات مخصوصة معيّنة في السنين ، مضت الإجارة على مقدار سلطانه ؛ فإن زاد ، رجع كالأوّل.
أنّه بعد أن تبيّن أنّ الوقف يصحّ من بعض أقسام الكفّار ، وأهل الباطل من المسلمين ، كان ذلك بين قسمين : ما عُيّن للعبادة من البيع والكنائس والمساجد والمدارس ونحوها ، وما ليس كذلك.
فالقسم الثاني يشترك (1) فيه الجميع ، وأمّا الأوّل فالظاهر تحريمه عليهم ، لأنّه عُيّن للعبادة ، ومعناها الصحيحة التي تُطلب شرعاً ، ولا تكون إلا من أهل الحقّ ، وتكون مخصوصة بهم ، وإن أجريناهم لاقتضاء الحكمة مجراهم.
أنّه ليست الوقفية كالحريّة في أنّ الأصل ثبوتها حتى يعلم خلافها ، وإنّما الحال في الوقفيّة بالعكس ، فهي كحال الحريّة العارضية.
ولو وجد شي ء مكتوب عليه الوقفيّة ومعه رسوم معتبرة ، حكم بوقفيته ، وإن لم يبلغ حدّ العلم ، وإلا ضاعت الأوقاف ؛ لأنّ الكثير منها كالكتب ونحوها لا يحصل فيها شياع ، ولا تقوم عليها بيّنة ، وإنّما طريقها الكتابة ، والظاهر من أحوال السلف استمرار سيرتهم على ذلك.
أنّه إذا وجد شي ء في يد مسلم قد تصرّف به تصرّف الملّاك في أملاكهم ، أو ادّعى
ص: 275
ملكيته ، وقد علم أنّه كان وقفاً ، حكمنا بالوقفيّة على قولنا ، واحتمال تقليد الغير قبل ثبوته لا اعتبار به. وعلى قول من جَوّز بيع الوقف لبعض الجهات ، مع احتمال شي ء منها يحكم لصاحب الدعوى وللمتصرّف بالملك.
أنّه لو علم أن على شي ء يداً متصرّفة ، ثمّ جهل صاحبها جهلاً مطلقاً بحيث لا ترجى معرفته ، ولم يعلم أنّه وقفه أو لا؟ دخل في حكم مجهول المالك ، يتصدّق به على الفقراء.
أنّه لا بأس بأخذ شي ءٍ للتبرّك من الأوقاف بعد أولها إلى الخراب ، كنقض المساجد دون ترابها وحصاها والمشاهد المشرّفة ، والكعبة ، وثيابها ، وفرشها ، وآلاتها ، ونقض صناديقها ، ونحو ذلك ، ويقوى جواز بيعها ونقلها وانتقالها ، وفي تسرية ذلك إلى فاضل الشمع والأدهان وجه قوي.
أنّ جميع الأوقاف العامّة من مساجد ، ومدارس ، ومقابر ، ورُبُط ، ونحوها إذا خربت وتعطّلت ، جاز للحاكم إيجارها لو منع آخر ، مع ضبط الحجج والإشهاد ؛ ليغلب وضعها على أصلها.
إنّ الأوقاف كالمساجد ونحوها للحاكم أو من قام مقامه التصرّف فيها لمصالحها ، كحفر بئر ، وغرس شجر للاستظلال ، وبناء بيت للخدّام ، ووضع مكان مرتفع للأذان ، ونحو ذلك.
ص: 276
وكلّ شي ء لا ينتفع به يجوز إخراجه ، وتراب المسجد وحصاه إن دخل في الكناسة أُخرج.
وفيه مطالب
الحبس في اللغة : المنع عن الحركة أو التصرّف بعينٍ أو منفعة ، وقد يُعبّر عندهم بالوقف.
وفي العرف العامّ : المنع عن الحركة بقيدٍ أو سجنٍ أو نحوهما ، وقد يقال أو نظر ونحوه.
وفي الشرع على وجه الحقيقة المبتدئة أو المنقول أو المجاز : عبارة عن حبس المنفعة وبقاء العين على حالها ، فنسبته إلى الوقف كنسبة الإجارة إلى البيع ونحوه ، ممّا تنقل فيه العين وتتبعها المنفعة.
وسُمّي حبساً ؛ لأنّه تحبيس المالك عن التصرّف في المنفعة ، أو تحبيس المنفعة عن تصرّف المالك بها ، وبعد تحقيق أنّه معنى جديد شرعيّ يكون بمنزلة المجمل.
فكلّما يحتمل دخوله على وجه الشطرية أو الشرطية يحكم بدخوله ؛ لأنّ الأصل بقاء الشي ء على حاله ، وعدم تأثير العقد ، فيحكم باعتبار القربة فيه ، وفي التعبير عنه بالوقف وإدخاله في أقسامه وفي أقسام الصدقات أبيَنُ شاهد على ما قلناه.
يُعتبر في الإيجاب فيها ما هو صريح فيها بنفسه ، كحبست وعمرت وأرقبت ؛ أو مع القرينة ، كأسكنت ، وسبّلت ، وخصّصت ، ووقفت ، وتصدّقت ، ونحوها ، ولا تصحّ من دونها.
ص: 277
ولا يجوز ما كان من الألفاظ بعيداً منه ، مع القرينة وبدونها ، كلفظ بعت ، وآجرت ، ووهبت ، ونحوها.
وكذا في القبول ، فمن القسم الأوّل : قبلت ، ورضيت. ومن القسم الثاني : سمعت وأطعت ، وامتثلت. ومن القسم الثالث : اشتريت ، واتهبت.
ويُشترط فيهما : القصود المذكورة في صيغة الوقف ، والإنشائية ، والماضويّة وترتيب القبول ، وعدم الفصل الطويل بينهما ، وعدم نثر الحروف ، وتغني الجملة الاسمية مُفيدة معنى الماضوية من الصريحين ، ولا تُشترط العربيّة ، بل يكتفى بجميع اللغات ، ويجزي القبول الفعلي عن القولي على أصحّ الوجهين.
وفي اشتراط إباحة القول في ذاته ؛ لصدوره من مستقلّ أو مأذون ، وبالعارض ولا يقرر في الغناء ، وسماع غير المحارم ، وعدم رفع الصوت خارقاً للعادة وجه.
ولا يكفي قول «نعم» في جواب من قال هل حبست؟ عن الإيجاب ، ويقوى الاكتفاء بها في جواب من قال هل قبلت؟ ويجري هنا مثل ما ذكرنا في صيغة الوقف.
الثالث : في بيان مطلق المتعاقدين ، ويُشترط فيهما ما مرّ في باب الوقف ، فيجري فيهما الثمانية عشر المذكورة هناك.
الرابع : في بيان ما يختصّ بالموجب ، ويجري ما ذكرناه في حكمه.
الخامس : فيما يختصّ بالقابل ، ويجزي عنه أيضاً ما جُوّز هناك.
السادس : في الحابس : وشروطه شروط الواقف ، من ملك العين والمنفعة ، فلا يصحّ حبس المحبوس عليه ، ولا المستأجر ، ولا جميع ما كانت عينه أو منفعته لغير الحابس. وتماميّة الملك ، فلا يجوز حبس الوقف ، والرهن ، ومال المفلس ، وما فيه خيار أو شفعة ، وإن كان القول بالصحّة مع الكشف فيهما غير خالٍ عن الوجه. و
ص: 278
يجري في الفضولي وأحكامه مثل ما مرّ ، وباقي الشرائط المذكورة هناك جارية هنا.
السابع : في المحبوس ، ويُعتبر فيه مثل ما ذكرناه ، من كونه مذكوراً ، فلا ينعقد بإطلاق قوله : حبست ؛ وموجوداً حين الحبس ، فلا ينعقد في المعدوم ؛ ومتعيّناً بذاته أو الأول إليه ، ومعلوماً ، وعيناً لا منفعة ، ولا ديناً ، وحلالاً قابلاً للتطهير إلا ما استثني ، ونافعاً نفعاً معتبراً ، وقابلاً للانتقال إلى المحبوس عليه ، وغير مُعِين على معصية ، وقابلاً للبقاء بمقدار زمان الحبس ، وطلقاً ، وغير داخل في مشتركات المسلمين.
الثامن : في المحبوس عليه ، ويجري فيه من الشروط ، وحكم المفاهيم والمصاديق نظير ما جرى في الموقوف عليه.
التاسع : في الناظر ، ويجري هنا حكم القسمين : أمّا الأصلي فحيث يكون المحبوس عليه ناقصاً ولا ولي له ، وأمّا الجعلي فلا أرى مانعاً منه ، فله أن يشترط ناظراً عامّاً وخاصّاً مطلقاً ومقيّداً.
ويعتبر في المقامين ما اعتبر في ناظر الوقف شرعاً في الشرعي ، وفي الجعلي حيث يكون متعلّقاً ببعض الأعقاب ، ويجزي مثل أحكامه في الأُجرة وغيرها نحو ما جرى هناك.
العاشر : في الشروط ، وهي قسمان كما ذكر هناك أصليّة شرعيّة ، وجعلية مالكية.
القسم الأوّل : الشروط الأصلية ، وهي مع الإضافة إلى ما اعتبر في الصيغة ، وفي الموجب ، والقابل ، والواقف ، والموقوف عليه ، والموقوف ، فإنّه يجري في صيغته ، ومن حبسه ، وقابله ، والحابس ، والمحبوس عليه أُمور :
أحدها : عدم الخروج عن ملك الحابس أو قصد الخروج ، واعتبار الانقطاع ،
ص: 279
فينقلب انقلاباً تقييديّاً ، فلو جعله دائماً مع الخروج دخل في الوقف ، وخرج عن كونه حبساً. وفي جواز الانقطاع من الابتداء أو المركّب أو الوسط بحث ، والأقوى جوازه.
وكلّ وقف منقطع الأخر عادة راجع إلى حكم الحبس ، ولا بأس بدوام الحبس ودوام المحبوس عليه ، مع عدم النقل من الحابس إلى غيره أو إليه ، ولا فرق في قطع الابتداء والوسط والآخر والمركب بجميع وجوه التراكيب بين أن يترك الذكر أو يذكر غير القابل من مملوك ونحوه.
ثانيها : القبض على نحو ما ذُكر في الوقف ، لتسميته وقفاً ، وفي انقلابه وقفاً إشارة إليه ، ودخوله في قسم الصدقات ، وقبض الوليّ. ولو تعدّد المحبوس عليهم ، وقبض بعض دون بعض ، صحّ للقابض دون غيره ، وقد مرّ بيان معنى القبض ، وجريان حكم الفضولي فيه وبيان أحكامه.
ثالثها : القربة ، لمثل ما ذكرناه في مسألة القبض ، وقد تبيّن حالها بما لا مزيد عليه.
رابعها : إخراج الحابس نفسه عن الحبس ، فإن حبس على نفسه شيئاً ، بطلَ الحبس فيه ، إن كلا فكلّ ، وإن بعضاً فبعض.
خامسها : الرجحان لتمكّن نيّة القربة على نحو ما مرّ ، ولو جمع بين جامع الشرائط وغيره اختصّ الوقف بالجامع.
القسم الثاني : في الشرائط الجعلية ، ومنها صحيحة ، ومنها فاسدة.
القسم الأوّل : الصحيح منها ، وهي أُمور :
منها : اشتراط النظارة للحابس أو أولاده وأرحامه ، أو غيرهم ، مرتّباً أو مُشتركاً أو منضمّاً للزّمان أو المكان ، ونحوهما على نحو ما سبق.
ولو أطلق فلا ناظر ، ومع عدم كمال المحبوس عليه يتولاها الولي الإجباري ، ثمّ الوصيّ ، ثمّ الحاكم.
ومنها : اشتراط الترتيب أو التشريك ، أو الصنفين في زمانين ، أو القسمين ، ومنها : اشتراطه في المحبوس عليه ، من علمٍ أو صلاح أو مذهب أو طريق خاصّ ، وهكذا.
ص: 280
ومنها : ما يُشترط في المحبوس من صفة خاصّة ووضع خاصّ.
ومنها : اشتراط التعمير من منافعه ، أو من مال الحابس ، أو المحبوس عليه ، إلى غير ذلك.
القسم الثاني : الشرائط الفاسدة ، وهو كلّما نافى العقد ، كاشتراط عدم انتفاع المحبوس عليه ، أو اشتراط أن تكون المنفعة للحابس ، أو أن ترجع إليه قبل تمام الحبس ، أو أن يؤجره في مدّة الحبس ، أو اشتراط انتقال العين إلى المحبوس عليه ، أو اشتراط ترك واجب أو فعل حرام ، أو اشتراط ما لا نفع فيه ، ونحو ذلك ، ومتى اشترط فيه شرط فاسد فسَدَ.
الحادي عشر : في أقسامه :
وهي ثلاثة : سكنى ، وعمرى ، ورقبى.
والأوّل أعمّ من الأخيرين من وجه ، وبين الأخيرين تباين ، وهي معانٍ شرعيّة حقيقيّة تعيينيّة أو تعيّنيّة ، والجميع داخل تحت الحبس ، وإنّما ينطبق على الخصوص بالقيد الأوّل.
ويُعتبر في الجميع صيغ تُوافق معناها ، مشتملة على الإيجاب والقبول ، مشترطة بشروط صيغة الوقف السابق ذكرها ، والظاهر الاكتفاء بالقبول الفعلي.
القسم الأوّل : السكنى ، وصيغتها : أسكنتك ، وهي مختصّة بالمساكن عامّة ، لما أُطلق أو قُيّد بالعمر أو المدّة فكان عمرى ورقبى ، وقد يُراد بها ما خلت عن ذكر العمر والمدّة فتكون مباينة لهما ، والإسكان قد يتعلّق بأمكنة أو دور متعدّدة أو بيت خاصّ من دار أو بعض بيت على نحو ما شرط.
القسم الثاني : العمرى ، وهي ما تعلّق بعمر الحابس ، كأن يقول : أعمرتك الدار مدّة عمري. أو بعمر المحبوس عليه ، كأن يقول : مدّة عمرك ، أو أيّام عمرك ، أو بعمر خارجيّ. ولو أطلق التعمير فسدت ؛ للجهالة ، ما لم تقُم قرينة التعيين أو أعمرناك مع التعدّد ، تحققت العمرى ، ويقوى مثله فيما لو قيّد بعمرى بهيمة أو بقاء جار
ص: 281
أو ركب. ولو عدّد الأعمار أو رقبة وقيّد بانقضائها ، دخل في العمرى ، ويجزي أن يقول : هي لك عُمرَك أو عُمري.
القسم الثالث : الرقبى ، مأخوذة من الارتقاب ، وهو ما قيّد بزمان معلوم ، كسنة أو سنتين أو ثلاث ، ولو أسكن سنتين بإيجاب واحد ، كأن يقول المالك : أسكنتك كذا كذا زماناً ، وكذا مدّة عمري ، اجتمعت العمرى والرقبى.
ولو قال : بمقدار عمر فلان ، وقد مات وعلم المقدار ، دخل في الرقبى.
وينقسم بأقسامها الثلاثة : وعام لجميع المنافع ، وخاصّ إلى تشريك وترتيب ، ومركّب منهما ، مع الاتصال ، وفي الانفصال إشكال.
الثاني عشر : في الأحكام ، وهي عديدة : منها : أنّه يجوز للحابس بيع المحبوس ونقله بأنواع نقل الملك ، ورهنه ، وعتقه ، ووقفه ، وإجارته في مدّة بعد انقضاء مدّة الحبس أو في منفعته غير المنفعة المحبوسة ، وحبسه كذلك ، وفي النقل بالعوض ، مع عدم علم المنقول إليه يثبت الخيار.
ومنها : أنّه لا يثبت شي ء من الخيارات من خيار شرط وغيره ، ولا يثبت الخيار مع الغبن واستحقاق الشفعة ، وإذا كان للحابس خيار بطل الخيار ، وصحّ الحبس.
ومنها : أنّه لا يجوز للمحبوس عليه الإيجار ، وإسكان من عداه سوى توابعه ، وله إدخال الضيف ، وطالب الحاجة.
ومنها : أنّه إن خرب المحبوس وانتقل عن صورته ، بطل الحبس. ولو انهدمت جدران الدار أو الحمّام مثلاً ، بطل. ويحتمل بقاء تعلّق الحكم بما بقي من أرض وغيرها.
ومنها : أن الحبس إن قيّد بعمرٍ أو بمدّة معيّنة ، لزم إلا بعد ذهاب ذلك العمر. وتلك المدّة ، فيعود إلى الحابس أو ورثته ، ويلزم المحبوس عليه ، وليس له الردّ فيما للحابس فيه الردّ فضلاً عن غيره.
ومنها : أنّه إذا حبس القابل وغير القابل ، أو على القابل وغير القابل ، صحّ في القابل ، دون غيره.
ص: 282
ومنها : أنّه لو حبس الفضولي فأجاز المالك ، صحّ. ويجري فيه ما جرى في الوقف ، وكذا في إجارة القبض ، وإجازة الإجازة.
ومنها : أنّ نيّة القربة تُقارن بها الصيغة ، ولا تشترط في الإقباض ، والإتيان بها فيهما أقرب إلى الاحتياط.
ومنها : أنّها إن علّقت بعمر المالك ومات ، رجعت إلى وارثه. وإن علّقها بعمر المعمّر فمات ، رجعت إلى المالك ؛ ولو أدخل معه عمر أولاده أو غيرهم ، رجع بعد موتهم إلى ذلك.
ومنها : أنّه لا يجوز الرجوع في العمرى والرقبى ، ويجوز في الإسكان المطلق ، وربّما يؤذن بعدم اشتراط العمرية.
ومنها : أنه إذا ردّد بين العمر والوقف فسد إسكانه.
ومنها : أنّ المالك إذا باعَ فسد إسكانه ؛ لا إرقابه ، ولا إعماره.
ومنها : أنّه لو حبس العبد أو الأمة على خدمة مسجد أو مشهد أو معبد ، أو الفرس والبقر في سبيل اللّه ، خرج عن الملك بالعقد ، وكان لازماً ، بخلاف الحبس على الإنسان ، فإنّه يعود إلى الحابس بعد انقضاء المدّة ، ما لم يكن شرط فيتّبع.
ومنها : أنّ حبس العين لا يقتضي حبس نتائجها ، ومواليدها ، إلا مع الشرط.
ومنها : أنّ حبس المشاع لا مانع منه ، سواء كانت الحصّة الأُخرى وقفاً أو طلقاً ، ولا يمنع المالك عن القسمة ، فإذا قسّم انحصر حقّ المحبوس عليه في حصّة الحابس.
ومنها : أنّه لا تصحّ القسمة بين المحبوس عليهم ، مع تعلّق الحبس بالأعقاب ، ومع عدمه ورضاهم بقسمة المالك لم يكن بأس في أحد الوجهين.
ومنها : أنّ المحبوس لا يجوز له التصرّف في المحبوس ، ولا يجب إزالة ما فيه ممّا يخلّ بالسكنى ، بخلاف المؤجر ، ويجب على المحبوس عليه إخراج ما أحدث منه من كناسة ونحوها.
ومنها : أنّه لا يلزم على الحابس ولا المحبوس عليه إصلاح ما حدث من انهدام جدران أو وقوع سقف ونحو ذلك.
ص: 283
ومنها : أنّه لو حبس شيئاً لم يكن له الانتفاع به إلا فيما لا يدخل في المنفعة المحبوسة ، وله التردّد إليه لإصلاحه من الفساد ، ولو شرط منفعة أخرى لنفسه أو خصّص المنفعة فلا بأس.
ومنها : أنّه لا بأس بتحبيس أمّ الولد ، والمكاتب المشروط أو المطلق قبل التأدية ، والجزء بعد أداء البعض ، وإذا حصل شرط الحريّة انفسخ التحبيس الجائز ، وبقي اللازم إلى وقته ، وقد يقال : بانفساخه أيضاً ، وفي الانتقال إلى مالك آخر يبقى اللازم.
ومنها : أنّه لو دار بين الحبس والوقف احتمل تقديم الأوّل ، ويُحتمل الثاني ، لتحقّق اليد بالقبض ، ولا سيّما على القول بالملك ، والأقوى تقديم الأوّل.
ومنها : أنّه لو حبس في زمن موته حبساً لازماً أخرج مقابلة منفعته من ثلثة. هذا آخر ما كتبه قدّس اللّه روحه ونوّر ضريحه في العبادات الداخلة في العقود ، ولنشرع فيما كتبه رحمه اللّه في الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن شاء اللّه تعالى.
ص: 284
ص: 285
ص: 286
الجهاد
وفيه أبواب
وفيه مباحث :
الجهاد ينقسم ، من جهة اختلاف متعلّقاته ، إلى أقسام خمسة :
أحدها : الجِهاد لِحِفظ بَيضة الإسلام إذا أرادَ الكفّار المستحقّون لغضب الجبار الهجوم على أراضي المسلمين ، وبُلدانهم وقراهم ، وقد استعدّوا لذلك وجمعوا الجموع لأجله ؛ لتعلوا كلمة الكُفر ، وتهبط كلمة الإسلام ، ويضربوا فيها بالنواقيس ، ويبنوا فيها البيع والكنائس ، ويعلنوا فيها سائر شعائِر الكُفر ، ويكون الشرع باسم موسى وعيسى عليهما السلام ، ويشتدّ الكفر ويتزايد باستيلاء القائلين بالتثليث وغيرها من المناكير ، النافين في الحقيقة لوحدة الصانع الخبير ، كالفرقة الأُروسيّة خذلهم اللّه بمحمّد وإله.
ص: 287
والواجب هنا : أنّه إن حَصَلَ من يقوم بذلك ، سقطَ عن المُكلّفين ، وإلا وجبَ على جميع أهل الإسلام ممّن له قدرة على الهجرة ومدخليّة في إذلال العدوّ ، وكلّ من له قابليّة لجمع الجنود والعساكر أن يقوم بهذا الأمر مع غيبة الإمام وحضوره عليه السلام ، ويُعتبر الاستئذان منه ، وحضور المجتهد وغيبته على نحو ما سيجي ء ، وله الأخذ من أموال المسلمين بقدر الحاجة.
ثانيها : الجهاد لدفع الملاعين عن التسلّط على دماء المسلمين وأعراضهم بالتعرّض ، بالزنا بنسائهم ، واللواط بأولادهم ، ويجب ذلك على من غابَ أو حضر مع عدم قيام الحاضرين به.
ويجوز للرئيس المُطاع في هذا القسم أن يأخذَ من أموالِ المُسلمين ما يتوقّف عليه دفع عدوّهم ، مع قيامهم بالدفع ، مع حضور الإمام عليه السلام وعدم تسلّطه ، أو غيبته ؛ وحضور المُجتهد ، وغيبته ، وطلب الإذن منه أولى.
ثالثها : الجهاد لدفعهم عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفّار ، فخيف من استيلائهم عليها.
رابعها : الجهاد لدفعهم عن بُلدان المسلمين وقُراهم وأراضيهم ، وإخراجهم منها بعد التسلّط عليها ، وإصلاح بَيضة الإسلام بعد كسرها ، وإصلاحها بعد ثلمها ، والسعي في نجاة المسلمين من أيدي الكَفَرَة الملاعين.
ويجب على المُسلمين الحاضرين والغائبين إن لم يكن في الثغور من يقوم بدفعهم عن أرضهم أن يتركوا عيالهم وأطفالهم وأموالهم ، ويهاجروا إلى دَفعِ أعداء اللّه عن أولياء اللّه.
فمن كان عنده جاه بذل جاهه ، أو مال بذل ماله ، أو سلاح بذل سلاحه ، أو حيلة أو تدبير صرفها في هذا المقام ، لحفظ بيضة الإسلام ، وأهل الإسلام من تسلّط الكفرة اللئام.
ص: 288
وهذا القسم أفضل أقسام الجهاد ، وأعظم الوسائل إلى ربّ العباد ، وأفضل من الجهاد لردّ الكفّار إلى الإسلام ، كما كان في أيّام النبي عليه وإله أفضل الصلاة والسلام.
ومن قُتل في تِلكَ الأقسام ، يقف مع الشهداء يوم المحشر ، واللّه هذا هو الشهيد الأكبر ، فالسعيد من قُتل بين الصفوف ، فإنّه عند اللّه بمنزلة الشهداء المقتولين مع الحسين عليه السلام يوم الطفوف ، قد زُخرفت لهم الجنان ، وانتظرتهم الحور والولدان ، وهم في القيامة أضياف سيّد الإنس والجانّ.
فمن عَلِمَ بأنّه يَجب عليه أن يقبل منّي الكلام ، ويأخذ عنّي الأحكام الواردة عن سيّد الأنام ، فليخرج سيفه من غمده ، ويرفع رمحه من بعده ، وينادي بأعلى صوته : أين غِيرَة الإسلام؟ أين الطالبون بثارات شريعة سيّد الأنام؟ أين من باعوا أنفسهم بالجنان والحور والولدان ، وفي رضا (1) الربّ الرؤوف الرحمن؟ أين عبيد سيّد الأوصياء؟ أين الطالبون لأن يكونوا من شهداء كربلاء؟ أين الدافعون عن شريعة سيّد الأُمم؟ أين الذين روي في حقّهم : أنّ أكثر أنصار صاحب الأمر العجم (2).
خامسها : جِهاد الكُفر والتوجّه إلى محالّهم ، للردّ إلى الإسلام ، والإذعان بما أتى به النبيّ الأُمّي المبعوث من عِند الملك العلام ، عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
وهذا المقام من خواصّ النبيّ والإمام ، والمنصوب الخاصّ منهما ، دون العام ؛ ويختصّ به بعض الأحكام ، كما سيجي ء بيانه في تفصيل الأقسام ، وباقي الأقسام يشترك فيه جميع الأنام.
فكلّ من هذه الأقسام الخمسة مندرج في الجهاد على سبيل الحقيقة ، ويجري على قتلاهم في المعركة حُكم الشهيد في الدنيا والآخرة ، فيثبت لهم في الآخرة مع خلوص
ص: 289
النيّة ما أعدّه اللّه للشّهداء من الدرجات الرفيعة ، والمراتب العليّة ، والمساكن الطيّبة ، والحياة الدائمة ، والرضوان الذي هو أعلى من كلّ مكرمة.
ويسقط في الدنيا وجوب تغسيلهم وتحنيطهم وتكفينهم إذا لم يكونوا عُراة ، فيدفنون في ثيابهم مع الدماء ، ولا يُنزع شي ء منها ، سوى ما كان من الفراء والجلود ، وسوى ما كان إبقاؤه مُضرّاً ضَرراً عظيماً على الوَرَثَة ، إذا قُتِلَ بين الصفين وأدركه المسلمون ولم يكن به رمق الحياة.
أحدها : أنّه يُشترط في الجهاد بالمعنى الأخير وهو ما أُريد به الجَلب إلى الإسلام حُضور الإمام أو نائبه الخاصّ ، دون العامّ ، ولا يُشترط في الأقسام الأربعة المتقدّمة ذلك.
فإنّ الحكم فيها : أنّه إن حَضَرَ الإمام ووسّدت له الوسادة ، توقّفَ على قيامه ، أو قيام نائبه الخاصّ. وإن حضر ، ولم يتمكّن ، أو كان غائباً ، وقام (1) النائب العام من المجتهدين الأفضل فالأفضل ، فهو أولى.
وإن عَجَزَ المجتهدون عن القيام به ، وجبَ على كلّ من له قابليّة السياسة وتدبير الحروب وجَمعِ العَساكر إذا توقّف الأمر على ذلك القيام به ، وتجب على المسلمين طاعته ، كما تجب عليهم طاعة المجتهدين في الأحكام ؛ ومن عصاه ، فكأنّما عصى الإمام.
ثانيها : أنّه يُستثنى من المكلّفين أصناف في وجوب الجهاد بالمعنى الأخير ، كالمريض مرضاً ضاراً ، والفقير العاجز عن النفقة مع عدم الباذل ، والراجل (2) ، والعبد ، والأُنثى ، والخُنثى ، والممسوح ، ومن عارضه الواجب من دين حالّ يُطالب به ، أو نفقة واجبة ، أو حجّ ، أو طاعة الوالدين ، ونحو ذلك.
ص: 290
ولا يُشترط في الأربعة السابقة شي ء من ذلك ، بل المَدار فيها على القُدرة وعدم العجز ، فيجب على كلّ قادر على النصرة ، من قريب أو بعيد ، الحضور في عسكر المسلمين وجوباً كفائيّاً لا يسقط إلا إذا قامَ به مَن به الكفاية.
ثالثها : أنّه لا يجوز التخلّف عن الهُدنة والأمان ، والصلح ، والعهد ، ولا يجوز الاحتيال بالكذب والتزوير في القسم الأخير ، ولا بأس بذلك في الأقسام الأُخر إذا قوي الكفّار وخيف الضرر.
رابعها : أنّه يختصّ المحاربة في القسم الأخير بما كانت مع الكفّار لجلبهم إلى الإسلام.
وأمّا في الأقسام الأُخر ، فلا يُفرّق بين الكفّار وبين المسلمين والمؤمنين إذا أرادوا ما أراده الكُفّار ، وإن كانوا على خلاف مَذهبهم ، لطَمَعِ الدنيا وحبّ الرئاسة.
خامسها : أنّه يُلحظ في القسم الأخير عدم زيادة الكُفّار على الضعف أو على عشرة أمثال كما كان سابقاً ، وليس في الأقسام الأُخر تحديد إلا بالقدرة وعدمها.
سادسها : أنّه لا يجوز الجِهاد بالمعنى الأخير في الأشهر الحُرُم ، بخلاف الأقسام الأُخر ؛ وإن تساوت ، حيث تكون الحرب مع من لا يرى لها حُرمة أو مع المبتدئ (1) منهم بالحرب. وأمّا بالنسبة إلى الحرم ، فلا مانع في الجميع.
سابعها : تخصيص الوجوب في القِسم الأخير بِمَرّة في السنة ، ولا تحديدَ في الأقسام الأُخر.
ثامنها : لزوم الدعاء إلى الإسلام قبل مُحاربتهم في القسم الأخير ، فإن أبوا وامتنعوا حوربوا ، ولا يلزم ذلك في الأقسام الأُخر.
تاسعها : أنّه ليس للإمام الأخذ من أموال المسلمين قهراً للتوصّل بها إلى الغرض المطلوب في القسم الأخير ، ويجوز للرئيس أن يتناول من الأموال إذا لم يكن عنده ما يقوم بكفاية ما يضطرّ إليه من العساكر في الدفع عن الأُمور الأُخر ، مقدار ما يكفيه في حصول الغرض.
ص: 291
عاشرها : أنّه لا ينقض عقد الجزية ، والأمان ، والهُدنة ، والصلح ، والعَهد إصرار الكفّار على عدم الامتثال لما أُمروا به من الإسلام ، وينقضه حصول واحد من الأقسام الأربعة.
حادي عشرها : أنّه لا يجب بذل مال يضرّ بحاله في القسم الأخير ، ويلزم ذلك في الأقسام الأُخر جميعاً على الأظهر.
ثاني عشرها : أنّه تجب قِسمة الغنائم بين المُجاهدين في القسم الأخير على التفصيل المقرّر ، وأمّا في الأقسام الأُخر ، فإذا توقّف الغَرض على صرفها على العساكر والجُنود ، صُرفَت من غير تقسيم.
ثالث عشرها : أنّه لا ينبغي القتل بالسم ، ولا الهجوم عليهم ، ولا تبييت العدوّ باللّيل في القسم الأخير ، والأوقات كلها متساوية في الأقسام الأربعة.
رابع عشرها : أنّ الغنيمة إذا جاءت بها سريّة بغير إذن الإمام تكون للإمام ، والظاهر أنّه مخصوص بالقسم الأخير ؛ لأنّ ذلك لا يجوز لغير الإمام ، فهو حقّه. وأمّا ما كان من غيره ، فهو للفِرقة المُقاتلة ، تُقسّم بينها قسمة الغنائم.
ثمّ إنّ هناك أنواعاً أُخر من الحرب السائغة أو الواجبة بحسب الشرع يُطلق عليها اسم الدفاع ، ولا تَندرِج على سبيل الحقيقة في اسم الجهاد.
أحدها : الدفع عن نفسه في مُقابلة عدوّ أرادَ قتله ، فإنّه يجب عليه المُقابلة متى احتملَ حصول السلامة بالدفاع ، وإن علم أنّه مقتول لا مَحالة بحيث يَقتُل ويُقتَل في الان الواحد ، استحبّ له ذلك ، وقد يقال بوجوبه.
ثانيها : الدفع عن عِرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عِرضه ، فيجب عليه ذلك ، مع ظنّ السلامة ، ولا يجوز بدون ذلك.
ثالثها : الدفع عن ماله أو مال مؤمن ، فيُستحبّ الدفاع عنه. ولا يجب إلا مع ظنّ ترتّب التلَف على فَقدِه ، كأن يؤخذ منه الماء ، وإلى أجله ، وهو في مهلكة ،
ص: 292
فيرجع إلى الدفاع عن النفس.
وهذه الأقسام الثلاثة تُسمّى دِفاعاً ، وإطلاق الجهاد عليها غير شائع. ولا يجري على المقتول فيها حُكم الشهيد في الدنيا من جهة تغسيلٍ ونحوه ، وإن عُدّوا في الآخرة من الشهداء ، وحاله كحال من أدخل في اسم الشهداء مع موته حَتف أنفه من غير قتل ، كالغريق ، والحريق ، والمبطون ، والميّت المدينة (1) ، أو نفاس ، أو طريق طاعة ، أو غُربة ، إلى غير ذلك.
الجهاد أفضل الأعمال بعد العقائد الإسلاميّة والإيمانيّة ، حتّى من الصلوات اليوميّة وإن كان لها في نفسها مَزيد فَضلٍ عليه لكنّهُ أفضل بحسب الجِهات الخارجيّة ؛ لأنّ الطاعة لله والعبوديّة له فرع محبّته ، والعمل بجميع التكاليف مرجعها إلى حبّ اللّه ؛ لأنّ المُحبّ الحقيقي يتلذّذ بخدمة المحبوب ، وكلّما فعل المحبوب محبوب.
فمتى أطاعَ في أشقّ الأشياء عليه على زيادة إخلاصه بالنسبة إليه ، فأوّل مراتب الحُبّ بذل المال في رضا المحبوب ، ثمّ تعب البدن وترك اللذات ، ثمّ بذل نفس الولد الذي هو بمنزلة النفس ، ولذلك جاء المدح من العزيز الكريم في حقّ النبيّ إبراهيم في عزمه على ذبح ولده إسماعيل (2) ، ولم يبلغ واللّه مرتبة خاتم الأنبياء ، ولا البضعة البتول الزهراء ، ولا الأئمّة الأُمناء في رضاهم بقتل سيّد الشهداء بسيوف الأعداء ، وبقائه مطروحاً على الثّرى ورأسه معلّق على القنا ، وقتل أولاده وأرحامه وأصحابه ، وسبي بناته وعياله ، وحملهم على السنان في نهاية الذلّ والصّغار ، ووقوف سباياهم بين يدي أشرّ الأشرار في كمال الذلّ والصّغار.
ص: 293
وبعد ذلك الرضا بذهاب النفس في رضا المحبوب ، كما اختار سيّد الشهداء لنفسه القتل في رضا ربّ السماء.
ثمّ ما صدرَ من سيّد الأوصياء ما هو أعجب وأغرب وأبهر ؛ لأنّ بذل النفس بائتاً على الفراش من غير ضرب ولا تعب المبارزة ودهشة الحرب أعظم في الحُبّ ، وأكبر شأناً عند صاحب اللبّ ، فبذلّ النفس أدلّ على الحبّ والاتصال بربّ العباد من الصوم ، والصلاة والحجّ والخمس والزكاة.
ثمّ إنّ ما في القرآن المُبين من الآيات ، وما في كُتب أحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه وإله والأئمّة عليهم السلام من الروايات ، أبينُ شاهدٍ على فضله وعِظَم شأنه ، ورجحانيّته ، مُضافاً إلى إجماع فِرَق المُسلمين ، بل قيام الضرورة عليه من المَذهب ، بل من الدِّين.
وأمّا الآيات
فهي كثيرة :
منها : قوله تبارك وتعالى ( فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً ) (1).
ومنها : قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ) (2).
ومنها : قوله تعالى : ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ، وَكُلًّا وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ
ص: 294
وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) (1).
ومنها : قوله جلّ اسمه ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) (2).
ومنها : قوله تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (3).
ومنها : قوله جلّ شأنه ( وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (4).
ومنها : قوله جلّ ذكره ( انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (5).
ومنها : قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (6).
ومنها : قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ ) (7).
ص: 295
وقال عزّ شأنه ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1).
وقال سبحانه ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (2).
ومنها : قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلّا قَلِيلٌ إِلّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ ) (3).
ومنها : قوله تعالى ( وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ) (4).
ومنها : قوله عزّ شأنه ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلّا قَلِيلاً قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) (5).
ومنها : قوله تعالى ( وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ) (6).
ومنها : قوله تعالى ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) (7).
ص: 296
ومنها ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ ) (1).
فعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وإله أنّه قال في حديث : «ومَن خرجَ في سبيل اللّه مُجاهداً ، فله بكلّ خطوة سبعمائة ألف حسنة ، ويُمحى عنه سبعمائة ألف سيّئة ، ويُرفع له سبعمائة ألف درجة ، وكان في ضمان اللّه ، بأيّ حَتف ماتَ كان شهيداً ، وإن رجعَ رجعَ مغفوراً له ، مُستَجاباً دُعاؤه» (2).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «فوق كلّ ذي برّ برّ حتّى يقتل الرجل في سَبِيلِ اللّه ، فإذا قُتِل في سَبِيلِ اللّه فليس فوقه برّ» (3).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «للشهيد سبع خصال من اللّه : أوّل قطرة من دمه مغفور له كلّ ذنب. والثانية : يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين ، وتمسحان الغُبار عن وجهه ، وتقولان : مرحباً بك ، ويقول هو مثل ذلك لهما. والثالثة : يُكسى من كسوة الجنّة. والرابعة : يبتدره خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة أيّهم يأخذه معه. والخامسة : أن يرى منزلته. والسادسة : يقال لروحه : اسرح في الجنّة حيث شئت.
ص: 297
والسابعة : أن ينظر وجه اللّه ، وإنّها لراحة لكلّ نبيّ وشهيد» (1).
وعنه أيضاً : «خيول الغُزاة في الدنيا خيولهم في الجنّة وإنّ أردية الغزاة لسيوفهم» (2).
وعنه أيضاً : «اغزوا تورثوا أبناءكم مجدا» (3).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنّ جبرئيل عليه السلام أخبرني بأمرٍ قرّت به عيني وفرح به قلبي ، قال : يا محمّد ، مَن غَزا غزاة في سبيل اللّه من أُمّتك ، فما أصابه قطرة من السماء أو صداع ، إلا كانت له شهادة يوم القيامة» (4).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «الخير كلّه في السيف ، وتحت ظلّ السيف ، ولا يقيم الناس إلا السيف ، والسيوف مقاليد الجنّة والنار» (5).
وعنه أيضاً : «للجنّة باب يُقال له : باب المُجاهدين ، يمضون إليه ، فإذا هو مفتوح ، وهم متقلّدون بسيوفهم ، والجمع في الموقف ، والملائكة ترحّب بهم ، قال : فمن ترك الجهاد ألبسه اللّه ذلهً ، وفقراً في معيشته ، ومحقاً في دينه ، إنّ اللّه أغنى أُمّتي بسنابك خيلها ، ومراكز رماحها» (6).
وروى الكليني بإسناده عن الصادق عليه السلام : «إنّ أبا دجانة الأنصاري اعتمّ يوم أحد بعمامة ، وأرخى عذبة العمامة (7) بين كتفيه ، حتّى جعل يتبختر ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : إنّ هذه المِشيَة يبغضها اللّه عزوجل إلا عند
ص: 298
القتال في سبيل اللّه تعالى» (1).
وروى الشيخ بإسناده عن عثمان بن مظعون ، قال : قلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم : إن نفسي تحدّثني بالسياحة وأن ألحق بالجبال ، فقال : «يا عثمان ، لا تفعل ، فإنّ سياحة أُمّتي الغزو والجهاد» (2).
وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : في خطبة له : «أمّا بعد : فإن الجهاد باب من أبواب الجنّة ، فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه اللّه الذلّ ، وسِيم الخسف (3) ، وديث (4) بالصغار (5)» (6).
وعنه صلوات اللّه عليه : «أما بعد فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة ، فتحه اللّه لخاصّة أوليائه إلى أن قال هو لباس التقوى ، ودرع اللّه الحصينة ، وجنّته (7) الوثيقة ، فمن تركه ألبسه اللّه ثوب الذلّ ، وشملة البلاء ، وديث بالصّغار والقماء (8) ، وضرب على قلبه بالاشتداد ، وأُديل الحقّ منه بتضييع الجهاد ، وغضب اللّه عليه بتركه نُصرته ، وقد قال اللّه عزوجل في محكم كتابه ( إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ) (9)» (10).
وعنه عليه السلام أنّه خطب يوم الجمل فقال في خطبته : «أيّها الناس ، إنّ الموت
ص: 299
لا يفوته المُقيم ، ولا يعجزه الهارب ، وليس من الموت مَحيص ، ومن لم يُقتل يمت ، وإنّ أفضل الموت القتل ، والذي نفسي بيده لألفُ ضربةٍ بالسيفِ أهون عليّ من مِيتةٍ على فراش» (1).
وعنه عليه السلام : «إنّ اللّه فرضَ الجِهاد ، وعظّمه ، وجعله نصره وناصره ، واللّه ما صلُحت دنيا ولا دين إلا به» (2).
وعن مولانا الباقر عليه السلام : «إنّه كتب في رسالته إلى بعض خُلفاء بني أُميّة : «ومن ذلك ما صنع في الجهاد الذي فضّله اللّه عزوجل على الأعمال ، وفضّل عامله على العمّال تفضيلاً في الدرجات ، والمغفرة ، والرحمة ؛ لأنّه ظهر به الدين ، وبه يدفع عن الدين ، وبه اشترى اللّه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة ، بيعاً مُفلحاً مُنجحاً ، اشترط عليهم فيه حفظ الحدود ، وأوّل ذلك الدعاء إلى طاعة اللّه تعالى من طاعة العباد ، وإلى عبادة اللّه من عبادة العباد ، وإلى ولاية اللّه من ولاية العباد» الخبر (3).
وعنه عليه السلام : «الخير كلّه في السيف ، وتحت السيف ، وفي ظلّ السيف» (4).
وعنه عليه السلام أيضاً : «إنّ الخير كلّ الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة» (5).
وعن مولانا الصادق عليه السلام : «من قُتلَ في سبيل اللّه لم يُعرّفه اللّه شيئاً من
ص: 300
سيّئاته» (1) ، وعنه عليه السلام : «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض» (2).
وروى الكليني بإسناده عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيّ الجهاد أفضل؟ قال : «مَن عُقرَ جواده ، وأُهريق دمه في سبيل اللّه» (3). وروى البرقي بإسناده عن منصور بن حازم ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيّ الأعمال أفضل؟ فقال : «الصلاة لوقتها ، وبرّ الوالدين ، والجهاد في سبيل اللّه تعالى» (4).
في بيان حُسن التكليف وقُبح قول من قبّحه ، قد حكم العقل بحُسنه ، ودلّ على رجحانه ، بل وجوبه بوجوه عديدة :
أوّلها : أنّ بديهة العقل تحكم بأنّ صاحب العظمة والجبروت ، والمُلك والملكوت ، يحسن منه إظهار عظمته وجبروته ، وملكه وملكوته ، حتّى يعلم أنّه اللّه ولا معبود سواه.
فإذا لم يظهر منه أمر ، ونهي ، وزجر ، ووعد ، ووعيد ، وكتاب ، وحساب ، وثواب ، وعقاب ، ضَعُفَ أمر سلطانه ، ولم يعلم علوّ شأنه ، ولم تظهر عظمته ، ولم تُعلم حكمته ، ولم يعرف غضبه ، ورحمته ، فتنقص من الصفات صفة الغضب ، والرضا ، والرحمة ، والصفح ، والنقمة.
ثانيها : أنّه يجب خلق الممكنات مختلفة الحقائق والصفات ، ولو لا اختلافها لظنّ أنّها واجبة قديمة ، وليست من الممكنات الحادثات ، ولذلك اختلفت الجمادات ،
ص: 301
وجميع أنواع الحيوانات في الأشكال والألوان ، والهيئات والصفات.
وبذلك ظهرت قدرته على جميع المقدورات ، وعلمه بجميع المعلومات ، ولو لم تختلف أحوال المكلّفين بوجه لا يوجب الجبر ، لنقصت صفة العفو عن المذنبين ، والصفح عن الخاطئين.
وحيث حصل الاختلاف بينهم عن اختيار ، لا عن إكراه وإجبار ، وجب بمقتضى الحكمة كشف أحوالهم ، وإظهار ما يقع من أفعالهم ؛ ليصل إلى كلّ ما يستحقّه.
ويأبى العقل والعدل والحكمة مساواة العبيد في إنعام المولى من دون مزيّة لصاحب القابليّة ، وعدم الفرق بين صاحب الصفة المرضيّة وبين المتّصف بأدنى الصفات الرديّة.
فوجب بذلك الاختبار بتوجيه الأوامر والنواهي من الملك الجبّار ليتميّز الأخيار بطاعتهم عن الأشقياء الأشرار ، ويظهر المستحقّ لرضا الرحمن ودخول الجنان ، والفوز بالحور العين والولدان ؛ وينكشف حال المستحقّ لغضبِ الجبّار والدخول في عذاب النار ؛ ولئلا يقولوا : لولا أرسلتَ إلينا رسولاً يُبيّن لنا الأحكام ويعرّفنا الحلال من الحرام.
ثالثها : أنّ التكليف في نفسه من أعظم اللطف وأكبر النعم ؛ لاستدعائه حصول الشرف التامّ والمنزلة الرفيعة في أعلى مقام ، حيث إنّ صفة العبوديّة لله ، والخِدمة له ، وشرف الحضور والقيام بين يديه ، وتوجيه الخطاب في الدعاء والمناجاة من العبد إليه ، وبذلك تحصل له المرتبة العظمى والمزيّة الكبرى ، والقدر العظيم ، والفخر الجسيم.
رابعها : أنّ المبدأ الفيّاض جلّ وعلا يجب عليه بمقتضى فيضه ولُطفه وكرمه أن يفيضَ نعمَه على عباده ، ويجعلهم غرقى في بحار لطفه وكرمه.
وإذا غمرتهم النعم ، وشملهم اللطف والكرم ، ولم يصدر منهم صورة العوض ، أخذهم الخجل ، وأحاط بهم الفشل ؛ لعدم صدور المقابل ، ووجدان العبد
ص: 302
نفسه غير قابل.
فمن أعظم نعماء اللّه عليه وإحسانه التامّ إليه ، أمره له بالطاعات ، وتجنّب المعاصي والتبعات ؛ ليرى نفسه أنّه قد أدّى بعض ما يقابل تلك النعم السابغات ، وإن كان كسحاب تَرِد البحر ، ثمّ تمطر عليه من مائه ، فإنّ الكلّ منه ، وكلّما كان من الحُسن صادر عنه.
خامسها : أنّ جميع ما أمر به بعد التأمّل التام ترى فيه صلاحاً للمأمور :
إمّا في إصلاح عقله أو نفسه أو بدنه ، أو أمر خارجيّ يرتبط به ، وجميع ما نهي عنه لا يخفى على صاحب الذهن الوقّاد أنّه لا يخلو من فساد ، حتّى أنّ بعض العقلاء ادّعوا أنّهم يعرفون أحكام الشرع أصولاً وفروعاً بإدراك عقولهم من تتبّع الأدلّة ، وبعض الأطباء ادّعى أنّ جميع الأغذية المحرّمة تعرف بمقتضى علم الطبّ.
وبعد بيان ذلك : كان من الواجب على اللّه بمقتضى لطفه بيان الأحكام لجميع المكلّفين من الرعية ، وبذلك يعلم المستحقّ للثواب من المستحقّ للمؤاخذة والعقاب.
والكريم إذا خلى من الحكمة ، جاز له أن يبني القصور المشيّدة ، والنمارق الممهّدة ، والمأكل والمشارب الطيّبة ، ويضع فيها الكلاب والخنازير. والعاصي إذا لم يشمله عفو اللّه تعالى أدنى رتبة منها ، وأمّا الحكيم فيضع الأشياء في مواضعها ، ويعطي كلّ عبد من عبيده ما يستحقّه.
سادسها : أنّه باعث على ترتّب اللذّات بالخدمة ، والخطاب والمناجاة لجبّار الأرض والسماوات ، وأيّ لذّةٍ أعظم من القيام بين يدي مالك الملوك ، ومكالمته وتوجيه الخطاب إليه.
سابعها : اشتماله على لذّة الوفاء ، والإتيان بصورة الجزاء لتلك النعم التي ملأت ما بين الأرض والسماء.
ص: 303
ثامنها : أنّه أقرب في رجاء نيل النعم ، ودفع النقم ، وتوّهم أنّ الإتيان بالقليل في مقابلة ذلك اللطف الجزيل الجليل باعث على العكس ، مردود بأنّ قدر النعمة عند المُنعَم عليه بمقدار احتياجه إليه ، إلى غير ذلك.
أنّه لمّا علم أنّ للواجب جلّ وعلا مَطالب يُريدها من العبد ؛ لصلاح يعود إلى العبد لا إليه ؛ لأنّه تعالى غنيّ بذاته عمّا عداه ، وإلا لكان مَحتاجاً ، ولم يكن هو اللّه ، وعلى مناهي ، يترتّب على العبد منها الفساد ، فنهى عن فعلها المكلّفين من العباد.
فقد وجب على اللّه إخبارهم بما أراد وما نهى عنه لترتّب الفساد.
ولمّا كانت طُرق الأخبار بأوامره ونواهيه محصورة بأُمور ، هي هذه المذكورة ، لزم اختيار المختار منها ، وتعيين ما يصدّر انتفاع المكلّفين.
فمنها : أن يخلق اللّه سبحانه صوتاً في بعض الأجسام ، من هواءٍ أو ماءٍ أو شجرٍ أو حجرٍ أو مدرٍ ، وذلك لا يوافق طريق الامتحان والاختبار ، ولم يعلم أنّ ذلك من اللّه ، بل جوّز أن يكون من الشياطين أو من بعض الجانّ أو غيرهم من الأشرار.
ومنها : أن يُرسل بعض الملائكة أو بعض الجانّ ، وذلك أيضاً لا يوافق الامتحان ؛ مضافاً إلى أنّهم إن لم يأتوا بمعجزٍ لهم ، لم يسمع كلامهم ، وارتفع عن العباد ملامهم ؛ وإن أتوا ببعض المعاجز ، جوّز المكلّفون قدرتهم عليها من دون استنادٍ إلى الخالق ؛ لأنّهم لا يعرفون حقيقتهم ، ويحتملون قابليّتهم.
ومنها : أن يُرسل شخصاً من نوعهم ، يعرفون حقيقته ومقدار قابليّته ، ويحيلون استناد المعاجز إلى قدرته ، وبمقتضى الحكمة لا يجوز صدور المعجز عنه ، وإلا لانقطع طريق العرفان ، وما هو المحبوب أو المكروه عند الملك الديّان.
بل لا بدّ أن تظهر حاله إمّا بإظهار صفات النقص فيه ، من خفّة العقل أو زيادة الجهل ، أو بارتكابه الأفعال الرديّة الّتي يهتدي بها أدنى الجهّال فيه إلى عدم القابليّة ، أو
ص: 304
بظهور أنّها تصوير ليست مستندة إلى قدرة البصير الخبير ، أو بادعائه دعاوي تنكرها العقول ، ولا تدخل عندهم في حيّز القبول ، إلى غير ذلك من الأسباب الدالّة على أنّه ساحر كذّاب ، ومفترٍ مرتاب.
فقد انحصر طريق معرفة تكاليف ربّ الأرض والسماء بإرسال الرسل والأنبياء.
وطريق معرفة نبوّتهم ورسالتهم بالإتيان بالمعجزات وخوارق العادات.
فالانقطاع عن النبيّ انقطاع عن العبوديّة ، وإعراض عن جميع تكاليف ربّ البريّة ، فالكفر بواحدٍ من الأنبياء كفر بخالق السماء ومُبدع الأشياء.
أنّه قد تبيّن ممّا تقدّم أنّ طريق معرفة أوامر اللّه ونواهيه لا يتوصّل إليها إلا بواسطة الأنبياء ، وأنّ معرفتهم لا يتوصّل إليها إلا بشهادة الآيات والمعجزات.
فمن الواجب العيني على كلّ مكلّف أن يجدّ ويجتهد في معرفة النبيّ المبعوث لإبلاغ الأحكام ، وتمييز الحلال والحرام ؛ والمنكر له منكر لثبوت الأحكام الشرعية ، نافٍ لوجوب الطاعة والخدمة لربّ البريّة ، وهو على حدّ الكفر بالربوبيّة.
وقد دلّت المعجزات الباهرة والبراهين الظاهرة على أنّ النبيّ المبعوث إلينا ، والمفروض طاعته من اللّه علينا أعلى الأنبياء قدراً ، وأرفع الرُّسل في الملإ الأعلى ذكراً ، الّذي بَشّرت الرُّسل بظهوره ، وخلقت الأنوار كلّها بعد نوره محمّد المختار ، وأحمد صفوة الجبّار ، ذو الآيات والظاهرة والمعجزات المتكاثرة ، الّتي قصُرت عن حصرها ألسُن الحُسّاب ، وكَلّت عن سطرها أقلام الكتّاب ، كانشقاق القمر ، وتضليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، وغرس الأشجار على الفور في القِفار ، وإثمار يابس الشجر ، وقصّة الغزالة مع (1) خِشفيها (2) ،
ص: 305
وخروج الماء من بين أصابعه ، وانتقال النخلة جملة ثمّ رجوعها ، وانتقالها نصفاً بعد نصفٍ إليه ، وشفاء الأرمد لما تفلَ في عينيه ، ويقظته بعد نوم عينيه ، وإخبار الذراع له بأنّه مسموم ، وانتصاره بالرعب بحيث يخافه العدوّ من مسير شهرين ، وأنّه لا يمرّ بشجرٍ ولا حجرٍ إلا سجد له ، وبَلع الأرض الحدثين من تحته ، وعدم طول قامة من حاذاه على قامته ، وأنّ إبصاره من خلفه كإبصاره من أمامه ، وإكثار اللبن في شاة أُمّ معبد ، وإشباع الجمّ الغفير من الطعام القليل ، وطيّ البعيد إذا توجّه إليه ، ونزول المطر عند استسقائه ، ودعائه على سُراقة فغاصت قوائم فرسه ، ثمّ عفا عنه فأُطلقت ، ودعائه على عامر بن الطفيل وزيد لمّا أرادا قتله ، فهلك عامر سريعاً ، وقتل زيد بصاعقة ، واتساع القدح الضيّق لدخول كفّه فيه عند وضوئه ، وانفجار الماء من بئر دارسة لوقوع ماء وضوئه فيها ، وانفجار ماءَ بئر أُخرى لا ماء فيها ، وسقي ألف وخمسمائة منه ، وعماء عيون الجيش لرميه بكفّ من تراب ، وردّ عين بعض أصحابه بعد سقوطها إلى محلّها واستقامتها فيه ، وتسبيح الطعام في يديه ، وارتعاش الحكَم بن العاص حتى مات لاستهزائه به ، وعمى الناظر إلى عورته ، وبرص امرأة خطبها من أبيها فاعتذرت كاذبة بأنّها برصاء فصارت برصاء ، وتأثير قدميه في الأرض الصلبة ، وعدم تأثيرهما في الرخوة ، وإضاءة جبينه كالقمر المنير ، وإضاءة أصابعه كالشموع ، وعدم ظهور الظلّ له إذا وقف في ظلّ الشمس أو ضوء القمر ، وعدم علوّ الطيور عليه ، وعدم وصول الذباب والبق إلى بدنه ، وظهور سبع عشرة تلمع كالشمس في بدنه ، ونبات الشعر على رؤوس الأقرعين بوضع يده عليها ، وإعطائه الجريدة لبعض أصحابه عوض سيفه ، فصارت سيفاً بإذن اللّه ، وإعطائه عرجوناً لشخص في ليلة مظلمة فأضاء ، ونبات الشجر في فم الغار ، وتعشيش الحمامين ، ونسج العنكبوت فيه ، ومسح ضرع شاةٍ لا لبنَ فيها فدرّت ، ودعواه النصارى إلى المباهلة فعلموا صدقه ، وأبوا ودفعوا الجزية ، وحصول المهابة له في القلوب ، مع حسن أخلاقه ، وبشاشته وتواضعه ، بحيث لم يتمكّن أحد من إمعان النظر إلى وجهه ، ولم ينظر إليه كافر أو منافق إلا ارتعش من الخوف ، وإطاعة الشمس له في التأنّي في الغروب مرّة ، وفي الطلوع اخرى ، وإطاعة الشجرة له فجاءت في
ص: 306
الأرض وسلمت عليه ، ودعائه على بعض اجترأ عليه بأنّ اللّه يسلّط عليه كلباً من كلابه ، فسلّط عليه أسداً فقتله ، وبخور عرقه الشريفة أطيب في كلّ عطر ، وحدوث الطيب من ماء بئر لوقوع البصاق من فيه فيه ، وإعطائه جوامع الكلم ، وتهنئة امّه من السماء وما رأت من كراماته حين الحمل وبعد الولادة ، وإخبار الأحبار عنه قبل ولادته بسنين ، وتزلزل إيوان كسرى عند ميلاده ، حتى سقط منه أربع عشرة شرافة ، وغوص بُحيرة ساوة ، وخمود نار فارس ، ولم تخمد قبل بألف سنة ، واضطرار الأحبار والرهبان عند ولادته حتى رآه بعضهم ، ورأى خاتم النبوّة بجسمه الشريف فحذّر اليهود منه ، وقال لهم : إنّه نبيّ السيف.
وإخباره بالمغيّبات ، كإخباره عن عترته الطاهرة واحداً بعد واحداً ، وما يجري عليهم من القتل والسبي من بني أُميّة وبني العبّاس ، وإخباره عن أهل النهروان ، وإخباره عن وقعة صفّين ، وعن قتل عمّار ، وأنّه تقتله الفئة الباغية ، وأنّ آخر شرابه من الدنيا ضياح من لبن (1) وإخباره عن وقعة الجمل ، وخروج عائشة على عليّ عليه السلام ونباح كلاب الحوأب عليها.
وإخباره عن خلفائه الاثني عشر ، وإخباره عن دوام ملك النصارى ، وإخباره عن عليّ عليه السلام من أنّه يقتل بضربة في شهر رمضان على أمّ رأسه فتُخضب شيبته من الدماء ، وإخباره عمّا يجري عليه ، وعلى الزهراء بعد موته.
وإخباره بقتل الحسن بالسمّ ، وقتل الحسين في كربلاء بعد شهادة أصحابه غريباً وحيداً ، وإخباره عن ما يجري على وَلَدِه الرضا في طوس ، ودفنه فيها ، وإخباره لجابر بملاقاة الباقر ، وإخباره بموت أبي ذرّ وحيداً غريباً.
وإخباره بشهادة جعفر الطيّار ، وزيد ، وعبد اللّه بن رواحة في وقعة مؤتة (2) ، وإخباره بقتل حبيب بن عدي في مكة ، وإخباره بأنّ ملك المسلمين يأخذ على أطراف الأرض ، وإخباره بالمال الّذي أخذه عمّه العباس في مكّة ، وإخباره بالظفر بخيبر.
ص: 307
وإخبار عن رجل من المجاهدين من أهل النار فقتل نفسه ، وإخباره بموت النجاشي حين موته فصلّى عليه بالمدينة ، وإخباره بقتل الأسود الكذّاب ليلة قتله ، وهو بصنعاء اليمن.
وإخباره بأنّ واحداً من أصحابه وكانوا مجتمعين يكون من أهل النار ، فارتدّ واحد منهم وقُتل ، وإخباره بقتل أُبي بن خلف الجمحي فقُتل.
وإخباره يوم بدر بمصارع أصحابه وتعيين مواضعها على نحو ما وقع ، وإخباره بأنّ فاطمة عليها السلام أسرع لحوقاً به من أهل بيته ، وإخبار نسائه بأنّ أطولهنّ يداً في الصدقات أوّل لاحقةٍ به.
وإخباره عن الأنبياء السابقين ، وعمّا في الكتب المنزلة عليهم من ربّ العالمين ، مع أنّه كان يتيماً لم يُودع عند المعلّمين ، وأميّاً لا يعرف كتب العربيّة ، فضلاً عن كتب المتقدّمين.
وإخباره عن أُمّته بأنّها تنتهي فرقها إلى ثلاثة وسبعين ، وإخباره عن صحيفةٍ كتبت ودُفنت في الكعبة ، وإخباره عن مقدار دولة بني أُميّة ، وإخباره بِعُقد السحر الملقاة في البئر ، وإخباره عن بعض أسرار نسائه.
وإخباره بعدم إيمان كفّار بأعيانهم ، وإخباره عمّن رجع عن جيش أُسامة ، وإخباره عن موت شخص نجا من خارج فجاء وكشف عنه ، فرؤيت أفعى في ثيابه ، فسأله هل تصدّقت؟ فقال : نعم ، فقال : «دفعت عنك الصدقة» إلى غير ذلك.
ثم ما صدر من الخلفاء الراشدين ، والتابعين ، وتابعي التابعين ، والأقطاب ، والأبدال ، والأوتاد ، والعلماء من المسلمين من كرامات ومواعظ ، وخطب ، ومناجاة ، ودعوات مشتملة على بليغ المقامات ، وفصيح العبارات بحيث لا يمكن صدوره إلا بفيض من باسط الأرضين ، ورافع السماوات جميعه راجع إليه ، وعائد في الحقيقة عليه ، وهو ممّا لا يطاق سطره بكتاب ، ولا حصره بحساب.
وفي جمعه لمكارم الأخلاق الّتي قامَ عليها من الجميع الاتّفاق ، مع أنّه تربّى يتيماً من الأُمّ والأب ، بين أعرابٍ لم يذوقوا طعم الكمال والأدب ، قد تداولهم الإسلام مدّة
ص: 308
تزيد على ألف ومائتين من الأعوام ، فلم يعدلوا عمّا كانوا ، بل لم يزالوا يتزايدون على الجفاء والغلظة آناً بعد آنٍ.
فإنّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان أسخى الناس ، لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل ولم يجد من يعطيه وجاءه الليل لم يأوِ إلى منزله حتّى يفرغ منه ، وما سأله أحد شيئاً إلا أعطاه ، وكلّ من سأل منه شيئاً على الإسلام أعطاه.
وأنّ رجلاً سأله فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه ، فقال : أسلموا ، فإن محمّداً يُعطي عطاءَ من لا يخشى العاقبة.
وكان أشجع الناس : فعن عليّ عليه السلام أنّه قال : «كنّا نلوذ بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم بدر ، ، وكان أقرب الناس إلى العدوّ» ، وعنه عليه السلام : أنّه قال : «إذا حمي البأس ، وبقي القوم ، اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فلم يكن أحد أقرب إلى العدوّ منه» وكان أكثر الناس تواضعاً ، فإنّه كان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويجيب الدعوة ، ويعود المرضى ، ويشيّع الجنائز ، ويزور المؤمنين ، ولا يترفّع على عبيده وخدمه ، ويطعمهم ممّا يأكل ، ويركبهم خلفه.
ويركب الفرس مرّة ، والبغلة مرّة ، والحمار كذلك ، ويمشي مرّة ، ويجلس حيث ينتهي به المجلس ، ويبدأ مَن لقاه بالسلام ، ومن قام معه لحاجة لم يتحرك حتّى ينصرف ، وإذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة ، ثمّ أخذ بيده فشابكه ، ثمّ سدّد قبضه عليها.
وكان أكثر جلوسه بأن ينصب ساقيه جميعاً ويمسك بيديه عليهما ، ولم يُعرف مجلسه من أصحابه ، وكان أكثر جلوسه مستقبل القبلة.
وكان قبل النبوّة يرعى الغنم ، وكان يأكل أكل العبد ، ويشدّ حجر المجاعة على بطنه ، ولا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلا
خفّف صلاته وأقبلَ عليه ، وقال له : هل لك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجته ، عادَ إلى صلاته.
وكان لا يقوم ولا يقعد إلا بذكر اللّه ، وكان يُتعب نفسه بالصيام ، وكذا بالصلاة ، حتّى وَرَمَت قدماه.
ص: 309
وكان وصولاً للأرحام ، قاطعاً لهم إذا حرفوا عن طاعة الملك العلام ، رحيماً بالفقراء ، شفيقاً على الضعفاء ، عطوفاً على الجار ، ولا زال يوصي به حتّى خِيف أن يفرض له سهماً بالميراث.
لا يقاس صلوات اللّه عليه بأحدٍ من ممّن كان قبله ، ولا بأحدٍ ممّن يكون بعده ، ففي النظر إلى أخلاقه الكريمة وأحواله المستقيمة كفاية لمن نظر ، وحجّة واضحة لمن استبصر ، ككثرة ، الحلم وسعة الخلق ، وتواضع النفس ، والعفو عن المسيئين ، ورحمة الفقراء ، وإعانة الضعفاء ، وتحمّل المشاقّ في رضا الملك الحق ، وجمع مكارم الأخلاق ، وزهد الدنيا مع إقبالها عليه ، وصدوره عنها مع توجّهها إليه ، وله من السماحة النصيب الأكبر ، ومن الشجاعة الحظّ الأوفر.
وكان يطوي نهاره من الجوع ويشدّ حجر المجاعة على بطنه ، ويجيب الدعوة ، وكان بين الناس كأحدهم ، حَسَن السلوك مع الغني والفقير ، والعظيم والحقير ، حتّى أنّ بعض اليهود رجع إلى الإسلام بمجرّد ما رأى من حُسن سيرته.
وكان له نور يضيئ في الليلة المظلمة ، ورائحة تفوق على رائحة المسك والأذفر ، وله محاسن تفوق على محاسن كلّ البشر ، مع خروجه من طوائف الأعراب الّذين لا يعرفون طرائق الاداب.
ولا زال الشرع يندبهم ، والوعّاظ تعظهم ، والخُطباء تخطبهم ، ممّا يزيد على ألف ومائتين وعشرين من السنين ، فما تغيّروا عن أحوالهم ، ولا تركوا القبيح من أقوالهم وأفعالهم.
وكفى بكتاب اللّه معجزاً مدى الدهر ، حيث أقرّت له العرب العرباء ، وأذعنت له جميع الفصحاء والبلغاء ، وخيّروا بين السيف ومعارضته ، فاختاروا السيف ؛ لعجزهم عن الإتيان بمثل بعض آياته.
منها : ما في التوراة وهو حجّة على اليهود والنصارى في سفر دباريم
ص: 310
الفصل الثامن عشر في السورة الخامسة منه ، وهي : «نابي ميقر يخاما حيخا كاموني ياقيم لخا أدوناي ألوهخا الأوتشماعون كخل أشرشا تلتا ميعيم أدوناي الوهيخا لجورب بيوم هفّاهال لأمور لو أوسف لشموعاات قول أدوناي الاي الوهاي وائت هااش هكدّولاه هازوت لوارّءه عود ولواموت ويؤمرادوناى هيطيبوا شرد برّو نابي اقيم لهم ميقرّب أحيهم كاموخا ونانتي دباري بفيو ودبّر إليهم إت كلّ اشراصونووها ياه هاأيش أشرلوا يشمع ال دباراى اشر يدبّر باشمي أيوحى أدرش معيمو».
ومعناه : أنّ نبيّاً من شيعتك ومن إخوتك يقيمه لك الربّ إلهك ، فاسمع منه ، كما سألت الربّ إلهك في حوريب بعد يوم الاجتماع ، حين قلت : لا أعود أسمع صوت الربّ إلهي ، ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لكيلا أموت.
فقال الربّ لي : حسن جميع ما قالوا ، وسوف أُقيم لهم نبيّاً مثلك من بين إخوتهم ، وأجعل كلامي في فمه ، ويكلّمهم بكلّ شي ءٍ أمره به ، ومن لم يطع كلامه الّذي يتكلّم به باسمي أكون أنا المنتقم منه (1).
ومحل الشاهد منها : أنّ اللّه خاطب بني إسرائيل بأنّه يخرج لهم نبيّاً من بينهم من إخوتهم ، وليس لبني إسرائيل إخوة من الطوائف ادّعى أحد منهم النبوّة سوى بني إسماعيل.
وقد أطلق الإخوة في التوراة على الأعمام في قوله لبني عيسى : «ووتاعير والمفتي اجنحم بني إسرائيل» وعلى الأجانب في قوله «ويشلح موشه ملقا خيم مقّارش آل ملخ أدوم كه أمر أجنجا يسرائيل».
ثمّ إنّه قد اتّفق اليهود على أنّه لا يخرج نبيّ من بني إسرائيل صاحب كتاب وشريعة من بعد موسى ، وقد قال في الآية : «كاموخا» يعني مثلك ، وحكاية عن موسى «كموني» يعني مثلي ، مع أنّ المسألة تقضي بأنّه ليس من بني إسرائيل ؛ لأنّ في
ص: 311
آخر التوراة قبل تمامه بسطرين : «ولو قام نابي عود بيسرائيل كموشه» ومعناه : أنه لا يكون نبيّ من بني إسرائيل مثل موسى ، وهو أبين شاهد على النبيّ الموعود ليس من بني إسرائيل ، فليس إلا من بني إسماعيل ؛ إذ لا نبيّ مانعاً ومنّا ومنهم بعد موسى من غير بني إسرائيل وبني إسماعيل.
ومنها : ما في التوراة أيضاً ، في أوّل لااراش هيريخا ، آخر لااراشان هوياوليم ، من قوله : «يومرادوناى مسيّني بأوّذَرحَ مساعير لُوهُوء فيغامها وفاران».
ومعناه : أنّ النور الإلهي أشرقَ من طور سيناء جبل موسى ، وظهر في ساعير جبل عيسى ، وأضاء ووضح غاية الوضوح في جبل فاران ، وهو جبل مكّة.
ومنها : ما في لااراش لخلخا من التوراة ، من قوله : «وليُشماعيل شمعتيخنا هِنّه بّرخي اتو وهفريتى اتووهر بتيني أتوا بمادماد ستينم عَسَر فسِتيام يوليد ونثاتو لكرى كادول».
ومعناه : أنّ اللّه وعد أن يجعل من ذريّة إسماعيل اثنا عشر شريفاً ، ويجعل لهم عشائر وقبائل و «بمادماد» يوافق اسم محمّد صلى اللّه عليه وآله.
ومنها : ما في الإنجيل ، ففي الفصل الثالث والثلاثين من إنجيل يوحنا : «إن كنتم تحبّونني احفظوا وصاياي ، وأنا أسأل الأب فيعطيكم فارقليطا آخر ، ليثبت معكم إلى الأبد».
وفي الفصل الرابع والثلاثين : والفارقليط روح القدس الّذي يرسله الأب باسمي ، وهو يعلّمكم كلّ شي ء ، وهو يذكّركم كل ما قلت لكم» ثمّ ذكر بعد الإشارة إلى مضيّه إلى الأب ورجوعه ، وأنّه ينبغي أن يفرح أصحابه بذلك : «لست أتكلّم معكم أيضاً كثيراً ؛ لأنّ رئيس هذا العالم يأتي ، وليس له فيّ شي ء ، ولكن ليعلم العالم أنّي أُحبّ الأب ، وكما أوصاني الأب كذلك أفعل».
وفي الفصل الخامس والثلاثين منه : «فأمّا أن جاء الفارقليط الذي أُرسله أنا إليكم من عند الأب ، روح الحقّ الّذي من الأب ، وهو يشهد لأجلي» ثمّ ذكر بعد ذكر انطلاقه إلى من أرسله : «وخاطري لأجله من الكتابة على قلب أصحابه ، لكنّي أقول الحقّ : إنّه
ص: 312
خير لكم أن أنطلق لأبي ، إن لم أنطلق ، لم يأتكم الفارقليط ، فإذا انطلقت أرسله إليكم ، وإذا جاء ذلك ، وهو يوبّخ العالم على الخطيئة ، وعلى البرّ ، وعلى الحكم ، أمّا على الخطيئة فلأنّهم لم يؤمنوا بي. وأمّا على البرّ ؛ لأني منطلق إلى أبي ، ولستم ترونني أيضاً. وأمّا على الحكم ، فإنّ رئيس هذا العالم قد يدين ، وإن لي كلاماً كثيراً أقوله لكم ، ولكنّكم لستم تطيقون حمله الان ، فإذا جاء روح الحقّ ذلك ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق ؛ لأنّه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلّم بكلّ ما يسمع ، ويخبركم بما سيأتي ، ذلك يمجّدني ؛ لأنّه يأخذ ممّا لي ، ويخبركم جميع ما هو للأب ، فهو لي ، من أجل هذا قلت : إنّ ممّا هو لي يأخذ ويخبركم» إلى غير ذلك من الآيات ، تركنا التعرّض لها خوف الطول ولزوم الملال.
أمّا ما في الكتب باقي الأنبياء فكثير ، نذكر قليلاً منه :
منه : ما في كتاب يشيعنا : «وهايه لهم دبارادوناى كي صاولا صاوصا لا صاولا قاوقالا قاوزعير يتام زعير شام كي بلعفى شافه ويلاشُون أحرث بدّبرال هاعام هازه أشرامر الوهيم ذوت همّنوحة هينحو لعايف وزوت هما ركعية ولو ايوُ شمسوعاً وهيه ولهمّ ديارادوناى صاولا صاوصاولا صا وقاولاقا وفاولا قاوزعير شام زعير شام لعن يلخِوا وكِشلوُا حَوُر ونشير ونُوقشِوو تلخادر».
ومحلّ الشاهد : أنّ الّذي يظهر من هذا الكلام وصف النبيّ المبعوث أنّ شريعته وصيّة بعد وصية ، وكيلة بعد كيلة ، بعضها في مكان ، وبعضها في مكان آخر ، لا كشريعة موسى يؤتى بها جملة.
ومنه : ما في كتاب يشيعيا أيضاً : «إشميعا أتخم شيرو ولادوناى شير وخاداش تهلا تومِقِصّةِ ها اومى يُوردي ها يام وملأوا ايم وليثيبهم ليسا ومَدِبار وعارو حَصَريم تشبت قادار يارانو ويشبنى سلَع مَلئوش هاديمِ يِصِوحو ياسِمُوا لادَوناي كابور وتهلا بوّياايم يكيدّوا» ويظهر من هذه الكلمات : الإخبار عن شريعة تسبّح تسبيحاً جديداً ليس كتسبيح الأُمّة السالفة ، ويذكرون اللّه ذكراً كذلك ، ويصيحون بالذكر على الجبال ، والظاهر أنّ
ص: 313
المقصود به أذان المسلمين.
ومنه ما في كتاب يشيعان أيضاً : صنّ عابدي أتماخ بوبحيرى راضاتا نفشي ناثاتي روُحيَ علا ومشباط لَكُرّيمَ يوصى لو يصيعق لو يشارلو يُشمع يا حوص قُولَو فاته راصوص لو يسكور وفمشتاه كها لو يكبّته لا مت يوصى مشباط لو يكهه ولو يارفص عديا سيم بأرض مشباط لتورته ايمَ يبحلو» ويظهر من هذه الكلمات وصف النبيّ المبعوث بأنّه المصطفى المختار مُظهر الشريعة ، ومُقيمها في الأرض ، لا يقع منه السكر.
ومنه ما في كتاب نحمان ، وهو قبل نبيّنا بأربع وثلاثين سنة ، وزعم اليهود أنّه خرج من بطن امّه نبيّاً.
وقصّته أنّ أباه «لانلاهاس» كان عبداً صالحاً ، وزوجته «راحيم» أُمّ نحمان بقيت لا تلد مدّة مديدة ، فالتمست «راحيل» زوجها «لانلاهاس» أن يدعو اللّه لها بالحمل ، فحملت بنحمان ، فحين وضعته وخرج إلى الدنيا أخبر بأُمور أخافت الناس ، فوضع يده «لانلاهاس» على فمه فانقطع كلامه اثنا عشر سنة.
فلم تزل أُمّه تبكي وتقول : دعوت لي فأعطاني اللّه ولداً أخرس ، فأدعو اللّه يُطلق لسانه ، فقال لها «لانلاهاس» : أخاف أن يخبر بمثل أخباره السابقة ، فقالت : أدعو اللّه أن يُطلقه ويحول بينه وبين الكلام المخيف.
فدعا اللّه ، فأطلق ، فذكر أخباراً ووضع كتاباً مرتّباً على حروف الهجاء ، مشتملاً على أخبار عن الحوادث المستقبلة ، وحتّى ربّما فهم منه قصّة كربلاء ، وقتل سيّد الشهداء ، وقتل الشهداء ، والسبي ، ونحوها ، واشتمل على ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فأخفاه اليهود ، حتّى أظهره اللّه.
ومنه : «ايتا أُمّتا من عزج برياثا عابدا هدمتا تأييد ابن أماتا» ومعناه : الإخبار عن امّة تزعزع البرايا العابدة للأحجار ، بعد إبراء الأمة ، ولا يكون ذلك إلا من نبيّنا وهو ابن هاجر.
ومنه : «يشيرن أَبَيا ومِسحا مييا لايَهَوَلةِ اذكاذُ يَصح ملكا محمد كايا أعابايا ويَطمغ
ص: 314
هُويا ويهي كليليا نحراكدت مطاول أتوت قِص مطامِتعبد فطأطأ وهو احسف طينا ذا ملكا».
وفي جملة «من خزف الطين» وكناية عن العرب ؛ لأنّهم كانوا يسمّونهم خزف الطين ، لأنّه سريع الانكسار ، إلى غير ذلك.
وفي كتاب دانيال ما يفيد ذلك : كطيف طافه بخت نصر ، وله قصّة طويلة مذكورة في كتابه ، لا تناسب هذا الكتاب المختصر ، ففسّره دانيال ، وطيف رآه دانيال فيه الحيوانات.
وأصرح من ذلك في الدلالة قوله : «ويُرمى الاي عِرب بيقُور القِيم وشملشماوث وتضّدِق قدّوش» فإنّ ظاهرة لا زال يمرّ اللّيل والنهار إلى ألفين ، وثلاثمائة سنة ، فيظهر القدّوس ، والظاهر أنّ المراد بالقدّوس الإسلام ؛ لأنّ ما بين ولادة إسماعيل وظهور الإسلام ألفين وثلاثمائة سنة.
ثمّ لا يخفى على من تتبّع الآثار ، واطلع على صحيح الأخبار أنّه جرت عادة الجبّار والفاعل والمختار على أنّ كلّ من ادّعى النبوّة كاذباً أفسد اللّه أمره ، وحطّ بين الناس قدره ، ولم يكن لدعواه دوام ، ولم يخف حالُه على العلماء والعوام ، وشريعة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلم لم تزل تزداد نوراً ، وتنجلي بين الورى بدوّاً ظهوراً.
ثمّ العجب كلّ العجب من قوم يعترفون بنبوّة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء السابقين ، وينكرون سيّد الأوّلين والآخرين ، فإنّهم إن ادّعوا عدم حجيّة المعجزات ، لزمهم إنكار جميع النبوّات ، فتنتفي الوسائط في إثبات الشرائع بيننا وبين ربّ السماوات.
وإن ادّعوا نفي المعجزات عن نبيّنا ، فما بالهم لا ينفون المُعجزات بالنسبة إلى أنبيائهم مع تقدّم عهدهم وزيادة بعدهم؟ فإنّ إنكار التواتر بالنسبة إلى من بَعد عهده وطالت سلسلته أقرب من إنكاره بالنسبة إلى القريب.
وتجويز السحر على المعاجز جارٍ في المقامين ، على أنّ السحر في أيّام موسى كان أكثر
ص: 315
شيوعاً ، وأشهر وقوعاً ؛ والعرب ليسوا من أهل الفكر ، ولا لهم قابليّة بالنسبة إلى السحر.
وإن زعموا ثبوت نبوّة الأنبياء السابقين بوجود الكُتب المنزلة من ربّ العالمين ، فالقران أولى بالاعتبار في الدلالة على نبوّة النبيّ المختار ؛ فإنّه أعظم من كلّ معجزة وبرهان ، وقد اعترف بالعجز عن مباراته أعاظم الأحبار والرهبان.
وأمّا باقي الكتب المنزلة فأعظمها وأكبرها منزلة التوراة والإنجيل ، ولا يمكن أن يجعلا في مقام البرهان ؛ لأنّهما مغيّران ومحرّفان ، وفيهما ما لا يليق إسناده إلى الملك الديّان.
أمّا التوراة فلوجوه كثيرة :
أحدها : قصّة هارون ، وقد ذكرت في ثلاثة مواضع :
أحدها : أنّ هارون أمر بصنع العجل ، وأمر بني إسرائيل بالحجّ له في پراش كي يتار.
ثانيها : إقرار هارون بصنعه.
ثالثها : أنّ اللّه غضب على هارون من جهة صنع العجل ، وأراد أن يهلكه وهم لا يشكّون في نبوّة هارون ، وإذا جوّزوا على الأنبياء أمر الناس بعبادة من ليس أهلاً للعبادة لبعض المصالح ، كخوف تفرّق بني إسرائيل ، جاز أنّ الأنبياء كاذبون في كلّ ما يدّعون لبعض المصالح.
فأيّ مانع من أن تكون التوراة ليس بمعجزة ؛ لأنّه إنّما اشتمل على قصص وتواريخ من قوله : «بوشيت بارا الوهيم» وهو أوّل التوراة ، إلى أخره وهو «ويمت موسى» أن يكون مكذوباً.
وكذا الإنجيل لا إعجاز فيه ، فيجوز أنّ موسى وعيسى صنعاهما ، وأسنداهما إلى اللّه لبعض المصالح ؛ إذ لا فرق بين المصالح المستمرّة والمنقطعة ، بل المستمرّة أولى ، فيلزم من صحّة توراتهم عدم إمكان إثبات نبوّة موسى وعيسى.
ص: 316
منها : أنّ لوطاً وطأ بنتيه لما خرج من «صوعر» خوفاً من الخسف ، وقعد في مغارة جبل مع بنتيه ، فزعمت البنتان أنّ الخسف عمّ الخلق ، فلم يبقَ إنسان ، فرأت الكبيرة أن تسقي أباها خمراً ليجامعها ، فبات معها وجامعها ، ثمّ أشارت الكبيرة بذلك على الصغيرة ففعلت كأُختها ، ثمّ حملتا ووضعتا ولدين ، أحدهما «مواب» والثاني «بنعمى» ، وكان زوجاهما باقيين في «صوعر» وأخذهما الخسف مع أهلها ، وعُمر أبيهما حينئذٍ مائة سنة.
ومنها : أنّ يعقوب جمع بين الأُختين «لثا» ، و «راحيل» بنتي خاله «لابان» بعد ما هربَ من أخيه «عليار» ، ولها في التوراة قصّة طويلة.
ومنها : أنّ «شخيم بن حامور» زنى ب- «دنيا» بنت يعقوب.
ومنها : «أن يهودا» جامع زوجة ابنه لما مات ، وخرجت وجلست له في الطريق مزينة ، فجامعها وولدت ، ولها في التوراة قصّة لطيفة.
ومنها : أنّ «روبين بن يعقوب» جامع سرية ابنه «بلها».
ومنها : أنّ هارون» و «مريم» قالا في حقّ موسى : إنّ اللّه كلّمه كما كلّمنا ، ونسبوا إليه عملاً مع امرأة حبشية ، فصارت مريم برصاء ، فدعا لها موسى فعوفيت. ونحو ذلك كثير.
منها : أنّ اللّه تراءى جالساً على باب الخيمة.
ومنها : أنّ اللّه ندم على خلق بني آدم بعد ما رأى من المعاصي.
ومنها : أنّ آدم وحوّاء سمعا صوت الربّ ماشياً في الفردوس عند مهبّ الهواء بعد الظهر ، فاستترا من وجه الربّ في وسط الشجر ، فقال لآدم : أين أنت؟ فقال : سمعت صوتك واختفيت لأنّي عريان.
ص: 317
ومنها : أنّ الربّ نزل ليرى البناء الّذي بناه بنو آدم.
ومنها : أنّ اللّه تراءى لموسى في العليقة ، ورأى أنّ اللّه جاء لينظر ، فغطّى وجهه لخوفه أن ينظر إلى نحو اللّه.
ومنها : سجود يعقوب لأخيه «عليار» سبع دفعات ، وقال له : إنّي رأيت وجهك كوجه اللّه ، فارضَ عنّي.
ومنها : أنّه قال الربّ لموسى : إنّي جعلتك إلهاً لفرعون ، وجعلت هارون نبياً لك.
ومنها : أنّه لا يعير أحد منكم ، فإنّ الربّ جاء ليضرب المضربين ، إلى غير ذلك ممّا لا يُحصى ، مضافاً إلى أنّ التوراة قد اختلف فيها اليهود :
فمنهم : من أنكر السفر الخامس «سفر هدباريم» ، وأنّ التوراة على ما ذكره اليهود ، وقد ذهب من أيديهم لما أجلاهم بخت نصر إلى الشرق ، وبقوا في أطراف بابل سبعين سنة ، وكتبوه جديداً أخذاً من نقل من حفظه.
ثمّ إنّهم معترفون بأنّ المعظم من أحكامهم الّتي كتبوها في «مشنى» لم تكن مرسومة في الكتب المنزلة ، ولا في كتب الأنبياء ، وإنّما كانت مودعة من موسى في قلب يوشع ، ثمّ أودعها في قلوب العلماء ، وبهذا المضمون أية في التوراة.
ومن الغريب أنّ الصلاة الّتي تسمّى عندهم «تفلوت» لا مأخذَ لها من التوراة ، وادّعوا أنّ مأخذها من هذه الآية وهي : «شمع يسرائيل أَدوناي الُوهنوا دوناي آحاد» ومعناه : اسمع يا إسرائيل ، ربّي معبودي واحد ؛ لأنّ الصلاة عندهم ثلاثة : تفلات شحريت ، وتفلات منحه ، وتفلات عربييت ، فالشين الاولى ، والميم الثانية ، والعين الثالثة ، واستفادة هذا الأمر العظيم من اللغز عجيب.
وأعجب منه خلوّ التوراة من ذكر الجنّة ، وكذا المعاد إلا بالإشارة ، وجميع التهديدات فيه بالطاعون والقتل والنهب ونحوها من مضارّ الدنيا ، فلا يبقى عليه اعتماد من وجوه عديدة.
وأمّا الإنجيل فلا إعجاز فيه :
وكلامه منثور نثراً جارٍ على مذاق الإشراقيين والمتصوّفين ، قليل الأحكام
ص: 318
والكلام ، وهو عبارة عن أربعة أناجيل : إنجيل متّى ، وإنجيل لوقا ، وإنجيل مرقص ، وإنجيل يوحنا ، وفيها اختلاف عظيم ، وأخبار متضادّة ، كما لا يخفى على من تتبع فيها ، ولنشر إلى جملة منها :
منها : الاختلاف في نسب المسيح على ما ذكر في الفصل الأوّل من إنجيل متّى ، والفصل العاشر من إنجيل لوقا ، فإنّ نسب يوسف الّذي يدعى أباً للمسيح ينتهي إلى إبراهيم عليه السلام بتوسط تسعة وثلاثين من الإباء على ما في إنجيل متّى ، وبتوسط ثلاثة وخمسين على ما في إنجيل لوقا ، وفي الأسامي أيضاً اختلاف.
ومنها : ما في الفصل الرابع من إنجيل متّى : من أنّ يوسف أخذ عيسى وأُمّه ليلاً وهرب إلى مصر ، وكان هناك إلى وفات «هيرودس» على نحو ما أمرته الملائكة في المنام ، فلمّا مات «هيرودس» ظهرت الملائكة في «المنام» ليوسف وأمروه بأخذ الصبي وأُمّه إلى أرض إسرائيل ، وأخبروه بموت الّذين كانوا يطلبون نفس الصبي.
فأخذ الصبي وأُمّه وأتى بهما إلى أرض إسرائيل ، فلمّا سمع أنّ «حلادوس» قد ملك على اليهوديّة بدل «هيرودس» أبيه خافَ أن يذهب هناك ، فذهب إلى نواحي الجبل (1) ، وسكن في مدينة تُدعى ناصرة.
ثمّ ذكر بعد ذلك بلا فصل في الفصل الخامس : أنّ تلك الأيّام جاء يوحنّا المعمّدان يكرر في بريّة اليهوديّة ، وكان يبشّر بمجي ء عيسى عليه السلام ، إلى أن قال : حينئذٍ أتى يسوع من الجليل إلى الأردن ، إلى يوحنّا ليعتمد منه ، فكان يمنعه يوحنّا قائلاً : أنا المحتاج ، أنا أعتمد منك.
ثمّ ذكر بعد أن اعتمد يسوع ، انفتحت له السماوات ، ورأى روح اللّه ، ثمّ ذكر رسالته ودعوته ، ، وقد ذكر في الفصل الثاني والأربعين منه : أنّ «هيرودس» سمع خبر يسوع فقال لغلمانه : هذا يوحنّا المعمّدان ، هو قام من الأموات ، فمن أجل هذه القوات تعمل به ، وأراد بذلك العجائب الّتي كانت تظهر من عيسى عليه السلام.
ص: 319
ثمّ ذكر أنّ «هيرودس» كان قد قتل يوحنّا لعلّة مذكورة هناك وغيرها من الأباطيل ، ففيه مخالفة لما ذكر في الفصل الرابع من جهتين :
أحدهما : أنّ ما في الفصل الرابع قد دلّ على أنّ ظهور عيسى بالدعوة في أرض اليهوديّة ، وإظهاره الخوارق إنّما كانت بعد وفات «هيرودس» وما هنا قد دلّ على أنّ «هيرودس» قد كان حيّاً بعد وقوع ذلك واشتهاره.
وثانيهما : أنّ ما هنا قد دلّ على أن يوحنّا قد قتله «هيرودس» بمدّة قبل وفاته ، فكيف يمكن ملاقاة عيسى إيّاه بعد رجوعه من مصر إلى أرض اليهوديّة ، وقد نصّ هناك على أن رجوعه من مصر كان بعد موت هيرودس وقيام ابنه مقامه.
وقد ذكر أيضاً في الفصل الثالث والثلاثين من إنجيل لوقا : أنّ «هيرودس» سمع بجميع ما كان يجري من عيسى فكان يرتاب ؛ لأنّ بعضاً كانوا يقولون : إنّ يوحنّا قام من الأموات ، وبعض أنّ «إيليا» ظهر ، وآخرون أنّ نبيّاً من الأوّلين قام ، فقال هيرودس : أنا قطعت رأس يوحنّا ، وفيه قبل ذلك ذكر دعوته عليه السلام في أراضي اليهوديّة ، مثل «كفرناحوم» وغيرها ، والمنافاة بينه وبين ما ذكره ظاهرة.
وأفحش من ذلك في المنافاة : ما في الفصل الثاني والثمانين من إنجيل لوقا : أنّه لمّا أتى رؤساء الكهنة والكتبة ليسوع بعد ما أسلمه إليهم يهود الاسخرويوطي إلى «بيلاطس» أرسله إلى «هيرودس» ، لمّا علم أنّه من الجليل ، وكان «هيرودس» شائقاً إلى رؤيته لمّا كان سمع منه أشياء كثيرة.
ثمّ ذكر أنّ «هيرودس» احتقره مع جنده واستهزءوا به ، ثمّ ذكر أنّه أرسله «هيرودس» إلى «بيلاطوس» وصار «هيرودس» و «بيلاطوس» أصدقاء في ذلك اليوم ، وكانوا قبل ذلك أعداء.
ثمّ ذكر في الفصل الذي بعده حكاية أمر «بيلاطوس» بصلبه ، لإصرار الكهنة والكتبة عليه في ذلك ، فكم من التنافي بين ذلك وما ذكر أوّلاً من موت هيرودس قبل إتيان يوسف بعيسى إلى أرض اليهوديّة على حسب ما نقلناه.
ومنها : ما في الفصل السابع والثمانين من إنجيل متّى : أنّ التلاميذ قالوا ليسوع أين
ص: 320
تريد؟ نريد أن نعدّ لك الفضيخ (1) لتأكله فقال : اذهبوا إلى المدينة إلى فلان ، وقولوا له : المعلّم يقول : زماني قد اقترب عندك ، اصنع الفضيخ مع تلاميذي.
وقد ذكر في الفصل السادس والأربعين من إنجيل مرقص : أنّ تلاميذه قالوا له : أين تريد أنّ تمضي ونعد لتأكل الفضيخ ، فأرسل اثنين من ثلاميذه وقال لهما : امضيا إلى المدينة فسيلقاكما إنسان حامل جَرّة ماء ، فاتبعاه إلى حيث يدخل ، قولا لربّ البيت : إنّ المعلّم يقول : أين موضع الراحة حيث أكل الفضيخ مع تلاميذي.
والمخالفة بين الأوّل وهذا من وجهين :
أحدهما : أنّ ظاهر الأوّل تعيين الشخص ، وهنا قد أبهم واقتصر على ذكر العلامة.
ثانيهما : أنّ المبعوثين هناك جماعة ، وقد صرّح بأنّهما اثنان.
وقد ذكر في الفصل الثامن والسبعين من إنجيل لوقا ، مثل ما حكيناه من إنجيل مرقص ، إلا أنّ فيه أنّه جاء يوم الفطير الّذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفضيخ ، فأرسل بطرس ويوحنّا قائلاً : امضيا ، وأعدّا لنا الفضيخ.
وقد صرّح هنا باسم المبعوثين وفيه مخالفة لما تقدّم ، حيث إنّ ظاهره أنّ إرسالهما لإعداد الفضيخ كان ابتداء منه ، وقد نصّ في الأولين أنّه كان بعد سؤال التلاميذ.
ومنها : ما في إنجيل مرقص في الفصل السابع والأربعين أنّه قال : ل- «بطوس» : الحقّ أقول لك ، إنّك اليوم في هذه الليلة ، قبل أن يصيح الديك مرّتين ، تنكرني ثلاث مرّات ، وقد ذكر بعد ذلك وقوعُ ذلك منه على النحو المذكور ، وفي الأناجيل الثلاثة الباقية أنّه لن يصيح الديك حتّى تنكرني ثلاث مرّات.
وقد ذكر في كلّ منها تفصيل الإنكار. والمخالفة بين ما في الأوّل وفي غيرها واضحة.
ثمّ إنّ بين الثلاثة الأخيرة اختلاف في تفصيل الإنكار أيضاً.
ومنها : ما في الفصل الثامن والأربعين من إنجيل مرقص : إنّ يسوع أُخذ من موضع
ص: 321
يدعى جسمانيّة ، ونحوه ما في إنجيل متّى ، إلا أنّ فيه أن عيسى عليه السلام جاء مع تلاميذه إلى قرية تُدعى جسمانيّة ، وقال للتلاميذ : اجلسوا ههنا إلى أن أمضي وأُصلّي هناك ، إلى آخر ما ذكر ، وقد ذكر في إنجيل لوقا : أنّه أُخذ في جبل الزيتون ، وفي إنجيل يوحنّا : أنّه خرج مع تلاميذه ، إلى يمين وادي الأردن ، حيث كان بستان دخل إليه هو وتلاميذه ، وذكر أنّهم أخذوه هناك ، والمنافاة بين المذكورات ظاهرة.
ومنها : ما في الفصل الثالث والتسعين من إنجيل متّى : أنّ رؤساء الكهنة والكتبة. وكلّ المحفل كانوا يطلبون على يسوع شهادة الزور ليقتلوه ، فلم يجدوا ، فجاء شهود زور كثيرون فلم يجدوا ، أخيراً أتى شاهدا زورٍ وقالا : هذا قال : إنني أقدر أنقض هيكل اللّه وأبنيه في ثلاثة أيّام.
وقد ذكر في الفصل الخمسين من إنجيل مرقص : أن رؤساء الكهنة وجميع المحفل كانوا يطلبون له على يسوع شهادة ، ليقتلوه فلم يجدوا ؛ لأنّ كثيرين كانوا يشهدون عليه زوراً ، وما كانت متّفقة شهاداتهم.
فقال قوم : وشهدوا عليه زوراً ، قائلين : إننا نحن سمعناه يقول : إني أنا أحلّ هذا الهيكل الّذي صنعته الأيدي ، وفي ثلاثة أيام أُقيم آخر غير مصنوع بالأيدي. والمنافاة بين هاتين الحكايتين ظاهرة ؛ إذ هذه صريحة في كون شهود الزور عليه في ذلك جماعة ، كما أنّ الاولى صريحة في كونهما شاهدي زور.
ومنها : ما في إنجيل يوحنّا في الفصل الثامن والثلاثين إنّ يهود الّذي أسلمه أخذ جنداً وشُرَطاً من عند رؤساء الكهنة ، وجاء إلى ذلك الموضع ، وعيسى عليه السلام خرج وقال : من تطلبون؟ فقال : يسوع الناصري ، فقال لهم : أنا ذاك ، ثمّ سألهم أيضاً عمّن يطلبون ، فقالوا ذلك ، وأقرّ لهم أيضاً بذلك ، فمسكوه وأخذوه.
وقد ذكر في إنجيل متّى إنجيل مرقص : أنّ يهود الّذي أسلمه جعل علامة للجمع الذين أتوا معه من عند رؤساء الكهنة والمشيخة أنّ الّذي يقتله هو ، فجاء وقتله ، فوضعوا أيديهم عليه ومسكوه. والمنافاة بين الأمرين ظاهرة.
ومنها : ما في الفصل السادس والتسعين من إنجيل متّى ، من أنّهم لما أتوا به إلى
ص: 322
مكان يسمّى جلجليّة أعطوه خلاً مخلوطاً بمرّ ، فذاقَ ، ولم يرد أنّ يشرب. وقد ذكر في الفصل الثامن والخمسين من إنجيل مرقص : أنّهم أتوا به إلى موضع الجلجليّة وأعطوه خمراً ممزوجاً بمرّ ليشرب ، أمّا هو فلم يأخذه. والمنافاة بين الحكايتين من وجهين.
ومنها : ما في الفصل المائة من إنجيل متّى : أنّ في حشية السبوت صبيحة أوّل يوم من السبوت جاءت مريم المجدلية ومريم الأُخرى لينظرا القبر ، وإذا بزلزلة عظيمة قد كانت ؛ لأنّ ملاك الربّ نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب ، وجلس فوقه ، وكان منظره كالبرق ، ، ولباسه أبيض كالثلج ، فمن خوفه اضطرب الحرّاس وصاروا كالأموات. فأجاب الملاك ، وقال للنسوة : لا تخفن ؛ لأنّي قد علمت أنّكنّ تطلبن يسوع المصلوب ، ليس هو ههنا ، لأنّه قد قام ، كما قال : تعالين انظرن المكان حيث كان أيوب مطروحاً.
وقد ذكر في الفصل الرابع والخمسين من إنجيل مرقص : أنّه لمّا جاء السبت ابتاعت مريم المجدليّة ومريم أُمّ يعقوب وصالومي طيباً ليطبن ويطلبن إيّاه ، وباكرا جدّاً في أوّل يوم من السبوت ، ووافين القبر إذا طلعت الشمس قائلات بعضهن لبعض : من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ فتطلعن ونظرن إذ الحجر قد دحرج ؛ لأنّه كان عظيماً جدّاً ، ولمّا دخلن إلى القبر نظرن شاباً جالساً عن اليمين ، لابساً حلّة بيضاء ، فانذهلن ، أمّا هو فقال لهنّ : لا تذهلن ، تطلبن يسوع الناصري المصلوب وقد قام ، ليس هو ههنا.
والمنافاة بينه وبين الأوّل ظاهرة ، إلى غير ذلك من المناقضات والمخالفات الّتي يحال صدورها من خالق الأرضين والسماوات.
وثمّ إنّي أُقسم بمن تفرّد بالقدم ، وأبرز نور الوجود من ظُلمة العدم ، وجعل نبيّنا أفضل من تأخّر من الأنبياء وتقدّم ، وصيّر أُمّته في الظهور كنار على علم. أنّه لولا ثبوت نبوّة نبيّنا بإعجاز القرآن ، وبالمعجزات الّتي تكفي كلّ واحدة منها في قيام البرهان ، ونصّه على كلّ شي ء قديم ، لمّا ثبتت واللّه نبوّة موسى ولا عيسى ولا نوح ولا إبراهيم ؛ لقضاء ما في الإنجيل والتوراة من الاختلافات الظاهرات بعدم صدورهما من جبّار السماوات ، ويكونان على نفي النبوّة أدلّ من الإثبات.
ص: 323
وأمّا المعجزات ، فلا تثبت بعد طول العهد ، وتمادي الأزمنة والأوقات ، ولاحتملنا أنّها من جملة المزخرفات الصادرة من اليهود والنصارى ، وباقي أهل الملل السالفات.
ثمّ إنّ بناء مذهبهم على التثليث ، والاتحاد ، قالوا : فإن احتسبت ثلاثة : الأب والابن وروح القدس ، فلا مانع ؛ إذ لا منافاة بين الحكم بالوحدة والتثليث ، وهذا كلام يضحك منه الجهّال ، ولا ترضاه بعدَ العقلاءِ الأطفالُ.
فإنّ هذه الدعوى لو جازت ، جازت دعوى الاتحاد مع اللّه لكلّ مجرّد روحاني ، وهو أولى بالادعاء من المركّب الجسماني ، وحيث جرى فيه ، فيجري ذلك في جميع الأنبياء والأوصياء ، ولو شئت لعدّيت ذلك إلى جميع الأشياء.
وصحّ للإنسان أنّ يدّعي الاتحاد مع الملائكة ، والجنّ مع إنسان ، كما اتّحد عيسى ، وكيف يرضى الجاهل فضلاً عن العاقل بصدور الأشياء المتضادّة المتعاندة من الواحد.
وكيف يعبد الإنسان نفسه ، فيصلّي ويصوم ، ويعمل الأعمال لها ، وكيف يجامع ويتلذّذ بأكل وشراب ، وينام ، ويمرض ، ويموت ويحيا ويولد مع اتّحاده بمن لا يكون منه ذلك ، ما هذا إلا كلام سخيف ، لا يرتضيه إلا ذو عقل خفيف.
وأعجب كلّ العجب من اليهود والنصارى! أما يتأمّلون ، وينظرون بما يجيبون إذا وقفوا بين يدي اللّه حيارى سكارى وما هم بسكارى وناداهم : يا عباد السوء ، يا قليلي الحياء ، يا قليلي الوفاء ، لِمَ لا أطعتم عبدي علّة الإيجاد وسيّد العباد محمّد المختار ، الّذي خلقت نوره قبل جميع الأنوار ، فإن لم تعرفوه فبما عرفتم نبوّة عبادي نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وغيرهم ممّن تقدّم من الأنبياء؟ فإن أجابوا بدلالة المعاجز والآيات ، جاءهم الجواب من ربّ الأرباب : إنّ معاجز عبدي محمّدٍ أدلّ من معاجز عبادي الأنبياء السابقين ، وأولى بالاتّباع ؛ لأنّها أقرب عهداً ، وتلك أبعد ، فإن كنتم تشترطون الرؤية بالعيان ، ولم تعتبروا الأخبار المروية على طول الزمان أو جوّزتم السحر ، لزمكم الكفر بجميع الأنبياء.
وإن اكتفيتم بالمعجزة ، وبما وصلكم من الأخبار ، فقلّة الزمان أدعى إلى صدقها. وإن استندتم إلى الكُتب ، فالقران أدلّ منها ، ونَقَلةُ معاجزه أكثر من نَقَلَتكم ، مع أنّ أكثر
ص: 324
المعاجز معاجز عبدي موسى.
وقد يقول المعاند في شأنها : إنّها إنّما كانت للغضب على فرعون ، وقبطته ، ورحمةً للمظلومين من بني إسرائيل لما فعلوا بهم تلك الأفعال الشنيعة ، ولم يكن للإعجاز ، فمعاجز عبدي أصرح دلالة.
في أسباب تفاصيل التكاليف ، وبيان اللم في وضعها على أنحاء مختلفة.
اعلم أنّه قد ظهر ممّا تقدّم أنّ اللّه تعالى إنّما أمر العباد ونهاهم لبيان ما يستحقّونه من رضا اللّه وسخطه ، وثوابه وعقابه ، ومراتب الثواب والعقاب ، ولا ينكشف حالهم إلا بتكليف ما يخالف هواهم ، وإلا كانوا عبيدَ هواهم ، لا عبيد مولاهم ، فجعلها على أقسام ليختبر بها جميع المكلّفين من الأنام.
ولمّا كانت أحوالهم مختلفة ، ورغباتهم متفاوتة ، جعل التكاليف مختلفة على نحو اختلافهم ، فحيث كانوا منقسمين إلى أقسام اختبر بما يوافق حالهم :
أحدها : من يكره المتاعب وهو في الراحة راغب ، متهاون متكاسل ، أحبّ الأشياء إليه راحة بدنه ، وقراره في مكانه ، فاختبره بالأمر بما يترتّب عليه تعبُ الأعضاء ، وزيادة المشقّة والعناء ، فأمره بالصلاة ، والطهارة ، والقيام على الأقدام ، وترك لذّة الاضطجاع والاستراحة بالجلوس والمنام.
ثانيها : من شغل قلبه بحبّ المال ، ولا يبالي بالنفس والولد والعيال ، فاختبره بإيجاب بذله في الزكاة والخمس والنفقات ، والوفاء ببعض أقسام النذور والعهود والكفّارات ، وغيرها من الحقوق الماليّات.
ثالثها : من همّه بطنه ، فكأنّه من الأنعام ، لا همّ له ولا عناية إلا الشراب والطعام ، وبعض الملاذّ الّتي يحرّمها الصيام ، فاختبره بالتكليف بالصيام ، ومنعه من الأكل ، والشرب ، والجماع ، ونحوها.
رابعها : من يكره الخروج من مكانه ، ومفارقة أولاده ونسوانه ، فهمّه حبّ الحضر ،
ص: 325
وكراهة السفر ، فاختبره بالأمر بالحجّ والعمرة ، ليظهر بذلك أمره.
خامسها : من يُحبّ الحياة ، ويكره التعرّض للحرب والمبارزة والضرب ، خوفاً من الموت ، وبذلك غلب الجبن عليه ، متى سمع صيحةً طارَ قلبه ، أو سمع غوغاء الحرب والضرب ذهب لُبّه ، فاختبره بالتكليف بالجهاد ، وبيع نفسه برضا ربّ العباد.
سادسها : من غلب عليه حُبّ الرئاسة ، ووقوف الناس بين يديه ، وتقبيل يديه وقدميه ، وركوعهم له ، وخفق النعال خلفه ، وصهيل الخيل عقبه ، فاختبره بمنع التكبّر والتجبّر واحتقار عباد اللّه ، وأُمره بالتواضع للناس.
سابعها : من يُحبّ الملاهي ، ويرغب في اللّهو ، والغناء ، واللعب بالقمار ، ودقّ الطبول ، وصوت المزامير ، والرقص ، وأنواع اللذات القبيحة ، والشهوات ، فاختبره بتحريم ذلك عليه ، ومنعه عنه.
ثامنها : من همّه رضا المخلوق عنه ، وأن يُمدح في المحافل ، وأن يعتقد الناس بديانته وينسبونه إلى التقوى والصلاح ، فاختُبِر بإيجاب الغضب عليه لله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اعلم أنّ النفس سلطان على البدن ، وأعضاؤه رعيّة لها ، والحكيم الدليل المرشد للسلطان هو العقل ، متى أصغى السلطان إلى الدليل ، واستمع لقوله ، واسترشد بإرشاده ، صلح أمر السلطان ، وعدل في الرعية ، وأمرهم بالصلاح ، ونهاهم عن الفساد ، ويزيد في الرشاد ، ويُعين على سلوك طريق السداد إرشاد ربّ العباد.
وإن طغى السلطان على الدليل ، ولم يصغ لقوله ، ولا عملَ بإرشاده ولا دلالته ، وأخذ على غير الطريق ، ضلّ وأضلّ أتباعه ورعيّته ، وصار يأمر وينهى على غير بصيرة ، ويزيده في الضلال ، وينتقل إلى أسوإ حال ، حيث يُحسّن له طريق الهلاك ، فإنّه عدوّ محيل مزوّر قد قلب الأُمور ، وباشر الإضلال والإفساد برهةً من الدهور.
فالعين في إبصارها ، والأُذن في سماعها ، واللسان في نطقه ، واليد في بطشها ،
ص: 326
والرّجل في مشيها ، وسائر حضور الأعضاء في باب السلطان متهيئة لخدمته ، إن أمرها بحَسَنٍ فعلَته ، أو نهاها عنه تجنّبته ، أو دعاها إلى قبيح أطاعته ، أو نهاها عنه تركته.
فإن لم يقع اختلال في السلطان ، لاختلال المُرشد أو لضعفه ، وعدم الاستماع له ، لم يقع اختلال في الرعيّة ، وإلا اختلّت.
فلا تفعل الأعضاء فعلاً إلا عن أمر السلطان ، بل في الحقيقة هي بمنزلة الآلات ، وحالها كحال الجمادات ، وتعلّق المؤاخذة بها كتعلّقه بها ، فكلّ صلاح وفساد ينتهي إليها ، ولا مؤاخذة فيه إلا عليها ، فكلّ قبيح يصدر من الإنسان مرجعه إلى النفس الأمّارة والشيطان ، وكلّ أمر من الأُمور الحسان مرجعه إلى العقل ومعونة الملك الديّان.
الأوّل : ما يتعلّق بالنفس ويصدر عنها من دون واسطة الجوارح ، وإن توقّفت المؤاخذة في بعضها على الإظهار ، كفساد العقيدة ، والكِبر ، والحسد ، والعُجب ، الرياء ، وبُغض أولياء اللّه ، وبُغض المؤمنين ، وحُبّ الدنيا المضادّة للاخرة ، وحُبّ الرئاسة ، والتفكّر في طريق الاهتداء إلى المظالم والحيلة والتزوير ، إلى غير ذلك.
الثاني : ما يتعلّق بها بواسطة الجوارح ، كالزنا ، واللواط ، والاستمناء ، والوطء في الحيض ، ونحوها ممّا يتعلّق بالفروج. والسبّ ، والشتم ، والقذف ، والكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والهجاء ، والغناء ، ، والبهتان ممّا يتعلّق باللسان.
والنظر إلى عورات غير الأزواج ، ونحوها ، والنظر بشهوة إلى الذكور المُرد الحسان ، وإلى الأجنبيّات من النسوان ، ونحوها ممّا يتعلّق بالعينين.
واستماع الملاهي ، والغناء ، والغيبة ، ونحوها ممّا يتعلّق بالأُذنين.
والضرب للمظلومين ، وقتلهم ، وأخذ المال الحرام ونحوه ممّا يتعلّق باليدين.
وأكل الحرام وشربه وابتلاعه ، وأكل النجس ، ونحوها ممّا يتعلّق بالبطن. ومثله ويجري في باقي الجوارح.
وكلّ من القسمين ينقسم إلى قسمين : معاصي صغار وكبار.
ص: 327
والصغار مع الإصرار بالعزم أو كثرة التكرار ترجع إلى الكبار.
والمراد : ما تُعدّ كبيرة في نظر الشرع ، حتّى يقال : ذنب عظيم ، وإثم كبير ، ويُعرَف ذلك من ممارسة الشرع ، كما أنّ معصية العبد للمولى منها ما يستعظمها الناس ويقولون : عصى مولاه معصيةً عظيمةً كبيرةً ، ومنها ما يسمّونها صغيرة. ويجري مثل ذلك في الطاعات.
ولا تُخَصّ الكبائرُ بعدد مخصوص ، من سبع أو تسع أو اثنتا عشرة أو سبعين ، أو كونها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعين ، ولا بجهات مخصوصة ، كالتوعّد عليها بالنار ، أو الوجود في القرآن ، أو الثبوت بدليل قاطع ، ولا بجهة عامّة ، بمعنى أنّ كلّ معصية إذا نظرت إلى من عصيت كبيرة ، ولا بمعنى أنّ الصغيرة تختصّ بالحدّ الأسفل ، والكبيرة بالحدّ الأعلى ، وما بينهما تُوصف بالكبر بالنسبة إلى ما تحت ، وبالصغر بالنسبة إلى ما فوق.
ويؤيّد ما نقول : أنّ الكِبَر والصّغَر قد يكون باختلاف الجهات ، فغصبُ مال اليتيم ، والمؤمن ، والعالم ، والإمام ، والجائع ، والعطشان المشرفين على الموت كبيرة ، وإن قلّ ، وأهون منها ما ضادّها ، وليس كذلك مال الكافر ، وإن اعتصم بالجزية أو غيرها من أسباب العصمة ، وهكذا أكثر المعاصي.
ثمّ الصغائر مختلفة في مقدار الصّغَر ، وكذا الكبائر ، فقد تكبر حتّى تنتهي إلى ترتّب الكفر الإسلامي ، أو الكفر الإيماني ، فأكبر الكبائر فساد العقيدة ، حتّى تبعث على سائر المرجوحات من المكروهات وغيرها ، فمنها صغائر ، ومنها كبائر ، على نحو ما عرفت في المحظورات.
وهي كالمستحبّات ، ومنها صغائر تختلف مراتبها ، ومنها كبائر كذلك ، فإنّها قد تعظم ، حتّى تبلغ مرتبة يبعث تركها إلى الكفر ، والكبر والصغر فيها على نحوهما في المعاصي.
ص: 328
فالواجب المترتّب على ترك العقاب العظيم كبيرة ، وخلافه صغيرة ، ويعرف ذلك بممارسة الشرع ، ويظهر ذلك بملاحظة ما أوجبه السادات على عبيدهم ، فإنّ بعضاً منه يَسهُل أمره ، وبعضاً يعظم وزره ، ويشتدّ بسببه الغضب ، وتعظم المؤاخذة ، ومراتبه عديدة.
وترك الواجب الكبير معصية كبيرة ، كما أنّ ترك المعصية الكبيرة واجب كبير.
وليس المدار في كبر الواجب وصغره على الوجود في القرآن ، أو الثبوت بدليل قاطع ، أو التوعّد على تركه بالنار ، ونحو ذلك.
وأكبر المعاصي ما أدّى فعله إلى الكفر ، وأكبر الواجبات ما أدّى تركه إلى ذلك.
ومن الواجبات العظام الّتي لا شي ء أعظم منها بعد الإيمان ، والإسلام : الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والخمس ، والحجّ ، والجهاد في سبيل اللّه.
وبالكفر الإسلامي تستباح الدماء ، وتُسبى الأطفال والنساء ، وأخذ الأموال إلا فيما يستثني لبعض العوارض كما سيجي ء
وهو أقسام : كفر الإنكار ، وكفر الشكّ في غير محلّ النظر ، وكفر الجحود ، وكفر النفاق بالنسبة إلى الواجب تعالى أو نبيّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أو المعاد ، وكفر الشرك ، وكفر النّصب ، وكفر الهتك بالقول أو الفعل كالتحقير والإهانة بقول ، أو تغوّط في الكعبة ، أو على القرآن ، ونحو ذلك وكفر النعمة ، وكفر إنكار الضروري ، وتجري تلك الأقسام بتمامها في الكفر الإيماني المتعلّق بالنبيّ وعترته.
ثمّ الكفر بأقسامه إسلاميّاً كان أو إيمانيّاً ينقسم إلى قسمين : أصلي ، وارتدادي فطري تعلّق بمن علق في بطن امّه وأحد أبويه مسلم في الإسلامي ، ومؤمن في الإيماني ، ولا عبرة بحال انفصال النطفة من الأصلاب والترائب ، ولا بحال حلولها في الرحم قبل الانعقاد ، ولا بما بعد الانعقاد قبل التولّد أو بعد الميلاد.
ويجري حكم الفطرية في ولد الزنا على إشكال.
ص: 329
أمّا الإيماني الأصلي منه والارتدادي الفطري والملّي ، فلا ينقل في الدنيا بحسب الدم والعرض والمال عن أحكام الإسلام ، ما لم ينكر ضرورياً من ضروريّات الدين ، يستلزم إنكاره إنكار نبوّة سيّد المرسلين.
وأمّا الكفر الإسلامي ، فلا يخلو من أقسام :
أحدها : الارتدادي وهو بجميع أقسامه بين قسمين : فطري وملّي.
أما المرتدّ الفطري ؛ فإن كان ذكراً بالغاً عاقلاً معلوم الذكورية ، لا خنثى مشكلاً ولا ممسوحاً فحكمه القتل ؛ ويتولّى قتله الإمام ، ومن قام مقامه والظاهر جوازه لكلّ أحد مع عدم التقيّة من حينه ، من دون استتابة.
وتعتدّ نساؤه عدّة الوفاة ، وتتزوّج بعد انقضاء العدّة وإن بقي حيّاً ، وتُقسّم مواريثه بين ورثته بعد قضاء ديونه وإنفاذ وصاياه ، ولو في العبادة على إشكال.
وإن كان امرأة أو خنثى مشكلاً أو ممسوحاً ، حُبِسَ ، وضيّق عليه في مَطعمه ، بحرمانه من الطعام الطيّب ، وتمكينه من الجشب ؛ ومَشربه ، بحرمانه من الماء البارد في الصيف والمعتدل في الشتاء ، وتمكينه من الماء الساخن في الجملة في الصيف ، والبارد الشديد في الشتاء.
وفي اللباس والوساد والفراش والمكان ، وعدم وضع من تُسرّ بصحبته معها ، حتّى تتوب أو تموت.
فإن تابت وعادت ، عمل معها ذلك العمل ، فإن تابت ثالثة وعادت ، قُتِلت ، ولا يُقسّم ميراثها إلا بعد القتلَ.
وأمّا الملّي ؛ فيستوي فيه الذكرُ والأُنثى ، والممسوح والخنثى المشكل ، فإن كانا عاقلين بالغين استتيبا ، فإن تابا وعادا ثانياً استتيبا كذلك ، فإن عادا ثالثة قتلا.
ولا فرق في المرأة والخنثى المشكل والممسوح بين الفطري منها والملّي إلا في
ص: 330
الحبس ، والتضييق في الطعام والشراب.
ولا يجوز أخذ مال المرتدّ بقسميه ، ولا سبي نسائه وأولاده ، وإن انعقدوا حال الردّة ، أو كان جمع المال كذلك ، بل يرجع إلى الوارث أو الإمام.
ثانيها : بالكفر الأصلي وهو قسمان :
أحدهما : المتشبّث بالإسلام من المنافقين الّذين يظهر في بعض الأحيان نفاقهم ، والناصبيين ، والسابّين ، والهاتكين ، والخوارج ، والغلاة ، ومُنكري ضروريّ الدين ، مع تشبّثهم بالإسلام.
فيجوز قتلهم لكفرهم ، ولا يجوز سبي نسائهم ، وأطفالهم ، وأخذ أموالهم ، بل ترجع إلى ورّاثهم كحال المرتدين.
القسم الثاني : من لا تشبّث له بالإسلام ، وهم على قسمين : معتصمين ، ومستباحين الدماء أو العِرض أو المال ، فينحصر البحث في قسمين :
الأوّل : المعتصمين ، وهم أقسام :
أحدها : باذل الجزية للإمام ، أو منصوبة الخاصّ أو العامّ ، أو الرئيس المُطاع من أهل الإسلام ، من أهل الذمّة ؛ (1) أو من غيرهم. ثانيها : المؤمّنون ، ثالثها : المعاهدون ، رابعها : المصالحون ، خامسها : النازلون على الحكم ، سادسها : المرضى والعاجزون ، وسيجي ء الكلام فيها مفصّلاً. وأمّا المستباحون فسيجي ء الكلام فيهم أيضاً إن شاء اللّه.
اعلم أنّ الحرب الجائز ، والقتل ، والضرب على قسمين :
أحدهما : ما لا يحتاج إلى رئيس ماهر يجمع الجنود والعساكر ، بل هو دفاع
ص: 331
محض ، كالدفاع عن النفس والمال والعِرض ، وهذا القسم لا يدخل في اسم الجهاد.
ولا يختصّ به جليل ولا ذليل ، ولا عظيم ، ولا حقير ، ولا رئيس صاحب تدبير ، ولا نساء ، ولا ذكور ، ولا شخص مجرّب الأُمور.
ثانيهما : ما يحتاج إلى رئيس مُطاع ، له أشياع وأتباع ، ورأي سديد ، وبأس شديد ، قابل للسياسة ، وأهل للرفعة والرياسة ، له معرفة بمحاربة الرؤساء ، وقابليّة لمخاصمة الكفّار والفجّار والأشقياء ، إذا أمر انقادوا لأمره ، وإذا نهى وزجر انتهوا لزجره.
وهذا القسم يستدعي حصول الإذن من الواحد الأحد ؛ إذ الأصل اللّه سلطان لأحدٍ على أحد ، ، فإنّ الخلق متساوون في العبوديّة ، ووجوب الانقياد لربّ البريّة.
ولا ملك ولا ملكوت إلا لصاحب الكبرياء والعزّة والجبروت ، وكلّ من تسمّى ممّن عداه بالملكيّة ، فليس المراد بملكيّته الملكيّة الحقيقة ، بل يُراد بها الملكيّة الصوريّة على وجه العارية ، فلا وجه لإصدار النواهي والأوامر إلا من منصوب من المالك القاهر.
ثمّ هذا القسم وهو الداخل في اسم الجهاد ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : ما لا يتضمّن دفاعاً عن بيضة الإسلام ، ولا عن النفوس ولا الأعراض والحطام المتّصفة عند الشرع بصفة الاحترام.
وإنّما الغرض من جمع الجنود ، ونصب الرايات والأعلام هداية الكفّار ، وقهرهم على الإقرار بكلمة الإسلام بعد الإنكار ، وهذا منصب الإمام أو المنصوب الخاصّ منه ، دون المنصوب العام.
الثاني : ما يتضمّن دفاعاً عن بيضة الإسلام ، وقد أرادوا كسرها واستيلاء كلمة الكفر وقوّتها وضعف كلمة الإسلام ؛ أو عن الدخول إلى أرض المسلمين والتصرّف فيها وبما فيها ؛ أو عن عرضهم أو بلدانهم بعد الدخول فيها ، ويُراد إخراجهم منها ؛ أو عن فرقة من المسلمين التقت مع فرقة منهم ، وكانت لهم قوّة عليها ، أو عن فرقة من المسلمين من أهل الحقّ بغت عليها فرقة من أهل الباطل ، ولم يمكن دفع ذلك إلا بتهيئة الجنود وجمع العساكر.
ففي ذلك وإن وُجد إمام حاضر وجب عليه ، ولم يجز التعرّض لهذا المنصب إلّا
ص: 332
عن إذنه لمنصوب خاصّ لخصوص الجهاد ، أو مع مناصب أُخر من قضاء أو إفتاء أو إمامة ، أو نحو ذلك ، ووجب على الناس المكلّفين طاعته وسماع قوله.
وإذا لم يدخل الجهاد في مناصبه ، لم يجز له التعرّض له.
وإذا لم يحضر الإمام ، بأن كان غائباً أو كان حاضراً ولم يُتمكّن من استئذانه ، وجب على المُجتهدين القيام بهذا الأمر.
ويجب تقديم الأفضل أو مأذونه في هذا المقام ، ولا يجوز التعرّض في ذلك لغيرهم ، وتجب طاعة الناس لهم ، ومن خالفهم فقد خالف إمامهم.
فإن لم يكونوا أو كانوا ولا يمكن الأخذ عنهم ولا الرجوع إليهم ، أو كانوا من الوسواسيين الذين لا يأخذون بظاهر شريعة سيّد المرسلين ، وجب على كلّ بصير صاحب رأي وتدبير ، عالم بطريقة السياسة ، عارف بدقائق الرئاسة ، صاحب إدراك وفهم وثبات وجزم وحزم أن يقوم بأحمالها ، ويتكلّف بحمل أثقالها ، وجوباً كفائياً مع مقدار القابلين ، فلو تركوا ذلك عُوقبوا أجمعين.
ومع تعيّن القابليّة ، وجب عليه عيناً مقاتلة الفرقة الشنيعة والأُروسية ، وغيرهم من الفرق العادية البغيّة.
وتجب على الناس إعانته ومساعدته إن احتاجهم ونصرته ، ومن خالفه ، فقد خالف العلماء الأعلام ، ومن خالف العلماء الأعلام ، فقد خالف واللّه الإمام ، ومن خالف الإمام ، فقد خالف رسول اللّه سيّد الأنام ، ومن خالف سيّد الأنام فقد خالف الملك العلام.
ولمّا كان الاستئذان من المُجتهدين أوفَق بالاحتياط ، وأقرب إلى رضا ربّ العالمين ، وأقرب إلى الرقيّة ، والتذلّل والخضوع لربّ البريّة ، فقد أذنتُ إن كنت من أهل الاجتهاد ، ومن القابلين للنيابة عن سادات الزمان للسلطان ابن السلطان ، والخاقان ابن الخاقان ، المحروس بعين عناية الملك المنّان ، «فتحعلي شاه» أدام اللّه ظلاله على رؤوس الأنام ، في أخذ ما يتوقّف عليه تدبير العساكر والجنود ، وردّ أهل الكفر والطغيان والجحود ، من خراج أرض مفتوحة بغلبة الإسلام ، وما يجري وأمانة. ، كما
ص: 333
سيجي ء ، وزكاة متعلّقة بالنقدين ، أو الشعير أو الحنطة من الطعام ، أو التمر أو الزبيب ، أو الأنواع الثلاثة من الأنعام.
فإن ضاقت عن الوفاء ، ولم يكن عنده ما يدفع به هؤلاء الأشقياء ، جاز له التعرّض لأهل الحدود بالأخذ من أموالهم ، إذا توقّف عليه الدفع عن أعراضهم ودمائهم ، فإن لم يفِ ، أخذَ من البعيد بقدر ما يدفع به العدوّ المريد.
ويجب على من اتّصف بالإسلام ، وعزم على طاعة النبيّ والإمام عليهما السلام أن يمتثلوا أمر السلطان ، ولا يخالفوه في جهاد أعداء الرحمن ، ويتّبعوا أمر من نصبه عليهم ، وجعله دافعاً عمّا يصل من البلاء إليهم ، ومن خالفه في ذلك فقد خالف اللّه ، واستحق الغضب من اللّه.
والفرق بين وجوب طاعة خليفة النبيّ عليه السلام ، ووجوب طاعة السلطان الذابّ عن المسلمين والإسلام ؛ أنّ وجوب طاعة الخليفة بمقتضى الذات ، لا باعتبار الأغراض والجهات ، وطاعة السلطان إنّما وجبت بالعرض ، لتوقّف تحصيل الغرض ، فوجوب طاعة السلطان كوجوب تهيئة الأسلحة وجمع الأعوان ، من باب وجوب المقدّمات الموقوف عليها الإتيان بالواجبات.
وينبغي لسلطاننا خلّد اللّه ملكه أن يوصي محلّ الاعتماد ، ومن جعله منصوباً لدفع أهل الفساد بتقوى اللّه ، وطاعته ، والقيام على قدم في عبادته ، وأن يقسّم بالسويّة ، ويعدل في الرعيّة ، ويساوي بين المسلمين ، من غير فرق بين القريب والغريب ، والعدوّ والصديق ، والخادم وغيره ، والتابع وغيره ، ويكون لهم كالأب الرؤوف ، والأخ العطوف.
وأن يعتمد على اللّه ، ويرجع الأُمور إليه ، ولا يكون له تعويل إلا عليه ، وأ لا يخالف قول المنوب عنه في كل أمر يطلبه ، تبعاً لطلب اللّه منه.
ولا يسند النصر إلى نفسه يقول : ذلك من سيفي ورمحي وحربي وضربي ، بل يقول : ذلك من خالقي وبارئي ومدبّري ومصوّري وربّي ، وأن لا يتّخذ بطانة إلا من كان ذا ديانة وأمانة.
ص: 334
وأن لا يودع شيئاً من الأسرار إلا عند من يخاف من بَطشَ الملِك الجبّار ، فإنّ من لا يخاف اللّه لا يؤمن إذا غاب ، وفي الحضور من الخوف يحافظ على الاداب ، وكيف يُرجى ممّن لا يشكر نعمة أصل الوجود بطاعة الملك المعبود أن يشكر النعم الصوريّة ، مع أنّ مرجعها إلى ربّ البريّة؟! وأن يُقيم شعائر الإسلام ، ويجعل مؤذّنين وأئمّة جماعة في عسكر الإسلام ، وينصب واعظاً عارفاً بالفارسيّة والتركيّة ، يُبيّن لهم نقص الدنيا الدنيّة ، ويرغّبهم في طلب الفوز بالسعادة الأبديّة ، ويُسهّل عليهم أمر حلول المنيّة ، ببيان أنّ الموت لا بدّ منه ، ولا مفرّ عنه ، وأنّ موت الشهادة فيه السعادة ، وأنّ الميّت شهيد حيّ عند ربّه ، معفوّ عن إثمه وذنبه ، ويأمرهم بالصلاة والصيام ، والمحافظة على الطاعة والانقياد للملك العلام ، وعلى أوقات الصلاة والاجتماع إلى الإمام ، ويضع معلّمين يعلّمونهم قراءة الصلاة ، والشكيّات والسهويّات ، وسائر العبادات ، ويعلّمهم المحلّلات والمحرّمات ، حتّى يدخلوا في حزب اللّه.
الحرب على ثلاثة أقسام : دفاع صِرف ، وجهاد مُتضمّن للدفاع ، وجهاد صِرف :
وحكمه : أنّه إن كان دفاعاً صِرفاً ، كالدفاع عن النفس أو العرض أو المال ، جازَ في مقام الجواز ، ووجبَ في مقام الوجوب مُدافعة العدوّ ، مُسلماً كان أو مؤمناً ، عالماً بالموضوع أو جاهلاً ؛ لعدم علمه بإسلام الدافع وإيمانه ، عالماً بالحكم أو جاهلاً ، عامداً أو مخطئاً ، قريباً أو بعيداً ، ولداً أو أُمّا أو أباً ، على إشكال في الأخير ، بل في سابقيه بالنسبة إلى الأخير من المدفوع عنه.
ولكن المدفوع إن كان مُسلماً أو مؤمناً ، قدّم وعظه ونصحه بالكلام الليّن ، ثمّ الكلام الخشن إن وسع المقام ، ورجا نفع الكلام.
ص: 335
ثمّ إن أدبر ، وكان مأيوساً من عوده ، أو صار جريحاً قد أمن من شرّه ، فلا يجوز أن يتبعه ليصل إليه ، أو يكرّر الضرب له ليجهز عليه ، وأما الكافر فقد هتك بتجرّيه على المسلم حُرمته ، ورفع به عصمته ، وأبطل عهده وأمانه ، وخرق ذمّته.
من الأقسام المشتملة على مُلاقاة الأبطال من أهل الطغيان ، والضلال ، وعلى إقامة الحرب ، والمبارزة المشتملة على القتل والضرب ، في الدفع عن بيضة الإسلام ، أو النفوس أو الأعراض أو الأموال الّتي حكم اللّه عليها بالاحترام.
ففي هذه الأقسام يقاتلون ، ويقتلُون فرداً فرداً ، وهتكت عصمتهم ، ولم ينفعهم أمانهم ، وعهدهم ، وجزيتهم.
ووجب على المكلّفين الحاضر والغائب من جميع المسلمين من غير فرقٍ بين أهل المذاهب أن يشدّوا الرحال ، ويتجهّزوا للحرب والقتال ، ويرخصوا في ذلك النفوس والأموال ، إن وجدوا بأهل الحدود ذلّة ، أو رأوا بالمسلمين قلّة.
وعلى حضرة السلطان أو منصوبة كائناً من كان أن يجدّ في الطلب ، ويجمع الناس من عجم وعرب ، ويجبرهم على القتال ، والمبارزة مع الأعداء والنزال.
وعليهم أن يُقبلوا عليه ، ويتسابقوا من سائر الجوانب إليه ، وينادوا بأعلى النداء قائلين له : أرواحنا لروحك الفداء ؛ ليشتدّ عزمه ، ويقوى على محاربة الأعداء جزمه.
فإنّ الجنود ، والعساكر وإن كانت ذات عدد متكاثر بمنزلة الفسطاط إذا سقط عمودها هدمت.
وكما يجب طاعة الرئيس الكبير ، كذلك يجب طاعة من نصبه على عدد قليل أو كثير ، فيما يتعلّق بالسياسة والتدبير ، وعليهم إرشاده إذا زاغ عن الصواب ، وسلك طريق الغيّ والشكّ والارتياب.
وعليه أن يجمع شملهم ، ويسمع قولهم ، ويستشيرهم في الأُمور ، ويتبسّم في وجوههم ، ويظهر لهم الفرح والسرور.
ص: 336
قد تقدّم بيان أقسام الجهاد ، وذكرنا أنّها تقع على وجوه خمسة : هي ما يكون لحفظ بيضة الإسلام إذا أراد الكفّار الهجوم عليها.
وما يكون لدفعهم عن بُلدان المسلمين ، وقُراهم ، وأراضيهم ، وإخراجهم منها بعد سلطانهم عليها.
وما يكون لدفع الملاعين عن التسلّط على دماء المسلمين ، وهتك أعراضهم على نحو ما مرّ.
وما يكون لدفعهم عن طائفة من المسلمين التقت مع طائفة من الكفّار ، فخيف من استيلائها عليهم.
وما يكون لأجل الدعوة إلى الإسلام ، وإقرارهم بشريعة خير الأنام صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وتُشترط في القسم الأخير نيّة التقرّب إلى اللّه تعالى ، دون باقي الأقسام ، مع احتمال اشتراطها في الأقسام الأربعة الباقية ، لا سيّما الأوّل والرابع ، ولو قيل : بأنّ قصد القربة إنّما تتوقّف عليه زيادة الثواب ، لم يكن بعيداً.
ثمّ الحرب الراجح بأقسامه له شروط ، تشبه شروط الصلاة ، فمثل الطوب ، والتفنك ، والسيف ، والرمح ، والسهم ، ونحوها بمنزلة الطهارة المائيّة من الوضوء والغسل ، لا يجوز العدول إلى غيرها إلا مع الاضطرار. ويستحبّ فيها أن تكون سالمة من صفات النقص ، وكلّما زادت في الكمال زاد فضلها وأجرها ، كما في الماء.
والعصا والحجارة ونحوها بمنزلة الطهارة الاضطرارية الترابيّة ، يحرم استعمالها مع وجود ما هو بمنزلة الطهارة المائيّة.
ودابّة الركوب ومكان الحرب بمنزلة مكان المصلّي ، فإنّ الصلاة لا تصحّ في مكان لا يستقرّ فيه صاحبه ، ولا زال يضطرب ، فلا يجوز في مذهب أهل الرأي ركوب دابّة رديئة ، أو الجلوس في مكان منخفض ، والعدوّ في مرتفع ، وهكذا.
ص: 337
وكذا في اللباس ؛ فلباس المصلّي من القطن والكتان ، ولباس الحرب من الحديد.
وكذا في الاستقبال ؛ فإنّه لا يجوز في الصلاة صَرف الوجه عن القبلة ، كما لا يجوز صَرف الوجه عن العدوّ ، ويجب استقباله.
وكذا تستحبّ الصلاة جماعة ، وكلّما كثرت الجماعة ، وزادت الصفوف كان أفضل ؛ كذلك الحال في الحرب ، فإنّ زيادة صفوف الحرب تبعث على زيادة الأجر.
وكذا يكره استقبال الحديد والنار في الصلاة ، كذلك يُكره الحرب حال استقبال الريح.
وهكذا ينبغي للمصلّي أن لا يكون متكاسلاً ، ولا متناعساً ، بل ينبغي أن يكون متوجّهاً لصلاته متحذّراً من الشيطان ، كذلك في الحرب ينبغي أنّ يكون على حذر من العدوان ، غير متهاونٍ ، ولا متكاسلٍ ، ولا متثاقلٍ.
ثانيها : وهو مشترك بين الجميع : البلوغ ، والعقل ، والقابليّة للنفع ، وعدم تقوّي العدوّ بحضوره ، بزعم أنّه من أوليائهم ، وعدم تضرّر المُسلمين بوجوده معهم تضرّراً يفسخ اعتبار نفعه. ولو حصلَ بكثرة السواد دفع ضرر فيما عدا القسم الأخير من الأقسام الأربعة السابقة عليه وجبَ على الوليّ إحضارهم.
ثالثها : وهو خاصّ بالأخير ، ويشترك معه ما سبقه إن لم يترتّب دفع ضرر ، وهو : الحريّة ؛ والسلامة من العمى ، والإقعاد ، والمرض ، وبلوغ حدّ الهمّ ، والفقر الباعث على العجز عن مسيره ، ونفقته ، ونفقة عياله ، ولم يبلغ حدّ التعذّر ، وأمّا ما بلغ حدّ التعذّر فيشترك فيه الجميع.
رابعها : عدم منع أحد الوالدين ، وعدم حلول الدَّين مع القدرة على وفائه ، ومُنافاة الخروج إلى الجهاد ، ولم يكن مُتعيناً ، وذلك خاصّ بالأخير.
خامسها : عدم وجود من تقوم به الكفاية ، ويحصل به الغرض ؛ لكثرة الكفّار ، وقلّة المسلمين.
سادسها : الذكورة ، فلا يجب على من علم خروجه عن حقيقتها ، أو شكّ فيه كالخنثى المُشكل ، والممسوح ، وهذا مخصوص بالأخير أو القسمين الأوّلين.
ص: 338
سابعها : عدم المعارضة لشي ء من الواجبات الفوريّة ، من حجّ إسلام ، أو حجّ نيابة يجب السعي إليها فوراً ، ولا يجامع الخروج إلى الجهاد ، وكذا ما كان مُستأجراً عليه من الأعمال ، وهذا مخصوص بالأخير ما لم يتعيّن.
ثامنها : أن لا يتوقّف على تخلّفه تهيئة الزاد والأسباب الّتي تتوقّف عليها استقامة عساكر المسلمين ، كالات الحرب والخيام المحتاج إليها ونحوها ، ولو أمكن من غيره ، لم يتعيّن إلا بتعيين رئيس العسكر.
وفيه فصول :
بذل الجزية للإمام ، أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، أو رئيس المسلمين مع غيبة الإمام عليه السلام ، قبل الأمر ، باختيارٍ منه ، وانخفاض وتذلّل ؛ مُشترياً لنفسه من القَتل ، ولعرضه وماله على نحو ما شرط ، شراء المُكاتَب نفسه من مولاه ، لا بوجه هدية أو ترفّع.
بمقدار ما يطلب منه أمير المؤمنين ، من جنس أو نقد موزّعاً على الرؤوس ، أو الأراضي أو الشجر أو الحيوان ، أو ما تركّب منها على إشكال ، فيما عدا القسمين الأوّلين ، وما يتركّب منهما ، والأحوط أن لا ينقصها عن مقدار دينار.
ويستوي الغني والفقير ، والرشيد والسفيه. وإن كان مُعسراً ، انتظر إلى ميسرة.
ولا جزية على الأطفال ، والنساء ، والمجانين ، والخناثى المشكلة ، والممسوحين ؛ لإلحاقهما بالنساء.
ويقوى في العبد الأخذ من مولاه.
وفي الهمّ ، والمُقعد ، والراهب ، وأهل الصوامع ، والمجنون أدوارياً إشكال.
ويجوز أخذها من ثمن المحرّمات والمحلّلات في مذهبهم ، من ثمن الخمر ،
ص: 339
والخنزير ، والصليب ، ومهر بنات الإخوان ، والأخوات ، والأُمهات عند من أحلّها ، ولو بالإحالة على المشتري.
ويُشترط في لزومها الانقياد لقضاء الشرع وحُكمه ، وعدم التجاهر بالمحرّمات في شريعة الإسلام ، كأكل لحم الخنزير ، وشرب الخمر ، ونكاح المحرّمات ، ومعاونة الكفّار ، وإيواء عينهم ، وكشف الأسرار لهم بالرسل والمكاتبات ، وترغيبهم إلى قتل المسلمين ، والتسلّط على أعراضهم ، وأموالهم.
ويمنعون عن بناء كنيسة أو بيعة ، وضرب ناقوس ، وإعلاء جدار على بناء مسلم من أهل الحقّ أو الباطل ، ومساواته له ، ما لم يكن بناء المسلم في الأرض على نحو السرداب ، أو كان مبناه على مرتَفع من الأرض. وإن خرجَ المُسلِم على العادة في الهبوط ، فلا بأس ، على إشكال.
ولو احتاج إلى تعلية داره ، وبَذَلَ للمسلم ما يرفع به بناءه ، لم يجب القبول. ولا مانع من زيادة حُسنه وسِعته على دار المُسلم.
وفي تسرية الحكم إلى خاناتهم ، ومدارسهم ، وبيعهم ، وكنائسهم ، وأوقافهم الخاصّة دون العامّة الّتي تعمّ المسلمين وجه.
ويمنعون عن جميع ما يُؤخذ عليهم تركه ، من تحسين الدور زيادة على المسلمين ، وركوب السرج والخيل ، ولبس لباس فاخر من خز أو سمور أو شال ، ووضع العلامة كشعر في الوجه ، متّصلاً بشعر الرأس ، أو رقعة يخالف لونها لون الثوب ، أو إزار مخصوص فوق الثياب للنساء ، أو شي ء على الرأس لا تضعه نساء المسلمين على رؤوسهم ، ونحو ذلك.
ولو تذمّم من إمام أو منصوبة الخاصّ أو العامّ ، ثمّ تربّص بعض المسلمين ، فقبض المال ، أجزأ في ثبوت الذمّة.
ويجوز أن يشترط عليهم ضيافة المسلمين وإيوائهم ، ويشترط دوابا وخيلاً لركوبهم. ولا تختصّ الضيافة بثلاثة أيام.
وقبول الجزية مخصوص بما كان من أهل الكتاب ، كاليهود ، والنصارى ، ومن لهم
ص: 340
شبهة كتاب ، كالمجوس ، والصابئين ، والسامرة إن أُلحق الأخيران بأحدهم.
ولو انقلب أحدهم عن مذهبه ، ودخل في مذهب آخر من مذاهب أهل الكتاب ، ففي قبول الجزية منه إشكال.
وتكفي المُعاطاة الفعليّة في عقد الجزية ، وسائر عقود الأمان ، ويجري فيه التوكيل ، والفضول مع الإجازة ممّن له الولاية.
ولو ظنّ من أهل الكتاب ، فعقد معه الجزية ، فظهر من غيرهم من دون تدليس ، ردّ إلى مأمنه.
ولو رجعَ الكتابي إلى الوثنيّة بعد عقد الجزية ، انحلّ عقده ، ولو عفا الإمام أو رئيس المسلمين ، لم يختلّ عقد الذمّة.
والعقد قد يعمّ النفوس والأعراض والأموال ، فيعصم الجميع ، وإذا خصّ ، خصّ بما خصّ المتذمّم من غيبة أو سبّ أو أذيّة ما لم ينتهِ إلى ضرر ، ولا يقضي باحترامه وإكرامه.
وتكره بدأة الذمّي بالسلام ، وإذا بدأ هو أُجيب ب- «عليكم» فقط.
وتكره مُصافحته أيضاً ، فإن فعل فمن وراء ثياب.
ويستحبّ أن يضطرّه إلى أضيق الطرق ، وأن يُمنع من الجادّة.
وفي استحباب وضع العلامة ، ومنع ركوب الخيل ، والحكم عليه بالركوب عرضاً ، وحذف مقاديم الشعور ، وترك الكُنى والألقاب الإسلاميّة من دون شرط بحث.
ولو تذمّم في مملكة رئيس من رؤساء الحقّ أو الباطل ، جرى تذمّمه في حقّ جميع الممالك. ولو تذمّم من رئيس ، فأعطى الجزية لغيره ، لم يمضِ ذمامه.
ولو بذلَ الكتابي الجِزية ، وقامَ بشروطها ، وجبَ قبولها.
ولو تحرّر بعضُه ، قامَ بما قابلَ حصّة الحرّية من الجزية ، وأدّى المولى مُقابل الجزء الرق إن أوجبنا جزية العبد على مولاه ، وإلا لزم أداء ما قابل الجزء فقط.
ولو كان رجلان على حقو واحد ، اختبر بالإيقاظ بعد النوم ، فإن لم يتيقّظا معاً ، وظهر كونهما اثنين ، أعطيا جزيتين.
ص: 341
وإن تيقّظا معاً ، كانا واحداً ، وكانت عليهما جزية واحدة.
ويُصدّق مُدّعي الكتابيّة من غير بيّنة.
ولو ظهر فيما أدّاه عَيب ردّ ؛ عليه ، أو نَقصٌ ، أتمّه.
وينبغي تأدية الجزية على رؤوس الأشهاد ؛ لعزّة الإسلام.
من أسباب الاعتصام : الإقرار بكلمة الإسلام ، فيحقن دمه مع الإقرار ، قبل الإسلام وبعده ، ويدخل في الملك هو وماله لو كان ذلك بعد الاستيلاء.
وإنّما يجوز أو يُستحبّ مع اعتبار المصلحة للمسلمين ، وقد يجب إذا ترتّب على تركه فساد عليهم. ويجوز للواحد والمُتعدّدين من المُشركين. ويجب لمن أراد أن يَسمَع كلام اللّه منهم ، ولمن كان رسولاً منهم إلى أن يرجع إلى مأمنه.
وفيه مباحث :
ولا تُعتبر فيه ألفاظ مخصوصة ، ويجزي فيه جميع ما أفاد معناه من لفظ عربي أو فارسي أو تركي أو يوناني أو سرياني أو غير ذلك ، أو كتابة ، أو إشارة على نحو أيّ اللغات كانت ، والرضا بمنزلة القبول. وقد يُلحق بالإيقاعات.
ويجزي في القول «أجرتك» و «أمّنتك» و «ذمّمتك» أو «عصمتك» (1) أو «أنت في ذمّة الإسلام أو عُهدته أو حمايته أو رعايته أو ذمّة المسلمين» على نحو ما ذكر.
ويجزي مثل «لا تخف» ، و «لا تخشَ» ، و «لا تضطرب» ، و «لا تحزن» ، مع دلالة
ص: 342
الحال على إرادته. ومع عدم الإرادة ، يأمن المُشتبه بها ، فيردّ إلى مأمنه.
ونحو «قم ، وقف ، ولا تهرب وألقِ سلاحك ، ونم من غير حرس ، ونحو ذلك» فلا دلالة فيه. ولو زعم المُشرك الدلالة ، عُذِرَ ، وردّ إلى مأمنه.
وإذا سُئِلَ المتكلّم ، فقال : قصدت التأمين ، التزم.
ولو خرج الكفّار من حصنهم مشتبهين ، ردّوا إلى مأمنهم. ولو لم يكن لاشتباههم وجه ، فلا أمان.
محلّه لغير الإمام ومأذونه الخاصّ قبل الأسر. وإن كان في مضيق ، فلا أمان بعده إلا من الإمام أو مأذونه الخاصّ.
ولو أخبرَ المُسلم بالتأمين ، وكان في وقتٍ له ذلك كما قبل الأسر ، قُبلَ ولو كان فاسقاً ؛ وإن كان بعده ، لم يُقبل إلا مع البيّنة.
ولو شهدَ عدلان أو جماعة عدول بأنّهم أمّنوه ، لم تُقبل شهادتهم ؛ لأنّه فعلهم. ولو جاء المسلم بأسير ، وادّعى التأمين قبل الأسر ، لم يُقبل منه ، وإن وافقه المسلم ، وله عليه اليمين. ولو أشرفَ جيش المسلمين على الكفّار ، ولم يبلغوا حدّ الأسر ، جازَ تأمينهم.
يجوز عقد الإمام ونائبه الخاصّ مع الكفّار من أهل البوادي ، والبلدان ، والقُرى ، عموماً وخصوصاً ، إذا عمّته النيابة. وكذا المجتهدون ، وأُمراء العساكر ، ونوّابهم ، وحكّامهم القائمون بسياسة عساكر المسلمين ، مع عجز المجتهدين ، مع الكفّار جملة ، وأهل الصحاري والبُلدان والقُرى ، من دون تخصيص بقليلٍ وكثير ، مع مُراعاة المصلحة.
ولا يجوز لباقي الرعيّة إلا تأمين الواحد منهم ، أو الأكثر لواحدٍ من الكفّار ، أو عدد
ص: 343
قليل ، كالعشرة وما قاربها ، أو قافلة قليلة ، أو حصن صغير.
ولا فرق في المؤمّنين من المسلمين بعد إحراز العقل والبلوغ والاختيار بين الأحرار والعبيد ، والقويّ والضعيف ، والذليل والعزيز ، والحقير والعظيم ، والغنيّ والفقير ، والذكر والأُنثى.
ويجوز التأمين للصبيّ ، والمجنون ، والحرّ ، والعبد ، والذكر ، والأُنثى من الكفّار ، ولا يقع التأمين من الكفّار المعتصمين.
نعم يجوز لهم ولغيرهم من أقسام الكفّار أن يكونوا وكلاء من المسلمين.
ويجوز التأمين من أهل الفِرَق المُبدعة من المُسلمين ، ما لم يدخلوا في أقسام الكفّار.
ولو عقده القابل ، وأجازه القابل من دون سبقِ ردّ ، جازَ.
وهي أُمور :
أوّلها : أنّ عقد الأمان لازم ، فلا يجوز نقضه إلا مع الإخلال بشروطه. ومع الإطلاق يدخل العرض ، والأولاد ، والخدّام ، والأموال تبعاً ، ولا يدخل الأبوان ، والأرحام.
ثانيها : أنّه لو دخلَ حربيّ دار الإسلام بغير أمان ، فلا أمان على نفسه ، ولا عرضه ، ولا ماله.
ولو كان مع بعض المسلمين أو معه تجارة ، فزعم حصول الأمان بمثل ذلك ، لم يكن مؤمّناً. ويردّون إلى مأمنهم مع الاشتباه.
ثالثها : أنّه لو دخل بأمان مع ماله ، ثمّ خرج إلى دار الحرب متنزّهاً أو لغرض ، مع نيّة الرجوع ، وأبقى ماله ، كان أمناً على نفسه وماله. وإن قصدَ البقاء وترك المال ، أمن على ماله دون نفسه. وإن كان بنيّة الرجوع من دون مال ، أمن على نفسه.
ولو بقي المال الباقي على الأمان ، فأرسل في طلبه ، بعث إليه. وإذا مات في بلاد الإسلام ، وله وارث مسلم في دار الحرب أو دار الإسلام ، اختصّ به ، وإلا كان للإمام.
ص: 344
رابعها : أنّه إذا دخلَ المسلم أرضَ العدوّ بأمان ، فسرق أو سلب شيئاً ، وجبَ ردّه ؛ لأنّ الظاهر دخول شرط عدم خِيانتهم عليه. وكذا لو استأذن المؤمّن. أمّا لو دخل بغير أمان ، فمالهم كسائر المُباحات له.
خامسها : أنّه لو فكّ نفسه بمال يبعثه ، وإلا رجع ، فلا يبعد وجوب الوفاء إن تمكّن من المال ، وإلا فإن كان امرأة لم يجز ، وإن كان رجلاً ، فالأقوى فيه ذلك أيضاً.
سادسها : أنّه يقتصر في الأمان على متعلّقه ، فإن طلبوه للنفوس اختصّ بها ، وأُبيحت أعراضهم وأموالهم ؛ وإن خصّوا الأعراض والأموال أو الأبناء أو الإباء أو الأُمهات أو الأخوة أو الأخوات أو الأرحام ، يحمل على الاختصاص.
وإن خصّوا الذراري ، دخل الأولاد والبنات ، وما تولّد منهم. وفي الإباء تدخل الأُمّهات والأجداد. وكيف كان ، فكلّ خطاب يتبع مصطلح أهله ، فإن خاطبوا بالعربيّة ، بني على اصطلاح العرب ، وهكذا اللغات الأُخر.
سابعها : أنّه لو أمر رئيس العسكر بالرسالة ، أو أرسل رسولاً بمصالح ، وجب أن يختار مسلماً ، مؤمناً ، عدلاً ، بصيراً بالأُمور ، أميناً ؛ لا كافراً ، ولا مُبدِعاً ، ولا فاسقاً ، ولا خائناً ، ولا قليل البصيرة ، فإذا أبلغهم الأمان ، وسلّموا الحصن ، أو خرجوا منه وكانوا داخلين ، لا يجوز التعرّض لهم.
وإذا حصلت لهم شبهة بمجرّد دخوله ، فزعموا الأمن ، لم يجز التعرّض لهم ، حتّى يرجعوا إلى مأمنهم ، ويعلموا بعدم الأمان. وإذا قال الرسول : ما أمّنتهم ، وزعموا التأمين ، قدّم قولهم مع القرينة.
ثامنها : أنّ الأمان يجري على نحو ما وقع ، إن عامّاً فعامّ ، أو خاصّاً فخاصّ. فإن خصّ الشبّان أو الشيوخ أو الرجال أو النساء ، قصر الأمان على من خصّ به. ولو زعم أحدهم العموم في مقام الشبهة ، وخرج ، بُعث إلى مأمنه.
تاسعها : لو ادّعى رئيس المسلمين أو الرسول خصوص الأمان ، وادّعوا العموم ، قُدّم قول المسلمين إلا مع القرينة. ومع الشبهة يردّون إلى مأمنهم.
عاشرها : إذا أمّنوا شخصاً على شرط ، كفتح باب الحُصن ، أو الدلالة على طريق
ص: 345
يوصلهم إليه ، أو على أن يخرج منهم ويُعينهم ، أو يذهب إلى محلّ آخر ، وهكذا ، فإن فعل الشرط أُمّن ، وإلا فلا.
حادي عشرها : إذا أمّنوهم بشرط مالٍ أو نساءٍ أو صبيةٍ أو نحو ذلك ، وعملوا بشرطهم ، أُخذ منهم شرطهم ، ولم يَجُز التعرّض لهم.
ثاني عشرها : يقع الأمان على نحو ما يتعيّن به من عموم الأمكنة ، والأزمنة ، والأحوال ، وخصوصها ، وعموم المؤمّن منهم ، كجميع المُحاربين ، أو خصوص بعضٍ من أصنافهم أو آحادهم.
ثالث عشرها : إذا جاء الرسول منهم ، وعلموا أنّ غرضه التطلّع على أحوالهم ، ليخبر الكفّار بها أو خافوا منه ، جاز للمسلمين منعه عن الرجوع.
رابع عشرها : أنّه يجوز لرئيس المسلمين نقض الأمان ، مع لزوم الفساد منه ، أو فوات المصلحة ، وليس لغيره ، ولكن لا يجوز التعرّض لهم ، حتّى يبلغهم الخبر بإرسال كتاب يعرفون معناه ، ويطمئنون إلى صحّته ، أو رسول يعرفونه ، ويعتمدون على خبره ؛ وبدون ذلك لا يجوز التعرّض لهم.
ولو لحق الخبر بعضاً دون بعض ، لحق كلا حُكمه.
ويجب على رسول المسلمين التبليغ العام إن كان النقض عامّاً ، والخاصّ إن كان خاصّاً ، ويكون ذلك على رؤوس الأشهاد ، وللمسلمين البناء على هذا الظهور ، فيحكمون بنقض الأمان في حقّ من وجدوه.
خامس عشرها : أنّ الأمان وخلافه قد يكون بالتحكيم ، فإذا حاصر المسلمون حصناً ، وظهرت قدرتهم على بعض الكفّار ، وطلب الكفّار النزول على حكم حاكمٍ من المسلمين ، إماماً أو غيره ، رئيساً أو مرؤساً ، جاز للرئيس قبول ذلك.
فإذا حكم بالنفوس أو الأعراض أو الأموال ، أو المركّب من الاثنين أو الثلاثة ، أو بالعفو عنهم ، أو أخذ الجزية أو مال أو نحو ذلك ، مضى حكمه.
ولا يجوز إنزالهم على حُكم اللّه إلا إذا كان معلوماً.
ويجوز اتّحاد الحاكم وتعدّده ، ومع التعدّد إن اتّفقا فلا كلام ، وإن اختلفا لم يمضِ
ص: 346
الحكم ، حتّى يتّفقا أو يحكم غيرهما. وإن ماتَ أحدهما ، ضمّ إليه آخر ، أو جدّد التحكيم.
سادس عشرها : إنّما يتّبع حُكم الحاكم إذا لم يخالف الشرع ، ولم يتعمّد الباطل ، ولا يمضي إلا فيما فيه صلاح المسلمين ؛ ويلزم العمل بحكمه ، ولا يجوز التخلّف عنه. والظاهر عدم المانع من تسلسل الحكّام ، ما لم يلزم التعليل التعطيل ، فإذا حكم بجعل حكم آخر ، مضى حكمه.
سابع عشرها : إذا حكم الحاكم بأمر ، وأسلموا قبل فعله ، فإن كان ممّا يتعلّق بالنفوس ، انفسخ الحكم ، وإن كان متعلّقاً بالأولاد والنساء والأموال ، مضى.
ثامن عشرها : لو حكم الحاكم بما لا يجوز ، لم يمضِ حُكمه.
ثمّ إن كان مُشتبهاً أو مَعذوراً بأيّ نحو كان ، لم ينعزل ، وجاز حكمه بالموافق ؛ وإن كان غير معذور وحكم بفسقه ، انعزلَ.
تاسع عشرها : لو حَكّموا مَن يختارونه مِن عسكر المسلمين جازَ ، ثمّ ينظر فيما يختارون ، فإن كان أهلاً فبها ، وإلا نُفي من الحكومة.
العشرون : يُعتبر في الحاكم البلوغ والعقل حين الحكومة ، والحريّة ، والذكورة ، والمعرفة بطريق الحكم ولو بالتقليد ، والإسلام ، والإيمان ، والعدالة ، والنباهة ، وعدم النوم ، والغفلة ، والنسيان ، والإغماء ، والسكر ، والجبر ، والخلوّ من الخوف والاضطراب بحيث يُعتمد على قوله ، ولا مانع من جهة العمى والصمم مع إمكان التوصّل إلى معرفة المُراد.
الحادي والعشرون : لا يُعتبر في التحكيم ولا في الحكم صيغة مخصوصة ، بل يكفي فيهما ما يفيد إنشاءهما ، ويدلّ عليهما ، من لفظ عربي أو فارسي ، أو من غير لغة كائنة ما كانت. وتكفي فيهما الإشارة المُفهِمة ، والكِناية المصرّحة في وجه قوي.
ويكفي قول : «نعم» بعد قول : أحكمتموني؟ أحكمتَ عليّ؟ ونحو ذلك ، ويعتبر القول من المحكّم ، ويكفي الرضا ، ولا يُعتبر في المحكوم عليه.
ص: 347
الثاني والعشرون : موت الحاكم أو جنونه أو نسيانه لا يخلّ بالحكم ، ويجوز تحكيم القرآن ، وباقي الكتب السماوية ، وكتب الحديث ، وأقوال الموتى ، وآرائهم المنقولة عنهم ، أو المسطورة في كتبهم ، في وجه قويّ.
الثالث والعشرون : أنّ أمر التحكيم وقبوله موكول إلى الإمام أو نائبه الخاصّ ، وتقوى تمشيته إلى المُجتهدين ، ثمّ إلى رئيس المسلمين فيما لم يكن الباعث فيه على الخصام الجلب إلى الإسلام ، وإلا فهو إلى الإمام عليه السلام.
الرابع والعشرون : ليس للحاكم بعد الحكم أن يرجع عن حكمه ، بل يمضي حكمه ، ولا للمحكّم الرجوع عن التحكيم ، إلا مع خشية الفساد ، ولو كان مشروطاً فيه الخيار ، جازَ فيه الرجوع.
فهم على أقسام :
القسم الأوّل : الّذين أسلموا قبل توجّه الجند إليهم ، أو بعد توجّهه إليهم قبل تسلّطه عليهم ، فهذا القسم مُعتصم ، أمن على نفسه ، وماله منقولاً ، وذراريه ، وتابعيه ، وحاله كحال من تقدّم إسلامه ، لا يُطالب بشي ء سوى العشر ، أو نصف العشر زكاة فيما فيه الزكاة ليصرف في مصارفها ، أو الخمس لبني هاشم ، ليصرف في مصارفهم ، إلا فيما لا يُنقل ، فإنّه في ء للمسلمين ، وتجري عليهم أحكام المسلمين.
القسم الثاني : الّذين أسلموا بعد الاستيلاء التامّ عليهم ، فهؤلاء لا ينتفعون بإسلامهم بشي ء سوى درء القتل عنهم ، وإن يحكم عليهم بالرق ، استرقّوا ، وتملك أموالهم وذراريهم تبعاً لهم ، وإن لم يسترقّوا وفدوا أنفسهم ثمّ أسلموا ، كان جميع ما يتبعهم من الأموال والذراري ممّا لم يقع الاستيلاء عليه لهم ، وما استولي عليه خارجاً عنهم.
القسم الثالث : الّذين أسلموا بعد الاستيلاء على بعض ما يلحق بهم ، دون بعض ، فهنا إن حكم عليهم بالاسترقاق ، صارت جميع اللواحق ممّا استولي عليها وما
ص: 348
لم يستولي للمسترِقّ ، وإلا كان ما دخل في تصرّف المسلمين لهم ، وما لم يدخل له.
ويتحقّق الإسلام بقول : «أشهد أن لا إله إلا اللّه ، محمّد رسول اللّه» أو بما يُرادفها ولا يحتمل غير معناها من أيّ لُغة كانت ، وبأيّ لفظ كان. فإذا قالها حُكم بإسلامه ، ولا يسأل عن صفات ثبوتيّة ، ولا عن سلبيّة ، ولا عن دلائل التوحيد ، وشواهد الرسالة ، ولا يتجسّس عليه في أنّه مُعتقد أو مُنافق.
ويكتفى من الأخرس بإشارته ، وإضافة لوك لسانه وكتابته أولى.
والظاهر عدم الاكتفاء بقول : «نعم» ، في جواب من قال : «أتشهد أن لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم؟» ، أو قول : «بلى» في جواب قول : «أتشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأنّ محمداً رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم؟».
ولا تُقبل منه لو قالها غلطاً ، أو غفلة ، أو حال نوم أو إغماء أو جنون أو دهشة تمنع عن القصد ، وتقبل مع الجبر إن كان ممن لا يقرّ على دينه ، ومن المنافق على الأقوى.
إذا رأى الإمام أو نائبه الخاصّ أو من قام بسياسة عساكر المسلمين ضَعفاً أو وهناً فيهم ، ورأى أنّ إيقاع الصلح من الفريقين أصلح للمسلمين ، وأوثق بحفظ شريعة سيّد المرسلين ، أوقعَ الصلحَ بينهم وبين المسلمين على الوجه الأصلح على قدر ما يسعه.
فإن أمكن الاقتصار فيه على حقن دمائهم أو استباحة ذراريهم أو نسائهم أو أموالهم ، اقتصر على الممكن ، إن كلا فكلّ ، وإن بعضاً فبعض.
ومع التخيير ينتظر صلاح المسلمين بقدر الإمكان ، ويأخذ بالأقلّ فالأقلّ على حسب ما يسعه ؛ وإن لم يمكن إلا بتخصيص المال أو الذراري أو النساء أو الطائفة فيوقع الصلح على بعض دون بعض ، فعلَ.
فلو وقع الصلح مع واحد أو متعدّد قليل أو كثير ، وقع على نحو ما وقع ، ولا يقع الصلح من غير الرئيس ؛ إذ ليس حكمه حكم الأمان.
ويكفي فيه جميع ما دلّ عليه من لفظ عربيّ أو غيره ، من كِناية أو إشارة مع الدلالة
ص: 349
صريحاً بمقتضى ذاتها أو القرائن الداخليّة أو الخارجيّة.
ويستوي حكم الصلح بين الرئيسين من الفريقين إلى جميع أهل الفرق ، ولا يجوز أن يتولاه بعض الرعيّة كما جاز في التأمين.
ويجب أن يكون الواسطة من المسلمين مؤتمناً ، موثقاً به ، عارفاً ، بصيراً بالأُمور ، ويلزمه نشر ذلك بين الكفّار المخاصمين.
وإذا وقع الصلح على شي ء ، وجب أن يكون معلوماً بين المتصالحين.
وإذا فسد الصلح لفقد بعض شرائطه ، ولم يعلم الكفّار بذلك ، ودخلوا أرض المسلمين ، كانوا آمنين حتّى يردّوهم إلى مأمنهم.
ويجوز الصلح على أخذ الأراضي منهم أو المواشي أو الأشجار أو المزارع أو غير ذلك.
ومرجعها إلى الأمان إن تعلّقت به ، والهُدنة إن تعلّقت بها ، ويزداد بها تأكيداً ، فيجتمع حينئذٍ معها ، ويتضاعف التأكيد بتكرّرها ، وتضاعفها.
ولا بدّ من الإتيان بها على الوجه الشرعي ، فلا تنعقد إلا باللّه ، ولله. والمَدار على كلّ لفظ صريح في معناه ، من عربي صحيح أو مُحرّف ، أو فارسي ، أو تركي ، أو يوناني ، أو سرياني ، أو نحو ذلك.
فلا ينعقد بالقران ، ولا بباقي الكُتب المنزلة من السماء ، ولا بالأنبياء والأوصياء ، ولا بكُتب الأنبياء ، ولا بصفات اللّه المشتركة.
فإذا وقع بأحدها ، دخل في الأيمان المجرّد ، ويجري الأيمان على ما تعلّق به من خصوص النفوس ، أو النساء ، أو الأموال ، أو الأبناء ، أو ما يعمّ الاثنين أو الثلاثة أو الأربعة ، وفي جميع المحاربين إن عمّ ، وفي البعض إن خصّ.
ويُشارك هذا القسم قسم المؤمنين ؛ لرجوعه إليه في أنّه يقع من الإمام ، ونائبه الخاصّ والعام ، ومن كلّ من دخل في الإسلام من العاقلين البالغين ، من غير فرقٍ بين
ص: 350
الأحرار والعبيد ، والذكور والإناث ، والأغنياء والفقراء ، والأعزّاء والأذلاء ، بالنسبة إلى العدد القليل ، كالعشرة فما دون ، والحصن الصغير.
ولا يجوز في غير ذلك إلا للإمام أو نائبه الخاصّ ، إن كان في مقام الجلب إلى الإسلام. وإن كان للدفع عن النفوس والذراري والأموال ، فإليهما أو إلى المنصوب العام ، ثمّ إلى المتولّي لعساكر الإسلام ، بعد عدم بَسط الكلمة للإمام أو نائبه الخاصّ أو العام. ولو حكم متولّي العسكر بإبطال الأمان مع ما كان ، كانت عليه معصيتان.
وهي البناء بينهم على ترك الحرب ، والجِدال ، والمُبارزة ، والنِّزال إلى مدّة معلومة ، على نحو ما يقع التراضي بينهم ، وهي جائزة ، وقد تجب.
ولا يُعتبر فيها صيغة مخصوصة ، بل يجوز بكلّ ما يُفيد إنشاءها من لفظ عربي ، أو غيره ، وإشارة.
ولا تقع إلا بين العدد الكثير من الجانبين ، وليس لغير الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ أو الأُمراء والحكّام مع عدم قيام من تقدّم المُهادنة ؛ لأنّ سائر الرعيّة لا يرجع إليهم أمر الحروب.
ولو وقعت مشروطة بعوض قلّ أو كثر أو بدخول من كان من أحد الفريقين إلى محالّ الفريق الأخر ، أو ما يكون في مكان مخصوص ، أو محلّ مخصوص ، أو بسائر الشروط الشرعيّة ، أُتبع الشرط.
وتشترط فيها موافقة مصلحة المسلمين ؛ فلو كان في المسلمين قوّة ، ولا صلاحَ لهم فيها ، لم يَجُز عقدها.
ولا يجوز عقدها أكثر من سنة ، مع قوّة المسلمين ، ويقوى جوازها أربعة أشهر ، ومع ضعفهم لا يجوز أكثر من عشر سنين في قول قويّ.
والقول بجواز ذلك لصلاح المسلمين لضعفهم أقوى ، ويجوز الإذن من الإمام ومن قام مقامه ، لمن أراد الدخول إلى بلاد المسلمين ، لرسالة أو تجارة أو مَصالح أُخر.
ص: 351
ولا يجوز نقض الهُدنة بعد عَقدها ، إلا إذا حصلَ فساد على المسلمين. وبعد النقض لا يجوز التعرّض لهم حتّى يردّوهم إلى مأمنهم.
وهي أُمور :
أحدها : أنّها إن وقعت عامّة مصرّحاً فيها بالعموم ، كأن يُذمّم أو يُؤمّن أو يُعاهد أو يصالح أو يهادن على النفوس ، والنساء ، والذراري في كلّ زمان ومكان ، وفي جميع الأحوال والأوضاع ، ولجميع الفرقة المحاربة ، أُخذ بعمومها.
وإنّ خصّ بقسم من تلك الأقسام ، أو ببعض خاصّ من الطائفة ، عمل على المخصوص. وإن أطلق ، دخلت النساء ، والذراري ، والأموال ، ولو كانت في مواضع أُخر.
وأمّا الأرحام من الإباء ، والأُمّهات ، وغيرهم ، والأولاد البالغين في طائفة لم يتعلّق بها العقد ، فلا يدخل في الإطلاق ، والمرجع إلى المتفاهم عرفاً.
ثانيها : أنّها لا تضادّ فيها ، فيمكن الجمع بين الاثنين ، والثلاثة ، والأربعة ، والخمسة ؛ فإذا انحلّ واحد ، بقي الأخر.
ثالثها : أنّها لا تحتاج إلى صيغ خاصّة ، ويكفي كلّما دلّ على إنشائها من لفظ عربيّ أو غير عربي ، أو إشارة ، أو كناية. ويجري فيها الفضولي ، فيصحّ بالإجازة.
رابعها : أنّ العام منها والمُطلق يقتضي رفع الأذيّة عن الكفّار بقول ، أو فعل ضربٍ ، أو شتمٍ أو إهانة مواجهة ؛ ولا يقتضي رفع غيبتهم ، وسبّهم ، والطعن فيهم على الوجه الشرعي ، مع الغيبة.
وتجوز مُناظرتهم ، وإظهار معايبهم ، وذكر ما في كُتبهم المحرّفة ، لردّهم إلى الحقّ ، بل لمجرّد قيام الحجّة عليهم.
وأمّا المقيّد والمشروط ، فيتبع قيده ، وشرطه.
خامسها : أنّه إذا شرطَ عليهم مال أو عمل أو شرط آخر ، أو شرط لهم مع صلاح
ص: 352
المسلمين ، صحّ الشرط ، ولزم اتّباعه.
سادسها : أنّ كلّ مَن ظهرت منهُ خيانة للمُسلمين ، بأن كانَ عيناً جاسوساً للكفّار يُوصل إليهم الأخبار ، أو يسعى بفتنتهم ، ليفرّق كلمتهم ، ويوهن قولهم ، انحلّ عقده.
سابعها : لو بانَ فساد العقد ، وقد كان بعض الكفّار ظنّوا صحّته مدّة ، فدخلوا أرض المسلمين ، لم يُتعرّض لهم ، وردّوا إلى مأمنهم.
ثامنها : أنّ الشرط الفاسد يُفسد العقد ، ومن الشروط الفاسدة ردّ النساء المُسلمات إلى الكفّار ، وردّ المسلمين إليهم ، إذا لم يكن لهم طائفة تمنعهم ، إذا أرادوا حملهم على الكفر.
ومنها : إظهار المناكير من المعاصي الكبار ، كالزنا ، واللواط ، وشرب الخمر ، والسحر ، وضرب النواقيس ، ونحوها.
تاسعها : لو جاءت معهم امرأة ، فأسلمت ، لم تردّ.
فإن جاء زوجها فأسلم قبل انقضاء العدّة أو علمت ذلك كذلك ، فهي له ؛ وإلا فلا. ولو علمت التقدّم قبل الانقضاء بعد الانقضاء ولم تزوّج ، فكذلك ؛ وبعد التزويج فيه وجهان.
وإن لم يكن دخل بها ، خرجت من يده حين إسلامها. وإن دفع إليها مهراً ولم يرجع ، أخذه ؛ وإن رجع ، فلا شي ء له ؛ وإن أخذه ، فرجع في العدّة ، ردّه إليها. وإن لم يدفع شيئاً سمّى أولا فلا شي ء له. وإن اختلفوا في الدفع أو الردّ ، حُكم بالعدم في المقامين.
عاشرها : لو تعرّضهم أحد من المسلمين أو المعتصمين أو غيرهم في أرض المسلمين ، وجبَ الذبُ عنهم ، وفي غيرها لا يجب إلا مع الشرط.
حادي عشرها : لو بدّل أحدهم دينه ، ولم يخلّ بالعقد ، أُقرّ على ما كان عليه على الأقوى ، ولو أخلّ ، كما إذا كان من أهل الكتاب ، فخرج عن أهل الكتاب ، لم يقرّ على ذلك ، وعادَ حربياً.
ثاني عشرها : لو نقضَ رئيسهم العقد ، أو اجتمعوا ظاهراً على نقضه ، انتقض بالنسبة إلى الجميع. ولو نقضه غيره ، اختصّ بالناقض. ولو انفصل أحد عن الرئيس أو
ص: 353
قومه ، ودخل دار الإسلام أراد إمضاء العقد في حقّه أُمضي في حقّه ولحق كل حكمه.
ثالث عشرها : إذا نقض عقدهم ، لظهور خيانتهم أو لغير ذلك ، ردّوا إلى مأمنهم ، وأُجري عليهم بعد ذلك حُكم الحربيّين.
رابع عشرها : إذا أغارَ قوم من أهل الحرب أو غيرهم ، فأخذوا غنيمتهم منهم ، فاستخلصها المسلمون ، فالأقوى وجوب الردّ عليهم ، إلا أن يشترطوا أنّ ذلك ليس عليهم.
خامس عشرها : إذا حصلت مُرافعة بينهم وبين المسلمين ، أو فيما بينهم ، مع وحدة النوع وتعدّده ، ورجعوا إلى الإمام أو المنصوب الخاصّ أو العامّ ، تخيّر بين الحكم بينهم ، وبين الردّ إلى مَذاهبهم. وإذا امتنع أحد الخصمين ، ورجع الأخر إلى حكّام المسلمين وقضاتهم ، طلبوه للحضور.
سادس عشرها : تجوز المعاملة معهم ببيع ، وشراء ، وإجارة ، وجعالة ، ومزارعة ، ومضاربة ، وتكره الأمانة عندهم من أيّ الأمانات كانت.
سابع عشرها : تجوز الضيافة عندهم ، وشُرب مائهم ، وقهوتهم ، وأكل طعامهم حبّا ، وطبخاً ، إن جاؤا به مع احتمال عدم الإصابة برطوبة ، كأن يأتوا به في ظرف ، وقام احتمال أنّهم عملوه ، ولم يصيبوه ، وأنّ العامل كان مسلماً.
وما تتوقّف إباحته على التذكية ، يحكم بأنّه ميتة ، إلا مع حجّة شرعية تدلّ على الخلاف.
ولو باعَ أحدهم الأخر خمراً أو خنزيراً وأعطى المسلم الثمن أو أحاله به ، جاز.
ثامن عشرها : لا يجوز تمليك المملوك المسلم وإن كان من الفِرَق المُبدعة ، وكذا المنتسب بالإسلام ، كالمُرتدّ والغاصب منهم ، ولا رهنه عندهم ، مع بقائه في يدهم. ولو كان قد ملكَه مُسلماً ثمّ كفر ، بِيعَ عليه قهراً.
تاسع عشرها : لا يجوز تمليك المَصاحف ، وكُتب الأخبار ، والدعوات ، والخُطَب ، والمواعظ لهم.
ولو ملكها مسلماً ، نقلت عن ملكه إلى غيره قهراً.
العشرون : تجوز الصدقة المندوبة عليهم ، ولا سيّما الأرحام منهم ، والقرابات ،
ص: 354
خصوصاً الأبوين ، ما لم يكن في ذلك تقوية على المسلمين.
الحادي والعشرون : تجري أحكامهم ، ويمضي نكاحهم ، وطلاقهم ، وعتقهم ، ووقفهم ، وجميع ما كان منهم على وفق مذهبهم ، وتجوز لنا معاملتهم على وفق مذهبهم وطريقتهم الّتي هم عليها.
الثاني والعشرون : أنّهم نَجِسُوا العين ذمّيهم وغيره كالكلب ، والخنزير ؛ وذبائحهم حرام.
الثالث والعشرون : تحرم مُناكحتهم مع المسلمين ، فلا يجوز لمسلم أن يكون زوجاً لبعض نسائهم ابتداء في العقد الدائم كتابيّاً ، بل ولا غيره ، وكذا في الاستدامة ، والمتعة ، وملك اليمين لغير الكتابيّة ؛ وأمّا في الكتابيّة فلا مانع.
الرابع والعشرون : أنّهم لا يُغسّلون ، ولا يُحنّطون ، ولا يُكفّنون ، ولا يُصلّى عليهم ، ولا يُدفنون ، إلا لخوف تأذّي المسلمين من رائحتهم. وهذه التسعة الأخيرة مُشتركة بين الكتابي وغيره ، والمُعتصم وغيره.
الخامس والعشرون : أنّ المسلمين يعينونهم على الكفّار إذا دهموهم ؛ لتشبّثهم بالإسلام ، وترتّب قوّة الإسلام ؛ وإذا قامت الحرب فيما بينهم ، أعانوهم.
السادس والعشرون : لو أخذ منهم مسلم مالاً ، ردّه عليهم ، ولا تردّ النساء ، ولا الذراري بعد الإسلام أو وصفه.
السابع والعشرون : أنّه ينحلّ العاصم من جزية وغيرها بإخلالهم بأُمور المسلمين ، بأن يكونوا جواسيس للمُشركين ، أو مخذلين للمسلمين ، أو موقعي الفتنة بينهم ، ونحو ذلك ممّا يقتضي وهن الإسلام.
ثمّ الّذي يظهر بعد إمعان النظر ، والتأمّل فيما بلَغَنا من السيَر ، وآيات نفي الحرج ، وأخبار نفي الضرر أنّ العقود الأربعة : «من عقد الذمّة وضرب الجزية وتقريرها ، وعقد الأمان ، وعقد العهد حيث نجعله عقداً مُستقلا ، وعقد الصلح ، وما يذكر فيها من الشروط ، ويجري فيها من الأحكام» إن صدَرَت من المُسلمين ومن الكفّار في رفع اليد عن جبرهم وإقامة الحرب معهم من جهة الإسلام ، فتلك لا يتولاها سوى الإمام أو نائبه
ص: 355
الخاصّ ؛ إذ ليس لأحدٍ سواه جمع العساكر ، والجنود ، والحرب مع الكفّار لجلبهم إلى الإسلام ، فتكون العقود المشتملة على التأمين منه ؛ إذ لا يمكن صدور الحرب إلا عنه.
وإن صدَرَت لحقنِ الدماء ، وحفظ النساء والذراري والأموال ، فذلك لا يختصّ بالإمام ، وإلا لفسد النظام ، وربّما أدّى الحال إلى اضمحلال كلمة الإسلام.
فالضرورة الإلجائيّة قاضية بجواز صدور تلك العقود بعد غيبة الإمام أو حضوره قبل بسط كلمته من المنصوب العامّ ، كبعض أهل الحقّ من المُجتهدين ، رضي اللّه تعالى عنهم.
فإن ظهرَ عجزهم ، وجبَ عليهم الإذن لرئيس الجُند والعساكر في إيقاع هذه العقود مع الكفّار ، مع اجتماع شروطها ؛ فإن لم
يأذنوا في ذلك ، ولا قاموا بالأمر ، خرجوا عن طاعة صاحب الأمر.
ويجب حينئذٍ على مَن كانَ له لياقة القيام بهذه الأُمور وسياسة عساكر المُسلمين القيام بذلك.
ويصرف حاصله في تجهيز عساكر المُسلمين ، فإن زاد شي ء رجّعه إلى المُجتهدين ليقسّموه في فقراء المسلمين.
وقد مرّت الإشارة إليها إجمالاً ، وفيه مباحث :
لا يُشترط فيه صيغة مخصوصة ، بل يكفي مُطلق إنشاء لفظ عربيّ ، وغيره ، من كناية ، وإشارة ، وقبول المدفوع إليه ، وجميع ما دلّ على إعطاء الكافر أماناً إمّا على نفسه أو عرضه أو ذراريه ، وماله قدراً من المال يفرضه عليه رئيس المُسلمين.
وفي جواز تخصيص الأمان ببعض الأشياء المذكورة عدا النفس دون بعض مع الشرط ، فإن أطلق أو عمّم عمّ ، وإن خصّ خصّ ، وجه قوي.
ص: 356
وهو الإمام أو نائبه الخاصّ ، دون النائب العامّ ، ورؤساء أهل الإسلام ، لو كان دفع الجزية منهم لارتفاع الجبر لهم على الإسلام ؛ لأنّ الجهاد في ذلك مخصوص بالإمام أو نائبه الخاصّ.
وأمّا ما كان قبوله لدفع فسادٍ عن المسلمين ، حتّى لا يُعينوا عليهم الحربيّين ، أو حتّى تقلّ جموعهم ، وتنكسر شوكتهم ، أو لأجل مصلحة غُزاة المسلمين وفقرائهم إلى غير ذلك ، فيجوز من المنصوب العامّ ، والرؤساء والحكّام ، حيث لا يقوم بها المنصوب العامّ.
وإذا عقد المسلمون معهم ، لزمهم الوفاء بعقدهم ، ما لم يخرقوا الذمّة بارتكاب بعض ما ينقضها من الأعمال.
لا يصحّ عقد الذمّة إلا مع أهل الكتاب ، كاليهود والنصارى ؛ أو من له شِبه كتاب ، كالمجوس والسامرة والصابئة إن دخلوا في أحد الأقسام الثلاثة جرى عليهم حكمهم ، وإلا فلا ، كما قيل : إنّهم يعتقدون أنّ الكواكب السيّارة إلهه (1).
ومن رجع عن مذهب من مذاهب أهل الكتاب إلى مذهب آخر ، استمرّ على عقده على الأقوى.
ويدخل في العقد على الأقوى أهل الصوامع ، والرهبان ، والمعقّدون (2) ، والسفهاء ، والمفلسون إن باشرها الأولياء ، وإلا باشروها بأنفسهم ، ويدخل الفقير ، ويُنظر إلى ميسرة.
ولا يدخل العبد إلا أن يعتق ، ولا الصبيّ إلا أن يبلغ ، ولا المرأة ولا الممسوح
ص: 357
ولا الخُنثى إلا بالتبع ، ولا المَعتوه وهو الواسطة بين العاقل والمجنون ولا المجنون المطبق ، ولا الأدواري في بعض أقسامه ، وهي أربعة : (من يعتوره الجنون) (1) غير مُتتابع ، وهذا يُلحق بالمُطبق. ومن يعتوره قليلاً من التتابع ، والظاهر أنّه كسابقه. ومن يعتوره كثيراً من غير تتابع ، ويقوى فيه أنّ المدار على الأكثر. ومن (2) يعتوره كثيراً من التتابع ، ويقوى فيه التوزيع ، وطريق الاحتياط غير خفي.
وإذا ارتفع الصغر وحصل البلوغ ، أو الجنون فحصل العقل ، ضُربت عليهم. وإن ضَربَت امرأة أو غيرها ممّن لا جزية عليه على نفسها جزية ، فلا تلزم بشي ء.
ويُشترط رضا المعقود لهم ، بل لو عُقد عليهم قهراً لم يصحّ ، وتتبع النساء والأولاد الصغار في الجزية ، وإذا بلغوا وضعت عليهم الجزية. ولا يدخل الإباء والأُمّهات علوا أو سفلوا وباقي الأقارب إلا مع الشرط.
والاثنان على حقو واحد إن كانا واحداً فلا كلام ، وإن كانا اثنين ، فاعتصام أحدهما يَستدعي اعتصام الأخر ، فيما يتعلّق بالبدن ؛ حذراً من السراية ، ويتمشّى ذلك في جميع أسباب الاعتصام.
وإذا ماتَ مَن عليه الجزية بعد الحول ، أُخذت من تركته ؛ وإن ماتَ في الأثناء ، أُخذ منه على النسبة. وإن أسلم في الحول أو بعده ، لم يؤخذ منه شي ء.
وتنبغي كتابة أسماء أهل الجزية ، وأوصافهم وأنسابهم الرافعة للاشتباه ، وضبط أتباعهم ، ولواحقهم.
ينبغي لمتولّي الأمر عن إذن صاحب الأمر أن يسأل ويفحص عن أحوال من يُريد إيقاع الذمّة معهم ؛ ليفرّق بين الغني والفقير والمتوسّط ، ويكون على بصيرة من الأمر.
ثمّ المضروب لا يكون إلا من المال في هذا المقام ، دون باقي جهات الاعتصام ،
ص: 358
فلا يجوز عقد الذمّة على أطفال وعيال ، وإن جازَ في باقي طرق الأمان.
ويجوز ضربها على الرؤوس ، والأراضي ، والأشجار ، والبهائم ، والمركّب من الاثنين ، والثلاثة ، والأربعة ، ويجوز أن يكون من النقد ، والجنس ، والمركّب منهما.
ووظيفتها : التأدية في كلّ سنة مرّة ، ويقوى جواز الأقلّ والأكثر مع الشرط.
وتقديرها إلى رئيس المسلمين الداخلين في أرضه ، ولا يلزم الأخذ بخصوص ما وقع من أمير المؤمنين عليه السلام من أنّ على الفقير اثنا عشر درهماً إسلاميّاً ، وعلى المتوسّط ضعفه أربعة وعشرون ، وعلى الغني ضعفه ثمانية وأربعون ؛. (1)
ويجوز اشتراط ضيافة المسلمين أو غيرهم من رُسل الحربيّين ، ويكتفى بها جزية وحدها أو مع الانضمام إلى غيرها ، أو تجعل شرطاً خارجاً. ولا يجب الخروج عن دورهم ، بل حالهم كحال المسلمين ، والظاهر أنّه لا بأس بأن يشترط عليهم ذلك.
ويشترط وضع المساكن والبيوت ونحو ذلك ، وإذا جُعلت الإضافة جزية أُخذ على الغني غير ما يؤخذ على غيره.
ولو اجتمعت جزية سنتين أو أكثر لم تتداخل.
وهو أُمور :
منها : عِصمة نفوسهم ، وأعراضهم ، ونسائهم ، وذراريهم ، وأموالهم إلا ما شرط خروجه من المال ، ولا يجوز سبّهم ، وشتمهم ، وضربهم ، وتخويفهم ، وأذيّتهم مُشافهةً ؛ ومع الغيبة لا بأس بشتمهم ، وسبّهم ، وغيبتهم.
ومنها : عدم منعهم عن كنائسهم ، وعباداتهم ، وشرب الخمور ، وأكل الخنازير ، ونكاح المحارم ، وضرب الناقوس ، واستعمال الغناء والملاهي ، ونحو ذلك مع التستّر في ذلك.
ص: 359
ولو قتل ممّن يستحل الخنزير خنزيراً ، أو أراق خمراً مع تستّرهم ، ضمن قيمته عندهم ، ولا شي ء مع التظاهر. ولو غصبهم وجب ردّه.
ولو ترافعوا إلينا ، وجب الحكم عليهم ، أو ردّهم إلى أهل ملّتهم ، ليحكموا عليهم بمقتضى شرعهم.
ويجب دفع المسلمين والكفّار عنهم إذا كانت محالّهم مع المسلمين ، وكذا مع بُعدها على إشكال ، ويلزم مع الشرط. وشرط عدم الذبّ عنهم لا يقع صحيحاً على إشكال.
ومنها : تمكينهم من الخروج إلى الأسواق ، والدخول في المعاملات مع المسلمين ، وحُرمة خيانتهم ، وأكل أموالهم ، وحُرمة إهانتهم ، فيما عدا المستثنى ، ويحرم إكرامهم بوجه يترتّب عليه أذيّة المسلمين ، وسقوط محلّهم.
وهو أقسام :
أحدها : ما لا تنعقد بدونه الذمّة ، ومع الإخلال بواحد منها تختلّ الذمّة ، وهو أُمور :
أحدها : عقد الجزية لرئيس المسلمين ولو كان من غير أهل الحقّ إذا فقد الرئيس من أهل الحقّ على أنّها جزية ، قد حفظوا أنفسهم بها من استرقاق ، واستباحة الأعراض ، والذراري ، والأموال.
ثانيها : تسليمها بيد الرئيس المطاع أو نائبه ، فلو سلّموها بيد بعض الجُند أو الرعيّة لم تكن جزية.
ثالثها : التزام أحكام المسلمين ، ودخولهم تحت الرقية لهم.
رابعها : ترك قتال المسلمين.
خامسها : عدم إظهار سبّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو الأئمّة عليهم السلام ، أو إعلان سائر المُنكرات في دار الإسلام ، كإرجال الخنازير جهاراً لأجل الأكل في دار الإسلام ، والتظاهر بشرب الخمر ، ونكاح المحرّمات.
ص: 360
سادسها : عدم تكرّر هتك أعراض المسلمين والمسلمات أو قتلهم.
الثاني : ما يفيد تركه مع الشرط ، ويمنعون عنه مع عدم الشرط ، من دون نقض ، فإن قاتلوا انتقضت ذمّتهم من أجله ، وهو أُمور :
أحدها : ترك الزنا بالمسلمات.
ثانيها : ترك نكاح المسلمات.
ثالثها : ترك اللواط بأولاد المسلمين.
رابعها : ترك فتنة المسلمين عن دينهم.
خامسها : عدم قطع الطريق على المسلمين.
سادسها : عدم إيواء عيون المشركين.
سابعها : عدم المعاونة على المسلمين ، بدلالة المشركين على عوراتهم ، ومكاتبتهم ، وإرسال الرسل إليهم في ذلك.
ثامنها : استعمال ما فيه غضاضة ونقص على الإسلام من دون إظهار سبّ للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ومن هو بمنزلته ، فإنّه ناقض مطلقاً كما عرفت.
تاسعها : أن لا يبيعوا سلاحاً على الكفّار مكرّراً وقت الحرب.
عاشرها : ترك تكرّر دخول المساجد.
الثالث : ما يجب عليهم ، شُرطَ أو لم يُشرط ، ولا ينقض الذمّة ، شُرط أو لم يُشرط. وهو أُمور :
أحدها : أن لا يبنوا كنيسة أو بيعة في بلدةٍ مصرها المسلمون ، ولا في بلدةٍ ملكوها منهم قهراً أو صُلحاً ؛ وإن أحدثوا شيئاً نُقِضَ. ولهم الاستمرار على ما كان سابقاً ، وكذا إصلاح المنهدم. ويكره للمسلم بأن يؤجر نفسه للإصلاح.
ولو وجد في بلد المسلمين شيئاً منهما أُبقيا على حالهما ؛ لاحتمال بنائهما على الوجه المأذون فيه ، بأن كانت بعيدة ثمّ اتّصلت ، أو قديمة.
ص: 361
ولو شرطوا في عقدهم إبقاء الكنائس ، أُبقيت. وإن صولحوا على أنّ الأرض لهم ، كان لهم بناء كنائسهم وبيعهم. ولو شرطوا عليهم النقض ، نقضوا.
ثانيها : عدم تعلية بنائهم المستحدث على جاره المسلم ، مؤمناً كان أو لا ، داخلاً في حقيقة الإسلام أو صورته. وفي جواز المساواة بحث. والمرتدّ لا حُرمة له ، ولا يدخل في المتشبّثين هنا.
ويختصّ الحكم بأهل محلّته ، دون غيرهم ، ولو خرج عن البلاد فعل ما أراد.
ولو كان بناؤه على أرض عالية أو بناء المسلم في سرداب ولذلك حصل ارتفاعه فلا بأس.
ولو اشترى داراً عالية من مُسلم ، لم يجب عليه الهدم. ولو اشتراها من ذمّي ، لم يكن بناؤه على الوجه المأذون فيه ، هدمت. ولو انهدمت لنفسها ، فلا يجوز رفعها. والظاهر أنّ الأمر يجري في بيعهم وكنائسهم ، كما يجري في دورهم.
ثالثها : ترك ضرب النواقيس ونحوها.
رابعها : ترك الدخول في المساجد من دون استدامة.
خامسها : عدم استعمال الزينة.
سادسها : ترك بيع الخمر والخنزير على المسلمين.
سابعها : ترك شراء القرآن والعبد المسلم ، وكذا الكتاب المشتمل على أخبار النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو الخطب ، أو المواعظ ، أو الدعوات ، أو الزيارات ، أو بعض المشرّفات ، كقطعة من ثوب الكعبة ، أو تراب يتخذ للعبادة والتبرّك من الأماكن المشرّفة. ثامنها : ترك استرهان شي ء من المذكورات ، مع الوضع في أيديهم ، وكذا الحال في استئجارهم لها. والضابط أن يتركوا التسلّط على جميع ما فيه إهانة الشرع من جهة سلطانهم.
تاسعها : أن لا يجلسوا للمسامرة والمعاشرة ، أو يطيلوا الجلوس في معبر المسلمات من شوارع أو مشارع أو محلّ يجتمعن فيه لبيع غزل أو غيره ، كما أُعتيد في العراق ، إلى غير ذلك ممّا فيه غضاضة على المسلمين.
ص: 362
الرابع : ما لا يجب إلا بالشرط ، ولا ينقض العهد وإن شرط ، وينبغي اشتراطه.
وهو التمييز عن المسلمين بأُمور أربعة : في اللباس ، والشعر ، والركوب ، والكنى.
ففي اللباس ؛ لبس ما يخالف لون لباس المسلمين ، وشدّ الزنار فوق ثوبه إن كان نصرانيّاً ، وبجعل خرقة في عمامته ، أو خاتم رصاص أو حديد في رقبته ، وأن لا يلبسوا الثياب الفاخرة ، كالشال ونحوه.
وفي الشعر ؛ بحذف مقاديم الشعور ، أو إطالة بعض شعر الرأس بما يغاير وضع المسلمين ؛ وعدم فرق شعورهم.
وفي الركوب ؛ المنع من ركوب الخيل ، والسروج ، وركوبهم عرضاً ، ووضعَ الرجلين من جانب واحد ، وعدم اتخاذ السلاح ، وعدم لبسه.
وفي الكُنى ؛ ألّا يكنُوا بكُنى المسلمين.
ويستوي هؤلاء مع غيرهم من المعتصمين فيما يتعلّق بضعف المسلمين ، وهتك أعراضهم ، وإضلالهم.
وفيه فصول :
الداخلين في مبناه ، الخارجين عن معناه ، وهم أقسام :
أحدها : الخوارج ، وهم المتديّنون ببُغض عليّ أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين عليه السلام. والمعروف منهم اليوم قوم يسكنون المسقط ، والبنادر التي حولها ، ودينهم مبنيّ على حُبّ الشيخين ، وبُغض الصهرين : عليّ بن أبي طالب عليه السلام وعثمان بن عفّان.
ص: 363
وهم قسم من الكفّار ، لإنكارهم ضروريّاً من أكبر ضروريّات الدين ، وقد هتكوا حُرمة الإسلام بهتكهم حُرمة من كان أصله وأُسّه ، وطعنوا على رسول اللّه بطعنهم على من جعله اللّه نفسه.
وقد كذّبوا الآيات المُتكاثرة ، والأخبار المتواترة ، وردّوا على كتاب اللّه ، وكذّبوا أخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وجحدوا ما صدر منه من المُعجزات ، وظهرَ منه من الكرامات ، الّتي لهجت بها ألسُن أهل الحَضَر ، والبوادي ، وغنّى بها الحادي في كلّ وادي ، ونادَت بها الخُطباء على منابرها ، وأذعنت بها الملوك من أكاسرها وقياصرها ، وأقرّت بها الأعداء ، حيث لم يسعهم إنكارها ، وسلّمت لها الأضداد ، فلم يمكنهم إلا إظهارها.
تقاصر عن وصفه من عداه حتّى زعم الغُلاة أنّه اللّه.
لا تُحصى صفاته ، ولا تُحصر مفاخره وكراماته ، متى وقعت على أحد الشدّة أو بعض المتاعب نادى باسم عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فلو أنّ البحر مداد ، والأقلام من جميع أشجار الوهاد ، والإنس والجنّ حُسّاب ، والملائكة كتّاب ، ما أحصوا فضائله ، كما هو مضمون قول سيّد العباد (1).
ثانيها : النواصب ، والناصب يطلق على معانٍ :
أحدها : المتديّن ببُغض عليّ أمير المؤمنين ، أو أحد الخلفاء الراشدين ، فيتّحد مع المعنى المتقدّم ، أو يكون أعمّ منه.
ثانيها : المتظاهر ببُغض عليّ عليه السلام ، أو أحد الخلفاء ، وإن لم يتّخذه ديناً ، وهو أعمّ ممّا تقدّمه.
ثالثها : المُبغض كذلك مطلقاً ، مُتظاهراً أو لا ، وهو أعمّ من القسمين السابقين. وهذه الأقسام مُشتركة في تحقّق الكُفر في الحقيقة ؛ لتواتر الأخبار النبويّة بأنّ مُبغض
ص: 364
عليّ أو أحد الخلفاء كافر (1).
وقد يقال : باستلزامه إنكار ضروري الدين.
وهذه الأقسام الثلاثة تستباح دماؤهم ، دون أعراضهم ونسائهم وأموالهم ، كالمرتدّ على الأقوى ، وفي النجاسة كالكفّار.
ثالثها : الغُلاة ، وهم القائلون بأنّ واجب الوجود وخالق الخلائق هو عليّ عليه السلام أو غيره ، والمعروف منهم هو القسم الأوّل.
وهؤلاء كفّار ، وكفرهم أظهر من كفر من تقدّم ، لكن يُدخلون أنفسهم في الإسلام ، وهو بري ء منهم ، فهم مُتشبّثون ؛ لإقرارهم بنبوّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وإجرائهم أحكام المسلمين على أنفسهم ، ودخولهم في ضمنهم.
وهؤلاء في إفراطهم أعجب من السابقين في تفريطهم ، أين من تعرضه الأعراض ، وتغلب عليه الأمراض ، وتؤلمه الأوجاع ، ويؤذيه الصداع ، وتخطفه المنيّة عن الاتصاف بكونه ربّ البريّة؟! ثمّ أين من يلد ويولد عن النسبة إلى الواحد الأحد؟! وإذا وقعت حرب بين المتشبّثين بالإسلام ، وبين من لم يتشبّث به من الكفّار ، أعانَ المسلمون المتشبّثين ؛ لأنّ في ذلك تقوية الإسلام.
وإذا وقع فيما بينهم ، أعانوا من عدا الغُلاة على الغلاة ، ثمّ غير المتظاهر بالنصب على المتظاهر ، ثمّ المتظاهر على المتديّن.
ويمنع الجميع عن دخول المساجد ، والحضرات المنوّرة.
وبعض أقسام المسلمين وإنْ خرجوا عن الطريقة الحقّة في بعض الأُصول والفروع ، داخلون في عنوان المسلمين ، ويجري عليهم ما يجري على أهل الحقّ من عِصمة الدماء ، والأعراض ، والسبي ، والمال ، وطهارة السؤر ، وحلّية الذبائح ، إلى غير ذلك.
ص: 365
فهم مسلمون في الدنيا ، يجري عليهم أحكام الإسلام ؛ لُطفاً من اللّه ، لحفظ أهل الحقّ منهم ، فإذا ماتوا خرجوا من حكم الإسلام.
وأوّل مراتب الخروج التجهيز ، من التغسيل ، والتحنيط ، والتكفين ، والصلاة ، والدفن إلا مع الخوف ، واخره الخلود. وقد يدخلون في اسم النواصب ، وإن لم يكن الإطلاق شائعاً ، وهم أربعة أقسام :
أحدهم : من نصب خليفة لرسول اللّه على غير حقّ ، ولذلك يُدعون بالنواصب.
ثانيهم : من نصب العداوة لأهل الحقّ ؛ لنصبهم خليفة حقّ ، أو عدم إقرارهم بما نصبوه من خليفة باطل ، فسمّوا بالنواصب ، وهم قسمان :
قسم دخلوا في اسم أهل الحقّ ، وخرجوا عنهم بإنكار بعض ما ثبت عند أهل الحقّ ، كالواقفيّة ، أو بإثبات غير ما ثبت عندهم ، كالفطحيّة ، أو بالجمع بين الأمرين.
وقسم خرجوا عن الاسم ، وكان بينهم وبين أهل الحقّ كمال المباينة والمضادّة.
والأقسام الثلاثة السابقة الأوّل والثالث والثاني بأقسامها الثلاثة مشتركة في الحكم بالتنجيس ، وعدم إباحة الذبائح ، وعدم عصمة الدماء بعد الاستتابة في وجه قوي. وأمّا الأعراض والذراري والأموال ، فمعصومة على الأقوى ، كما في المرتدّ ، ولا عصمة لمال الغُلاة.
ولا يجري في جميعهم حكم الفطري من جهة الارتداد ، ولا من جهة الانعقاد ، على إشكال في الأخير. وإذا أظهر أحدهم التوبة قبل الاستيلاء عليه أو بعده فقد حقن دمه.
وأمّا المنافقون المكتوم أمرهم ، فيلحقهم أحكام المؤمنين ، ويُعاملون كمعاملة النبيّ لهم من قبول شهاداتهم ، وإجراء جميع أحكام المؤمنين عليهم. وإذا ظهر منهم ما أبطنوه من الخلاف ، جرى عليهم حكم ما أظهروه.
والخارجون عن الإيمان بردّة عن فطرة إيمانيّة أو ملّة كذلك ، أو بإنكار ضروري من ضروريّات الإيمان يلحقون بغير النواصب من أهل الباطل.
وأمّا السابّ للخلفاء الراشدين ، فهو كالسابّ للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، يُحكم عليه بحكم المرتدّ الفطري ، وإن كان إسلامه ملّياً على الأقوى.
ص: 366
البغي : هو الظلم ، والتعدّي ، وكلّ ظالم باغٍ.
وإعانة المظلوم على الظالم في دفع الظلم عنه فيما يتعلّق بالأعراض والنفوس واجبة على المكلّفين وجوباً كفائيّاً ، فتجب المحاربة في دفعه عنها وجوباً كفائيّاً مع ظنّ السلامة.
ويجب النهي عن التعرّض للأموال ؛ لأنّه نهي عن المُنكر. وتستحبّ المحاربة في الدفع عن أموال المظلومين ، مع ظنّ السلامة.
ولو علم أنّ ذهاب مالهم مُستتبع لذهاب نفوسهم ، رجع إلى الأوّل.
وفي إجراء الحكم فيما لو كان الظالم من المؤمنين ، والمظلوم من الكفّار المعتصمين ، أو الكفّار المتشبّثين ، أو المسلمين الخارجين عن طريقة الحقّ ، فيما لو توقّف على قتل نفس مؤمنة ، ولم يغنِ مجرّد النهي عن المنكر ، يقوى العدم.
ثمّ لو بغت فرقة من المؤمنين على أُخرى منهم ، فغلبت المظلومة الظالمة ، فليس لهم أن يجهزوا على جريحهم ، ولا يتبعوا مُدبرهم ، إلا مع بقاء احتمال رجوعه.
ولا يجوز لمن أضمر البغي أو أظهره بلسانه التعرّض له قبل الشروع فيه.
وكلّ مال اغتنمه المظلومون وجب ردّه إلى الظالمين ، ولو كانوا من غير الفِرَق المُحقّة ، والمظلومون من أهل الحقّ.
وإن كانوا مُستحلّين لدماء أهل الحقّ أو أموالهم لأمر صدر مثله منهم ، جاز لأهل الحقّ معاملتهم بمذهبهم ، وأن يستحلّوا دماءهم ، وأموالهم في حرب وغيره. وأمّا الأعراض والذراري ، فلا يجوز التعرّض لها.
ويدخل في البُغاة كلّ باغٍ على الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، ممتنع عن طاعته فيما أمر به ، ونهى عنه ، فمن خالف في ترك زكاة أو خمس أو ردّ حقوق حاربوه.
ولحاكم المسلمين الحامي لبيضة الإسلام ، والدافع عن دماء المسلمين وأعراضهم إذا اضطرّ إلى ذلك مُحاربته. ولو استنصر لطائفة منهم لحفظ بيضة الإسلام فامتنعوا ،
ص: 367
جاهدهم ، وجبرهم على النصرة. وإذا قتل منهم قتيل ، فلا وزر ، ولا غرامة.
والمتبادر من إطلاق الباغين : الباغون على أحد الخلفاء الراشدين بعد أن تُثنى له الوسادة ، وتكون عصا الشرع بيده قائمة بشروط :
أحدها : تفرّدهم عن الإمام ، والامتناع عن التبعيّة ، والدخول في ضمن الرعيّة ، في بلدة كانوا أو قرية أو صحراء.
ثانيها : أن يكون لهم قوّة ، وكثرة ، وشوكة ، فلا يفلّ جمعهم إلا بعد جمع الجموع ، وإقامة الحرب ، وإلا لزم الدفع بالأسهل.
ثالثها : أن يكون لهم شُبهة ، لا يعذرون فيها ، بسببها خرجوا عن طاعة الإمام.
رابعها : أن لا يُمكن ردّهم بالمُناظرة ، وإلقاء الحُجج.
خامسها : ألا يمكن دفعهم وردّهم إلى الطاعة بإيقاع الفتنة بينهم أو بغير ذلك ، سوى الحرب.
ويجب على الخليفة المنصوب من اللّه مُحاربتهم ، ومُقاتلتهم ، حتّى يرجعوا إلى الحقّ ؛ وله أن يستعين عليهم بأهل الذمّة ، وبباقي فِرَق المُعتصمين من الكفّار.
ولا يجوز له قتلهم قبل المُقاتلة ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا يتبع مُدبِرهم ، إن لم يكن لهم رئيس يرجع إليه ، كأهل البصرة ، وأهل النهروان.
وإن كان لهم رئيس ، كأهل الشام في صفّين جهز على جريحهم ، وأُتبع مُدبِرهم ، ولا تُسبى ذراريهم ، ولا نساؤهم ، وتحرم أموالهم ممّا لا يحويه العسكر ، وممّا حواه ، ولا ضمان فيما تلف منها حال الحرب.
وإذا تابوا وأنابوا رُفِع عنهم الحرب ، وصاروا كحال باقي الرعيّة.
وإذا قُبِض أحد منهم في حال الحرب ، عُرِضت عليه التوبة ، فإن قبل خرج عن حكم البغي ، وإلا انتُظر به الفراغ من الحرب ، وتُعرض عليه التوبة ، فإن تابَ فيها ، وإلا فإن لم يُخَف منه وقوعُ شر أُطلِق ، وإلا حبس.
ولو استعانوا ببعض الكفّار من المعتصمين وغيرهم ، أو ببعض المؤمنين ، أو أدخلوا النساء والأطفال منهم ، قوتلوا معهم.
ص: 368
ومن قُتِل من المؤمنين في المعركة ، فهو من الشهداء ، فإذا أدركه أصحابه وليس به رَمَق الحياة ، دفنوه بثيابه ودمائه من غير تحنيط بعد الصلاة عليه.
ومقتولُ أهلِ البغي لا يُصلّى عليه ، ولا يغسّل ، ولا يكفّن ، ولا يُدفن ، وحكمه حكم الكفّار.
وتُقام الحدود على أهل البغي إن صدرت أسبابها حال البغي ، وليسوا بمنزلة الكفّار الأصليين.
ولا ينبغي الطول في هذا المقام ؛ لأنّ المسألة مبنيّة على وجود الإمام ، وهو أدرى بتكليفه.
ويمنعون عن دخول المساجد المشرّفة ، وعن دخول حضرات الأنبياء والأوصياء. وفي بيع المصحف والعبد المسلم عليهم إشكال.
وهو التشبّث باسم الإسلام ، من المليّين كانوا أو غيرهم.
ومن أشقى أشقيائهم ، وألعن لعنائهم ، فإنّها شديدة العناد ، كثيرة البغي والفساد ، كافرون بالنعمة ، ونساؤهم خالية عن العصمة ، الطائفة الشقيّة المدعوّة بالأُروسيّة ، وهؤلاء الخالون عن الاعتصام ، لا احترام لدمائهم ، ولا لنسائهم ، ولا لأعراضهم ، ولا لأطفالهم ، من بناتهم أو أبنائهم.
وتفصيلُ الحال في المقام : أنّ ما يقع استيلاءُ المسلمين عليه إنْ توقّف على إقامة الحرب والخصام ، فهو داخل في باب الاغتنام ، المُستند إلى مُحاربة أهل الإسلام ، وسيجي ء تفصيل الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.
وإنْ كان من دون وقوع حرب وخصام ، مع الكَفَرَةِ الفَجَرَةِ اللئام ، فالحكم فيه أنّه إذا استولى مسلمٌ من الفرقة المُحقّة أو غيرها على كافرٍ غير معتصم ، كان له إراقة دمه ، وأخذ ماله ، وسبي عياله ، وأسر أطفاله.
وإذا استولى على شي ء من العيال أو الأطفال أو المال ، جازَ له تملّكه ، بسرقةٍ كان
ص: 369
أو سلب أو غلبة أو التقاط. ولا يجوز قتل النساء ، ولا الخناثى ، والممسوحين ، والمجانين ، والمعتوهين.
ولو أسلم قبل الاستيلاء على ماله أو أطفاله أو نسائه ، عَصَمَ نفسه وماله ، وما يتبعه من النساء والأبناء ، دون الأقارب ، حتّى الأُمّهات والآباء.
وأمّا بعد الاستيلاء ، فإنّما يسلّم نفسه وما عداه لمن أخذه.
ويجب على الأخذ إعطاء الخمس لبني هاشم ، ويجب تسليمه نصف الخمس وهو حقّ الإمام بيد المجتهد ، وهو النائب العام.
ولا يجوز التوصّل إلى الأخذ بإنكار الوديعة والعارية ، ويجوز بإنكار الدين إذا كان عن مُعاملة لا بالقرض الحسن ؛ لئلا ينقطع سبيل المعروف وبإنكار الرهن ، والمُضاربة ، والمزارعة ، والإجارة ، ونحوها.
ولو أخذه المسلم مُستأمناً ، فليس داخلاً تحت الإيداع ، فيجوز له جحوده. ولو كان الحربي أباً للمسلم أو أُمّا ، قوي عدم الجواز في حقّهما. وفي تمشية ذلك إلى الأجداد والجدّات وجه قريب ، وفي تمشيته إلى مُطلق القرابات بُعد.
ولو طلب الكافر يمينه حلف ؛ لأنّه لا شي ء له بعد أن جَعَلَه المسلم لنفسه. وفي لزوم البيّنة في التملّك وجه.
ولو كان المأخوذ مُشتركاً بينه وبين المسلم ، أو بينه وبين المعتصم ، اقتصرَ في الأخذ على سهمه ، وردّ الباقي إلى صاحبه ؛ وكذا لو شاركوه في الأخذ.
ولو ظهر أنّه كان مغصوباً من مُسلم ، ردّه عليه إن أمكنت معرفته. وإن أَيِسَ منها تصدّق عنه.
ولو ادّعاه المُسلم أو المُعتصم ، لم تُقبل دعواه إلا بالبيّنة.
ولو أُخذت امرأة منهم ، فبذلوا مالاً في ردّها ، فإن بقيت على كُفرها ، جازَ ردّها ؛ وإن أسلمت ، لم يجز ردّها.
وكذا المملوك والصبي لا يُردّ ، وصف الإسلام أو لا ؛ لأنّه محكوم بإسلامه ، تبعاً للسابي.
ص: 370
ولو استولى جماعة على المسروق أو السلب مثلاً ، اشتركوا فيه. ولا يجوز لأحدهم التصرّف بالوطء بعد الاستبراء.
ويجب على المالك الاستبراء بحيضة قبل الوطء ، إلا إذا كانت المرأة آيسة ، أو علم عدم الدخول بها.
ولو أسلمت بعد الاستيلاء ، بقيت على الرقيّة. ولو ادّعت بعد الاستيلاء أنّها كانت مُسلمة من قبل ، لم يُسمع قولها ، إلا إذا قامَت بيّنة شرعيّة ، أو حصلَ العلم.
ولو علم وجود أولاد صغار مع أولاد المسلمين ، وأمكن عزلهم. عزلوا. وإن توقّف على الأخذ جملة ، مع العزم بعد ذلك على العزل ، حَرُم إن كان فيه إدخال الرُّعب على أولاد المسلمين ، ولكن يترتّب الملك.
ولا يجوز التصرّف بالبنات قبل أن يتمّ لها تسع سنين ، فإن تصرّف بها فأفضاها ، فإن جعل مَخرج بولها مع مخرج غائطها أو مخرج حيضها واحداً ، فالأحوط تجنّبها مع الدوام ، وإن قوي القول بأنّها ليست بحرام.
وكلّ حربي زعم الاعتصام ، وظهر عليه الخلاف ، فالتعرّض له حرام ، حتّى يرجع إلى مأمنه.
ولو دخل الكفّار في أراضي المسلمين ، واختلطوا معهم ، لم يجز التعرّض لأحدٍ قبل معرفته. ويجري على اللقطة حينئذٍ حُكمها المقرّر لها ، ويحكم بتذكية الجلود إذا ظهر عليها استعمالها. ويحكم بإباحة ما في الأسواق.
ولو كان بعضُ أولادِ المسلمين في أراضي الكفّار ، امتنع السبي منهم ، حتّى يتميّز الكافر منهم ، وفي استباحة المال إشكال ؛ وفي الطهارة يحكم بها حتّى يعلم الكُفر ، وكذا في النكاح وباقي الأحكام ، إلا مع الاشتباه في محصور.
ومتى انعقد الولد وأحد أبويه مسلم ، حُكِمَ بإسلامه إن كان من زنا على إشكال. وإن كان من كافِرَين ، حُكِمَ بكُفره ، وإن كانا زانيين على إشكال.
ولو زنى المُسلم بزوجة الكافر ، فولدت ، حُكِمَ بكُفره تبعاً لأُمّه ، وقضاءً لحقّ الفِراش. ولو كان لقيطاً يتبع من استلحقه ، مُسلماً كان أو كافراً.
ص: 371
وفيه فصول :
وتهيئة أسباب الجهاد ، ممّا يترتّب عليه إرغام أهل الكُفر والعناد ، وهو أُمور :
منها وهو أهمّها وجود الرئيس المُطاع ، وصاحب الرأي الحريّ بالاتباع ، والجامع لمحاسن الأقوال والأفعال ، المُتلذّذ ببذل المال ، وإعطاء الأموال ، ذي هيبة تخضع لها الأبطال ، وتذلّ لها فحول الرجال ؛ القابل للرئاسة ، الخبير بفنون السياسة ، حَسَن السيرة ، جيّد البصيرة ، إذا غضب هابه الأسد الضرغام ، وفي سائر الأحوال طلق (1) ذلق بسّام ؛ العادل في الرعيّة ، القاسم بالسويّة ، لا بالمتهوّر في الحرب ، ولا بالجبان المضطرب ، إذا اشتدّ الجدال وسمع الضرب ، ذي تدبير وحكمة ، وعزم في الأُمور وهمّة ؛ سلاحه الدعاء ، وقوّته من الاعتماد على ربّ الأرض والسماء ، لهُ في آخر الليل حنين ، وصُراخ ، وبكاء ، وأنين ؛ مُحافظ على أوقات الصلاة ؛ مُلازم للعمل بأحكام اللّه تعالى ، راغب في الحرب ، طلباً للأجر والثواب ، ورجاء للفوز بالجنّة ، والسلامة من أليم العقاب.
وينبغي لرئيس المسلمين أن لا يخرج معه مُخذّلاً ، وهو المزهد في الخروج ، ويتعلّل في الحرّ والبرد أو نحوهما ؛ ولا المُرجِف ، وهو القائل : هلكت سرية المسلمين (2) ؛ ولا مَن يتجسّس على عورات المسلمين ، لغير الكافرين ، ولا من يُوقع العداوة بين المسلمين ؛ ولا من يأمن إليه الكفّار ؛ ولا الجبان الذي يُخشى مِن فراره ،
ص: 372
فيختلّ العسكر باختلاله.
ومنها : اجتماع العساكر والجنود من أهل الإسلام ، بمقدار ما يجزي في إذلال الكفرة اللئام ؛ فإن لم يحصل الاجتماع منهم ، مع عدم الغَنَاء عنهم ، كانوا مخلّين بالواجب بالنسبة إليهم ، واستحقّوا غضب الملك الجبّار عليهم.
ويجب عليهم السعي على الرؤوس فضلاً عن الأقدام ، إذا طلبهم الرئيس للمحاربة والخصام ، وعليهم امتثال أوامره في كيفيّة مَواقِف جنوده وعساكره.
إن أمرهم بلقاء الأعداء بانفرادهم ، سمعوا قوله ؛ أو اختار الدخول معهم ، اتّبعوا فعله. وإذا أمر جمعاً منهم بالانفراد انفردوا ، أو بالاتحاد مع أصحابه اتّحدوا ، وإذا أمر بتقدّم صفّ أو تأخّره ، لم يتخلّفوا عن مقتضى طلبه وأمره ، وإذا عيّن لهم حدوداً لم يتجاوزوها ، أو أوقاتاً اقتصروا عليها ، ولم يتعدّوها.
وعليهم أن يقوموا له على الأقدام ، إذا كان في ذلك تقوية كلمة المسلمين والإسلام ، واللّه يدخلوا في الحرب إلا بعد استجازته ، ولا يعملوا عملاً مُهمّاً إلا بعد العلم بإرادته ؛ وأن يحيطوا به إحاطة الثياب بالبشر ، ويدوروا عليه دوران الهالة على القمر ، فإنّهم خيمة ، وهو عمودها ، إذا قام قامت ، وإذا مال مالت ، وما استقامت.
وإذا نصب لهم رؤساء مُتعدّدين على كلّ ألف أو مائة أو خمسين أو أقلّ أو أكثر رئيس ، وجبَ اتّباعهم ، كما وجب اتّباعه.
ويجب عليهم الرجوع في أُمورهم إلى وزير أقامه مقامه ، وأمرهم بالرجوع ، وفوّض أمر المناصب إليه.
وإذا حصل فيهم زيادة على الكفاية وأراد بعضهم الانصراف إلى أهله ، لم يجز ذلك إلا بإذنه ، نعم لو تمّ العمل ، واستغنى عن الجميع ، ولم يبقَ له حاجة إلى بعض منهم ، جاز لهم الانصراف من دون إذن.
ومنها : إعداد الأسلحة ، والخيول ، والدروع على مقدار الحاجة إليها ، فإنّها من شروطه ، ويلزم الترتيب فيها ، كترتيب الطهارة للصلاة.
منها : طهارة اختياريّة كبرى ، كالبندق ، والسيف ، والرمح ، والسهم ، والخشب ،
ص: 373
فهو كالأغسال الرافعة للحدث الأكبر ، ويختلف في المرتبة كاختلافها.
ومنها : ما هو كالطهارة المائية الاختياريّة الصغرى ، الرافعة للحدث الأصغر ، كالخنجر ، والسكين ، وما صنع من الحديد على وضع العصا.
ومنها : ما هو كالطهارة الترابيّة الاضطراريّة الغير الرافعة ، كالحجارة ، والعصا من الخشب ، والضرب بالكفّين أو القدمين ، ونحو ذلك ، على اختلاف مراتبها.
فلا يسوغ للمجاهد اختيار المرتبة المتأخّرة ، مع التمكّن من المتقدّمة ، ولا بدّ من طهارتها ، كطهارة الماء والتراب ، فلا يجوز استعمال النجس منها ، كالة البندق ، وباقي الات السلاح إذا لم يكن لها صلاحيّة وقابليّة ، فإذا أمكن تطهيرها من النجاسة بإصلاح أو صيقل وجب ؛ وإذا تعذّر عذر ، كمن صلّى بالثوب النجس.
ومنها : إعداد الجُنَن الواقية من لباس الحديد ونحوه ، فإنّ هذا اللباس واجب على القادر إذا كان فيه حفظ للنفس ووقاية ، وتسلّط على الكفّار أهل الشقاوة والغواية.
وهي شرط عند مُلاقاة أعداء اللّه ، كشرط اللباس للصلاة ، ويترتّب بترتّبه ، فبعضه كاللباس المُحيط بتمام العورة ، وبعضه كالمُحيط ببعضها ، وبعضها كاللباس المُعتاد ، وبعضها كالخارج عن الاعتياد إنّما يسوّغه الاضطرار ، كوضع الحشيش ، وورق الأشجار ، فإنْ فَقَدَ القدرة صلّى وجاهد بلا لباس.
ومنها : إعداد الخيل والمراكب ، فإنّها مكان المُجاهد ، وهو كمكان الصلاة. فيختار من الخيل الجياد السالمة من العيوب المخلّة بالاستقرار لاضطرابها ، وعدم استقرارها ، فيشتغل المجاهد عن التوجّه إلى الجهاد ، ومن العيوب الأُخر المانعة عن النفع ، والباعثة على الضرر ، كما لا يجوز الصلاة على المكان المتحرّك ، المانع عن الاستقرار ، من بيت تبن أو رملٍ لا يتلبّد أو دابة ونحوها.
ومنها : إعداد الطعام والشراب ، ووفورهما ، وحمل آلاته ، وأوضاعهما. وكلّما كان الزاد أدسم ، فهو لجلب القوّة أحكم ، ولذلك دخل في التقوية على جميع العبادات من الصلاة وغيرها ، وفي ذلك قال سيّد الأوصياء مخاطباً للغذاء : «لولاك ما عبدت ربّ الأرض والسماء».
ص: 374
ومنها : أنّه لا يجوز القتال بجمع الجنود والعساكر ونصب الرايات في جهاد الكفّار لجلبهم إلى الإسلام إلا مع الإمام أو نائبه الخاصّ دون العامّ ، وفيما عداه من الأقسام يُشارك الإمام في الحكم المنصوب العامّ ، ومن قام بهذا الأمر من الأُمراء ، والحكّام ، مع عدم تمكّن الإمام والنائب الخاصّ والعام.
ومنها : أنّه تُستحبّ البدأة بالأصلح ؛ ، (1) فيغلب على الاستحباب.
ومنها : أنّه إذا التقى الصفّان ، لم يجز الفرار ، إلا مع عدم ظنّ السلامة ، إلا أن يكون لمصلحة الحرب ، كطلب السعة ، واستدبار الشمس والهواء والغبار وشعلة النار أو طلب موارد المياه ، أو المواضع المرتفعة ، أو تسوية لامة الحرب ؛ ، (2) ونزع شي ء يفسد أمره ، أو لبس شي ء يصلحه ، أو تحيّزٍ إلى فئة ، قليلة كانت أو كثيرة ، قريبة أو بعيدة ، يتقوّى بها في القتال أو يستنجدها ؛ (3) على إشكال.
لا يُشارك في الغنيمة الحاصلة بعد مُفارقته ، ويُشارك في السابقة.
ويجوز الفرار عمّا زاد على المثلين ، كالمائة عمّا زاد على المائتين في جهاد جلب الإسلام ؛ وفي بواقي الأقسام لأحدّ له سوى القدرة.
وفي القسم الأوّل لو زادت قوّة المائة على المائتين ، حرُم الفرار على الأقوى ، ومع ظنّ السلامة فيه بقول مُطلق يستحب الثبات.
وفي إلحاق مُراعاة الضعف في الواحد والاثنين بمحاربة العساكر ، وجه قويّ.
ومنها : أنّه تجب مُواراة الشهيد ، دون الحربي ، ولو اشتبها ، عُرف المسلم بأنّه كميش الذكر صغيره ، والكافر بامتداده.
ثمّ إن أمكن استعلامه باللمس من وراء الثياب ، أو رؤية حجمه من خلفها ، أو بوضع الطين أو النورة ، لزم ؛ وإلا جاز النظر ، والأحوط دفن الجميع.
وإذا اشتبه لمقطوعيّة الذكر ، أو لكونه خُنثى أو ممسوحاً إلى غير ذلك ، دُفنَ
ص: 375
الجميع ، احتراماً للمُسلم.
وتجوز المحاربة بجميع الأنواع المرجوّ فيها الفتح ، كهدم الحُصون والبيوت ، والحصار ، ونصب المجانيق ، ومنع السابلة من الدخول والخروج ، وإن كان فيهم صبيان أو نسوة أو بعض المسلمين.
ومنها : أنّه يُكره في الجهاد للجلب إلى الإسلام إرسال الماء ، وإضرام النار ، وقطع الأشجار إلا مع الضرورة وإلقاء السم ، والتبييت ، والقتال قبل الزوال ، وتعرقب الدابة ، وإن وقعت به.
ويكره في الجميع نقل رؤوس الكفّار ، إلا مع نكاية (1) الكفّار بجرح أو غيره بالناقل ، خصوصاً إذا كان من الرؤوس.
ومنها : أنّ الشروط في المبارزة مُعتبرة ، فإن شرطا الوحدة لم تجز الإضافة ، وإلا جازت. ومع الشرط وفرار المسلم لضعفه تجوز إعانته ، وإذا استنجد أصحابه انحل الشرط الواقع بينه وبين خصمه.
وتجوز الخُدعة في الحرب للمبارز وغيره. ولا تجوز ابتداء (2) من دون إذن الرئيس.
ومنها : أنّه تجوز الاستعانة بأهل الذمّة وغيرهم من المُعتصمين ، والمشركين المأمونين ، والعبيد المأذون لهم ، والمراهق.
ومنها : أنّه لا يجوز الغدر بالكفّار ، ولا الغلول حال الحرب ، ولا التمثيل ، ولا قتل أحد من نسائهم أو صبيانهم أو الخناثى أو الممسوحين المجهولي الحال ، وإذا قاتلوا قوتلوا ، وكذا إذا جعلوهم ترساً.
وتنبغي شدّة المحافظة على ترك قتل النساء ، وإذا تترّسوا بالمعتصمين جبراً فكذلك ، ولا ينقض ذلك العقد بينهم وبين المسلمين ، ومهما أمكن التحرّز من قتلهم لزم.
وإذا تترّسوا بالمسلمين جبراً ، ولا مندوحة في التحرّز عنهم ، قوتلوا ، وتلزم الكفّارة فقط ، ومع المندوحة يلزم القَود والكفّارة معاً.
ص: 376
ومنها : أنّه لا يجوز ابتداؤهم بالحرب مع قلّة المسلمين وضعفهم ، ولا يجوز التأخير مع انقطاع المساعدين وترادف (1) المعينين للكفّار.
ومنها : أنّه يُتبع مُدبرهم ، ويُجهز على جريحهم ، ولا يُمثّل بهم. ومنها : أنّه ينبغي الدعاء عند الحرب بما يجري على اللسان ، ممّا يتضمّن طلب النُّصرة ، وأفضله الدعاء المنسوب إلى سيّد الأوصياء (2) ؛ وأن تؤخذ قبضة من التراب ، وتُرمى في مُقابلة وجوههم ، مع قول : شاهت الوجوه.
وكلّما يؤخذ بجمع الجنود والعساكر ونصب الرايات ، ولم يكن عن إذن ولي الأمر ، مع حضوره واستقلال كلمته ، لم يكن للغانمين فيه شي ء ، وإنّما هو له خاصّة ؛ لأنّ المحاربة بهذا الوجه بدون إذن الأمير لا تُباح ، ولا يُستباح بها.
وكذا إذا كانت المُحاربة حال الغيبة ، وكانت للجلب إلى الإسلام ، فإنّ إقامة الحروب وجمع الجنود لذلك غير مُباحة ، ولا يُستباح بها.
وأمّا إذا كان لحفظ بيضة الإسلام ، أو الدفع عن المسلمين من الأقسام الثلاثة الأُخر ، فيقوم الرئيس فيها مقامه ؛ تأسّياً به في الحرب المأذون فيه ، ولتوقّف حفظ المسلمين والإسلام على إجراء هذه الأحكام ؛ لأنّها إن تركت اختل النظام ، ولزم الفساد العامّ ، وتقوية كلمة الكفر ، وضعف كلمة الإسلام.
ومحصّل القول في ذلك : أن من يستولي عليه من البالغين الذكور لا يجوز قتل المجنون منهم ، والمعتوه ، والشيخ الفاني ، والمُقعد ، والأعمى ، وكلّ من لا قابليّة له في الحرب ، ولا تترّسَ به الكفّار.
وأمّا البالغون العاقلون ، فإن استولى عليهم والحرب قائمة ، قتلوا ، وأمّا بعد
ص: 377
انقضاء الحرب فيحرم قتلهم ، ويتخيّر رئيس المسلمين بين المنّ ، بشرط أن يكون فيه صلاح المسلمين ، وليس على وليّ الأمر شرط وبين الفداء ، والاسترقاق. ولا يسقط هذا التخيير بالإسلام بعد الأسر.
وأمّا الإسلام قبل الأسر ، فمُلحق لهم بالمسلمين.
ولا يكفي في الإلحاق أن يقول : أنا مثلكم أو أنا مسلم ، حتّى يأتي بالشهادتين. ولا فرق في الحكم المذكور بين أن يكون قد علم منه قتل بعض المسلمين أو لا ، ولا يُطالب بديّة ولا قصاص بالنسبة إلى ما سبق.
والخناثى المُشكلة والممسوحون من البالغين لا يجري عليهم حكم الذكور في القتل في محلّه ، والظاهر جريان حكم النساء فيهم.
والاثنان على حقو واحد ، مع علم تعدّدهما ، بإسلام أحدهما يعتصم الأخر من القتل كباقي جهات الاعتصام ؛ خوفاً من سرايته دون المال.
ولو أسلم أحدهما ، ودخل في جيش المسلمين ، فاستولى على صاحبه ، ملكه. ولو استأسره غيره تشاركا في منافع محلّ الاتحاد ، وتتبعه أحكام كثيرة.
ولو تزوّجا فوطئا بشُبهة ، فأولدا رجّح جانب الإسلام ، ومع الشكّ في البلوغ يحكم بالعدم ، ولا يقبل إقراره بالاحتلام في هذا المقام.
ويجب الاستعلام بالسن أو نبات الشعر مع الإمكان ولو علم بلوغه أو عدمه ، فظهر الاشتباه ، بني الحكم على الواقع.
وكلّما في أيدي أهل الحرب ملك لهم ، وليس بمنزلة المُباحات تُملَكُ بالحيازة ، بل إنّما يُملك بالقهر ، والغلبة ، والأخذ ، والنهب ، وضروب الاستيلاء ، فمجرّد الحصول في أيدي المسلمين لا يثمر ملكاً. والاستقلال إن كان لواحد اختصّ به ، وإن كان لمُتعدّد اشتركوا فيه.
ولمّا كان الحاصل بالحرب مُستنداً إلى القهر والغلبة ، وهي مشتركة بين جميع المجاهدين ، اشتركوا في الغنيمة ، وليس لغيرهم فيها شي ء.
ولا يخرج عن الاختصاص بالمجاهدين إلا فيما دلّ الدليل على تعميمه للمسلمين ،
ص: 378
أو تخصيصه لبعض المجاهدين.
وما كان خارجاً عن محلّ الحرب ، واختصّ به واحد ، كان له خاصّة ، كالسلب.
ومن هربَ من الأطفال أو النساء قبل الاستيلاء ، واستولى عليه أحد من المجاهدين ، اختصّ به.
ولو قبض على المغتنم اثنان أو أكثر ، اشتركوا على التساوي في المركب ، وإن كان أحدهما أقوى من الأخر ، أو قابضاً على الأقلّ.
ولو أزمن شخص ، وقبض آخر ، كان للمُزمن.
وكلّ من سبق كان أولى ، ولو اختلفوا رجع إلى مسألة التداعي ، وسيجي ء تفصيل الكلام في سائر الأحكام عند بيان أحكام الاغتنام.
وهي أُمور :
أحدها : أنّه يجوز صرف الصدقات الواجبات كزكاة المال ، وزكاة الفطرة ، وما به ردّ المَظالم ، ومجهول المالك ، والمال المنذور لوجه اللّه ليُصرف في محالّ القُربات ، وغيرها ، والصدقات المندوبات في جميع الأقسام ، مع توقّف كمالها عليها ، بل صرفها فيها أفضل من صرفها على الفقراء ، والمساكين ، والرقاب ، وأبناء السبيل.
وأمّا مع (1) التوقّف ، فلا يجوز صرفها في غيرها.
ثانيها : أنّه يجوز لمقوّم العساكر ورئيسها المُطاع الأخذ من خراج الأراضي والأشجار والمزارع ، ومال الجزية ، ومال الصلح مع الكفّار ، وصرفه في تقوية الجنود ، بخيل ، وأسلحة ، وزاد ، ودواب تَحمل الأسباب.
ثالثها : أنّه يجوز له أن يدفع من مال الخراج ، ومال الجزية ، والزكاة ، وردّ
ص: 379
المظالم ، لبعض طوائف الكفّار ، فضلاً عن المسلمين ؛ لتأليف قلوبهم ، والاستعانة بهم على أعداء الدين.
رابعها : أنّه يجوز جبر الناس من المسلمين وغيرهم على الحرب ، والجهاد ؛ والمُحاربة معهم (1) على ذلك حتّى يقهرهم على إعانته ومُساعدته ، ومنعهم عن الرجوع إلى أهلهم ؛ إلا مع الاستغناء عنهم بغيرهم ، أو اليأس من عَودهم ؛ لتفرّقهم ، وتشتّت كلمتهم.
خامسها : أنّ من قتل في محلّ الحرب من الأقسام الأربعة ، [يجري عليه ما يجري على الشهيد بين يدي الإمام.]
وأدركه المسلمون ميتاً (2) يجري عليه في الدنيا من جهة التغسيل والتكفين ما يجري على الشهيد بين يدي الإمام.
فلا يجب تغسيله ، ولا غسل بدنه من النجاسة ، تقدّمت أو تأخّرت ، دماً أو غيره ، ويدفن بثيابه الطيب (3) ، مع إحرامه أو لا ، متأثّرة أو لا ، مات بالقتل حين الحرب أولا قتله كافر أو مسلم ، عمداً أو خطأً.
ويُنزع عنه الفرو والجلود ، كالنعلين ، والخُفّين.
ولا يجب بمسّهم غسل المسّ في وجه قوي.
وأمّا بحسب الآخرة ، فجميع الأقسام يحشرون في زُمرة الشهداء ، مع النبيّ ، والإمام عليهما السلام.
سادسها : أنّه يجوز استعمال الات اللّهو ، واللعب ، والغِناء ، والأُمور المُشجّعة للنّاس إذا توقّف عليها نَظمِ الجنود ، وقطع دابر المعاندين إخوان الشياطين.
سابعها : أنّه تجب صلاة الفريضة مع الخوف من تسلّط العدوّ لو أُتمّت قصراً في الكم ، فيصلّي ركعتين في الوطن ، والحضر ، والسفر ، وإذا خاف مع القيام جلس ، وإذا خاف من الجلوس ، صلّى ماشياً ، ثمّ راكباً ، أو يتخيّر ، ولعلّه الأقوى ، مومئاً برأسه لركوعه وسجوده ؛ وإن مَنع عن الإيماء بالرأس مانع ، أومأ بعينيه.
ص: 380
وإذا خاف من الطول قصر في الكيف ، فينقص ما شاء من الإتيان به من السورة. ثمّ من الفاتحة ، ثمّ تركها ، ثمّ الاقتصار على ما أمكن من الركوع أو السجود ، إلى أن ينتهي الحال وقت القتال إلى عدم التمكّن إلا من التكبير ، فيبدل كلّ ركعة بتكبيرة ، ولا تلزمه مُراعاة القبلة مع عدم التيسر ، وتلزم مُراعاتها في تكبيرة الإحرام إن أمكن.
ثامنها : أنّه إذا كان في بدنه أو بعض ثيابه نجاسة ، ولم يتمكّن من الغسل ، أو لبس البدل ، صلّى بها ، وجاز له التعرّي إن أمكن.
و (1) إذا كان الماء عنده أو قريباً منه ، وخاف من استعماله ، تيمم بالتراب ، ثمّ بالأرض الخالية منه ، ثمّ بغبار السرج والرحل ، ثمّ بالطين ، ثمّ بالثلج احتياطاً.
تاسعها : أنّه يجوز لبس ما لا تجوز الصلاة به في الصلاة ، من حريرٍ ، وذهب ، وجلد ميتة ، ونجس العين ، وغير مأكول اللحم ، ولباس الغصب ، ونحو ذلك حيث يتوقّف الجهاد على اللبس ، وكان مُتعيّناً ، دون غير القسم الأخير.
ويجوز لبس الحرير لإرهاب العدوّ وإخافته.
عاشرها : أنّه يجوز التوصّل إلى دفعهم بجميع أنواع الحِيَل ، من إرسال الرسل ، والمكاتيب الكاذبة الدالّة على هرب المسلمين ، وقلّتهم ، وذلّتهم ؛ ليأمنوا ، ويتركوا الحذر ، حتّى تقع عليهم جنود المسلمين ، وهم غير مُستعدّين.
وبحفر آبار ، ونحوها ، وطم أفواهها ، حتّى إذا توجّهت جنودهم ، ووصلوا إليها وقعوا فيها ، وبإحراقهم ، كأن يضعوا تحتهم مكاناً خالياً من دون شعورهم ، ويضعوا فيه البارود ، ويضعوا فيه النار.
وبإغراقهم بالماء ، وبإدخال السم في طعامهم ، وشرابهم ، وهدم الحصون ، واستعمال المنجنيق ، وغير ذلك. والاقتصار على الحرب بالنحو المتعارف أولى.
حادي عشرها : أنّه لا مانع من مُقاتلتهم وفيهم مسلمون لا يمكن عزلهم عنهم ، سواء كانوا مجبورين أو مختارين. ولو عُرف المسلم بعينه ، وعلم أنّه مقوّم للكفّار
ص: 381
ومؤيّد لهم ؛ جاز قتله.
ثاني عشرها : أنّه إن ظنّ أنّهم يندفعون بالقول بحيث لا تزيد جرأتهم على المسلمين ، قدّمه على غيره حفظاً.
وإن ظنّ أنّ الكلام الخشن والتهديد والتخويف يدفعهم ، أتى به ، واقتصر عليه. وإن ظنّ عدم التأثير ، أو زيادة جرأتهم ؛ قدم السيف.
ثالث عشرها : أنّه لو أمكن التحصّن منهم بالقلاع ، وحفر الخنادق ، مع استيلائهم على أرض المسلمين أو مع خوف بقائهم ، فيؤول إلى كسر بيضة الإسلام ، لم يجز ذلك ، وتجب مقاتلتهم ، والخروج إليهم لحفظ بيضة الإسلام.
رابع عشرها : أنّه يجب على العلماء إعانة الرئيس المتوجّه لدفع الكفّار ، وحفظ بيضة الإسلام ، مع ضعف المسلمين ، ووعظ الناس ، ونصحهم ، وأمرهم بالمعروف ، والاجتهاد في الجهاد.
ومن خالف ، وقدروا على تعزيره ، عزّروه ، وإذا توقّف على الضرب ضربوه.
وأن ينادوا في الناس : أين غيرة الإسلام ، والمجتهدون في نصرة خاتم الأنبياء أين الآخذون بثار شهيد كربلاء.؟ أيّها الناس ، الدنيا دار فناء ، ليس لكم فيها مقرّ ، والموت أمامكم ، ولا خلاص لكم منه ، فبيعوا أنفسكم برضا اللّه ، والجنّة ، قبل أن تموتوا مع الخيبة ، والخسران ، والحرمان من الجنّة ، ونعيمها ، والحور ، والولدان.
خامس عشرها : أنّه كما يجب على الرئيس المُطاع نظم الجنود والعساكر ، وجعل كلّ في مقامه المناسب له ، كذلك يجب عليهم استماع كلامه ، وإذا حصل له اشتباه ، وجب عليهم تنبيهه.
ويجب عليه الاحتياط في حفظهم ، وأن لا يتقدّم في الحرب إلا مع الاضطرار ؛ حذراً من حدوث علّة ، فتنكسر شوكة المسلمين.
سادس عشرها : أن يجعل له من أصحاب الرأي ، والتدبير ، والديانة ، والأمانة جمعاً يستشيرهم في الأُمور ، فإنّ من استشار ضمّ إلى عقله عقولاً أُخر.
سابع عشرها : أن يُكثر البشاشة والتبسّم في وجوه أصحابه ، ويزيد اللطف على من له مزيّة على أصحابه ، ويكثر اللوم على من قصر في المحاربة أو فرّ ؛ ليقع المجاهدون في الغيرة.
ص: 382
ثامن عشرها : أنّ يتخذ خطيباً واعظاً ينادي عسكر المسلمين ، ويزهدهم في الدنيا ، ويرغّبهم في الجنّة ، وحورها ، وقصورها ، ويبيّن لهم مراتب الشهداء وقُربهم عند باسط الأرض ورافع السماء.
تاسع عشرها : أن يجعل الحرّاس في جميع أطراف العسكر ، حوله ، وبعيداً عنه ؛ حذراً من هجوم العدوّ ، (1) بحيث يبقى بعد وصولهم ، وقبل وصول العدوّ ، (2) فرصة تأهّبهم واستعدادهم.
العشرون : أنّ لهم أن يتوصّلوا إلى إذلال العدوّ بما شاؤوا من الطرق ، كقطع الشجر ، وسدّ المياه ، وسدّ طرق المؤن ، وهكذا.
ويأتون بما أمكن من الحِيَل من إظهار القلّة في الجنود ، وتفريق العساكر ، والموعد معهم في وقت مخصوص ، فيهجموا عليه بجملتهم ، أو يظهروا حصول الخُلف بينهم ، وقيام العداوة ، وتفرّق الكلمة أو بالخروج في الليل ، للهجوم على العدوّ ، مع إبقاء الفوانيس والنار المضرمة في الخيام ، ليزعم العدوّ أنّهم فيها.
أو بإرسال من يمكنه الوصول إليهم ؛ ليخبرهم بضعف المسلمين أو قوّتهم على نحو ما تقتضي المصلحة.
أو بإرسال من يظهر الحرب من المسلمين ، وعداوته معهم ، فيجعلهم إلى مكان ، ويكون بينه وبين المسلمين موعد في وقت معيّن ، حتّى يدور عليهم الدوران.
الحادي والعشرون : أنّه ينبغي للرئيس المُطاع إذا علم توقّف التسلط على الكفّار على أن يأمر جنوده وعساكره أن يلبسوا لباس الكفّار ، أمرهم بأن يلبسوا لباسهم ، ولا يجوز لهم التخلّف عن قوله ، واتّباع قوله.
الثاني والعشرون : أنّه ينبغي للرئيس المُطاع أن ينصب للعسكر رؤساء ، مترتّبين ، ويأخذ عليهم العهد والبيعة ، على أنّه إن فقد الأوّل لا يحصل فيهم اختلال ، ويكونون
ص: 383
مع الثاني ، كما كانوا مع الأوّل على تلك الحال ، ويجري على هذا المنوال.
الثالث والعشرون : أنّ الحرب فيما عدا القسم الأخير لا يختصّ بالواحد مع العشرة فما دون ، ولا بالواحد مع الاثنين ، بل يتبع مظنّة القدرة ، ولا يحدّ بمرّة في السنة ، ولا أقلّ ، ولا أكثر.
وفيما يتعلّق بالدفع عن العرض أو النفس لا يفرّق بين الرجال ، وغيرهم عليه ، مع الإمام أو بدونه في إجراء حكم الشهيد من عدم وجوب تغسيله.
الرابع والعشرون : أنّه لا مانع من قتل النساء ، والصبيان ، والمجانين ، والمرضى ، والمشايخ الفانين من الكفّار إذا كانوا معهم في الحرب ، تترّسوا بهم أو لا ، إذا أخلّ عزلهم بطريقة الحرب ، وكلّ من قاتل يقتل ، وكذا من كان دليلاً أو مُعيناً برأي أو فتنة ، ونحو ذلك.
الخامس والعشرون : أنّه لا مُؤاخذة في قتل المسلمين إذا دخلوا مع الكفّار وتترّسوا بهم ، وكان عزلهم مُخلا بإقامة الحرب ، ولا قصاص في قتلهم ، ولا دية ، ولا كفّارة على القاتل ، ويؤدّى من بيت المال.
السادس والعشرون : أنّه يجب دفن المقتول من المسلمين في المعركة ، مع اليقين بدخولهم في القتلى ، وترك الكفّار.
وإذا حصل الاشتباه ، فرق بين كميش الذكر وغيره كما مرّ. والأحوط دفن الجميع ؛ احتراماً للإسلام ، ولا اعتبار بالقرعة.
السابع والعشرون : أنّه يُستحبّ مؤكّداً المُرابطة ، وهي الإرصاد في قُرب مواضع الكفّار ؛ خوفاً من هجومهم بغتة على المسلمين والظاهر وجوبها كفاية مع ظنّ حصول الضرر بدونها ، مع الخوف المُعتبر.
ويُعتبر المقدار الذي تحصل به الثمرة ، ويترتّب عليه الغرض ، وأقلّه ثلاثة أيّام ، وأكثره أربعون يوماً ، وكلّما زاد ، زاد أجره. وسكان (1) الحدود إذا أعدّوا أنفسهم للإعلام ، رزقوا ثواب المُرابطين.
ص: 384
ويجري حكم المرابطة ، مع حضور الإمام ، وغيبته ، ولا حاجة فيه إلى طلب الإذن.
ويلحق بها بتحصيل الثواب من أعدّ جواسيس ، يذهبون إلى الحدود ، ويخبرون حال العدوّ ، ويتوقّعون وصول الخبر إليهم بأحواله ، من ضعف وقوّة وعزم على غزو المسلمين وعدمه.
ومن يعدّ بعض خدّامه ، وغلمانه أو خيله أو بعض دوابّه للمُرابطين ، ومن فعل ذلك ، لنفع المجاهدين من عسكر المسلمين ، فله ذلك الأجر العظيم. وكلّما زاد في حُسن المدفوع ، وزيادة قابليّته ، أو اشتدّت الحاجة إليه ، زادَ أجره بمقدار زيادة قابليّته ، والحاجة إليه.
الثامن والعشرون : أنّه يجب على كلّ ذي رئاسة في إقامة جنود أو سياسة عساكر أو أمر أو نهي في الرعيّة على نحو يوافق الشريعة من السلاطين وغيرهم أن يُعلم من حُسن سيرته أنّه مأذون من صاحب السلطنة الإلهيّة ، الذي نصبه حاكماً على الخلق ربّ البريّة صاحب الزمان أطال اللّه بقائه ، وجعلني فداءه ، وعجّل فرجه أو من المنصوبين عنه على وجه العموم ، من المُجتهدين الحافظين للشريعة المحمّدية.
التاسع والعشرون : أنّ من علم الإذن له بسبب قابليّته ، كان له منع من عداه من الرئاسة ، فلو أنّ بعض من لم يكن له قابليّة أراد التقدّم في أمر الرئاسة ، وليس له قابليّة السياسة ، كان ظالماً للمقتول ، مُخلا في النظام ، باعثاً على كسر شوكة الإسلام.
الثلاثون : أنّه ينبغي للمُجاهدين حُسن التوكّل على اللّه ، والاعتماد والوثوق به ، والاطمئنان بقوله تعالى ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) (1) وأن لا يعتمدوا على قوّتهم وأسلحتهم ، وكثرتهم ، وحسن تدبيرهم ؛ فإنّ اللّه حسب من توكّل عليه ، واستند إليه.
الحادي والثلاثون : أنّه يجب على من قامَ هذا المقام ، ورأى أنّه منصوب (2) من
ص: 385
الإمام والعلماء الأعلام أن يحسن سيرته بالعدل في الرعيّة ، والقسمة بالسويّة ، وأن يساوي شفقته وحُسن سيرته بين العدوّ والصديق ، والقرابة والغريب.
ويتحذّر من تلبيس العمّال الذين يصوّرون له صورة الحرام بصورة الحلال ، وينصرون الظالم على المظلوم بأخذ القليل من المال.
فما الرعيّة إلا غنم لها صاحب ، هو اللّه ، قد أحال التصرّف فيها إلى الأنبياء ، والأئمّة ، ثمّ جعلت أمانة في يد الأُمراء ، وصاروا رُعاتها ، ولها حساب بعدد معدود ، فيطلب منهم المُحافظة عليها ، وعلى منافعها ، من نتاجها ، وصوفها ، وألبانها ، وأدهانها ، وأذنوا لهم بالتصرّف ببعض فوائدها على مقدار حاجتهم ، وأخذوا عليهم حفظها من الذئاب ، فمتى قصّروا في شي ء من ذلك ، استحقّوا المؤاخذة من المالك. ومن أعظم الذئاب شرار العمّال ، الذين لا يفرّقون بين الحرام والحلال.
الثاني والثلاثون : أنّه ينبغي لرئيس عسكر المسلمين أن يأمرهم بحسن النيّة ، والاعتماد على ربّ البريّة ، والمُحافظة على طاعة اللّه ، وقراءة التعويذات ، وآيات الحفظ ، والدَّعوات المشتملة على طلب النُّصرة والظفر من اللّه ، وحمل الهياكل والعُوذ وتربة سيّد الشهداء ، إلى غير ذلك من الأشياء.
الثالث والثلاثون : أن يرفعوا الأضغان والعداوة فيما بينهم ، ويكونوا كنفس واحدة ، ويتناسون ما وقع بينهم من الفتن ، ويروا أنفسهم كأنّهم خلقوا الان من كتم العدم. وإذا وقعت بينهم فتنة ، تداركوها بالإصلاح ؛ لئلا يطمع بهم عدوّهم.
الرابع والثلاثون : الدعاء عند التقاء الصفّين بالمأثور ، ومنه دعاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «اللّهم مُنزل الكتاب ، سريع الحساب ، مجري السحاب ، اهزم الأحزاب ، يا صريخ المكروبين ، يا مُجيب دعوة المضطرّين ، يا كاشف الكرب العظيم ، اكشف كربي وغمّي ؛ فإنّك تعلم حالي ، وحال أصحابي» (1).
ص: 386
الخامس والثلاثون : أنّه يحرم الفرار عند التقاء الصفوف ، مع مظنّة الظفر بالعدوّ ، ومع الشكّ في ذلك.
الرباط فيه فضل كثير ، وثواب جزيل ، روى سلمان عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «أنّ رباط ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر وقيامه ، فإن مات ، جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتّان (1) وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «أنّ كلّ ميّت يختم على عمله ، إلا المُرابط في سبيل اللّه ، فإنّه يدوم له عمله إلى يوم القيامة» (2).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «عينان لا تمسّهما النار : عين بكت من خشية اللّه ، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه» (3).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «حرس ليلة في سبيل اللّه أفضل من ألف ليلة يقام في ليلها ويُصام في نهارها» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.
ويختلف مراتبه في الفضل ، فالمرابط بنفسه وماله وعياله مع عدم الحرب عليهم أفضل الأقسام ، ثمّ النفس وحدها ، ثمّ المال وحده من العبيد والخيل والإبل ونحوها ، ثمّ الأُجراء.
وكلّما كان أكثر نفعاً أو أكثر عدداً أو أعلى وصفاً أو أعلى قيمة ، كان أكثر ثواباً. وكلّ ثغر أكثر خطراً ، والمجاورون له من الكفّار أشدّ بأساً ، يكون الرباط فيه أفضل. وكلّما اشتدّ الاحتياج إليه ، زاد فضله.
ص: 387
وإن توقّف عليه حفظ بيضة الإسلام أو نجاة المسلمين ، وجب كفاية ، فتجب طاعة الإمام مع حضوره ، والمتولّي لمقاتلة الكفّار من أُمراء المسلمين مع التعيّن (1).
والمرابطة الموظّفة لا تنقص عن ثلاثة أيام ، ولا تزيد على أربعين ، ولكن لو زاد زاد الأجر ، ولو نقص نقص ، ولا تدخل الليلة الأُولى ، والأخيرة منهما ، والمنكسر في البداية يكمل من الغاية.
وكلّما زاد في التفحّص عن حال المشركين ، وكثر به الإخبار عن أحوالهم على المسلمين ، كان ثوابه أعظم.
ولو اشترك اثنان أو أكثر في عبد أو دابّة تشاركا في الأجر على نسبة السهام. ولو ارتفع العدوّ بطلت المُرابطة ، ولو نقصت عن ثلاثة أيّام.
ولو زاد المُرابطون على قدر الحاجة ، فإن ترتّب على الزيادة ضرر ، اقتصر على مقدار الحاجة.
وفي إعانة المرابطين بالإنفاق وإعطاء السلاح ثواب المرابطة.
وقد يزيد فضل المرابطين في زمان الغيبة مع الأُمراء ، والحكّام لحفظ بيضة الإسلام ، أو لحفظ دماء المسلمين أو أعراضهم من الكفرة اللئام على المُرابطين ، بل المُجاهدين مع الإمام لمجرّد جلب الكفّار إلى الإسلام.
وينبغي للقائم بتدبير عساكر المسلمين أن يوزعهم على الثغور ، على وجه يندفع به المحذور. ويجب على المُرابطين طاعة رئيس المسلمين.
وإذا احتاج المرابطون إلى ضمّ بعض الكفّار إليهم مع الأمن منهم ، فعلوا ذلك.
وإذا افتقروا إلى بناء الحصون أو حفر الخنادق ، فعل لهم وصرف في ذلك وجه الزكاة والخراج ونحوهما.
ويشارك الرباط في الثواب إن لم يكن منه الإقامة في مكان لحفظ بعض المسلمين من السرّاق أو بعض المضارّ ، وربّما زاد أجره عليه لبعض العوارض.
ولو ألزم نفسه بمُلزم من نذر أو شبهه برباط مُطلق أو مقيّد بمدّة معيّنة ، فذهب العدوّ
ص: 388
قبل الدخول فيه ، انحلّ ولو كان بعد الدخول في المدّة ، انحلّ فيما بقي.
ولو استؤجر عليه في مدّة معيّنة ، فذهب العدوّ قبل الدخول فيه ، انفسخ من أصله ، وبعد الدخول ينفسخ فيما بقي ، ويأخذ من الأُجرة مقدار ما عمل ، وإن تمّ أخذ تمامها ، ولا يجب ردّها عليه ، ولا على وارثه إن مات.
وليس للمُرابطين إقامة الحرب بغير إذن الإمام أو منصوبة في ذلك المقام في الجهاد الباعث على الجلب إلى الإسلام.
وأمّا ما كان لحفظ بيضة الإسلام ، أو حفظ المسلمين من أعداء الدين ، فيجوز لكلّ أحدٍ ، بل يجب ويلزم الاستئذان من رئيس عساكر المسلمين إن كان.
وإذا وجب الجهاد والرباط كفاية ، ولم يقُم به أحد ، لم يجُز أخذ الأُجرة عليه.
ولو قامت الحرب بين المُرابطين ، والكفّار ، كان المقتول منهم من الشهداء ، ويجري عليه حكم الشهيد في التجهيز إذا قتل بين الصفين.
وما وقع به الرباط من غلام أو فرس ونحوهما باقيان على حكم المالك ، وإن جعل وقفاً على المُرابطين استمرّ باستمرار الرباط وإن انقطع الرباط كان الوقف حبساً ، ورجع إلى ملك الحابس ثمّ ورّاثه.
ويُستحبّ اتخاذ السوّاعين المُجدّين في السير ، والخيل السريعة ، حتّى إذا حدث عندهم أمر وصل سريعاً إلى المسلمين. وإن أمكنهم اتخاذ الطيور المُعلّمة لأنّها أسرع وصولاً كان أولى.
وأولى من ذلك اتخاذ طبول وآلات ذوات أصوات عالية في مواضع متعدّدة في جهة واحدة أو متعدّدة ، ليسمع الأوّل الثاني ، ثمّ الثاني الثالث ، وهكذا.
وفوق ذلك أن يكون بينهم ، وبين باقي المسلمين علامات ، كالات يجعل فيها نار تتصاعد إلى جوّ السماء ، فيراها القريب ، ثمّ منه إلى مَن بعده ، وهكذا.
أو إيقاد نار على مواضع مرتفعة ، فيراها القريب ، ثمّ يصنع مثل ذلك ، وهكذا ، إلى غير ذلك.
وينبغي للمُرابطين أن يلبسوا لباساً ، ويركبوا أفراساً ، ويضعوا لهم معلّماً يعلّمهم
ص: 389
كيفيّة الحرب والضرب.
وينبغي لرئيسهم أن يختبر أسلحتهم في أكثر الأوقات ، ويتعرّف حالهم في معرفتهم بالضرب ، ويمتحنهم ببعض الأخبار ، ويزيد الراجح منهم في التواضع ، والدرهم والدينار.
وكلّ من وطّن نفسه على إيصال الأخبار ، فله فضل المُرابطين ، وإن لم يكن معهم ، لكنه لا يستحق ممّا جعل نذراً لهم ؛ لخروجه عن حقيقتهم.
وفيها فصول :
في أنّ المُباحات إذا لم تَسبِق عليها يد مالك من نباتات ، وأشجار ، وما في حكمها من كماً ، وحيوانات بحر أو برّ ، وأطيار ، ونحوها لا تدخل في أحكام الغنائم ممّا يشترك فيه المجاهدون ، بل يختصّ كلّ من حازه.
نعم إذا حازه الكفّار ودخل في أموالهم ، ولم يخرج عنهم بالإعراض منهم دخل في حكم الغنائم.
وإذا شكّ في تملّكه ، وظهرت عليه أمارات التصرّف ، كشجر مقطوع ، وعسل مجموع ، وطير مقصوص ، حكم بملكيّته ، واحتسب غنيمة ، وإلا حُكِمَ ببقائه على أصله.
ولو ملكوا شيئاً ، وأعرضوا عنه ، جرى عليه حكم المُباح ، ولو شكّ في إعراضهم عنه ، جرى عليه حكم أملاكهم.
وهم قسمان :
أحدهما : الذراري ، من الذكور الذين لم يبلغوا حدّ التكليف ، والمجهولين الذين
ص: 390
لا يمكن الاطّلاع على حالهم ، فيحكم بعدم بلوغهم.
ثانيهما : النساء والخناثى المُشكلة ، والممسوحون ، من غير فرق بين البالغ منهم وغيره ، ولا بين الصغير والكبير ؛ فإنّهم يملكون بالأسر والقهر ، دون مجرّد النظر أو وضع اليد.
ولا يُشترط استمرار القهر ، فيبقى على الملك إذا فرّ.
ولو قبضه المسلم أو حمله على ظهره ، أو على دابّته من دون قهر ، بانياً عدم تملكه أو واكلاً إليه الأمر ، لم يملكه.
وإذا حصل القهر ، قضي بالملكيّة ، وإن لم تكن بيّنة على الأقوى.
كلّ ذلك إذا كانوا من ذراري الكفّار الحربيّين ، غير المعتصمين إلا إذا خصّ الاعتصام بما عداه من الأحكام.
وحال الاعتصام العام كحال الإسلام ، وحال المتشبّثين ، واعتصام الأب ، وتشبّثه ، كحال إسلامه يسري إلى الذراري ، ويُعتبر حصوله في رأي مقطع (1) من الزمان كان ، من حين انعقاده إلى حين بلوغه ، ويسري من الأجداد والجدّات أيضاً ، فتكون السراية من الأعلى إلى الأسفل ، دون العكس ، واعتصام الذراري بعصمة الأُمّ تتّبع الشرط.
ولو شكّ في البلوغ ، اعتبر ببلوغ العدد إن أمكن أو بوجود الشعر الخشن على العانة. ويُعتبر باللمس وبالنظر ما لم يستلزم النظر إلى العورة ، ومع انحصار الطريق ، والتوقّف عليه لا مانع منه. ولا اعتبار باخضرار اللحية أو الشارب ، وبالشعر الخشن تحت الإبط ، وحول الدبر ، وعلى الصدر ، أو اليدين ، أو الرجلين ، ولا بغير ذلك من الرائحة الكريهة في المَغابن ، وغلظة الصوت ، وانتفاخ الثدي ، وشدّة الميل إلى النساء ، إلى غير ذلك ، إلا مع إفادة العلم.
والخُنثى المشكل والممسوح يُعتبر عدد بلوغ الذكر. وفي الشعر يُعتبر محلّ العانة
ص: 391
في الأوّل ، ودَوره على الفرجين في الثاني.
ولو تعلّل باستناد الشعر إلى العلاج ، لا إلى الطبيعة ، لم يُقبل منه إلا مع قرينة دالّة على تصديقه.
وتسترقّ نساء الكفّار الذين أسلموا قبل الظفَر بهم. والحمل من المسلم إن كان زوجاً أو مُسترقّاً لا يمنع من ملكها ، إلا أنّ الولد لا سلطان عليه.
وينفسخ النكاح بأسر الزوجة ، كبيرة أو صغيرة ، أُسر زوجها أو لا ؛ وبأسر زوجها الصغير ، أُسرت أو لا ؛ وبأسر الزوجين ، كبيرين أو صغيرين ؛ وباسترقاق الزوج الكبير ، لا بمجرّد أسره.
ولو أُسرت زوجة الذمّي ، بطل النكاح إلا مع الشرط ، ولو كانا مملوكين تخيّر الغانم ، ولا ينفسخ حقّ المسلم في المنافع بإجارة أو جعالة أو صلح ، أو بوجوه أُخر من رهانة أو حجر فلس أو حقّ خيار أو شفعة دار ونحوها.
ولا يسقط دَين المسلم ، والذمّي ، وسائر المُعتصمين ، والمتشبّثين عن الحربي بالاسترقاق ، إلا أن يكون الدين للسابي ؛ إذ لا يكون لصاحب المال على ماله مال.
ويقضى الدَّين من ماله المغنوم إن سبق الرقّ الاغتنام ؛ لتقدم الدَّين على الاغتنام ، وبالعكس يُطالب به بعد العتق.
ولو اقترنا ، فالأقوى تقديم حقّ الاغتنام ، ويطلب بعد العتق.
ولو صولح أهل المرأة المسبيّة على إطلاقها بإطلاق أسير مسلم ، فأطلقوه ، لم يجز إعادتها.
ولو كان بعوض جاز ، ما لم يكن استولدها مسلم.
والطفل المسبيّ تابع لإسلام أبويه ، فإن أسلم أحدهما ، تبعه في الإسلام ؛ وإن سبى مُنفرداً ، تبع السابي في الإسلام.
وكلّ حربيّ أسلم في دار الحرب أُلحق أولاده به الذين لم يكن سبيهم قبل إسلامه ، دون زوجاته وأولاده الكبار ، وحقن دمه ، وعصم ماله المنقول ،
ص: 392
دون الأرضين والعقارات ، فإنّها للمسلمين ، كما سيجي ء ، وحَمل المسبيّة يتبعها في الملك.
ولو كانت كافرة ، ووطئها المسلم بالزنا ، أو شكّ في الحمل بأنّه من المسلم أو الكافر حكم بملكه التبعي. ولو سُبيت امرأة ، فلحقها ولدها ، فأسره غير من أسر الأُمّ كان لمن أسره.
ولو أُسرت مع ولدها ، كره التفريق بينهما ، ولا يجوز لمن أسر امرأة أن يطأها أو يمسّها أو ينظرها بلذّة وشهوة مع دخولها في الغنيمة ؛ للاشتراك فيها.
ولو اختصّت به ، فلا يجوز وطؤها في الفرج قبل الاستبراء بحيضة أو خمسة وأربعين يوماً إن كانت من ذوات الحيض ، إلا إذا علم عدم وطئها ؛ لعدم قابليتها ، أو كانت لامرأة ، أو يائساً ، أو حائضاً ، أو حاملاً.
لكن لا يجوز وطء الحامل ، إلا أن يعلم أنّه كان من زنا ، ولو أخبر الثقة على فرض إمكانه جاز ، ويجوز ما عداه على إشكال.
ويجوز الصلح عن حقّ بعض الغانمين من الأُسراء بشي ء بعد الاغتنام دون بيعه ، لنظر الرئيس فيه ، وفيما قبل الاغتنام إشكال.
وأمّا النذر ، والعهد ، واليمين فتصحّ في الحالين ، ولو فرّ الأسير بعد الأسر والتملّك ، فوجد في غنيمة أُخرى لمجاهدين أُخر ، كان للأوّلين.
ولو ادّعى الإسلام السابق على الاغتنام قُبل ، وإن ادّعاه بعده لم يقبل.
ولو أثبته قوم ، فقبضه آخرون ، كان للمُثبتين على إشكال.
وحكم الأُسراء حكم باقي الأموال ، يخرج منها الخمس بعد إخراج المؤن ، ويجعل نصفين : نصف لبني هاشم ، ونصف لصاحب الأمر روحي فداه.
وهذا القسم يجب تسليمه بيد المُجتهد ؛ لأنّه وكيل الإمام ، ولو عصى الرئيس ولم يؤدّ ، واشترى منه أحد ، أو اتّهب ، حلّ له.
ولو كان في الأُسراء من يُعتق قهراً على من أسرَه ، عتق نصيبه منه ، وقوّم باقيه عليه في وجه قويّ ، ولا يُعتق على غيره.
ص: 393
كالأراضي وما يتبعها من سقوف ، وبنيان ، وبيوت ، وجدران ، ومياه ، وأنهار ، ونخيل ، وأشجار ، ونحوها ، وهي أقسام :
الأوّل : أرض من أسلم أهلها طوعاً قبل الاستيلاء عليها ، وهي لهم ، وليس عليهم سوى الزكاة مع الشرائط ، والخمس في فوائدها على نحو غيرها من أراضي المسلمين.
ولو أسلمَ بعض من أهلها ، وبعض لم يُسلم ، جرى على كلّ حكمه.
ولو أسلموا بعد الاستيلاء ، خرجت من أيديهم. ولو تركوها ، وذهبوا عنها ، كانت للمسلمين.
ويعتبر في الإسلام الإقرار بالشهادتين ، مع التوحيد في الأُولى ، ويكفي الإطلاق في الثانية.
ولو صرّح بنفي التوحيد في النبوّة ، لم يدخل في الإسلام.
ولو كان كفره بسبب تخصيص في أمر التوحيد والرسالة ، كأن زعم أنّ اللّه ربّ الإنس أو الجنّ فقط ، أو أنّ نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلم مَبعوث إلى العربِ فقط ، توقّف الإسلام على التعميم.
وكذا لو كان بسبب الاشتراك في الرسالة توقّف على نفي الشريك ولو كان مع إنكار ضروري كنفي الملائكة والأنبياء ، ونفي وجوب الصلاة مثلاً توقّف على إثباته. ولا يجب الفحص عن حال الصفات ، ثبوتيّها وسلبيّها.
نعم لو صرّح بنفي ما يتوقّف التوحيد على إثباتها أو إثبات ما يتوقّف على نفيها لم يكن مسلماً.
الثاني : الأرض التي ترك أهلها عمارتها للمسلمين كانت أو للمعتصمين أو للمتشبّثين ، فإنّ للإمام أن يسلمها بيد من يعمرها ، ويأخذ طسقها ؛ وهو ما ينبغي أنّ يقرّر عليها لأربابها. ولو منعهم عنها مانع ، جاز له ذلك أيضاً ، وليس لأربابها منعه عنها.
ص: 394
الثالث : الأرض الموات بالأصل ، وما في حكمها من أرض خربة أو رؤوس الجبال ، أو بطون الأودية ؛ فإنّها للإمام في أيّ أرض كانت.
ويُعنى بها : ما لا قابليّة لها للتعمير بالفعل ، لبُعدها عن الماء ، أو ارتفاعها عنه ، أو لغلبته عليها ، أو لاستيجامها ، أو كثرة نبتها أو شجرها ، أو غلبة الرمل أو التراب عليها ، بحيث يستدعي تعباً كلّياً في إحيائها. والمدار على ما يُسمّى مواتاً.
ثمّ إنْ أحياها مُحيي كائناً من كان بعد الغيبة ، كانت ملكاً له ، يملكها من شاء ، ويوقفها ، ويجري أحكام الملك عليها.
ومثلها الأرض الحيّة في نفسها كالأراضي الخارجة في بُطون الأنهار ، أو الّتي تخرّبها الأمطار ، أو الرطوبة السارية إليها من بطن الأرض ، ونحو ذلك.
فإنّ كلّ من عمل بها عملاً كان أولى بها.
ويتحقّق الإحياء بأنحاء مُختلفة على ما يُناسبها ، ففي المزارع بالإصلاح ، أو حفر الابار أو الأنهار ، أو التسوية ، أو رفع الشجر أو الماء الغامر لها ، ونحو ذلك.
وفي المساكن بالبناء والتسقيف بخشب أو حُصُر أو نبات ونحوها ، ولا يشترط نصب الباب.
وفي الغرس بنحو ما في الزرع.
ولو فعل دون ذلك ، بإدارة حفر ، أو وضع أحجار دائرة عليها ، أو نحو ذلك ، كان تحجيراً مُفيداً أولويّة ؛ لا ملكاً ، فلا يصحّ بيعه ، ولكن يورث كسائر الحقوق.
نعم لو كان في أرضٍ حيّة في نفسها ، قوي القول باقتضائه التمليك ، ويصحّ الصلح عليه.
ولو أهمل الإتمام ، فلوليّ الأمر إلزامه بالإحياء ، أو رفع اليد عنها ، ولو امتنع ، أذنَ لغيره فيها ؛ فإن اعتذر بشاغل ، أُمهل مدّة يزول بها العُذر.
ولو نصب بيتاً من الشعَر أو خيمة ، كانَ له الأولويّة ، ولا يثبت لهُ ملك.
ويُعتبر فيه أُمور :
أحدها : القصد ، فلو فعلَ شيئاً وهو عابر سبيل ، لم يثبت به ملك.
ص: 395
ثانيها : إذن الإمام مع الحضور عموماً أو خصوصاً ، ومع الغيبة أو ما في حكمها يملكها المُحيي بالإذن العامّة ، ويجري عليها أحكام الملك ، حتّى يظهر صاحبها.
ثالثها : أن لا تكون مملوكة لمُسلم أو كافر مُعتصم أو مُتشبّث بالإسلام ، إلا إذا ترك عمارتها ، فإنّ الإمام يقبلها ممّن شاء ، ويعطي المالك ما يضربه عليها ، ممّا يُناسبها.
رابعها : أن يكون المُحيي مُسلماً ، لا كافراً ، وفي تمشية حكم الإحياء إلى المتشبّثين إشكال. ولو فرض إذن الإمام ، فالأمر لمن له الأمر.
خامسها : أن لا يتقدّم تحجير محجّر ، ولا عمل عامل يضيع بالإحياء ، فمتى شرع في التحجير ، ولزم الضرر عليه ، لم يجز الإحياء.
سادسها : أن لا يكون مَشعراً للعبادة ، كعرفات ومنى ؛ ولو كان يسيراً غير مُخلّ.
سابعها : أن لا يكون من الحِمى ، كما يَحميه النبيّ أو الإمام لإبل الصدقة وخيل المهاجرين ، وليس لآحاد المسلمين الحمى إلا في أملاكهم ، فإنّ لهم المنع من رعي الكلاء النابت فيها. ولو زالت المصلحة عن الحمى ، جاز الإحياء من دون إذن الحاكم على الأقوى.
ثامنها : أن لا يكون ممّا يحصل إحياؤه من المجاورة ، كمجاري الماء المنحدرة من أرضٍ إلى ما يقرب منها يتمّ به الإحياء لها ، أو الخراب الّتي لا مجرى للماء إليها من النهر إلا منها.
تاسعها : أن لا تكون حريماً مرفقاً لعامر يجري منه ماؤها أو ينحدر عليها لإصلاحها ، ولا وضعت عليه يد سابقة ، وأ لا تكون حريماً لعامر.
فحريم الدار : مطرح ترابها ، وكناستها ، ومصبّ مائها من ميزاب أو نحوه ، وثلوجها ، ومسلك الدخول والخروج إليها ، وموضع وقوف الدابة الحاملة ، والشخص القائد ، والجلوس عند باب الدار ، وكلّ شي ء يقتضي الإضرار بالدار ، كحفر بئر أو بالوعة أو نهر ضارّة بها ، ونقص الاعتبار من تغوّط أو وضع كسافة.
وحريم القرية : مطرح القمامة والتراب والرمل ، ومناخ الإبل ، وموضع البصاق ، والمجالس ، وملعب الصبيان ، ومكان الاحتطاب ، ومسيل المياه ، ومرعى الماشية ، فلهم
ص: 396
المنع عن جميع ما يضرّ بذلك.
ولا فرق في ذلك بين المؤمنين ، وباقي المسلمين ، والمتشبّثين ، وأهل الذمّة ، وسائر المعتصمين.
وحريم الشرب : مطرح ترابه ، ومحلّ الجواز ، والوقوف على حافتيه.
وحريم العين : ألف ذراع في الرخوة ، وخمسمائة في الصلبة ، والتوزيع على النسبة ، في المختلفة. والظاهر أنّ حال القناة كحالها.
وحريم بئر الناضح للزرع : ستّون ذراعاً ، وحريم بئر المعطن لسقي الإبل وشبهها أربعون ذراعاً ، ولا فرق فيهما بين أن تكونا مختصّتين أو مشركتين بين المسلمين.
والأظهر أنّ المدار على الضرر ، لا على مجرّد التعبّد ، والمدار على ما بين القعر إلى القعر ، لا ما بين الظهر إلى الظهر ، وفيما بينها تعتبر مرافقها ، ولو اجتمعت أجزاء ، اعتبر الأكثر ، ويحتمل الجمع.
وروي : أنّ حريم المسجد من كلّ جانب أربعون ذراعاً ، وحريم الطريق في المباح سبع أذرع (1) ، ويلزم المحيي ثانياً بذلك ، فإن فعلا دفعة أُلزما معاً. ولو زادوا على السبع ، قوي جواز إحياء الزائد ببناء أو غرس.
ولا فرق في الطريق العامّ بين ما كان في بلدٍ أو قرية. ولو اتفق أهل القرية على الاقتصار ، منعوا عنه. ولو تُرك الاستطراق ، واحتمل العَود ، بقيَ حكم الحريم ، وإلا فلا.
عاشرها : أن لا يكون مُقطعاً من النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام ، كما أقطع النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم بلال بن الحارث العقيق ، وأقطع الزبير حُفر فرسه بضمّ الحاء عدوه ، فأجراه حتّى قام ، فرمى بسوطه ، فقال : أعطوه من حيث وقع السوط ، وأقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت.
حادي عشرها : ألا يتعلّق بها حقّ لأموات المسلمين الساكنين في أرضهم ، فلو
ص: 397
كانت مقبرة للمسلمين ، لم يجز إحياؤها بزراعة وغيرها ؛ لأنّها محياة بالدفن فيها مملوكة للمسلمين.
ثاني عشرها : أن لا يكون مكان سوق المسلمين الساكنين عندهم.
وفي هذين لو ذهبت حالته الّتي كان عليها ، مع ضعف احتمال العَود جدّاً ، جازَ إحياؤهما ، بشرط أن يكون الأموات رفاتاً.
ثالث عشرها : ألا يكون من الأوقاف العامّة ، فلو كان وقفاً عامّاً ، لم يجز إحياؤه.
رابع عشرها : أن لا يترتّب على إحيائها ضرر على المسلمين ، من حفر يخشى وقوعهم فيه ، أو نحو ذلك ، وهذا شرط في الجواز ، وفي توقّف الصحّة عليه إشكال.
الرابع : الأرض الّتي صُولح عليها أهلها ، وهذه إن وقع الصلح مع أهلها ، بأنّها كانت لهم باقية على ملكهم ، ويملكونها على الخصوص ، ويتصرّفون فيها بالبيع وغيره. ولو باعوا على مسلم ، كان مال الصلح على الكافر. ودخول الموات وخروجه مبنيّ على الشرط.
وإن صولحوا على أنّها للمسلمين ، ولهم السكنى ، وعليهم الجزية ، أو بدون جزية ، كان العامر منها للمسلمين ، والموات للإمام خاصّة ، كالمَفتوحة عَنوة ؛ وللإمام أن يشترط عليهم حصّة من الأرض أو من خارجها.
الخامس : الأرض الّتي جلي عنها أهلها وتركوها ، وهي لوليّ الأمر خاصّة ، إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء قبلها بالنصف أو الثلث أو الأقلّ أو الأكثر ، إلى أيّ مدّة شاء ؛ ولهُ نزعها بعد انقضاء المُدّة ، وتقبيلها من آخر.
وكلّما يحصل للمتقبّل من مال القبالة فيه العشر ، ونصف العشر ، والظاهر أنّه يلزمه الخمس فيما زاد على مئونته ، ومئونة عياله.
ولو جلي بعض دون بعض ، كان لكلّ حكمه. ولو خرجوا منها لا بقصد الجلاء ،
ص: 398
ثمّ رجعوا قبله ، جرى عليهم ما يكون بينه وبينهم.
السادس : الأرض التي كانت مُحياة في أيدي الكفّار ، ثمّ ماتت ، وهي في أيديهم ، والحكم فيها كالحكم في أرض الموات من الأصل يحكم عليها بحكم الأنفال خاصّة لوليّ الأمر.
السابع : الأرض الّتي كانت مُحياة بأيدي المسلمين ، والحكم فيها : أنّها إن كانت مملوكة بالإحياء ثمّ ماتت ، كان إحياؤها كإحياء موات الأصل ، يملكها المُحيي ، كما أنّ سبب التحجير فيها إذا اندرس ، رجعت إلى أصلها.
وإن كان الملك لا عن أحياء ، بل عن بيع وشراء أو ميراث أو غير ذلك من الأسباب ، فإن عمرها المالك فهو أولى بها ، وإن ترك عمارتها أعطاها وليّ الأمر لمن يعمرها ، وعيّن عليه قدراً من الحاصل لصاحبها.
الثامن : الأرض المفتوحة بالقهر والغَلَبة ، كأرض سواد الكوفة وما ماثلها ، والحكم فيها أنّها للمسلمين كافّة ، أهل الحقّ منهم ، وكذا أهل الباطل على إشكال ، لا يختصّ بها واحد منهم.
ويستوي فيها ذكورهم وإناثهم ، ويدخل فيهم الخناثى المُشكلة والممسوحون ، كبارهم وصغارهم ، عقلاؤهم ومجانينهم من الأحرار وللمبعّضين سهام على مقدار ما فيهم من الحُرّية وفي إلحاق المماليك وجه الحاضرون منهم مع المجاهدين ، والغائبون الموجودون منهم حال الاغتنام ، والمتجدّدون على نحو الوقف المشترك بين الذراري ينقطع فيه ملك من مات ، ويتجدّد لمن هو آت.
غير أنّ ذلك مخصوص بالمُحيي حال الفتح ، وإن مات من بعد ، فلا يجري فيه حكم الموات بحيث يملكه المُحيي ؛ لسبق ملك المسلمين له.
ولا يختصّ بشي ء منها أحد من المسلمين إلا تبعاً لآثار التصرّف في المساكن ،
ص: 399
والحمّامات ، والبساتين ، ونحوها ، فإنّها تكون للمتصرّف ما دامت الآثار باقية يتصرّف فيها ببيع وشراء ، وباقي أنواع التمليك شاء ، ويدخلها في الوصايا ، والأوقاف ، عامّة كمدارس ومساجد ورُبُط أو غير ذلك وخاصّة ، فإذا زالت الآثار ، رجعت إلى حالها الأُولى.
وأمّا التصرّف فيها بالزراعات ، والإجارات للزرع ، فمرجعها إلى الإمام ، يقبلها لمن أراد ، مع مُراعاة مصالح المسلمين.
ويصرفها في المصالح العامة ، وإن دخل فيها غيرهم بالتبع من سدّ الثغور ، وبناء القناطر ، والربط ، وإصلاح الطرق ، ومَعونة الغزاة والمجاهدين والمرابطين ، وأرزاق الولاة والقضاة.
وما كان منها ميتاً قبل الفتح فهو لوليّ الأمر ، لا يجوز التصرّف فيه إلا بإذنه ، فإن تصرّف فيها أحد بغير إذنه أعطى طسقها.
وفي حال الغيبة ، أو عدم بسط الكلمة ، مع عدم إمكان الرجوع يملكها المُحيي ؛ لحصول الإذن في ذلك ، حتّى يظهر وليّ الأمر.
وكلّ أرض فتحها المسلمون حال الحضور وحال الغيبة مأذون في فتحها عموماً ، فتدخل في الاغتنام عن إذن وليّ الأمر.
ولو توجّه الغزاة إلى أرض ، فاختلف حال أهلها في الإسلام ، والجلاء ، والعنوة ، والصلح ، كانَ لكلّ حكمه.
التاسع : الأرض المفتوحة بغزو الكفّار عن إذن المسلمين للمسلمين ، وحكمها حكم ما فتح بغزو المسلمين عنوة ، وجلاءً ، وصلحاً ، وهكذا.
العاشر : ما فتح بغزوِ الكفّار للمُسلمين من غير استئذانهم ، والظاهر أنّ حكمها حكم السابقة.
الحادي عشر : ما فتح بغزوِ الكفّار بقصد أن يكون لهُم ، ثمّ يجعلونها للمسلمين من غير قتال ، ويجري فيها أنّها كسابقتيها ، ويحتمل إلحاقها بأرض الجلاء ، ودخولها في الأنفال ، فيكون لوليّ الأمر.
ص: 400
الثاني عشر : الأرض الّتي استولى عليها الكفّار ، ثمّ انتزعها المسلمون بأيّ نحو كان ، والحكم فيها البقاء على الحال الأُولى.
وبيان حال الأراضي الّتي تسلّط عليها المسلمون يتوقّف على بيان ما علم منها ، وتقرير القاعدة في مجهولها ، فيكون البحث في مقامات :
الأوّل : أنّ ما كان في أيدي المسلمين من الأراضي العربيّة ، والعجميّة ، والهنديّة ، وغيرها ، وجرى عليها خراج أُمرائهم ، واستقرّت عليها أيديهم ، محكوم عليها بحكم المفتوحة عنوة.
والحكم فيها : أنّها يصرف نماؤها فيما به صلاح المسلمين ، سواء فتحت بسيوف أهل الحقّ من المسلمين ، أو أهل الباطل ، في زمان الحضور أو الغيبة.
فإن كانت يد خليفة من خلفاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم مبسوطة ، كان أمرها إليه ، وإلى نائبه الخاصّ ، يقبلها ، ويؤجرها ، ويبيحها لمن يشاء ، ويصرف فائدتها في مصالح المسلمين ، على نحو ما ذكر.
وإن لم تكن يد الخليفة مبسوطة ، قام النائب العامّ من العلماء الأعلام مقامه ، فلا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف إلا بإذنه ، مع قيامه بذلك ، وتيسّر الرجوع إليه.
وإلا رجع الأمر إلى ولاة المسلمين ، الجامعين للجنود والعساكر ، القائمين بالدفع عن بيضة الإسلام ، وعن المسلمين ، يؤجرونها أو يقبلونها ممّن شاؤوا ، ويصرفون حاصلها على العساكر والجنود الحافظة لبيضة الإسلام ، وطرق المسلمين ، والتعدّي عليهم من الظالمين. ولا يجوز التصرّف في ذلك إلا عن إذنه.
ويجري مثل ذلك فيما يلحق بالمفتوحة عنوة ، وفي الجزية ، ومال الصلح.
ولو توقّف حفظ بيضة الإسلام ، وحفظ المسلمين على أخذ فوائد الأراضي المختصّة بوليّ الأمر ، كان ذلك من أفضل المصارف. ولو عصت طائفة من طوائف المسلمين على رئيسهم ، لم يجز لهم التصرّف من غير إذن المجتهد.
ص: 401
ويجوز أن يؤجر (1) ، وأن يؤدّي كوليّ الأمر مجّاناً على الأقوى.
ويجب على رئيس المسلمين أن يستأذن المجتهد في تصرّفه بأراضي المسلمين ، ونحوها.
المقام الثاني : أنّ يد المسلمين ورئيسهم شاهدة بأنّ أرض الموات الّتي عليها اليد للمسلمين ، وقضت المظنّة بحسب العادة بسبق إحيائها ، وأنّها كانت مُحياة حين الفتح ، وبقيت على هذه الحال أو ماتت بعد ذلك ، فيرجع محياها إلى المسلمين.
والظاهر أنّ كلّ موات في أرض فيها مظنّة الإحياء للمسلمين كافّة لا يملك بالإحياء ، بل يرجع بسببه إلى ملك المسلمين ، ويلزم صرف حاصله في مصالحهم ، ويعطي المُحيي الطسق إلا ما ظنّ سبق مواته ، كرؤوس الجبال ، وبطون الأودية ، ونحوهما.
المقام الثالث : فيما ظهر حالها من الأراضي
وهي أقسام :
الأوّل : ما ظهر أنّها من مفتوح العنوة ، وهي عديدة :
أوّلها : أرض سواد العراق ، وهي مغنومة من الفُرس ، اغتنمها الخليفة الثاني.
وحدّها في العرض : من منقطع الجبال بحلوان ، إلى طرف القادسيّة المتّصل بعذيب من أرض العرب ، ومن تخوم الموصل طولاً ، إلى ساحل البحر ببلاد عبادان ، من شرقي دجلة.
وسمّيت هذه الأرض سواداً ؛ لأنّ الجيش لما خرجوا من البادية ، ورأوا سواد شجرها ، سمّوها السواد ، ثمّ بعد فتحها أرسل إليها ثلاثة أنفس : عمّار بن ياسر على صلاتهم أميراً ، وابن مسعود قاضياً ووالياً على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض.
ص: 402
وجعل لهم في كلّ يوم شاة ، شطرها مع السواقط لعمار ، وشطرها الأخر للآخرين ، وقال : ما أرى قرية يؤخذ منها في كلّ يوم شاة إلا أسرع خرابها (1).
وروى : أنّ ارتفاعها كان في عهد الخليفة الثاني مائة وستّين ألف ألف درهم (2) ، ولما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين أمضى ذلك ؛ لأنّه لم يمكنه المخالفة ، والحكم بما عنده.
فلمّا كان في زمان الحجّاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم ، فلمّا كان وقت عمر بن بن عبد العزيز ، رجعت في أوّل سنة إلى ثلاثين ألف ألف درهم ، وفي السنة الثانية رجعت إلى ستّين ألف ألف درهم.
وقال : لو عشت سنة أُخرى لأرجعتها إلى ما كانت عليها في أيّام الخليفة الثاني (3) ، فمات تلك السنة (4).
واستثنى بعضهم من أرض السواد (الحيرة) مُدّعياً أنّها فتحت صلحاً ، ولم يثبت.
ثانيها : أرض مكّة ، وما يتبعها من قُرى وأبنية وتوابع ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم فتحها عنوة ، ثمّ أمّنهم بعد ذلك.
روي : عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أنّه قال لأهل مكّة بعد الفتح : «ما تروني صانعاً بكم؟!» فقالوا : أخ كريم ، وابن أخ كريم ، فقال : «أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر اللّه لكم ، وهو أرحم الراحمين» (5) وروي أنّه أعتقهم ، وقال : «أنتم الطلقاء» (6).
ثالثها : أرض خيبر ، وما يتبعها ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم فتحها بالسيف ، فقبل سوادها وبياضها ، يعني أرضها ونخلها.
ص: 403
رابعها : الري ، فقد نقل أنّه فتح عنوة (1).
خامسها : بعض أراضي خراسان ، كما نقل في أراضي نيشابور (2).
الثاني : ما يظهر أنّها فتحت صلحاً ، وهي ملحقة بمفتوحة العنوة ، لوقوع الصلح غالباً ، على أنّ الأرض للمسلمين ، ولأنّ وضع الخراج ، ويد المسلمين عليها مرجّح لذلك ، ثمّ هي أقسام :
منها : أرض نيشابور من أرض خُراسان في إحدى الروايتين ، وقيل فُتحت عنوة (3).
ومنها : بلخ.
ومنها : هراة.
ومنها : ترشح ، وتوابعها من أرض خراسان ، قيل : وبعض آخر من المذكورات فتح عنوة (4).
ومنها : حمى ، وحمص ، وطرابلس ، وأتباعها من أراضي الشام.
ومنها : طبرستان.
ومنها : أذربيجان.
وروى : أنّ دمشق فُتحت بالدخول من بعض غفلة ، بعد أن كانوا طلبوا الصلح من غيره (5) ، وأنّ أهل أصبهان عقدوا الأمان. وقيل : إنّ مكّة فتحت صلحاً (6).
ومنها : الحيرة في أرض الكوفة على ما قيل (7).
الثالث : ما يظهر أنّها فتحت بإسلام أهلها طوعاً ، وهي : الطائف على ما نقل (8) ،
ص: 404
وربّما أُلحق به في بعض الأنقال أرض البحرين (1).
والظاهر إجراء حكم المفتوح عنوة في الجميع ، سوى ما علم في هذا الزمان ، وأنّ التصرّف لا يجوز لأحدٍ في زمان الغيبة ، إلا عن إذن المُجتهدين إن لم يكن سُلطان متوجّه لإصلاح أُمور المسلمين ، وإلا حرم التصرّف بغير إذنه.
وكلّ من يرى في يده شيئاً من الأملاك ، وأمكن أن يكون له جهة مملّكة ، بنى على ملكه.
وهو أُمور :
أحدها : المُحياة وقت الفتح من الأرض المفتوحة عنوة بمعنى القهر والغلبة وما في حُكمها من أرض أسلمَ أهلها عليها ثمّ تركوها خراباً. وأرض صولح أهلها على أنّها للمسلمين ، فإنّها تبقى على ملك المسلمين على مرور الأعصار ، حتّى يرث اللّه الأرض ومن عليها ، مشاعة بينهم ، لا تختصّ بواحدٍ دون واحد ، إلا أن يتصرّف ببعضها ، بجعلها داراً أو حَمّاماً أو مسجداً أو دكّاناً أو بستاناً ونحو ذلك ، فتدخل في حكم الأملاك ما بقيت معمورة ، فإذا خربت رجعت على حالها.
وليس للغانمين فيها خصوصيّة ، ولا لهُم امتياز على غيرهم ، ولا للإمام إلا ما كان له ؛ لدخوله تحت العموم ، أو من سهم الخمس إن قلنا به ، والظاهر خلافه.
ووظيفة الإمام ومَن جاز له الدخول في هذا كرؤساء الإسلام التخيير بين البناء على المقاسمة على نحو ما وقع عليه الشرط مع عدم الخروج عن المُعتاد. ولهُ الإجارة للأرض ، والجعالة ، والصلح عليها بأيّ عوض أراد. وله ضرب الخراج بقدرٍ معيّن من نقدٍ أو جنس ليصرفه في مصالح المسلمين. ويعتبر أن لا يكون خارجاً عن الحدّ المُناسب
ص: 405
لها عرفاً ، ويختلف باختلاف الأزمان ، والرغبات ، والأمكنة ، والأوقات.
وقد كانت أرض السواد ، كما نقل قد وضع الخليفة الثاني على كلّ جريب النخل ثمانية دراهم ، وعلى جريب الرطبة والشجر ستّة دراهم ، وعلى جريب الحنطة أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين (1) ، وأمضى ذلك عليّ عليه السلام في أيّامه.
وعن عليّ عليه السلام : أنّه وضع على الجريب من أربعة رساتيق بالمدائن على جريب الزرع الغليظ درهماً ونصفاً ، وعلى الوسط درهماً ، وعلى الرقيق ثلثي درهم ، وعلى جريب الكرم عشرة دراهم ، ولم يضع على النخل شيئاً ، سوى أنّه جعل شيئاً منه للمارّة وابن السبيل (2).
والجريب : عبارة عن مائة ذراع طولاً في مائة عرضاً ، عبارة عن عشرة آلاف ذراع باليد الهاشميّ ، قدره أربعة وعشرون إصبعاً عرضاً مكسّرة عبارة عن عشرة آلاف ذراع.
والدرهم : عبارة عن نصف مثقال فضّة صيرفي ، وربع عشر مثقال.
ولرئيس المسلمين أن يفعل ما هو الموافق للقواعد عند أهل الخبرة ، ويصرفه في حفظ بيضة الإسلام والمسلمين ، كما كان وليّ الأمر يفعل ذلك ، والتأسّي به لازم.
ويجوز شراء مال الخراج من السلطان ، والصلح عليه ، وكذا مال المقاسمة ، واستئجار الأراضي.
ثانيها : أرض الأنفال ، وهي مختصّة بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ومن قام مقامه ، لا يُشاركهم فيها أحد ، وهي أقسام :
أحدها : قطائع الملوك من الأراضي المنسوبة إليهم.
ص: 406
ثانيها : أرض الموات ، كرؤوس الجبال ، وبطون الأودية.
ثالثها : أرض بادَ أهلها ، ولم يعلم لهم أثر.
رابعها : أرض مملوكة ماتَ أهلها ، ولم يبقَ لهُم وارث.
خامسها : أرض جَلا عنها أهلها ، فاستولى عليها المسلمون.
سادسها : أرض سلّمها أهلها طوعاً ، من غير أن يوجف عليها بخيل ولا رِكاب ، كأرض البحرين.
سابعها : أرض خرجت عليها سرية من المسلمين بغير إذن الإمام في أيّام حضوره فاستولت عليها.
ثامنها : أرض مُلكت بالإحياء ، ثمّ ماتت.
وهذه الأقسام مخصوصة بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وخلفائه عليهم السلام ، ولا خمس فيها في وجه قويّ ، فإن حضروا كان الأمر إليهم ، ويفعلون فيها ما شاؤوا.
ومع حضورهم وإمكان التمكّن من أخذ الإذن منهم يجب استئذانهم ، وأن لا يعملوا فيها شيئاً من غير إذنهم.
وإنّما للناس منها حقّ الاستطراق ، والشرب ، والسكنى ، ومع عدم إمكان الاستئذان مع الحضور أو الغيبة يتولاها المجتهدون ، ويؤجرونها ، ويزرعونها ، ويصرفون فوائدها في جهات الطاعات ، وأنواع القُربات ، كإعانة الفقراء ، ومساعدة الضعفاء ، وبناء القناطر والرُّبط ، وغير ذلك.
فإن تعذّر عليهم ذلك ، أذنوا سلطان المسلمين في ذلك. فإن لم يأذنوا في ذلك ، ولم يمكن قيام غيره به ، وجب على رئيس المسلمين ذلك.
وأفضل المصارف وأولاها : بذلها في تقوية عساكر المسلمين والمجاهدين ، الحافظين لبيضة الإسلام ، ودماء المسلمين ، وأعراضهم.
وهذه تُملك بالخلافة ، لخليفةٍ ليد خليفته ، ولا تنقل بملك ، بل تبقى على هذا النحو إلى أن تصل إلى يد صاحب الزمان.
ص: 407
ثالثها : صفايا الأموال ، فإنّ لوليّ الأمر أن يصطفي لنفسهِ من الغنيمة من الأقسام الخمسة قبل القسمة : الجارية الحسناء ، والفرس الجيّدة ، والدرع الممتاز ، والسيف القطّاع ، والثوب النفيس ، ومحاسن الأموال ممّا يشتهيه ، ويهبه إذا لم يكن فيه إجحاف بالغنيمة ، وليس له ذلك بعد القسمة ، وله الاختيار لما أراد بعد عزل الخمس من الأربعة الأسهم الأُخر.
رابعها : السلب ، فمن سلبَ واحداً من الحربيّين وقت التقابل ، فأخذ ثيابه أو سلاحه أو فرسه الّتي كان راكباً عليها ، مع اشتراط الإمام له ذلك ، أو مع إذنه فيه خصوصاً أو عموماً ، كأن يقول : من قتل شخصاً فله سلبه ، ولا بدّ فيه من بيان شروطه وما يتعلّق به ، وهي أُمور :
أحدها : أن يكون المسلوب ممّن يجوز قتله ، دون من كان من الصبيان أو المَجانين أو النساء ، أو كان شيخاً فانياً.
ثانيها : أن تكون الحرب قائمة.
ثالثها : أن يكون مخاطراً في دخوله بين الكفّار ، أمّا لو كان بعد فرار المشركين فلا اختصاص.
رابعها : أن يكون له نصيب في الغنيمة ، بأن لا يكون مخذّلاً ، ولا مُعيناً على المسلمين.
خامسها : أن لا يكون عاصياً للإمام في دخوله في الحرب.
سادسها : العبد إذا قتل قتيلاً ، استحق سلبه مولاه.
سابعها : أنّ السلب ؛ (1) يخرج من أصل الغنيمة لا من سهمه.
ثامنها : أنّ السلب إنّما يستحقّه القاتل دون غيره.
ص: 408
تاسعها : أنّ السلب يختصّ بالمتّصل دون المنفصل ، فالعبيد والدواب الّتي عليها الأحمال ، والسلاح ، والثياب ، والدراهم ، وغيرها ممّا ليس معه من الغنيمة ، لا يجري عليها حكم السلب.
وما كان يحتاجه في القتال كالدرع ، والجوشن ، والمغفرة ، والخنجر ، والسكّين يُعدّ من السلب.
والمتّخذ للزينة أو غيرها ، كالخاتم ، والتاج ، والسوار ، والطوق ، والهميان للنفقة ، يقوى أنّه من السلب. والدابة الّتي يركبها راكباً بها أو نازلاً عنها قابضاً على لجامها ونحوه من السلب ، دون ما يُقاد خلفه.
عاشرها : أنّه لا تُقبل دعوى القتل استحقاق السلب إلا بالبيّنة ، والاكتفاء بالعدل الواحد لا يخلو من قوّة.
ولو اشترك اثنان في السلب ، وكانت إذن وليّ الأمر عامّة لهما ، اشتركا فيه ، وإن كانوا أكثر من ذلك ، فكذلك على نسبة العدد ، دون القوّة ، من غير فرقٍ بين الاتفاق في الركوب وعدمه ، والاختلاف ، مع اشتراكهما في قبض الشي ء الواحد ، ولا بين القابض للأقلّ والأكثر ، ولا بين القابض بيدٍ واحدة أو يدين.
خامسها : الرضح ، وهو تخصيص وليّ الأمر بعض من لم يستحق سهماً من الغنيمة بشي ء منها ، على حسب ما يرى من المصلحة من المقدار ، ومن التسوية بينهم وخلافها ، وهو أقسام :
منهم : النساء ، والخناثى المُشكلة ، والممسوحون ممن حضر ليداوي الجرحى ، أو يندب الرجال ، أو يحملوا القتلى ، أو غير ذلك.
ومنهم : العبيد إن جاهدوا ، فإنّهم لا سهم لهم ، ولكن يرجّح لهم وليّ الأمر ما يراه ، مع مراعاة المصلحة في الأصل ، وله المساواة بينهم والاختلاف ، والأولى ترجيح الراجح.
ولا فرقَ في المأذون في القتال وغيره في عدم استحقاق السهم ؛ لكنّ العاصي
ص: 409
لمولاه لا يستحقّ رضحاً ، والرضح له يعود إلى مولاه.
ولا فرق بين المدبّر ، والمكاتب المشروط ، والمطلق مع عدم تأدية شي ء ، وأُمّ الولد ، وغيرهم ، ولو عُتق قبل القسمة أخذَ سهماً.
ويجوز جعل الرضح أكثر من السهم ، والمبعّض يسهم له بمقدار الحريّة ، ويرضح له بمقدار سهم العبوديّة.
ومنهم الكفّار المستعين بهم المسلمون على الجهاد ، فإنّهم لا سهم لهم في الغنائم ، ولكن يرضح لهم على نحو ما تقتضيه المصلحة.
والرضح من أصل الغنيمة ، ولا رضح بين المميّز وغيره ، ولا بين المرتفع وغيره ، حتّى أنّهم لو ولدوا بعد الاغتنام قبل القسمة استحقّوا السهام.
سادسها : ما وضعه وليّ الأمر من الجعائل على حفظ أو رعي دواب أو حمل بعض الأثاث أو السرايا أو غير ذلك ، ويجوز جعله من ماله ، ومن مال الغنيمة ، ومن الأربعة الأخماس الباقية خاصّة ، أو غير ذلك ، فهذا يختصّ به المجعول له ، ويخرج من الأصل.
سابعها : ما يجعل لنفقة الغنيمة من النساء ، والأُسارى ، والحيوانات ، فإنّها تخرج من أصل الغنيمة على مقدار الحاجة ، ووفق المصلحة.
ثامنها : ما يحفظه وليّ الأمر لخوف بعض الحوادث المتوقّفة على بذل بعض الأموال ، وليس هناك مندوحة عن الغنيمة.
وفيها مباحث :
الأوّل : في أنّها يتعلّق بها حقوق الغانمين أعياناً أو منافع أو حقوقاً على وجه
ص: 410
الاشتراك بين المجاهدين ، ممّن عدا الخارجين بالاستيلاء ، من دون احتياج إلى نيّة.
ويتعيّن شخصها ومقدارها بعد إخراج ما يخرج منها للمخصوصين بالتسليم ، فكانت فيما بين الاستيلاء والتسليم ملكاً للغانمين من غير تعيين. أو باقية على ملك الكفّار وإن تعلّق بها حقّ الاختصاص. أو منتقلة عنهم ، ومالكها الملك الجبّار ، كالأوقاف العامّة. أو هي ملك بلا مالك إن كان معقولاً. وأوّلها أولاها. كما أنّ نصف الخمس مع اشتراكه بين فقراء الهاشميّين ، والزكاة مع اشتراكها بين الفقراء والمساكين ، إنّما تختصّ بالمعين بالتعيين.
وفي كونه كاشفاً أو ناقلاً وجهان ، أقواهما الثاني ، على نحو الماء المشترك بين أصحاب الدور مثلاً ؛ فيكون مصرف بعض الغانمين ببعض الغنيمة في غير ما استثنيت بعضيّته مستتبع لضمان حصص الباقين ، على نحو تصرّف الشريك.
الثاني : في أنّ البناء على الاشتراك هو الموافق للحكمة المقتضية للمصلحة المانعة عن المفسدة ؛ لأنّه لو كان الحكم مبنيّاً على الاختصاص ، لاشتغل المجاهدون بجمع المال عن القتال ، وعن مُبارزة الرجال ، ولقامت الحرب فيما بين المجاهدين ، واختلّ نظامهم ، وتفرّقت كلمتهم ، ولانحرف الكفّار عنهم ، ثمّ مالوا عليهم ميلة واحدة ، بعد اشتغالهم بجمع المال ، ويكثر الحسد فيما بينهم ، وزادت البغضاء والشحناء كما يُدّعى ذلك فيمن وقعت بينهم الحرب ، ولم يكن بناؤهم على الاشتراك.
الثالث : أنّه لا بدّ من اتّباع سيرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين في القسمة ، للزوم التأسّي بهم في أقوالهم وأفعالهم.
ولأنّ من تولّى الأمر من الخلفاء ، استند في عمله إلى سيرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم.
ولأنّه لو كان طريق آخر أوفق بالحكمة ، وأقرب إلى الصواب ، لمالوا إليه ، ولم يكن لهم عمل إلا عليه.
ص: 411
الرابع : أنّ الحكم متمشّ فيما بعد الغيبة وشبهها ، حيث لا يكون للخلفاء يد مبسوطة بالنسبة إلى ما عدا الجهاد للجلب إلى الإسلام ؛ لأنّ ذلك مخصوص بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وخلفائه عليهم السلام ، وبمن نصبوه بالخصوص ، دون العموم.
وأمّا الأقسام الأُخر ، فالحكم فيها أنّه إذا لم يمكن الرجوع إلى الخلفاء الراشدين ، قام المنصوب العام من المُجتهدين مقامهم. وإن عجزوا وامتنعوا عن الإذن ، قام الأُمراء والرؤساء مقامهم ؛ وإلا لانهدم ركن الدين ، واستحلّت الدماء ، والأعراض ، والأموال من المسلمين.
وأيّ مصلحة للمسلمين تُصرف فيها أموالهم أعظم من حفظ دمائهم وأعراضهم ، وأيّ محلّ أولى لصرف مال الأنفال مع غنى ولي الأمر عنه من حفظ بيضة الإسلام ، وحفظ دماء المسلمين وأعراضهم ، وتقوية مذهبهم.
ويتعيّن وليّ الأمر أو نائبه الخاصّ أو الوكيل من أحدهما فيما يترتّب على الجهاد للجلب إلى الإسلام ، وفي الأقسام الأُخر كذلك مع الإمكان.
ومع التعذّر كما في الغيبة ، يرجع الأمر إلى النائب العامّ. ومع عجزه عن القيام بما يصلح النظام ، يرجع الأمر بإذنه مع إمكانها ، وبدونها مع عدمها إلى السلاطين من أهل الحقّ والحكّام.
فلا يجوز لأحدٍ من المهاجرين والمجاهدين ولا من غيرهم تولّي ذلك من غير إذن ؛ فإن تبرّع متبرّع ، مضى مع المصلحة والإجازة ممّن له الاختيار.
وتعتبر في القاسم المعرفة ، وزيادة البصيرة ، والعدالة ، مع فقد الناظر العدل ، وإلا ففي عدالة الناظر كفاية. ويجزي الواحد ، والأحوط مراعاة الاثنين.
ولو تبرّع القاسم بلا أُجرة فلا كلام ، وإن جعل له شي ء ، كانَ له الأمر ، وإن أُمر
ص: 412
على الإطلاق ، كان له أُجرة المثل. ولو تعدّد القاسمون ، اشتركوا في الأُجرة ، واقتسموا على قدر عملهم.
لا سهم للعبيد ، والنساء ، والخناثى المُشكلة ، والممسوحين ، والكفّار ، والمعتصمين ، وغيرهم ؛ ولا للمتشبّثين بالإسلام من الغلاة ، والخوارج ، والأقسام الثلاثة من النواصب ، والمشبّهة ، والمجسّمة على الحقيقة ، والمجبّرة ، والمفوّضة في أمر الخلق ، والقائلين بالحلول ، والاتّحاد ، ووحدة الوجود ، ووحدة الموجود ، ونحوهم في وجه قويّ.
ومن كان من أهل الباطل ، ولم يدخل في اسم الكفّار ؛ يقوى دخوله مع أهل السهام. ومن كان مُبعّضاً يستحقّ من السهم ما قابل جزأه الحرّ ، ويدخل جزء الرق في حكم الرضح. ومن زال مانعه قبل الاستيلاء أو بعده قبل القسمة ، فالظاهر دخوله معهم ، ويرضح الوالي لهؤلاء على نحو ما يرى من المصلحة.
ولا رضح للمخذّل ، وهو من يخذّل المجاهدين ، ويسعى في حلّ عزمهم عن الجهاد ؛ ولا للمُرجف ، وهو المخيف للمسلمين ، حتّى يمتنعوا عن الجهاد ؛ ولا لمن كان عيناً للكفّار ، يرسل لهم الأخبار لطمع الدنيا ، وإن لم يكن منهم ؛ ولا للمُحتال الّذي لا يُريد القتال ؛ ولا لمن يرغّب الكفّار على الحرب والنزال ، ونحوهم. ويُعتبر حضور المقسوم لهم أو وكلائهم ؛ وإذا رأى وليّ الأمر فساداً بالحضور ، لم يحضرهم.
لا يقسّم إلا ما فيه الاشتراك بين الغانمين ، وأمّا ما كان مختصّاً كالأنفال ، والرضح ، والجعائل ، ونحوها فلا قسمة فيه.
وفي جواز تعيين وليّ الأمر شيئاً معيّناً قبل الأخذ في الحرب لمعيّن أو لجماعة مخصوصة على وجه الشركة غير السلب إشكال.
ص: 413
وبعد الأخذ في الحرب ، ثمّ بعد فراغه أشدّ إشكالاً ، ولا تجوز القسمة في المشترك بينهم ممّا لا يُنقل ، كالأرضين المفتوحة عنوة أو بالصلح ، على أنّ الأرض للمسلمين ؛ لاشتراكها بين المسلمين ، من وجد وقت الغنيمة ، ومن لم يوجد.
ولا يقسم ما كان من المُحرّمات ، كالخمر ، والخنزير ، وآلات الملاهي ، وكتب الضلال ، وإن جاز إبقاء الخمر للتخليل ، وحفظ كتب الضلال للردّ. وكذا جميع ما يتوقّف على التذكية من الجلود ، وما يُعمل منها ، واللّحوم ، والشحوم ما لم يعلم بأنّ المسلم ذكّاه ؛ فما يُعمل من الجلود والعصب للسيوف أو لغيرها من الأسلحة وغيرها محكوم بأنّها جلود ميتة.
يستحبّ ترك القسمة في أرض الحرب ؛ حذراً من اشتغال المسلمين بها ، فيجد الكفّار لهم فرصة ، والأولى أن يكون فيما يبعد من أرض المسلمين عنهم.
وينبغي اختيار المناسبة للغنيمة ، فإن كان فيها بهائم من بعير وغنم ، فينبغي اختيار مواضع النبت ؛ وإن كان فيها إبل ، اختير مواضع الشجر ، كلّ ذلك مع كثرتها ، ولزوم طول قسمتها.
وإن كان فيها سبي ، استحبّ اختيار أرض سالمة من الجبال والشجر ؛ خوفاً من هربهم ، وكذلك إذا كانت أجناساً أو نقوداً ؛ خوفاً من السرّاق ، وهكذا.
ينبغي تأخير القسمة إلى أن تجتمع الغنيمة ، ولو قسّمت أوّلاً فأوّلاً ، بأن يقسم ما حصل بالمناضلة الأُولى أو اليوم الأوّل ، ثمّ يقسّم ما حصل بالمناضلة الثانية أو اليوم الثاني ، جاز على كراهة.
ولو علم زيادة رغبة المسلمين بذلك ، أو كثرة احتياجهم ؛ إذ لم يكن عندهم ما يموّنهم ، كان ذلك أرجح ، وينبغي أن يكون ذلك بعد إخراج الصفايا لوليّ الأمر ،
ص: 414
والرضح ، والجعائل ، ونحوها.
ولو كانت الجعالة جزءاً مُشاعاً ، فأراد وليّ الأمر انتزاعها بعد القسمة ، بأن يعطي كلّ صاحب حقّ مقدار ما يخصّه ، جاز على إشكال.
وينبغي تأخيرها حتّى يحصل الاطمئنان التامّ من جهة هجوم الكفّار ، وإلى وقت النهار السالم من الثلوج والأمطار.
يلزم تعديل السهام بحيث لا يحصل حيف على جانب ، فما كان من المكيل والموزون من المُتجانس ، قسّم كيلاً أو وزناً ، وفي غير المتجانس يُعتبر التعديل ، فإن حصل فيها ، وإلا احتاج أحد الطرفين إلى أن يضمّ إليه ما يبعث على التساوي.
وليس لأحد الغانمين اختيار في تعيين شي ء ، بل يبنى الأمر على القرعة بعد التعديل.
ويلزم التقويم فيما يحتاج إلى التعديل ، ويكتفى بقول العدل الواحد ، والأحوط الاثنان.
ولا يجوز التفضيل لبعض على بعض ، إلا مع توقّف حفظ بيضة الإسلام أو ردّ العدوّ عليه.
للراجل سهم وإن زاد نفعه على الفارس ، وللفارس سهمان : سهم له ، وسهم لفرسه. ولصاحب الأفراس ممّا زاد على الواحدة ، وإن كثرت ثلاثة أسهم ، لا يزاد ذلك ، وإن بلغت المائة ؛ من غير فرق بين العتيق الذي أبواه عربيان ، والبرذون الّذي أبواه عجميّان ، ولا بين الهجين الّذي أبوه عتيق وأُمه عجميّة ، والمفرق الذي أبوه برذون وأُمّه عربيّة.
ص: 415
ولا سهم للحطم من الخيل ، وهو الذي ينكس ، والقحم ، وهو الكبير الهرم ؛ والضرع ، وهو الصغير ؛ والأعجف ، وهو المهزول ؛ والرازح ، وهو الّذي لا حراك به.
ولو دخل المعركة راجلاً ، ثمّ ملك فرساً قبل الاستيلاء أو بعده قبل القسمة ، أُسهم لها في وجه قويّ.
ولو قاتل فارساً ، ثمّ تلفت فرسه ، أو باعها ، أو أخذها المشركون قبل الحيازة ، أو بعدها قبل القسمة ، لم يسهم لها على إشكال.
ولا سهم للمغصوب مع غيبة صاحبه ، ومع حضوره يُسهم له ، ويكون لصاحبه دون الغاصب. والمترصّد للجهاد يُعطى من بيت المال ، فلو كانوا في السفن وأتوا بخيل ، فلو جُعلت في البرّ أُعطوا لها سهاماً.
ويسهم للمريض مع صدق اسم الجهاد عليه.
الأوّل : أنّه لا يجوز التصرّف لأحدٍ بشي ءٍ من الغنيمة قبل القسمة ، لا بركوب دابّة ، ولا بلبس لباس ، أو فرش فراش ، ولا بأخذ سلاح ، ونحوها إلا مع الاضطرار.
ويجوز فيما كان من الطعام أو الدهن أو اللحم ، مع ردّ الجلود ، والصوف ، وعلف الدواب ، مع ردّ الزائد ممّا ذكر في الغنيمة.
الثاني : إذا وجد شيئاً من الغنائم في غير محلّ الحرب ، أو فيه بعد التفرّق ، كان له.
الثالث : أنّه لا قسمة إلا بعد إخراج الخمس ، ويجب تسليم نصفه إلى المجتهد بعد غيبة الإمام.
الرابع : أنّه إذا توقّف حفظ بيضة الإسلام ، ودماء المسلمين ، وأعراضهم على ترك قسمة الغنائم ، وصرفها في دفع الكفّار ، صُرِفَت.
الخامس : لو غَنِمَ المسلمون شيئاً ، وعليه علامة مسلم ، دخل في الغنيمة ، إلا أن تقوم القرائن القاطعة على مدلولها.
ص: 416
السادس : أنّه إذا جاء صاحب العين المحترم المال قبل القسمة ، أخذها ، وبعدها يغرم الإمام لأهلها شيئاً على إشكال ؛ وأمّا لو أُخذت بهبة أو سرقة ، ردّت إلى أهلها.
السابع : أنّه إذا غلّ من له سهم مع الغانمين ، لا يجري عليه حكم السارق ، ومن لم يكن له تعلّق معهم يجري عليه حكمه ، وفي أهل الأنفال إشكال.
الثامن : أنّه لا يجوز لصاحب سهم بيعه إلا بعد القسمة وتميّز سهمه ، ويجوز الصلح بعد الاستيلاء ، وفيما قبله إشكال. وحال الرضح والجعائل قبل القبض ، كحال ما قبل الاستيلاء.
التاسع : أنّه تكره التفرقة بين الأُمّ وولدها ، وإن رضيت الأُمّ ، وإن خفّت الكراهة ما لم يبلغ سبع سنين. وفي إلحاق الجدّة إشكال.
والظاهر تمشية الكراهة إلى كلّ مربّية إذا كان منعطفاً عليها ، ولا كراهة في باقي المحارم إلا مع الانعطاف.
ولو باعَ الولد ، وشرط بقاء أُمّه معه ، أو التزم بذلك ، ارتفعت الكراهة ، أو خفّت. ولا بأس بالتفرقة في العتق.
العاشر : أنّه يجوز الاستيجار على الجهاد ، كما يجوز على الرباط ، ما لم يتعيّن على الأجير ، ويأخذ ذلك زائداً على سهمه من الغنيمة. ولو شرط المستأجر عليه كون السهم له ، ففي الجواز إشكال.
الحادي عشر : لا يجب إخراج الزكاة والخمس المتعلّقين بالمال حال الكفر ، وإنّما يجب الخمس من حيث الاغتنام.
الثاني عشر : أنّه يجب إخراج الخمس قبل قسمة الغنيمة ، ولو كان الصلاح في أن يؤخّر بعد القسمة ، ثمّ يخرج من كلّ سهم خمسه عمل عليه ، ولا يجب إخراجه من الرضح والجعائل على إشكال.
الثالث عشر : أنّه لو وضع صاحب السهم سهمه الّذي اختصّ به بعد إخراج الخمس في تجارة أو صناعة أو زراعة ، فاجتمعت في فوائده شرائط الخمس والزكاة ، وجب إخراجهما ، ووضعهما في محالّهما.
ص: 417
وفيها مباحث :
وفيه مقامان :
الارتداد بالمعنى المُتعارف : الكُفر بعد الإسلام ، كما أنّ الارتداد الإيماني هو الإتيان بما يُخرج عن الإيمان.
وحيث كان الإسلام عبارة عن الاعتقاد بمضمون كلمتي الشهادة ، وهي : «أشهد أن لا إله إلا اللّه ، ومحمّداً رسول اللّه» ، أو مع قولهما ، وكان مقتضى ذلك الاعتراف بجميع ما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم وثبت عنه ضرورة ، ترتّب الارتداد على نقض الإسلام بإنكارٍ ، أو جحودٍ ، أو نفاقٍ ، أو شكّ ، أو عناد.
أو إنكار ضرورة في حقّ الواجب تعالى ، أو نبيّه ، أو المعاد.
أو إنكار ضروريّ من ضروريّات الدين ، كاستحلال ترك الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، أو صوم شهر رمضان ، أو شرك ، أو كُفر نعمة.
أو هتك حرمة بقولٍ ، كسبّ لله ، أو لنبيّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو لخلفائه الراشدين.
أو فعل ، كإلقاء القذارات في الكعبة ، أو عليها ، أو على قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، أو على القرآن ، أو وضع الأقدام عليه ، أو على أحاديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم استخفافاً ، وكذا فعل جميع ما يقتضي الاستخفاف بالإسلام.
ولا حكم بصدور ما يقضي بالردّة من الصبي ، والمجنون حال جنونه ، والنائم ، والغافل ، والساهي ، والغالط ، والجاهل بالموضوع أو الحكم ، والمجبور ، والمغمى
ص: 418
عليه ، والسكران وإن كان عاصياً في سكره ، والغضبان الخارج عن الاختيار.
ولو صدر قول أو فعل باعثان على الردّة من دون علم بحاصل ما يراد منهما ، فلا ردّة ، وكذا إذا ادّعى شُبهة أو تقيّة مع قبول احتمالهما عند العقلاء ، أو حصل معه غضب أخرجه عن الاختيار ، درأ عنه.
ولو علق السبّ بما يراه عند اللّه تعالى من أب أو أُمّ أو ولد أو زوجة وهكذا ، أو علّقه بمالا يقضي سبّه بارتداد ، كأُمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أو زوجته ، فإن قصد بسبّ المضاف سبّ المضاف إليه ، كما هو المتعارف ، كان ارتداداً ، وإلا كان عاصياً ، ويعزّر لسوء الأدب ، وإن كان هازلاً.
ولا فرق في كلمة السبّ بين أن تكون عربيّة ملحونة أو لا. ولو قصد السبّ بلفظٍ لا يفيده زاعماً إفادته ، كان ساباً.
ولو صدرت بعض كلمة الردّة حال الكمال ، وأتمّها حال النقص ، لم تكن ردّة ؛ وفي العكس إشكال ، كما أنّ كلمة الإسلام لا تقبل منه في تلك الأحوال ، وكذا لا تقبل عقوده وإيقاعاته في تلك الحال.
وتقبل دعواها منه ، مع قيام الاحتمال المرضيّ عند العقلاء.
ويثبت بالإقرار ولو مرّة ، ويقبل منه التنزيل ، مع احتمال التأويل ؛ وبشهادة العدلين عند الإمام أو نائبه الخاصّ أو العام. ولو كذّبهما لم يسمع تكذيبه. ولو وجد للإقرار وجه محتمل في نظر العقلاء ، لم يكن مثبتاً.
ويعتبر ثبوت عدالتهما عند الحاكم ، ولا يكفي الثبوت عنده ، ولا عند غيره.
ولو عُرضت على المسلم كلمة الشهادتين ، فأبى عن النطق بها ، لم يحكم عليه بشي ء إلا مع القرينة.
ولو نسب إلى اللّه بعض الصفات المستلزمة للحدوث ، كالجسميّة ، والعرضيّة ، والحلول ، والاتّحاد ، والكون في زمان أو مكان عامّين أو خاصين ، أو الأكل ، أو الشرب ، أو اللبس ، أو الفرش ، أو الغطاء ، أو الرؤية ، أو اللمس ، أو الظلّ على وجه الحقيقة ، أو الأُبوّة ، أو البنوّة أو الزوجيّة ، ونحوها ، وأراد لوازمها ، حكم بارتداده.
ص: 419
ولو أسند إليه الظلم حالاً ، دخل في حكم فاعل الكبيرة ، يُستتاب ثلاثاً أو أربعاً ، ويقتل ، ومع الهزل يعزّر للتجري.
ولو وقعت كلمة الردّة من اثنين فما زاد ، لم يحكم على واحد منهما بشي ء ، وإنّما يحكم بتنجيسهما فيما يقضي بدخولهما معاً فيه ، ويحتسبان بواحد في عدد الشهادة ، والجمعة ، والجماعة.
والاثنان على حقو واحد إن علم تعدّدهما ، اختصّ الارتداد بصاحبه ، وإلا كانا مرتدّاً واحداً.
وإنكار الكتب المنزلة من السماء ، وجملة الأنبياء والأوصياء السابقين ، وخصوص ما قامت الضرورة على نبوّتهم كنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونحوهم يقضي بالارتداد.
ولو خيّر بين القتل والردّة ، واختار الردّة ، فلا شي ء عليه ، ووافق ظاهر الشرع ، وإن اختار القتل عليها أخطأ ، وأجره على اللّه.
ولو ردّده الجابر بين ردّتين ، كبرى وصغرى ، فاختار الأخيرة ، أصاب ، وإلا عصى ، وفي احتسابه مرتداً إشكال. وإن أمكنه قصد خلاف الظاهر بالتورية ، وجب.
المرتد : إمّا فطريّ ، قد انعقدت نطفته من مسلم أو مسلمة حال إسلامها مبدأ إنسان سبق كفره حال الاتصال أو الانفصال ، قبل البروز أو بعده ، قبل الوصول إلى الرحم أو بعده قبل الانعقاد.
وإن تعقّب إسلام أحد الأبوين الانعقاد لم يقضِ بالفطريّة ، وإن كان حال الحمل على إشكال ، وجعل مدار الفطريّة على بقاء صفة الطبيعيّة بعيد.
ويُقابله الملّي ، فمن انعقد من كافر أسلم بعد بلوغه ، ثمّ ارتدّ ، أو أسلم أحد أبويه بعد انعقاده قبل بلوغه ، ثمّ ارتدّ ، كان ملّياً.
ثمّ الوصفان إمّا أن يكونا في ذَكَرٍ معلوم الذكوريّة ، أو أُنثى كذلك ، أو مشتبه الحال
ص: 420
بين الذكر والأُنثى ، أو بين المتحد أو المتعدّد ، فهاهنا أقسام :
أحدها : الفطريّ من معلوم الذكورة ، وحكمه جواز القتل ، لكلّ أحد في حضور الإمام وغيبته ، ووجوبه على الإمام ، مع بسط كلمته.
ولا تُقبل توبته ظاهراً ، ولا باطناً ، نجس العين ، يعاقب على ترك العبادات ، ولا تصحّ منه ، ولا مانع من ذلك بعد أن أهمل المقدّمات باختياره.
وتبين منه أزواجه ، ويقضين عدّة الوفاة ، ويتزوّجن.
وتنفذ وصاياه في الطاعات ، من عتق ، ووقف ، وصدقة ، وصلاة ، وصيام ، وحجّ ، وشبهها كالتدبير على إشكال. وتنفذ في غير الطاعات.
وتقسّم أمواله الداخلة في ملكه قبل الردّة بعد إخراج الديون والواجبات الماليّة والثلث من الورثة على إشكال ، من غير فرقٍ بين الأعيان ، والديون الحالّة ، والمؤجّلة ، والصداق المؤجّل من الدين.
والردّة قبل الدخول توجب تمام المهر. وفي المتجدّد بعد كالواقع في فخ نصبه قبل ردّته بعد ردّته بحث.
وفيما يتجدّد بالحيازة أو الالتقاط أو الاتّهاب احتمالان ، أحدهما : الرجوع إلى الوارث ، والثاني : البطلان والبقاء على ما كان ؛ لأنّه كالميّت ، ولا يخلو من رجحان.
ولا يحكم بفطريّته إلا عن علمٍ أو مأخذٍ شرعيّ ، وبدون ذلك يُحكم بالمليّة.
والمنعقد من نطفة دخلت في رحم ، ثمّ صارت إلى رحم آخر بالمساحقة ، فانعقدت في الثاني ، تُعتبر فيها الحال الثانية.
والنطفة من الزاني والزانية لا تثبت فيها الفطريّة على إشكال.
ولا تفاوت في الإسلام المرتد عنه بين ما يكون إيمانيّاً أو خالياً عن الإيمان ، وبين كونه فيه تشبّث بالإسلام كالخوارج والغلاة والنواصب.
ثانيها : الفطري من معلوم الأُنوثة ، وحكمه : أن تُستتاب بما يُرجى عوده به ، لا بخصوص ثلاثة أيّام ، فإن تابت أُطلقت ، ولا شي ء عليها ، وإلا جعلت في السجن ، وضيّق عليها في المأكل ، والمشرب ، واللباس ، والفراش ، والغطاء ، بأن لا تمكّن إلا من
ص: 421
الردي ء منها ، وتضرب أوقات الصلاة.
فإن تابت ، أُخرجت ، وإلا خُلّدت فيه حتّى تموت. فإن خرجت بعد التوبة ، ثمّ عادت فعل بها ما مرّ ، فإن عادت ، قتلت في الثالثة ، والأحوط الرابعة.
والفطريّة إنّما تجري في الكُفر الأصلي ، دون التشبّثي ، فلا تجري في المتشبّثين بالإسلام ، المُقرّين بالشهادتين والمعاد ، كالقائلين بوحدة الوجود والموجود ، والمجسّمة ، والمشبّهة على الحقيقة ، والمجبّرة ، والمفوّضة ، وأقسام المتصوّفة ؛ وفي الغلاة إشكال.
وهؤلاء الحدّ للإمام أو نائبه الخاص ، ومع فقدهما النائب العام. وفي القتل المستند إلى السبّ يستوي الجميع.
ثالثها ورابعها : الملّي المعلوم الذكورة أو الأُنوثة ، وحكمه : التأديب مرّة ، ثمّ مرّة ثانية ، ثمّ يقتل ، والأحوط التأخير إلى الرابعة.
خامسها وسادسها : الفطري والملّي من المشتبه ، كالخُنثى المشكل ، والممسوح ، وحكمهما : إجراء حكم الأُنثى فيهما.
سابعها وثامنها : في الاثنين على حقوٍ واحد ، فإنّه إن اختبرا بالإيقاظ ، فتيقظا معاً ، وعلم اتّحادهما ، جرى عليهما حكم الواحد.
وإن اختلفا ، وعلم تعدّدهما ، وحصل الارتداد من واحد معيّن أو مشتبه تعيّنه القرعة أو غيرها ، جرى عليه حكم المرتدّ ، فيما لا يتعلّق بالفعل والبدن ، دون ما يتعلّق بهما ؛ خوفاً من السراية أو المؤلمة ، ولو أمكن ذلك من دون خوف حكم به.
ولو كان خنثى أو ممسوحاً حصل اشتباه آخر ، وجاء الحكم المتقدّم.
ولو تاب مستحقّ القتل ، وقتله من لم يعلم بتوبته ، فلا قصاص ، وعليه الدية.
ولو طلب حلّ الشبهة أُنظر ، فإن لم يرجع قتل. ولو أُكره على الإسلام من لا يقرّ على دينه قتل منه ، ولا يقتل من غيره.
ولا يسترقّ المرتدّ بقسميه ، ولا نساؤه ، وأولاده ، ويُشترط في قبول توبته حيث يكون قابلاً الإقرار بقبح ما صدرَ منه من إثبات أو نفي قضى بردّته.
وإذا علق الولد قبل الردّة فهو مسلم ، وإذا علق من أبويه حال ارتدادهما ، فإن بلغ
ص: 422
مسلماً فلا كلام ؛ وإن وصف بالكفر استتيب ، فإن لم يتب قتل ؛ وإن تاب ثمّ عاد ، قتل في الرابعة. وولد الناقض للعهد إذا بقي أمانة عندنا ، انتظر به البلوغ ، فإن وصف الإسلام فبها ، وإلا فإن أدّى الجزية قُبلت منه ، وإلا ردّ إلى مأمنه.
منها : أنّه لا يسترقّ مرتدّ ولا مرتدّة وإن لحقت بدار الحرب ، ولا الأطفال ، ولا النساء.
ومنها : أنّه إذا انعقد منهما بعد الارتداد ولد ، دار بين أُمور ثلاثة : إجراء أحكام الكفّار ، وإجراء أحكام المرتدّين ، وإجراء أحكام المسلمين ، ولعلّ الأوسط أوسط.
ومنها : أنّه لو قتل مسلماً ، قتل به قصاصاً ، وقدّم على قتل الردّة ، ولو قتل للردّة قبل القصاص ، فلا ضمان على القاتل. ولو قتل مرتدّاً مثله ، لم يُقتل به. ولو قتل متشبّثاً بالإسلام ، قتل به ؛ دون العكس. ولو قتل كافراً معتصماً ، قتل به على إشكال.
ولو عفا وليّ المقتول ، قتل بالردّة.
ولو قتل شخصاً خطأً قبل الردّة ، كان الضمان على العاقلة. ولو قتله خطأ أو أتلف شيئاً بعد الردّة ، فلا ضمان فيهما ، ويؤدّى من ماله إن كان ملّياً ، أو تجدّد له مال.
وما كان عليه من حقوق أو ديون مؤجّلة قبل الردّة تكون حالّة بسببها إن كانت فطريّة ، وفي (الفطري) (1) إشكال. ويعقل العاقلة غير الفطري ، والفطري مع صدور مبانيه ؛ (2) قبل الردّة ، وفيما بعدها على إشكال.
ص: 423
ومنها : أنّه تقبل توبة المنافق ، وإن توقّفت على صفاء الباطن.
ومنها : أنّه إذا طلب الحجّة ، أُجيب إليها إن لم يكن فطريّاً ، أو كان على إشكال.
ومنها : أنّه لا تُقبل منه جزية ، ولا تصحّ منه مناكحة مع مثله أو مع مسلم أو كافر ، ولا يرتفع حدثه ، أصغر أو أكبر ، ولا يؤثر تيمّمه إباحة ، وتستمرّ نجاسته ، ولا تحلّ ذبيحته ، ولا تجري عليه أحكام المسلمين ، من تغسيل أو تحنيط أو تكفين أو دفن بين المسلمين أو بين الكفّار ، ولا تُدرأ عنه غرامة المتلفات ، ولا عقوبة الجنايات.
ومنها : أنّه لا يُنفق عليه من ماله لو لم يقتل إن كان فطريّاً. ويحجر عليه بمجرّد الردّة من غير احتياج إلى حكم الحاكم لو كان مليّاً ، ويُنفق عليه من ماله ما دام حيّاً ، وكذا من تجب نفقته عليه. وفي بطلان تصرّفاته مطلقاً أو بشرط الموت على الردّة وجهان ، أقواهما الأوّل ، وإذا مات فماله لوارثه ، لا لبيت المال.
ومنها : أنّ زوجته تبين منه في الحال إن كان فطريّاً ، وتعتدّ عدّة الوفاة وإن لم يدخل. وإن كان مليّاً ، وقف على انقضاء العدّة المعتبرة في الطلاق ، وإن رجع فيها رجعت ، وإلا فلا ، ومع عدم الدخول تبين في الحال.
ولو ارتدّت المرأة قبل الدخول بانت ، وبعده ينتظر بها العدّة ، فإن رجعت رجعت ، وإلا فلا ولاية له على مولاه وإن كان مرتدّاً ، ولا ولده ذكراً أو أُنثى.
ولا يكفي صدور العبادة منه في ثبوت توبته صلاة أو صياماً أو حجّا أو غيرها ، وإن كان في دار الحرب ؛ لقيام الاحتمال.
ولو قتله معتقداً بردّته ، فبانَ الخلاف ، فلا قودَ على الأقوى ، ويُلحق بشبه العمد ، كمن اعتقد قصد شخص قتله بقدومه إليه أو استحقاقه القصاص عنه ؛ وفيمن قصد ابنه أو عبده فبانَ الخلاف ، الظاهر الخلاف.
ومنها : أنّ جهاد أهل الردّة مقدّم على غيرهم مع عدم المانع ، وتجوز إعانة المعتصمين على المرتدّين ؛ لأنّهم أعظم خطيئة.
ومنها : أنّهم يُمنعون عن دخول المساجد ، والحضرات ، ويجب عليهم أداء ما لحقتهم من الحقوق ، من قصاص ، ودية ، وأموال ، وقضاء العبادات.
ص: 424
وفيه أبحاث :
وهو من جرّد السلاح لإخافة الناس ظلماً وعدواناً ، من سيفٍ أو رمحٍ أو سهمٍ أو غيرها ممّا يشتمل على الحديد من الآلات القتّالة أو إله يوضع فيها قتّال ، أو عصا ، أو حجر ، أو نحو ذلك ، ليلاً أو نهاراً ، قاصداً لمجرّد الإخافة مع الاعتياد ، أو طالباً لمجرّد الفساد ، أو مُريداً لقتلٍ أو هتكِ عرض ، أو أسر رجال أو أطفال أو نساء ، أو أخذ مالٍ بلدٍ أو قرية أو جبال أو وهادٍ أو في بحر من جزيرة أو سفينة.
ذكراً كان أو أُنثى أو خنثى أو ممسوحاً ، صحيحاً أو مريضاً ، مع حصول الخوف منه. لا ردءاً متعوّداً عن محلّ المحاربة ، مترصّداً لإعانة المحارب وقت احتياجه ، أو تعطّفاً خوفاً من الهجوم عليه. ولا منتهباً ، بأنّ يأخذ قهراً ، ثمّ يهرب ، ولا مختلصاً بأخذ حقّه ، ولا ضعيفاً لا يُخشى منه ، فإنّها ليست من أقسامه ، ولا تبنى عليه أحكامه.
ويُعتبر فيه ألا يكون مطلوباً بحقّ يُراد ، أو قصاصاً منه على الوجه المأذون فيه ، ولا كافراً مستباحاً في أرضه أو أرض المسلمين ، أو معتصماً ، ولا متشبّثاً باسم الإسلام ، مع خروجه عنه ، ولا مسلماً خارجاً عن الفرقة المُحقّة على إشكال ، نعم يعزّر فيما إذا عصى كسائر العُصاة.
وهي أُمور :
أحدها : أنّه تجب إقامة الحدّ عليه ، ويتخيّر المحارب بين أُمور أربعة :
ص: 425
أحدها : القتل بغير نوع الصلب.
ثانيها : الصلب.
ثالثها : القطع من خلاف اليد اليُمنى من أُصول الأصابع الأربعة ، والرجل اليُسرى من المِفصل في قبّة القَدَم ، ويترك له العقب ، والأولى حسمهما بالدهن.
رابعها : النفي من محلّه إلى محلّ آخر ، ويُكاتَب أهل المحالّ بالنهي عن معاملته ، ومؤاكلته ، ومجالسته ، ومخالطته إن لم يتُب ، فإن تابَ ارتفع الحرج عنه. ومع عدم التوبة والعَود يكون الخيار بين الثلاثة الباقية. ثمّ إن لم يتب رجع الخيار إلى الثنتين. ثمّ يتعيّن الواحد ، ثمّ يقتل.
ثانيها : أنّه لو تابَ قبل القدرة عليه ، فلا حدّ عليه. ولو تاب بعد قبضه ، فلا اعتبار لتوبته. ولو ادّعى تقدّمها ، لم يُقبل منه إلا بالبيّنة ، وهي شهادة عدلين ؛ دون الواحد ، ودون النساء ، ودون الشاهد واليمين.
ثالثها : أنّ المحاربة تثبت بشاهدين عدلين ، ولا تُقبل فيها شهادة النساء ، ولا بشاهد ويمين ، وتثبت بإقراره ولو مرّة واحدة.
رابعها : أنّ هذا الحدّ وسائر الحدود يتولاها الإمام أو نائبه الخاصّ ، وبعد التعذّر يرجع الحال إلى النائب العام من المُجتهدين ، ومَن أذنوا له ، لئلا تتعطّل الأحكام. واللّه وليّ التوفيق.
وهما راجحان واجبان في محلّ الوجوب ، مندوبان في محلّ الندب ، مع جمع الشرائط الاتية عقلاً ؛ لدخولهما في باب شُكر المُنعِم ، ونُصرة اللّه ، وتقوية الدين ، والشرع المُبين.
وشرعاً ؛ بدلالة الآيات القرآنية ، كقوله تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ؛. (1)
ص: 426
وقوله ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (1).
وقوله ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ) (2).
وقوله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ ) (3) إلى غير ذلك من الآيات.
وبدلالة الأخبار المتواترة النبويّة والإماميّة : فعن النبي صلّى اللّه عليه وإله : «لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ ، فإذا لم يفعلوا ذلك ، نُزعت عنهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ، ولا في السماء» (4).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إنّ اللّه عزوجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دينَ له» فقيل له : وما المؤمن الذي لا دينَ له؟ قال : «الّذي لا ينهى عن المنكر» (5).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «أصل الإسلام الإيمان باللّه ، ثمّ صِلَة الرحم ، ثمّ الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر» (6).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنّه كان يقول : «إذا أُمّتي تواكلت الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر أي وكّله بعض إلى بعض فليأذنوا بوقاع من اللّه
ص: 427
تعالى» إلى غير ذلك من الأخبار النبويّة (1).
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إنّ اللّه عزوجل بعث ملكين إلى مدينة ليقلباها بأهلها ، فلمّا انتهيا إليها وجدا رجلاً يدعو اللّه ، ويتضرّع ، فقال أحد الملكين : لا أُحدث شيئاً ، حتّى أُراجع ربّي ، فعاد إلى اللّه تعالى ، وذكر ما كان ، فقال : امضِ لما أُمرت به ، فإنّه لم يتمعّر وجهه غيظاً لي قطّ» (2).
وعنه عليه السلام أنّه قال لقوم من أصحابه : «قد حقّ لي أن أخذ البري ء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحقّ لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح ، ولا تنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه ، حتّى يتركه» (3).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : «أنّ اللّه قال ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (4) ، فبدأ اللّه تعالى بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر فريضة منه ، لعلمه بأنّها إذا أُدّيت وأُقيمت ، استقامت الفرائض كلّها ، هيّنها وصعبها ؛ وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام» (5) إلى أخره ، وغير ذلك من الأخبار المتواترة (6).
ويجب بيان الواجب والمستحبّ من العارف المجتهد ، لمن يطلب بيانهما ، وجوباً كفائيّاً ؛ فإن تعذّر وجب على المقلّدين كفاية وجوباً كفائيّاً.
ويُستحبّ الأمر بالقسم الواجب والمستحب ، والنهي عن المحرّم والمكروه مع
ص: 428
المعرفة وعدم المانع ؛ مع عدم مظنّة التأثير في الواجب والمحرّم ، ومطلقاً في المستحبّ ؛ مع عدم التقيّة ، وعدم لزوم المفسدة ، والبلوغ والعقل ؛ لنوم أو غفلة أو نسيان أو بدونه.
ويجب الأمر بالواجب والنهي عن المحرّم وجوباً كفائياً بشروط أربعة عشر :
أحدها : التكليف ، بجمع وصفي البلوغ والعقل حين الأمر والنهي.
ثانيها : العلم بجهة الفعل من وجوب وحُرمة ، ومع الاحتمال يدخل في السنّة للاحتياط.
ثالثها : إمكان التأثير ، ومع عدمه يلحق بالسنّة.
رابعها : عدم التقيّة ولو بمجرّد الاطّلاع.
خامسها : عدم ترتّب الفساد الدنيوي على المأمور أو غيره بسببه.
سادسها : عدم مظنّة قيام الغير به.
سابعها : مظّنة الوقوع ممّن تعلّق به الخطاب.
ثامنها : ألا يتقدّم منه أو من غيره خطاب يظنّ تأثيره.
تاسعها : عدم البعث على ارتكاب معصية أو ترك واجب للمأمور أو غيره بسببه.
عاشرها : عدم ترتّب نقصٍ مخلّ بالاعتبار على الأمر.
حادي عشرها : فهم المأمور مُراد الأمر.
ثاني عشرها : ضيق الوقت في الوجوب الفوري.
ثالث عشرها : عدم معارضة واجب مضيّق من صلاة ونحوها.
رابع عشرها : كون المأمور ممّن يجوز له النظر إليه أو اللّمس له إذا توقّف عليهما.
ولا يجب على اللّه شي ء منهما بطريق الإلجاء ؛ لقُبح الإلجاء منه ، ولفوات ثمرة التكليف.
ويجب الاقتصار في حقّ الوالدين والمولى على الكلام اللين ، وفيما عدا ذلك يجب الانتقال بعد عدم حصول الثمرة من تلك المرتبة إلى الإعراض في غير الزوجة ، ثمّ إلى الكلام الخشن ، ثمّ الأخشن ، وهما يقدّمان على الإعراض بالوجه ، ثمّ على
ص: 429
جعلها خلف الظهر ، ثمّ هو على الهجر ، وبعد ذلك في المقامين ينقل إلى الضرب غير المبرح ، دون الجرح والقتل ، إلا في مقام الحدّ.
ويجب بالقلب مع الجوارح ، ومع تعذّر عملها يقتصر عليه.
إذا أظهر الندم قبل إحضاره من دون ظهور أنّه للخوف ، حرم التعرّض له.
والحدود والتعزيرات بأقسامها على نحو ما قرّرت في كتاب الحدود مرجعها إلى الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ ، فيجوز للمجتهد في زمان الغيبة إقامتها ، ويجب على جميع المكلّفين تقويته ، ومساعدته ، ومنع المتغلّب عليه مع الإمكان ، ويجب عليه الإفتاء بالحقّ مع الأمن.
ولا يجوز الرجوع إلا إلى المجتهد الحيّ حين التقليد وإن مات بعده مباشرة ، أو عن كتاب ثابت صدوره عنه بطريق قطع أو بإخبار عدلين أو عدل واحد سليم الغلط.
ولا يضرّ احتمال عدوله في بعض مسائله ، ولا العلم بالعدول عن بعضها من غير تعيين ، ومع التعيين يرجع عن المعيّن أو عن واسطة عدل فضلاً عن عدلين.
ثمّ الاحتياط ، ثمّ موثّق ، ثمّ مظنون الصدق ولو فاسقاً ، ثمّ الشهرة والإجماع ، ثمّ الروايات مع قابليّته لفهمها ، ثمّ كتب الأموات ، ككتاب الآقا نَوّرَ اللّه ضريحه والمجتهدين من تلامذته ، وكتب المحقّق ، والشهيد الأوّل ، ثمّ باقي الفقهاء ، ثمّ بعض المتفقّهة ، ويجتهد في تحصيل الأقوى فالأقوى من الظنون.
ولا يجوز الترافع إلا إلى المجتهد ؛ فمن ترافع إلى غيره ، خرج عن جادّة الشرع.
وللنّاس بطريق الاحتياط وطريق الصلح غنى عن المجتهد في أغلب الفتاوى والأحكام.
ويسهل الخطب على من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد من عالم ، وحاكم عادل أو ظالم إذا شهدت عنده البيّنة العادلة بثبوت الحقّ الحكم على المشهود عليه بالتسليم ، كما لو علم من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويسهل أيضاً كمال السهولة في حقّ من طلب اليمين ، فإنّه لا يكون إلا للمجتهد ، والحلف في إثبات الدعوى في غير مجلسه لا يفيد ثبوتاً ، بإيقاع الصلح بين المُنكِر
ص: 430
والمدّعي بإسقاط الدعوى باليمين ، أو ثبوتها بيمين الردّ.
فتخرج المسألة عن حكم المرافعات ، وتدخل في قسم المعاملات ، ويستوي في ذلك العوام والمجتهدون ، كما في الصلح على إيقاع العقود والإيقاعات.
وزعم أنّ ذلك داخل في الصلح على الحرام فلا يصحّ مردود ، بأنّ ذلك مسدود في باب الأحكام ، وإلا لم يجز لمدعٍ يعلم بثبوت حقّه ، وعلم المنكر به تحليف المُنكِر ، ولا للمنكر الردّ مع علمه بعلم المُدّعي.
ولا يجوز لغير المجتهد تولّي القضاء إلا تقيّة ، وإذا ولاه حاكم جائر فلا إثم عليه ، ومع عدم الجبر الإثم عليهما معاً.
ولا يجوز لرئيس المسلمين أن ينصب قاضياً أو شيخ إسلام إلا عن إذن المجتهد ، ويجب عليه الرجوع إلى المجتهد أوّلاً إن أمكنه ، ثمّ الحكم.
ومع التقيّة لا يجوز القضاء في أمر القتل مطلقاً ، ولا في أمر الجرح مع الخوف على المال ، وفي النفس لا بأس على الأقوى.
وتجوز إقامة التعزير لكلّ أحد إذا توقّف عليه الأمر بالمعروف من الواجب ، والنهي عن المنكر. وأمّا الحدّ فمخصوص بالمجتهد إلا في حقّ المولى ، ولو كان امرأة ، وعبده مختصّاً في المختصّ ، ومشتركاً في المشترك ، والزوجة دائمة ومتعة ، مدخولاً بها أولا ، المطلقة والرجعيّة ، والأب الأدنى ، ويقوى لحوق باقي الإباء من الأب به ، ولا يجري ذلك في المبعّض ، والرقيق المكاتب.
ولو أقامَ المجتهد المنصوب من السلطان حدّا ، وجب عليه نيّة أنّ ذلك عن نيابة الإمام ، دون الحكّام ، واللّه أعلم بحقائق الأحكام.
هذا تمام ما كتبه ، قدّس اللّه روحه ونَوّرَ ضريحه ، في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولنشرع فيما كتبه رحمه اللّه في الحجّ والعمرة إن شاء اللّه تعالى.
ص: 431
ص: 432
ص: 433
ص: 434
كتاب الحجّ
بفتح أوّله مصدراً ، وكسره اسماً له ، ويشتمل على أبواب :
وفيه أبحاث :
الحجّ في اللّغة على معانٍ ، هي : مُطلق القصد ، والقصد المتكرّر ، والكفّ ، والقدوم ، وكثرة التردّد ، والغلبة بالحُجّة (1) ؛ وأشهرها القصد.
وفي الشرع على جهة الوضع المبتدأ ، دون النقل ، كما هو الأصحّ في سائر الحقائق الشرعيّة الموضوعة للعبادات بالمعنى الأخصّ لقصد الكعبة مطلقاً ، أو متكرّراً.
أو مع قصد مُطلق المشاعر للإتيان بالنُّسُك الخاصّ مقروناً بالأعمال ، جامعاً لشرائط الصحّة على الأصحّ ، كما في باقي العبادات بالمعنى المذكور ؛ ولذلك تدور الأسماء
ص: 435
مدارها ، كملت أجزاؤها أو نقصت. ولأنّ الثمرة والأحكام والحكمة إنّما تتعلّق بها. والتبادر عند الإطلاق وصحّة السلب شاهدان عليها.
أو نفس الأعمال ، أو مع الأقوال ، واجبها ومندوبها ، أو الأوّل فقط.
أو خصوص الأركان المُفسد تركها عمداً وسهواً ، أو عمداً فقط مع صحّتها.
وقد تظهر الثمرة في النذور ونحوها.
والأقوى هو الأوّل من الأقسام ، مقترناً بالقيود المذكورة ، ويزداد رجحاناً على القول بالنقل ؛ لأنّه يقرب من التخصيص ، فيكون أولى ممّا يقرب من المجاز ، وأقلّ تخصيصاً ، وهو أولى ممّا يتعدّد تخصيصه.
ولا يجب على الناسك معرفة معناه ، ولا معرفة تفصيل المناسك على نحو ما بيّناه حال ابتداء الدخول فيه ، بل تكفي معرفة الأعمال على الإجمال ، وأنّه طالب للإتيان بأعمال ترتبط بالوصول إلى الكعبة ، مغايرة لما عداها من صلاة وزكاة ونحوهما ، كما لا يجب ذلك في سائر العبادات ، وإلا لزم الفساد في عبادات جمهور العباد ، فله أن يتعرّفها حين فعلها أوّلاً فأوّلاً ، ولا سيّما من يعسر عليه البيان ، كغير أهل اللسان.
وعدّ قصد مكّة للنسك من المعاني اللغوية لا وجه له ، ويجري احتمال الاشتراك اللفظي والمعنوي ، والحقيقة والمجاز في بعض المعاني اللّغوية ، وكذا الشرعيّة على الوضع الابتدائي ، والنقلي ، والهَجْري ، فتختلف المعاني باختلاف المقاصد.
وهي أقسام :
وهو أُمور :
أوّلها : رجحانه في ذاته ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «سافروا تصحّوا ،
ص: 436
وجاهدوا تغنموا ، وحجّوا تستغنوا» (1).
ثانيها : رجحانه لغيره ، فعن الصادق عليه السلام : «في حكمة آل داود عليه السلام : أنّ على العاقل أن لا يكون ضاعناً إلا في ثلاثٍ : تزوّد لمعاد ، أو مرمّة أي مصلحة لمعاش ، أو لذّة في غير محرّم» (2).
ونحوه عنه ، عن آبائه ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ، مع إضافة : «يا عليّ ، سر سنتين برّ والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلاً عُد مريضاً ، سر ميلين شيّع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوةً ، سر أربعة أميال زُر أخاً في اللّه ، سر خمسة أميال أجب الملهوف ، سر ستّة أميال انصر المظلوم» (3).
واستحبابه للحجّ وزيارة الأئمّة وطلب الأُمور الراجحة تواترت فيه الأخبار (4).
ثالثها : استحباب الوصيّة عند إرادته ، فعن الصادق عليه السلام : «من ركب راحلته فليوصِ» (5).
رابعها : الغُسل عنده ، والدعاء ، وأفضله المأثور ، وهو : بسم اللّه وباللّه ، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه ، وعلى ملّة رسول اللّه ، وإله الصادقين عن اللّه ، صلوات اللّه عليهم أجمعين ، اللّهمّ طهّر به قلبي ، واشرح به صدري ، ونوّر به قبري ، اللّهمّ اجعله نوراً ، وطهوراً ، وحرزاً ، وشفاءً من كلّ داء وآفة وعاهة وسوء ، وممّا أخاف وأحذر ، وطهّر قلبي ، وجوارحي ، وعظامي ، ودمي ، وشعري ، وبشري ، ومخّي ، وعصبي ، وما أقلّت الأرض منّي ، اللّهمّ اجعله لي شاهداً يوم حاجتي وفقري وفاقتي
ص: 437
إليك ، يا ربّ العالمين ، إنّك على كلّ شي ء قدير (1).
خامسها : توديع العيال عند التوجّه إليه ، بأن يصلّي ركعتين ، ويدعو بعدهما ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «ما استخلف أحد على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى السفر ، يقول : اللّهمّ إنّي أستودعك نفسي ، وأهلي ، ومالي ، وذريّتي ، ودنياي ، وآخرتي ، وأمانتي ، وخاتمة عملي ، فإذا قالها أعطاه اللّه ما سأل» (2).
وكان أبو جعفر عليه السلام إذا أراد سفراً جمع عياله في بيت ثمّ قال : «اللّهمّ إنّي أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي ، الشاهد منّا والغائب ، اللّهمّ احفظنا واحفظ عيالنا ، اللّهمّ اجعلنا في جوارك ، اللّهمّ لا تسلبنا نعمتك ، ولا تغيّر ما بنا من عافيتك وفضلك» (3).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «ما استخلف العبدُ في أهله من خليفةٍ إذا هو شدّ ثياب سفره خيراً من أربع ركعات يصلّيهنّ في بيته ، يقرأ في كلّ ركعة منها فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد ، ويقول : اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بهنّ ، فاجعلهنّ خليفتي في أهلي ومالي» (4).
وروى : أنّه يقرأ في الأُولى من الركعتين بعد الحمد سورة الإخلاص ، وفي الثانية بعد الحمد القدر (5).
سادسها : التصدّق أمامه بما تيسّر ، وورد في عدّة أخبار : أنّها دافعة لنحوسات الأيّام (6).
ص: 438
ويُستحبّ أن يقال عند التصدّق : اللّهمّ إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري ، وما معي ، اللّهمّ احفظني ، واحفظ ما معي ، وسلّمني ، وسلّم ما معي ، وبلّغني ، وبلّغ ما معي ، ببلاغك الحسن الجميل.
سابعها : التعمّم ، فعن الصادق عليه السلام : «ضمنت لمن خرج من بيته معتمّاً بأن يرجع إليه سالماً» (1).
ثامنها : التحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه ، فعن الكاظم عليه السلام : «أنا ضامن ثلاثاً لمن خرج معتمّاً تحت حنكه يريد سفراً : أن لا يصيبه السرق ، والحرق ، والغرق» (2).
وعن الصادق عليه السلام : «من خرج في سفره ولم يدرِ العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلا نفسه» (3).
وعنه عليه السلام : «من خرج من منزله معتمّاً تحت حنكه يريد سفراً لم يُصبه في سفره سرق ، ولا حرق ، ولا مكروه» (4).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «لو أنّ رجلاً خرج من منزله يوم السبت ، معتمّاً بعمامة بيضاء قد حنّكها تحت حنكه ، ثمّ أتى إلى جبل ليزيله من مكانه لأزاله عن مكانه» (5).
ويظهر من الأخبار استحبابه في غير السفر أيضاً (6).
تاسعها : اصطحابُ عصا لوزٍ في سفره ، فعن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : «من خرج في سفره ومعه عصا من لوزٍ مرّ ، أمنه اللّه تعالى من كلّ سبعٍ ضارٍّ ، ومن كلّ لصّ عاد ، ومن كلّ ذات حمّة ، حتى يرجع إلى منزله ، وكان معه سبعة وسبعون من
ص: 439
المعقّبات يستغفرون له حتّى يرجع ويضعها» (1).
وروي : أنّ الأرض تُطوى لحاملها ، وأنّه يُنفى عنه الفقرُ ، ولا يجاوره الشيطان ، وأنّ آدم أصابته وحشة فشكا إلى جبرئيل عليه السلام ، فأشار إليه بقطعها ، وضمّها إلى صدره ، وفعل فذهبت عنه الوحشة (2).
وفي الخبر : «تعصّوا ، فإنّها من سنن إخواني النبيّين ، وكان بنو إسرائيل الصغار والكبار يمشون على العصي ، حتّى لا يختالوا في مشيهم» (3).
ويقوى نسخ الرجحان في الثامن والتاسع في هذه الأزمان ؛ لخوف الوقيعة ، وحفظ العرض ، فيدخل في حكم لباس الشهرة.
عاشرها : ما يفعله عند باب داره إذا توجّه إلى السفر ، فعن أبي الحسن عليه السلام : «لو أنّ الرجلَ منكم إذا أرادَ سفراً قام على باب داره ، تلقاء وجهه الّذي يتوجّه له ، فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله ، والمعوّذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وقل هو اللّه أحد أمامه وعن يمينه وعن شماله ، وأية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ، ثمّ قال : اللّهمّ احفظني واحفظ ما معي ، وسلّمني ، وسلم ما معي ، وبلّغني ، وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل ، لحفظه اللّه وحفظ ما معه ، وبلّغه وبلّغ ما معه ، وسلّمه وسلم ما معه ، أما رأيتَ الرجل يُحفظ ، ولا يُحفظ ما معه ، ويبلغ ، ولا يبلغ ما معه» (4).
وعن الصادق عليه السلام : «إذا خرجتَ من منزلك فقل : بسم اللّه أمنتُ باللّه ، توكّلت على اللّه ، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه ، اللّهمّ إنّي أسألك خير ما خرجت له ، وأعوذ بك من شرِّ ما خرجت له ، اللّهمّ أوسع عليّ من فضلك ، وأتمم عليّ نعمتك ،
ص: 440
واستعملني في طاعتك ، واجعل رغبتي فيما عندك ، وتوفّني على ملّتك وملّة رسولك صلى اللّه عليه وآله وسلم» (1).
وعنه أيضاً عليه السلام : «إذا خرجت من بيتك تُريد الحجّ والعمرة إن شاء اللّه فاقرأ بدعاء الفرج ، وهو : لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلي العظيم ، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع ، وربّ الأرضين السبع ، وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين.
ثمّ قل : اللّهمّ كن لي جاراً من كلّ جبّارٍ عنيدٍ ، ومن كلّ شيطان رجيم. ثمّ قل : بسم اللّه دخلت ، وبسم اللّه خرجت ، وفي سبيل اللّه ؛ اللّهمّ إنّي أُقدّم بين يدي نسياني وعجلتي بسم اللّه ، ما شاء اللّه في سفري هذا ، ذكرته أو نسيته ، اللّهمّ أنت المُستَعانُ على الأُمور كلّها ، وأنت الصاحبُ في السفر ، والخليفة في الأهل ؛ اللّهمّ هوّن علينا سفرنا ، واطوِ لنا الأرض ، وسيّرنا ، فيها بطاعتك وطاعة رسولك صلى اللّه عليه وآله وسلم ؛ اللّهمّ أصلح لنا ظهرنا ، وبارك لنا فيما رزقتنا ، وَقِنا عذاب النار ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر (2) ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد ، اللّهمّ أنت عضدي وناصري ، بك أحلّ وبك أسير ، اللّهمّ إنّي أسألك في سفري هذا السرور ، والعمل لما يرضيك عنّي ، اللّهمّ اقطع عنّي بُعدَه ومشقّته واصحبني فيه ، واخلفني في أهلي بخير ، ولا حول ولا قوّة إلا باللّه العليّ العظيم ، اللّهمّ إنّي عبدك ، وهذا حملانك ، والوجه وجهك ، والسفر إليك ، وقد اطّلعت على ما لم يطّلع عليه أحد غيرك ، فاجعل سفري هذا كفّارة لما قبله من ذنوبي ، وكن عوناً لي عليه ، واكفني وعثه ومشقّته ، ولقّني من القول والعمل رضاك ؛ فإنّما أنا عبدك ، وبك ولك» (3).
ص: 441
وعن الرضا عليه السلام : «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : بسم اللّه ، أمنت باللّه ، توكّلت على اللّه ، ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوّة إلا باللّه ، فتلقاه الشياطين ، وتضرب الملائكة وجوهها ، وتقول : ما سبيلكم عليه ، وقد سمّى اللّه ، وأمن به ، وتوكّل على اللّه ، وقال : ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوّة إلا باللّه» (1).
وعن أبي جعفر عليه السلام : «من قال حين يخرج من باب داره : أعوذُ باللّه ممّا عاذت به ملائكة اللّه من شرِّ هذا اليوم الجديد الّذي إذا غابت شمسه لم يعُد ، ومن شرّ نفسي ، ومن شرّ غيري ، ومن شرّ الشياطين ، ومن شرّ من نصب لأولياء اللّه ، ومن شرّ الجنّ والإنس ، ومن شرّ السباع والهوامّ ، ومن شرّ ركوب المحارم كلّها ، أُجير نفسي باللّه من كلّ شرّ ، غفر اللّه له وتاب عليه ، وكفاه المهمّ ، وحجزه عن السوء ، وعصمه من الشرّ» (2).
حادي عشرها : ما يفعله عند الركوب ، فعن الصادق عليه السلام : «إذا جعلت رجلك في الركاب فقل : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، بسم اللّه واللّه أكبر ، فإذا استويت على راحلتك واستوى لك محملك ، فقل : الحمد لله الّذي هدانا للإسلام ، وعلّمنا القرآن ، ومنّ علينا بمحمّد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، سبحان اللّه ، سبحان اللّه الذي سخّر لنا هذا وما كُنّا له مُقرنين ، وإنّا له لمنقلبون ، والحمد لله ربّ العالمين ؛ اللّهمّ أنت الحامل على الظهر ، والمُستعان على الأمر ، اللّهمّ بلّغنا بلاغاً يُبلِغ إلى خير ، بلاغاً يُبلِغ إلى رضوانك ومغفرتك ، اللّهمّ لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا حافظ غيرك» ؛. (3)
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إذا ركب الرجل الدابّة فسمّى ، رَدِفه مَلَكٌ يحفظه حتّى ينزل ، وإن ركب ولم يُسمّ رَدِفه شيطان فيقول له : تغنّ ، فإن قال :
ص: 442
لا أُحسن ، قال له : تمنّ ، فلا يزال يتمنّى حتّى ينزل. وقال : من قال إذا ركب الدابّة : بسم اللّه ، لا حول ولا قوّة إلا باللّه ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه. الآية ، سبحان اللّه الذي سخّر لنا هذا وما كُنّا لهُ مقرنين ، حُفِظت له نفسه ودابّته حتّى ينزل» (1).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال : «يا عليّ ، ليس من أحدٍ يركب الدابّة فيذكر ما أنعم اللّه به عليه ، ثمّ يقرأ أية السخرة ، ثمّ يقول : أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم ، اللّهمّ اغفر لي ذنوبي ، إنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، إلا قال السيّد الكريم : يا ملائكتي ، عبدي يعلم أنّه لا يغفر الذنوب غيري ، اشهدوا أنّي قد غفرت له ذنوبه» (2).
وعن الصادق عليه السلام : أنّه كان يقول إذا وضع رجله في الركاب : «سبحان اللّه الذي سخّر لنا هذا ، وما كنّا له مقرنين ، ثمّ سبّح اللّه تعالى ثلاثاً ، وحمد اللّه ثلاثاً ، ثمّ قال : ربّ اغفر لي ، فإنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت» (3).
وعن زين العابدين عليه السلام : أنّه لو حجّ رجل ماشياً ، وقرأ ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ما وجد ألم المشي ، وقال : ما قرأ أحد ( إِنّا أَنْزَلْناهُ* ) حين يركب دابّته إلا نزل منها سالماً مغفوراً له ، ولَقارئها أثقل على الدوابّ من الحديد (4).
وعن أبي جعفر عليه السلام : «لو كان شي ء يسبق القدر لقلت : قارئ إنّا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر ، أو يخرج من منزله» (5).
ص: 443
ثاني عشرها : زيادة الاعتماد ، والتوكّل ، والانقطاع إلى اللّه تعالى ، وقراءة ما يتعلّق بالحفظ من الآيات والدعوات ، وقراءة ما يُناسب ذلك ، كقوله تعالى ( كَلّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ) (1) ، وقوله تعالى ( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا ) (2) ودعاء التوجّه ، ونحو ذلك.
ثالث عشرها : تحسين ما يصحبه من الزاد والراحلة في السفر ، لا سيّما سفر الحجّ ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «من شرف الرجل أن يُطيّب زاده إذا خرج في سفر» (3). وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إذا سافرتم فاتّخذوا سفرة ، وتنوّقوا فيها» يعني بالسفرة : طعام المسافر (4).
وعن عليّ بن الحسين عليهما السلام : أنّه كان إذا سافر إلى مكّة إلى الحجّ تزوّد من أطيب الزاد ، من اللّوز ، والسكّر ، والسويق المحمّص يعني : المشوي والمحلّى الّذي فيه الحلواء (5).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «ما من نفقة أحبّ إلى اللّه تعالى من نفقة قصد ، ويبغض الإسراف إلا في حجّ أو عمرة» (6).
وعن الصادق عليه السلام : «أنّ من المروءة في السفر كثرة الزاد ، وطيبه ، وبذله لمن كان معك» (7).
ص: 444
ويُستثنى من استحباب التنوّق في السفر السفر إلى زيارة الحسين عليه السلام ، فعن الصادق عليه السلام ، أنّه قال لبعض أصحابه : «تأتون قبر أبي عبد اللّه عليه السلام؟» قال له : نعم ، قال : «تتخذون لذلك سفرة؟» فقلت : نعم ، قال : «أمّا لو أتيتم قبور آبائكم وأُمّهاتكم لم تفعلوا ذلك». قال ، فقلت : فأيّ شي ء نأكل؟ قال : «الخبز واللّبن» (1).
وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال : «بلغني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء ، والأخبصة (2) وأشباهه. ولو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا» (3).
رابع عشرها : اتّخاذ الرفقة في السفر ، وتُكره الوحدة ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «الرفيق ثمّ السفر» (4).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أيضاً : «ألا أُخبركم بشرّ الناس؟ ثمّ قال : من سافر وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده» (5).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال لعليّ عليه السلام : «لا تخرج في سفرٍ وحدك ، فإنّ الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، يا عليّ ، إنّ الرجل إذا سافر وحده فهو غاوٍ ، والاثنان غاويان ، والثلاثة نفر» (6).
ص: 445
وعن الكاظم عليه السلام : لعن رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاثة : الأكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في الفلاة وحده» (1).
وعن الصادق عليه السلام : «البائتُ في البيت وَحدَه شيطان ، والاثنان لمّة ، والثلاثة انس» (2) واللمّة بالضمّ والتشديد : الصحابة (3).
وعنه عليه السلام أيضاً : «الواحد شيطان ، والاثنان شيطانان ، والثلاثة صَحب ، والأربعة رفقة» (4).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «أحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة ، وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم» (5).
وعن الكاظم عليه السلام : «من خرج في سفر وحده فليقل : ما شاء اللّه ، لا حول ولا قوّة إلا باللّه ، اللّهمّ آنس وحشتي ، وأعنّي على وحدتي ، وأدّ غيبتي» (6).
خامس عشرها : المحافظة على مكارم الأخلاق في السفر ، فعن الباقر عليه السلام ، أنّه كان يقول : «ما يُعبأ بمن يَؤمّ هذا البيت إذا لم تكن فيه ثلاث خصال : خُلق يخالق به من صحبه ، أو حلم يملك به من غضبه ، أو ورع يحجزه عن محارم اللّه تعالى» (7).
وعن الصادق عليه السلام : «وَطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في
ص: 446
حسن خلقك ، وكفّ لسانك ، واكظم غيظك ، وأقلّ لغوك ، وتفرش عفوك ، وتسخي نفسك» (1).
وعن الصادق عليه السلام أيضاً : «أنّ لقمان قال لابنه : يا بنيّ إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأُمورهم ، وأكثر التبسّم في وجوههم ، وكن كريماً على زادك بينهم ، وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم ، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة ، وسخاء النفس بما معك من دابّة أو ماء أو زاد ، وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم ، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ، ثمَّ لا تعزم حتّى تثبّت وتنظر ، ولا تُجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلّي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فإنّ من لم يمحض النُّصح لمن استشاره سلبه اللّه رأيه ، ونزع منه الأمانة ، وإذا رأيتَ أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدّقوا أو أعطوا قرضاً فأعط معهم ، واستمع لمن هو أكبر منك سنّاً ، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل : نعم ، ولا تقل : لا ، فإنّ «لا» عَيّ ولوم.
وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتأمروا ، وإذا رأيتم شخصاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم ، ولا تسترشدوه ، فإنّ الشخص الواحد في الفلاة مريب ، لعلّه يكون عيناً للصوص ، أو يكون هو الشيطان الذي حيّركم ، واحذروا الشخصين أيضاً إلا أن تروا ما لا أرى ، فإنّ العاقل إذا بصر بعينه شيئاً عرف الحقّ منه. والشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
يا بنيّ إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي ء ، صلّها واسترح منها ، فإنّها دَين ، وصلّ في جماعة ولو على رأس زجّ يعني الحديد في طرف الرمح (2) ولا تنامنّ على دابّتك فإنّ ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء ، إلا أن تكون في محمل يمكنك فيه التمدّد لاسترخاء المفاصل. وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابّتك ، وابدأ
ص: 447
بعلفها قبل نفسك فإنّها نفسك ، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً ، وألينها تربة ، وأكثرها عشباً. فإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس ، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المدى في الأرض ، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين ، ثمّ ودّع الأرض الّتي حللت بها ، وسلّم عليها وعلى أهلها ، فإنّ لكلّ بقعة أهلاً من الملائكة ، وإن استطعتَ أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ فتتصدّق منه فافعل. وعليك بقراءة كتاب اللّه تعالى ما دُمت راكباً ، وعليك بالتسبيح ما دمتَ عاملاً عملاً ، وعليك بالدعاء ما دُمت خالياً ، وإيّاك والسير في أوّل الليل ، وسر في أخره ، وإيّاك ورفع الصوت في سيرك» (1).
سادس عشرها : توديع المسافر وتشييعه وإعانته ، فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أنّه كان إذا ودّع المؤمنين قال : «زوّدكم اللّه التقوى ، ووجّهكم إلى كلّ خير ، وقضى لكم كلّ حاجة ، وسلم لكم دينكم ودنياكم ، وردّكم سالمين إلى سالمين» (2).
وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنّه كان إذا ودّع مسافراً أخذ بيده ثمّ قال : «أحسن اللّه لك الصحابة ، وأكمل لك المعونة ، وسهّل لك الحزونة ، وقرّب لك البعيد ، وكفاك المُهم ، وحفظَ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، ووجّهك لكلّ خير ، عليكَ بتقوى اللّه ، استودع اللّه نفسك ، سِر على بركة اللّه» (3).
وعن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم : «من أعان مؤمناً مسافراً ، نفّس اللّه عنه ثلاثاً وسبعين كُربة ، وأجاره في الدنيا والآخرة من الهمّ والغمّ ، ونفّس عنه كربه العظيم يوم يغصّ الناس بأنفاسهم» (4).
وعن الباقر عليه السلام : «من خلف حاجّاً في أهله بخير ، كان له كأجره ، كأنّه
ص: 448
يستلم الأحجار» (1).
سابع عشرها : اختيار الأيّام السالمة من النحوسة من الأُسبوع ، وهي السبت ، والثلاثاء ، والخميس ، والجمعة ، فعن الصادق عليه السلام : «من كان مسافراً فليسافر يوم السبت ، فلو أنّ حجراً زالَ عن جبلٍ يوم السبت لردّه اللّه تعالى إلى مكانه ، ومن تعذّرت عليه الحوائج ، فليطلبها يوم الثلاثاء ، فإنّه اليوم الّذي ألان اللّه فيه الحديد لداود عليه السلام» (2).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «بارك اللّه لأُمّتي في بكورها يوم سبتها وخميسها» (3).
وعن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ) : «إنّ الصلاة صلاة الجمعة ، والانتشار يوم السبت» (4).
وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنّه كان يُسافر يوم الخميس (5).
وعن الرضا عليه السلام أنّه قال لمن أراد الخروج يوم الاثنين : «إنّي أُحبّ أن تخرج يوم الخميس» (6). وعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «أنّ يوم الخميس يوم يُحبّه اللّه ورسوله ، ألان اللّه فيه الحديد لداود عليه السلام» (7). وهو محمول على التقيّة ، أو أنّه كانت الاثنان.
ص: 449
وعن الصادق عليه السلام : «لا بأس بالخروج ليلة الجمعة» (1).
وعنه عليه السلام أيضاً : «يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة ، من أجل الصلاة ، فأمّا بعد الصلاة فجائز» (2) وعليه يُحمل النهي المطلق.
ورُوي مرسلاً كراهة الخروج من بلاد المعصومين يوم الخميس (3) ، وهو موافق لاعتبار ما دلّ بظاهره على تخصيص السبت بما بعد طلوع الشمس (4).
وأسلم الأيّام وأرجحها يوم السبت والثلاثاء ، وقريب منهما يوم الخميس. وأمّا ليلة الجمعة وعقيب صلاة الجمعة ، فما ورد فيها رخصة (5) ، ولا يفيد الرجحان.
ثامن عشرها : تجنّب الأيّام النحسة من الأُسبوع ، وهي : يوم الأحد ، روي : أنّ له حدّا كحدّ السيف (6).
وعن الصادق عليه السلام : «السبت لنا ، والأحد لبني أُميّة» (7).
ويوم الاثنين [عن الصادق عليه السلام أنّه قال لجماعة أرادوا الخروج يوم الاثنين] «كأنّكم طلبتم بركةَ يوم الاثنين؟ فقالوا : نعم ، فقال : «وأيّ يوم أعظم شؤماً من يوم الاثنين ، يوم فقدنا فيه نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وانقطع فيه الوحي ، لا تخرجوا ، واخرجوا يوم الثلاثاء» (8). وورد نحوه في غير واحد من الأخبار (9).
ص: 450
وما دلّ على الخلاف (1) موافق لمذهب أهل الخلاف.
وعن العسكري عليه السلام : أنّه قال لمن كره الخروج يوم الاثنين : «من أحبّ أن يقيه اللّه شرّ يوم الاثنين ، فليقرأ في أوّل ركعة من صلاة الغداة سورة هل أتى» (2).
ويوم الأربعاء ، فقد روي في كراهة السفر فيه عدّة روايات ، خصوصاً آخر أربعاء في الشهر (3).
تاسع عشرها : اختيار الأيّام السالمة من النحوسة من الشهور :
منها : اليوم الأوّل ؛ فعن الصادق عليه السلام : أنّه يوم مُبارك لطلب الحوائج ، وطلب العلم ، والتزويج ، والسفر ، والبيع ، والشراء ، والزراعة (4).
ومنها : اليوم الثاني ؛ فعن الصادق عليه السلام : أنّه يصلح للتّزويج ، والسفر ، وطلب الحوائج ، والتحويل ، والشراء ، والبيع (5).
ومنها : اليوم السادس ؛ فعنه عليه السلام : أنّه صالح للتّزويج ، ومن سافر فيه في برّ أو بحر رجع بما يُحبّ ، ويصلح لطلب الحوائج ، والسفر ، والبيع ، والشراء (6).
ومنها : اليوم السابع ؛ فعنه عليه السلام : أنّه صالح لجميع الأُمور ، مُبارك مُختار يصلح لكلّ ما يُراد ، فيه ركب نوح السفينة ؛ فاركب البحر ، وسافر في البرّ ، واعمل ما شئت ، فإنّه يوم عظيم البركة (7).
ومنها : اليوم التاسع ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم خفيف صالح لكلّ أمر تريده ، فابدأ فيه بالعمل ، ومن سافر فيه رُزق مالاً ، ويرى في سفره كلّ خير ، وأنّه يوم صالح محمود مبارك يصلح للحوائج وجميع الأعمال (8).
ص: 451
ومنها : اليوم العاشر ، فعنه عليه السلام : أنّه وُلِد فيه نوح عليه السلام ، يصلح للبيع والشراء والسفر ، وهو صالح لكلّ حاجة سوى الدخول على السلطان ، وصالح لابتداء العمل ، رفع اللّه فيه إدريس مكاناً عليّاً (1).
ومنها : اليوم الحادي عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه صالح لابتداء العمل ، والبيع ، والشراء ، والسفر ، ولجميع الحوائج ، ما عدا الدخول على السلطان ، والمعاملة ، والقرض (2).
ومنها : اليوم الثاني عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح للتّزويج ، وفتح الحوانيت ، وركوب البحر ، والبيع ، والشراء ، وفيه قضى موسى الأجل ، فاطلبوا فيه حوائجكم (3).
ومنها : اليوم الرابع عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح لكلّ شي ء ، وهو جيّد لطلب العلم ، والبيع ، والشراء ، والسفر ، وركوب البحر ، ولطلب الحوائج ، وكلّ عمل (4).
ومنها : اليوم الخامس عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم سعيد صالح لكلّ حاجة ، ولكلّ الأُمور ، فاطلبوا فيه حوائجكم ، فإنّها تُقضى ، وصالح لكلّ عمل ، إلا من أراد أن يقرض أو يقترض (5).
ومنها : اليوم السابع عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح مختار محمود صافٍ ، فاطلبوا فيه ما شئتم ، وتزوّجوا ، وبيعوا ، واشتروا ، وازرعوا (6). وفي رواية أُخرى : أنّه متوسّط تَحذر فيه المنازعة والقرض ، ثقيل ، فلا تلتمس فيه حاجة (7).
ومنها : اليوم الثامن عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم سعيد مختار صالح لكلّ شي ء ، من بيع ، وشراء ، وزرع ، وسفر ، وطلب الحوائج ، والتزويج (8).
ومنها : اليوم التاسع عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم سعيد صالح للسفر ، والمعاش ، وطلب الحوائج ، وطلب العلم ، ولكلّ عمل (9).
ص: 452
ومنها : اليوم العشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم جيّد مُختار للحوائج ، والسفر ، صالح ، مسعود ، ومبارك (1) وفي رواية : متوسّط صالح للسفر والحوائج.
ومنها : اليوم الثاني والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح لقضاء الحوائج ، والبيع ، والشراء ، والسفر ، والصدقة ، سعيد ، مُبارك ، مُختار لما تُريد من الأعمال ، فاعمل فيه ما شئت ، والمريض فيه يبرأ سريعاً ، والمسافر فيه يرجع مُعافاً (2).
ومنها : اليوم الثالث والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح لطلب الحوائج ، والتجارة ، والتزويج ، ومن سافر فيه غنم ، وأصاب خيراً ، مُختار ، جيّد ، خاصّة للتزويج والتجارات ، سعيد مبارك لكلّ ما تريد ، للسفر ، والتحويل من مكان إلى مكان ، وهو جيّد للحوائج (3).
ومنها : اليوم السادس والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح للسّفر ، ولكلّ أمر يُراد ، سوى التزويج (4) ، وفي رواية : سوى التزويج والسفر ، وعليكم بالصدقة (5) ، وفي أُخرى : يوم صالح متوسّط للشراء ، والبيع ، والسفر ، وقضاء الحوائج (6).
ومنها : اليوم السابع والعشرون ؛ فعنه عليه السلام ؛ أنّه يوم صالح لكلّ أمر ، جيّد مختار للحوائج ، وكلّ ما يُراد ، صافٍ مبارك من النحوس ، صالح للحوائج إلى السلطان وإلى الإخوان وإلى السفر إلى البلدان ، فالقَ فيه من شئت ، وسافر فيه إلى حيث أردت (7).
ومنها : اليوم الثامن والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه صالح لكلّ أمر ، مبارك سعيد (8).
ومنها : اليوم التاسع والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح لكلّ أمر ، ومن سافر فيه أصاب مالاً جزيلاً ، مختار جيّد لكلّ حاجة ، مُبارك سعيد ، قريب الأمر ،
ص: 453
يصلح للحوائج والتصرّف فيها (1).
ومنها : اليوم الثلاثون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم جيّد للبيع ، والشراء ، والتزويج ، سعيد مُبارك يصلح لكلّ حاجة تُلتَمس ، مختار جيّد لكلّ شي ء ، ولكلّ حاجة ، منجح ، مفلح ، مفرّج ، فاعمل فيه ما شئت ، والقَ فيه من أردت ، وخذ ، وأعط ، وسافر ، وانتقل ، وبع ، واشتر ، فإنّه صالح لكلّ ما تُريد ، موافق لكلّ ما تعمل (2).
وهذه الأيّام المذكورة منها ما هو خالٍ عن شبهة النحوسات. ومنها : ما فيه ذلك ، كالعاشر بالنسبة إلى الدخول على السلطان ، والحادي عشر بالنسبة إلى الدخول على السلطان ، والمعاملة ، والقرض ، والخامس عشر بالنسبة إلى من أراد أن يقرض أو يقترض ، والسابع عشر لما في بعض الروايات من أنّه متوسّط تحذر فيه المنازعة ، والقرض ثقيل فلا تلتمس فيه حاجة ، والسادس والعشرون بالنسبة إلى التزويج ، وفي رواية إلحاق السفر به (3).
العشرون : تجنّب الأيّام النحسة من الشهور :
منها : اليوم الثالث ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نحس (4) مستمرّ ، فاتّقِ فيه البيع ، والشراء ، وطلب الحوائج ، والمعاملة ، فإنّه لا يصلح لشي ء ، قد قتلَ فيه قابيل هابيل ، لا تسافر ، ولا تعمل عملاً ، ولا تلقى فيه أحداً (5).
ومنها : اليوم الرابع ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح للزرع ، والصيد ، والبناء ، والتزويج ، ويُكره فيه السفر ، فمن سافر فيه خِيفَ عليه القتل والسلب أو بلاء يصيبه (6).
ومنها : اليوم الخامس ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نَحس مُستمرّ عليه عسر لا خير فيه ، فاستعذ باللّه من شرّه ، فلا تعمل فيه عملاً ، ولا تخرج من منزلك (7).
ومنها : اليوم الثامن ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم صالح لكلّ حاجة من بيعٍ أو شراءٍ ،
ص: 454
ويُكره فيه ركوب البحر والسفر في البرّ ، ويصلح لكلّ حاجة سوى السفر ، فإنّه يكره فيه برّاً أو بحراً (1).
ومنها : اليوم الثالث عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نَحس ، فاتّق فيه المنازعة والخصومة وكلّ أمرٍ ، واتّق فيه جميع الأعمال ، واستعذ باللّه من شرّه ، ولا تطلب فيه الحاجة ، فإنّه يوم مذموم (2).
ومنها : السادس عشر ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نَحس لا يصلح لشي ء سوى الأبنية ، ومن سافر فيه هلك ، مذموم لا خير فيه ، فلا تسافر فيه ، ولا تطلب فيه حاجة ، واستعذ باللّه من شرّه (3).
ومنها : الحادي والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نَحس ، فلا تطلب فيه حاجة ، ومن سافر فيه خِيف عليه ، فاستعذ باللّه من شرّه (4).
ومنها : الرابع والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نَحس مستمرّ ، مَشوم ، مَكروه لكلّ حال وعمل ، فاحذره ، ولا تعمل فيه عملاً ، ولا تلقَ فيه أحداً ، واقعد في منزلك ، واستعذ باللّه من شرّه ، ولا تطلب فيه أمراً من الأُمور ، فقد ولد فيه فرعون (5).
ومنها : الخامس والعشرون ؛ فعنه عليه السلام : أنّه يوم نَحس ، فاحفظ نفسك منه ، ولا تطلب فيه حاجةً ، فإنّه يوم شديد البلاء ، ردي ء مذموم ، يحذر فيه من كلّ شي ء ، مكروه ، ثقيل ، نكد ، فلا تطلب فيه حاجةً ، ولا تسافر فيه ، واقعد في منزلك ، واستعذ باللّه من شرّه (6).
وأشدّها كراهةً الكواملُ ، وهي سبعة : الثالث ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون ، والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون.
وقد نظمها بعضهم فقال :
توقّ من الأيّام سبعاً كواملاً *** ولا تتّخذ فيهنّ عُرساً ولا سفر
ولا تحفرن بئراً ولا دار تشتري *** ولا تقرب السلطان فالحذر الحذر
ص: 455
ولبسك للثوب الجديد فخلّه *** ونكحك للنّسوان ، وغرسك للشّجر
ثلاثاً وخمساً ثمّ ثالث عشرها *** ومن بعدها يا صاحِ فالسادس العشر
وحادي والعشرون حاذر شرّها *** ورابع والعشرون والخمس في الأثر
وكلّ أربعاء لا تعود فإنّها *** كأيّام عاد لا تبقي ولا تذر
رويناه عن بحر العلوم بهمّة *** عليّ بن عمّ المصطفى سيّد البشر (1)
ونظمها بعضهم بأخصر من ذلك فقال :
محبّك يرعى هواك فهل *** تعود ليالٍ بضدّ الأُول
فمنقوطها نحس كلّه *** ومهملها قلّ عليه العمل (2)
وروي عن الصادق عليه السلام : أنّ في السنة اثنى عشر يوماً نحسات ، في كلّ شهر منها يوم ، من اجتنبها نجا ، ومن زلّ فيها هوى ، ففي المحرّم الثاني والعشرون ، وفي صفر العاشر ، وفي ربيع الأوّل الرابع ، وفي ربيع الثاني الثامن والعشرون ، وفي جمادى الأُولى الثامن والعشرون ، وفي جُمَادَى الثانية الثاني عشر ، وفي رجب الثاني عشر ، وفي شعبان السادس والعشرون ، وفي رمضان الرابع والعشرون ، وفي شوّال الثاني ، وفي ذي القعدة الثامن والعشرون ، وفي ذي الحجّة الثامن (3).
وروى عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : أنّها أربعة وعشرون ، في كلّ شهر يومان ، ففي المحرّم الحادي عشر والرابع عشر ، وفي صفر الأوّل منه والعشرون ، وفي ربيع الأوّل العاشر والعشرون ، وفي ربيع الثاني الأوّل والحادي عشر ، وفي جُمادى الأُولى العاشر والحادي عشر ، وفي جُمادى الثانية الأوّل والحادي عشر ، وفي رجب الحادي عشر والثالث عشر ، وفي شعبان الثاني عشر والسادس والعشرون ، وفي شهر رمضان العشرون والثالث ، وفي شوّال السادس والثامن ، وفي ذي القعدة
ص: 456
السادس والعاشر ، وفي ذي الحجّة العشرون والثامن ، وهذان الطريقان رواهما بعضُ العلماء (1).
وروى في بعض الأخبار : «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم» (2). ولعلّ المراد ينبغي التوكّل على اللّه تعالى ، ورفع النظر ، فلا منافاة في البين.
ويكره السفرُ والقمرُ في العقرب ؛ فعن الصادق عليه السلام : «من سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم يرَ الحُسنى» (3).
والظاهر أنّ المُراد من العَقرب البرج دون الصورة.
ولا بدّ بعد الفراغ من الكلام في هذا المقام من إمعان النظر في عِدّة أُمور :
أحدها : أنّ ما تعلّق به السعد والنحس من الأيّام لا تدخل فيه الليالي ، ولا يخرج منه ما بعد الزوال مطلقاً ، ولا خصوص ما بين غروب الشمس إلى غروب الحُمرة المشرقيّة ، ولا ما بين الفجر إلى طلوع الشمس ؛ فالليالي مسكوت عنها ، فتبقى على أصل عدم الكراهة.
ثانيها : أنّ المراد من السفر ما يُسمّى سفراً عُرفاً ، فلا فرقَ بين ما فيه القصر وغيره ، فيجري بالنسبة إلى من فرضهم التمام ، والخارج من دار الإقامة ، ومحلّ التردّد ثلاثين يوماً مبتدءاً في السفر على الأظهر ، والخارج متردّداً يأخذ بالاحتياط ، فيجري عليه حكم السفر.
ثالثها : أنّ احتساب مبدأ السفَر من الخروج من منزله ، دون المحلّة والبلد ، ومحلّ الترخّص على الأظهر.
ولا ترتفع الكراهة ولا يثبت الرجحان بخروج دابّة أو رحل (4) أو أسباب.
ص: 457
رابعها : أنّ المدار في الشهور على العربيّة ؛ لظاهر الإطلاق. وفي بعض الأخبار : ما يظهر منه اعتبارُ الفارسيّة (1) ، والأولى تجنّب الأمرين معاً.
خامسها : أنّه يظهر من بعض ما ظاهره التعليل بولادة شريف كنوح وضدّه كولادة فرعون ، وحدوث ذنب عظيم ، كقتل قابيل هابيل ؛ (2) أنّه يجري الحكم في كلّ ما وقع فيه مثل ذلك ، بل ربّما يتمشّى في الأوقات الشريفة وأضدادها.
سادسها : أنّ ما فيه الحرق والغرق وإصابة المال والخير وبرء المريض (3) منزّل على الغالب ، أو على الاقتضاء ، ما لم يمنع مانع ، أو على أنّ ذلك متمّم للسبب ؛ لأنّا نرى تخلّف ذلك في كثير من الأوقات.
سابعها : أنّ المَدار على الأيّام والشهور على محلّ الخروج ، فلا يضرّ اختلافها باختلاف الأقاليم ، فمصادفة أيّام السعد في غير محلّ الخروج لا تنفع ، وكذا مصادفة أيّام النحس لا تضرّ.
والإشكال هنا يحتاج إلى التوجيه على نحو سائر الأوقات الشريفة وخلافها ، بخلاف ما تعلّق به فعل خاصّ ، كليلة القدر مع الحكم بنزول القرآن فيها ونحوها ، فإنّها مُحتاجة إلى ذلك.
ثامنها : أنّ الأخبار الضعيفة ، وأقوال بعض العلماء أولى بالاعتبار منها في أدلّة السنن ؛ لأنّ رجحان الاحتياط فيها واضح لا تعارضه شبهة التشريع إلا على وجه ضعيف. ومثل ذلك يجري في كلام المنجّمين ، وأحكام الأعوام ، ودعاوي النساء ، ولا سيّما العجائز ، والتفألات والتطيّرات. والطيرة المنهي عنها في الأخبار متعلّقة بمن يعتمد على ذلك ويحكم به.
تاسعها : أنّه لو عارضها راجح أقوى منها ، لغا اعتبارها ، كطاعة الوالدين ، أو حجّ ، أو زيارة مع ضيق الوقت. ولو قلنا بارتفاع النحوسة مطلقاً في طُرق الطاعات لارتفاعها بالعناية من ربّ العالمين ، أو باصطحاب الملائكة الحافظين ، لم يكن بعيداً.
ص: 458
عاشرها : أنّه لو جعل التعارض بينها ، قدّم ما هو أقوى دليلاً ، كنحوسات أيّام الأُسبوع على أيّام الشهر ، وما هو أشدّ ضرراً على الأضعف ، وما تعدّدت جهته على متّحد الجهة ، أو ما زاد تعدّده على مقابله. ومع تعارض التعدّد والقوّة فيه ، يؤخذ بالميزان.
حادي عشرها : أنّه لا يجب تجنّب النحوسة فيما رتّب الشارع عليها احتمال القتل ونحوه ؛ لأنّ هذا الاقتضاء لا يبعث على الخوف العُرفيّ الذي يوجب التجنّب.
ثاني عشرها : أنّ الظاهر من الأخبار أنّ الصدقة تدفع النحوسة (1) ، والظاهر أنّ ذلك منزّل على رفع شدّتها ، وإلا لم يبقَ لاعتبار الأوقات وجه ؛ إذ لا يوجد من لا يقدر على التصدّق بزبيبة أو شقّ تمرة ونحوهما.
ثالث عشرها : أنّ ما ذُكر من الاداب ، لأمن السنن الداخلة في العبادات ؛ فإنّ من الخطابات ما توجّهت بالأصالة في غير معاملة وحكم لترتّب المنافع الدنياويّة دون الأُخرويّة فتُعدّ من الاداب ؛ وقد تترتّب عليها الأُمور الأُخرويّة بسبب القصد والنيّة ، وهذه منها.
رابع عشرها : أنّه قد ورد : أنّه لا بأس بالعمل ببعض ما يترتّب عليه نحوسة كالأربعاء ، ردّاً على أهل الطيرة ؛. (2) وربّما تسري الحال إلى الجميع. خامس عشرها : أنّه قد يقال : إنّه لا ينبغي الاصطحاب مع من خرج في يوم نَحس ، خصوصاً ، لو كان في سفينة ونحوها ، خوفاً من عموميّة الفساد. ولو أنّ شخصاً خرج من دون عزم سفر في يوم نحس ، ثمّ عنّ له السفر ، احتمل تعلّق الحكم به فيعود ، ثمّ يحتمل ملاحظة وقت عزمه.
سادس عشرها : أنّ ما فيه طيّ الأرض ، وضرب الملائكة وجوه الشياطين ، ولقاؤهم لهم ، وردف المَلَك والشيطان ، وقول : تغنّ وتمنّ ، وقول اللّه : عبدي يعلم
ص: 459
أنّه لا يغفر الذنوب غيري ، اشهدوا أنّي قد غفرت له ، وأنّ القارئ أثقل من الحديد ، ونحوها ممّا ورد في الأخبار (1) ، الظاهر بناؤه على التأويل ، والبناءُ على الظاهر في كلّها أو بعضها غيرُ بعيدٍ.
ويكفي فيه : تضمّنه الوفود على اللّه تعالى ، والوصول إلى بيته ، فهو ضيفه ، وحقّ الضيف على صاحب البيت ، والأخبار الدالّة عليه كثيرة :
أوّلها : ما رُوي عن أبي جعفر عليه السلام : أنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه ، لم يخط خطوةً في جهازه إلا كتب اللّه له عشرَ حسنات ، ومحا عنه عشرَ سيّئاتٍ ، ورفع له عشر درجاتٍ ، حتّى يفرغ من جهازه متى فرغ ؛ فإذا استقلّت به راحلتُه ، لم تضع خفّاً ولم ترفعه إلا كتبَ اللّهُ له مِثلَ ذلك حتّى يقضي نسكه ، فإذا قضى نسكه ، غفر اللّه له ذنوبه ، وكان في شهر ذي الحجّة ، ومحرّم ، وصفر ، وربيع تكتب له الحسنات ؛ ولم تكتب عليه السيّئات إلا أن يأتي بموجبة ، فإذا مضت الأربعة أشهر خلط بالناس (2).
ثانيها : ما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : أنّه قال لمن أراد الحجّ بعد أن قال له : إنّي أُريد الحجّ وأنا رجل مميّل ، فمُرني أن أصنع بمالي ما أبلغ به مثل أجر الحاجّ «انظر إلى أبي قبيس ، فلو أنّ أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل اللّه ما بلغت ما يبلغ الحاجّ ، إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ، ولم يضعه إلا كتب اللّه له عشر حسناتٍ ، ومحا عنه عشر سيّئات ، ورفع له عشر درجات ؛ فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلا كتب اللّه له مثل ذلك ؛ فإذا طافَ بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه». فعدّد
ص: 460
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وإله كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه ، ثمّ قال : «أنّى لك ما يبلغ الحاجّ؟» قال الصادق عليه السلام : «ثمّ لا تكتب الذنوب عليه أربعة أشهر إلا أن يأتي بكبيرة» (1).
وفي الحديث : «أنّ من الذنوب ما لا يكفّره إلا الوقوف بعرفة» (2).
ثالثها : ما رُوي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال لرجل من الأنصار : «إنّ لك إذا توجّهت إلى سبيل الحجّ ثمّ ركبت راحلتك ، ثمّ قلت : بسم اللّه والحمد لله ، ثمّ مضت راحلتك ، أنّها لم تضع خفّاً ولم ترفع خفّاً ، إلا كتبَ اللّه لك حسنةً ، ومحا عنك سيّئةً ؛ فإذا أحرمتَ ، ولبّيت ، كان لكَ بكلّ تلبية لبّيتها عشر حسنات ، ومحا عنك عشرَ سيّئات ، فإذا طفتَ بالبيتِ أُسبوعاً كان لك بذلك عند اللّه تعالى عهد وذخر يستحيي أن يعذّبك بعده أبداً ؛ فإذا صلّيت الركعتين خلف المقام ، كان لك بها ألفا حجّة مُتقبّلة ؛ فإذا سعيت بين الصفا والمروة ، كان لك مثل أجر من حجّ ماشياً من بلده ، ومثل أجر من أعتق سبعينَ رقبة مؤمنةٍ ؛ وإذا وقفتَ بعرفات إلى غروب الشمس ، وكان عليك من الذنوب مثل رمل عالجٍ ، أو بعدد نجوم السماء ، أو قطر المطر ، يغفرها اللّه لك ، فإذا رميت الجمار كان لك بكلّ حصاة عشر حسنات تُكتب لك فيما يستقبل من عمرك ؛ فإذا حلقتَ رأسك ، كان لك بكلّ شعرة حسنة تُكتب لك فيما يستقبل من عمرك ؛ فإذا هديت أو نحرت بَدنَتك ، كان لك بكلّ قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ؛ فإذا زرتَ البيتَ وطفت أُسبوعاً ، وصلّيت الركعتين خلف المقام ، ضرب مَلَك على كتفيك ، ثمّ قال لك : قد غفر اللّه لك ما مضى وما يستقبل ، ما بينك وما بين مائة وعشرين يوماً» (3).
ص: 461
رابعها : ما رُوي عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه قال : «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم ، وتتّسع أرزاقكم ، وتُكفون مئونات عيالكم». وقال : «الحاجّ مغفور له ، وموجوب له الجنّة ، ومُستَأنَف به العمل ، ومحفوظ في أهله وماله» (1).
خامسها : ما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال لمن قال : إنّي وطّنت نفسي على لزوم الحجّ كلّ عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي ، فقال له : «وقد عزمت على نفسك؟» فقال له الرجل : نعم ، فقال : «إن فعلت فأيقن بكثرة المال والبنين» (2).
سادسها : ما رُوي عنه عليه السلام أيضاً : «أنّ الحجّاج يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يُعتقُ من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه ، وصنف يُحفظ في أهله وماله ، فذلك أدنى ما يرجع به الحاجّ» (3).
سابعها : ما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم : «أنّ الحاجّ ثلاثة ، فأفضلهم نصيباً رجل غفر له من ذنبه ما تقدّم منه وما تأخّر ، ووقاه اللّه عذاب القبر ؛ وأمّا الذي يليه فرجل غُفر له ذنبه ما تقدّم منه ، ويستأنف العمل فيما بقي من عمره ؛ وأمّا الّذي يليه فرجل حفظ في أهله وماله» (4).
ثامنها : ما رُوي عن الصادق عليه السلام : «أنّ أدنى ما يرجع به الحاجّ الّذي لا يُقبل منه أن يُحفظ في أهله وماله» فقال له قائل : بأيّ شي ء يُحفَظُ فيهم؟ فقال : «لا يحدث فيهم إلا ما كان يحدث فيهم وهو مُقيم معهم» (5).
تاسعها : ما رُوي عن الصادق عليه السلام أيضاً في الحديث القُدسي : «من
ص: 462
حجّ البيت بلا نيّة صادقة ، ولا نفقة طيّبة ، وهب اللّه له حقّه ، وأرضى عنه خلقه ؛ ومن حجّ بنيّة صادقة ونفقة طيّبة ، جعله اللّه في الرفيق الأعلى مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين ، وحسن أُولئك رفيقاً» (1) إلى غير ذلك من الأخبار.
وفيما سطر من الأخبار بعضُ كلماتٍ يُشكل فهم المراد منها : قوله عليه السلام : «لا يُكتب عليه ذنب إلى أربعة أشهر» فإنّه يُشكل الأخذ بظاهره ؛ لمنافاته لظاهر الكتاب والسنّة. وإن خصّصناه بغير الكبائر ؛ لما يظهر من تتبّع الأخبار ، وما قضى به العدل من أنّ أموال الناس لا تغفر إلا أن يقال : بأنّها وإن قلّت داخلة في الكبائر وما يظهر ممّا دلّ على لزوم النهي عن المنكر ، ولزوم التعزير من غير فرق بين الكبير والصغير ، إلا أن يقال : بأنّ رفع المؤاخذة الأُخرويّة لا تقتضي رفع الدنياويّة ، كما في تعزير الأطفال.
ثمّ لو نزّلناه على الصغائر ، اشترطنا عدم الإصرار ؛ لئلا يدخل في المعاصي الكبار.
وقد تُنزّل على أنّ الملائكة لا يكتبون عليه شيئاً ، فتكون ذنوبه مستورةً لا يترتّب عليها فضيحة. وإنّما أمرها إلى اللّه تعالى.
ثمّ إنّ الأخذ بظاهره يقتضي تجرّي الناس على المعاصي وعدم المُبالاة بارتكاب الذنوب في أثناء الأربعة.
ومنها : ما تكرّر في الحديث المتقدّم من قوله : «غفرت ذنوبه» مع أنّ الغُفران لا يتكرّر بالنسبة إلى الحال الواحد ، ويمكن توجيهه بوجوه :
منها : أن يُراد أنّ كلّ واحدٍ من تلك الأعمال صالح لتسبيب غُفران الذنوب.
ومنها : أنّ اللّه تعالى يتكرّر منه قول : «قد غفرتُ لك» وفيه دلالة على تمام القُرب ، وشَرَف الخطاب.
ومنها : أن يُراد أنّ لكلّ صنف من الذنوب سبباً في الغُفران. فكلّ فعلٍ يُغفر به من الذنوب ما لا يُغفر بغيره. ويؤيّده قوله عليه السلام : «إنّ من الذنوب ما لا يُكفّره إلا
ص: 463
الوقوف بعرفة» (1).
ومنها : أن يُراد التوزيع فيما عدا الأوّل على المستقبل.
ومنها : أن يُراد بتكرّر الغفران : بلوغه إلى مرتبة الرضوان ، يُراد أنّه تعالى يقول له حتّى يبلغ درجة الرضوان ، والظاهر أنّ المكتوب قول الحقيقة ، فلا يختلف.
ومنها : ما تضمّنته من الاختلاف في رفع الخُفّ ؛ إذ في بعضها حسنة وسيئة ، وفي بعضها عشر ، ومثل ذلك كثير في تقدير ثواب الأعمال ، وتوجيهه إمّا باختلاف مراتب العاملين ، وإمّا باختلاف النيّات ، وإمّا باختلاف عوارض العمل من تعبٍ ونحوه ، وإمّا باختلاف معنى الحسنات والسيّئات ، وإمّا باختلاف الجهات والعوارض ؛ لأنّ ثواب الحقيقة لا يختلف.
ومنها : قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم : «إذا صلّيت ركعتي الطواف ، كان لك بها ألفا حجّة ، وإذا سعيت بين الصفا والمروة ، كان لك مثل أجر من حجّ ماشياً» (2) حيث إنّ الحجّ مُشتمل عليها ، فكيف تكون مُنفردة خيراً منها ومن غيرها معاً.
ومثل ذلك يتمشّى في مثل أنّ الفاتحة تعدل القرآن ، وتوجيهه : إمّا بإرادة ما عداها ، أو قراءتها بوجهٍ مخصوص ، أو إرادة المُبالغة ، بمعنى أنّ قارءها كأنّه لم يفُته شي ء من القرآن ، أو يُراد دخولها من حيث القرآنيّة دون الخصوصيّة ، ومثل ذلك يجري فيما تقدّم.
وهو أُمور :
منها : أنّ وجوبَ الحجّ ممّا أجمع عليه المسلمون ، الموافقون والمخالفون ، وقَضَت به سيرةُ المسلمين ، وقامَت على وجوبه ووجوب العُمرة ضرورة المذهب ، وعليه ضرورة الدين.
ص: 464
ودلّ عليه مؤكّداً غاية التأكيد صريحُ الكتاب المُبين في قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (1) بحكم اللام الدالّة على الاستحقاق ، وربطه باللّه تعالى ، واقتضاء «على» وعموم «الناس» المقتضي للأمر ، والأمر بالأمر على الفاعليّة لا البدليّة ، وذكر الاستطاعة وتعميم السبيل ، وتسمية تاركه كافراً ، والتأكيد ب- «إنّ» ، وذكر الغِنى ، واسميّة الجملة ، وخبريّتها ، والتعميم بعد التخصيص ، وتقديم الخبر فيها ، إلى غير ذلك.
وكذا الروايات المتواترة :
ومنها : ما في جواب الصادق عليه السلام عن معنى قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) «أنّ المُراد الحجّ والعُمرة جميعاً ؛ لأنّهما مَفروضان» كأن مُراده عليه السلام : أنّ العمرة محكوم بفرضيّتها في السنّة ، ولا طريق لاستفادتها من الكتاب سوى هذه الآية. وعن معنى «الحجّ الأكبر» أنّه الوقوف بعرفات ، ورمي الجمار ، و «الحجّ الأصغر» العُمرة ، واتّقاء ما يتقيه المُحرم فيهما (2).
وعن الصادق عليه السلام : «الحجّ على الناس جميعاً ، صغارهم وكبارهم ، فمن كان له عُذر ، عذره اللّه تعالى» (3). والمُراد بالصغار المُكلّفون ، وربّما يقال : بأنّ المُراد الأعمّ ، وأنّه يجب على الناس أن يكلّفوا الصغار بالحجّ إذا لزم التعطيل.
وعن الكاظم عليه السلام : «أنّ اللّه فرض الحجّ ، وذلك قول اللّه تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) قال الراوي : قلت له : مَن لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال : «لا ، ولكن من قال : ليس هذا هكذا فقد كفر» (4).
ص: 465
وعنه عليه السلام أيضاً : «من ماتَ ولم يحجّ حجّة الإسلام ، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحجّ ، أو سلطان يمنعه ، فليمُت يهوديّاً أو نصرانيّاً» (1).
وعنه عليه السلام أيضاً : في قول اللّه تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) «هذه لمن كان عنده مال وصحّة ، وإن كان سوّفه للتّجارة فلا يسعه ، فإن ماتَ على ذلك ، فقد تركَ شريعةً من شرائع الإسلام ، إذا هو يجد ما يحجّ به ، وإن كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيى فلم يفعله فإنّه لا يسعه إلا الخروج ، ولو على حمار أجدع أبتر» (2).
وعن قول اللّه عزوجل ( وَمَنْ كَفَرَ ) يعني : من ترك (3).
وعن الصادق عليه السلام أنّه قال : «من ماتَ وهو صحيح مُوسِر لم يحجّ فهو ممّن قال اللّه عزوجل ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) » فقال له من سمع : سبحان اللّه أعمى؟ فقال : «نعم ، إنّ اللّه أعماه عن طريق الحقّ» (4).
وفي خبر آخر : «عن طريق الجنّة» (5). إلى غير ذلك من الأخبار (6).
ومنها : أنّه يجري عليه حكم ضروريّ الدين كالصلاة اليوميّة ونحوها ، وعلى بعض أجزائه ما يجري على بعض أجزائها ، فمن استحلّ تركه من دون شُبهةٍ يُعذر فيها فهو مرتدّ فطريّ أو ملّي يجري عليه حكمهما.
ص: 466
ومن تركه مُتهاوناً لا مُستحلاً جرى عليه أحكام فاعل الكبائر من القتل بعد التعزير مرّتين أو ثلاثاً على اختلاف الرأيين.
والآية المُكفّرة إذا بُنيت على ظاهرها من إرادة الكُفر الحقيقي منزّلة على القسم الأوّل وشاهدة عليه. وفي الأخبار السابقة صراحة باختصاص الكفر بالمُستحلّ (1) وما دلّ على الحكم به في مطلق التارك مقيّد ، أو مقصود به المبالغة.
ومنها : أنّ إيجابه يقتضي إيجاب ما اشتمل عليه ، وركنيّته كسائر المركّبات من الواجبات (والمندوبات ، تثبت) (2) الركنيّة ، إلا ما قام الدليل على خلافه.
ومنها : أنّه يجب في العُمر كالعُمرة مرّة ، وقد قامَ عليه إجماعُ أهل الحقّ تحصيلاً ونقلاً. وربّما تُدّعى عليه ضرورة المذهب ، بل ضرورة الدين ، ويقضي به نفي الحرج ، ودلّت عليه الأخبار (3).
فعن الرضا عليه السلام : في علّة فرض الحجّ مرّة واحدة : «إنّ اللّه وضع الفرائض على أدنى أهل القوّة ، فمن تلك الفرائض الحجّ المفروض واحداً ، ثمّ رغّب أهل القوّة على قدر طاعتهم» (4).
وما ورد ممّا يدلّ على خلاف ذلك لا يُعوّل عليه ، كما روي عن الصادق عليه السلام : من أنّ اللّه تعالى فرض الحجّ على أهل الجدة (5) في كلّ عام (6).
ص: 467
وعنه عليه السلام أيضاً : «الحجّ فرض على أهل الجَدة في كلّ عام» (1).
وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال : «إنّ في كتاب اللّه عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) في كلّ عام ( مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) » (2) ويمكن بناؤه على استفادته من الجملة الاسميّة ، ويمكن تأويله بإرادة تأكيد الوجوب ، فيتعلّق الظرف بالفرض ، وبأنّ الوجوب على من دخل تحت الصفة مجدّداً ، ولا يخلو منه عام ، أو بأنّه لا يختصّ الوجوب بزمان دون زمان ، أو على الوجوب الكفائي وإن سبق منهم الحجّ ؛ لئلا يلزم التعطيل ، أو على شدّة الاستحباب.
ومن عمل بظاهر هذه الأخبار ، كبعض علمائنا الأبرار (3) ، يُحمل على الغفلة أو يُؤوّلُ كلامُه على نحو الأدلّة.
ومنها : أنّه يجب على الناس الحجّ بأنفسهم كفايةً ، أو إحجاج غيرهم مع عدم تمكّنهم إذا لزم التعطيل. ونحوه يجري في زيارة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم على الأقوى. وربّما يتمشّى الحكم إلى جميع ما يدخل في تقويم الشريعة ، كزيارات الأئمّة عليهم السلام ، وقراءة القرآن ، وصلاة النوافل ، وتشييع الجنائز ، وعيادة المرضى ، ونحو ذلك.
فعن الصادق عليه السلام : «أنّه لو عطّل الناسُ الحجّ ، لوجب على الإمام عليه السلام أنّ يجبرهم على الحجّ ، إن شاءوا وإن أبوا ، فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ» (4).
وعنه عليه السلام أيضاً : «لو أنّ الناس تركوا الحجّ ، لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك ، وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ،
ص: 468
لجبرهم الوالي على ذلك ؛ فإن لم يكن لهم أموال ، أنفق عليهم من بيت المال» (1). ويمكن تمشيته إلى المُجتهدين ، ثمّ عدول المؤمنين.
وعنه عليه السلام أيضاً : «لو ترك الناسُ الحجّ لما نوظروا العذاب» (2). وعن أبي جعفر عليه السلام : «لو عطّل الناس البيت سنة واحدة لم يُناظروا». أو قال : «أُنزل عليهم العذاب» (3).
ومنها : أنّه يحرم تسويف الحجّ ، ويجب في سنة الاستطاعة على الفور ؛ للإجماع محصّلاً ومنقولاً بل الضرورة ، ولظاهر الأمر ، وعموم نحو «من مات ولم يحجّ فليمُت يهوديّاً أو نصرانيّاً» (4) فإنّه لولا الفوريّة لعُذِر أكثرُ المكلّفين.
وفي أخبار المنع عن التسويف إلى أن يموت (5) ، وما دلّ على وجوب الإجبار على الإمام عليه السلام أو الوالي ظهور فيه (6).
والنظر فيها في مقامات :
وهي ثلاثة أقسام : تمتّع ، وقِران ، وإفراد.
ويفرق الأوّل عن الأخيرين بسبق العمرة عليه ، والتمتّع بها إليه ، وفي الأخيرين
ص: 469
تتأخّر عنهما ، وبأنّ إحرامه من مكّة بعد الإحلال من العمرة ، وإحرامهما من الميقات الموافق لهما ، وبأنّه مخصوص بالنائي ، وهما مخصوصان بالقريب ، وأنّه مختص بوجوب الهدي دونهما.
ويفترق القرآن عن الإفراد بسياق الهَدي ، وخلوّهما عنه.
ويشترك الجميع بباقي الأعمال : وهي النيّة ، والتلبية ، واللبس ، والإحرام بالحجّ ، والوقوف بعرفات ، والمبيت بالمشعر ، والوقوف به ، ورمي جمرة العقبة ، والذبح. وقد يلحق به الأكل ، والحلق ، والتقصير ، وطواف الزيارة ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه ، والمبيت بمنى ليالي التشريق ، ورمي الجمرات الثلاث ، وينحصر البحث في ثلاثة أقسام :
وطريقه : أن ينوي الإحرام بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، والأولى أن يأخذ قيد حجّ التمتّع ويحرم ، ويلبس ثوبي الإحرام ، ثمّ يلبّي ، ثمّ يطوف ، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف ، ثمّ يسعى ، ثمّ يقصّر ، ثمّ ينوي إحرام حجّ التمتّع من مكّة ، ويحرم ، ويلبّي ، ويلبس ، ثمّ يقف بعرفات ، ثمّ يبيت بالمشعر ، ثمّ يقف فيه ، ثمّ يرمي جمرة العقبة ، ثمّ يذبح أو ينحر ، ثمّ يحلق ، ثمّ يذهب إلى الكعبة إلى طواف الزيارة ، ثمّ يصلّي ركعتيه ، ثمّ يسعى ، ثمّ يطوف طواف النساء ، ثمّ يصلّي ركعتيه ، ثمّ يعود إلى منى ، ثمّ يبيت فيها ليلتين ، ويرمي الجمرات الثلاث.
فأفعال عمرته ثمانية ، وأفعاله سبعة عشر ، فمجموعهما خمسة وعشرون. وإن أضفت الترتيب فيهما والأكل من الهدي ونيّة العمرة والحجّ ، كانت العمرة عشرة والحجّ عشرين.
وإن احتسبت مبيت كلّ ليلة فعلاً ، وكذا رمي كلّ جمرة ، زاد العدد ، والأركان من العمرة النيّة ، والإحرام بها ، والتلبية ، ولبس ثوبي الإحرام ، وطوافها ، وسعيها ؛ ومن الحجّ النيّة ، والإحرام ، والتلبية ، والوقوفان ، وطواف الحجّ ، وسعيه ، والترتيب ركن
ص: 470
فيهما ، ولا يفسد الحجّ عمداً سوى الوقوفين ، ويجي ء البحث فيه من وجوه :
تتعيّن حجّة الإسلام على النائي مع الاختيار ، فلو أتى بأحد القسمين الأخيرين لم يجز عنه.
والمراد بالنائي : من بعُدت داره على الأقوى كما يظهر من الكتاب والسنّة ، واحتمال محلّته أو بلده أو مبدأ محلّ الترخّص لا وجه له ، ويستوي البناء ، والصهوة ، والمستأجرة ، والمعارة ، والمغصوبة في بلد مستوطنه عن الكعبة ، أو المسجد الحرام المؤسّس قديماً ، أو عن مكّة ، على ما يفهم من بعض الأخبار (1) فيدور الأمر بين القديمة وبين ما كان منها حال الأخذ في السعي وإن اختلف ما بينه وبين الوصول إلى الغاية ، ولعلّ الأقوى هو الأوّل بثمانٍ وأربعين ميلاً تحقيقاً في تقريب ، كسائر ما قدّر بالمسح أو الوزن ؛ لتعذّر الضبط الحقيقي فيه ؛ لتوقّفه على ضبط الأوزنة الموقوف على ضبط الأصابع والشعيرات والشعرات ، وأيضاً اعتبار المسح في الفضاء دون الطريق ، وعلى اعتبار الطريق يُعتبر حين الشروع ، فلو تبدّل في الأثناء ، لرفع المانع ، لم يتبدّل الحكم.
والمراد بُعد الوطن للمتوطّن بالاستقلال أو بالتبع ، ويتولّى المتبوع القصد.
وذو الوطنين متقاربين أو متباعدين ، في بلد أو بلدين ، من غير فرق بين ما استطاع فيه وغيره وغيرهما ، ولا بين المغصوب وغيره ؛ ولا ما بينهما مسافة وغيره ، تطرح أيّام السفر بينهما ، ويحتمل احتساب السفر إلى أحدهما من وطنيه ولا يجري فيما زاد عليهما بسير أكثرهما إقامةً ، ومع المساواة يتخيّر ، والأحوط الالتحاق بأهل مكّة.
وكثير السفر يراعي محلّ قصده ، والقول بالالتحاق بحاضري مكّة أو التخيير لا يخلو من وجه.
ص: 471
ولو قصد التوطّن بعد الإحرام ، يعدل عمّا كان عليه ، كما لو فسخ فقصد التوطّن حول مكّة بعده ، وما أقام بستّة أشهر فعدل عن وطنه فليس بوطن على الأقوى.
والأقوى أنّ هذا الشرط علمي لا وجوديّ ، فلو زعم مسافة يترتّب عليها قسم فأحرم بنيّته ، فظهرت ممّا يترتّب عليها غيره ، بقي على حكم زعمه على إشكال ، فالمقيم بمكّة سنتين في الثالثة بمنزلة أهل مكّة. وفي المنكسر من الشهور أو من أيّامها وجوه ، أقواها اعتبار تمام الشهر واليوم المنكسرين فقط ، وبقاء السنتين على حالها ، والمدار على صدق الاسم ، وما يدخل فيه من حين البقاء.
ولو أقام في غيرها ذلك المقدار ، لم يُعتبر حكمه ، وإن كان قريباً. وفيما دون محل الترخّص (احتمل الالتحاق) (1) بها ، ويحتمل تمشية الحكم إلى الإقامة بما دون الثمانية وأربعين ميلاً ، أو فيما دون المسافة ولا بدّ من دخول الليالي في الإقامة والأقوى عدم (الإلحاق) (2) ، فالخروج إلى ما دون محلّ الترخّص ، بل ما دون المسافة مع تكميل ما يساويه من بعد على تأمّل.
ولو نوى الاستيطان الدائم بمكّة ، ومضى عليه ستّة أشهر ، فهو بمنزلة أهل مكّة ، ويحمل عليه ما دلّ على الاكتفاء بستّة أشهر ، ولا يبعد الاكتفاء بمجرّد نيّة الاستيطان.
ويُراد بمكّة : محلّها القديم ، وإن ارتفع بناؤها ، والأقوى إضافة ما استجدّ من البيوت فيما لو خصّصنا الإقامة بها. وفي تمشية باقي أحكام مكّة من نذور وأيمان ونحوها إشكال.
وهي أُمور :
منها : النيّة ، ويُعتبر فيها نيّة الحجّ وكونه تمتّعاً ، ولا تشترط فيه نيّة الوجه ، بل يكفي الداعي كما سبق في غيره من العبادات ، وقد تُحسب من أجزائه.
ص: 472
ومنها : تقدّم العمرة المتمتّع بها عليه ، والإتيان به بعدها ، ولا يجوز الدخول فيه قبل تمامها اختياراً.
ومنها : الإحرام بالحجّ من مكّة في بطن البناء القديم ، أو مطلقاً ، والثاني أقوى. ولو وضع إحدى قدميه في مكّة والأُخرى خارجة ، أو أخرج بعضاً آخر ، اتّبع العرف ، وأفضلها المسجد ، وأفضله المقام أو الحِجر.
ومنها : الإتيان بالعمرة والحجّ في سنة واحدة ، وارتباطها به ، وكونها معه كالعمل الواحد على الأقوى.
ومنها : وقوعه مع العمرة في أشهر الحجّ ، وهي شوّال ، وذو القعدة وذو الحجّة.
وقيل : عشر من ذي الحجّة (1) ، وقيل : محرّم. وعن بعض : لفظ تسعة وعشر ؛. (2) وقيل : ثمان (3). وربّما كان النزاع لفظيّاً ؛ لأنّ لكلّ وجهاً موافقاً قولُ غيره من وجه آخر. ويجب أن يقع الإهلال بهما فيها.
ومنها : ما تقدّم من البُعد عن الكعبة بثمانية وعشرين ميلاً.
وطريقه : أن يحرم من مكّة إن خرج منها حاجّاً ، أو من أحد المواقيت. وينوي حجّ الإفراد ، ثمّ الإحرام ، ثمّ يلبّي ، ويلبس ، ثمّ يأتي بأعمال حجّ التمتّع سوى الذبح ، أو النحر. ويجي ء البحث فيه من وجوه :
أحدها : أنّه إنّما يجب في حجّة الإسلام على من لم يبلغ في البُعد مقدار ثمانية وأربعين ميلاً.
ثانيها : أنّ إحرامه لا يلزم أن يكون من مكّة ، إنّما يلزم أن يكون من الميقات المعدّ له.
ثالثها : أن يقدّم على العمرة المفردة.
ص: 473
وهو حجّ الإفراد أفعالاً ، وشروطاً ، وإنّما يزيد عليه بسوق الهدي منويّاً في الحجّ.
وهذه الأقسام الثلاثة لا بدّ من البحث فيما يتعلّق بها حجّه ، وهو أبحاث :
البحث الأوّل : في أنّها في حدّ ذاتها من دون ملاحظة أمر خارجيّ مشروطة بشروط : منها ما تتوقّف عليه الصحّة وهي أُمور :
أحدها وثانيها : الإسلام ، وكذا الإيمان ما لم يتّصف برجوع إلى الحقّ ، على تفصيل تقدّم في مباحث العبادات ، ويجب على فاقد الوصفين.
ثالثها : العقل ، فلا يصحّ من المجنون المطبق والأدواري حال جنونه لو عرضَ له الجنونُ في الابتداء وإن تجدّد له العقل ، وكذا لو تجدّد له في الأثناء (إذا كانت صحّة) (1) بعضٍ منه موقوفة على البعض الأخر. ومع عدم التوقّف والتمكّن من الإتمام فيحتمل الصحّة وعدمها ، ولعلّ الأوّل أقوى.
رابعها : التمييز ، فلا يصحّ من غير المميّز ، وإن صحّ للوليّ أن يحجّ به.
ومنها : ما يتوقّف عليه الوجوب مع حصول أسبابه ، كالبلوغ ، فإنّ غير البالغ مميّزاً يصحّ منه على الأصحّ ، ولا يجب عليه بوجهٍ من الوجوه.
والحريّة ، فإنّ العبد لا يجب عليه بالأصالة. وإنّما يلزمه إذا أمره مولاه ، قنّاً كان أو مبعّضاً ، أو مدبّراً أو أُمّ ولد ، سواء قلنا بأنّه يملك أو لا.
وعلى القول بالملك ؛ لا فرق بين أن يملك ما به تحصل الاستطاعة أولا.
ومتى زال نقص العقل ، والصبا ، والعبوديّة قبل اختياري المشعر واضطراريّة على قول آخر كان الإتمام بمنزلة الإتيان به على وجه التمام ، وكان (2) مجزياً عن حجّة الإسلام.
ص: 474
وهل تُعتبر الاستطاعة عليهم في وجوب الإتمام أو لا؟ وجهان ، أقواهما الثاني ، كأهل مكّة ومن حولها على القول بعدم اشتراطها بالنسبة إليهم.
ولو كان الوقت باقياً ، وأمكنهم الرجوع ، لم يجب عليهم ، والأحوط لهم الرجوع ، ولو تقدّم منهم الطواف والسعي على الصبي والعبد ؛ لاختلاف النوع ، ولاعتبار نيّة الوجه على القول به ، كما في العدول من فرض إلى نفل وبالعكس ، في وجه قوي ، وفي الجنون لا محيصَ عنه.
والظاهر أنّ صحّة الحجّ تقضي بصحّة العُمرة ، فيجب حينئذٍ هَدي ، وعلى فرض عدم الصحّة يُحتمل سقوطها ، ويحتمل لزوم عمرة مفردة ، فينقلب الحجّ إفراديّاً ، ويجب الإتمام فوراً.
ولو جُنّ حالَ وقوف المشعر ، وصحّ فيما عداه ، بطل الحجّ ، وبالعكس بالعكس. ولو كان العبد ناوياً الوجوب بوجوبه بإيجاب مولاه ، احتمل لزوم تجديد نيّة الوجوب بقصد السبب الجديد. ولو أتى باختياري عرفة عاقلاً ، ثمّ استمرّ جنونه ، أجزأ ، بناءً على أنّ وقوف عرفة يجزي عن وقوف المشعر وغيره.
ولو بلغ الصبي ، وتحرّر العبد ، ولم يعلما إلا بعد مجاوزة المشعر أو إتمام الحجّ فالظاهر الإجزاء ، وأنّ الشرط وجودي لا علمي. ولو علما في المشعر بَعد نيّة الوقوف ، لزم تجديد النيّة ، بناءً على اعتبار الوجه ، ولو أفسدا بعدَ حصول أحد الوصفين ، لزمهما الإتمام والقضاء. والنائب إذا جُنّ وعقل عند وقوف المشعر ، أجزأت نيابته ، واستحقّ تمام أُجرته ، على إشكال.
ولا يصحّ من المميّز مباشرة الحجّ بنفسه إلا عن إذن الوليّ ، وهو وليّ المال من أبٍ أو جدٍّ لأبٍ من طرف الأب أو وصيّ أو حاكم أو عدل محتسب مع الغبطة ، ويُستحبّ للوليّ الإذن فيه ، ثمّ جميع ما يلزم من الغرامة كزيادة نفقة السفر وحرمة (1) فساد الحجّ
ص: 475
لو أفسده ، والكفّارات ونحوها ، فعلى الوليّ. ويقوى أنّه إن قصد الثواب لنفسه ، فالغرامة عليه ؛ وإن كان لمصلحة الصبي ، فعلى الصبي.
وللوليّ أن يحرم عن الذي لا يميّز ولا يبعد أن يجوز ذلك لأُمّه ويقوم عنه في كلّ قول أو فعل لا يمكنه الإتيان به ، ويُحضره جميع المواقف.
ويُستحبّ له ترك الحصى في كفّ الطفل ، ووقوع الرمي منه ، ولوازم المحظورات ، والهدي ، والنفقة الزائدة على نفقة الحضر ، والذبح في المتمتّع من غير المميّز وكذا المميّز ، وللولي أن يأمره بالصوم ، ومع عجزه يصوم الوليّ عنه ، ولو رجع المولى أو (1) الولي قبل التلبّس كان له ذلك.
ولو أحرم بعضُ المولّى عليهم من دون إذن ، وارتفع الحجر عنهم في المشعر ، لزمهم تجديد النيّة من الميقات ، فإنّ تعذّر فمن موضعه.
ولو أفسد الأدون ، وجب عليه القضاء ، وعلى الولي تمكينه منه. ولو أحدث ما يوجب كفّارة مخيّرة بين المال والعمل ، وجب عليه العمل ، ولا يلتزم المولى ببذل المال ، وكان له منعه أيضاً عن الصوم ما دام في ملكه ؛ لأنّه لم يأذن له في السبب. وأمّا صومه بدل الهَدي فيلزمه البذل له أو الإذن فيه ، وللزوج والمولى معاً منع الأمة المزوّجة عن سفر الحجّ ، ومطلق الأسفار.
والمبعّض إن تهايا الشريك معه ووقّت نوبته بالسفر إلى الحجّ أو غيره من الأسفار فليس للوليّ منعه ، مع عدم لزوم الضرر عليه ، وإذا عقد الإحرام في نوبته ، وهي قاصرة عن الوفاء بالتمام ، فالظاهر الصحّة مع الإجازة ، وإمكان نيّة القربة. ولو زعم الحريّة عند الموقف ، ونوى حجّة الإسلام ، بقيت صحيحة على حالها على الأصحّ. ولو نوى حجّة الإسلام ، بزعم الحريّة أو البلوغ من المبدأ من دون إذن ، أو أجر نفسه كذلك ، بَطَلَ ، وتحتمل الصحّة بالإجازة.
ومن ادّعى البلوغ أو الحريّة ولا معارض له ، صُدّقت دعواه ، ومع المعارض يصدّق
ص: 476
مُدّعي البلوغ بالاحتلام بلا بيّنة ، وبغيره لا بدّ من البيّنة. ومدّعي الحريّة إن كان لخصمه المدعي لرقيّته سبق في ملكيّته ، لم يحكم بالحريّة فيه إلا بالبيّنة ، وإلا صدّق قوله من دون بيّنة.
وإذا أفسد حجّه بالجماع مَن بلغ أو تحرّر قبل الوقوف بالمشعر ، لزمه الإتمام والقضاء وحجّة الإسلام بشرط الاستطاعة إذا اشترطناها بالنسبة إلى أهل مكّة ومن قاربهم ، وإلا فمطلقاً. ويجب تقديم حجّة الإسلام على القضاء ، فلو عكس بَطَلَ القضاء ، ولا يجوز العدول اختياراً من نوع منهما إلى غيره.
البحث الثاني : في أنّه كما لا يجوز بالاختيار للنائي في حجّة الإسلام حال الاختيار أن يعود في الابتداء أو أن يقرن (1) ، ولا للمفرد والقارن أن يتمتّع ، كذا لا يجوز العدول في الأثناء ، ولو غصب الهدي فلا يرجع إلى أحد القسمين الأخيرين على الأقوى ، ولا للقارن أن يُفرِد ، ولا للمفرد أن يقرن. وإذا لم يسق في الابتداء ، لم يدخله السوق في الأثناء بالقِران ، فلا يعدل عنه اختياراً إلى غيره ، ولا من غيره إليه مع الاختيار.
وأمّا العدول عن التمتّع إلى الإفراد ، ومن الإفراد إليه اضطراراً ؛ فلا مانع منه. فمن القسم الأوّل ما إذا ضاقَ الوقت عن الإتيان بطواف العمرة وسعيها ، أو حصل من يمنع عن دخول مكّة ، أو عن إتمام العمرة ، أو حصل مانع شرعي من حَيضٍ أو نفاس يمنع عن دخول المسجد فيمتنع الطواف ، أو خوف خروج القافلة من خوف الطريق أو جنابة ، بناءً على عدم استباحة التعرّض للمحترمات بالتيمّم.
ولو سبق منه نَذر أو شبهه على أن يكون أوّل الظهر في عرفات ، فضاقَ الوقتُ عن الوفاء بالنَّذر ، ففي دخوله في الضيق أو انحلال النذر وجهان ، أقواهما الثاني ، ثمّ إن ارتفع المانع قبل نيّة العدول بقيت على التمتع ، وبعد العدول والوصول إلى عرفات
ص: 477
يجب بقاؤها على عمرته ، وكذا بعد العدول قبل الوصول على الأقوى.
ولو انكشف عدم المانع بعد تمام الحجّ ، مضى حجّه. وبعد العدول قبل الوصول مع بقاء الوقت يلزم الرجوع على الأقوى ، وبعد الدخول في أعماله قبل تمامه أقوى (1) خلافه.
ولو عَرَضَ لها الحيضُ أو النفاسُ أو أيّ مانع كان في وجه بعيد إن طافت أربعَة أشواط وصلّت صلاة الطواف ، بعد تمامه قبل طواف الزيارة. ولو كانت طاهرةً وقتَ الطواف والصلاة دون باقي الأفعال ، صحّت عمرة. ولو طافت أقلّ من الأربعة ، ولو بشي ء يسير ، قطعت طوافها ، ولا سعة لها ، وأحرمت بالحجّ وإن كان أيّام الطواف. وإن ظهر لها الخطأ في حيضها قبل العدول أتَمّت ، وإن ظهر بعده قبل الدخول في الأعمال ، وكذا بعد تمام الحجّ أو قبله بعد الدخول ، قوي القول بصحّة الحجّ ، والعدول من الإفراد والقرآن إلى التمتّع في مقام الاضطرار ، كما إذا علم بامتناع الإتيان بالعمرة المفردة بعد الحجّ ، أو حصول مانع آخر. وأمّا العدول من التمتّع والإفراد إلى القِران فلا وجه لها.
البحث الثالث : في أنّه لا يجوزُ جمع نسكين فما زاد متماثلين ، كحجّتين ، وعمرتين ، متساويتين بالصنف أو مختلفتين ، ولا نسكين متغايرين ، كحجّة وعمرة في نيّة واحدة ؛ لحصول المغايرة ، وعدم المقارنة ؛ ولأنّ لكلّ عمل نيّة مستقلّة. كما لا يجوزُ إدخال نُسُك في آخر بعد الدخول فيه مع قصد التبعيض ، أو مع الرجوع إلى واحدٍ في غير المستثنى ، ولا الجمع بين جزئين متّصلين ، أو منفصلين ، كطواف وركعتيه ، أو سعي.
ولو كان معذوراً ، وذكر بعد فوات الوقوف بالمشعر ، بَطَلَ حَجّه ، ولو ذكر قبله جدّد النيّة وصحّ حجّه ، وجاهلُ الحكم بحيث لا يخطر بباله سوى ما فعله يدخل في
ص: 478
المعذور. وغيره كالعامد.
ولا بدّ من اتّصال كلّ عمل بنيّته ، وتولّي العامل النيّة إلا في غير المميّز ، فإنّ الوليّ يتولاها عن نفسه ، أو عنه ، على اختلاف الوجهين.
البحثُ الرابع : في أنّ الواجب منقسم إلى واجب أصلي إسلامي ، وواجب بالسبب ، إمّا بنيابة أو نذر أو عهد أو يمين أو إفساد ، وإلى مندوب. فينحصر البحث في مواضع :
وكذا العمرة لا يجب بعد القدرة وعدم النقص لجنون أو صغر إلا بشروطه :
أحدها : الاستطاعة ، والمراد بها هنا على وجه الحقيقة ، تعيينيّاً أو تعيّنيّاً ، في الشرع أو عند المتشرّعة ، أو على وجه المجاز في الأوّل وجدان أمرين : أحدهما : الزاد ، وثانيهما : الراحلة ، فيكون البحث في مقامين :
الأوّل : في الزاد ، والمراد به هنا : ما يتّخذه المسافر من عين طعام وشراب متعارفين أو لا ، كترياقٍ ، وتنباكٍ ، وقهوة أو دواء ونحوها إذا اشتدّت الحاجة إليها ، أو لباس ، أو فراش ، أو غطاء ، أو وطاء ، أو وعاء ، ونحوها ممّا يحتاج إليها ، عيناً أو منفعةً ، خارقة أو عادة ، ليكن ؛ (1) تركها عيناً أو قيمةً ، فالمثل أو الزائد عليه مع القدرة عليه ووجود الباذل. ويختلف الحال باختلاف الأحوال والمحال والأوقات والأمكنة والجهات ، لنفسه ، وخدّامه ، وراحلته ، وأضيافه ، والمتردّدين إليه ، إن كان في ترك ذلك ممّن ينكر عليه تركه.
المقام الثاني : في الراحلة ، وهي معتبرة في الاستطاعة ، فيما يتوقّف على المسافة ، والمراد بها : ما يناسبه ، قوّة وضعفاً لا شرفاً وضعة ، إلا مع الإغراق عيناً أو قيمةً ؛ (2) مع الإجحاف وعدمه إذا كانت مقدورة أو منفعة أو أُجرة كذلك ، بمحمل
ص: 479
يناسبه ، أو أوسعه ، أو بدونه ، مع عدم الاحتياج إليه ، قدر على المشي أو لا ، قدر على الركوب أولا ، من أهل مكّة أو ما يقاربها على إشكال (أو لا) (1) ، ويدخل معها سرجها ، ورحلها ، ونعلها وباقي أسبابها ، وقائد ، وسائق ، وخادم ، متّحدة أو متعدّدة ، طاقة أو عادة (2) يحلّ تركها.
ويُعتبر فيهما معاً أن يصحباه ذهاباً وإياباً إلى منزله أو محلّه ، أو لم يكن له وطن. ويقوى الاكتفاء بوصول البلد مع عدم خروجها عن المتعارف ، ويحلّ الاكتفاء بمبدإ محلّ الترخّص.
وأن يكون من الفاضل على مقدار الدين الحالّ أو المؤجّل ، ولو كان أجله متأخّراً عن عامّ الحجّ على إشكال ، ومن الفاضل عن المسكن وعبد الخدمة ، وجاريتها ، وثياب البذلة والتجمل ، والسلاح. وعن المرأة ، والفراش ، والغطاء والوسادة والأواني ، ومئونة واجبي النفقة ، ومن ينكر عليه في عدم الإنفاق عليه ، ممّا يناسب حاله ، كمّاً وكيفاً إن وجدت ، ويشتري عوضها إن فقدت ، وشاء ذلك فيما له اختياره ، ولا يحتسب قيمتها من الاستطاعة ، على إشكال.
ويباع ما زاد على العدد المحتاج إليه ، وكذا ما زادت قيمته عن مقدار الحاجة ، فإنّه يباع ويُشترى عوضه بأقلّ من قيمته.
ويقرب إلحاق فرس الركوب وما يتبعها ، والسريّة ، وآلات الدار المنفصلة ، وبيت الدابّة مع حاجتها إليه ، ونفقتها ، وجلّ يحفظها عن البرد والحرّ ، وبيت الرحى.
ومن الفاضل عن مئونة يدعها لعياله الواجبي النفقة ، شرعاً أو عرفاً حتّى يرجع إليهم.
وما يرجع إليه من حجّه من عمل أو رأس مال يكتسب به ويقتضي الغنى سنين.
ولا يسقطن رأس مال التجارة ، ولا ما يستنميه من عقارات وأراضٍ ، وبساتين وأشجار ، مع زيادتها على ما ذكروه ، بخلاف ماله من فروض يطمئنّ بحصولها ، فإنّه
ص: 480
يجب عليه الاقتراض عليها ، دون ما امتنع أخذها شرعاً ، للإفلاس مثلاً ، أو لمانعٍ آخر.
والظاهر دخول منافع الوقف الخاصّ ونمائه ، وإن تعدّدت السنون ، واحتمل موته ورجوعه إلى غيره ، على إشكال.
ولو كان ملكه الكثير رهناً على شي ء يسير ، واطمأنّ بالقدرة على فكّه ، حكم باستطاعته.
ولو وهب مالاً ، أو تحصّل مبيعاً يشتريه ويفضل فيه ، أو عرض عليه أن يكون أجيراً في طريق الحجّ ، أو بذلت امرأة لرجل ، أو رجل لا مرأة على الزوجيّة ، دواماً أو متعة ، عقداً مجرّداً أو مع الدخول ، لم يجب القبول ، وبعد تحقّق القبول في الهبة أو البيع أو الإجارة تتحقّق الاستطاعة.
ولو بذل له على الحجّ ، عدلاً (1) كان أو زاداً أو راحلة ، عيناً أو قيمة ، أو وهب له بخصوصه ، أو بالعموم في وجه ، من واحد أو أكثر ، دفعةً أو تدريجاً ، من دون ضمّ عبادة من زيارة ونحوها. ولو تمكّن من أخذ ما يكفيه من وقفٍ عامّ أو مُباحٍ كذلك ، لم يستطع.
ولا يمنع الدين من استطاعة البذل ، وعلى خصوص الحجّ ، وعمّ البذل ذهابه وإيابه ، زاده وثيابه وراحلته ، ومئونة عياله إلى الرجوع إليهم ، ويحصل له اعتماد على الباذل وجب عليه. وإن كان البقاءُ على البذل غير لازم للباذل ، ويجوز له الرجوع فيه إلا مع التزامه بِنَذر وشبهه. ولا حاجة فيه إلى التزامه (2) بنَذر أو شبهه.
ولو بذل له بعض وعنده زائد على المستثنى ، يجب عليه ، ولا يتوقّف الوجوب على القبول. ولو بذل له بشرط خدمة أو عمل ، لم يجب. ولو كان بصيغة ملتزمة وجب. ولو ترتّب نقص عظيم على القبول لم يجب. والقول بالفرق بين العبادات وغيرها ، وبينها وبين مقدّماتها ، وبين واجباتها ومندوباتها في اعتقاد النقص ، لم يكن بعيداً.
ص: 481
ولو مات الباذلُ أو جُنّ أو حُجر عليه ، فَسَدَ البذلُ ، ويجب تخصيص المبذول بطريق الحجّ حتّى قيمته ، فلا يجوز صرفه فيما يخرج عن الطريق إلا ما قضى العرفُ بدخوله.
ولا يُشترط غنى الباذل ، وإنّما يُشترط أن لا يكون ممنوعاً من التصرّف.
وفي اعتبار تحقّق الاستطاعة بدخول السنة بعد انقضاء أيّام الحجّ من السنة الماضية ، فيجب الحفظ إلى وقت ذهاب القافلة ، أو بحصولها ولو من قبل بسنين ؛ فإن لم يتمكّن في السنين الماضية ، أخّر ما عنده إلى زمان المكنة ، أو يوقف مسير القافلة.
وهذا البحث إنّما يجري فيمن يقطع طريقه إلى مكّة بأقلّ من سنة ، وأمّا غيره فيُعتبر فيها منه حصولها في وقت يسع الوصول. وقد يكتفى فيه بمجرّد الحصول.
ولو تعلّق حصول الاستطاعة أو البذل على سلوك طريق مخصوص ، تعيّن.
ثمّ الاستطاعة شرط وجوديّ ، فلو ذهب المالُ أو عَدَل الباذلُ قبل الرجوع إلى الوطن ، ولم يكن عنده تتمّة ، لم يكن مستطيعاً. ولو أتلف ماله أو مال الباذل أو ردّه على صاحبه ، وتسكّع ، لزمه الحجّ ، وأجزأ عن حجّة الإسلام. ولو أتلف ماله أو حصل الورود بعد الوقوف بالمشعر ، احتمل الإجزاء في وجه ضعيف.
ولو خرج إلى الحجّ بقصد الندب راكباً أو ماشياً ، فقلّ مصرفه لمرضٍ قلّل أكله ، أو رجاء (1) ، أو عدم الاحتياج إلى بذلٍ لدفع خوف ونحو ذلك قبل الدخول في الحجّ ، كان بحكم المستطيع. وإذا كان بعد التمام أو الدخول لم يكن.
ولو خاف على أهله أو ماله المعتبر وإن لم يكن في تلفه عليه ضرر من التلف ، أو من جحود الغارمين ، أو من تعدّي الظالمين إذا سافر ، ولا يندفع بالتوكيل ، جاز له التخلّف.
وصداقُ النكاح يدخل في الاستطاعة ، إلا مع لزوم الضرر.
ص: 482
ولا يجب عليه الطلاق قبل الدخول ليستطيع بالنصف ، ولا قبول بذل الزوجة عليه ، وإن كان كارهاً لها ، ولا الصلح على إسقاط الرجعة ، ولا الفسخ في مقام الخيار ، ولا الرجوع بالهبة ، بخلاف الإباحة.
ولا يجب على الولد البذل لوالده ، ولا النيابة إذا كان معضوباً وإن تعذّر غيره ، ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجّلاً عند سير الرفقة.
ولو حجّ المستطيع متسكّعاً ، أو بمال غيره ، مأذوناً فيه أو مغصوباً ، صحّ.
ولو سبقت (1) الاستطاعة في الأعوام الماضية ، فسعى إلى الحجّ مع الخوف ، عصى وصحّ حجّه.
ولو طاف أو صلّى أو سعى أو وقف أو رمى الجمار على مغصوب من الغصب ، ومعه من لباس أو غيره ، أو لبس ثوباً للإحرام ، أو اشترى بعين مغصوبة ، بَطَلَ ما عمل.
ولو جمع من الحرام قناطير من الذهب ، أو بُذِل له ذلك ، لم يستطع ، إلا إذا كان عنده من الحلال ما تقوم به الاستطاعة. ولو حصلت له الاستطاعة ، وهو مسافر ، فإن كانت ثابتة لو كان في وطنه ، فهو مستطيع ، وإن ضاقَ الوقت عن قطع مسافة ما بين الوطن وموضع أعمال الحجّ.
وإذا اختصّت بمحلّة دون منزله ، نوى ذلك. ولو تعدّدت الطرق برّاً أو بحراً ، واختصّت الاستطاعة بواحدٍ ، لزم حكمها. ولو استطاع فحجّ وترك عملاً يجب الرجوع إليه ، وليس عنده مئونة الرجوع ، بقي على حكم الاستطاعة.
ولو افتده (2) المواشي ، ووجد ما يمضي عنها من المشاة وتعارف ذلك ، كما هي عادة أهل الهند ، حصلت الاستطاعة في وجه قوي.
والسفينة بحكم الراحلة ، ولو توقّف على عمل سفينة عملها.
ص: 483
ولو كان له عبيد لا يمكنه بيعهم أو خدم عليهم حمله ، لم يكن مستطيعاً.
والتمكّن بالقدرة الإلهيّة بتسخير بعض الوحوش مثلاً ليس من الاستطاعة.
والاستطاعة الشرعيّة مخصوصة بالحجّة الإسلامية ، ولا يُعتبر في غيرها من أقسام الحجّ الواجب سوى الاستطاعة العرفيّة.
ولا يستطيع والد بمال ولده ، ولا العكس ، فضلاً عن باقي الأنساب والأسباب. ولا يجب على واحد منهم بذل الاستطاعة لآخر. وليس البذل للبذل من البذل إلا مع قصد التوكيل ، أو فضولاً مع الإجازة ، وفي لزوم القبول للبذل عن الغير إشكال.
ويُعتبر في الاستطاعة مضافاً إلى ما سبق وجودُ المحرم مع المرأة إن كانت ممّن تحتاج إليه ، لنجابتها ، أو من جهة الخوف على هتك حرمتها ، وإلا اكتفت بنفسها مع استغنائها ، عن غيرها أو بمن يقوم بخدمتها ، ويجب عليها.
وعلى جميع من احتاج إلى خادم أو زوجة أو سريّة أو غيرها القيام بمئونته. ويلزم بذل ما لا يضرّ بالحال لدفع من يخافه في طريقه قلّ أو كثر.
ويختلف مقدارُ ما تحصل به الاستطاعة باختلاف الأشخاص والدخول واختلاف العوارض. والظاهر أنّ سببَ الاستطاعة وإن تأخّر مقدّم على الواجبات الأُخر ، وإلا لارتفع الحكمُ عن المستطيعين بسبق نَذر في عدم الخروج عن أوطانهم أو عهد أو يمين ، كما أنّ من علّق شيئاً منها بعدم الخروج عن بيته يوم الجمعة لا يرتفع وجوب الجمعة عنه.
ولو تضرّر بركوبِ الراحلة ، وقدر على المشي من دون ضرر ، أو النفع به في وقع موضعه و (1) كان مالكاً لها ، سقطَ الحجّ على إشكال أمّا (2) لو نذر المشي إلى الحجّ في عام الاستطاعة فامتنع عليه الركوب شرعاً كان مستطيعاً.
ثانيها : عدم المعارضة بشي ء من الواجبات المخاطب بها في الابتداء. وأمّا ما يعرض
ص: 484
في الأثناء ممّا يسوّغه الاضطرار ، كالتيمّم للوضوء والغسل ، والصلاة مع نجاسة البدن أو الثياب ، وأكل المحرّمات للزوم الاضطرار المبيح له فلا يضرّ.
ثالثها : أن يتيسّر المسير ، ويتوقّف على أبحاث :
منها : إحراز الصحّة والقوّة ، مع التضرّر المعتبر مع عدمها في الركوب بكلّ نوع يتيسّر له ، وإن تيسّر له ذلك بمصاحبة طبيب استصحبه ، وقام بما يلزمه أولا يلزمه إذا لزمه به ، وتوقف اصطحابه عليه ، وصحب الدواء معه.
والعمى ، والعرج ، والإقعاد ، ونحوها غير مانعة مع عدم المنع ، وإن احتاج إلى القائد ، والمعدّل ، والحامل ، وجب اصطحابهم ، والقيام بما أرادوه.
وليس الحجر للسفه من الموانع ، غير أنّه يلزم الولي أن يجعل له صاحباً محافظاً ، ويقوم بما يطلبه.
ومن عجز عن ركوب البرّ ، تعيّن عليه البحر ؛ أو طريق أحدهما ، تعيّن عليه الطريق الأخر. وإن لم يقدر على الركوب ابتداء وأمكنه التطبّب قبله ، لزمه ذلك. وإذا قضى الطبيب العارف أو التجربة بضرر الحركة ، ولم يمكن ذلك ، سقط عنه الحجّ. وإذا اختلف الأطبّاء ، أُخذ بقول أعلمهم أو أكثرهم عدداً مع ارتفاع الخوف بقوله.
ومنها : التثبّت على الدابّة ، وعدم الخوف الشديد من الركوب مع صحّة البدن ، أو مرض وضعف لا يضرّهما الركوب. وإذا احتاج إلى رديف أو نحوه ، وجبَ عليه البذل له على نحو ما أراد ، إن لم يبلغ الضرر.
ولو توقّف الوصول على حركة عنيفة لا قابليّة له أن يتحمّلها ، ويحصل عليه العسر الشديد بسببها ولا علاج لها ، لم يكن مستطيعاً. ولو كان الإمكان موقوفاً على قلّة المسافة ، وكان ذلك موقوفاً على حمل خيام والانضياف إلى قافلة عظمى ، وأمكنه القيام بذلك ، وجب عليه فعله. ولو توقّف على قوم يحفّون به من جوانبه ، وأمكنه تحصيلهم ، وجب.
ومنها : اتّساع الوقت لقطع الطريق ، بحيث إنّه يظنّ أنّه يدرك واجبات الحجّ أركاناً و
ص: 485
غيرها ، ويحتمل الاكتفاء بإدراك المفسد تركها عمداً ، ويحتمل الاكتفاء بإدراك ما يفسد تركه عمداً وسهواً ، ولعلّ الأوّل أولى.
ولو توقّفت سعته على ركوب راحلة سريعة المشي ، أو سائق مخصوص ، وجب تحصيله ، ما لم يترتّب على ذلك ضرر عليه ، أو ظلم الحيوان.
فلو استطاع في ذلك العام ، ولم يبقَ من الوقت ما يسع ، ارتفع الوجوب في عامه. ولو مات ، يُقضَ عنه. ولو زعم السعة ، فبانَ خلافها ، لم يستقرّ في ذمّته ؛ وفي العكس يُحتمل الاستقرار ، فيأتي به في المستقبل إن لم يوافق الإتيان به ، وإن وافق مع قصد الاحتياط ، وجهان ، أقواهما الثاني.
ويجري (1) في كلّ من زعم عدم المال أو حصول المانع أو عدم التكليف فبانَ خلافه. ويُلحق به كلّ من زعم حصول شرط فرتّب عليه حكماً فبانَ خلافه.
ولو اتّسع الوقت للحجّ وحده ، أو للعمرة كذلك ، لزم الإتيان بما تعلّق به الإمكان. ويجب عليه ترك السنن والإتباع بالأعمال إذا توقّف عليها الإدراك.
ومنها : خلوّ الطريق عمّا يمنع من سلوكه ، فلو حصل المانع ، ولم يمكن رفعه بما لا يضرّ بالحال فلا وجوب ، من دون فرق بين ما يضرّ بالنفس قتلاً أو جرحاً مضرّاً أو العرض أو المال ، على طريق القهر والإذلال ، من عدوّ أو لصّ أو سَبُع أو ظالم متغلّب أو نحو ذلك. وإن وجد طريقاً سالماً ، لزم سلوكه وإن بَعُد ، مع التمكّن من أسبابه برّاً أو بحراً.
ولو توقّف دفعه على دفع المال باختياره أو إجباره من دون إضراره وجب. ولو كان الدافع غيره ، كان مستطيعاً وإن لم يملك مقدار المدفوع. ولو وجد بدرقة (2) يندفع بها العدوّ ، وتوقّف اصطحابها على بذل مال غير ضارٍّ ، لزم بذله.
ولو افتقر في المسير إلى القتال ، واطمأنّ بالسلامة ، وجب عليه السير والمقاتلة ،
ص: 486
مسلماً كان العدوّ أو كافراً. ولو علم بأكثريّة نفر المانعين من المسلمين ، سقط الحجّ ، ولو خاف من العدوّ بسبب سفره أن يقتل مؤمناً أو يهتك عِرض مؤمن ، سقط الوجوب ، وفي وجوب البذل إشكال.
البحث الخامس (1) : في أنّه إذا اجتمعت الشرائط وأهمل ، أَثِمَ ، واستقرّ ما استطاعة من الحجّ والعمرة في ذمّته ، فيجب عليه أداؤه فوراً متى تمكّن منه ، ولو لم يتمكّن إلا مشياً ، ويجتزئ بأقلّ ما يمكنه من مأكول وملبوس وفراش وغطاء ونحوها. فإن امتنع عليه بعد ذلك ، أو أمكنه وتركه حتّى مات ، فلا يخلو من قسمين :
الأوّل : أن يموت قبل الإحرام ؛ ودخول الحرم. فإن كان ذلك ، وجب فوراً على الوليّ الشرعيّ من وصيّ أو حاكم أو من يقوم مقامه حال غيبته من عدول المسلمين إخراج حجّة وعمرة قضاءً عنه ، ومع الوفاء بأحدهما فقط يتخيّر بين الأمرين ، والأقوى تقديم الحجّ. ويتعيّن ما فرض عليه ، من تمتّع أو قران أو إفراد من الميقات المجزي له ، ولا يلزم إخراجها من بلد الموت ، ولا بلد الاستطاعة ، ولا الوطن ، إلا مع الوصيّة ، فيخرج مقدار الميقاتيّة من الأصل ، والتفاوت من الثلث.
ولو كان عليه دَين ووفّى المال بهما معاً فلا كلام ، وإن قصر وزّع عليهما ؛ فإن وفى بأصل الحجّ فقط دون العمرة أو بالعكس ، اختصّ به ما وفى. وإن وفى بكلّ منهما مفرداً عن الأخر ، قُدّم الحجّ إفراداً أو قِراناً على الأقوى ، ويحتمل التخيير. وإن لم يفِ بشي ءٍ منهما ، رجع إلى الدين ؛ فإن زاد رجع إلى الوارث. وإن علم الوفاء مع التأخير بواحد ، ومع التقديم لا يفي بذلك ، أو علم الوفاء بواحد مع التقديم ، وبكليهما مع التأخير ، أخّر.
والزكاة ، والخمس ، ومجهول المالك ، ونحوها مع بقاء العين مقدّمة عليه ، وعلى الدين. وبعد فقد العين يكون كالدين ، وفي النذور والعهود والأيمان ذات وجهين ،
ص: 487
وتقديمه عليها أقوى الوجهين.
ولو كانت عليه حجّات إسلاميّة ، قضائيّة ، وتحمّليّة ، ونذريّة ، وعُمَر كذلك ، ولم يفِ بالجميع ، بنى على الترجيح للأهمّ فالأهمّ ، أو الأقدم فالأقدم ، أو من زادت جهات وجوبه على غيره. وصور اختلاطه كثيرة تظهر ، ويظهر حكمها بعد التأمّل.
القسم الثاني : أن يموت بعد الإحرام ، والكون في الحرم آناً ما بعده ، منويّاً أو لا ، بجميع بدنه أو ببعضه على وجه يتحقّق الصدق العرفي ، محرماً أو محلّا ، في الحلّ ، بعد الخروج من الحرم ، أو في الحرم ، مختاراً في حصوله فيه أو مجبوراً ، عالماً به أو جاهلاً ، عالماً بالحكم أو جاهلاً عاصياً في دخوله أو مطيعاً ، مستقرّاً عليه الحجّ فيما سبق من الأعوام أو في عامه مع الإهمال والتمكّن من الإكمال.
وفي إلحاق التمكّن من دخول الحرم ، والإهمال بذلك التمكّن ممكن ، وفي إلحاق باقي أقسام الحجّ الواجب والمندوب سوى حجّ النيابة لمشاركته حجّ الإسلام في أخذه من الأدلّة إشكال.
والظاهر أنّ المتمتّع بالعمرة بمنزلة الحاجّ ، وفي تمشية الحكم إلى العمرة المفردة ، والمحجوج به ، أو الحاجّ به بُعد. وفي إلحاق الجنون بالموت. حتّى إذا عادَ إليه العقل بعد مضيّ وقت الحجّ أو العمرة لم يُعدّ خروج عن قواعد الإماميّة ، وفي تمشية الحكم على من استمرّ على إحرام العام السابق إشكال.
وهي ضروب :
وفيها أبحاث :
ويُشتَرَطُ فيه أُمور :
منها : ما تتوقّف عليها الصحّة ، ومنها : ما يتوقّف عليها الإجزاء.
أمّا ما تتوقّف الصحّة عليه : فهو العقل حين العمل ، فلو كان الجنون أدواريّاً ،
ص: 488
وصادف ردّ العقل في وقوف المشعر ، أجزأ.
والتمييز ؛ فغير المميّز كالبهيمة لا يصحّ منه شي ء.
والإسلام ، والإيمان ، وعدم اشتغال ذمّته بواجبٍ مضيّق يتمكّن منه ، وإذن السيّد لعبده ، وإذن الزوج لزوجته ، وإذن الوليّ للمميّز ، ولا يتوقّف على إذن الوالدين.
وأمّا ما يتوقّف عليه الإجزاء وإن كان صحيحاً. فهو البلوغ ، فإنّ عمل المميّز صحيح ، لكن لا يُجتزأ به في فراغ الذمّة ؛ لعدم ظهور النيّة ، وعدم اقتضاء العقد وجوبه عليه ، فلا يكون مؤتمناً عليه ، ولا يقوم المندوب مقام الواجب فيما لم يقُم عليه دليل. ومثله العدالة إن كان الاستئجار لفراغ الذمّة ، ولخفاء النيّة ، وعدم العدالة الموجبة للوثوق ، وإن كان المندوب فلا بأس ، واحتمال الإجزاء كما في عدد الجمعة ، وانعقاد الجماعة ، وكلّ فعل يتوقّف على القصد والنيّة أو يؤخذ فيه ذلك كذبح الهَدي والعقيقة والأُضحيّة ، والذهاب إلى مكان كذا بقصد كذا ، والنيابة في الأذان والإقامة عن المصلّين ، ونحو ذلك لا يخلو من قوّة ، وليس ذلك بحكم الولاية والنّيابة ؛ لأنّ الخطاب توجّه إليه ، فالفعل فعله ، وليس نائباً فيه ، فإذا حصل الاطمئنان ، قوي القول بعدم البطلان ، وبمثل ذلك يقوى جواز نيابة الألثغ ، والفأفاء والتأتاء عن الصحيح مع دخول صلاة الطواف. ولا بأس بنيابة الرجل عن المرأة ، وبالعكس.
ويُشترط فيه أُمور :
الإسلام ، فلا تجوز النيابة عن كافر ، ملّيّاً كان أو لا.
والإيمان ، فلا تجوز النيابة عن غير الإمامي ، من فِرق الشيعة كان أو لا ، رحماً كان أو لا ، ناصبيّاً أو لا ، مستضعفاً أو لا. وفي استثناء الأب خاصّة دون الأُمّ وغيرها وجه ، والأوجه خلافه ؛ لظاهر الكتاب والسنّة (1). وما دلّ على جوازه وإن صحّ سنده شاذّ (2).
ص: 489
والتعيين بالقصد ، ويُستحبّ باللفظ ، فلو استأجر أحد شخصين مع الإبهام ، لم يصحّ.
وقابليّته للنّيابة ، فلا يجوز استئجار غير القابل ونيابته.
ويُشترط فيه : المعلوميّة ، وتعيين أنّه عمرة أو تمتّع أو قران أو إفراد عند وقوع العقد. ولو عرض له لزوم العدول بسبب من الأسباب أجزأ. وأن لا يعارض واجباً آخر قد شغل الذمّة سابقاً ، وهو قادر على الإتيان به ، ويمتنع اجتماعه معه. وأن يكون ممّا يجزي عن المنوب عنه لو كان حيّاً.
وهو قسمان : إجارة وجعالة ، ويجري (1) فيهما التأصيل والتوكيل ، والفضوليّة ، والمعاطاة ، ويتمشّى فيهما الشروط والأحكام على نحو ما إذا تعلّقت بغير الحجّ والعمرة.
ولو تبرّع متبرّع بالحجّ أو العمرة عن حيّ أو ميّت ، صحّ عنهما في المندوب وفي الواجب عن الميّت ونائبه ، ما لم يشترط عليه المباشرة ، وعن الحيّ مع عجزه في وجه ، وتجوز النيابة في السنة تبرّعاً عن واحد ومتعدّدين ، وكذا يجوز عقد الاستئجار في المستحبّ من واحد ومتعدّدين.
وفيه مطالب :
الأوّل : أنّ النائب في حجّة الإسلام أو مطلقاً في وجه إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم على نحو ما مرّ في المستطيع نفسه تكون حجّته تامّة ، ويجزي عن
ص: 490
المنوب عنه ، ويستحقّ الأُجرة بتمامها ، ولا نيابة بعمل مسقط لما في ذمّة المنوب عنه ، كما لو استأجر على حجّ تمتّع فعدل إلى الإفراد أو بالعكس ، وكما في نائب الصلاة إذا نقص منها شيئاً لا يخلّ بها.
ولا يجري (1) في غير الموت من الأعذار ، من جنونٍ ، أو صدّ من عدوّ ، أو حصر من مرض ، ونحوها. ولا في غير حجّة الإسلام ، من واجب وندب. وفي تمشية الحكم إلى النائب في حجّة الإسلام عن المستطيع العاجز وجه قوي.
ولو شرط عليه أنّه لو مات قبل الإتمام ولو بعد الدخول في الحرم والإحرام لم يستحقّ شيئاً ، اتّبع الشرط على إشكال.
المطلب الثاني : في أنّ النائب إذا مات بمرض قبل أن يحصل له مجموع الأمرين :
الإحرام ودخول الحرم ، أو جُنّ ، أو صُدّ بعدوّ ، أو حصر بمرض ، ونحو ذلك ، فلا يخلو من أحوال :
الأوّل : أن تكون الاستنابة بعقد إجارة أو جعالة أو غيرهما صرّح فيه بالتعلّق بمجرّد العمل ، فتكون المقدّمات لمصلحة النائب ، وليس للمنوب عنه فيه مدخليّة. وفي هذا القسم لا يستحقّ النائب شيئاً في هذا العمل ، وليس عليه الإتيان به في عام آخر إن تعلّق العقد بخصوص العام الّذي حصل العارض فيه. وإن ضمن الإتيان به ، لم تجب إجابته ؛ وإلا بقي في ذمّته ، يأتي به أو يُستناب عنه.
الثاني : أن يصرّح بالتعلّق بالعمل في مقاماته ، فهاهنا تُوزّع الأُجرة على النسبة مع ملاحظة المصارف والتعب ونحوها إن تعلّق بالعامّ المخصوص ، ومع الإطلاق يبقى الحجّ في ذمّته يأتي به أو يستناب عنه.
الثالث : أن يطلق في العقد ، وهنا إنْ تعلّق العقد بتلك السنة المعيّنة ، انفسخ العقد ، وبني على التوزيع على نحو ما مرّ ؛ لأنّ ظاهر الإطلاق ينصرف إلى التعلّق بالجميع.
ص: 491
وإن لم يقيّد بتلك السنة ، بقي مشغول الذمّة بالحجّ ، يأتي به أو يُستناب عنه ، ولو اختلفا في الإطلاق والتقييد ، بُني على التقييد.
ويجري مثل ذلك في الزيارات ، ومقاصد التجارات ، والعبادات ، وجميع ما يترتّب من مصارف داخلة ، كثوبي الإحرام ، والهَدي في التمتّع والقران ؛ أو خارجة ، كالكفّارات ، والبذل لدفع الصد ونحو ذلك على النائب إلا مع الشرط. وفي التوزيع يقتصر على الأوّلين : هَدي التمتّع والثوبين.
ولو استنيب مؤمناً ، فارتدّ أو رأى مذهب أهل الخلاف في الأثناء وعاد قبل الدخول في العمل ، قويَ القول بالصحّة فيهما ؛ وبعد الفراغ منه أو في أثنائه ، ولا يمكن العود إلى ابتدائه ، قامَ احتمال الصحّة في الثاني دون الأوّل ، ولو رجع عن المقصد من دون عذر ، فلا شي ء له.
ولو استؤجر على عملين : حجّ وعمرة ، فأتى مختاراً بحجّ غير تمتّع ، أو بعمرة مفردة ، وكان خالياً عن شرط الجمع ، أخذ من الأُجرة ما قضى به التوزيع.
ولو أتى بحجّ تمتّع أو عمرته ، لم يستحقّ شيئاً ، إلا مع الانقلاب.
ولو استؤجر على أحدهما فقط ، جاءه حُكمُ المقدّمات.
ولا يجب على المستأجر إكمال نفقة الأجير إذا قصرت ، ولا على الأجير ردّ الفاضل إذا زادت ، وإن استحبّ له ذلك ، ما لم يضيّق على نفسه.
والتبرّع في المندوب والواجب عن الميّت لا بأس به ، وتبرأ ذمّته ، وعن النائب فيه إشكال. ويجوز التبرّع في المندوب عن الحيّ والميّت.
ولو سبق المتبرّع الأجير ، احتمل : انفساخ الإجارة ، وبقائها ، ورجوعه ندباً. ولو استأجر نائباً ، فنسي فاستأجر آخر ، فحجّا معاً ، كانت الثانية ندباً. ولو اقترنا من الوكيلين في حجّة معينة كإسلاميّة مثلاً احتمل البطلان والصحّة ؛ لتحقّق الحقيقة فيهما.
المطلب الثالث : في أنّ الأجير إذا اشترط عليه شروط ، فلا يخلو إمّا أن يوافق من جميع الوجوه فلا كلام ، وإن خالف فلا يخلو من أقسام :
ص: 492
الأوّل : أن تكون مخالفته في تبديل النوع ، ولا يخلو من قسمين :
إمّا اختياري كما إذا استؤجر على تمتّع ، فأفردَ ، أو بالعكس ، وفي هذا القسم لا يستحقّ أُجرة على الغايات ولا المقدّمات.
واضطراري ، وفيه يستحقّها على المقدّمات والغايات. ولو كان في الإتيان بالنوع الأخر صلاح للميّت فقط فقد استحقّ الأُجرة تامّة بدلالة الفحوى والرواية (1) ، إلا مع التصريح بالعدم.
الثاني : أن تكون مخالفته في المقدّمات ، ويقع على أنحاء :
منها : الاختلاف في الطريق ، كأن يشترط عليه الحجّ من طريق البصرة ، فيحجّ من طريق الكوفة ، وفي هذا يحتمل وجوه :
منها : عدم استحقاق شي ء على الغايات والمقدّمات ؛ لأنّ المقيّد ينتفي بانتفاء القيد.
ومنها : الفرق بين أن يكون أفضل من المشروط ، فيستحقّ الجميع ؛ وأن يكون مفضولاً ، فلا يستحقّ شيئاً. وقد يلحق المساوي بالأفضل.
ومنها : عدم الاستحقاق على قطع الطريق إذا كان مفضولاً ، بخلاف الفاضل. وقد يلحق به المساوي.
ومنها : عدم الاستحقاق على الجميع مطلقاً ؛ لأنّ المدار على الغاية ، دون الطريق.
ومنها : أنّه إن علم أنّ الاشتراط لطلب الصلاح ، فسلكَ أصلح منه ، استَحقّ على الطريق والغاية ، وإلا لم يستحقّ شيئاً ، أو استحقّ مع نقص التفاوت من الجميع أو الطريق. والقول بعدم الاستحقاق على الطريق مطلقاً سوى محلّ الاجتماع والاستحقاق على مقدار الغاية وجيه لولا ما يظهر من الرواية المنجبرة بالعمل الدالّة على استحقاق الأُجرة على الجميع بقول مطلق (2).
ص: 493
ولا بدّ من تقييدها بما إذا لم يشترط عليه في ضمن العقد إلا أُجرة له على الطريق إن خالف شرطه وإن شرط عدم الأُجرة على الغاية أيضاً فلا يبعد الجواز وبما إذا لم يضطرّ إلى طريق آخر ، فإنّ الظاهر من إطلاق الإجارة أنّ الشرط مشروط بالاختيار ، إلا أن يدخل في الشرط الاضطرار.
الثالث : أن (1) يكون الاختلاف في شروط أُخر ، كخروجه من بلدٍ مُعيّن ، أو في زمانٍ مُعيّن ، أو على ميقاتٍ مُعيّن ، أو مع أصحابٍ مُعيّنين ، أو راكباً حيواناً ، أو لابساً لباساً معيّنَين ، أو طوافه أو سعيه أو شي ء من أعماله بكيفيّةٍ مُعيّنة ، إلى غير ذلك ممّا ليس فيه نصّ ، قام احتمال : لزوم إعطاء الأُجرة تماماً مطلقاً ؛ لحصول الغاية المقصودة بالأصالة ، وفي خصوص ما إذا عدل إلى الأفضل ، وقد يُلحق به المساوي.
وعدم (2) استحقاق شي ء ؛ لأنّه بالمخالفة صار متبرّعاً ، فلا يستحقّ شيئاً.
والرجوع إلى أُجرة [المثل] ؛ لأنّ المعاملة قضت بالمسمّى في خصوص الموافقة ، وتضمّنت حصول الإذن من غير تسمية على تقدير المخالفة ، والنقص من المسمّى بمقدار التفاوت.
والفرق بين أن يكون الشرط من المستأجر ، فيجي ء فيه ما مرّ ، وأن يكون من المؤجر فيستحقّ المسمّى.
والظاهر أنّ الشرط إن أخذ في الاستحقاق ، فلا شي ء ؛ وإن أخذ على وجه الإلزام الخارجي ، أخذ من المسمّى بمقدار النقص. والظاهر في هذا المقام هو الأوّل ، والمسألة في غاية الإشكال. واللّه أعلم بحقيقة الحال.
المطلب الرابع : في أنّ الأجير إذا صُدّ أو أُحصِرَ ، فتحلّلَ بذبح الهَدي ، لم يُجبر على القضاء ، وإن كانت الإجارة مطلقة على إشكال. ثمّ إن كان الحجّ ندباً عن
ص: 494
المستأجر ، تخيّر المستأجر في الاستئجار ثانياً ، وإن كان واجباً ، وجب الاستئجار ؛ ويردّ الأجير ما قضى به التوزيع من الأُجرة. ولو اشترط عليه استحقاق الجمع على العمل إن تعلّقت به الإجارة ، وعلى المجموع إن تعلّقت به ، صحّ. ومع اشتراط عدم الاستحقاق إلا بالتمام لا استحقاق. ومع اشتراط التوزيع مع النقص يقوى الجواز ، ويحتمل العدم ؛ لترتّب الجهالة. ويضمن الصادّ ما ترتّب عليه من الغرامة.
المطلب الخامس : في أنّ من تعدّدت عليه حجّات لتعدّد أسبابها ، فوجبت عليه الاستنابة لعجزه ، جاز أن يستنيب نوّاباً متعدّدين في سنة واحدة.
ومن كانت عليه حجّة واجبة تجب عليه فيها المباشرة ، لم يجز له الإتيان بمندوبة ، وفي النيابة عنه فيها وجهان ، أقواهما الجواز.
المطلب السادس : في أنّه لو وجب عليه حجّ لنفسه ، فنواه ابتداء عن غيره أو بالعكس ؛ أو لواحدٍ ، فنواه عن آخر ، عمداً أو سهواً ، لم يجزِ عن أحدهما. وإن عدل بقصده في الأثناء عمداً ، فكذلك. ومع العدول سهواً ، يبقى على حكم نيّته الأُولى. ويجري مثل ذلك في نوّاب العبادات من صلاة وغيرها.
المطلب السابع : في أنّ الإقالة مع التراضي من الحاكم جائزة ، وكذا من الوصي ؛ لأنّ الوصاية ولاية ، عمّم في الوصاية فلا يبقى إشكال أو أطلق ؛ لأنّ الوصاية ولاية على الأصحّ ، لا وكالة. ثمّ إن كان الفسخ قبل التلبّس فلا كلام ، وبعده توزّع الأُجرة على النسبة. ويُراعى في جواز الإقالة صلاح المنوب عنه ، كما إذا وجد نائباً خيراً من الأوّل.
وأمّا لو كان المستنيب حيّاً ، فالإقالة منه أو من وكيله عليها ، ولا تجوز مع النقص
ص: 495
ولا مع الزيادة.
المطلب الثامن : في أنّه يجوز للنائب أن يستنيب مع الإذن ، ومع الإطلاق وعدم اشتراط المباشرة أو فهمها ؛ (1) من قرينة الحال ، كزيادة الأُجرة ونحوها ، مع عجزه عن العمل ، وقدرته على الأقوى ، على نحو النائب في سائر العبادات ؛ لجريان حكم المعاملات في هذا الباب ؛ لدخوله فيها ، من غير فرقٍ بين إتيانه ببعض العمل وعدمه ، وبين الاستئجار بالأقلّ والأكثر ، ما لم يعلم من حال المستنيب عدم الرضا بذلك ، كما هو الظاهر من حال المستنيبين. ومع القصد في ابتداء الأخذ يدخل في الحيل والتزوير ، ومن يتعاطى ذلك من الناس لا اعتماد عليه في أمر الدين.
المطلب التاسع : في أنّ الثالث في العبادات في حجّ أو غيره عليه الإتيان بالشرائط المعتبرة في حقّه ، لا في حقّ المنوب عنه ؛ لأنّ المطلوب منه بالذات الأعمال ، والمقدّمات تُطلب من الفاعل لصحّة فعله. فما يطلب من جهة الفاعل يلحق فيه كلا حكمه ، وما يطلب للفعل يشتركان فيه. فعلى النائب ذكراً أو أُنثى ، ناقصاً أو كاملاً ، عن ناقص أو كامل حكم نفسه. وأمّا في نوع العمل ؛ فيلزمه الإتيان بما يلزم المستنيب ، فعلى القريب النائب عن البعيد أن يتمتّع ، وعلى البعيد النائب عن القريب أن يأتي بأحد القسمين الأخيرين.
المطلب العاشر : أنّه يجري في عقد النيابة ما يجري في عقد البيع والإجارة ، من خيارِ وصفٍ ، وشرطٍ ، وغبنٍ ، وعيبٍ ، واشتراط ، وتدليس ، وهكذا ، فلو استأجره على أنّه عالم عارف ، أو شرط عليه الخيار ، أو ذكرت أُجرة كليّة على العمل مع أنّها تقابل أضعافه ، أو ظهر عيب فيه ، أو اشترط فيه شروط ، أو دلّس نفس ، جاء الخيار ، وترتّب عليه أحكامه.
ص: 496
المطلب الحادي عشر : في أنّه لو استطاع بأُجرته ، فإن شاء عاد ورجع إن أمكنه ذلك ، وإلا أقام حتّى يأتي بحجّة الإسلام.
المطلب الثاني عشر : في أنّه لا يلزم النائب سوى الإتيان بالمسمّى ، فلو أتى بالطواف وركعتيه مرّة فرغت ذمّته ، وكان له أن يطوف عن نفسه وعن غيره ، متبرّعاً أو أجيراً.
ومثله نائب الزيارات ، فليس عليه سوى زيارة من استؤجر على زيارته مرّة واحدة ، وليس عليه زيارة من حوله ، أو من كان بعيداً عنه من نبي أو وصيّ أو مقرّب ، ولا صلاة زيارة ، ولا استئذان ، ولا تكبير ، ولا عمل كعمل عاشوراء ، ولا دعاء منصوص في وداع أو غيره ، إلا مع قيام شاهد حال أو مقال على اعتبارها فيها. وقد يختلف الحال باختلاف المحالّ ، فيكون من قرائن الأحوال.
المطلب الثالث عشر : في أنّه تجوز النيابة تبرّعاً ، من دون استئذان من له الولاية ، في واجب إسلامي وغيره ومندوب ، من حجّ وعمرة.
وعن الأحياء خصوص المندوب ، مع الإذن وبدونه ، على المنع وبدونه. ولا تجوز في واجب إسلامي وغيره عن المغصوب وغيره.
ويجري نحو ذلك في الزيارات ؛ فتجوز بأقسامها عن الأموات ، ولا يجوز عن الأحياء منها ، إلا ما كان من المندوبات.
وتجوز النيابة عن الأموات بجميع المندوبات من قراءات ، وأذكار ، ودعوات ، وصلوات ، مرتّبات وغير مرتّبات ، مبتدات وغير مبتدات. ولا يجوز عن الأحياء إلا ما نصّ عليه في الروايات ؛. (1)
المطلب الرابع عشر : في أنّه إذا أوصى الميّت بحجّ واجب أُخرج من الأصل ، إسلاميّاً كان أو لا ، على الأصحّ.
ص: 497
ثمّ إن عيّن القدر ، ووسع البلديّة ، أُخرجت من البلد ، واحتسب قدر الميقاتيّة وهو ما كان أقرب من المواقيت إلى مكّة من الأصل ، والزائد من الثلث. وإن لم يسع ، أُخرجت ميقاتيّة.
وجميع ما يوصى في الندب يخرج من الثلث ميقاتيّاً ، إلا مع القرينة وسعة الثلث. ومع إجازة الوارث يخرج جميع ما يخرج من الثلث من الأصل.
ولو قصر عن الوفاء بالقسمين ، تصدّق به عن الميّت ؛ لعزله عن حكم الوارث ، وجعله له ، وللرواية (1) ، سواء كان القصور حين الوصيّة أو بعدها.
المطلب الخامس عشر : في أنّه يستحقّ الأجير الأُجرة بالعقد إذا وافق ، وإن خالف فلا يستحقّ شيئاً ، ولا يجب تسليمه إلا بعد العمل ، إلا مع قرينة تدلّ على تسليمه كلّا أو بعضاً قبل العمل ، ونحوه أجير الزيارات والصلاة والصيام ونحوها على نحو المعاملات.
ولو أوصى بحجّ وغيره ، قُدّم الواجب المالي على الواجب البدني ، والواجب البدني على المستحبّ ، ومع الضيق في القسمين الأخيرين يُقدّم كلّ سابق على لاحقه. ومع التعارض في القسم الأوّل يقوى تقديم الحجّ ؛ حجّة الإسلام على عمرته ، ثمّ هما على غيرهما منهما ، ثمّ غيرهما على غيرهما. ومع التساوي في المرتبة يوزّع ، ومع عدم إمكانه يتخيّر. ويضعف احتمال القرعة.
ولو لم يعيّن العدد في حجّ أو عمرة أو عبادة أُخرى ، اكتفى بالواحد ، اشتمل على صيغة أمرٍ أولا. ولو صرّح بالتكرار مقدّراً ، اقتصر عليه ، وإن عمّم أو أطلق ، كرّر من الثلث حتّى يفنى. ولو قصر عن التكرار المقدّر. جعل ما لسنتين أو أكثر لسنة.
ص: 498
المطلب السادس عشر : في أنّه يُشترط علم الأجير بمقدار الأُجرة والأعمال في الجملة ؛ لئلا تلزم الجهالة ، واتّساع الوقت لما استُؤجر له. ولا تلزمه المبادرة مع التعيين مع أوّل دفعة ، بل يجوز له التأخّر مع الاطمئنان بالإدراك مع الرفقة الأُخرى. ولو قال له : حجّ عنّي ، وأطلق ، أو من حجّ عنّي فله جزاؤه ، أو حُجّ عنّي بما شئت ، فحَجّ ، استحقّ أُجرة المثل. وكذا لو ردّد بين حجّ وعمرة ، وإن صرّح بالتسمية.
المطلب السابع عشر : في أنّه لو لم يتمكّن الأجير في السنة المعيّنة ، انفسخت الإجارة ؛ فإن أُريد منه العمل في سنة أُخرى ، لزمَ تجديد الإجارة. ولو كانت مطلقةً ، بقيت في ذمّته. ومع الإطلاق واشتراط الفور أو التراخي ، يعمل بالشروط. ومع الإطلاق ، يُنزّل عرفاً على الفور. فإن أهمل في الأُولى ، صار فوراً في الثانية ، ممتدّاً مع صحّة الإجارة في العام المتقدّم ، وفي صحّتها مع التأخير أو الإطلاق ؛. (1)
المطلب الثامن عشر : في أنّه يجوز للأجير في حجّ أن يعتمر عن نفسه ، وفي عمرة أن يحجّ عن نفسه ، أو عن منوب آخر ، مع إمكان الجمع ، ويعود إلى الميقات مع إمكان العود إليه ، ومع عدمه يحرم من حيث ما أمكنه.
ولو أحرم من غير الميقات الموظّف مع المكنة ، فسد عمله ، وفي احتساب المسافة على نفسه فيردّ إليه بمقدار ما قصد من الطريق لنفسه وجه ، غير أنّ الفرق بين من قصد نفسه بالأصالة ومن قصدها بالتبع أوجه.
المطلب التاسع عشر : في أنّه لو فاته الحجّ بتفريطه ، تحلّل بعمرة عن نفسه ، وليس له شي ء.
وإن لم يكن عن تفريط ، كان له من المسمّى بمقدار ما عمله قبل الفوات.
ص: 499
ويحتمل إضافة أجرة عمرته لتسبّبها عن حجّه ، ولعلّ الأوّل أولى. واحتمال أُجرة المثل ضعيف.
المطلب العشرون : في أنّه لو أفسد حجّه ، كان عليه قضاؤه عن نفسه في القابل.
ثمّ إن كانت الحجّة معيّنة انفسخت. وعلى المستأجر استنابة أُخرى يستأجر هو بها أو غيره. وإن كانت مطلقة ، بقيت في ذمّته ، وليست الفوريّة تعيّنيّة ، وعليه حجّة ثانية ، والقول بوجوب الثالثة غير بعيد.
المطلب الحادي والعشرون : لو عيّن النائب والقدر تعيّنا ؛ فإن زاد القدر عن الثلث ولم يُجز الوارث ، أُخرج ما يحتمله الثلث ؛ فإن رضي به المعيّن ، قدّم على غيره ، وإلا استُؤجر غيره. ويحتمل الاقتصار فيه على أُجرة مثله من الميقات أو البلد على اختلاف الرأيين.
ولو عيّن النائب فقط وأطلق القدر ، فإن رَضي بما يخرج من الثلث ، قُدّم على غيره ، وإلا استُؤجر غيره. وفي العكس يتخيّر في النائب ، ومع إطلاق القدر فالظاهر أنّه لا يجب الاقتصار على أقلّ المجزي ، ولا طلب أعلى الأفراد من النوّاب ، بل يجوز اعتبار الوسط. ثمّ لا يجب عليه البحث والفحص عمّن يرضى بالناقص.
المطلب الثاني والعشرون : في أنّه إذا شرّك في النيابة ، وجعل قطع الطريق لواحد ، والعمل لواحد ، أو شرّك في الطريق أو في العمل مع إمكان فصله ، لم يكن بأس. وفي الاستنابة في عام الطريق أو بعضه لمن لم يكن من قصده الذهاب إلى القصد إشكال. أمّا لو قصد فمُنع أو عدلَ ، فلا إشكال.
المطلب الثالث والعشرون : في أنّ المنوب لو ظنّ نفسه بالغاً ، فظهر الخلاف ؛ فإن
ص: 500
كان بلغ (حين) (1) مجاوزة المشعر ، أجزأه عن حجّة الإسلام ، وإلا فلا.
المطلب الرابع والعشرون : في أنّه إذا قطع بعض المسافة ، فخرج عن الإسلام أو الإيمان ، فرجع حيث يُقبل رجوعه في مقام الردّة ثمّ أتمّ ، أجزأ ما فعله. ولو قطع بعض المسافة أو كلّها حال الارتداد ، ففي استرداد ما قابلها حيث تتعلّق الإجارة بالمجموع وعدمه وجهان ، أقربهما الثاني.
المطلب الخامس والعشرون : في أنّه لو كان عازماً على قطع الطريق أو بعضه أو الوصول مع القصد للعمل المستأجر على مثله أو غيره ، من دون إيجاب عليه في حجّ أو عمرة أو زيارة أو غيرها [جاز] ، كما يجوز الاستئجار على سائر الأعمال على ذلك النحو. ولو وجب بموجب آخر ، فلا.
المطلب السادس والعشرون : في أنّه لو صحّ المنوب ، ولم يعلم النائب حتّى أتمّ العمل ، فإن أدركه الموت قبل التمكّن من الحجّ في العام الثاني ، أجزأ عن حجّة الإسلام كما إذا لم يصحّ. ولو علم أو تبعه بعد صحّته ، قام احتمال الصحّة واللزوم ، فيعدل بنيّته إلى الندب ؛ والفساد ، ولعلّ الأوّل أولى.
المطلب السابع والعشرون : في أنّه إذا استُنيب عن منوب في سنة مطلقة على حجّ التمتّع ، فتأخّر حتّى تمّ للمعضوب في مكّة أكثر من سنتين ، فانقلب حجّه إفراداً أو قراناً ، احتمل الانفساخ ، والإجزاء من غير ردّ ، ومع الردّ ، والانقلاب ندباً ، ويستنيب المغصوب غيره ، ولعلّ الأخير أقوى. وفي وجوب العدول بالنيّة على فرض الإجزاء بقسميه وعدمه وجهان ، والأقرب الثاني.
ص: 501
المطلب الثامن والعشرون : في أنّه إذا ارتدّ المغصوب ، فخرج عن الإسلام أو الإيمان ، فهل تكون ردّته مُفسدة في الأثناء كالابتداء ، أو لا؟ والأقوى الأوّل. ثمّ على تقديره ، هل يأخذ الأجير الأجرة تماماً لحصول المفسدة من غيره ، أو لا؟ والأوّل أولى.
وإذا حصلت الردّة من النائب على وجهٍ يمنع من الإتمام ، لم يستحقّ شيئاً على الأقوى. وإذا استنيب عدلاً ففسق وقلنا باشتراط العدالة في الابتداء ، وسوّينا بينه وبين الاستدامة انفسخ العقد ، ولم يستحقّ أُجرة على ما وقع منه في أحد الوجهين.
المطلب التاسع والعشرون : في أنّه إذا تأخّر النائب مختاراً فضاقَ وقتُ الحجّ المستأجر عليه ، فأتى بغيره ، أو عدل إلى غيره في الأثناء ، قامَ احتمال الانفساخ ، والصحّة مع عدم الإجزاء ، والصحة مع الإجزاء. ولعلّ الأوّل أولى. وعلى القول بالإجزاء في القسمين أو في الأخير فقط يحتمل الردّ من الأُجرة بمقدار نقص العمل.
المطلب الثلاثون : في أنّه إذا استُنيب فظهرت استطاعته ، أو أنّ عليه حجّا واجباً في ذلك العام ، احتمل الانفساخ ولا شي ء له ، ويُحتمل الصحّة والإجزاء مطلقاً ، ويحتمل الفرق بين ما يكون الظهور قبل الوقوف بالمشعر وبعده ، فينفسخ في الأوّل ويعدل ، ويردّ ما وصله من أُجرة الحجّ. وأمّا ما سبق منه من عمرة ، فيأخذ مقدار أُجرتها. ويحتمل عدم أخذ شي ء منها ؛ لدخولها في الحجّ ، ويحتمل الصحّة عن المنوب عنه مطلقاً ، بناءً على أنّ الحكم يدور مدار العلم دون الوجود.
المطلب الحادي والثلاثون : في أنّه إذا استُنيب عن المغصوب في حجّة الإسلام ، فظهرت عدم استطاعته ؛ فإن علم النائب بذلك قبل الأخذ في السفر والاستعداد ، احتمل الفساد ، وليس للنائب شي ء ، واللزوم ، والانقلاب إلى الندب. وإن علم بعد
ص: 502
الشروع قبل التمام وقلنا باللزوم فلا كلام ؛ وإن قلنا بالانفساخ ، لزم التوزيع ، إلا مع التقييد في الوصيّة.
المطلب الثاني والثلاثون : في أنّه يجوز حجّ كلّ من الرجل وغيره ، والصرورة (1) وغيره في ثمان صور ، إلا مع التقييد في الوصيّة ، والنيابة في الطواف وركعتيه عن الميّت مطلقاً ، وعن الحيّ الغائب وفسّر بمن بَعُدَ بمقدار عشرة أميال ، والأقوى الرجوع فيه إلى العُرف أو المغمى عليه ، والمبطون. والظاهر إلحاق كلّ معذور.
ولا يجوز عن الحيّ الحاضر ، حتّى لو توقّف على الحمل ، حُمل. والأولى بل الأحوط أن يُحمل بحيث يجرّ قدميه على الأرض. وللحامل والمحمول معاً نيّة الطواف مع التعدّد فيهما أو في أحدهما ، فيُحتسب بطوافين أو طوافات ، وإن كان الحامل أجيراً على إشكال.
المطلب الثالث والثلاثون : في أنّه إذا مات من عليه حجّة واجبة ، ولم يوصِ ، أو أوصى بخلافها ، أو بأضدادها من غير الواجبات الماليّة ، وجب على الولي إخراجها ، مقدّمة على غيرها ، وعلى غيره مع عدمه حسبة. ولو كان له مال وديعة عند شخص ، وعلم أنّ الوارث ممتنع عن الإخراج ، اقتطع منها ما يفي بالبلدية إن أوصى بها ، وبالميقاتيّة إن لم يوصِ. ويجري مثله في جميع الواجبات الماليّة من الديون وغيرها.
المطلب الرابع والثلاثون : في أنّه يُستحبّ للنائب أُمور :
منها : أن يعيّن المنوب لفظاً ، ويأتي باسمه في المواطن والمواقف ، وعند الإحرام ، وعند الذبح. وقد نُصّ عليها في الروايات (2).
ص: 503
ويقوى لحوقُ جميع الأفعال بها.
ومنها : ردّ الفاضل من أُجرته إذا لم يضيّق على نفسه ، والإكمال له من المستأجر إذا نقصت عليه نفقته.
ومنها : أن يكون نائباً إذا لم يكن عنده شي ء يحصل به الغرض ؛ توصّلاً إلى تحصيل الأجر والشرف بالوصول إلى حجّ بيت اللّه ، وإلى زيارة قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
ومنها : أن يأتي بالأفعال والأقوال على أحسن الأحوال ، ويضيف على الواجب الذي شغلت ذمّته به غيره من الأعمال تبرّعاً ، كما يُستحبّ لمن حجّ عن نفسه النيابة فيما تصحّ النيابة فيه عن غيره.
المطلب الخامس والثلاثون : في أنّه إذا أجر نفسه في حجّ أو عمرة يجب على الأجير الإتيان بما شرط عليه حتّى الطريق.
وفيه مطالب :
الأوّل : في أنّ من شُغلت ذمّته بحجّ أو عمرة ، وجب الإتيان به ؛ فإن كان الفائت حجّا وحده ، أو عمرة وحدها لأنّ الذمّة قد شغلت بواحدٍ أتى به ، وإن شغلت بهما معاً ، أتى بالجميع ، من غير فرقٍ بين أن يكون دخل فيه ، ولم يبلغ حدّا يكفيه ، أو يكون تاركاً له من أصله. كلّ ذلك حيث تكون الاستطاعة سبقت أو لحقت عام المسير ، أو خصّته (1) وكان التأخير عن تقصير.
ولو استطاع أحدهما ، كان الحجّ قراناً أو إفراداً ، أو العمرة مفردة ، وعمرة التمتّع
ص: 504
لا تنفرد عن حجّها.
ولو استطاعهما ، وتمكّن من واحد ، لزمه الإتيان بالآخر. وإن كان مستأجراً لهما في سنة معيّنة ، فتمكّن من واحد ، ردّ من الأُجرة ما قضى به التوزيع ، وإن كان مقصّراً في ترك الإتيان بالآخر ، ما لم يكن الجمع مشروطاً ؛ أمّا مع الشرط فقد تقدّم ما يفيد حكمه.
ومن أحرم للحجّ بأيّ سبب كان ، ثمّ تعذّر عليه ، لزمه التحلّل بعمرة مفردة. فإن كان مطلوباً بحجّ وعمرة ، بقي مشغول الذمّة بالحجّ وحده. والظاهر أنّه لا يجوز له البقاء على إحرامه إلى السنة المستقبلة ، وأنّه لو بقي عصى واجتزأ بإحرامه.
ولو كان حجّه مستحبّاً ، تحلّل بالعمرة ، ولا حجّ عليه في القابل ، ويلزم الإتيان بمثل ما فاتَ من تمتّع أو إفراد أو قران مع الوجوب عليه ، والمكنة منه ، ويسقط عنه إذا انتقل إلى العمرة باقي الأفعال ، ويُستحبّ له الإقامة مع الناس في منى أيّام التشريق.
المطلب الثاني : في القضاء بسبب الإفساد في الحجّ لكلّ من جامع في قُبُل أو دبر ، أنزل أو لا ، محلّلة أو محرّمة ، حرّة أو أمة ؛ أو لاط بعد الإحرام في حجّ واجب إسلاميّ أو لا أو في حجّ مستحبّ ، قبل الوقوف بتمام بدنه بالمشعر ليلاً في وجه ، فسد حجّه ، ولزمه إتمام حجّه الفاسد ، وقضاؤه من قابل على نحو ما كان واجباً عليه ، بقي على الاستطاعة الشرعيّة أو لا.
ولا يجوز له التأخير. ولو أخّر ، التزم بالقضاء فوراً فيما بعد ، وهكذا.
والظاهر أنّ الفاسد فرضه ، والقضاء عقوبته.
ولو استمنى بيده أو جامع في غير الفرج ، أو كان غافلاً أو جاهلاً ، فلا قضاء. ولو أفسد حجّة القضاء ، كان عليه القضاء ، وهكذا إلى أن يأتي بحجّة صحيحة.
المطلب الثالث : في الإفساد في العمرة.
كلّ من جامع في عمرة مُفردة أو متمتّع بها ، على نحو ما مرّ في الحجّ ، قبل
ص: 505
الطواف أو في أثنائه أو بعده ، قبل السعي أو في أثنائه ، فسدت عمرته ، وعليه قضاؤها فوراً في وقت يصحّ فيه. ولا يجب عليه في المفردة قضاء حجّ إن لم يكن واجباً عليه ؛ لعدم التلازم بينهما. وأمّا المتمتّع بها ؛ فلا يبعد القول بلزوم قضاء الحجّ معها ، وإن لم يكن واجباً عليه ؛ للتلازم بينهما ، وإن كان القول بعدم لزوم ذلك أقوى ، وسيجي ء تمام الكلام في غير مقام.
المطلب الرابع : في أنّه لا يجب القضاء على الكافر إذا سبقت استطاعته ، وإن وجب الأداء عليه ، وشغلت ذمّته به ، وبالقضاء أيضاً إذا لم يستمرّ على الكفر ثمّ ذهب المال من يده ، ثمّ أسلم بعد ذهابه ، فلم تبقَ له استطاعة لحجّ ولا عمرة.
وإن بقيت استطاعته لأحدهما ، وجب عليه مع التمكّن منه. فلو ماتَ قبله ، فلا قضاء عليه (1) ، ويساويه ما كان في فسحة النظر ، وإن لم يكن ممّن نظر.
وإن أدركته الاستطاعة ، ولو في المشعر ، نوى ووقف وأتمّ ، ولا أثر لها بعده.
ولو كان مسلماً حين الاستطاعة ، فحجّ ثمّ ارتدّ ، كانت حجّته ماضية ، سواء كانت ردّته فطريّة أو ملّيّة ، ولا قضاء عليه ، وإن أسلم وقُبِلَ منه الإسلام وكان مستطيعاً.
وإن كان وقت الردّة مستطيعاً ، شغلت ذمّته بالحجّ والعمرة ، وإن ذهبت استطاعته قبل الإسلام ، بقي على شغل الذمّة ، وصحّ منه ، إن قُبل الإسلام منه.
وإن رجع عن الردّة وأسلم وقُبل منه الإسلام وأدرك المشعر ، جدّد النيّة وأتمّ. وإن كان نائباً ، أجزأت عن المنوب عنه.
وإن ارتدّ في أثناء عمل متّصل الأجزاء ، كصلاة الطواف ، فسد بخصوصه ، وفي المنفصل لا يترتّب عليه فساد ، ويبقى الإحرام على صحّته.
ولو أحرم حال كفره ، لم ينعقد إحرامه ، ويدخل في حكم الكافر الأصلي المنكر
ص: 506
لوجود الصانع ، والمشرك ، والجاحد ، والمنافق ، والمعاند ، وكافر النعمة ، وعبدة بعض المخلوقات ، ومنكر النبوّة والمعاد. وفي حكم المرتدّ : السابّ ، وهاتك الحرمة ، والناصب في أحد الوجهين ، ومنكر الضروري.
ولو كان مستطيعاً حال الردّة أو قبلها ، واستمرّ على الردّة ، لم يُقضَ عنه. ولو لم يستمرّ عليها وتاب ، قُضي عنه. ولو كان منشأ الاستطاعة هو الكفر أو الردّة ، فلا اعتبار لها. ويجري حكمها في جميع العبادات من صوم وصلاة وخمس وزكاة ، ما لم يبق لها حكم بعد الإسلام.
المطلب الخامس : في قضاء حجّ المخالف وعمرته إذا استطاع المخالف حجّا ، أو عمرة أو هما حال خلافه ، ولم يأت بهما ، شغلت ذمّته بهما ، وعوقب عليهما ؛ وكذا إذا أتى بهما ولم يستبصر.
وأما إذا أتى بهما واستبصر ، فإن كان أتى بهما تامّتين صحيحتين على المذهبين ، فلا كلام في صحّتها.
وإنّما يبقى الكلام في أنّ الإيمان كاشف أو ناقل أو مسقط ، والوجه الأخير أوفق بالقواعد.
وكذا إن ترك ركناً يقضي بالفساد عندنا وعندهم ، حكم بالفساد ، كما إذا ترك ما يقضي بالفساد عندهم لا عندنا.
ويجري الحكم في العامّة بأقسامهم ، والفِرَق المبطلة من الشيعة ، كالفطحيّة والناووسيّة والزيديّة ونحوهم ، والمرتدّ هنا كغير المرتدّ ، والفطري كالملّي.
وإذا استبصر قبل مجاوزة المشعر ، أتمّ ، وكان حجّا واقعيّاً.
وإذا كان على مذهب وجاء بالحجّ صحيحاً على وفقه ، ثمّ عدل إلى مذهب آخر ، فذهبَ إلى فساده ، ثمّ استبصر ، حكم بالصحّة. وبالعكس العكس ، والظاهر تمشية الحكم إلى الناصب.
ولو حجّ مؤمناً ثمّ ارتدّ إلى الخلاف ، مضى حجّه ، وإذا استبصر لم يعد.
ص: 507
وإذا اعتمر أو حجّ مخالفاً ، وبقي عليه العمل الأخر ، واستبصر بينهما ، صحّ الماضي ، وأتى بالباقي. ولو كان نائباً ، صحّ عن المنوب عنه ، أو سقط عنه. ولو كان تبرّعاً ندباً ، فالظاهر وصول الأجر إلى صاحبه.
ولو ناب (1) المخالف النائب عن مثله ، ثمّ استبصرا معاً ، أجزأ. وفيما إذا استبصر المنوب عنه دون النائب يقوى ذلك.
وهذه الأحكام يجري مثلها في العبادات البدنيّة ، وأمّا الماليّة المحضة كالخمس والزكاة ، وردّ المظالم ، ومال مجهول المالك ، ونحوه فلا تُعدّ تأديتها إلى أهل مذهبه تأديةً. وإنْ أدّاها إلى أهلها ، وأمكنت منه النيّة لزعمه أنّهم من أهل مذهبه فلا يبعد الإجزاء. ويضعف الاحتمال مع عدم إمكان النيّة.
المطلب السادس : لو أفسد العبد المأذون ، أثم ، وقضى حال الرقّ ، وليس للمولى منعه إن كان الإفساد لا عن اختيار. ولو كان عن اختيار ، احتمل ذلك ، وأنّه يلزمه بعد الحريّة ، ولعلّ الأخير أقوى ، وفي القسمين يحتمل وجوب نفقته على المولى ، ويضعف الاحتمال في القسم الأخير.
ولو أعتق في الفاسد قبل الوقوف ، أجزأه مع القضاء عن حجّة الإسلام ، وبعده لا يجزي ، وحجّة الإسلام مقدّمة.
المطلب السابع : تجري في القضاء وسائر ما وجب بالأسباب الخارجيّة الاستطاعة العاديّة ، ولا يتوقّف كحجّ الإسلام على الاستطاعة الشرعيّة ، فإذا تيسّرت لهُ ، بركوبٍ أو مشي أو تلفّق ، لزمته. والظاهر أنّ حكم البذل يتمشّى فيها.
وكلّما أفسد مقضيّة قضاها ، ويستمرّ على ذلك حتّى يأتي بصحيحة واحدة.
ويلزم في حجّة القضاء ما يلزم في الأداء ؛ فإن مات ، قضيت عنه من أصل المال
ص: 508
كحجّة الإسلام ، مع وجوب الأداء وعدمه.
المطلب الثامن : إذا بلغ الصبي ، وأُعتق العبدُ ، وعقل المجنون قبل الوقوف بالمشعر ، ووقعت منهم نيّة الحجّ حيث تتوقّف الصحّة على النيّة ، فأفسدوا حجّهم ، لزمهم الإكمال والقضاء ، ندباً كان المنوي أو واجباً ، إسلاميّاً كان أو لا ، على الأقوى.
وفيه مطالب :
المطلب الأوّل : في أنّه لا بدّ من إجراء الصيغة فيها على النحو المقرّر في مباحثها ، ولا يكفي الإضمار. وفي إجراء حكم الوكالة فيها إشكال.
ثمّ إن عيّن نوعاً خاصّاً من قِران ، أو إفراد ، أو عمرة مفردة ، التزم به ، ولا يجزي الإتيان بغيره ، ولا تلزم الزيادة عليه.
ولو عيّن حجّ التمتّع أو عمرته ، التزم بالإتيان بهما معاً. ولو أطلق أو خيّر فيه بين الاثنين والثلاثة والأربعة بجميع أقسام التخيير ، تخيّر. ويُلزم بجمع الحجّ والعمرة مع قيد التمتّع.
ولو عدّد الأقسام ، تعدّدت الأحكام. ولو كرّر المجانس مؤكّداً ، اتّحد الحكم. ولو كرّرهُ مؤسّساً ، تعدّد.
المطلب الثاني : في أنّه يُعتبر في صحّتها التمييز ، والعقل ، والقصد ، والاختيار ، والإسلام ، والإيمان ؛ فلا عبرة بما صدر من غير مميّز ، أو عن جنون ، أو عن سكر ، أو غفلة ، أو إغماء ، أو سهو ، أو نوم ، أو غلط ، أو دهشة ، أو جبر ، أو نصب ، أو كفر ، وإن كان الحادث منها في أثناء الصيغة ، ولو صادفت خوفاً واحداً أو متأخّراً أو وسطاً. ويجري مثل ذلك في جميع صيغ العبادات ، وفي المعاملات ، فيما عدا الأخيرين.
ص: 509
ولو وقعت صيغة ، من صيغها أو موجب من الموجبات فيما عداها ، فشكّ في أنّها وقعت حال وجود المانع أو الخلوّ عنه ، عمل على أصل براءة الذمّة فيما يتعلّق بحكم نفسه ، وإن ترتّب عليه خصومة للغير حكم بالصحّة ، واشتغال الذمّة له.
المطلب الثالث : في أنّها إذا تعلّقت بحجّ أو عمرة أو زيارة ، ونحو ذلك ، ولم يصرّح ببلديّتها ، وميقاتيّتها ، فهل ينصرف إلى البلديّة ، أو تغني الميقاتيّة ويتبعها حكم النيابة فيها؟ ولعلّ الأظهر في العرف إرادة البلديّة.
ويجري في نيابة الزيارات مثل ما ذكرناه في نيابة الحجّ ، إلا في مسألة الموت بعد دخول الحرم والإحرام ، وفي دخول المندوبات في باب الملتزمات في الصلاة والحجّ والعمرة والزيارات نظير ما تقدم في حكم النيابات.
المطلب الرابع : في أنّها إذا تعذّر القيامُ بجميعها ، وانحصر في بعضها ، فما الّذي يُقدم منها؟ وتحقيقه : البناء على المعادلة والترجيح في شدّة الوجوب وضعفه ، ففي المتخالفات الظاهر تقديم حجّة الإسلام على النيابة ، والنيابة على النذر ، والنذر على العهد ، أو بالعكس ، وهما على الإيمان.
وفي المتجانسات : يُنظر في المرجّحات الباعثة على شدّة الوجوب ، فما قارنها قدّم على غيره ؛ فاليمين المغلّظ لإيقاعه في الكعبة أو أحد المساجد الأربعة ، أو في الحضرات المنوّرة ، أو في باقي المساجد ، أو عند القرآن ، أو عند قبور بعض الأولياء أو العلماء ، أو في المجالس المعظّمة ، وهكذا مقدّم على غيره. ويُراعى اختلاف المراتب بينها.
وبالنظر إلى المتعلّقات تُبنى الأولويّة على الترجيحات ، فلو مات من عليه ملتزمات متعدّدة متعلّقة بالمال ، وجب على الوليّ الشرعيّ توزيعه عليها إن أمكن ، وإلا بُني على الترجيح.
والقول «بخروج ما عدا حجّة الإسلام والنيابة من الثلث» لا يخلو من قوّة.
ص: 510
المطلب الخامس : في أنّه يشترط في الملزمات الثلاثة إذا صدرت من زوجة دائمة ، أو متمتّع بها ، أو مُطلّقة رجعيّة أو عبدٍ قنّ ، أو مكاتب ، أو مدبّر ، أو مبعّض ، أو أُمّ ولد أو ولد أن يكون عن إذن الزوج ، والمولى ، والأب القريب ، دون الإباء البعيدة ، ودون الأُمّ ، فإنّ لم تتقدّم الإذن وقعت باطلة.
والاقتصار في التعميم للثلاثة على خصوص المملوك ، والزوجة ، وفي الولد على خصوص اليمين ، ثمّ القول بالانعقاد والتسلّط على الحلّ ، والقول بالتوقّف على الإجازة على تقدير الاشتراط ، غير بعيد.
المطلب السادس : في أنّه إذا فات شي ء منها ، عن تقصير ومطلقاً في النيابة وتعقّب الموتُ ، قضي من أصل المال ، كسائر الواجبات الماليّة.
والقول بخروج حجّ النذر وأخويه من الثلث غيرُ خالٍ عن الوجه.
وإلحاقُ غير المقصّر به قريب.
والقولُ بلزوم الاستنابة مع العمرة كما في المغصوب غيرُ خالٍ عن الوجه. ولو تكلّف المغصوب ففي الإجزاء عنه نظر.
المطلب السابع : في أنّ الأقسام لا تتداخل ، فلا يجزي الإتيان بقسم عن غيره ، ولا يجزي قسم منها عن حجّة الإسلام ، أُطلقت ، أو قيّدت بغير حجّة الإسلام.
وإذا تعدّدت بجميع أقسام التعدّد على المحلّ الواحد ، أجزأ الواحد. وفي الترك يتضاعف الإثم والكفّارة وجميع الأحكام.
المطلب الثامن : في أنّه لا يتوقّف وجوبها على الاستطاعة الشرعيّة ، وقد بيّن المراد منها ، بل على الاستطاعة العرفيّة. والظاهر أنّه تُستثنى فيها المستثنيات في الديون ، وحكمها كحكم غيرها من زيارات ونحوها ممّا وجب بالأسباب.
ص: 511
المطلب التاسع : فيمن التزم بحجّ أو عمرة أو زيارة ونحوها بكيفيّة مخصوصة ، وفيها مقامان :
الأوّل أن يلتزم بطريق الاستئجار ونحوه بحجّ أو عمرة أو صلاة أو زيارة أو نحوها بكيفيّة مخصوصة قضى بها الشرط ، أو انصرف إليها الإطلاق.
والحكم فيه : أنّه إذا أُخذ قيد مميّزاً وأتى به مع وقوع نيّة القربة في محلّها ، كانت للمنوب عنه مجّاناً ، ولا يستحقّ الأجير عليه شيئاً. وإن تعلّقت بالأصل تعلّقاً ، وبالقيد آخر ، نقص منها مقدار التفاوت بين ما فيه القيد وغيره.
المقام الثاني : فيما كان الالتزام بطريق النذر أو العهد أو اليمين ، وفيه مباحث :
الأوّل : في أنّ من التزم بواحدٍ من طرق الالتزام ، بأن يمشي أو يركب أو يبعّض إذا حجّ أو اعتمر أو زار ، لا يجب عليه شي ء من الأعمال ، لكنّه لو فعل أحدها وكان راجحاً في النذر غير مرجوح في غيره ولم يفعل ، عصى وكفّر ، وكان عمله صحيحاً ، وأجزأ عن حجّة الإسلام.
الثاني : في أنّ من التزم بالحجّ مطلقاً تخيّر ، وإن كان مقيّداً بالمشي أو بالركوب أو بالتبعيض ، لزمه الإتيان بالقيد إذا لم يكن مرجوحاً ؛ راجحاً كان أو لا. فإن قدر على الوصفين ، ولم يأتِ بهما لاعن عذر ، خالف في الكلّ ؛ أو بعّض في غير محلّ التبعيض ، أعاد مع الإمكان ، وقُضي عنه بعد موته إن كان مطلقاً ، وفي غيره تلزمه مع ذلك الكفّارة.
وإن كان معذوراً في تركه قضى مع الإمكان ، ولا شي ء عليه. ولا يجزيه أن يعيد الجزء الذي أخلّ به فقط.
وإذا تعذّر عليه مع القيد ، أتى به خالياً عنه ؛ فيركب إذا عجز عن المشي ، ولا يلزمه السوق ، ويستحبّ له ذلك. وإذا أمكنه المشي على الجسر ، تعيّن عليه ، وفي لزوم تقديم الأقلّ عرضاً على غيره وجه.
وفي تسرية حكم المشي إلى الزحف أو المشي على البطن بُعد. وأمّا مشي
ص: 512
مُحدودب الظهر فالظاهر دخوله تحت المشي.
وإذا كان في طريقه مَعبر ، عبر الراكب على نحو المعتاد ، والماشي واقفاً في المعبر ، عمّ المشي الطريق أو خصّ محلّ العبور.
وفي تقديم الانحناء على الجلوس ، والجلوس على النوم مع تعذّر القيام وجه. وإذا التزم بعبور البحر سقط الحكم عنه.
ولو نذر الحفاء (1) حين المشي ، أو حين الحجّ ونحوه ، لم يلزمه إلا بعد حصولهما.
ولو نذر العمل مقيّداً به ، وكان راجحاً ، لزم ، ومع تركه من دون عذر يُعيد العمل. وفي الحكم بوجوب المشي متنعّلاً وترك الركوب وجه قوّي.
ويأتي من القيد المتعذّر بمقدار الممكن منه.
ثمّ إن عيّن الزمان أو البلديّة أو الميقاتيّة لفظاً بلا قصد إذ يُغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل تعيّن ، وإلا فظاهرها البلديّة ، بخلاف النيابة.
الثالث : في أنّ النذر للحجّ وغيره وتفرغ الذمّة بالفراغ من طواف النساء ، ولا تدخل العمرة المفردة في إطلاق الحجّ في غير المتمتّع لا يصحّ من غير الإماميّ من المسلمين ، وإذا عمل بمضمونه ثمّ استبصر ، قام احتمال الصحّة فيها.
وأمّا اليمين والعهد حيث لا يشترط فيه القربة فيصحّ منه.
ولو كان الخلاف بعد النذر بقي على صحّته. وإن عاد إلى الحقّ قبل الوقوف بالمشعر صحّ الحجّ ، وفرغت الذمّة منه.
ولو تعلّق نذره أو شبهه بالصدقات فأدّاها ، قام احتمال وجوب قضائها ؛ لأنّه وضعها في غير محلّها. ولو وضعها في محلّها وأمكن قصد القربة ، قوي القول بالصحّة.
ثمّ الحكم بصحّة النذر والحج مشروط بموافقة مذهبه ، لا مذهبنا ، كما قرّرناه سابقاً.
ص: 513
الرابع : في أنّه إذا تعيّنت عليه حجّة الإسلام غلبت ما عداها ، تقدّم سببه أو تأخّر.
وإذا تعلّق بعضُ الأسباب بمعنى في حجّ أو غيره من العبادات ، وجي ء به لجهة أُخرى أخيرة بَطَلَ. ولو كان ناسياً أو ممنوعاً عن مقتضى السبب المتقدّم أو غير متمكّن منه ، صحّ ما أتى به.
وإذا كان على الميّت حجّة الإسلام وحجّة نَذر أو مطلق الملتزمة. قُدّمت حجّة الإسلام ، واستحبّ للوليّ قضاء حجّة الالتزام. ونذر الإحجاج إذا زاحم نَذر الحجّ بطل حكمه ، ويخرج من أصل المال بعد موت الناذر.
الموضع الثالث : في أنّه يستحبّ الحجّ والعمرة أصالة عن نفسه بالضرورة ، والإجماع ، والأخبار المتواترة ، حيث لا يكون مُلتزماً بواجب في سنة معيّنة ، ويريد فعل المستحبّ منها ، فإنّه يقع باطلاً.
والنيابة فيه تبرّعاً وبأُجرة عن الميّت والحيّ ، فقد رُوي أنّه : أحصي في عام واحد لعليّ بن يقطين خمسمائة وخمسون رجلاً يحجّون عن عليّ بن يقطين صاحب الكاظم عليه السلام ، وأقلّهم بسبعمائة دينار ، وأكثرهم عشرة آلاف (1).
ثمّ الحجّ المندوب يتوقّف على إذن المولى ، طالت مسافته أو قصرت ، من غير فرقٍ بين القنّ ، والمدبّر ، والمكاتب ، وأُمّ الولد ، والمبعّض إن لم يهايا ، أو هاياه وقصرت نوبته عن الوفاء بواجبات الحجّ. فإنّ لم يستأذن ابتداء فلا عمل له. وكذا كلّ عمل يستدعي طولاً أو مشقّة كالاعتكاف والإحياء ونحوهما.
وما كان يسيراً لا ينافي خدمة المولى ، فالظاهر جواز إتيانه به من دون استئذان ، إن لم يمنعه المولى ، أو لم يعلم بمنعه. وإن منعه في الأثناء ، وكان العمل ممّا يجوز قطعه ، قطعه.
وأمّا الولد ذكراً كان أو أُنثى فلا مانع من دخوله تحت العبادات بغير إذن والديه ،
ص: 514
طالت أو قصرت.
وإن منعا ، فإن كان العمل يستدعي طولاً ، ويترتّب عليه استيحاشهما وتأذّيهما ، فليس له الدخول فيه إلا مع ارتفاع المنع.
والظاهر أنّ ذلك يجري في الأسفار البعيدة لمجرّد النزهة ، من دون حاجة تدعو إليه ، دون ما كان لحاجة كالاكتساب مثلاً. وربّما يتمشّى الحكم إلى الأجداد والجدّات.
وهي أقسام :
الأوّل : ما يشترك بين الجميع.
الثاني : ما يشترك بين أقسام الحجّ فقط.
الثالث : ما يشترك بين العمرتين فقط.
الرابع : ما يخصّ حجّ التمتّع.
الخامس : ما يخصّ حجّ القِران.
السادس : ما يخصّ حجّ الإفراد.
السابع : ما يخصّ عمرة التمتّع.
الثامن : ما يخصّ عمرة الإفراد.
فانحصر البحث في مقامات :
وفيه مطالب :
المطلب الأوّل : في ما يشترك بين الأنواع الخمسة ، وهو النيّة ، وهي نيّة النوع ، وأجزائه المنفصلة ، ومنها : الإحرام.
والإحرام والتلبية ، واللبس دون النزع ، فلا يحتاج النزع إلى نيّة ، والطواف
ص: 515
والصلاة ، والسعي ، والترتيب.
وقد تقدم البحث في كيفيّة النيّة ، وأحكامها في هذا الكتاب ، وما تقدّمه من كتب العبادات ، فانحصر البحث في سبعة مقاصد :
وفيه فصول
وفيه مباحث :
وهو أُمور :
منها : توفير شعر الرأس ، واللحية. وربّما يقال بتبعيض الأجر ، وبالاقتصار على أحدهما ، وبالتبعيض فيهما أو في أحدهما على حسب ما يقتضيه التوزيع من أوّل ذي القعدة في مطلق الحجّ ، وإن كان في حجّ التمتّع آكد ، ويتأكّد عند هلال ذي الحجّة ، وكلّما قرب من الإحرام زاد تأكيده.
وفي العمرة مفردة أو متمتّعاً بها مقدار ثلاثين يوماً ، تمتّعيّة أو إفراديّة ، وإن كان في الأوّل أشدّ ، ويستحبّ عند الخروج إليها ، وكلّما قرب إلى الإحرام زاد تأكيداً. وربّما يقال بتبعض الأجر في تبعّضها ، فكلّ الوقت أفضل من بعضه ، والأبعاض يختلف ثوابها بالطول والقِصَر.
وتعميم الحكم في اللّحية للزّائد على قبضة لا يخلو من إشكال.
والظاهر عدم التمشية إلى لحية المرأة ، وفي دخول شعر الأنف ، والأُذن ، والرقبة والحاجبين في شعر الرأس وجه. والأوجه خلافه.
ويستحبّ الفداء لمن لم يوفّر.
ولا يدخل في اللحية الشعر البالغ إلى ما فوق الصدغ ، ولا ما كان بعيداً عن الحنك. ويمكن تسرية الحكم إلى الخنثى والمرأة.
ولا فرق في كراهة الأخذ منه بين ما يكون بحلق ، وما يكون بتقصير.
ص: 516
والظاهر تمشية الحكم إلى الصبي المميّز ، وأمّا غير المميّز إذا حجّ به الوليّ ، فلا يخلو من ظهور ، لكنّه في الأوّل أظهر.
ولو خيّر بين الرأس واللحية ، ومنع عن الجمع ، فتوفير الرأس أولى.
ومن وجب عليه الحلق لبعض الأسباب ، وتعلّقت به شدّة الاستحباب بحيث يزيد على هذا وجب عليه في الأوّل ترك التوفير ، واستحبّ له في القسم الأخير. والتوفير في الحجّ أشدّ استحباباً منه في العمرة ، وفي التمتع أشدّ منه في أخويه.
ومنها : تنظيف جسده ، وقصّ أظفاره ، والأخذ من شاربه ، وطلي جسده ، وإبطيه ، وعانته ودونه الحلق ، ودونهما النتف ، ودونها الحرق والاستياك ، ورفع السغب (1). ولا ترتيب فيها. ويستحبّ إعادة التنظيف ، وإن لم يطل الفصل.
ويتفاوت الفضل بطول الفصل وعدمه. ويشتدّ مع الفصل بخمسة عشر يوماً. ومن أفرد أو بعّض أو جمع بين الإفراد والتبعيض ، أُعطي من الأجر ما يقتضيه التوزيع.
ومنها : ذكر النائب اسم المنوب عنه فيه كغيره من الأفعال.
ومنها : الغسل ، ومع فقد الماء التيمّم في وجه ، ومحلّه الميقات. ولا بأس بتقديمه مع خوف عوز الماء ، وإذا وجده أعاده. وفي كون الوجدان ناقضاً ، أو لا لكنّه سبب للإعادة وجهان ، أقواهما الثاني.
ويكفي غسل أوّل الليل لباقيه ، وغسل أوّل النهار كذلك.
وروى : إجزاء غسل الليل للنهار ، وبالعكس (2).
ومع النوم تستحبّ إعادته ، وقد يلحق به مطلق الحدث ، أكبرَ كان أو أصغرَ. وفي كونه ناقضاً ، أو لا ، لكنّه يبعث على استحباب الإعادة ، وجهان ، أقواهما الثاني.
وإلحاق باقي الأغسال المستحبّة به في حكم النقض والاستمرار لا بأس به ، ويجوز تداخله مع الأغسال كغيره منها ، والترتيب ، والارتماس فيه ، وفي الاستحباب يقدّم على ما سبقه من الاداب.
ص: 517
وهو من جملة العبادات المعتبرة فيها النيّات ، بخلاف الباقيات ، فلو أتى بها من غير نيّة فلا تشريع بخلافه ، ولو دخل في الإحرام بلا غسل ، استحبّ له الإتيان به بعد إعادته الغسل.
والمدار على الإحرام ، الإحرام الأوّل ، فلو أتى ببعض المحرّمات من الإحرامين تعلّقت به أحكام الإحرام.
ولو سها فنوى الغسل لإحرام الحجّ ، وهو معتمر أو بالعكس ، فالأقوى الصحّة ، بخلاف ما إذا قصد غير الإحرام.
ولو قلّم أظفاره بعد الغسل لم يعد ، ويستحبّ مسحها بالماء.
ومنها : الصلاة قبل الإحرام ، وأفضلها الظهر مؤدّاة أو مقضيّة ، ثمّ مطلق الفريضة مؤدّاة أو مقضيّة ، أصليّة أو تحمّلية أو ملتزمة بنذر أو شبهه في وجه.
ثمّ صلاة ستّ ركعات تطوّعاً ، ثمّ أربع ، ثمّ اثنتين ، وكلّ مقدّم أفضل من متأخّر ، وكلّ فاضل من قسم أولى من مفضوله.
ولو أتى بصلاة التطوّع أوّلاً ، ثمّ بالفرض ، كان أولى. ولا بأس بصلاة الإحرام في جميع الأوقات ، وإن قلنا بكراهة المبتدأة في بعض الأوقات.
ولو أحرم من غير صلاة ؛ المستحبّ له الصلاة ثمّ إعادة الإحرام. والمدار على الإحرام الأوّل.
ويُشترط عدم الفصل الطويل بين الصلاة ، والدخول فيه ، وليس منه الفصل بالتعقيب على النحو المتعارف.
ولو لم يكن عليه صلاة مكتوبة ، استحبّ أن ينذر نافلة ؛ لتكون واجبة. ولا يلزم الإتيان بشي ء من السنن إلا في حجّ النيابة بالإجارة ونحوها إذا نصّ عليها أو قضى بدخولها العرف ولو بالنسبة إلى المستأجرين.
ومنها : التصريح بالنيّة بأن يقول : اللّهم إني أريد الإحرام : إلى أخره ، ويستحبّ أن يقرأ في كلّ ركعتين منها في الأُولى الحمد والإخلاص ، وفي الثانية الحمد والجحد.
فعن الصادق عليه السلام : «لا تدع سورة الإخلاص والجحد في سبعة مواضع
ص: 518
الركعتين قبل الفجر ، وأوّل نوافل الزوال ، وأوّل نوافل المغرب ، وأوّل صلاة الليل ، وركعتي الإحرام ، وركعتي الفجر إذا أصبحتَ بها ، وركعتي الطواف» (1).
وفي الكلّ في الأُولى التوحيد ، وفي الثانية الجحد ، سوى ركعتي الفجر ، فإنّها بالعكس.
وهو أُمور :
منها : التلفّظ بالمنويّ ، إن حجّا فحجّاً ، وإن عمرة فعمرة ، وإن كان تمتّعاً أو قِراناً أو إفراداً أو عمرة تمتّع أو إفراد صرّح بأسمائها.
ومنها : الاشتراط على اللّه بأن يحلّه حيث حبسه ، وإن كان حجّا أضاف إليه قوله : «إن لم يكن حجّة فعمرة» وسيجي ء بيان ثمرته.
ومنها : أنّه لا تحتاج كلّ تلبية إلى نيّة مع القول بوجوبها ، بل تكفي نية الجملة.
ومنها : أنّه يكره دخول الحمام للترفّه ، بل مطلق الترفّه ، ولا بأس بدخوله لتنظيفه ، أو خدمة الداخلين ، ونحو ذلك.
والمراد به : ما أعد للماء الحار ، والهواء الحار ، فالمسلخ ليس منه ، ولا ما جعل على هيئته ووضع فيه الماء البارد ، إلا أن يستلزم ترفّهاً. ثمّ يكره دلك الجسد فيه ، مع عدم الإدماء وإسقاط الشعر ، ومعهما يحرم.
ومنها : أن يذكر النائب اسم المنوب في المواقف ، وعند الأعمال.
ومنها : أنّه تكره تلبية المنادي كائناً من كان ، وتتضاعف الكراهة بتضاعفها ، وليس من ذلك قول : «لبّيك يا ربّ» ونحوه ، وينبغي أن يكون بدلاً عنها «يا سعد» ، قيل : أو نحوه (2).
ص: 519
ومنها : ما يقال بعد الصلاة : فعن الصادق عليه السلام : «إذا انفتلت ، فاحمد اللّه ، وأثن عليه ، وصلّ على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقل : اللّهم إنّي أسألك أن تجعلني ممّن استجاب لك ، وأمن بوعدك ، واتبع أمرك ، فإنّي عبدك ، وفي قبضتك ، لا أُوقى إلا ما وقيت ، ولا أوخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحجّ ، فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنّة نبيّك ، وتقوّيني على ما ضعفت عنه ، وتسلّم منّي منا سكي في يُسر وعافية ، واجعلني من وفدك الّذين رضيت ، وارتضيت ، وسمّيت ، وكتبت.
اللّهم خرجت من شقّة بعيدة ، وأنفقت مالي في ابتغاء مرضاتك ، اللّهم فتمّم لي حجّي وعمرتي.
اللّهم إنّي أُريد التمتع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك ، فإن عرض لي شي ء يحبسني ، فحلّني حيث حبستني بقدرك الّذي قدّرت عليّ.
اللّهم إن لم يكن حجّة فعمرة ، أحرم لك شعري ، وبشري ، ولحمي ، ودمي ، وعظامي ، ومخي ، وعصبي ، من النساء ، والثياب ، والطيب ، أبتغي بذلك وجهك ، والدار الآخرة» (1).
وروي بأنحاء أُخر (2) ، وهذا أجمع ، وأنفع.
وهو أُمور :
أحدها : النيّة ، ويعتبر فيها القربة ، ومتى خلا الإحرام عنها عمداً أو سهواً بطل. ونيّة النوع تعيّنه ، فلا يضرّ إطلاقه بين الحجّ والعمرة ، وبين ضروبهما. ولو أطلق النوع ، وقيّد الإحرام ، فرجع إلى تقييد النوع ، صحّ ، وإلا فلا.
ولو عيّن في مقام التخيير ونسي تخيّر ، والعدول إلى العمرة في محلّ الجواز
ص: 520
أحوط. ولا يغني التعيّن عن التعيين في النوع ، فيبطل الإطلاق والترديد ، والأول إلى التعيين لا يغني عنه ، فلو أهلّ بما يعمّ نوعين أو أكثر ، أو قال : «كإهلال فلان» لم يصحّ.
وإهلال عليّ عليه السلام قضيّة في فعل ، ولا ريب أنّ علمه البشري تعلّق بهذه المسائل وغيرها من ظهر الغيب ، أو بتعليم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم قبل وقوعها.
ولا فرق بين أن يهلّ كإهلال فلان ، وبين أن يقول : أصلّي كصلاة فلان أو أصوم كصومه ، ولا اعتبار بالنطق ، كما في غيره من العبادات ، وإن استحبّ فيه وفي الاعتكاف ، ولا ثمرة في الإظهار إذا خلا عن الإضمار.
ولو جمع بين الأمرين في جميع العبادات فلا بأس ، إلا في الصلاة بعد قول : «قد قامت الصلاة ؛ وإن ردّد بين نوعين أو أكثر أو جمع بَطَلَ. ولو نطق بشي ء عمداً أو سهواً ، وأضمر غيره منع الحكم الإضمار ، وألغى الإظهار.
ولو شرط في الاستئجار أو قضى عُرف الأُجراء به ، لزم كسائر السنن ، ولا يلزم فيها الاشتراط ، وصورته الإحلال من الحبس إذا عرض عارض.
ولو شرطه مطلقاً أو معلّقاً له بمشيّته أو بمشيّة غيره ، أو قيّده بعدم العُذر ، أو بمشيّة اللّه تعالى في أحد الوجهين ، بَطَلَ. وتظهر ثمرته في الصدّ أو الحصر عن الحجّ أو العمرة المندوبتين ، أو ما اختصّت استطاعته بذلك العام. ويجري ذلك في جميع الموانع ، فلا يبقى عليه حجّ واجب ، ولا إحرام لازم.
وفي خصوص الحجّ يقول : «إن لم يكن حجّة فعمرة» ولو كان الحجّ والعمرة مستقرّي الوجوب ، بقي الالتزام ، وإنّما الثمرة في عدم استمرار الإحرام ، فيحلّ ويقضي.
وهو عبارة عن حالة تمنع عن فعل شي ء من المحرّمات المعلومة ، ولعلّ حقيقة الصوم كذلك ، فهما عبارة عن المحبوسيّة عن الأُمور المعلومة ، فيكونان غير القصد ، والترك ،
ص: 521
والكفّ ، والتوطين ، فلا يدخلان في الأفعال ، ولا الأعدام (1).
بل هما حالتان متفرّعتان عليها ، ولا يجب على المكلّفين من العلماء فضلاً عن الأعوام الاهتداء إلى معرفة الحقيقة ، وإلا للزم بطلان عبادة أكثر العلماء وجميع الأعوام.
تثنية اللب ، بمعنى الملازمة أو الإقامة أو الإجابة أو القصد أو المحبّة أو الإخلاص ، وقد جمع بين الاثنين ، فما زاد من باب الجمع بين معاني المشترك ، أو الحقيقة والمجاز.
والمراد : أنّ اللّه ناداه بالحجّ مثلاً فلبّاه.
والكلام فيها في مواضع :
والأقوى أنّ الواجب أربع تلبيات ، يأتي بهنّ كيف شاء من الصور الواردة في الروايات (2).
ولو أخذ بعض التلبيات على نحو ما في رواية ، وكمل الباقي من غيرها ، فلا مانع ، وهي كثيرة :
منها : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.
ومنها : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك.
ومنها : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، إلى أن قال : واعلم أنّه لا بدّ لك من التلبيات الأربع الّتي كنّ أوّل الكلام ، وهي الفريضة ، والتوحيد ، وبها لبّى المرسلون.
ص: 522
ومنها : لبّيك اللّهم لبّيك ، لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك بحجّة تمامها عليك.
ومنها : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك لبّيك ، وهذه الأربعة مفروضات.
ومنها : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك.
ومنها : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة والملك لك ، لا شريك لك.
ومنها : لبّيك اللّهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد ، والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك.
(ومنها : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك) (1).
ومنها : لبّيك اللّهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ (2).
وفي كلام بعض الفقهاء ما لا يوافق الروايات من الهيئات (3) ، ويظهر من بعض كلماتهم وجوب ما يزيد على الأربع (4) وهو مردود بالإجماع والأخبار (5).
ولا حاجة إلى الإتيان بفتح «إنّ» مرّة في وجه ضعيف وكسرها أُخرى ، وتقديم «لك» على «الملك» ثمّ تأخيرها ، ولا إلى الإتيان بالتلبية مرّة قبل قوله : «إنّ الحمد لك» إلى أخره ، وبعدها أُخرى ، والتلبية بعد «لا شريك لك» وقبلها.
ص: 523
ويجب الإتيان بها على الوجه المشروع ، فلو عصى بها مولاه ، أو عنى للإشارة إلى الطعن على مؤمن ، أو أزعج بها العاملين أو غيرهم حتّى خيف عليهم [لم يصحّ].
ثمّ الإتيان بها على النحو المألوف ، فلو فصل الحروف أو بدّل حرفاً أو حركة بغيرها أو بسكون ، أو سكوناً بحركة ممّا يدخل في الصيغة ، أو فكّ إدغاماً ، أو بدّل فتح الكاف بحركة أُخرى ، أو جمع بين حركتها وهمزة اللّهمّ في الدرج ، فتدور الصحّة حينئذٍ بين الوقف مع السكون ، وكذا مع الحركة في وجه آخر وإبقاء الهمزة ، وبين الدرج وحذفها.
والممنوع عن الإتيان بها لنقصٍ فيه أو لغير ذلك يعقدها بقلبه ، ويحرّك لسانه ، ويُشير بيده قاصداً لمعناها. فتلبية الأخرس ، وتشهّده ، وقراءته القرآن في الصلاة : تحريك لسانه ، وإشارته بإصبعه.
ومن عجز عن بعضها أتى بالبعض الأخر مع العقد ، ومقارنته ، ويحتمل قصر هذا الحكم على خصوص مؤوف اللسان.
وإذا عجز عن الجميع ، أتى بالترجمة الموافقة للأدب. ولسان العرب مقدّم على باقي الألسن ، ويحتمل تقديم العجمي على البواقي ، وفي تقديمها على المحرّف العربي أو المحرف العربي عليها إشكال.
ويقوى القول بوجوب الاستنابة ، ثمّ القول بوجوب الأمرين معاً غير بعيد ، ويجزي إيقاع صورتها ، وقصد معناها مجملاً عن تصوره مفصّلاً. ولو قصد بالخطاب غير اللّه من نبي مرسل أو ملك مقرّب ، وقعت لاغية.
يُستحبّ بعد التلبيات الأربع أن يقول : «إنّ الحمد ، والنعمة لك ، والملك ، لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك ، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك ، لبّيك أهل التلبية لبّيك ، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك ، مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك تبدأ المعاد إليك لبّيك ، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك يا كريم لبّيك».
ص: 524
وفي بعض الأخبار بعد قول : لبّيك تبدأ المعاد إليك لبّيك : «تستغني ونفتقر إليك لبّيك ، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك ، لبّيك إله الحقّ لبّيك ، لبّيك ذا النعماء والفضل والحسن الجميل لبّيك ، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك ، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك ، لبّيك يا كريم لبّيك» (1).
وزيادة : «بمتعة بعمرة إلى الحجّ» (2) أو زيادة : «بحجّة تمامها عليك» (3) ، وزيادة : «أتقرّب إليك بمحمّد وآل محمّد لبّيك» (4) وفي بعضها : «لبّيك في المذنبين لبّيك» (5).
وهو أُمور :
أحدها : أنّه ينبغي للملبّي أن يرى نفسه بمحضر الخطاب ، حتّى كأنّه يرى عظمة ربّ الأرباب ، فيهتزّ من الخشية والهيبة عند ردّ الجواب ، وأن يعزم على الانقياد والامتثال عند تلبيته ، والقيام بما خاطبه به من عبادته.
ويلبس ثياب الحياء والوقار ، ويتذلّل كمال التذلل بين يدي العزيز الجبّار ، فإنّ اللفظ إذا تجرّد من هذه الأحوال ، كان شبيهاً بألفاظ المجانين والأطفال.
فكم من الفرق بين مخاطبة العشّاق ، ومخاطبة الكاذبين بالحبّ ، المتّصفين بالنفاق.
وكم من الفرق بين من أشبه في معرفته باللّه بين من دخل النار فأحرقته ، ومن دخلها فمسّته ، ومن دنا منها وما أصابته ، ومن اهتدى إلى معرفتها بالآثار ، ومن لم يعلم بوجودها إلا من الأخبار ، جعلنا اللّه وإيّاكم من أهل الحبّ الصادق ، وشغل قلوبنا ، وألسنتنا عن ذكر المخلوقين بذكر الخالق.
ص: 525
الثاني : أنّه يستحبّ تجديدها في كلّ حين ؛ لأنّها شعار للإحرام ، ومتضمّنة لجواب الملك العلام ، مع كثير من الأذكار ، كما تضمّنه ما مرّ من مضامين الأخبار (1).
وقد روي : أنّ من لبّى سبعين مرّة في إحرامه إيماناً واحتساباً أشهد اللّه له ألف ملك ببراءته من النار ، وببراءته من النفاق ، وأنّه ما من مُحرم يُضحي ملبّياً حتّى تزول الشمس إلا غابت ذنوبه معها (2) ، وفي مرفوع جابر : «ما بلغنا الروحاء حتى بحّت أصواتنا».
ويتأكّد استحبابها عند كلّ صعود على أكمة أو شجرة أو دابّة أو نحوها ، وهبوط منها أو من الوادي ، وحدوث حادث من نوم أو يقظة أو ملاقاة أحد ، وصلاة مكتوبة أو نافلة ، وفي الأسحار.
الثالث : أنّه يستحبّ الجهر بها للحاجّ من الرجال ، دون النساء والخناثى على طريق المدينة حين يحرم إن كان راجلاً ، وإذا علت راحلته البيداء إن كان راكباً ، ولا مانع من العكس ، ولو أخّر التلبية إلى علوّ البيداء أو قبل ذلك راجلاً أو راكباً ، فلا بأس.
والأحوط أن يقرن التلبية بنيّة الإحرام ، والمراد بعلوّ البيداء مبدأ علوّها عند أوّل ميل على اليسار ، والحكم باستحباب تأخير الجهر عن زمن الإحرام بمقدار قليل من الزمان ، بل تأخير التلبية من الأصل للحاجّ على طريق المدينة وغيره متمتّعاً أو لا ، وللمعتمر متمتّعاً أو مُفرداً غير بعيد.
والمرجع في معرفة السرّ والجهر إلى العُرف ، والبيداء على ميل من ذي الحليفة ، وذو الحليفة ماء لبني جُشَم على ستّة أميال من المدينة (3).
الرابع : ان تنتهي التلبية استحباباً ولا يبعد الوجوب للحاجّ متمتّعاً أو مقرناً إلى الزوال من يوم عرفة ، وإلى مشاهدة بيوت مكّة القديمة للمعتمر عمرة التمتّع ، ويحصل
ص: 526
بالوصول إلى عقبة المدنيين ، وغير المبصر يرجع إلى المبصر ، والماشي في الظلام إلى الخبير.
والمعتمر بالعمرة المفردة (1) إذا خرج من مكّة إلى أدنى الحلّ يقطع عند مشاهدة الكعبة ، وإلا فمن حين دخول الحرم. ويستحبّ تأخير الجهر للحاج من مكّة إلى الإشراف على الأبطح.
ويظهر من بعض الأخبار استحباب ترك التلبية إلى بلوغ الردم (2) ، والردم كالأبطح ، والظاّهر عدم لزوم موضع معروف ترى منه مكّة.
والذي يظهر من اختلاف الأخبار عدم لزوم الإسرار ولا الإجهار بالنسبة إلى الحدود ، ولا المقارنة للإحرام ، والأحوط الإتيان بالتكبيرات سرّاً عند عقد الإحرام ، ثمّ يجهر بها في موضع الإجهار.
وينكشف بأُمور :
أحدها : النيّة ، والظاهر الاكتفاء فيها بنيّة الإحرام ، مُستدامة كسائر الأجزاء المرتبطة ؛ لأنّها من التوابع ، والأحوط أن ينوي التلبيات الأربع بعد (3) إحرام عمرة التمتّع أو حجّه أو قسيميه أو العمرة المفردة لوجه اللّه ، فقد بانَ أنّه لا تجب النيّة من أصلها ، ولا تلزم قيودها ، ولا يفسد تركها عمداً ، ولا سهواً. ويغني استدامة نيّة الإحرام عنها ، فإن لم يستدم نيّته الإحرام ، وجبت نيّتها.
ولو نوى ما زاد على الأربع على وجه الجزئيّة أو ما نقص عنها على وجه التماميّة أو أدخلها في غير النوع الّذي وظّفت له على وجه العمد ، بطلت من أصلها. وإذا كان ذلك مع السهو ، صحّت ، وألغى الزيادة ، وأتمّ النقيصة ، وعدل إلى النوع المراد. ولو قصد إدخال الزائد في الأجزاء بعد الفراغ ، شرّع ، ولم يفسد الماضي.
ص: 527
ولو ترك نيّة الإحرام ونحوها من الأجزاء المنفصلة ولم (1) يكن مُستديماً لنيّة المجموع ، بَطَلَ ، ولو استدام ، احتملت صحّته.
ثانيها : أنّها في حجّ التمتّع والإفراد والعمرتين بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة ، غير أنّ التكبير يُعتبر فيه المقارنة دونها ، فلا ينعقد الإحرام بمحرّمات الإحرام من جماع ، وصيد ، وطيب ، ونحوها.
ويتخيّر القارن في عقد إحرامه بها ، أو بالإشعار المختصّ بالبُدن أو التقليد المشترك بينها وبين غيرها ، فإنّهما قائمان مقام التلبية. ولو جيئ بأحد القسمين ثمّ بها ، أو بالعكس ، كان (2) الأخير سنّة.
ولبس الثوبين مجرّداً عنها لا يقتضي إحراماً ، ولا تحريماً.
ولو أتى بأحدهما ، ثمّ بالآخر على قصد السنّة ، ثمّ بانَ فساد الأوّل ، فالأقوى الصحّة.
ثالثها : أنّه يستحبّ بعد الإتيان بها أحد أمرين :
إما الإشعار للبُدن بشقّ الجانب الأيمن من سنامها ، ولطخ ذلك الجانب بذلك الدم ، قاصداً للإشعار ، بأنّه هدي ، وإذا تكثّرت البُدن أو زادت على الواحدة ، دخل بينها وأشعرها يميناً وشمالاً.
والظاّهر أنّ ذلك تخفيف ورخصة ، ولا بدّ من استغراقها بالإشعار ، وهو أن يشقّ جلدها ، أو يطعنها حتّى يخرج الدم ، ويظهر من الأخبار الاختصاص بالسنام (3).
وإمّا التقليد ، وهو مشترك بين البُدن وغيرها ، ويتحقّق بتعليق نعل قد صلّى المقلّد فيه. ويستحبّ أن يكون خَلَقاً ، وأن يكون معقولاً ، والأحوط الاقتصار عليه ، وإن كان القول بإجزاء الخيط والسير ونحوهما لا سيّما إذا صلّى فيها قويّاً. وأقرب منها باقي ملابس القدم ، مع الصلاة فيها.
ص: 528
ولا فرق في الصلاة بين الفرض والندب ، ولا بين اليوميّة تماماً أو قصراً وغيرها ، ولا بين التحمّلية وغيرها. والظاهر عدم جريان الحكم في صلاة الجنازة ، وفي الاحتياطيّة يقوى الجواز. ولو صلّى بعض الصلاة ، لم يجز ، والفاسد من الصلاة لا عبرة به.
والظاهر اعتبار استمرار التقليد ، وعدم لزوم استمرار أثر الإشعار ، فلو غسل الدم وعوفي الجرح ، لم يحتج إلى إشعار ، ويستحبّ الجمع بينهما ، وإذا جمع فله حلّ القلادة في الأثناء على إشكال.
والأقوى اشتراط المباشرة إلا مع العجز ، وتُعتبر النيّة فيهما ، والأحوط تعيين العمل الذي أحرم له.
ويُستحبّ القيام في الجانب الأيسر للإشعار ، وأن تُشعر باركة ، وأن يستقبل بها القبلة ثمَّ تناخ ، ودخول المسجد ، وصلاة ركعتين ، ثمّ الخروج إليها ، وإشعارها ، وقول : «بسم اللّه ، اللّهم منك ، ولك ، اللّهمّ تقبّل منّي» ولو كان المشعر والمقلّد مغصوبين ، أو آلتا الإشعار والتقليد مغصوبتين بطلا. ولا يبعد ذلك في غصب المكان. ولو لم يعلم بالغصبيّة ، قويَ الجواز.
ولو علم في الأثناء بغصبيّة المُشعر أو المقلّد أو النعل ، استبدلَ به غيره ، ولا يبعد القول برجوع الحجّ إلى الإفراد. وفي المقام أبحاث كثيرة ، تجي ء إن شاء اللّه تعالى في مسائل الهدي.
وفيه مباحث :
يجب اللبس على المحرم بجميع أقسامه ، فلا يجوز أن يحرم عرياناً.
والمدار على تحقّق اسم اللبس عُرفاً ، فلا يتحقّق بالتعصيب ، ولا بمجرّد الطرح ، ولا مع التجافي كثيراً. وفي الملصوق وما وضع نحو على الكيس إشكال.
وليس بشرطٍ في صحّة الإحرام ، بل هو واجب خارجي ، ويجوز تقدّمه على
ص: 529
التلبية ، وتأخّره ، ولا تجب المباشرة فيه ، بل تكفي فيه مباشرة الغير.
والمدار على كونه لابساً على نحو (1) اللّباس ، فلو سقط لباسه في بعض الأوقات أو نزعه بسبب ، لم يخلّ (2) به ، ويلزم تداركه من دون فصل طويل. ولو كان لابساً سابقاً ، اكتفى به ، ولا حاجة إلى نزعه ثمّ لبسه.
لا حدّ له في جانب الزيادة ، ولا يجوز الاقتصار على ثوب واحد مع الاختيار ، ولو بدّله مرّة أو مرّات ، بحيث لا يخرج عن اسم اللابس ، فلا بأس ، وإن كان الأفضل أن يطوف بما أحرم به.
ولو كان الثوب محشوّاً ، أو كانت ثياب متعدّدة خيط بعضها إلى بعض فتكاثفت ، كانت بحكم الواحد. ولو لبس ثوباً واحداً طويلاً ، فاتزر ببعضه و؛ (3) ارتدى بالباقي لم يجتزِئ به في وجه قويّ.
يُشترط أن لا يكون مذهّباً للرجال والخناثى ، ولا حريراً خالصاً لهم ، وفي الحرير للنّساء إشكال ، والأقوى الجواز.
وأن لا يكون مغصوباً ، ولا متنجّساً بغير المعفوّ عنه.
ولا من جلود الميتة ، ولا من أشعار أو أوبار أو جلود ما لا يؤكل لحمه ، ولا ممّا اتّصل به شي ء من فضلاته ، أو دخل فيها شي ء من أجزائه ، سوى الخزّ جلداً وصوفاً ، ومدار تحقيقه على العرف ، وفي الجلود كلّها إشكال.
ولا ممّا لا يستر البدن به وحده ، ولا من غير معتاد اللبس ، كالمصنوع من الحشيش والليف وباقي النباتات. والظاهر أنّه لا بأس به إذا صنع بصورة اللباس ، كما نقل عن
ص: 530
بعض صلحاء الناس.
وأن لا يكون من المخيط إلا مع التعذّر ، فيسوغ له إلقاؤهما عليه منكوساً ، وقلب ظاهرهما إلى باطنهما ، وسيجي ء تمام الكلام فيه ، وتكفي استدامة اللبس عن ابتدائه ، ويجوز تقدّمه على التلبية ، وتأخّره ، ولا يتمّ الإحرام باللبس قبل التلبية ، فلهُ استباحة المحرّمات بعده وقبلها.
ومن شروطه النيّة ، وتجزي استدامة نيّة الإحرام عن نيّته ، ومع عدم الاستدامة لا بدّ منها ، ولا حاجة فيها بعد قصد القربة إلى شي ء ، والأحوط فيها أن ينوي اللبس للإحرام بنوع خاصّ من أقسام الحجّ أو من قسمي العمرة.
يكفي على الأقوى ما يتحقّق به مُسمّى اللبس عُرفاً ممّا (1) يدخل في اسم المئزر والرداء عرفاً. وقيل : يُعتبر في الإزار ستر ما بين السرّة والركبة ، وفي الرداء ستر المنكبين (2).
ولها آداب :
منها : أن يتّزر بأحدهما كيف شاء ، ويتوشّح بالآخر ، بأن يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ، ويلقيه على عاتقه الأيسر ، كالتوشّح بالسيف ، ويرتدي به فيلقيه على عاتقيه جميعاً ، ويسترهما به.
ولا يتعيّن شي ء من الهيئتين ، بل يجوز التوشّح به بالعكس بإدخال طرفه تحت الإبط الأيسر ، وإلقائه على الأيمن ، والظاهر أنّ التوشّح يشملهما معاً.
ومنها : أن لا يعقد الإزار على رقبته ، ولكن يثنيه على عاتقه.
ومنها : أن يشدّ الإزار بشي ء سواه من مكة (3) أو غيرها ، وفي مكاتبة صاحب الزمان روحي له الفداء في جواب (من سأله) (4) هل يجوز للمحرم أن يشدّ المئزر
ص: 531
على عنقه بالطول ، أو يرفع من طرفيه إلى حقويه ويجمعهما إلى خاصرته ، ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الأخيرين من بين رجليه ، ويرفعهما إلى خاصرته ، ويشدّ طرفيه إلى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك ، فإنّ المئزر الأوّل كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله أو كشف ما هناك ، وهذا أستر ، فأجاب عليه السلام «جائز أن يتّزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثاً بمقراض ولا إبرة يخرجه عن حدّ المئزر وغرزه غرزاً ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطّى السرّة والركبتين كليهما فإنّ السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرّة والركبتين ، والأحبّ إلينا والأكمل لكلّ أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة جميعاً إن شاء اللّه تعالى» (1) ، وتظهر بعض السنن منها.
ومنها : أن يكون من القطن ؛ لأنّه لباس النبيّ والأئمّة ، ولم يكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم يلبس الشعر والصوف ، إلا من علّة ، وقد أحرم بثوبي كُرْسُف (2) ، عاميين ، عبري ، وأظفار (3) ، وربّما يقال باستحبابهما لذلك.
ومنها : أن يكونا أبيضين ؛ لكونها خير الثياب ، وأفضلها ، وأحسنها ، وأطيبها ، وأطهرها.
ومنها : أن لا يكونا أسودين ، لكراهة لبس السود (4) إلا في ثلاثة : الخفّ ، والعمامة ، والكساء ؛ ولأنّه لباس فرعون ، وللنهي عن الإحرام بالثوب الأسود (5).
ومنها : أن لا يكونا مصبوغين بالعُصْفُر ونحوه ممّا فيه شهرة ، وزاد بعضهم كلّ مصبوغ بطيب غير محرّم (6).
ومنها : أن لا تكون وسخة ؛ لقول أحدهما عليهما السلام : «في الإحرام بالثوب
ص: 532
الوسخ لا أقول حرام ، لكن تطهيره أحبّ إليّ» (1).
وروي : كراهة النوم على الفراش الأصفر ، والمرفقة الصفراء (2) ، وألحق بعضهم كلّ مصبوغ (3).
يجب شراء الثوبين أو استيجارهما بثمن المثل أو ما زاد ما لم يلزم الضرر الكلّي إن لم يكونا عنده مملوكين أو مستعارين مثلاً وإذا عجز عن الاثنين ، لبس الواحد. وفي لزوم لبس شي ء من الثوب ، والتستّر بالثياب ونحوه وجه.
ويُستحبّ أن يكونا سالمين من الشبهة والقذارة ، شريفين بالصلاة بهما أو بالتبرّك بالأماكن المشرّفة ، وعمّا على المحرم بهما ولو ثانياً إلا مع الشرط إلا في العبد والصبي ، وقد مرّت الإشارة إليه.
ويُستحبّ اتّخاذهما للكفن ، وجعلهما محلّا للعبادة ، ولا يخرجان عن الملك ، فإن شاء باعهما بعد الفراغ أو تصدّق بهما. ولو دار الأمر بين البقاء عرياناً ، وبين لبس المحرّم بالأصل كالمغصوب ، والحرير ، والمذهّب ، لمن يحرم عليه ، وجلد الميتة ، ونحو ذلك قدّم العراء ، وفيما حرم للإحرام يحتمل ذلك ، والتخيير.
وغير المكلّف يُشارك المكلّف فيما حرم للإحرام ، وفيما حرم لذاته إشكال ، والأحوط الاشتراك ، ومع الغفلة ، والسهو ، والنسيان ، والجهل بالموضوع يحصل العذر. وإذا ذكر ، عملَ بمقتضى الذكر.
ولو كان الثوبان مشتركين بين محرمين ، وأمكن استقلال كلّ واحد بواحد ، وجب. ويحتمل المهايا بهما ، والاقتراع. ولو كان المشترك واحداً ، وليس عندهما غيره ، قام احتمال وجوب القسم ، فيحرم كل واحد منهما ببعض ، والاقتراع ، والمهاياة.
ص: 533
ولو نسي لبسهما ، لبسهما حيث ذكر. ولو تعذّر اللبس ، وأمكن الإتيان بما يشبهه من لصوق أو لفّ ، احتمل وجوبه. ولو استعار ثوباً أو ثوبين جاز للمستعير الرجوع بهما قبل لبسهما بقصد الإحرام ، وكذا بعده على إشكال.
ويقوى الإشكال فيما إذا أعار ثوباً للصلاة ، لا سيّما إذا كانت فرضاً.
ولو تعذّر جمعهما ، ويمكن من الواحد ، ففي الحكم بالتخيير.
أو ترجيح المئزر على الرداء أو بالعكس إشكال. ولو طال ، وأمكن جعله اثنين ، وجب.
وفيه مطالب :
الأوّل : في أنّه يجب الإحرام مقيّداً بنوع من أنواع الحجّ ، والعمرة وجوباً أصليّاً ، لمن تقدّم وجوب النسك عليه ، وشرطيّاً لغيره على كلّ من أراد دخول موضع مكّة القديم ، دون الجديد ، بكلّه أو بعضه ، حيث يُسمّى دخولاً ، بل دخول الحرم أيضاً في وجه قويّ ، أراد الوصول إلى الكعبة أو لا ، من أهل مكّة أو من خارج.
ويجوز أن يتولّى الإحرام عن المجنون ، والصبي ، والمغمى عليه ، وليّه أو غيره ، ولا يلزم الإحرام عنهم ، ولا عن المريض ، والمبطون ، وكلّ معذور.
ومن أفسد إحرامه أتمّه ، وفصل به ، وقضى ما فعله. وإذا لم يتعيّن عليه نوع ، كانَ مخيّراً في عمله ، وإن تعيّن تعيّن.
وإذا نسي الإحرام أو جهله أو تعمّد عدمه ، وجب عليه الإتيان به من محلّ ينعقد إحرامه فيه ، وإلا فمن موضع الإمكان. ومن فعل ذلك مرّة أو مراراً. عصى ، ولا قضاء عليه ، إلا أن يكون واجباً عليه من قبل.
ولو اشتبهت الحائض والنفساء والمستحاضة ، فزعمت أنّها لا يلزمها الإحرام إلا مع الطهر ، وجب عليها الإحرام من أدنى المواقيت ، وإن تعذّر فمن محلّ الإمكان.
وإذا أحرم المخالف من الميقات على وفق مذهبه ، ثمّ استبصر قبل دخول مكّة أو
ص: 534
بعده ، اجتزأ بما فعل. وإذا أسلم الكافر بعد مجاوزة الميقات ، رجع إليه في وجه قويّ ، ويحتمل اختصاص الحكم بمن دخل من خارج الحرم.
وليس من البعيد أن يقال : إنّ الحكم لكلّ من خرج منها ، غير أن تمشيته إلى ما دون محلّ الترخّص محلّ كلام.
وإذا بلغ الصبي ، أو أفاق المجنون ، أو عُوفي المريض ، أو ارتفع عذر المعذور بغير هذه الأُمور قبل الدخول في مكّة أو الحرم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات.
وإن دخل أو تعذّر عليه الرجوع إلى الميقات ، فإلى أدنى الحلّ ، فإن تعذّر فمن موضعه.
ولا يبعد أن يقال : إنّ المعذور لا يعود بعد الدخول ، ويختصّ العود بالعامد ، ولا يبعد لحوق الجاهل بالحكم به. وتخصيص الحكم بمن أراد حجّا أو عمرة تمتّع ، دون من أراد العمرة المفردة خصوصاً إذا قصد الدخول بعد مجاوزة الميقات غير بعيد.
أحدها : من يتكرّر دخوله في كلّ شهر من حطّاب ، وحشّاش ، وراع ، وناقل ميرة ، وصاحب ضيعة يتكرّر إليها دخوله وخروجه ، ومن عادته تلقّي الركبان لبيع أو شراء أو التنزّه أو الخروج للمحافظة أو العبادة في المساجد ، والدوران في محال الطاعة ، إلى غير ذلك.
ويشترط عودهم قبل مضيّ شهر. ولو مضى لهؤلاء شهر بين الإحرامين ، لم يجب عليهم على إشكال. ولو خرج من هؤلاء خارج لغير عمله المتكرّر ، وجب عليه الإحرام. ولو أُخذ منهم حلبهم أو حشيشهم أو حطبهم في الطريق ، لم يرتفع حكمهم. وإذا تجاوزوا محلّ تردّدهم ، وخالفوا مقتضى عادتهم ، ارتفع حكمهم ، حتّى يصير مُعتاداً.
والظاهر تمشية الحكم إلى من كان تردّده في معصية ، كعمّال الظلمة ، وتبديل الصنائع لا يغيّر الحكم. وإذا خرج في عمل عازم على تكرّره ، أُلحق بمن تكرّر منه على إشكال ، ولا يلحق بهم من تكرّر سفره إلى المواضع البعيدة.
ص: 535
ثانيها : من سبق له الإحرام قبل مضي شهر عددي ثلاثين يوماً ، ولا اعتبار بحساب الليالي من ابتداء إحرامه ، لا إحلاله على الأقوى ، فيعتبر من حين التلبية ، وقد يقال : باعتبار زمان النيّة.
ولو تجرّد الحجّ أو العمرة عن الإحرام مع النسيان ، حتّى دخل في العمل ، أجرى عليه حكم الإحرام. وكذا الكلام في تمشية الحكم إلى إحرام الحجّ والعمرة الفاسدين.
ولو شكّ أو ظنّ من غير طريق شرعي بانقضاء المدّة ، حكم بالعدم.
ويجري الحكم في إحرام المميّز على الأقوى ، فلو بلغ قبل الدخول بعد الإحرام اجتزأ به.
ويقوى الاكتفاء بإحرام الولي عن المجنون. فلو عقل قبل الدخول اجتزأ بإحرام الوليّ.
وهل الحكم على طريق العزيمة أو الرخصة وجهان ، أقواهما الثاني.
ثمّ الحكم يقتضي تخصيصاً بحكم الفصل بين العمرتين لو قلنا بوجوبه ، وبحكم وجوب الإحرام من مكّة في حجّ التمتّع ، إلا أن يقال : بأنّه يحرم بعمرة مفردة ، وبعد الإحلال ينوي الحجّ ، وفيه منافاة لارتباط عمرة التمتّع بالحجّ.
ثالثها : من دخل بقتال مُباح في زعمه أو في الحقيقة ، فلو انكشف له عدم الإباحة بعد الدخول ، دخل في غير المحرم. وفي أصل الحكم ، ثمّ في تعميمه لغير النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولغير قتال الكفّار من قتال دفاع ونحوه إشكال.
وإلحاق العبيد الواجب عليهم خِدمة مواليهم والبريد بعيد.
الثاني : أنّه لا يجوز لمحرم إنشاء إحرام آخر بنسك آخر أو بمثله قبل إكمال الأوّل ، ويجب إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة ، واجباً أو مندوباً ، إلا ما سيجي ء في باب التقصير ، وفي العدول ، وفي مثل حدوث الحيض بعد الأربعة أشواط ، وفي الصدّ والحصر. وفي وجوب الإتيان بالحجّ بعد الإتيان بعمرته مع ندبه وقصد التمتع بها إليه وعدمه وجهان ، أقواهما الثاني.
ص: 536
الثالث : أنّه يجوز لمن نوى الإفراد قيل : وكذا القارن ، ولو (1) لم يكن متعيّناً عليه (2) بعد دخول مكّة الطواف ، والسعي ، والتقصير ، وجعلها عمرة التمتّع ، بشرط أن لا يلبّي مرّة أو أكثر بعد الطواف أو السعي قبل التقصير. فإن لبّى ناوياً للمتعة أو ناوياً لخلافها ، أو ذاهلاً عن النيّة ، عاد إلى إفراده ، وبطلت متعته. ولا عبرة بالتلبية ، عن سهو أو غلط أو نحوهما ، ولا بما جيئ بها بوضع محرّم ؛ لاشتمالها على الغناء ، أو لمنع مفترض الطاعة عنها. ومجرّد تغيّر القصد غير مفيد إنّما المدار على التلبية.
الرابع : أنّه ممّا يرفع وجوب الإتمام اشتراط الحلّ (3) على اللّه بعد الحبس من المحصور بمرض أو جرح أو كسر وشبهها من عوارض البدن ، فإنّ الشرط حيث يقيّد بالعذر يرفع وجوب إتمام المندوب والواجب في تلك السنة من حجّ أو عمرة ، ويرفع استدامة الإحرام ، ويحلّل المحرّمات من النساء وغيرها ، ويرجع إلى أهله حلالاً ، ويجزيه الهدي في محلّه. ثمّ إن كانت ذمّته مشغولة ، عاد البعيد في السنة الثانية.
وإن لم يكن اشترطَ ، أرسل بهديه ، ولا يحلق حتّى يبلغ الهدي محلّه ، ويبقى على إحرامه من النساء حتّى يأتي بحجّ أو عمرة ، ويحلّ منهما ؛ إلا في عمرة التمتّع ، فإنّه لا يلزم فيها طواف النساء.
ولو استقلّ كلّ من الصدّ والحصر بالسببيّة ، جاء حكم الحصر. وإن كان كلّ منهما جزء علّة ، احتمل ذلك ، وعكسه. والظاهر أنّ التحلّل رخصة لا عزيمة.
وأمّا المصدود ، فلمّا كان تحلّله بذبح الهدي في محلّ الصدّ ، فلا يبعد أنّ ثمرة الاشتراط سقوط الهدي.
وقد يقال : بأنّه مجرّد تعبّد ، وقيل : ثمرته سقوط الهدي (4) ، وقيل : سقوط
ص: 537
القضاء (1) ، ويكتفى بهدي السياق عن غيره ، وسيجي ء الكلام فيه.
الخامس : أنّه لا منافاة بين الحيض ، والنفاس ، والجنابة ، وسائر الأحداث كباراً وصغاراً ، وبين الإحرام.
وكذا غسل كلّ حدث لا ينافي وجوب الحدث الأخر ، سوى غسل الجنابة. وكذا جميع أغسال السنن ، لا منافاة بينها وبين الأحداث ، ويقوى ذلك في الوضوءات الغير الرافعة.
السادس : أنّه لا يجوز الجمع بين إحرامين لنسكين ، متماثلين أو متغايرين بالأصالة ، والنيابة ، والتلفيق ، إلا من الولي إذا أحرم بالصبي ، فيقصد نفسه ، والمولّى عليه معاً ، فيما يظهر من الأخبار (2). فلو أحرم بحجّ وعمرة معاً ، أو بحجّ واجب عن نفسه ، وغيره ، أو عمرة كذلك ، أو عن متعدّد من المنوب عنه ، بَطَلَ. وفي المستحبّ لا يضرّ الاشتراك.
السابع : أنّ العزم على فعل المحرّمات في حال عقد الإحرام يُنافيه ، ويحتمل عدم المنافاة وأمّا علمه بالإجبار فيها أو وقوعها بأجمعها مع النسيان ، فلا منافاة فيه.
الثامن : في أنّ ترك لبس الثوبين أو لبس ما لا يسوغ للمحرم لا يفسد ، وإنّما هو واجب خارجيّ. فلو أحرم عرياناً أو لابساً ما لا يجوز لبسه عمداً ، فلا يخلّ بإحرامه.
التاسع : في أنّه إذا نوى نسكاً واجباً ، وأحرم ندباً ، وبعد أن دخل في الأفعال أو أتمّها ذكر أنّه مطلوب بواجب في ذلك العامّ ، ففي تنزيله منزلة من ترك الإحرام ، فيصحّ نسكه ، ويكون كالتارك ، أو يصحّ إحرامه وربّما تظهر الثمرة في النذر وشبهها وجهان ، ولعلّ الأقوى هو الأوّل.
العاشر : في أنّه إذا عقد لواحدٍ من التلبية أو الإشعار والتقليد ، كان الثاني سنّة.
الحادي عشر : في أنّه يكره دخول الحمّام ، ودلك الجسد ، وجمعهما أشدّ كراهة.
الثاني عشر : يكره الاحتباء (3) للمحرم ، كما يكره في المسجد الحرام.
ص: 538
وهي جمع ميقات من الوقت ، وهو مقدار من الزمان. والمراد هنا على وجه النقل أو المجاز ، واحتمال الاشتراك لقدمها غير بعيد أماكن مخصوصة موظّفة لإحرام الحجّ والعمرة ، لا يجوز الإحرام للمختار في حجّ أو عمرة إذا مرّ بها إلا منها.
وهي ستّة : العقيق ، ومسجد الشجرة ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ، ومكّة.
واحتسبها بعضهم عشرة (1) بإضافة منزل مَن منزله أقرب إلى مكّة من الخمسة المذكورة ، ومحاذاة الميقات لمن لم يمرّ به وحاذاه ، وأدنى الحلّ ، وفخّ لإحرام الصبيان.
وإذا بُني على ذلك ، أمكن احتساب موضع الإمكان لمن تعذّر عليه الرّجوع إلى الميقات ، ومحل النذر ، وضيق عمرة رجب ، فيكون اثنا عشر (2) ، فينحصر البحث في مقامين (3) :
وهي ثلاثة عشر قسماً :
الأوّل : العقيق ، كما مرّ ، ويُسمّى به عدّة مواضع ، وضع لكلّ موضع :
أحدها : ماء السيل ، ولخمسة مواضع ، كلّ واحد في مكان من خمسة أماكن : المدينة ، وتهامة ، والطائف ، ونجد ، واليمامة ، وستّة مواضع أُخر ، والمعني هنا موضع تهامة.
ويدخل فيه أربعة مواضع : أحدها بريد البعث ، ولعلّه سمّي بذلك ؛ لأنّه موضع بعث الجيش. والظاهر أنّ له معنيين ، يدخل في العقيق بأحدهما ، ويكون هو المسلخ أو
ص: 539
أو بعضه ، ويخرج بالآخر جمعاً بين الأخبار (1).
ثانيها : المسلح بالحاء المهملة واحد المسالح ، وهي المراقب مأخوذة من السلاح أو من السلح ، وهو ماء الغدير ، أو بالخاء المعجمة ؛ لأنّه يسلخ وينزع فيه الثياب.
والمراد به : أوّل العقيق على الأصحّ فتوى ورواية (2) ، وهو أفضل ما يحرم فيه من العقيق. والظاهر أنّ كلّ ما بَعُد منه ، وما بعد من المواقيت أفضل من القريب ، والظاهر اعتبار وجود المبدأ في مبدأ الشرع ، فلا يتبدّل.
ثالثها : غمرة على وزن ضربة وهي عقبة وسط العقيق ، مكاناً ، وفضلاً دون المسلح إلى مكّة مكاناً ، ودونه فضلاً.
رابعها : ذات عِرق بعين مهملة مكسورة ، فراء مهملة ساكنة آخر العقيق بحسب المكانيّة والفضل ، وهو كيلملم وقرن المنازل على مرحلتين من مكّة على الأقوى.
وسمّيت غمرة باسمها ، لغمرها بالماء ، وذات عرق لقلّة مائها ، والظاهر جواز الإحرام اختياراً واضطراراً من المواضع المذكورة ، والظاهر دخول «وحرة» فيه ، وعدم دخول «بريد أوطاس» (3).
وكيف كان ، فالمدار على اسم العقيق في زمان صدور الأخبار ، ومع عدم العلم بالتغيير ، يبنى على مصطلح اليوم.
وهو ميقات لأهل نجد ، والعراق ، ومن في جهتهم إذا جاءوا على طريقهم.
الثاني : مسجد الشجرة ، وذكر بعضهم : أنّه اختبره ، فكان من عتبة باب المسجد النبويّ المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة سبعة عشر ألف ذراع ، وسبع مائة واثنان وثلاثون ذراعاً ، ونصف ذراع (4).
ويحتمل أنّ اختلاف التحديدات ؛ لاختلاف محال المدينة والعمارات.
ص: 540
وهو ميقات لأهل المدينة ، ومن مرّ عليها ، وهو معروف.
وقد يتوهّم بعض الناس بمسجد آخر يُسمّى مسجد عليّ عليه السلام.
والظاهر دخول السقائف فيه ، والأولى تجنّبها ، والإحرام في الموضع المكشوف منه.
وهو قطعة من ذي الحليفة بضمّ الحاء ، وفتح اللام وبالفاء ماء من مياه بني جشم ، ثمّ سمّي به الموضع.
وقد يُطلق على مسجد الشجرة على ستّة أميال من المدينة. وقيل سبعة (1). وقيل : أربعة (2). وقيل : خمسة (3). وقيل : ثلاثة (4). وقيل : ميل (5). وقيل : مرحلة (6). وسمّي ذا الحليفة لتحالفهم فيه ، أو تصغير حَلَفَة واحدة الحلفاء نبت معروف ، وهو عن مكّة على بعد عشر مراحل.
الثالث : الجُحفة ، وهي بجيم مضمومة ، فحاء مهملة ففاء على سبع مراحل من المدينة ، وثلاث من مكّة ، وبينها وبين البحر ستّة أميال ، وقيل : ميلان (7).
وقيل : كانت قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلاً من مكّة (8).
وهي ميقات أهل الشام ، ومصر ، والمغرب ، وكلّ من مرّ عليها اختياراً إن لم يمرّوا بمسجد الشجرة. تُسمّى المهيعة ، بفتح الميم ، وإسكان الهاء ، وفتح الياء ، والعين.
وقد يقال : مهيعة ، كمعيشة من الهيع ، وهو السيلان.
ص: 541
وسمّيت جُحفة ؛ لأنّ السيل أجحف بها وبأهلها ، وهي ميقات أهل المدينة ، ومن مرّ عليها ، وعلى ذي الحليفة ، مع الاضطرار.
وإن مرّ عليها من دون دخول المدينة أو مع دخولها ، وعدم الدخول بمسجد الشجرة ، جاز الإحرام منها اختياراً ، على تأمّل في الأخير.
الرابع : يلملم ، وألملم ، قيل : والثّاني أصل ، فرجع بتخفيف الهمزة إلى الأوّل (1) ، وقد يقال : يرمرم.
والمعروف أنّه جبل (2) ، وقيل : وادٍ (3) ، فإن أمكن الجمع فيهما ، وإلا وجب تكرير الإحرام.
واشتقاقه من اللمم بمعنى الجمع.
وهو على مرحلتين من مكّة ، ميقات لأهل اليمن ، ومن يمرّ عليه من جهتها.
الخامس : قرن المنازل بفتح القاف ، وسكون الراء خلافاً للجوهريّ : حيث زعم الفتح ، وزعم أنّ أُويساً القرني بفتح الراء منسوب إليه (4).
واتّفق العلماء على تغليطه فيهما ، وأنّ أُويساً منسوب إلى بني قرن بطن من مراد. ويقال له : قرن الثعالب ، وقرن بلا إضافة وهو جبل مشرف على عرفات ، على مرحلتين عن مكّة (5).
ونقل : أنّ قرن الثعالب غيره ، وأنّه جبل مُشرف على أسفل منى ، بينه وبين مسجدها ألف وخمسمائة ذراع (6).
وقيل : هو قرية عند الطائف ، أو اسم الوادي كلّه (7) ، وقيل : القرن بالإسكان اسم
ص: 542
الجبل ، وبالفتح الطريق (1) ، والذي ينبغي الأخذ بالاحتياط ، وربّما وجب عدم الترجيح.
السادس : موضع مكّة القديم الكائن وقت توجّه الخطاب أو مطلقاً في وجه ، ولا اعتبار بالبنيان ، ولا بالموضع الجديد ، ولا بالمشتبه بين الأمرين.
وما عدا الأخير ممّا تقدّم ميقات لكلّ عابر عليها ، قاصد قراناً في الحجّ ، أو إفراداً ، أو عمرة تمتّع أو عمرة إفراد غير تابعة الحجّ.
ومكّة ميقات لحجّ التمتّع لساكنيها وغيرهم ، والعمرة المفردة ما لم يكن بعد الحجّ ، فيكون ميقاتها أدنى الحلّ ، ولحجّ الإفراد والقران لأهل مكّة المتوطّنين بها ، ومَن في حكمهم.
السابع : مُحاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة ، لمن يؤمّ مكّة ، ويلزمه الإحرام ، ولم يمرّ بميقات ، وتكفي المحاذاة العرفية ، ولا تشترط الحقيقيّة ، ويكتفي مع البعد بالمظنّة.
والبصير وغير الخبير يقلّدان في ذلك ، ويحتمل اعتبار محاذاة الأبعد ، والتخيير ، والأقرب إليه ، ويختصّ التخيير بصورة تساويهما بالنسبة إليه ، ومن جهل المحاذاة تقدّم احتياطاً ، ومن انكشف فساد زعمه ، فظهر له عدمها ، رجع إليها مع الإمكان ، وإلا مضى ، وقد يقال : بالمضيّ مطلقاً ، ومن حجّ أو اعتمر بالبحر راعى المحاذاة.
الثامن : مَنزل من كان منزله أقرب إلى موضع مكّة القديم ، أو مطلقاً في أحد الوجهين ، ولو بأقلّ القليل من أقرب ميقات إليها ، وأقرب جزء منه ، في حجّ كان أو عمرة على الأقوى ، بشرط كونه وطناً ، داراً أو صهوة أو غيرهما.
ولو اختصّ القرب ببعضه أجزأ.
ولو كان له طريقان : أحدهما أقرب ، والأخر أبعد ، اعتبر الأقرب. والظاهر أنّ المدار على قرب الفضاء.
ولو كان من الأعراب يبعد ويقرب ، لوحظ وقت القصد ، مع احتمال تقديم
ص: 543
القرب على البعد ، والعكس.
ولو كان له وطنان ، لوحظ الأكثر سكنى ، ومع التساوي يتخيّر ، ويحتمل ترجيح القرب على البعد ، وخلافه. والظاهر أنّ أهل مكّة من هذا القسم ، ويشاركون في الحكم. وأنّ هذا رخصة ، فيجوز له ، بل يستحبّ الإحرام من الميقات.
والتابع يجري عليه حكم المتبوع في التوطّن وعدمه ، ولو اشتبه الأقرب ، تعيّن الميقات ، مع البناء على الرخصة ، وإلا لزم الجمع من باب الاحتياط ، ويكتفي بالمظنّة في ذلك ، ولو من خبر الأعراب. ومع مساواته مع بعض المواقيت يتعيّن الميقات.
والمدار على توطّن البقعة ، فلا فرق بين المنزل المملوك ، والمستأجر ، والمستعار ، والمغصوب وإن كان مع البقعة. والوطن الشرعي مع العدول عن العرفي لا يفيد ، وتنزيل الإقامة حينئذٍ منزلة المتوطّن في الأخبار (1) لا يجري في هذا الحكم ، وفي مبدأ العدول عن الوطن قبل الخروج منه إلى سفر يقوى إلحاق خروجه بخروج المتوطّن.
التاسع : فَخّ بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة بئر معروف على رأس فرسخ من مكّة ، والظاهر أنّه الموضع الذي قتل به الحسين بن علي بن أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام.
وقيل : موضع بمكّة (2) وقيل : عند مكّة (3) ، وقيل : واد دفن به عبد اللّه بن عمر (4) ، والأصحّ الأوّل ، وربّما رجعت المعاني الأخر إليه وهو ميقات للصّبيان.
ولا يلحق بهم المجانين إذا حجّ بهم الأولياء على طريق المدينة ، لبعد الميقات عن مكّة ، فيعسر عليهم طول الإحرام ، وإن كان عبورهم على المواقيت الأُخر أحرم بهم منها.
والمراد بالصبي : من لم يُفطم ؛ لأنّه المتيقّن ، وغيره يبقى على حكم غيره ، وهو
ص: 544
ميقات التجريد ، والإحرام معاً على الأقوى.
ولا يجب على الأولياء الإحرام بهم ، ولا تكليف من دون البلوغ مميّزاً ، فضلاً عن غيرهم بالإحرام. ولهم أن يدخلوهم مكّة من غير إحرام ، ولا تجريد ثياب ، وإن جاز ، بل استحبّ لهم ذلك ، لكنّهم إذا أحرموا بهم أجروا عليهم أحكام المحرمين ، والتزموا بما يلزمهم من هدي تمتّع أو كفّارات ، تعمّدوا فيها أو أخطأوا ؛ وأدّوا عنهم أقوالاً وأفعالاً لا يمكن صدورها منهم.
العاشر : محلّ الإمكان لمن تعذّر عليه الإحرام من ميقاته من دون تعمّد لتركه ، كمن تجاوز ميقاته ناسياً ، أو جهل بالموضوع ، أو بالحكم في وجه ، أو صدّ صادّ ، أو خوف ، ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات ، ولا بقي له ميقات يحرم منه ، فإنّه يلزمه البدار في محلّ ارتفاع الأعذار.
فإن لم يرجع ، أو كان تركه في المبدأ عن عمد ، أو لم يُبادر بالإحرام في مكان العُذر ، فسد عمله ، لفساد إحرامه. وأمّا المريض والمبطون ، فيقوى عدم وجوب العود عليهم ، وإن كان الاحتياط فيه.
ولو أمكنه دفع العدو بمالٍ لا يضرّ بالحال ، وجب. ولو لم يمكن إلا بالقتال مع الاطمئنان بعدم ترتّب ضرر على البدن والمال في مقاتلة الكفّار أو المسلمين والمخالفين والموالين وجب على إشكال ، ولا سيّما في القسم الأخير.
الحادي عشر : المكان المنذور فيه الإحرام ، وهو متقدّم على المواقيت. وفي تسرية الحكم إلى من نذر ذلك على عبده أو مولى عليه آخر إشكال ، والأقوى العدم ، كأن ينذر الإحرام لحجّ أو عمرة من الكوفة أو خراسان ونحوهما ، فيكون المنذور ميقاتاً له.
ويختصّ الحكم بالنذر من بين الالتزام ، بل بنذر الشكر دون الزجر ، ودون التبرّع. ولا يبعد أن يقال بالتسرية إلى باقي ضروب الالتزام من العهد واليمين ، وإن كان الأقوى ما ذكرنا.
ثمّ إن كان ما أحرم له حجّا أو عمرة تمتّع ، لم يجز الدخول في الإحرام المنذور إلا في أشهر الحجّ ، فإن كانت الأشهر تفي له بالوصول صحّ ، وإلا فلا ، والقول بالصحّة
ص: 545
مطلقاً غير بعيد الوجه. ثمّ إذا أحرم لزمه أحكام المحرم.
الثاني عشر : مكان خوف تقضّي رجب ، فلا (1) يدرك عمرته ، سواء كان تأخّره عن اختيار أو لا.
ولو بان عدم الضيق بعد الإحرام أعاده ، والأحوط أن يعيد مطلقاً عند بلوغ الميقات.
ولو كان إحرامه لحجّ أو عمرة غير رجبيّة ، لم يجز التقدّم ، والحكم مختصّ بخوف الفوت للضيق ، أمّا إذا خاف لجهة أُخرى فلا. وفي تسرية الحكم إلى النائب مجّاناً أو بأُجرة وجهان.
الثالث عشر : رأس مسافة تساوي أقرب المواقيت إلى مكّة لمن لم يكن له مُحاذاة لبعض المواقيت ، وقيل : أبعدها (2) ، وقيل : بالتخيير (3) ، وقيل : برجوعه إلى أدنى الحلّ ؛. (4) ويمكن القول بوجوب سلوكه طريقاً يمرّ بالمواقيت ، أو يحاذيها ما لم يكن له مانع يمنعه.
ولو زعم المساواة فأحرم ، ثمّ انكشف الخلاف ، فإن كان أتمّ العمل تمّ ، وإن حصل له العلم قبل الدخول في العمل عاد ، وفي الأثناء وجهان ، ومع الاضطرار لا كلام.
الرابع عشر : أدنى الحلّ إلى الحرم ، فيخرج من الحلّ المتصل بالحرم ، ثم يدخل الحرم ، ويُعتبر الاتّصال العرفي بالحرم. ولو أحرم مع الفصل الطويل ، أعاد عند قرب الحرم.
وهو ميقات للعمرة المفردة بعد الحجّ قراناً أو إفراداً أو تمتّعاً ، وكلّ معتمر عمرة مفردة من بطن مكّة لأهل مكّة ، وغيرهم على طريق الرخصة لا العزيمة. فلو خرج إلى أحد المواقيت ، وأحرم منه ، فلا بأس ، بل هو أفضل.
ص: 546
فإن وقع إحرامها من مكّة ، أو وسط الحرم ، بَطَلَ ؛ لأنّه لا بدّ في النسك من الجمع بين الحلّ والحرم. والحاجّ المتمتّع يجمع بينهما بالخروج إلى عرفات.
وكلّ من لم يتمكّن من المواقيت وأراد الدخول إلى مكّة ، فميقاته أدنى الحلّ.
ويستحبّ لمن أراد العمرة من أهل مكّة ومجاوريها الإحرام من الجِعرانة ، بكسر الجيم ، وإسكان العين ، وتخفيف الراء. وقيل : بفتح الجيم ، وكسر العين ، وتشديد الراء (1) ، وهي موضع بين مكّة والطائف من الحلّ ، بينها وبين مكّة ثمانية عشر ميلاً ، وقيل : سبعة أميال (2) ، قيل : هو سهو (3).
أو من الحديبية بضمّ الحاء ، وفتح الدال المهملة ، ثمّ ياء مثنّاة تحتانيّة ساكنة ، ثمّ باء موحّدة ، ثمّ ياء مثنّاة تحتانيّة ، ثمّ تاء تأنيث وهي في الأصل اسم بئر خارج الحرم على طريق جدّة ، عند مسجد الشجرة ، الّتي كانت عند بيعة الرضوان.
قيل : هي دون مرحلتين من مكّة (4) ، وقيل : على نحو مرحلة منها (5) ، وقيل : على تسعة أميال من المسجد الحرام (6). وقيل : اسم شجرة حدباء ، سمّيت بها قرية هناك ليست بالكبيرة (7) ، قيل : إنّها من الحلّ (8) ، وقيل من الحرم (9) ، وقيل : بعضها في الحلّ ، وبعضها في الحرم (10) ، يقال إنّه أبعد أطراف الحلّ إلى الكعبة (11).
أو من التنعيم على لفظ المصدر ، قيل : سمى به موضع على ثلاثة أميال من مكّة أو
ص: 547
أربعة (1) ، وقيل : على فرسخين على طريق المدينة به مسجد أمير المؤمنين ، ومسجد زين العابدين ، ومسجد عائشة. وسُمّي تنعيماً ؛ لأنّ عن يمينه جبلاً اسمه نعيم ، وعن شماله جبل اسمه ناعم ، واسم الوادي نعمان (2) ، ويقال : هو أقرب أطراف الحلّ إلى مكّة (3).
ومعرفة الحلّ موقوفة على معرفة. مقدار الحرم ، وهو بريد في بريد ، وعلى معرفة حدوده من الأطراف. وعن الصادق عليه السلام : «أنّ الحجر الأسود لمّا أُنزل من الجنّة ، ووضع في موضعه ، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقها نور الحجر ، عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال» (4).
ونقل : أنّ آدم لمّا أهبط إلى الأرض لم يأمن مكر الشيطان ، فبعث اللّه له ملائكة أحاطوا بمكّة ، من جوانبها يحرسونه ، فمواضعهم حدود الحرم ، فلمّا بنى إبراهيم الكعبة علّمه جبرئيل المناسك وحدود الحرم. فأُعلمت بالعلائم ، حتّى حدّدها قصي.
ثمّ هدم بعضها قريش ، فأعادوها بعد أن أخافهم اللّه والملائكة معهم. وفي عام الفتح حدّدها تميم بن أسد الخزاعي ، ثمّ في زمان عمر ، ثمّ في زمان عثمان (5).
وقد اختلف الأنقال في التحديد ، وبعضها لا يلائم ما أجمعوا عليه ، من أنّه بريد في بريد ، إلا أن ينزّل على أنّ التحديد في السهل ، والحدود في الجبل ، أو العكس. والمدار على الحدود المعروفة بين الناس ، ويكفي في معرفة المجهول سؤال الأعراب ونحوهم.
ص: 548
وفيه أبحاث :
الأوّل : في أنّ المواقيت بأسرها عبارة عمّا يساوي الأسماء من تخوم الأرض إلى عنان السماء ، فلو أحرم من بئر أو سطح فيها راكباً أو ماشياً أو مضطجعاً وفي جميع الأحوال فلا بأس.
الثاني : في أنّه إذا أحرم ، وبعض من بدنه في الميقات ، وبعض خارج اتّبع العرف ، ويحتمل اعتبار المداقّة ، وعدم التعويل على المساهلة العرفيّة.
الثالث : في أنّ الإحرام من أبعد المواقيت إن يتمكّن من غيره ومن أبعد قطع الميقات الواحد ، أفضل من القريب.
الرابع : أنّ كلّ من يمرّ على ميقات قاصداً دخول مكّة في حجّ إفراد أو قران أو عمرة تمتّع ، فترك الإحرام منه عمداً ، ثمّ أحرم من دون ميقات آخر سواء كان من أهله أو لا ، أمكنه الرجوع أو لا عصى. ثمّ إذا فعله من ميقات آخر صحّ. وإن لم يكن شي ء من ذلك ، تحلّل بعمرة مفردة من أدنى الحلّ.
ولو كان معذوراً لصدّ أو مرض أو إغماء أو دهشة أو جنون أو نوم أو نسيان أو جهل بالموضوع والظاهر لحوق جهل الحكم به أو لغير ذلك ، ثمّ ارتفع العذر ، وأمكنه الرجوع رَجَعَ. وإن تعذّر وتمكّن من ميقات آخر أحرم ، وإلا فمن محلّه.
ويحتمل عدم وجوب الرجوع على المريض ، وتجوز النيابة عن المريض ونحوه في الإحرام ، بل تستحبّ.
ومن تجاوزه قاصداً غير مكّة ، أو خالياً عن القصد ، أو كائناً ممّن لا يلزمه الإحرام ، ثم أراد حجّا أو عمرةٍ تمتّع خَرَجَ إلى ميقات. فإن تعذّر ، فمن أدنى الحلّ. فإنّ تعذّر ، فمن محلّه.
ومن قصد عمرة مفردة ، خرج إلى أدنى الحلّ ، من أهل مكّة أو غيرها.
ومن أحرم قبل الميقات لنذر مثلاً ، اجتزئ به لحجّ أو عمرة.
الخامس : في أنّه لو بعثته التقيّة على ترك الإحرام من الميقات ، أضمره في نفسه ، وبقي
ص: 549
على صورة المحلّ حتّى ترتفع عنه. وإذا استمرّت إلى آخر المناسك ، فلا بأس.
السادس : في أنّه إذا أحرم من ميقات فأفسد ، لم يكن له تجديد الإحرام في ميقات ، ولا في غيره ، بل يبقى على حاله ، بخلاف التارك المعذور.
السابع : في أنّه تكفي المظنّة في معرفة المواقيت الناشئة من قول الأعراب ، ولو من واحد.
والأحوط : طلب العلم ، ثمّ أقوى الظنون ، مع التمكُّن ، من دون عسر.
ولو حصل التعارض ، أخذ بالترجيح. ومع التساوي ، وحصول التردّد من غير مخبر ، يلزم الجمع بين المحتملات إن أمكن ، ومع عدم الإمكان يتخيّر ، ويذهب إلى ميقات آخر احتياطاً.
الثامن : في أنّه لو نذر أو عاهد أو حلف على أن يحرم من ميقات ، فمرّ بغيره ، انحلّ نذره.
وفيما لو كان مستأجراً ، مع اشتراط غير ما مرّ عليه ، يحتمل ذلك ، والبقاء على حكمه السابق ، وفساد الإجارة ، والأوّل أولى.
التاسع : في أنّه لو حصل جهل في مبدأ الميقات ، قدّم الإحرام واللبس والتلبية ، واستمرّ على النيّة والتلبية حتّى يعلم مصادفتها الميقات.
العاشر : في أنّه لو كانت دويرة أهله مسامتة للميقات ، جازت المحاذاة من خارجها ، والأحوط الإحرام بها. ولو كانت في الميقات ، لم يكن لها خصوصيّة بالنسبة إلى مواضعه الأُخر.
الحادي عشر : لو نوى بزعم أنّه ميقات ، فظهر الخلاف بالتقدّم ، عاد.
وإن ظهر بالتأخر ، لم يعُد على إشكال. ولو انعكس الأمر ، وأمكن حصول نيّة القربة منه ، صحّ.
الثاني عشر : في أنّه لا يجوز إدخال إحرام على إحرام ، وليس العدول منه ، ولا إدخال عمل في عمل ، تجانس أو اختلف ، إلا ما استثني.
الثالث عشر : في أنّه تجوز نيابة الرجل والمرأة والخنثى بعض عن بعض في الإحرام وغيره ، ويتبع النائب المنوب عنه في الأنواع ، وفي الصفات الخارجة له حكم نفسه.
الرابع عشر : في أنّه لا يجوز الجمع بين نيّتي إحرامين ، ولا بين نسكين في غير الولي والمولّى عليهم ، ممّن يجوز للمولى القيام عنهم ، بما لا يصحّ وقوعه منهم.
ص: 550
والبحث فيها في مقامين :
وما يلحقه من صفات المحرّمات ، وهي من أحكام الإحرام ، والحرم.
ويختصّ الإحرام بحرمة أُمور سبعة عشر قسماً : الصيد ، والنساء ، والطيب ، والادهان ، ولبس المخيط ، ولبس الخفّين ، والاكتحال بالسواد ، والنظر في المرأة ، وإخراج الدم ، وقصّ الأظفار ، وإزالة الشعر ، والفسوق ، والجدال ، ولبس الخاتم للزينة ، والحنّاء للزيتة ، وتغطية الرأس للرجل ، والتظليل ، ولبس السلاح.
ويلحق بها قلع السنّ ، وليس في دليله سوى لزوم الكفّارة ، وتغسيل الميّت ، وليس من محرّمات الإحرام الاغتسال للتبريد ، وهو ضعيف ، وقطع الحشيش ، والشجر ، مع أنّه من أحكام الحرم دون الإحرام.
فينحصر الكلام في مباحث :
أوّلها : الصيد
وأصله : ركوب الشي ء رأسه ومضيّه غير مُلتفت (1).
ثمّ جُعل ابتداء أو نقلاً مصدراً بمعنى الاصطياد ، أو اسماً بمعنى المصيد يعمّان المحلّل والمحرّم في كتاب الصيد ، كما يؤذن به التقسيم فيه ، فللكتاب وضع خاصّ.
أو الخلاف الجاري هنا جارٍ فيه ؛ إذ القوم بين معمّم للحرام والحلال ؛ استناداً إلى مثل قول أمير المؤمنين عليه السلام :
صيد الملوك ثعالب وأرانب *** وإذا ركبت فصيدي الأبطال (2)
وقول العرب : سيد الصيد الأسد (3). وقولهم : ليث تزبّى زبية فاصطيدا (4).
ص: 551
وقول الصادق عليه السلام إذا أحرمت ، فاتّق صيد الدوابّ كلّها ، إلا الأفعى والعقرب والفأرة (1). وإلى عموم الأخبار في الكفّارات للمحلّلات وبعض المحرّمات.
وبين مخصّص بالمحلّل ؛ نظراً إلى أنّه الفرد الظاهر عند الإطلاق ، ولمقابلته بالجزاء ، ولترتّب منع الأكل ، وكونه ميتة على ذبحه في الحرم أو من المحرم ، إلى غير ذلك ممّا يظهر من تتبّع الأخبار (2).
وبين معمّم للحلال ، وبعض أفراد الحرام ، من الأسد ، والثعلب ، والأرنب ، واليربوع ، والقنفذ.
ويمكن أن يقال : إنّه عبارة عن الحلال في الشرع كائناً ما كان ، فلأهل مكّة صيد ، فالخنازير صيد عند النصارى دون غيرهم.
أو يقال : هو عبارة عن المستحلّ وإن لم يكن حلالاً ممّا يأكله الأعراب مُستحلّين له صيد عندهم ، أو يقال : هو عبارة عمّا يؤكل ، وإن كان حراماً باعتقاد اكله.
والظاهر التعميم ، غير أنّ الشائع الحلال ، فيحرم من الصيد وهو الممتنع بالأصالة ، من حلال اللحم مطلقاً ، على تأمّل في صدقه على مثل الجراد ، أو من كبار حرامه (3) على المحرم في حلّ أو حرم ، ومن في الحرم محلّا أو محرماً جميع أنواع المحلّل ، وكبار المحرم إلا ما استثني.
أما ما تعلّق بالحرم (4) فلما يظهر من تتبّع الأدلّة أنّ الحرم موضع الأمن لآحاد الإنسان والحيوان ؛ ، وأن تحريم التعدّي فيه للاحترام.
وأمّا ما تعلّق بالإحرام ؛ فلما يظهر من تعليل الاستباحة لبعض المحرّمات بكونها
ص: 552
صارت مؤذية للحيوان أو الإنسان ، ومن قول الصادق عليه السلام : «اتّقِ قتل الدواب كلّها إلا الأفعى والعقرب والفأرة» (1).
وقول أبي الحسن عليه السلام في جواب من سأله عن المحرم ، وما يقتل من الدواب : «يقتل الأسود ، والأفعى» (2) إلى أخره ، إلى غير ذلك من الأخبار (3).
ووردت الرخصة في عدّة حيوانات من الحيّة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، والسبع ، والذئب إذا أرادتك ، وكلّما تخاف أذيّته ، ورمي الغراب ، والحداءة ، وتنفيرهما عن ظهر البعير (4).
ويحرم من المحرم التعرّض له مُباشرة أو تسبيباً ، فيحرم اصطياده ، وذبحه ، وأكله ، وقتله ، والإشارة إليه ، والدلالة عليه ، والإغلاق عليه ، وتنفيره ، وتخويفه ، وربطه ، وحبسه ، وإحداث أُمور تقتضي تفطّن الناس إليه ، من ضحك ، وحركات ، وأوضاع تُنبئ عنه ، أو التماسِ أن يذهب إلى مكان هو فيه ، أو شجرة أو صخرة هو حولها ، لمن يُريد صيده ، ولا يعلم مكانه ، أو إعطاء سلاح ، أو ندبه ، أو غيرها ، مع قصد ذلك ، إلى غير ذلك.
وإن ذبحه أو نحره حيث تكون ذكاته بذلك كان ميتة ، ولو صاده المحلّ.
وإن قبض الجراد ، كان قبضه تذكية ، وإن فعل حراماً على إشكال.
ولو رماه محرماً ، فصاده بعد الحلّ ، عصى وإن حلّ ؛ بخلاف العكس ، فإنّه يحرم به. وكذا لو قطع به بعض الأوداج مُحرماً ، فأتمّها مُحلًّا والعكس كالعكس ، على إشكال في الجميع. ولا فرق بين العالم بالحكم ، والجاهل به ، أو بالموضوع ، والناسي ، والغافل
ص: 553
الأعمى ولا بين المذبوح في الحلّ ، والمذبوح في الحرم.
والفرخ والبيض كالأصل.
وإحرام فاسد الحجّ كإحرام صحيحه.
ولو ألقاه في بئر ؛ أو استعصى بسببه ، فطعنه المحلّ ، عصى ، وحلّ.
ولو استندت تذكيته إلى مُحلّ ومحرم ، فكان كلّ واحد جزء علّة ، حُرم. وإن كان كلّ واحدة علّة مستقلّة ، حلّ في وجه قوي.
ولو كان في يد مُحرم ، فأخبر بأنّه ذكّاه المحلّ ، حلّ للمحلّ.
ولو اصطاده المحرم ، أو أغلق عليه ، أو أشار إليه ، فعصى اللّه بفعله ، ثمّ ذبحه المُحلّ ، حلّ للمحل ، وليس عليه غرامة للمحرم ؛ لأنّه لم يملكه.
ولو وكلّ وكيلاً محلا في الذبح عصى ، ووكالته باطلة ، وحلّت لغيره ، وله بعد الحلّ. ولو ذبحه وبقيت حياته إلى أن أحلّ (1) ، فجدّد ذبحه حلّ على إشكال.
ويجري في إحرام الصبيّ المميّز ما يجري في البالغ.
ولو ذبحه أو أصابه محلّا ، فمات بعد إحرامه ، حرم ، وبالعكس بالعكس.
ويُستثنى من ذلك شيئان :
أحدهما : الصيد البحري ، وهو : ما يبيض ويفرخ في الماء ، من بحر أو نهر أو هور أو عين أو بئر ونحوها ، عكس البرّي ، فإنّه يراد به ما يبيض ويفرخ في البرّ. وذو النوعين المختلفين كالسلحفاة يُلحق كل نوع منه ما يوافقه.
وما كان منصوصاً كالجراد ، والنعام ، والحمام ، وشبهها غنيّة عن البحث. فالجراد إذا كثر ، فإن خصّ طريقاً اجتنبت ، مع عدم لزوم العسر. وإن عمّ الطريق ، لم يجب الاجتناب ، كما في عموميّة غيره من المحرّمات. وإن اختلفت قلّة وكثرة ، اختار الأقلّ.
وإنّما الثمرة في غير المنصوص ، والمشكوك فيه يجري فيه الاحترام ، فعلى الأعمى
ص: 554
والماشي في الظلمة تجنّب ما يجده من حيوان أو لحم ونحوهما.
ولو وجده في يد مسلم محرم ، حكم بأنّه بحريّ ، ولا يبعد إلحاق ما يحصل بمحلّ لمحلّه.
وما يعيش في البر ، وتكوّنه في البحر بحري ، كالسرطان ، ونوع من السلحفاة يلحق بالبحر.
وما تكوّنه في البرّ ، وتعيّشه في البحر كالبطّ ، ونحوه من صيد البرّ ، وربّما يقال : بأنّ التعيّش يسبّب الإلحاق.
وقد يقال : بتحريم صيد البحر من المحرم.
والمتولّد من بريّ وبحريّ يتبع الاسم ، والمشكوك فيه يلحق بالبريّ على إشكال.
وغير الممتنع بالأصالة في برّ أو بحر وحشيّاً كان أو لا ليس بصيد ، فيخرج عنه الدجاج الوحشي ، والقرقر ، ونحوهما ؛ لأنّهما لا يدخلان في الممتنع كالدجاج الأهلي.
ثانيها : الحيوان الأنسي بالأصالة ، وإن توحّش بالعارض ، كما أنّ ما كان على العكس يجري عليه حكم العكس ، ولا فرق في المقامين بين المملوك والمباح غير أنّ الأوّل يزيد بضمان قيمة لصاحبه ولا بين الصغير ، والكبير ، ولا بين المجتمع ، والأبعاض المتفرّقة.
والمتولّد بين الوحشي والإنسي يتبع الاسم ، والمشتبه تغلب عليه الحرمة من جهة الاحترام.
وما (لم يكن) (1) له اسم آخر ، كالسبع المتولّد بين الذئب والضبع ؛ أو المتولّد بين الحمار الوحشي والأهلي إن دخل في الوحشي كالسمع ، حرم ، وإلا فلا. والمتولّد بين المتماثلين ومخالفة الاسم يتبع الاسم ، ويحتمل تبعيّتهما.
وعلى ما استفدناه من بعض الروايات حرمة اصطياد (2) ومن بعض التعليلات
ص: 555
حرمة قتل جميع الحيوانات المتوحّشة ، وإيذائها (1) ، وجميع الحيوانات الصغار إلا ما قام الدليل على خلافه ، والحيوان البحري إذا باض في البرّ ، وأفرخ فيه ، وبالعكس لم ينتقل حكمه إلى أولاده ، بل يتبعون مكان ولادتهم كالجراد.
ولا يدخل في ملك المحرم وهو معه ، لا ببيع ، ولا بميراث ، ولا بهبة ، ولا صداق ، ولا غير ذلك. وإذا صحب ما يملكه من الصيد معه ، زال ملكه عنه. ولو كان بعيداً عنه (2) في بيته أو غيره ، لم يزل عنه. وإذا أحلّ دخول الموروث إن كان بعيداً أو أحلّ قبل القسمة وما في الشبكة المغصوبة.
ولا يجوز الأكل من الصيد اختياراً ، ومع الاضطرار لا مانع منه ، ولحم الميتة مقدّم عليه إن لم يعط مطلقاً ، بخلاف العكس ، وبخلاف المغصوب ، ونجس العين من الحيوان في حياته ومماته ، والنجاسة العينيّة كالخمر ، وشبهه.
ولا يجوز لمن في الحِلّ أن يضرب ما في الحرم ، وبالعكس. ولو ضرب ما في الحلّ ، وذكّاه المحلّ ، عصى وحلّ. وإذا صاد المحرم ، وذبح المحلّ ، حلّ للمحلّ ، والجزاء على المحرم.
وحمام الحرم حرام في الحلّ على المحلّ ، دبسياً أو قمريّاً أو غيرهما.
ولو حفر بئراً أو وضع حجراً أو مزلقة قاصداً بها أذيّة الصيد ، للانتفاع أو غيره ونحو ذلك ، عصى ، وضمن. وإذا عدا الصيد ، فخاف منه ، وفعل به ما لا يمكن دفعه إلا به ، فلا عصيان ، ولا ضمان.
ويكره صيد ما يؤمّ الحرم ، وما في حريم الحرم ، وهو بريد من كلّ جانب من جوانب الحرم ، ولا فرق في الحكم بين الدبسي ، والقمري ، وغيرهما.
ومذبوح الحرم وإن كان بعضه فيه ميتة ويستحبّ دفنه.
ولو أثبت يده عليه محرماً فأحلّ ، أرسله ، وزال ملكه عنه على إشكال.
ص: 556
ولو كان وديعة أو عارية ، سلّمه الحاكم أو عدول المؤمنين (1) قبل الإحرام. ودخول الحرم. وإن لم يسلمه ، أرسله ، وضمنه.
ولو باعه المحرم فخرج معيباً ، فليس له تسليمه إلى المحرم. نعم له الفسخ ، والتسليم إلى الحاكم ، أو نائبه. وإن كان الخيار للمشتري وهو محرم ، كان له الفسخ على إشكال.
والقاهر على القبض يضمن ، دون المقهور.
ومن أخرج صيداً من الحرم لزمه ردّه ، وإن كان مقصوصاً أو مريضاً أبقاه حتّى يتمكّن من الطيران ، وفي وجوب بذل الدواء إشكال.
ولا يجوز نتف شعره ، وصوفه ، ونحوهما ، ولا حلقهما ، ونحوهما ، ولا التنفير ، ولا التخويف ، ولا فرق بين القمريّ والدبسي ، وغيرهما.
والفهد وكلّ سبع إذا دخل (2) إلى الحرم أُخرج منه ، وروى : «أن ما كان من الطير لا يصف فلك إخراجه» (3).
الثاني : من المحرّمات ، ممّا لا يُسمّى لصغرها ، وحقارتها أو لعدم امتناعها صيداً ، وهو مشترك بين الحرم والمحرم كالسابق من هوامّ جسد الإنسان كالقمل والبرغوث ، وما يتولّد في الجروح من صغار الحيوان ، أو جسد الحيوان من قراد أو حلم ، أو ما يتولّد في دبرها أو خروجها ، أو ما تولّد في غيرهما ، كالمتولّد في التمر ، والفواكه ، والمياه ، والأطعمة المنتنة ، وغير المتولّد كالذباب ، والبعوض ، والخنفساء ، وسام أبرص ، والزنبور ، والدود ، والدباء ، وجميع الحيوانات الصغار.
وإذا عمّ شي ء منها الطرق ، وتساوت كثرة وقلّة ، تخيّر ولا مانع. وإن اختلفت قلّة وكثرة ، رجّح الأقلّ. وإن اختصّت بطريق ، يجتنب المختصّ ، وسلك الخالي.
ولو دار بين ركوب ما يكثر القتل ، وخلافه ، قدّم الأخر. وفي لزوم المشي حيث لا يترتّب عليه قتل ، أو كان ما يترتّب عليه أقلّ ، أو كان ما يترتب عليه أضر
ص: 557
ممّا يترتّب على غيره بعده.
ولو دار الأمر (بين الأضر) (1) كالقتل مع الجرح والكسر ، أو هما مع التنفير في النوع الواحد وبين أيسر ، تجنّب الأضر ، ومع الاختلاف في غير ما مرّ.
ولا يجوز إلقاء القمل عن جسد الإنسان ، بل ينقلها (2) إلى مكان أحرز منه أو مساو له ، ولا الحلم عن البهائم ، ولا نقلها إلى الأحرز أو المساوي ، والأحوط تجنّبه من رأس.
قيل : أوّل ما يكون القراد قمقاماً ، ثمّ جماناً ، ثمّ قراداً ، ثمّ حلماً (3).
ولا يختصّ التحريم بما يُسمّى صيداً ، ولا بخصوص الممتنع ، بل يعمّ جميع الحيوانات محللة ومحرمة ، سوى المؤذيات ، كالحيّة ، والعقرب ، والفأرة ، إلا ما قامت البديهة على جواز ذبحه ، وأكل لحمه للمحرم وفي الحرم ، كالنعم الثلاث.
وكما لا يجوز القتل ، لا يجوز الجرح ، والإضرار ، والتنفير ، والإلقاء في مهلكة ، والوضع في محلّ وطء الأقدام ونحوها.
الثالث : النساء ، فيحرم الوطء لذكر أو أُنثى أو خنثى ، في فرج أو دبر ، من إنسان أو حيوان ، حيّ أو ميّت ، مع بلوغ الختان وعدمه ، مع الشهوة وبدونها ، مكشوفاً أو ملفوفاً ، منزلاً أو لا ، قويّاً أو ضعيفاً.
وموطئة الأنثى والخنثى من واطئ كذلك.
واللمس ، والنظر ، والإسماع ، والضمّ من وراء الثياب مع الشهوة ، لمحلّل أو محرّم ، ذكراً أو أُنثى ، والتقبيل لمحلّل أو محرّم ، من النساء ، غير محرّم ، بشهوة أو بدونها ، وفي الذكر مع الشهوة ، والتفكّر في محرّم بشهوة.
ولا يبعد تمشية الحكم إلى مسّ (4) الصور أو تقبيلها بشهوة ، كلّ ذلك مع العلم بالحكم والجهل. ويجري الحكم في المحرم مع المحلّة ، وبالعكس.
ص: 558
وفي معناه : الاستمناء باليد ، أو التفخيذ ، أو الملاعبة ، أو التخيّل ، أو النظر إلى الصور ، أو غير ذلك.
ويحرم العقد دواماً ومتعة ، وأصالة أو ولاية أو وكالة ، لو كان العقد منه لغيره محلّا أو مُحرماً ، أو من غيره له ، أو فضولاً. ويقوى دخول التحليل فيه ، ويفسد العقد. والوكالة على تأمّل في الأخير.
ولو وقع بعض الإيجاب أو القبول حال الإحرام ، كان كوقوع الكلّ على إشكال. ولو وكّل محرم محرماً أو محلا ، فوقع العقد حال إحرام الموكّل ، بَطَلَ العقد. ويقدّم قول مدّعي الوقوع. وتحرم الشهادة عليه ، وإقامتها بين محرمين ، أو محلّ ومحرم ، وحمل الغير على الوكالة أو الإقامة على إشكال.
ولو تحمّل محرماً ، وادّى محلّا ، فلا مانع.
وليست الرجعة منه ، ولا مانع من الفسخ والطلاق ، وشراء الجواري ، وإن قصد جعلها من السراري. والخبر لا يلحق بالشهادة. وفي تخصيص الشهادة بشهادة العدل ، ولو عقد قبل التلبية أو في أثنائها وأتمّه قبل تمامها ، فلا بأس.
ولا مانع من الشهادة على العقد الفاسد ، ولا عقد الوكالة ، ولا الصداق ، ولا القسم ، ونحو ذلك.
وتكره للمحرم الخطبة.
الرابع : فعل المحرّمات ، وترك الواجبات من المحرم حين الإحرام ، ومنه ومن المحلّ في الحرم ، فيكون الحرام لنفسه حراماً لغيره.
فإنّ فعل المعصية من المحرم حال الإحرام ، والمصلّي حال الصلاة ، وكل عابد حال العبادة يضاعف وزر المعصية عليه ؛ لأنّه أقام نفسه مقام العبد الذليل ، بين يدي المولى الجليل ، وأقام نفسه مقام الحضور.
ويتضاعف في الحرم ، وفي سائر المحترمات من المشاهد ، والمساجد ، على مقدار الشرف والفضل ؛ لاشتمال ذلك على زيادة هتك الحرمة ؛ بل في الأزمان ، من الشهور المعظّمة ، والأيّام.
ص: 559
ولذلك زادت دية القتل في الحرم ، وفي الأشهر الحرم.
فكلّ واجب أو محرّم يشتدّ وجوبه وتحريمه ، إمّا باعتبار شرف فاعله أو زمانه أو مكانه ، ويتزايدان بزيادة الشرف ، ويضعفان بضعفه. وكذا يشتدّ الندب ، والكراهة ، ويتزايدان على ذلك النحو.
والظاهر اشتداد الوجوب والتحريم بزيادة الشرف في بُقَع الحرم. ولو دار أمر المضطر بين ارتكاب الأشدّ والأضعف ، قدّم الأضعف.
فمن أتى بمعصية من قتلٍ أو نهب أو سلب أو غيرها من المعاصي محلا في الحِلّ ، عوقب عقاباً واحداً. وإن كان محرماً في الحِلّ أو محلّا في الحرم ، تضاعف عقابه. وإن كان محرماً في الحرم ، زاد استحقاقه.
ثمّ يزداد في المسجد ، ثمّ في المقام ، والحِجر ، ثمّ تحت الميزاب ، وبين الركن والمقام ، ثمّ عند الحجر الأسود ، ثمّ عند الركن اليماني والمستجار ، وهكذا.
ولو (1) اختلف الزوجان في فساد العقد ، لوقوعه حال الإحرام ، وصحّته ، قدّم قول مُدّعي الصحّة مع اليمين ، ويقضى على الأخر بلوازم الزوجيّة.
فيجب المهر كُمّلاً لمدّعية الصحّة ، والنفقة ، والقسم ، وجميع اللوازم. ويجب على الزوج الامتناع عن مقاربتها ، واحتسابها بحساب الأجانب ، إلا إذا أجبره (2) الحاكم على المنام معها ، والقيام بالحقوق.
وليس لها المطالبة قبل الدخول ، والقبض بمهر ، ولا بعض مهر ، وليس له الرجوع عليها إلا مع الطلاق ، فيأخذ النصف من المهر المدفوع.
الخامس : الطيب ، ويحرم استعماله شمّاً من متّصل أو منفصل ، أو لمساً ، ورشّاً ، ولطخاً ، وبخوراً ، وسعوطاً ، وتقطيراً ، واحتقاناً ، وشرباً ، واكتحالاً واتصالاً (3) ببدن أو ثوب ، ابتداء أو استدامة ، علوقاً أو أصالة ، مباشرة أو بواسطة ، قليلاً أو كثيراً ،
ص: 560
مستقِلا أو مضافاً ، ما لم تقض الإضافة بسلب الصفة ، من جميع ما يسمّى طيباً ، مع بقاء صفته ، وعدم زوال رائحته.
فالفارق العُرف فيما لا يستفاد من النصّ ، وما استفيد من النص كالمسك ، والعنبر ، والكافور ، والزعفران ، والعود ، والورس (1).
ثمّ إنّ ما رائحته طيّبة منه ما لا يُعدّ طيباً بنفسه ولا بدهنه من الثمار ، كالتفّاح ، والسفرجل ، ونحوهما من أقسام الفواكه ، ومن الأبازير كالكمّون ، والسعتر ، والحبّة السوداء ، والهيل ، ونحوها.
ومنه ما لا يكون بنفسه طيباً ، ودهنه طيب ، كالرارنج ، ونحوه.
ومنه : ما يعدّ طيباً بنفسه ، ولا يتخذ منه الدهن ، كأكثر أقسام الطيب.
ومنه ما يعدّ طيباً بنفسه ، وبدهنه ، كالورد ، والقرنفل ، والصندل.
ومنه : ما يعدّ دخانه دونه ، كالبنفسج ، ونحوه.
ويشتدّ التحريم بشدّة الرائحة ، وكثرة المستعمل ، ويضعف بخلافهما. وعند الاضطرار والتعارض يؤخذ بالترجيح.
وتفصيل الحال : أنّ غير المنصوص أقسام :
منها : ما نبت للطيب ، ويتّخذ منه الطيب ، كالورد والياسمين والخيري والكاذي والنيلوفر.
ومنها : ما نبت للطيب ، ولا يؤخذ ؛ (2) منه ، كالفواكه من التفّاح ، والسفرجل ، والدارصين ، والمصطكى ، والزنجبيل ، والشيح ، والقيصوم ، والإذخر ، وحبق الماء ، والسعد.
ومنها : ما نبت للطّيب ، ويتخذ منه ، كالريحان ، ونحوه ، وكلّما شكّ في صدق الاسم عليه ، لا يجري حكم الطيب عليه ، وما شكّ في زوال صفته ، يحكم فيه بزوال صفته.
ص: 561
والمدار صدق الاسم عليه شائعاً ، وأمّا النادر كما يتّخذه بعض الأعراب مثلاً ، ويسمّونه دون غيرهم طيباً فلا عبرة به ، ويقوى تخصيص المنع بهم. وما اختلف حاله يقوى ملاحظة القصد به. وما تجدّد صدق الاسم عليه ، يتبع الاسم. ويحتمل أنّ المدار فيه على زمان صدور الأخبار ، ولا فرق فيه بين الصحيح وغيره في ثبوت صفته.
ويجوز العبور في مكان فيه الطيب ، ويجب أن يجعل في منخريه شيئاً يمنع وصول الرائحة ، أو يقبض على أنفه.
وإن كان على ثوبه أو بدنه شي ء من الطيب ، وجبت عليه إزالته بخارج عن ثيابه وبدنه إن أمكن ، وإلا فيهما فوراً.
ويجوز له العبور في مكان فيه الطيب ، مع قبض الأنف ، وعدم اكتساب الثياب والبدن. وإذا مات المحرم ، فلا يجوز أن يقرب إليه الكافور أو غيره من الطيب في تغسيل أو تحنيط أو غيرهما.
والأحوط أن يبعد عنه بحيث لا يشمّه لو كان حيّاً ، وإذا أصابه وجب على الوليّ ، ثمّ على الناس إزالته.
ولو لم يوجد من الماء سوى ما فيه الطيب ، يُمّم ودفن بلا غسل.
ويستثنى من الطيب خلوق الكعبة ، وزعفرانها ، دون ما سواهما ، ويحتمل إلحاق جميع ما يعتاد تطييبها به بهما ، دفعاً للحرج.
ويقوى لحوق خلوق قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بخلوق الكعبة.
والخلوق ضرب من الطيب فيه صفرة ، وقيل : هو معروف مركب من ثلاثة دراهم زعفران ، وخمسة من الذريرة ، ودرهمان من الأشنة ، ومن كلّ واحد من القرنفل والقرنة درهم ، يدقّ ناعماً ، ويُنخل ، ويعجن بماء ورد ، ودهن ، حتّى يصير كالرهشي في قوامه ، والرهشي ، السمسم المطحون قبل أن يعصر ويستخرج دهنه (1).
وبعضهم ألحق تجمير الكعبة (2) ، وبعض جوّز الجلوس فيها ، وهي
ص: 562
مطيبة (1) ، بخلاف الجلوس في سوق العطّارين ، وعند المتطيّبين.
وروى : نفي البأس عن الرائحة الطيبة بين الصفا والمروة ، وأنّه لا يجب حبس أنفه (2) ، ولا يبعد العمل بذلك ، والقول بجواز ذلك في كلّ موضع تردّدٍ يُوضع فيه الطيب من المشاعر ؛ دفعاً للحرج والضيق.
ويُكره له شمّ الرياحين ، وهي أطراف كلّ بقلة طيّبة الريح إذا خرج عليها أوائل الشروق.
وقيل : كلّ نبت طيّب الريح من أنواع المشموم (3).
وقيل : هو ما لساقه رائحة طيّبة ، كالوردة وورد ، وما لورقه رائحة طيّبة كالياسمين (4).
وقيل : هو نبت طيّب الرائحة أو كلّ نبت كذلك ، أو أطرافه أو ورقه ، واصلة ذو الرائحة ، وخصّ بذي الرائحة (5) الطيّبة ، ثمّ بالنبت الطيّب الرائحة ، وحرم (6) بعضهم غير ريحان مكّة ، للحرج (7).
ولا يجوز التطيّب بما يبقى (8) أثره من خصوص الرائحة مع الممازجة ، وبدونها.
السادس : حبس الأنف ، وعدم حبسه عن الرائحة المنتنة ، من جيفة ، أو غائط ، أو ماء متعفّن ، أو غير ذلك. ولو حصلت مع الطيب في مكان واحد ، غلب حكم الطيب حكم الخبيث ، فيسدّ أنفه على إشكال.
ص: 563
ولو كان أنفه مسدوداً قبل الوصول لأجل الدفع ، وجب الإطلاق. وإن لم يكن له فلا ، على إشكال.
ولو تجنّب الطريق فلا بأس ، وكلّ غالب من الرائحتين مضمحلّ للأخرى عمل عليه ، وألقى المغلوب. ولو اختصّ الطيب أو الخبيث (1) بمعدود ، فلا عمل عليه.
السابع : لبس المخيط وما أشبهه من ملصق ، وملبّد وغيرهما للذّكر والخنثى المشكل ، من نفسه أو من وغيره ، ابتداء أو استدامة ، مخيطاً بخيوط معتادة ، من قطن أو كتّان أو إبريسم أو صوف أو شعر أو غير معتادة من جلود أو من خوص أو ليف أو نبات أو نحوها والأحوط إلحاق الخصف بالخياطة قليل الخياطة أو كثيرها ، محيطها أو غير محيط (2) ، كبيراً أو صغيراً مما يسمّى لبساً ، لا فراشاً ، ولا وِساداً ، ولا محمولاً ، ولا بيتاً ، ولا دثاراً ، ولا مجروراً ، ولا مرتفعاً فوق المعتاد ، ولا ملصوقاً ، ولا معلّقاً ، ولا مثبتاً في حزام ، ولا موضوعاً على الوجه خوفاً من وصول الهوام.
فالمحرّم اللباس المخيط ، وكلّ لباس يشبهه ، ممّا يُدعى قميصاً ، وقباءً ، وسراويل ، وعمامة ، وبرنساً ، وخفّاً ، وقلنسوة ، وجبّة ، ودرّاعة ، إلا أن يكون طيلساناً معوى بإنسان مزروراً أو غير مزرور ، والأخير أحوط ، وإن كان مزروراً ، فحلّ الأزرار أحوط وهو بفتح الطاء واللام ، وقد تُكسر اللام ، وقد تُضمّ نادراً ، وهو من لباس العجم ، مدوّر أسود ، أو يكون سراويل ، مع فقد الإزار ، أو يكون قميصاً مطروحاً على العاتق لفاقد الرداء ، أو قميصاً منكوساً ، من دون إدخال اليدين في الكمّين.
ولا يحرم على الأُنثى شي ء من المخيط ، سوى المستثنى.
الثامن : القفّاز ، إنّ القفّاز كرمّان ضرب من الحلي متّخذة للمرأة ، ليديها ، ورجليها (3).
ص: 564
وقيل : شي ء يلبسه نساء الأعراب في أيديهنّ يغطي أصابعهنّ وأيديهنّ مع الكفّ (1).
وقيل : القفاز أن تقفزها المرأة إلى كبوب المرفقين ، فهو سترة لها ، وإذا لبست برقعها ، وقفّازيها فقد تكنّنت ، أي استترت ، ويتّخذان من القطن ، فيُحشى له بطانة ، وظهره من الجلود واللبود (2).
وقيل : هو شي ء يُعمل لليدين ، يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار ، يزر على الساعدين من البرد ، تلبسه المرأة في يديها (3).
والظاهر أنّه أقسام ، وباختلافها اختلف الكلام.
ومن لبس المخيط غفلة أو نسياناً. وجب عليه نزعه فوراً. وإذا اضطرّ إلى لبس المخيط أو شبهه ، قدّم الأخير ، وكذا إذا دار بين الكثير والقليل.
وإذا دار بين أن يكون عرياناً أو يلبسه ، لبسه.
والظاهر عدم إلحاق المخصوف كالنعل بالمخيط. ويجب التجنّب عن المشتبه ، لعمى أو ظلمة أو شكّ في الموضوع.
ويجوز لبس المنطقة ، وشدّ الهميان وهو وعاء الدراهم والدنانير على الوسط ، وشدّ الدراهم بالثوب ، وفي التسرّي إلى ما يشبه ذلك وجه.
التاسع : لبس الخفّين ، وكلّما يستر ظهر القدم منضوداً أو مع الساق أو بعضه كالجورب والخفّ المنصوصين ، والشمشك ونحوها اختياراً ، ولا اعتبار بالبطن.
ولا بأس بساتر بعض الظهر ، إلا إذا عُدّ ساتراً عرفاً ، واعتبرنا المسامحات العرفيّة. ويجوز مع الاضطرار ، ولا يجب شقّه ، وإن كان الاحتياط شديداً فيه.
ولو كان مخيطاً حرم لبسه من وجهين ، ولا يجب مع الاضطرار قطعهما من أسفل الكعبين ، ومع وجود النعل أو عدم الاحتياج إلى اللبس بلا شقّ ، ولا قطع. وفي تعميم
ص: 565
الحكم للنساء والخناثى المشكلة وجه ، والأوجه خلافه.
وهل يراد الستر من كلّ وجه ، فلو حكى ما تحته فلا بأس ، أو من حيث السعة وإن كان حاكياً ، وجهان ، ولعل الأقوى الثاني.
ولو حصل الستر بمجموع أشياء لو انفرد أحدهما لم يكن ، دخلت في حكم الساتر على الأقوى.
وبعض القدم بعد القطع ككله ، وفي إلحاق القليل إشكال.
والستر بالطين ، ونحوه ، وبغير طريق اللبس كوضعه عليها ، ووضعها تحت الغطاء ليس من الستر ، ولا فرق في المنع بين الابتداء ، والاستدامة ، ولو كان سالماً غافلاً ، ثمّ تفطّن لزمه النزع فوراً.
ولو اختلف صاحبا الحقو الواحد في الإحرام والحلّ ، فأراد المحلّ اللبس ، والمحرم خلافه ، قدّم الأوّل على إشكال.
العاشر : ستر الرأس بما فوق الرقبة ، عدا ما يُسمّى وجهاً في اللّغة والعرف وليس الأُذنان من الوجه بساتر مُعتاد ، أو غير معتاد ، من طين أو تراب أو شمع أو عسل أو دواء أو حناء أو وضع طبق أو خشب أو عصابة سوى عصابتي القربة والصداع أو ارتماس (1) بماءٍ أو وضع فيه أو في غيره من المائعات أو وضع تحت غطاء أو على وساد يشتمل على ستر غير المتعارف.
ولا بأس بصبّ الماء ، وغيره من المائعات وفيها وفي خصوص العجير منها إشكال ولا بوضع بعض اليدين ، كما يُرشد إليه مسح الوضوء.
وفي جواز التلبيد بالصمغ والعسل بجمع الشعر ، ووضع الحناء ، والدواء ونحو ذلك إشكال.
ولا فرق بين الابتداء والاستدامة ، فلو سها فاستدام ، وجب الرفع فوراً ، ويستحب له التلبية بعد الرفع ، والقول بالوجوب غير بعيد. وفي إجزاء كلمتها أو لزوم الأربع بالطور المخصوص وجهان ، أقواهما العدم.
ص: 566
ولا بين كونه بالمباشرة وفعل الغير.
وذو الرأسين الأصليّين يجري عليه الحكم فيهما وذو الأصلي وغيره كذلك في وجه. والأوجه الاختصاص بالأصلي ، ومع الضرورة يقتصر على أقلّ ما يندفع به ، وإذا اضطرّ ، اقتصر على الواحد ، ثمّ على البعض إن دفع الضرر.
ولو دار بين التجافي وغيره ، قدّم الأوّل. ولو دارَ بين الساتر عُرفاً وغيره ، كان الثاني أولى. ولو كان قد ألزم نفسه بملزم شرعي ، انحلّ. والظاهر جريان حكم المنع في غير الضعيف ممّا يحكي لون الرأس على إشكال.
وليس من الستر ما تجافى عنه كثيراً كالبيت ، والصهوة ، والخيمة ، وفي القليل إشكال. ولو وضع الساتر على الساتر ، تكرّرت معصيته. ولو اضطرّ ، اقتصر على القليل.
ولو اضطرّ إلى أصل الساتر لواجد الثخين ، احتمل وجوب تخفيفه. ولو أراد تغطية وجهه ، وجب عليه كشف ما يتوقّف عليه العلم بكشف رأسه.
الحادي عشر : ستر الوجه للمرأة ، فإنّ إحرامها فيما يُسمّى وجهاً عرفاً ، ووجب عليها كشف بعض رأسها.
ويجوز لها وقد يجب إذا أرادت التستّر عن الأجانب سدل القناع ، أي إرساله من رأسها إلى طرف أنفها ، والأقوى جوازه إلى الذقن ، وإلى النحر.
ولا يجوز العكس ، ولا إصابة الثوب وجهها إلا قدر ما يعسر التحفّظ عنه.
ولا يجب على الذكر الكشف على الأقوى.
وتحرم تغطية الوجه ابتداء ، واستدامة ، ومباشرة ، وبواسطة. ولو سترته سهواً أو نسياناً ، وجب عليها الكشف فوراً.
وذات الوجهين يجري عليها حكم ذي الرأسين ، ولو تعارضت مقدّمتا وجوب ستر الرأس للصلاة ، ووجوب الكشف للإحرام ، قدّم الأوّل.
ولو تعارض وجوب الستر عن الرائي بناءً على وجوبه فيه ، وبين الكشف ، قدّم الأوّلان في المقامين.
ص: 567
ولو اضطرّت إلى قناع تسدله ، لتعمل بالوظيفتين ، وجب فيه بذل المال ما لم يضرّ بالحال ، وستر البعض كستر الكلّ ، والقليل كالكثير ، فأصل التحريم وإن تفاوت العقاب في المقدار ، على نحو التفاوت في المقدار.
ولا فرق بين الرقيق بأقسامه ، وبين الأحرار ، والحرائر.
ولو كان الستر ملتزماً ببعض الملتزمات الشرعيّة ، انحلّت ، ولو قطع أعلى الوجه والرأس ، قام الأسفل مقامه.
ولو كان حرج أو جرح أو كسر في موضع من الرأس ، فتوقّف على وضع الجبيرة لمسح ما فوقها في غسل أو وضوء ، وضعت مع الاقتصار على موضع الحاجة ، وفي الشعر المتدلّي الخارج عن حدود الرأس إشكال.
واللحم المتدلّي من الرأس والمرتفع إلى الرأس بحكم مصدره ما لم يعفر.
وفي وجوب حلق لحية المرأة وشاربها للإحرام مع ستر بعض الوجه احتمال ضعيف.
والظاهر وجوب الاختبار على الخنثى لمعرفة هذا التكليف ، بل سائر التكاليف. وتأخذ بالأشق ، مع تعذّر الاختبار. وفي هذا المقام عند الصلاة يجب على الحدّ أن تستر رأسها ، وتكشف وجهها ، وفي غير الصلاة تكشفهما معاً.
الثاني عشر : التظليل للذكر أو الخنثى فوق رأسه سائراً ، بأن يجلس في محمل أو كنيسة أو عمارية مظلّلة أو شبهها.
وفي التظليل من الجوانب والمشي تحت الظلال سائراً إشكال ، والأقوى في الأوّل الجواز ، وفي الثاني المنع.
وأمّا المشي تحته في المنزل ، وفي الطريق ، مع الوقوف في الأثناء فجائز ، والأحوط في الأخير الترك. ولو كان ناسياً فذكر ، وجب عليه رفعه فوراً.
ولا فرق بين أن يكون مع بروز الشمس وخفائها ، ولا يبعد أن يقال : بتكرّر المعصية مع البروز.
ولو سار حاملاً شيئاً يظلّله من خشب أو حطب أو فراش ونحوها ، لم يكن مظلّلاً ،
ص: 568
والتظليل فوق نصف الرأس فيه من الإثم بنسبته ، وهكذا على إشكال.
ولو اضطرّ إلى التظليل ، تظلل ولو كان الستر تحت ما يسير معه ، من بناء وغيره ، فلا مانع منه. ولا فرق في تحريم ما يتحرّك بحركته بين أن يكون خارج المساكن أو داخلها ، ولا في إباحة ما لا يتحرّك كذلك.
ولا مانع من التظليل للنساء ، ولا من التظليل ببعض بدنه ، وفي بدن غيره إشكال.
والظاهر دخول التظليل بما يحكي في التظليل. وأمّا ما كان على نحو الشبّاك والشبكة ، فالظاهر عدم دخوله ولو وضع عليه ، غير أنّه يلزمه الاقتصار على مقدار الضرورة ، فيقتصر في الوقت والكم على مقدارهما ، وفي الكيف من جهة الثخن والرقّة يحتمل ذلك.
ولو سكن الظلال ، فتحرّك تحته أو بالعكس فلا بأس.
ولو توقّف تظليل المضطرّ على وجود آخر معه ، كما أنّه لو دار بين القليل والكثير ، قدّم الأوّل. والمحاذي للرأس من الجانبين بحكم ما عليه في وجه قويّ.
ولو دار بين الأمرين ، قدم الأوّل ، أمّا لو تعدّدت فالظاهر تعدّد المعصية.
الثالث عشر : الاكتحال بالسواد بنفسه أو بمباشرة الغير مطيّباً أو لا ، للزينة أو لا ، بميل كان أو ورود ، ابتداء دون الاستدامة ، فلا يجب الإزالة على الأقوى ، وقد يلحق به جميع ما أُعدّ لزينة العين ، قصدت به أو لا. ويعمّ الحكم الرجال ، والنساء ، والخناثى. ولو كرّر الاكتحال مع بقاء أثر الأوّل ، وحصول أثر جديد من الجديد ، تكون الإثم. ومع عدم حصول الأثر يقوى التحريم أيضاً ، وعلى جعل المدار على الزينة يقوى الخلاف.
ولو اكتحل بزعم عدم السواد ، فبان الخلاف ، توجّه لزوم الإزالة.
ويظهر من بعض تعليلات منع الاكتحال بالسواد تحريم مطلق الزينة ، في العينين كانت أو في غيرهما.
ولو اكتحل قبل الإحرام ، فإن بقي أثره من غير قصد البقاء فلا بأس ، ومع القصد إشكال. ولو كان الكحل أحمر أو أصفر ولا زينة ، فلا بأس.
ص: 569
الرابع عشر : النظر إلى وجهه أو سائر بدنه دون بدن الغير بمرأة تكشف عن الحال مع قصد الزينة ، والأحوط الاجتناب مع القصد وبدونه ، إلا إذا كان للاجتناب ونحوه.
ولو نظر في جسم صقيل حاك أو ماء بقصد الاهتداء إلى طريق الزينة كان عاصياً على الأقوى.
ولو جعلها الغير أو اتفقت في مقابلة وجهه ، قوي القول بوجوب تغميض النظر ، أو صرفه عن مقابلتها.
ولا فرق فيه (1) وبين الابتداء ، والاستدامة ، فلو كان قبل الإحرام ناظراً إليه ، واستمرّ وجب صرفه عنها. وكلّما كانت المرأة أقوى في كشف المرئي ، كانت حرمتها أشدّ في وجه قوي.
الخامس عشر : قصّ الأظفار أو إزالتها بوجهٍ آخر قطعاً أو حكّا أو أسّاً أو غيره جميعها أو بعضها أو ببعض منها أو بالأسنان كلا أو بعضاً وإن وزع الإثم على النسبة ، بنفسه أو بغيره بعد الإحرام ، فإن فعله قبل الإحرام فلا بأس ، وإن كان المقصود بقاءه بعده ، ولا يدخل قطعها مع غيرها من الكفّ أو الإصبع أو طرفه.
ولا فرق بين قصّها بقصد الزينة ، وبدونه ، ومع الاضطرار لا مانع منه ، ويقتصر على أقلّ ما يندفع به الضرورة ، ولو فصل منه شيئاً لينفصل بعد الإحرام عصى في وجه قوي.
ولو قطع شيئاً من الظفر ، وبقي معلّقاً لم يدخل في حكم القطع وإن قصد انفصاله بعد ذلك ، ولا بأس بثقبها ، وسرحها ، وحكّها ، وتخفيفها من فوقها ، ولو نسي فقطع بعضاً منها أو بعضاً من بعضها ، ثمّ ذكر ، ترك الباقي على حاله ما لم يكن منه أذيّة.
السادس عشر : إزالة الشعر تنوّراً أو حلقاً أو نتفاً أو قصّاً ، بنفسه أو بغيره ، للزينة أو
ص: 570
غيرها ، عن الرأس أو اللحية أو غيرهما ، من الأصل أو الأطراف أو بعضاً ، قليلاً ولو نصف شعرة أو كثيراً.
ولو قطع عضو فيه شعر ، لم يجر عليه الحكم.
والظاهر عدم الاختصاص بالظاهر ، فلا يُزال شعر باطن الأنف ، والأُذن على الأقوى.
ولو حصل ضرر من نفس الشعر ، كالنابت في أجفان العين ، وفي الحاجب مع الطول وتغطية العين ، ونحو ذلك ، فلا بأس بإزالته ، ويقتصر على أقلّ ما يندفع به الضرر.
ولو اضطرّ إلى الحجامة ، وتوقّفت على الإزالة ، أزاله. ولو كان مفصولاً (1) بالعارض ، فلا بأس بفصله. ولا يجوز وضع النورة قبله ، إذا ترتّب عليها الإزالة بعده.
ولو اضطرّ فدار الأمر بين القصّ والحلق ، قدّم الأوّل.
السابع عشر : الادهان بالدهن مُذاباً أو مستنبطاً من اللبن ، مطيّباً أو لا وإن تكرّر الإثم في الأوّل بالمباشرة أو بفعل الغير ، في الرأس أو غيره من أعضاء ظاهر البدن ، في الشعر أو البشرة ، ولا منع في الباطن.
ثمّ إن كان فيه طيب ، حرم استعمال ما يبقى أثره إلى ما بعد الإحرام ، وإلا جاز.
ولو باشر دهناً بفمه أو يده ، أو باقي بدنه ، فانبعثت إلى مثل الادهان ، لم يكن منه.
ولا فرق بين أن يدهن للزينة كما يصنع الأعراب أو لغيره ، ولا بين الأدهان مأكولها وغيره ، طاهرها ونجسها ، عيناً أو بالعارض.
ولو كرّر الادهان ، تكرّر الإثم.
ولو اضطرّ لوسخٍ أو قمل يضرّ بقاؤه ، وتتوقّف إزالته عليه ، ودار بين القليل والكثير ، والمطيب وغيره ، قدّم الأوّل ، والأخير على الأخيرين.
ولا بأس بأكل غير المطيّب من الدهن ، والتسعّط ، والاحتقان به. ولو توقّفَ
ص: 571
طهارته الاختياريّة على الادهان ، مع ضرر الماء ، احتمل جوازه ، والرجوع إلى حكم الجبائر في محلّه أو التيمّم.
ولو خالط الدهن غيره ، فإن أخرج استعماله عن اسم الادهان فلا بأس به. ولا يسري حكم البدن إلى الثياب وإن كانت من جلود.
ولو نسي فأدهن ، فإن كان فيه طيب ، وبقي أثره ، وجبت إزالته. وإن خلا عن الطيب ، فالظاهر عدم الوجوب.
وكلّما كان منه أطيب رائحة ، كان أشدّ تحريماً. وكريه الرائحة أولى من السالم ، ولا بأس على المحرم إذا أدهن بدن الغير بدهن وإن سرى إلى بدنه.
الثامن عشر : إخراج الدم بنفسه أو بغيره اختياراً ، بحجامة أو حكّ رأس أو بدن أو سواك أو قلع سنّ أو غير ذلك ابتداء ، ولا بأس بالاستدامة ، ما لم يحدث ما يقضي بالزيادة ، فلا يجب قطعه. وإذا اضطرّ ، اقتصر على أقلّ ما تندفع به الضرورة.
ولو فعل قبل الإحرام ما يقتضي الإدماء بعد الدخول ، عصى في وجه قوي ؛ بخلاف ما إذا فعل فيه ما يقتضي الإدماء بعده. ولا يلحق القيح بالدم ما لم يكن مخلوطاً به.
ولو شكّ في كونه دماً لم يحرم إخراجه ، والأحوط اجتنابه. ولا يجب ترك الحرب للدفع عن المال ، فضلاً عن الدم والعرض خوفاً من الإدماء.
ولا فرق بين الظاهر ، والباطن.
ومن كان معه بواسير ، وأمكنه الانتظار في التخلّي الإحلال ، لم يجب عليه ذلك ، خصوصاً مع خوف الضرر ، ولا يجوز له التكلّف بالتعصّر ، ونحوه.
ووضع بعض الحيوانات لمصّ الدم نوع من إخراجه ، وإن لم يظهر إلى خارج ، بل استقرّ في بطنه ، وكذا الاستفراغ دماً مختاراً.
ولو دخل من خارج إلى باطن فأخرجه ، لم يدخل في حكم الإخراج. ولو حركه من الباطن إلى محلّ آخر من الباطن ، لم يكن عليه حرج.
ص: 572
التاسع عشر : الفسوق ، وهو الكذب في الشرع أو عند المتشرّعة ، أو مجازاً تعلّق به الحكم ، عبارة عن الإخبار بخلاف الواقع ، متعمّداً على وجه يترتّب عليه العصيان.
لا خصوص الكذب على اللّه ورسوله أو أحد الأئمّة ، ولا على اللّه خاصّة ، ولا على ما يعمّ الكذب والسباب ، ولا ما يعمّ الكذب والمفاخرة ، ولا ما يعمّ الكذب والبذاء واللفظ القبيح. ولا ما يعمّ المعاصي الّتي نهي المحرم عنها ، ولا ما يعمّ جميع المعاصي الّتي نهي المكلّفون عنها ، كما هو أظهر المعاني اللغويّة.
والخبر المخالف للاعتقاد ليس من الكذب ، وإن عصى بسببه من جهة التجرّي ، ويتحقّق بالقضيّة الواحدة ، ويزداد الإثم إذا تعدّدت.
وما كان من الإنشاء يتضمّن الإخبار ، كإنشاء المدح والذمّ في غير المحل.
وألفاظ الوعد والوعيد مع عدم العزم على مداليلها يجري عليها الحكم في وجه وإن خلت عن الاسم.
وليس الهزل وحكاية الكذب من الكذب. ومن نقل قصّة متضمنة لأخبار يظنّ صدقها ، فظهر له في الأثناء خلافه ، وجب عليه قطعها.
ولا يجب عليه أن يعترف بالكذب بعد زوال العذر ، وكذا مع التعمّد إذا لم يكن ممّا يترتّب عليه ضرر ، وإن توقّف رفع الضرر على الاعتراف بالكذب لزمه الاعتراف.
العشرون : الجدال ، وهو في الشرع أو عند المتشرّعة أو مجازاً في الأوّل دون الثاني أو فيهما قول : لا واللّه ، وبلى واللّه ، ويترتّب الحكم على إحدى الصيغتين ، لا بشرط اجتماعهما على الأقوى.
ولو سبّ أو اقتصر على القسم ، أو بدل لا أو بلى أو الاسم الأعظم أو «واو» القسم بمرادفها ، أو أتى بالمرادف من لغة أُخرى ، لم يقع منه جدال.
وفي اللّغة : أقوى المعاني : مطلق الخصومة.
ولو أتى بالصيغتين لا بقصد القسم ، لم يكن مجادلاً. ولو جاء به بقصده في غير مقام الخصومة ، أُلحقت بالجدال على إشكال.
ص: 573
ولو أتى بهما ملحونتين ، قوي القول بعدم جريان الحكم فيهما. ولا فرق بين الاقتصار عليهما ، وبين إضافة فعلت أو لم أفعل.
ويتعدّد الجدال اسماً وحكماً بتعدّد الصيغة.
ولا يلحق به قول : لاها ، فإنّه يتضمّن طلب الاسم ، ولا ياهناه ، وأما قول : بل شأنيك ، فهو من قول الجاهليّة.
ويُضاف إلى تحريمه لذاته تحريمه للإحرام ، وبالنسبة إلى الحرم كسائر المحرّمات.
ولو كرّر القسم ، زاد في الجدال ، واستحقّ خوف ما كان عليه من الوبال.
ولو توقّف عليه إثبات حقّ أو إبطال باطل ، لم يكن فيه بأس على الأقوى.
الحادي والعشرون : لبس الخاتم بقصد الزينة ، وقد يُلحق به الحلقة ، وما يُوضع في الإصبع للزينة ، من أيّ نوع كان ، ويستوي في الحكم الرجال ، والنساء ، والخناثى.
ولو قصد غير الزينة سنة أو غيرها ، أو خلا عن القصد ، فلا بأس. ولو كان اللبس بفعل الغير ، من دون طلب أو معه ، غير قاصد للتزيين ، قاصداً به التزيّن أو لا ، فلا بأس على اللابس ، ولا على الفاعل ، وإن كان محرماً.
وإن قصد اللابس محرماً التزيّن ، استحقّ المؤاخذة. ولو قصد باللبس قبل الإحرام الزينة ، واستمرّ على هذا الحال إلى حال الإحرام ، أو لبس قبله غير قاصد لها ، ثمّ قصدها حين الإحرام ، حرم اللّبس في وجه قويّ.
ولو وضعه في غير محلّ اللبس من الإصبع ، فلا يبعد تحريمه ، وإن تعدّد الملبوس تعدّد العصيان ، كما إذا تعدّد اللبس واتّحد الملبوس.
وكلّما كان أدخل (1) في الزينة ، كان أشدّ تحريماً ، وتظهر الثمرة في الملجإ إذا دار أمره بين الأدخل ، وغيره.
الثاني والعشرون : لبس النساء الحلي للإحرام ، والملبوس للزينة مع المشهوريّة والظهور ، كالقرط والقلادة المشهورتين ، وإظهار المُعتاد دواماً ومتعة ، وقد يلحق بها
ص: 574
المحلّلة ، ويقوى إلحاق الأجانب به ، وفي إلحاق المحارم وجه قويّ.
ويجري المنع في حقّ الرجل والخنثى المشكل والممسوح على الأقوى ، فتكرّر المعصية من وجهين ، ولا فرق بين الابتداء والاستدامة ، ولا بين المباشرة وفعل الغير.
ولا بأس بالمحمول والموصول ما لم يدخل في حكمه ، كالموضوع والقرامل من ذهب أو فضّة ، ولا يدخل في الحكم للبس قباء مذهب أو مفضّض ، وإن دخل في النسج.
الثالث والعشرون : الحنّاء للزينة في الكفّين ، والرأس ، والقدمين ، ويُلحق بها جميع ما يتزيّن به إذ لا خصوصيّة لها من حمرة أو كتم أو خطاط أو وشم أو نحوها.
ولو كانت للتداوي أو لقصد السنّة أو مع الخلو عن القصد ، فلا مانع. ولو تقدم الخضاب على الإحرام ، لم يكن بأس ، قصد الزينة حال الإحرام أو لا ، على إشكال في الأوّل. والمدار على حصول الزينة المتعارفة ، وفي غيرها مع قصدها إشكال ، ولو وضعها ، ولم يكن قابلة للتأثير أو كان دونها ما يمنع التأثير أو رفعها قبله فلا بأس.
وكلّما اتّسع محلّها أو اشتدّ لونها زاد وزرها ، وتختلف في احتسابها زينة ، وعدمه باختلاف المحال ، ولا فرق بين أن يضعها بنفسه ، وبين أن يضعها له غيره ، ولو قصد الزينة في الابتداء ، ثمّ عدل عن القصد لم تجب الإزالة ، وقد يقال : بأنّ إخفاءها أولى من إظهارها ، ويجري ذلك في كلّ زينة في وجهٍ قويّ.
الرابع والعشرون : لبس السلاح أو حمله بنفسه أو على غيره ، مع قصد الدفع به على إشكال ، وهو إله الحرب ، وأظهر أفرادها السيف ، والرمح ، والسهم ، فتحرم مطلقاً.
وقد يُلحق بها إله البندق اختياراً ، ابتداء واستدامة ، مباشرة أو بفعل. وليست البيضة والدرع منه ، وإن حرما من وجه آخر ، وكذا جميع ما أعده للحفظ ، دون الضرب. ولو صحبت منها شيئاً للتجارة أو سائر أنواع التمليك أو على وجه الوديعة أو الرهانة من دون لبس في الملبوس ، لم يكن بأس ، ومع اختلاف العادة أو المحال في جعله سلاحاً يتبع كلّ عادته.
ص: 575
وما كان من الات الحرب غير ملبوس ينبغي إخفاؤه خصوصاً ما كان مُعدّاً للبس ، ويشترك في الحكم الإحرام والحرم ، ومع الاضطرار لا بأس به. ويلزم إخفاؤه في الحرم.
الخامس والعشرون : قلع السنّ في نفسه ، مع عدم الإدماء ، وإن تعمّد الإدماء تعدّدت المعصية ، ولا فرقَ بين قلعه بنفسه ، أو مُباشرة الغير ، مع العلم والإذن. ولو قطع معه لحم ، ولم يخرج عن مصداق قلع السنّ ، حُرم. وفي إلحاق الكسر به وجه ، ويتعدّد العصيان بتعدّد الأسنان.
السادس والعشرون : قطع الشجر والحشيش النابتين في الحرم ، مشتركين مع شي ء من الأرض أو منفردين ، مباشرة أو بواسطة حجر ونحوه ، من قرب أو بُعد.
وكذا جميع أنواع الإتلاف من إحراق وغيره ، وأسباب الإعداد لحصول شي ء من ذلك. وما يمكن إنباته بعد قلعه ، ووصله بعد قلعه ، يُلزم به الفاعل في وجه قويّ.
وما قلع بنفسه أو بسبب غير الإنسان لم يبقَ لهُ حرمة الحرم بالنسبة إلى غير الفاعل ، بل إليه ، وإن عصى بفعله. ولا يلحق به الكمأة ، والفقع (1) ، وما كان من المعادن.
ويستوي البرّي والبحري. وتحترم الأغصان الخارجة بنبات الأُصول في الحرم ، والأصول الخارجة بالأغصان الدّاخلة فيه.
ويُستثنى من ذلك أُمور :
منها : ما يكون بالإنبات ، فإنّ للمُنبت التصرّف بكلّ الوجوه في وجه ، والأقوى المنع من ذلك إلا أن يكون قد نبت في ملكه بعد تملّكه ، والأحوط اعتبار خصوص داره ، والأحوط منه أن يكون بإنباته.
ويُلحق به على الظاهر إنبات غيره عن إذنه ، بل غير إذنه على إشكال.
وإن دخل شي ء منها في الملك ، وشي ء من مباح الحرم ، قويت الحرمة ، للحرمة. وكذا لو توقّف قلع ما يجوز قلعه على قلع ما لا يجوز قلعه حرُم القلع ، وإن
ص: 576
فات النفع ، وللقول بالجواز حينئذٍ وجه. ومع ترتّب الضرر يقوى الجواز ؛ لحديث الضرر (1).
ولو كان الوضع قبل تملّك الدّار ، والنبات بعده ، اعتبر حال النبات ولو نبت حال الخيار ، جرى عليه الحكم وإن فسخ.
ولو زعم الملك ، فظهر الخلاف بعد النبات أو الإنبات ، فالمدار على الواقع دوره زعم. والدار المغصوبة ، والمستأجرة ، والمعارة لا يلحق بدار الملك.
والشجرة والحشيش النابتان في إناء أو حجر من غير طين الحرم وأحجاره ، أو على حصر وبواري ، أو على خشب ونحوه لا يلحق بحكم الحرم.
ويقرب أن لا يلحق بحكمه ما كان منه أيضاً ، والظاهر دخول ما نبت على السطح والجدران.
ومنها : شجرة الفواكه من النخل ، والرمّان ، نبتَ بنفسه أو أُنبت ، متعارفة أو لا ، فثمرة العوسج وشبهه منها.
ويلحق بذلك كلّما اعتاد المخلوق إنباته ، ولو لم يكن له ثمرة ينتفع بها ، كالشجر الذي ينبت للسقوف ، والأبنية ، والأبواب ، والأعتاب.
ومنها : الإذخر ، وهو حشيش طيّب الريح معروف. ولو خالطه حشيش ، ولم يمكن فصله عنه ، اجتنب الكلّ ، ومع الاشتباه يجتنب على الأقوى ، ولا يبعد تحريم قطعه لغير ثمره.
ومنها : عود المحالة ، وهي البكرة التي يُستقى بها من شجر الحرم ، وفي استثنائها بحث ، والأقوى عدم الاستثناء ، وعلى القول بالاستثناء ، يحتمل الاقتصار على حال الانحصار. ولو توقّف حال المحالة على أعواد متعدّدة أو أبعاض يضمّ بعضها على بعض ، دخلت في الرخصة.
ص: 577
وفيه أبحاث :
الأوّل : في أنّ ما ذكر من الحرام ينقسم إلى أقسام :
منها : ما يشترك بين الحرم والإحرام ، والذكور وغيرهم ، وهو أربعة أقسام : الصيد ، وقتل المحرّمات ، وارتكاب المعاصي بترك الواجبات وفعل المحرّمات ، ولبس السلاح. وإن قلّ صدوره من الإناث.
ومنها : ما يخصّ الحرم ، ويجري في الذكور وغيرهم ، وهو قِسم واحد يجمعه قطع النبات والشجر.
ومنها : ما يخصّ الإحرام والذكور ، وهو أربعة أقسام : لبس المخيط ، وستر الرأس ، والاستظلال ، ولبس الخفّين.
ومنها : ما يخصّ الإحرام والإناث ، وهو ثلاثة أقسام : لبس القفّازين ، ولبس الحلي ، وكلّما يكونان في الذكور ، وتغطية الوجه.
ومنها : ما يشترك بين الذكور وغيرهم ، ويخصّ الإحرام ، وهو خمسة عشر قسماً : النساء على الرجال ، وبالعكس ، والطيب ، والادهان ، وقبض الأنف من الرائحة الخبيثة ، والاكتحال ، والحناء ، وإزالة الشعر ، والنظر في المرأة ، وقصّ الأظفار ، وإخراج الدم ، ولبس الخاتم ، وقلع السنّ ، والفسوق ، والجدال ، وتغسيل المحرم بالكافور بل مطلق الطيب ، وإن كان في غير ماء الغسل.
ويتعلّق الخطاب بالولي ومن يقوم مقامه ، ويبطل الفعل ، وتلزم إعادته ، وليس الميّت محرماً ، وإنّما ذكرناه إلحاقاً ، كما ذكرنا قطع الشجر في محرّمات الإحرام ، وإنّما هو من محرّمات الحرم على المحلّ والمحرم. وألحق بعضهم بمحرّمات الإحرام الاغتسال بالماء البارد (1) ، وهو ضعيف.
البحث الثاني : في أن كلّما حرم على المحرم فعله بنفسه ، يحرم على الغير فعله به مع
ص: 578
جبره ، ومع القدرة على منعه ، ويحرم ذلك في جميع المعاصي ، كبارها وصغارها ؛ لأنّ الظاهر من منع الشارع كراهة وجودها من المكلّف بإيجاده أو إيجاد غيره ، كما يظهر من تتبّع الآثار ، واستقراء مضامين الأخبار (1).
البحث الثالث : في أنّه إذا التزم بأحد الملزمات الشرعيّة بفعل ما يرجح في نفسه من المحرّمات الإحراميّة ، كوطء ، وحلق (2) ، وتطيّب ، وإخراج دم ، وقصّ أظفار ، ونحوها في وقت يتعيّن للإحرام ، ثمّ وجب عليه الحجّ أو العمرة ، انحلّ نذره.
واحتمال إلحاقه بغير المستطيع ، لا وجهَ له ، كما إذا نذر شيئاً يُنافي السعي أو غيره من المقدّمات. وفي امتناع انعقاد إحرام الحجّ والعمرة المندوبين وجه ، والأوجه خلافه.
البحث الرابع : في أنّه إذا اضطرّ إلى واحد من محرمين أو محرّمات وجب عليه الاجتهاد في غير ما هو أشدّ إثماً ، وغيره ، فيقدّم الثاني على الأوّل ، وإذا اختلفت مراتب الواحد ، والأقوى والأضعف قدّم الثاني فيه كالسابق ، وإذا لم يكن مميّزاً يرجع إلى أهل التمييز.
البحث الخامس : في أنّ جميع المُحرّمات إنّما تحرُم بعد إتمام التلبيات الأربع ، فلو أتى بشي ء منها قبل الدخول فيها ، أو قبل تمامها وإن بقي من الرابعة كافها ؛ (3) فلا بأس. وكذا مندوبات الإحرام ومكروهاته إنّما تثبت أحكامها بتمامها.
البحث السادس : في أنّه يلزم على الأولياء إذا أحرموا عن المولّى عليهم أو جعلوهم مُحرمين أن يجنّبوهم ما يتجنّبه المُحرمون ، وأن يأمروهم بما يجب على المُحرمين.
البحث السابع : في أنّه ليس منها مُفسداً للحجّ أو العمرة ، وإنّما يتضمّن استعمالها عصياناً ؛ سوى الجماع قبل الوقوف بالمشعر ، مقروناً بالنيّة ، فلو كان قبل الوقوف أو قبل نيّته ، أفسدَ.
البحث الثامن : في أنّ التحريم فيها مَبنيّ على حصول ما يجري عليه حكم الإحرام
ص: 579
في حجّ وعمرة ، صحيحتين أو فاسدتين ، سواء كان في أثناء أجزاء مستقلّة كالطواف والسعي والوقوفين ونحوها أو لا ؛ لكنّها تتفاوت في زيادة الإثم ونقصه ، بنسبة زيادة الفضل ونقصه في محلّ وقوعها.
وفيها مقامات :
وهو أقسام :
الأوّل : كل مؤذٍ قَصدَ المُحرم بأذيّة في الحلّ أو الحرم ، فإنّه يجوز له قتله ، ولا يجب عليه تحرّي الأدنى فالأدنى في دفع الأذيّة ، فلو أمكن دفعه بالنهر ؛ ، (1) جاز له قتله ، فضلاً عمّا دونه من المراتب على الأقوى.
وإن ظنّ بل شكّ في إرادته ، جازَ لهُ ذلك أيضاً ، فإنّ المَدار على الخوف. ولو توقّف دفعه بالقتل على قتل غيره من الحيوانات ، جاز قتلها.
ولو أرادَ فعدل قبل الوصول ، لم يكن بحكم المُريد إن حصل الاطمئنان بعدوله ، وإلا كان بحكمه.
ولو أراد قتل مُحترم مُحرم أو غير مُحرم جازَ للمُحرم قتله ؛ للدفع عن المحترم ، وإن كان صامتاً. وإن أراد قتل مُباح القتل ، فلا يجري عليه حكم المُريد. وإن أراد قتل ما يحرم قتله على المحرم من صيد البرّ ، جاز قتله للدّفع عنه في وجه قويّ.
ولو أذى المُحرم أو غيره ، ثمّ انصرف حال الانتقام منه ، أو ؛ (2) كان وجوده سبباً لوجود مُؤذٍ سواه ، كان بحكم المؤذي. وإن كانت الأذيّة جزئيّة ، حتّى لا تُعدّ في العُرف أذيّة ، لم تكن بحكم الأذيّة.
وإذا تعرّض الحيوان ، فحمله على قصد الأذيّة ، قتله وإن عصى. وللفرق بين
ص: 580
الكلّيّة ، والجزئيّة وجه.
الثاني : كلّ سبع من أسدٍ أو ذئب أو فهد أو نحوها أو طائر أُدخل أسيراً إلى الحرم يجوز إخراجه لمن أدخله ولغيره من الحرم ، وربّما يقال : بوجوبه على مُدخله ، ولا كفّارة فيه ، مُحرِماً كان أو محلا ، مُكلّفاً كان المُدخل أو لا ، سيق من دون قهر في دخوله أو مقهوراً أو مقيّداً.
ولا يجوز التعرّض لما عدا المستثنيات ، ولا تجوز أذيّته زائداً على ما يتوقّف عليه الإخراج ممّا لا يؤدّي إلى ضرب أو جرح ، وإلا أبقاه.
ولا يجوز إخراجه من بعض أمكنة الحرم إلى مكان آخر ، إلا من الكعبة ، أو المسجد الحرام ، أو دور مكّة ، أو طُرقها ؛ خوفاً من عارض أذيّتها للمتردّدين.
وإذا أدخله لا بقصد الأسر ، بل لإطعامه وسقيه ، فلا يجري عليه الحكم. وكذا لو أدخله بزعم السبعيّة ، فظهر الخلاف ؛ بخلاف الخلاف.
الثالث : في أنّ كلّ حيوان يؤذي حيوانات الحرم أو سُكّانه من الناس ، وقد عُرف بذلك ، فإنّه يجوز قتله من المُحرم والمُحلّ ، وفي الحلّ والحرم ، وطرده وإبعاده ، ممّن تشمله أذيّته وغيره ، ولا كفّارة فيه.
الرابع : في أنّه يجوز قتل الأفعى ، والعقرب ، والكلب العقور ، والفأرة ، والحيوانات الصغار وما تحت الأقدام مع استغراق الطريق ، من غير كفّارة. وفي رمي الحداية والغراب مع الأذيّة وبدونها إشكال.
الخامس : في أنّه لا كفّارة في قتل شي ء من المُحرّمات ، ممّا يجوز قتله وما لا يجوز ، سوى قتل الأسد في الحرم ، من مُحلّ أو محرم ، بشرط عدم إرادته الأذيّة وقد يُلحق به قتل المحرم ، فإنّ فيه كبشاً يذبحه رباعيا ، أو ما خرجت ثنيته ، ولا فرق بين العمد وغيره ، ولا يبعد التخصيص بالأوّل ، ولا كفّارة في جرحه وضربه ، ولا ملازمة بين الكفّارة والتحريم.
وعدا قتل الزنبور ، وهو الذباب اللسّاع عمداً ، وفي إلحاق غير اللسّاع ممّا شاكله في الحجم وجه فإنّ فيه كفّاً من طعام وإن لم يكن مُحرّماً ، إذا صدر من المُحرِم.
ص: 581
ولا يغني البدل ولا القيمة عن الطعام ، ويعمّ جميع المطعومات ، والأحوط الاقتصار على البرّ.
وفي كلّ من الثعلب والأرنب شاة من الغنم ، ضأناً أو معزاً ، والأوّل أحوط.
وفي كلّ من القُنفذ والضبّ واليربوع جدي ، وهو من المعز ما كان في السنة الأُولى (1) ، وقيل : من حين ما تضعه أُمّه إلى أن يرعى ويقوى (2) ، وقيل : من أربعة أشهر إلى أن يرعى (3). وربّما قيل : إنّه من ستّة أشهر أو أربعة (4).
وفي القملة كفّ من طعام ، وفي الجرادة حلالاً أو حراماً مثلها ، وفي كثير من الجراد شاة ، حَلّ أو حَرُم.
ولو أغرى مُحل أو مُحرماً فقتل ، لم يُعدّ قاتلاً ، والقاتل المغرى لا المغرِي.
ولو أغرى حيواناً ، أو سبّب فكان المباشر ضعيفاً ، جرى عليه حكم القاتل. ولو أصاب حجراً فقَتل المُصاب ، أو دحرج شيئاً فحرّك غيره ، فقتل المتحرّك ، كان المُصيب والمتحرّك قاتلين.
والظاهر تخصيص جواز القتل بالمؤذيات مع الخوف منها.
وفيها مباحث :
الأوّل : في كفّارة قتل النعامة ، وفيها بحثان :
الأوّل : كفّارته بَدَنَة محرّكة الدال الهدي إلى مكّة من الإبل والبقر ، من ذكرٍ أو أُنثى ، ويُعتبر في سنّها ما يُعتبر في هدي التمتّع على الأقوى.
ولا تجزي قيمتها من جنس أو نقد ، ولا بد لَها من الغنم أو غيره من النعم ، والأحوط الاقتصار على الأُنثى من الإبل.
ص: 582
فإن عجزَ عن البدنة لعدم وجودها ووجود ما يشتريها به قوّم المتوسّط من البُدن أو أدناها قيمة عند مقوّمين عارفين تطمئنّ النفس بتقويمهم مطلقاً ، وإلا فعدلين. وفي الاكتفاء بالعدل الواحد ، وعدم الفرق بين الرجال والنساء في المقامين وجه.
ومع الاختلاف في التقويم يُؤخذ بالأكثر والأعدل ، ومع التعارض بين الوصفين يُعتبر الميزان ، ومع التساوي يُؤخذ بالأقلّ ، ويُحتمل التخيير.
ثمّ بعد التقويم تُفضّ القيمة على الطعام والأقوى تعيّن البرّ سالماً من خليط زائد على المُتعارف من تراب أو غيره ، والأحوط إضافة شي ء عوض المتعارف على ستّين مسكيناً لا يجد قوت سنة لقيام البيّنة على ذلك ، أو لمجرّد ادعائه ، وعدم اتّهامه لكلّ مسكين نصف صاع أربعة أرطال ، ونصف بالعراقي ، فإن زاد الثمن ، فلا يجب إعطاء الزائد ؛ وإن نقص ، فلا يلزم إتمام الناقص. والمَدار على الثمن حال الإقباض وإنْ تغيّر التقويم على إشكال.
فإنْ عجزَ صامَ ستّين يوماً ، عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولا يصوم عمّا زاد على ستّين يوماً.
وإذا انكسر البرّ فنقص أقلّ من نصف صاع ، أكمل يوماً تامّاً ؛ إذ لا وجه للتبعيض ، والأحوط صوم تمام الستّين إذا نقص البدل.
فإن عجزَ عن صيام الستّين ، صام ثمانية عشر يوماً ، والأحوط الإتيان بالمقدور ، وإن زاد عن المقدار المذكور ؛ لقوله عليه وإله السلام : «لا يسقط الميسور بالمعسور» (1).
وإن عجز بعد صيام شهر عن صيام الشهر الأخر ، فأقوى الاحتمالات لزوم الإتيان بالميسور ، ويحتمل الاكتفاء بتسعة ؛ لأنّها عوض الشهر. ويحتمل السقوط ؛ نظراً إلى أنّ العوض الّذي جعل فيه التسعة عوضاً عن الشهر مقصوراً على تلك الصورة ، فلا تثبت بدليّته فيما عداها.
ص: 583
وفي فرخ النعامة وهو الصغير من أولادها ، كما يقال : لكلّ صغير من حيوان طائر أو لا ، فرخ صغير من الإبل ، ويحتمل الاكتفاء بصغار البقر ، والأحوط اعتبار البدنة. ولا يشترط الوحدة في السنّ ، والأحوط اعتبار البدنة في الصغير ، كما في الكبير ؛ لصدق الاسم عليه.
الثاني : في الأحكام التابعة لها ، والبحث فيها يستدعي بيان أُمور :
أحدها : أنّ على المُحرم في كسر كلّ بيضة من بيض النعام إذا تحرّك بها الفرخ بكرة بين ابنة المخاض والبازل أُنثى البَكر ، وهو الفتيّ ما لم يبزل (1) ، فإذا بزل ، فهو جمل ، وهي ناقة (2).
وقيل : هما ولدا المخاض ، واللّبون ، والحِقّ ، والجذع ، فإذا أثنى فهو جمل ، ثمّ هو بعير حتّى يبزل (3) ، وقيل : البعير هو البازل (4) ، وقيل الجذع (5).
وإن كان يحرم في الحرم فعليه القيمة مع ذلك.
الثاني : أنّه يلزم على المُحرم إن لم يتحرّك فيها الفرخ لصغر أو لا يُرسِل فحولة الإبل ممّا لا يظنّ عدم إنتاجه أو بشرط مظنّة الإنتاج وإن كان محرماً بالاختبار أو الإخبار في إناثٍ كذلك ، بعد إعدادها في وقتٍ ومكانٍ وحال وعلى وضع يوافق ذلك ، مع الملك للطرفين أو طرف واحد ، أو عدمه مع السلطان على النتاج ، فما نتج كان هدياً.
فإن عجز عن الفرق من الجانبين أو جانب واحد ، أو الإرسال لبعض الموانع ، أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مُدّ (6).
ص: 584
فإن عجز ، صام ثلاثة أيّام في الحرم لوقت العقد (1).
الثالث : أنّه إذا اشترى مُحلّ بيضَ نعامٍ لمحرم ، فأكله ، فعلى المحرم عن كلّ بيضة شاة ، وعلى المحلّ عن كلّ بيضة درهم. ولو جمع بين الأكل والكسر ، لزمه بكرة مع الشاة ، وعلى المشتري ما لزمه ، ولا فرق بين كون الشراء في الحلّ أو الحرم.
ولو كان المشتري مُحرِماً ، لزمه ما لزم المحلّ ، ولا زيادة ، وإن تضاعفت المؤاخذة. وإن اشتراه لا بقصد المحرّم ، فتناوله المحرم ، فليس على المشتري شي ء.
ولا فرق بين الشراء وباقي التملّكات ، ولا بين العقود اللازمة والجائزة ، ولا فرق بين أكل البعض صحيحاً ومكسوراً ، نيّاً ومطبوخاً ومشويّاً.
ولو اشتراه المُحرم لنفسه ، فلا شي ء عليه من جهة الشراء ، وإن عصى به.
وإن اشترى نصفي بيضة منفصلين ، قوي الإلحاق. وفي إلحاق نصفي البيضتين ، أو أثلاث ثلاث بيضات ، لم يبلغ الإلحاق تلك القوّة.
ولو اشتراه المحلّ لمحرم ليأكله بعد الإحلال ، أو ليأكله محرماً ، فأكله بعد الإحلال ، فليس على المشتري شي ء ، وإن عصى في القسم الثاني.
وإذا تحرّك فيها الفرخ ، لم يتبدّل حكم المُشتري ، ويكون على الكاسر الأكل لكسره بكرة ، ولأكله شاة.
الثاني : في قتل القطاة وما أشبهها من الحجل والدرّاج ونحوهما حَمَل من الضأن قد فُطم ، ورعى الشجر. وحدّه : أن يفصل عن أُمّه ، ويكمل أربعة أشهر ، ولا يتجاوز السنة ، ويسمّى خروفاً ، والأُنثى خروفة ، ورخل (2).
وقيل : ما بلغ ستّة أشهر (3) ، وقيل : هو الجذع من الضأن (4). قيل : وإنّما سمّي حملاً ؛ لأنّه محمول أو لقُربه من حمل أمّه (5).
ص: 585
وفي كسر بيض القطا صغير من النعم إذا تحرّك منه الفرخ ، والقول باعتبار المخاض من الغنم ضعيف (1). وإن لم يتحرّك الفرخ فيه ، وأرسل فحولة الغنم وقد يجتزئ بالفحل الواحد في إناثها بعدد البيض ، ممّا يظنّ فيها حصول الولادة ، أو ممّا لا يظنّ عدمها فيه ، فما نتج كان هدياً. ولو خرج منها توأم فزاد عدد النتاج على عدد البيض ، كان الزائد هدياً أيضاً على تأمّل.
ولو لم يحصل نتاج ، أو حصل ناقص ، أجزأ الإرسال. وفي اشتراط الفور ، والاكتفاء بالتراخي ، والجمع والتفريق وجه. والأوجه عدمه.
وإن عجز عن الإرسال ، للعجز عن الأصل أو عن الفعل ، أطعم عن كلّ بيضة عشرة مساكين. فإن عجز ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام ، ويحتمل تقديم الشاة على الإطعام.
الثالث : في الحمام ، واحده حمامة ؛ يُطلق على المذكّر والمؤنّث ، طائر برّي لا يألف البيوت ، وكلّ ذي طوق من الطيور ، كالفواخت ، والقماريّ (2) ، والرواشين ، وساقُ حرّ ، والقطا ، وأشباه ذلك. وعند العوام هي الدواجن فقط ، وربما خصّوها بالّتي تسكن البيوت ، وتفرّخ فيها (3).
وقيل : الحمام الّذي لا يألف البيوت ، والذي يألف اسمه اليمام (4).
وقيل : اليمام الذي يسكن البيوت وما شاكله (5).
وقيل : أسفل ذنب الحمامة ممّا يلي ظهرها فيه بياض ، وأسفل ذنب اليمامة لا بياض فيه (6).
ص: 586
وقيل : الحمّام كلّما يهدر ، ويرجع صوته ، أو يعبّ الماء بأن يشربه كرعاً (1). وقيل : لا ينفكّ الهدر عن ألعبّ (2).
وكفّارة قتل كلّ حمامة شاة على المُحرم في الحلّ ، ودرهم على المُحل في الحرم ، وهما معاً على المُحرم في الحرم. والأحوط اعتبار الأكثر من القيمة والدرهم.
(وفي فرخها حمل) (3) على المُحرم في الحِلّ ، ونصف درهم على المُحلّ في الحرم. ويجتمعان على المحرم في الحرم.
وفي كسر كلّ بيضة بعد تحرّك الفرخ حمل ، وقبله درهم على المُحرم في الحلّ. وفي كسرها بعد التحرّك من المُحلّ في الحرم نصف درهم ، وقبله ربع درهم ، ويجتمعان على المُحرم في الحرم.
ولو نفّر الحمام من الحرم ، فعادَ ، فدم شاة على الّذي نفّره عن الجميع ، وإن لم يعُد ففي كلّ حمامة شاة. وإن عادَ البعض ففيه شاة ، وفي غيره لكلّ حمامة شاة. والأولى إلحاقه بغير المنصوص ، وعلى الأوّل يُراد بالتنفير التنفير عن الحرم ، وبالعود العود إليه (4).
والشاكّ في العَود يبني على عدمه. وفي الأقلّ والأكثر يبني على الأقلّ.
وفي اختصاص الحكم بالمُحل في الحرم ، فمن المحرم فيه جزاءان أو لا وجهان ، أقواهما الأوّل. وفي تسرية الحكم من الواحدة مُجتمعة إليها منفردة وجه قويّ.
ولو أغلق باباً أو نحوها على حمام الحرم ، وفراخ ، وبيض فيه ، فإن أرسلها سليمة ، سبّب العصيان من دون ضمان ، وإلا ضمن المُحرم الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ، والمُحلّ الحمامة بدرهم ، والفرخ بنصف درهم ، والبيضة بربع درهم ، ولا شي ء مع العلم بالسلامة ، والشكّ بالتلف يُلحق بالتلف.
ص: 587
ولو نتفَ ريشة من حمام الحرم ، تصدّق بشي ء وجوباً باليد الجانية إن نتف باليد. وفي تعدّد الصدقة بتعدّد الريش مع الأخذ جملة أو بعضاً وجه.
ولو ضربَ المحرم بطيرٍ في الحرم على الأرض فمات ، فعليه دم.
وإذا حصل نقص ، ضمن النقص ، ولا تسقط الصدقة ولا الأرش بالنبات.
وفي تسرية الحكم إلى الإزالة بغير النتف من قطعٍ أو حرقٍ أو نحوهما ، وفي نتف الوبر إشكال.
ولا يجوز صيد حمام الحرم في الحلّ من المُحلّ على أصحّ القولين.
الرابع : في كلّ واحد من العصفور ، والقبّرة ، والصعوة ، مُدّ من طعام.
وروى : أنّ كلّ واحد من القُمريّ ، والدبسي ، والسماني ، والعصفور ، والبلبل قيمته ، فإن أصابه المُحرم في الحرم ، فعليه قيمتان ، ليس عليه دم (1) ، وقد تنزّل القيمة على المُدّ.
وفي نقل الجرادة الواحدة ورمي القملة كفّ من طعام ، وفي كثير الجراد شاة.
الخامس : في كلّ من بقرة الوحش وحماره بقرة أهليّة ، فإن عجز عن البقرة قوّمها ، وفضّ ثمنها على البرّ ، أو على الشعير أو التمر أو الزبيب أو على كلّ ما يُسمّى طعاماً ، وأطعم المساكين ، كلّ مسكين نصف صاع ، إلى أن يطعم ثلاثين مسكيناً ، والزائد على الثلاثين له. ولا يجب الاستكمال لو نقص عنها. فإن عجزَ ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً. فإن عجزَ ، فتسعة أيّام.
السادس : في الظبي شاة ، فإن عجز قوّمها ، وفضّ ثمنها على البرّ أو غيره ممّا مرّ ، وأطعم كلّ مسكين مُدّين إلى عشرة مساكين ، ولا يجب الزائد على عشرة ، ولا الإكمال. فإن عجز عن الإطعام ، صام عن كلّ مدّين يوماً. فإن عجز صام ثلاثة أيّام.
ص: 588
ولو شرب لبن ظبية في الحرم ، وكان مُحرماً ، فعليه دم وقيمة اللبن. ويحتمل تسرية الحكم إلى ما ماثلها.
ولو ضرب ظبياً فنقصت عشر قيمته ، احتمل وجوب عُشر الشاة لحماً مطلقاً ، أو بشرط وجود المشترك (1) ، ويحتمل وجوب عشر الثمن ؛ لصدق العجز عن العين.
السابع : في كسر قرني الغزال نصف القيمة ، وفي كسر واحد ربعها.
وفي عينيه القيمة ، وفي إحديهما النصف. وفي كسر إحدى اليدين أو الرجلين نصف القيمة. ويجزي عن الصغير ، والمريض ، والمعيب مثلها ، مع مُجانستها في الوصف والكبر ، والسليم أفضل ، والذكر عن الأُنثى ، والمماثل أفضل ؛ لأنّه أوفق بالاحتياط.
ولو اختلف الكسر اختلافاً فاحشاً ، واختلف المرض والعيب جنساً ، كالعور والعمى ، أو العرج والإقعاد ، أو أحد الأخيرين مع أحد الأوّلين مثلاً ، أو شدّة وضعفاً ، أو إضافة قيمة ، لم يجتزِ بالناقص عن الكامل.
ولو زاد عدد الناقص حتّى ساوى الكامل بالقيمة ، أو كانت قيمة الناقص أكثر ، لم يجتزِ بها على الأظهر. ولا يجتزى بالقيمة عن العين ، ولو زادت على قيمتها أضعافاً مضاعفة.
ولو عجز عن الكامل أتى بالناقص ، وقدّمه على البدل في وجه.
ولو تعذّر عليه الكامل ، وأمكنه معالجة الناقص حتّى يكمل ، عالجه بما لا يضرّ بحاله. وكذا إذا وجد بأكثر من ثمن المثل.
والجاهل بالقابليّة لجهل أو ضعفِ بصرٍ أو ظُلمة ، يجب عليه الفحص عنه.
ولو جاء به مع جهله فذبحه ، وخرج موافقاً ، ووقعت منه النيّة ، فلا مانع.
الثامن : يستوي الحمام أو اليمام الأهلي المملوك وغير المملوك من حمام الحرم والوحشي منه في القيمة ، وهي درهم أو نصفه إذا قتل في الحرم ، كما يستويان في الحِلّ من جهة الفِداء. ويشتري بقيمة الحرمي علف لحمامه المخصوص به ، أو الكائن فيه مطلقاً.
ص: 589
وقد يعمّ الحمام وغيره من الطيور الّتي في الحرم ، والظاهر تخصيص العلف بالحبوب ، والأحوط الاقتصار على القمح. ثمّ الظاهر الرجوع بعد التعذّر إلى التصدّق بالقيمة.
ثمّ هل يلزم إرصاده خوفاً من السارق حتّى يتمّ ، وحفظه من شركة بعض البهائم ، ولا بدّ من وضعه في زمانٍ قابل ، ومكانٍ خال عن المانع من المتردّدين وغيرهم ، ظاهر بارز ، لا في ماء ، ولا في طين ، ولا حاجز آخر ، ويجوز وضعه مرّة أو مرّات.
ويجب أن يكون سليماً من الوصف الباعث على أذيّة الحمام.
ومع الشكّ في الحماميّة أو الحرميّة لم يجرِ حكمهما.
وتفرغ الذمّة بمجرّد الوضع ، فلو جاءه السيل وأخذه ، أو أكلته البهائم ، أو أطارته الريح ، لم يضمن. ولو قدر على الدفع ، ولم يدفع ، ضمنَ على إشكال.
ولو حبس شيئاً من طيور الحرم غاصباً ، وأطعمه ، أجزأ. وهل يكتفى بالواحد ، أو لا بدّ من كثرة؟ وجهان.
التاسع : يخرج عن الحامل إذا ضاع الحامل أو قتل ممّا له مثل من النعم حامل منها ، فإن تعذّر المثل ووجب البدل ، قوّم الجزاء حاملاً.
ولو ساوى الحامل في القيمة ، اكتفى بقيمة الحامل من دون ملاحظة الحمل ، ويحتمل لزوم إضافة شي ء للحمل ، لا تزيد على قيمة الحامل ، والأوّل أقوى.
ولو شكّ في الحمل حُكم بتبعيّته.
ويعتبر التقويم على ما هو عليه من احتمال القوائم ، والأُنثى ، والذكر ، وبعد الظهور لما يقتضي الزيادة يلحظ الزائد في وجه.
ولو قتل الحامل ونجا حملها ، لزمه المثل من الحائل ، ويحتمل لزوم حامل مسقط إذا أمكن.
ولو علم بالحمل فغاب عنها ، واحتمل الإجهاض في مدّة الغيبة ، ضمن حاملاً في وجه.
ولو أصاب واحدة من عدّة فيها حامل وغير حامل ، وتمكّن من الفحص ، وجب
ص: 590
عليه الفحص. ولو تعذّر الفحص ، بنى على ما قلّت قيمته ، أو الحائل ، أو الحامل ، وللقرعة وجه.
ولا فرق في الحمل بين أن يكون بنطفة منعقدة على تأمّل أو علقة أو مُضغة فما فوقها ، وفي العلقة إشكال. ويحتمل في الفداء أن يساوي حمله حمل المفدي في الدرجة على الأقوى.
العاشر : لو ضرب الحامل فألقت حملها ميّتاً ، وبقيت على حياتها ، وعلم سبق موته على الضرب ، ضمن تفاوت ما بين قيمتها حاملاً ومجهضاً ، كما يضمن تفاوت القيمة للجناية على بعض الأعضاء ، كاليد ، والرجل ، ونحوهما.
وكذا يضمن تفاوت ما بين إجهاضها وقت الضرب ، وإجهاضها في أوانها إن كان تفاوت ، ويحتمل ضمان التفاوت وإن لم يكن تفاوت بين الإجهاضين.
ولو شكّ في سبق موته على الضرب أو توهّم ؛ لعدم حصول الظنّ بأنّ الموت مستند إلى الضرب ، لم يضمن ، ويحتمل الضمان ؛ أمّا لو شكّ في وصول الضربة إليها فلا ضمان.
ولو ظهر استناد الموت العارض للجنين إلى الضرب ، ضمن الجنين بجنين مثله ، أو بصغير من جنسه.
ولو ماتا معاً بعد إسقاطه حيّاً ، فدى كلا بمثله في الكبر والصغر ، والمرض والصحّة ، والعيب والسلامة ، والذكورة والأُنوثة ، والسمن والهزال ، ونحو ذلك.
ولو عاشا من غير عيب ، فلا شي ء سوى الإثم ، ولو عاشا مع العيب ، أو عاش أحدهما كذلك ، لزمه الأرش.
وإذا ضرب الحامل فضاعت ، كان عليه فداء حامل.
ولو اشترك في الضرب اثنان مُجتمعان أو مُترتّبان ، كان الغرم عليهما معاً. وإن وقع الضرب من واحد بين جماعة ، احتمل لزوم الفداء على الجميع على وجه الشركة ، أو على كلّ واحد ، أو القرعة.
ولو ضرب ، وقصد بالضرب حماراً أو حاملاً ، فأحتمل وصول الضربة إلى
ص: 591
الحامل ، لم يلزم منه شي ء.
وإذا علم وصول الضرب ، وشكّ في الأثر. أو كان الضرب باعثاً على الغيبة (1) ، ضمن.
ولو أزمن محرم صيداً ، وأبطل امتناعه ، احتمل وجوب تمام الجزاء ؛ لأنّه كالهالك ؛ والأرش.
ويقوى التفصيل بأنّ إبطال منعه بالطيران إن بقيت بعده منعة أُخرى كما في النعامة والدرّاج ، لزم الأرش ، وإلا فكلّ الثمن.
ولو كان أعرج ، فإنّ فيه ضمان التفاوت. وكذا لو كان أعرج أو مُزمناً ، فزاد وصفه. ولو قتله محرم آخر ، ضمنه بقيمته أعرج أو مُزمناً.
ولو شكّ في بقاء زمانته فضلاً عن أن يحصل له ظنّ بسلامته لم يضمن ، ويحتمل الضمان ، استصحاباً لما كان. والظنّ من غير طريق شرعيّ يُلحَق بالشكّ ، ويقوى العمل (2) عليه في أسباب الضمان.
ولو قتل أو أتلف ما لا تقدير لفديته من حيوانٍ ، طير أو غيره ، أو بيض أو سفر أو صوت في وجه قويّ فعليه القيمة.
ويقوى أن يقال : في البطة ، والإوزة ، والكركي ومطلق الطيور ممّا هو أكبر من العصفور وإن لم يكن منصوصاً عليه شاة ؛ لعموم أنّ في الطير شاة ؛ ، (3) وقد يخصّ ذلك بما هو أكبر من الحمام ؛ إذ فيه شاة ، فمقتضى الأولويّة تسرية الحكم ، وقد يلحق المساوي ؛ لقضاء تنقيح المناط.
وخصّ بعضهم الشاة في خصوص الكركي ، وأسنده إلى رواية ؛. (4)
وما لا بدل لفدائه ، فالمرجع فيه إلى قيمة فدائه.
ص: 592
ولو زعم أنه لا تقدير لفدائه أو بالعكس ، فظهر فساد زعمه ، أعاده. ويحتمل عدم لزوم الإعادة في حقّ المعذور ، ولا سيّما في حقّ المجتهد ، ومقلّديه. ولو عدلَ المجتهد ، وعمل المقلّد مستصحباً ، جاء الوجهان.
الحادي عشر : العِبرة بتقويم الجزاء وقت الإخراج ؛ لأنّ الواجب الأصل هو الجزاء ، وما لا تقدير لفديته وقت الإتلاف ؛ لأنّه وقت الوجوب ، والعبرة في قيمة الصيد الذي لا تقدير لفديته بمحلّ الإتلاف ؛ لأنّه محل الوجوب ، وفيه قيمة البدل من النعم بمنى إن كانت الجناية في إحرام الحجّ ، وبمكّة إن كانت في إحرام العمرة ؛ لأنّ المدار في التقويم ومحلّ التصدّق على محلّ وجوب الذبح.
ولو تعدّدت أوقات الإخراج والأمكنة ، وزّع على الأبعاض على نحو ما يقتضيه الزمان والمكان.
ولو حصل اشتباه في المكان أو الزمان ، فعمل على الخلاف ، رجع إلى الواقع.
الثاني عشر : إذا شكّ في كونه صيداً أو لا ، برّياً أو بحرياً ، فلا ضمان.
ولا يبعد ترتّب العصيان في صورة العمد ، والظاهر وجوب الاستعلام من جهة الضمان إذا عين المقتول ، وأمكن استعلامه.
ولا يجوز للأعمى ولا المُبصر في الظلمة ولا الجاهل قتل ما لا يعلم حاله ، ويجب عليهم السؤال ؛ فإن تعذّر السؤال ، وجب الاجتناب. ولو نشأ الشكّ من جهة التعارض بين الشهود ، أخذ بالترجيح من جهة الأعدليّة والأكثريّة.
ولو شهد العدلان ، ثمّ عدلا ، فإن كان ذلك بعد إتمام العمل مضى ، وإن كان بعد الإتيان بالبعض ، جرى الحكم على البعض بمقتضى الشهادة المعدول عنها ، أو على الكلّ في وجه ضعيف.
ولو عمل على تقويم العدلين ، ثمّ شهد الأعدل أو الأكثر بالخلاف ، جاء التفصيل السابق. ويعتبر الترجيح بالأشهر ، وبكون بعض المقوّمين أعرف وأنظر.
الثالث عشر : يجب أن يرجع في التقويم إلى عدلين عارفين.
ولو كان أحدهما القاتل أو هما قاتلين ، لم يعوّل على شهادتهما ، وإلا عوّل عليها ، وفي المقامين إشكال.
ص: 593
أمّا الأوّل : فلأنّ مطلق قتل الصيد من دون إصرار لا يُعدّ من الكبائر.
وأمّا الثاني : فلأنّه حكم لنفسه وعليها ، وإذا تعقّبت التوبة ارتفع المحذور الأوّل.
ولو قطع القاتل بالقيمة ، ولم يكن ظانّاً على نحو المقوّمين ، فلا يبعد الاكتفاء بقطعه. والأحوط الرجوع إلى المجتهد في ذلك مع إمكانه.
ولو اختلف الشهود ، بنى على الترجيح ، ومع التعادل في العدالة يؤخذ بالأكثر (1). ويجب على العدول الشهادة كفاية ، ويجوز لهم أخذ الأُجرة في وجه قويّ ، وأمّا لو احتاط بدفع الأكثر من القيمة ، اكتفى عن الشهادة.
وإذا تعذّر العدلان ، احتمل وجوب الصبر مع الرجاء ، ومع اليأس يرجع إلى أقوى الظنون. ويحتمل جواز الرجوع إلى ذلك مع الرجاء أيضاً. ولو أراد محض الشرع ، وعدم إعطاء الزائد ، وجبَ عليه طلب العدلين. ولو توقّف على بذل ما يوصله وجب عليه (2).
الرابع عشر : لو فقدَ العاجز عن البدنة مثلاً البرّ ، انتقل إلى القيمة ، ويحتمل قويّاً الانتقال إلى باقي الأطعمة ؛ لقربها إليه ، ولما يظهر من ترجيح مُطلق الطعام على القيمة.
وفي الاكتفاء هنا بالستّين مسكيناً إن زاد عليهم في الأصل إشكال.
ومع القول بتقديم مُطلق الطعام على القيمة يتخيّر بين الأطعمة ، ويقوى ترجيح الأقرب فالأقرب ، كالشعير عوض الحنطة ، ثمّ الدخن ، ثمّ الذرة ، وهكذا ، ويحتمل الانتقال إلى الصوم بمجرّد العجز عن البرّ.
ولو اختلف الشركاء في التعديل ، قوّم كلّ ذي سهم سهمه عند عدلَيه ، وأخذ في حصّته بقولهم. [ويحمل] فقدان التقويم على الفقد المتعارف في بلد الإخراج ، دون الجنس ، إلا فيما دلّ الدّليل على اعتبار الجنس فيه. ولو كان المتعارف مُختلفاً ، أخذ بالأشهر ولو اختلفا بالرغبة ، ويحتمل الاكتفاء بمقابلهما.
ص: 594
الخامس عشر : يجزي عن الصغير الّذي له مثل من النعم صغير مثله في الحجم ، ويجزي الكبير عنه ، بل هو أفضل ، ويجزي المعيب عن المعيب بعيب مثله جنساً وقدراً.
فلا يجزي أعور عن أعمى ، ولا عن أعرج ، ولا العكس ، ولا الأشدّ عرجاً عن الأضعف.
ويجزي الأضعف منهما عن الأشدّ ، وكذا أعرج اليمين عن أعرج اليسار ، وبالعكس ، ويجزي المريض عن المريض ، إذا لم يختلف المرض جنساً ، ولم يكن مرض الفداء أشدّ : ويجزي الصحيح عن غيره ، والأضعف عن الأشدّ.
ويجزي الذكر عن الأُنثى ، وبالعكس ، مع صدق اسم الفداء عليهما.
ولا تجزي القيمة مع عدم الأعراض.
ولو دفعه على أنّه مثل ، فظهر أدنى منه ، جاء بغيره. ولو كانت عليه كفّارة أُخرى توافقه ، لم يجز الاحتساب.
والمَدار على ما يُعدّ مِثلاً في العُرف.
ولا تُطلب المماثلة بالقيم عن مماثلة الحجم ، ولا تعتبر المُماثلة في اللون ، وتناسق الأعضاء ، وحسن الشعر ، والصوف ، ونحوها.
السادس عشر : لو حصل المُبدل بعد الإتيان بتمام البدل أو تسليمه مضى على حاله ، بقي البدل لو تلف.
ولو عزله ولم ينفقه ، احتمل ذلك ؛ لتعيّنه بالعزل ، وخلافه لظهور أن العزل لم يكن في محلّه. ولو تلف بعد العزل ، قوي عدم الضمان على نحو الزكاة.
ولو حصل المُبدل بعد الإتيان ببعض البدل ، احتمل الاكتفاء بالبدل وإتمامه ، وعدم الالتفات إليه ، فالالتزام بالبدل والإتمام من المُبدل بنسبة ما بقي من البدل ان كانا قابلين للتوزيع.
ولو كان متمكّناً ممّا هو أكبر من المُبدل وهو مجزي عنه ، ولا يتمكنّ من المُماثل ، احتمل لزومه ؛ لتوقّف أداء الواجب عليه ، ويحتمل الانتقال إلى الدرجة الثانية.
ص: 595
ولو أمكنه تربية البدل أو مداواته بحيث يساوي المبدل ، أو الشراء من مكان آخر مع جواز التأخّر ، لزم.
وهو ثلاثة : المباشرة. والتسبيب ، ووضع اليد ، فينحصر البحث في ثلاثة مباحث :
والنظر في أحكامها ، وهي عديدة :
منها : أنّ من قتل صيداً ضمنه ، فإن قتله بوجه البدليّة أو غيرها محلّا كان أو محرماً ثمّ أكله ، تضاعف عليه الفداء. ويستوي ذبح المحرم وذبح المُحلّ في الحرم ويجري عليه أحكامها ، كما مرّ.
ولو ذبح المُحلّ في الحلّ صيداً قد صاده المُحرم ، حلّ على المُحلّ ، وفي حمام الحرم كلام تقدّم.
ولو ذبح المُحلّ في الحلّ صيداً وأدخله الحرم ، حلّ المُحلّ في الحَرَم ، دون المُحرم.
ولو ذبحه أو نحره زاعماً أنّه محرم أو في الحرم ، حلّ إذا اجتمعت شروط التذكية ؛ إذ لا اعتبار لنيّة الإباحة.
ولو باشر القتل حال الإحرام أو في الحرم جماعة ، ضمن كلّ منهم فداءً كاملاً فيما يجب عنه الفداء ، أو قيمته فيما فيه القيمة. وكذا لو باشروا الجرح ، لزم كلّ واحد أرش.
ولو علم حصول الجناية من واحد ، واشتبه بين جماعة ، احتمل لزوم التعدّد ، والاكتفاء بالواحد موزّعاً عليهم ، والقرعة.
ومنها : أنّه لو ضرب المُحرم في الحرم بطيرٍ على أرض الحرم فمات بذلك الضرب ، فعليه دم وقيمتان ، والقول بثلاث قيمات وهو ظاهر الرواية (1) قويّ. ويحتمل
ص: 596
التعميم للقتل بغير الضرب بعده.
وحيث يحتمل أنّ منشأ القيمة من الاستخفاف بالحرم وبجاره جاء احتمال تسرية ذلك في غير الطيور من الصيد.
وفي بعض الأخبار : أنّ على المحرم إذا قتل طيراً بين الصفا والمروة عمداً الفداء والجزاء ويُعزّر ، وإن قتلهُ في الكعبة عمداً كان عليه الفداء والجزاء ، ويضرب دون الحد ، ويقام للنّاس لينكل غيره (1).
ولو ضربه على بساط أو حصير مفروش أو شجر أو نبات في الحرم ، فكما إذا ضربه على الأرض. والتراب ، والشجر ، والحيوان ، والإنسان ، ونحوها لا يبعد إلحاقها.
ولو ألقاه من علوّ احتمل إلحاقه بالضرب على بُعد.
ولو ضربه خارج الحرم ، فمات في الحرم ، وبالعكس ، فالمدار على مكان الضرب.
ولو ضربه محلا فمات بعد إحرامه في الحرم ، لم يجرِ الحكم المذكور.
ومنها : أنّه إذا شرب لبن ظبية في الحرم ، فعليه دم وقيمة اللبن ، والموجود في الرواية الجمع بين الإحرام والحرم ، وأنّه جمعَ بين الاحتلاب والشرب (2).
وفي تسرية الحكم إلى ما عدا الظبي تنقيحاً للمناط إشكال ، نعم قد يقال : بسراية الحكم بالنسبة إلى الدم في جميع من أكل ما لا ينبغي أكله للمحرم عمداً ، ويلحق الشرب به للرواية (3) ، وقد يُلحق الإتلاف بالشرب.
ولو جعله في فمه خارج الحرم ، وابتلعه في الحرم ، عُدّ شارباً في الحرم. ولو
ص: 597
انعكس الأمر ، لم يُعدّ شارباً في الحرم.
ولو أُوجر في حلقه بطلب منه ، عُدّ شارباً على الأقوى.
ولو رمى محلّا ، فقتل محرماً ، أو جعل في رأسه محلا ما يقتل القمل محرماً فقتله ، لم يكن عليه شي ء ، كلّ ذلك إذا لم يبقَ له قدرة على الرفع حين الإحرام ومع القدرة والتقصير يتحقّق الضمان.
وكذا لو وضع شيئاً وهو مُحلّ ، فقتل الصيد وهو محرم.
ولو وضع شيئاً قاتلاً خارج الحرم ، فأطارته الريح إلى داخل الحرم ، فقتل صيداً ، احتمل ضمانه.
ومنها : أن أبعاض الصيد مضمونة على المحرم ، ففي كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كلّ واحد الربع ، وفي عينيه القيمة ، وفي إحداهما النصف.
وفي كسر اليدين أو الرجلين القيمة ، وفي كسر إحداهما نصف القيمة. وإن فعله المُحرم في الحرم ، كان عليه مع القيمة دم يهريقه.
وإن صحّ كسره ، كان عليه ربع القيمة ؛ وإن لم يعلم كيف انتهى حاله ، كان عليه فداؤه. وإن حسن حاله عن الحال الأوّل أخذ بالنسبة. وكلّ شي ء أخذ منه وليس له مقدار ، أُخذت له قيمة واحدة من المُحرم ، ومنه وفي الحرم قيمتان. ولو لم يكن له قيمة عصى ، واستغفر ، وتاب ، وليس عليه شي ء ، ويحتمل لزوم كفّ من طعام.
ولو صحّ العضو ومطلق البعض الفائت ، بقي ضمان الجرح. ولو ضرب الصيد ولم يعلم بالإصابة ، ووجد عضواً مقطوعاً لم يعلم منه ، احتمل الضمان ، وعدمه.
ولو صالَ على المُحرم أو المُحلّ في الحرم أو غيره صيد ، فخاف منه ضرراً على نفسه ، أو نفسٍ محترمة ، أو ماله ، أو مال محترم ، وتوقّف الدفع على قتله ، فقتله ، أو على جرحه فجرحه ، فلا ضمان عليه ، ولا إثم.
ولو أتى بالأثقل مع الاندفاع بالأخفّ ، ضمنه في الأثقل ، أو ضمن التفاوت بين الأثقل والأخفّ. ولو ارتكب أحدهما مع إمكان الاندفاع بالهرب ، احتمل الضمان ، وعدمه.
ص: 598
ولو زعمه صائلاً عليه ، فجرحه أو قتله ، ثمّ بانَ الخلاف ، قوي القول بالضمان ، ويحتمل عدمه.
ومنها : أنّه إذا أكل الصيد في مخمصة مضطرّاً بقدر ما يُمسك به الرمق ، فإن تمكّن من الفداء أكل وفداه ، مقدّماً على الميتة ، وإلا أكل الميتة ، وقد مرّ الكلام فيه.
ومنها : أنّه لو عمّ الجراد أو شبهه الطرق ، لم يبقَ لهُ حُرمة ، فلا تترتّب عليه حرمة ، ولا كفّارة. ولو لم تكن فديته أو فصله زائداً على المتعارف ، أو بقي واقفاً لا لحاجة بعد التعارف ، فقتل ، ضمن. ولو كان قريب مكان خالٍ وجب استطراقه.
ولو تفاوتت الجراد في الكثرة والقلّة ، اختار الأقلّ على الأكثر. ولو دار بين كثير الجراد والنمل ، سلك طريق النمل. وكذا في باقي صور التعارض.
ومنها : أنّه لو رمى صيداً فأصابه ولم يؤثّر ، عصى ، ولم يكفّر ، ويستغفر اللّه.
ولو رماه صحيحاً فجرحه ، ضمن أرش الجرح ، ومع العيب ضمن أرش الجرح والعيب ، وقيل في الجرح مع البرء ربع القيمة (1) ، وقيل : التصدّق بشي ء (2).
ولو رماه فهرب ، ضمنه حتّى يعود إلى محلّه ، ولو لم يهرب وشكّ في إصابته أو جرحه ، فلا ضمان.
وهل يجب الفحص عنه بوجه لا تترتّب عليه إخافته؟ وجهان ، والأصحّ العدم.
ولو عرجه ، ولم يعلم حاله ، أو أصابه ، ولم يعلم أنّه أثّر فيه أو لا ، ضمن فداءه ، ومع احتمال الإصابة وعدمها لا فداء على إشكال.
ولو نفّره ولم يعلم أنّه نفر أولا ، فلا ضمان. ولو نفّره فعلم بنفاره وخروجه من
ص: 599
الحرم ، كان ضامناً. وكذا لو علم بنفاره ، ولم يعلم بخروجه من الحرم ولا بعدمه. ولو علم بعدم خروجه من الحرم وشكّ في رجوعه إلى محلّه ، فللقول بالضمان وجه. ولو علم برجوعه إلى محلّه الّذي نفر منه ، فالظاهر ارتفاع الضمان.
وهو فعل ما يحصل به التلف ولو نادراً ، وهو أُمور كثيرة :
منها : ما لو وقع الصيد في شبكة أو نقب جدار أو طين أو نحوها فخلّصه ، ثمّ مات في يده أو عيب ، فإنّه يضمن إن مات بيده بالتخليص أو بغيره على إشكال.
ولو خلّصه من فم هرّة أو سبع آخر ، ولم يكن هو المُغري ، فمات في يده بما ناله من السبع ، ضمن على إشكال. ولو كان بالتخليص ، لم (1) يضمن على تردّد في الحرم ، ويرجع إلى إثبات اليد.
ولو فتح الباب على صيد فدخل عليه سبع فقتله ، أو رفع شيئاً حاجباً عن الوصول إليه ، فوصل إليه مع قصد ذلك ، ضَمِنَ ، وإلا فلا على إشكال.
ومثل ذلك ما لو أجرى ماء أو أجّج ناراً يمنع الصيد عن الهرب ، أو سدّ الماء المباح عنه ، فمات من العطش ، وكذا لو زرع زرعاً أو غرس شجراً أو أنبت نباتاً ، فجاء الصيد يطلبه ، فمات. أمّا لو حمل طعامه أو حصد زرعاً أو سدّ بابه المملوك فلا ضمان.
ومنها : الدالّ على الصيد ، وأغرى الكلب به ، وهو مُحرم أو مُحلّ ، والصيد في الحرم ، وسائق الدابّة ، والواقف بها راجلاً أو راكباً إذا جَنَت على الصيد بأيّ عضوٍ كان من أعضائها ، والقائد والسائر (2) راكباً إذا جَنَت برأسها ومنه رقبتها أو صدرها أو يديها والمُغلق على صيد من الطيور حمامها وغيره أو غيرها ، وموقد النار ، ومُجري الماء ، وواضع ما يسبّب الزلق ، إذا ترتّب عليها إتلاف أو جرح ، يترتّب عليه الضمان.
ولو أغرى كلباً على صيد في الحرم وهو في الحلّ ، ضمن. ولو أغراه عليه ، وهو في الحلّ ، فدخل الحرم وتبعه حتّى جنى عليه في الحلّ ، لم يضمنه ، ومع جهل الحال
ص: 600
في الجناية فضلاً عن العلم بعدمها لا ضمان ، إلا في الإغلاق ، وإن يشاركه الدالّ في العصيان.
ولو ندب طفلاً إلى قتل أو جرح ففعله ، كان النادب ضامناً.
ولو عدل الدالّ عن الدلالة والمُغري عن الإغراء ، فإن نقض ما فعل بأن ردّ المُغري ، وأضلّ المدلول حتّى لم يبقَ لفعله الأوّل أثر ، فلا (1) ضمان.
ولو اشترك في الدلالة أو الإغراء جماعة ، وكان التأثّر مُختصّاً بالبعض ، كان الضمان مُختصّاً به ؛ وإن اشترك التأثير ، اشترك الضمان ؛ تساوت أفراده قوّة وضعفاً أو اختلفت.
ولو أغرى جماعة عدّة كلاب ، أو دلّوا جماعة ، فإن تعلّق كلّ واحد بواحد ضمن من يُغري المؤثّر دون غيره.
ولو رمى الصيد راميان ، وأصاب أحدهما ، وأخطأ الأخر ، كان على كلّ واحد منهما فداء كامل ، مع والدلالة من المُخطئ للمُصيب أو لا. ومع الدلالة عليه يترتّب حكمان.
وفي أصل الحكم ، ثمّ في تسريته إلى الرماة ، وفعل غير الرمي إشكال. وعلى الجامع بين صفة الدلالة والرمي والإصابة يترتّب الفداء بثلاثة وجوه (2).
ولو كان الرمي من المحرم في الحرم ، تضاعف الفداء على إشكال. ولو كان الشريك في الرمي من يعلم بعدم تأثير رميه ، فلا عبرة برميته (3). ولو اشترك في الرمي ناقص وكامل ، أو ناقصان ، أو مُحلّ ومُحرم ، تعلّق حكم كلّ بصاحبه.
ولو كان الرمي واحد بقاتل ، ومن الأخر بجارح ، جرى على أحدهما حكم القاتل ، وعلى الأخر حكم الجارح على إشكال.
ولو أو قد جماعة ناراً ، فوقع فيها طائر ، ضمنوا فداءً واحداً إن لم يكن عن قصد
ص: 601
وعمد ، وإن كان عن عمد ، فعلى كلّ واحد فداء كامل.
ولو كان بعضهم عن عمد ، وبعضهم لا عن عمد ، أُجري الحكم في العامدين وغيرهم على النحو السابق (1).
وكذا لو اشتركوا في ماء وطين قضى بهلاك صيد أو جرحه أو إعابته. ولو كان كلّ جانب تطيينه (2) أو طينه من واحد ، فوقع في جانب واحد ، كان الضمان على صاحب ذلك الجانب ، ويحتمل الاشتراك.
ولو خرج سليماً فلا بأس ، ولو خرج معيباً أو مجروحاً ، فالأرش مشترك بين الجميع. ويستوي في هذا من هو أشدّ تأثيراً ، ومن هو أضعف.
ولا فرق بين أن يقع الصيد بعينه ، وبين أن يقصد الوصول إلى ذلك فيقع فيه.
ولو رمى المحرم أو المحلّ في الحرم صيداً ، فجرح أو قتل فرخاً آخر ، أو الأخر آخر وهكذا ، ضمن الجميع. كما إذا رمى حجراً ، فتحرّك ، وحرّك حجراً آخر ، أو غيره في مرتبة أو مراتب ، فإنّه يضمن جميع ما ترتّب عليه.
ولو خافَ من صوت (3) الرمي ، فمات ، أو سقط فجرح أو أعيب ، ضمن الرامي على إشكال.
ولو رماه ، فهرب عن فراخه ، فماتت ، كانت مضمونة عليه.
ولو رميت على يده أفعى أو عقرب ، فدفعها عن نفسه ، فوقعا على صيد ، أو دفع سبعاً ، وتبعه حتّى وصل إلى الصيد مع انحصار الطريق ، ضمن.
ولو أمسك المحرم صيداً في الحرم ، فمات ولده فيه ، ضمن. ولو أمسك الأُم في الحرم ، فمات الولد في الحلّ ، فالأقوى الضمان ، كما لو رمى من الحرم ، فأصاب صيداً في الحلّ.
ولو نفر صيداً فهلك لمصادفة شي ء أو أخذه آخر ضمن ، إلا أن يرجع إلى محلّه أو
ص: 602
وكره سليماً ويسكن ، وإذا رجع كذلك برئ من ضمانه. ولو تلف قبل ذلك بآفة سماوية ، ضمن على الأقوى.
ولو تعدّدوا ، واستند النفار إلى الجميع ، بحيث كان كلّ واحد سبباً مستقِلا ، احتمل تعدّد الكفّارة على عددهم ، واتّحادها. ولو استند إلى المجموع ، قوي الاتحاد ، وفيما لو تتابعت الأصوات ، احتمل الاختصاص بالمصوّت الأول ، والمصوّت الأخر ، والتشريك.
ولو كان التنفير لخوفٍ عليه من صيّاد أو سبع أو نحوهما من المهلكات أو المؤذيات ، احتمل سقوط القلب ، والتغيّر.
ولو نفّر صيداً فنفر غيره من جهة نفاره ، كان حكم التنفير جارياً في الأوّل والأخير.
ولو نصب شبكة في ملكه أو ملك غيره وهو محرم ، أو نصبها المُحلّ أو المُحرم في الحرم ، فتعلّق بها صيد فهلك كلّه أو بعضه ، ضمن. وإن كان نصبها لصيد مؤذيات الصيد على إشكال ؛ كما لو صاده وتركه في منزله حتّى هلك ، أو سلّمه لغيره فهلك.
ولو اشترك من فوق الواحد في النصب ، كان الضمان على جميع الشركاء.
ويجري الحكم في الحبل والخشب المنصوب للصّيد ونحوهما. ولو خرج منها سليماً ، فلا ضمان ، وإن ترتّب عليه العصيان.
ولو كانت شبكتان لصيّادَين ، فتعلّق بإحداهما ثمّ تخلّص ، وتعلّق بالأُخرى وبقي فيها ، كان الضمان على صاحب الثانية. ولو توقّف تخليصه من الشبكة على نقضها وإفسادها ، أفسدها ما لم يضرّ بالحال على إشكال.
ولو حلّ الكلب المربوط ، أو لم يُحكم رباطه ، أو لم يُحكم رباط الصيد ، فترتّب قتل الكلب ، ضمن. وإن لم يكن مقصّراً فلا ضمان ، ويحتمل الضمان ؛ لحصول السبب.
فلو أرسله ولا صيد فاتفق ذلك ، جاء فيه الوجهان ، ولو كان الصيد مقيّداً ففلّ قيده ، فقتل صيداً آخر ، احتمل فيه الوجهان : الضمان ، وعدمه ، والظاهر الأوّل.
ص: 603
ولو كان قيد واحد ، وكان عنده مؤذيان ، فربط غير الضارّ وترك الضارّ ، ضمن. وكذا يضمن مع العكس في وجه قويّ.
ولو كان كلبه مربوطاً ، فحلّه آخر ، فالضمان على الحالّ.
ولو حفر بئراً في محلّ عدوان ، فوقع فيها صيد ، فهلك ضمن. وإن كان في ملكه أو مكان مباح ، ولا تقصير ، فلا ضمان. وإن كان في ملكه ، أو المكان المُباح في الحرم ، ضمن ، كمن نصب شبكة فيه ، ويحتمل الضمان في الجميع.
ولو اشترك في الحفر جماعة ، تعلّق الضمان بهم جميعاً على السوية ، وإن اختلفوا في كثرة العمل وقلّته ، ما لم يبلغ في الإغراق في القلّة إلى حيث لا يُعدّ شريكاً عرفاً.
ولو كان حفره لمصلحة الصيد ، بأن قصد وقوع السبع ونحوه من المؤذيات فيسلم الصيد ، أو كان الصيد مغموساً في رمل أو طين فحفر عليه لتخليصه من الهلاك أو مُطلق الأذيّة ، فوقع في الحفيرة صيد آخر ، احتمل الضمان وعدمه.
فمن قبض على صيد عصى وضمن ، وإن كان مملوكاً ضمن العوض للمالك أيضاً.
والمعني باليد : الاستيلاء عليه بوضعه تحت القدمين ، أو بين الرجلين ، أو في إله حبس ، أو تحت ثوب أو نحوه ممّا يتمكّن منه.
ويد الطفل والمجنون يد الوليّ مع اطلاعه.
ومع القبض يضمن بكلّه مع تعلّق التلف بكلّه ، ومع تعلّقه ببعضه لبعض.
وإذا أطلقه سليماً ، فلا ضمان عليه ، إلا أن يكون قد أخرجه من وكره ، فإنّه لا يرتفع الضمان عنه إلا بإرجاعه إليه وسكونه فيه.
ولو أمسك المُحرم صيداً في الحلّ ، فذبحه مُحرم آخر ، فعلى كلّ منهما فداء كامل. ولو كانا محرمين في الحرم ، تضاعف الفداء ، ما لم يبلغ البدنة. ولو كانا محلّين في الحرم ، لم يتضاعف. ولو اختلفا ، تضاعف على المُحرم فقط.
ولو أمسكه المُحرم ، فذبحه المحلّ أو بالعكس ، فليس على المحلّ شي ء ، ويضمن المُحرم.
ص: 604
ولو أمسكه للحفظ من السباع ، أو لمداواة جراحته ، أو ليطعمه أو يسقيه حفظاً له من التلف ، ونحو ذلك ، قام فيه الوجهان.
ولو تعدّد الماسكون ، جرى على الضعيف حكم القويّ ، ويوزّع على الجميع بنسبة واحدة.
ولو أمسك حيوانات متعدّدة ، ولم يعلم بأنّ المذبوح منها أو من غيرها ، قوي الضمان.
ولو أمسك صيداً على صيد ، ضمنهما. ولو أمسك السافل ، لم يضمن العالي.
ولو نقل المُحرم بيضاً عن مَحلّه ، ففسد بالنقل أو بغير ذلك ، كان مضموناً على المحرم. ولو أحضنه طيراً فخرج الفرخ سليماً ، أو كسره فخرج فاسداً ، فالأقرب عدم الضمان. ولو حصل الشكّ في ذلك ترتّب حكم الضمان.
ولو لم يعلم بأنّ البيض بيض صيد أو غيره ، قوي الضمان. ولو لم يعلم بأنّه بيض أو بعض الحمامات ، لم يلزمه شي ء. ولو شكّ في عدده بنى على الأقلّ ؛ والأحوط مُراعاة الأكثر.
ويحرم على المُحلّ في الحرم كلّما يحرم على المحرم في الحلّ إجماعاً ، وفي مساواة الوزر أو ترجيح أحدهما على الأخر وجوه ، أقواها ترجيح حُرمة الحرم ، خصوصاً ما دخل في المشاعر ، ثمّ مكّة ، ثمّ المساجد ، ثمّ المسجد (1).
ويكره للمُحلّ صيد ما يؤمّ الحرم ، والقول بالحرمة قويّ ، فإن أصابه ، ثمّ دخل الحرم فمات فيه ، ضمن في وجه قويّ.
ويتحقق كونه امّاً للحرم بتوجّهه إليه ماشياً أو طائراً ، مقبلاً أو مدبراً ، مختاراً أو مُلجَأً ، بنفسه أو محمولاً يؤم به حامله على إشكال.
ولو أمّ أصلاً فرعه في الحرم أو بالعكس ، فكأنّما أمّ الحرم. ولو كان في الحرم
ص: 605
ما يؤذيه ، فصاده للحفظ ، كان ضامناً على الأقوى.
ويكره صيد ما بين البريد والحرم ، ويُستحبّ ما فيها من الجزاء احتياطاً. وتشتدّ الكراهة فيما يقرب منه إلى الحرم ؛ وكلّما اشتدّ قرباً ، اشتدّ كراهة. وما خرج بعض منه عن البريد بحكم ما في البريد ؛ لدخول بعض الأخر فيه ، فيغلب احترامه ، كما يغلب احترام الحرم على ما بعضه في الحرم وبعضه خارج عنه.
ومن قتل صيداً في الحرم فعليه جزاؤه. وإن اشترك فيه جماعة ، فعلى كلّ واحد فداء.
ولا كراهة في صيد ما يؤمّ البريد ، وهو حريم الحرم ، ولا في استعمال باقي مُحرمات الحرم منه ؛ لأنّه من الحلّ ، وتجري عليه أحكامه ، فيجوز تملّك الصيد ، وتذكيته ، ولا كراهة في صيد ما خرج منه من طيور.
ولا تجري فيه أحكام الشجر والنبات ، وأحكام التنفير ونحوها ، ولو وجدت فيه طيور ، فشكّ في أنّها طيوره أو طيور الحرم ، حكم بأنّها من طيوره ، دون الحرم.
ولو رمى المُحلّ في الحلّ صيداً في الحرم ، أو رمى من الحرم صيداً في الحلّ ، أو أصابه وبعضه في الحرم ، أو أصابه وكان على فرع شجرة في الحلّ ، وأصلها في الحرم أو بالعكس ، ضمن. وفيما إذا كان الرأس كذلك إشكال.
ولو رمى ما شكّ في أنّه من الحرم ، لم يحكم له بحكم حمام الحرم ، إلا إذا حصل الشكّ في محصور مع العلم بالاشتمال عليه.
ولو ربط صيداً في الحلّ ، فدخل الحرم برباطه ، حرم إخراجه.
ولو دخل بصيدٍ إلى الحرم ، وجب إرساله ، فإن لم يرسله أخرجه عنه أولا ضمنه وإن تلف بغير سببه.
ودخول بعض الصيد برباطه ، ولو ببعض ريشه ، كدخول كلّه.
وكذا دخول الصائد داخل الحرم في البيض أو الفراخ خارجه ، فلا يتبعه في الإحرام ، بخلاف العكس للسبب.
ولو حصل في يده طائر مقصوص أو منتوف بطل امتناعه ، وجبَ حفظه إلى أن
ص: 606
يكمل ريشه ، ويرسله ، وعليه الأرش لو كان هو الناتف بإعطاء تفاوت ما بين السليم وغيره ، ولا يسقط الأرش حفظه وعود ريشه ، ولا فرق بين أن يكون هو القاصّ له أو غيره.
ويجب على القاصّ والناتف حفظه وإن لم يكن في اليد. ولو اجتمع القاصّ وصاحب اليد ، كان صاحب اليد أولى بالتكليف على إشكال.
ولو تعدّد القاصّ أو صاحب اليد ، وجب الحفظ على الجميع على السويّة ، من غير فرق بين قاصّ الأكثر والأقلّ ، ويحتمل اعتبار التفاوت ، ويتهايئون بينهم (1) ، ويحتمل الوجوب الكفائي ؛ حذراً من ضرب المهايأة (2) ، ويحتمل الإقراع.
ولو أخرج صيداً من الحرم ، وجبت إعادته ؛ فإن تلف قبلها ضمنه ، ولا يخرج عن الضمان بمجرّد إرساله وإن ظنّ رجوعه.
ولا تكفي إعادته إلى مُطلق الحرم ، بل لا بدّ من إرجاعه إلى وكره أو محلّه الّذي كان فيه ، مع الاستقرار فيه.
ولو كان بعضه في الحرم ، وبعضه خارج الحرم ، فحكمه حكم ما كان تمامه في الحرم.
ولو أخرج ما يؤمّ الحرم عن محلّه ، احتمل فيه ذلك.
ولو ردّه فوجد في وكره سبعاً ، لم يجُز وضعه فيه ، وعليه حفظه ، فإن وضعه ، ضمن في علم التلف ، والشكّ فيه.
ولو نتف ريشة من حمام الحرم ، تصدّق بشي ء وجوباً باليد الجانية ، لا بالثانية.
ولو نتف بهما معاً ، احتمل وجوب التصدّق بهما معاً والتخيير ، ولو نتفها بأصابع رجليه ، تخيّر في التصدّق بيديه وغيرهما.
ولو اشترك اثنان فما زاد في النتف ، وجب التصدّق على الجميع. والناتف بآلة
ص: 607
بعضها بيده ناتف بيده في وجه قويّ ، والقرض بمقراض أو غيره ولو من الأصل لا يدخل في النتف.
ولو تعدّد الريش مترتّباً ، كان النتف متعدّداً ، فتتعدّد صدقته ؛ وإن اتّحد ، لزم الأرش ، والمدار على الاسم ، من غير فرق بين الصغار والكبار. وفي التعدّي إلى غير الحمام نظر.
ولو رمى بسهم من الحلّ فدخل الحرم ، ثم خرج منه ، فقتل صيداً في الحلّ ، فلا ضمان ؛ بخلاف العكس ، فإنّه مضمون فيه ، ويجري الحكم في كلّ جناية استندت إلى إله قتلت أو جرحت خارج الحرم بعد أن صدرت من الحلّ ودخلت في الحرم.
ولو دحرج إله من الحلّ ، فدخلت الحرم ، ثمّ خرجت منه ، وقد خرج صيد الحرم من الحرم خوفاً من صيدها أو حذراً من إصابتها ، فقتلته خارج الحرم أو جرحته إلى غاية ، ضمنَ.
وفي تحريم صيد حمام الحرم على المُحلّ في الحلّ إشكال ، ويعني به الحمام الّذي يسكن الحرم ويأوي إليه ، وقد يُراد به حمام مخصوص ، وقد يتمشّى إلى كلّ طير سكن الحرم ، دون غيره من أقسام الصيد.
وحيث نقول بتعلّق التحريم يجري عليه حكمه لو كان في الحرم ؛ من عدم جواز تذكيته ، وحكم تقدّمه على الميتة ، وتأخّره عنها.
ويجب فيما له فداء مخصوص على المحرم في الحلّ القيمة على المحلّ في الحرم. ويجتمعان على المحرم في الحرم حتّى يبلغ البدنة فلا يتضاعف. ويقوى أنّ المدار على التقييد ، فلو اتّفق أنّ قيمة البدنة أقلّ من قيمة البقرة أو الشاة ، لم يتغيّر الحكم. ويحتمل الرجوع إلى القيمة مع التنزّل الخارج عن المتعارف ، فيلزم مع اجتماع قيمتان.
ولا فرق بين زيادة قيمة البدنة على قيمة الصيد ونقصها عنها.
وفي كونه على وجه الرخصة أو العزيمة ، وجهان.
ولو قتله اثنان في الحرم ، فعلى كلّ واحد فداء وقيمة إذا كانا مُحرمين ، وإن كانا محلّين فعلى كلّ واحد قيمة ، وإن كان أحدهما محرماً ، والآخر محلا ، فعلى المحرم
ص: 608
فداء وقيمة ، وعلى المُحلّ القيمة.
ولو جرحاه أو أعاباه فعلى جامع الوصفين أرشان ، وعلى ذي الوصف الواحد أرش واحد. ولو جرحاه أو أعاباه ثمّ قتلاه ، جرى حكم الأرش والفداء أو القيمة عليهما. وتتعدّد القيمة فيما لم يقرّر له فداء مع تعدّد الوصف ، وتتّحد مع اتّحاده.
وفداء المملوك لصاحبه ، فإن نقص عن القيمة أُضيفت إليه الزيادة ؛ وإن زاد عليها ، فللمالك الزائد على إشكال.
وفداء غير المملوك يتصدّق به ، سوى فداء حمام الحرم ، فإنّه يؤخذ به العلف له ، وما كان من النعم يذبح أو ينحر ويتصدّق به.
وإن كان وقفاً في محلّ يصحّ فيه الوقف ، كان للموقوف عليهم ، عامّاً أو خاصّاً ، ويجعل وقفاً بعينه إن أمكن ، وإلا اشترى ما يجعل وقفاً عوضه.
ولو ادّعى ملكيّته مُدّعٍ ، صُدّق بلا يمين مع عدم المنازع.
ولو كان مملوكاً من قبل ، ثمّ أرسله مُعرِضاً عنه ، فلا شي ء لمالكه ، ويرجع إلى حكم الصدقة.
ومنها : تكرّر الكفّارات بتكرّر القتل ونحوه سهواً.
وأمّا عمداً ؛ فلا تكرار على الأقوى إلا في إحرامين مختلفين.
ولا فرق بين القتل ، والكسر ، والجرح ، والعيب ، وكلّ سبب للضمان ، سوى بعض ما نصّ عليه ، كالجراد ونحوه.
وما دخل في الاسم الواحد كالقتل للجراد الكثير إن فعل تدريجاً تعدّدت أحكامه ، وإلا اتّحدت ، ما لم يكفّر في الأثناء ، فإن كفّر تعدّدت. ولا يتكرّر بتكرّر الآنات في الاستدامة ، وإن تضاعفت إثم ، فالإمساك ونحوه لا فرق بين قليله وكثيره.
ومنها : أنّه يضمن الصيد بقتله عمداً ، وسهواً ، وخطأً.
فلو رمى حجراً فأصاب صيداً ، أو رمى صيداً ، فمرق السهم وأصاب آخر ، ضمن.
ص: 609
ولا يضمن المُجتهد ما أدّى رأيه إلى عدم ضمانه ، وأتلفه ، ثمّ عدل ، فرأى ضمانه ، والمقلّد إذا قلّد المُجتهد في عدم ضمان شي ء ، ثمّ عدل بنيّته إلى الضمان ، وقد كان عمل بفتواه.
ولو أوجب الشارع عليه قتل الصيد أو جرحه أو تنفيره ؛ لحفظ نفسه ، أو نفس محترمة لم يكن ضمان ، إلا ما أوجب الشارع فيه الضمان وإن كان الباعث على الإتلاف الخوف.
ومنها : أنّ كلّ من وجبت عليه شاة في الحجّ في كفّارة الصيد ، وعجز عنها ، فعليه إطعام عشرة مساكين ، فإن عجزَ صامَ ثلاثة أيّام ، وتقوى تسرية الحكم إلى العُمرة.
والظاهر اعتبار مُطلق الإطعام ، والاكتفاء في الإطعام بالإشباع ، وإعطاء مدّ مدّ.
والعجز عن الشاة يتحقّق بعدم التمكّن منها سليمة ، والعجز عن البعض في المرتبة الثانية يتحقّق بالعجز عن الجميع ، فيلزم التلفيق في العجز عن البعض. والأقوى أنّ العجز عن البعض عجز عن الجميع.
والمتمكّن من الشراء بأكثر ، ومن وجد بعض المُستثنيات في الديون ممّا لا يضطرّ إليه ، يدخل في حكم القادر.
ومنها : ما لا دم فيه كالعصفور ، والجرادة ، والزنبور ، والضبّ إذا أصابه المحرم في الحرم تتضاعف فيه القيمة ، فإن قدّرت في الشرع تضاعف المقدّر.
وإن لم تقدّر كما في البطّ ، والأوز ، والكركيّ ، والبلبل ، والصعوة ، والسماني ، والطاوس ، وابن أوى ، وابن عرس ، ونحوها ، ضعّف ما يحكم به العدلان.
ولا فرق بين أن يصيبه المُحرم في الحرم وهو خارج عنه ، وبين أن يصيبه وهو داخل فيه.
ولو أصاب محرماً ، فقتل أو جرح في الحرم بعد الإحلال ، أو أصاب مُحلًّا في
ص: 610
الحرم ، فقتل بعد الإحلال ، فالمدار على حال الإصابة في وجه قويّ.
ولا فرق في لزوم التضاعف بين كون الصيد تمامه في الحرم أو بعضه ، ومع التبعيض لا فرق بين إصابته في الجزء الداخل في الحلّ ، والخارج عنه. ويستوي في ذلك المباشرة والتسبيب.
وإن جرح جروحاً متعدّدة تضاعفت قيمتها. وإن جرح ، ثمّ قتل بجناية أُخرى ، تضاعفت فيهما.
ومنها : ما يلزم المُعتمر من الكفّارات مكانها مكّة ، وما يلزمه في الحجّ مكانه منى ، وما يلزم المعتمر في غير كفّارة الصيد ، يجوز نحره بمنى.
والطعام المخرج عوضاً عن المذبوح تابع له في محلّ الإخراج ، ولا يتعيّن الصوم بمكان.
ويراد بمكّة : ما كانت مؤسّسة زمان خطاب الشرع ، ويحتمل تعميم المستجدّ منها.
ولو وضع بعض المذبوح حال الذبح في مكّة ، والبعض الأخر في الخارج ، أو بعض المذبوح في منى ، والبعض الأخر في الخارج ، لم يجتزئ على الأقوى.
ولو ذبحه خارجاً عن الحدّ ، فتحرّك بعد الذبح ، ولم تخرج روحه حتى دخل ، دخل في حساب الخارج ؛ وبالعكس يدخل بحكم الداخل.
ومنها : لو كسرَ المحرم بيضاً جاز أكله للمُحلّ ولو في الحرم ، وليس للمحرم عليه سلطان. ولو كان البيض مملوكاً لهُ قبل الإحرام ، فليس له منعه ، ولا يطلب المحلّ الأكل أو المالك ، وإنّما الكفّارة على الكاسر ، وغرامة المالك عليهما ، كلّ على مقدار ما يلزمه. ولو ظهر في البيض فرخ سليم ، كان مضموناً ، والفاسد غير مضمون.
ومنها : لو أمر المحرم مملوكه بقتل الصيد ، فقتله ، ضمن المولى وإن كان المملوك محلا ، إلا أن يكون محلا في الحلّ على إشكال. وفي لحوق مجرّد الإذن بالأمر ،
ص: 611
وتسرية الحكم إلى كلّ مولّى عليه إشكال.
ولو جبر المحرم شخصاً آخر مولّى عليه أو لا فالظاهر وجوب الكفّارة على الجابر. ولو أمر من في الحرم شخصاً في الحلّ على قتل صيد في الحلّ ، استحق المؤاخذة ، وفي لزوم الكفّارة إشكال.
في لبس المخيط ، والخفّ ، أو الشمشك ، وشبهه دم شاة مع العلم ، وإن كان مضطرّاً ، وإن انتفى التحريم معه.
واستثناء السراويل لا وجه له.
ولو دارَ أمره بين الملابس لجبره على أحدها ، أو لضررورة الحرّ والبرد ، لزم الاقتصار على ما تندفع به الضرورة ، وتقديم الضيّق على الواسع ، والأكثر خياطة على غيره.
وفي تقديم الدثار على الشعار ، والأقرب لمماسته البدن ابتداء واستدامة ، مباشرة أو بالواسطة على غيره ، وجه ضعيف.
وفي استعمال الطيب أكلاً أصالة أو إداماً وبخوراً ، وإطلاءً ، وشمّاً ، وعلوقاً ، ومسّاً ، واحتقاناً ، واكتحالاً ، وسعوطاً ، وتقطيراً ، وفي الملبوس ، والمفروش ، والموطوء ولو بفعله ، والوسادة ونحوها حيث يشمّ الطيب منها ، دم شاة.
ولا بأس بخلوق الكعبة ، وإن كان فيه زعفران ، وخلوق قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلم ، والكلام فيها قد مرّ.
وفي استعمال الدهن المُشتمل على الطيب شاة ، في الاختيار والاضطرار ، ظاهراً كان أو باطناً كالسعوط والحُقنة ابتداء واستدامة.
وفي الادهان بما ليس فيه طيب يقوى ذلك أيضاً.
وإذا وضع واستمرّ فواحد ، وإذا تعدّد بعد الإزالة فمتعدّد ، وإذا مزج أنواعاً من الطيب فوضعها مجتمعة ، كانت بحكم الطيب الواحد. ولو وضع في أماكن متعدّدة
ص: 612
دفعة واحدة ، جرى عليه حكمه ، وإن كانت متغايرة كالثوب والبدن.
والظاهر أنّ اشتداد الرائحة (1) باعث على شدّة التحريم ، وكذا الكثرة ، ففي صورة التعارض يقدّم الخفيف.
وفي قلم كلّ ظفر من يدٍ أو رجل كفّ من طعام ، وفي أظفار يديه أو رجليه أو هما في مجلس واحد من دون تخلّل تكفير دم شاة.
وبعض الظفر ككلّه ؛ إذ لا يعقل قصّ تمام الظفر ، وفي زيادة اليد والرجل إصبعاً أو أكثر أو نقصانهما كذلك إشكال ، والأقوى جري الحكم فيهما.
ولو قلم يديه في مجلس ، ورجليه في آخر ، فدمان.
وعلى المُفتي بالقلم مُحرماً أولا مُجتهداً أو لا ، لو قلم المُستفتي فأدمى إصبعه شاة.
والحكم في الشخص على حقو واحد ، مع الحكم بالوحدة محلّ بحث.
وفي إلحاق مطلق الإزالة لا سيّما الكسر ، والقلع ، والقطع إشكال.
وفي إجراء الحكم على المفتي في باقي المُحرّمات بُعد. ولو عمل بفتوى الميّت فلا رجوع على تركته.
ولو تعدّد المفتون دفعة أو متعاقبين تعدّدت ، وكان على كلّ واحد شاة. واحتمال (2) الاتّحاد مطلقاً أو حال الدفعة ، أو حال الترتيب فيختصّ بالأوّل ، واحتمال التخصيص بالمعتمَد من العلماء وجه قويّ.
وإذا اشتركوا في الاعتماد ، فإن تعاقبوا ، احتمل الاختصاص بالأوّل ، وأن يكون على كل واحد فداء ، وأن يكون على المجموع فداء.
ولا فرق في المُفتي بين أن يكون عاصياً في فتواه أو لا. ولو كان مُستفتياً غيره فأفتاه بالمنع مع اعتماده عليه ، ثمّ استفتى الأخر فأفتاه بالجواز ، لم يكن على الثاني شي ء
ص: 613
وإن عمل بقطعه على إشكال.
ولو نقل ناقل عن المُفتي التجويز ، ففعل مُعتمداً على النقل ، احتمل اللزوم ، وعلى كلّ من الناقل والمنقول عنه شاة ، ويحتمل اشتراكهما ، وخصوص الناقل ، والمنقول عنه ، والعدم.
وفي حلق الشعر أو إزالته بأيّ وجه كان منه أو من غيره بإذنه على إشكال من الرأس أو غيره ، كلّا أو بعضاً شاة أو إطعام عشرة مساكين ، لكلّ مسكين مدّ والأقوى الاكتفاء بالستّة ، لكلّ مسكين مُدّان أو صيام ثلاثة أيّام.
والقول بالتخيير بين إشباع عشرة ، واثنى عشر مدّاً لستة ، وبالستّة أمداد لستّة وبالتخصيص بمن حلق عن أذى ، وفي غيره تتعيّن الشاة ، وبتعيّن الشاة مطلقاً لا يخلو من بُعد.
ولا يبعد القول : بأنّ من حلق قفاه للحجامة لا شي ء عليه.
ولو وقع شي ء من شعر رأسه أو لحيته بمسّه في غير الوضوء فكفّ من طعام ، وأمّا في الوضوء واجباً أو ندباً ، فلا شي ء عليه فيه مُعلّلاً بالحرج. وفي تمشيته إلى الغسل والتيمّم وجه.
وفي نتف الإبطين شاة ، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين ، سواء كان منه أو من غيره بإذنه في وجه ، وفي إلحاق سائر أقسام الإزالة به وجه.
ويوزّع على النسبة في التبعيض ، ولإلحاق البعض بالكلّ وجه وجيه.
وإذا بُني على مطلق الإزالة ، فلو قطع قطعة من لحم الإبط وجلده ومعها الشعر ، أو قضى النتف بقلع الجلد مع الشعر ، لم يجر عليه حكم على إشكال.
ولو نتفه دفعة واحدة ، كان نتفاً واحداً ولو نتف أوّلاً ، فأوّلاً ، فهو واحد إن اتّحد المجلس ، ولم يسبق التكفير. ولا فرق في النتف بين أن يكون بأصابعه أو ببعض الآلات.
ص: 614
ولو نتف قبل الإحرام ، ليكون نقيّاً بعده ، فلا بأس.
والاثنان على حقو إذا حكم بالوحدة يحتمل جعل الاثنين بمنزلة واحد ، والأربعة بمنزلة اثنين ، ويحتمل احتساب الاثنين باثنين.
وفي تغطية الرأس بثوب أو ماء مطلقاً أو طين يفدي عن كلّ يوم أو عن تمام المدّة شاة ، ولا يتعدّد بتعدّد الغطاء.
وفي التلبيد بالعسل أو الشمع أو الصمغ لدفع القمل أو الغبار يقوى عدم المنع. وليس في عصام القربة وما يشبهه ولا في الأشياء الدقيقة كخيط ونحوه شي ء.
ولا بأس بتغطيته بشي ء منه ، كيده وشعره ما لم ينفصلا ، ولا يجوز تغطيته بشي ء من بدن غيره.
والوسخ المكتسب في الرأس ما لم يحدث له جرم خارج عن العادة ليس بساتر.
وكذا القمّل ، والبرغوث ، والصئبان إذا تكاثرت ، ولم تخرج عن العادة. وأمّا القراد ، والحلم ، والدود ، والحيوانات المنفصلة ، فإذا تكاثرت ، عُدّت ساترة. وتغطية جانبيه بالوسادة إذا كانت لينة فلا بأس بها.
وفي التظليل سائراً شاة لكلّ يوم ، قيل : وللمضطر لجملة الأيّام (1).
والقول بأنّ لكلّ يوم مدّاً من طعام ، وبأنّ التظليل إن كان لأذى أو مرض فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، والصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة ثلاثة أصوع من ستّة مساكين ، والنسك شاة ، وباختصاص الفدية بالمضطرّ ، وفي الحكم فيه ، وفي بعض ما تقدّمه بالنسبة إلى شخصين على حقوٍ واحد ، مع الحكم بالوحدة إشكال.
ولو كان الظلّ رقيقاً ، قُدّم على الكثيف ، وكذا تقدّم المتّحد على المتعدّد. وتشتدّ (2) الحرمة للكثافة : والكثرة ، وتضعف للرقّة والقلّة على إشكال.
ص: 615
والمدار على التظليل من جانب الفوق ، وفيما عداه من الجهات إشكال ، ولو فقد المقوّمين أخذ بالأكثر احتياطاً ، ويحتمل قويّاً الأخذ بالأقلّ. وكذا لو حصل التعارض ، ولم يكن ترجيح.
ولو توقّف التقويم على أُجرة مع بنائه على المداقّة أعطاها ، ويُعتبر تقويم أهل الخبرة منهم ، ويعرفون بشهادة أهل الخبرة لهم إن كان البناء على المداقّة.
وفي الجدال ثلاثاً صادقاً شاة ، ولا شي ء فيما دونها ، سوى الاستغفار والتوبة.
وفي الثلاث كاذباً بدنة إن لم يتخلّل التكفير ، وفي الاثنين كاذباً بقرة ، وفي الواحدة شاة.
والمراد بالكذب : خبر مخالف للواقع ، لا مخالف للاعتقاد ، ولا مخالفتهما معاً ، وإطلاق الكذب على الجدال مع أنّه عبارة عن قول : لا واللّه ، وبلى واللّه ، وهو من الإنشاء لأنّ المراد كذب متعلّقه ، ورجوع مضمونه إلى الكذب ، والمراد بالسلب سلب إحدى الصيغتين (1) ، لا كليهما.
ولو أتى ببعض الصيغة محرماً ، مثل لبيك الأخيرة (2) مثلاً إن جاز فلا جدال.
وفي قلع الضرس شاة ، والقول فيه بأنّ فيه مُدّاً من طعام ضعيف. ولا فرق بين أن يقلعه بنفسه أو يأذن لغيره في قلعه ، من غير فرق بين أن تكون دامية أو لا.
ولو قلع ضرساً فانقلع آخر معه ، لزمته كفّارة ، ولو كان الضرس زائداً كان كغيره. ولو قلقله قبل الإحرام فقلعه بعد الإحرام ، لزمته الكفّارة ، بخلاف العكس. ولو كان مؤذياً لم يتغيّر حكمه.
والأضراس متساوية ، صغيرها وكبيرها ، قويّها وضعيفها ، صحيحها ومكسورها. ولو كسره ولم يقلعه ، لم يجرِ عليه الحكم. ولو كان مكسوراً فقلع بقيّته ،
ص: 616
دخل في حكم القلع.
وفي قلع الشجرة الكبيرة من شجر الحرم بقرة وإن كان محلا ، وفي قلع الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها القيمة.
قيل : ويضمن قيمة الحشيش لو قلعه (1).
ولو قلع منه شجرة فغرسها في مكان آخر ، وجبت عليه إعادتها إلى الحرم. وفي وجوب غرسها في محلّها والاكتفاء بالغرس في أيّ مكان شاء من الحرم وجهان : أقواهما الأوّل.
ولو أعادها وجفّت ، فلم يؤثّر الغرس فيها ، ضمنها. ولو غرسها فنبتت ، فلا كفّارة.
وتجوز تخلية الإبل وسائر البهائم لترعى شجر الحرم وحشيشه.
وفي إلحاق ما كان أصلها في الحرم وأغصانها في الحلّ وجه قويّ ، وإجراء الحكم (2) إلى العكس غير بعيد ، ولا سيّما مع كثرة الأغصان في الحرم. ويُلحق بذلك ما كان أصلها بعضه في الحرم وبعضه خارج في وجه قويّ.
وكلّما فيه لفظ «العجز» الباعث على النقل إلى مرتبة أُخرى لإيراد به مُطلق الفقر ، وإنّما المدار فيه على حصول الضرر بالدفع. وفي إخراج مُستثنيات الديون مع عدم الاضطرار إشكال.
ولو حصل العجز عن البعض ، احتمل لزوم النقل ، فحصول العجز عن المجموع بالعجز عن البعض ، ويحتمل التوزيع إن أمكن التبعيض في البدل.
ولو عجز ، فقدر بعد العجز ؛ فإن كانت قدرته بعد إتمام المرتبة الثانية ، مضى عمله ، ولا شي ء ، وإن عادت في الأثناء ولم يمكن التوزيع ، فكذلك ، وفي غيره بحث.
ص: 617
ولا كفّارة على الجاهل ، والناسي ، والمجنون ، والصبي في شي ء منها ، مع إحدى الصفتين الإحراميّة والحرميّة ، إلا الصيد ، فلا بدّ من الكفّارة عليهم فيه ، وإن كان تعلّق الوجوب فيه مختلفاً ، فمنه ما يتعلّق بالفاعل ، ومنه ما يتعلّق بالوليّ في ماله ، ومنه ما يتعلّق به في مال المولّى عليه.
ولو صدرت الجناية حين النقص ، فمات بعد الكمال ، أو بالعكس ، فالمدار على المصدر.
ويستوي جاهل الموضوع في العُذر وجاهل الحكم ، غير أنّ جاهل الحكم مع خطور (1) الشبهة بباله عاص ، وجاهل الموضوع لا إثم عليه ، إلا مع الاشتباه بالمحصور.
ولو اشترك من يضمن ومن لا يضمن في جناية ، لحِقَ كلّ واحد حُكمه ، ولزم ضمان الجميع على الضامن.
ولو تعدّدت الكفّارة مختلفة ، كالصيد ، والوطء ، والطيب ، واللبس ، تعدّدت كفّاراتها ؛ اتّحد الوقت أو اختلف ، كفّر عن السابق أولا.
ولو تكرّر السبب الواحد ، فإن تقدّم التكفير ، تعدّدت ، فإن كانت ممّا يضمن بالمثل أو القيمة تعدّدت ، في مجلسٍ واحد أو متعدّد ، وإلا فإن كان ممّا لا يفصل الشرع أو العرف فيه بين المجلس الواحد والمتعدّد كالوطء تعدّدت.
وإن تكرّر ما يفرّق فيه الشرع في صدق الوحدة والتعدّد عليه بين الوصل والفصل ، تكرّرت مع الفصل الزماني ، كالحلق ، والقلم ، ونحوهما.
ولو شكّ في العدد ، بنى على الناقص ، والأوفق بالاحتياط الإتيان منها حتّى يطمئنّ بفراغ الذمّة.
ص: 618
ولو أتى بالكفّارات وعلم فساد واحدة لا على التعيين ، أعاد الجميع. ولو اختلف الجنس ولم يتمكّن من الجميع ، قدّم الأهمّ ، فالأهمّ.
ويتحقّق تكرار السبب فيما يستمرّ ، كاللبس ، والطيب ، (والتقبيل والتظليل) (1) ، ومع الاستمرار لا تكرار ، وإن استمرّ الوزر باستمراره.
ويتحقّق في الأكل بتكرار الإدخال في الفم ، فلو أدخل شيئاً (فابتلعه شيئاً) (2) فشيئاً احتسب أكلاً واحداً ، إلا مع الفصل الطويل ففيه إشكال.
ويتعدّد الوطء بتعدّد الإيلاج ، فلو أولج واستمرّ ، عُدّ إيلاجاً واحداً. ولو أخرج بعضاً منه ، ثمّ أدخله مكرّراً ، لم يكن مكرّراً.
ويتعدّد الاستمناء بتعدّد الخروج ، مع تعدّد السبب ، وتعدّد الخروج مع وحدة السبب لا يقضي بالتكرار.
والمدار في الجميع على العُرف.
وكلّ مُحرِم أكلَ أو لبسَ ما لا يحلّ له أكله ولبسه ، فعليه شاة. ويتحقّق الأكل بالابتلاع ، فلو أدخل في فمه محلا ، وابتلع محرماً ، كفّر ، وبالعكس لا كفّارة.
ولو أكل شيئاً من لحم الصيد محلا فبقي في أسنانه أو بعض أطراف فمه أجزاء صغار إلى حين الإحرام ، فابتلعها مُحرماً ، فإن بلغت إلى حيث لا يُسمّى ابتلاعها أكلاً ، فلا بأس ، والأحوط الترك.
والمَدار في اللبس على ما يُسمّى لباساً ، فلا بأس بالغطاء ، والوطاء ، والحمل ، والملتصق من غير أن يدخل دخول الأبعاض فيه.
ويكره القعود عند العطّار المُباشر للطيب ، وعند المتطيّب إذا قصد الجلوس
ص: 619
ولم يشمّه ، ولا فدية عليه. ويجب على الجالس التباعد عمّا عنده من الطيب ؛ حذراً من أن يمسّ ثيابه.
ولا بأس بمسّ الزعفران عنده والخلوق ، والأحوط التجنّب.
ولو اكتسبت ثيابه من طيبه ، وجب نزعها وغسلها ، أو تركها تذهب ريحها.
ويكره أيضاً الوقوف عنده إلا بمقدار الحاجة ، وتقوى تسريته إلى كلّ مكان فيه طيب ، وربّما يقال : بأنّ المظنّة كافية في ثبوت الكراهة.
ولو كانت حوله روائح نتنة تغلب رائحة الطيب ، فالظاهر ارتفاع الكراهة.
وكلّما كثر عطر العطّار أو كانت الرائحة أشدّ ، اشتدّت الكراهة.
ويجوز للمُحرم شراء الطيب ، والخيط ، والجواري ، وتملّكها كسائر التملّكات. وإن قصد الانتفاع بها بعد الإحلال. ولو قصد الانتفاع بها حال الإحرام ، وكان شراؤها لذلك عصى وبطل العقد في وجه قويّ.
وإن باعها البائع لذلك أو بشرطه ، وقصد المشتري الانتفاع بالوجه الحلال ، عصى البائع ، وفسد العقد أيضاً ، ومع العلم والخلوّ عن الشرطيّة والغلبة في ترتّب العصيان والفساد إشكال.
ولو شكّ فيما أراده المشتري أو ظنّ إرادته الحرام ، فليس فيه بأس ، ويُستحبّ تركه.
ويُعتبر في الحلق مسمّاه ، ولا تحديد بنصف الرأس أو ربعه ، أو بما يميط عنه الأذى ، أو بأربع شعرات أو ثلاث كما أفتى به العامّة. ولو كان أقلّ ، تصدّق بشي ء. والقول بالعدم ، وبالتصدّق بشي ء عن كلّ شعرة منه ، وبالتصدّق بدرهم ، وبالتصدّق بثلاث شياه لا وجه له.
وأقسام الحلق وإن اشتركت في التحريم وسببيّة الكفّارة ، أكثرها أكثر وزراً. ولو نسي فذكر في أثناء الحلق ، قطعه ؛ وإلا كفّر.
وإن أخذ الحلّاق أُجرة ، حرُمت عليه ، ووجب ردّها مع جهل المُعطي بعدم
ص: 620
الاستحقاق ، ومع علمه أو علمهما لا رجوع مع التلف ، ويرجع مع بقاء العين. ومع جهلهما وجهل المُفتي يثبت الرجوع مع تلف العين وبقائها في وجه.
وليس للمُحرِم ولا للمُحلّ مباشرة المحرم بعمل يحرم عليه ، ولا حمله عليه ، فإن فعلا عصيا ، ولا كفّارة ، أذِنَ لهُما أو لا ، ولو أذن لهما ، وجبَ عليه التكفير.
وللمُحرم أن يعمل على المُحلّ عملاً يحرم على المُحرم ، فيجوز للمُحرم أن يحلق شعر المحلّ.
ولا يجوز لأحدٍ أن يجبر غيره على ترك واجب أو فعل حرام وإن لم يكن معصية في حقّ المجبور ، ولا ذلك ينكر في حقّه.
ويجري مثل ذلك في الجبر على ترك المستحبّ ، وفعل المكروه.
وما لم يصدق عليه اسم اللبس في المخيط ، لا كفّارة فيه ، قيل : والتوشيح ليس من اللبس ، فلا كفّارة فيه (1) ، والأقوى خلافه. والمدار كما تقدّم على صدق اللبس عُرفاً ، ومع الشك فيه يجب السؤال عنه ، فإن تعذّر (2) استعلامه ، جاز على إشكال.
ولو صدق عليه الاسم في إقليم دون إقليم ، أو في لُغة دون أُخرى ، لحِقَ كلا حكمه ، ويحتمل ترجيح المنع ، وترجيح المدار.
وهي أُمور :
منها أنّ كلّ مُحرم أكلَ أو لبس ما ليسَ لهُ أكلُه أو لبسه متعمّداً ، فعليه دم شاة.
ومنها : أنّ كلّ ما فيه على المُحرم في الحِلّ الفداء ، كان على المحلّ في الحرم فيه القيمة.
ومنها : أنّه إذا اجتمعت صفة الإحراميّة والحرميّة تضاعفت الكفّارة ، إلا أن تبلغ البدنة.
ص: 621
ومنها : أنّ فداء المملوك وإن زاد على القيمة لصاحبه ، وفداء غيره للصّدقة.
ومنها : أنّ كلّ من وجبت عليه شاة في كفّارة الصيد ، فعجز عنها ، فعليه إطعام عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيّام في الحجّ ، وفي العمرة على إشكال.
ومنها : أنّ كلّ ما أتى به المُكلّف من المُحرّمات بجهالة أو غفلة أو خطأ أو نسيان ، فلا شي ء عليه ، إلا فيما يتعلّق بالصيد.
ومنها : أنّ كلّ ما كان له مقدّر في القيمة يُعتدّ به ، يؤخذ بها وإن خالفت القيمة السوقيّة.
ومنها : أنّ الكفّارة تتكرّر بتكرّر القتل عمداً ، لا سهواً ، ولا جهلاً ، ولا نسياناً على إشكال.
ومنها : أنّه لو قتل أو جرح صيداً ولم يعلم ما هو ، أو كان عالماً فنسيه ، فإن دارَ بين ما لهُ قدر مشترك في جزائه ، أتى بالقدر المشترك ، وإلا سقط مع الاشتراك بين الجميع ، واختصاصه بالبعض على إشكال ؛ للحصر ، والأخير أشدّ إشكالاً.
ومنها : أنّه لو شهد عنده عدلان على صدور قتل أو جرح منه ، وجبَ عليه العمل بشهادتهما من غير حاجة إلى حُكم المُجتهد. وفي العمل بخبر العدل الواحد منفرداً ، أو مع عدلين من النساء إشكال ، وكذا الحكم في مسألة التقويم.
ومنها : أنّه لو قتل غير مستقرّ الحياة ، كالمذبوح ، والمنحور ، ونحوهما قبل خروج الروح ، وكان مؤثّراً في سرعة الأجل ، قوي جري الحكم فيه. ويحتمل عدم ترتّب شي ء فيه وفي الجرح والعيب.
ومنها : أنّه لو ذبحه فسلب ، أو أخذه السبع قبل التصدّق ، فإن كان مفرّطاً ضمن ، وإلا فلا ضمان على الأقوى.
ومنها : أنه لو تصدّق به ، فخرج أخذ الصدقة غير قابلٍ لكُفرٍ وغيره ولم يكن مُقصّراً ، فلا ضمان ، وإلا ضمن.
ومنها : أنّه لو تعلّق الضمان به قبل الذبح والنحر ، لزم البدل ؛ ولو تعلّق بعده ، احتمل ذلك ، وضمان اللحم والقيمة.
ص: 622
ومنها : أنّه تعتبر النيّة في الكفّارات إذا كانت من العبادات ، كالصيام. وفي الفداء والإطعام يحتمل وجهان ، أقواهما الاعتبار.
ومنها : أنّه يُعتبر في شهود التقويم والتعديل بعد العدالة باقي الشروط من عدم الاتّهام ، وباقي الأحكام في (1) عدولهم عن الشهادة ، وخروجهم عن العدالة ، وظهور تزويرهم قبل العمل أو التلف في البعض أو الكلّ ، ونحو ذلك.
ومنها : أنّ قتل المشكوك في جناية ، وكسر المشكوك في فساده يُلحق بقتل الحيّ والصحيح. وكسر المشكوك في تصوّر الفرخ يُلحق بكسر المعلوم عند التصوّر فيه. وفي وجوب الاستعلام مع جهل الحال إشكال.
ومنها : أنّه إذا كان بعض الصيد والصائد في الحرم وإن قلّ ، كان كما إذا كان التمام فيه.
ومنها : أنّ الكفّارات مع التوسعة ، إلا ما قام دليل على خلافه. وفي أنّها رافعة للإثم باعثة على العفو بنفسها ، أو هي مجرّد تكليف والرافع التوبة ، أو الرافع هما معاً ، مع تقدّم التوبة أو تأخّرها ، أو مطلقاً وجوه.
ومنها : أنّ كلّ ما حرم من المحرّمات ، فإنّما يحرم بعد انعقاد التلبية والإتيان بها بتمامها ، ولا بأس بها فيما حرّمه الإحرام بالإتيان بها في أثنائها.
ومنها : أنّه لا يجزي تسليمها قبل تحقّق سببها ، كغيرها من العبادات ذوات الأوقات أو الأسباب فيما لم يُقم فيه دليل على الجواز ؛ فإن فعل ذلك عالماً بعدم الجواز ، أو مع عدم علم الأخذ بالمنع ، وحصل التلف ، فلا ضمان. ومع البقاء يردّ الأخذ ما أخذ ، مع توافقهما على ذلك ، ومع الاختلاف يرجع الأمر إلى حكم الدعوى والإنكار.
ومنها : أنّه يتحقّق العجز عن الكفّارة مع وجود ما لا يضرّ فقده بالحال من مُستثنيات الديون على إشكال.
ومنها : أنّه إذا استندت الجناية إلى سبب ومباشر ، ضمن المُباشر ، إلا مع قوّة
ص: 623
السبب ، وضعفه.
ومنها : أنّه إذا التجأ المُكلّف إلى فعل إحدى المحرّمات على المُحرم وهو مُحرم ، أو إلى فعل بعض محرّمات الإحرام محلا أو مُحرماً قدّم الأضعف تحريماً على الأشدّ. وفي الدوران بين الجناية حال الإحرام ، وبينها محلا في الحرم ، يرجّح جانب الحرم على إشكال.
ومنها : أنّه لو كان مع المحرم صيد مملوك زالَ ملكُه ، ولا يضمن أخذه قهراً منه أو متلفه أو جارحه أو معيبة شيئاً.
ومنها : أنّه لو أحرم ، وقد باع صيداً له فيه خيار ، لم يجز ردّه ، وإن جاز فسخه.
ومنها : أنّه يجوز التوكيل في التكفير. وفي التبرّع فيه وصحّة الإجازة في الفضولي إشكال ، ولا يجوز شي ء من الأقسام الثلاثة فيما كان من العبادة بالمعنى الأخصّ ، كالصيام عن الحيّ.
ومنها : أن في نقل الفداء وغيره من الكفّارات الماليّة في غير ما عيّن الشارع له محلا من محلّ إلى محلّ آخر ، مع عدم التأخير المُدخل في مصاديق الإهمال ، كغيره من العبادات الماليّة إشكال.
ومنها : أنّه يعزّر فاعل شي ء من المحرّمات بنظر الحاكم ، ويختلف مقدار ضربه باختلاف مقدار ذنبه.
ومنها : أنّ من يضمن إرسال فحولة الإبل أو الغنم أو البقر ، لهُ الإرسال في نواحي مكّة ، فيوكّل عليها وكيلاً من أهلها ، ثمّ يذهب إلى أهله إن كان بعيداً ، ولهُ عمل ذلك بعد الوصول فيما لم يكن فوريّاً ، ثمّ يرسله إلى المَحلّ المُعدّ للذبح أو النحر فيه مع الأمن عليه ، ومع التعذّر يحتمل السقوط ، ويحتمل الرجوع إلى القيمة إن لم يكن له بدل يعرف. وما له بدل يُعرف ، كالنعام ، وبيضه ، والدرّاج وشبهه وبيضه يرجع إلى بدله.
ومنها : أنّه لو صادَ الكافر الأصلي صيداً فضلاً عن بعض ، عُوقب فوق ما يستحقّ من العقاب ، وإذا أسلم لم تلزمه كفّارة.
ولو فعل المخالف ذلك ، وأدّى كفّارة على وفق مذهبه ، فإن كانت عبادة وأدّاها ،
ص: 624
ورجع عن خلافه ، مَضَت كفّارته ، وإن كانت مالاً ، وأدّاها إلى المستحقّين من الإماميّة لجواز ذلك في مذهبه فكذلك ، وإلا وجبت عليه إعادتها ؛ لأنّه وضعها في غير محلّها.
ومنها : أنّه لا يجب الفور في الكفّارات ، إلا إذا قلنا بتوقّف العفو عليها ، إلا فيما يقف على فوريّته ، أو كان بدل فوريّ. وإذا تكثّرت عليه الكفّارات ، ولم يمكنه الجمع ، قدّم الأشدّ على الأضعف.
ولا يجب ترتيبها على نحو ترتيب أسبابها ، ولا ما قضى سببه (1) بالفوريّة.
ومنها : أنّه يجوز التصدّق بالكفّارات كغيرها من الصدقات ، ما عدا الزكاة من غير هاشميّ على هاشميّ.
ويشترط الإسلام ، والإيمان ، والفقر في القابل لها ، ولا تشترط العدالة ، فيجوز إعطاؤها للفاسق إن لم يكن في منعها عنه منع.
ومنها : في الاستمتاع بالنساء ، وما في حكمه ، فمن جامع زوجته دواماً أو مُتعة حرّة أو أمة ، حرّا أو عبداً ، أنزل أو لا ، قُبلاً أو دُبراً ، غيّب الحشفة أو لا ، حيّ أو ميّت ، من نوع الإنسان ، وفي باقي أقسام الحيوان لا يجري ، وإن ترتّب العصيان ، فهو من استمناءٍ أو غيره ذاكراً للإحرام ، عالماً بالتحريم قبل الوقوف بالمشعر ، وإن وقف بعرفة ؛ فسد حجّه ، ووجبَ إتمامه ندباً كان أو واجباً والحجّ من قابل وبدنة.
وفي تسرية الحُكم إلى أمته ، وإلى الأجنبيّة ، وإلى اللواط إشكال. ولو حصل له الشكّ في الإدخال ، فليس عليه شي ء.
ولو أدخله ملفوفاً برقيق ، كان كما إذا كان مكشوفاً ، وكذا مع اللفّ بالكثيف.
ولو أدخله موضوعاً في خرق غير المنصوص إن لم يكن فيه استمناء ونحوه قام فيه وجهان. وعنى (2) الحكم ، وغير البالغ ، ومع الصغير ، ومع الطفوليّة إشكال ، ويتولّى الحكم حيث يتعلّق الوليُ ، وإذا فقدَ ، عدولُ المسلمين.
ص: 625
ولو جامع زوجته ، أو أمته ، أو أجنبيّة ، أو غلاماً ، في حجّ واجب إسلامي أو مندوب مع العمد والعلم ، بعد الوقوف المجزي في المشعر ، ولو في الليل مع الاضطرار ، فلا يجب القضاء وتجب البدنة ، وإن كان قبل التحلّل ، أو كان قد طاف من طواف النساء ثلاثة أشواط ، أو أقل ، أو لم يطُف منه شيئاً ، أو جامع زوجته في غير الفرجين ، وإن كان قبل وقوف المشعر وعرفة.
وإن كانت الزوجة مُحرمة مُطاوعة ، فعليها أيضاً بدنة ، وإتمام حجّها الفاسد ، والقضاء.
وفي لزوم بدل البدنة هنا كما في النعامة إشكال ، والأقوى عدم لزوم البدل ، وإنّما يجب الندم والاستغفار.
والقول بلزوم بقرة عند تعذّر البدنة ، ثمّ بسبع شياه مع تعذّر البقرة ، ثمّ قيمة البدنة دراهم أو طعاماً يتصدّق به ، فإن لم يجد صام عن كلّ مدّ يوماً ، غير خالٍ عن القوّة.
وأمّا القول : بأنّه مع العجز عن البدنة يلزم إطعام ستّين مسكيناً ، لكلّ مسكين مُدّ ، ومع العجز يصوم ثمانية عشر يوماً ، والقول بأنّ من وجبت عليه بدنة في نذرٍ أو كفّارة فلم يجدها ، كان عليه سبع شياه ، والقول بمثل ذلك مع إضافة أنّ من لم يقدر يصوم ثمانية عشر يوماً بمكّة وفي منزله ، والقول بأنّ العاجز عن البدنة يقوّمها ، ويفضّ القيمة على البرّ ، ويصنع ما مرّ في النعامة ، بعيد.
ولو أكرهها لم يفسد حجّها ، ووجبت عليه بدنة ثانية ، ويجري فيها ما يجري على بدنته. وإن أكرهته لزمتها الكفّارتان. ولو كانت مكرَهة قبل الإدخال ، ثمّ تلذّذت فرضيت من غير إدخال جديد ، لم يلزمها شي ء على إشكال.
ولو أدخل عن اختيار قبل الإحرام ، فأحرما قبل الإخراج ، فالأقوى تسرية حكم الحدوث إلى الدوام.
ولو استمنى بيده أو غيرها من غير جُماع بمماسة حلال أو حرام قبل المشعر على نحو ما مرّ ، لزمته البدنة خاصّة ، والأحوط إلحاقه بالجماع في وجوب القضاء أيضاً.
ولو عبث بذَكَره قبل الإحرام خاصة ، حتّى حصل لخروج المني الاستعداد التام ،
ص: 626
فخرج بعد الإحرام ، لم يبعد إجراء الحكم.
ولو تحرّك من محلّه حال الإحرام ، ثمّ حبسه حتّى أحلّ ، فلم يخرج إلا بعد الإحلال ، لم يلزمه شي ء.
وعليهما أن يفترقا بأن لا يجتمع أحدهما مع الأخر بدون ثالث مميّز عاقل ، فوجود المجنون أو الطفل قبل التمييز معهما لا يقضي بالافتراق على الأقوى مع وقوع الجماع باختيار منهما إذا وصلا في القضاء موضع الخطيئة إلى أن يقضيا المناسك. ولو سلكا طريقاً لا يبلغهما إلى موضع الخطيئة ، فلا افتراق.
والأقوى لزوم الافتراق في الأداء أيضاً ما لم يبلغ الهدي محلّه ، أو حتّى يقضيا المناسك ويَعودا إلى مَوضع الخطيئة (حتى يبلغا مكّة وموضع الخطيئة) (1) أو حتّى يحلا أو حتّى ينفر الناس ويرجعا إلى مكان الخطيئة ، وإن رجعا على آخر فلا افتراق ، أو لزوم الافتراق في الأداء إلى محلّ الخَطيئة وإن أخلا قبله ، وفي القضاء إلى بلوغ الهدي محلّه. والقول بالتخيير غير بعيد ، ويمضي الفراق من الافتراق ما لم يكن في عدّة رجعيّة.
ولو خرج عن القابليّة بمرضٍ أو عرض ، كقطع آلته ، أو بمرضٍ في فرجها ، لم يتغيّر الحكم.
والمَدار في موضع الخطيئة على الفضاء ، فلو كان على جبل فقلع بقي الحكم. ولو جهل موضع الخطيئة ، ودارَ بين محصور ، لزم اجتناب الجميع ، وفي غير المحصور يسقط الحكم.
ولو أفسد قضاء الفاسد في القابل ، لزمه ما لزم في العام الأوّل ، وهكذا ، ولا يلزمه سوى حجّ واحد صحيح.
ولو تكرّر الجماع في الفاسد أو قضائه لم يتكرّر القضاء ، وتكرّرت البدنة على تأمّل في الأخير ، وإن تكرّر الإثم ، من غير فرق بين أن يكون في نساءٍ متعدّدة ، أو امرأة
ص: 627
واحدة ؛ من جهة واحدة ، أو متعدّدة.
ولو بانَ له بعد القضاء صحّة الحجّ السابق ، لم يتغيّر الحكم المذكور.
ولو جامع المحلّ عامداً عالماً أمته المُحرمة بإذنه ، فعليه بدنة أو بقرة أو شاة ، فإن عجز فشاة أو صيام إن كان موسراً. وإن أمرها وهو مُعسر ، ففي رواية : أنّ عليه شاة أو صياماً (1) ، وفي بعضها إضافة : أو صدقة (2). وقيل : إن لم يقدر على بدنة كان عليه شاة أو صيام ثلاثة أيّام (3).
وعليها مع المطاوعة الإتمام ، والحجّ من قابل ، والصوم ستّين يوماً أو ثمانية عشر عوض البدنة إن قلنا بالبدل للبدنة هنا ، وإلا توقّعت العتق والمُكنة. وفي تسرية الحكم إلى المبعّضة أو المشتركة إشكال.
ولو أدخل فيها مملوكةً ، ثمّ أعتقها وفرجه في فرجها ، فإن أخرج من حينه لم يتغيّر الحكم ، وإن أبقاه وتزوّجها ، وأخرجه من بعد أُضيف حكم الزوجة إلى حكم الأمة ، مع التمهّل بعد العقد ، وإلا فالأقوى الاقتصار على حكم الأمة ، وفي المسألة إشكال.
ولو جامع المُحلّ زوجته ، تعلّقت بها الأحكام مع المطاوعة ، ولا شي ء عليه. ولو أكرهها فعليه بدنة ، فيحملها عنها على إشكال. ولو أكرهها بداية ، ثمّ رضيت بالاستدامة ، وكان يمكنها التخلّص ، أُلحقت بالمختارة ، فيلزم كلّ واحد منهما كفّارة.
ولو أبت بعد الرضا ، واستمرّ بجبره ؛ أو جعل الخيار إليها أوّلاً ، ثمّ جبرها ، احتمل التعدّد.
ولو كان الغلام حرّا أو مملوكاً مُحرماً ، وهو محلّ أو محرم ، وطاوع أو أكرهه ، ففي إلحاق الأحكام من الكفّارة والافتراق ونحوهما إشكال.
ويضعّف ذلك في المبعّض الحرّ.
ص: 628
ويتحقّق الجبر بالخوف على نفس مؤمن محترمة من قتلٍ أو جرح لا يتحمّل ضرره. ومع الخوف على نفوس محترمة غير مؤمنة ، والأعراض ، والأموال لا جبر على إشكال.
ولو جامع المُحرم بعد الوقوفين قبل طواف الزيارة وهو طواف الحجّ كفّر ببدنة ، فإن عجز فبقرة أو شاة ، والأحوط الترتيب بين البقرة والشاة. ولا فرق بين أن يكون الجماع قبل الدخول في الطواف ، أو بعده قبل بلوغ النصف ، أو بعده.
وإن طاوع الموطوء مُحرماً الواطئ كان حكمه حكمه. وفي حكم تحمّل الجابر منهما كفّارتين : أصليّة وتحمليّة ، وتحمل المُحلّ الجابر منهما للمُحرِم كفّارة المحرم إشكال (1).
وإذا وقع الجماع بعد الوقوفين مكرّراً ، تكرّرت الكفّارة.
ولو استمنى بعد الوقوفين بمُحلّل أو مُحرم لم يجرِ عليه الحكم على إشكال.
ويتحقّق التكرار بتكرّر الإدخال والإخراج ، وطول المكث لا يقضي به.
ولو جامع بعد طواف الحجّ ، قبل طواف النساء ، أو بعد طواف ثلاثة أشواط منه أو أقلّ ، فبدنة. وإن كان بعد خمسة أشواط ، فلا شي ء ، وأتمّ طوافه. وفيما بينهما ، يُلحق بغير المنصوص.
ويجري الحكم في المحرم فاعلاً أو مفعولاً ، مع اختيار الطرفين.
ومع الجبر من أحدهما يحتمل لزوم الكفّارتين على الجابر. ولو كان الجابر محلا ، جرى فيه الكلام. ومضى الكلام في تحقيق معنى الجبر.
والمُعتبر في الأشواط تمامها ، ولا اعتبار بما ينقص ولو يسيراً ؛ إذ المدار في الأحكام الشرعيّة على الحقائق اللغوية ، لا على المسامحات العُرفيّة. ثمّ بلوغ العدد إنّما يعتبر حيث يكون عن علم أو مظنّة شرعيّة ، ومع الشكّ يلحقه حكم الشكّ.
ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتّع بها على إشكال قبل السعي عالماً عامداً ، بطلت عمرته ، ووجب إكمالها ، وقضاؤها ، وبدنة. ويُستحب أن يكون
ص: 629
قضاؤها في الشهر الداخل.
وأمّا المتمتّع بها ، فيحتمل فساد الحجّ بفسادها ، ووجوب طواف النساء لها ؛ لأنّها بعد الفساد غير قابلة لأن يتمتّع بها ، فتكون كالمفردة.
وفي جري أحكام الزوجة في الأجنبيّات ، والإماء المستباحة بالملك ، واللواط ، والاستمناء بالحلال أو الحرام كلام تقدّم نظيره.
وفي حكمها بعد الفساد إذا عرض المانع من الطواف في الرجوع إلى الحجّ المفرد ، فيلحق بالحج الفاسد ، أو تبقى على أحوالها.
ويجري مثل ذلك في الحجّ الفاسد إذا اتّفق انقلابه إلى العمرة.
ولو نظر إلى غير أهله بشهوة أولا فأمنى ، فبدنة إن كان موسراً ، وبقرة إن كان متوسّطاً ، وشاة إن كان معسراً. ولو زعم أنّها أهله فنظر إليها ، كان نظره كالنظر إلى أهله ، ولو انعكس الأمر ، فلا كفّارة وإن عصى بفعله.
والمَدار على خروج المني من المحلّ المعتاد ، على نحو ما بُيّن في موجب غسل الجنابة.
ولو كان من عادته الإمناء ، فكالاستمناء (1).
والمراد من الشهوة : الشهوة المُعتدّ بها ، ولو كان النظر إلى أهله فأمنى ، فلا شي ء عليه ، إلا أن يكون بشهوة يُعتدّ بها.
ولو قبّل أهله بغير شهوة ، فشاة ، ومع الشهوة ، جزور ؛ من غير فرق بين الإمناء وعدمه على إشكال. وعلى المرأة لو فعلت فعليها ما عليه.
ولو قبّل من وراء حجاب ، لم يكن مُقبّلاً.
والظاهر أنّ الحكم في غير الوجه من الأعضاء ، وفي جري الحكم في النظر إشكال.
ولو قبّلته هي ، جرى الحكم عليها.
ص: 630
وفي تسرية الحكم إلى تقبيل الأمة ، والأجنبيّة ، والمُرد (1) ، وجه.
وفي إلحاق العض بأسنانه واللطع بلسانه بالتقبيل ، وجه. ولا فرق في هذا المقام بين الابتداء والاستدامة.
ولو استمع من مُجامعٍ أو استمع كلام امرأة فأمنى من غير نظر إليها ، فلا شي ء ، إلا أن يكون معتاداً للإمناء بذلك. وكذا لو أخطرها بخياله وفكره ، وإن عصى بالاستماع للكلام أو الجماع أو الفكر.
ولو نظر ، واستمع ، وقبّل ، وكان كلّ واحد من هذه الأعمال قابلاً للاستقلال في سبب الإمناء ، تعلّق الحكم بالثلاثة. وفيما إذا استند إلى المجموع احتمل ترجيح الأسهل ، والأفعل ، مع احتياط الأخر.
ولو أمنى عن ملاعبة فجزور ، وكذا عليها مع المطاوعة ، وفي التحمل مع الجبر وجه. ولو اختصّت الملاعبة بأحدهما ، ورضي الأخر ، جرى الحكم عليهما. ولو كان أحدهما مجبوراً ، فعلى الجابر جزوران في وجه.
ولو كانت الملاعبة بين أجنبيّين ، أو بين غلامين ، أو امرأتين ، سرى الحكم في وجه.
ولو كان الجابر بخلاف المجبور مُحرِماً ، قام احتمال التحمّل. ويجي ء الكلام في حبس المني في هذا المقام وفيما تقدّم بغير ما تقدّم.
ولو اشتبه المني بغيره ، فلم يعلم خروجه ، حكم بعدمه.
ولو عقد المحرم لمثله على امرأة فدخل بها ، فعلى كلّ واحد منهما بدنة مع العلم والعمد ، وإن كان الدخول بعد الإحلال ، وكذا لو كان العاقد محلّا ، وكذا لو عقدت لمثلها على رجل ، محلّة كانت أو مُحرِمة.
ولو جبرهما جابر ، احتمل تحمّل الكفّارتين عليه. ولو جبرها دونه أو بالعكس ،
ص: 631
تحمّل كفّارة واحدة وإن كان محلا. ولا فرق بين عقد الدوام والمتعة.
وفي إلحاق صيغة التحليل وجه ، وفي إلحاق الإجازة بالعقد بعد عقد الفضولي وجه.
ولو عقد على أكثر من واحدة ، احتمل التعدّد بتعدّدهن ، ولو تعدّدوا على واحدة لنسيان ، احتمل ذلك.
ولو أفسد المتطوّع حجّه أو عمرته بالجماع قبل الوقوف ، ثمّ أُحصر فيه ، كان عليه بدنة للإفساد ، ودم للإحصار ، ويكفيه قضاء واحدة في سنته أو في القابل.
ولو جامع في الفاسد ، فبدنة أُخرى خاصّة ، لا قضاء آخر ، سواء كان التكرار في مجلس واحد أو مُتعدّد ، كفّر عن الأوّل أو لا. والظاهر أنّ الفرض الفاسدةُ ، والقضاء عقوبة.
والقضاء على الفور ، سواء كان عن حجّة فوريّة كحجّة الإسلام أولا.
ولو أفسد النائب حجّه ، احتمل الاكتفاء بحجة القضاء ، والاحتياط في ثانية.
ولو أفسد بظنّ الوجوب ، فظهر الندب أو بقصد النيابة ، فظهرت الأصالة أو بالعكس ، فالعمل على الواقع.
وفيما لو دخل متطوّعاً فأوجب الإتمام بنذر ونحوه ، جاءه حكم السبب الموجب على الظاهر أيضاً.
وينحصر البحث فيها في مقامين :
المصدود : هو الممنوع بالعدوّ. وكلّ مانع عن إتمام النسك وفعله ففعله فعل العدوّ وإن كان الباعث زيادة المحبّة ، وكراهة الفراق ، أو كان منه ذلك لتعلّق بعض الأغراض له ببقاء المصدود من قضاء حوائج ، أو صناعة بعض الأعمال ، أو جلب شي ء من المال ، أو الانتفاع ببضع ، أو شوق إلى الرجال ، أو غريم يطلب بدين ولا وفاء عنده في تلك
ص: 632
الحال ، إلى غير ذلك من الأحوال.
ومن الصدّ منع البهائم وشدّة الحرّ أو البرد أو الطين أو المطر عن إتمام المناسك.
وفيه أبحاث :
الأوّل : في أنّ المصدود بعد الإحرام في العمرة عن الطواف أو السعي أو عن الموقفين أو أحدهما صدّاً يعمّ السبُل ، أو يخصّ طريقاً لا يتمكن الناسك من سلوك غيره ، فلا يتمكن من الذهاب مطلقاً إلا مع بذل ما يضرّ بحاله ، أو لم يبقَ من الوقت أو من النفقة ما يفي من غير ذلك السبيل ، ولا ما يجامع الانتظار إلى وقت آخر ، أو بقي ذلك مع عدم إمكان الانتظار ، تحلّلَ بذبح هديٍ كائناً ما كان ، من إبل أو بقر أو غنم ، في سنّ تُعتبر في الهدي ، إن لم يكن قارناً سائقاً للهدي.
وإن كان سائقاً للهدي ، تحلل بذبح هديه الّذي ساقه ، دون غيره ، إلا مع تلفه ، فيتبدّل عنه.
والحلق أو التقصير في موضع الصدّ (مما) (1) يصدق عليه في العُرف ذلك.
ولو اشتبه به فذبح في غيره أو حلق أو قصّر ، أعاده على إشكال.
ولا تجب المحاربة مع العدوّ ، ولو مع ظنّ الغلبة ، إذا خيف منها ترتّب القتل أو الجرح أو ضرر الأعراض أو الأموال من النسّاك أو الأعداء ، سواء كانوا كفّاراً أو مسلمين ، مخالفين أو مؤمنين ، ويحتمل التخصيص بالمسلمين أو المؤمنين إذا لم يكن خوف على الناسكين.
ولو أمكن دفع العدوّ بمالٍ لا يضرّ بالحال ، وجب دفعه بدفعه.
ثمّ يتحلّل بالحلق لتمام الرأس أو التقصير منه أو اللحية أو الشارب أو ما عداها من الشعر ، أو الأظفار ، بما يسمّى تقصيراً عرفاً ، ومع قطع الجلد لا يدخل في الاسم.
ولو تعذّر الحلق تعيّن التقصير بقرض بمقراض ، أو بالأسنان ، أو بالقطع باليد ، أو الإحراق بالنار. ويغني نتف الجميع وحلقه عن التقصير ، فضلاً عن البعض ، وتجري
ص: 633
فيهما المباشرة أو الواسطة.
ولو لم يكن على رأسه شعر ، احتمل الاكتفاء بإمرار الموسى ، ويغني التقصير ، ولو أتى بأحدهما سقط.
الثاني : أنّه إذا لم يكن ساقَ هدياً ، ولا تحلّل بهدي آخر ، بقي على إحرامه ، ولا بدل له في الاختيار.
وأمّا في الاضطرار ؛ فمقتضى الإطلاقات ذلك ، فيبقى على إحرامه إلى أن يقدر عليه ، أو يتمّ نسكه في وقت يصحّ منه. غير أنّ القول بثبوت البدل مخيّراً فيه بين صيام ثلاثة أيّام أو إطعام ستّة مساكين والأحوط تقديم المقدّم لا يخلو من قوّة.
ولو عجز عنهما ، ولو قدر على الذبح في غير محلّ الصدّ لم يجزِ.
ولو ذبح الهدي ولم يحلق ولم يقصر أصلاً ، أو ذبح أو قصّر في غير محلّ الصدّ ، بقي على إحرامه حتّى يأتي بأحدهما فيه ، أو يتمّ النسك.
الثالث : أنّه لا يجوز له التحلّل بمجرد احتمال المنع وخوفه ، بل يتوقّف على وقوعه أو العلم. نعم لو خافَ من وصول المانع على نفسه أو عرضه ، وأنّه لا يكتفي بمنعه عن حجّه ، كان مصدوداً.
وإذا صدّ عن طريق ، وجب عليه سلوك الطريق الأخر ، ولا يجوز له التحلّل إلا مع العلم بحصول الضيق عن الإدراك لو سلكه. ومع الاحتمال يجب عليه سلوكه ، فإن أدرك الحجّ أو العمرة المصدود عنها فبها ، وإلا تحلّل بعمرة مفردة ، ثمّ يقضي ما فاته عام الصدّ في العام المُقبل من غير تأخير ، واجباً مع وجوبه مستمرّاً أو مستقرّاً ، أو ندباً مع ندبه.
الرابع : أنّه لا يتحقّق الصدّ في الحجّ إلا بالمنع عن الموقفين معاً ، الاختياريّين والاضطراريّين ، والمختلفين.
والمدار على ما يفوت الحجّ بفواته على اختلاف الآراء.
ولا يتحقّق بالمنع عن الطواف وركعتيه ، والسعي ، والتقصير والمبيت في منى ، وأفعالها ، وإنّما عليه أن يستنيب في الرمي ، والذبح ، ويحلق أو يقصّر متى أمكنه. وإذا تعذّرت عليه الاستنابة في الرمي ، تحلّل ؛ وهو أولى من التحلّل عن الكلّ.
ص: 634
وكذا في الذبح ، فإنّه إذا لم يستطع الهدي ، أودَعَ الثمن من يذبح بدله بقيّة ذي الحجّة.
ولا يتحقّق في العمرة إلا بالمنع عن الطواف أو السعي.
الخامس : أنّه يجوز التحلّل من دون هدي مع الاشتراط في وجه قويّ ، وقد مرّ بيانه.
السادس : أنّه لو حبس على مالٍ مُستحَقّ ، وهو متمكّن منه ، فليس بمصدود ، ولو كان غير مستحقّ فهو مصدود.
السابع : أنّه لو صدّ عن مكّة بعد إدراك الموقفين ، فإن لحِقَ الطواف والسعي للحجّ في ذي الحجّة صحّ حجّه ، وإلا استناب فيهما عند الضرورة ، ووجب عليه العَود من قابل لأداء باقي المناسك إن أمكنه ، وإلا استناب فيها ؛ فإن أتى بها هو أو نائبه أحلّ ، وليس له التحلّل بالصدّ عنهما أو عن مناسك منى ، بل يبقى على إحرامه ، والقول بالتحلّل لا يخلو من قوّة.
الثامن : أنّه إذا صدّ عن الموقفين أو عن أحدهما مع فوات الأخر ، جاز له التحلّل ، ولا يجب عليه الصبر حتّى يفوت الحجّ ؛ فإن لم يتحلّل ، وأقام على إحرامه حتّى فاته الوقوف المجزي ، فقد فاته الحجّ ، وعليه أن يتحلّل بعمرة إن تمكّن منها ، ولا دم عليه لفوات الحجّ. وفي جواز التحلّل بعمرة قبل فوات وقت الحجّ وجه ، ويضمن في القابل مع الوجوب.
التاسع : أنّه لو ظنّ انكشاف العدوّ قبل الفوات ، انتظر ؛ فإن انكشف أتمّ ، وإن فات أحلّ بعمرة مفردة. ولو تحلل ، وانكشف العدوّ ، والوقت متّسع ، وجب الإتيان بالحجّ الواجب مع بقاء الشرائط ، ولا يشترط في وجوبه الاستطاعة من بلده وإن كان حجّ الإسلام على إشكال.
العاشر : أنّه لو أفسد الحجّ ، فصُدّ فتحلّل ، جاز ، ووجبت بدنة الإفساد ، ودم التحلّل ، والحجّ من قابل. ويحتمل لزوم حجّة ثانية عن الحجّة الواجبة ، فتكون إحداهما عقوبة ، والثانية فريضة. وإن أوجبنا العقوبة ، لزم تأخيرها عن حجّة الإسلام ونحوها.
ص: 635
الحادي عشر : أنّه إن تحلّل المصدود قبل الفوات ، وانكشف العدوّ والوقت باق ، وجب قضاء الحجّ إن كان واجباً فيها ، والأحوط الإتيان بها في سنته ، وإن لم يكن واجباً فيها.
الثاني عشر : أنّه لو لم يكن تحلّل المصدود في الحجّ الفاسد مضى فيه ، وقضاه في القابل واجباً وإن كان ندباً. وإن فاته تحلّل بالعمرة ، وقضى واجباً من قابل وإن كان ندباً ، وعليه بدنة الإفساد ، لا دم الفوات ؛ إذ لا دم فيه.
ولو فاته وكان العدوّ باقياً يمنعه عن العمرة ، فله التحلّل من دون عدول إلى العمرة. وكذا إذا عدل إلى العمرة ، وكان العدوّ باقياً ، تحلّل منها ، وعليه على كلّ دم التحلّل وبدنة الإفساد ، وعليه قضاء واحد.
الثالث عشر : أنّه لو صدّ فأفسد ، جاز التحلّل ، وعليه البدنة للإفساد ، والدم للتحلّل ، والقضاء. وإن بقي مُحرماً حتّى فات ، تحلّل بعمرة.
الرابع عشر : أنّه لو لم يندفع العدو إلا بالقتال ، لم يجب وإن ظنّ السلامة ، سواء كانوا كفّاراً أو مسلمين ، مؤالفين أو مخالفين. والقول بوجوب المقاتلة مع الاطمئنان بالسلامة حيث يكونون كفّاراً ، والجواز حيث يكونون من المؤمنين ، غير بعيد.
الخامس عشر : أنّه لو طلب العدوّ مالاً ، فإن لم يكونوا مأمونين ، لم يجب بذله ، وإن كانوا مأمونين ، ولا يضرّ بذل المال بالحال ، قوي وجوبه.
السادس عشر : لو صدّ المُعتمر من أفعال مكة ، تحلّل بالهدي ، وحكمه حكم الحاجّ المصدود.
السابع عشر : أنّه لو طرأ عليه الخوف على ما خلّف من ماله وعياله ، أو أرحامه ، أو نفوس أو أعراض محترمة ، كان بحكم المصدود في وجه قويّ.
الثامن عشر : أنّه لو خافَ على ما يضطرّ إلى صحبته ، من عبدٍ أو خادمٍ أو دابة أو محمل أو رفقة أو مأكول أو مشروب ونحو ذلك ، كان مصدوداً ، ولو خاف من العدوّ أن يجبره على المُحرمات ، أو ترك الواجبات ، كان كذلك.
التاسع عشر : أنّه لو تعارض الصادّ عن الحجّ ، والصادّ عن الردّ ، تبع الأقوى خطراً
ص: 636
والأشد ضرراً ، ولو تساويا بقي على قصده.
العشرون : لو حصل الصدّ وقد بقي ما يظنّ وفاءه بعد انصراف العدوّ انتظره ، وإلا كان له التحلل من حينه.
وفيه بحثان :
الأوّل : في بيان معناه ، وهو المنوع عن دخول مكّة في العمرة ، أو الموقفين في الحجّ على نحو ما مرّ بسبب المرض. ويلحق به الكسر ، والجرح ، والقرح ، والعرج الحادث ، والزمانة المانعة عن السير بجميع أقسامه.
الثاني : في أحكامه ، وهي أُمور :
الأوّل : أنّه إذا تلبّس بالإحرام وأُحصر ، فإن كان سائقاً ، بعث ما ساقه ؛ وإن لم يكن ساقَ ، بعث هدياً أو ثمنه ، وبقي على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محلّه ، وهو في الحجّ منى يوم النحر ، وفي العمرة مكّة. فإذا بلغ الهدي محلّه أو ثمنه قبل شراء الهدي أو بعد شرائه على اختلاف الوجهين ، ويبني عليه ببلوغ الموعد الّذي تبانيا عليه قصّر ، سواء كان في إحرام حجّ أو عمرة ، وأحلّ من كلّ شي ء سوى النساء.
ثمّ إن كان المحصور فيه من حجّ أو عمرة واجباً وجب قضاؤه في القابل ؛ وإن لم يكن واجباً ، استحبّ له ، لكن تحرم عليه النساء إلا أن يطوف لهنّ في القابل في حجتّه أو عمرته ، واجباً أو لا ، ويطاف عنه في مقام الندب أو الوجوب والعجز.
ولو بانَ عدم ذبح هديه ، لم يبطل تحلّله ، وعليه الذبح في القابل إلا في العمرة المفردة متى تيسّر ، وليس على المتحلّل من عمرة التمتع طواف النساء ، ولا يحرمن عليه على الأقوى.
الثاني : أنّه لو زال المرض قبل التحلّل ، لحِقَ بأصحابه في العمرة المفردة مطلقاً ، وفي الحجّ إن لم يفت ، لزوال العذر ، فإن كان حاجّاً وأدرك الموقفين على وجه يصحّ أو أحدهما على اختلاف الآراء ، صحّ حجّه ، وإلا تحلّل بعمرة ، ولا يجزيه في الإحلال ذبح الهدي ؛ وقضى الحجّ في القابل مع الوجوب.
ص: 637
ولو علم الفوات أو فات بعد البعث ، وزال العذر قبل التقصير ، ففي وجوب دخول مكّة للتحلّل بعمرة إشكال.
الثالث : أنّه لو زال عذر المعتمر مفردة بعد تحلّله ، قضى العمرة حينئذٍ واجباً مع الوجوب ، وندباً مع الندب ، ولا حاجة إلى انتظار الشهر الداخل.
الرابع : أنّه لو تحلّل القارن للصد أو الإحصار ، لم يجب عليه في القضاء قران ، بل يبقى على حكمه السابق. ولو كان ندباً تخيّر في الإتيان به وعدمه ، والأفضل في الواجب وغيره الإتيان بمثل ما خرج منه.
الخامس : أنّ السائق إذا أشعر أو قلّد بعيره ، عليه بعث ما أشعر أو قلّده.
السادس : أنّه يسقط لزوم الهدي في الصدّ والحصر مع الاشتراط ، إن لم يكن أشعر أو قلّد.
السابع : أنّ حكم الصدّ والإحصار إنّما يتمشّى بعد التلبية ، دون ما كان قبلها أو في أثنائها.
الثامن : أنّه إذا اجتمع الصدّ والحصر ، وسبق أحدهما الأخر ، قدّم الحكم المتقدّم ؛ وإن تساويا قدّم الحصر ، وقد يقال : بتقديم الصدّ في المقامين ، وبالحصر كذلك.
التاسع : أنّ المدار على حصول الخوف في باب الصدّ ، وعلى المظنّة في باب المرض ، وحصلت من طبابة أو تجربة ، ويترتّب عليه ما يُعدّ عُسراً عُرفاً.
العاشر : أنّه لو صدّ فتحلّل ، وبقي وقت للإحرام ثم جدّد الإحرام ، وصدّ ، وهكذا ، فكلّ إحرام له تحلّل.
الحادي عشر : أنّه لو صدّ أو حصر فتحلّل ، فظهر عدمهما ، أو ظنّ عدمهما ، أو كانا موجودين ، فالبناء على ظاهر الحال على إشكال.
الثاني عشر : أنّه لو صُدّ ، وخيّر بين الحجّ والعمرة ، اختار الحج.
ويحتمل التخيير بينهما في المفردة ، أمّا المتمتع بها فلا معنى لاختيارها على الحج أو العمرة المفردة.
الثالث عشر : أنّه لو سأل الصدّ أو صنعَ ببدنه ما يمرضه عصى ، وجرى حكمهما عليه.
ص: 638
الرابع عشر : أنّه لو صدّ ومعه من أحرم به ، صنع معه ما صنع مع نفسه. ولو كان عبداً أحرم باختيار مولاه لزم مولاه ذلك في وجه.
الخامس عشر : أنّه روى هارون بن خارجة : أنّ أبا مراد بعث بدنة ، وأمر الّذي بعثها معه أن يقلّد ويشعر في يوم كذا وكذا ، فقلت له : إنّه لا ينبغي أن تلبس الثياب ، فبعثني إلى أبي عبد اللّه عليه السلام وهو بالحيرة ، فقلت له : إن أبا مراد فعل كذا وكذا ، وإنّه لا يستطيع أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر ، فقال : «مره فليلبس الثياب ، ولينحر بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب» ؛. (1)
وليس في الخبر تعرّض لبيان مكان الإشعار والتقليد ، ولا لمكان الذبح ، ولعلّ الّذي ينصرف إليه الإطلاق في محلّ الاشعار والتقليد ما يمرّ عليه من المواقيت ، وفي موضع الذبح منى.
وفيه إشارة إلى منع جميع مُحرّمات الإحرام ، ولزوم كفّاراتها ، كما ذهب إليه البعض (2) ، ويظهر منه الوجوب ، ولو قلنا به فلا محيص عن الندب ، والحلّي أنكر الحكم من أصله (3).
وهي : زيارة البيت على الوجه الاتي ، وفيها مباحث :
الأوّل : في حكمها ، وهي واجبة على وجوب الحجّ بشرائطه ، وبتقسيمه إلى أقسامه ما يجب بأصل الإسلام ، أو بالنذر وأخويه ، أو بالنيابة ، أو بالإفساد ، وبواجبها ومندوبها.
والعمرة الإسلامية والمترتّبة على الإفساد فوريّتان.
ولو استطاع لها دون الحج أو بالعكس ، لزمه ما استطاع له. ولو تعارضا ، قدّم
ص: 639
الحجّ. وفي تعارض موجباتها يجري نحو ما جرى في تعارض موجبات الحجّ.
ولا يجوز الإتيان بالعمرة للمستطيع ، إلا بعد اليأس من الحجّ.
الثاني : في تقسيمها ، وهي قسمان :
عمرة متمتّع بها ، وهي فرض النائي مع تمكّنه من الحجّ ، ومع عدم التمكّن منه ينقلب تكليفه إلى العُمرة المفردة.
وعمرة مفردة ، وهي فرض أهل مكّة وحاضريها ، لا يجوز لهم غيرها ، إلا في غير عمرة الإسلام ، يؤتى بها بعد انقضاء الحجّ ، وإن شاء بعد انقضاء أيّام التشريق بلا فصل ، أو في استقبال المحرّم.
الثالث : أنّه يجوز نقل العمرة المفردة في أشهر الحجّ إلى العمرة المتمتّع بها ، ولا يجوز في غير أشهر الحجّ ، ولا نقل المتمتّع بها إلى المفردة إلا مع الضرورة.
ولو كانت العمرة عمرة الإسلام أو منذورة أو عمرة نيابة ، ففي جواز نقلها إلى عمرة التمتع إشكال.
الرابع : أنّ العمرة المفردة لا تختصّ زماناً مندوبة أو واجبة مطلقة ، وأفضل أزمنتها رجب ، فإنّها تلي الحج في الفضل ، ثمّ عمرة شهر رمضان ، ولعلّ فضل الزمان يقتضي زيادة فضلها.
الخامس : أنّ صفة العمرة المفردة والمتمتّع بها واحدة ، زهي عبارة عن الإحرام من الميقات السابق بيانه ، والطواف ، ثمّ صلاة ركعتيه ، ثمّ السعي ، ثمّ التقصير ، وتزيد المفردة على المتمتّع بها بطواف النساء وصلاة ركعتيه.
السادس : أنّ العمرة قد تجب بالنذر وشبهه ، وبالاستئجار ، والإفساد ، وفوات الحجّ ، فيتحلّل بعمرة ومن وجب عليه الحجّ ، فاعتمر متمتّعاً وفاته الحجّ ، حجّ من قابل ، واجتزأ بتلك العُمرة وبالدخول إلى مكّة ، بل الحرم في وجه قويّ ، مع انتفاء العُذر كالدخول لقتال مباح أو مرض أو رقّ أو انتفاء التكرار للدخول كالحطّاب والحشّاش.
ومن أحلّ ولم يمض شهر رمضان ، فإنّه يتخيّر بين الدخول بحجّ أو الدخول بعمرة ، وإذا تعدّد السبب تجانس أو اختلف تعدّد المسبّب ، وفي الإفساد المتعدّد مع
ص: 640
اتّحاد المتعلّق قضاء واحد.
السابع : أنّه ليس في عمرة التمتّع طواف النساء ، ويقوى القول بندبه ، ويجب في المفردة على كلّ مُعتمر من ذكر أو أُنثى ، صبيّاً أو مكلّفاً ، فحلاً أو خصياً أو مجبوباً أو صبيّاً أو ممسوحاً أو همّاً ، أو عجوزاً أن لا يتلذّذان ، الرجال على النساء ، وبالعكس ، وطئاً أو نظراً أو لمساً.
ويحرم العقد دواماً ومتعة ، وتحليلاً للوطء أو اللمس أو النظر على الأقوى.
الثامن : أنّ من اعتمر متمتّعاً ارتهن بالحجّ ، ولا يجوز له الخروج من مكّة قبل الحجّ ، ولو اعتمر مفرداً في أشهر الحجّ ، استحبّ له الإقامة للحجّ ، ويجعلها متعة ، خصوصاً إذا قام إلى هلال ذي الحجّة ، ولا سيّما إذا قام إلى التروية ، فإن خرج ورجع قبل شهر جاز أن يتمتّع بها أيضاً.
وإذا كان بعد شهر وجب الإحرام للدخول ، وإذا أحرم بعمرة لا يجوز أن يتمتّع بالأُولى ، بل بالأخيرة ؛ للزوم الارتباط.
التاسع : أنّه يتحلّل من المُفردة بالتقصير أو الحلق إن كان رجلاً ، والحلق أفضل ، وتقتصر النساء على التقصير في المتمتّع بها ، ولو حلق في المتمتّع بها وجب عليه دم.
العاشر : أنّه مع الحلق أو التقصير في العمرة المفردة يحلّ من كلّ شي ء إلا النساء ، فإنهنّ لا يحللن للرجال ، ولا بالعكس إلا بطوافهنّ.
الحادي عشر : أنّه يستحبّ تكرار العمرة مطلقاً ، ولا حاجة إلى فاصلة زمانيّة أصلاً ، لا سنة ، ولا شهراً ، ولا عشرة أيّام ، ولا غير ذلك.
الثاني عشر : لو أوجب على نفسه عمرة التمتّع ، وجب حجّه ، وبالعكس ، دون الباقي ، من العمرة المفردة أو الحجّتين.
الثالث عشر : أنّه لو أفسد حجّ القِران أو الإفراد ، وجب إتمامه ، وقضاؤه دون العمرة ؛ إذ لا ملازمة بين الحجتين ، والعمرة.
الرابع عشر : أنّه لو كان الإفساد في حجّ الإسلام وجبت العمرة ؛ لبعد حصول استطاعة الحجّ دون العمرة ، وكفاه عمرة واحدة ، فإن كانت متقدّمة بأن كانت عمرة
ص: 641
تمتّع ، أجزأت عن العمرة المفردة ، وإلا أتى بالمفردة.
هذا آخر ما كتبه جناب المرحوم المبرور الشيخ جعفر قدّس اللّه روحه ، ونوّر ضريحه في الحجّ والعمرة وقد جفّ قلمه الشريف ، وحال أمر اللّه العزيز الوّهاب بينه وبين إتمام الكتاب ، وكان أمر اللّه قدراً مقدوراً.
تمّ تحقيق الكتاب ليلة العشرين من صفر ليلة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) والقلب يعتصر أسىً ، على يد أقلّ العباد عباس تبريزيان عفا اللّه عنه.
ص: 642
كتاب الصوم
حقيقة الصوم... 7
فضيلة الصوم... 7
آداب الصوم وما يستحب فيه... 10
شروط وجوب الصوم... 20
شروط صحة الصوم... 22
اشتراط النية وأحكامها... 23
مفطرات الصوم
أولها وثانيها : الأكل والشرب... 29
حكم العلك وذوق الطعام ومضغه وغيرها... 29
حكم السعوط والتقطير والكحل... 30
حكم المضمضة والاستنشاق... 30
حكم من أكل ناسيا فظن أنه مفطر فأفطر... 30
حكم ما ارتفع من المعدة أو تحدر من الدماغ... 30
حكم المتبقي في الأسنان... 30
حكم الواصل إلى الدماغ... 30
حكم الطعنة والطعنة والمداواة... 30
ص: 643
حكم مص لسان أحد الزوجين الآخر... 30
حكم الخارج من المعدة... 31
صورة تعارض المفطر قبل العلم بطلوع الفجر أو الغروب... 31
ثالثها : وصول الغبار الغليظ إلى الجوف... 32
حكم الدخان... 32
رابعها : الارتماس... 32
خامسها : القيء... 33
سادسها : الحقنة... 34
سابعها : الجنابة بأنواعها... 35
ثامنها : البقاء على حدث الحيض... 37
تاسعها : البقاء على حدث النفاس... 37
عاشرها : البقاء على حدث النفاس... 37
حادي عشرها : ترك المستحاضة الأغسال... 38
ثاني عشرها : تعمد الكذب على اللّه أو رسوله أو ... 39
ثالث عشرها : خروج دم الحيض... 40
رابع عشرها : السفر... 40
سادس عشرها : حدوث المرض... 41
سابع عشرها : الخوف على محترم... 41
ثامن عشرها : عروض الجنون... 41
تاسع عشرها : عروض الإغماء... 41
العشرون : الارتداد... 41
الحادي والعشرون : منع السيد والزوج والوالدين... 42
الثاني والعشرون : منافاة بعض الواجبات... 42
أقسام الصوم
الصوم المندوب... 42
الصوم المكروه... 53
ص: 644
الصوم المحظور... 54
الصوم الواجب... 55
صوم شهر رمضان
ما يثبت به دخول الشهر... 56
أحدها : رؤية الهلال... 56
ثانيها : عد ثلاثين للشهر السابق... 56
ثالثها : الشياع العلمي أو الظني... 57
رابعها : الشياع العملي... 57
خامسها : شهادة العدلين... 57
سادسها : حكم الفقيه... 57
سابعها : خبر الثقة لمثل الأعمى... 58
ثامنها : العلم... 58
سائر أحكام شهر رمضان
ما لا يعول عليه من الأمارات... 58
تعدي الحكم إلى غير بلد الثبوت... 59
حكم المسجون وغيره ممن لا يعرف الشهور... 59
كراهة السفر في رمضان... 60
ما تقصر فيه الصلاة يفطر فيه... 60
كل يوم من رمضان عمل مستقل... 61
وجوب الصوم من ضروريات الإسلام... 61
مالا يكره السفر لأجله في رمضان... 61
سائر الصيام الواجب
صوم النذر والعهد واليمين... 62
صوم بدل الهدي... 63
صوم النيابة بالإجارة ونحوها... 63
أحكام النيابة والإجارة... 63
صوم النيابة بالقرابة... 67
ص: 645
صوم القضاء
من يسقط عنهم القضاء... 69
ما يقضى ويتدارك من أقسام الصيام... 71
أحكام القضاء... 73
إفطار الشيخ والشيخة... 73
إفطار ذي العطاش... 74
إفطار الحامل والمرضعة... 74
لا ترتيب ولا موالاة في القضاء... 74
القضاء في أيام فضيلة الصيام... 74
حكم إفساد الصوم قبل أو بعد الزوال... 74
التطوع لمن عليه قضاء... 75
صور تعارض الصيامات الواجبة... 75
كفاية النية قبل الزوال لقضاء الصوم... 75
تأخير القضاء والشك فيه... 75
بعض أحكام القضاء... 75
صوم الكفارات
أنواع الصيام باعتبار الأداء والقضاء والكفارة... 76
أقسام الكفارات باعتبار السبب وما فيه كفارة... 77
التكفير بالعتق... 81
التكفير بالصيام... 82
التكفير بالإطعام... 82
التفكير بالكسوة... 86
أحكام الكفارة... 87
كتاب الاعتكاف
حقيقة الاعتكاف... 93
شروط الاعتكاف... 94
ص: 646
الشرط الأول : النية... 94
ما يستحب في نية الاعتكاف من الاشتراط وغيره... 94
الشرط الثاني : الصوم... 96
الشرط الثالث : المكان... 97
الشرط الرابع : اللبث في المعتكف... 97
الشرط الخامس : استدامة اللبث... 97
الشرط السادس : إباحة اللبث... 101
الشرط السابع : الزمان... 102
الشرط الثامن : التمييز والعقل والإسلام وغيرها... 104
أحكام الاعتكاف... 104
وجوب الاعتكاف بمضي يومين... 104
لزوم قضاء الاعتكاف المنذور ونحوه... 105
لزوم الكفارة بترك الاعتكاف المنذور... 105
ما يحرم في الاعتكاف ويفسده... 105
ما يحرم في الاعتكاف ولا يفسده... 106
حرمة مفسدات الصوم في الاعتكاف... 107
طلب المعتكفة الطلاق وأحكامه... 108
حكم من أفسد اعتكافه... 108
مستحبات الاعتكاف... 108
حكم الاعتكاف في مسجدين اختيارا واضطرارا... 109
أحكام كفارة الاعتكاف... 109
عدم وجوب قضاء الاعتكاف عن الميت... 109
من نذر ثلاثة اعتكافات... 110
لو عارض الاعتكاف حق لازم... 110
خاتمة فيما يستحب حين الاعتكاف... 110
كتاب العبادات المالية
حكمة اختلاف ما تتعلق به العبادة من المال والبدن وغيره... 115
ص: 647
اختلاف تعلقات الناس واختباراتهم... 116
فضلية بذل المال... 117
الأحكام المشتركة بين العبادات المالية... 118
النية في العبادات المالية... 118
حكم تكرار الدفع سهوا... 121
حكم النية والدفع قبل وقت العمل... 121
اشتراط عدم رد المدفوع إليه... 122
اشتراط البلوغ والعقيل وغيره... 122
اشتراط إباحة الدفع... 123
حكم الشك في الشرط والواجب... 123
حكم الشك في جنس الواجب... 125
قبول كلام الوكيل في حصول الشروط وغيره... 125
الأخذ من مال الممتنع عن أداء الحقوق... 125
الاحتيال في إعطاء الزكاة... 125
تصديق مدعي الفقر دون النسب وعدم تعين مقدار المدفوع... 126
عدم جواز التصرف بمال فيه حق... 127
أحكام قبض الحقوق... 127
بعض أحكام الزكوات المستحبة وأخذها... 128
ما يشترط في المدفوع إليه والدافع... 128
كيفية أخراج الزكاة... 130
حكم اقتراض المجتهد على الوجوه... 130
إجبار الممتنع عن إداء الواجبات... 130
لزوم أخذ المضطر إليها... 131
عدم نقلها من البلد... 131
من يرجح وما يرجح في إعطاء الزكاة... 131
استحباب الدعاء من الآخذ لصاحبها... 132
اشتراط الحرية في المعطي... 132
الاستنقاذ من الممتنع... 133
ص: 648
حكم الجهل بالحكم أو بالمقدار والمصالحة... 133
لزوم تزكية وتخميس الحقوق المأخوذة... 133
استرجاع العين مع الخطأ... 133
اشتراط تملك الحقوق بالقبض... 133
عدم لزوم العلم بالمدفوع... 134
عدم لزوم ردها زالت صفة الفقر وغيرها... 134
يجوز رد المأخوذ إذا بان نقصه أو عيبه... 134
عدم جواز الاحتيال بالدفع والرد مكرراً... 134
لو ادعى الدافع عدم شغل الذمة أو الزيادة... 134
حكم الاختلاف في صحة الدفع والقبض... 134
عدم جواز ارتجاع الحقوق بعد تمليكها... 134
لو ادعى عدم استحقاق المدفوع إليه... 135
لو ادفع إلى القابل وغير القابل... 135
إعطاء المجتهد من يعوله المتصدق... 135
طلب المجتهد الزكاة وإجبار الممتنع... 135
عدم لزوم الصيغة في الدفع... 135
جواز التوكيل في عطاء الحوق وأخذها... 135
لو تبدل رأي المجتهد بعد الدفع... 135
حكم العبادات المالية بعد موت المكلف... 136
لو كان الدفع مخالفا للتقية... 136
الملاك قصد الدافع مع الاختلاف... 136
تصديق دعوى المالك انتفاء شرائط الوجوب... 136
لا تتداخل اقسام الحقوق... 136
حكم العدول بالنية من عبادة مالية إلى أخرى... 136
حكم استثناء منفعة المدفوع... 136
مؤونة النقل على المالك... 137
حكم دفع ما يكفي لأكثر من سنة... 137
ص: 649
لا يدفع مملوك أو قرآن إلى كافر من الحقوق... 137
عدم إعطاء الناشزة من الحقوق... 137
كتاب الزكاة
وجوب الزكاة المالية وحكم منكرها ومانعها... 138
فضل الزكاة... 139
عقاب تارك الزكاة... 140
علة الزكاة... 141
لا يجب حق في المال سوى الزكاة والخمس وحكم إعطاء الضغث... 142
الزكاة متعلقة بعين المال... 142
حكم تملك ما فيه حق زكاة... 145
عدم اشتراط الإيجاب والقبول في الإقباض... 145
من تجب عليه الزكاة وصفاته... 145
اشتراط العقل والبلوغ فيمن تجب عليه... 145
اشتراط الحرية فيمن تجب عليه... 148
اشتراط إمكان التصرف فيمن تجب عليه... 149
اشتراط عدم كون النصاب مخلوطا بالحرام... 151
ما تجب فيه الزكاة... 151
زكاة الغلات
الغلات التي تجب فيها الزكاة... 152
نصاب زكاة الغلات... 152
اشتراط الدخول في الملك في زكاة الغلات... 155
وقت تعلق الزكاة في الغلات الأربع... 155
جنس المأخوذ في زكاة الغلات وصفته... 156
القدر المخرج في زكاة الغلات... 156
الخرص وحكمه... 158
ص: 650
الخمس لا يرفع وجوب الزكاة... 159
الزكاة بعد إخراج حصة السلطان... 160
زكاة النقدين
نصاب زكاة النقدين... 161
اشتراط كونهما مسكوكين... 163
اشتراط الحول في زكاة النقدين... 163
زكاة الأنعام
اشتراط النصاب تمام الحول... 164
نصاب الإبل... 164
حكم صغار الإبل ومريضها... 165
أسنان الإبل... 165
طريق أخذ الزكاة وتقسيم الإبل... 165
من يقوم بأخذ الزكاة... 165
حكم من وجد السن الأدنى من الحق أو الأعلى... 165
جواز دفع القيمة عن العين... 166
لو حال الحول على نصاب كله صغار أو مراض... 166
حكم الكسور وإجزاء دفع المضموم... 166
نصاب البقر... 166
حكم الجاموس... 167
حكم دفع الملفق... 167
نصاب الغنم... 168
اشتراط بلوغ النصاب لمالك واحد... 169
حكم المتولد المخالف لأبويه بالاسم من النعم... 169
عدم أخذ الهرمة وذات العوار والمريضة... 169
الشاة المأخوذة في الزكاة... 169
الضان والمعز جنس واحد... 169
حكم فحل الضراب والأكولة والربى... 169
ص: 651
حكم المتجدد في الحول... 170
اشتراط الحول في زكاة الأنعام... 170
حكم تبديل أو تلف أو إهداء النصاب في الحول... 171
حكم موت المزكي أو ارتداده أثناء الحول... 171
لا زكاة بين النصابين... 171
اشتراط السوم في زكاة الأنعام... 171
اشتراط عدم كونها عوامل... 172
تصديق المالك في نفي النصاب... 172
جواز الدفع من العين وغيرها... 172
عدم ضم مال أحد إلى آخر... 173
لو جعلها معلوفة فرارا من الزكاة... 173
عدم جواز تقديم الزكاة... 173
جواز إعطاء القيمة في جميع الأجناس... 173
لو كان الجميع مراضا... 173
ما تستحب فيه الزكاة
كاة مال التجارة... 173
شروط زكاة زكاة مال التجارة... 174
تعلق زكاة مال التجارة بالقيمة لا بالعين... 174
لو اشترى نصابا للتجارة وحال عليه الحول... 174
زكاة الخيل... 174
زكاة ما عدا الغلات الأربع... 175
سائر ما تستحب فيه الزكاة... 175
اشتراط الحول والنصاب فيها... 175
استحباب وسم إبل الصدقة... 175
المستحقون للزكاة
الفقراء والمساكين... 176
شرط تحقق صفة الفقر... 176
ص: 652
حكم المشغول بطلب العلم... 176
الفرق بين الفقر والمسكنة... 177
تصديق مدعي الفقر... 177
ما يعطى الفقير... 177
لو وصلت الزكاة لغير الفقير... 177
عدم لزوم تسمية الزكاة عند الدفع... 177
العاملون... 177
ما يشترط في العاملين... 178
أحكام العاملين... 178
المؤلفة قلوبهم... 179
حكم سهم المؤلفة قلوبهم في زمن الغيبة... 179
شروط إعطاء هذا السهم وأحكامه... 179
الرقاب... 179
شروط العبد المعتق من الزكاة... 180
أحكام شراء العبد من الزكاة... 180
الغارمون... 180
شروط المدين المعطى من الزكاة... 180
أحكام دفع الزكاة للمدين وصرفها... 181
في سبيل اللّه... 181
ابن السبيل... 182
أحكام إعطاء ابن السبيل والارتجاع منه... 182
أوصاف المستحقين
الأول : الإيمان... 183
الثاني : العدالة... 184
الثالث : عدم كونه واجب النفقة... 184
الرابع : الحرية... 185
الخامس : عدم كونه هاشميا... 186
جواز أخذ الهاشمي الصدقة المستحبة... 186
ص: 653
حكم المنتسب بالأم إلى هاشم... 187
كيفية إخراج الزكاة
جواز إخراج الزكاة للمالك... 187
عدم وجوب البسط على الأصناف... 187
عدم جواز تقديم الزكاة على وقتها... 187
وجوب المبادرة بإعطاء الزكاة... 188
أحكام نقل الزكاة من بلدها... 188
جواز الأكل من مال الزكاة بقصد الاستنقاذ... 188
إعطاء الولي دون المولى عليه... 188
أخذا الوكيل في تفريق الزكاة لنفسه... 189
زكاة مال الميت... 189
مقدار ما يعطى المستحق للزكاة... 189
حكم إرث المعتق من الزكاة والموقوف... 189
استحباب الإعلان بإخراج الزكاة... 189
ينبغي للدافع شكر اللّه... 190
زكاة الفطرة
وجه التسمية... 190
شروط زكاة الفطرة... 190
من تجب عليه وعنه الفطرة... 191
جنس المخرج في الفطرة... 193
قدر المخرج في الفطرة... 193
وقت وجوب وجواز أداء الفطرة... 195
مصرف زكاة الفطرة... 195
أحكام زكاة الفطرة... 196
كتاب الخمس
ما يجب فيه الخمس... 197
الأول : الغنائم... 198
ص: 654
أقسام الكفر... 199
الثاني : المعادن... 200
الثالث : الكنوز... 201
الرابع : الغوص... 203
الخامس : أرض الذمي... 204
السادس : الحلال المختلط بالحرام... 205
السابع : ما يفضل من مؤونة السنة... 206
قسمة الخمس
كيفية قسمة الخمس... 209
كيفية دفع الخمس وشروط صحته... 211
زمان دفع الخمس... 213
جواز طلب الحقوق للمجتهد وبني هاشم... 213
عدم جواز الاحتيال في أخذ الحقوق... 213
وجوب زكاة ما يؤخذ من الخمس... 214
الأنفال
أرض انجلى أهلها بغير قتال... 214
ما يصطفيه الإمام من الغنيمة وصواف الملوك... 214
ما يغنم بغير إذن الإمام... 214
ما يوضع أو ينذر أو يعين للإمام... 215
حكم التصرف بالأنفال للمجتهد... 215
أحكام المال المؤتمن للتسليم إلى الإمام... 215
الصدقات المندوبة
الصدقات الداخلة في الهبات... 215
فضل هذه الصدقات... 216
مصرف الصدقات... 217
ص: 655
مقدارها وحدها... 217
جنس الصدقات... 217
أحكام الصدقات... 218
الوقف
حقيقة الوقف ومقوماته... 221
صيغة الوقف... 223
ما يعتبر في مطلق المتعاقدين... 225
قصد اللفظ... 225
بناء كل منهما على تحصيل المضمون... 226
قصد الإنشاء في تحصيل المضمون... 226
قصد الدالة والمدلول... 226
قصد التأثير والأثر... 226
قصد شخص معين بالخطاب... 227
كونهما أصيلين أو وليين أو كيلين... 227
تعيين النائب إذا تعدد... 228
سماع كل واحد مع قصد الإسماع... 228
البلوغ والعقل واليقظة والتذكر و... 228
ما يعتبر في خصوص الموجب للوقف... 229
نية التقرب... 229
قصد الدوام... 230
جواز إدخال الموجب نفسه في الوقف... 230
الإذن بالوقف يفيد الإذن بالوقف التام... 231
ما يعتبر في القابل للوقف... 231
لزوم القبول على نحو ما وجه إليه... 231
حكم قبول البعض... 231
شروط الواقف... 231
اعتبار كونه مالكا... 232
ص: 656
اعتبار كونه تام الملك... 233
اشتراط عدم الفساد عليه... 233
اشتراط عدم المعارض الشرعي... 233
اعتبار القدرة على التسليم... 233
اعتبار العلم بالرجحان... 234
اعتبار السلامة من النقص... 234
اعتبار السلامة من الحجر... 234
شروط الموقوف... 235
اعتبار كونه مذكورا... 235
اشتراط كونه موجودا حين الوقف... 235
اعتبار تعينه... 236
اعتبار كونه معلوما من حين العقد... 236
اعتبار كونه معلوما عينا لا منفعة... 237
اعتبار كونه حلالا طاهرا... 237
اعتبار كونه ذا منفعة... 237
اعتبار كونه قابلا للانتقال... 237
عدم كونه معينا على المعصية... 238
عدم كونه من الأراضي المشتركة... 238
شروط الموقوف عليه... 238
اعتبار كونه مذكورا وموجودا... 238
اعتبار عدم كونه مرتدا وكونه غير الواقف... 239
اعتبار كونه قابلا للتملك وبقائه... 239
اعتبار كونه بارزا... 239
اعتبار عدم ترتب تقوية الباطل عليه... 239
اعتبار انتفاعه بالوقف وكونه متعينا... 240
اعتبار القدرة على التسلم ولا يرجى انقطاعه... 240
عدم اشتراط الإيمان ولا الإسلام فيه... 240
مصاديق الموقوف عليه... 241
ص: 657
المسلمون والمؤمنون والشيعة... 241
القرشية والهاشمية والعلوية و... 242
الجيران... 242
العترة والذرية... 242
القوم... 242
سبيل اللّه وسبيل الثواب وسبيل الخير... 243
البائسون... 243
مستحق الخمس ونسل هاشم... 243
الفقراء والفقهاء والصوفية... 244
الناظر
الناظر الشرعي... 245
محل النظارة الشرعية... 245
الناظر الجعلي... 246
أحكام النظارة والناظر... 247
الشرائط الأصلية للوقف
أحدها : الدوام وحكم انقطاعه... 249
ثانيها : إخراج الواقف نفسه عن الموقوف عليهم... 250
ثالثها : القبض... 251
رابعها : الرجحان بحسب الدين... 252
خامسها : قصد القربة... 253
سادسها : اجتماع شرائط الصيغة والموجب والقابل وغيرها... 254
الشرائط الجعلية... 254
الشرائط الجعلية الصحيحة... 254
الشرائط الجعلية الصحيحة مما يتعلق بالموقوف عليه والموقوف... 255
الشرائط الجعلية القاسدة... 255
أقسام الوقف... 256
الوقف العام... 257
ص: 658
الوقف المطلق والمقيد... 257
الوقف الترتيبي... 258
أحكام الوقف... 258
بيع الوقف... 258
الوقف المضمحل كنمائه... 259
ما يثبت به الوقف... 261
قسمة الوقف... 263
وقف المشاع... 264
عدم الشفعة في الوقف... 265
حكم المستنبط من الموقوف... 266
حكم تمام الوقف... 266
حقيقة القبض في الوقف... 268
عدم جواز وقف أم الولد... 268
الوقف يحمل على الصحيح... 269
وقف المريض... 269
حكم مخالفة الوكيل قيد المالك... 270
أحكام ضمان الوقف... 270
ليس في الوقف خيار... 270
حكم نفقة الموقوف... 270
حكم منافع الوقف... 271
حرمة نكاح الموقوف للموقوف عليهم... 271
عدم دخول الحمل مع وقف الحامل... 271
كفاية الجناية على الموقوف... 272
كفاية كون الموقوف وصيا أو مجتهدا... 272
سائر أحكام الوقف... 272
الحبس
حقيقة الحبس... 277
صيغة الحبس... 277
ص: 659
أحكام المتعاقدين... 278
أحكام الموجب والقابل والحابس المحبوس والمحبوس عليه والناظر... 278
شروط الحبس الأصلية... 279
شروط الحبس الجعلية... 280
السكنى... 281
العمرى... 281
الرقبى... 282
أحكام الحبس... 282
كتاب الجهاد
معنى الجهاد... 287
أقسام الجهاد... 287
الأول : الجهاد لحفظ بيضة الإسلام... 287
الثاني : الجهاد لدفع الملاعين... 288
الثالث : الجهاد لدفعهم عن طائفة من المسلمين... 288
الرابع : الجهاد لدفعهم عن بلدان المسلمين... 288
الخامس : جهاد الكفر... 289
الفروق بين القسم الخامس وغيره... 290
أقسام الدفاع... 292
فضيلة الجهاد... 293
آيات الجهاد... 294
روايات الجهاد... 297
بيان حسن التكليف... 301
كيفية إبلاغ التكليف وحكمة إرسال الرسل... 305
لزوم معرفة النبي المبعوث... 305
دلائل نبوة نبينا (صلی اللّه عليه وآله) ومعجزاته... 305
أخلاق النبي محمد (صلی اللّه عليه وآله)... 308
شهادة الكتب السماوية بنبوة نبينا (صلی اللّه عليه وآله)... 310
ص: 660
مناقشة أهل الكتاب... 315
أسباب تفاصيل الأحكام... 325
بيان سبب العصيان... 326
تقسيم المعاصي... 327
تقسيم الواجبات... 328
أقسام الكفر وأحكامه... 329
الحرب التي تحتاج إلى رئيس وعسكر وأقسامها... 331
تعيين الرئيس في الحرب والجهاد... 332
الاستئذان من المجتهدين... 333
لزوم امتثال أمر السلطان... 334
أحكام السلطان... 334
أقسام الحروب... 335
شروط الجهاد وآلات الحرب... 337
أسباب الاعتصام
الأول : بذل الجزية... 339
أحكام الجزية وشروطها... 339
أحكام الذميين... 340
الثاني : الإقرار بكلمة الإسلام... 342
الثالث : الأمان... 342
عقد الأمان... 342
محل الأمان... 343
عاقد الأمان... 343
المؤمن... 344
أحكام الأمان... 344
الرابع : الإسلام... 348
أقسام المعتصمين بالإسلام... 348
ص: 661
الخامس : الصلح... 349
السادس : العهود... 350
السابع : المهادنة وبيان أحكامها... 351
الأحكام المشتركة بين أقسام الاعتصام... 352
أحكام عقد الذمة
عقد الذمة وشروطه... 356
العاقد... 357
المعقود له... 357
المعقود به... 358
ما يلزم لهم بعد عقد الذمة... 359
ما يلزم عليهم مما لا تنعقد بدونه الذمة... 360
ما يلزم عليهم مع الشرط ويمنعون عنه بدونه... 361
ما يجب عليهم ولا ينقض الذمة... 361
مالا يجب إلا بالشرط ولا ينقض العهد... 363
باقي أقسام الكفار وشبههم
الأول : الكفار المتشبثين بالإسلام... 363
الخوارج :... 363
النواصب... 364
الغلاة... 365
أحكام المخالفين... 366
أحكام الواقفة والفطحية وغيرهما... 366
الثاني : البغاة... 367
معنى البغي والباغي... 367
أحكام البغاة... 367
شروط بغي الخلفاء وحربهم... 368
حكم مقتول المؤمنين وأصل البغي... 369
الثالث : الكفار الغير المتشبثين بالإسلام... 369
ص: 662
حكم الأروسية... 369
أحكام القسم الثالث... 369
حكم أولاد المسلمين في أراضي الكفار... 369
الولد الذي يحكم بإسلامه وما لا يحكم... 371
المحاربة والمقاتلة
الاستعداد للجهاد... 372
تعيين الرئيس المطاع وما ينبغي له... 372
اجتماع العساكر الجنود... 373
إعداد الأسلحة والخيول والدروع... 373
أقسام السلاح وترتيبها... 373
إعداد الجنن الواقية... 374
إعداد الخيل والمراكب... 374
إعداد الطعام... 374
عدم جواز القتال بدون الإمام أو نائبه... 375
حكم الفرار... 375
وجوب مواراة الشهيد... 375
سائر أحكام الجهاد... 376
الاستيلاء بالحرب والجهاد... 377
أحكام الأسراء... 377
الغنائم... 378
نبذة من أحكام الجهاد مما عدا القسم الأخير... 379
فضل المرابطة وأحكامها... 387
الغنائم
عدم دخول المباحات في الغنائم... 390
الأسارى المملوكين بالأسر... 390
انفساخ النكاح بالأسر... 392
عدم سقوط الدين بالاسترقاق... 392
ص: 663
حكم من أسلم في دار الحرب... 392
كراهة التفريق بين الأم والولد... 393
حكم وطء المرأة الأسيرة ... 393
حكم من أُسر مرتين ... 393
حكم من ادعى الإسلام من الأسرى ... 393
حكم من ينعتق على من أسرة ... 393
أحكام ما لاينقل
الأرض التي أسلم أهلها طوعاً ... 394
الأرض الّتي ترك أهلها عمارتها... 394
الأرض الموات... 395
إحياء الموات ... 395
ما يتحقق به الإحياء ... 395
ما يعتبر في الإحياء ... 395
حريم الدار والقرية وغيرها ... 396
الأرض الّتي صولح عليها أهلها... 398
الأرض التي جلى أهلها ... 398
الأرض الّتي ماتت بعد الإحياء ... 399
الأرض المفتوحة بالقهر (عنوة)... 399
الأرض المفتوحة بغزو الكفار ... 400
بيان حال الأراضي التي تسلط عليها المسلمون ... 401
يد المسلمين ورئيسهم ... 402
حال بعض الأراضي في بلاد المسلمين ... 402
تعيين الأراضي المفتوحة عنوة ... 402
تعيين الأراضي المفتوحة صلحاً ... 404
تعيين الأراضي التي أسلم أهلها طوعاً... 404
مالا يقسم من الغنائم والأرضين ... 405
أحكام السلب وشروطه ... 408
الرضخ وأقسامه... 409
ص: 664
الجعائل ... 410
نفقة الغنائم ... 410
قسمة الغنائم
تعلق حقوق الغانمين بالغنيمة ... 410
حكمة اشتراك المقاتلين في الغنيمة ... 411
اتباع سيرة النبي (صلی اللّه عليه وآله) في القسمة... 411
جريان الحكم بعد الغيبة ... 412
القاسم ... 412
المقسوم له... 413
المقسوم ... 413
مكان وزمان القسمة ... 414
كيفية القسمة ... 415
مقدار السهام... 415
أحكام القسمة والغنيمة ... 416
أحكام الارتداد
ما يتحقق به الارتداد... 418
المرتد الفطري والملي... 420
حكم المرتد الفطري الذكر... 421
حكم المرتد الفطرية ... 421
حكم المرتد الملي الذكر والاُنثى... 422
حكم المرتد المشتبه كالخنثى ... 422
ارتداد الاثنين على حقو واحد ... 422
حكم قتل التائب ... 422
عدم استرقاق المرتد... 422
حمل المرتد ... 422
سائر أحكام الارتداد بأقسامه ... 423
ص: 665
المحاربة
تعريف المحارب... 425
المحارب... 425
أحكام المحاربة... 425
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
رجحانهما عقلا وشرعا... 426
الآيات والروايات الدالة على الرجحان... 426
وجوب بيان الواجب والمستحب من المجتهد... 428
شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... 429
قبح الإلجاء من اللّه... 429
مراحل الأمر بالمعروف من اللين إلى الخشن... 429
إقامة الحدود والتعزيرات... 430
الرجوع إلى المجتهد والتقليد... 430
حكم تولي القضاء... 431
مقيم التعزيرات والحدود... 431
كتاب الحج
معنى الحج... 435
مقدمات الحج... 436
الأمور المتعلقة بالسفر
رجحان السفر بذاته ولغيره... 436
الوصية عند إرادة السفر... 437
الغسل عند إرادة السفر... 437
توديع العيال والصلاة ركعتين... 438
التصدق أمام السفر... 438
التعمم والتحنك عند السفر... 439
اصطحاب عصا لوز في السفر... 439
ما يفعله المسافر عند باب داره... 440
ص: 666
ما يفعله المسافر عند الركوب... 442
الاعتماد والتوكل على اللّه والقراءة عند السفر... 444
تحسين الزاد والراحلة... 444
اتخاذ الرفقة في السفر وكراهة الوحدة... 445
المحافظة على مكارم الأخلاق في السفر... 446
توديع المسافر وتشييعه... 448
اختيار الأيام المسالمة من النحوسة من الأسبوع... 449
الأيام النحسة في الأسبوع... 450
اختيار الأيام السالمة من النحوسة من الشهور... 451
تجنب الأيام النحسة من الشهور... 454
حكم ليالي الأيام النحسة... 457
المراد من السفر ومبدؤه... 457
المدار على الشهور العربية... 457
ملاحظة المواليد والوفيات وأيام الذنوب في السفر... 458
المدار في الأيام على محل الخروج... 458
اعتماد الاخبار الضعيفة في آداب السفر... 458
معاوضة ما ذكر من الأيام الأرجح منها... 458
عدم وجوب اجتناب النحوسة المعللة باحتمال القتل... 459
الصدقة تدفع النحوسة... 459
ارتكاب النحس المخالفة الطيرة... 459
اصطحاب من خرج في يوم نحس... 459
فضل الحج... 460
الروايات الدالة على فضل الحج... 460
أدلة وروايات وجوب الحج والعمرة... 464
وجوب الحج ضروري في الدين... 464
وجوب الحج والعمرة في العمرة مرة... 467
وجوب الحج أو الإحجاج كفاية... 468
حرمة تسويف الحج... 469
ص: 667
أقسام الحج... 469
حج التمتع... 470
من يتعين عليه حج التمتع... 471
شروط حج التمتع... 472
حج الإفراد... 473
من يجب عليه الإفراد... 473
محل الإحرام في حج الإفراد... 473
حج القران... 474
ما يتعلق بالحج بأقسامه
شروط صحة الحج... 474
شروج وجوب الحج... 474
حكم العدول من حج إلى حج... 477
عدم جواز جمع نسكين في نية واحدة... 478
شروط وجوب الحج... 479
الأول : الاستطاعة والزاد والراحة... 479
استطاعة من بذل له الحج... 481
الاستطاعة شرط وجودي... 482
لو خرج للحج بقصد الندب فحصلت الاستطاعة... 482
لو خاف على أهله أو ماله... 482
صداق النكاح يدخل في الاستطاعة... 482
لو حج المستطيع متسكعا... 483
لو حج على مغصوب... 483
عدم الاستطاعة بالمال الحرام... 483
بعض موارد الاستطاعة وعدمها... 483
الاستطاعة الشرعية مخصوصة بحجة الإسلام... 484
اختلاف ما تحصل به الاستطاعة باختلاف الأشخاص... 484
الثاني : عدم معاوضة شيء من الواجبات... 484
ثالثها : تيسر المسير... 485
ص: 668
اعتبار إحراز الصحة... 485
اعتبار التثبت على الدابة... 485
اعتبار خلو الطريق عن المانع... 486
حكم مهمل الحج مع اجتماع الشرائط... 487
حكم من مات ولم يحج... 487
حكم من مات بعد الإحرام... 488
الحج الواجب بالأسباب
الأول : النيابة... 488
شروط النائب... 488
شروط المنوب عنه... 489
شروط العمل المنوب فيه... 490
عقد النيابة إجارة وجعالة... 490
أحكام النيابة... 490
حكم موت النائب... 491
من استؤجر على عملين... 492
جواز التبرع في المندوب عن الحي... 492
حكم مخالفة الأجير للشروط... 492
إذا صد أو أحصر الأجير... 494
استنابة من تعدد عليه الحج... 495
الإقالة مع التراضي جائزة... 495
جواز استنابة النائب مع الإذن والإطلاق... 496
النائب يأتي بالشرائط المعتبرة في حقه... 496
يجري في عقد النيابة خيارات البيع... 496
حكم من استطاع بأجرة النيابة... 497
لا يلزم النائب سوى الإتيان بالمسمى... 497
ص: 669
التبرع بالنيابة من دون استئذان... 497
استحقاق الأجير الأجرة بالعقد... 498
اشتراط علم الأجير بمقدار الأجرة... 499
حكم عدم تمكن الأجير في السنة المعينة... 499
اعتمار الأجير في الحج عن نفسه... 499
حكم فوت الحج للأجير... 499
حكم إفساد الأجير الحج... 500
لو عين النائب والقدر ولم يف الثلث... 500
حكم الاشتراك في النيابة... 500
حكم تبين عدم بلوغ الحاج... 500
لو خرج عن الإسلام ورجع... 501
ولو كان عازما على قطع الطريق من دون إيجاب عليه... 501
لو صح المنوب ولم يعلم النائب... 501
لو انقلب حج المنوب إفرادا... 501
حكم ارتداد المنوب... 502
لو تأخر النائب وأتى بعمل آخر... 502
إذا استنيب فظهرت عدم استطاعته... 502
جواز حج كل واحد من الرجل وغيره... 503
من مات وعليه حجة واجبة ولم يوص... 503
ما يستحب للنائب... 503
لزوم إتيان ما شرط على الأجير... 503
الثاني : قضاء الفائت... 504
لزوم إتيان الفائت الواجب... 504
القضاء بسبب إفساد الحج والعمرة... 505
عدم وجوب القضاء على الكافر... 506
قضاء حج المخالف وأهل الاعتقادات الفاسدة... 507
ص: 670
حكم إفساد العبد المأذون الحج... 508
اعتبار الاستطاعة العادية في القضاء... 508
إذا بلغ الصبي أو عقل المجنون قبل الشعر... 509
الثالث : النذر والعهد واليمين... 509
لزوم إجراء الصيغة فيها... 509
ما يعتبر في صحة الثلاثة... 509
الحج المنذور منصرف إلى البلدي... 510
المقدم عند تعذر الجميع... 510
اشتراط تقدم الإذن في نذر العبد والزوجة و... 511
إذا فات شيء منها ومات قضى من التركة... 511
عدم تداخل الأقسام... 511
عدم توقف وجوبها على الاستطاعة الشرعية... 511
حكم الالتزام بكيفية مخصوصة من الحج والعمرة... 512
الرابع : الحج المندوب... 514
توقف الحج المندوب على إذن المولى والزوج و... 514
أفعال الحج والعمرة
الأفعال المشتركة... 515
النية... 515
الإحرام... 516
مستحبات الإحرام قبل الشروع... 516
ما يقارن الإحرام من المستحبات... 519
كيفية الإحرام... 520
حقيقة الإحرام... 521
كيفية التلبية... 522
ما تستحب إضافته إلى التلبية... 524
ما يستحب في التلبية... 525
أحكام التلبية وشروطها... 527
الإشعار والتقليد... 528
ص: 671
لزوم اللبس على المحرم وعدد الملبوس... 529
شروط لباس المحرم... 530
كيفية لبس الإحرام... 531
آداب لبس المحرم... 531
جنس لباس المحرم... 532
مستحبات لباس الإحرام... 533
أحكام الإحرام... 534
وجوب الإحرام... 534
إحرام الصبي والمجنون... 534
حكم نسيان الإحرام وجهله... 534
حكم استبصار المخالف بعد إحرامه وغيره... 534
العود إلى الميقات بعد تجاوزه بدون إحرام... 535
موارد عدم لزوز العود إلى الميقات للإحرام... 535
عدم جواز إنشاء إحرام آخر للمحرم... 536
جواز العدول إلى العمرة للمفرد والقارن... 537
الاشتراط على اللّه يرفع وجوب الإتمام... 537
عدم جواز الجمع بين إحرامين... 538
العزم على فعل المحرمات ينافي الإحرام... 538
حكم ترك لبس الإحرام... 538
الإحرام ندبا لمن يجب عليه... 538
كراهة دخول الحمام للمحرم... 538
مواقيت الإحرام... 539
معنى المواقيت... 539
أقسام المواقيت... 539
الأول : العقيق ومواضعه... 539
الثاني : مسجد الشجرة... 540
الثالث : الجحفة... 541
الرابع : يلملم... 542
ص: 672
الخامس : قرن المنازل... 542
السادس : موضع مكة القديم... 543
السابع : محاذاة أقرب المواقيت... 543
الثامن : المنزل الأقرب من الميقات إلى مكة... 543
التاسع : فخ... 544
العاشر : محل الإمكان للمعذور... 545
الحادي عشر : المكان المنذور فيه الإحرام... 545
الثاني عشر : مكان خوف تقضي رجب للمعتمر... 546
الثالث عشر : راس مسافة تساوي أقرب المواقيت... 546
الرابع عشر : أدنى الحل... 546
استحباب الإحرام من الجعرانة لأهل مكة... 547
تحديد الحل والحرام... 548
أحكام المواقيت... 549
محرمات الإحرام
الأول : الصيد... 551
استثناء الصيد البحري... 554
استثناء الحيوان الإنسي... 555
بعض أحكام الصيد... 555
الثاني : قتل الحيوانات الصغار والحشرات... 557
الثالث : النساء... 558
الرابع : فعل المحرمات وترك الواجبات واشتدادها... 559
الخامس : الطيب... 560
السادس : حبس الأنف عن الرائحة المنتنة... 563
السابع : لبس المخيط... 564
الثامن : القفاز... 564
التاسع : لبس الخفين... 565
العاشر : ستر الرأس... 566
الحادي عشر : ستر الوجه للمرأة... 567
ص: 673
الثاني عشر : التظليل... 568
الثالث عشر : النظر بالمرآة... 570
الخامس عشر : تقليم الأظفار... 570
السادس عشر : إزالة الشعر... 570
السابع عشر : الإدهان... 571
الثامن عشر : إخراج الدم... 572
التاسع عشر : الفسوق... 573
العشرون : الجدال... 573
الحادي والعشرون : لبس الخاتم... 574
الثاني والعشرون : لبس النساء الحلي... 574
الثالث والعشرون : الحناء... 575
الرابع والعشرون : حمل السلاح... 575
الخامس والعشرون : قلع السن... 576
السادس والعشرون : قطع الشعر والحشيش... 576
ما يستثنى من قطع الشجر والنبات... 576
أحكام محرمات الإحرام والحرم... 578
أقسام المحرمات... 578
حرمة جبر الغير على المحرمات... 578
انحلال نذر ما يحرم على المحرم... 579
حكم الاضطرار إلى واحد من المحرمات... 579
حرمة المحرمات بعد إتمام التلبيات الأربع... 579
تجنيب المولى عليهم المحرمات... 579
حكم المحرمات في النسك الفاسد وموارد اشتدادها... 579
الكفارات
بيان ما ليس فيه كفارة... 580
كفارات المحلات وأحكامها... 582
ص: 674
كفارات الصيد
كفارات قتل النعامة... 582
كفارة كسر بيض النعام وأكله... 584
كفارة قتل القطاة وشبهه... 585
كفارة قتل الحمام... 586
كفارة تنفير الحمام... 587
كفارة نتف ريش الحمام... 588
كفارة قتل العصفور والقبرة والصعوة... 588
كفارة قتل بقرة الوحش وحماره... 588
كفارة قتل الطبي... 588
كفارة شرب لبن الظبية... 589
كفارة كسر قرن الغزال ويده وغيرها... 589
عدم إجزاء المعيب والناقص في الكفارة... 589
قيمة الحمام... 589
شراء علف لحمام الحرم ومحل وضعه... 589
ما يخرج عن الحامل... 590
لو ضرب الحامل فألقت حملها... 591
حكم إزمان الصيد... 592
حكم قتل مالا تقدير لفديته... 592
اعتبار تقويم الجزاء وقت الإخراج... 593
حكم المشكوك كونه صيدا وعدمه... 593
الرجوع في تقويم الجزاء إلى عارفين... 593
حكم العاجز عن المثل والجزاء... 594
إجزاء الصغير والمعيب عن مثله... 595
حكم حصول المبدل بعد إتيان البدل... 595
ما يتحقق به الضمان
الأول : المباشرة... 596
تضاعف الكفارة بذبح صيد بوجه البدلية... 596
ص: 675
حكم الاشتراك في قتل الصيد... 596
حكم قتل الطير بالضرب بالأرض... 596
حكم شرب لبن الظبية... 597
لو فعل محلا ما يقتل بعد الإحرام... 598
ضمان أبعاض الصيد... 598
لا ضمان في قتل الصائل... 598
حكم أكل الصيد اضطرارا... 599
لا حرمة للجراد العام للطرق... 599
لو رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر... 599
حكم تنفير الحمام ورجوعه... 599
الثاني : التسبيب... 600
لو أراد تخليص حيوان فمات... 600
لو منع الصيد وإغراء الكلب به... 600
حكم الاشتراك في الدلالة... 601
لو رمى الصيد راميان فأصاب واحد... 601
تضاعف الفداء برمي المحرم في الحرم... 601
لو أوقد نارا فوقع فيها طيرا... 602
بعض أحكام التسبيب في قتل الصيد... 602
الثالث : في اليد... 604
حكم من قبض على صيد... 604
حكم يد الطفل والمجنون... 604
لو أمسك صيدا في الحل فذبحه محرم... 604
لو أمسك الصيد المحرم فذبحه المحل... 605
لو تعدد الماسكون... 605
لو أمسك صيدا على صيد... 605
حكم نقل البيض عن محله... 605
صيد الحرم... 605
ص: 676
ما يحرم على المحل في الحرم... 605
كراهة صيد ما يؤم الحرم... 605
كراهة صيد ما بين البريد والحرم... 606
حكم من قتل الصيد في الحرم... 606
حكم رمي صيدا الحرم من الحل... 606
حكم المشكوك كونه من الحرم... 606
لو ربط في الحل فدخل الحرم برباطه... 606
وجوب حفظ الطائر المقصوص جناحه... 606
لزوم إعادة الصيد الذي أخرجه من الحرم... 607
حكم من نتف ريشة من حمام الحرم... 607
لو رمى في الحل عبر الحرم... 608
حكم صيدا المحل حمام الحرم في الحل... 608
وجوب القيمة على المحل في الحرم وأحكامها... 608
حكم فداء المملوك والوقف... 609
تكرر الكفارات بتكرر القتل ونحوه وعدمه... 609
حكم قتل الجراد الكثير... 609
ضمان الصيد بقتله عمدا أو سهوا... 609
حكم العاجز عن الشاة الواجبة في الفداء... 610
تضاعف القيمة فيما لآدم فيه على المحرم في الحرم... 610
مكان التكفير في العمرة والحج... 611
جواز أكل المحل لبيض كسرة المحرم... 611
حكم قتل المملوك للصيد... 611
كفارات باقي المحظورات
كفارة لبس المخيط والخف وشبهه... 612
كفارة استعمال الطيب والدهن... 612
كفارة تقليم الأظفار والمفتي بحله... 613
كفارة حلق الشعر ونتفه... 614
ص: 677
كفارة تغطيه الرأس... 615
كفارة التظليل... 615
كفارة الجدال... 616
كفارة قلع الضرس... 616
كفارة قلع الشجر... 617
حكم العاجز عن الكفارة... 617
لا كفارة على الجاهل والناسي و... 618
حكم اشتراك من لا يضمن بالجنابة... 618
حكم تكرر السبب الواحد وفروعه... 618
حكم الحضور عند العطار ومس الزعفران وغيره... 620
جواز شراء الطيب والخيط والحواري للمحرم... 620
ما يعتبر في الحلق وأقسامه وأحكامه... 620
يحرم عمل شيء للمحرم مما يحرم عليه... 621
ذكر بعض الضوابط المستفادة من الأخبار... 621
ضوابط الفداء... 621
ضوابط الشك والشهادة... 622
ضوابط التصدق وأحكامه... 622
ضوابط ما يجب وما يحرم في الإحرام... 622
ضوابط التسبيب والاضطرار... 623
ضوابط التوكيل والنقل من البلد... 624
ضوابط تخلفات الكافر والمخالف... 624
لا فور ولا ترتيب في الكفارات... 625
ضوابط التصدق والمتصدق عليه من الكفارات... 625
ضوابط الاستمتاع بالنساء وغيرها وجزاؤه... 625
أحكام الصد
تعريف المصدود... 632
تحلل المصدود وكيفيته... 633
ص: 678
حكم المصدود الذي لا هدي له يتحلل به... 634
عدم جواز التحلل بمجرد احتمال المنع... 634
ما يتحقق به الصد... 634
جواز التحلل مع الاشتراط... 635
حكم من صد بعد الموقفين... 635
حكم من صد عن الموقفين أو أحدهما... 635
صورة الظن بانكشاف العدو قبل الفوات... 635
من أفسد حجه فصد... 635
لو تحلل المصدود فانكشف العدو... 636
حكم المصدود في الحج الفاسد... 636
حكم إفساد الحج بعد الصد... 636
لا يجب دفع العدو الصاد بالقتال... 636
لا يجب بذل المال لدفع الصاد... 636
حكم طروء الخوف على المال والعيال أو المصاحب... 636
حكم تعارض الصد عن الحج والصد عن الرد... 636
أحكام الحصر والمحصور
معنى الحصر... 637
أحكام المحصور... 637
حكم من أحصر بعد الإحرام... 637
حكم زوال المرض قبل التحلل... 637
أحكام القارن المحصور... 638
الصد والإحصار بعد التلبية... 638
حكم اجتماع الصد والحصر... 638
الملاك في حصول الصد والإحصار... 638
لو تحلل فظهر عدم الإحصار والصد... 638
حكم التسبب في الإحصار والصد... 638
حكم من أحرم به المحصور... 639
ص: 679
رواية مروان بن خارجة... 639
العمرة
تعريف العمرة... 639
حكم العمرة... 639
قسمي العمرة... 640
جواز نقل العمرة المفردة إلى المتمتع بها... 640
زمان العمرة... 640
اتحاد صفة العمرة المفردة والمتمتع بها... 640
وجوب العمرة بالعارض... 640
وجوب طواف النساء وعدمه في العمرة... 641
ارتهان المتمتع بالعمرة بالحج... 641
كيفية التحلل من الفرد... 641
استحباب تكرار العمرة... 641
حكم من أوجب على نفسه عمرة التمتع... 641
حكم من أفسد العمرة... 641
ص: 680
چکیده
این کتاب یکی از بهترین و برترین کتابهای شیعه در زمینه عقاید فقه اصول شمرده می شود. مرحوم كاشف الغطاء در آن به اثبات حقانیت شیعه اثنا عشری می پردازد.
كشف الغطاء، بیانگر تسلط فوق العاده مؤلف است چنان که از خود وی نقل شده که گفته است: پرده از رخ عروس فقاهت، جز من و شهید اول و فرزندم، موسی بر نکشید.
کتاب وی از نظر روشمندی و روانی شیوه بحث و حل مبهمات مسائل بی نظیر است.
ناشر
مؤسسه بوستان کتاب
(مرکز چاپ و نشر دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم)
پرافتخارترین ناشر برگزیده کشور
نشانی دفتر :مرکزی ایران قم اول خیابان شهدا ص :پ 917
تلفن: 982517742155+ ، فاکس: 98251٧٧٤٢١٥٤+ ، :پخش ٩٨٢٥١٧٧٤٣٤٢٦+
ص: 681
کشف الغطاء
عن مبهمات الشريعة الغراء
جلد سوم
علامه شيخ جعفر کاشف الغطاء
تحقیق: دفتر تبلیغات اسلامی شعبه خراسان رضوی
بوستان کتاب
1387
ص: 682
Abstract
"Kashf ul-Ghita""is considered to be one of the best and most important Shi'ah books in dogma, figh`h (law) and usul (principles of figh`h). The book's main objective is to prove the rightfulness of Ithnā-'Asharī (Twelver) Shi'ah branch of Islam.
"Kashf ul-Ghita" clearly indicates the extraordinary expertise of the author as he has said himself: no one was able to take veil off the face of the bride but me and Shahid-e
Awwal (First Martyr) and my son, Mūsā.
This book is very unique in its methodological discipline, fluency of discussions and the resolution of ambiguities.
The Publisher
Bustan-e Ketab Publishers
Frequently selected as the top publishing company in Iran, Būstān-e Ketāb
Publishers is the publishing and printing house of the Islamic Propagation
Office of Howzeh-ye Elmiyeh-ye Ghom, Islamic Republic of Iran.
P.O. Box: 37185-917
Telephone: +98 251 774 2155
Fax: +98 251 774 2154
E-mail: info@bustaneketab.com
Web-site: www.bustaneketab.com
ص: 683
Kashf ul-Ghita'
'an Mubhamat ish-Sharī‘a(h)t il-Gharrā'
lil-'Allamah ash-Sheykh Ja'far Kashif ul-Ghita'
Volume 4
Research
Maktab ul-I'lām ul-Islāmī, Far'-u Khorāsān
Būstān-e Ketab Publishers
1387/2009
ص: 684