التعليقة على المكاسب (لللاري) المجلد 2

اشارة

سرشناسه : لاری ، عبدالحسین ، 1340 - 1264؟ق . شارح

عنوان و نام پديدآور : التعلیقه علی المکاسب / تالیف عبدالحسین اللاری

مشخصات نشر : قم : موتمر احیاآ ذکری آیه الله المجاهد السید عبدالحسین اللاری ، اللجنه العلمیه للموتمر: موسسه المعارف الاسلامیه ، 1418ق . = 1377.

مشخصات ظاهری : 2 ج .نمونه

فروست : (موتمر احیاآ ذکری آیه الله المجاهد السید عبدالحسین اللاری 3، 4)

شابک : 964-6289-21-5 ؛ 964-6289-21-5 ؛ 964-6289-21-5 ؛ 964-6289-21-5 ؛ 1964-6289-22-3

يادداشت : عربی

يادداشت : این کتاب شرحی است بر المکاسب انصاری

يادداشت : به مناسبت کنگره بزرگداشت آیت الله سید عبدالحسین لاری 1377: لار و جهرم

یادداشت : کتابنامه

موضوع : انصاری ، مرتضی بن محمدامین ، 1281 - 1214ق . المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه )

شناسه افزوده : انصاری ، مرتضی بن محمدامین ، 1281 - 1214ق . المکاسب . شرح

شناسه افزوده : کنگره بزرگداشت آیت الله سید عبدالحسین لاری (1377. لار و جهرم )

شناسه افزوده : کنگره بزرگداشت آیت الله سید عبدالحسین لاری . هیات علمی

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ ‮ BP190/1 /‮الف 8م 702176 1377

رده بندی دیویی : ‫ ‮ 297/372

شماره کتابشناسی ملی : م 77-5896

ص: 1

الجزء الثاني

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كتاب البيع

شروط المتعاقدين

[منها البلوغ]

قال الماتن طاب ثراه: «المشهور- كما عن الدروس (1) و الكفاية (2)- بطلان عقد الصبيّ .. إلخ».

أقول: قبل الخوض في دليل المسألة ينبغي تحرير محلّ الكلام، ثمّ تأسيس الأصل الأصيل، الذي يصحّ عليه التعويل عند إعواز الدليل.

فنقول: أمّا الكلام في تحرير محلّ النزاع من عقد الصبيّ فتفصيله: أنّ الخلاف في صحّة عقد الصبيّ لا ينحصر في صورة العقد لنفسه بالأصالة و الاستقلال، بل يعمّ هذه الصورة و صورة العقد للغير بالوكالة، أو لنفسه بإذن الولي السابق، أو بإجازته اللاحقة، فالخلاف في صحّة عقد الصبيّ يعمّ جميع الصور الأربعة و إن اختلف كيفيّة الخلاف فيها بالشدّة و الضعف، كما أنّ المراد بالصبيّ يعمّ المميّز و غيره.

ثمّ المراد من صحّة عقده ليس صحّة جميع عقوده، لينتقض ببطلان بعضها اتفاقا، و إلحاق عهده بالخطإ في الجنايات، و لا من بطلانه بطلان جميع عقوده، لينتقض بصحّة وصيّته و تدبيره و إحرامه و إسلامه و عباداته و غير ذلك، بل المراد من صحّته و بطلانه أنّ القاعدة المستفادة من الشرع هل هو صحّة عقوده إلّا ما خرج، أو بطلان عقوده إلّا ما خرج، و من هنا يعلم اندفاع توهّم انتقاض القول ببطلان عقده بصحّة وصيّته و تدبيره و عباداته و غير ذلك مما يمكن الالتزام بخروجه بمخصّص خارجي، من نصّ أو إجماع، كاندفاع توهّم انتقاض القول


1- الدروس الشرعيّة 3: 192.
2- كفاية الأحكام: 84.

ص: 6

بصحّته بإلحاق عهده بالخطإ في الجنايات.

و أمّا الكلام في تأسيس الأصل فيه فمن الواضح أنّ الأصل العلمي هو عدم صحّة عقده، استصحابا لعدم النقل و الانتقال به، و أمّا الأصل اللفظي فمقتضاه الصحّة و ترتيب آثارها إن لزوما فلزوم، و إن جوازا فجواز؛ لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و صدق العقد على عقدة عرفا.

نعم، قد يشكّ في صدق العقد عرفا على عقد بعض الصبيان الغير المميّزين، من جهة الشكّ في قابليّتهم لقصد الإنشاء و عدمه، فلا يتأتّى في عقودهم عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ للشكّ في صدق موضوع العقد عليه.

و أمّا المميّز القابل لقصد الإنشاء سيّما المراهق للبلوغ سيّما إذا كان في العقل و الرشد مثل فخر المحقّقين فلا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى الأصل الأصيل و هو عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو صحّة جميع عقوده بالاستقلال و الإذن و الإجازة.

نعم، الإشكال و الخلاف إنّما هو في ورود الدليل الخاصّ على بطلانه و عدمه، و فيه أقوال.

ثالثها: التفصيل بين الصبيّ المأذون أو المجاز في عقده فيصحّ، و بين غيره فلا، و هو الظاهر عن كلّ ما استدلّ به على البطلان المطلق، بل الأظهر صحّة عقد الرشيد و إن لم يبلغ و لم يؤذن و لم يجز له. أمّا الشهرة و الإجماع المنقول على البطلان فلأنّ المتيقّن من معقدها بطلان عقد الصبيّ الغير المأذون: و لا المجاز دون المأذون أو المجاز، بل الغير الرشيد دون الرشيد.

و أمّا خبر ابن حمزة و ما في معناه من أن الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ففيه.

أوّلا: دلالته على كفاية الرشد و العقل، و عدم انحصار الجواز في البلوغ، لما في ذيل الخبر المذكور في غير باب من أبواب الوسائل من العطف على قوله:


1- المائدة: 1.

ص: 7

«إلّا أن يبلغ خمس عشرة» بقوله: «أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (1)، فإنّ ظاهر عطف الشعور على البلوغ بلفظ «أو» يدلّ على كفاية التمييز في أمر الصبيّ.

و ثانيا: لو أغمضنا عن دلالة ذيل الخبر أو عن وجوده في بعض أخبار أخر فلنا منع دلالة صدر الخبر على انحصار جواز أمر الصبيّ في البلوغ، لمعارضته بما يدلّ من الأخبار الأخر على كفاية الرشد و العقل في جواز أمره في كلّ شي ء، كما عن باب الحجر من الوسائل عن الصادق عليه السّلام «أنّه سئل عن قول اللّٰه عزّ و جلّ:

فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ (2)، قال: إيناس الرشد حفظ المال» (3).

و فيه أيضا قال: «سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال: إذا علمت أنّها لا تفسد و لا تضيّع الخبر» (4).

و فيه أيضا عن أمير المؤمنين عليه السّلام «أنّه قضى أن يحجر على الغلام المفسد حتّى يعقل» (5).

و في باب الصدقات من الوسائل أيضا عن العسكري عليه السّلام قال: «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تمّ للجارية سبع سنين فكذلك» (6).

و في باب الوصايا منه أيضا في تفسير قوله تعالى:


1- الوسائل 13: 142 ب «2» من أبواب أحكام الحجر ح 1، و ج 1: 30 ب «4» من أبواب مقدّمة العبادات ح 2، و ج 12: 268 ب (14) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.
2- النساء: 6.
3- الوسائل 13: 143 ب «2» من أبواب الحجر ح 4.
4- الوسائل 13: 142 ب «1» من أبواب الحجر ح 3.
5- الوسائل 13: 142 ب «1» من أبواب الحجر ح 4.
6- الوسائل 13: 321 ب «15» من أبواب الوقوف و الصدقات ح 4.

ص: 8

حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ (1) قال: «الاحتلام، قال: فقال: يحتلم في ستّ عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها، فقال: لا، إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتب له الحسنات و كتبت عليه السيئات، و جاز أمره إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا، فقال: و ما السفيه؟ فقال: الذي يشتري الدرهم بأضعافه، قال: و ما الضعيف؟ قال: الأبله» (2).

إلى غير ذلك من الأخبار المتفرّقة في أبواب الوسائل، المعارضة للأخبار الظاهرة في انحصار جواز أمر الصبي في البلوغ، و تعارضها من قبيل تعارض العامّ و الخاصّ من وجه، لاجتماع مدلوليهما في البالغ الرشيد، و افتراق مدلول الأول في البالغ الغير الرشيد و الثاني في الرشيد الغير البالغ، و الترجيح مع الثاني؛ لأنّه أكثر عددا، و أقرب إلى الأصول اللفظيّة، أعني: إطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (4) و غيرهما و إن لم يكن أقوى دلالة و أصحّ سندا.

و حمل إطلاق الرشد على البلوغ لكونه الفرد الغالب ليس بأولى من العكس، أعني: حمل إطلاق البلوغ على الرشد، لكونه الفرد الغالب.

و ثالثا: سلّمنا عدم دلالته على كفاية مجرد الرشد بل و دلالته على العدم، لكن الظاهر من نفي الجواز و إن كان ربما يشعر بعموم نفيه إلّا أنّ الأظهر من جواز أمره هو استقلاله في التصرّف؛ لأنّ جواز الأمر مرادف لمضيّه، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة، كما يقال: بيع الفضولي غير ماض، بل موقوف.

و يشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله: «إلّا أن يكون سفيها»، فلا دلالة لها حينئذ على سلب عبارته، و أنّه إذا ساوم وليّه متاعا و عيّن له قيمته و أمر الصبيّ بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا، و كذا لو أوقع إيجاب


1- الأحقاف: 15.
2- الوسائل 13: 430 ب «44» من أبواب أحكام الوصايا ح 8.
3- المائدة: 1.
4- النساء: 29.

ص: 9

النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليّه، فإنّ صحّة عقده حينئذ راجع في الحقيقة إلى جواز أمر الوليّ، لا جواز أمر نفسه المنفيّ.

و أمّا حديث رفع القلم عن الصبيّ (1) المستدلّ به الشيخ (2) و ابن إدريس (3) و العلّامة (4) ففيه:

أوّلا: ظهوره في رفع قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام، ضرورة أنّ مصبّه و مساقه هو مصبّ رفع عن أمّتي ما لا يعلمون (5)، و مساق أنّ نيّة السوء لا تكتب على هذه الأمّة (6) في الورود مورد التفضّل و الامتنان، لا مورد إهانة الصبيان و إلحاقهم بالجماد و البهائم من أصناف الحيوان، في سلب العبرة و الاعتبار عن عقودهم و قصودهم و عباراتهم.

و ثانيا: لو سلّمنا، فلا نسلّم دلالته على نفي المقتضي، لصحّة عقودهم، بل غاية دلالته على تقدير التسليم هو مانعيّة الصبوّة عن الصحّة كمانعيّة السفه و الرقّيّة، فيصحّ بلحوق الإجازة من الوليّ، أو من نفس الصبيّ بعد زوال صبوّته المانعة بطروّ البلوغ. فقوله: «الغلام لا يجوز أمره» (7)، لا يزيد في الدلالة على مانعيّة الصبوّة.

كمانعيّة السفه و الرقّيّة بقوله عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (8)، بل كقوله عليه السّلام: «من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن صاحبه، و من طاعة


1- الوسائل 1: 32 ب «4» من أبواب مقدّمة العبادات ح 11.
2- المبسوط 3: 3.
3- السرائر 3: 207.
4- تذكرة الفقهاء 2: 145.
5- الوسائل 11: 295 ب «56» من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه.
6- الوسائل 1: 36 ب «6» من أبواب مقدّمة العبادات ح 6 و 7.
7- الوسائل 12: 268 ب (14) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1، المكاسب: 114.
8- النحل: 75.

ص: 10

المرأة لزوجها أن [لا] تصوم تطوّعا إلّا بإذنه و أمره، و من صلاح العبد و طاعته و نصحه لمولاه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن مولاه، و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا إلّا بإذن أبويه» (1).

و أمّا ما استأنس به الماتن قدّس سرّه على البطلان المطلق مما ورد في الجنايات من أنّ عمد الصبيّ خطأ (2) فلا استئناس به، على أنّ قصده كلا قصد، للفرق الواضح بين العمد و القصد و الخطأ و اللاقصد، مفهوما و مصداقا، بالعموم و الخصوص المطلق، فإنّ العمد المقابل للخطإ لا يستعمل إلّا في العمد المحظور بقصد، و الخطأ المقابل للعمد لا يستعمل إلّا في العمد المحظور لا عن قصد، بخلاف القصد و اللاقصد فلا ينحصر متعلّقهما في المحظورات، فلا يقال لغير الصائم: عمد في الأكل أو خطأ فيه، بل يقال: قصد الأكل أو لم يقصده، بخلاف الصائم، فيقال له: عمد الأكل أو لم يعمده، كما يقال: قصده أو لم يقصده.

و على ذلك لا استئناس في حديث: «عمد الصبيّ خطأ» (3) على ما استأنس به الماتن (4) من أنّ كلّ حكم شرعيّ تعلّق بالأفعال الّتي يعتبر في ترتّب الحكم الشرعيّ عليها القصد، بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد، فما يصدر منها عن الصبيّ قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد، لما عرفت من أنّ العمد و الخطأ غير القصد و اللاقصد.

ثمّ إنّ هذا كلّه في تشخيص كون الأصل اللفظي و مقتضى القواعد صحّة عقد الصبيّ إلّا ما خرج، أو بطلانها إلّا ما خرج، بعد تشخيص كون الأصل العملي الأوّلي مع البطلان، و قد عرفت أنّ المتيقّن و الأظهر من كلّ ما استدلّ به على


1- الوسائل 7: 396 ب (10) من أبواب الصوم المحرم و المكروه ح 2.
2- الوسائل 19: 307 ب (11) من أبواب العاقلة ح 3، المكاسب: 115.
3- الوسائل 19: 307 ب (11) من أبواب العاقلة ح 3، المكاسب: 115.
4- المكاسب: 115.

ص: 11

البطلان التفصيل بين المجاز بإذن سابق أو لاحق فيصحّ، و بين غيره فلا.

و أمّا تشخيص المخرجات و المستثنيات عن تحت الأصل و القاعدة فتفصيل الكلام فيه أن يقال: أمّا على ما اخترناه من كون الأصل و القاعدة هو مشاركة الصبيّ للبالغين في جميع الأحكام الوضعيّة و التكليفيّة و السياسات و العقوبات- نظرا إلى عمومها و إطلاقها- فالخارج عن تحت هذا الأصل العامّ و القاعدة المطلقة أمور:

منها: المؤاخذة على موجباتها حيث خصّت بالبالغين، و خرج الصبيان عن تحت عمومها، و المخرج لهم هو الإجماع، و حديث رفع القلم عنهم (1).

و منها: الجنايات بل مطلق ما لا يعذّر فيه العامد في الشريعة، حيث خرج الصبيان عن عموم مشاركة البالغين فيما لم يعذر العامد فيه من المحظورات، و المخرج لهم عن عموم المشاركة صحيحة ابن مسلم «بأنّ عمد الصبيّ خطأ» (2).

و منها: بطلان جميع عقودهم الغير المجازة بإذن سابق من الأولياء أو بإجازة لاحقة منهم، حيث خرج الصبيان عن عموم مشاركة البالغين في صحّة العقود بالاستقلال و الأصالة، و المخرج لهم عن ذلك هو الشهرة، و الإجماع المنقول، و خبر ابن حمزة المتقدّم (3) من أنّ أمر الصبيّ لا يجوز. هذا كلّه في بيان المخرجات و المستثنيات على القول بكون الأصل و القاعدة مشاركة الصبيّ مع البالغين في جميع الأحكام.

و أمّا على القول بالعكس و عدم مشاركته معهم فالخارج و المستثنى عن عموم هذا الأصل و إطلاق هذه القاعدة على تقدير تسليمها أيضا أمور:

منها: عبادات الصبيّ، فإنّه يشارك البالغين في مشروعيّتها و إن قلنا بأصالة


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 9.
2- الوسائل 19: 307 ب (11) من أبواب العاقلة ح 2.
3- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 7.

ص: 12

عدم المشاركة، لثبوت المخرج من الشهرة و الأخبار الدالّة على وجوب الصوم على الصبيّ إذا طاقه ثلاثة أيّام متتابعة (1)، و الصلاة إذا عقلها (2)، فإنّ أقرب مجازاتها الاستحباب.

و ما في الوسائل: «لا بأس بالغلام الّذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم، و أن يؤذّن لهم» (3).

و ما رواه الكليني (4)، و الصدوق (5) في توحيده، عن طلحة بن زيد، عن الصادق عليه السّلام قال: «إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللّٰه، شافع و مشفّع، فإذا بلغوا اثني عشرة سنة كانت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات» (6)، و لا قائل بالفصل، و للزوم الظلم عليه تعالى لو خلا عمله من الثواب، و لا ينفع الاعتياد فيما بعد، فإنّه ربما لا يحتاج إليه، و لفحوى ما دلّ على الثواب للوليّ، مع أنّ مشقّة الفاعل أكثر بكثير. إلى غير ذلك من الوجوه المقرّرة في بحث أنّ الأمر بالأمر أمر من كتاب الأساس في الأصول.

و منها: المعاملات الحقيرة، فإنّ الصبيّ يشارك البالغين في صحّتها منه عن قبل الأولياء عند جماعة من القائلين ببطلان عقوده و معاملاته، كما عن الفاضل القميّ في جواب سؤاله (7)، و عن المحدّث الكاشاني (8) و كاشف الغطاء (9) و صاحب


1- الوسائل 7: 168 ب «29» من أبواب من يصحّ منه الصوم ح 5.
2- الوسائل 3: 12 ب «3» من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها ح 2.
3- الوسائل 5: 397 ب (14) من أبواب صلاة الجماعة ح 3.
4- الكافي 6: 3 ح 8.
5- التوحيد 392 ح 3.
6- الوسائل 1: 30 ب «4» من أبواب مقدّمة العبادات ح 1.
7- جامع الشتات 1: 150.
8- مفاتيح الشرائع 3: 46.
9- كشف الغطاء: 49.

ص: 13

الرياض (1) حيث استثنوا المعاملات الحقيرة للأولياء عن عموم بطلان عقود الصبي عندهم، دفعا للعسر و الحرج اللازم من عدم استثنائه، و أخذا بالسيرة المستمرّة بين المسلمين خلفا عن سلف، على صحّة نيابتهم الأطفال في شراء باقة من البقل و بيع بيضة بفلس، و إجلاس الصبيان مجلس أساتيدهم و أوليائهم في الدكاكين و الأسواق للمعاملة، و اتخاذ الأكابر و ذوي الشئون الصبيان في بيوتهم لحوائج الأسواق، و لا إشكال في حجّية مثل هذه السيرة و كشفها عن تقرير المعصوم، بعد اطلاعه عليها و تمكّنه من الردع و عدم الردع، بما يفي في قطع مادّة العذر و الاعتذار.

خلافا للماتن قدّس سرّه (2) حيث منع صحّة معاملات الصبيّ مطلقا حتّى في المحقّرات، منكرا للزوم العسر و الحرج و لكاشفيّة السيرة المذكورة عن تقرير المعصوم عليه السّلام.

و فيه: أمّا إنكار لزوم العسر و الحرج من تفويض المحقّرات إلى الصبيان فهو و إن كان الأصل للشاكّ في لزومه العدم إلّا أنّه إن أراد إنكار لزوم العسر الشخصيّ فمسلّم الإنكار، إلّا أنّ العبرة ليست به، و إن أراد إنكار لزوم العسر النوعيّ الّذي به العبرة فلا مجال لإنكاره.

و أمّا إنكار السيرة فمنحصر إمّا في إنكار أصل السيرة، أو إنكار اطلاع المعصوم عليها، أو إنكار تمكّنه من الردع، أو إنكار عدم ردعه بدعوى كفاية الردع بمثل خبر ابن حمزة المتقدّم (3)، أو بمثل الحوالة إلى الأصول.

أمّا أصل وجود السيرة فلا مجال لإنكاره في المحقّرات، بل في كلّ ما يليق بحال الصبيان من المعاملات، لشهادة العيان بجريان سيرة المسلمين على


1- رياض المسائل 5: 61.
2- المكاسب: 115- 117.
3- تقدّم في ص: 7.

ص: 14

الوكول إلى كلّ صبيّ ما هو فطن فيه بحيث لا يغلب في المساومة عليه، فقد ترى أنّهم يكلون إلى البالغ أربع سنين شراء باقة بقل أو بيع بيضة بفلس، و إلى البالغ ثمان سنين شراء اللحم و الخبز و نحوهما، و إلى البالغ أربع عشرة سنة شراء الثياب بل الحيوان، بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق و البلدان، و لا يفرّقون بينه و بين الكامل خمس عشرة سنة، و لا يكلون إليه شراء مثل القرى و البساتين و بيعها إلّا بعد أن يحصل له التجارب.

و قول الماتن: «لا أظنّ أنّ القائل بالصحّة يلتزم العمل لسيرة على هذا التفصيل» (1) مجرّد استبعاد إذا لم يكن جهة انفراد، و إلّا فهو الفارق بين الأفراد.

و تقوية الماتن قدّس سرّه (2) احتمال كون هذه السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين كما في كثير من سيرهم الفاسدة، كسيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين و غيرهم، و لا بينهم و بين المجانين، و لا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الوليّ أصلا و معاملتهم لأوليائهم على سبيل الآليّة، مع أنّ هذه مما لا ينبغي الإشكال في فسادها، سيّما الأخير. مدفوع.

نقضا: بلزوم سقوط جميع سيرات المسلمين عن الحجّية ما لم يعاضدها الأدلّة الخارجيّة، إذ ما من سيرة من سير المسلمين إلّا و يتأتّى فيها هذا الاحتمال.

و حلّا: بأنّا لم نقصد الاستكشاف من مجرّد تلك السيرة عن حكم العقل أو الشرع حتّى يدفعه احتمال صدورها عن عدم المبالاة بل إنّما نقصد الاستكشاف منها و من عدم ردع المعصومين عنها بعد فرض اطلاعهم عليها عن تقريرهم و رضائهم بها، ضرورة أنّ عدم مبالاة المسلمين في أمر من أمور الدين لا يقتضي عدم مبالاة المعصومين فيه أيضا، بل يقتضي أشدّية مبالاتهم في الردع على الوجه الآكد و الأبلغ.


1- المكاسب: 116.
2- المكاسب: 116.

ص: 15

و من هنا يعلم أنّ الأصل في كلّ سيرة هو الكاشفيّة عن الرضا و التقدير إلّا ما ثبت عنه الردع القاطع للعذر، كما في معاملة الصبيان لأنفسهم من دون رضا الأولياء، لا أنّ الأصل في كلّ سيرة هو عدم الكاشفيّة و عدم الحجّية إلّا ما ثبت بدليل خاصّ.

و من هنا يعلم أيضا أنّ مقايسة السيرة الجارية على صحّة معاملة الصبيان في المحقّرات عن قبل الأولياء على السيرة الجارية على عدم الفرق بين المميّزين و غيرهم، و لا بينهم و بين المجانين، و لا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال و معاملتهم للأولياء على سبيل الآليّة فيه.

أوّلا: منع السيرة على عدم الفرق إن لم ندّعي السيرة على الفرق.

و ثانيا: سلّمنا السيرة على عدم الفرق بين ما ذكر، إلّا أنّ مقايسة السيرة فيما نحن فيه على السيرة الجارية على عدم الفرق بين ما ذكر قياس مع الفارق، و هو ثبوت الردع في المقيس عليه و عدم ثبوته في المقيس، حتّى لو سئل عن نفس المعاملين مع الصبيّ الغير المأذون لاعترفوا بالتقصير، أو اعتذروا بما ليس عذرا، بخلاف ما لو سئلوا عن وجه معاملتهم مع المأذون فإنّهم يجيبون بأنّه مأذون، الّذي هو بمنزلة الصغرى لكلّية صحّة كلّ ما هو مأذون فيه من المعاملات المكمون في أنفسهم قطعيّتها أو ظنيّتها، مع أنّ شكّهم في كلّية صحّته كاف في صحّته بعد قيام سيرتهم عليه من دون ثبوت ردع عنه.

و الحاصل: أنّا لم نتحاش عن حجّية كلّ سيرة من سير المسلمين و كاشفيّته عن رضا رئيسهم المعصوم.

فإن قلت: قد نرى بالعيان قيام الإجماع و البرهان على فساد بعض سيرهم.

قلنا: هو الفارق بينه و بين ما نحن فيه، كما لا يخفى.

و أمّا احتمال حدوث السيرة الجارية على صحّة معاملة الصبيان في

ص: 16

المحقّرات عن قبل أوليائهم بعد زمن المعصومين فبعيد جدّا؛ لتشابه الأزمان و عدم تفاوت الأحوال و الدواعي، مضافا إلى عدم احتمال حدوثه أحد مع توفّر الدواعي على ضبط ما يحدث من السير، سيّما المخالفة للقواعد و السنن، أ لا ترى ضبطهم كون السيرة الجارية بين المسلمين على شرب التتن حادثة من سفهاء إيران، و على شرب الچائي حادثة من الإرسيّة، و على امتياز الهاشميين لغيرهم في الألبسة حادثة من سلاطين الصفويّة، إلى غير ذلك من السير الحادثة، حيث ضبط حدوثها بحيث لم يشك في حدوثها، مع أنّها ليست من السير المخالفة للقواعد، فالمنصف يقطع بأنّ ما نحن فيه ليس منها.

و أمّا احتمال عدم اطلاع المعصومين بتلك السيرة الجارية على معاملة الصبيان عن قبل أوليائهم في المحقّرات من الطرق البشريّة الموجبة لوجوب ردعهم عنها فبعيد جدا؛ لقضاء العادة باطلاع المعصومين من جميع أنحاء الطرق البشريّة فضلا عن بعضها على الأمر المتداول فعله، و عموم البلوى به فيما يقرب من تسعمائة سنة.

و أمّا احتمال عدم تمكّنه من الردع عنها فمضافا إلى أصالة عدم المانع منه معلوم العدم، لعدم تقيّة و لا غيرها من الموانع، سيّما المانع المستوعب جميع تلك المدّة الطويلة، فإنّه أيضا من المحالات العاديّة المعلوم عدمه بقضاء العادة، ألا ترى أنّ الأمور المخالفة للعامّة و سلاطين الجور مع شدّة التقيّة فيها قد أبرزوها حقّ الإبراز، فكيف بالأمور الموافقة للعامة؟ و عدم شائبة التقيّة فيها أصلا.

و أمّا احتمال اكتفاء المعصومين في الردع عن تلك السيرة بالحوالة إلى مثل أصالة الفساد في المعاملات، أو إلى عموم حرمة أكل مال الغير، أو إلى إطلاق رواية ابن حمزة المتقدّمة (1) فمدفوع أيضا: بأنّ الاكتفاء بمثل الحوالة إلى أصل أو


1- تقدّم في ص: 7.

ص: 17

عموم أو إطلاق في التبليغ إنّما هو فيما لم يعم به البلوى و لم يجري السيرة على العمل به، و أمّا فيما عمّ به البلوى بل قد جرى عليه السيرة بزعم صحّته- كما فيما نحن فيه- فليس من مقتضى اللطف، و عادة المعصومين الاكتفاء في تبليغ الردع عن مثله بالحوالة إلى أصل أو عموم أو إطلاق، فضلا عن العموم و الإطلاق النازل منزلة الإجمال في مثل المقال. بل كان اللازم بمقتضى اللطف و العادة في كلّ ما شاع المنكر بتلك المثابة في الشيوع و عموم البلوى و جريان السيرة عليه المبالغة في الردع عنه على الوجه الأكيد و النهي الشديد، بل لا يكتفي بمجرّد ذلك حتّى يعلّق الردع و النهي بعنوان ذلك المنكر صريحا لا تلويحا، كما علم ذلك منهم عليهم السّلام بالنسبة إلى القياس (1)، و شرب المسكرات (2) و غيرهما من المنكرات الشائعة في عصرهم، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (3).

و بيان المنكر بالردع عنه يختلف باختلاف حال المنكر من حيث الشدّة و الضعف، و باختلاف حال المكلّفين في عموم البلوى به و عدمه، و في كثرة ارتكابه و قلّته، فربّ منكر يكفي في بيانه و الردع عنه بالحوالة إلى أصل من الأصول أو قاعدة من القواعد، و ربّ منكر لا يكتفى في بيانه و الردع عنه بمجرّد ذلك بل يحتاج إلى الردع بعموم أو إطلاق، و ربّ منكر لا يكفي في بيانه و الردع عنه ذلك المقدار أيضا بل يحتاج إلى تأكيد الردع بعمومات متتابعة و تشديد النهي بإطلاقات متعاقبة، و ربّ منكر لا يكفي في بيانه و الردع عنه بهذا المقدار أيضا بل يحتاج من جهة كثرة تداوله و شدّة حرمته إلى تعلّق الردع و النهي بعنوانه الصريح الخاصّ، كما في القياس و نحوه.

و ما نحن فيه من معاملة الصبيان عن قبل أوليائهم على تقدير كونه منكرا


1- الوسائل 18: 20 ب (6) من أبواب صفات القاضي.
2- الوسائل 17: 259 ب «15» من أبواب الأشربة المحرّمة.
3- الأنفال: 42.

ص: 18

في الواقع إنّما هو من قبيل الوجه الأخير الذي لا يكتفي في بيانه و الردع عنه إلّا بعنوانه الصريح الخاصّ- كالقياس- على الوجه الأكيد و الردع الشديد حتّى يطرق الأسماع، و يقطع مادّة العذر في المحافل و البقاع، فإنّ المعصومين إنّما نصّبوا رحمة للعالمين، و ليس من دأبهم المؤاخذة و إلزام المكلّفين من الطرق الخفيّة و المستمسكات المخفيّة، بل لم يرضوا باقتحام الكفّار في المنكر، فكيف يرضوا باقتحام مواليهم فيه؟

ثمّ إنّ صحّة معاملة الصبيّ المأذون لا ينحصر فيما قرّرنا من السيرة، بل يحتمل أيضا صحّتها من باب الآليّة، و إلحاق الصبيّ بالآلة الّتي يتعاطى بها المتعاملين الثمن أو المثمن.

أو من باب تولّي المعامل مع الصبيّ طرفي العقد فيكون موجبا قابلا بعد إحرازه مأذونيّة الصبيّ في المعاملة و رضا الآذن له فيها، كما عن كاشف الغطاء (1) نفي البعد عنه.

أو من باب إلحاق معاملة الصبيّ المأذون في المعاملة بالمعاطاة الواقع بين الكاملين بمجرّد المراضاة و إن خرج عن موضوع المعاطاة بعدم وقوع التعاطي بينهما، بناء على عدم توقّف صحّة المعاطاة على تعاط قائم بشخصين، و حصوله بمجرّد إحراز المراضاة كيف ما اتّفق، كما عن بعض المحقّقين توجيهه الصحّة به.

و لكن على كلّ من هذه التوجيهات الثلاثة للصحّة يخرج صحّة معاملة الصبيّ عن موضوع كونه مستثنى من معاملة الصبيّ، لرجوع وجه الصحّة في كلّ من التوجيهات الثلاثة إلى وقوع المعاملة بين الكاملين، لا بين الصبيّ و غيره، أو بين الصبيين حتّى يكون من مستثنيات معاملة الصبيّ.

و إلى هذا أشار الموجّه المذكور في المتن: بأنّ التحقيق أنّ هذا ليس


1- كشف الغطاء: 50.

ص: 19

مستثنى من كلام الأصحاب، و لا منافيا له (1) .. إلخ.

قوله: «بل ما ذكر أولى بالجواز من الهديّة، من وجوه».

[أقول:] و هي أشديّة العسر، و أقوائيّة السيرة، و أبعديّة الآليّة فيه منه في الهديّة بمزيّة الإنشاء، و مزيد الاعتناء به و بفعله و عقده و قصده في المعاملة، دون الإهداء.

ثمّ إنّ الماتن قدّس سرّه (2) بعد ما ضعّف السيرة المتقدّمة على استثناء المحقّرات من معاملة الصبيان قد ضعّف كلّ من سائر توجيهات الصحّة الثلاثة الباقية، بما سيأتي التعرّض لما في تضعيفه من الضعف، كما تقدّم تضعيف خدشته في السيرة بأبلغ وجه و أبسط.

مضافا إلى توقّف تضعيفه التوجيهات الثلاث على عدم تماميّة السيرة المتقدّمة على صحّة معاملة الصبيّ المأذون، بخلاف ما لو تمّت السيرة المتقدّمة، فإنّه على تقدير تماميّتها لا يتوقّف صحّة معاملة الصبيّ المأذون على تماميّة شي ء من التوجيهات الثلاثة، بل يحتمل أن يكون وجه صحّتها كونه معاوضة مستقلّة، أو إباحة معوّضة، أو كون الصبيّ كالكبير في صحّة المعاملات و لو في الجملة لا بالجملة، إلى غير ذلك من التوجيهات التبرعيّة الّتي هي كالجموع التبرعيّة و النكات بعد الوقوع الّتي لا يقدح الخدشة في وجاهتها بصحّة وقوع الواقع بعد فرض وقوعه.

هذا، مع أنّ الخدشة في توجيهه الصحّة من باب المعاطاة بأنّه موقوف أوّلا على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة أو تمليك مدفوعة.

أوّلا: بما استظهرناه سابقا من إطلاق تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (3) و حديث


1- المكاسب: 116.
2- المكاسب: 116.
3- النساء: 29.

ص: 20

«طيب النفس» (1) الاكتفاء في حكم المعاطاة بمجرّد المراضاة كيف ما اتفق، و عدم توقّفه على إنشاء إباحة أو تمليك.

و ثانيا: سلّمنا توقّفه على حصول الإنشاء، لكن ندّعي حصول ذلك الإنشاء بدفع الوليّ المال إلى الصبيّ.

و قول الماتن قدّس سرّه: «إنّ هذا إنشاء إباحة لشخص غير معلوم، و مثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجها عن موضوعها (2) .. إلخ».

[أقول:] مدفوعة: أوّلا: بأنّه معلوم الدخول في حكم المعاطاة بإطلاق تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و «طيب النفس»، ألا ترى أنّ تسبيل الماء لكلّ من شرب و إباحة الطعام لكلّ من أكل إلى غير ذلك من الإباحات العامّة صحيحة بإطلاق «التراضي» و «طيب النفس»، مع عدم كون المقصود منها الإباحة لشخص معلوم.

و ثانيا: أنّا نفرض إنشاءه الإباحة لشخص معلوم بدفعه المال إلى الصبيّ و إرساله إلى ذلك الشخص المعلوم ثمّ نلحق الغير المعلوم به، بضميمة الإجماع المركّب و عدم القول بالفصل.

لا يقال: إنّ إلحاق الإباحة لشخص غير معلوم بالإباحة لشخص معلوم بضميمة الإجماع المركّب ليس بأولى من العكس، أعني: إلحاق الإباحة لشخص معلوم بالإباحة لشخص غير معلوم بضميمة الإجماع المركّب.

لأنّا نقول: ضميمة الفرض الأوّل- و هو السيرة- أقوى، فهو أولى من العكس.

و كذلك الخدشة في توجيه الصحّة من باب التولّي لطرفي العقد الإيجاب


1- الوسائل 3: 424 ب (3) من أبواب مكان المصلّي ح 1.
2- المكاسب: 116.

ص: 21

و القبول، أوّلا: بأنّ تولّي وظيفة الغائب- و هو من أذن للصغير- إن كان بإذن منه فالمفروض انتفاؤه، و إن كان مجرّد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل، بل ممنوع. مدفوعة: باختيار الشقّ الأوّل و منع انتفائه؛ لأنّ إتيان الصبيّ للمعاملة بأمارات الإذن من الوليّ و الشواهد الحاليّة الكاشفة عن إذن الوليّ له في المعاملة لا يقصر عن الكتابة المؤذنة بالوكالة لتولّي العقود و المعاملات عن قبل الغائب.

و كذلك الخدشة الأخرى على ذلك بأنّ من المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الصبيان النيابة عمّن أذن للصبيّ مدفوعة: بأنّ مجرد التعاطي مع الصبيّ على أنّه مأذون كاف في تحقّق النيابة المكمونة في خزانة الخاطر، و لا يحتاج إلى ما وراء ذلك من إحضارها في الخاطر و قصد عنوانها مقترنا بالمعاملة، سيّما في المعاطاة المبني على مجرّد المراضاة، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه إذا ثبت صحّة ما يصدر من الصبيّ من المعاملات اللائقة بحاله بإذن الوليّ فهل يختصّ صحّتها منه بصورة آليّته عن قبل الوليّ في المعاملة، أم يعتبر مع ذلك في صحّتها قصد عنوان الآليّة لئلّا يصحّ معاملة الصبيّ أصالة و لا وكالة إذا لم يقصد عنوان الآليّة في المعاملة، أم يكفي في صحّتها مجرد رضا الولي و إن كانت المعاملة لنفسه؟ وجوه.

أقواها الأخير و إن كان الأحوط منه الأوّل ثمّ الأحوط منه الوسط، و ذلك لأنّ المتيقّن من معقد الشهرة و الإجماع المنقول و أخبار عدم جواز أمر الصبيّ حتّى يبلغ (1) هو صورة عدم رضا الوليّ بأمره دون صورة رضائه، فضلا عن صورة إذنه الذي هو أخصّ من الرضا، سيّما صورة قصد عنوان الآليّة، و من المقرّر في أصولنا حجّية العامّ المخصّص بالمجمل المفهوميّ و الاقتصار في


1- الوسائل 1: 30 ب (4) من أبواب مقدّمة العبادات.

ص: 22

تخصيصه على القدر المتيقّن، فيقتصر فيما نحن فيه من عدم جواز معاملة الصبيّ على خصوص صورة رضا وليّه، و يرجع فيما عداه إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و إطلاق تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (2) و «طيب النفس» (3).

و يتفرّع على ذلك قوّة صحّة معاملة الصبيّ و إن كان لنفسه في المحقّرات، بل مطلق ما يليق بحاله من المعاملات، الّتي هو فطن فيها بحيث لا يغلب في المساومة، و حلّية أخذ ما يبذله الصبيّ عن رضا بإزاء معاملاته و إن كان ما يبذله من ماله أو حيازاته أو لقطاته المتملّكة له بالالتقاط إذا أحرز رضا وليّه بتلك المعاملة علاوة على رضا نفسه، وفاقا لشيخنا العلّامة، و ما عن الفاضل القمّي في جواب سؤاله (4).

بل الأقوى حلّية مطلق ما يبذله الصبيّ من ماله و لو مجّانا من الهديّات و الهبات و الضيافات اللائقة بحاله إذا أحرز رضا الوليّ فيها و لو بالفحوى أو شاهد الحال؛ لعموم الأدلّة و إطلاقها على ما عدا المتيقّن من التخصيص، و هو صورة عدم رضا وليّه.

ثمّ الوليّ للصبيّ لا ينحصر في الأب و الجدّ حتّى يخرج الفاقد لهما عن الحكم المذكور، بل لا يخلو الصبيّ عن وليّ في مذهب الإماميّة، إذ الفاقد للأب و الجدّ لا أقلّ له من وصيّ، و مع فقده أيضا لا أقلّ من وجود حاكم شرع، و مع فقده أيضا فلا أقلّ من وجود عدول المؤمنين، و مع فقده الجميع فلا أقلّ من وجود الإمام الذي لا يخلو الأرض منه، فإذا أحرز رضا أحد أوليائه المترتّبين و لو بشاهد الحال أو الفحوى كفى في حلّية ما يبذله الصبيّ و لو مجّانا مما يليق


1- المائدة: 1.
2- النساء: 29.
3- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 20.
4- جامع الشتات 1: 101.

ص: 23

بحاله، بعد انضمام رضا الوليّ إلى رضائه.

بل و كذا الحكم إن احتمل كون المبذول من مسروقاته أو مقبوضاته بالوجوه الفاسدة؛ لاندفاع احتمال الفساد عمّا في يد المسلم من الأموال بأصالة الصحّة و غلبتها و لو كان المسلم صبيّا مميّزا.

نعم، يكره الأخذ من كسب الغلام الذي لا يبالي بالحرام، لما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السّلام قال: «و نهى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله عن كسب الغلام الذي لا يحسن صناعة بيده»، معلّلا بأنّه: «إن لم يجد سرق» (1)، كما يكره الأخذ من كسب غير الغلام ممن لا يبالي بالحرام.

ثمّ لو سلّمنا عدم صحّة معاملات الصبيّ إلّا في صورة الآليّة و إذن الوليّ له فهل يكفي في إحراز الآليّة و المأذونيّة بمجرّد الشواهد الظنّية كالاكتفاء بجلوسهم مقام أوليائهم و تظاهرهم على رءوس الأشهاد حتّى يظنّ أنّ ذلك من إذن الأولياء و خصوصا في المحقّرات، أم لا يكفي إحرازها إلّا بالعلم أو ما يقوم مقامه كما لا يكفي إحراز الرضا إلّا بأحدهما؟ وجهان. من عدم حجّية الظنّ في الموضوعات الصرفة، و كون المتيقّن من معقد السيرة هو صورة العلم. و من أنّ الأظهر جريان السيرة على الاكتفاء بالشواهد الظنّية في إحراز الآليّة و المأذونيّة للصبيّ، كما عن كاشف الغطاء (2) التصريح به، مضافا إلى عود لزوم العسر و الحرج و انسداد باب المعاملة مع الصبيان لو اقتصر على خصوص العلم في إحراز المأذونيّة و الآليّة.

و حاصل الكلام من البدو إلى الختام: أنّ الأصل الأصيل الّذي عليه التعويل هو مشاركة الصبيان مع البالغين في جميع الأحكام التكليفيّة و الوضعيّة، إلّا ما خرج من التكليفيّة كرفع المؤاخذة، و من الوضعيّة كرفع الصحّة عن المعاملات


1- الوسائل 12: 118 ب «33» من أبواب ما يكتسب به ح 1.
2- كشف الغطاء: 49- 50.

ص: 24

المستقلّة لنفسه من دون إذن الوليّ، كما هو الأقرب إلى القواعد و عموم الخطابات و إطلاقها، إذ لم نستعهد ورود شي ء من الخطابات بلسان يا أيّها المكلّفين، أو يا أيّها البالغين، بل هي واردة بلسان يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ (1)، و يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (2)، يٰا بَنِي آدَمَ (3)، و نحوها من العمومات و الإطلاقات الشاملة للصبيان.

و لو سلّمنا أنّ الأصل عدم مشاركتهم مع البالغين، فلا أقلّ من استثناء أمور:

منها: عباداتهم، فإنّها مشروعة للوجوه الخاصّة المتقدّمة.

و منها: المحقّرات، بل مطلق اللائق بحالهم من المعاملات المأذون فيها عن قبل الوليّ، للسيرة المتقدّمة.

و منها: إنشاءاتهم و قصودهم في العقود الصادرة عنهم وكالة عن قبل الأولياء، أو غيرهم، لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4).

و منها: رضاؤهم و مراضاتهم في تصحيح جميع ما يتوقّف على الرضا و المراضاة، من المعاطاة و الإباحات و الضيافات و الهديّات، و غيرها من المجّانيات و غير المجّانيات اللائقة بحالهم إذا رضي الوليّ بها، لعموم تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (5)، و إطلاق «طيب النفس» (6).

بقي الكلام في حكم قبوضهم في الأحكام المتوقّفة على القبض و المقابضة، كلزوم الوقف و الرهن و الضمان، و تعيين الحقوق الكلّية الثابتة في


1- الحج: 1 و 5.
2- المائدة: 8.
3- الأعراف: 27.
4- المائدة: 1.
5- النساء: 29.
6- تقدّم ذكر في هامش (1) ص: 20.

ص: 25

الذمّة الموقوف تعيّنها على القبض، إلى غير ذلك من الأحكام المتوقّفة على القبض الصحيح، هل يتحقّق بقبض الصبيّ مطلقا، أم لا يتحقّق بقبضه مطلقا، أم التفصيل بين قبضه وكالة فيترتّب عليه أحكام القبض الصحيح، و أصالة فلا؟ و هو الأقوى، فيكون حكم قبضه هو حكم إنشاءاته في الصحّة و النفوذ وكالة، لا أصالة. و الوجه الوجه.

[منها القصد]

قال طاب ثراه: «و من جملة شرائط المتعاقدين: قصدهما .. إلخ».

أقول: الخارج بهذا القيد عقد الغالط و العابث، و أمّا خروج عقد الفضولي و المكره، و ما لا يقبل التمليك شرعا كبيع الخمر و الخنزير، كما ربما يتوهّم أو توهّم فممنوع.

أمّا بيع المكره فخروجه بقيد القصد على إطلاقه ممنوع؛ لأنّ الإكراه على العقد تارة يورث سلب القصد عن العاقد فيخرج، و تارة لا يورث سلبه فلا يخرج، فيكون الإكراه داعيا إلى القصد، كما يكون داعيا إلى العقد.

و أمّا البيع الفضولي و ما لا يقبل التمليك شرعا فلا يخرج شي ء منهما بقيد القصد، من جهة أنّه لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المحقّق في صدق مفهوم العقد، و أمّا اشتراط العلم بتأثيره شرعا فلا دليل عليه بعد صدق اسم العقد و القصد عرفا.

لكن لا لدعوى صدق التأثير و التكسير عرفا من دون التأثر و الانكسار، كما يقال: كسرته فلم ينكسر، و سحقته فلم ينسحق حتّى يمنع صدقه على وجه الحقيقة، بل لأنّ نفي ترتيب آثار قبول أثر العقد على ما لا يملك شرعا عند الشارع لا يقتضي نفي ماهيّة صدق ذلك العقد عرفا، كما أنّ نهي السلطان رعيّته عن بيع شي ء من الأشياء لمصلحة من المصالح لا يدلّ على نفي ماهيّة صدق ذلك البيع في العرف بعد اتفاقه، كما لا يخفى. هذا كلّه في بيان اعتبار قصد المتعاقدين

ص: 26

إلى مدلول اللفظ ليخرج الغالط، و إلى المعنى ليخرج الهازل.

و أمّا تعيين المالكين الّذين يتحقّق النقل أو الانتقال بالنسبة إليهما ففي اعتباره مطلقا- كما هو الأشبه إلى الأصول العمليّة- أو عدمه مطلقا- كما هو الأقرب إلى الأصول اللفظيّة- أو التفصيل بين أن يتوقّف تعيين المالك على التعيين حال العقد لتعدّد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر في النيّة أو مع اللفظ به أيضا، و بين عدم توقّف تعيين المالك على التعيين حال العقد- بأن يكون العوضان معنيين و لا يقع العقد فيهما على وجه يصحّ إلّا لمالكهما فلا يعتبر مطلقا- أو إذا لم ينو الخلاف، أو لم يصرح بالخلاف و إن نواه وجوه.

أقواها التفصيل المطلق، وفاقا للماتن، و بعض المحقّقين المذكور في المتن (1)، لكن لا لما ذكره الماتن، و لا لما ذكره البعض من المحقّقين، و توضيح ذلك أن يقال:

أمّا وجه اعتبار تعيين المالك في الشقّ الأوّل من التفصيل فليس لما ذكره بعض المحقّقين من قوله: «لو لا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالك في نفس الأمر» (2).

لإمكان المناقشة في هذا الاستدلال، نقضا: ببيع الفضولي عن قبل مالك معيّن، و حلّا: بأنّه إن قلنا بأن إجازة المالك المعيّن في الفضولي كاشفة عن وقوع البيع في الواقع منعنا الملازمة المذكورة، و هو بقاء الملك بلا مالك في الواقع لو لم يعيّن المالك، بل كان مالكه في صورة لحوق الإجازة هو المجيز المعلوم في علم الباري، و في صورة عدم لحوق إجازة له هو المالك الأوّل.

و إن قلنا بأنّ الإجازة ناقلة عن الملك لا كاشفة منعنا بطلان اللازم، و هو بقاء الملك بلا مالك أو منعنا الملازمة أيضا بأنّه قبل الإجازة باقيا على ملك مالكه


1- المكاسب: 117.
2- مقابس الأنوار: 115.

ص: 27

الأوّل.

و بالجملة: فعدم تعيين المالكين في العقود نوع من العقود الفضوليّة كالمعيّن فيها المالكين، فقول البائع: بعت ثوبا كذا بكذا و كذا من الدرهم من دون تعيينه مالك الثمن و لا المثمن في حكم الفضولي المعيّن فيه المالكين، فيتعيّن مالك المثمن بمن بادر إلى إجازة مثل ذلك البيع ببذل ذلك المثمن، و كذا يتعيّن مالك الثمن بمن بادر إلى إجازة ذلك البيع بقبوله، فالمقتضي لصحّة الفضولي من الإطلاقات و عمومات أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (1) و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (3) «و الناس مسلّطون» (4) و غيرها قاض بصحّة مطلق الفضوليّ و ان لم يعيّن فيه المالكين لو لا ظهور الشهرة بل الإجماع من الحدس على الفرق و عدم صحّة مثله.

و لا لأجل ما عن ذلك المحقّق أيضا من قوله: «لو لا اعتبار التعيين، يعني في الشقّ الأوّل من تفصيله لزم عدم حصول الجزم بشي ء من العقود الّتي لم يتعيّن فيها العوضان .. إلخ» (5).

لمنع الملازمة؛ بأنّ اللازم هو انتفاء الجزم بتعيين المالكين في العقود لا انتفاء الجزم بنفس العقد، و هو النقل و الانتقال، فإنّ الجزم بنفس العقد الذي هو النقل و الانتقال لا ينافيه عموم المنتقل منه و عموم المنتقل إليه، كما لو قال: بعت كلّ ثوب من الثياب المتّصفة بالصفات الكذائيّة من أيّ مالك من المماليك بمبلغ كذا في ذمّة أيّ شخص من الأشخاص المجيزين لذلك العقد، فإنّه لو لا الحدس


1- البقرة: 275.
2- المائدة: 1.
3- النساء: 29.
4- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99.
5- مقابس الأنوار: 115.

ص: 28

بفتوى المشهور بل الإجماع على عدم صحّته لم يمنع مانع آخر من نهوض الإطلاقات و العمومات إلى صحّته و تنجّزه من كلّ من يجيزه من المالكين للثمن و المثمن.

فكلّ مالكي الثمن و المثمن المجيزين لذلك العقد الكلّي العامّ يندرجان في طرفي ذلك العقد الكلّي العام، الّذي يصحّ بعد الإجازة بالعمومات و الإطلاقات المتقدّمة (1) لو لا الحدس بعدم إفتاء المشهور به، لصدق اسم العقد عرفا عليه، و وجود الجزم المعتبر فيه. نعم الجزم المنتفي في مثل هذا العقد هو الجزم بتعيين المالكين.

و أمّا الجزم بنفس العقد فهو موجود و به الكفاية في العقود، فإنّ الجزم بنفس العقد إنّما ينتفي فيما يشترك بين العقد و غيره من الأفعال، لا فيما يتعيّن كون المقصود منه العقد، و لكن يشترك فيه المالكين بين أشخاص عديدة، و انتفاء الجزم الثاني في المعاملات غير قادح في صحّتها.

و أمّا قدح انتفائه في العبادات حيث لا يكفي في صحّتها مجرّد الجزم بعنوان عبادة من العبادات من دون الجزم بتعيين تلك العبادة من بين المشتركات فيمكن أوّلا: منع قدحه، لعدم الإجماع على قدحه في العبادة أيضا.

بل قد نقل شيخنا العلّامة عن الفاضل القميّ (2) في جواب سؤاله صحّة العبادات المأتي بها بعنوان العبادة، من دون تعيين مصرفها من بين المصارف المشتركة، فأجاز احتساب تلك العبادة بعد إيقاعها من كلّ ما شاء من المصارف، فإذا قرأ قراءة أو زار زيارة على وجه القربة المطلقة من دون تعيين من يرجع الثواب إليه جاز احتسابها، بعد الإتمام عن نفسه و عن غيره، بل أجاز أخذ الأجرة


1- تقدّم في هامش (1- 4) ص: 27.
2- جامع الشتات 1: 302- 304.

ص: 29

على انتقالها إلى الغير بعد وقوعها على الوجه الكلّي كما يجوز قبله.

و ثانيا: لو سلّمنا قدحه في العبادات، فإنّما هو من جهة انتفاء القربة الّتي بها قوام العبادات، نظرا إلى أنّ إتيان العبادة من دون تعيينها من بين المشتركات ليس لداعي أمر خاصّ من تلك الأوامر المتعددة و إنّما هو لداعي أحدها لا بعينه، و هو أمر منتزع ليس بمأمور به بذلك العنوان المنتزع، و إنّما المأمور به كلّ واحد من الأوامر المتأصّلة الّتي لم يأت العمل بداعي أحدها بخصوصه، فيكون البطلان من جهة أنّ ما وقع لم يؤمر به و ما أمر به لم يقع، بخلاف المعاملات فإنّ قوامها ليس بتحقّق القربة و لوازمها حتّى ينتفي صحّتها بانتفاء شي ء من اللوازم العقليّة القربة.

و لا لأجل قوله: «لا دليل على تأثّر التعيين المتعقّب» (1).

لما عرفت ما فيه من النقض بتأثّر الإجازة المتعقّبة، و من الحلّ بإمكان الاستدلال عليه بالإطلاقات و العمومات المتقدّمة.

و لا لأجل قوله: «لا دليل على صحّة العقد المبهم، لانصراف الأدلّة إلى الشائع المعهود» (2).

لما فيه من أنّه إن أريد انصراف العمومات إلى العقود المعهودة نوعها فما نحن فيه من البيوع الغير المتعيّن فيها المالكين من قبيل المعهودة نوعها قطعا، و إن أريد انصرافها إلى المعهودة صنفها فهو ممنوع؛ لبعده عن ظاهر عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3)، أو إلى المعهودة شخصها فأبعد جدّا؛ لاقتضائه الاقتصار في صحّة العقود على خصوص الثابت عليه السيرة من العقود.

و لا لأجل ما استدلّ به الماتن من قوله: «لتوقّف اعتبار ملكيّة ما في الذمم


1- مقابس الأنوار: 115.
2- مقابس الأنوار: 115.
3- المائدة: 1.

ص: 30

على تعيين صاحب الذمّة .. إلخ» (1).

لما فيه من إمكان منع التوقّف، فكما أنّ نفس ما في الذمّة كلّي لا يتوقف على تعيينه في الأعيان الخارجيّة كذلك كلّي صاحب الذمّة لا يتوقّف على تعيينه في الأشخاص الخارجيّة، بل يكفي التعيين المتعقّب بالإجازة لذلك الكلّي، كما لا يكفي نظيره في الفضولي.

و لا لأجل قوله: «إجراء أحكام الملك على ما في ذمّة الواحد المردّد بين شخصين فصاعدا غير معهود» (2).

لما عرفت ما فيه من أنّه إن أراد كونه غير معهود نوعها فممنوع؛ لأنّ عدم تعيين المالكين لا يخرج البيع عن نوع البيع، و إنّما يخرجه عن الصنف الممنوع اشتراط معهوديتة بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حسب ما قرّر.

فتلخّص مما ذكرنا: أنّ اعتبار التعيين في الشقّ الأوّل من التفصيل المذكور ليس لأجل شي ء مما ذكره بعض المحقّقين، و لا لأجل شي ء مما ذكره الماتن طاب ثراه، بل إنّما هو لأجل أنّ الظاهر الشهرة بل الإجماع على اعتبار التعيين فيه، و لو لا الشهرة و الإجماع لم نفرّق بين الشقّين في الحكم بعدم اعتبار التعيين.

ثمّ إنّ هذا كلّه في وجه اعتبار التعيين في الشقّ الأوّل من التفصيل.

و أمّا وجه عدم اعتبار التعيين في الشقّ الثاني فهو عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3) و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (4) و «تسليط الناس على أموالهم» (5) و غيرها من الإطلاقات و العمومات.

لا ما قاله الماتن طاب ثراه: «من أنّ مقتضى المعاوضة و المبادلة دخول كلّ


1- المكاسب: 117.
2- المكاسب: 117.
3- المائدة: 1.
4- النساء: 29.
5- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99.

ص: 31

من العوضين في ملك مالك الآخر، و إلّا لم يكن كلّ منهما عوضا و بدلا، و على هذا فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك» (1).

لما فيه من أنّه إن أراد أنّ دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر من مقتضى إطلاق المعاوضة فهو مسلّم، لكنّه لا ينهض إلى عدم اعتبار التعيين مطلقا، حتّى في صورة التقييد، و إن أراد كونه من مقتضى ماهيّة المعاوضة لينتفي ماهيّة المعاوضة بتقييد دخول أحد العوضين في ملك ثالث- كما هو صريح كلامه (2)- فهو ممنوع، لوقوع نظيره في الشرع بكثير.

منها: الأمر بالعمل العائد نفعه إلى ثالث، فإنّه يستحق العامل الأجرة من الآمر و إن لم يرجع نفع عمله إلى الآمر.

و منها: حقّ الجعائل لردّ ضالّة الغير، كما لو قال الجاعل: «من أتى بضالّة فلان فله عندي كذا» فإنّ الآتي بها يستحقّ حقّ الجعالة من الجاعل و إن لم يرجع إليه النفع.

و منها: الهبة المعوّضة بعوض مشروط لثالث، فإنّ الظاهر صحّته و إن لم يدخل كلّ من العوضين في ملك المالك الآخر.

و منها: تزويج الناس أولادهم أو غير أولادهم بجعل المهر في ذممهم أو في أعيان أموالهم، مع عدم دخول العوض إلى أنفسهم. اللّٰهمّ إلّا أن يمنع صحّة ذلك العقد، كما عن بعض، أو يمنع كون المهر عوضا عن الزوجة، بناء على أنّه من مقولة الهديّات، و أنّ عوض الزوجة الزوج، كما عن بعض آخر.

ثمّ الفرق بين قولهم: «يشترط في العقود القصد» و بين قولهم: «العقود تابعة للقصود» إمّا بحسب المعنى فهما متعاكسان، ضرورة أنّ معنى شرطيّة القصد في العقود عبارة عن تأصّل العقود و استتباع القصود لها في التأثير و الصحّة، و معنى


1- المكاسب: 117.
2- المكاسب: 117.

ص: 32

تبعيّة العقود للقصود هو عكس ذلك، أعني: تأصّل القصود في التأثير و استتباع الألفاظ لها.

و إمّا بحسب الفائدة فشرطيّة القصد في العقود مخرج لعقد الهازل و العابث و الغالط، و تبعيّة العقد للقصد مدخل للعقد بأيّ لفظ كان، من أيّ لغة كان و لو بالكناية و المجاز، و مخرج للعقد الغير المطابق للقصد في الإطلاق و التقييد.

و تفصيل ذلك فيه أن يقال: إنّ هذا القصد إمّا متقدّم على العقد، أو متأخّر عنه، أو مقارن له، و على كلّ من هذه التقادير الثلاثة إمّا أن يتعلّق هذا القصد بلوازم ذلك العقد، أو بمنافي ذلك العقد، أو بالأمور الخارجة الغير المنافية لمقتضى العقد و لا اللازمة له، و على كلّ من هذه التقادير إمّا أن يتلفّظ في العقد بالمقصود من الإطلاق و التقييد و الشرط، أو لا يتلفظّ في العقد بما هو مقصوده من الإطلاق و التقييد و الشرط، أو لا يقصد أيضا شيئا من الإطلاق و التقييد، كما لو عقد على امرأة مع الذهول عن إطلاق العقد أو تقييده بشرط البكارة مثلا. و لعلّ ما يأتي تفصيل حكم جميع التقادير فيما بعد إن شاء اللّٰه تعالى.

و من جملة فروعها ما أشار إليه الماتن قدّس سرّه بقوله:

«و أمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري و القابل لخصوص البائع فيحتمل اعتباره .. إلخ».

أقول: الكلام في هذه المسألة ينبغي أن يقع تارة: في اعتبار قصد تعيين خصوص المشتري البائع و خصوص البائع المشتري و عدم اعتبار قصد تعيين الخصوصيّة، و تارة أخرى: في أنّه على تقدير عدم اعتبار قصد الخصوصيّة لو قصد تعيينها فحكمه ما ذا؟ فهل يتبع قصده، أم لا.

إذا عرفت ذلك ظهر لك ما في المتن من التخليط بين الفرضين؛ لأنّ ظاهر قوله في صدر العنوان: «و أمّا تعيين الموجب .. إلخ» يعطي كون النزاع في الفرض الأوّل، أعني: في أصل اعتبار قصد تعيين الخصوصيّة و عدمه، و ظاهر استدلاله

ص: 33

على اعتبار قصدها بظاهر الكلام الدالّ على قصد الخصوصيّة و تبعيّة العقود للقصود يعطي كون النزاع في الفرض الثاني، كما لا يخفى على المتأمّل.

و كيف كان، فتحقيق الكلام إمّا في الفرض الأوّل- و هو اعتبار قصد تعيين الخصوصيّة- فالأقوى عدم اعتباره في صحّة العقود، إلّا ما علم من العقود اعتباره فيه بدليل خارج، لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و سائر العمومات و الإطلاقات.

و أمّا ما استدلّ به الماتن و غيره على اعتبار قصد تعيينها (2) فقد عرفت عدم انطباقه على النزاع الأوّل.

و إمّا في الفرض الثاني- و هو ما لو قصد في العقد خصوص طرفي الموجب و القابل- فلا يخلو إمّا أن يقصد الخصوصيّة على وجه التقييد بحيث ينوط النقل و الانتقال مدارها وجودا و عدما، أو على وجه الاعتقاد لا التقييد، و على الأوّل إمّا أن يكون قصد خصوصيّة الطرفين من أركان العقد- كخصوصيّة الطرفين في عقد النكاح- أو لا يكون قصدها من أركانه، كما في البيع و الإجارة حيث إنّ ركني البيع و الإجارة هما العوضان لا خصوصيّة المتعاوضين، بخلاف النكاح فإنّه بالعكس.

أمّا صورة قصد خصوصيّة الطرفين على وجه التقييد فيما كانت الخصوصيّة من أركان العقد فلا إشكال ظاهرا في تبعيّة العقد للقصد، سيّما إذا كان لفظ العقد ظاهرا في إرادة الخصوصيّة كلفظ الخطاب، و يتفرّع على ذلك فساد عقد الموجب القاصد خصوصيّة القابل عن غيره لا نفسه، و فساد عقد القابل القاصد خصوصيّة الموجب عن غيره لا نفسه، عملا بظاهر الكلام الدالّ على قصد الخصوصيّة و تبعيّة العقود للقصود.


1- المائدة: 1.
2- المكاسب: 117.

ص: 34

و أمّا صورة قصد خصوصيّة الطرفين على وجه التقييد فيما لم تكن الخصوصيّة من أركان العقد- كما في البيع و الإجارة- فلا إشكال ظاهرا في تبعيّة العقد للقصد فيه كالصورة الأولى، لعين ما مرّ فيها، إلّا أنّ الفرق عدم فساد العقد فيه بتخلّف الخصوصيّة؛ لكون المفروض عدم كون الخصوصيّة المقصودة من الأركان حتّى يفسد العقد بتخلّفها، بل حكمه حكم تخلّف سائر الشروط الخارجة إذا قصدت في العقد في كون تخلّفها يوجب الخيار لا الفساد.

و أمّا صورة قصد الخصوصيّة على وجه الاعتقاد لا على وجه التقييد فلا إشكال في عدم تبعيّة العقد للقصد فيه و عدم إيجاب تخلّفه الخيار، كما لا يوجب الفساد؛ لرجوع الخصوصيّة المعتقدة من دون قصدها على وجه التقييد إلى إطلاق العقد في الحقيقة، و نظير هذه المسألة مسألة ما لو اقتدى المقتدي بزيد- مثلا- فبان بعد الصلاة أنّه غيره، حيث حكموا بصحّة صلاته لو اقتدى بالحاضر على أنّه زيد، و فسادها لو اقتدى بزيد على أنّه الحاضر، و كذا المسافر سفر المعصية، حيث أنّ حكمه الإتمام فيه لو قصد السفر بداعي المعصية فيه، و القصر لو قصد المعصية في السفر بداعي آخر. و إذ قد عرفت ذلك فلنرجع إلى شرح ما في المتن.

قوله: «و يرد على الوجه الأوّل- من وجهي الفرق- أنّ كون الزوجين .. إلخ».

أقول: و يوجّه ورود هذا الإيراد أنّ كون الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود لا يدلّ على عدم كون المتعاوضين في سائر العقود أيضا كالعوضين في وجوب تعيينهما. و لكن يضعّفه: أنّ قول القائل كون الزوجين كالعوضين و إن لم يدل على عدم وجوب التعيين في البيع بالصراحة إلّا أنّه دالّ عليه بمفهوم المخالفة.

ص: 35

لا يقال: إنّ اللقب ليس له مفهوم.

لأنّا نقول: و إن لم يكن للقب مفهوم بحسب الوضع إلّا أنّ ذكر هذا اللقب في مقام الافتراق بين النكاح و البيع قرينة واضحة على ثبوت مفهوم المخالفة له، كما أنّ قولك: «أنا لست بزان» في مقام الافتراق عن مخاطبك قرينة واضحة على كونه زانيا بمفهوم المخالفة، و الكناية أبلغ من التصريح.

و قد كنت أنا في زمان جهلي أزعم أنّ أكثر فقرأت مزار الأمير عليه السّلام مثل:

أشهد أنّك آمنت باللّه و أقمت الصلاة و آتيت الزكاة، و أمثالها مما لا يليق بخدام الأمير عليه السّلام فكيف يليق به عليه السّلام؟ فألهمت بعد مدّة أنّ المقصود منها في الحقيقة التعريض بإرادة مفهوم المخالفة في مخالفيه، و أنّهم لم يؤمنوا باللّه، و لم يقيموا الصلاة، و لم يؤتوا الزكاة و إن كانت إرادة الأكمليّة أيضا كافية.

قوله: «مع أنّ الظاهر أنّ ما ذكرنا من الوقف و إخوته كالنكاح».

أقول: و يندفع هذه العلاوة أيضا: بأنّ تخصيصه الفرق بالنكاح ليس لإرادة التقييد به، بل لإرادة التمثيل به لكلّ ما تكون الخصوصيّة فيه من أركان العقد كالعوضين، فيشمل الوقف الخاصّ و الهبة و الوكالة و الوصيّة، و أمّا المصالحة فتابعة لموردها، فإن كانت في مورد البيع فحكمها حكم البيع، و إن كانت في مورد الإبراء فحكمها حكم الإبراء.

قوله: «و لا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل. فتأمّل».

أقول: أمّا وجه عدم منافاة عموم القصد لعدم سماع قول صاحب القصد فلأنّ تابعيّة العقود للقصود إنّما هي بالنسبة إلى نفس القاصد فيما بينه و بين ربّه من التكليفات، و أمّا بالنسبة إلى غيره ممن لم يطّلع على قصده فالعقود تابعة لظاهر اللفظ، كما لا منافاة بين أن يكون إقرار المقرّ لأحد بحقّ تابعا لقصده بالنسبة إلى

ص: 36

تكاليف نفسه فيما بينه و بين ربّه، و بين عدم سماع تفسيره الإقرار بما يخالف ظاهر لفظه.

و أمّا وجه التأمّل في عدم سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل فمن جهة ابتناء عدم سماع قول المشتري على القول بتفسير المدّعي بمن يخالف قوله الظاهر من اللفظ أو العادة، لا على القول بتفسير المدّعي بسائر التفاسير، كما لا يخفى.

قوله: «فتأمّل، حتّى لا يتوهّم رجوعه إلى ما ذكرنا سابقا».

[أقول:] أي: ما منعناه، و وجه الفرق أنّ ما منعه سابقا هو عدم صدق الزوج و اخوته على الوكيل، و ما ذكره آنفا هو عدم تعارف صدق الزوج و أخواته على الوكيل، و بينهما فرق واضح، كالفرق بين منع صدق اللفظ علي شي ء و بين دعوى انصرافه عنه بعد تسليم صدقه عليه.

[منها الاختيار]

قال طاب ثراه: «و من جملة (1) شرائط المتعاقدين: الاختيار في مقابل الإكراه .. إلخ».

أقول: الكلام في الإكراه تارة في تشخيص موضوعه المستنبط، و تارة في بيان حكمه، أمّا موضوعه فلما كان المرجع في كلّي تشخيص الموضوعات المستنبطة إلى عرف الشارع، و مع فقد عرفه فيها فإلى العرف العامّ، و مع فقده فإلى مطلق الظنّ في تشخيصه، و لم يعلم من عرف الشارع تشخيص الإكراه في المسألة إلّا امتيازه عن الجبر في الجملة، فلا محالة يكون المرجع لنا في تشخيصه إلى العرف و اللغة، لمساعدتهما عليه.

فنقول: الإكراه على الشي ء لغة (2) و عرفا: هو حمل الغير على ما يكرهه،


1- هذه الكلمة غير موجودة في المكاسب.
2- مجمع البحرين 6: 360.

ص: 37

فاشتراط الاختيار في المتعاقدين عبارة عن اشتراط القصد إلى وقوع مضمون العقد عن الرضا و طيب النفس، في مقابل الكراهة و عدم طيب النفس، فاشتراط الاختيار مساوق لاشتراط الرضا و طيب النفس، و لكن الكراهة أخصّ من عدم الرضا و الطيب، لأنّ الكراهة أمر وجودي ملازم لعدم الرضا، بخلاف عدم الرضا فإنّه أمر عدمي غير ملازم لها، كما أنّ الجبر أخصّ من الكراهة أيضا لاعتبار عدم المندوحة في صدق الجبر، و عدم اعتبار عدمها في صدق الإكراه.

و يعلم من ذلك أمور:

منها: أنّ الاختيار المشروط في المتعاقدين مقابل الكراهة فلا يصحّ عقد المكره، لا مقابل الجبر ليشمل الكراهة فيصحّ عقد المكره.

و منها: تعميم المكره عرفا و لغة لمن لم يقصد اللفظ لشدّة الخوف و الدهشة كالغالط، و لمن قصد اللفظ لكن لم يقصد مدلوله لذلك كالهازل، بل و لمن قصد اللفظ و المدلول معا لكن لم يقصد الغاية المترتّبة عليهما من النقل و الانتقال كالأوامر الصوريّة، بل و لمن قصد اللفظ و المعنى و الغاية جميعا لكن لم يرض و لم تطب نفسه به.

خلافا لما نسب في المتن (1) إلى ظاهر الشهيدين (2) و العلّامة (3) من تخصيص المكره بالقاصد إلى اللفظ الغير القاصد إلى مدلوله. و لكن المتأمّل الراجع إلى كلامهم و لو إلى قرينة حالهم يقطع بأنّ مرادهم من عدم قصد المكره مدلول اللفظ عدم قصده لازم المدلول و هو الرضا و الطيب، لا عدم قصد نفس المدلول، و على تقدير إرادة خصوص ذلك من المكره يكون خروج المكره من قيد اعتبار القصد، لا من قيد اعتبار الاختيار، و هو سهل.


1- المكاسب: 118.
2- الدروس الشرعيّة 3: 192، مسالك الأفهام 3: 156.
3- انظر تحرير الأحكام 2: 51.

ص: 38

و منها: أنّ خوف المكره قد يوجب الفعل بدفع الضرر و لكنّه مستقلّ في فعله و مخلّي طبعه فيه، بحيث تطيب نفسه بفعله و إن كان من باب علاج الضرر، و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه بحيث لا تطيب نفسه به، و ذلك معلوم بالوجدان، و الذي يفسد العقد هو الإكراه بالمعنى الثاني لا الأوّل، لتعلّقه في الحقيقة بمقدّمات الفعل لا بنفس الفعل و إن لم يخرج بذلك عن اسم الإكراه عرفا، و كذا حياء المستحيي و طمع المستطمع على الفعل قد يوجب الفعل على وجه تطيب به نفسه و إن كان من باب الحياء و الطمع، و قد يوجب فعله على وجه لا تطيب به نفسه، و الذي يفسد فعل العقد هو الثاني لا الأوّل أيضا، لرجوعه في الحقيقة إلى مقدّمات الفعل لا نفس الفعل.

فظهر من ذلك أنّ مجرّد الفعل لدفع الضرر المترتّب على تركه من الخوف أو الحياء أو الطمع لا يدخله في حكم الإكراه أو الحياء أو الطمع، و هو فساد العقد و عدم صحّته، بل و لا في اسمه حقيقة ما لم يوجب ارتفاع الرضا و الطيب النفساني، كيف! و الأفعال الصادرة من العقلاء كلّها أو جلّها ناشئة عن دفع الضرر أو الحياء أو الطمع، بل قد ذكروا الخوف و الحياء و الطمع من جملة الجهات المصحّحة للقربة الّتي بها قوام العبادات أيضا.

و منها: أنّ اعتبار التورية على القول به في مواقع الاضطرار و الإكراه إنّما هو للتخلّص عن موضوع الكذب لا الإكراه. و على كلّ من التقديرين فبيان موضوع اللغات ليس كبيان الأحكام من الوظائف الواجبة على الشارع و إن كان بيانها راجحة.

و منها: أنّ الأصل العملي في المسألة و إن كان مع عدم القصد إلّا أنّه بالنسبة إلى القصد الزائد على المدلول الظاهر من اللفظ كإرادة عموم المجاز أو الاشتراك، و أمّا بالنسبة إلى ظاهر حال اللفظ و اللافظ في مقابل دعوى الغلط و الهزل

ص: 39

فالأصل القصد و عدم الغلط و الهزل و السهو و النسيان، و عدم تعلّق الإكراه إلّا برضاه دون اللفظ و معناه، كما في سائر العقود المكرهة طرّا، و لهذا قالوا: الإرادة تابعة للدلالة، و الإقالة خير من الإعالة، و التأسيس خير من التأكيد.

و منها: أنّ حمل الغير على ما يكره إن اقترن بوعيد مظنون الترتّب على ترك ذلك الفعل مضرّ بحال الفعل أو متعلّقه نفسا أو عرضا أو مالا فلا إشكال في دخوله في اسم الإكراه، كمعلوم الترتّب و في حكمه أيضا إن أوجب سلب الرضا و الطيب النفساني عن الفعل، كما لا إشكال ظاهرا في أنّ المقترن بوعيد موهوم الترتّب أو مشكوكه لا يدخل في اسم الإكراه، كما لا يدخل في حكمه أيضا إذا لم يوجب انتفاء الرضا و الطيب عنه، و إمّا إذا أوجب انتفاؤه فالظاهر دخوله في حكم الإكراه و إن لم يدخل في اسمه، فيبطل عقده و إن لم يسمع قوله في عدم الرضا، و ذلك لأنّ المناط في صحّة عقد المختار و فساد عقد المكره هو الرضا و عدم الرضا، و لكن لمّا كان هذا المناط صفة باطني نفساني لا يقف عليه سوى صاحبه و لا يقبل قول مدّعيه فيه اعتبروا في الشرائط إبدال الرضا بوصف ظاهري مساوق له، و هو الاختيار، و إبدال عدم الرضا أيضا بوصف ظاهري أخصّ منه، و هو الإكراه، ليصحّ التعويل على ظاهرهما، و يسمع قول مدّعيهما في الدعاوي. فتفطّن فإنّ هذا أمر واضح من كلامهم و استدلالهم و إن لم أقف على من سبقني في تفطّنه صراحة.

و منها: عدم اعتبار العجز عن التفصّي في موضوع الإكراه الرافع لأثر الحكم الوضعي، و اعتباره في موضوع الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي، فيكون النسبة بين الإكراه الرافع أثر الحكم التكليفي و الرافع أثر الحكم الوضعي عموما مطلقا، كما يكون النسبة بين مناطيهما و هو عدم الرضا و دفع الضرر عموما من وجه

ص: 40

حسب ما في المتن (1).

و من هنا ربما ينشأ إشكال تقريبه: أنّه إن اعتبر في رفع الإكراه عدم وجود المندوحة و التفصّي فليعتبر مطلقا في رفع الأحكام الوضعيّة و التكليفيّة، و إن لم يعتبر فلا ينبغي أن يعتبر مطلقا، لا في رفع الأحكام الوضعيّة و لا التكليفيّة، فالتفكيك بين اعتباره في رفع الأحكام التكليفيّة و عدم اعتباره في رفع الأحكام الوضعيّة يؤدّي إلى استعمال الإكراه في أكثر من معنى. من دون قرينة.

و لكن يندفع هذا الإشكال: بأنّ معلوميّة إناطة رفع الإكراه لأثر الحكم التكليفي بقاعدة رفع الضرر، و إناطة رفعه لأثر الحكم الوضعي بعدم الرضا و الطيب من الخارج قرينة خارجيّة على تقييد حكم الإكراه في الأحكام التكليفيّة بعدم المندوحة و التفصّي، و تقييد حكم الإكراه في بعض الموارد لا يوجب استعمال نفس الإكراه في أكثر من معنى، مضافا إلى أنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى على وجه عموم المجاز و الاشتراك غير باطل، و إنّما الباطل استعماله في غير هذا الوجه، كما هو مقرّر في محلّه. هذا كلّه في تشخيص موضوع الإكراه في الجملة.

و أمّا الكلام في حكمه فيدلّ على اعتبار الاختيار في صحّة العقود و فسادها من المكره مضافا إلى أصالة عدم النقل و الانتقال في عقد المكره وجوه:

منها: الإجماع بجميع أنحائه من الفعليّ و القوليّ و القدمائيّ و المتأخّريني، و من المحصّل و المنقول، و من البسيط و المركّب منه، و من ضميمة عدم الفرق و الفصل بين طلاق المكره و سائر عقوده.

و منها: قوله تعالى:


1- المكاسب: 120.

ص: 41

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1).

و قوله عليه السّلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه» (2).

و منها قوله صلّى اللّٰه عليه و آله في الخبر المتّفق عليه بين المسلمين: «رفع أو وضع عن أمّتي تسعة أشياء أو ستّة».

و منها: «ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوه و ما أخطئوا» (3).

و ظاهره و إن كان رفع المؤاخذة إلّا أن استشهاد الإمام عليه السّلام (4) به في رفع بعض الأحكام الوضعيّة، بل و عموم حذف المتعلّق المعبّر عنه بعموم المقتضي و المقتضى لكونه من قبيل دلالة الاقتضاء يشهد بعموم المؤاخذة فيه لمطلق الإلزام عليه بشي ء، مع أنّه يمكن الاكتفاء في الاستدلال بمجرّد تعميم رفع المؤاخذة للمؤاخذة على نفس المكره عليه، و للمؤاخذة على ما يترتّب عليه من الوطء مثلا في النكاح، و الأكل في البيع، و نحوهما.

فالمعنى على الأوّل هو رفع المؤاخذة على المكره، و على الثاني هو رفع الإلزام بشي ء عليه، و على الثالث هو رفع منشئيّة المكره عليه للمؤاخذة، و هو و إن رجع إلى سابقه من حيث الثمرة إلّا أنّه يفترق عنه من حيث الطريق و الوصول إلى تلك الثمرة، من قبيل افتراق الدليل الإنّي عن اللمّي.

و الحاصل: أنّ المرفوع في حديث الرفع إمّا خصوص المؤاخذة و العقاب الأخروي على نفس المكره.

و إمّا مطلق الإلزام على الشي ء الشامل لرفع الأحكام الوضعيّة من اللزوم و الصحّة في العقود و الجزئيّة و الشرطيّة و القاطعيّة و المانعيّة في الماهيّات المركّبة


1- النساء: 29.
2- الوسائل 3: 424 ب «3» من أبواب مكان المصلّي ح 1.
3- الوسائل 11: 295 ب «56» من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه.
4- الوسائل 16: 136 ب (12) من أبواب الأيمان ح 12.

ص: 42

بالتخلّل الخطائي، كما في السهو و النسيان، و الإكراهي كما في التقيّة.

و إمّا خصوص المؤاخذة لكن لا على نفس المكره فقط لئلّا يشمل الأحكام الوضعيّة، بل أعمّ منه و من المؤاخذة على ما يترتّب على مقتضى المكره من الوطء في النكاح المكره، و الأكل في البيع المكره، و عدم القضاء و الإعادة في الصلاة و الحجّ و الصيام المكره فيها على تخلّل جزء أو شرط.

و أمّا الآثار العقليّة الملازمة لفعل المكره أو المنسي فغير قابلة للرفع حتّى يعمّها حديث الرفع.

فالمراد من الحديث منحصر في أحد المعاني الثلاثة المتقدّمة، و على كلّ من المعنيين الآخرين الذي يقتضيه عموم حذف المتعلّق و استشهاد الإمام عليه السّلام يتأسّس من الحديث الشريف فوائد كثيرة.

منها: تأسيس أصل أصيل، و هو تقييد جميع الأجزاء و الشرائط المعتبرة في الماهيّات بالاختيار و العلم شرعا، إلّا ما خرج بالدليل كأركان الصلاة، و ذلك لعموم: «رفع الإكراه و النسيان» (1).

و منها: تأسيس أصالة الإجزاء في جميع العبادات الصادرة عن المكلّف على وجه التقيّة من الصلاة و الصوم و الحج و الوضوء و غيرها، فيسقط القضاء و الإعادة فيها بعد رفع التقيّة إلّا ما خرج بالدليل، و ذلك أيضا لعموم: «رفع ما استكرهوا عليه».

و منها: عدم توقّف تشخيص ماهيّات العبادات المركّبة من الأجزاء و الشرائط على ما تصدّى لتحقيقه صاحب القوانين من أصالة عدم ما عدا المعلوم جزئيّته أو شرطيّته (2)، حتّى يناقش بأنّ أصالة عدم الزائد لا يثبت كون الماهيّة


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (3) ص: 41.
2- قوانين الأصول 1: 55- 56.

ص: 43

فيما عداه من الأجزاء و الشرائط لكونه مثبتا، كما توهّم، بل يكفي في تشخيص تحقّق ماهيّة كلّ عبادة من العبادات المركّبة من الأجزاء و الشرائط بمجرد عدم العلم و الوقوف على جزئيّة ما عدا المعلوم جزئيّته أو شرطيّته من سائر الأجزاء و الشرائط المشكوكة بعموم قوله عليه السّلام: «رفع عن أمتي ما لا يعلمون»، كما بنى عليه الفصول (1) قدّس سرّه تشخيص ماهيّة العبادات المركّبة بعد ما كان بانيا على عدم تشخيصها بأصالة العدم، لكونه مثبتا.

ثمّ بقي الكلام في تشخيص سائر مصاديق الإكراه، و قد عرفت أنّ تشخيص صدق الإكراه إنّما يثمر في الدعاوي، و أمّا في غيرها فصحّة العقد منوطة بمجرّد الرضا، فلو أكره الشخص على عقد فعقد راضيا صحّ عقده، سواء رضي حقيقة أو حياء أو طمعا، فضلا عما لو رضي لأجل شفقة دنيويّة أو دينيّة على وقوع الغير في الحرام لو لم يرض بعقده، أو لأجل الجهل و الغفلة عن أنّ التخلّص عن اسم الإكراه و عن حكمه الشرعي غير متوقّف على الرضا بوقوع أثر العقد، فيوطّن نفسه على الرضا بوقوع أثره جهلا، كما في كثير من العوام.

و من هنا يعلم أنّه لا وجه لاستشكال المصنّف (2) في صدق الإكراه على عقد المكره الراضي في عقده لأجل شفقة دنيويّة أو دينيّة أو الجهل و الغفلة، لما عرفت من أنّ العاقد المكره على العقد يدين بنيّته في عقده، فيصحّ منه العقد المفروض رضاؤه به بالنسبة إلى نفسه، و يدين بظاهره بالنسبة إلى غيره، فيقبل قوله لو ادّعى عدم رضائه، فلا يصحّ بالنسبة إلى غيره، فبالنسبة إلى نفسه لا إشكال في صحّته لفرض رضائه، و بالنسبة إلى غيره لا إشكال في بطلانه لفرض صدق الإكراه عليه ظاهرا، فالإشكال ليس في محلّه.


1- الفصول الغرويّة: 51.
2- المكاسب: 121.

ص: 44

مع أنّا لو سلّمنا الإشكال في صدق الإكراه على شي ء من الفروض الّتي استشكل فيها المصنّف فالمرجع إلى العمومات و الإطلاقات الدالّة على صحّة العقود، بناء على الاقتصار في تقييدها بالمكره على القدر المتيقّن منه، فلم يبق مسرح للإشكال من تلك الجهة أيضا، كما لم يبق من سائر الجهات.

قال- طاب ثراه-: «ثمّ المشهور بين المتأخّرين أنّه لو رضي المكره بما فعله صحّ العقد».

أقول: الكلام في صحّة عقد المكره بعد لحوق الرضا له يتوقّف أوّلا: على تشخيص ما يعتبر في مفهوم صدق العقد، و ثانيا: على تشخيص ما يعتبر في صحته.

فنقول: أمّا ما يعتبر في مفهوم صدق العقد فهو اللفظ الدالّ على العقد عرفا، لكون العقد عرفا و لغة إنّما هو من مقولة الألفاظ لا المعاني، فيخرج عن موضوعه المعاطاة و الكتابة و الإشارة للقادر، ثمّ المعتبر في صدق موضوعه القصد إلى اللفظ ليخرج عقد الغالط و النائم، بل و القصد إلى مدلوله ليخرج عقد الهازل عن موضوعه.

و أمّا قصد الإنشاء أو الإخبار ففي اعتبار أيّهما في صدق موضوع العقد خلاف بين العامّة و الخاصّة، تعرّضنا لتحقيقه في مقدّمات بحث الأخبار من الأصول، و على تقدير عدم اعتباره في صدق موضوعه فإجماع الإماميّة قائم على اعتباره في حكمه، كما تعرّضنا في ذلك البحث أيضا لتحقيق كونه حقيقة في الإنشاء على تقدير اعتباره في صدقه أو مجازا، فليراجع.

و أمّا اعتبار الرضا في صدق موضوعه ليخرج عقد الفضولي عن موضوعه فضعيف بالغاية. و أضعف منه اعتباره من نفس العاقد اللازم منه خروج عقد المكره عن موضوعه.

ص: 45

إذا عرفت ذلك فيكفي في عدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد في صحّته بعد فرض عدم اعتباره في صدق موضوعه الإطلاق.

مضافا إلى الشهرة المحصّلة و الإجماع المنقول و إن كان الظاهر استنادهما إلى الإطلاق أيضا، لا إلى أمر آخر وراء الإطلاق اطلعوا عليه و خفي علينا حتّى يعدّ وجها برأسه.

و مضافا إلى فحوى صحّة عقد الفضولي، و الفرق بينهما غير فارق.

نعم؛ ربما انتصر للقول ببطلان عقد المكره و إن تعقّبه الرضا بمفهوم الحصر من قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1)، بتقريب: أنّه و إن اختلفوا في حجيّة مفهوم حصر «إنّما» إلّا أنّهم لم يختلفوا في حجيّة مفهوم حصر «ما و إلّا».

و فيه: أنّ الاستثناء منقطع لا متّصل، و الاستثناء المنقطع في معنى الاستدراك المحض لا الاستثناء، فكأنّه قال عزّ من قائل لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، و لكن كلوها بتجارة عن تراض في عدم ثبوت مفهوم حصر له، فكما لا يفهم من الآية حرمة الأكل بالإباحة و الهبة و الإذن و شاهد الحال و غيرها من المجّانيات- الّتي لا يصدق عليها أصل التجارة، لكون المأخوذ في مفهومها المعاوضة عرفا و لغة- كذلك لا يفهم منها حرمة الأكل بالتجارة الناشئة عن الإكراه المتعقّب بالرضا، و إذا لم يفهم منه حرمة هذا النوع من التجارة كان المرجع في صحّته سائر الإطلاقات و العمومات الدالّة على صحّة العقود و لزومها، ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2).

و أمّا الاستدلال بمفهوم الوصف من تجارة عن تراض ففيه: ما أشار إليه


1- النساء: 29.
2- المائدة: 1.

ص: 46

الماتن طاب ثراه (1).

و أمّا الاستدلال بعموم حديث الرفع (2) ففيه: مع دلالته على فساد عقد المكره بعد لحوق الرضا له من وجوه:

أحدها: من جهة ورود حديث الرفع مورد الامتنان، و المناسب لذلك رفع إلزام المكره بشي ء، لا رفع اختياره فإن رفع الاختيار عن المكره و تأثير رضاه اللاحق في العقد السابق إنّما يناسب الإهانة و الاستهجان، لا الإحسان و الامتنان.

و ثانيها: من جهة ظهور قوله عليه السّلام: «رفع عن أمّتي ما استكرهوا عليه» هو رفع ما هو ضرر عليه، فلا يعم المرفوع ما هو حقّ له لا عليه، كما أنّ قوله عليه السّلام «إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ» (3) لا يعمّ نفوذ إقرارهم لأنفسهم بما فيه جرّ نفع أو دفع ضرر، و من المعلوم أنّ الحكم بوقوف عقد المكره على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك، و هذا حقّ له لا عليه حسب ما أشار إلى تفصيله في المتن-

إلى أن قال:- هذا على القول بكون الرضا ناقلا واضح، و كذا على القول بكونه كاشفا بعد التأمّل (4).

أقول: الظاهر أنّ مراده من «التأمّل» التأمّل في أنّ كاشفيّة الرضا عن النقل على القول به ليس كاشفا عن حصول النقل من مجرّد العقد السابق المكره عليه، بل إنّما يكون كاشفا عن حصوله من العقد السابق مع الوصف بالرضا اللاحق و لو بالوصف الاعتباري المنتزع، أعني: اتّصاف العقد السابق بكونه مما يستعقبه الرضا اللاحق، فكاشفيّة الرضا على القول به ليست كاشفيّة صرفة، بل لا بدّ من مدخليّتها في النقل و لو ببعض الاعتبارات في الجملة لا بالجملة.


1- المكاسب: 122.
2- تقدّم ذكر مصدره في هامش (3) ص: 41.
3- الوسائل 16: 111 ب «3» من أبواب الإقرار ح 2.
4- المكاسب، 122.

ص: 47

و أمّا على الكاشفيّة الصرفة الإنيّة الّتي لا مدخليّة للرضا في علّية النقل بوجه و كون النقل مستندا إلى علّية العقد المكره فمن المعلوم استناد الصحّة بالرضا اللاحق إلى نفس العقد المكره المرفوع حكمه بالإكراه.

و ثالثها: من جهة أنّ حديث الرفع عن المكره و أخواته إنّما يرفع الآثار المترتّبة على نفس الفعل لا بشرط العمد و الإكراه، دون رفع الآثار المترتّبة على الفعل بوصف العمد مثل قوله: «من تعمّد الإفطار فعليه كذا»، لأنّ هذا الأثر يرتفع بنفسه في صورة الخطأ و النسيان و الإكراه، لا بواسطة عروض الخطأ و الإكراه، و لا الآثار المترتّبة على عنوان الإكراه أو شي ء من أخواته من الخطأ و النسيان من حيث هي، إذ لا يعقل رفع الأثر الشرعي المترتّب على الإكراه و السهو و الخطأ من حيث هذه العنوانات، كوجوب الكفّارة المترتّبة على قتل الخطأ، و وجوب سجدتي السهو المترتّب على نسيان بعض الأجزاء.

فانحصر كون المرفوع هو الآثار المترتّبة على الفعل لا بشرط الإكراه و العمد، دون المترتّبة عليه بشرط العمد و لا المترتّبة عليه بوصف الإكراه، و من البيّن أنّ الحكم بوقوف عقد المكره على رضاه إنّما هو من آثار العقد بوصف الإكراه، لا من آثار نفس العقد مع قطع النظر عن الإكراه حتّى يرفعه الإكراه هكذا ما في المتن (1).

و فيه: منع و نقض بالرضا اللاحق للفضولي، فإنّه من آثار العقد من حيث هو لا بشرط.

و رابعها: من جهة أنّ المراد بالآثار المرفوعة هي الآثار المجعولة الشرعيّة الّتي وضعها الشارع، و أمّا ما لم يكن بجعله من الآثار العقليّة و العاديّة فلا تدلّ الرواية على رفعها و لا رفع الآثار المجعولة المترتّبة عليها؛ فإنّ الآثار العقليّة


1- المكاسب: 122.

ص: 48

و العاديّة تتبع حكم العقل و العادة، كالإحراق اللازم للنار بالعقل و العادة، فلو مسست شيئا يحكم العقل و العادة بحصول الإحراق و لا يمكن الحكم بعدمه بقول الشارع: إذا لم يعلم الاحتراق بعد مسّ النار، و من ذلك يظهر عدم اندراج الأصول المثبتة في أخبار الاستصحاب.

و من قبيل الآثار العقليّة و العاديّة الآثار الشرعيّة الثابتة بملازمة أمر عقليّ أو عاديّ، فإنّها تتبع وضعا و رفعا الملزوم العقليّ و العادي، فاللوازم الشرعيّة الثابتة بأمر عقليّ أو عاديّ كاللوازم العقليّة و العاديّة في عدم صلاحيّتها للجعل.

و من البيّن أنّ الحكم بوقوف عقد المكره على رضاه إنّما هو من آثار جزئيّة الرضا للعقد في التأثّر و سببيّة النقل و الانتقال، و جزئيّة الجزء من الآثار العقليّة و العاديّة، لا الشرعيّة حتّى ترتفع شرعا بحديث الرفع.

و فيه تأمّل كما في المتن (1)، لأنّ استقالة جزئيّة الجزء من المجموع المركّب عقليّ، و أمّا تأثير الجزء و الشرط أثرهما فمن الآثار الشرعيّة الراجعة إلى وظيفة الشارع إثباتا و نفيا فيما نحن فيه. و لأنّ الحكم المتعلّق بالوصف المناسب المشعر بالعليّة يقتضي مانعيّة الإكراه ما دام موجودا، فإذا زال الإكراه بالرضا اللاحق زال حكمه، و هو الرفع.

فإن قلت: سلّمنا عدم اقتضاء حديث الرفع (2) لفساد عقد المكره المتعقّب به رضاه لأحد الوجوه المتقدمة، لكنّه مع ذلك مانع عن الإطلاقات المقتضية لصحّته، بواسطة أنّ مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقييدها بمسبوقيّة الرضا، فلا يجوز الاستناد إليها لصحّة بيع المكره و وقوفه على الرضا اللاحق، فلا يبقى دليل على صحّة بيع المكره فيرجع إلى أصالة الفساد؛ لكون


1- المكاسب: 122.
2- تقدّم ذكر مصدره في الهامش (3) ص: 41.

ص: 49

الشكّ في أصل حكم العقد لا في وجه وقوعه الخارجي حتّى يكون موردا لأصالة الصحّة في المعاملات و الغلبة، فكأنّ مفاد الإطلاقات و هو سببيّة البيع و الرضا للنقل و الانتقال مطلقا مقيّد بقول الشارع إلّا بيع المكره و رضاه، فإنّه لا أثر له.

قلت: نمنع مانعيّة حديث الرفع عن الإطلاقات، كما منعنا اقتضاءه سابقا، لكن لا لما قاله الماتن طاب ثراه- من منع أصل حكومة حديث الرفع على الإطلاقات مقيّدة بحكم الأدلّة الأربعة المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل، و مع عدم طيب النفس بالبيع المرضي به سبقه الرضا أو لحقه، و مع ذلك فلا حكومة للحديث عليها، إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الإكراه له، و أمّا المرضي به بالرضا اللاحق فإنّما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف، و هو أصل البيع و لا نقول بتأثيره إلى آخر كلامه (1)- حتّى يرد عليه أنّ تقييدها أوّلا بحكم الأدلّة الأربعة بالبيع المرضي به سبقه الرضا أو لحقه لأجل اندفاع حكومة الحديث عليها ليس بأولى من العكس، أعني: تقييدها أوّلا بحكم حديث الرفع بغير المكره، لأجل اندفاع حديث الرفع على الإطلاقات.

إلّا أنّا نقتصر من تقييده الإطلاقات بغير المكره على القدر المتيقّن من تقييده، و هو استمرار الإكراه و عدم الرضا، و أمّا المتعقّب به الرضا فيرجع في حكمه إلى الإطلاقات، كما يرجع في العامّ المخصّص بالمجمل المفهومي إلى عموم العامّ أيضا. فتدبّر.

[منها إذن السيّد لو كان العاقد عبدا]

قال: «و من شروط المتعاقدين إذن السيّد لو كان العاقد عبدا».

أقول: الكلام تارة في شقوق عقد العبد، و اخرى في بيان حكمها.

أمّا شقوقه فهي أنّ العقد تارة يصدر عن نفس العبد لنفسه في ذمّته أو بما


1- المكاسب: 122.

ص: 50

في يده أو لغيره، و تارة يصدر عن الغير للعبد في ذمّته أو بما في يده.

و على كلّ من التقديرين إمّا أن يسبق العقد إذن المولى أو يلحقه إجازته، أو لا يسبقه الإذن و لا يلحقه الإجازة، أو يسبقه النهي على وجه يتعلّق النهي بنفس المعاملة ك «لا تبع» مثلا فباع، أو بجزئها ك «لا تبع بمبلغ كذا» فباع بذلك المبلغ، أو بشرطها ك «لا تبع بيع الملاقيح»، فإنّ القدرة على التسليم حال البيع شرطه، و هو مفقود فيه «أو بوصفها الداخل، أي اللازم ك «لا تبع بيع الربوي أو الحصاة» مثلا، أو بوصفها الخارج ك «لا تبع العنب ليعمل خمرا» و بيع تلقّي الركبان، أو بشي ء مفارق متّحد معه في الوجود ك «بع، و لا تكلم الأجنبيّة» فباعها بالمكالمة معها، أو بشي ء مفارق غير متّحد معه في الوجود ك «بع و لا تنظر إلى الأجنبيّة».

فبلغت شقوق معاملة العبد ستة و عشرون شقّا، سبعة منها شقوق المنهي عنها، و الباقي شقوق غير المنهي من المأذون و غير المأذون.

و أمّا حكمه فالكلام تارة من حيث الأصول العمليّة، و تارة من حيث الأصول اللفظيّة و القواعد الشرعيّة.

أمّا من حيث الأصول العمليّة فحكم العبد حكم الحرّ في مجرى أصل البراءة و الإباحة، فيما عدا معاملاته من باقي أفعاله و حركاته و سكناته و إن زاحمت حقوق السيّد، و مجرى أصالة الفساد و استصحاب عدم النقل و الانتقال في جميع معاملاته و إن أذن له السيد فيها.

و أمّا من حيث الأصول اللفظيّة و عموم القواعد الشرعيّة من قوله تعالى:

ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (1)، و قوله عليه السّلام: «المملوك لا حجّ له و لا عمرة و لا شي ء إلّا بإذن المالك» (2) هو حرمة جميع تصرفات المملوك


1- النحل: 75.
2- الوسائل 8: 32 ب «15» من أبواب وجوب الحجّ و شرائطه ح 3 و 4.

ص: 51

الغير المأذون فيها من معاملاته و عباداته إلّا ما خرج بالدليل، كفرائضه تعالى، بل و من كلّ ما يطلق عليه الشي ء من حركاته و سكناته، إلّا الفرد الأندر الّذي لا يندرج في العموم أو الفرد المفضي إلى العسر و الحرج المنفيين عن الشريعة، فيجب على العبد إطاعة السيّد في كلّ شي ء إلّا ما خرج بالدليل، أو ما يؤدّي إلى العسر و ضيق السبيل، أو ما كان من أندر أفراد الشي ء الّذي لا يشمله العموم، كالنظر في شي ء و التفكر فيه.

و يشبه بالعبد في هذا الحكم الولد، فيجب عليه إطاعة الوالدين في كلّ شي ء إلّا ما استثني من الأمور الثلاثة المتقدّمة، للشهرة و فحوى الأخبار الدالّة على عقوق الولد الغير المستأذن عن والده، في الصيام المندوب و الحجّ المندوب و السفر المندوب و الصلاة المندوبة (1)، و يلحق بها سائر الأفعال بالفحوى أو الأولويّة.

ثمّ إنّ الحرمة المتعلّقة بتصرّفات العبد حكمها حكم سائر النواهي في الدلالة على الفساد عقلا و عرفا إن تعلّقت بنفس عباداته، أو بجزئها، أو شرطها، أو وصفها الداخل، و عدم الدلالة على الفساد إن تعلّقت بمعاملاته مطلقا، أو بعباداته باعتبار وصفها الخارج، أو شي ء مفارق لها بقسيميه.

إلّا أنّ المستفاد من التتبّع و الاستقراء في نواهي الشرع المتعلّقة بالمعاملات هو فسادها غالبا، فيلحق المشكوك بالأعمّ الأغلب، فكان مناط نهي الشارع عن المعاملات هو الإشارة إلى أنّك لا تفعل لأنّه لم يحصل، لا التكليف بلا تفعل لأنّي لم أقبل، فيكون معنى نهيه عن المعاملات بالفارسيّة «نكن كه نمى شود» نه «نكن كه نمى خواهم».

و أمّا نهي السيّد العبد عن المعاملة فلا يقتضي فسادها بالاستقراء، كما لا


1- الوسائل 7: 395 ب (10) من أبواب الصوم المحرّم و المكروه.

ص: 52

يقتضيه بالعقل و العرف و إن تعلّق بنفسه.

خلافا لبعض العامّة، كالحكم بن عتبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما الزاعمين فساد نكاح العبد مطلقا و إن لحقه إجازة المولى (1).

و يردّهم أوّلا: وضوح أنّ ترتّب آثار المعاملة لا ينافي مبغوضيّتها المستفادة من النهي، سيّما من نهي المولى دون الشارع، كترتّب الضمان على الغصب، و الدّية على القتل، و الجرح المحرمين، و المهر على بعض صور الزنا، و غير ذلك، فلا منافاة عقلا و لا عرفا بين الحرمة و الصحّة في المعاملات حتّى يكون التخصيص عرفا موجبا للفساد. ألا ترى أنّه لو قيل: الطلاق موجب للفراق و العدّة ثم قيل للسفيه: لا تطلق لم يفهم الفساد، كما لو قيل: السقمونيا مسهل للصفراء ثم قيل: لا تشربه لم يفهم منه عدم التأثير إذا شربه.

و ثانيا: لو سلّمنا اقتضاء النهي الفساد حتّى في المعاملات عرفا- كما زعمه بعض العامّة- أو بالاستقراء و الدليل الخارج- كما هو المختار- فإنّما هو مختصّ بنهي الشرع دون غيره و إن رجع إليه بالتبع، كما يدلّ عليه صحيحة زرارة عن المملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: «ذلك إلى سيّده إن شاء أجاز و إن شاء فرّق بينهما، قلت: أصلحك اللّٰه إن الحكم بن عتبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد و لا تحلّ إجازة السيّد له، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «إنّه لم يعص اللّٰه إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز» (2).

فهذه الرواية صريحة في عدم اقتضاء نهي السيّد فساد عقد العبد و إن لم تخل من الإجمال من جهة دلالتها على اقتضاء نهي الشارع الفساد و عدمه.

و من جهة أنّ اقتضاءه الفساد على تقديره هل هو بالذات كما زعمه


1- الوسائل 14: 523 ب «24» من أبواب نكاح العبيد و الإماء ح 1، و فيه الحكم بن عيينة.
2- الوسائل 14: 523 ب «24» من أبواب نكاح العبيد و الإماء ح 1، و فيه الحكم بن عيينة.

ص: 53

العامّة (1)، أو بالاستقراء و الدليل الخارج كما هو المختار؟

و من جهة أنّ فارق تفرقة العصيانين في اقتضاء الفساد هل يرجع إلى معنى أنّه لم يعص اللّٰه بالأصالة، بل عصاه بالتبع لعصيان سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز، كما ارتضاه الضوابط (2).

أو إلى معنى أنّه لم يخالف مقتضى الحكم الوضعي الواقعي و هو إذن الشارع و رخصته من جهة العمومات بصحّة الفضولي بعد الإجازة، بل إنّما خالف الحكم الوضعي الظاهري، و هو الإذن من السيّد المستلزم لمخالفة الحكم التكليفي الظاهري، و هو الإذن من الشارع، فإذا أجازه فهو له جائز، كما ارتضاه القوانين (3) و الفصول (4) و الإشارات (5).

أو إلى أنّه لم يعص اللّٰه في نفس العقد أو ما في حكمه بل إنّما عصاه في شي ء خارج متّحد معه في الوجود، و هو مخالفة السيّد، كما عن التوني (6) و المناهج (7) ارتضائه في معنى الحديث المذكور.

أو إلى أنّه لم يخالف الحكم الوضعي الإرشادي بل إنّما خالف التكليفي، أعني: لم يفعل ما لم يحصل بل إنّما فعل ما لم يقبل، فإذا لحقه القبول فهو مقبول، كما هو الموافق للقواعد و الأصول.

أو إلى أنّه لم يخالف فيما يستحيل تدارك مخالفته فيما بعد الوقوع، و هو عصيانه تعالى حيث لا يتصوّر رضاؤه بما سبق من معصيته، بل إنّما خالف فيما


1- البحر المحيط 2: 445.
2- ضوابط الأصول: 190- 191.
3- قوانين الأصول 1: 162.
4- الفصول الغرويّة: 144.
5- إشارات الأصول: 107.
6- الوافية: 106.
7- مناهج الأحكام «للنراقي»: 77.

ص: 54

يمكن تداركه فيما بعد، و هو معصية السيّد حيث إنّه مما يمكن تداركه بلحوق رضائه، فإذا أجازه فهو له جائز، كما ارتضاه الماتن في المتن.

ثمّ قال: «و من ذلك يعرف أنّ استشهاد بعض بهذه الرواية على صحّة عقد العبد و إن لم يسبقه إذن و لم يلحقه إجازة بل و مع سبق النهي أيضا، لأنّ غاية الأمر هو عصيان العبد و إثمه في إيقاع العقد و التصرّف في لسانه الّذي هو ملك للمولى، لكن النهي مطلقا لا يوجب الفساد، خصوصا النهي الناشئ عن معصية السيّد، كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالّة على أنّ معصية السيّد لا يقدح بصحّة العقد في غير محلّه؛ بل الروايات ناطقة- كما عرفت- بأنّ الصحّة من جهة ارتفاع كراهة المولى و تبدّله بالرضا بما فعله العبد .. إلخ» (1).

و فيه: أنّ الصحّة من جهة ارتفاع كراهة المولى و تبدّله بالرضا بما فعله العبد إنّما هو صحّة مضمون العقد، و أمّا نفس العقد و الإنشاء فلا يعقل أن يصحّحه الرضا اللاحق، بل إن وقع صحيحا فهو صحيح و إن لم يلحقه الإجازة و الرضا، و إن لم يقع صحيحا فهو باطل و إن لحقه الإجازة و الرضا.

و اعتراف الماتن بذلك ثمّ جوابه بقوله: «إلّا أنّ الأقوى هو لحوق إجازة المولى، لعموم أدلّة الوفاء بالعقود .. إلخ» (2)

فيه: أنّ نهوض عموم أدلّة الوفاء بالعقود فرع إحراز صدق العقد قبل لحوق الإجازة، و بعد إحراز صدقه إن أريد كون الرضا اللاحق مؤثّرا في صحّة نفس العقد فهو تحصيل للحاصل، لأنّ صحّة نفس العقد لا يزيد على صدق العقد المفروض حصوله قبل الرضا.

و إن أريد كونه مؤثّرا في مضمون العقد و هو ترتيب آثاره فهو إنّما يجي ء فيما لو أوقع العبد العقد لنفسه لا لغيره و أمّا إذا أوقعه عن الغير فرضا المولى أجنبي عن التأثير في حقّ ذلك الغير.


1- المكاسب: 123.
2- المكاسب: 123.

ص: 55

فإن قلت: إنّ عموم (1) «عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء إلّا بإذن المولى أو إجازته» يقتضي التعبّد بعدم ترتيب آثار العقد على عقده من دون رضا السيّد و إن كان العقد صحيحا، سواء أوقع العبد العقد لنفسه أو لغيره.

قلت: إن بنيت على تخصيص عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) بعموم «لا يقدر على شي ء» لزم التعبّد بعدم ترتيب الآثار على عقده الغير المسبوق بالإذن و الرضا و إن لحقه الإجازة و الرضا فيما بعد، و إن اقتصرت في تخصيصه على القدر المتيقّن- و هو صورة عدم الرضا لا سابقا و لا لاحقا، كما التزمت به في توجيه تأثير الإجازة اللاحقة- فليقتصر في تخصيصه أيضا على القدر الأيقن من ذلك، و هو تأثير الإجازة و الرضا اللاحق في خصوص ما إذا أوقع العبد العقد لنفسه، دون ما إذا أوقعه عن غيره، فإنّه لا يحتاج في ترتيب الآثار إلى إجازة السيّد و رضائه اللاحق.

قوله: «فافهم و اغتنم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ عصيان السيّد و إن رجع إلى عصيان اللّٰه إلّا أنّه بالتبع القابل للتبديل و التحويل، بخلاف عصيانه تعالى بالأصالة، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّٰهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللّٰهِ تَحْوِيلًا (3)، و كفى به فارقا.

و إذ قد عرفت ذلك فلنرتجل الكلام في المرام في تفصيل حكم كلّ واحد من شقوق عقد العبد.

فنقول: أمّا عقد لنفسه أو عقد للغير عن نفسه فحكمه أنّه إن كان ذلك العقد مسبوقا بإذن السيّد فلا إشكال و لا خلاف في صحّته، و أمّا إذا لم يكن مسبوقا بإذنه ففيه وجوه:


1- تقدّم مصدره في هامش (1) ص: 50.
2- المائدة: 1.
3- فاطر: 43.

ص: 56

أحدها: صحّة عقده مطلقا، أي و لو لم تلحقه الإجازة كما لم يسبقه الإذن، نظرا إلى عموم أدلة الوفاء بالعقود.

و ثانيها: فساده مطلقا، أي و لو لحقته الإجازة، نظرا إلى عموم لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (1)، و الاقتصار في تقييده على القدر المتيقّن، و هو صورة سبق الإذن منه دون صورتي عدم سبقه.

و ثالثها: التفصيل بين ما تلحقه الإجازة فيصحّ، و ما لا تلحقه فلا يصحّ، و هو الظاهر من القواعد و النصوص (2) به بالخصوص.

و أمّا عقده لغيره فيساوي العقد لنفسه في أنّه إن كان مسبوقا بالإذن صحّ إجماعا، و إلّا ففيه الوجوه المذكور، إلّا أنّه يفترق عنه عندنا في كون الأقوى فيه هو الوجه الأوّل و هو الصحّة مطلقا، لا الوجه الأخير و هو التفصيل بين لحوق الإجازة و عدمه.

خلافا للماتن طاب ثراه (3) حيث لم يفرّق بين الفرضين في اختيار التفصيل. و يضعّفه عموم أدلّة الوفاء بالعقود، و الاقتصار في تخصيصه على القدر المتيقّن، و هو صورة ما إذا عقد لنفسه، كما أنّه مورد السؤال المجاب فيه بقوله عليه السّلام: «ذلك إلى سيّده إن شاء أجاز و إن شاء فرّق» (4).

و أمّا لو اشترى نفسه من مولاه لغيره فقد صحّ و لزم، وفاقا للماتن (5) لكفاية رضا المولى الحاصل من تعريضه البيع من إذنه الصريح، بل يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للإذن الضمني.


1- النحل: 75.
2- الوسائل 14: 523 ب «24» من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- المكاسب: 123.
4- تقدّم ذكر مصدره في الهامش (1) ص: 52.
5- المكاسب: 124.

ص: 57

أقول: الفرق كون الرضا القلبي من أوصاف الحال، و الإذن الضمني من مقولة الأفعال و إن لم يكن من صريح الأقوال، بل و يمكن صحّته مع فرض عدم إذنه لا صريحا و لا ضمنا، لما تقدّم من عموم أدلّة الوفاء بالعقود.

و ما عن القاضي (1) من البطلان في المسألة فإن كان مستنده ما قيل:

من اتحاد عبارته مع عبارة السيّد- نظرا إلى تنزيل لسانه منزلة لسان السيّد، و عبارته منزلة عبارته، فيتّحد الموجب و القابل- ففيه أوّلا: منع الاتّحاد، لتغاير العبد للسيّد حقيقة و ثانيا: سلّمنا الاتّحاد، لكن التغاير الاعتباري كاف في الصحّة، لنزوله منزلة التغاير الحقيقي، فكيف! و هو حقيقيّ حقيقة.

و إن كان مستنده عدم قابليّة المشتري للقبول في زمان الإيجاب و عدم استقلال العبد في شي ء ففيه: أنّ عدم قابليّته للقبول في زمان الإيجاب لا يقدح لما أشار إليه الماتن (2)، و أنّ المتيقّن من عدم استقلاله في شي ء هو عدم استقلاله في مخالفة السيّد و معارضته، اقتصارا على القدر المتيقّن من تخصيص عموم الوفاء بالعقود بالمجمل المفهومي.

و إن كان مستنده نهي المولى و منعه من تصرّف العبد ففيه ما مرّ من عدم اقتضاء نهيه الفساد في تلك المعاملة من جهات عديدة، من جهة أنّه لم يعص اللّٰه بل عصى سيّده، و من جهة تعلّق نهيه بأمر خارج لا داخل. هذا حكم ما إذا أمر العبد أمر باشتراء نفسه من مولاه.

و أمّا إن أمره بالاشتراء من وكيل المولى فإن كان الوكيل مأذونا في إذن العبد فحكمه حكم الشراء من نفس المولى بلا فرق، و أمّا إذا لم يكن مأذونا في


1- جواهر الفقه: 63 المسألة 235.
2- المكاسب: 124.

ص: 58

الإذن فعن المحقق (1) و الشهيد (2) الثانيين البطلان، و وافقهما الماتن (3)، استنادا إلى أدلّة عدم استقلال العبد في شي ء.

و يضعّف بما عرفت من أنّه إن أريد عدم استقلاله حقيقة بحيث يكون مسلوب العبارة كالحيوانات لزم بطلان شرائه مطلقا و لو لحقته الإجازة، بل و لو سبقه الإذن و هو باطل بالوفاق، فالملزوم مثله.

و إن أريد عدم استقلاله حكما- بحيث لا يجوز ترتّب الآثار على عقده من باب التعبّد و إن كان صحيحا ما لم يأذن به السيّد- كان المتيقّن من تخصيص عموم أدلّة الوفاء بالعقود بأدلّة عدم استقلال العبد بهذا المعنى هو صورة ما إذا عقد لنفسه لا لغيره، فيقتصر على المتيقّن من التخصيص و يرجع في ما عداه إلى عموم أدلّة الوفاء، فالأقرب إلى القواعد و العمومات حينئذ هو إلحاق اشتراء العبد نفسه للغير عن وكيل المولى باشترائه عن نفس المولى في الصحّة عندنا، للوجوه المتقدّمة في دفع موهمات المنع طرّا، من توهّم الاتّحاد و عدم الاستقلال، أو اقتضاء النهي الفساد.

[من شرائط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك]
اشارة

قوله: «بعد اتفاقهم على بطلان إيقاعه».

أقول: بل الأصل الأصيل الخالي عن ورود الدليل صحّة الفضولي حتّى في العبادات فضلا عن الإيقاعات، كما هو المنصوص (4) في التصدّق باللقطة عن صاحبها فضولا.

قوله: «و لعلّ مراد الشهيد .. إلخ» (5).


1- انظر جامع المقاصد 4: 68.
2- انظر مسالك الأفهام 3: 158.
3- المكاسب: 124.
4- الوسائل 17: 357 ب (7) من أبواب اللقطة.
5- غاية المراد: 178.

ص: 59

أقول: هذا ترجّ منه، لتوجيه الإيراد بالمصادرة على الاستدلال بأنّه عقد صدر عن أهله وقع في محلّه بعد نفيه تحقّق وجه له، و تقريب توجيه الإيراد: هو أن يكون المراد أنّه إن أريد الاستدلال على صحّة الفضولي بمجرّد كونه عقدا صدر عن أهله فهو أوّل الكلام، نظرا إلى أنّ أهليّة ما عدا المالك و الوليّ و الوكيل في العقد على شي ء أوّل الكلام. و إن أريد الاستدلال بمقدّمة مطويّة تكون هي الدليل على أهليّة الفضولي، أعني: عموم أدلّة الوفاء بالعقود فهو مسلّم، إلّا أنّه استدلال بالعموم لا بدليل مستقلّ آخر.

ثمّ إنّ وجه دلالة عموم الوفاء بالعقود على إحراز أهليّة الفضولي هو دلالته على صحّة كلّ عقد و لزوم الوفاء بكلّ ما يصدق عليه عرفا أنّه عقد، و لازم ذلك إحراز أهليّة كلّ ما يصدق عليه عرفا أنّه عاقد من عبد أو صبيّ أو فضولي، بل و إحراز أهليّة كلّ ما يصدق عليه عرفا أنّه معقود عليه من نجس أو ما لا منفعة فيه إلّا ما خرج بالدليل.

و دعوى انصراف عموم الآية عن إحراز أهليّة العاقد و المعقود عليه إلى بيان أصل وجوب الوفاء بالمحرز فيه الأهليّة من العقود بحسب الخارج مدفوعة.

أوّلا: بأنّ الانصراف من خصائص الإطلاق، لا لعموم.

و ثانيا: بأنّ الانصراف محتاج إلى بيان صارف، و إذ ليس فليس.

قوله: «ليس هذا من معاملة الفضولي».

[أقول:] فيه: أنّه لا فرق بين العقد و المعاطاة إلّا في اعتبار الإنشاء القوليّ في العقد، و الفعليّ في المعاطاة و هو لا يوجب انتفاء الفضوليّة في المعاطاة، بل غايته أنّ المعاطاة لا يتوقّف على عاقد بل على فاعل ما بأيّ وجه اتّفق، لا أنّ فاعله لا يكون فضوليّا من دون أن يعلم رضا المالك من شاهد أو مقال، مع أنّ أصل علم الفضولي برضا المالك بالفعل أو فيما بعد خلاف الأصل، فضلا عن

ص: 60

شاهد الحال أو المقال المخرج له عن الفضوليّة.

قوله: «إلّا أنّها ربما توهن بالنصّ الوارد في الردّ على العامّة (1) .. إلخ».

أقول: يمكن منع موهنيّة النصّ للأولويّة بأنّ ظاهره بل صريحه هو الدلالة بالمطابقة على أولويّة النكاح بالاحتياط من البيع، و بالملازمة على أولويّة النكاح بالصحة من البيع المفروض استناد صحّته إلى الاحتياط، دون الدلالة بالأصالة على أولويّة النكاح بالصحّة من البيع حتّى يوهن أولويّته من البيع بالاحتياط، كما زعمه الماتن (2).

نعم، لوهن أولويّة الاحتياط في النكاح وجه آخر غير النصّ المذكور، و هو الاستظهار من التتبّع في أحكام النكاح عدم أولويّة النكاح من البيع بالاحتياط من جميع الجهات، بل الظاهر من الاستقراء اكتفاء الشارع في النكاح من جهة الوصل و الإيصال بما لا يكتفي به في غير النكاح من البيع، كما يظهر من اكتفائه في النكاح من جهة الوصل بالسكوت من البكر و بعدم تعيين المهر، و بتقديم القبول على الإيجاب و بلفظ المستقبل في الإيجاب على ما في بعض الروايات (3) المفتي بها، بل و في تحقّق الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة بمجرّد النظر إليها بشهوة، فضلا عن اللمس و الضمّ و التقبيل بشهوة، إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبّع من الموارد الدالّة على أهونيّة النكاح من غيره من جهة الوصل و الاتّصال، و أنّ أحوطيّته إنّما هو من جهة الفكّ و الانفكاك، لا من جميع الجهات.

فتلخّص مما ذكرنا: أنّ الموهن لأولويّة النكاح بالاحتياط و عدم الصحّة إنّما هو الاستقراء و التتبّع المذكور، و أمّا النصّ الوارد في ردّ العامّة (4) فيمكن منع


1- الوسائل 13: 286 ب «2» من أبواب أحكام الوكالة ح 2.
2- المكاسب: 126.
3- انظر الوسائل 14: 466 ب «18» من أبواب المتعة.
4- الوسائل 13: 286 ب «2» من أبواب أحكام الوكالة ح 2.

ص: 61

موهنيّته بالتقريب المتقدّم.

[صور البيع الفضولي]
[المسألة الأولى أن يبيع للمالك مع عدم سبق المنع من المالك]

قوله: «الحكم بالمضي إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى احتمال اختصاص النصّ بمورد اتّجار غير الوليّ في مال اليتيم و إجازة الولاية الإلهيّة له.

قوله: «فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه و حكم الإمام عليه السّلام بعدم البأس (1) من دون استفصال عن المحتملات أفاد ثبوت الحكم على جميع المحتملات».

أقول: لا يقال: إنّ ترك الاستفصال المفيد للعموم على القول به إنّما هو ترك الاستفصال عن أفراد المطلق- كالإنسان بالنسبة إلى المسلم و الكافر- و أمّا ترك الاستفصال عن المشتركات اللفظيّة للفظ- كالعين بالنسبة إلى الجارية و الباكية كما فيه نحن فيه- فلا يفيد العموم كما نقله شيخنا العلّامة عن سيّد أساتيذه صاحب الضوابط (2).

لأنّا نجيب أوّلا: بمنع الصغرى، و أنّ الفرق بين ترك الاستفصال عن أفراد المطلق أو عن المشتركات اللفظيّة للفظ في إفادة العموم غير فارق، بعد جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى و لو على سبيل عموم الاشتراك، كجواز استعمال المطلق في جميع أفراده.

إلّا أن يقال: إنّ الفارق هو توقّف استعمال المشترك في معانيه على القرينة المعيّنة، فبدونها لا يفيد مجرد ترك الاستفصال في جوابه العموم، بخلاف المطلق فإنّ جواز استعماله في جميع أفراده لا يتوقّف على القرينة المعيّنة فيفيد مجرّد ترك الاستفصال في جوابه العموم. و هو حسن.


1- الوسائل 12: 394 ب «20» من أبواب أحكام العقود ح 2.
2- ضوابط الأصول: 201.

ص: 62

و لعلّ نظر المفرّق إلى هذا الوجه من الفرق، أو إلى أنّ المشترك لمّا كان استعماله في كل من معانيه محفوفا بقرينة التعيين غالبا انصرف الجواب إلى ما عيّنته القرينة فلا يفيد ترك استفصاله العموم، بخلاف المطلق فإنّ استعماله في أفراده لم يكن في الغالب محفوفا بالقرينة حتّى ينصرف الجواب إلى ما عيّنته القرينة فيفيد مجرّد ترك استفصاله العموم.

و ثانيا: بمنع الكبرى، و أنّ ترك الاستفصال فيما نحن فيه عن شراء السمسار و من قبيل ترك الاستفصال عن أفراد المطلق، لا من قبيل ترك الاستفصال عن المشتركات اللفظيّة للفظ، ضرورة أنّ نسبة شراء السمسار إلى الشراء لنفسه أو لغيره فضولا هو نسبة المطلق إلى أفراده، لا نسبة اللفظ إلى مشتركاته اللفظيّة، كما لا يخفى.

إلّا أنّ الأظهر من خبر السمسار (1) و من كلّ ما تقدّمه من الأخبار كون الشراء فيها مأذونا، لا فضوليّا في شي ء.

أمّا خبر ابن أشيم (2) فلكون العبد المأذون مأذون من طرف الآذن و الدافع و مولى الأب البائع، و ليس بفضولي من طرف، إلّا أنّ وجه الحكم بردّ المملوك رقّا لمولاه قبل البيّنة من جهة اختصاص مدّعيه بمزيّة موافقة الظاهر و أصالة عدم النقل.

و أمّا صحيحة الحلبي (3) فلعدم انطباق ردّ الزيادة إلّا على أنّ الرضا بالوضيعة رضا بالزيادة بفحوى الأولويّة.

قوله: «هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ به أو يستشهد به للقول بالصحّة».

أقول: بل زاد عليها شيخنا العلّامة أخذا من مشايخه وجوه أخر:


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 61.
2- الوسائل 13: 53 ب «25» من أبواب بيع الحيوان ح 1.
3- الوسائل 12: 392 ب «17» من أبواب أحكام العقود ح 1.

ص: 63

منها: الأخبار (1) الواردة في تحليل الأئمة عليهم السّلام على شيعتهم شراء ما فيه خمسهم من الإماء و المساكن و المتاجر لتطيب مولدهم و يزكوا، نظرا إلى أنّ تحليل شراء ما فيه حقّهم على الشيعة مع تصريحهم بتحريمه على غير الشيعة البائعين له ليس إلّا كإجازة المغصوب منه شراء المغصوب من الغاصب في كون فضوليّا من طرف البائع.

و منها: تحليلهم عليهم السّلام (2) شراء الخراج من سلطان الجور المستحلّ له، مع أنّ البيع من طرف الغاصب و المستحلّ فضوليّ.

و منها: احتساب ما في ذمّة المديون المستحق عليه من باب الزكاة و المظالم و الخمس و الفطرة و الصدقة بمجرّد النيّة و الإجازة اللاحقة.

و منها: تقاصّ الغريم عمّا في ذمّة غريمه من الدين و العين.

و منها: العدول من صلاة إلى صلاة أخرى في مواردها المقرّرة شرعا.

و منها: صوم يوم الشك و صلاة الاحتياط، فإنّه بعد انكشاف مصادفتها الوجوب الواقعي احتسبت عن الواقع.

و منها: الأخبار (3) الواردة في التصدّق باللقطة و مجهول المالك عن صاحبه عند اليأس عن ظهوره، فإذا ظهر و أجاز احتسب لمالكه المجيز و إلّا احتسب لدافعة، و ضمن الدافع لمالكه المثل أو القيمة، نظرا إلى أنّ احتساب التصدّق و ردّ المظالم بمال الغير عن نفس ذلك الغير بعد فرض إجازته ليس إلّا من جهة صحّة الفضوليّ.

بل ربّما يستشهد أو يستأنس بتلك الأخبار على أهليّة جميع وجوه البرّ و التصدّقات و العبادات المندوبة الواقعة عن الغير على وجه الفضوليّ أو النيابة أو


1- الوسائل 6: 378 ب (4) من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام.
2- الوسائل 12: 161 ب «52» من أبواب ما يكتسب به.
3- الوسائل 17: 349 ب (2) من أبواب اللقطة.

ص: 64

الوكالة للنقل عمّن وقعت له إلى نفس الفاعل أو غيره، بعوض أو غيره بعد الفسخ أو عدم الإجازة.

فلو أوقع الفضوليّ أو الوكيل حجّا أو قراءة أو زيارة أو غيرها من العبادات المندوبة عن شخص بمبلغ معيّن ثمّ لم يجز من له الإجازة أو فسخ الموكّل صحّ للفاعل نقل ثواب العمل الذي عمله عن الغير إلى نفسه أو إلى غيره بعوض أو غيره، كما يصحّ نقل الأعيان الخارجيّة و الذهنيّة الّتي في الذمم إلى الغير ببيع و نحوه، و ذلك لعدم المانع عن صحّة النقل و الانتقال في مثل العبادات الواقعة عن الغير بعد عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، سوى احتمال الفرق بينهما و بين الأعيان و ما في الذمم في عدم أهليّتها للنقل و الانتقال عن الوجه الواقع عليه إلى وجه آخر.

و احتمال عدم الأهليّة لذلك إن لم يكف في رفعه عموم الوفاء بالعقود، نظرا إلى فرض الشكّ في صدق العقد حينئذ، فلا أقلّ من الاكتفاء في رفعه بإحراز الأهليّة و لو بالأخبار (2) الواردة في خصوص الموارد كما في مورد التصدّق باللقطة و مجهول المالك، نظرا إلى اتّحاد الطريق. هذا في العبادات المندوبة.

و أمّا الواجبة الواقعة عن الغير فعموم الوفاء بالعقود و الأخبار الدالّة (3) على أهليّة نقلها إلى الغير بعد الوقوع أقصى ما يقتضي هو أهليّة نقل أجرها و ثوابها إلى الغير، و أمّا نقل سائر آثارها من براءة الذمّة و حصول الامتثال فمشكل جدّا، مع احتماله أيضا على ضعف.

قوله: «و أمّا السنّة فهي أخبار .. إلخ».

أقول: طائفة من هذه الأخبار واردة بلسان النهي بمثل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا تبع ما


1- المائدة: 1.
2- تقدّم ذكر مصدره في الهامش (3) ص: 63.
3- الوسائل 5: 365 ب (12) من أبواب قضاء الصلوات.

ص: 65

ليس عندك» (1)، و طائفة أخرى منها واردة بلسان النفي بمثل قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا بيع إلّا فيما يملك» (2).

أمّا وجه الاستدلال على فساد الفضولي بالطائفة الناهية فمبنيّ على ما هو المشهور عند المتأخّرين من دلالة النهي في المعاملات على الفساد إذا لم يتعلّق بأمر مفارق، لكن لا عقلا و لا عرفا- حتّى تختصّ الدلالة على ذلك بالنهي في العبادات- بل بالاستقراء الحاصل من التتبّع في نواهي الشرع، حيث وجدنا من التتبّع أنّ المراد من أغلب نواهيه المتعلّقة بالمعاملات هو الإرشاد إلى مثل قولك:

«لا تفعل لأنّه لم يحصل، لا لأنّي لم أقبل» و إن كان ظاهر النهي التعبّد و الظنّ يلحق المشكوك بالأعمّ الأغلب.

و ربّما تؤيّد الدلالة على الفساد أيضا بمفهوم تعليله عليه السّلام صحّة نكاح العبد المجاز «بأنّه لم يعص اللّٰه و إنّما عصى سيّده» (3).

و أمّا وجه الاستدلال على فساد الفضوليّ بالطائفة النافية فمبنيّ على ما هو الواضح من أنّ أقرب المجازات إلى الحقيقة- و هي نفي الماهيّة المتعذّر فيما نحن فيه- هو نفي الصحّة.

و ما عن القوانين (4) من شيوع استعماله في نفي الكمال في المحاورات غالبا بحيث صار مجازا مشهورا يساوي الحقيقة ليجمل في الإطلاق ممنوع جدّا.

لأنّ شيوع استعمال اللفظ في المعنى المجازي تارة يبلغ في الكثرة مرتبة صحّة اعتماد المتكلّم في التفهيم على مجرّد الشهرة و تجريد اللفظ عمّا عداها من


1- الوسائل 12: 374 ب (7) من أبواب أحكام العقود ح 2.
2- المستدرك للحاكم 2: 17، عوالي اللئالي 2: 247 ح 16.
3- تقدّم ذكر مصدره في الهامش (1) ص: 52.
4- قوانين الأصول 1: 338.

ص: 66

سائر القرائن الحاليّة و المقاليّة المتّصلة و المنفصلة.

و تارة لا يبلغ الشيوع بهذه المرتبة بأن كان استعمال اللفظ في المعنى المجازي باقيا على ما كان من ملازمة غير الشهرة من سائر القرائن الحاليّة أو المقاليّة المتّصلة أو المنفصلة.

و الّذي يصيّر اللفظ مجازا مشهورا مساويا للحقيقة و يحمل اللفظ معه إنّما هو القسم الأوّل من الشيوع، دون القسم الثاني من الشيوع و إن بلغ شيوعه أضعاف شيوع الأوّل، و الّذي هو فيما نحن فيه إنّما هو القسم الثاني من الشيوع لا الأوّل؛ لوضوح أنّ استعمال نفي الماهيّة في نفي كمالها و إن بلغ شيوعه في المحاورات العرفيّة و الشرعيّة ما بلغ- مثل: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد» (1) و «ليس منّا من ترك صلاة الليل» (2) و «ليس من شيعتنا من ترك تهجّد الليل» (3)، إلى غير ذلك من الاستعمالات الشرعيّة في نفي الكمال، و مثل:

لا درس، و لا زوج، و لا رجل، و لا امرأة، و لا كتاب، و لا طعام، و لا أكل، إلى غير ذلك من المحاورات العرفيّة المستعملة في نفي الكمال- إلّا أنّه مع ذلك ملازما بعد في كلّ من تلك الاستعمالات، لقرينة حاليّة أو مقاليّة متّصلة أو منفصلة، و لم يبلغ حدّ الاستغناء عنها بالشهرة ليصير بذلك مجازا مشهورا يساوي الحقيقة و يجمل اللفظ.

مضافا إلى أنّا لو سلّمنا الشكّ فالأصل عدم بلوغ الاستعمال إلى حدّ الشهرة المستغنى بها عن سائر القرائن. هذا كلّه في بيان وجه الاستدلال بكلّ من طائفتي الأخبار، الّتي استدلّ بها صاحب الحدائق من الأخباريّة و غيرهم على فساد عقد


1- الوسائل 3: 478 ب «2» من أبواب أحكام المساجد ح 1.
2- الوسائل 5: 280 ب «40» من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ح 8.
3- انظر الوسائل 5: 280 ب «40» من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ح 10.

ص: 67

الفضولي (1).

و لكن مع ذلك كلّه لنا الجواب عنها إمّا بتضعيف السند فيها لكونه عاميّا في أكثرها.

و إمّا بمنع الدلالة بدعوى ظهورها في أحد المعاني الأربعة من حرمة بيع الفضولي لنفسه لا لمالكه، أو لمالكه مع ترتيب آثار البيع عليه، أو مع قصده ترتيب الآثار عليه، أو مع شراء المبيع لنفسه بعد بيعه فضوله عن مالكه من دون إعلام المالك. مع احتمال معنى خامس في الطائفة النافية للبيع إلّا فيما يملك، و هو حرمة بيع ما لا يقبل الملكيّة كبيع الخمر و الخنزير، لا ما ليس يملك فعلا.

كما يحتمل معنى آخر في الطائفة النافية لبيع ما ليس عندك، و هو بيع ما لا يقدر على تسليمه كبيع العبد الآبق و نحوه، فإنّه لا يصحّ بيعه و إن كان مملوكا.

و إمّا بتخصيص عموم أخبار المنع من صحّة الفضولي بصورة عدم الإجازة، بناء على أنّ النسبة بين أخبار المنع و الجواز عموم و خصوص مطلقا، فإنّ أخبار المنع مانعة من صحّة الفضولي و لو لم تلحقه الإجازة، و أخبار الجواز دالّة على صحّة ما تلحقه الإجازة، فيتخصّص عموم الأوّل بالثاني، تقديما للخاصّ على العامّ و النصّ على الظاهر.

و إمّا بحمل أخبار المنع على صورة عدم لحوق الإجازة، و أخبار الجواز على صورة لحوقها، لكن لا من باب التخصيص المتقدّم.

بل إمّا من باب أنّ المستفاد عرفا من جمع طائفتي أخبار الجواز و المنع هو ذلك، نظير ما قيل: من أنّ المستفاد عرفا من الجمع بين الأمر و النهي هو حمل الأمر على الاستحباب، و النهي على الكراهة.

و إمّا من باب أنّ هذا المحمل أقرب المجازات عرفا إلى ما نحن فيه بعد


1- الحدائق الناضرة 18: 386- 391.

ص: 68

تعذّر إبقاء المتعارضين على ظاهرهما.

و إمّا من باب ترجيح أخبار الجواز على أخبار المنع من الفضولي بالشهرة الفتوائيّة، نظرا إلى أنّ الجواز هو الأشهر فتوى، فتكون الشهرة الفتوائيّة جابرة لدلالة أخبار الجواز، و موهنة لدلالة أخبار المنع.

و إمّا من باب ترجيح أخبار الجواز على أخبار المنع سندا، لأقوائيّتها بأحد وجوه التقوية إن لم يكن بكلّها أو جلّها، فتطرح حينئذ أخبار المنع، أو تحمل على ما لا ينافي الجواز من المعاني المتقدّمة من باب الجمع التبرّعي.

هذا غاية ما يمكن من الأجوبة عن أخبار منع صحّة الفضولي، و لكن الشأن كلّ الشأن في تشخيص الأسدّ منها عن غير الأسدّ، و الأوفق إلى قواعد الأصول.

فنقول: أمّا القدح في سندها بالعاميّة فضعيف؛ لوجود الصحيح و المستفيض فيها، مضافا إلى ما في كثرتها و تراكم بعضها مع بعض من الجبران، و نوع من التبيّن الظنّي الكافي في حجّيتها المنوط بمظنون الصدور عندنا معاشر المشهور.

و أمّا منع دلالتها بدعوى ظهورها في منع البيع لنفسه و ترتّب الآثار على بيعه- كما أجاب به الماتن (1) أوّلا- فهو تقييد في ظهور الظاهر، و عموم العامّ من دون قرينة في المقام.

و دعوى انصراف ظهورها إلى منع ترتّب الآثار فيه:

أوّلا: بمخالفته الأصل لو فرض الشكّ.

و ثانيا: باختصاص الانصراف بالإطلاق لا العموم.

و ثالثا: بفقدان شي ء من سببي الانصراف فيما نحن فيه.


1- المكاسب: 127.

ص: 69

و رابعا: بأنّ سياقها سياق سائر أخبار المنع من بيع الربوي (1)، و بيع الغرر (2) و الحصاة (3)، و غيرها من البيوع المحرّمة في الدلالة و لو بالاستقراء و الغلبة على عدم صحّة نفس البيع لا خصوص ترتيب الآثار، و على رفع قابليّته و تأهّله للصحّة، لا رفع فعليّة الصحّة.

نعم، لا نابي من انصراف خبر حكيم بن حزام (4) إلى صورة بيع الدلّال المال عن مالكه ثمّ يذهب و يشتريه من مالكه بأقلّ مما باعه من دون إعلامه بالحال، بقرينة احتفافه بسبق السؤال عن تلك الصورة.

و أمّا تخصيص عمومها بأخبار جواز الفضولي- كما ارتضاه المصنّف (5) جوابا ثانيا- ففيه: عدم ظهور تعارضهما في العموم و الخصوص المطلق بالنسبة إلى محلّ النزاع؛ لدلالة أخبار المنع على المنع من صحّة الفضولي سواء أجاز أم لم يجز، و أخبار الجواز على صحّة الفضولي بعد الإجازة، و محلّ النزاع في صحّته التأهليّة قبل الإجازة، لا في صحّته الفعليّة بعد الإجازة الّذي هو مضمون أخبار الجواز حتّى يخصّص بها أخبار المنع.

إلّا أن يقال: بأنّ دلالتها على الصحّة الفعلية بعد الإجازة يستلزم الدلالة على الصحّة التأهليّة قبل الإجازة، و هو حسن، إلّا أنّه رجوع عن الجواب بمجرّد التخصيص إلى ضميمة التزام التخصيص للمدّعى.

و بعبارة أخرى: أنّ مدلولي أخبار المنع و الجواز إمّا أن يتوافقا في التعرّض لحكم الصحّة الفعليّة أو التأهليّة، أو يختلفا، فإن اعتبر التأهّل في الطرفين لم يكن


1- الوسائل 12: 422 ب «1» من أبواب الربا.
2- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
3- الوسائل 12: 266 ب (12) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 13.
4- سنن أبي داود 3: 283 ح 3503، سنن البيهقي 5: 267.
5- المكاسب: 127.

ص: 70

وجه لدلالة أخبار الجواز على الصحّة التأهليّة فيما قبل الإجازة التي هي محلّ الكلام، و إن اعتبرت الصحّة الفعليّة فيهما لم يكتف في الجواز بمجرّد أخصّية أخبار الجواز من أخبار المنع، بل يحتاج إلى ضميمة دلالة الالتزام المتقدّم، و إن اعتبرت الصحّة الفعليّة في أحد الطرفين و التأهّل في الطرف الآخر خرج تعارضهما عن تعارض العموم و الخصوص المطلق و الاستثناء المتّصل إلى التباين و الاستثناء المنقطع.

فالأولى و الأسدّ في الجواب عن أخبار المنع هو حملها على صورة ترتيب الآثار و البيع لنفسه، دون مجرّد التلفّظ بالعقد و البيع لمالكه، لكن لا من باب الانصراف، و لا من باب التخصيص- حتّى يرد عليهما ما أورد- بل من باب أنّ المستفاد عرفا من الجمع بين طائفتي الأخبار إرادة ذلك، كما قيل: إن المستفاد من جمع الأمر و النهي على شي ء واحد عرفا هو إرادة الاستحباب من الأمر، و الكراهة من النهي، أو من باب أنّ ذلك الجمع هو أقرب المجازات عرفا إلى ما نحن فيه بعد تعذّر الحقيقة، أو من باب ترجيح أخبار الجواز بالشهرة أو القوّة، و طرح أخبار المنع، أو حملها على ما لا ينافي الجواز تبرّعا.

[المسألة الثانية أن يسبقه منع المالك]

قال طاب ثراه: «المسألة الثانية: أن يسبقه منع المالك .. إلخ».

أقول: أما محلّ النزاع في المسألة الثانية ففيما عقد الفضولي العقد عن الغير لا عن نفسه، و إلّا لم يفترق عن المسألة الثالثة الآتية، فالمائز الفارق بين هذه المسألة عن المسألة الآتية في العقد عن الغير لا عن نفس العاقد، كما أنّ المائز الفارق بينهما عن المسألة الأولى السابقة في سبق المنع و عدمه.

و أمّا الأصل الجاري في المسألة فهو الأصل الجاري في المسألة الاولى من العملي و اللفظي، فالكلام الكلام، و الوجه الوجه، و المشهور المشهور، و المختار طابق النعل بالنعل.

ص: 71

فالفرق بين المسألتين اسما غير فارق بينهما حكما بوجه من الوجوه، عدا ما تخيّل من أنّ العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الردّ، فلا ينفع الإجازة اللاحقة. و التحقيق في خصوص المقام أن نسوق الكلام إلى كلّي ما يندرج فيه نظائر المسألة بالتمام تشريحا للمرام، و تعميما للفوائد في الأحكام.

فنقول: هل يعتبر في تحقّق كلّ من الإجازة و التوكيل و الإذن و الردّ و العزل و الفسخ خصوص الإنشاء، أم يكفي في تحقّقها مجرّد الرضا الباطني في الثلاثة الأول، و عدم الرضا الباطني في الثلاثة الأخر و لو علم بذلك الرضا و عدم الرضا من شاهد حال أو قضاء عادة؟ وجوه فقهيّة و إن لم تكن أقوالا تصريحيّة.

ثالثها: التفصيل بين تحقّق الكاشف اللفظي عن وجود الرضا النفسي أو عدمه فيكتفى به فيها و لو كان ذلك الكاشف من مقولة الإخبار لا الإنشاء، و بين عدم تحقّق الكاشف اللفظي فلا يكتفي بمجرّد الرضا و عدم الرضا فيها.

و رابعها: التفصيل بين ما يفيد العقد كالإجازة و التوكيل و الإذن فيكتفى في تحقّقها مجرّد الرضا الباطني، و بين ما يفيد الحلّ كالردّ و العزل و الفسخ فلا يكتفي في تحقّقها مجرّد عدم الرضا بمقتضى العقد.

و خامسها: التفصيل بين استمرار عدم الرضاء الباطني إلى ما بعد العقد و لو آنا ما فيكفي بمجرّده في تحقّق الردّ و الفسخ و العزل، و بين زواله و عدم استمراره إلى ما بعد العقد فلا يكتفي بمجرّده.

و أوجه الوجوه الخمسة إلى الأصول و القواعد هو الأوّل، أعني: اعتبار الإنشاء في تحقّقها مطلقا، و عدم كفاية مجرّد الرضا و عدم الرضا؛ لأصالة الفساد و عدم تحقّق شي ء منها بمجرّد الرضا و عدم الرضا، و استصحاب عدم ترتّب آثار شي ء منها بمجرّد الرضا و عدم الرضا، مضافا إلى ظهور ما استظهره شيخنا العلّامة

ص: 72

من الإجماع على ذلك من تتبّع موارد الفقه.

و أمّا وجه الاكتفاء في تحقّقها مطلقا بمجرّد الرضا النفساني و عدمه فلعلّه لفحوى اكتفائهم في توكيل الباكرة أو إجازتها التزويج و عقد النكاح بالسكوت، و في تحقّق الرجوع إلى المطلقة الرجعيّة بمجرّد الوطء أو التقبيل أو الضمّ أو النظر بشهوة إليها.

و يضعّفه اختصاص الاكتفاء في هذه المواضع بالدليل الخارج و النصّ الخاصّ، فلا يتعدّى عنها.

و أمّا وجه التفصيل بين وجود الكاشف اللفظي و لو من مقولة الإخبار فيكتفي به و بين عدمه فلا يكتفي به فلعلّه لفحوى حكم بعضهم بأنّه إذا حلف الموكّل لشخص في شي ء على نفي توكيله انفسخ عقد التوكيل، لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا.

و فيه: أنّ فسخ التوكيل بمجرّد الحلف لو سلّم فلعلّه مختصّ بمرحلة الظاهر، لأجل التعبّد بعموم أدلّة فصل الخصومة بالحلف، فلا يتعدّى إلى غير الحلف من سائر الكواشف عن عدم الرضا، يعني حلف المنكر على إنكار نفي صدور العقد منه، لا نفي الصادر منه. و لو سلّم فهو تعبّد خاصّ بمورده. و تظهر الثمرة في صحّته بالإجازة على الأوّل، دون الثاني.

و أمّا وجه التفصيل بين ما يفيد العقد- كالتوكيل و الإجازة و الإذن- فيكفي في تحقّقها الرضا الباطني، و بين ما يفيد الحلّ- كالفسخ و العزل و الردّ- فلا يكتفي في تحقّقها بمجرّد عدم الرضا الباطني، و هو الظاهر من الماتن (1)، حيث أخرج بيع الفضولي العالم برضا المالك عن تحت الفضولي سابقا مع اختياره هنا (2)


1- المكاسب: 125.
2- المكاسب: 128.

ص: 73

عدم تحقّق الردّ بمجرّد عدم الرضا النفسي فمرجعه في الشقّ الثاني هو ما ذكرنا.

و أمّا في الشقّ الأوّل فلعلّ مرجعه إلى إطلاق تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و عموم «التحليل بطيب النفس». و فيه: أنّه لو سلّم إطلاق التراضي و الطيب بالنسبة إلى ما ذكر فإنّما هو خاصّ بحلّية الأكل، لقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1)، و قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه» (2). و أمّا حلّية المناكح و الفروج فلم يعلم من الآية و الحديث الاكتفاء فيها أيضا بمجرّد الرضا و الطيب النفساني. و توهّم عدم القول بالفصل مدفوع بوجوده من المكتفين بالمعاطاة في أكثر المعاملات دون النكاح.

و أمّا وجه التفصيل بين استمرار عدم الرضا الباطني إلى ما بعد العقد و لو آنا ما فيفسخ و بين عدم استمراره فلا يفسخ فمرجعه في الشقّ الثاني هو ما ذكرنا، من عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3)، و استصحاب بقاء آثار العقد، و أصالة عدم انفساخه بمجرّد عدم الرضا الباطني.

و أمّا في الشقّ الأوّل فهو ما زعم من أنّ مجرّد استمرار عدم الرضا الباطني إلى ما بعد العقد و لو آنا ما موجب لانفساخ العقد.

و فيه: ما تقدّم من المنع. و اللّٰه العالم بحقيقة الأمر.

[المسألة الثالثة أن يبيع الفضولي لنفسه]

قال طاب ثراه: «المسألة الثالثة: أن يبيع الفضولي لنفسه .. إلخ».

أقول: أمّا محلّ النزاع في هذه المسألة فأعمّ من جهة الغاصب و غيره الزاعم ملكيّة المبيع لنفسه، و أمّا من جهة كون النزاع في صحّة البيع بإجازة المالك


1- النساء: 29.
2- الوسائل 3: 424 ب «3» من أبواب مكان المصلّي ح 1.
3- المائدة: 1.

ص: 74

لنفسه أو للبائع فعن الجواهر (1) التعميم، و ظاهر المتن (2) التخصيص بصورة ما إذا أجازه المجيز لنفسه لا لبائعه، و أيّده شيخنا العلّامة بأنّ شهرتهم على بطلان ما لو اشترى المشتري بماله شيئا لغيره، مع شهرتهم على صحّة بيع الفضولي مال الغير لنفسه يقتضي اختصاص النزاع بصورة ما إذا أجاز المجيز لنفسه لا لبائعه، و إلّا لزم التعارض بين الشهرتين، نظرا إلى تعاكس المسألتين، فيقتضي اتّحادهما في الحكم. و فيه: ما يظهر من المتن (3) من منع تعاكس المسألتين و إبراز الفارق بينهما، فلا مقتضى لاتّحادهما في الحكم، و مقايسة أحدهما على الآخر.

فالأظهر حينئذ تعميم محلّ النزاع أيضا من جهة إجازة المجيز لنفسه أو لبائعه و إن كان ظاهر المتن بل صريحه التخصيص. هذا في تحرير محلّ النزاع.

و أمّا الأقوال في المسألة، فثالثها: التفصيل الظاهر من المتن بين بناء البائع على ملكيّة المثمّن بالجعل و الادّعاء فيصحّ، و بين عدم بنائه على ذلك فيفسد (4).

و رابعها: التفصيل الآخر الظاهر من المتن (5) أيضا بين أن تؤخذ خصوصيّة البائع في مفهوم الإيجاب على الجهة التعليليّة فلا يصحّ بإجازة المجيز لنفسه، و بين أن تؤخذ فيه على الجهة التقييديّة أو التعدّد المطلوبي فيصحّ. هذا في الأقوال.

و أمّا الحكم و الوجوه و الأقوال فالكلام في هذه المسألة من الفضولي هو الكلام في المسألة السابقة طابق النعل بالنعل، فالوجه الوجه و القول القول، و التوجيه التوجيه، و المشهور المشهور، و المقتضي المقتضي، و المانع المانع، فلا فارق بين المسألتين من حيث المقتضي و المانع، سوى اختصاص هذه المسألة بتوهّم مانعيّة ما لا يصلح للمانعيّة من عدم تحقّق قصد المعاوضة من الفضولي في


1- جواهر الكلام 22: 309.
2- المكاسب: 128.
3- المكاسب: 128.
4- المكاسب: 128.
5- المكاسب: 129.

ص: 75

هذه المسألة، و من عدم تعلّق الإجازة بمتعلّق الإنشاء السابق بالتقريب الّذي في المتن (1).

أمّا توهّم عدم تحقّق قصد المعاوضة في الفضولي في أموال الناس فيدفعه المنع منه جدّا؛ أمّا إذا قصد الفضولي البيع لمالك المبيع فلأنّ تحقّق قصد المعاوضة منه أوضح من تحقّق قصده المعاوضة في ماله؛ ضرورة أنّ نقل مال الغير على الشخص أهون و أطيب من نقل مال نفسه، كما أنّ أكله أو بذله أهنأ إليه من أكل مال نفسه أو بذله، و ما يكون أهون و أطيب و أهنأ إلى النفس كيف يكون القصد إليه أشكل؟ فما هو إلّا توهّم لا يليق ذكره بأحد.

و أمّا قصد المعاوضة منه فالجواب عن توهّم عدم تحقّقه من الفضولي مضافا إلى ما في المتن (2)- من اختصاصه بيع الغاصب الفضولي مع عموم محلّ النزاع في المسألة، و من أنّ قصد المعاوضة الحقيقيّة مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيّا بالادّعاء نظير المجاز الادّعائي- أنّ المعاوضة الحقيقيّة مبنيّ على جعل المعوّض عن الثمن هو رفع اليد و التسلّط عن المثمن، لا نفس المثمن حتّى تتوقّف المعاوضة الحقيقيّة بينه و بين الثمن على ما قاله الماتن (3)، من جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيّا بالجعل و الادّعاء ليخرج عن تحت صحّة الفضولي صورة ما إذا باع الغاصب لنفسه من دون البناء على ملكيّة المثمن بالجعل و الادّعاء، بل مطلق بيع الغاصب المشكوك في صدوره عن الجعل و الادّعاء.

فإن قلت: إذا كانت المعاوضة في المغصوب بين الثمن و رفع يد الغاصب عن المثمن لا بين الثمن و نفس المثمن لزم صحّة رجوع المشتري إلى الغاصب فيما دفع إليه من الثمن إذا انتزع المالك منه المثمن و إن كان حين الشراء عالما بغصبيّة المثمن، بل و لو تلف الثمن المدفوع إلى ذلك الغاصب، و اللازم باطل عند


1- المكاسب: 128.
2- المكاسب: 128.
3- المكاسب: 128.

ص: 76

المشهور فالملزوم مثله.

قلت: أمّا أوّلا: فبمنع الملازمة بأنّ صحّة رجوع المشتري العالم إلى الغاصب فيما دفع إليه بإزاء المغصوب و لو بعد تلف ذلك المدفوع فعلى تقدير تسليمه إنّما هو لازم ما اختاره المصنّف (1) في الجواب من جعل المعاوضة بين نفس الثمن و المثمن، و أمّا على ما اخترناه نحن في الجواب من فرض الثمن بإزاء رفع اليد عن المثمن فاللازم هو عدم صحّة الرجوع لا صحّة الرجوع، كما لا يخفى على المتأمّل.

و ثانيا: لو سلّمنا الملازمة قلنا الجواب بأنّ بطلان اللازم على تقدير تسليمه إنّما هو للدليل الشرعي الخارجي، إذا لا بعد في أنّ الشارع تعبّدنا بعدم رجوع المشتري العالم إلى الغاصب إذا انتزع المالك منه المغصوب، عقوبة له حيث أقدم على شراء المغصوب و دفع الثمن بإزائه مع علمه بعدم استحقاقه.

فتلخّص مما ذكرنا: عدم صلوح ما توهّم من عدم تحقّق قصد المعاوضة من الغاصب البائع لنفسه للمانعيّة من الصحّة.

و أمّا توهّم مانعيّة تصحيح إجازة المجيز لنفسه بيع الغاصب لنفسه مع استلزامه بقاء الجنس مع انتفاء فصله و بقاء المقيّد مع انتفاء قيده- نظرا إلى تغاير متعلّق الإجازة لمتعلّق العقد و كون النقل من المنشئ غير مجاز و المجاز غير منشئ- فمدفوع أيضا بعدم صلوحه للمانعيّة.

أمّا أوّلا: فلأنّا و إن سلّمنا مغايرة ما وقع لما أجيز، إلّا أنّ لنا أن نجيب عن مانعيّة الصحّة بما عن المحقّق القميّ قدّس سرّه.

من أنّ إجازة المجيز بيع الغاصب لنفسه راجع إلى تبديله ماهيّة العقد لنفسه- كما لو باع فضولة ثمّ ملك المبيع بإرث أو بيع- لا تبديل قيده و فصله مع بقاء


1- المكاسب: 128.

ص: 77

جنسه و مقيّده، حتّى يستحيل عقلا بقاء الجنس مع انتفاء فصله و المقيّد مع انتفاء قيده، فتكون الإجازة حينئذ عقدا جديدا بمنزلة قوله: بدّلت بيع الغاصب لنفسه إلى البيع لنفسي (1).

و استشكال بعض الرفقاء على كونه عقدا جديدا مع اشتراطهم الصراحة في ألفاظ العقود مدفوع، بأنّه لو سلّمنا اعتبار الصراحة فما نحن فيه خارج بالدليل المصحّح لعقد الغاصب بمجرّد الإجازة، فإنّ الدليل على اعتبار الصراحة في العقود على تقدير تسليمه ليس إلّا الشهرة، و بعد فرض كون الشهرة على صحّة الفضولي بهذا المعنى متحقّقا كان ذلك دليلا على خروجه عن تحت اعتبار الصراحة و كفاية المجاز و الكناية فيه، كما لا يخفى.

و كذا استشكال بعض الرفقاء عن كون الإجازة عقدا جديدا نازلا منزلة الإيجاب و القبول المستقلّين مع أنّه إنشاء واحد مدفوع، بأنّ الإشكال إن كان في إمكانه فمن المعلوم أنّه كما يمكن أن يكون اللفظ الواحد دالّا على إنشاء واحد كذلك يمكن أن يكون دالّا على إنشاءين، كإمكان استعمال اللفظ في معنى واحد و في معنيين.

و إن كان الإشكال في وقوعه فمن الواضح أنّه كما لا إشكال في وقوع استعمال اللفظ الواحد في معنيين إذا كان بينهما جامعا قريبا و قامت القرينة على إرادته كذلك لا إشكال في وقوع استعمال «أجزت لنفسي» في إنشاء الإنشاء و القبول السابقين لنفس المتبائعين، بعد وجود الجامع القريب بينهما، و هو مضمون العقد السابق لنفس المجيز، بعد قيام القرينة الصريحة على إرادته، و هي تعقّب الإجازة بالضمير الراجع إلى العقد السابق و بقوله: «لنفسي».

هذا كلّه، مع أنّ مدلول الإجازة معنى بسيط وحداني، و تعدّده إنّما هو


1- جامع الشتات 1: 155.

ص: 78

بحسب الانحلال في الخارج، كانحلال مدلول الأمر إلى طلب الفعل مع المنع من الترك، مع كونه بحسب العقل معنى بسيط، من غير فرق بين أن يكون مدلولها إمضاء العقد السابق لنفس البائع، أو تبديله لنفس المجيز.

غاية الفرق أنّه إن اتّحد مضمونه لمضمون العقد السابق في الجنس و الفصل و الإطلاق و التقييد وقع إمضاء له، و إن اختلف له في الجنس و الفصل كما لو قيّد الفضولي البيع لنفسه و أجازه المجيز لنفسه لا لبائعه وقع عقدا جديدا.

و كذا استشكال بعض الرفقاء في كونه عقدا جديدا مع ذهاب المشهور إلى كونه كاشفا لا ناقلا مدفوع، بأنّ فرضه عقدا جديدا من جهة مخالفته لمضمون العقد السابق في التقييد لا يقتضي كونه عقدا جديدا من سائر الجهات، لأنّ الضرورة إنّما تقدّر بقدرها. و كونه عقدا جديدا مخالفا للسابق في الفصل، و القيد لا ينافي كونه باقيا على الاتّحاد و المتابعة للعقد السابق في غير ذلك.

و كذلك إيراد المصنّف على كونه عقدا جديدا: بأنّه خلاف العقل (1) مدفوع، بأنّ مخالفته للعقل مبنيّ على رجوع الإجازة إلى تبديل قيد العقد و فصله، و قد عرفت أنّ اعترافه بكون الإجازة عقدا جديدا صريح أو كالصريح في إرادته من هذا الجواب تبديل ماهيّة العقد السابق بالإجازة، لا تبديل خصوص قيده و فصله مع بقاء الجنس على حاله حتّى يستحيله العقل.

مع أنّ المستحيل إنّما هو بقاء الجنس بعد انتفاء فصله، و المقيّد بعد انتفاء قيده مع الوصف و الارتباط الّذي كان له سابقا بالفصل و القيد المنتفيين، و أمّا مع انتفاء ذلك الوصف و الربط فلا مانع من بقاء الجنس و المقيّد بعد انتفاء فصله و قيده، كما تشاهد بالعيان بقاء جنس الإنسان من الجوهريّة و الجسميّة بعد انتفاء فصله و قيده المقوّم له و هو الناطقيّة و الحياة بالموت.


1- المكاسب: 129.

ص: 79

بل كيف يستحيل عقلا فرض الإجازة عقدا جديدا و قد وقع له نظائر شرعا؟! فمن النظائر الواقعة له شرعا ما تقدّم من الأخبار الدالّة (1) على أنّ ربح تجارة غير الولي في مال اليتيم لليتيم.

و من صحيحة الحلبي المتقدّمة (2) في الإقالة بوضيعة الدالّة على عدم تحقّق الإقالة بالوضيعة، و أنّه إذا أقال المبيع بوضيعة ثمّ باعه لنفسه بأكثر من ثمنه فأجاز المشتري الأوّل كان الثمن الزائد له لا لبائعه.

و من الأخبار الدالّة (3) على استحقاق الشريك الحصّة المبيعة في شركته بمجرّد الشفعة، فإنّ الشفعة كالإجازة حينئذ. إلى غير ذلك من النظائر و الأشباه المتقدّمة الواقعة للمسألة شرعا.

و توهّم خروج هذه النظائر عمّا يقتضيه القاعدة بالتعبّد الشرعي و الدليل الخارج مدفوع، بأنّه إن اقتضت القاعدة استحالة شي ء عقلا استحال تعبّد الشارع بعدم استحالته، كما يستحيل تعبّده باجتماع الضدّين و نحوه و لنعم ما قاله شيخنا العلّامة في ردّ بعض الرفقاء: من أنّ الالتزام باستحالة كونه عقدا جديدا مع وجود تلك النظائر و الأشباه له لا يقصر من التزام العامّة باستحالة وجود إمام العصر إلى هذا الزمان الطويل، مع وجود الأشباه و النظائر له من الأنبياء و غيرهم.

و كذا إيراده الآخر الذي أورده الماتن (4) على الفاضل القمي: بأنّ كون إجازة المجيز لبيع الغاصب عقدا جديدا بالتقريب المتقدّم خلاف الإجماع مدفوع، بأنّه أحد الأقوال في مطلق بيع الفضولي، فضلا عن هذا الفرد منه.


1- الوسائل 12: 190 ب «75» من أبواب ما يكتسب به.
2- في ص: 62.
3- انظر الوسائل 17: 320 ب (7) من أبواب الشفعة.
4- المكاسب: 129.

ص: 80

بل كيف يكون خلاف الإجماع؟! و قد حكى (1) هو أيضا عن كاشف الرموز (2) بأنّ مطلق الإجازة عقد جديد، أي و لو لم يغاير العقد السابق فضلا عما لو غايره، نظرا إلى أنّ تقييد البائع البيع لنفسه كما يقتضي أن تكون الإجازة عقدا جديدا حذرا من بقاء الجنس مع انتفاء فصله و قيده كذلك تقييد البائع البيع بإجازة مالكه فيما لو باعه لمالكه أيضا يقتضي أن تكون الإجازة عقدا جديدا.

و بعبارة أخرى: أنّ المغايرة بين ما أجيز و بين ما وقع موجود في كلا فرضي الإجازة لنفسه أو لبائعه، فيقتضي الالتزام بكونه عقدا جديدا في كلا فرضيه. و لكن في نظره نظر للفرق الواضح بين المغايرتين، لإمكان منع كون الإجازة شرطا في نفس عقد الفضولي للمالك، و إنّما هو أمر خارج مستفاد من الدليل الخارجي، الّذي لولاه لقلنا بما قيل: من كون عقد الفضولي بمنزلة الإتلاف الموجب للضمان، لا الاحتياج إلى الإجازة.

و لو سلّم فإنّما هو شرط شرعيّ اعتبره الشارع في الخارج، لا اعتبره العاقد في ضمن عقده. و لو سلّم أيضا فإنّما هو شرط مأخوذ في متعلّق العقد، لا في نفس العقد؛ فإنّ نفس البيع و النقل من الفضوليّ غير معلّق على الإجازة، و إنّما المعلّق عليها على تقدير التعليق هو انتقال المبيع، و ترتيب آثار البيع عليه، نظير اعتبارهم في ضمن عقد النكاح تعليق توكيل الزوجة أو غيرها في الطلاق على غياب الزوج أو شي ء آخر حيث لا يفسد العقد إن فرض المعلّق على غياب الزوج- مثلا- هو متعلّق التوكيل، أعني: الطلاق، و يفسد إن فرض المعلّق على ذلك هو نفس التوكيل لا متعلّقه. هذا كلّه في الجواب أوّلا عن مانعيّة المغايرة المدّعاة بين ما أجيز و ما وقع.


1- المكاسب: 129.
2- كشف الرموز 1: 445- 446.

ص: 81

و يضاف إلى ذلك إمكان الجواب ثانيا بما ارتضاه الماتن (1): من منع أصل المغايرة بين ما أجيز و ما وقع بناء منه على أنّ قصد البائع البيع لخصوص نفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب على وجه العلّية حتّى يقتضي انتفائها انتفاء المعلول، و هو أصل البيع، أو تردّد الأمر على تقدير الصحّة بين محذوري مغايرة ما أجيز لما وقع، أو عدم اشتراط أن يكون كلّ من العوضين ملكا لكلّ من المتعاوضين في انتقال بدله إليه، بل إمّا مأخوذ على وجه التعدّد المطلوبي فكأنّ البائع قصد أصل البيع بقصد مستقلّ ثمّ قصده لخصوص نفسه بقصد مستأنف مستقلّ لا يقتضي انتفائه انتفاء الأوّل، و إمّا مأخوذ على وجه التقييد بكونه المالك فكأنّه قصد البيع لخصوص نفسه بقصد واحد، لكن لا من حيثيّة مقيّدة بكونه المالك، فإذا انتفت المالكيّة له في الواقع استتبع الحكم لمن ثبت له الملكيّة الواقعيّة من غيره.

قوله: «إنّه خلاف الإجماع و العقل».

[أقول:] أمّا مخالفته الإجماع ففيه أوّلا: ما عرفت من أنّه أحد الأقوال في مطلق بيع الفضولي، فضلا عن هذا الفرد منه.

و ثانيا: سلّمنا، لكن المراد من فرضه عقدا جديدا من جهة مخالفته لمضمون العقد السابق في التقييد، لا من سائر الجهات.

و أمّا مخالفته العقل ففيه ما عرفت أيضا من أنّه مبنيّ على رجوع الإجارة إلى تبديل قيد العقد و فصله مع بقاء جنسه على الوصف و الربط السابق بالفصل و القيد المنتفيين، و قد عرفت منع كلّ من المبنيين.

قوله: «أمّا الفضولي فهو أجنبيّ عن المالك .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّه كما يمكن فرض العاقد أعمّ من الأصالة و النيابة كذلك


1- المكاسب: 129.

ص: 82

يمكن فرضه أعمّ من الأصلي و الفضولي بلا فرق.

قوله: «التزمنا بلغويّته».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّه لو لغا ذلك للغا عند مطلق الوكيل و الفضولي بل المالك الغير القاصد في تمليكه و تملّكه مالكيّة نفسه، كما هو الغالب من الاكتفاء بقصد التمليك و مطلق المبادلة من غير التفات إلى مالكية نفسه، فضلا عن تنزيل نفسه منزلة المالك الأصليّ.

و ثانيا: أنّ العلم بالباطل و لو كان جهلا مركّبا فضلا عن اعتقاده أو توهّمه أو ادّعائه أو قصده إن لم يضر لا ينفع في صدق العقد، و لا في صحّته، و لا في حكمه، عرفا و لا شرعا، حقيقة و لا مجازا، من غير علاقة مسوّغة مصدّقة، ضرورة لغويّة الفاسد من العقائد و المقاصد، بل كفريّته، إلّا إذا فرض معذوريّته بقصور لا تقصير، لأنّ الأحكام تابعة لأساميها الواقعيّة.

قوله: «فلأنّ صحّة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة، كما تقدّم في بعض فروع المعاطاة».

أقول: قد تقدّم منّا الإيراد عليه أيضا بأنّه إن كان عدم صحّته من جهة عدم قابليّة المحلّ لنفوذ التوكيل فيه شرعا- كعدم قابليّة وطء الجارية لنفوذ التوكيل فيه شرعا- فيكفي في ردّه و بطلان مقايسته على التوكيل في وطء الجارية وجود الأشباه و النظائر المتقدّمة له شرعا:

منها: الأمر بالعمل العائد نفعه إلى ثالث، فإنّه يستحقّ العامل الأجرة من الأمر و إن لم يرجع نفع عمله إلى الأمر.

و منها: حقّ الجعائل لردّ ضالة الغير، كما لو قال الجاعل: من أتى بضالّة فلان فله عندي كذا، فإنّ الآتي بها يستحقّ حقّ الجعالة من الجاعل و إن لم يرجع النفع إليه.

ص: 83

و منها: الهبة المعوّضة بعوض مشروط لثالث، فإنّ الظاهر صحّته و إن لم يدخل كلّ من العوضين في ملك المالك الآخر.

و منها: تزويج الناس أولادهم، أو غير أولادهم بجعل المهر في ذممهم، أو في أعيان أموالهم مع عدم دخول العوض إلى أنفسهم على وجه تقدّم.

و إن كان عدم صحّته من جهة عدم وجود الدليل الشرعي على صحّته، فيكفي في ردّه وجود إطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و عموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (2) و «تسليط الناس على أموالهم» (3)، بعد إحراز صدق البيع و العقد و قابليّة المحلّ بالأشباه و النظائر الثابتة له شرعا.

قوله: «مع أنّ قياس الإجازة على الإذن قياس مع الفارق .. إلخ».

أقول: أقصى الفرق بين الإجازة و الإذن هو السبق و اللحوق، فالإجازة إذن لاحق، و الإذن إجازة سابقة، و لا ريب أنّ هذا الفرق غير فارق بينهما في اقتضاء ما يقتضيه من تقدير الملك آنا ما قبل البيع، فإن أوجب الإذن في البيع من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبله فكذا الإجازة ينبغي أن توجبه.

و احتمال الماتن قدّس سرّه (4) الاقتضاء في الإذن دون الإجازة معلّلا بأنّها لا تتعلّق إلّا بما يقع سابقا و المفروض أنّه لم يقع إلّا مبادلة مال الغير بمال آخر فيه إجمالا:

أنّ الإذن أيضا لا يتعلّق إلّا بما يقع لاحقا، و المفروض أنّه لم يقع إلّا مبادلة مال الغير بمال آخر.

و تفصيلا: بأنّ الملك التقديري المتوقّف عليه البيع فيما نحن فيه إن كان عبارة عن حصول الملك القهري بجعله تعالى آنا ما قبل البيع- كما هو المختار


1- المائدة: 1.
2- البقرة: 275.
3- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99.
4- المكاسب: 130.

ص: 84

فيما تقدّم (1)، نظير حصوله القهري بمجرّد شراء العمودين و إن لم يقصده المشتري- فلا حاجة في تصحيح العقد بالإجازة إلى إيقاع ما يزيد على مبادلة مال الغير بمال آخر في المفروض. و إن كان عبارة عن تحصيل الملك بالقصد- كما هو ظاهر المتن (2) فيما تقدّم- فهو و إن احتاج تصحيح العقد بالإجازة إلى ما وراء مبادلة مال الغير بمال آخر من قصد التمليك و تحصيله قبل البيع آنا ما إلّا أنّ الاحتياج إلى ذلك لا يختصّ بتصحيح الإجازة للعقد، بل يعمّ تصحيح الإذن له أيضا.

و بالجملة: فالإذن المصحّح لبيع مال الغير لنفسه إن لم يتوقّف على تحصيل الملك بالقصد قبل البيع آنا ما فكذلك الإجازة المصحّحة لبيع مال الغير لنفسه لم يتوقّف على تحصيله بالقصد و إن توقّف الإذن على ذلك توقّفت الإجازة أيضا عليه، فالفرق بين الإذن و الإجازة بالسبق و اللحوق غير فارق، كما زعم.

قوله: «إذ لو صحّ وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة».

[أقول:] فيه: أنّ عدم صحّة وقوعه للفضولي ليس لأجل أنّه لو صحّ لم يحتج إلى الإجازة، كيف! و صحّة كلّ فضوليّ يحتاج إلى الإجازة، بل عدم صحّة وقوعه للفضولي إنّما هو لعدم قصده في العقد بحيث لو قصد الفضولي و لو على وجه عموم قصد العقد لكلّ من أجاز صحّ للفضوليّ المجيز أيضا.

قوله: «لو دلّ لدلّ على عدم ترتّب الأثر .. إلخ».

[أقول:] أي: لو دلّ على الفساد لدلّ على الفساد المراعى بعدم الرضا؛ لأنّ قوله عليه السّلام: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه» (3) نهي إرشاديّ ما دام لا تعبّديّ مستدام.


1- في ص: 83.
2- المكاسب: 130.
3- الوسائل 3: 424 ب «3» من أبواب مكان المصلّي ح 1.

ص: 85

قوله: «إذا انكشف عنها الإجازة. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الفرق بين الفرضين فارق، من حيث إنّ التصرّفات السابقة على الإجازة على تقدير الكشف لا تضمن، و على تقدير النقل تضمن.

[القول في الإجازة و الرد]
اشارة

قوله: «و فيه ما لا يخفى من المخالفة للأدلّة».

[أقول:] أي: الدالّة بالعقل و النقل على حرمة الوطء و التصرّف و التمليك و التملّك في مال المسلم قبل رضاه و إن علم بأنّه سيرضى بعد.

و فيه أوّلا: منع التفريع المذكور و التصرّف في الفضولي على الكاشفيّة قبل الإجازة الكاشفة.

و ثانيا: لو سلّم فليس المانع عقليّا حتّى يأبى من التخصيص بنصوص كاشفيّة الإجازة عن صحّة الفضولي، خصوصا صحيحة محمّد بن قيس (1) و ما بعده (2)، كما خصّص بحقوق المارّة و حقوق الاخوّة و القرابة و الصداقة و الضيافة، و حقّ إجبار الممتنع و حقوق الولاية و الأولويّة.

قوله: «ترتيب الإيجاب (3) من حين الإيجاب فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى الفرق الفارق بين المقيس و المقيس عليه من حيث إنّ عدم ترتّب الوفاء على مجرّد الإيجاب قبل القبول من جهة عدم تحقّق موضوع العقد، بخلاف عدم ترتّبه على عقد الفضولي قبل الإجازة، فإنّه ليس إلّا لمانع عدم الرضا، لا لعدم صدق موضوع العقد بالوفاء.

قوله: «الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل ثمّ بعده الكشف الحكمي».


1- الوسائل 14: 591 ب «88» من أبواب نكاح العبيد و الإماء ح 1.
2- الوسائل 13: 182 ب «1» من أبواب أحكام المضاربة ح 9، و تقدّم باقي المصادر في هامش (1) ص: 62 و هامش (2 و 3) ص: 62.
3- في المكاسب: «ترتيب الآثار».

ص: 86

أقول: بل الأمر بالعكس و أنّ الموافق لعمومات أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (1) و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و قاعدة «العقود تابعة للقصود» ليس إلّا الكشف الحكميّ ثمّ الكشف الحقيقيّ، و أمّا النقل الحقيقيّ فلا يوافق شيئا سوى عمومات: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه» (3) و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (4) و «لا بيع إلّا في ملك» (5) مما لم يأب من التخصيص بنصوص صحّة الفضولي بالإجازة على وجه الكاشفيّة، فالقول بالنقل الحقيقيّ دونه خرط القتاد، بخلاف الكشف الحقيقيّ فإنّ الرضا اللاحق و إن لم يكشف عن الرضا السابق حقيقة- كيف! و المفروض عدمه ظاهرا- إلّا أنّ صدوره في اللاحق لمّا كان كاشفا عن تقدير سبقه في علم اللّٰه و مشيئته و إرادته لم يبعد الحكم بكونه كاشفا.

مضافا إلى أنّ صحّة نصوص الفضولي و صراحتها في الكاشفيّة- خاصّة صحيحة محمّد بن قيس (6) و ما بعدها (7)، خصوصا صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين (8)- حجّة قاطعة في صحّة الفضولي بالإجازة على وجه الكاشفيّة، فالكلام بعدها في الفضولي فضول و تضييع للعمر.

قوله: «و للشهيد الثاني في الروضة عبارة».

[أقول:] و أمّا عبارته فهي: و تظهر الثمرة في النماء، فإن جعلناها كاشفة فنماء المبيع المنفصل المتخلّل للمشتري و نماء الثمن المعيّن للبائع، و لو جعلناها


1- البقرة: 275.
2- المائدة: 1.
3- تقدم ذكر مصدر الهامش (3) ص: 84.
4- النساء: 29.
5- المستدرك للحاكم 2: 17، عوالي اللئالي 2: 247 ح 16.
6- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1 و 2) ص: 85.
7- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1 و 2) ص: 85.
8- الوسائل 17: 527 ب (11) من أبواب ميراث الأزواج ح 1.

ص: 87

ناقلة فهما للمالك المجيز (1)، انتهى. و لمّا كان مقتضى النقل أن يكون نماء كلّ من الملكين لكلّ من المالكين السابقين لا لمالك المجيز احتاج إلى توجيه المراد من المجيز أو حكمه له.

أمّا توجيه المراد من المجيز فبأن يفرض كون العقد فضوليّا من الطرفين لا من طرف واحد، أو من طرف واحد في صورتين لا في صورة واحدة، بأن يكون نماء المبيع للبائع المجيز إذا كان فضوليّا من قبله، و نماء الثمن للمشتري المجيز إذا كان فضوليّا من قبله، و لم يتعرّض لنماء الطرف الآخر الأصيل، لوضوحه بالمقايسة.

و أمّا توجيه حكم ظاهرها فبأنّ نماء الطرف الأصيل و إن كان له بقاعدة «تبعيّة النماء للأصل»، إلّا أنّ النقل من طرف الأصيل لمّا كان منجّزا غير معلّق على الإجازة انتقل نماء المنقول عنه، كنماء المنقول إليه إلى المجيز.

و أمّا وجه أولويّة توجيه المراد عن المجيز من توجيه حكمه الظاهري فلعدم التأمّل بالناقل بهذا الحكم، و هو انتقال نماء الأصيل المتخلّل بين النقل و الناقل إلى المجيز، و عدم الإقدام المطلق.

قوله: «لا يخلو عن إشكال».

[أقول:] وجهه: عدم تحقّق صدق العقد قبل الإجازة على فرض الناقليّة.

قوله: «و [الظاهر أنّ] الأصحاب لا يلتزمون بذلك».

[أقول:] فيه: منع عدم التزام الأصحاب بملازمة أنّ ما يكتفى به في الرضا اللاحق يكتفى به في السابق، كيف! و الأولويّة قطعيّة و نصوص الاكتفاء بالرضا مطلقة، و ما لم يلتزم به الأصحاب إنّما هو ملازمة الاكتفاء بالرضا في اللزوم للاكتفاء بالكراهة في الفسخ الّذي جعله المصنّف مؤيّدا لما لم يلزموا به.


1- الروضة البهية 3: 229.

ص: 88

و فيه أوّلا: أنّه غير مؤيّد.

و ثانيا: أنّه غير ملتزم به؛ لنصوص (1) صحّة الفضولي المكره و الغاصب و المنهي بالإجازة.

قوله: «فلا يبقى ما يلحقه الإجازة. فتأمّل» (2).

[أقول:] إشارة إلى أنّ انتفاء محلّ الإجازة بسبق الردّ مبنيّ على كون الإجازة ناقلة لا كاشفة، فتخلّل الفرد بينها و بين العقد كتخلّله بين الإيجاب و القبول في نفي قابليّة لحوقه به، و تخلّل الفصل بين ركني العقد في نفيه به. و أمّا على الكشف- خصوصا الكشف الحقيقي- فالردّ لا ينفي موضوع العقد السابق كالحلّ و الفسخ و الإقالة، و إنّما ينفي حكمها ما دام باقيا على الردّ و الكراهة فإذا أجاز جاز، فيكون الردّ اللاحق للعقد كالنهي السابق عليه لا يؤثّر بطلان العقد و سلب صحّته بالرضا اللاحق.

لا يقال: لا فرق بين سبق الرضا أو الردّ، فكما أنّ سبق الرضا مانع عن تأثّر الردّ بعده كذلك سبق الردّ مانع عن تأثير الرضا بعده.

قلنا: عدم الفرق مبنيّ على القول بكون الإجازة ناقلة و الردّ فسخ. و أمّا على الكاشفيّة الصريحة من النصوص (3) الصحيحة فالفرق الفارق أنّ الرضا اللاحق كاشف شرعيّ كالبيّنة عن تحقّق موضوع العقد السابق، أو عن حكم لزوم للوفاء به على الخلاف في الحقيقي و الحكمي، و على كلّ من تقديرية لم يبق محلّ للردّ بعده، بخلاف سبق الردّ حيث لم يثبت شرعا حلّه و فسخه العقد السابق على


1- لم نجد هكذا نصوص، خصوصا في المكره و الغاصب، و أمّا المنهي فانظر الوسائل 14: 522 و 523 ب «23 و 24» من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- هذه الكلمة غير موجودة في المكاسب.
3- الوسائل 17: 527 باب (11) من أبواب ميراث الأزواج ح 1، و لاحظ ما تقدّم من المصادر في هامش «1 و 2» ص: 85.

ص: 89

وجه لا يؤثّر الرضا بعده أبدا، بل يحتمل عدم التأثير الدائم و العدم ما دام كالنهي السابق على عقد المكره بحيث يزول بزواله، و الأصل بقاء العقد و عدم زوال قابليّة صحّته بالرضا و الإجازة و القدر المتيقّن من معقد الإجماع اللبّي على فساد العقد المردود هو المردود بالردّ المستدام لا الردّ المتعقّب بالرضا و الإجازة، و يحتمل في المسألة التفصيل بين الردّ بإنشاء حلّ العقد و فسخه فيبطل فلا يؤثّر الرضا بعده، و بين الردّ بعدم الرضا و عدم القبول فلا يبطل و يؤثّر الرضا بعده. كما يحتمل في المسألة وجه رابع: و هو التفصيل المختار من ظاهر الأخبار بين ناقليّة الإجازة فيبطله الردّ المتخلّل بينه و بين الإجازة و كاشفيّته فلا يبطل بالردّ.

قوله: «الرابع: الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك .. إلخ».

أقول: في توضيح المرام أنّه لا إشكال في أنّه إذا مات من له الإجازة في الفضولي توقّف صحّة ذلك العقد الفضولي على إجازة وارث من له تلك الإجازة، إنّما الإشكال بدوا في أنّ ذلك من جهة توريث الإجازة بالأصالة، أو من جهة توريثه بالتبع لتوريث المال الّذي عقد عليه الفضولي الحقّ هو الثاني لا الأوّل؛ لأنّ الإجازة من آثار سلطنة المالك على ما له فموضوعه المالك فإذا مات انقطعت السلطنة الّتي كانت له على ماله من البيع و غيره فينقطع ما كان له من آثار تلك السلطنة كالإجازة و غيرها. مضافا إلى أنّ الإجازة حكم وضعي و حقّ من الحقوق الشرعيّة التوظيفيّة، و الأصل فيما شكّ في قابليّته للتوريث العدم حتّى يثبت بالدليل، كحقّ الخيار و اختيار الفسخ. كما أنّ الأصل فيما يشكّ في قابليّته للنقل و الانتقال منها العدم أيضا حتّى يثبت بالدليل، و أمّا الحقوق المشكوك قابليّتها شرعا للنقل و الانتقال أو التوريث كحقّ الإجازة و نحوها فملحقة بالحقوق الغير القابلة لذلك شرعا، كحقّ المضاجعة و المقاسمة و نحوها من الحقوق الغير القابلة للنقل و الانتقال.

ص: 90

قوله: «و الفرق بين إرث الإجازة و إرث المال يظهر بالتأمّل».

أقول: الفرق بينهما في غاية الوضوح لا حاجة فيه إلى التأمّل، و المحتاج إلى التأمّل هو الثمرة المترتّبة على الفرق، و لعلّه المراد أيضا.

و كيف كان فمن جملة ثمرات الفرق: استيراث الزوجة من زوجها إجازة العقد الواقع منه على الأراضي و العقار على تقدير إرث الإجازة و عدم استيراثها ذلك على تقدير إرث المال الّذي عقد عليه الفضوليّ، بناء على القول باستيراث الزوجة من الزوج ما عدا الأراضي من الأموال.

و من جملة ثمرات الفرق أيضا: عدم انفساخ عقد الفضوليّ بردّ بعض الورثة إلّا في حصّة ذلك البعض دون حصّة الباقين إذا أجازوا على تقدير إرث المال الّذي عقد عليه الفضوليّ، و انفساخه رأسا على تقدير إرث الإجازة، بناء على القول بكون الإجازة كالفسخ أمر بسيط لا يقبل التجزئة.

و من جملة الأمور الّتي ينبغي التنبيه عليها في المقام: تحقيق كون الإجازة كما يمضي العقود الفضوليّة- على القول بصحّتها- هل يمضي غير العقود من سائر المعاملات الفضوليّة كالقبض في البيع عن البائع، و في الوقف عن الواقف. و كذا العبادات كإعطاء الخمس و الزكاة و الفطرة عمّن في ذمّته ذلك فضولة، أم لا يمضي غير العقود مطلقا فلا يترتّب على إجازة غير العقود من سائر الأمور المتوقّفة على الاذن آثار الاذن السابق بالإجازة اللاحقة لها، أم التفصيل بين العبادات فلا يترتّب على فعلها عن غير فضولة آثار الإذن السابق بها بالإجازة اللاحقة- نظرا إلى جهة اعتبار اقترانها بالقربة- و بين غيرها فيترتّب على الإجازة اللاحقة لها آثار الاذن السابق فيها، أم التفصيل بين القول بكون الإجازة ناقلة فيترتّب عليها آثار الإذن السابق و بين القول بكونها كاشفة فلا يترتّب؟ وجوه، بل أقوال، ذهب

ص: 91

إلى الأوّل صاحب الجواهر (1).

و يمكن الاستدلال له عليه بفحوى الأدلّة الدالّة على إمضاء العقود بالإجازة، و عدم الفرق بين الإذن السابق و اللاحق في صحّة العقود، و ترتيب آثار العقد فيدلّ بفحواها على إمضاء غير العقود من المعاملات و القبوضات و العبادات، بل و الإيقاعات ما لم يقم عليها الإجماع بالإجازة اللاحقة، و ترتيب آثار الإذن السابق فيها على الإجازة اللاحقة للفضوليّ لها.

اللّٰهمّ إلّا أن يقال: بظنّيّة هذه الفحوى، و عدم حجّيّة مطلق الظنّ. فتأمّل.

و قد استدلّ عليه الأستاد دام ظلّه بعموم تعليل صحّة نكاح العبد الغير المأذون بقوله عليه السّلام: «لم يعص اللّٰه و إنّما عصى سيّده فإذا أجاز جاز» (2)، مستشعرا منه عموم تدارك الإجازة بكلّ ما يقبل التدارك من الأمور المتوقّفة على الإذن.

و كذا استدلّ عليه بفحوى الأخبار (3) الواردة في التصدّق بمجهول المالك و اللقطة عن صاحبه و مالكه عند اليأس عن ظهوره، فإذا ظهر و أجاز احتسب لمالكه، و إلّا احتسب لدافعة و ضمن الدافع لمالكه المثل أو القيمة، نظرا إلى أنّ احتساب التصدّق و ردّ المظالم بمال الغير عن نفس ذلك الغير بعد فرض إجازته ليس إلّا من جهة تصحيح الإجازة ما وقع عن المجيز، مع كونه من العبادات لا المعاملات، فضلا عن كونه من العقود.

و بالجملة فالمستفاد من هذه الأدلّة بحسب الظاهر أنّ كلّ ما يصحّ التوكيل فيه يصحّ الفضوليّ فيه و كلّ ما يترتّب على التوكيل و الإذن السابق في الشي ء من الآثار و الأحكام الشرعيّة يترتّب أيضا على الإجازة و الإمضاء اللاحق له، فيمضي الإجازة اللاحقة في كلّ ما يمضي فيه الإذن السابق، سواء كان من العقود


1- جواهر الكلام 22: 280.
2- الوسائل 14: 523 باب «24» من أبواب نكاح العبيد و الإماء ح 1.
3- الوسائل 17: 349 و 357 ب «2 و 7» من أبواب اللقطة.

ص: 92

أم غيرها من سائر المعاملات و القبوضات و العبادات، بل و الإيقاعات ما لم تخرج بالإجماع، وفاقا للجواهر (1)، و ما مال إليه شيخنا العلّامة دام ظلّه.

[القول في المجيز]

قوله: «و لو قال: أجزت العقد دون القبض ففي بطلان العقد أو بطلان ردّ القبض وجهان».

أقول: أمّا وجه الأوّل: فناظر إلى كون المفروض لغويّة ذلك العقد بلا قبض فتلغو الإجازة في مثله. و أمّا وجه الثاني: فناظر إلى صون الإجازة عن اللغويّة و إن استلزم لغويّة ردّ القبض، و استوجبه شيخنا العلّامة التفصيل بين تقديم الإجازة على ردّ القبض في الذكر فيصحّ العقد و يلغي الردّ و بين العكس فبالعكس، و هو وجيه.

قوله: «عدم قابليّة العقد للتبعيض من حيث الشرط و إن كان قابلا للتبعض من حيث الجزء».

[أقول:] فيه: عدم قابليّة العقد المشروط للتبعيض على تسليمه إنّما يقتضي نفي المشروط بنفي شرطه إذا لم يتدارك بتعقّب إجازة الشارط إسقاط شرطه و بالعكس، و أمّا إذا تدرك بتعقّب إجازته فلا مانع من صحّته بإطلاق نصوص (2) صحّة الفضوليّ بالإجازة.

قوله: «بخلاف [بطلان] الشرط».

[أقول:] فيه أوّلا: منع الفرق، أي: منع بطلان المشروط ببطلان شرطه كالجزء، و لو سلّم ففيما لم يتدارك بتعقّب الإجازة، و لو سلّم فالفارق النصّ الخاصّ بالشرط، و هو قوله عليه السّلام: «كلّ شرط جائز إلّا ما خالف الكتاب» (3).

قوله: «لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان قابليّة


1- جواهر الكلام 22: 280.
2- لاحظ ما تقدّم من ذكر المصادر في هامش «1، 2» ص: 75.
3- انظر الوسائل 12: 352 ب (6) من أبواب الخيار.

ص: 93

تأثيرها».

[أقول:] فيه: ما قبل المانع هو لزوم تخصّص كشف الإجازة بزمان القابليّة، و تخصيص عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) بالتزام بطلان هذا النحو من البيع أولى؛ لأنّ عمومه أكثر أفرادا من عموم أدلّة الكشف، و متى دار الأمر بين تخصيص ما هو أكثر أفرادا و أقلّ أفرادا فلا ريب في ترجيح الأوّل على الثاني، و لا أقلّ من التساوي و لزوم الإجمال، فيرجع إلى أصالة الفساد في المعاملة و استصحاب عدم النقل و الانتقال. و لكن قد عرفت ما في المتن من الإشارة إلى هذا الوهم بقوله:

«إذ التخصيص إنّما يقدح مع القابليّة» و أمّا مع عدمها فدوران الأمر بين التخصيصين ممنوع، بل الدوران بين تخصيص عموم «الوفاء بالعقود» و بين تخصيص أدلّة الكشف، و لا ريب أنّ التخصّص أولى من التخصيص قطعا.

قوله: «و الجواب أنّ فسخ عقد الفضوليّ هو إنشاء ردّه .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّ فسخ العقد هو حلّه الأعمّ من الحلّ الإنشائي، ك «حللته» و «فسخته»، و الفعليّ الأعمّ ممّا يفوت محلّ الإجازة عرفا كإتلافه، أو شرعا كوطئه أو تمتّعه أو تزويجه من الأفعال الصريحة شرعا في حلّ العقد السابق مطلقا، سواء كان فضوليّا، أو جائزا كالهبة، بخلاف ما ليس بصريح في حلّ العقد فليس بفاسخ حتّى يمنع من قابليّة الإجازة بعده، سواء كان قولا: ك «كرهت العقد السابق» و «لم أرض به»، أو فعلا كبيعه خصوصا فضوله أو مع عدم التفاته إلى الفضوليّ السابق، و سواء كان العقد السابق فضوليّا متزلزل الحدوث كما فيما نحن فيه، أو جائزا متزلزل البقاء كبيع الواهب الهبة عن المتهب، لا عن نفسه فإنّه ليس بفسخ حتّى يمنع من قابليّة الإجازة بعده. و ذلك كلّه إنّما هو للفرق في الفاسخ من حيث الصراحة و غيره، لا من حيث القوليّ و الفعليّ، و لا من حيث


1- المائدة: 1.

ص: 94

المفوّت لمحلّ الإجازة و عدمه، و لا من حيث العقد الفضوليّ و الجائز، كما في المتن.

قوله: «أو يحلّل إذا وقع بعد الشراء».

[أقول:] و قد فسّرنا الحديث سابقا بما هو أقرب من هذه المعاني الثلاثة، و هو أنّ العقد يحرم على أحد المتعاقدين ما كان حلالا و يحلّل ما كان حراما من العوضين.

قوله: «لا أنّه لغو من جميع الجهات. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ إطلاق النهي الدالّ على الفساد و إن اقتضاه من جميع الجهات إلّا أنّ وجه الفساد و الصحّة لما كان منوطا برضا المالك و عدمه خصّص النهي و الفساد بما إذا لم يجزه المالك أصلا، أو ما دام لم يجزه، فإذا أجاز جاز.

قوله: «لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا. فتدبّر».

[أقول:] إشارة إلى أنّ التقيّة ضرورة تقدّر بقدرها و خلاف الأصل، فيقتصر على موضع اليقين.

قوله: «لم يحتج إلى الاستفصال».

[أقول:] فيه: لعلّ احتياجه إلى الاستفصال عن ردّ المولى عقده الفضوليّ و عدم الردّ حتّى يحتاج إلى تجديد العقد و عدمه، و الاحتمال يبطل الاستدلال.

قوله: «و استدلاله بالغرر و عدم القدرة على التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الشراء (1) غير مترقّب لإجازة مجيز».

[أقول:] فيه: منع، بل الظاهر أنّ غرره من جهة أنّ البائع الفضوليّ القاصد الشراء لنفسه لا يجيز المالك ببيع ملكه فضولة و لا بالثمن الّذي باعه به حتّى يشتريه منه بأنقص و يستربح به، و هو معرض الغرر و الإغراء، و مثار البغضاء


1- في المكاسب: «الاشتراء».

ص: 95

و الشحناء، و خلاف الإنصاف و الإخاء و الصدق و الصفاء في البيع و الشراء، فيكون نواهي بيع ما لم يملك فضولة ثمّ شراؤه أصالة ليستربح بالإجازة، كنواهي «الدخول في سوم أخيه» (1)، و نواهي «تلقّي الركبان» (2)، و نواهي «توكّل الحضري عن البدوي في الشراء» (3)، إلى غير ذلك ممّا هو ظاهر في الكراهة لا التقيّة، و لا في تقييد المنهيّ بالفضولي المقصود به ترتيب آثار البيع اللازم قبل الشراء و قبل الإجازة، كما استظهره المصنّف تبعا للعلّامة (4).

قوله: «فأجازه المالك لنفسه. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى الفرق بينهما من حيث إنّ متعلّق الإجازة في المشبّه به هو ملك مالكه المجيز حين العقد و حين الإجازة بخلافه في المشبّه، إلّا أن يقال غير فارق، و أنّ الإجازة تابعة للملك حين الإجازة و لو لم يكن مالكا حين العقد.

قوله: «و المقام مقام استصحاب حكم الخاصّ لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ. فتأمّل».

أقول: لعلّه أراد بالتأمّل الإشارة إلى ما فيه من المنع، بتقريب: أنّه إن صدق الطيب و الرضا عرفا على الرضا و الطيب السابقين من البائع قبل تملّكه فالمقام مقام الرجوع في تصحيح العقد المذكور من دون إجازة جديدة إلى إطلاق الطيب و الرضا المخصّص عموم: «الوفاء بالعقود»، و إن لم يصدق فالمقام مقام الرجوع في بطلان العقد المذكور من دون إجازة أيضا إلى إطلاق المخصّص لا إلى استصحاب حكمه، و إن شكّ في صدقه و عدم صدقه فالمقام مقام الرجوع في


1- الوسائل 12: 338 باب «49» من أبواب آداب التجارة ح 3.
2- الوسائل 12: 326 باب «36» من أبواب آداب التجارة.
3- انظر الوسائل 12: 327 ب «37» من أبواب آداب التجارة، و مستدرك الوسائل 13:
4- تذكرة الفقهاء 1: 463.

ص: 96

تصحيح العقد المذكور من دون إجازة جديدة إلى عموم العامّ، لحكومة عموم العامّ على إجمال المخصّص على ما هو المقرّر في محلّه.

و على أيّ من التقادير ظهر أنّ المقام ليس مقام استصحاب حكم الخاصّ، سواء أردنا تصحيح العقد المذكور من دون إجازة جديدة أو أردنا إبطاله، بل المقام مقام الرجوع إلى عموم المخصّص- بالكسر- أو عموم المخصّص- بالفتح.

قوله: «يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ إجازة الوليّ البيع للمولى عليه لا يخرجه عمّا وقع عليه من الوجه للغير المأذون إلى الوجه المأذون.

قوله: «فالدليل على اشتراط تعقّب الإجازة في اللزوم هو عموم: «تسلّط الناس على أموالهم» (1) و «عدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب النفس» (2) .. إلخ».

أقول: الرجوع في اشتراط تعقّب الإجازة إلى عموم أدلّة الاحتياج إلى الطيب و الرضا مبنيّ على تقدير عدم صدق الرضا و الطيب عرفا على الرضا و الطيب من المالك قبل انكشاف كونه المالك، و أمّا على تقدير صدقه عرفا أو الشكّ في صدقه فالمقام مقام الرجوع في عدم اشتراط تعقّب الإجازة على التقدير الأوّل إلى إطلاق المخصّص- بالكسر- أعني: إطلاق الرضا و الطيب المخصّص عموم: «الوفاء بالعقود»، و على التقدير الثاني إلى عموم المخصّص- بالفتح- أعني: عموم الوفاء بالعقود بناء على ما هو المقرّر في محلّه من حكومة عموم العامّ المخصّص بالمجمل على إجمال مخصّصة.

و ربما احتمل شيخنا العلّامة كون المقام من قبيل مقام تعارض الاسم


1- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99 و ج 2: 138 ح 383.
2- الوسائل 3: 424 باب (3) من أبواب مكان المصلّي ح 1.

ص: 97

و الإشارة، فالمرجع فيه هو المرجع فيه من أنّه إن قصد البائع البيع عن المالك على وجه التقييد بمالكيّة الغير ثمّ انكشف كونه المالك اشترط تعقّب الإجازة في اللزوم على تقدير صحّة عقده، و إن لم يقصده على وجه التقييد فلا يشترط تعقّبها، و هو حسن.

قوله: «لأنّ العتق لا يقبل الوقوف».

[أقول:] فيه: ما تقدّم من أنّ الأصل الأصيل الخالي من الدليل قبول الوقوف حتّى في العبادات فضلا عن الإيقاعات، كما في صوم يوم الشكّ، و صلاة الاحتياط، و النذر، و الصدقة عن صاحب اللقطة. و أمّا نقل الاتّفاق على عدم الوقوف في الإيقاع لو سلّم فلعلّه لمصلحة التوقيف و التحفّظ عن انفتاح باب فساد دعوى الفضوليّ الإيقاع كذبا مع عدم القابل و قلّة الحاجة.

[القول في المجاز]

قوله: «ثمّ هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد إلى زمان الإجازة، أم لا؟ .. إلخ».

أقول: محصّل الوجوه و الأقوال في المسألة: أنّه هل يشترط في صحّة الفضوليّ استمرار شرائط العقد و المتعاقدين إلى زمان الإجازة مطلقا، أم لا، أم التفصيل بين الكشف فيعتبر و النقل فلا، أم التفصيل بين شروط العقد فلا و المتعاقدين فنعم، أم التفصيل بين كون الإجازة عقدا جديدا فلا و بين عدمه فنعم؟ وجوه، بل أقوال:

أمّا الوجه الأوّل: فهو مقايسة الإجازة بالقبول، فكما يعتبر استمرار الشروط فيما بين الإيجاب إلى زمان القبول بحيث لا يتخلّل بينهما بفقد شي ء من تلك الشروط و إلّا كان التخلّل مفسدا للعقد بالإجماع، فكذلك يعتبر استمرارها فيما بينهما إلى زمان الإجازة بحيث يكون التخلّل بينهما و بين الإجازة مفسدا للعقد.

ص: 98

و فيه: منع الحكم في المقيس عليه، لعموم «الوفاء بالعقود»، و أصالة عدم التخصيص و التقييد باشتراط الموالاة و بقاء الشروط إلى زمان القبول.

نعم، نقل شيخنا العلّامة عن شيخه صاحب الجواهر (1) قدّس سرّه الإجماع على اشتراط الموالاة و استمرار الشروط بين الإيجاب و القبول، إلّا أنّه موهون بفتوى جماعة على عدم قدح تخلّل الردّ بين إيجاب الوصيّة و قبولها فضلا عن تخلّل غيره، و على تقدير تسليم الإجماع مطلقا أو فيما عدا الوصيّة على استمرار الشروط إلى زمان القبول فهو دليل لبيّ لا ينبغي التعدّي عن مورده إلى اعتبار الاستمرار إلى زمان الإجازة.

و أمّا وجه التفصيل و الالتزام في تقدير كون الإجازة عقدا جديدا باشتراط استمرار الشروط إلى زمان الإجازة: فلفرض كون الإجازة عقدا جديدا فيعتبر فيها ما يعتبر في العقود.

و يضعّف أوّلا: بأنّ القائل بكونها عقدا جديدا إنّما يقول به فيما لو قيّد الفضوليّ البيع لنفسه و أجازه المجيز لنفسه، لا أنّه يقول به مطلقا.

و ثانيا: بأنّ المراد بكونها عقدا جديدا: أنّها عقد جديد من جهة خصوص مخالفتها لمضمون العقد السابق في التقييد، و هو لا يقتضي كونها عقدا جديدا من سائر الجهات، لأنّ الضرورة إنّما تقدّر بقدرها حسب ما تقدّم تفصيل ذلك في بيع الغاصب من الفضوليّ.

و ثالثا: لو سلّمنا كونها عقدا جديدا من جميع الجهات، مع أنّه لا قائل، بل لا موهم به، فمقتضاه اعتبار شروط العقد في خصوص حين الإجازة، لا اعتبار استمرارها من زمان العقد إلى زمان الإجازة الّذي هو المدّعى، كما لا يخفى.

قال: «هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل .. إلخ».


1- انظر جواهر الكلام 22: 254- 255.

ص: 99

أقول: أمّا الكلام في موضوع المسألة و صغراه فتفصيله: أنّه ينقسم المجاز باعتبار اعتقاد المجيز له إلى المعلوم بالتفصيل، و المعلوم بالإجمال و المظنون بالتفصيل، و المظنون بالإجمال و المشكوك.

و أمّا الكلام في حكم المسألة و كبراه فتفصيله: أنّ في اشتراط معلوميّة المجاز للمجيز تفصيلا، أم الكفاية بمعلوميّته و لو إجمالا، أم الكفاية بمظنونيّته و لو إجمالا، أم الكفاية بمشكوكيّته أيضا، وجوه، و مقتضى الأصل العملي الاشتراط، و اللفظي عدمه. و لمّا كان مرجع المانع المتصوّر من صحّة المعلوم الإجمالي ليس إلّا إلى الغرر في العقد، و من المظنون و المشكوك ليس إلّا إلى التعليق في العقد و كانت الإجازة اللاحقة بمنزلة الاذن و التوكيل السابقين في الحكم، فلا جرم من رجوع الكلام في اشتراط العلم في الإجازة، و عدمه إلى الكلام في مانعيّة الغرر و التعليق من صحّة الإذن و التوكيل السابقين و عدمه.

فلنسوق الكلام إلى الإذن و التوكيل، و نقول: إنّ الإذن و التوكيل كما يفترقان في الاسم حيث إنّ الإذن من الإيقاعات الغير المتوقّفة على القبول و التوكيل من العقود المتوقّفة عليه، كذلك قد يفترقان في بعض الأحكام المقرّرة في محلّها مثل صحّة عمل الموكّل- بالفتح- إلى أن يصل إليه خبر العزل و عدم جواز نقض شي ء من أعماله الموكول فيها قبل وصول خبر العزل إليه و إن كان معزولا في الواقع.

ثمّ الغرر في التوكيل يتصوّر موضوعه في كلّ ما إذا دار الموكول فيه بين ما يريده الموكل و ما لا يريده الموكل، كما لو قال الموكّل للموكّل: أنت وكيلي في إيقاع عقد على جاريتي أو بنتي أو مالي مثلا، حيثما يحتمل إرادة عقد البيع و العتق و الوقف مثلا.

و أمّا حكمه فهو حكم الغرر في سائر العقود من اقتضائه فساد العقد

ص: 100

و إبطاله، فإنّه و إن اختصّ بالبيع النصّ النبويّ و هو: «لا غرر في بيع» (1) إلّا أنّ الإجماع ظاهرا قائم على تنقيح كون المناط في نفي الغرر عن البيع هو حزم مادّة الضرر و قطع منشأ النزاع و الخصومة، و هو عامّ سائر في جميع العقود الغرريّة، فلا اختصاص لنفيه بالبيع.

و ربما توهّم بعض الرفقاء أنّ الإقدام على الغرر كالإقدام على الضرر غير مضمّن و يدفعه: أنّ مجرى قاعدة الإقدام الغير المضمّن هو الإقدام على ما يعلم المقدّم ضرريّته، لا الإقدام على ما يجهل المقدم ضرريّته، كما هو من موارد الغرر.

و أمّا طريق التخلّص عن الغرر في التوكيل فهو بتعيين الموكول فيه من بين المحتملات بنصوص اللفظ على خصوص أو عموم أو إطلاق أو تقييد و لو بمعونة ضمّ القرائن الحاليّة أو المقاليّة.

و أمّا التعليق في عقد التوكيل فحكمه حكم التعليق في سائر العقود أيضا، فقد قيل بإفساده العقد بزعم منافاته للإنشاء المعتبر في العقود، أو بمقايسته على التعليق في العبادات حيث يقتضي الفساد، أو بزعم استلزامه التفكيك بين المتلازمين و السبب و المسبّب، أو استلزامه التشريع و الخروج عمّا هو وظيفة التوقيفيّات من الاقتصار على المتيقّن، أو بزعم الإجماع على إفساده العقد. و قد تقدّم في شروط البيع ضعف الأوّل: بأنّ المنافي لإنشاء العقد هو التعليق في نفس الإنشاء، كما لو علّق أصل التوكيل على أمر مترقّب لا التعليق في المنشئ و هو الموكول فيه. و ضعف الثاني: بوجود الفارق، و هو تحقّق القربة الّتي بها قوام العبادات دون المعاملات. و الثالث: بمنع الملازمة، و لو سلّمت ففي خصوص التعليق على أمر مترقّب مستقبل دون التعليق على أمر متحقّق. و الرابع: بمنع


1- الوسائل 12: 330 باب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.

ص: 101

الملازمة أيضا بعد فرض إطلاق العقد عرفا على العقد المعلّق، و عموم «الوفاء بالعقود». و الخامس: بأنّ الإجماع لبّي فيقتصر على تقدير تسليمه على خصوص المورد المتيقّن له.

و إذا عرفت ذلك فمن الحكم بعدم إفساد التعليق الوكالة يعلم عدم فساد ما هو بمنزلة الوكالة، أعني: الإجازة بما هو بمنزلة التعليق فيها معنى، أعني:

الإجمال و الشكّ في متعلّقها. و من الحكم بإفساد الغرر الوكالة يعلم فساد ما هو بمنزلة الوكالة، أعني: الإجازة بما يلزم منه الغرر فيها، أعني: الإجمال و الشكّ في المجاز. و لكن من المعلوم أنّ مطلق الإجمال و الجهل بالمجاز غير مانع، بل المانع هو الإجمال أو الجهل المؤدّي إلى الغرر فيه، بواسطة دوران المجاز بين العقد الضرري و غيره و لو بحسب الإرادة، و أمّا الدائر بين الأمرين أو الأمور الغير الضرريّة، فلا يمنع الإجمال و لا الجهل بالتعيين عن صحّة العقد عليه، و لا عن صحّة الإجازة له.

قوله: «لا يكون إلّا في حقّ العاقد. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى ما سبق أوّلا: من أنّ التعليق المذكور إنّما هو في المنشئ لا الإنشاء، و في المجاز لا الإجازة، و في المأذون لا الإذن.

و ثانيا: لو سلّم كون الإجازة في معنى العقد فإنّما هو على النقل. و أمّا على الكشف فالكاشف غير المكشوف عنه لا بمعناه.

قوله: «و يجمع الكلّ .. إلخ».

[أقول:] و هي صور ثمانية حاصلة من ضرب قسمي المجاز و هما العقد الواقع على نفس مال الغير، أو على عوضه في أقسامه الثلاثة الأخر، و هي:

الأوّل و الآخر و الوسط المنقسم إلى ما يكون واسطة بين عقدين واقعين على مورد مال الغير، أو بدله، أو بالاختلاف.

ص: 102

أمّا وقوع العقد الفضوليّ على نفس مال الغير فالجامع لأمثلته الثلاثة قوله:

«ما إذا باع عبدا لمالك بفرس، ثمّ باعه المشتري بكتاب، ثم باعه الثالث بدينار».

و أمّا وقوع العقد الفضوليّ على عوض مال الغير فيجمع أمثلته الثلاثة قوله:

«و باع البائع الفرس بدرهم (1)، و باع بائع الفرس الدرهم برغيف (2)، و بيع الرغيف بعسل».

و أمّا وقوع العقد الفضوليّ على ما يكون واسطة بين عقدين واقعين على مورد مال الغير فمثاله هو الوسط بين الثلاثة الأول من الأمثلة، كما أنّ مثال ما يكون واسطة بين عقدين واقعين على بدل مال الغير هو الوسط من الثلاثة الآخر من الأمثلة المذكورة. و أمّا الواسطة بين المختلفين فأحدها قوله: «بيع الدينار بجارية» و الآخر «بيع الدرهم بحمار»، و إنّما مثّل للواسطة بين المختلفين بمثالين تنبيها على ما يصحّ بإجازة ما قبله كالأول منهما، و ما لا يصحّ بإجازة ما قبله كالثاني منهما. هذا كلّه في أقسام تعدّد العقود.

و أمّا أحكامها: فمجملة أنّه إذا وقعت عقود متعدّدة على مال المجيز فإن وقعت من أشخاص متعدّدة و لو بالاعتبار صحّ المجاز منها و ما بعده، سواء كان تعدّد العقود على نفس مال المجيز أو على عوضه. أمّا صحّة المجاز فبالإجازة.

و أمّا صحّة ما بعده من العقود فبالاستلزام، و إن وقعت من شخص واحد- و لا يتحقّق هذا الفرض إلّا في الثمن دون المثمّن، بخلاف الفرض الأوّل- صحّ المجاز و ما قبله. أمّا صحّة المجاز فبالإجازة. و أمّا ما قبله فبالتوقّف و المقدّميّة، فمرجع أقسام تعدّد العقود إلى ثلاثة:

أحدها: وقوع العقود المتعدّدة من أشخاص متعدّدة على المثمّن، و حكمه


1- توجد زيادة جملة في المكاسب هي: «و باع الثالث الدينار بجارية».
2- توجد زيادة جملة في المكاسب هي: «ثمّ بيع الدرهم بحمار».

ص: 103

تصحيح الإجازة المجاز منها و ما بعده دون ما قبله.

و ثانيها: وقوع العقود المتعدّدة من أشخاص عديدة أيضا على الثمن، و حكمه حكم الأوّل، و لهذا لم يتعرّض جماعة منهم لذكره بالخصوص، بل أدرجوه في حكم الأوّل اتّكالا على الوضوح.

و ثالثها: وقوع العقود المتعدّدة من شخص واحد على الثمن، و حكمه عكس حكم الأوّل في تصحيح المجاز و ما قبله.

و هنا قسم رابع: و هو وقوع العقود المتعدّدة من شخص واحد على المثمّن الواحد أسقطوه عن عداد الأقسام اتّكالا على وضوح حكمه، و هو تصحيح المجاز نفسه دون ما قبله و لا ما بعده.

و لكن تصحيح المجاز نفسه فقط في هذا القسم و مع أحد طرفيه كالما بعد في الأوّل، و ألما قبل في الثاني، ليس فسخا للطرف الآخر، لا من طرف من ملك بالإجازة، و لا من طرف المجيز.

أمّا من طرف من ملك بالإجازة فلوجود قابليّته فعلا للإجازة، بناء على ما هو الأقوى من عدم اشتراط ملك المجيز حين العقد.

و أمّا من طرف المجيز فلوجود قابليّته شأنا للإجازة و إن انتفت القابليّة فعلا، و ذلك لأنّ إخراج المال عن ملك المجيز بالإجازة لأحد المشترين و إن نفي قابليّته لإجازة الآخر فعلا إلّا أنّه لم ينفي قابليّته الشأنيّة لإجازة الآخر لو رجع إلى ملكه بإرث أو شراء جديد.

و من هنا يظهر لك ما في كلام الروضة (1) من إطلاق كون المصحّح لأحد طرفي العقود المتعدّدة مبطل لطرفه الآخر، و ما في كلام المتن (2) أيضا من إطلاق


1- الروضة البهيّة 3: 230.
2- المكاسب: 143.

ص: 104

كون المصحّح لأحد الطرفين مبطل للطرف الآخر بالنسبة إلى المجيز لا بالنسبة إلى من ملك بالإجازة؛ لما عرفت من أنّ تصحيح أحد الطرفين ليس فسخا للطرف الآخر، لا من طرف المجيز، و لا من طرف المجاز له، فكلّ من الإطلاقين سيّما الأوّل ليس في محلّه، كما لا يخفى و إن كان لكلّ من إطلاقي الفسخ سيّما الأخير وجه سيأتي في باب الردّ.

قوله: «ثمّ إنّ هنا إشكال في شمول الحكم لجواز (1) تتبّع العقود لصورة علم المشتري بالغصب».

أقول: أمّا تقريب الإشكال فمن جهة المنافاة بين إطلاق حكمهم بصحّة العقد المجاز و بجواز تتبّع المجيز العقود الواقعة على ماله و اختياره في إجازة أيّ منها، و بين إطلاق حكمهم بعدم رجوع للمشتري العالم بالغصب على الغاصب في ثمن المغصوب الّذي دفعه إليه مطلقا أو بعد تلفه على الخلاف، فإن فرض تملّك الغاصب ثمن المغصوب من العالم بالغصب مطلقا أو بعد تلفه و لو بشراء شي ء به مناف لفرض تملّك المجيز ذلك الثمن بإجازة ذلك الثمن أو بدله بإجازة البدل، بل مضافا إلى أنّ فرض تملّك الغاصب ثمن المغصوب المدفوع إليه في صورة علم المشتري بالغصب مشكل، من جهة منافاته لإطلاق حكمهم بأنّ للمالك تتبّع العقود، و إجازة أيّ منها مشكل في نفسه أيضا من جهة أخرى، و هي منافاته للقواعد و الأصول الشرعيّة و العقليّة، إذ كيف يتعقّل تخلّف محلّي الثمن و المثمّن- أعني: توجّه الثمن إلى غير محلّ المثمن- مع أنّ مقتضى القاعدة كون الثمن و المثمّن نظير الحركتين المتضادّتين في تخلّف كلّ منهما محلّ الآخر و عدم استقراره إلّا في محلّ الآخر؟ و مع ذلك كيف يباح للغاصب ثمن ما هو مستحقّ للغير، بل كيف يتملّك ما يشتري بذلك الثمن؟


1- في المكاسب: «بجواز».

ص: 105

فتلخّص و تبيّن من ذلك: أنّ في القول بعدم رجوع المشتري إلى الغاصب فيما يدفعه إليه ثمنا للمغصوب إذا كان عالما بالغصب إشكال و منافاة للأصول و القواعد من جهات عديدة:

أحدها: من جهة إباحة ثمن المغصوب على الغاصب مجانا، مع أنّه مدفوع إليه بعنوان المعاوضة و المبادلة.

و ثانيها: من جهة تملّك الغاصب ما يشتريه بذلك الثمن، مع أنّ مقتضى القاعدة عدم توجّه الثمن إلّا إلى محلّ المثمّن، و عدم تخلّف كلّ منهما إلّا في محلّ الآخر نظير الحركتين المتضادّتين، فلا يصحّ في العقد ذهاب الثمن من شخص و رجوع المثمّن إلى غيره.

و ثالثها: من جهة انتفاء محلّ إجازة المالك لما يشتريه الغاصب بثمن المغصوب بعد فرض تملّكه الغاصب بالشراء، مع أنّ مقتضى إطلاق حكمهم بأنّ للمالك تتبّع العقود و إجازة ما يريد منها هو بقاء محلّ الإجازة.

هذا، و لكن يمكن رفع كلّ من الإشكالات الثلاث و تطبيق القول بعدم رجوع المشتري إلى الغاصب في صورة علمه بالغصب على القواعد إذا التزمنا بصحّة هذا القول و اختياره.

أمّا الإشكال الأوّل: فلإمكان دفعه بقاعدة الإقدام، أعني: إقدام المشتري على تسليط الغاصب على ماله المبذول بإزاء المغصوب عند علمه بالغصب و عدم استحقاقه الثمن هو المبيح له مجّانا، و المأذون له في إتلافه، فلا يكون ثمنا حتّى يتوقّف إباحته عليه على إباحة ربّ العين له ذلك وراء تسليط المشتري إيّاه عليه، و بهذا وجّهوا القول بعدم رجوع المشتري العالم بالغصب على ما دفعه إلى الغاصب بإزاء المغصوب.

و أمّا الإشكال الثاني: فيمكن أيضا دفعه أوّلا: بمنع كون الثمن و المثمّن

ص: 106

نظير الحركتين المتضادّتين في عدم تخلّف كلّ منهما إلّا في محلّ الآخر، و الالتزام بصحّة ذهاب الثمن من شخص و رجوع المثمن إلى غيره في العقد أخذا بعموم «الوفاء بالعقود»، و عدم مانعيّة كون الثمن من شخص و المثمن لآخر لا عقلا و لا نقلا، كما مرّ تفصيله سابقا.

و ثانيا: بمنع كون الثمن المدفوع إلى الغاصب باقيا على ملك المشتري في صورة علم المشتري بالغصب، لكن لا للالتزام بتخصيص ملكيّة ملكه، بل للالتزام بأنّ دليل القول بتملّك الغاصب ما يشتريه بثمن المغصوب- على تقدير صحّته- كاشف عن تقدير تملّك الغاصب الثمن قبل الشراء آنا ما، و دخول ذلك الثمن في ملكه قبل الشراء آنا ما بتقدير ملك قهري بجعله تعالى كتقدير الملك القهري بجعله تعالى في عتق العمودين بمجرّد الشراء، و عتق العبد عن الغير بمجرّد التوكيل و تملّك ما يشتري بثمن المعاطاة عند القائلين بإفادتها الإباحة لا الملك.

فكما أنّ دليل صحّة عتق العمودين بمجرّد الشراء، و عتق العبد عن الغير بمجرّد التوكيل، و تملّك ما يشتري بثمن المعاطاة كاشف عن تقدير ملك قهري بجعله تعالى، و دخول كلّ منها في ملك دافع الثمن قبل الدفع آنا ما تقديما للتخصّص على التخصيص في أدلّة: «لا عتق إلّا في ملك» (1) و «لا بيع إلّا في ملك» (2)، كذلك دليل تملّك الغاصب ما يشتريه بثمن المغصوب في صورة علم المشتري بالغصب كاشف عن دخول ذلك الثمن في ملك الغاصب قهرا قبل الشراء آنا ما بجعله تعالى تقديما للتخصّص على التخصيص في ملكيّة ملك المالك الأوّل.

و أمّا الإشكال الثالث: و هو منافاة تملّك الغاصب ما يشتريه بثمن


1- الوسائل 15: 286 ب (12) من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
2- المستدرك الحاكم 2: 17، عوالي اللئالي 2: 247 ح 16.

ص: 107

المغصوب في صورة علم المشتري بالغصب لإطلاق حكمهم بجواز تتبّع المالك العقود و إجازة أيّ منها شاء، فيمكن أيضا دفعه.

لكن لا بما احتمله الإيضاح (1) من تقديم حقّ المجيز لأسبقيّته و أولويّته حتّى يرد عليه المنع بحسب ما أشار إليه الماتن (2).

و لا بما اختاره الإيضاح (3) من حمل إطلاق جواز تتبّع العقود على القول بالكشف دون النقل، لما يرد عليه من لزوم حمل قول المشهور بعدم استرداد المشتري ثمن المغصوب إذا كان عالما بالغصب حين الدفع على تقدير ناقليّة الإجازة، و هو قول نادر غير مشهور، فكيف يقول المشهور بقول يبتني على تقدير لا يقول به المشهور؟ فتوجيه كلام المشهور بالابتناء على مثله توجيه للشي ء بما لا يرضى صاحبه، و حمل للإطلاق على الفرد النادر.

و لا بما احتمله الماتن (4) من أنّ عدم استرداد الثمن لعلّه لأجل أنّ التسلّط عليه مرعى بعدم إجازة مالك المبيع، لا لأنّ نفس التسلّط علّة تامّة لاستحقاق الغاصب على تقديري الردّ و الإجازة، لما يرد عليه من منافاة المراعاة لإطلاق تعليلهم عدم الاسترداد بقاعدة التسليط و الإقدام، مضافا إلى رجوع المراعاة و ابتنائه على كاشفيّة الإجازة، فيرد عليه ما ورد على سابقه من التوجيه بالكاشفيّة، لرجوعه إليه، و عدم كونه توجيها آخر.

فتبيّن أنّ دفع الإشكال الثالث: و هو منافاة تملّك الغاصب ما يشتريه بثمن المغصوب في صورة علم المشتري بالغصب، لإطلاق حكمهم بجواز تتبّع المالك العقود ليس بشي ء من التوجيهات المذكورة لبعدها، بل إنّما هو بأمر آخر أقرب منها، و هو منع إطلاق جواز تتبّع العقود، و حمل إطلاق جوازه على صورة جهل


1- إيضاح الفوائد 1: 418.
2- المكاسب: 144.
3- إيضاح الفوائد 1: 417- 418.
4- المكاسب: 144.

ص: 108

المشتري بالغصب. و أمّا في صورة علمه بعدم استحقاق ما يدفع إلى الغاصب ثمنا للمغصوب فنلتزم بعدم صحّة إجازة المالك، بل بعدم بقاء مورد لإجازته على تقدير صحّة القول بتملّك الغاصب ما يشتريه بثمن المغصوب، نظرا إلى ذهاب أحد طرفي العقد بذهاب الثمن مجّانا، فلا يبقى معه مورد للإجازة بعد.

لكن هذا التوجيه كلّه إنّما هو على تقدير قبول قول المشهور بعدم استرداد الثمن من الغاصب. و أمّا على تقدير عدم قبوله- كما هو الأقرب إلى القواعد و الأصول- فلا ورود لشي ء من تلك الإشكالات، فضلا عن الاحتياج في دفعها إلى تلك التوجيهات.

[مسألة في أحكام الردّ]

قال: «مسألة: في أحكام الردّ .. إلخ».

أقول: أمّا موضوع الردّ فينقسم إلى الردّ بالقول و إلى الردّ بالفعل. ثمّ القوليّ ينقسم إلى العربي و غيره، و على كلّ منهما إمّا أن يكون الردّ بالألفاظ الدالّة عليه حقيقة أو مجازا أو كناية، كما أنّ الفعليّ أيضا ينقسم إلى ما يفوت محلّ الإجازة عقلا كإخراج المبيع فضولة عن ملكه بالإتلاف، أو شرعا كإخراجه عن ملكه بالنقل، و إلى ما ليس بمفوّت لمحلّه.

ثمّ الثاني ينقسم إلى ما ينافي العقد الفضوليّ كاستيلاد الجارية و إجارة الدار و تزويج الأمة، و إلى ما لا ينافيه كتعريضه للبيع أو بيعه بالبيع الفاسد، و كلّ منهما ينقسم أيضا إلى ما يقصد به إنشاء الردّ و ما لا يقصد.

ثمّ الثاني من هذا أيضا ينقسم إلى ما يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضوليّ، و إلى ما يقع حال عدم الالتفات، فبلغ أقسام موضوع الردّ القوليّ إلى ستّة، و الفعليّ إلى تسعة.

و أمّا أحكامه فأمّا بحسب الأصل العملي و الاستصحاب فهو بقاء اللزوم من طرف الأصيل و قابليّته من طرف المجيز إلى أن يحصل المتيقّن من أقسام الردّ.

ص: 109

فمقتضى هذا الأصل و الاستصحاب عدم انرداد العقد الفضوليّ بالمشكوك كونه ردّا من أقسام الردّ.

لا يقال: إنّ استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل و القابليّة من طرف المجيز معارض بأصالة عدم تأثير الإجازة اللزوم من طرف المجيز بعد سبقها بهذا النحو من الردّ المشكوك انرداده به.

لأنّا نقول: بعدم المعارضة بينهما؛ لأنّ مجرى الأوّل مزيل لموضوع الثاني، و موضوع الثاني و هو الشكّ مسبّب عن الأوّل، و قد تقرّر في الأصول حكومة الأصل في الشكّ السببي على الأصل في الشكّ المسبّبي.

و أمّا بحسب الأصول اللفظيّة فمقتضى إطلاق له الردّ هو عدم اشتراط أصل القول و اللفظ في الردّ، فضلا عن اشتراط كونه عربيّا و إن اشترطناهما في إيجاب العقد و قبوله، نظرا إلى عدم صدق العقد، أو انصرافه إلى اللفظ العربيّ دون غيره، بل و إن اشترطناهما أيضا في الإجازة، نظرا إلى احتمال توهّم الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة دون توهّم اعتباره في الردّ و إن كان مقتضى ورود الردّ و الإجازة في إطلاق واحد و سياق واحد- أعني: قوله: «له الردّ و له الإجازة- هو مساواتهما في الإطلاق عن اعتبار اللفظ، فضلا عن اعتبار العربيّة.

نعم، المعتبر فيهما هو الإنشاء و لو في النفس، فلا يكفي في صدق الردّ بمجرّد عدم الرضا المستمرّ من حين العقد أو ممّا قبله، و لهذا يلزم عقد المكره بلحوق الإجازة و لا يزد باستمرار الكره السابق ما لم ينشئ كره آخر و لو في النفس.

و هل يعتبر في صدق الردّ عرفا اقتران ذلك الإنشاء النفسانيّ بما يكشف عنه من لفظ صريح أو فعل صريح، أم يكفي في صدقه مجرّد إنشاء الردّ في النفس و لو لم يقارنه الرادّ بكاشف صريح ليكتفي بمجرّده في تحقّق الفسخ و عدم

ص: 110

صحّة لحوق الإجازة بعده بالنسبة إلى نفس الرادّ فيما بينه و بين اللّٰه تعالى و بالنسبة إلى غيره إذا علم ذلك من الرادّ بإخبار مخبر صادق، أو نحوه من الكواشف الغير المقترنة بذلك الإنشاء النفساني؟ وجهان.

جزم بالأوّل شيخنا العلّامة دام ظلّه، كما جزم به أيضا في صدق الإجازة، حيث لم يكتف فيها أيضا بمجرّد إنشاء الرضاء النفساني ما لم يقترن بكاشف صريح، و لكنّه غير صريح.

و كيف كان فكما أنّ مقتضى إطلاق «له الردّ» هو عدم اعتبار العربيّ فيه كذلك مقتضاه عدم اعتبار ما عدا الصراحة في ألفاظه، فيكفي الردّ القوليّ و لو بلفظ المجاز أو الكفاية، كقوله: «لم أعط المبيع بتلك القيمة» أو «لم أرض به» أو «لا بارك اللّٰه فيه» أو نحو ذلك. كما يكفي بهما أيضا في لفظ الإجازة و لو لم يكتف بهما في لفظي الإيجاب و القبول، فضلا عمّا استقويناه في محلّه من الاكتفاء بهما فيه أيضا.

و أمّا الردّ الفعلي فالكلام تارة في حكمه الكبرويّ المتعلّق بكلّيّ الأفعال، و تارة في حكمه الصغرويّ المتعلّق بجزئيّاتها.

أمّا الكلام في المقام الأوّل فمحصّله: أنّ كلّ فعل اقترن بإنشاء الردّ النفساني فقد تحقّق في ضمنه الردّ عرفا و صدق عليه الردّ قطعا، سواء كان مفوّتا لمحلّ الإجازة عقلا كإتلاف المبيع فضولة، أو شرعا كنقله عن الملك، أم غير مفوّت له، و على الثاني سواء كان منافيا لمقتضى الفضوليّ كاستيلاد الجارية، أم غير مناف كتعريضه معرض البيع و كلّ ما لم يقترن من الأفعال بإنشاء الردّ لم يتحقّق به الردّ عرفا، سواء كان مفوّتا أم غير مفوت، و على الثاني سواء كان منافيا أم غير مناف، و سواء صدر في حال التفات الفاعل إلى وقوع الفضوليّ، أم صدر في حال عدم التفاته إليه.

ص: 111

نعم، غاية الفرق: أنّ الفعل المفوّت لمحلّ الإجازة كنقل المالك المبيع فضولة عن ملكه و أنّ المنافي لمقتضى الفضوليّ كاستيلاد الجارية مخرجان للملك عن قابليّة وقوع الإجازة عليه فعلا، لا مخرجاه عنها مطلقا، فالقابليّة الفعليّة و إن انتفت بفعل المفوّت أو المنافي إلّا أنّ القابليّة الشأنيّة باقية، فلو رجع المخرج إلى ملك مالكه الأوّل بإرث أو شراء أو رجعت الجارية المستولدة إلى الحال الأوّل بموت ولدها أو سقطه كان مقتضى القواعد إمكان لحوق الإجازة للفضوليّ الفائت محلّه فعلا، لرجوع القابليّة الفائتة حينئذ فرجع صحّة لحوق الإجازة.

أمّا على تقدير كون الإجازة ناقلة فلا إشكال.

و أمّا على تقدير كونها كاشفة، فهو و إن منع المصنّف (1) من صحّة الإجازة بزعم استلزام صحّتها على هذا التقدير لبطلان الأفعال السابقة في الواقع و ابتنائها قبل الإجازة على الظاهر، و أمّا بعدها فينكشف عدم مصادفتها للملك، فيبطل هي و تصحّ الإجازة، و اللازم باطل بالإجماع على صحّة الأفعال السابقة على الإجازة. و إذا فرض الإجماع على صحّة الأفعال السابقة منع ذلك من صحّة الإجازة اللاحقة؛ لأنّ وقوع أحد المتنافيين صحيحا مانع من وقوع الآخر صحيحا، إلّا أنّه يمكن منع ما ذكر من ملازمة صحّة الإجازة على تقدير الكشف لبطلان الأفعال السابقة عليها، بتقريب: ما سبق من المصنّف (2) من أنّه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة على تقدير الكشف كاشفة عن التأثير من زمان قابليّة تأثيرها لا من زمان العقد مطلقا، فلو عرض فيما بين زمانيّ العقد و الإجازة رفع القابليّة بنقل المعقود عليه أو استيلاده ثمّ رجعت القابليّة برجوع المنقول بإرث أو غيره صحّت الإجازة بعده، و حكم على الكشف بتأثير الإجازة من


1- المكاسب: 144.
2- تقدّم في ص: 92.

ص: 112

زمانيّ القابليّة، و خروج زمان رفع القابليّة المتوسّط بين زمانيّ القابليّة عن التأثير بالإجازة.

و أمّا توهّم كون ذلك تخصيصا للإجازة بزمان القابليّة- و هو ليس بأولى من تخصيص عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) بالتزام بطلان هذا النحو من البيع و العقد إن لم يكن هذا أولى- فمدفوع بما مضى عن قريب من كون ذلك تخصّصا لا تخصيصا، فتذكّر.

أمّا دعوى الماتن (2) في المقام إجماع أهل الكشف على أنّ إجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه فأيضا مدفوع نقضا: بتصحيح جماعة، كما تقدّم إجازة المالك الجديد فيمن باع شيئا ثمّ ملكه. اللّٰهمّ إلّا أن يخصّص معقد إجماعه المدّعى بإجازة المالك الأوّل- كما فيما نحن فيه- ليخرج من معقده إجازة المالك الجديد، كما استقربه شيخنا العلّامة. و هو كما ترى.

و حاصل الكلام في الحكم الكبرويّ: أنّ المناط في صدق الردّ عرفا على الإنشاء النفسيّ، و اعتبار اقترانه بأحد الكواشف اللفظيّة أو الفعليّة لمجرّد الكشف، و هو إنّما يثمر بالنسبة إلى غير الرادّ إذا أراد إجراء أحكام الردّ من عدم صحّة الإجازة بعده و غيره.

و أمّا بالنسبة إلى نفسه فلا يبعد الاكتفاء في ترتيب أحكام الردّ بمجرّد إنشائه النفسيّ، فإنّ المظنون صدق الردّ عرفا على مجرّد ذلك الإنشاء، كما أنّ المظنون في صدق الإجازة مثله.

و لو سلّمنا اعتبار اقتران ذلك الإنشاء بكاشف فالأظهر الاكتفاء بمطلق الكاشف و لو لم يكن صريحا في الكاشفيّة عنه.


1- المائدة: 1.
2- المكاسب: 144.

ص: 113

و لو سلّمنا اعتبار الصراحة أيضا كما اعتبرها الأستاد دام ظلّه فإنّما نعتبرها في الردّ القوليّ دون الفعليّ، لأنّ الفعل و إن كان مفوّتا لمحلّ الإجازة، أو منافيا له، أو صادرا في حال الالتفات بوقوع الفضوليّ، إلّا أنّه من حيث هو فعل لا صراحة له في الدلالة على إنشاء الردّ إلّا بضميمة إشارة أو نحوها.

و لو سلّمنا اعتبار الصراحة حتّى في الردّ الفعليّ، نظرا إلى أنّ الفعل من حيث هو فعل و إن لم يكن له صراحة في إرادة إنشاء الردّ النفسي منه، إلّا أنّ الفعل المفوّت بل و المنافي بل و كذا الصادر في حال الالتفات إلى وقوع الفضوليّ بملاحظة عدم انفكاكه غالبا عن إرادة إنشاء الردّ النفسانيّ يكون صريحا أو كالصريح في إرادة إنشاء الردّ فإنّما هو من باب الكشف عن إنشاء الردّ، لا من باب اعتبارها في صدق موضوع الردّ عرفا، كما يظهر من المتن (1) و غيره.

و على تقدير اعتبار الصراحة من باب الكشف لا يعتبر بعد إنشاء الردّ نفسا صراحة ما يكشف عنه بالنسبة إلى نفس الرادّ، فيجوز له فيما بينه و بين اللّٰه ترتيب أحكام الردّ على مجرّد إنشائه الردّ و لو لم يصدر ما يكشف عنه صريحا. و كذا بالنسبة إلى غير الرادّ إذا اطلع على ذلك الردّ من غير كاشف صريح عن الرادّ، كإخبار صادق أو نحوه، بخلاف اعتبارها من باب الموضوعيّة فإنّه على هذا التقدير لا يجوز ترتيب شي ء من أحكام الردّ على الإنشاء المجرّد على الكاشف الصريح، لا بالنسبة إلى نفس الرادّ، و لا بالنسبة إلى غيره، و حكم الشكّ في تحقّق ما يعتبر في الردّ هو حكم الشكّ في أصل الردّ من استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل و قابليّته من طرف المجيز، كما تقدّم. هذا كلّه في بيان حكم كلّي الردّ من حيث الكبرى.

و أمّا حكم جزئيّاته من حيث الصغرى فنقول: أمّا الفعل المفوّت لمحلّ


1- المكاسب: 144.

ص: 114

الإجازة كإتلاف المبيع فضوله أو نقله عن ملكه فقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة و الأصل عدم تحقّق الردّ به إلّا من باب كشفه الغالبيّ عن إرادة إنشاء الردّ به، و إلّا فهو و إن كان مفوّتا و رافعا لقابليّة المحلّ للإجازة فعلا إلّا أنّه لم يرفع القابليّة الشأنيّة للحوق الإجازة إذا رجعت القابليّة بعد الفوت.

و كذا الفعل المنافي لمقتضى العقد الفضوليّ كاستيلاد الجارية و إجارة الدار و تزويج الأمة فإنّه أيضا كذلك، بل هو أولى بعدم تحقّق الردّ به، إلّا من باب الكشف الغالبي.

و كذا الفعل الغير المنافي إذا صدر عن الالتفات بوقوع الفضوليّ كتعريض المبيع فضولة للبيع أو بيعه فاسدا، بل هو أولى بعدم تحقّق الردّ به من سابقه إلّا من باب الكشف الغالبي، كما أنّ سابقه أولى منه إلّا من ذلك الباب؛ لأنّ المفروض عدم تفويته لمحلّ الإجازة، و عدم منافاته لمقتضى الفضوليّ، و عدم دلالته على إنشاء الردّ إلّا من باب الكشف الغالبي عن إرادته.

و ظاهر من يدّعي تحقّق الردّ بكلّ من هذه الثلاثة كالماتن (1) و غيره إرادة تحقّقه بها من ذلك الباب أيضا، لا من باب الموضوعيّة، كما يوهمه الإطلاق.

و أمّا الفعل الغير المفوّت و الغير المنافي و الغير الصادر عن الالتفات عن الفضوليّ فمقتضى الأصل و الظاهر عدم تحقّق الردّ و الفسخ به، لا من باب الكشف، و لا من باب الموضوعيّة. أمّا من باب الموضوعيّة فلانسداد بابها في سوابقه، الّتي هي أولى به منه، و أمّا من باب الكشف فلانسداد بابه فيما فرض صدوره من دون التفات إلى المكشوف عنه و إن لم ينسد في سوابقه.

و أمّا الفعل المغيّر للاسم كطحن الحنطة، أو عجن الطحين، أو خبز العجين، ففي ارتفاع محلّ الإجازة و فوات القابليّة به كالإتلاف و عدمه وجهان، من


1- المكاسب: 144.

ص: 115

استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل و القابليّة من طرف المجيز، و من تبعيّة الأحكام لأسمائها، و كون الشكّ في المقتضى و استعداد قابليّة بقاء اللزوم من طرف الأصيل، فلا يستصحب.

أقول: أمّا الشكّ في المقتضى و الاستعداد فلا يمنع الاستصحاب عندنا.

و أمّا تبعيّة الحكم للاسم المانع من استصحاب الحكم بعد تغيّر الاسم- كما هو المشهور في ألسنة الفقهاء- فالمراد به الاسم المأخوذ عنوانا، و علّة لذلك الحكم كالكلب و الخنزير و العذرة و غيرها ممّا أخذ عنوانا و علّة للحكم بالنجاسة.

و أمّا الأسماء الغير المأخوذة عنوانا لأحكامها فلا يمنع تغييرها من استصحاب أحكامها الثابتة عليها، و لهذا تراهم يستصحبون نجاسة الحنطة بعد صيرورتها طحينا، و الطحين بعد صيرورته عجينا، و العجين بعد صيرورته خبزا.

و كذا يستصحبون نجاسة الحصرم بعد صيرورته عنبا، و العنب بعد صيرورته زبيبا مع تغيّر الاسم، بل الحقيقة فيها، و لم يستصحبوا نجاسة الكلب و الخنزير بعد صيرورتهما ملحا بالوقوع في المملحة، و لا نجاسة العذرة بعد صيرورتها رمادا أو دخانا.

و بالجملة: فاستصحابهم نجاسة الأعيان المتنجّسة بعد تغيّر أسمائها، بل و تغيّر حقائقها و عدم استصحابهم نجاسة الأعيان النجسة بمجرّد تغيّر أسمائها- حسب ما عرفت- أقوى شاهد و دليل. مضافا إلى تصريح غير واحد على أنّ المراد من تبعيّة الحكم للاسم المانع من استصحاب الحكم بعد تغيّر الاسم هو الاسم المأخوذ عنوانا للحكم، دون الاسم الغير المأخوذ عنوانا.

و إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أخذ اسم المعقود عليه عنوانا في العقد حتّى لا يستصحب الحكم بعد تغيّره و عدم أخذه عنوانا حتّى يستصحب الحكم أمر مختلف باختلاف الأغراض المختلفة باختلاف المقامات و العقود، ففي مثل

ص: 116

الوصيّة بالحنطة- مثلا- لعلّ ما يبطل الوصيّة بطحنها- مثلا- نظرا إلى غلبة تعلّق الغرض من الوصيّة بالأسماء، بخلاف بيع الحنطة فإنّه لا يبطل ظاهرا، لعدم تعلّق الغرض من البيع غالبا بالأسماء، إلّا إذا علم من الخارج تعلّق الغرض بأخذها عنوانا في العقد على وجه ينتفي بطحنها و تغيير اسمها.

و أمّا مزج المبيع فضولة بغيره أو خلطه بغيره على وجه يوجب الاشتباه بينهما فحكمه حكم الفعل الغير المنافي لمقتضى إجازة الفضوليّ، لعدم منافاته لها، و عدم دلالته على إنشاء الردّ، إلّا من باب الكشف المتقدّم لو صدر عن التفات، بل غاية ما يقتضيه المزج هو الاشتراك و الخلط هو الاشتباه، و لا شي ء منهما بمناف للحوق الإجازة، مع إمكان التخلّص بعد الإجازة بقسمة أو صلح أو قرعة.

إشكال اعترض في البين- نقله عن صاحب الحدائق (1)- على الفقهاء في عدّهم عقد الشركة من أسباب الشركة في الأموال بأنّه: إن امتزج المالين فهو السبب المستقلّ في تأثير الشركة، و إن لم يمتزجا بعد فلا تأثير لنفس العقد في حصول الشركة، بل غاية تأثيره هو إذن كلّ من الشريكين للآخر في التصرّف فهو أقرب إلى عقد الوكالة. فينبغي أن يعدّ من شئون الوكالة، لا من أسباب الشركة.

حلّ: يمكن الجواب عن هذا الإشكال بوجوه:

فأوّلا: بما نقل عن ابن جنيد (2) من التزامه بتأثير نفس عقد الشركة و إن لم يمتزج المالين بعد، و لكن ضعف بعدم التزام غير العامّة (3) به سوى ابن جنيد منّا.

و ثانيا: بالالتزام بسببيّة كلّ من العقد و الامتزاج في تأثير الشركة، و دفع إشكال توارد الأسباب العديدة على مسبّب واحد بأنّ الأسباب الشرعيّة معرّفات فلا يمنع تواردها على مسبّب واحد، إذ ليست كالأسباب العقليّة في امتناع


1- الحدائق 21: 152- 153.
2- نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة: 480.
3- المجموع 14: 69.

ص: 117

تواردها على مسبّب واحد.

و ثالثا: بحمل تأثير عقد الشركة على الشركة في منافع المالين الممتزجين و أرباحهما لا في نفس الممتزجين حتّى يمنع توارد الأسباب العديدة على مسبّب واحد.

و رابعا: بحمل تأثير عقد الشركة على الشركة في المال الّذي اشتراه شخص لنفسه ثمّ جاءه آخر و بذل له نصف الثمن الّذي اشترى به المال على أن يكون شريكا معه في ذلك المال، فإنّ عقد الشركة في ذلك يؤثّر الشركة في جميع المال بينهما على وجه الإشاعة إن كان المبذول نصف ثمنه، و في نصفه المشاع إن كان المبذول ربع ثمنه، و في ربعه المشاع إن كان المبذول ثمن ثمنه، و هكذا.

قوله: «و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري .. إلخ».

أقول: المحصّل لعدم رجوع المشتري إلى الفضوليّ و عدم ضمان الفضوليّ له ما قبض منه وجوه:

منها: مقايسة ما يدفعه المشتري إلى الفضوليّ ثمنا بما يدفعه إلى أجنبي ثالث استمالة، فكما أنّه لا رجوع لمن يريد النكاح فيما يدفعه إلى أقرباء من يريد نكاحها استمالة لهم، و لا يضمن المدفوع إليه للدافع شي ء ممّا يدفعه إليه استمالة و نحوه، كذلك لا رجوع للمشتري فيما يدفعه إلى الفضوليّ مع علمه بعدم كونه المالك إذا تلف ذلك المدفوع. و على هذا الوجه اعتمد الماتن حيث قال بعد جواب إن قلت: «و حاصله: انّ دفع المال إلى الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع (1) .. إلخ». و يضعّف- مع كونه قياسا- بأنّه مع الفارق.

و منها: الاستدلال عليه بقاعدة التسليط، و هو الّذي استند به المشهور في نفي ضمان الفضوليّ لما قبضه من المشتري العالم بعدم كونه مالكا، حيث استدلّوا


1- المكاسب: 146.

ص: 118

على ذلك بقولهم: لأنّه سلّطه على ماله بلا عوض.

و يضعّف نقضا: بضمان القاضي ما يتعاطى رشوة لمعطيه و لو بعد تلفه، و بضمان كلّ من المتبائعين للآخر ما يقبضانه بالبيع الفاسد، و بضمان ثمن الكلب و الخمر و مهر البغي، و نحو ذلك من أثمان ما حرّم اللّٰه، و بضمان ما يتلفه الشخص على الوجه المحرّم من مال غيره إذا أمره ذلك الغير بإتلافه على ذلك الوجه، كأمره بإلقاء ماله في بحر، أو قتل غلامه، أو الجناية على نفسه، و من ذلك ضمان الطبيب و لو أسقط العليل ضمان نفسه عنه.

و حلّا: بأنّ التسليط المجانيّ المسقط ضمان المسلّط عليه عن المسلّط إنّما هو التسليط مجّانا على ما يباح للمسلّط قبوله و فعله شرعا، كالتسليط على أكل ماله، أو وطء جاريته، أو صرف ماله فيما يباح شرعا.

و أمّا التسليط على ما لا يباح للمسلّط قبوله و لا فعله شرعا- كالتسليط على إلقاء ماله في البحر، أو قتل غلامه، أو الجناية على نفسه، أو أخذ ماله رشوة أو ثمنا للبيع الفاسد، أو للخمر و الكلب، أو مهرا للبغي، أو غير ذلك ممّا حرّم اللّٰه تعالى- فلا يسقط مجرّد ذلك التسليط ضمان المسلّط عليه عن المسلّط قطعا، و ما نحن فيه من قبيل الثاني لا الأوّل، لأنّ تسليط الغاصب على ثمن المغصوب تسليط على ما لا يباح له شرعا و لو بأصالة حرمة التصرّف في مال الغير، كما التزم به الماتن أيضا، و بعد الالتزام بذلك يستغرب منه الالتزام بإسقاط التسليط المجّاني الضمان، كما لا يخفى.

و منها: الاستدلال عليه بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه كما في الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو استيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة، فإنّ الدفع على هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان فالتسليط على التصرّف فيه و إتلافه له ممّا لا يوجب ذلك بطريق أولى.

ص: 119

و يضعّف: بأنّه إن أريد سقوط ضمان أصل العين المستأمنة و العارية و المستأجرة فممنوع، فضلا عن أولويّة سقوطه فيما نحن فيه، و إن أريد سقوط ضمان منافعه المستوفاة و الفائتة فمسلّم، لكن مقايسة ما نحن فيه ممنوع؛ لأنّه مضافا إلى كونه قياسا فهو مع الفارق.

قال: «و مع الإقدام لا غرور .. إلخ».

أقول: مع الإقدام إنّما لا يكون غرورا بالنسبة إلى خصوص المقدم عليه و هو عشرة الثمن في المثال المذكور. و أمّا بالنسبة إلى غير المقدم عليه و هو العشرة الزائدة على عشرة الثمن فلا ينبغي الإشكال في تحقّق الغرور، و إلّا لزم تخصيص دليل الغرور بخصوص الموارد المجّانيّة الصرفة دون غيرها. و من الواضح على من له خبرة بالعرف و اللغة عدم توقّف صدق الغرور على مورد المجان.

و بالجملة: فكما لا يتوقّف صدق الغرور عرفا على مورد الضرر- كما زعمه الرياض (1)- كذلك لا يتوقّف صدقه عرفا على مورد المجان كما زعمه الجواهر (2)، و إذا لم يتوقّف الصدق العرفي عليهما فتخصيص الحكم الشرعي و هو الضمان بهما خلاف الأصل و الظاهر.

و على ذلك فإذا باع الغاصب ما سوى عشرين بعشرة فتلف فأخذ المالك من الشاري بعشرين كان للشاري الرجوع على البائع في العشرة الزائدة على عشرة الثمن لغروره فيها، بخلاف ما إذا اعتبرنا في ضمان الغار المجّانيّة- كما عن الجواهر (3) اعتبارها- فإنّه لا يرجع إليه في العشرة الزائدة، إلّا إذا فرض عشرة الثمن ليس في إزاء تمام ما سوى عشرين، بل بإزاء نصفه، على أن يكون نصفه


1- رياض المسائل 8: 359.
2- جواهر الكلام 37: 183.
3- جواهر الكلام 37: 183.

ص: 120

الآخر مجّانا حتّى يتأتّى الغرور، و قد عرفت ضعفه، و أنّه لا يعتبر في صدق الغرور عرفا المجّانيّة، كما لا يعتبر في صدقه الاجتماع مع الضرر، و كما لا يعتبر في صدقه أيضا قصد التعزير من الغارّ فيصدق الغرور من دون أن يقصد الغارّ التغرير، كما في صورة جهله أو سهوه أو نسيانه بكون فعله موجبا لتغرير الغير و تغريمه.

و بالجملة: فلم يعتبر في التغرير المضمن شي ء من القيود المتوهّمة سوى جهل المغرور، فلو علم المغرور كذب الغارّ في ادّعاء ملكيّة ما يدفع إليه لم يرجع إليه فيما يغرمه لعدم صدق الغرور، و سوى استناد الغرور عرفا إلى نفس الغارّ.

لا أقول: باعتبار إكراه المغرور على المغرور فيه على وجه يخرج عن اختياره عرفا حتّى يقال: بأنّ الإكراه موجب لضمان المكره- بالكسر- و مسقط لضمان المكره- بالفتح.

بل أقول: باعتبار استناد غرور المغرور إلى تسبيب الغارّ، كما في ضيافته على أكل ما ليس له، فإنّ أكل المغرور ذلك المال و إن كان باختيار الأكل لا بإكراهه إلّا أنّه مع ذلك يستند الغرور إلى الغارّ، بخلاف ما إذا آمنه من سلوك طريق مخوف أتلف ماله فإنّه لا يضمن، لعدم استناد غروره في سلوك ذلك الطريق المتلف إلى الغارّ، بل إنّما يستند إلى نفسه، و لهذا لو راجعت العرف و العقلاء رأيت توجّه المؤاخذة إلى نفس المغرور بمجرّد تأمينه الغارّ، لا إلى نفس الغارّ، كما في ضيافته على طعام الغير.

نعم، لو فرض تأمين المؤمن من سلوك الطريق المخوف على وجه يجوز الركون إليه عند العرف و العقلاء بحيث يعدّ الراكن إليه معذورا فيما يغرمه و يتلفه فيه لم نأب من استناد الغرور فيه إلى الغارّ و جواز رجوع المغرور إليه فيما غرمه و تلفه فيه.

ص: 121

فتلخّص ممّا ذكرنا: أنّه لا يعتبر في صدق الغرور ما زعمه الرياض (1) من الاجتماع مع الضرر، كما في تغرير الشخص بإنفاق ماله على الغير، بل و يصدق من دون الاجتماع مع الضرر، كما في تغريره بأكل مال نفسه، فإنّه يرجع على الغارّ في قيمته و إن لم يضر بأكله، كما يرجع إليه في بذله على الغير الّذي هو صورة الانضرار به. و لا ما زعمه الجواهر (2) من اعتبار المجان في إيجاب الغرور الضمان، بل يضمن الغارّ و إن لم يغر بوجه المجّانيّة بأن غرّ الشخص ببيع ما سوى عشرين من مال الناس بعشرة فإنّ له الرجوع في العشرة الزائدة إلى الغارّ إذا أغرمه المالك بعشرين.

نعم، إنّما يعتبر في التغرير المضمن جهل المغرور بصدق الغارّ و استناد غروره إلى الغارّ عرفا لا إلى سفاهة نفسه في التغرر بتغريره.

و قد اعتبر شيخنا العلّامة دام ظلّه علاوة على اعتبار الأمرين في تضمين الغارّ ما يغرمه المغرور استناد الغرور إلى جهل المغرور بالموضوع، كجهله بملكيّة الملك لغير الغارّ، لا إلى جهله بالحكم، كجهله بمضمنيّة المقبوض بالبيع الفاسد أو بفساد العقد بالفارسي مثلا، فلو غرّ الغارّ أحدا في بيع ماله عليه بالعقد الفاسد لأجل تغريمه المبيع و منافعه المستوفاة فلا رجوع للمغرور إليه فيما غرمه له. و كذا لا رجوع له إليه فيما غرمه للغير، كما إذا كان المبيع بالبيع الفاسد مستحقّا للغير، فالغرور المستند إلى جهل المغرور بالحكم لا يوجب الرجوع إلى الغارّ و إن اجتمع مع الجهل بالموضوع أيضا.

أمّا في صورة عدم اجتماعه معه فلاستناد الغرور إلى الجهل بالحكم الّذي لم يعذر فيه الجاهل و الغافل، سيّما في الأحكام الوضعيّة الّتي يستوي فيه الجاهل


1- رياض المسائل 8: 359.
2- جواهر الكلام 37: 183.

ص: 122

و العالم، و العامد و الساهي و الناسي.

و أمّا في صورة اجتماعه معه فلأنّ الغرامة لم تجئ من تغرير البائع في دعوى الملكيّة، و إنّما جاء من جهة فساد البيع، فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة، غاية الأمر كون المغروم له هو البائع على تقدير الصدق، و المالك على تقدير كذبه، فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على تقديري صدق البائع و كذبه.

نعم، إذا كان الجهل بالحكم أيضا ناشئا عن تغرير البائع و كذبه على وجه يستند التغرير إليه عرفا و عند العقلاء، كما في صورة ما لو غرّه بدعوى صحّة البيع بالفارسي- عند من يصحّ تقليده- على وجه يعذر الركون إلى دعواه عند العرف و العقلاء صحّ الرجوع إلى الغارّ فيما يغرمه المغرور.

فتلخّص: أنّ غرور المغرور إمّا أن يستند إلى جهله بالموضوع، أو إلى جهله بالحكم، أو إلى جهله بكليهما، و تضمين الغارّ و رجوع المغرور إليه إنّما هو في الأوّل دون الأخيرين، لاستناد الغرور و التقصير عند العرف و العقلاء إلى تغرير الغارّ في الأوّل، و إلى تغرّر المغرور بتغرير الغارّ في الأخيرين، فإنّ من راجع العرف و العقل و الوجدان السليم رأى أنّ المعرض للتقصير و صحّة المؤاخذة هو الغارّ في الأوّل و المغرور في الأخيرين، كما لا يخفى.

بقي الكلام في إشكالات ناشئة عن ضمان كلّ من الأيدي المتعاقبة للمغصوب، و رجوع كلّ من تلك الأيدي فيما اغرم إلى ما بعده دون ما قبله، إلّا إذا كان غارّا من وجوه:

أحدها: من جهة تعدّد الضمانات في الأيدي المتعاقبة لمضمون واحد، و اشتغال ذمم عديدة لشي ء واحد لشخص واحد.

و ثانيها: من جهة الإشكال في وجه رجوع كلّ من تلك الأيدي فيما أغرمه

ص: 123

المالك إلى من بعده التالف، لا إلى من قبله، إلّا إذا كان غارّا له.

و ثالثها: من جهة الإشكال في وجه جواز رجوع المغروم إلى من بعده الغير التالف من الأيدي المتوسّطة بين الغاصبين، مع أنّ التلف إنّما حصل بيد غيره.

و حلّ ذلك كلّه أن يقال:

أمّا الإشكال الأوّل فيندفع بما دفعه الماتن (1) نقضا: بوجود الأشباه و النظائر له شرعا، كضمان المال على طريقة الجمهور (2)، حيث إنّه ضمّ ذمّة إلى ذمّة، و ضمان عهده العوضين لكلّ من البائع و المشتري عندنا كما في الإيضاح (3)، و ضمان الأعيان المضمونة على ما استقربه في التذكرة (4)، و ضمان الاثنين لواحد، و نظيره في العبادات الواجب الكفائيّ و التخييريّ.

و حلّا: بأنّ تعدّد الضمانات لمضمون واحد إنّما هو على وجه البدليّة، فالمالك إنّما يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل، بمعنى: أنّه إذا استوفى أحدهما سقط الباقي لخروج الباقي عن كونها تداركا؛ لأنّ التدارك لا يتدارك .. إلخ.

فإن قلت: إنّ المالك إذا كان مالكا لما في ذمّة كلّ من الغاصبين على البدل فما وجه تسلّطه على الرجوع في أخذ المغصوب من جميعهم على وجه التوزيع و التقسيط عليهم بأن يأخذ قدره من بعضهم و قدره الآخر من بعضهم الأخر على وجه التساوي أو التخالف؟

قلت: إنّ تسلّط المالك على الرجوع في كلّ المغصوب إلى كلّ منهم على البدل لازمة التسلّط على الرجوع في بعض المغصوب إلى كلّ منهم على الاستقلال، لا مناف له، فإنّ التسلّط على الرجوع في كلّ الشي ء يتضمّن التسلّط


1- المكاسب: 148.
2- المغني لابن قدامة 5: 70.
3- لم نعثر عليه.
4- انظر تذكرة الفقهاء 2: 92.

ص: 124

على الرجوع في بعضه، كما لا يخفى.

و أمّا الإشكال الثاني: فيندفع أيضا، لكن لا بما نقل عن الجواهر: من أنّ ذمّة من تلف المغصوب بيده مشغولة للمالك بالبدل، و إن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمّته به، فيملك حينئذ من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة القهريّة. و بذلك اتّضح الفرق بين من تلف المال بيده و بين غيره الّذي خطابه بالأداء شرعيّ لا ذمّي (1) .. إلخ، حتّى يرد عليه ما أورده الماتن (2):

من أنّ تملّك غير من تلف المال بيده؛ لما في ذمّة من تلف المال بيده بمجرّد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياريّ و لا قهريّ.

مضافا إلى عدم الوجه للفرق المذكور، و إلى أنّ اللازم منه استقرار الإشكال الثالث: و هو عدم رجوع الغارم فيمن لحقه في اليد العاديّة إلى من تلف في يده، و إلى غير ذلك ممّا أورده الماتن عليه.

و لا بما ارتضاه الماتن (3) من أنّ مفاد قوله: «على اليد ما أخذت» هو وجوب تدارك المأخوذ، على أن يكون الأخذ ضامنا لأحد الشخصين على البدل من المالك و من سبقه في اليد، ليستقل ذمّته: إمّا بتدارك العين، و إمّا بتدارك ما تداركه حتّى يرد عليه ما أورده شيخنا العلّامة: من أنّه و إن اندفع به إشكال رجوع المغروم فيما غرمه إلى من تلف بيده، بل و الإشكال الآخر: و هو رجوعه إلى مطلق من بعده و لو كان غير من تلف بيده، إلّا أنّ استفادة تدارك المأخوذ من على اليد على أن يكون الأخذ ضامنا لأحد الشخصين على البدل من المالك و من سبقه، دون كونه ضامنا للمالك فقط على وجه لو تداركه السابق سقط تداركه عن اللاحق محلّ نظر إن لم يكن محلّ منع، إلّا أن يدّعي استفادته من عموم حذف


1- جواهر الكلام 37: 34.
2- المكاسب: 149.
3- المكاسب: 149.

ص: 125

المتعلّق من قوله: «حتى تؤدّي» على أنّ لازمة عدم تسلّط السابق على الرجوع إلى اللاحق قبل التدارك و لو طالبه المالك.

بل الدفع إنّما هو بما أفاده شيخنا العلّامة: من أنّ وجه رجوع المغروم إلى من بعده من الأيادي المتعاقبة هو كون اليد اللاحقة هي الموجبة لغرم السابقة و اضرارها بالغرامة، إذ لو لا اليد اللاحقة لم يغرم السابقة سوى ردّ العين المغصوبة، فغرامة الغاصب السابق للمغصوب منه إنّما جاء من قبل غصب اللاحق منه، إذ لو لم يغصب اللاحق من الغاصب السابق لم يغرم السابق منه سوى ردّ المغصوب شيئا.

و من وجاهة هذا التوجيه يتّجه وجه عدم رجوع اللاحق من الأيدي فيما يغرمه للمالك إلى سابقه ما لم يكن السابق غارّا له، و رجوع كلّ سابق فيما يغرمه إلى لاحقه مطلقا، سواء كان اللاحق ممّن تلف المغصوب في يده، أم ممّن لم يتلف، كالمتوسّط بين الغاصبين، فاستغنى بدفع الإشكال الثاني بهذا الوجه عن دفع الإشكال الثالث أيضا، فلا يخفى لطفه.

و لكن قد يشكل: باستلزامه أن يكون رجوع كلّ سابق فيما يغرمه إلى لاحقه، مستفادا من ضميمة قاعدة التسبيب، لا من مجرّد عموم قاعدة اليد، و الحال أنّه خلاف الظاهر من الأصحاب. و أيضا باستلزامه عدم تسلّط السابق على الرجوع إلى اللاحق قبل التدارك و لو طالبه المالك، و الحال أنّه خلاف الظاهر من الأصحاب. و أيضا باستلزامه اختصاص الرجوع إلى اللاحق بصورة غصب اللاحق من سابقه عدوانا دون صورة دفع السابق له إليه رضاء ببيع و نحوه؛ لاختصاص تسبيب اليد اللاحقة لغرم السابقة و اضرارها عرفا و عقلا بالصورة الأولى دون الثانية، و الحال أنّ للسابق الرجوع إلى لاحقه مطلقا، سواء كان غاصبا من السابق، أم آخذا بإذنه.

ص: 126

و يمكن دفع الأوّل: بمنع بطلان اللازم، و منع كونه خلاف ظاهر الأصحاب.

كما يمكن دفع الآخرين: بمنع الملازمة في أوّلهما.

بتقريب: أنّ تسلّط السابق على الرجوع إلى لاحقه لو طالبه المالك مع عدم غرمه شيئا، من جهة أنّ اللاحق و إن لم يتسبّب لغرم السابق بعد إلّا أنّه تسبّب لقصور يده عن أداء المغصوب و الخروج عن عهدته، فيتسلّط السابق عليه في ردّ المغصوب إليه ليتمكّن من أدائه، أو إلى مالكه ليخرج عن عهدته.

و منع الملازمة في آخرهما. بتقريب: أنّ تسبّب اليد اللاحقة لغرم السابقة لا يختصّ بصورة غصبها عن السابقة عدوانا كما توهّم، بل يتحقّق تسبّب اللاحق و صدق استناد الغرم و إضرار السابق إليه عرفا و عقلا بمجرّد أخذ المغصوب منه، سواء كان بعنوان الغصب و العدوان، أم بعنوان الاذن و الأمان، إلّا إذا كان الأخذ جاهلا بغصبيّة المأخوذ و مغرورا في أخذه فإنّه لا رجوع للغارّ فيما يغرمه للمالك إلى المغرور، بل الرجوع للمغرور فيما يغرمه إلى الغارّ.

قوله: «نظير ذلك ضمان المال .. إلخ».

[أقول:] أمّا ضمان المال من الديون فليس له نظر إلّا ضمان الدين على طريقة العامّة (1)، حيث إنّه عندهم مأخوذ من الضمّ، و هو ضمّ ذمّة إلى ذمّة، و النون زائدة. بخلافه على طريقة الخاصّة، فإنّه انتقال ذمّة إلى ذمّة، و النون أصليّة.

و أمّا من الأعيان فنظره عندنا ضمان الأعيان المضمونة، و ضمان عهدة العوضين لكلّ من المتعاوضين ثالث فإنّه ضمّ ذمّة إلى ذمّة.

قوله: «لا يكاد يفهم الفرق .. إلخ».

[أقول:] و فيه: وضوح الفرق بين خطاب الأداء كخطاب المولى بنفقة عبده،


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (2) ص: 123.

ص: 127

و بين خطابه الذمّي بنفقة زوجته.

[مسألة لو باع الفضوليّ مال غيره مع مال نفسه]

قوله: «لو باع الفضوليّ مال غيره مع مال نفسه .. إلخ».

[أقول:] يعني: لا إشكال في صحّة بيع ما يملك و ما لا يملك- بالكسر- مطلقا، لا أنّه مورد نصّ، كما لا إشكال في صحّة بيع ما يملك و ما لا يملك- بالفتح- و إن لم يكن مورد نصّ، إنّما الإشكال في أمور أخر:

منها: الإشكال في تطبيق صحّته على القواعد عند عدم إجازة الغير فيما له من المبيع، و رفع هذا الإشكال و بقاؤه مبنيّ على تشخيص كون صحّة العقد المتبعّض فيه الصفقة هل هو مطابق للقواعد ليلتزم بصحّة التبعّض في جميع العقود و الإيقاعات و النذور و العبادات و الأحكام، كما لو جمع في الطلاق بين ما يصحّ طلاقها و ما لا يصحّ، و في النذور بين ما يصحّ النذر به و ما لا يصحّ، و في الزكاة بين ما يصحّ و ما لا يصحّ، و في التذكية بين ما يقبل التذكية و ما لا يقبل، و في التغسيل و التكفين بين ما يصحّ و ما لا يصحّ، أم مخالف للقواعد ليقتصر في صحّته على مورد اليقين؟ وجهان، بل قولان. و قد يعبّر عن ذلك بأنّ الأسباب الشرعيّة كالعقد و الإيقاع و نحوهما هل هي كالأسباب العقليّة في تأثيرها لا محالة فيما يتأثّر و عدم تأثيرها فيما لا يتأثّر من جهة عدم قابليّة المحلّ و قصور القوابل دون عدم تماميّة السبب و قصور السببيّة، أم ليست كالأسباب العقليّة في ذلك؟ و قد يعبّر أيضا بأنّ العقد الواحد هل ينحل إلى عقود متعدّدة باعتبار قابليّة المحلّ و عدمه، أم لا؟ إلّا أنّ ظاهر هذا التعبير خاصّ بالعقود دون غيرها.

و بالجملة: ففي المسألة وجهان، بل قولان، أقواهما الأوّل، وفاقا للمشهور، و أخذا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و أصالة عدم التقييد و التخصيص، و بفحوى الاتّفاق ظاهرا في الطلاق على صحّة الجمع بين ما يصحّ طلاقها و ما لا


1- المائدة: 1.

ص: 128

يصحّ، و في التذكية على صحّة الجمع بين ما يصحّ تذكيته و ما لا يصحّ، و في الزكاة على صحّة الجمع بين ما يقع زكاة و ما لا يقع، و في البيع على ما يقبل التملّك و ما لا يقبل.

و أمّا ما يقال: من أنّ الأسباب الشرعيّة معرّفات و ليست كالأسباب العقليّة، فليس المراد نفي استقلال كلّ منهما في التسبيب و التأثير و منع تماميّة تسبيب كلّ منها برأسه، بل المراد نفي كونها كالأسباب العقليّة في خصوص امتناع تواردها على محلّ واحد، فإنّها و إن كانت أسبابا تامّة مستقلّة في التسبيب و التأثّر إلّا أنّها أسباب لمعرفة المسبّب لا لنفس المسبّب، فلا يمتنع تواردها على محلّ واحد، كما لا يمتنع توارد المعرّفات العديدة على معرّف واحد.

ثمّ إنّه يتفرّع على تطبيق تبعّض الصفقة على القواعد جواز تبعيض الصفقة أيضا، أعني: جواز تبعيض من له الإجازة في بعض ماله الإجازة فيه دون بعضه الآخر فيجوز التبعيض في الصفقة، كما يجوز التبعّض، بل ربما قيل بجواز التبعيض في الإقالة بأن يقبل بعض الصفقة دون بعضها. بل قد نقل شيخنا العلّامة عن شيخه صاحب الجواهر جزمه في المبحث بصحّة إقالة الإقالة بلفظ الإقالة إلى ما شاء من ترامي الإقالات، تمسّكا بعموم قوله: «من أقال مؤمنا أقال اللّٰه عثرته» (1)، فجوّز إقالة فسخ العقد و الرجوع إلى انعقاده بعد الفسخ بمجرّد الإقالة و التواطؤ من دون إعادة صيغة العقد. و كذا إقالة هذه الإقالة و الرجوع إلى انحلاله بعد الانعقاد بمجرّد الإقالة أيضا. و هكذا إلى ما شاء من الترامي.

و لكن يضعّف بأنّه- مضافا إلى انصراف إطلاق الإقالة إلى إقالة نفس العقد دون إقالة فسخه بمجرّد الإقالة من دون إعادة الصيغة- ثبوت الشكّ في قابليّة المحلّ بعد الفسخ للانعقاد بمجرّد إقالة الفسخ من دون إعادة صيغة العقد، و عموم


1- الوسائل 12: 287 باب (3) من أبواب آداب التجارة ح 4.

ص: 129

العامّ و إطلاق المطلق لا يحرزان القابليّة. و هذا معنى ما قيل: من أنّ عموم العامّ و إن بلغ في العموم ما بلغ لكنّه لا يشخّص الموضوع، فعموم الإقالة و إن اقتضى صحّة كلّ إقالة إلّا أنّه ساكت عن موضوع ما يتحقّق به الإقالة هل هو مجرّد لفظ الإقالة و التواطؤ على الرجوع عمّا صدر و وقع مطلقا سواء كان الواقع عقدا أو فسخ عقد أو فسخ فسخه و هكذا، أم هو في خصوص عقد البيع ليعتبر في إقالة فسخه إعادة صيغة العقد دون الاكتفاء بمجرّد لفظ الإقالة و التواطؤ على الرجوع؟

و كيف كان فقد تبيّن انطباق صحّة تبعّض الصفقة على القواعد.

و أمّا ما يمكن الاستناد إليه للمنع فأمران:

أحدهما: منافاة تطبيق صحّته على القواعد لقاعدة «أنّ العقود تابعة للقصود»، فإنّ ما وقع من بعض الصفقة لم يقصد و ما قصد من مجموع الصفقة لم يقع، فيقتضي بطلان تبعّض الصفقة.

و يندفع نقضا: بصحّة ما يشترى بوصف الصحّة فيظهر فاسدا، و بشرط سائغ فلا يسلم لمشترطه، و بصحّة ما تقدّم من بيع الغاصب لنفسه، فإجازة المالك لنفسه لا للغاصب.

و دعوى الفرق بين تخلّف وصف المطلق و جزئه في الارتباط بالمطلق مدفوع بأنّ الوصف أشدّ ارتباطا بالمطلق من الجزء. ألا ترى أنّ الفاسد في ما يشتريه بشرط غير مقصود للمشتري بوجه من الوجوه، بخلاف بعض الصحيح فإنّه مقصود لا محالة و لو ضمنا فإذا لم يقدح تخلّف وصف المعقود عليه مع شدّة ارتباطه به على وجه هو عينه، فتخلّف الجزء أولى منه في عدم القدح لا محالة.

و حلّا: بالمنع من منافاته لتبعيّة العقود للقصود.

أمّا أوّلا: فلأنّ بعض المقصود أيضا مقصود لا محالة و لو ضمنا، فإنّ قصد الهيئة الاجتماعيّة- و هو تمام الصفقة- بوصف التمام من الدواعي الخارجيّة

ص: 130

الموجبة لتعدّد المطلوب و المقصود غالبا، لا من القيود الداخلة الموجب انتفائها انتفاء المقيّد و هو قصد البعض.

و بعبارة اخرى: أنّ المقصود غالبا في شراء الصفقة هو المجموع في حال الاجتماع، لا بقيد الاجتماع على وجه ينتفي قصد المقيّد بانتفاء القيد.

و أمّا ثانيا: فلأنّا و إن فرضنا هيئة اجتماع الصفقة مأخوذ في قصد المتعاقدين على وجه التقييد، بل و لو فرضنا التصريح باشتراط التقييد إلّا أنّ تخلّفها أيضا كتخلّف سائر الشروط المأخوذة في العقد غير قادح في صحّته، نظرا إلى أنّ قصد المقيّد و المشروط و إن تقيّد بحيثيّة كونه مقيّدا و مشروطا و بوصف كونه مقيّدا و مشروطا، إلّا أنّه مع ذلك لا ينفكّ عن قصد الموصوف المجرّد عن الوصف لا محالة و لو بقصد تبعيّ مقدّميّ، و به الكفاية في صحّة العقد بالنسبة إليه، فإنّ تبعيّة العقود للقصود إنّما ينفي صحّة الغير المقصود رأسا دون الغير المقصود أصلا و لو قصد تبعا. ألا ترى قولهم: يعتبر في العقد القصد فيخرج الهازل و الساهي دون تعرّضهم لإخراج غيرهما به.

الثاني من وجهي المنع: أنّ الجهل بتبعّض الصفقة عند العقد يوجب الجهل بمقدار المبيع و مقدار حصّته من الثمن، فيبطل للجهل و الغرر.

و يندفع أيضا أوّلا: بمنع الجهل بمقدار المثمن و مقدار حصّته من الثمن، فإنّ الجهل بهما بدويّ، و تعيين تمام المثمن و ما في إزاء تمامه من الثمن تعيين إجمالي لكلّ من أبعاض المثمن و لما في إزاء كلّ من أبعاضه من ذلك الثمن المعيّن. و بهذا التعيين الإجماليّ المنحلّ إلى التفصيل بعد التأمّل الكفاية في الصحّة.

و ثانيا: سلّمنا الجهل، لكنّ الموجب لبطلان العقد هو الجهل من جميع الجهات، و أمّا الجهل من بعض الجهات فموجب لجبران ضرره بالخيار لا البطلان.

ص: 131

ثمّ إنّ هذا كلّه في رفع إشكال انطباق صحّة تبعّض الصفقة على القواعد.

و أمّا الخيار بعد التبعّض فلا إشكال أيضا في ثبوته للمشتري إذا جهل حين العقد بتبعّضه، و لا في ثبوته للبائع إذا جهله كذلك، لأنّ ضرر التبعيض نسبته إلى الثمن الّذي هو حقّ البائع و المثمن الّذي هو حقّ المشتري على حدّ سواء، فينجبر بثبوت الخيار لكلّ منهما إذا جهلاه معا، و لأحدهما إذا جهله خاصّة. فلا وجه للفرق بثبوت الخيار للمشتري دون البائع بتوهّم عدم تضرّر البائع في تبعّض حقّه، فالجازم بعدم ثبوت الخيار للبائع- كما عن الغنية (1)- ينبغي حمل إطلاقه على ما هو الغالب من علم البائع، كما ينبغي حمل إطلاق ما عن الشيخ في الخلاف (2) من تقوية ثبوت الخيار للبائع على ما ذكر من صورة الجهل.

و أمّا الإشكال الآخر في المسألة ففي طريق معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن في غير المثليّ حيث اختلف فيه ظاهر كلام الأصحاب على وجهين، و المتصوّر فيه عقلا وجوه:

أحدها: تقويم الجزء الباقي من المثمن بانفراده و أخذه بتلك القيمة من الثمن.

و الثاني: تقويم الجزء المرتفع من المثمن بانفراده و نقص قيمته من الثمن، و هما متعاكسان؛ لأنّ ما يستحقه البائع من الثمن في إزاء الجزء الباقي من المثمن عند المشتري هو قيمة الجزء الباقي بانفراده على الأوّل و بقيّة قيمة المجموع بعد إسقاط قيمة الجزء المرتفع منها الّتي قد تحيط بها، فلا تبقى بقيّة على الثاني، و التفاوت المتّفق في إزاء وصف الاجتماع من الزيادة على قيمتي الانفراد أو


1- غنية النزوع: 230.
2- لم نعثر عليه في الخلاف بل الموجود إنكاره، راجع الخلاف 3: 146 مسألة 235، نعم قوّاه في المبسوط كما هو المحكي في الجواهر، راجع المبسوط 2: 145، جواهر الكلام 22: 316.

ص: 132

النقصان عنه واقع في طرف البائع على الأوّل و في طرف المشتري على الثاني.

الثالث: تقويم كلّ من الجزءين منفردا ثمّ ملاحظة التفاوت بينهما و الأخذ من الثمن بنسبة التفاوت لكلّ منهما لا بنفس التفاوت، فإنّه قد يحيط بالثمن فيلزم اجتماع محذور اجتماع العوض و المعوض. و الفرق بينه و بين الأوّلين أنّ التفاوت المتّفق في إزاء وصف الاجتماع من الزيادة أو النقصان موزّع على كلّ من الجزءين بنسبته على الثالث، بخلافه على الأوّلين فإنّه واقع بأجمعه في طرف واحد.

و من هنا يعلم تعيين الطريق الثالث في تشخيص الحصص، وفاقا لتصريح المتن (1) و الإرشاد (2)، دون الأوّلين و إن وافقهما ظهور تعبير الشرائع (3) و القواعد (4) و اللمعة (5) بأنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم أحدهما، ثم تنسب قيمته.

بتقريب ما ذكره المتن (6) في الاستظهار فإنّ في طريق تشخيص الحصص إذا لم يرد نصّ خاصّ كان مرجع تشخيصها إلى طريق العدل و الإنصاف، و ما يقتضيه العقل و يساعده الاعتبار من التحرّز عن الإجحاف، و معلوم أنّ صرف التفاوت المتّفق في إزاء وصف الاجتماع المفروض انتفائه إلى طرف واحد من طرفي البائع و المشتري- كما يقتضيه الأوّلان- إجحاف بأحد المتبائعين لا محالة، بواسطة استلزامه اجتماع العوض و المعوّض بأجمعه و ان ندرا و بأكثره و قد كثر في طرف واحد، و هو خلاف ما يقتضيه العدل و الإنصاف، فإنّ هذا الإجحاف و إن أمكن جبرانه بالخيار إلّا أنّه مع ذلك لا يخلو من نوع إجحاف، خصوصا فيما


1- المكاسب: 149.
2- إرشاد الأذهان 1: 360.
3- شرائع الإسلام 2: 14.
4- قواعد الأحكام 1: 125.
5- اللمعة الدمشقيّة: 62.
6- المكاسب: 149.

ص: 133

ليس لهما خيار كصورة علمهما بحال المبيع دون الجهل حتّى يثبت لهما الخيار.

هذا، مع أنّ إلزام المشتري بذلك الإجحاف دون البائع كالعكس ترجيح بلا مرجّح، و هو قبيح. اللّٰهمّ إلّا أن يمنع ذلك بترجيح إلزام المشتري، من جهة أنّ إجحافه في صورة جهله منجبر بالخيار، و في صورة علمه ناشئ عن الإقدام، و هو غير تمام، كما لا يخفى على الأعلام.

فتلخّص ممّا ذكرنا: أنّ الطريق في تشخيص الحصص في تبعّض الصفقة المطابق لقاعدة العدل و الإنصاف السليم عن الظلم و الإجحاف هو تقسيط الثمن المسمّى على مجموع الحصص، على وجه يوزّع ما بإزاء هيئة الاجتماع من تفاوت زيادة القيمة و نقصانه على كلّ من الحصص بنسبته، لئلّا يلزم ظلم و إجحاف في طرف دون طرف، و طريق معرفة ذلك على وجه يطّرد في جميع الموارد منحصر فيما ذكرنا من تقويم كلّ من الحصّتين منفردا، ثمّ ملاحظة نسبة كلّ من القيمتين إلى مجموع القيمتين و الأخذ بتلك النسبة من الثمن لكلّ واحد من الحصّتين.

ثمّ إنّه لم يظهر من المتن هنا دليل لتعيين هذا الطريق المختار في تشخيص الحصص سوى ما يوهم المصادرة من قوله: و الحاصل أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة، و يصحّ في نصيب المالك بحصّة، كأن يأخذها مع إجازة مالك الجزء الآخر (1)، يعني: كما أنّ الثمن المسمّى في صورة إجازة الغير يوزع على كلّ من المالكين بنسبة ملكه على السويّة من دون إجحاف، كذلك يوزّع الثمن المسمّى في صورة ردّ الغير على كلّ من الملكين بنسبته على السوية من دون إجحاف فيبطل البيع في ملك الغير بحصّته من الثمن الّتي كان يستحقّها مع الإجازة، و يصحّ في نصيب المالك بحصّة، كأن يأخذها مع


1- المكاسب: 149.

ص: 134

إجازة مالك الجزء الآخر.

و هو و إن كان توجيه وجيه و تنظير حسن إلّا أنّك خبير بأنّه كالمصادرة في إثبات المطلوب، لإمكان منع الخصم من الملازمة في الحكم بين فرضي الإجازة و الردّ و إن كان ضعيفا، بل و إمكان تسليم الحكم في فرض الردّ دون الإجازة و إن كان أضعف. هذا كلّه فيما يقتضيه العقل و الإنصاف في تشخيص معرفة الحصص.

و أمّا ما يقتضيه الأصل و البراءة عند فرض الشكّ فهو عدم استحقاق البائع الزائد على قيمة ما يملكه منفردا، و عدم انتقال الزائد من المشتري إليه، إلّا على القول بعدم جريان أصل البراءة في حقوق الناس، و اختصاص موردها بحقوق اللّٰه تعالى، كما عن صاحب الكفاية.

و هو مردود نقضا: بكلّ ما إذا شكّ في اشتغال ذمّته بحقّ الغير، سيّما في الشكوك البدويّة.

و حلّا: بعموم «أدلّة البراءة» و إطلاقها، و أصالة عدم التخصيص و التقييد فيها.

[مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار]

قال: «مسألة: لو باع من له نصف الدار .. إلخ».

أقول: أمّا ذكر النصف فمن باب المثل، فإنّ الخلاف عامّ لكلّ من الكسور التسعة، و هي: النصف و الثلث و الربع و الخمس و السدس و السبع و الثمن و التسع و العشر.

و أمّا المراد من النصف: فهو النصف المشاع على ما هو صريح بعض عباراته الآتية و إن كان الخلاف شامل لغير المشاع، فمحلّ النزاع فيما لو كان البائع للنصف مثلا مالكا للنصف المشاع و إن كان الحكم و الخلاف جار فيما كان مالكا للنصف المعين حرفا بحرف.

و أمّا شقوق المسألة فهي الثلاثة المذكورة في المتن بزيادة شقّ رابع، و هو

ص: 135

ما إذا علم أنّه قصد أحد النصفين لكن خفي تعيينه على نفسهما أو الثالث.

و أمّا محلّ النزاع ففي الشقّ الثالث و إن لحق به الرابع في الحكم و الوجه؛ لعدم الفرق بينهما إلّا في كون الأوّل من قبيل الشبهة الموضوعيّة و نزاع في مفهوم النصف، و الثاني من قبيل الشبهة الحكميّة و نزاع في تعيين المقصود منه.

و أمّا وجوه المسألة فيجمعها الحكم ببطلان أصل البيع للجهل و الغرر أو صحّته، و الحمل على نصفه المملوك له لغلبة التصرّف و انصرافه إلى التصرّف في مال نفسه لا مال غيره، أو على النصف المشاع في النصفين لظهور النصف في الإشاعة، أو على أحد النصفين و الحقّين على الوجه الكلّي، ليتوقّف تعيّنه على تعيين البائع إيّاه في نصف نفسه. أو نصف شريكه فيتوقّف على إجازته. و لكن لا وجه له، كما أشار إليه المصنّف بقوله: «و أمّا ملاحظة حقّ المالكين و إرادة الإشاعة في الكلّ من حيث إنّه مجموعهما فغير معلومة، بل معلومة العدم» (1)، بخلاف الوجوه الثلاثة الأول فإنّ لكلّ منها وجه.

و أمّا أوسط تلك الوجوه الثلاثة فهو الوسط، وفاقا للمتن و شيخنا العلّامة، قياسا له على بيع الكلّي الدائر مصداقه بين مال البائع و مال موكله، أو المولى عليه في الانصراف إلى خصوص مال نفسه دون مال موكله و لا المولى عليه، إلّا أن يدّعي الفرق بعدم معارضة ظهور الكلّي مع غلبة تصرّف المتصرّف في مال نفسه، بخلاف ظهور النصف في الإشاعة فإنّه معارض مع تلك الغلبة.

و بالجملة: ففيما سلمت الغلبة عن المعارض- كما في صورة بيع الكلّي أو المشترك اللفظي الدائر مصداقه بين مال البائع و غيره- فلا إشكال في حمل المبيع على مال البائع، كما لا إشكال في الحكم بالعكس في صورة العكس، أعني:

صورة سلامة ظهور النصف في الإشاعة عن معارضة غلبة تصرّف المتصرّف في


1- المكاسب: 150.

ص: 136

مال نفسه، كما في جميع الأقارير و الإخبارات و الشهادات المتعلّقة بالنصف أو سائر الكسور التسعة، لعدم كون الإقرار و الإخبار عن الشي ء تصرّفا فيه حتّى يلحق بالغالب، بخلاف الإنشاء المتعلّق به فإنّه تصرّف فيه لا محالة.

إنّما الإشكال في صورة المعارضة كما في سائر صور الإنشاء الّتي منها ما نحن فيه، فإنّه لا ترجيح لتقديم غلبة تصرّف المتصرّف في مال نفسه على ظهور النصف في الإشاعة، بل الترجيح مع العكس، نظرا إلى أنّ ظهور المقيّد- بالكسر- و هو النصف وارد على ظهور المقيّد- بالفتح- و هو البيع، ثمّ الوجه في تقديم ظهور القيد على ظهور المطلق المقيّد به هو الوجه في تقديم ظهور ذيل الكلام على ظهور صدره، فإنّ نسبة القيد إلى المقيّد به و الذيل إلى صدره نظير نسبة العلّة إلى معلولها في قولك: «لا تأكل الرّمان لأنّه حامض»، فكما يقدّم خصوص العلّة على عموم معلولها كذلك يقدّم ظهور ما هو بمنزلة العلّة على ظهور ما هو بمنزلة المعلول.

قوله: «كان الحكم كما في القيميّ من ملاحظة قيمتي الحصّتين و تقسيط الثمن على المجموع. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الفرق في قسمي المثلي بين الجزء المشاع فيقسّط الثمن فيه على المجموع من دون ملاحظة النسبة، و بين الجزء المقسوم فيلاحظ النسبة، و تقسيط الثمن على المجموع ممنوع، لأنّ اختلاف الجزء المقسوم في القيمة أحيانا من حيث وصف الاجتماع و الافتراق كما يقتضي ملاحظة النسبة ثمّ تقسّم الثمن على المجموع ليحصل التعديل في القيمة، كذلك الجزء المشاع قد يختلف أحيانا من تلك الحيثيّة المقتضية ملاحظة النسبة لتحصيل التعديل.

أو إشارة إلى أنّه إن قيل: إنّ المثليّ الناقص مضمون بمثله كما لو نقص المبيع المثليّ لجزء فيضمن تكميله. قلنا: إنّ المبيع المضمون نقصه بالتكميل إنّما

ص: 137

هو المقدار الكلّيّ لا الكلّيّ الشخصيّ، كما فيما نحن فيه.

قوله: «الأقوى [هو] الأوّل».

[أقول:] أي: الأوّل من مبنى احتماليّ أصل المسألة، أعني: الأوّل من تعارض ظاهر النصف في الحصّة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرّف إلى نصفه المختصّ، لا الأوّل من احتماليّ أصل المسألة، أعني: حمل النصف على النصف المملوك له أو على المشاع، و لا الأوّل من نفس احتمالي المسألة الثانية، أعني: كون الوكيل و الوليّ كالأجنبي أم لا، و لا الأوّل من مبنى احتماليها، أعني: كون المعارض لظهور النصف في الإشاعة هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع أو ظهور التمليك في الأصالة كما يوهمه الأقربيّة، و ذلك لعدم انطباق تعليله القوّة بورود ظهور المقيّد على ظهور المطلق إلّا على الأوّل من مبنى احتمالي أصل المسألة، لا على الأوّل من احتمالي أصل المسألة، و لا على الأوّل من غيره مطلقا، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله: «للحرج أو السيرة».

[أقول:] فيه: منع الحرج في جعل الحاصل من المشاع المشترك لهما و التاوي عليهما. و أمّا السيرة على خلافه لو سلمت فإنّما هو سيرة الجهّال و أهل الضلال، كسيرتهم على توريث تركة الظالم قبل أداء مظالمه.

قوله: «إلّا أنّه صرّح جماعة ممّن تأخّر عنهم بمخالفته للقاعدة».

أقول: يمكن تطبيق النصوص الواردة في الإقرار بالنسب المشترك و دين المورث على القاعدة بحمل الإقرار على صورة إقرار المقرّ باشتراك المقرّ له معه فيما أخذه من المنكر على غير وجه الإشاعة بأن كان المأخوذ بدلا عن الحقّ المشترك مقاصّة لا من عينه المشاعة، أو كان المقرّ له قانعا بما دون النصيفة عن

ص: 138

المقرّ، أو كان الشارع قانعا به عنه لمصلحة تسهيل الإقرار بالضرر على المقرّ و رفع تعسّر التنصيف عليه و شحّ النفس المولعة بالإنكار.

قوله: «و يدلّ عليه [إطلاق] مكاتبة الصفّار المتقدّمة».

أقول: أمّا المكاتبة فهي قوله عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» (1) و قد وجب الشراء فيما يملك. و أمّا وجه إطلاقها فهو شمول ما لا يملك- بكسر اللام- لما لا يملك من جهة أنّه غير قابل، و لما لا يملك من جهة أنّه غير حاصل.

و دعوى انصراف إطلاقها إلى الثاني ممنوع و إن اختصّ به مورد السؤال.

قوله: «و لعلّه أراد بنصّ القرآن آية الركون إلى الظالم».

أقول: و لعلّه أراد به «آية النبإ» (2) أو آية لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ (3)، و لكن في دلالة كلّ منها نظر.

أمّا وجه النظر في الأولى: فهو انصراف الركون إلى الميل إلى الظلمة في ظلمهم دون توليتهم على غير الظلم، أو انصراف الظلم إلى الظلم بالغير، لا الظلم بالنفس.

و أمّا وجه النظر في الثانية: فهو ظهورها في عدم الاعتناء بقول الفاسق، لا عدم الاعتناء بشأن الفاسق مطلقا لا بقوله و لا بفعله.

و أمّا وجه النظر في الثالثة: فلأنّ المراد من العهد على ما في الآثار هو عهد الإمامة دون التولية.

[مسألة من جملة أولياء التصرّف في مال من لا يستقلّ بالتصرّف في ماله الحاكم]
اشارة

قال: «مسألة: من جملة أولياء التصرّف في مال من لا يستقلّ بالتصرّف في ماله الحاكم .. إلخ».

أقول: الكلام في كيفيّة ولاية الأولياء و كميّة منصب ذوي المناصب و مقدار


1- الوسائل 12: 252 باب «2» من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.
2- الحجرات: 6.
3- البقرة: 124.

ص: 139

سلطنتهم و ولايتهم من حيث الإطلاق و التقيّد و العموم و الخصوص و الكلّية و الجزئيّة، أعني: ولاية الربوبيّة على المربوبين، و الرسالة على المرسول إليهم، و الإمامة على المأمومين، و حكومة الحاكم على العوام، و عدول المؤمنين على مال الميّت و الأيتام، و الأبوّة على الأبناء، و الوصاية على الموصى له، و المولويّة على المماليك من العبيد و الإماء، و الزوجيّة على الزوجة، و الوكالة على الموكّل.

أمّا كيفيّة ولاية الربّ على المربوبين، و كميّة قدرته على المقدورين، و مقدار سلطنته على خلقه، و شمول قدرته على بلاده، فيكفي في عموم حكومته التامّة و إطلاق ولايته و سلطنته العامّة بالذات و الاستقلال وضوح كلّ من الأدلّة الأربع على أنّه عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (1) و أنّه «يسأل عمّا يفعل و لا يسأل عما يفعل»، فقدرته بالأشياء قدرة عامّة ذاتية بالأصالة بجميع الأشياء من دون تخصيص و لا تقييد أصلا و أبدا. و أمّا عدم قدرته على خلق مثله أو على اجتماع الضدّين فهو من قبيل التخصّص لا التخصيص في قدرته؛ لأنّه من قصور قابليّة المحلّ لا قصور العلّة الفاعليّة، فإنّ كلّ عدم مستند إلى عدم قابليّة المحلّ للانفعال لا يخصّص عموم قدرة الفاعل على الفعل، و عدم قابليّة المحلّ للتأثّر لا يقيّد شمول قدرة المؤثّر على التأثير.

و أمّا منصب الرسول فله مرجعيّة الأحكام، و الحكومة بين الخصام، و ولاية التصرّف في الأموال و نفوس الأنام، بنفسه أو بإذنه الخاصّ أو العامّ، فإنّ مقتضى الأصل و إن كان عدم ثبوت شي ء من الوجوه المذكورة لكنّه خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي صلّى اللّٰه عليه و آله بكلّ من الأدلّة الأربع و في خصوص سائر الأئمّة بها أيضا. مضافا إلى عدم القول بالفصل بين الخاصّة بينهما، حسب ما أشار في المتن إلى تفصيل الأدلّة الأربع إلى

قوله: «و المقصود من جميع ذلك دفع ما


1- البقرة: 20.

ص: 140

يتوهّم .. إلخ» (1).

أقول: وجه التوهّم زعم المتوهّم أنّ قوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (2) معناه أنّه أحقّ بهم من أنفسهم في الاتّباع؛ لأنّه لا يأمر إلّا عن وحي و مصلحة من المصالح، بخلاف النفس فإنّه كثيرا ما تأمر بالقبيح و المفاسد.

و وجه دفعه- مضافا إلى عموم الآيات و الأخبار، و إلى ظهور اقتران طاعتهم بطاعة اللّٰه في قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (3) و قوله عليه السّلام: «إنّ أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرف اللّٰه تبارك و تعالى إيّاه فيقرّ له بالطاعة، و يعرّفه نبيّه صلّى اللّٰه عليه و آله فيقرّ له بالطاعة، و يعرّفه إمامه و حجّته في أرضه و شاهده على خلقه فيقرّ له بالطاعة» (4)- تفسير الآية في الأخبار الخاصّة بأنّها نزلت في الإمارة، أي: أحقّ بهم من أنفسهم حتّى لو احتاج إلى مملوك لأحد محتاج إليه جاز له أخذه.

و في كتاب بصائر الدرجات للشيخ الجليل الملقّب بالصفّار من أصحاب العسكري عليهم السّلام باب مشتمل على الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالّة على أنّ «ما فوّضه اللّٰه تعالى إلى النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله» بقوله أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ و بقوله مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (5) فوّضه النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله إلى الأئمّة من أوصيائه عليهم السّلام (6) و فيه أيضا باب مشتمل على الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّه «ما من إمام يمضي إلّا و اوتي من بعده من الأئمّة كلّ ما اوتي


1- المكاسب: 153.
2- الأحزاب: 6.
3- النساء: 59.
4- انظر معاني الأخبار: 393 ح 41.
5- بصائر الدرجات: 378.
6- بصائر الدرجات: 383.

ص: 141

و بزيادة خمسة أجزاء» (1).

و بالجملة: إذا لم يثبت وجوب طاعتهم في الاقتراحيّات و الأوامر العرفيّة لم يبق لوجوب الإقرار بطاعتهم و افتراض طاعتهم علينا و تفويض اللّٰه تعالى الأمر إليهم معنى و شأنا فوق شأن نقلة الحديث و نقلة الفتاوى عن المجتهدين منّا.

و من البيّن أنّ سياق الآيات و الأخبار الدالّة على وجوب طاعتهم و عموم خلافتهم و اقتران طاعتهم بطاعته إنّما يعطى فوق ذلك المعنى، و آب عن الاقتصار على هذا المعنى جدّا؛ لأنّ هذا المعنى ليس شأنا من الشأن، بل هو من شئون نقلة الفتاوى، و نظير شأن حملة طومار من السلطان إلى رعيّته و ليس من معنى الخلافة عن السلطان، و بمنزلة السلطان في افتراض طاعته و وجوب إطاعته.

و هل ترى من نفسك حسنا و وجها لتسمية الحامل أو الناقل طومار السلطان إلى أحد خليفة ذلك السلطان و افتراض طاعته و وجوب إطاعته سوى الاستهجان البعيد عن الأذهان.

قوله: «و بين موارد الوجهين عموم من وجه».

[أقول:] يجتمعان في تصرّف مال اليتيم حيث يستقلّ الحاكم به و تصرّف غيره مشروط بإذنه، و يفترق الحاكم في الحدود و غير الحاكم في تصرّف مال السفيه و المحجور عليه بإذنه.

قوله: «الحقّ هنا أعظم بمراتب. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى احتمال منع الأولويّة باحتمال كون وجوب طاعة الأب من باب المصلحة التعبّديّة لا الحقوق الماليّة، كوجوب طاعة الأمّ على الابن، و الزوج على الزوجة، مع عدم الولاية الماليّة لهما عليه شرعا. أو إلى رفع هذا الاحتمال بدليل السياق و اقتران شكرهم بشكر اللّٰه، و طاعتهم بطاعة اللّٰه،


1- بصائر الدرجات: 423.

ص: 142

و نصوص «أنّهم أوّل ما خلق اللّٰه، و من نورهم فتق و اشتقّ خلق العلى و ما تحت الثرى» (1)، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى من عمومات أدلّة رئاستهم الضابط الكلّي كمّا و كيفا إلّا ما خرج من الخصائص تخصيصا أو تخصّصا.

قوله: «مثل: أنّ العلماء ورثة الأنبياء .. إلخ» (2).

أقول: في الاحتجاج بمثل هذه الأخبار (3) الواردة في شأن العلماء و بيان منصبهم كلامان: أحدهما المناقشة في سندها، و الآخر في دلالتها بأنّ الصحيح منها غير صريح، و الصريح منها غير صحيح، و لكن هذا إيراد غير مليح.

أمّا سندها فلأنّه و إن أمكن المناقشة فيه بأنّها مع كثرتها ليس في مسانيدها سند صحيح. إلّا أنّ هذا الإيراد صريح بأنّه على تقدير تسليم ضعفها منجبرة أوّلا:

بالشهرة. و ثانيا: بغلبة الصدق في الأخبار بعد اعتبار الغلبة بفحوى الأمارات المعتبرة. و ثالثا: بعدم الداعي العقلائي عادة للجعل و الوضع فيما يوافق الشهرة من المطالب فإنّه كاللغو.

و من هنا يعلم انجبار كتاب فقه الرضا عليه السّلام (4) أيضا على تقدير تسليم ضعف سنده.

و أمّا المناقشة في دلالتها بما قاله الماتن (5)- من أنّ الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدورها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث


1- انظر الكافي 1: 389.
2- الوسائل 18: 53 باب (8) من أبواب صفات القاضي ح 2.
3- انظر الكافي 1: 33 و 46 ح 5، تحف العقول: 238، عوالي اللئالي 4: 77 ح 67، فقه الرضا عليه السّلام: 338، نهج البلاغة: 484 حكمة 96، الوسائل 18: 98 ب (11) من أبواب صفات القاضي، إكمال الدين: 483 ب «45» ح 4، كتاب الغيبة: 290 الفصل «4» ح 247.
4- فقه الرضا عليه السّلام: 338.
5- المكاسب: 154.

ص: 143

الأحكام الشرعيّة، لا كونهم كالنبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله و الأئمّة عليهم السّلام في كونهم أولى بالناس في أموالهم- ففيه: أنّه و إن سلّمنا ضعف دلالتها على العموم بملاحظة نفسها، إلّا أنّ ذلك أيضا منجبر بالشهرة و الإجماع المنقول، بل المحصّل على عموم سلطنة الفقيه على ما للإمام عليه السّلام من السلطنة و قيام مقامه إلّا فيما خرج، كقيام وليّ العهد مقام السلطان إلّا في الخصائص. و لا إشكال في انجبار دلالة الأخبار المذكورة (1) بتلك الشهرة و الإجماع المنقول القائمين على عموم وظيفة الفقيه. أمّا على تقدير كشفها بالكشف القطعي عن مدرك قطعي أو ظنّي فلاندراجها في الأدلّة الخاصّة قطعا. و أمّا على تقدير كشفها بالكشف الظنّي عن مدرك ظنّي أو قطعي فلتعلّقها بدلالة الألفاظ و الظنون المتعلّقة بدلالة الألفاظ حجّة بالسيرة المستمرّة بين المستدلّين و إن كانت الألفاظ موردا لتلك الظنون لا منشأ لها، كما لا يخفى على المتتبّع الخبير.

إنّما الإشكال و الخلاف في اندراج الظنون التي تكون الألفاظ موردا لها لا منشأ في عداد الظنون الخاصّة أو المطلقة، و أمّا أصل اتّباعها فممّا لا كلام فيه.

فتبيّن ممّا ذكرنا: قيام الفقيه مقام الإمام في كلّ ماله من السلطنة و الولاية عموما إلّا ما خرج بالدليل كالخصائص حيث لا يجب إطاعة الفقيه فيها و إن وجب إطاعة الإمام فيها.

فتلخّص ممّا ذكرنا: ثبوت دلالة الأخبار المذكورة (2) على أنّ منصب النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله الخلافة المطلقة من قبل اللّٰه تعالى في كلّ ما له تعالى من السلطنة و القدرة إلّا ما خرج من خصائصه تعالى من غير فرق بين السلطنتين، سوى كون الأوّل بالأصالة و الاستقلال، و الثاني بالتبع و الاستقبال من حضرة ذي الجلال.


1- تقدّم ذكر مصادره في هامش (3) ص: 142.
2- تقدّم ذكر مصادره في هامش (3) ص: 142.

ص: 144

و كذلك منصب الأئمّة هي الخلافة المطلقة عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله في كلّ ما له من السلطنة و الولاية إلّا ما خرج بالدليل كالخصائص، من غير فرق بين السلطنتين أيضا إلّا في تلقّي الاولى من حضرة المولى بلا واسطة، و الثانية بواسطة.

و كذلك منصب الفقيه هي الخلافة المطلقة عن الأئمّة عليهم السّلام في كلّ ما لهم من السلطنة و الولاية إلّا ما خرج كالخصائص، من غير فرق بين السلطنتين إلّا في تلقّي الاولى من اللّٰه تعالى بواسطة، و الثانية بواسطتين.

فالمناصب المذكورة للنبيّ و الأئمّة عليهم السّلام و الفقهاء مناصب مطلقة عامّة كلّ لا حق على نمط سابقه، من غير فرق إلّا في الخصائص الخارجة بالدليل الخارجي، لثبوت كلّ لاحق منها بما ثبت به سابقه من ألفاظ العموم و الإطلاق، فلا يقصر ما لثبوت كلّ لاحق من تلك المناصب عمّا لثبوت سابقه من لفظ الخلافة و الولاية و الحجّة و الحكومة و القضاوة و الخيرة و الأفضليّة و عموم المنزلة.

فلا وجه للفرق بين اللاحق و السابق إلّا في الخصائص الخارجة بالدليل الخارجي.

و على ذلك فالمرجع في كلّ ما يشكّ من التصرّفات في اندراجه تحت سلطنة الفقيه إنّما هو إلى إطلاق الأخبار الدالّة (1) على سلطنته لا إلى الأصول العمليّة.

نعم، ما يشكّ من التصرّفات في قابليّة السلطنة عليه كان المرجع فيه إلى الأصول العمليّة لا إلى إطلاق السلطنة، كما هو الحال في موارد الشكّ من سلطنة الإمام عليه السّلام و النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله من غير فرق، ضرورة أنّ العموم و الإطلاق لا يحرزان القابليّة و إن بلغا ما بلغا، و إنّما يحرزان جمع الأفراد بعد إحراز القابليّة.

و بالجملة: فكما أنّ لقدرته تعالى و سلطنته أفراد معلومة الاندراج تحت


1- تقدّم ذكر مصادره في هامش (2) ص: 142.

ص: 145

سلطنته كخلق العالم و إفنائه فتندرج في عموم سلطنته، و أفراد معلومة الخروج كاجتماع الضدّين فلا تندرج، و أفراد مشكوكة لقابليّة عليها فترجع إلى الأصول العلميّة، و أفراد مشكوكة الاندراج بعد إحراز القابلية فيرجع فيها إلى عموم السلطنة.

كذلك سلطنة النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله أيضا على ذلك النمط لها أفراد معلومة الاندراج كتبليغ الأحكام فتندرج في سلطنته، و أفراد معلومة الخروج كتمليك الأحرار و تحرير الأملاك فلا تندرج، و أفراد مشكوكة القابليّة كالخلاقيّة و الرزّاقية فيرجع فيها إلى الأصول العمليّة، و أفراد مشكوكة الاندراج كالاقتراحيّات فتندرج في عموم الولاية و السلطنة.

و كذلك سلطنة الأئمّة على هذا النمط لها أفراد معلومة الاندراج تحت سلطنتهم كإقامة الحدود و فصل الخصومات فتندرج، و أفراد معلومة الخروج كخصائص النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله فلا تندرج، و أفراد مشكوكة القابليّة فيرجع فيها إلى الأصول العمليّة، و أفراد مشكوكة الاندراج بعد إحراز القابليّة كالاقتراحيّات فتندرج في عموم سلطنتهم و خلافتهم عنه صلّى اللّٰه عليه و آله.

و كذلك سلطنة الفقيه على هذا النمط و النهج لها أفراد معلومة الاندراج كالإفتاء و الحكومة فلا إشكال في اندراجها، و أفراد معلومة الخروج الّتي هي من خصائص الأئمّة كوجوب الاعتقاد بإمامتهم و عصمتهم و حجّية فعلهم كحجّية قولهم و حرمة التقدّم عليهم، و أفراد مشكوكة القابليّة كحجّية رؤياهم كحجّية رأيهم فلا تندرج بل يرجع فيها إلى الأصول العمليّة، و أفراد مشكوكة الاندراج تحت ولايتهم كإقامة الحدود، و الجهاد، و بيع الأراضي المفتوحة عنوة، أو أخذ الأجرة عليها، و كذا أخذ الأجرة من المخالفين على أراضي الأنفال من بطون الأودية و قلل الجبال، إلى غير ذلك من التصرّفات المندرجة تحت ولاية

ص: 146

الأئمّة عليهم السّلام.

فتندرج في عموم «ما دلّ على خلافه الفقيه و ولايته» (1) عن قبلهم.

فكما أنّ خروج خصائصه تعالى عن عموم خلافة نبيّه عنه غير قادح في بقاء عموم خلافته عنه و إطلاق سلطنته منه في كلّ ما له من السلطنة و الولاية، كذلك خروج خصائص النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله عن عموم خلافة الأئمّة عنه صلّى اللّٰه عليه و آله و إطلاق ولايته منه غير قادح في بقاء عموم خلافتهم عنه و إطلاق سلطنتهم منه في كلّ ما له من السلطنة و الولاية، و كذلك خروج خصائص الأئمّة عن عموم خلافة الفقيه عنهم و إطلاق نيابته منهم غير قادح في بقاء عموم خلافته و إطلاق نيابته عنهم في كلّ ما لهم من السلطنة و الولاية.

و على ذلك لم يبق إجمال و لا إشكال في أنّ السلطنة المطلقة الثابتة للأئمّة عليهم السّلام من قبل النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله بتنصيصه على خلافتهم عنه ثابتة للفقيه من قبل الأئمّة عليهم السّلام بتنصيصهم على خلافته عنهم أيضا، إلّا فيما كان من خصائص الأئمّة عليهم السّلام فإنّها خارجة عن إطلاق خلافة الفقيه عنهم، كما أنّ خصائص النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله أيضا خارجة عن إطلاق خلافة الأئمّة عنه.

و الحاصل: أنّ الإشكال في شمول سلطنة الفقيه لبعض التصرّفات ناشئ إمّا عن الشكّ في قابليّة السلطنة عليه كهبة مدّة المنقطعة للغير إذا كان صغيرا أو غائبا و فسخ ما فيه الخيار عمّن له الخيار و ردّ العقد الفضوليّ الواقع عن الغير ولاية عليه، إلى غير ذلك من التصرّفات المشكوك تسلّط الإمام عليها فضلا عن الفقيه.

و إمّا عن الشكّ في اندراجه تحت عموم السلطنة بعد إحراز قابليّة السلطنة عليه كإقامة الحدود، و الجهاد، و بيع الأراضي المفتوحة عنوة و قلل الجبال و بطون


1- تقدّم ذكر مصادره في هامش (2) ص: 142.

ص: 147

الأودية، و نحوها من التصرّفات الثابتة للإمام المشكوك ثبوتها للفقيه بإطلاق الخلافة عنه.

و إمّا عن الشكّ في اشتراط ذلك التصرّف بشرط حضور إمام الأصل أو غيره من الشروط المفقودة في الفقيه كتعيين الجمعة حيث يشكّ في اشتراطها بواجد الإمام.

و إمّا عن الشكّ في حجّيّة عموم سلطنته المخصّصة بخروج الخصائص في الباقي ممّا عدا الخصائص.

أمّا إشكال ما شكّ من التصرّفات في قابليّة تسلّط الفقيه عليها فقد عرفت دفعه بمرجعيّة الأصول العمليّة فيه، أعني: أصالة عدم تسلّطه عليه.

و أمّا إشكال ما شكّ من التصرّفات في اندراجه تحت عموم (1) «سلطنة الفقيه» بعد إحراز القابليّة فقد عرفت دفعه أيضا بمرجعيّة عمومات سلطنته و ولايته.

و أمّا إشكال ما شكّ من التصرّفات في اشتراطه بحضور إمام الأصل و نحوه فمندفع أيضا بالرجوع إلى ملاحظة حال دليل الاشتراط مع حال دليل المشروط هل هما لفظيّان، أو لبيّان، أو مختلفان؟ فإن كانا لفظيين كان المرجع إلى إطلاق أدلّة الاشتراط، و إن كانا لبّيّين كان المرجع إلى أصالة عدم الاشتراط فيما عدا المتيقّن من قدر الاشتراط، و إن كانا مختلفين، فإن كان دليل الاشتراط لفظيّا و المشروط لبيّا كان المرجع إلى إطلاق الاشتراط، و إن كان بالعكس فبالعكس.

و أمّا إشكال حجّية عموم سلطنة الفقيه المخصّصة في الباقي ممّا عدا خصائص الإمام الخارجة فمندفع أوّلا: بما عرفت من أنّ خروج خصائص الإمام عن تحت سلطنة الفقيه إنّما هو من باب التخصّص لا التخصيص.


1- تقدّم ذكر مصادره في هامش (2) ص: 142.

ص: 148

و ثانيا: بما قرّر في محلّه من حجّية العامّ المخصّص في الباقي و ضعف قول المخالف فيه.

فتلخّص ممّا ذكرنا: ارتفاع الإشكال في عموم ولاية الفقيه على شي ء من التصرّفات من جميع الجهات المذكورة للإشكال.

و على ذلك فيثبت للفقيه من قبل الإمام عليه السّلام مناصب عديدة:

منها: الإفتاء فيما يحتاج إليه العاميّ في عمله، و مورده المسائل الفرعيّة و الموضوعات الاستنباطيّة من حيث ترتّب حكم فرعيّ عليها، و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه إلّا ممّن لا يرى جواز التقليد للعامّي.

و تفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد و التقليد.

و منها: الحكومة، فله الحكم بما يراه حقّا في المرافعات و غيرها كالهلال و نحوه في الجملة، و هذا المنصب كمنصب الإفتاء ثابت له بلا خلاف فتوى و نصّا (1)، إلّا ممن يرى الحكومة نوعا من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فلا يكون من المناصب المختصّة بالفقيه، بل جاز القيام به لكلّ من عرف أحكام القضاء و لو بالتقليد، كما عليه الجواهر (2) و الفاضل القمّي (3) قدّس سرّه في جواب سؤاله و الفاضل المقداد في التنقيح (4) و ظاهر الشيخ في المبسوط (5) و الشهيد في الدروس (6) و الأردبيلي (7) و ابن فهد (8). و إبداء الفرق بين الحكم و الأمر بالمعروف


1- الوسائل 18: 101 باب (11) من أبواب صفات القاضي ح 9.
2- جواهر الكلام 40: 15- 16.
3- جامع الشتات 2: 647.
4- التنقيح الرائع 4: 238.
5- المبسوط 8: 82.
6- الدروس الشرعيّة 2: 67.
7- مجمع الفائدة و البرهان 12: 17.
8- المهذب البارع 4: 452.

ص: 149

من حيث المورد بالعموم من وجه، و من حيث المفهوم بالتباين لا ينافي اتّحادهما في الحكم بعدم الاختصاص بالفقيه كالأمور الحسبيّة، و إن كان الأحوط الاختصاص بالفقيه، سيّما عند عدم تعذّر قيام الفقيه به، و عدم تعسّر الوصول إليه، و عدم لزوم الاختلال و الفساد من تعطيله.

و منها: توقّف تصرّف غير الفقيه على إذنه فيما كان متوقّفا على إذن الإمام عليه السّلام، و حيث إنّ موارد التوقّف على إذن الامام عليه السّلام غير مضبوط فلا بدّ من ذكر ما يكون كالضابط لها.

فنقول: ربما قيل أو يقال: إنّ ضابطه موكول إلى العرف و العقلاء، فكل ما كان من شأنه الرجوع فيه عند العرف و العقلاء إلى نظر الرؤساء رأي الكبراء هو ضابط ما يتوقّف من التصرّفات على إذن الإمام أو أنّ ضابطه التصرّف في أموال الغير و أمورهم أو أنّ ما يتوقّف على إذن الإمام أمور محصورة- كالتصرّف في أموال القاصرين و نحوها ممّا سيأتي- فلا يتوقّف معرفتها على ضابط كلّي، كما حكي هذا عن قواعد (1) الشهيد «رحمه اللّٰه»، و لكنّ الأقرب في ضابطه ما ذكره الماتن (2)، أخذا من العوائد (3) بزيادة تنقيح و توضيح: من أنّ كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج عقلا ككلّ ما يلزم من تعطيله اختلال النظام أو الفساد أو خلاف اللطف، أو شرعا ككلّ ما يلزم من تعطيله الضرر و الضرار أو العصر و الحرج المنفيّين في الشريعة إن علم كونه وظيفة شخص خاصّ كنظر الأب في مال ولده الصغير أو صنف خاصّ كالإفتاء و القضاء أو كلّ من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف فلا إشكال في ذلك. و إن لم يعلم ذلك و احتمل كونه مشروطا في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه وجب الرجوع إليه. ثمّ إن علم الفقيه


1- القواعد و الفوائد 1: 405.
2- المكاسب: 154.
3- عوائد الأيّام: 539.

ص: 150

من الأدلّة جواز توليته لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ تولّاه مباشرة أو استنابة إن كان ممّن يرى الاستنابة فيه، و إلّا عطّله إلى آخر ما أشار إليه الماتن.

أقول: بل الأشبه بالأصول كون الألفاظ الضابط الكلّي لكلّي ما يتوقّف على إذن الإمام عليه السّلام إنّما هو عموم رئاسته و خلافته و سلطنته الإلهيّة الأصليّة الكلّية العامّة التامة كمّا و كيفا إلّا ما خرج بتخصيص أو تخصّص، لعموم ابوّتهم و عليتهم و ولايتهم على نحو ولاية العلّة على المعلول، و المولى على العبد، و المالك على المملوك، و عموم عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (1) و عموم «أنّهم اولي الأمر» (2) و «تنزّل الملائكة عليهم بكلّ أمر، و استئذان الملائكة منهم في كلّ أمر» (3)، كما أنّهم و عبوديّتهم بالنسبة إلى المعبود الحقيقي كذلك و على هذا النهج لٰا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (4).

و الدليل على ثبوت هذا المنصب للفقيه وجهان:

أحدهما: الأصل اللفظي و هو عموم: «و أمّا الحوادث» (5) و غيره من سائر العمومات الدالّة على ثبوت النيابة المطلقة للفقيه الحاكمة على عموم قوله: «كلّ معروف صدقة» (6)، و إطلاق وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ (7)، إلى آخر تقريب الماتن قدّس سرّه (8).


1- النحل: 75.
2- إشارة إلى الآية 59 من سورة النساء.
3- انظر الكافي 1: 393.
4- الأنبياء: 27.
5- الوسائل 18: 101 باب (11) من أبواب صفات القاضي ح 9.
6- الوسائل 11: 521 ب «1» من أبواب فعل المعروف ح 2.
7- المائدة: 2.
8- المكاسب: 154.

ص: 151

و الآخر: الأصل العملي، بتقريب: أنّ كلّ من يفرض جواز مباشرته للأمور العامّة كالعدول أو الأمناء أو الثقات دخل الفقيه في صنفهم و لا عكس، فجواز ذلك للفقيه متيقّن بخلاف غيره من الأصناف، فالأصل عدم جوازه لغيره، لعدم الدليل عليه.

ثمّ إنّ تفصيل ذلك الضابط الكلّي للأمور العامّة الّتي مرجعها إلى نظر الامام ثمّ الفقيه يتوقّف على معرفة جزئيّاته.

فنقول: من جملة الجزئيّات المندرجة تحت ذلك الضابط الكلّي: التصرّف في أموال القاصرين من اليتامى و المجانين على الوجه الصالح، و تجهيز الأموات الّتي لا وليّ لها، من تعيين الغاسل و الغسل، و تعيين شي ء من تركته للكفن، و تعيين المدفن، لاندراجها في كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج مع عدم كونه وظيفة شخص خاصّ، و لا صنف خاصّ، و لا كلّ من يقدر على القيام به.

و من جملة: الجزئيّات المندرجة تحت ذلك الضابط الكلّي! جبر الممتنع على أداء الحقّ الواجب عليه ببيع ملكه و قبض ثمنه و أداء دينه، و كذا القيام بمصالح الغائب و المفقود و المريض و المغمى عليه الّذي لا وليّ له، و قاطبة المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة و الموقوف عليهم في الأوقاف العامّة و نحو ذلك، فيجوز للفقيه القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين لاندراجه تحت ذلك الضابط الكلّي.

و أمّا المقاصّات، أعني: تقاصّ الحقّ من المنكر له عند عجز صاحب الحقّ عن إقامة البيّنة عليه، و كذا التصدّق بمجهول المالك و اللقطة عن صاحبه، ففي توقّف مشروعيّته على إذن الفقيه و عدمه وجهان، بل قولان. من الشكّ في ورود إطلاق الأمر الوارد عنهم عليهم السّلام بالتصدّق و المقاصّة مورد حكم آخر فيندرج في

ص: 152

عموم الضابط الكلّي للأمور العامّة الّتي مرجعها إلى نظر الرئيس و رأيه، أعني:

عموم «كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج مع عدم تعيينه الموجد له. و من أنّ الأصل في الإطلاق المشكوك وروده مورد حكم آخر هو الإطلاق و عدم الصارف عنه بالورود مورد بيان حكم آخر، فيندرج في عموم كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج مع تعيينه الموجد له، لا مع عدم تعيينه ليندرج في عموم وظائف الفقيه.

و أمّا التصرّف في سهم الإمام من الخمس و غيره بالحفظ أو الصرف على أقربائه أو على مطلق مصالح المسلمين بإذن شاهد حال الإمام أو فحواه على اختلاف الآراء في ذلك ففي توقّفه على إذن الفقيه لاندراجه في الضابط الكلّي المتقدّم، أو عدم توقّفه على إذنه ليجوز لغير الفقيه أن يتولّاه، أم التفصيل بين حقّه المعيّن كأعيان من لا وارث له، فيتوقّف التصرّف فيها على الإذن، و بين الغير المعيّن كالجزء المشاع من أعيان ما يتعلّق بها الخمس كالمعادن و الغنائم و الكنوز فلا يتوقّف على إذن الفقيه، وجوه، أظهرها الأوّل، لعموم (1) ما دلّ على النيابة المطلقة و الخلافة العامّة للفقيه عن قبل الإمام عليه السّلام في كلّ ما له من السلطنة و الولاية من تعليل الرجوع إليهم بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم» (2)، و قوله: «مجاري الأمور و الأحكام على يد العلماء» (3)، و إطلاق قوله صلّى اللّٰه عليه و آله «خلفائي عليهم» (4).

و قد تقدّم لك أنّ ما يشكّ في كونه من وظائف الفقيه تارة يكون منشأه الشكّ في كونه من وظائف الامام و عدمه، و تارة يكون منشأه الشكّ في ثبوته


1- تقدّم ذكر مصادره في هامش (2) ص: 142.
2- الوسائل 18: 101 ب (11) من أبواب صفات القاضي ح 9.
3- تحف العقول: 238.
4- الوسائل 18: 100 ب (11) من أبواب صفات القاضي ح 7.

ص: 153

للفقيه بعد إحراز كونه من وظائف الإمام عليه السّلام، فما كان الشكّ فيه ناشئا عن الشكّ في كونه من وظائف الإمام عليه السّلام كتزويجه العاقلة الرشيدة من دون رضاها، و تطليق زوجة الغير من دون رضاه، حيث يحتمل إناطة صحّتهما برضا خصوص الطرفين، فالأصل عدم ثبوته للفقيه، بل و لا للإمام، لما عرفت من أنّ ولاية الإمام عليه السّلام على التصرّف في أموال الأنام و أنفسهم و إن بلغ ما بلغ إلّا أنّه إنّما يشمل من التصرّفات ما يقبل تولية الغير عليه، و أمّا ما لا يقبل أو يشكّ في قابليّته لتولية الغير فلا يشمله عموم التولية للغير، و كان خروجه عن تحت عموم التولية بالتخصّص لا التخصيص، كما أنّ عموم «أكرم العلماء» و إن بلغ ما بلغ لا يشمل غير العالم و لا المشكوك عالميّته و كان خروجهما عن تحت العموم بالتخصّص لا التخصيص.

و أمّا ما كان الشكّ فيه ناشئا عن الشكّ في إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ- أعني: الشكّ في كونه من المناصب الخاصّة بالإمام كتعيين وجوب الجمعة لئلّا يكون للفقيه حظّا فيها، أم من مناصبه العامّة القابلة لتفويضها إلى الفقيه- فالأصل العملي الأوّلي و إن كان أيضا عدم ثبوتها للفقيه إلّا أنّ الأصل اللفظي الثانوي- أعني: العمومات و الإطلاقات المتقدّمة- يقتضي ثبوتها للفقيه، و ما نحن فيه من قبيل القسم الثاني لا الأوّل، فيكون من مناصب الفقيه أيضا، و اللّٰه العالم.

قوله: «و إلّا لزم تخصيص أكثر أفراد العامّ .. إلخ».

[أقول:] فيه: منع لزومه أوّلا: بأنّ ما يمكن إخراجه من عموم ولاية الفقيه هو الأوامر الاقتراحيّة النادرة الاندرة صدورها من الفقيه الموصوف بقوله: «من كان من الفقهاء صائنا لنفسه من العصيان، حافظا لدينه من الشيطان، مخالفا

ص: 154

لهواه، مطيعا لأمر مولاه» (1) الحديث الشريف، الدالّ على أنّ العدالة المعتبرة في مرجعيّة الفقيه تالية تلو العصمة المانعة من الاقتراح، و المقتضية لعموم المنزلة، و تنزيله منزلة النبوّة و إن كان مثل التراب بالنسبة إلى ربّ الأرباب، و مثل البعوضة في عرض مقادير اللّٰه تعالى، إلّا أنّ أمثال قوله عليه السّلام: «ربّ التراب هو ربّ الماء» (2) نزّل التراب منزلة الأرباب، كما نزّل الأرباب منزلة ربّ الأرباب.

و ثانيا: لو سلّم خروج اقتراحيّات الفقيه عن عموم سلطنته، لكن لا يسلّم خروجها عن عموم (3) وجوب إطاعته، أو لا يقصر حقوقه و حرمة عقوقه عن حقوق الامّ، فضلا عن حقوق الأبوّة و الاخوّة الإيمانيّة الواجبة حتّى في إجابة دعوته، و قضاء حاجته، و قبول معذرته، و حسن صحبته، و حفظ خلّته، إلى آخر ما تقدّم من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّا لا براءة له منها إلّا بأدائها أو العفو» (4) الحديث.

و ثالثا: لو سلّمنا خروج اقتراحيّات الفقيه عن وجوب طاعته، و لكن خروجها عن طاعته بعنوان واحد، كخروج تبعيّة الشيطان بقوله تعالى إِنَّ عِبٰادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰانٌ إِلّٰا مَنِ اتَّبَعَكَ (5) و إن كان من التخصيص بالأكثر، إلّا أنّه ليس من التخصّص بالأكثر المستهجن عرفا قطعا.

قوله: «من لا وليّ له- في المرسلة (6) [المذكورة]- ليس مطلق من لا وليّ له .. إلخ».


1- الوسائل 18: 94 باب (10) من أبواب صفات القاضي ح 20.
2- الوسائل 2: 984 باب (14) من أبواب التيمم ح 13.
3- تقدّم ذكر مصادره في هامش (2) ص: 142.
4- الوسائل 8: 550 باب «122» من أبواب أحكام العشرة ح 24.
5- الحجر: 42.
6- مسند أحمد بن حنبل 1: 250 و ج 6: 260.

ص: 155

أقول: و إن لم يكن المراد مطلق من لا وليّ له كما لم يكن المراد منه من له وليّ كالأب و الجدّ إلّا أنّ مفهوم إثبات الشي ء ليس نفي ما عداه، حتّى يناقض و يعارض منطوق النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (1) و أنّ الحاكم وليّ الممتنع الصريح في عموم ولايته على من دونه من سائر الأولياء فضلا عمّن هو وليّ نفسه أو مولى عليه أو لا وليّ له. مضافا إلى ما عرفت من ضرورة العقل و النقل من أنّ الولاية كسائر الإضافات الإلهيّة ليست كإضافة بعضنا بعضا، بل لا ينقص منه شي ء و لا يزيده كثرة العطاء إلّا جودا و كرما، فتخصيص ولايته بمن لا وليّ له لا لتخصيص الولاية به، بل لأحوجيّته، و بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال؛ لأنّ جعل الولاية لغيره لا يوجب نقصا في ولايته الّتي كانت له قبل جعله.

قوله: «و ينبغي أن يكون له هو السلطان. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى ظهور «وليّ من لا وليّ له» (2) كظهور وليّ الممتنع في عموم الولاية له، و عليه فلا وجه لتخصيصه بالمصلحة الراجعة إليه لا إلى غيره.

و من جملة مناصب الفقيه و وظائفه إقامة الحدود و التعزيرات و الجهاد مع الكفّار في دعواهم إلى دين الإسلام، أو ضرب الجزية عليهم على المشهور المنصور، لكن ثبوت هذا المنصب للفقيه ليس مستنده عموم أدلّة وجوب إقامة الحدود، مثل عموم «أقيموا الحدود» (3)، و عموم قوله تعالى فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا (4) أي: السارق و السارقة، و عموم فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ (5) أي: الزاني و الزانية، و عموم الآيات (6) الدالّة على وجوب الجهاد مع


1- الأحزاب: 6.
2- تقدّم ذكر مصدره في هامش (6) ص: 154.
3- إشارة إلى الآية: 229 من سورة البقرة.
4- المائدة: 38.
5- النور: 2.
6- التوبة: 29.

ص: 156

الكفّار حتّى يعطوا الجزية عن يد حتّى يمنع دلالة صيغة الجمع على العموم.

و لا عموم الخطاب الشفاهي للمعدومين حتّى يمنع القول به عند المشهور، و لا لإطلاق وجوب إقامتها حتّى يمنع الإطلاق بوروده مورد الغالب، أعني:

توجّه الإطلاق إلى الحاضرين الواجدين حضور الإمام غالبا و الواجب المشروط مطلق بالنسبة إلى الواجدين للشرط، فإذا كان المفروض عدم اتّحادهم مع الحاضرين لا في الخطاب و لا في الصنف لم يجز لهم التمسّك بإطلاق الخطاب في نفي الاشتراط؛ لاحتمال أن يكون عدم تقييد الخطاب المختصّ بالحاضرين لأجل الحمل على الغالب من أفراد المطلق، حيث إنّ حالة حضور المخاطبين خدمة الإمام عليه السّلام أغلب من حالة فقدهم إيّاه بالمسافرة و نحوه، فلا يجوز استدلال المعدومين بإطلاق الخطاب المختصّ بالحاضرين على الوجوب المطلق على المعدومين مع الاختلاف في الصنف، كما لا يجوز استدلال الحاضرين أيضا بإطلاقه على الوجوب المطلق عليهم في حال فقدهم الإمام المتّفق لهم نادرا، لانصراف الإطلاق إلى غالب أحوالهم المفروض وجدان الشرط حسب ما قرّر ذلك في محلّه من الأصول.

و لا لأجل اندراج إقامة الحدود فيما يتوقّف عليه حفظ نظام العالم و يترتّب عليه بقاء عيش بني آدم.

و يلزم من تعطيله اختلال النظام و فساد أمور الأنام حتّى يمنع الملازمة إجمالا: بأنّه لو كان مستند إقامة الحدود هو لزوم اختلال النظام من تعطيله لوجب إقامته على عدول المؤمنين عند تعذّر الفقيه أو تعسّره، كما يجب ذلك في كلّ ما يلزم من تعطيله اختلال النظام من حفظ أموال القصر و غيره من كلّ ما يندرج في الضابط الكلّي للأمور العامّة الواجبة وجودها من دون تعيين الشارع الموجد لها.

ص: 157

و تفصيلا: بأنّ في وجوب الأمر بالمعروف الكفاية في حفظ النظام، سيّما إذا قلنا بجميع مراتبه في زمان الغيبة و إن أدّى إلى القتل و الجرح، كما يقتضيه عموم أدلّته.

و لا مجرّد الشهرة المنقولة و المحصّلة حتّى يناقش في حجّيّتهما أو جبرانهما، لدلالة الأدلّة الدالّة على ثبوت النيابة المطلقة للفقيه عن قبل الإمام عليه السّلام، بل المستند لنا على ثبوت منصب إقامة الحدود و الجهاد للفقيه- مضافا إلى الشهرة- هو عموم أدلّة خلافته عن الإمام عليه السّلام، كعموم «مجاري الأمور و الأحكام على يد العلماء» (1)، و عموم «و أمّا الحوادث» (2)، و غير ذلك من العمومات المتقدّمة فإنّ المانع من ثبوت هذا المنصب للفقيه.

أمّا الشكّ في قابليّة سلطنة الفقيه لمثله و المفروض عدم هذا الشكّ لعدم الموهم له عقلا و لا عرفا و لا شرعا، لمنع قابليّة سلطنة الفقيه على مثله بعد ثبوت قابليّة سلطنة الإمام عليه السّلام على مثله.

و أمّا الشكّ في شمول أدلّة خلافته عن الإمام لمثله بعد إحراز القابليّة لاحتمال كونه من خصائص الإمام، و المفروض عموم الأدلّة و إطلاقها على وجه لا يقصر عن عموم أدلّة خلافة الإمام عن النبيّ، فكيف يبقي المجال لاحتمال التفكيك فضلا عن الجزم بمنع ثبوت هذا المنصب للفقيه، كما زعمه الماتن (3) رحمه اللّٰه، تبعا لبعض المتورّعين في الاحتياط مع اعترافه بثبوته للإمام و كون الشكّ في الاندراج تحت عموم الولاية بعد إحراز القابليّة؟

و من جملة وظائف الفقيه: جواز تزويجه الصغيرة لغير الأب و الجدّ، و ولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه، و فسخ العقد الخياري عنه كالبيع الشرط،


1- تحف العقول: 238.
2- الوسائل 18: 101 باب (11) من أبواب صفات القاضي ح 9.
3- المكاسب: 155.

ص: 158

و أخذ الشفعة له. و لكن فيه: أنّه إن كان في هذه التصرّفات مصالح عامّة يلزم من تعطيلها الضرر على الصغير و الغائب المنفي في الشريعة فمرجعها إلى الضابط الكلّي الواجب وجوده، المتقدّم كون القيام به من وظائف الإمام عليه السّلام، ثمّ الفقيه، ثمّ عدول المؤمنين على الترتيب، لا أنّها من الوظائف الخاصّة بالفقيه كالإفتاء.

و إن لم يكن في تلك التصرّفات مصالح عامّة يلزم من تعطيلها ما هو منفيّ في الشريعة فليست من وظائف الفقيه الخاصّة و لا العامّة المشارك فيها عدول المؤمنين مع الترتيب، بل و لا من وظائف الإمام عليه السّلام فضلا عن الفقيه.

ثم إنّ هذا كلّه في ولاية الفقيه. و أمّا ولاية عدول المؤمنين فالكلام فيه تارة في بيان أدلّة ولايته، و اخرى في بيان معنى ولايته هل هو على وجه الاستنابة عن الفقيه أو غيره؟ و مقدار ولايته و بيان مواردها و الفرق بينهما و بين ولاية الفقيه، و بيان المراد من عدول المؤمنين هل هو الجنس أو الجمع؟ و على الأوّل هل المراد جنس المفرد أو الجمع؟ و هل المراد من العدالة المشروط بها الولاية فيهم هو الملكة أو مجرّد الوثاقة؟ فالكلام إذن في مطالب:

أمّا أدلّة ولايته في الجملة فهي الأدلّة الأربع:

أمّا من الكتاب فيكفي ما تمسّك الشهيد به عليه في القواعد (1) من عموم:

وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ (2).

و أمّا من السنّة فيكفي ما تمسّكوا به من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «كلّ معروف صدقة» (3)، و قوله عليه السّلام: «و اللّٰه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (4)، و صحيحة محمد بن إسماعيل: «رجل مات من أصحابنا بغير وصيّة فرفع أمره إلى قاضي


1- القواعد و الفوائد 1: 406.
2- المائدة: 2.
3- الوسائل 11: 521 باب «1» من أبواب فعل المعروف ح 2.
4- الوسائل 11: 586 باب «29» من أبواب فعل المعروف ح 2.

ص: 159

الكوفة فصيّر عبد الحميد القيّم بماله، و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنّهن فروج فما ترى في ذلك؟ قال: إذا كان القيّم مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس» (1) الخبر.

و أمّا من الإجماع فيكفي وقوع ولاية العدول في الجملة معقد الفتاوى و الإجماعات.

و أمّا من العقل فيكفي استقلال العقل بجواز تولية آحاد المكلّفين لكلّ ما كان واجب الوجود عقلا أو شرعا من دون تعيين الموجد الخاصّ لها شرعا و لا عقلا.

ثمّ إنّ مقتضى عموم الأدلّة المذكورة و إن كان جواز تولية العدول مطلقا و لو مع عدم تعذّر الفقيه و لا تعسّره إلّا أنّ عمومات ولاية الفقيه من قوله عليه السّلام: «و أمّا الحوادث» (2) إلخ و «مجاري الأمور بيد العلماء» (3) حاكمة على عمومات ولاية العدول، فتقتضي ترتّب ولايتهم على تعذّر الفقيه أو تعسّره، كما أنّ عموم (4) ولاية الإمام عليه السّلام حاكمة على عموم ولاية الفقيه، فتقتضي ترتّب ولايته على تعذّر الإمام أو تعسّره. مضافا إلى أنّ المرجع بعد تعارض العمومين إلى أصالة عدم مشروعيّة ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأي اولي الأمر أو من يخلفه في الولاية أخذا بالمتيقّن إلّا في مقام التعذّر أو التعسّر.

[ولاية العدول]

ثمّ إنّ ولاية العدول هل هي على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي كما استظهره الماتن (5) قدّس سرّه، أم على وجه الاستنابة عن حاكم الشرع- كما استظهره


1- الوسائل 12: 270 باب «16» من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2.
2- تقدّم ذكر مصدرهما في هامش (2 و 1) ص: 157.
3- تقدّم ذكر مصدرهما في هامش (2 و 1) ص: 157.
4- الوسائل 18: 101 باب (11) من أبواب صفات القاضي ح 9.
5- المكاسب: 156.

ص: 160

شيخنا العلّامة- ليثبت لهم عند تعذّر الفقيه كلّما كان للفقيه من التولية حتى على الحكومة و إقامة الحدود؟ وجهان، من ظهور الآيات (1) و الأخبار المتقدّمة (2) على ولايتهم في التكليف الوجوبي أو الندبي، و من ظهور تعدادهم ولاية العدول عقيب ولاية الفقيه في الولاية على وجه الاستنابة عنه. و يضعّف بعدم دلالة شي ء من أدلّة ولاية العدول على الاستنابة، و مغايرة لسانها للسان أدلّة ولاية الفقيه من قوله عليه السّلام: «خلفائي و حجّتي و ورثتي» (3) حتّى يدلّ على الاستنابة، بل لسانها كلسان أدلّة الأمر بالمعروف في بيان الحكم التكليفي لا الاستنابة.

و من هنا يعلم انحصار مقدار ولاية العدول و مواردها في كلّ معروف واجب الوجود عقلا أو شرعا من دون تعيين الموجد له بالخصوص.

و من هنا يعلم الفرق أيضا بين ولاية الفقيه و العدول، فإنّ ولاية العدول و إن ساوى ولاية الفقيه من حيث الوقوع في طول ما سبقه من سائر الولايات لا في عرضها، إلّا أنّه خالفه في الوقوع على وجه التكليف لا الاستنابة.

و أمّا المراد من عدول المؤمنين فهو و إن وقع في معقد الفتاوى بلفظ الجمع إلّا أنّ الظاهر من أدلّته بل صريح الأخبار المتقدّمة و تصريح الأصحاب هو إرادة جنس المفرد، لا أقل الجمع من الأفراد، و لا من جنس الأفراد، كما يوهمه ظاهر التعبير بعدول المؤمنين.

و أمّا المراد من العدل ففي كونه مجرّد الوثاقة أو عدالة الملكة الاجتناب عن الكبائر وجهان، من إطلاق الوثاقة في موثّقة (4) زرعة، و من تقييد العدل في


1- انظر الأحزاب: 6 و النساء: 59 و المائدة: 55.
2- تقدّم ذكر مصادرها في هامش (2) ص: 124.
3- الظاهر أنّها متصيّدة من عدّة روايات، انظر ما تقدّم في هامش (2) ص: 124.
4- الوسائل 13: 474 باب «88» في أحكام الوصايا ح 2.

ص: 161

صحيحة (1) إسماعيل بن سعد، و أصالة الأخذ بالمتيقّن، و حمل المطلق على المقيّد هو الاقتصار على ولاية العدل إلّا إذا تعذّر أو تعسّر فيجوز لغير العدل من الثقات تولية ما للعدل، كما يجوز لغير الثقات من سائر المسلمين تولية ما للثقات فيما تعذّر الثقات من الأمكنة و الأقطار، كما يجوز لغير المسلمين من أصناف الكفّار تولية ما للمسلمين فيما تعذّر المسلمين من الأمكنة.

قوله: «العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة، لعموم (2) أدلّة [فعل] ذلك المعروف .. إلخ».

[أقول:] فيه: احتمال أن يكون عموم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في مباشرة الأمر و النهي القولي لا الفعلي كالوعظ و النصيحة و التواصي بالحقّ و التهديد و التوعيد و الإنذار القولي، أو في مباشرة ما يتعذّر فيه العدل و العدالة، أو فيما يتعلّق بمال المباشر كالتصدّق بماله على اليتيم لا العكس ممّا هو خارج عن محلّ النزاع.

و أمّا مباشرة ما يتعلّق بمال اليتيم مع تمكّن العدل أو العدالة الّذي هو محلّ النزاع لا غير فقد عرفت تخصيصه بقوله في صحيحة (3) محمد بن إسماعيل: «إذا كان القيّم مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس».

قوله: «أنّها محمولة على صحيحة (4) علي بن رئاب».

فيه: لا وجه لحمل العدالة المعتبرة في مذهب المباشرة و غيرها على مطلق الأمانة، بل الوجه العكس.


1- الوسائل 12: 269 باب «16» من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.
2- الأنعام: 152، و الأسراء: 34، و الوسائل 11: 108 ب «59» من أبواب جهاد العدوّ ح 2.
3- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 159.
4- الوسائل 12: 269 باب «15» من أبواب عقد البيع ح 1.

ص: 162

قوله: «و لو شكّ في حدوث الفعل منه و أخبر به ففي قبوله إشكال .. إلخ».

[أقول:] وجه الإشكال: احتمال اختصاص مجرى أصالة الصحّة بفعل المسلم دون قوله.

و يدفعه: إمكان تصحيح قوله بعموم: «من ملك شيئا ملك الإقرار به».

قوله: «كما لو شكّ [المشتري] في بلوغ البائع. فتأمّل- إلى قوله- فتدبّر».

[أقول:] إشارة إلى ما فيه من أنّ فعل المسلم إن حمل على الصحّة الفاعليّة فقط المستندة إلى الأصل العملي كقوله: «احمل فعل أخيك على أحسنه» لم يسقط فعله عن الغير. و أمّا إن حمل على الصّحة الحامليّة المستندة إلى مثل قوله:

ما غلب عليه المسلمون فلا بأس من الأمارة الواقعيّة، كما يقتضيه قولك بسقوط فعله عن الغير، فيثبت به سائر لوازمه الواقعيّة، فلا فرق بين اللوازم.

قوله: «بنفس ذي المقدّمة. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى عدم الفرق في مزاحمة الوكلاء بين الوكالة المتعلّقة بنفس ذي المقدّمة أو بالأعمّ منه و من المقدّمة، بعد فرض أنّ الإذن في الشي ء إذن في لوازمه.

و أمّا قوله: «حكم الوكيل حكم الموكّل» فإنّما يقتضي عدم مزاحمة غير الوكيل للوكيل، لا عدم مزاحمة الوكيل، لمشاركة المساوي له في الوكالة بالفرض.

و أمّا قوله: «بلزوم اختلاف النظام» (1) ممنوع أيضا نقضا: بتعدّد الأنبياء و الأوصياء و العلماء و السفراء و الوكلاء في أمر واحد و عصر واحد و شريعة واحدة و امّة واحدة، كما بعث ألف نبيّ مع الكليم عليه السّلام منهم هارون و يوشع و شعيب و الخضر، و نصب إمامين كالحسنين مع اشتراكهم في الرئاسة و الولاية عن الثقلين.


1- في المكاسب: «إلى لزوم اختلال نظام».

ص: 163

و حلّا: بأنّ اعتبار العصمة و العدالة و رعاية الغبطة و المصلحة في تعدّد المتزاحمين في أمور الأيتام يوجب مزية الاستحكام و الانتظام لا اختلال النظام، فالمزاحمة بهذا الوصف معاونة على البرّ و التقوى، كما قال تعالى سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمٰا سُلْطٰاناً (1) و أَرْسَلْنٰا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمٰا فَعَزَّزْنٰا بِثٰالِثٍ (2).

نعم، إنّما يلزم اختلال النظام من مزاحمة المبطل مع المحقّ كمزاحمة خلفاء الجور و قضاة الجور مع خلفاء الحقّ و قضاة العدل، و هو الشائع الذائع في كلّ زمان و مكان، خصوصا في فتن آخر الزمان، و نزغ الشيطان بين الإخوان، و امتحان الكفر و الإيمان و الظلم و العدوان.

قوله: «القرب في الآية يحتمل معاني أربعة .. إلخ».

أقول: بل القرب في خصوص لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ (3) بقرينة سائر الآيات الواردة في تفسيرها و تفسير يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ- إلى قوله- وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ لَأَعْنَتَكُمْ (4) لا يحتمل إلّا معنى واحد، و هو الكناية مبلغة عمّا يعدّ تصرّفا فعليّا عرفا كالاقتراض و البيع، و الإجارة لا القرب الحقيقي مكانا، و لا الفعلي كالنظر و اللمس و الحركة، و لا الأعمّ منه و من الترك إلّا بتنقيح المناط، بخلاف لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ مٰا بَطَنَ (5) و لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ (6)، فإنّ المنهي في


1- القصص: 35.
2- يس: 14.
3- الأنعام: 152.
4- البقرة: 220.
5- الأنعام: 151.
6- الأسراء: 32.

ص: 164

لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ هو مطلق القرب حتّى الركون و المجاورة و المصاحبة و المجانسة و جميع أنحاء القرب، أخذا بأصل الحقيقة، و ظاهرها الخالي عن القرينة، بخلاف لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ، و الفارق النصّ و القرينة الصارفة عن مطلق التقلّب و التقرّب إلّا ما يقصد به التوصّل إلى التصرّف المنهيّ فإنّه منهيّ من باب المقدّمة لا مطلقا و بالأصالة، كما في لٰا تَقْرَبُوا الْفَوٰاحِشَ.

قوله: «المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرّفونه (1) .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّ التجوّز في منطوق المنفعة بحمله على عدم الضرر ليس بأولى من تقييد إطلاق مفهوم «إن كان فيه ضرر فلا» بصورة ما فيه منفعة دون ما ليس فيه منفعة و لا مضرّة، بل الأولى العكس، لأظهريّة المنطوق من المفهوم، و أولويّة التقييد من المجاز و إن كان تقييد مفهوم «إن كان فيه ضرر فلا» بصورة ما فيه منفعة ليس بأولى من العكس و هو تقييد مفهوم «إن كان فيه منفعة فلا بأس» بصورة ما فيه ضرر. مضافا إلى أنّ الأصل و الاحتياط و خصوص المستثنى و عموم المستثنى منه من قوله لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (2) اعتبار المصلحة و المنفعة، بل الأصلحيّة.

قوله: «فيه وجهان، نعم».

[أقول:] تصديق للوجه الأوّل، و هو اعتبار الأصلحيّة «لمثل ما قلنا» من الوجوه الثلاثة.

كما أنّ قوله: «لا» ردّ للوجه الأوّل، أي لا يعتبر الأصلحيّة «لأنّه (3) لا يتناهى».

فيه: أن ما يعتبر من الأصلحيّة يتناهى و ما لا يتناهى لا يعتبر.


1- في المكاسب: «ما يتصرّفون».
2- الأنعام: 152.
3- في المكاسب: «لأنّ ذلك».

ص: 165

[قابلية العاقد للتملك]
[مسألة يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا أن يكون مسلما]

قوله: «بل لأنّ الغرض من الأمر لا يحصل إلّا به. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الاحتمال يبطل الاستدلال، أو إلى أنّ الأمر ببيع المسلم قهرا على الكافر دليل منع بيعه منه ابتداء بالأولويّة القطعيّة، كما أنّ قوله تعالى طَهِّرْ بَيْتِيَ (1) و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (2) دليل حرمة إحداثها بالأولويّة القطعيّة. مضافا إلى أنّ جواز بيع المسلم للكافر ابتداء مع الأمر ببيعه عليه قهرا نقض للغرض، و يلزم من إحداثه إعدامه.

فإن قلت: عموم نفي سلطنة الكافر ينافي ما نرى من سلطنة الكافر على المؤمنين، بل على الأنبياء و المرسلين بالقتل و الحرق و أنواع الظلم.

قلت: عموم نفي سلطنته كعموم نفي العسر و الحرج و الضرر و الضرار و نفي سلطنة الشياطين بقوله تعالى وَ أَنَّ اللّٰهَ لَيْسَ بِظَلّٰامٍ لِلْعَبِيدِ (3) وَ مَا اللّٰهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعٰالَمِينَ (4) إِنَّ عِبٰادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطٰانٌ إِلّٰا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغٰاوِينَ (5) إِنَّمٰا سُلْطٰانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (6) لم يخصّص بشي ء من تلك الموارد الظلميّة و الجوريّة، إلّا على وجه التخصّص لا التخصيص، و الاستثناء المنقطع لا المتّصل.

لأنّ الظلم و الجور إمّا من نفس الظالم، كاستيلاء الجائر و السارق و الغاصب على مال المظلوم و حاله بجعل نفسه و سوء اختياره، لا يجعل اللّٰه و إجباره و إرادته، كما يتوهّمه الجبريّة، ضرورة أنّ الجور و السرق و الغصب لا يستند إلى


1- الحج: 26.
2- الوسائل 3: 504 باب «24» من أبواب أحكام المساجد ح 2.
3- آل عمران: 182، الأنفال: 51، الحج: 10.
4- آل عمران: 108.
5- الحجر: 42.
6- النحل: 100.

ص: 166

جعل اللّٰه، و لا يجعل السارق و الغاصب مالكا و لا المظلوم مملوكا.

و إمّا عن سوء اختيار المظلوم و المغصوب و تسبيبه لاستيلاء الظالم على نفسه و غيره بإعانته و استعباده و تولّاه، كما يستعبدون الأصنام، و يستحلّون الحرام، و يتولّون الأزلام، و يسلّطون الظلام على الإسلام و عموم الأنام، بجعلهم و سوء اختيارهم دون جعل اللّٰه و اختياره. و هذا القسم من الاستيلاء أيضا كسابقه إنّما يستند إلى فاعله المباشر أو السبب القاهر، دون مدخليّة الشارع فيه مباشرة، و لا تسبيبا، و لا جعلا بوجه من الوجوه تعالى اللّٰه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.

قوله: «و أمّا الآية فباب الخدشة فيها واسع .. إلخ».

أقول: محلّ هذه الآية في الآية المائة و الأربعون من سورة النساء، و هي السورة الرابعة من القرآن، و صدرها الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كٰانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّٰهِ قٰالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَ إِنْ كٰانَ لِلْكٰافِرِينَ نَصِيبٌ قٰالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، و ذيلها إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَ هُوَ خٰادِعُهُمْ الآية.

و أمّا دلالتها: فمن الواضح اللائح ظهورها بل نصوصها في الدلالة بنفسها على عموم نفي الشارع للكافر على المسلم سلطنة شرعيّة، لا خصوص نفي السلطنة العاديّة الحاصلة بمقتضى الأسباب العادية.

و بعبارة أخرى: المنفي شرعا هو استيلاؤه الشرعيّ لا القهريّ، و ذلك لأنّ المناسب بوظيفة الشارع هو بيان نفي السلطنة الشرعيّة لا خصوص نفي السلطنة العادية. كما أنّ مراعاة هذه المناسبة قرينة حمل قوله عليه السّلام: «الاثنان فما فوقهما جماعة» على الحكم الشرعي، و هو انعقاد الجماعة بهما، لا على الحكم اللغوي، و هو بيان صدق لفظ الجماعة عليهما، فهذه الآية نظير آية مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي

ص: 167

الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (1) في الدلالة و العموم و النصوص و السياق و الأسلوب و الإباء عن التخصيص بنفسها، لكون المنفيّ نكرة في سياق النفي. مضافا إلى انجبارها على تقدير الضعف بالشهرة، بل الإجماع المنقول، بل المحصّل من ملاحظة أنّ تجويز كلّ من يجوّز بعض التمليكات للكافر إنّما يستند إلى منع موضوع سلطنته به، لا إلى منع حكم نفي سلطنته، و هو كاشف عن إجماعهم على تسليم الحكم الكبرويّ، و هو عموم نفي السلطنة بعد تحقّق موضوعه و صغراه.

فتبيّن تماميّة دلالة الآية على عموم نفي استيلاء الكافر على المسلم شرعا من جميع الجهات بنفسها و بمعونة قرينة المناسبة و الانجبار بالشهرة و الإجماع بقسميه، و عدم بقاء المجال و المسرح للإيراد و المناقشة.

لأنّ الإيراد إن كان من جهة احتمال نفي الاستيلاء في الآخرة فهو و إن احتمله الماتن (2) قدّس سرّه و الصافي (3) من المفسّرين بقرينة ما قبلها بل و بموافقتها آية وَ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ (4)- نظرا إلى أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضا- إلّا أنّ عموم النفي بنفسه يدفع احتمال التخصيص بهذا المعنى، فضلا عن الانجبار بالشهرة و الإجماع المتقدّمين.

و إن كان من جهة احتمال إرادة نفي الاستيلاء القهري و العادي فهو و إن احتمله الماتن (5) أيضا- وفاقا لتفسير الجلالين (6) بنفي استيلاء الكفّار على استيصال المسلمين بقرينة ما قبل ما قبلها، بل و بموافقتها لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «دعوت اللّٰه


1- الحجّ: 78.
2- المكاسب: 158.
3- تفسير الصافي 1: 512.
4- البقرة: 212.
5- المكاسب: 159.
6- تفسير الجلالين: 132.

ص: 168

تعالى ليلة المعراج أن لا يسلّط على أمّتي من سوى أنفسهم ظالم» (1)- إلّا أنّ عموم النفي بنفسه مضافا إلى الشهرة و الإجماع يدفع احتمال التخصيص بهذا المعنى أيضا.

و إن كان من جهة تفسيرها في بعض الأخبار (2) بنفي الحجّة للكفّار على المؤمنين فهو و إن كان حقّا إلّا أنّه إمّا من البطون، أو فرد من أفراد ظهورها العامّ.

و كيف كان فلا موجب لتخصيصها به.

و بالجملة: فسياق صدر الآية في الخصوص لا يخصّص ظهور ذيلها في العموم، كما أنّ خصوص المعلوم لا يخصّص ظهور العلّة في العموم، و كذا خصوصيّة شأن النزول لا تخصّص عموم النازل، كما أنّ خصوص المورد لا يخصّص عموم الوارد، و كذا البطون لا تخصّص الظواهر، كما أنّ إرادة كلّ من معنيي المشترك لا يعارض المعنى الآخر في إرادة واحدة على سبيل عموم الاشتراك. و في إرادات عديدة على سبيل تعدّد الاستعمال.

و إن كان من جهة تعارض عموم الآية (3) لعموم «ما دلّ على صحّة البيع» (4) و لزوم «الوفاء بالعقود» و «حل أكل المال بالتجارة و التراضي» (5) و عموم «تسلّط الناس على أموالهم» (6) فهو و إن احتمله الماتن أيضا- مستبعدا الحكومة الآية عليها- إلّا أنّه يكفيه وضوح مماثلة الآية لقاعدة نفي الحرج و الضرر في السياق و الأسلوب و الحكومة على جميع العمومات، بحيث يعدّ التفكيك بينهما تحكّم


1- انظر سنن ابن ماجة 2: 1303 باب (9) ما يكون من الفتن ح 3951.
2- عيون أخبار الرضا عليه السّلام 2: 203 ح 5.
3- النساء: 141.
4- البقرة: 275.
5- النساء: 29، الوسائل 3: 474 باب «3» من أبواب مكان المصلّي ح 1.
6- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99.

ص: 169

بحت.

و إن كان من جهة ما قاله الماتن أيضا- من أنّ إباء سياق الآية عن التخصيص مع وجوب الالتزام به في طرف الاستدامة و في كثير من الفروع في الابتداء يقرب تفسير السبيل بما لا يشمل الملكيّة بأن يراد من السبيل السلطنة فيحكم بتحقّق الملك و عدم تحقّق السلطنة (1) إلخ- ففيه: المنع من الالتزام به في شي ء من الفروع في الابتداء، فضلا عن دعوى الالتزام به في كثير من الفروع في الابتداء.

لأنّه إن أراد من موارد الالتزام به في الابتداء مورد الاستدانة من الكافر فمن المعلوم عدم كون الاستدانة من الكافر تسليط له على المسلم باعترافه أيضا، بل إنّما هو تسليط له على نفس ماله، و تسليطه على المستدين تسليط خفي بالتبع للمال لا تسليط بالأصالة.

و إن أراد منه الالتزام به في مورد ما إذا كان العبد المسلم ملكا لكافر مات فورثه كافر آخر حيث يلتزم بدخوله ابتداء في ملك الوارث الكافر ففيه: المنع من دخوله في ملكه، و إنّما يدخل ثمنه في ملكه فيكون حقّ الكافر على العبد المسلم، نظير حقّ الرهانة متعلّق بثمن العين المرهونة لا بنفسها. و ليت شعري ما ذا أراد الماتن قدّس سرّه من الالتزام بالتخصيص في كثير من الفروع ابتداء.

و أمّا الالتزام بالتخصيص في طرف الاستدامة كما لو أسلم عبدا لكافر حيث يلتزم باستدامة ملكه للكافر و إن وجب على المسلمين شراؤه و دفع ثمنه إليه ففيه أوّلا: إمكان منع بقاء ملكه للكافر بعد الإسلام و اختصاص حقّ الكافر بثمنه كحقّ الرهانة لا بعينه، كما نقل الماتن (2)- فيما سيأتي (3)- تصريح الفخر في


1- المكاسب: 159.
2- المكاسب: 160.
3- في ص: 172.

ص: 170

الإيضاح بزوال ملك السيّد عنه و بقاء حقّ استيفاء الثمن له منه.

و ثانيا: بأنّ استدامة ملكه السابق للكافر تخصّص لا تخصيص في نفي جعل السلطنة له أمّا بناء على ظهور نفي الجعل في نفي الجعل الابتدائي لا الاستدامتي، لأنّ استدامة ما سبق إمضاء لما سبق لا جعل آخر، كما قيل به في لزوم ما يلتزم به الشخص من قبل نفسه من الأمور الشاقّة العسرة في ضمن العقود و الإيقاعات اللازمة. و أمّا بناء على أنّ نفي جعل السلطنة مختلف في كلّ شي ء بحسبه فنفيه في الابتداء هو نفي منشئه و هو تحقّق الملكيّة، و في الاستدامة هو نفي آثاره لا نفي أصله، جمعا بين الحقّين.

و ثالثا: سلّمنا، لكن الالتزام بتخصيص نفي الجعل في طرف الاستدامة فقط غير عزيز و إن بلغ في الإباء عن التخصيص ما بلغ، كالتزام غير واحد بتخصيص قاعدة نفي الحرج و قاعدة لا ضرر بأكثر من ذلك، مع إباء سياقها عن التخصيص أيضا.

و إن كان الإيراد من جهة ما ذكره الماتن (1) قدّس سرّه أيضا من «أنّ استصحاب الصحّة في بعض المقامات .. إلخ» ففيه أوّلا: المنع من عدم الفصل لشهرة الفصل، بل الإجماع باعترافه.

و ثانيا: بأنّ استصحاب الصحّة إنّما يقدم على أصالة الفساد في مورد اجتماعهما، لا في مورد عدمه، كما فيما نحن فيه، كما لا يخفى و ثالثا: بأنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و عموم نفي السلطنة أقوى دليل عليه.

قوله: «فتأمّل».

[أقول:] هنا إشارة إلى تلك الوجوه، و إن كان الإيراد على الآية من جهة احتمال أن يكون معنى الآية: لن يجعل اللّٰه لمجموع الكافرين على مجموع


1- المكاسب: 159.

ص: 171

المؤمنين سبيلا يدفعه ما ذكره في قواعد مجمع (1) البحرين من أنّ تقابل الجمع بالجمع ينحل مفاده إلى تقابل كلّ فرد بكلّ فرد، كما في يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (2).

فتلخّص ممّا ذكر: صحّة التمسّك بالآية (3) على عدم صحّة بيع العبد المسلم من الكافر، و عمومها ينفي سلطنة الكافر على المسلم من جميع طرق السلطنة و الاستيلاء الشرعي، و اندفاع جميع الإيرادات عنه.

ثمّ إنّ هذا كلّه في بيان الحكم الكبرويّ لنفي سلطنة الكافر على المسلم.

و أمّا تشخيص جزئيّات موضوع السلطنة المنفيّة فتفصيله أن يقال: أمّا تمليك العين فبجميع أنواعه من البيع و الصلح و الهبة و الوصيّة داخلة في التسليط و الاستيلاء. و أمّا تمليك المنافع فما ثبت منها في العين كان حكمه حكم تمليك العين، و ما ثبت منها في الذمّة كان حكمه حكم الدين، إلى آخر ما في المتن (4) من تفاصيل القسمين. و أمّا التمليك المستعقب بالانعتاق قهرا بحسب الواقع كتمليك من ينعتق على الكافر من الأقارب، أو بحسب الظاهر كتمليك من أقرّ الكافر بحرّيته قبل التملّك، أو التزاما بحسب اشتراط عتقه على الكافر بعد التملّك في ضمن العقد، فيبتني تشخيص اندراجه تحت السبيل و عدمه على تشخيص كون السبيل هل هو مجرّد الملك ليترتّب عليه عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرّية، أم الملك المستقرّ و لو بالقابليّة كمشروط العتق ليترتّب عليه استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق، أم المستقرّ فعلا ليترتّب عليه استثناء الجميع؟ وجوه


1- مجمع البحرين 6: 373.
2- النساء: 11.
3- النساء: 141.
4- المكاسب: 159.

ص: 172

ثلاثة، و «خير الأمور أوسطها» (1). و وجه ذلك: إمّا عدم صدق السبيل على غير الملك المستقرّ و لو بالقابليّة، و إمّا انصراف إطلاق السبيل على غير السبيل المستقرّ.

فإن قلت: الانصراف من خصائص الإطلاق و نفي السبيل فيما نحن فيه على وجه العموم لا الإطلاق.

قلت: الانصراف الخاصّ بالمطلقات إنّما هو الانصراف عن الأفراد النادرة، و أمّا الانصراف عن الأفراد الأندرة المعبّر عنها بمبين العدم فلا يختصّ بالمطلقات، بل يشترك فيه المطلقات و العمومات، و ما نحن فيه- أعني: الملك الغير المستقرّ لا بالفعل و لا بالقابليّة- من أندر أفراد السبيل و العلوّ، فلا يشمله العموم، كما لا يشمل عموم (2) حرمة حلق اللحى لحلق لحية المرأة لشدّة ندورها، و فيه نظر.

و أمّا التملّك القهري ابتداء ففي نفي ثبوته للكافر و عدمه وجهان، من أنّه سبيل فينفى بعموم النفي كما هو الأقوى المصرّح به الفخر في الإيضاح (3)، و من مخالفته لظاهر الفتوى الكاشف عن تخصيص عموم النفي أو تخصّصه بعدم صدق السبيل عليه، أو عدم انصرافه إليه. ثمّ و على تقدير عدم استيراث الكافر العبد المسلم ففي استيراثه الإمام تحكيما لعموم «نفي السبيل» على عموم «أدلّة الإرث» المقتضي نفي الوارث الّذي هو مورد إرث الإمام، أو استيراث الكافر حقّ استيفاء الثمن منه جمعا بين العمومين المتعارضين. وجهان، أوجههما الثاني. كما أنّه على تقدير استيراثه الكافر ففي ثبوت ولاية بيعه للحاكم مطلقا، أو في خصوص مورد امتناع الكافر من بيعه أيضا وجهان، من أنّ الولاية على بيعه


1- عوالي اللئالي 1: 296 ح 199.
2- الوسائل 1: 422 باب «67» من أبواب آداب الحمام.
3- إيضاح الفوائد 1: 414.

ص: 173

سبيل عليه فينفيه عموم النفي، و من انصراف إطلاق السبيل عن الولاية على البيع فلا ينفيه.

قوله: «إجارة الحرّ تمليك الانتفاع لا المنفعة. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الفرق و إن ظهر في قابليّة المنفعة للنقل و الانتقال و التضمين و الضمان كمنفعة استخدام الجارية و الاستمتاع منها، بخلاف الاستنفاع فإنّه لا يقبل النقل و الانتقال و التضمين و الضمان كالاستنفاع من العارية و الاستمتاع من الزوجة. إلّا أنّ هذا الفرق بين استئجار منفعة الحرّ و العبد غير مسلّم، و لو سلّم فهو غير فارق في صدق السبيل المنفي عموما، كما يدلّ عليه بينونة الزوجة بارتداد الزوج (1)، و النهي عن تزويج المؤمنة بالمخالف (2)، و عن متعة العلويّات، و كراهة الاقتراض بالأصالة (3)، و أن يؤجر نفسه (4).

قوله: «لم يعتبر الملكيّة إلّا مقدّمة للانعتاق».

أقول: بل لم يعتبر إلّا للتحفّظ على أصالة عموم «لا عتق إلّا في ملك» (5) أو أصالة كون البيع الحقيقي و المعاوضة الحقيقيّة أن يدخل كلّ من العوضين في ملك من خرج منه المعوّض، و من المعلوم حكومة عموم نفي السبيل على الأصل.

قوله: «إلّا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى عدم إمكان المنع من اعتبار العلم الإجمالي، إلّا أنّ يمنع العلم أمّا على تقدير صدقه: فلمنع فساد البيع بدخول المعوّض في ملك غير من خرج منه العوض. و أمّا على تقدير كذبه: فلأنّ عموم نفي سبيله عنه إنّما يقتضي


1- الوسائل 15: 399 ب «30» من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه.
2- الوسائل 14: 423 ب (10) من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه.
3- الوسائل 13: 76 ب «1» من أبواب الدين و القرض.
4- الوسائل 13: 243 ب «2» من أبواب أحكام الإجارة.
5- الوسائل 16: 6 ب «5» من أبواب العتق.

ص: 174

انعتاقه بدون تملّك، و لا دليل على فساده سوى عموم «لا عتق إلّا في ملك» المحكوم بعموم (1) نفي السبيل.

قوله: «يرجع إلى أصالة الملك و عدم زواله بالفسخ [و الرجوع]. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى تأمّله إلى حجّية الاستصحاب في الشكّ في المقتضى دون الرافع على ما هو عليه في الأصول دون الفقه، و قد رفعناه في محلّه.

قوله: «و لذا حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق على المشتري.

فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى الفرق بين ما نحن فيه و بين مانعيّة التلف و الانعتاق من الخيار و إسقاطه، إلّا أنّه غير فارق.

ثمّ و على تقدير ثبوت ولاية البيع للكافر ففي ثبوت الخيارات بعد البيع مطلقا له و عليه و عدمه مطلقا كذلك، أو التفصيل بين الخيار عليه فيثبت و له فلا، أو التفصيل بين الخيارات الناشئة عن الضرر المنفيّ في الشريعة كالغبن و العيب فتثبت و غيرها كخيار المجلس فلا، أو التفصيل بين كون الزائل العائد كالّذي لم يزل أو كالّذي لم يعد، وجوه:

الوجه الأوّل: عموم (2) أدلّة الخيار و كون الخيار من مقتضى العقد فلا يخرج العقد عن مقتضاه. و يضعّف بمعارضة عمومها بعموم (3) نفي السبيل.

الوجه الثاني: تحكيم عموم نفي السبيل على عموم أدلّة الخيار. و يشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر من جهة قوّة أدلّة نفي الضرر.

الوجه الثالث: قضاء أدلّة نفي الضرر ثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع على الكافر، بخلاف ما لو تضرّر الكافر فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره


1- النساء: 141.
2- الوسائل 12: 345 باب «1» من أبواب الخيار.
3- النساء: 141.

ص: 175

الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم. و يضعّف بعموم (1) أدلّة نفي الضرر الشامل لنفي قسمي الضرر و لو حصل من قبل نفس المكلّف و سوء اختياره.

الوجه الرابع: تحكيم عموم أدلّة نفي الضرر على عموم نفي السبيل.

و يضعّف بأنّ تحكيم عموم نفي الضرر على عموم نفي السبيل ليس بأولى من العكس، بل الأولى الجمع بين العمومين بإثبات الخيار و الحكم بالقيمة، فإنّه مقتضى الجمع بين نفي الضرر و نفي السبيل، و هو الأقرب إلى القواعد.

و بالجملة: فمقتضى قواعد الجمع بين الأدلّة و العمومات المتعارضة ليس ثبوت الخيارات للكافر في بيعه العبد المسلم مطلقا، و لا عدم ثبوتها له مطلقا، بل هو ثبوت الخيارات الضرريّة له و عليه دون الخيارات التعبّدية، لكن لا على وجه يوجب الخيار رجوع عين العبد المسلم إلى الكافر حتّى ينافيه عموم نفي السبيل، بل على وجه يرجع قيمته إليه، جمعا بين عمومي نفي السبيل و الضرر. هذا كلّه فيما يقتضيه القواعد و الأصول حسب ما هو مسلك الأساطين و الفحول، دون المتعسّفين في المناقشة و الفضول.

[مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر]

قوله: «و ما ذكره (2) حسن و إن كان وجهه لا يخلو من (3) تأمّل».

أقول: فيه أوّلا: أنّ حسن المدّعى بعد فرض قصور دليله غير واقع أو غير نافع إلّا عند أصحاب الرأي و الاستحسان.

و ثانيا: أنّ أقصى وجه التأمّل في الاستدلال على عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر، إمّا بفحوى المنع من بيع العبد المسلم على الكافر فهو ملابسته القياس، أو ما هو في حكمه من الأولويّة الظنّية. و إمّا بوجوب احترام المصحف فهو أعميّة الدليل من المدّعى.


1- الوسائل 17: 340 باب (12) من أبواب إحياء الموات.
2- في المكاسب: «و ما ذكروه».
3- في المكاسب: «عن».

ص: 176

بتقريب: أنّ وجوب احترام المصحف و تعظيم شعائر اللّٰه عبارة عن حرمة ترك التعظيم و الاحترام و هو أعمّ من فساد البيع الملازم لخلاف التعظيم و الاحترام إمّا من جهة عدم دلالة النهي في المعاملات على الفساد مطلقا، و إمّا من جهة أنّه إن دلّ بقرينة الاستقراء فإنّما هو فيما لو لم يتعلّق النهي بالأمر الخارج عن المعاملة، و أمّا المتعلّق به فلا يدلّ عليه بالاستقراء في النواهي الشرعيّة، كما لا يدلّ عليه وضعا و لا عرفا، و كلا وجهي التأمّل غير وجيهين.

أمّا عدم وجاهة الأوّل: فلأنّ المراد من فحوى المنع من بيع العبد المسلم على الكافر ليس مجرّد المقايسة و لا الأولويّة الظنّية، بل المراد إنّما هو الأولويّة القطعيّة، لتنقيح كون المناط القطعي في منع بيع العبد المسلم على الكافر ليس إلّا علوّ الإسلام و دنوّ الكفر، و هو الوجه في إباء آية (1) نفي السبيل في التخصيص، كما قيل، و بعد تنقيح هذا المناط القطعي في منع بيع العبد المسلم من الكافر، بل و تنصيصه بقوله: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (2)، فلا مجال للتأمّل في دلالة فحواه على منع نقل المصحف إليه بالأولويّة القطعيّة، لا بمجرّد المقايسة، و لا الأولويّة الظنيّة، كما يتوهّم.

و أمّا عدم وجاهة الوجه الثاني للتأمّل: فلما فيه من أنّ أعميّة دلالة النهي في المعاملات على الفساد المدّعي- خصوصا إذا تعلّق بالخارج عن المعاملة، كما فيما نحن فيه- مجبورة بالشهرة الفتوائية، بل الدلالتيّة الكاشفة عن استناد فهمهم ذلك من الدليل إلى القرينة.

[القول في شروط العوضين]

[يشترط في كلّ منهما أن يكون متموّلا بعد أن يكونا مملوكين]

قال: «يشترط في كلّ من العوضين (3) كونه متموّلا .. إلخ».

أقول: قبل الدليل على اشتراط الملك و المال في العوضين ينبغي أوّلا:


1- النساء: 141.
2- الوسائل 17: 376 باب «1» من أبواب موانع الإرث ح 11.
3- في المكاسب: «منهما» بدل «من العوضين».

ص: 177

تشخيص معنى المال و الملك و بيان الفرق بينهما.

و ثانيا: تحرير محلّ النزاع في اشتراطهما.

و ثالثا: تأسيس الأصل في اشتراطهما.

فنقول: أمّا الملك فعبارة عن الربط و العقلة و الاختصاص العامّ التامّ الحاصل بين الشخص و شي ء من الأشياء بالحيازة أو بغيرها و لو بالغصب و النهب لو لا حكم الشارع عن عدم حصوله به، و هو أعني: الملك من الأمور الخارجيّة كالنار و الشمس و نحوهما لا من الأحكام الوضعيّة كملكيّة الملك المتنازع في كونها مجعولة بجعل مستقلّ، أو منجعلة بجعل الأحكام التكليفيّة، كانجعال الزوجية بجعل الأربعة لا بجعل آخر، و هو الأصحّ، للغويّة جعلها بجعل آخر وراء جعل الأحكام التكليفيّة، إلّا إذا أريد من جعلها هو مجرّد النقل و الكشف عن وجودها الخارجي فيعود النزاع لفظيّا، كما احتمله شيخنا العلّامة.

و كيف كان فقد تبيّن أنّ معنى الملك عرفا الربط و علقة الاختصاص العامّ التامّ الحاصل بين الشخص و شي ء بالحيازة و نحوها مطلقا، سواء كان متموّلا أم لا، و المتموّل سواء كان متموّلا شرعا كالأطعمة أو عرفا كالخمر و الخنزير و سائر النجاسات، و الغير المتموّل سواء استند عدم تموّله إلى خسّته كالحشرات و الفضلات، أم إلى قلّته كحبّة حنطة، بخلاف المال فإنّه أخصّ من الملك، لاختصاصه عرفا بما يتموّل في السوق و لو بالانضمام كحبّة الحنطة، فإنّ في إزائها قسط من ثمن الكلّ لو توزّع الثمن على كلّ الحبّات، غايته تعسّر العلم بمقدار ذلك القسط الّذي بإزاء تلك الحبّة من ثمن الكلّ، كما لا يخفى.

و أمّا محلّ النزاع في اشتراط الملك و المال فإنّما هو في خصوص النقل بالبيع، و أمّا النقل بسائر النواقل كالصلح و الهبة فلا يشترط فيها تموّل المنقول و إن اشترط التملّك، و على ذلك فلا نزاع في صحّة انتقال ما لا يتموّل عرفا

ص: 178

كالخنافس، أو شرعا كالخمر و الخنزير و سائر النجاسات بصلح أو هبة أو قرض و إن نوزع في صحّة انتقالها بالبيع، بل الظاهر اختصاص النزاع في اشتراط تموّل العوضين بخصوص لزوم الانتقال بالبيع دون صحّة أصل البيع، فيصحّ البيع على الغير المتموّل إذا اجتمع سائر شروط الصحّة من الرضا و فقد الموانع من البيع السفهي، كما إذا اشترى الخمر أو غيره ممّا لا يتموّل عرفا أو شرعا، لأجل مصلحة عقلائيّة مخرجة للمعاملة عن المعاملة السفهيّة، فتصحّ تلك المعاملة بالبيع، لعموم تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1) و إن لم يلزم، و كذلك ضمان ما يضمن بغصب أو غيره لا يختصّ بالمتموّل عرفا، بل يعمّ المتموّل و المتملّك، و لهذا يحرم غصب الملك و إن لم يتموّل كالفضلة و حبّة الحنطة، غايته وجوب ردّ المثل على ضامنه، كما صرّح به كلّ من تأخّر عن العلّامة رادّا عليه.

و أمّا تأسيس الأصل فتفصيله أن يقال: أمّا الأصل العملي فهو مع اشتراط كلّ ما يشكّ في اشتراطه في المعاملة، لأصالة الفساد في المعاملات، و استصحاب عدم النقل و الانتقال. و أمّا الأصل اللفظي و هو عموم تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (3) فمع عدم اشتراط تموّل كلّ من العوضين في البيع، لأصالة عدم التقييد و التخصيص. إلّا أن يقال: إنّ البيع لغة (4) مبادلة مال بمال، فلا يصدق على مبادلة غير المال، كما استدلّوا به على اشتراط التموّل، بل لو سلّمنا صدق البيع على ما لا يتموّل من العوضين فلا إشكال في أنّه من أندر أفراد البيع المنصرف عنه العموم و الإطلاق بالاتّفاق، فيعود المرجع فيه إلى أصالة الفساد، و استصحاب عدم النقل و الانتقال.


1- النساء: 29.
2- المائدة: 1.
3- البقرة: 275.
4- المصباح المنير 1: 69.

ص: 179

و أمّا دليلهم على اشتراط تموّل العوضين في البيع فهو تحديد البيع لغة، كما عن المصباح (1)، و عرفا، كما استقرّ عليه اصطلاح الفقهاء بمبادلة مال بمال، فلا يصدق على مبادلة غير المال، كما صرّحوا به.

أقول: تحديد البيع بذلك و إن لم يكن اتّفاقيا- بل عرّفه بعضهم بمبادلة عين بعوض و إن احتمل أن يراد من العين ما يقابل المنفعة لا الأعمّ من المال، بل و على تقدير كونه اتّفاقيا كما استظهره شيخنا العلّامة وفاقا للمتن (2) يحتمل كونه تعريفا بالأعمّ لأغلب أفراد البيع، نظرا إلى أنّ أغلب أفراد البيع هو تموّل العوضين بحيث يعدّ بيع غير المتموّل من أندر أفراد البيع المنصرف عنه إطلاق البيع أو من أفراد بيع السفهي غالبا المخرج عن حكم البيع- إلّا أنّه لا أقل من إفادة ظاهر تحديدهم المذكور لغة، و استقرار اصطلاح الفقهاء عليه الظنّ باعتبار تموّل العوضين في معنى البيع و صدقه، و هو كاف في إثبات ما يكون من الموضوعات المستنبطة اتّفاقا، و لو لم يكف في إثبات مثله فلا أقل من كفايته في وهن عمومات صحّة البيع و وهن نهوضها إلى صحّة بيع غير المتموّل، بل و لو لم يكف ذلك الظنّ في وهن نهوض عمومات صحّة البيع إلى الغير المتموّل، كما هو لازم القائلين باعتبار ظواهر الألفاظ من باب الظنّ النوعي أو التعبّد المطلقين، فلا أقل من انصراف العمومات عنه بواسطة شدّة ندوره.

و أمّا ما قاله الماتن بقوله: «و الأولى أن يقال .. إلخ» (3) ففيه أوّلا: أنّ استدلاله على عدم جواز وقوع غير المال أحد العوضين بقوله: «لا بيع إلّا في ملك» (4) استدلال على المدّعي بالأعمّ منه باعترافه أيضا قبل ذلك، إلّا أن يوجّه


1- المصباح المنير 1: 69.
2- المكاسب: 79.
3- المكاسب: 161.
4- عوالي اللئالي 2: 247 ح 16.

ص: 180

بأنّ عدم الخلاف في المسألة جابر لعموم دليله، و لكنّه توجيه بما لا يرضى به صاحبه، لعدم بناء الماتن قدّس سرّه في أصوله على الجبر بمطلق الظنّ.

و ثانيا: أنّ تفصيله الّذي أشار إليه بقوله: «و ما لم يتحقّق فيه ذلك .. إلخ» (1) تفصيل في غير محلّه، لأنّ القرار و المدار في كلّ مسألة البحث عنه من حيث هو، مع الإغماض عن سائر الأمور الخارجة المعتبرة وجودا أو عدما، كما لا يخفى على من له خبرة.

قوله: «و يمكن حملها على بيان الاستحقاق .. إلخ».

أقول: لا يخفى أنّ نصوص (2) وجوب خصوص الطسق و الخراج في الأراضي للإمام مخصّصة لعمومات «ما كان لنا فهو لشيعتنا» (3)، فتخصيص هذه النصوص المخصّصة لتلك العمومات بخصوص زمان حضور الإمام أو مطالبة الخراج بتخصيص بلا مخصّص و بغير محلّ الابتلاء و زمان عموم البلوى، بل المنصوص (4) تخصيص الإباحة للشيعة بخصوص الأطيبين من الشيعة أو المخاطبين بالتحليل و الإباحة، أو بخصوص ما استثنى من عمومات الخمس من المساكن لتصحيح صلاتهم و المتاجر لتزكية أموالهم و المناكح لتطيب ولادتهم.

قوله: «و إلّا فالظاهر عدم الخلاف .. إلخ».

[أقول:] فيه: ما عرفت من الخلاف من التابعين لنا عن خلف، حتّى من الأصحاب المؤيّد بفهم ثقاتهم.


1- المكاسب: 161.
2- الوسائل 6: 382 و 383 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 12 و 13 و ج 17: 329 ب «3» من أبواب إحياء الموات ح 2.
3- الوسائل 6: 384 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 17.
4- الوسائل 6: 379 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام.

ص: 181

قال: «الثاني: ما كانت عامرة بالأصالة أي لا من معمر، و الظاهر أيضا أنّه للإمام عليه السّلام .. إلخ».

أقول: بل الظاهر من الأخبار المستفيضة بل المتواترة المسطورة في الوسائل (1) و الجواهر (2) و البحار (3) تعميم الأنفال لجميع الأراضي و ما فيها من المغابر و المعاصر و المعادن و الكنوز و العيون و الأشجار و الأنهار و الإصحار و البراري و البحار كلّها من أنفال اللّٰه تعالى، الّتي أعطاها لآدم عليه السّلام لمّا جعله خليفة الأرض، و أورثها المصطفين من خلفاء ذرّيّته، و أنّها مغصوبة في أيدي الجائرين و الكفّار، محرّمة على من عدا شيعتهم، كما يدلّ عليه من الكتاب تفسير قوله تعالى إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ (4)، و كما يومئ إليه تسمية ما جعل اللّٰه لهم من الأنفال فيئا في قوله تعالى مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ (5)، إذ الفي ء بمعنى الرجوع، أي أنّه كان في أيدي الكفّار مغصوبا ثمّ أرجعه اللّٰه إليهم.

و من الأخبار: خبر ابن الريّان: كتبت إلى العسكري عليه السّلام: «جعلت فداك، روي لنا أن ليس لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله من الدنيا إلّا الخمس، فجاء الجواب: أنّ الدنيا و ما عليها لرسول اللّٰه» (6)، و مرسل محمد بن عبد اللّٰه المضمر: «الدنيا و ما فيها للّٰه و لرسوله و لنا» (7) الحديث.

و في آخر في أخبار الوسائل: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقلت له: «إنّي


1- انظر الوسائل 6: 364 باب «1» من أبواب الأنفال.
2- جواهر الكلام 16: 116- 121.
3- انظر البحار 96: 204 ب «25».
4- الأعراف: 128، انظر تفسير البرهان 2: 570- 571.
5- الحشر: 7.
6- الكافي 1: 409 ح 6.
7- الكافي 1: 408 ح 2.

ص: 182

وليت البحرين فأصبت بها مالا كثيرا، و اشتريت متاعا، و اشتريت رقيقا، و اشتريت أمّهات أولاد ولدي، و أنفقت، و هذا خمس ذلك المال، و هؤلاء أمّهات أولادي و نسائي قد أتيتك به، فقال عليه السّلام: أما إنّه كلّه لنا و قد قبلت ما جئت به، و قد حللتك من أمّهات أولادك و نسائك و ما أنفقت، و ضمنت لك عليّ و على أبي الجنّة» (1). و رواه المفيد في المقنعة (2): عن ابن أبي عمير.

و في خبر آخر فيه عن الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّٰه: خلق اللّٰه تعالى آدم و أقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم فلرسول اللّٰه، و ما كان لرسول اللّٰه فهو للأئمّة من آل محمد» (3).

و المعتبرة كالصحيح عن عمر بن يزيد قال: «رأيت أبا يسار مسمع بن عبد الملك بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّٰه مالا في تلك السنة فقلت له:

و لم ردّ عليك أبو عبد اللّٰه عليه السّلام المال الّذي حملته إليه؟ فقال: إنّي قد قلت له حين حملت المال إليه: إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة درهم و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم و كرهت أن أحبسها عنك و أعرض لها و هي حقّك الّذي جعله اللّٰه لك في أموالنا. فقال: و ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّٰه منها إلّا الخمس.

يا أبا يسار، إن الأرض كلّها لنا، فما أخرج اللّٰه من شي ء فهو لنا، فقلت له:

و أنا أحمل إليك المال كلّه. فقال: يا أبا يسار، قد طيّبناه لك و أحللناك منه، فضم إليك مالك، و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم حتّى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم، و أمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا، فيأخذ


1- الوسائل 6: 368 باب «1» من أبواب الأنفال ح 13.
2- المقنعة: 281.
3- الكافي 1: 409 ح 7.

ص: 183

الأرض من أيديهم و يخرجهم عنها صغرة.

قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو يسار: ما أرى أحدا من أصحاب الضياع و لا ممّن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلّا من طيّبوا له» (1).

و خبر آخر: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام: ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم، ثمّ قال:

إنّ اللّٰه تعالى بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض، منها: سيحان و جيحان و هو نهر بلخ، و الخشوع و هو نهر الشاش، و مهران و هو نهر الهند، و نيل مصر، و دجلة، و فرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شي ء إلّا ما غصب عليه، و إنّ وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه و ذه يعني بين السماء و الأرض- ثمّ تلا هذه الآية قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا- المغصوبين عليها- خٰالِصَةً يَوْمَ الْقِيٰامَةِ (2) بلا غصب» (3).

و قوله عليه السّلام: «نحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» (4).

و المرويّ عن العسكري عليه السّلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام «أنّه قال لرسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: قد علمت يا رسول اللّٰه أنّه سيكون بعدك ملك غضوض و جبر فيستولى على خمسي من السبي و الغنائم، و يبيعونه و لا يحلّ لمشتريه، لأنّ نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام.


1- الكافي 1: 408 ح 3.
2- الأعراف: 32.
3- الوسائل 6: 384 باب «4» من أبواب الأنفال ح 17.
4- الوسائل 6: 385 باب «4» من أبواب الأنفال ح 19.

ص: 184

فقال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في فعلك أحلّ للشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا أحلّها أنا و أنت لغيرهم» (1).

و قوله عليه السّلام: «يا أبا محمد، أما علمت أنّ الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، و يدفعها إلى من يشاء؟ جائز له ذلك من اللّٰه» (2).

إلى غير ذلك من تضافر الأخبار المؤيّدة بالتدبّر و الاعتبار بأنّ الدنيا بأسرها لهم و من أنفالهم، لا خصوص الموات و الآجام و ما لا ربّ له من العمار، كما زعمه علّامة مشايخنا الأعلام، وفاقا لأكثر مشايخه العظام.

و من جملة المؤيّدات لعموم أخبار تعميم الأنفال فهم جملة من أجلّاء خواصّ المشافهين بها العموم منها مثل: أبي يسار المتقدّم حيث قال بعد ذكر الحديث المتقدّم: «ما أرى أحدا من أصحاب الضياع و لا من يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلّا من طيّبوا له» (3) و مثل ابن أبي عمير على ما حكى عنه في الجواهر من أنّه «لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا، و كان لا يغب إتيانه ثمّ انقطع عنه و خالفه، و كان سبب ذلك أنّ أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه و بين ابن أبي عمير ملاحاة في شي ء من الإمامة. قال ابن أبي عمير: إنّ الدنيا كلّها للإمام على جهة الملك، فإنّه أولى بها من الّذين هم بأيديهم. و قال أبو مالك: أملاك الناس لهم إلّا ما حكم اللّٰه به للإمام من الفي ء و الخمس و المغنم، و ذلك له. و ذلك أيضا قد بيّن [اللّٰه] للإمام أين يضعه و كيف يصنع به، فتراضيا بهشام بن الحكم و صارا إليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير، فغضب ابن أبي


1- الوسائل 6: 385 ب (4) من أبواب الأنفال ح 20.
2- الكافي 1: 408 ح 4.
3- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 183.

ص: 185

عمير و هجر هشاما بعد ذلك» (1).

لا يقال: إنّ فهم أبي يسار و ابن أبي عمير معارض بفهم هشام و أبي مالك.

لأنّا نقول: فهم المثبت مقدّم على فهم النافي لأغلبيّة الخطأ في النفي على الخطأ في الإثبات.

و من جملة المؤيّدات لتعميم الأنفال أيضا ما ورد من الأخبار (2) المفتي به الأصحاب من أنّ غنائم دار الحرب كلّها للإمام إذا اغتنمت بغير إذنه، إلّا إذا اغتنمت بإذنه فيختصّ به خمسها، نظرا إلى أنّ استحقاق المأذون الزيادة كأنّه من قبيل حقّ الجعالة في إزاء عمله المأذون فيه.

و من جملة المؤيّدات أيضا لتعميم الأنفال خبر زرارة المفتي به قال:

«الإمام يجزي و ينفل و يعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا و إن شاء قسّم ذلك بينهم» (3). و قوله عليه السّلام في الوسائل: «و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها؛ الجارية الفارهة، و الدابّة الفارهة، و الثوب، و المتاع، ممّا يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس، و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلّفة قلوبهم، و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله و قسّم الباقي على من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي ء فلا شي ء لهم» (4) الحديث. إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على أنّ


1- جواهر الكلام 16: 4.
2- الوسائل 6: 365 و 369 ب «1» من أبواب الأنفال ح 3 و 16.
3- الوسائل 6: 365 باب «1» من أبواب الأنفال ح 2.
4- الوسائل 6: 365 باب «1» من أبواب الأنفال ح 4.

ص: 186

للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما شاء قبل القسمة. و نقل في الذخيرة (1) عن المنتهى (2) نسبته إلى علمائنا أجمع.

و من جملة المؤيّدات أيضا لتعميم الأنفال مخالفة إخباره لمذاق العامّة جدّا، و موافقة أخبار التخصيص لمذاقهم في الجملة.

و من جملة مؤيّدات تعميم الأنفال أيضا مخالفة إخباره للأصل بناء على تقديم الناقل على المقرّر.

و من جملة مؤيّدات تعميم الأنفال بالجملة تعميم الفتوى به في الجملة عن المفيد (3) و الكليني (4) و الشيخ (5) و الديلمي (6) و القاضي (7) و القميّ (8) في تفسيره و الذخيرة (9) و الكشف (10) حيث عمّموا الأنفال للمعادن. و عن المفيد (11) و الكليني (12) على ما في الذخيرة (13) تعميم الأنفال إلى البحار أيضا.

لا يقال: تعميم معمّم الأنفال للمعادن و البحار مستند إلى خصوص أخبار عدّ المعادن و البحار من الأنفال بالخصوص، لا أنّه مستند إلى عموم أخبار (14) أنّ الأرض كلّها لنا حتّى يكون مؤيّدا للعموم.


1- ذخيرة المعاد: 489، س 38.
2- المنتهى 1: 553.
3- المقنعة: 278.
4- الكافي 1: 538.
5- المبسوط 1: 263- 364.
6- المراسم: 140.
7- المهذب 1: 186.
8- تفسير القمي 1: 254.
9- ذخيرة المعاد: 489.
10- كشف الغطاء: 364.
11- المقنعة: 278.
12- الكافي 1: 538.
13- ذخيرة المعاد: 490.
14- الكافي 1: 407.

ص: 187

لأنّا نقول: تعميم الفتوى في الجملة كاف في تأييد الفتوى بالجملة و إن اختلف المستند، كما أنّ أخبار التعميم في الجملة كاف في تأييد أخبار التعميم بالجملة و إن اختلفا من حيث العمل و الفتوى.

و بالجملة: فالمقصود من ذلك كلّه بيان أنّ ما استقر به شيخنا العلّامة وفاقا للجواهر و غيره من إبطان ظاهر أخبار تعميم الأنفال و إظهار باطنها بتخريج ظاهرها عن إثبات السلطنة المالكيّة للإمام على أملاك الدنيا بالجملة إلى إثبات سلطنة الرئاسة له على الملّاك نظير قول القائل: «إنّ المملكة الفلانيّة ملك للسلطان الفلاني» مريدا به سلطنة الرئاسة لا السلطنة المالكيّة، أو إلى إثبات العلّة الغائيّة لهم في خلق الأملاك، بل الأفلاك خلاف ظاهر تلك الآيات و الأخبار المتضافرة المؤيّد بالتدبّر و الاعتبار من غير موهن و لا موهم.

لأنّ الموهن لوهن ظهورها في تعميم الأنفال إن كان من جهة اختصاص تفسير الأنفال في أكثر الأخبار (1) بخصوص الموات و الآجام و بطون الأودية و رءوس الجبال و البادي و المنجلي عنها أهلها دون مطلق الأرض و ما فيها ففيه نقضا: باقتصار بعض الأخبار (2) المفسّرة للأنفال على ذكر الأرض البادي أو المنجلي عنها أهلها فقط، و اقتصار بعضها (3) الآخر على ذكر الموات فقط، و بعضها (4) الآخر على ذكر الموت و صفايا و بطون الأودية و رءوس الجبال و ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فقط، و بعضها (5) الآخر على إلحاق المعادن بها.


1- الوسائل 6: 364 باب «1» من أبواب الأنفال.
2- الوسائل 6: 365 و 372 ب «1» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 4 و 25.
3- الوسائل 6: 372 ب «1» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 24 و 26 و 29.
4- الوسائل 6: 365 و 371 ب «1» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 4 و 22.
5- الوسائل 6: 371 و 372 ب «1» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 20 و 28 و 32.

ص: 188

و حلّا: بأنّ إثبات شي ء لا يقتضي نفي ما عداه، لعدم اعتبار المفهوم للألقاب، فكما أنّ اقتصار تفسير الأنفال في بعض هذه الأخبار لا ينافي تعميمها في بعض الأخبار الأخر في الجملة، حملا له على التمثيل، كذلك لا ينافي تعميمها في بعضها الآخر بالجملة، حملا له على التمثيل.

هذا، مع أنّ اقتصار أكثر أخبار تفسير الأنفال على الخصوصيّات لعلّه من جهة مراعاة نوع من التقيّة، أو من جهة قلّة الجدوى في تعميم الأنفال لما هو مغصوب في يد أهل الجور و الضلال، أو لما هو مباح لشيعتهم على كلّ حال.

و إن كان الموهم لوهن عمومها توهّم إعراض الأصحاب عن عموماتها و استقرار فتواهم على أنّ المياه و العيون و المعادن و نحوها من المباحات بالأصالة الّتي ليست ملكا لأحد سوى اللّٰه؛ لقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «الناس شركاء في ثلاث: النار و الماء و الكلاء» (1) ففيه أوّلا: منع أصل تحقّق الإعراض، بعد ما عرفت من نقل العمل بعمومها عن مثل ابن أبي عمير و غيره من خواصّ أجلّاء الصحابة و التابعين كالمفيد و الكليني، و تابعي التابعين كبعض الأعلام من مشايخنا و بعض الأفاضل من معاصرينا.

و ثانيا: لو سلّمنا أصل تحقّق الإعراض، إلّا أنّه لا نسلّم وهن العمومات بمثل هذا الإعراض، لكن لا من جهة عدم اعتبار الظنّ الفعليّ في اعتبار الظواهر، بل من جهة ما عرفت من اعتضاد تلك العمومات بالمؤيّدات المانعة من وهنها بمجرّد الإعراض، خصوصا مع احتمال استناد ذلك الإعراض إلى نوع من التقيّة أو قلّة الجدوى في عمومها.

و إن كان الموهم لوهن العموم أصالة عدم اختصاص الإمام عليه السّلام بما عدا المتيقّن من الأنفال اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقّن فيندفع بعدم مقاومة


1- الوسائل 17: 331 باب (5) من أبواب إحياء الموات ح 1.

ص: 189

الأصل لنصوص الباب.

و إن كان الموهم لوهنها توهّم منافاة الأخبار الدالّة على وجوب الخمس في المعادن و الكنوز و الغنائم لكونها بأسرها من الأنفال إذ لا معنى لوجوب الخمس في مال الإمام عليه السّلام على الغير.

فنقول في دفعه: إن كان المنافي لكون المعادن و الغنائم بأسرها من الأنفال هو استحقاق الإمام الخمس منها لا الكلّ فيدفعه: منع استحقاق الحائز الزائد على الخمس بمجرّد الحيازة و بالأصالة، بل إنّما يستحقّه بالتبع لإذن الإمام في حيازته، فكأنّ استحقاق الحائز الزائد على الخمس في إزاء عمله من باب حقّ الجعالة لا من باب الأصالة، نظير استحقاق الملتقط من اللقيط المملوك للغير ما ينفقه عليه بنيّة الرجوع. كما يرشد إلى ذلك جواب الذخيرة عن ذلك الإشكال بقوله: و معنى كون الإمام مالكا لمجموع المعادن أنّ له التصرّف في المجموع بالإذن و المنع (1)، و هو لا ينافي النصّ (2) و الفتوى بأن ما أخرج بإذنه كان خمسه للإمام الآذن و الباقي للمخرج المأذون. و كما يرشد إلى ذلك أيضا قيام النصّ (3) و الفتوى على اختصاص الإمام بجميع المغتنم من دار الحرب بدون إذنه، و على أنّ له أن يصطفي كلّ ما شاء من المغتنم بإذنه قبل القسمة أيضا.

و إن كان المنافي له هو وجوب الخمس في مال الإمام على الغير- كما لعلّه الموهوم من عبارة الموهم- فيدفعه: أنّ وجوب الخمس في مال الإمام ليس على مطلق الغير، بل على خصوص الحائز لماله من قبيل وجوب ردّ الأمانات على أهلها.

و إن كان المنافي له هو جواز إبدال خمس العين بقيمته دون تعيين الخمس


1- ذخيرة المعاد: 490.
2- الوسائل 6: 365 ب «1» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 3.
3- الوسائل 6: 369 ب «1» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 16.

ص: 190

في العين- كما لعلّه الموهوم من عبارة الموهم أيضا- فيدفعه: أنّ جواز إبدال الخمس بقيمته من قضاء الدليل الخارجي المحتمل أن يكون سرّه التسهيل و المواسعة على شيعتهم في تأدية حقوقهم.

و إن كان الموهم لوهن عموم النوافل هو ظهور النبويّ «الناس شركاء في ثلاث: النار و الماء و الكلاء» (1) في كون الثلاث من المباحات الأصليّة ففيه- على تقدير تسليم سنده-: منع ظهوره في بيان الإباحة الأصليّة، لاحتمال إرادته صلّى اللّٰه عليه و آله إباحتها على الناس من قبل نفسه صلّى اللّٰه عليه و آله لا بالأصل من قبله تعالى. و لو سلّم ظهوره أيضا في الإباحة الأصليّة فالأخبار المتقدّمة على العموم أقوى منه ظهورا و أكثر عددا و أقرب تأييدا بالتدبّر و الاعتبار فتقدّم عليه، حملا للظاهر على الأظهر.

و إن كان الموهم لوهن عموم النوافل هو منافاة عمومها للإجماع المنقول على تملّك الحائز شيئا من الماء و الكلاء بمجرّد الحيازة ففيه: المنع بأنّه لا منافاة بين تملّك الحائز شيئا من الماء و الكلاء بمجرّد الحيازة، و بين الملكية السابقة على الحيازة للإمام عليه السّلام بالأصالة، كما لا منافاة بين الإجماع المنقول أيضا على تملّك الموات بمجرّد الإحياء مع الاتّفاق على كونها من الأنفال، و بين الملكيّة السابقة للإمام على إحيائها بالأصالة اتّفاقا.

هذا، مع أنّ الإجماع المدّعى على تملّك نوافل الإمام في زمن الهدنة بمجرّد الحيازة أو الإحياء ممنوع جدّا، فإنّ الإجماع إنّما هو على إباحتهم للشيعة خصوص التصرّف دون التملّك بالشراء، بل و خصوص التصرّفات اللابدّية الّتي لا يتمّ التخلّص من المأثم بدونها كالمناكح و المساكن و المتاجر، كما في الجواهر (2) عن التهذيب (3).


1- تقدّم ذكر المصدر في هامش (1) ص: 188.
2- الجواهر 16: 146.
3- التهذيب 4: 142.

ص: 191

و أمّا الأنفال و ما يجري مجراها فليس يصحّ تملّكها بالشراء و إنّما أبيح لنا التصرّف فحسب كما في المرسل من الصادق عليه السّلام حيث سئل: «يا بن رسول اللّٰه، ما حال شيعتكم فيما خصّكم اللّٰه به إذا غاب غائبكم و استقر قائمكم؟ فقال عليه السّلام: ما أنصفناهم إن أخذناهم، و لا أجبناهم إن عاقبناهم، نبيح لهم المساكن لتصحّ عباداتهم، و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، و نبيح لهم المتاجر ليزكّوا أموالهم» (1).

و كما عن السرائر بعد ذكره الأنفال و اختصاصها بالنبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله ثمّ بالقائم مقامه، قال: و أمّا في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس و غيرها ممّا لا بدّ لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن. و أمّا ما عدا الثلاثة فلا يجوز التصرّف فيه على حال (2)، إلى غير ذلك من تعبيرات القدماء، بل و جميع المتأخّرين على ما حكاها الجواهر (3)، المصرّحة بنفي تمليكهم الأنفال للشيعة، و انحصار تحليلهم الشيعة في إباحة التصرّف في مطلق الأنفال، أو خصوص المناكح و المساكن و المتاجر على اختلاف النصوص و الفتاوى، الّتي عرفتها في الجملة على وجه لو لم يفد الإجماع على خصوص الإباحة دون التمليك فلا أقلّ من وهنها الإجماع المنقول على العكس.

لا يقال: إنّ مقتضى عموم «لا وطء إلّا في ملك» عدم تحليل المناكح إلّا بتمليكها.

لأنّا نقول: أوّلا: أنّ عموم «لا وطء إلّا في ملك» (4) قد خصص بجواز


1- مستدرك الوسائل 7: 303 باب «4» من أبواب الأنفال ح 3.
2- السرائر 1: 498.
3- جواهر الكلام 16: 145- 149.
4- لم نعثر عليه بهذا اللفظ، انظر الوسائل 15: 12 ب (7) من أبواب المهور ح 1، و عوالي اللئالي 1: 233 ح 136، و ج 3: 205 ح 37، و البحار 103: 297 ح 1.

ص: 192

الوطء شرعا بالتحليل، كما لو قلت للغير: أحللت لك جاريتي فإنّه يجوز وطئها إجماعا من دون ملك، فليكن تحليل الإمام عليه السّلام المناكح لنا (1) من هذا الفرد، الغير المتوقّف على التمليك.

و ثانيا: لو سلّمنا توقّفه على الملك من جهة الوطء فإنّما هو تملّك قهريّ حاصل من تقدير الملك قبل الوطء آنا ما، لا تملّك اختياريّ حاصل من مجرّد الحيازة أو الإحياء.

و من جملة مؤيّدات أن يكون تحليل أنفالهم على الشيعة على وجه الإباحة لا التمليك: هو خلوّ جميع أخبار الباب- مع كثرتها و تواترها و اختلاف تعابيرها- عن ترتّب التمليك و ما يؤدّي مؤدّاه صريحا و لا ظهورا على حيازة شي ء من الأنفال، أو إحيائها.

نعم، عمدة ما يوهم ظهوره التمليك لفظ اللام في مثل قوله عليه السّلام: «ما كان لنا فهو لشيعتنا» (2)، و لفظ الهبة في قوله عليه السّلام: «و قد وهبت نصيبي لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل و مشرب لتطيب مواليدهم، و لا يكون أولادهم أولاد حرام» (3) الخبر، و ظهور هذين اللفظين معارض بأظهريّة لفظ التحليل و الإباحة، المقيّدين بأداء الطسق و اجرة الأرض من بعض الأخبار (4)، و بزمان الهدنة من بعضها الآخر (5)، و بقيام القائم عليه السّلام من بعضها الآخر (6) في مجرّد الإباحة و نفي التمليك. و من البيّن حكومة الأظهر على الظاهر، و حمل الظاهر


1- الوسائل 6: 378 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام.
2- الوسائل 6: 384 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 17.
3- الوسائل 6: 385 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 20.
4- الوسائل 6: 382 ب «4» من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 12.
5- الوسائل 6: 383 ب (4) من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 13.
6- الوسائل 6: 381- 383 ب (4) من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 11 و 12 و 13.

ص: 193

على الأظهر.

و من جملة المؤيّدات أيضا لحمل التحليل على الإباحة لا التمليك: هو مخالفة التمليك للأصل و استصحاب عدم النقل، و لتقييد التحليل في بعض الأخبار بزمان الهدنة، و في بعضها الآخر بأداء الطسق و اجرة الأرض، و في بعضها الآخر بقيام القائم عليه السّلام، فإنّ التمليك لا يقبل التقييد بزمان دون زمان، و لا بأداء عوض منافع الملك.

فتحصّل مما ذكرنا تحقيق الكلام في الأنفال من جهتين: إحداهما: من جهة تعميم الأنفال، و عدم تخصيصها بما زعم. و الأخرى: من جهة كيفيّة تحليلها على الشيعة في زمن الهدنة إنّما هو على وجه الإباحة، لا التمليك.

و مما يتفرّع على الأوّل: تحريم الماء و النار و الكلاء كسائر الأنفال على من عدا الشيعة، بناء على تعميم الأنفال لها، و تحليلها على الكلّ بناء على تخصيص الأنفال بما عداها، فالحائز ممن عدا الشيعة شيئا من الماء و النار و الكلاء لا يتملّكه و لا يستباح له، بناء على التعميم لا التخصيص، فيجوز للمتمكّن من الشيعة استنقاذه منه قهرا، إلّا لتقيّة و نحوه، بناء على التعميم لا التخصيص، بل جاز لنائب الإمام أخذ الخراج من غير المسلمين على إباحة ما يجيزونه من الماء و الكلاء أو يحيونه من موات الأراضي و نحوها على التعميم لا التخصيص.

و مما يتفرّع على الثاني: هو عدم جواز التصرّفات المالكيّة من البيع و الشراء و نحوهما فيما عدا المستثنيات الثلاث من الأنفال للحائز أو المحيي شيئا منها إلّا تبعا للآثار الحادثة، بناء على التحليل، و جوازها بناء على التمليك.

و مما يتفرّع على الثاني أيضا: هو تملّك الحائز أو المحيي شيئا من الأنفال بمجرّد الحيازة أو الإحياء، بناء على أنّ تحليلها على الشيعة على وجه التمليك، و عدم تملّكه بمجرّد الحيازة و الإحياء و إن لم يجز للغير مزاحمته، بناء على أنّ

ص: 194

تحليلها على وجه الإباحة، كما هو الأظهر. فلا يترتّب أحكام الغصب على من يزاحم الحائز و المحيي في أخذ ما حازه أو أحياه و إن فعل حراما في مزاحمته حقّ الاختصاص و الأولويّة، بناء على إباحتها، و يترتّب أحكام الغصب من بطلان العبادات المزاحمة لحق اختصاص الحائز و المحيي بما حازه أو أحياه من الأنفال، بناء على تملّكها بمجرّد الحيازة و الإحياء.

و لعلّ من مؤيّدات أن يكون تحليل الأنفال على وجه الإباحة لا التمليك:

الأخبار الواردة في: «أنّ للناس من الأرض حقّ في الصلاة و أنّ شيعتنا لفي أوسع فيما بين السماء و الأرض» (1) و إن كان الفتوى بمثل هذه الآثار من الأخبار ينبغي أن يعدّ من الأسرار الّتي لا تودع إلّا إلى الأخيار، سدّا لأبواب الظلم و الغصب على الأشرار و الفجّار، و لعلّه سرّ تحاشي فقهائنا الأبرار من الإفتاء بمثلها في الجهار.

قاعدة فقهيّة يعمّ البلوى بها: في تشخيص ما يتحقّق به حقّ الاختصاص و الأولويّة في المشتركات بين الناس، المعروف كونها ستّة منافع: المرابط و المساجد و المشاهد و المدارس و مقاعد الأسواق و الشوارع.

فنقول: لا إشكال و لا خلاف بحسب النصّ و الفتوى في تحقّق حقّ الاختصاص و الأولويّة لمن سبق إلى مكان من تلك الأمكنة الستّة المشتركة ما دام باقيا فيه، للنبوي: «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به» (2)، و قوله عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو أحقّ به إلى الليل» (3)، و لا في سقوط حقّ اختصاصه بمجرّد مفارقة المكان بنيّة إسقاط حقّه


1- لم نعثر على صدر الحديث، و لكن ذكر آخره في الوسائل 6: 384 ب (4) من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 17.
2- السنن الكبرى 6: 142، ج 10: 139، تلخيص الحبير 3: 63.
3- الوسائل 3: 542 ب «56» من أبواب أحكام المساجد ح 2، و ج 12: 300 ب «17» من أبواب آداب التجارة ح 1.

ص: 195

و عدم العود إليه.

إنّما الإشكال و الخلاف في بقاء حقّه بعد المفارقة مطلقا ما لم ينو رفع الأولويّة و إسقاط الحقّ، استصحابا لحقّ الاختصاص، و اعتمادا على عموم من سبق. أو سقوط حقّه بعد المفارقة مطلقا، اقتصارا فيما خالف الأصل من اختصاص المشترك على القدر المتيقّن من اختصاصه لبطلان الاستصحاب بتبدّل موضوعه، و مجازيّة المشتقّ فيما انقضى عنه المبدأ. أو التفصيل بين المفارقة بنيّة العود فيبقى حقّ الاختصاص، و بين عدمه فلا. أو التفصيل بين المفارقة القصيرة زمانها و الطويلة. أو التفصيل بين المفارقة لحاجة ضروريّة من ضروريّات البقاء في مكان- كمفارقة المسجد لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة، و كمفارقة المدرسة و المرابط و مقاعد الأسواق لحاجة من الحوائج الضروريّة لبقاء الإنسان فيها- فيبقى اختصاص السابق نظرا إلى أنّ المفارقة الضروريّة للبقاء في حكم البقاء عرفا، و بين عدمه فلا. أو التفصيل بين إبقاء رحله في المكان بنيّة العود فيبقى الحق، و بين عدمه فلا، نظرا إلى ما عن الشيخ (1) من نقله مرسلة في ذلك التفصيل.

أو التفصيل بين أن يكون الرحل الباقي شاغلا لمحلّ الجلوس فيبقى الحق، و بين عدمه فلا، نظرا إلى بقاء حقّ الاختصاص في الشاغل من حيث عدم جواز رفعه بغير إذن مالكه، و كونه في محلّ المشترك كالمباح و ان احتمل سقوط حقّه مطلقا على ذلك التقدير، و صحة رفع الشاغل لأجل غيره دفعا لتعطيل بعض المسجد- مثلا- ممن لا حقّ له. أو التفصيل بين ما يلزم ارتفاع حقّ السابق الضرر عليه فيبقى نفيا للضرر، و بين عدمه فلا. وجوه ثمانية مقتضى القاعدة عدم بقاء حقّ اختصاص السابق المفارق، إلّا أنّ الأقوى التفصيل الثالث، ثمّ الرابع، ثمّ


1- المبسوط 3: 276.

ص: 196

السادس، ثمّ الأوّل، بل الأولى و الأحوط منها عدم الحكم بالبقاء إلّا في مورد اجتماع الشقوق الستّة ثنائيّا، بل ثلاثيّا، بل رباعيّا، بل خماسيّا، بل سداسيّا.

و تظهر الثمرة في الحكم ببقاء حقّ الاختصاص بعد المفارقة و عدمه في الحكم التكليفي، و هو تأثّم المزعج غيره السابق إلى مكان على تقدير بقاء حقّه، و عدمه على تقدير العدم. و في الحكم الوضعي و هو جواز أخذ المفارق الثمن على إسقاط حقّه بعد المفارقة على تقدير البقاء، و عدمه على تقدير العدم.

ثمّ و على تقدير بقاء حقّ السابق لو أزعجه المزعج على وجه الإثم و الحرمة فهل يصير المزعج أولى منه بعد ذلك؟ يحتمله، لسقوط حقّ الأوّل بالمفارقة، و عدمه للنهي، فلا يترتّب عليه حقّ. و الوجهان آتيان في رفع كلّ أولويّة. و أقوى الوجهين الأوّل، لا الثاني، لعدم اقتضاء النهي الفساد في غير العبادات لا وضعا و لا عرفا، سيّما فيما نحن فيه.

و يتفرّع على ذلك: صحة صلاة الثاني في ذلك المكان و عدمها، و اللّٰه أعلم.

قوله: «كما يملك الموات».

[أقول:] فيه: أوّلا: بمنع الحكم في المقيس عليه، لما عرفت.

و ثانيا: بمنع الحكم في المقيس لو سلم في المقيس عليه؛ للفرق الفارق بين الحكم في الموات بقوله: «فهي له» (1)، و بين قوله في العمار «فهو أحقّ» (2).

[الثالث من شروط العوضين أن يكون طلقا]
اشارة

قوله: «و غير ذلك مما سيقف عليه المتتبع».

[أقول:] كبيع المصحف و دور مكة و التربة الحسينيّة و تركة المديون و الموصى قبل أداء الدين و الوصيّة، إلّا أنّ أكثر موانع نفس الملك من التمليك المذكورة في المتن كبيع المنذور و المحلوف و المشروط عدم بيعه من الأحكام لا


1- الوسائل 17: 327 ب «1» من أبواب إحياء الموات ح 5 و 6.
2- الوسائل 17: 326- 327 ب «1» من أبواب إحياء الموات ح 3 و 4 و 7، ب (3) من أبواب إحياء الموات ح 2.

ص: 197

الحقوق المانعة حتّى يقتضي الفساد.

[مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا]

قوله: «فإنّ العلم بعدم طروّ مسوّغات البيع في التخصيص (1) لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع .. إلخ».

[أقول:] فيه أوّلا: منع العلم بعدم طروّ مسوّغات البيع، فإنّ طروّها معلوم في الخارج بالوجدان و قضاء العادة بالظلم و العدوان.

و ثانيا: أنّ تقييد إنّما يغني عن تقييد الوارد به؛ لأنّه تحصيل للحاصل، و لا يغني عن تقييد اللازم مطلقا فإنّ المورد لا يخصّص عموم الوارد، غاية الأمر تأخير بيانه عن غير محلّ الحاجة اللازم على التقديرين.

قوله: «ثمّ إنّه (2) جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع».

أقول: تفصيل الحال أنّ في منافاة جواز البيع للوقف فيما يجوز بيعه على أن يكون الجواز بنفسه مبطلا لوقفيّة الوقف، كما عن الجواهر (3) و شرح القواعد، استنادا إلى منافاة جواز البيع لحقيقة الوقف لأخذ الدوام فيه، فيكون جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد.

و في عدم منافاة الجواز لبقاء الوقف إلى أن يباع على أن يكون البيع مبطلا للوقف بنفسه- كما هو ظاهر مختار المتن- استصحابا لبقاء الوقف على الوقفيّة إلى أن يباع، أو بكشفه عن سبق بطلان الوقف قبل البيع آنا ما- كما هو مختار شيخنا العلّامة- جمعا بين استصحاب الوقفيّة و عموم «لا بيع إلا في ملك» (4)، وجوه، أوجهها الأخير، كما لا يخفى على الخبير.

و تظهر الثمرة في بقاء الوقف على حاله قبل البيع لو فرض اندفاع الضرورة


1- في المكاسب: «في الشخص».
2- في المكاسب: «ثمّ إنّ».
3- جواهر الكلام 22: 358.
4- عوالي اللئالي 2: 247 ح 16.

ص: 198

المسوّغة للبيع، أو عدم اتفاق البيع بعد الحكم بجوازه على الأخيرين، و عدم البقاء على الأوّل.

و ربما يظهر من استشهاد الماتن (1) على عدم منافاة الجواز للوقف بما صرّح به جامع المقاصد- من عدم جواز رهن الوقف، و إن بلغ حدّا يجوز بيعه (2) تفريع جواز رهن الوقف على بطلانه بنفس جواز البيع لا بالبيع.

و فيه نظر، بل منع، إذ لو لا القاعدة الكلّية المستفادة من حكمه الرهن أن كلّما جاز بيعه جاز رهنه صحّ تفريع القول بعدم جواز رهن الوقف على عدم بطلان الوقف بنفس جواز البيع. و أمّا بعد تلك القاعدة الكلّية بأنّ كلّما جاز بيعه جاز رهنه فلا يصحّ تفريعه، و ذلك لجواز رهن الوقف الجائز بيعه مطلقا أمّا على القول ببطلان الوقف بمحض الجواز فلبطلان الوقف، و أمّا على القول بعدم بطلانه بمحض الجواز فلملازمة جواز البيع لجواز الرهن. و أمّا تعليل المانع من جواز رهن الوقف الجائز بيعه باحتمال طروّ اليسار للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن فعليل، بأنّ احتمال طروّ المانع من جواز بيع الوقف المرهون في دين المرتهن بيسار الموقوف عليهم غير مانع من جواز رهنه بعد أصالة عدم طروّ ذلك، كما أنّ احتمال طروّ المانع من بيعه ابتداء بموت القابل أو جنونه قبل القبول غير مانع من جواز بيعه، بعد أصالة عدم طروّ مانعة، من غير فرق بين الاحتمالين، إلّا فيما هو غير فارق، كشدّة الاحتمال و ضعفه.

قوله: «و قطع سلطنته عنه. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى الفرق بين الوقف الجائز بيعه و العقد الجائز فسخه، خصوصا الوقف العام، و المساجد على القول بخروجه عن ملك الواقف و عدم


1- المكاسب: 164.
2- جامع المقاصد 5: 51.

ص: 199

دخوله في ملك أحد كالعتق و التحرير.

قوله: «و لعلّه من شدّة مخالفته القواعد لم يرتض بظاهره».

[أقول:] فيه: منع مخالفته لشي ء من القواعد سوى مخالفة لا يباع الوقف المخصص بالنصوص (1) و الإجماعات.

قوله: «و الظاهر أنّ المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه حصول الظنّ بذلك».

[أقول:] فيه: إن كان مستند تخصّص عمومات لا يباع الوقف الفتايا المذكورة فالأظهر و الأحوط الاقتصار في تخصيصها المخالف للأصل على المتيقّن، و هو التأدية على وجه القطع لا الظنّ. و إن كان مستنده خبر جعفر بن حنان (2) و صحيحة مهزيار (3) و عموم تعليله: «بأنّه ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس» فالأظهر تعميم مسوّغات بيع الوقف بطروّ مطلق ما فيه مظنّة الضرر و معرضة تلف المال و النفس، سواء بلغ حدّ الخوف و الظن أم لم يبلغ، و سواء كان من اختلاف أربابه أو قصورهم أو ظهور الآفة أو جور الظلمة و السرقة، الغالبة في زماننا على انسداد أبواب المعروف و الصدقات و غصب الموقوفات، أو صرفها في وجوه المحرّمات المناقضة لغرض الواقف و صحّة بقائه، بل المانعة من صحّة الوقف بدوا، فضلا عن استدامته.

قوله: «أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم .. إلخ».

أقول: تفصيل الحال في المسألة أن يقال: هل الوقف مخرج للعين الموقوفة عن ملك واقفها كإخراج منافعها عنه كما يقتضيه خروج جميع آثار ملكيّته عن تحت سلطنته، أم غير مخرج لها عن ملك واقفها كما يقتضيه استصحاب بقاء


1- الوسائل 13: 303 ب (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
2- الوسائل 13: 306 ب (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 8.
3- الوسائل 13: 305 ب (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 6.

ص: 200

العين على ملك الواقف؟

و على تقدير الإخراج فهل يدخلها في ملك الموقوف عليهم، كإدخال منافعها في ملكهم، كما يقتضيه ظاهر اشتراط تعيين الموقوف عليهم في بعض النصوص (1) و الفتاوى، و جواز قسمة ثمن الوقف المبيع للمصلحة المقتضية له على الموقوف عليهم، من دون تبديله بما يماثلها من الأوقاف. أم يدخلها في ملكه تعالى، كما يقتضيه اشتراط بعضهم فيه القربة دون القبول، مع البناء على أنّه من العقود لا الإيقاعات. أم يخرجها عن ملك واقفها من غير أن يدخلها في ملك الموقوف عليهم، و لا في ملك الباري تعالى، نظير التحرير، كما يقتضيه الأخذ بالمتيقّن، و هو خروجها عن ملك مالكه، و أصالة عدم دخولها في ملك أحد. أم التفصيل بين الأوقاف الخاصّة فتدخل في ملك الموقوف عليهم، و العامّة فلا تدخل، كما لعلّه المراد من تفصيل الماتن (2) بين ما هو كالمساجد و المدارس و الربط فهي تفكيك، و بين غيرها فهي تمليك للموقوف عليهم، و لعلّ وجهه استظهار الإجماع عليه؟ وجوه خمسة.

و قد عرفت أنّ مقتضى الاستصحاب البقاء على ملك واقفة و إن خرجت منافعها عنه كالعين المستعارة و كالسكن و العمرى و الرقبى، و مقتضى زوال جميع آثار الملكيّة عنه شرعا هو الخروج. و لكن الأصل عدم دخوله بعد الخروج في ملك أحد و إن استظهر شيخنا العلّامة الدخول في ملك الموقوف عليهم مطلقا، من غير فرق بين الأوقاف الخاصّة و العامّة.

و تظهر الثمرة: أمّا بين القول ببقاء الوقف على ملك واقفة و بين سائر الأقوال الأخر، ففيما لو زالت منافع العين الموقوفة بتخريب و نحوه فإنّه يرجع الى


1- انظر الوسائل 13: 307 ب (7) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
2- المكاسب: 166.

ص: 201

ملك الواقف أو ورثته، بحيث جاز لهم تصرّف الملّاك فيه ببيع و نحوه على القول ببقاء عين الوقف على ملك واقفة، و لا يرجع على سائر الأقوال.

و أمّا بين القول بعدم دخوله في ملك أحد أو دخوله في ملك الباري تعالى، و بين سائر الأقوال، ففي تعلّق أجرة مثل المنافع المستوفاة بل الفائتة بذمّة الغاصب للوقف للموقوف عليهم على القول بتفكيك الوقف عن الملكيّة، أو دخوله في ملك الباري تعالى و عدم تعلّق أجرة المثل بذمّة الغاصب للموقوف عليهم على سائر الأقوال.

و أمّا بين القول بدخوله في ملك الموقوف عليهم و بين سائر الأقوال، ففي جواز بيعه للموقوف عليهم عند الضرورة المحوجة اليه بناء على القول بدخوله في ملك الموقوف عليهم، و عدم جوازه بناء على سائر الأقوال.

ثمّ لا يقال: إنّ استقرار النصّ (1) و الفتوى على جواز بيع الوقف إذا وقع الخلف بين أرباب الموقوف عليهم كاشف عن صحّة مبنى هذا الفرع، و هو دخول الوقف في ملك الموقوف عليهم، لاحتمال استناد جواز البيع إلى التعبّد بالنصّ و إن لم يدخل في ملك الموقوف عليهم، لا إلى دخوله في ملكهم حتّى يستكشف هذا الدخول في ملكهم.

ثمّ إنّ توليه بيع الوقف و قبض ثمنه هل هو للواقف كما يقتضيه استصحاب بقائه في ملكه، أو للموقوف عليهم كما لهم منافعه، أم لناظره الخاصّ كما له النظر في العين فكذا في بدله، أو لحاكم الشرع كما له الرئاسة في الأمور العامّة؟ وجوه أربعة. و إذا انضمّت إليها سائر الوجوه المركّبة من الرباعيّ و الثلاثيّ و الثنائيّ بلغت أربعة عشر وجها.

أوجهها كون التولية للبطن الموجود من الموقوف عليهم، بضميمة الحاكم


1- الوسائل 13: 305 ب (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 6.

ص: 202

القيّم من قبل سائر البطون.

و يحتمل أنّ هذا إلى الناظر إن كان؛ لأنّه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف. إلّا أن يقال: بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلى الصرف في نفس العين. و الظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف. و يحتمل بقائه لتعلّق حقّه بالعين الموقوفة، فيتعلّق بمبدلها.

ثمّ النظر في الوقف المطلق إلى الحاكم الشرعي. و في الوقف المجعول في ضمنه النظر لشخص خاصّ إلى ذلك المجعول له النظر.

ثمّ إنّ وظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة و الإجارة و تحصيل الغلّة و قسمتها على مستحقّيها.

و هل من وظيفته أيضا توقّف تناول الموقوف عليهم شيئا من منافع الوقف على إذنه مطلقا، كما يقتضيه الاحتياط و الاقتصار على المتيقّن. أم ليس من وظيفته ذلك مطلقا، كما يقتضيه إطلاق الوقف. أم التفصيل بين تعيين الموقوف عليه لتناول منفعة الوقف فلا يتوقّف تناوله على إذن الناظر، و بين عدم تعيينه فيتوقّف تعيينه على إذنه، بناء على اعتبار إذنه من باب الطريقة و الكشف غير الرضا، لا من باب الموضوعيّة حتّى يتبع حتّى في مقام التعيين و عدم الحاجة إلى الإذن. أم التفصيل بين الحكم التكليفي و هو جواز التناول و عدم الجواز فيتوقّف على إذنه، و بين الحكم الوضعي و هو ضمان المتناول و عدم ضمانه فلا يتوقّف، كما عن المسالك (1). أم التفصيل بين الناظر المجعول له النظارة في ضمن الوقف فيتوقّف التناول على إذنه، و بين الغير المجعول له النظارة في ضمن الوقف كالحاكم الشرعي فلا يتوقّف على إذنه؟ وجوه. أوجهها الأخير؛ لأنّ إطلاق جعل النظارة في ضمن عقد الوقف ظاهر في اعتبار إذن الناظر مطلقا، و من باب


1- مسالك الأفهام 5: 326.

ص: 203

الموضوعيّة لا الطريقيّة، حتّى يستغنى عنه في مقام تعيين الموقوف عليه و العلم برضا الناظر، بل يعتبر إذنه مطلقا في الحكم التكليفي و هو الجواز، و في الحكم الوضعي و هو سقوط الضمان، و ذلك لأنّ الموهم لعدم اعتبار إذنه.

أمّا عدم جعل النظارة له في ضمن العقد فالمفروض خلافه.

و أمّا عدم لزوم النظارة المجعولة في ضمنه فيندفع بقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و قوله عليه السّلام: «الأوقاف على حسب ما يوقفها أهلها» (2).

و أمّا احتمال اختصاص النظارة المجعولة له بغير ذلك من المصالح فيندفع بفرض إطلاق الجعل، و النظارة، و أصالة عدم انصرافهما عن الإطلاق.

و أمّا احتمال اعتبار جعل النظر له من باب الطريقيّة و الكشف عن الرضا لا من باب الموضوعيّة حتّى يستغنى عن إذنه في مقام تعيين الموقوف عليه و العلم برضاه فيندفع بظهور الجعل للنظارة المأخوذة شرطا في ضمن العقد اللازم في الموضوعيّة، و كون المقصود اعتبار إذنه مطلقا.

فان قلت: فما ثمرة إذنه بعد العلم برضاه أو عدم المناص له شرعا من الإذن، كما في صورة تعيين الموقوف عليه.

قلت: الأغراض و الدواعي مختلفة فلعلّما الغرض الداعي إلى جعل النظر للناظر في ضمن عقد الوقف على وجه يتوقف إباحته للموقوف عليهم على اذنه هو تكريم الناظر و تعظيمه و اهابته في أنظار الموقوف عليهم، ليطيعوه و ينقادوا أمره، و لا يخالفوه فيتشتت أمرهم و يفترق جمعهم.

فان قلت: إباحة المال الطلق إذا لم يتوقّف على الإذن الصريح بعد إحراز مجرّد الرضا فكيف يتوقّف عليه إباحة الوقف، مع خروجه عن الطلقيّة بعد إحراز


1- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
2- الوسائل 13: 295 ب «2» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

ص: 204

الرضا.

قلت: القياس مع الفارق، لأنّ المال الطلق الّذي لم يتوقّف إباحته للغير على إذن صاحبه بعد إحراز رضاه إنّما هو المال الغير المشروط في ضمن العقد اللازم توقّف إباحته على الإذن الخاصّ، و أمّا المشروط في ضمن العقد اللازم فيتبع شرطه. ألا ترى أنّه لو نذر شخص أو اشترط على نفسه في ضمن عقد لازم أن لا يبيح أو لا يعير شيئا من ماله على أحد إلّا في وقت خاصّ أو مكان خاصّ توقّف أباحة ذلك الشي ء على ذلك الوقت أو ذلك المكان و إن رضي قبله بجميع أنحاء الرضا، فما نحن فيه من هذا القبيل.

ثمّ إنّ ثمن الوقف المبيح للضرورة المسوّغة بيعه للواقف بناء على بقائه في ملك الواقف، و للموقوف عليهم بناء على دخوله في ملكهم، و للإمام بناء على دخوله في ملك الباري تعالى، و لكلّ من استبق إلى حيازته بناء على أنّه تفكيك عن الملكيّة لا تمليك لأحد.

ثمّ و على القول بكون ثمنه للإمام ففي زمن الهدنة و الغيبة هل هو مباح لمطلق من استبق إلى أخذه كالمال المعرض عنه صاحبه لعموم قوله عليه السّلام: «ما كان لنا فهو لشيعتنا» (1)، أم موكول إلى نظر نائب الإمام عليه السّلام في صرفه في مصالح المسلمين أو حفظه للإمام بدفن أو إيداع على اختلاف الآراء في مصرف سائر أموال الإمام عليه السّلام في زمن الغيبة، أم لا بدّ من صرف ثمن الوقف فيما يماثله من الأوقاف مقدّما للأقرب فالأقرب إلى غرض الواقف، فإن تعذّر صرف إلى غير المماثل كذلك، فان تعذّر صرف في مصالح المسلمين؟ وجوه، أقواها الأوّل، و أحوطها الثاني، بل الأحوط منه الثالث، بل لعلّ ما الأقوى هو ذلك على جميع الأقوال، حتّى على القول بدخوله في ملك الموقوف عليهم.


1- الوسائل 6: 384 ب (4) من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام ح 17.

ص: 205

فإنّ دخول العين الموقوفة في ملكهم على تقدير صحّته لا ينافي تقييده الملكيّة في رأي الواقف بالمصرف المماثل لها على تقدير تعذّر الانتفاع من نفسها، و قد قال عليه السّلام: «الأوقاف على حسب ما يوقفها أهلها» (1).

و مجرّد عدم منافاة الملكيّة لتقييدها في نظر الواقف بالمصرف المماثل و إن لم يثبت التقييد إلّا أنّ ظاهر حال الواقف سيّما في الوقف المبني على التأييد بحسب العادة أو الغلبة شاهد حال على التقييد و لو ظنّا.

ثمّ و على تقدير لزوم صرف ثمن الوقف في مماثله فهل يحتاج وقف المماثل إلى صيغة على حدة، أم يكفي في وقفه مجرّد صرف ثمن الوقف فيه؟

وجهان، أقواهما الثاني، و أحوطهما الأوّل. و ذلك لتبعيّة الثمن لمثمنه في الطلقيّة و عدم الطلقيّة، و لهذا لو باع أحدهما- أي الراهن أو المرتهن- الرهن من دون إذن الآخر كان الثمن رهنا كأصله، و لم يبطل الرهن من الثمن، كما أنّه تابع له في الملكيّة و الغصبيّة، و لهذا لو اشترى بعين المغصوب شيئا جرى عليه أحكام الغصب أيضا.

قوله: «فإنّها تصير ملكا للمسلمين. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى عدم الفرق بين أرض المسجد و أجزاء بنيانه في عدم الخروج عن أصالة عدم دخوله في ملك المسلمين.

قوله: «و يضعّف (2) قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه».

[أقول:] وجه هذا القول: أنّ اشتراطه مناف لمقتضى العقد. و وجه ضعفه أنّ منافاته لمقتضاه قبل طروّ مسوّغاته لا مطلقا، فاشتراطه المسوّغ غير مناف.

قوله: «و الحاصل أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتّى يتلف بنفسه- الى قوله-


1- الوسائل 13: 295 ب «2» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
2- في المكاسب: «و تضعيف».

ص: 206

و الثالث هو المطلوب».

أقول: و يدلّ على الثالث المطلوب- أعني: على جواز بيع الوقف المخروب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه- بعد اندفاع استصحاب المنع بتبدّل الموضوع أو يكون الشكّ في القابليّة و الاستعداد دخول بيع مثله في الأشياء النافعة الخالية عن أمارة المضرّة، الّتي هي مورد أصالة الإباحة على ما هو المقرّر في محلّه مضافا إلى مسيس الحاجة إلى بيع مثله في كثير من الفروض، و هي القاعدة المعوّل عليها في براءة ذمّة الطبيب باستبراء ذمّته من الضمان قبل الطبابة، فإنّ الاستبراء عمّا لم يجب و إن لم يبرأ عمّا يجب بحسب القاعدة إلّا أنّ جماعة قالوا: بإبرائه في هذه المسألة، تمسّكا بمسيس الحاجة فيه و في ضمان الآمر ذي المتاع بإلقاء متاعه في الماء عند الخوف من الغرق على أن يكون عليه ضمانه، فإنّ مقتضى القاعدة و إن كان عدم لزوم ما لم يجب إلّا أنّ جماعة منهم العلّامة في القواعد (1) التزموا بلزومه في المقام، تمسّكا بمسيس الحاجة. و لعلّ مأخذه قاعدة نفي الحرج، أو رفع ما اضطرّوا إليه، أو قاعدة اللطف الواجب على الحكيم في رفع ما يلزم منه اختلال نظام الناس معادا أو معاشا.

قوله: «فينتهي ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ عدم بقاء شخص العين لا ينافي إمكان بقاء نوعه و منفعته المقصودة بالتبديل عادة للبطون اللاحقة، فيستصحب بقائها بالتبديل إلى أن ينتهي إلى عدم إمكان التبديل أيضا فيختصّ إتلافه بمن انتهى إليه.

قوله: «و الجواب أمّا عن رواية جعفر .. إلخ».

أقول: هذه الروايات الثلاث- أعني: رواية جعفر (2) و الحميري (3) و ابن


1- قواعد الأحكام 2: 321.
2- الوسائل 13: 306 ب (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 8.
3- الوسائل 13: 306 ب (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 9.

ص: 207

مهزيار (1)- كلّها- مضافا إلى ضعف دلالتها و معارضتها بما هو أقوى من الأخبار (2) الصريحة بعدم جواز شراء الوقف و استتباع الوقف رأي واقفها- موهونة بإعراض الأصحاب من العمل بها. فلا بدّ إمّا من طرحها، أو حمل لفظ الوقف فيها على الوصيّة، لأنّه معنى لغوي مستعمل في الأحاديث، كما يومئ إليه رواية جعفر، أو على عدم حصول القبض في الوقف كما هو ظاهر رواية ابن مهزيار، أو على النذر كما لعلّه ظاهر مكاتبة الحميري، أو على مقاولة الوقف من دون تحقق ما يلزمه مع كون الموقوف عليهم وارثين، كما هو أحد محامل الروايات في الوسائل (3).

قوله: «فعلى الإمام أن يستفصل إذا كان بين المؤيّد و غيره فرق في الحكم. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى احتمال الاستفصال بقوله عليه السّلام: «إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز» (4).

قوله: «أو بجعل الوقف (5) كالاشتراط في متن العقد. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ منافاة شرط بيع الوقف لمقتضى الوقف حتّى لا يجوز أو لإطلاق الوقف حتّى يجوز مرجعه إلى عموم نصوص (6) المنع من بيع الوقف، أو تخصيصها بغير الاشتراط، كما هو الصحيح في الصحاح (7).

قوله: «بخلاف المال. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ المال و العين و إن لم يكن كالحقّ و الدين في السقوط


1- الوسائل 13: 304 ب «6» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 5.
2- الوسائل 13: 303 ب «6» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
3- الوسائل 13: 305 ب «6» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ذيل الحديث 6.
4- الوسائل 13: 306 ب «6» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 9.
5- في المكاسب: «الواقف».
6- الوسائل 13: 303 ب «6» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
7- الوسائل 13: 303 و 304 ب «6» من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات ح 2 و 3 و 4.

ص: 208

بالإسقاط و الإبراء إلّا أنّه يسقط أيضا بمحض الإعراض القلبي الّذي هو أقلّ من الإسقاط اللفظي، و لا يتوقّف على إيجاب و لا قبول.

قوله: «ربما تأمّل فيما قبله. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ المدفوع إلى البائع في الأوّل عين ثمن الجارية و في الثاني غيره؛ لأنّ المفروض أنّ ثمن الجارية كلّي في الذمّة و المدفوع إلى البائع بدله المسقط عنه، إلّا إذا قلنا أنّ الكلّي عين أفراده.

قوله: «المراد به غير هذا القسم».

[أقول:] و هو الملك التقديريّ الالتزاميّ، تفصّيا من لزوم الملك بلا مالك.

فان قلت: إنّ مقطوعة يونس المتقدّمة: «إن كان لها ولد و ليس على الميّت دين فهي للولد، و إذا ملك الولد عتقت بملك ولدها» (1) صريحة في ملكها الحقيقي.

قلت: المقطوع على الراوي ليس برواية، بل دراية من فتوى الراوي و فهمه.

قوله: «و يبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى التأمّل».

[أقول:] و الترجيح للوجه الأوّل؛ لأنّ منافع الحرّ لا يضمن، فليس عليه إلّا الاستسعاء، كما في مديون الغرماء.

قوله: «فالمرجع فيه إلى فساد (2) بيعها قبل الحاجة إلى الكفن. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الشكّ في طروّ ما هو مقدّم على حقّ الاستيلاد و الأصل عدمه، أو ترجيح الرجوع إلى قاعدة عموم المنع من بيع أمّ الولد، أو إطلاق من ليس له كفن دفن عاريا، فليس له حقّ على المستولدة، كما ليس له على الأجانب.


1- الوسائل 16: 106 ب (5) من أبواب الاستيلاد ح 3، و لم تتقدّم منه قدّس سرّه.
2- في المكاسب: «فالمرجع إلى أصالة فساد».

ص: 209

قوله: «و عن الشيخ في التهذيب (1) و الاستبصار (2) الجمع بينهما بغير ذلك».

[أقول:] أي: حمل مرسلة حمّاد (3) على ما إذا كان الخطأ شبه عمد لا خطأ محض.

قوله: «و منها: ما إذا خرج مولاها عن الذمّة و ملكت أمواله الّتي هي منها».

[أقول:] فيه: أنّ خروج المولى عن الذمّة أشبه شي ء بارتداده المحكوم بموته الموجب انعتاقه فلا تملك هي كسائر أمواله، مضافا إلى أصالة عدم طروّ ما يقدّم على حقّ الاستيلاد، و إلى عموم قاعدة المنع من تملك أمّ الأولاد.

قوله: «و منها: ما إذا كان مولاها ذمّيا فقتل (4) مسلما فإنّه يدفع هو و أمواله إلى أولياء المقتول».

[أقول:] و فيه: أنّ قتل الذمّي المسلم أشبه شي ء بدين القاتل غير ثمن رقبتها، فيلحقه حكمه المتقدّم.

قوله: «حقّ إسلامها ... أولى من حقّ الاستيلاد».

أقول: و إن كان أولى إلّا أنّه يمكن الجمع بين الحقّين بنفي سلطنة الكافر عنها بغير البيع عليه، بأن يخلّي سبيلها، أو يودعها عند مسلم.

لا يقال: إنّ الجمع بين حقّ الإسلام و حقّ الاستيلاد ليس أولى من الجمع بين حقّ الإسلام و حقّ المالك بالبيع عليه.

لأنّا نقول: أولويّته من جهة أظهريّة قاعدة عموم المنع من بيع المستولدة


1- التهذيب 10: 200 ذيل الحديث 793.
2- الاستبصار 4: 276 ذيل الحديث 1047.
3- الوسائل 19: 159 ب (11) من أبواب ديات النفس ح 1.
4- في المكاسب: «و قتل».

ص: 210

في العموم من إطلاق بيع العبد المسلم على مولاه الكافر، فإنّه منصرف إلى غير المستولدة، كما في مطلق اجتماع الأمر و النهي العامّين من وجه، مثل تصدّق و لا تسرق، و صلّ و لا تغصب.

قوله: «و المفروض أنّ حقّ أمّ الولد مانع شرعا- إلى قوله- فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ حقّ الاستيلاد مانع من الردّ لا الاسترداد، مضافا إلى استصحاب جواز الاسترداد قبل الاستيلاد.

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا]

قوله: «ربما يتّجه الصحّة فيما كان الغرض من الحجر [رعاية] مصلحة كالشفعة».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ مصلحة حجر الشريك من التصرّف في المال المشترك من دون إذن شريكه إنّما هو رفع الضرر لا الشفعة، كما أنّ مصلحة الشفعة أيضا هو رفع الضرر.

و ثانيا: أنّ حجر الراهن بل كلّ حجر لا محالة يكون له مصلحة دفع الضرر الشخصيّ أو النوعيّ، فيتّجه الصحّة في الكلّ الراهن و غيره.

قوله: «و تعلّق الحقّ هنا بالعين. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الحقّ هناك بالأصالة و إن تعلّق بالذمّة إلّا أنّه يجوز استيفائه من العين، كما أنّه هنا و إن تعلّق بالعين إلّا أنّه يجوز استيفائه من غيره، و الفرق غير فارق.

قوله: «و في بعض كلامه تأمّل».

[أقول:] منها: تخصيصه الغرر بجهل الحصول (1)، و من الواضح عرفا و شرعا تعميمه.


1- القواعد و الفوائد 2: 137 قاعدة 199.

ص: 211

و منها: قوله: بين الغرر و الجهل عموم من وجه (1)، و من الواضح اتّفاقهم على أخذ الجهالة في الغرر، و كون الجهالة معتبرة في صدق الغرر، و هو أخصّ منه مطلقا فتعميمه في العبد الآبق المعلوم الصفة خلاف العرف و الشرع و اللّغة.

و منها: تعميمه الغرر إلى مجهول الوجود و تقسيمه إلى الجهل بالجنس و إلى الجهل بالنوع و إلى الجهل بالقدر و العين (2)، فإنّه كالتهافت و التناقض، لما ذكره أوّلا: من تخصيصه بجهل الحصول، و تقسيم الشي ء إلى نفسه و غيره.

و منها: قوله: و لو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكلّ (3)، فإنّ الشرط و إن خرج عن قدرة الشارط إلّا أنّه لا يزيده غررا على عدم اشتراطه.

[مسألة الرابع من شروط العوضين القدرة على التسليم]
اشارة

قوله: «إلّا أنّه أخصّ من المدّعي».

[أقول:] بل قيل: إنّه مباين للمدّعى، نظرا إلى اعتبار القدرة على التسليم في الواقع، لا العلم بالقدرة حتّى يكون أخصّ من المدّعي. فكيف كان فدلالة النبوي (4) على المدّعى بالفحوى كاف في الاستدلال، و أولى.

قوله: «و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح».

[أقول:] أمّا في الاعتراض: فلأنّ تقييد الوجوب بالقدرة دليله عقليّ لبّيّ لا لفظيّ صرف حتّى يدفع بالأصل.

و أمّا في المعارضة: فلأنّ أصالة عدم تقييد البيع بهذا الشرط لا يقاوم أصالة عدم تقييد الوجوب به، لحكومة الأصل في المقيّد- و هو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (5)-


1- القواعد و الفوائد 2: 137 قاعدة 199.
2- القواعد و الفوائد 2: 137 قاعدة 199.
3- القواعد و الفوائد 2: 137 قاعدة 199.
4- الوسائل 12: 266 ب (12) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 13، و 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
5- المائدة: 1.

ص: 212

على الأصل في المطلق، و هو أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (1).

قوله: «و فيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه».

[أقول:] فيه: أنّ انعتاقه عليه الموجب لعدم استحقاقه التسليم من أحكام صحّة البيع و آثاره المتأخّرة عنه رتبة فلا تترتّب عليه إلّا بعد اجتماع شرائط الصحّة، و منها القدرة على التسليم، فكيف يسقط ما يعتبر في صحّته بما يترتّب عليه من الآثار، خصوصا بعد إطلاق النصّ (2) بعدم صحّة بيع الآبق إلّا بالضميمة.

قوله: «لصدق الغرر عرفا- إلى قوله- فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى ما تقدّم من اعتبار الجهل في صدق الغرر عرفا، أو أنّ القدرة شرط لا العجز مانع.

قوله: «و فيه ما فيه».

[أقول:] أي: مما سبق من أنّ الجهل و إن اعتبر في الغرر إلّا أنّ دلالته بالفحوى على الفساد مع علم المشتري كاف في الاستدلال، مضافا إلى دلالة الأكل بالباطل عليه.

قوله: «مع علم المشتري بذلك إذا علم بعجز العاقد، فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه».

[أقول:] اشتراط العلم في الأوّل و اعتقاد قدرته في الثاني لأجل التفصّي عن صدق الغرر مع الجهل.

قوله: «و في بعض كلامه تأمّل» (3).

أقول: موقع التأمّل أمّا دعوى العموم من وجه بين الغرر و الجهل. و وجهه هو ما ذكره الماتن سابقا من اتّفاق تعاريفهم على اعتبار أخذ الجهالة في معنى


1- البقرة: 275.
2- الوسائل 12: 262 ب (11) من أبواب عقد البيع و شروطه.
3- تقدّم ذكر هذا المتن بعينه في ص: 210، إلّا أنّ تعليقة المصنّف عليها مختلفة، فراجع.

ص: 213

الغرر، فهو أخصّ منه مطلقا، فتعميمه في العبد الآبق المعلوم الصفة خلاف العرف و اللّغة و كلمات المتشرّعة.

و أمّا ظهور التنافي بين تخصيصه الغرر في صدر كلامه بمجهول الصفة و تعميمه بعد ذلك لمجهول الوجود المشار إليه بقوله: «و يتعلّق الغرر تارة بالوجود و تارة بالحصول .. إلخ» (1). و وجه التأمّل في هذا الموقع هو وضوح التناقض و التهافت البيّن بين العبارتين. و يمكن رفع التناقض بحمل الأوّل: على الغرر المبطل، و الثاني: على الغرر المطلق.

و أمّا في تقسيمه الغرر بثلاثة أقسام و ادعائه الخلاف في القسم الثالث.

و وجه التأمل فيه هو عدم الخلاف بين العامّة و الخاصّة في بطلان البيع بعد تسليم صدق الغرر عليه. نعم، إن كان خلاف فهو في صدق موضوع الغرر لا في حكمه بعد إحراز صدق الموضوع.

أمّا الموقع الأوّل: فليس محلّا للتأمّل، بل هو محلّ المنع جدّا، كما أشار إليه الماتن فيما قبل، فلا يصحّ إرادته محلّا للتأمّل بعد منعه، فتعيّن إرادة أحد الموقعين الآخرين للتأمّل، كما لا يخفى.

ثمّ المحصّل من التحقيق في المسألة: أنّ الغرر لا ينفكّ في الصدق عن الجهل لا محالة، بخلاف الجهل فإنّه قد ينفكّ عن الغرر، و أنّ العنوان المنهيّ عنه شرعا المبطل للبيع هو الغرر لا الجهل.

و أمّا ما يتخيّل من نقض ذلك باتّفاقهم على فساد بيع أحد الأشياء المتماثلة من جميع الجهات، حيث إنّه لا وجه لفساده سوى الجهل، ضرورة انتفاء الغرر بعد فرض التماثل من جميع الجهات. فيدفعه منع انتفاء الغرر عن المثال بمجرّد التماثل النافي للضرر حتّى يكون نقضا لما ذكر، و ذلك لاختلاف أغراض


1- المكاسب: 185.

ص: 214

الأشخاص و الدواعي في المبيع المطلق و عدم اقتصار الغرر على مورد الضرر حتّى ينتفي بانتفائه.

و لو سلّمنا فلنا أن ندّعي أنّ الفاسد من المعاملات الغرريّة هو ما كان نوعه معرضا للغرر و إن لم يكن شخصه غرريّا، كما في بيع أحد المتماثلين من جميع الجهات من غير تعيين.

و لو سلّمنا فلنا أن نسند الفساد في المثال إلى أنّ ما قصد منه لم يقع و ما وقع لم يقصد، نظرا إلى أنّ ما وقع عليه العقد هو مفهوم ذهني منتزع من المتماثلين، و ما قصد هو فرد خارجي منهما، و أحدهما غير الآخر قطعا. فالفساد من هذه الجهة لا من جهة الغرور.

و لو تنزّلنا عن ذلك أيضا فلنا منع الإجماع على بطلان البيع في مثله بعد فرض انتفاء المستند له، كما استقرب جماعة منهم الشهيد في اللمعة صحّة نظير المسألة من باب الإجارة، و هو ما لو عقد الإجارة على أجرتين على تقديرين كعقده الإجارة على نقل المتاع في يوم بعينه بأجرة و في يوم آخر بأجرة أخرى (1).

لا يقال: مستند الصحّة على القول بها في باب الإجارة هو النصّ (2) المفقود في باب البيع مثله، فهو الفارق.

لأنّا نقول: لا ينحصر مستندهم في النصّ، بل قد استندوا في الصحّة أيضا بوجود المقتضي، و هو الإجارة المعيّنة المشتملة على الأجرة المعيّنة و إن تعدّدت و اختلفت، لانحصارها و تعيّنها.

و لو تنزّلنا عن ذلك كلّه فلنا استناد فساد البيع المذكور إلى الإجماع لا


1- اللمعة الدمشقية: 94.
2- الوسائل 13: 253 ب (13) من أبواب الإجارة.

ص: 215

القاعدة، فإن استناد صحّة الإجارة المذكورة على القول بها إلى النصّ لا القاعدة ليس بأولى من استناد فساد البيع المذكور على القول به إلى الإجماع دون القاعدة.

قوله: «و في الاعتراض و المعارضة نظر .. إلخ» (1).

[أقول:] أمّا وجه النظر في الاعتراض فلأنّ وجوب التسليم حكم تكليفيّ و الأحكام التكليفيّة لا زالت مقيّدة بالقدرة بالدليل العقليّ الغير المتخلّف أبدا، فلا مورد للشكّ في تقييدها به، حتّى يكون موردا لأصالة عدم تقييده.

و أمّا وجه النظر في المعارضة فلأنّ أصالة عدم تقييد صحّة البيع بالقدرة على التسليم أصل أصيل لفظيّ، غير معارض لا بأصل و لا بغيره.

أمّا عدم معارضته بأصل فلما عرفت من انتفاء موضوع ما يعارضه من الأصول.

و أمّا عدم معارضته بتقييد وجوب التسليم بالقدرة فلأنّ وجوب التسليم المقيّد بالقدرة من أحكام صحّة البيع المتأخّر طبعا و رتبة، و من البيّن أنّ التقييد في الحكم المتأخّر رتبة لا يعارض عدم اعتبار ذلك التقييد في موضوع ذلك الحكم، لاختلاف رتبتي الموضوع و الحكم بالتقدّم و التأخّر. و محلّ النزاع فيما نحن فيه إنّما هو في تقييد صحّة البيع بالقدرة، و قد عرفت أنّ الأصل الأصيل اللفظي هو عدم تقييده من غير معارضته بشي ء من الأصول، و لا من غيرها.

فان قلت: إنّه معارض بأصالة عدم تقييد اشتراط القدرة.

قلت: اشتراطها إن كان مستندا إلى وجوب التسليم فقد عرفت عدم معارضته بأصالة عدم تقييد صحّة البيع.

و إن كان مستندا إلى أدلّة النهي عن بيع الغرري و البيع السفهي فمن البيّن أنّ


1- تقدّم ذكر هذا المتن بعينه في ص: 211، إلّا أنّ تعليقة المصنّف عليها مختلفة، فراجع.

ص: 216

لسان النهي عن بيع الغرر بقولهم: نهى النبي عن بيع الغرر (1) و عن السفهي بقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (2) إنّما هو ظاهر في مانعيّة العجز لا اشتراط القدرة.

نعم، لو وردتا بلسان الإيجاب- كما لو قال: بيع الغير الغرري و الغير السفهي صحيح أو مطلوب- لدلّ ظاهرا على اشتراط القدرة، و إذ ليس فليس.

و إن كان مستندا إلى الإجماع فمن المعلوم أنّه لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن من مفاده، و هو مانعيّة العجز، لا اشتراط القدرة. فتبيّن أنّ أصالة عدم تقييد صحّة البيع باشتراط القدرة سليم عن المعارض، و أنّه لا معارض له أصلا.

فتسليم المعارض له- كما فعله المجيب بالمعارضة- محلّ نظر، كما عرفت وجهه.

و أمّا ما أورد عليه المتن بقوله: «و فيه ما عرفت من أنّ صريح .. إلخ» (3) فيمكن الجواب عن الأوّل منها: بأنّ إجماعهم المذكور على تقدير تسليم صراحة معقده في اشتراط القدرة موهون، بعد استنادهم في الاشتراط إلى النهي عن بيع الغرري و السفهي، الّذي قد عرفت عدم دلالته على ما عدا مانعيّة العجز.

نعم، لو أطلقوا الإجماع و لم يستندوه إلى ما نعلم عدم دلالته على معقد الإجماع و احتملنا استناده إلى ما فيه دلالة على المطلق لم نتخلّف عن ظاهر معقده، و إذ ليس فليس.

و الجواب عن إيراده الثاني: بأنّ المراد من مانعيّة العجز هو المانع اللغويّ المتحقّق في ضمن الأمر العدمي أيضا لا المانع الاصطلاحي حتّى ينحصر تحقّقه في ضمن الأمر الوجودي دون العدمي.


1- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
2- البقرة: 188.
3- المكاسب: 186.

ص: 217

و الجواب عن الثالث: بأنّ ما قلت: من أنّ التردد بين شرطيّة الشي ء و مانعيّة مقابله إنّما يصحّ و يثمر في الضدّين مثل الفسق و العدالة مما يمكن الواسطة بينهما لا فيما نحن فيه مما يكون تقابلهما تقابل العدم و الملكة في عدم الواسطة بينهما، فيه: أنّه و إن كان كذلك إلّا أنّه يمكن فرض مورد للثمرة، و هي ما إذا شكّ في تحقّق القدرة و العجز مع الشكّ في سبق القدرة و عدمه، فإنّه على اشتراط القدرة يكون الأصل عدمها و لا يصحّ البيع، و على مانعيّة العجز يكون الأصل عدمه فيصحّ البيع، فتبيّن للتردّد ثمرة و إن كانت نادرة.

ثمّ و على تقدير اشتراط القدرة على التسليم في صحّة البيع فهل يشترط وجود القدرة حين البيع، أم حين التسليم، أم في الحينين، أم يكفي في أحد الحينين سواء كان حين العقد، أم حين التسليم؟ وجوه، أقواها الأخير؛ لأنّه الأقلّ تخصيصا في أدلّة صحّة العقد من سائر الوجوه، كما أنّ الثالث أكثر تخصيصا منها، فهو أضعفها.

و يتفرّع على هذا صحّة بيع المقدور حين التسليم و لو لم يكن مقدورا حين العقد. و كذا صحّة بيع المقدور حين العقد و لو لم يكن مقدورا حين التسليم.

و زعم بطلانه بواسطة الغرر مدفوع بفرض علم المشتري و عدم جهالته بالحال. و كذا زعم بطلانه بواسطة أنّه سفهيّ في معنى أكل مال بالباطل مدفوع أيضا بفرض أن يترتّب على البيع ثمرة عقلائيّة غير التسليم، كعتق و نحوه، فإن المنافع و الأغراض المترتّبة على الشراء لا تتوقّف على التسليم دائما، أو بفرض الثمن قليلا، بحيث تقدّم العقلاء على بذله عند رجاء المنفعة المحتملة.

ثمّ و على تقدير اشتراط القدرة أيضا فهل يعتبر قدرة المالك على التسليم، أم البائع و لو كان وكيلا أو فضوليّا، أم قدرة أحدهما، أم يكفي بقدرة المشتري على التسليم و لو لم يكن المالك و لا العاقد بقادرين على التسليم؟ وجوه، أقواها

ص: 218

الأخير، لعين ما ذكر من أقليّة التخصيص الناشئ منه في عموم أدلّة صحّة العقود من التخصيص الناشئ من سائر الوجوه.

و يتفرّع عليه صحّة بيع المقدور للمالك تسليمه و إن لم يكن مقدور التسليم لبائعه و لا لمشتريه، أو مقدور التسليم لبائعه و إن لم يكن مقدور التسلم لمالكه و لا لمشتريه، أو مقدور التسليم لمشتريه و إن لم يكن مقدور التسليم لمالكه و لا لبائعه.

ثمّ الشرط هل هو القدرة المعلومة للمتبايعين، أم القدرة الواقعيّة و إن لم تكن معلومة لهما و لا لأحدهما؟ وجهان، أقواهما الأوّل، لكن لا لكون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة حتّى يندفع بأنّه خلاف مذهب التحقيق، بل لأنّ الجهل بالقدرة على التسليم موجب لكون المعاملة غرريّة، فتبطل من هذه الجهة، لا من جهة اعتبار العلم من باب الموضوعيّة، فلو باع ما يعتقد التمكّن من تسليمه فبان عجزه في زمان البيع صحّ، سواء تجدّدت القدرة بعد البيع، أم لم تجدّد، غاية الأمر ثبوت خيار تعذّر القبض للمشتري في صورة عدم تجدّدها، كما يثبت هذا الخيار له فيما لو تجدّد تعذّر القبض بعد البيع، هكذا رجّح شيخنا العلّامة.

خلافا للمتن (1)، حيث صرّح ببطلان البيع في صورة عدم تجدّد القدرة بعد البيع.

و اعترض عليه شيخنا العلّامة: بأنّه إن اعتبر العلم بالقدرة في صحّة البيع فما وجه اعتبار تجدّد القدرة في صورة ما لو بان عدمها حين العقد، و إن اعتبر نفس القدرة الواقعيّة و لو تجدّدت بعد البيع فما وجه اعتبار العلم بها حين البيع.

و يمكن أن يكون الوجه في اعتبار العلم بالقدرة هو الاحتراز عن الجهل الموجب للغرر، كما صرّح به. و الوجه في اعتبار القدرة و لو كانت متجدّدة هو الاحتراز عن السفاهة، و أكل المال بالباطل فإنّها تندفع و لو بالقدرة المتجدّدة الغير


1- المكاسب: 187.

ص: 219

الثابتة حين البيع إذا اعتقدها حين البيع. فظهر أنّ الوجه لاعتبار الأمرين هو الاحتراز عن المحذورين، و هو الأقوى.

و منه يظهر الفرق أيضا بين تعذّر القبض المتجدّد بعد البيع فيوجب الخيار لا البطلان، و بين تعذّر القبض المنكشف ثبوته حين البيع فيكشف عن البطلان، فلا يقاس على الأوّل.

قوله: «و فيما ذكره من مبنى مسألة الفضولي ثمّ تفريع الفضولي ثمّ في الاعتراض الّذي ذكره ثمّ في الجواب عنه أوّلا و ثانيا تأمّل، بل نظر».

أقول: أمّا وجه النظر في مبنى مسألة الفضولي فلأنّه إن أراد من تقييد الحكم بكفاية قدرة الموكّل بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكّل و رضي المالك برجوع المشتري إليه تحقّق قدرة المشتري على التسليم، المراد من اشتراط القدرة على التسليم، حيث إنّه لو لم يرض المشتري بتسليم الموكّل أو لم يرض المالك برجوع المشتري عليه لم يتحقّق معنى القدرة على التسليم المشروط فيه، فمن المعلوم عدم إناطة القدرة على التسليم، و نفي الغرر بشي ء من الرضاءين لا عرفا و لا شرعا. أمّا عرفا فظاهر. و أمّا شرعا فلكفاية مجرّد الرضا بأصل العقد في لزوم لوازم العقد قطعا، و لهذا يجبر كلّ من المتبائعين بترتيب لوازم البيع لو امتنعا عن ترتيبهما بعد تحقّق البيع.

و إن أراد من تقييد الحكم غير ذلك فلا دليل على التقييد، و تخصيص عمومات أدلّة صحّة العقود.

و أمّا وجه النظر في تفريع بطلان الفضولي على ذلك المبنى فلأنّ صحّة الفضوليّ مورد النصّ (1) و الإجماع. و على ذلك فلو سلّم صحّة المبنى المذكور لم يصحّ أن يفرّع عليه بطلان ما يكون صحّته مورد النصّ و الإجماع كالفضولي


1- المستدرك 13: 245 ب «18» من أبواب عقد البيع ح 1.

ص: 220

فكيف إذا يسلّم المبنى المذكور؟

و أمّا وجه النظر في الاعتراض فلأنّ وثوق الفضولي بإرضاء المالك في المستقبل لا يعتبر المالك راضيا بالفعل و لا الفضولي وكيلا بالفعل، و لا يخرجه عن الفضولي في الحال، و إلّا لصحّ وطء المعقودة أو المبتاعة فضولة قبل الإجازة بمجرّد الوثوق و العلم بالإجازة و الرضا المستقبل.

و أمّا وجه النظر في الجواب الأوّل: فلما عرفت من منع صيرورة الفضولي وكيلا خارجا عن الفضولي بمجرّد الوثوق بتعقّب الإجازة و إرضاء المالك في المستقبل.

و أمّا وجه النظر في الجواب الثاني: فلما عرفت من ضعف التفريع و البناء على الأصل، للفرق بين الأصل و هو اعتبار القدرة، و بين الفرع و هو الفضولي، و الفارق النصّ و الإجماع.

[مسألة لا يجوز بيع الآبق منفردا]

قوله: «مسألة: لا يجوز بيع الآبق منفردا .. إلخ».

أقول: الكلام المناسب في المقام هو بيان أقوالها ثمّ بيان التنافي بين عبائرهم في ذلك و رفع ذلك التنافي ثمّ تأسيس الأصل فيها و الترجيح بينهما.

فنقول: أما الأقوال فأوّلها: المنع من بيعه منفردا مطلقا، و هو المشهور المنقول عليه الإجماع عن الخلاف (1) و الغنية (2) و الرياض (3).

و ثانيها: القول بجواز بيعه منفردا مطلقا، و هو أندرها، حتّى لم نعرف له قائلا منّا و إن نسبه في التذكرة إلى بعض علمائنا و بعض العامّة (4).


1- الخلاف 3: 168 مسألة 274.
2- غنية النزوع: 211.
3- رياض المسائل 5: 88.
4- تذكرة الفقهاء 1: 466.

ص: 221

و ثالثها: تفصيل الإسكافي (1) بين ما يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع فيجوز، و بين عدمهما فلا.

و رابعها: تفصيل الفاضل القطيفي بين ما يرضى به المشتري أو يعلم به أو يتمكّن منه عرفا فيجوز، و بين عدم ذلك كلّه فلا.

و أمّا التفصيل الآخر بين جوازه مع الضميمة و عدمه مع عدمها فراجع إلى المنع المطلق في المسألة؛ لأنّه تفصيل بين محلّ النزاع و غيره، لا تفصيل في محلّ النزاع. فلا تزيد الأقوال عن أربعة.

و أمّا العبائر المتنافية فمنها عبارة اللمعة (2)، حيث تردّد في جعل الآبق ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا و الحكم بصحّة بيع الضال و المجحود، فإنّ كلّ من فقرأتها الثلاثة- أعني: التردّد في أحدها مع الجزم بالمنع في الثانية و الصحّة في الثالثة- متنافية من جهة خفاء الفرق بينها.

و يمكن توضيح الفرق و رفع المنافاة بما أشار إليه في المتن: من أنّ الاستناد في المنع عن جعله مثمنا لعلّه إلى النصّ و الإجماع الممكن دعوى اختصاصهما بالمثمن إلخ (3).

و نظيرها عبارة التذكرة (4) حيث ينافي ظاهر صدرها المدّعى عليه الإجماع لذيلها المنقول فيه الخلاف. و يمكن رفع المنافاة بفرض الخلاف غير قادح في الإجماع، أو بفرض الخلاف في بيع الآبق المقدور عليه المشتري أو المضمون عليه البائع، و الإجماع فيما عداهما حتّى يختلف موردهما.

و أمّا تأسيس الأصل في المسألة فمن المعلوم أنّ الأصل العمليّ الأوّليّ هو


1- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة 5: 216.
2- اللمعة الدمشقيّة: 63.
3- المكاسب: 188.
4- تذكرة الفقهاء 1: 466.

ص: 222

الفساد في المعاملات، لأصالة عدم النقل و الانتقال، و الأصل اللفظيّ الثانويّ هو الصحّة، لعموم أدلّة (1) لزوم الوفاء بالعقود، فإنّ القدر المتيقّن هو تخصيصه بنهي النبي عن الغرر (2) المخرج للبيع، و نهيه تعالى عن أكل المال بالباطل (3) المخرج للبيع السفهي. فالمرجع فيما عداهما من التخصيص الزائد إلى عموم العام.

و على ذلك فإذا شككنا في إطلاق نصوص (4) المنع من بيع الآبق منفردا- الموجب لتخصيص عموم أدلّة صحّة البيع بأزيد. من التخصيص المتيقّنين، و في انصراف إطلاقها إلى ما هو الغالب المتيقّن تخصيص البيع به، و هو صورتيّ الغرر و السفه- كان المرجع المعوّل عليه هو عموم أدلّة صحّة العقود، و حمل إطلاق نصوص المنع من بيع الآبق على صورة لزوم الغرر أو السفه، كما هو الغالب، فيصحّ بيع الآبق منفردا فيما عدا الصورتين، أخذا بعموم أدلّة صحّة العقود، و الاقتصار في تخصيصها على القدر المتيقّن.

و أمّا إطلاق معقد الإجماعات المنقولة على المنع و على اشتراط القدرة على التسليم فمضافا إلى وهنها بوجود المخالف و نقل الخلاف أولى بالحمل على منصرف إطلاق نصوص المنع، كما لا يخفى.

و لو سلّمنا إطلاق نصوص المنع و معقد الإجماع المنقول فمقتضى الأصل المذكور هو الاقتصار في المنع على خصوص موردها، و هو جعل الآبق مثمنا، فلا يتعدّى إلى جعله ثمنا، فضلا عن التعدّي عن الآبق إلى الضالّ و المجحود.

فتبيّن مما ذكر أنّ الأظهر صحّة بيع الآبق منفردا إذا تجرّد عن الغرر بفرض علم المشتري و عن السفه بقصد الانتفاع بعتقه، أو بضمان البائع له، أو بقلّة ثمنه


1- المائدة: 1.
2- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
3- البقرة: 188.
4- الوسائل 12: 262 ب (11) من أبواب عقد البيع و شروطه.

ص: 223

بحيث يقدّم العقلاء على ضرره، أو غير ذلك ممّا يخرج المعاملة عن السفهي.

نعم، يبقى الكلام في الصغروي هو أنّ إرادة المشتري من شراء الآبق عتقه أو ضمان البائع له هل يخرجه عن الغرر المبطل، أم لا؟ وجهان، بل قولان مبنيّان على تشخيص كون المراد من نفي الغرر نفيه عن نفس البيع على أن يكون البيع بنفسه خاليا عن الغرر مع الإغماض عن الأحكام و الشروط و القصود اللاحقة الرافعة لغرره الأصلي، أم المراد من نفي الغرر نفيه و لو بواسطة الأحكام و الطوارئ اللاحقة الرافعة لغرره الأصلي، فيصحّ بيع الآبق منفردا فيما يراد عتقه، لأنّ هذه الإرادة رافعة لغرره الأصلي. و كذا بيع المضمون على البائع دركه شرعا أو شرطا فان هذا الضمان رافع لغرره الأصلي المفروض بالإباق أو الضلال، و لعلّ الظاهر من عموم النهي عن الغرر هو الأوّل، كما لعلّ الظاهر من نصوص (1) تعليم بيع الآبق مع الضميمة و تعليل الجواز فيها بمضمون كون الضميمة مقلّلة للغرر هو الثاني. و هو الأقوى، لاعتضاده بعموم أدلّة صحّة البيع و الاقتصار في تخصيصه على المتيقّن. و قد عرفت أنّه الأصل الأصيل الّذي عليه التعويل عند اشتباه السبيل. و على ذلك فيجدي في رفع الغرر الحكم بصحّة البيع مراعى بالتسليم، فإن تسلّم قبل مدّة لا يفوت الانتفاع المعتدّ به و إلّا تخيّر بين الفسخ و الإمضاء، كما استقربه اللمعة (2) في بيع الضالّ و المجحود.

و لا يرد عليه ما أورده الماتن: من أنّ ثبوت الخيار حكم شرعيّ عارض للبيع الصحيح الّذي فرض فيه العجز عن تسليم المبيع، فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا في البيع المبطل له- إلى قوله- فتأمّل (3).

إشارة إلى ما عرفت من انتقاضة بصحّة بيع الآبق مع الضميمة بالتعليل


1- الوسائل 12: 262 ب (11) من أبواب عقد البيع و شروطه.
2- اللمعة الدمشقية: 63.
3- المكاسب: 188.

ص: 224

المشير فيه إلى كون الضميمة مقلّلة للغرر، و إلى كونها كالحيل الشرعيّة الرافعة له.

مضافا إلى أنّ المرجع المعوّل عليه لو فرض الشكّ و الاشتباه في المقام هو عمومات أدلّة صحّة العقود، و إلى إمكان منع إطلاق العرف الغرر على ذلك البيع، بعد اطّلاعهم على الحكم الشرعيّ اللاحق للمبيع من ضمانه قبل العلم، و من عدم التسلّط على مطالبة الثمن، سيّما إذا أخذ المتبائعان هذا الخيار في متن العقد فباعه على أن يكون له الخيار إذا لم يحصل المبيع في يده إلى مدّة معلومة، و لهذا لا يعدّ بيع العين الغير المرئيّة الموصوف بالصفات المعيّنة من بيع الغرر، إلى آخر ما أشار إليه الماتن (1) قدّس سرّه.

بقي الكلام في أنّه هل يلحق بالبيع الصلح و الإجارة و غيرها من سائر المعاوضات في اعتبار القدرة على التسليم و بطلان الغرري و السفهيّ منها، أم لا؟

وجهان، أشار إليهما الماتن (2)، أقواهما و أشهرهما الأوّل؛ لأنّ الغرر المنفيّ في النبويّ (3) و إن قيّد بالبيع إلّا أنّ الظاهر من فهم الأصحاب و غيره هو ورود القيد مورد الغالب، فلا عبرة به، كما لا عبرة بالإطلاق الوارد مورد الغالب، بل ادّعى شيخنا العلّامة إجماعهم على أنّ الغرر مبطل في جميع العقود، حتّى في عقد الوكالة و الوصيّة، و أنّه إن كان لهم كلام و خلاف في بعض العقود فهو في تشخيص الصغرى، و هو تحقّق الغرر و عدمه.

نعم، الغرر في الصلح يرتفع بمجرّد المشاهدة و الوصف، و ليس كغرر البيع في عدم ارتفاعه إلّا بالتقادير، لاختصاص أخبار عدم رفعه بالتقادير بالبيع دون الصلح و في المسألة وجوه و أقوال أخر، ثالثها: التفصيل بين الصلح المحاباتي و غيره فيغتفر الغرر في الصلح المحاباتي لا غيره.


1- المكاسب: 188- 189.
2- المكاسب: 188.
3- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.

ص: 225

و لكن هذا التفصيل راجع إلى عدم اغتفاره في الصلح مطلقا و ذلك لأجل اغتفاره في المحاباتي من جهة عدم تصوير الغرر فيه أصلا، لعدم تعلّق الغرض بالعوض فيه إلّا للخروج عن شبهة الخلاف و نحوه و رابعها التفصيل بين العوض و المعوّض أعني: التفصيل بين المصالح به فلا يغتفر الغرر و الجهل فيه و بين المصالح عنه فيغتفر فيه ذلك و خامسها بالتفصيل بين المصالحة على استمرار بقاء الموجود كالمصالحة على (1) إبقاء عروق الشجر الساري إلى دار الغير مثلا فيغتفر فيه الغرر و الجهل، و بين المصالحة على انتفاء إحداث شي ء كإحداث تراب و نحوه في دار الغير الذي يغتفر فيه الغرر و الجهل، و يرجع هذين التفصيلين إلى انتفاء الغرر فيما اغتفر فيه، لا انتفاء حكمه.

و سادسها: التفصيل بين الصلح المتعذّر أو المتعسّر فيه رفع الغرر و الجهل فيغتفر فيه و بين الغير المتعذّر فيه ذلك و المتعسّر.

و سابعها: التفصيل بين العوض المصالح به فلا يغتفر فيه الغرر و الجهل مطلقا، و بين المعوّض المصالح عنه فيغتفر فيه ما تعذّر أو تعسّر رفعه من الغرر و الجهل دون ما لم يتعذّر و لا يتعسّر منهما. و هو الأقوى، وفاقا لما استقواه شيخنا العلّامة، و جمعا بين عمومات أدلّة الصلح، و بين عموم نفي الغرر، مع عموم نفي العسر و الحرج.

قوله: «لئلّا يخلو الثمن عن المقابل. فتأمّل».

[أقول:] لعلّ التأمّل إشارة إلى ما يقال: من أنّ ظاهر جوابه عليه السّلام عن شراء الآبق بقوله: «لا يصلح إلّا أن يشتري معه ثوبا أو متاعا» (2) هو عموم المنع قضاء لوقوع النكرة في سياق النفي، إلّا في مورد التنصيص و التخصيص، و هو اعتبار


1- هذا هو المقدار الذي تمكّنا أن نقرأه من هامش النسخة الخطّيّة.
2- الوسائل 12: 262 ب (11) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.

ص: 226

كون الضميمة ممّا يصلح للبيع بعد التموّل، فلا يصلح ضميمة المنافع كسكنى الدار أو ركوب الدابّة إلى الآبق، فضلا عن ضميمة الحقوق، كحقّ الشفعة، و حقّ القسمة و المضاجعة، و حقّ الاختصاص، لخروجها عن مورد التنصيص بالتخصيص، فيلحقها عموم منع العامّ، لأنّ المرجع المعوّل عليه عند إجمال المخصّص و دوران التخصيص بين الأقلّ و الأكثر.

و لكن يدفعه ظهور قوله عليه السّلام في ذيل الخبر: «فإن لم يقدر على العبد كان الّذي نقده فيما اشترى معه» (1) في تعليل الحكم بوجود ما يمكن مقابلته بالثمن، فيكون ذكر اشتراء الضميمة معه من باب المثال، أو كناية عن نقل مال، أو حقّ إليه مع الآبق، لئلّا يخلو الثمن عن المقابل.

مضافا إلى إمكان دعوى تنقيح المناط القطعي، و عدم الفرق في الضميمة، بعد اعتبار التموّل فيه بين المال و المنفعة و الحقّ.

و إلى أنّه لو سلّمنا تعارض ظهور ذيل الخبر الدالّ على اكتفاء مطلق الضميمة مع ظهور صدره الدال على عموم المنع و عدم حكومة ظهور ذيل الكلام على ظهور صدره كان المرجع إلى الأصل الأصيل، الّذي عليه التعويل عند اشتباه السبيل، و هو عموم أدلّة صحّة العقود.

قوله: «لا إشكال في انتقال الآبق إلى المشتري».

أقول: بل و لا في عدم رجوع المشتري إلى البائع و لو لم يقدر عليه و تعذّر تحصيله.

إنّما الإشكال في أنّ الثمن المدفوع في شراء الآبق مع الضميمة هل يحتسب بحسب الواقع في إزاء الضميمة كما لعلّه الظاهر من استناد صحّة البيع إلى الضميمة، أم يحتسب مجموعه في إزاء الآبق كما لعلّه الأقرب إلى قصد


1- الوسائل 12: 263 ب (11) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2.

ص: 227

المتبائعين للآبق، أم يحتسب الثمن في إزاء كلّ من الآبق و الضميمة على وجه التوزيع و التقسيط فيوزّع على كلّ منهما في الواقع مقدار ما يقابله من الثمن كما يقتضيه ظاهر وقوع العقد على مجموعهما معا، أم يكون احتساب الثمن مراعى بأنّه إن حصل الآبق توزّع على كلّ منهما بمقدار ما قابله من الثمن و إن لم يحصل وقع مجموعه في إزاء الضميمة، كما هو الظاهر من قوله في ذيل الخبر: «فإن لم يقدر على العبد كان الّذي نقده فيما اشترى معه» (1)، فإنّ مفهومه أنّه إن قدر عليه لم يكن الّذي نقده فيما اشترى؟ وجوه، أظهرها الأخير.

و تظهر الثمرة في فروع كثيرة:

منها: ظهورها فيما لو كانت الضميمة المنضمّة إلى الآبق في البيع مالكها الغير فأجاز، فإنّه على الوجه الأوّل: يستحقّ مالك الضميمة المجيز للبيع مجموع ثمن الآبق و الضميمة، و على الثاني لا يستحقّ شيئا من الثمن، و على الثالث يستحق من الثمن مقدار قيمة الضميمة، و على الرابع التفصيل بين ما إذا حصل الآبق فيستحقّ صاحب الضميمة مقدار قيمتها، و بين ما إذا لم يحصل فيستحقّ المجموع.

و منها: ظهور الثمرة في صيرورة الحكم بعدم رجوع المشتري على البائع عند عدم حصول الآبق في يده، الّذي هو في حكم التلف قبل القبض، مخصّصا لعموم «إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه» (2) على الوجهين الوسطين، و عدم صيرورته مخصّصا على الوجهين الآخرين.

و منها: ظهور الثمرة أيضا فيما لو تلف الضميمة قبل القبض، فعلى الوجه الأوّل: يسترجع مجموع الثمن، و على الثاني: لا يسترجع منه شيئا، و على


1- الوسائل 12: 263 ب (11) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2.
2- الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب الخيار، و المستدرك 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 228

الثالث: يسترجع منه ما قابل الضميمة، و على الرابع: التفصيل بين ما إذا حصل الآبق في اليد فيسترجع منه بما قابل الضميمة و بين ما إذا لم يحصل فيسترجع مجموع الثمن.

و منها: ظهور الثمرة فيما لو تلف الآبق قبل قبضه من غير جهة الإباق، فعلى الأوّل: لا رجوع للمشتري على البائع بشي ء من الثمن لكونه في إزاء الضميمة، و على سائر الوجوه: له الرجوع بكلّ الثمن على الوجه الثاني، و بما يقابله منه على الوجهين الأخيرين. و ذلك لأنّ المتيقّن من تخصيص قوله عليه السّلام: «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (1) إنّما هو تلف الآبق من جهة إباقه، أي من جهة عدم القدرة على استرجاعه من الإباق، فإنّه من مال مشتريه لا بائعه.

و أمّا لو تلف بسائر الجهات كموته في زمان رجاء الوجدان فهو من مال بائعه قطعا.

و منها: ظهور الثمرة فيما لو وجد المشتري في الآبق عيبا سابقا فإنّ له الرجوع بأرشه على بعض الوجوه دون بعضها. فنسبة المصنّف إطلاق الرجوع بأرشه إلى القيل (2) لعلّه إشارة إلى تمريضه من هذه الجهة.

و منها: ظهور الثمرة أيضا فيما لو وجد في الضميمة عيبا سابقا فإنّ له الرجوع بأرشه على بعض الوجوه دون بعض.

ثمّ الطريق في أخذ الأرش أيضا يتفاوت على بعض الوجوه، فإنّه على تقدير وقوع الثمن في إزاء ما ظهر معيبا فقط هو تقويم المعيب منفردا و الأخذ من المسمّى بنسبة التفاوت الموجود بينه و بين صحيحه منفردا، و على تقدير وقوعه في إزاء المجموع المركّب من الآبق و الضميمة هو تقويم المجموع المركّب منهما


1- انظر الهامش «2» في الصفحة السابقة.
2- المكاسب: 189.

ص: 229

و الأخذ من المسمّى بنسبة التفاوت الموجود بين المركّب من المعيب و المركّب من الصحيح. و لعلّ نسبة المصنّف إطلاق الرجوع بالأرش في عيب الآبق إلى القيل (1) إشارة إلى تمريضه من هذه الجهة أيضا.

[مسألة المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا و كذا المثمن]
اشارة

قال: «فلو باع بحكم أحدهما بطل إجماعا .. إلخ».

أقول: لا إشكال و لا خلاف في بطلان البيع بحكم أحد المتبائعين على وجه الإطلاق لو كان الإطلاق مقصودا لهما للغرر و الجهالة. و إنّما الإشكال و الخلاف في البيع بحكم أحدهما على وجه التقييد، أعني: تقييد الحكم بالثمن السوقيّة، حيث إنّ في بطلانه كما هو ظاهر المشهور، أو جوازه كما عن الحدائق (2) وجهان، من عموم لا غرر، و من منع كونه غررا، بعد تقييد الحكم بالثمن السوقيّة بحسب القصد بالفرض، و انصراف الحكم إليه أيضا بحسب اللفظ في العرف بواسطة أنّه أقرب مجازات المعنى الحقيقي، و هو مطلق الحكم المتعذّر إرادته بقرينة الحال و الاعتبار، كما يشهد به الاختبار في العرف، إذا لا يخفى على المخبر الخبير من حال العرف أنّ مقصودهم من إكالة الثمن إلى الحكم ليس مطلق الحكم و لو كان بأقلّ من القيمة السوقيّة قطعا، فتعيّن انصرافه إلى أقرب مجازاته، و هو القيمة السوقيّة عرفا. فتبيّن أنّ صحّة البيع بحكم أحد المتبائعين المتقيّد بالثمن السوقيّة بشاهد الحال قويّ بالغاية، لوجود المقتضي و هو عموم أدلّة صحّة البيع، و انتفاء المانع و هو الغرر المنفي.

و أقوى منه ما عن الإسكافي (3) من تجويز قول البائع بعتك بسعر ما بعت على أن يكون للمشتري الخيار. و وجه الأقوويّة هو انتفاء الغرر فيه من أحد الجانبين بالفرض، و من الجانب الآخر بالخيار، و لكنّه مبنيّ على ما مرّ في


1- المكاسب: 189.
2- الحدائق الناضرة 18: 460.
3- حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة 5: 244.

ص: 230

المسألة السابقة من اختيار انتفاء الغرر عرفا بالخيار و إن كان حكما عرفيّا عارضا للبيع.

و أمّا ما قاله المصنّف: من أنّ صحّة البيع بحكم المشتري و انصراف الثمن إلى القيمة السوقيّة بهذه الرواية- كما عن ظاهر الحدائق- ضعيف و أضعف منه ما عن الإسكافي إلخ (1) فمبنيّ على تقدير ثبوت الغرر، و فرض الرواية (2) مخصّصة لعموم نفيه.

و من المعلوم على هذا التقدير أنّ ضعف صحّة البيع بحكم المشتري للرواية هو إباء عموم نفي الغرر المؤيّد بالعقل و الاعتبار عن التخصيص بمثل الرواية، الموهونة بإعراض الأكثر، و أنّ أضعفيّة صحّة ما عن الإسكافي هو خروج مدّعاه عن مورد تلك الرواية أيضا، مع ثبوت الغرر فيه.

و أمّا على التقدير الآخر- و هو منع موضوع الغرر في البيع بحكم المشتري- فمن المعلوم قوّة الصحّة، و أقوائيّة ما عن الإسكافي حسب ما ذكر.

فتلخّص: أنّ صحّة البيع بحكم المشتري على تقدير انتفاء موضوع الغرر بالتقريب المذكور قويّ، و أقوى منه ما عن الإسكافي، و على تقدير بقاء الغرر و إرادة تخصيصه بالرواية ضعيف، و أضعف منه ما عن الإسكافي.

و مما ذكرنا: ظهر لك أنّ تضعيف الرواية بأنّ البيع بحكم المشتري إن صحّ على إطلاقه فلا وجه لتقييد الرواية إطلاقه بالقيمة السوقيّة، و إن لم يصحّ فلا وجه لتصحيح الرواية إيّاه ضعيف بما عرفت من تقييد صحّته بعدم إرادة إطلاقه.

فالرواية (3) الدالّة على صحّة البيع بحكم المشتري، نظير الرواية الدالّة على أنّ الشي ء الموصى به لشخص هو السدس (4) من غير تعليل، و السهم هو الثمن،


1- المكاسب: 190.
2- الوسائل 12: 271 ب «18» من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.
3- الوسائل 12: 271 ب «18» من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.
4- الوسائل 13: 450 ب «56» من أبواب أحكام الوصايا ح 1.

ص: 231

معلّلا إيّاه عليه السّلام بأنّه أصناف الزكاة الثمانية، و أنّ النبي صلّى اللّٰه عليه و آله قسّمها على ثمانية أسهم (1)، و الجزء هو العشر، ممثلا عليه السّلام بقوله تعالى لَهٰا سَبْعَةُ أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (2). و نظير الروايات (3) الدالّة على أنّ القائل كلّ عبد قديم لي فهو حرّ تحرير لكلّ من استخدمه ستة أشهر من عبيده، معلّلا بقوله تعالى:

وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰاهُ مَنٰازِلَ حَتّٰى عٰادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (4). فان من المعلوم أنّ التعليل بتلك التعليلات تعليل بالاستعمال، و هو لا يصلح للعليّة، و إنّما ذكروها عليهم السّلام على وجه التقريب و التمثيل للمنصرف، الصحيح شرعا من اللفظ، المجمل لغة، الغير المراد إجماله قصدا. و نظير الرواية (5) الواردة فيمن نذرت الطواف على أربع يديها و رجليها أنّ عليها طوافين، حيث عمل بمضمونها المشهور، مع مخالفتها للأصل، و كون الهيئة المنذورة غير متعبّد بها شرعا.

فكما أنّ في أمثال هذه الروايات إيماء و إشعار و إرشاد إلى أنّ مدلول اللفظ اللغويّ فيها إذا كان مجملا مفسدا للعقد المتعلّق به المقصود صحّته بشاهد حال و نحوه فلا بدّ من انصرافه إلى معنى مبيّن يصحّ معه العقد شرعا، و هو السدس في الشي ء، و الثمن في السهم، و العشر في الجزء، و استخدام ستة أشهر في العبد القديم، و الطوافين في الطواف على أربع. كذلك الرواية الدالّة على صحّة البيع


1- الوسائل 13: 448 ب «55» من أبواب أحكام الوصايا ح 2.
2- لا يخفى أنّه لا ينطبق قوله: «و الجزء هو العشر» مع الآية المذكورة؛ لأنّه إمّا أن يكون الجزء هو واحد من سبعة فينطبق مع الآية المذكورة، و توجد روايات بهذا المعنى، انظر الوسائل 13: 442 ب «54» من أبواب أحكام الوصايا. أو أن يكون الجزء هو واحد من عشرة فينطبق مع قوله تعالى ثُمَّ اجْعَلْ عَلىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً، و توجد روايات بهذا المعنى أيضا، انظر الوسائل 13: 442 ب «54» من أبواب أحكام الوصايا.
3- الوسائل 16: 34 ب «30» من أبواب العتق.
4- يس: 39.
5- الوسائل 9: 478 ب «70» من أبواب الطواف.

ص: 232

بحكم المشتري و تقييده الحكم بالقيمة السوقيّة لا تخلو عن الإيماء بل الإرشاد إلى أنّ مدلول حكم المشتري لمّا كان إطلاقه في اللغة مجملا مفسدا للبيع المتعلّق به المقصود صحّته بشاهد حال و نحوه فلا بدّ من انصرافه إلى معنى مبيّن يصحّ معه العقد شرعا، و هو القيمة السوقية، نظير انصراف اللفظ إلى أقرب مجازاته العرفيّة عند تعذّر إرادة الحقيقة منه، كما لا يخفى.

و بالجملة: فالرواية لا تقصر في الدلالة على المطلوب عن أشباهها و نظائرها المذكورة.

قوله: «و الإيراد على دلالة الصحيحة (1) بالإجمال .. إلخ».

أقول: أمّا وجه الإجمال فلأنّ سمّيت كيلا محتمل لاشتراط الكيل فيه، كما لعلّه الظاهر من التسمية، فيكون وجه قوله عليه السّلام: «فإنّه لا يصلح مجازفة» (2) من جهة تخلّف الشرط، لا من جهة تخلّف اعتبار الكيل في المكيل. و محتمل لتسمية كيل مجهول كما لعلّه ظاهر تنكير الكيل المسمّى، ليكون وجه عدم صلوح المجازفة هو الغرر، لا انتفاء الكيل. و محتمل لكون التسمية كناية عن كون الطعام مكيلا في العادة، فيكون وجه عدم صلوح المجازفة هو اعتبار الكيل في كلّ مكيل.

و أمّا وجه عدم وجاهة هذا الإيراد فلأنّ تسمية الكيل و إن احتمل لكلّ من المعاني الثلاثة إلّا أنّه بمعونة فهم المشهور و صراحة سائر الأخبار الأخر (3)- الّتي هي كالقرآن يفسّر بعضها بعضها- تنجبر الدلالة، و نستقرب الإرادة، و تتعيّن في المعنى الأخير، و هو كون التسمية كناية عن كون الطعام مكيلا في العادة، فيتمّ دلالة الخبر، كدلالة سائر الأخبار الأخر على اعتبار الكيل في المكيل.


1- الوسائل 12: 254 ب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2.
2- الوسائل 12: 254 ب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2.
3- الوسائل 12: 254 ب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه.

ص: 233

و حينئذ فيندفع ما يقال: من أنّ توصيف الطعام بكونه مكيلا الظاهر في التنويع، مع أنّه ليس من الطعام ما لا يكال و لا يوزن، إلّا مثل الزرع قائما يبعد إرادة المعنى الأخير من الرواية و يقرب إرادة ما عداه. و وجه الاندفاع ليس مجرّد إمكان منع ظهور التوصيف في التنويع، و لا مجرّد احتمال إرادة المطعوم من الطعام، بل إنّما هو ما ذكرنا من انجبار ضعف الدلالة على تقدير ضعفه، بمعونة فهم المشهور، و صراحة سائر الأخبار الأخر المفسّرة بعضها بعضها. و لعلّ وجه تأمّل الماتن (1) إشارة إلى ذلك، كما لا يخفى.

قوله: «فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع و كيله مدار الغرر الشخصي قريب في الغاية».

أقول: بل هو المتعيّن من ظاهر الأدلّة أمّا من أخبار (2) اعتبار الكيل و الوزن فلأنّها و إن كانت مطلقة إلّا أنّ منصرف إطلاقها هو الدوران مدار الغرر الشخصيّ صرفا للمطلق إلى الأفراد الغالبة لا النادرة. و أمّا عموم لا غرر فإنّ مفاده بحسب العرف و اللغة ليس إلّا نفي الغرر الشخصي و الفعلي، أعني: فساد كلّ ما اشتمل من المعاملات على غرر فعلا، دون ما اشتمل عليه نوعا و شأنا، أعني: ما من شأنه الاشتمال على الغرر المتحقّق فعليّته في غالب الأفراد و إن لم يشتمل عليه شخصه فعلا، فإنّ إلحاق ما لم يشمل شخصه على غرر فعلا على ما اشتمل عليه يحتاج إلى قرينة خارجة تنضمّ إلى نفي الغرر حتّى تدلّ على اطّراد الحكم، و عدم الفرق بين الأفراد أو عدم الفصل بين حكمها لمصلحة التسهيل أو غيره من المصالح العامّة أو الخاصّة، كما في نفي العسر و الحرج، الدافع لنجاسة الحديد عن جميع المكلّفين، حتّى عمّن لا يتعسّر عليه الاجتناب، و الرافع لوجوب الاجتناب عن


1- المكاسب: 190.
2- الوسائل 12: 254 ب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه.

ص: 234

الشبهة الغير المحصورة، حتّى عمّن لا يتعسّر عليه الاجتناب، حيث أنّه بضميمة الإجماع المركّب و عدم القول بالفصل بين أفراد المكلّفين في الاجتناب و عدم الاجتناب عنهما، و إلّا فمجرّد نفي العسر و لحرج لو لا تلك الضميمة الخارجيّة إنّما هو كعموم نفي الضرر (1) و الغرر (2) لا يدلّ بمدلوله اللفظي و بمتفاهمه العرفيّ على التعدّي عن موضوعه الشخصيّ و الفعليّ إلى النوعيّ و الشأنيّ.

و من هنا كان مختارنا في الأصول على إناطة نفي العسر و الحرج على العسر و الحرج الشخصيّ و الفعليّ في جميع موارده، إلّا في الموردين المتقدّمين الخارجين بضميمة الخارج، و كذلك نفي الضرر و الغرر منوطان بالضرر و الغرر الشخصيّ، فلا يتعدّى منه إلى النوعيّ إلّا بضميمة شي ء من الضمائم الخارجيّة، و إذ ليست فليس.

ثمّ لو سلّمنا كون المناط في الغرر على الغرر النوعيّ فلنا تصحيح تلك المعاملة المفروض سلامتها عن الغرر الشخصيّ بعد إحراز أنّ التمليك المقصود للمتعارضين فيها غير مقيّد بصحّة البيع شرعا، على وجه لا ينتفي بانتفائها، كما يدلّ عليه شاهد حالهما، و فحوى تقاولهما بتخصيص اشتراط انتفاء الغرر النوعيّ.

بخصوص عقد البيع، و تخريج ما نحن فيه عن عقد البيع إلى البيع المعاطاتي.

و لو سلّمنا أيضا اشتراطه في مطلق البيع فلنا تخريج ما نحن فيه عن البيع إلى معاملة مستقلّة يدلّ على صحتها عموم تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (3) و «لا يحل مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه» (4)، فإنّ عمومهما يدلّ على صحّة كلّ ما اشتمل على الرضا و الطيب و إن لم يندرج في أحد العقود المتعارفة الثمانية عشر،


1- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار ح 3 و 4 و 5.
2- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
3- النساء: 29.
4- عوالي اللئالي 2: 113 ح 309.

ص: 235

بل و إن اندرج في ضمن المعاملة الربويّة أو القماريّة إذا رجع التعاطي فيها إلى الطيب و الرضا، لا الالتزام بخصوص عنوان الربا و القمار، كما خصّص بعض العلماء قوله عليه السّلام: «ثم العذرة سحت» (1) بخصوص ما إذا استند تعاطيه إلى الالتزام ببيع العذرة، بخلاف ما لو استند إلى الرضا و الطيب فلا سحت فيه، بل لعلّ ما يثاب الراضي على رضائه بعموم لٰا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (2).

بل لو سلّمنا تخصيص عموم الرضا و الطيب بخصوص ما يوجد في ضمن أحد المعاملات المشروعة و سلّمنا أيضا تخصيص عموم «الوفاء بالعقود» بخصوص العقود المتعارفة المعهودة الثمانية عشر بدعوى الانصراف أو الاحتراز عن توهّم لزوم التخصيص بالأكثر فلنا تصحيح ما نحن فيه أيضا بإرجاعه إلى الهبة المعوّضة أو المصالحة بعوض أو غير ذلك، مما يغتفر فيه الغرر في الجملة، فضلا عن الغرر النوعيّ السليم شخص المعاملة عنه فعلا.

قال: «اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس و عدم جوازه على أقوال .. إلخ».

أقول: الكلام المناسب في المسألة هو تحرير محلّ النزاع أوّلا، ثمّ تأسيس الأصل، ثمّ بيان الأقوال، ثمّ تحقيق الحقّ.

فنقول: أمّا تحرير محلّ النزاع فمن جهات:

الاولى: أنّ النزاع في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس مبنيّ على تقدير كون المناط في الغرر المنفيّ هو الغرر النوعيّ، و إلّا فعلى كون المناط هو الغرر الشخصيّ فلا إشكال و لا خلاف في دوران الجواز مدار رفع الغرر الشخصيّ وجودا و عدما، من غير مدخليّة للكيل و الوزن، إلّا التوصّل الغالبي الحاصل منهما


1- الوسائل 12: 126 ب «40» من أبواب ما يكتسب به ح 1.
2- البقرة: 237.

ص: 236

إلى رفع الغرر، فضلا عن مدخليّة خصوص الكيل في المكيل و الوزن في الموزون.

الثانية: أنّ محلّ النزاع في كفاية الكيل في الموزون و بالعكس إنّما هو في كفايته من باب الموضوعيّة و الأصالة، أي و إن لم يكشف الوزن كيل المكيل و الكيل وزن الموزون. و أمّا من باب الطريقيّة و كشف الكيل في الموزون عن وزنه و الوزن في المكيل عن كيله فلا إشكال في جوازه حيثما كشف، بل و لا في جواز الاكتفاء بالمشاهدة الكاشفة عن وزن الموزون و كيل المكيل، كمشاهدة الماهر في التخمين من اولى الحدس الصائب.

و الحاصل: أنّ أخبار اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون إنّما هو من باب الطريقيّة و الكشف عن مقدار المبيع؛ لأنّه الغالب، فيحمل عليه إطلاق اعتبارها، لا من باب التعبّد و الموضوعيّة. و يتفرع عليه صحّة بيع المستعلم مقداره بحدس صائب أو متخالف بما يتسامح به عرفا و إن كان من المكيل و الموزون، و عدم صحّة بيع المستعلم مقداره بكيل مجهول أو وزن مجهول لا يعرفه أحد المتعاملين و إن علمه الآخر، كالحقّة و الرطل و الوزنة في اصطلاح أهل العراق بالنسبة إلى الأعاجم، و كذا المنّ و السير و الخروار باصطلاح الأعاجم بالنسبة إلى الأعراب، لانتفاء الغرر الشخصيّ في الأوّل بمجرّد ذلك الحدس، و عدم انتفائه في الثاني بمجرّد معرفة اسم الوزن مع الجهل بمقدار مسمّاه، إلّا إذا اندفع غرر الجهل بمقدار ذلك الاسم بمعرفة ثمنه السوقيّة في بلد الشراء، كما جزم به شيخنا العلّامة.

و كيف كان فعلى تقدير اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون من باب الطريقيّة لا إشكال و لا نزاع في صحّة قيام كل منهما مقام الآخر حيثما كشف عن مقدار المبيع. و إنّما الإشكال و النزاع في الاكتفاء بتقدير أحدهما عن الآخر

ص: 237

مبنيّ على تقدير اعتبارهما من باب الموضوعيّة و الأصالة.

و أمّا تأسيس الأصل في المسألة فمع المجوّز المطلق في المسألة، أعني مع جواز الاكتفاء في المكيل بالوزن و بالعكس حيثما انتفى الغرر الشخصي، و المراد من هذا الأصل هو عموم أدلّة (1) صحّة العقود و حلّية البيع بمجرّد الطيب و التراضي.

و أمّا ما قاله شيخنا العلّامة من أنّ الأصل مع المانع من اكتفاء أحدهما عن الآخر فقد اعترضت عليه بأنّه إن أردت منه الأصل العمليّ- و هو استصحاب عدم النقل و الانتقال به- فمن المعلوم ورود عموم أدلّة الصحّة و حلّية البيع بمحض الطيب و التراضي عليه، و إن أردت منه الأصل اللفظي- أعني إطلاق أدلّة اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون- فقد عرفت استظهار انصرافها إلى الطريقيّة بالغلبة، و إلى المنع عن بيع المجازفة و الغرر لا غير.

فأجاب دام ظلّه: بأنّ البناء على الموضوعيّة و الجمود على إطلاق أخبار اعتبار التقدير القاضي أصالة عدم جواز كفاية أحد التقديرين عن الآخر لتخصيصه و حكومته على أصالة الجواز، المستند إلى عموم أدلّة صحّة العقد، و عموم حلّية البيع بمجرّد الطيب و التراضي.

و أمّا الأقوال في المسألة فثالثها: التفصيل بين وقوع المعاملة على المتاع الكثير المتعذّر أو المتعسّر تقدير المكيل منه بالكيل و الموزون بالوزن، فيجوز الاكتفاء بالوزن في المكيل و الكيل في الموزون، و لعلّه مستظهر من رواية عبد الملك (2) المذكورة في المتن (3). و بين عدم التعذّر و التعسّر فلا يجوز، للأصل المتقدّم.


1- المائدة: 1، و البقرة: 275، و عوالي اللئالي 2: 113 ح 309، و النساء: 29.
2- الوسائل 12: 255 ب (5) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 1.
3- المكاسب: 191.

ص: 238

و رابعها: التفصيل بين تقدير المكيل بالوزن فيجوز، للشهرة المستفيضة، الّتي كادت تكون إجماعا، و لأنّ الوزن أضبط و أرفع للغرر، و لأنّه الأصل في التقدير. و بين العكس- أعني: تقدير الموزون بالكيل- فلا يجوز، للأصل. و هو الأقوى، بناء على اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون من باب الموضوعيّة، و إلّا فعلى ما هو المختار من اعتبارها من باب الطريقيّة و التوصّل إلى رفع الغرر الشخصيّ- كما هو ظاهر الشهيدين في الروضة (1)- فالأقوى في المسألة هو الجواز المطلق، لعموم أدلّة صحّة البيع إلّا فيما لم يرتفع الغرر، كالكيل في بعض الموزونات العزيزة ماليّتها كالذهب و الفضة.

قوله: «قصور الرواية سندا بوهب (2)-

أي بين الثقة و غيره- و دلالة بأنّ الظاهر منها [جواز] إسلاف الموزون في المكيل- أي مبادلة الموزون بالمكيل- و بالعكس لا [جواز] تقدير [المسلم فيه] المكيل بالوزن و بالعكس».

قوله: «بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ ضبط كلّ شي ء بحسب متعارفة، و ليس له حقيقة سوى ذلك، إلّا أن يكون له متعارف سابق، فيكون حقيقة بالنسبة إلى لاحقه.

قوله: «بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا .. إلخ».

أقول: الّذي يناسب المسألة الكلام أوّلا: في تحرير محلّ النزاع. و ثانيا:

في بيان مبنى المسألة و ما يتفرّع عليه النزاع فيها. و ثالثا: في بيان وجوه المسألة و أقوالها. و رابعا: في تحقيق الحقّ منها.

أمّا الكلام في محلّ النزاع فمن جهات:


1- الروضة 3: 266.
2- الوسائل 13: 63 ب (7) من أبواب السلف ح 1.

ص: 239

الاولى: أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ النزاع في هذه المسألة ليس في مفهوم المكيل و الموزون و تشخيص معنى اللفظ، و إلّا لكانت من الموضوعات المستنبطة المتّفق على كون المرجع في تشخيصها إلى عرف الشارع، أو العرف العام، أو الظنّ المطلق، على وجه الترتيب، أعني: تقديم عرف الشارع إن وجد، و العرف العامّ إن لم يوجد، و الظنّ المطلق إن لم يوجدا، من غير نزاع فيه، و لا في ترتّبه بالترتيب المتقدّم.

كما لا ينبغي الإشكال أيضا في عدم كون النزاع في تشخيص كون التقدير الموجود في زماننا مثلا للشي ء بالكيل أو أحد أخويه هل هو التقدير الموجود في زمان الشارع لذلك الشي ء ليكون المدار في صحّة المعاملة عليه، أم غيره؟ لئلّا يصحّ التقدير به، بناء على كون العبرة على تقدير زمان الشارع، لأنّ النزاع في ذلك نزاع في تشخيص الموضوع الصرف، و مبنيّ على تقدير صحّة الشقّ الأوّل من النزاع الأوّل، المفروض عدم الفراغ عنه بعد، بل النزاع في المسألة إنّما هو فيما هو المعتبر في تحقيق ذلك المفهوم، و هو المكيل و الموزون، أعني: في تعيين الاصطلاح الّذي يتعارف فيه هذا المفهوم.

و من هنا يعلم أنّ النزاع في المسألة من جزئيّات مسألة الاختلاف في تقديم عرف السائل أو المسئول أو بلد السؤال عند التعارض.

و أمّا مبنى المسألة و ما يتفرّع النزاع عليه فيها فهو القول باعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون من باب الموضوعيّة و الأصالة، و البناء في الغرر المنفي على الغرر النوعيّ لا الشخصيّ، كما عليه الماتن (1)، جمودا على إطلاق النصوص (2) و الفتاوى، المعتبرة للكيل في المكيل و الوزن في الموزون.


1- المكاسب: 191.
2- الوسائل 12: 254 ب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه.

ص: 240

و أمّا على القول باعتبار التقدير المقدّر في المبيع من باب الطريقيّة و التوصّل إلى رفع الغمد الشخصيّ- كما هو الأظهر من إطلاق النصوص (1) و الفتاوى المعتبرة للتقدير، حملا لإطلاقها على إرادة ما هو الغالب من نفي الغرر الشخصيّ به، سيّما بملاحظة تفريع نفي صحّة الجزاف على اعتبار التقدير في بعض النصوص و الفتاوى- فمن الواضح تعيين كون المناط في التقدير المعتبر إنّما هو في كلّ زمان بالنسبة إلى عرف المتبائعين فيه، فإنّه الرافع للغرر المفروض إناطة اعتبار التقدير به.

و لا يبقى وجه لتوهّم اعتبار التقدير المقدر في زمانه صلّى اللّٰه عليه و آله، فضلا عن دعوى الشهرة بل الإجماع على اعتباره. و لا لمقايسة التقدير المعتبر في مسألة البيع على التقدير المعتبر في مسألة الربا إن سلّمنا الحكم في المقيس عليه، لما عرفت من وجود الفارق البيّن بينهما حينئذ، و هو إناطة اعتباره في البيع بنفي الغرر، المعلوم عدم المدخليّة لزمانه صلّى اللّٰه عليه و آله في رفعه، و عدم إناطة اعتباره في الربا بنفي الغرر.

فكيف لو لم نسلّم الحكم في المقيس عليه، و قلنا بإناطته اعتبار التقدير فيه على نفي الضرر الشخصيّ الغير المتسامح فيه عرفا، المعلوم عدم المدخليّة لزمانه صلّى اللّٰه عليه و آله في رفعه؟ كما هو الأقوى أيضا لو لا مخافة الإجماع.

فتلخّص أنّه لا وجه لاعتبار تقرير زمان الشارع على تقدير اعتبار التقدير من باب الطريقيّة و التوصّل إلى نفي الغرر، و أنّ النزاع المذكور مبنيّ على تقدير اعتباره من باب الموضوعيّة و الأصالة.

و أمّا وجوه المسألة و أقوالها فمنها: تقدير المبيع بالتقدير الثابت له في عهد النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، فلا يصحّ بغيره، كما عن مجمع البرهان (2) نسبته إلى الأصحاب، بل


1- هامش (2) من الصفحة السابقة.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8: 177.

ص: 241

استظهر الماتن (1) الوفاق عليه من كلماتهم.

و منها: عدم اعتبار ذلك مطلقا، و كفاية تقديره بالتقدير الرافع للغرر الشخصيّ، المختلف باختلاف الأعصار و الأمصار، فالعبرة في كلّ عصر و مصر على التقدير المتعارف لرفع الغرر في ذلك العصر و المصر، كما استحسنه الشهيد الثاني في الروضة (2)، و عليه الجواهر (3)، نافيا لوجدان خلافه في كلام أحد من الأساطين.

و منها: التفصيل بين جواز بيع المكيل في عهد الشارع وزنا دون العكس، كما استظهره الماتن (4) في المسألة السابقة، ناسبا إيّاه إلى المشهور.

و منها: التفصيل الظاهر من عبارة المبسوط (5) المحكيّة في المتن (6) من أنّ المكيال مكيال أهل المدينة، و الميزان ميزان أهل الحجاز.

و أمّا تحقيق الحقّ من تلك الوجوه و الأقوال فمبنيّ على تشخيص كون الأخبار (7) المعتبرة للكيل في المكيل و الوزن في الموزون معتبرة من باب الموضوعيّة فيتبع فيها عهد الشارع تقديما لعرف المسئول على عرف السائل عند تعارض العرفين في اللفظ، أو من باب الطريقيّة و التوصّل إلى رفع الغرر الشخصيّ فلا يتبع عهد الشارع، بل يكفي البناء في كلّ عصر أو مصر على المتعارف فيه، و قد مرّ غير مرّة أنّه الأقوى و الأظهر، حملا لإطلاق النصوص (8) و الفتاوى المعتبرة للكيل في المكيل و الوزن في الموزون على الغالب من خواصّهما، و هو


1- المكاسب: 192.
2- انظر الروضة البهيّة 3: 266.
3- جواهر الكلام 22: 427.
4- المكاسب: 191.
5- المبسوط 2: 90.
6- المكاسب: 192.
7- الوسائل 12: 254 ب «4» من أبواب عقد البيع و شروطه.
8- الوسائل 12: 254 ب «4» من أبواب عقد البيع و شروطه.

ص: 242

التوصّل إلى نفي الغرر الشخصيّ المعلوم عدم مدخليّة اتّباع عهد الشارع في رفعه.

و يؤيّد ذلك بل يشهد عليه أمور:

منها: قيام الشهرة بل الوفاق ظاهرا حتّى من المصرّحين بلزوم اتّباع عهد الشارع في المكيل و الموزون على صحّة الوزن في المكيل و إن لم يصحّ العكس، معللين إيّاه بأضبطيّة الوزن من الكيل. و وجه الاستشهاد: أنّ اعتبار تقدير المكيل بالكيل و الموزون بالوزن في النصوص و الفتاوى لو كان من باب الموضوعيّة لما جاز تفكيكهم بين صحّة الوزن في المكيل دون العكس، و لما صحّ تعليلهم الصحّة بأضبطيّة الوزن، فتفكيكهم بينهما و تعليلهم بالأضبطيّة أقوى شاهد على اعتبار التقدير بما ذكر من باب الطريقيّة لا الموضوعيّة.

و منها: أنّه لو كان اعتباره من باب الموضوعيّة لا الطريقيّة للزم اعتبار تقدير المكيل و الموزون بخصوص الكيل و الوزن المعتادين في زمن الشارع و بلد الشارع، كما لزم اتّباع عهده في كونه مكيلا أو موزونا. و وجه الملازمة: أنّ تقديم عرف المسئول على عرف السائل، كما يقتضي البناء في مكيليّة المكيل و موزونيّة الموزون على عهده، كذلك يقتضي البناء في كيله و وزنه على الكيل و الوزن المعتادين في عهده، بل و في بلده، و من المعلوم من السيرة و غيره بطلان هذا اللازم، فينبغي أن يكون الملزوم مثله.

و منها: أنّه لو اعتبر في مكيليّة المكيل و موزونيّة الموزون ما هو المعتاد في عهده صلّى اللّٰه عليه و آله للزم على الصحابة و العلماء بل و على المعصوم الأمر بضبط ما هو المعتاد في عهده لتقدير الأشياء، حذرا من تغيير المعتاد بغيره، و انقلاب الموزون أو المعدود مكيلا و بالعكس، كما ضبطوا الأخبار و الرسوم المطلق اتّباعها بأشدّ ضبط، و من المعلوم الواضح على كلّ متتبّع عدم أثر لضبط المعتاد في عهده في شي ء من كتب الخلف و لا السلف. و هو أقوى شاهد أيضا على عدم اعتبار المعتاد

ص: 243

لتقدير الأشياء في عهده صلّى اللّٰه عليه و آله.

و منها: قيام السيرة القطعيّة المستمرة خلفا عن سلف في البيع و الشراء في كلّ من الأعصار و الأمصار المختلفة على ما هو المتعارف في نفسها من التقادير، من دون ملاحظة انطباقها على المعتاد في عهده صلّى اللّٰه عليه و آله و عدم انطباقها عليه. و هو أيضا أقوى شاهد من الشواهد على عدم اعتبار اتّباع عهده صلّى اللّٰه عليه و آله، لما ذكرنا سابقا من تفصيل أنّ الأصل في سيرة المسلمين هو الحجّية و الكشف عن تقرير المعصوم عليه السّلام، و عدم استنادها إلى المسامحة، و عدم المبالاة إلّا ما ثبت خروجه بدليل.

فان قلت: لعلّ ما يكون جريان السيرة في كلّ عصر و مصر- على ما هو المتعارف في نفسه من التقادير- ناشئا عن إحراز تطابق التقدير الموجود في كلّ عصر و مصر على التقادير الموجودة في عهده صلّى اللّٰه عليه و آله، بواسطة غلبة التطابق، و عدم التغيير، و تشابه الأزمان، و استصحاب القهقرى.

قلت: أوّلا: أنّ الشكّ في تطابق تقدير هذا الزمان مع تقدير عهده صلّى اللّٰه عليه و آله شكّ في الموضوع الصرف، و ما ذكر من غلبة التطابق و أصالة عدم التغيير لا يفيد سوى الظنّ، الغير الثابت حجّيته في الموضوعات الصرفة إلّا في مثل إثبات الضرر و الوقف و العدالة و نحوها مما أحرز من الخارج عدم رضا الشارع بمرجعيّة الأصول فيها عند الظنّ، كمرجعيّتها عند الشكّ بواسطة لزوم تفويت الغرض المقصود منها. و ما نحن فيه ليس من تلك الموضوعات.

و ثانيا: سلّمنا، لكن السيرة المستمرة جارية على عدم ملاحظة تطابق التقديرين و عدم تطابقهما، لا أنّها جارية على مجرّد البيع بما هو المتعارف في كلّ عصر و مصر، حتّى يحتمل استنادها إلى إحراز التطابق، و هل وجدت من نفسك في البيع و الشراء منذ نشأت في الإسلام إلى يومك هذا ملاحظة تطابق التقدير

ص: 244

الّذي تبيع أو تشتري به مع التقدير المعتاد في عهده صلّى اللّٰه عليه و آله؟

ثمّ و بالجملة: فالموهم لاعتبار اتّباع تقدير عهده صلّى اللّٰه عليه و آله في صحّة شراء ماله تقدير إن استند إلى الجمود على إطلاق اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون،- الظاهر في اعتبار التقدير على وجه الموضوعيّة- فقد عرفت دفع هذا الوهم بالنقوض و الإبرامات المقتضية لاعتباره من باب الطريقيّة لا غير.

و إن استند الوهم المذكور إلى الوفاق على تقديم عرف الشارع في الموضوعات المستنبطة إذا وجد على العرف العامّ فقد عرفت دفعه أيضا في تحرير محلّ النزاع بمنع الصغرى، و هو كون المسألة من الموضوعات المستنبطة و إن سلّمت الكبرى.

و إن استند إلى القول بتقديم عرف المسئول على عرف السائل عند تعارض العرفين فهو و إن سلّم في محلّه تقديم عرف المسئول، إلّا فيما علم المسئول اختلاف عرف السائل و جهله بعرف المسئول فيقدّم عرف السائل، حذرا من لزوم الإغراء بالجهل. و لكن كلّ ذلك فيما لم يقم على الخلاف قرينة خارجيّة، و قد عرفت من تلك النقوض و الإبرامات قرينة صرف اللفظ عن إرادة خصوص عرف المسئول بما لا مزيد عليه.

و إن استند إلى ما استظهره الماتن من الوفاق و الإجماع (1) فيكفي في دفعه تصريح مثل صاحب الجواهر (2) مع كثرة باعه و طول ذراعه على نفي وجدان القول به، فضلا عن الإجماع عليه. مضافا إلى اندفاعه بتلك النقوض و الإبرامات المتقدّمة.

و إن استند إلى مقايسة المكيل و الموزون في مسألة البيع عليهما في مسألة


1- المكاسب: 192.
2- الجواهر 22: 427.

ص: 245

الربا فمضافا إلى إمكان منع الحكم في المقيس عليه يدفعه بطلان القياس في مذهبنا، خصوصا مع وجود الفارق.

و إن استند إلى ما ادّعاه المتن (1) أيضا من اتّحاد الموضوع و هو المكيل و الموزون في كلتا المسألتين فيدفعه ما عرفت من اختلاف المناط فيهما، و هو استناد اعتبار التقدير في مسألة البيع إلى نفي الغرر، و عدم استناد اعتباره في مسألة الربا إلى ذلك.

قوله: «لمقطوعة ابن هاشم (2) الآتية. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ المقطوعة دراية لا رواية.

قوله: «فإذا سئل عن مقدار ما عنده .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّ كلام الفقيه و الفقه إنّما هو في تعيين العوضين، لا في جواب السؤال. و ثانيا: أنّ جواب السؤال عن مقدار الشي ء إنّما هو بالمقدار المتعارف فيه إن وزنا فوزن، و إن كيلا فكيل، و إن عدّا فعدّ. و عن مقدار ماليّته الجواب بمقدار قيمته، لا مقدار وزنه.

قوله: «و الأقوى بناء على اعتبار التقدير و إن لم يلزم الغرر الفعليّ هو عدم الاعتبار».

أقول: بل الأقوى الاعتبار مطلقا. أمّا على عدم اعتبار التقدير إلّا من باب دفع الغرر الشخصيّ فلأنّ المفروض اندفاعه بثبوت خيار التخلّف له، إلّا على توهّم كون المطلوب خلوّ نفس المعاملة عن الغرر بالذات، لا بعروض الحكم عليه بالخيار. و أمّا على اعتبار التقدير من باب الموضوعيّة فلأنّ المفروض كفاية الأخبار عنه فيه.


1- المكاسب: 192.
2- الوسائل 12: 435 ب (6) من أبواب الربا ح 6.

ص: 246

لا يقال: إنّ القدر المتيقّن كفاية الخبر المفيد للظنّ فيه لا مطلق الخبر، فيرجع فيما عدا المتيقّن من تخصيص عموم أخبار (1) اعتبار التقدير إلى عموم اعتبار التقدير.

لأنّا نقول: أوّلا: أنّ عموم أخبار اعتبار التقدير قد عرفت أنّه عموم حكمتي وارد مورد الغالب، و هو نفي الغرر الشخصي.

و ثانيا: سلّمنا، لكن أخبار كفاية الأخبار عن التقدير ليست بمجملة حتّى يرجع فيما عدا المتيقّن من تخصيصها الاعتبار إلى عموم الاعتبار، بل هي أيضا مطلقات، و المرجع في المشكوك إلى إطلاقها.

قوله: «فتأمّل فإنّ المتعيّن الصحّة و الخيار».

أقول: قد اعترضت على شيخنا العلّامة: بأنّ الأوجه التفصيل بين ما يكون مقصود المشتري في الشراء الموجود الخارجي بالذات و الأصالة و يكون العنوان المقدّر مقصودا بالبيع لزعم انطباقه عليه فيتعيّن الصحّة و الخيار بالتخلّف، و بين ما يكون المقصود العكس، أعني: شراء العنوان المقدّر بالذات و الأصالة و يكون الموجود الخارجي مقصودا بالتبع لزعم تحقّق العنوان في ضمنه، فيتعيّن البطلان بالتخلّف.

فأجاب دام ظلّه: بأنّ البناء على هذا التفصيل في تخلّف الجزء يستلزم البناء عليه أيضا في تخلّف الوصف و الجنس، و من الاتّفاق الصحّة في تخلّف الوصف مطلقا، و البطلان في تخلّف الجنس مطلقا، من غير تفصيل.

و اعترضت عليه: بأنّ إطلاق الحكم بالصحة في تخلّف الوصف و بالبطلان في تخلّف الجنس لعلّه مبنيّ على الظاهر دون الواقع، نظرا إلى أنّ القصد إلى الوصف تابع لقصد الموصوف في الظاهر، و القصد إلى الموصوف متبوع في


1- الوسائل 12: 254 ب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه.

ص: 247

الظاهر، و هو لا ينافي أن يدين المشتري بنيّته في الواقع.

قوله: «و أمّا الملحوظ في عنوان المبيع .. إلخ».

[أقول:] و تفصيل الحال: أنّ الملحوظ في عنوان المبيع تارة مفسد له كالربا مطلقا، و غير المفسد تارة يكون مجرّد ملاحظته كاف في صحّته و لا يحتاج إلى ذكره كتعيين مقدار العوضين، و تارة يكون صحّته منوطا بذكره كتعيين جنسه، و تارة لا يكون صحّته منوطا بملاحظته و لا بذكره، بل يكفي بناء أصل العقد عليه كوصف الصحّة. و أمّا حكم ما لو بان تخلّف العنوان فهو الصحّة و الخيار مطلقا، إلّا في تخلّف الجنس فإنّه يبطل لقاعدة «العقود تابعة للقصود».

قوله: «الإبهام في البيع مبطل له، لا من حيث الجهالة».

[أقول:] الفرق كون المبهم هو المجهول في الواقع و الظاهر، و المجهول معلوم في الواقع دون الظاهر.

قوله: «فالدليل هو الإجماع .. إلخ».

أقول: بل لم يثبت الإجماع.

أمّا أوّلا: فلما عرفت آنفا من ذكره (1) مخالفة جماعة منهم المحقق الأردبيلي (2).

و أمّا ثانيا: فلأنّ الإجماع على عدم جواز بيع الكلّيّ المنتزع على تقدير تسليمه لبّيّ، و المتيقّن من معقده هو صورة تفاوت الأفراد الّتي هي منشأ الانتزاع، لا صورة تساويها.

و أمّا ثالثا: فلأنّ من المعلوم أنّ مدرك إجماعهم لو ثبت ليس سوى ما ذكر من تلك الوجوه الأربعة، الموهونة نقضا بجواز بيع الكلّي و الإسلاف في الكلّي


1- المكاسب: 195.
2- مجمع الفائدة و البرهان 8: 182.

ص: 248

اتّفاقا، و جواز بيع الكلّي على وجه الإشاعة- كصاع من صبرة- اتّفاقا، و بجواز بيع الباقي من أحد العبدين المتلوف أحدهما مع الجهل بالباقي على ما عن التذكرة، و بجواز بيع الكلّي المنحصر مصاديقه في أفراد متصوّرة كبيع ربع من الأرباع المقسمة، الّذي هو الوجه الثالث من وجوه بيع البعض من الكلّ، الّذي استظهر عدم الخلاف في جوازه، فإذا جاز كلّ ذلك من بيع الكلّي المطلق و الكلّي المشاع و الكلّي المنحصر مصاديقه في أفراد فينبغي أن يجوز بيع الكلّي المتنزع، إذ لا فارق بين الكلّي المنتزع و غيره، بل و لا فرق بينهما على أقرب الرأيين من عدم وجود الكلّي الطبيعي.

توضيح ذلك: أنّ الكلّي الموجود في الذهن أمّا أن يكون له ما بإزاء في الخارج، ليكون وجوده في الذهن تاليا لوجوده في الخارج، كالجزئيّات، و يعدّ من هذه الجهة من المعقولات الثانويّة، فهو الكلي الحقيقي، بناء على القول بوجوده في الخارج. و أمّا أن لا يكون له ما بإزاء خارجي، بل يكون له منشأ انتزاع، كالمفاهيم الكلّية المنتزعة من الجزئيّات من مثل أحد الأفراد أو أحد الفردين، ليكون وجوده في الذهن متلوّا لوجوده الخارجي، و يعدّ من هذه الجهة من المعقولات الأوّليّة، فهو الكلّي الانتزاعي. و أمّا أن لا يكون له ما بإزاء و لا منشأ انتزاع، كالبحر المتّصف بأمواج الذهب و الإنسان المتّصف بذي الرءوس، فهو كلّي فرضيّ.

و الّذي لا يجوز بيعه من تلك الكلّيات هو الكلّي الفرضي. و أمّا الكلّيان الآخران فينبغي جواز بيع كلّ منهما، لعدم الفارق، بل و عدم الفرق بينهما، بناء على عدم الوجود الكلّي الطبيعي، و أمّا بناء على وجوده فهو و إن حصل بينهما فرق إلّا أنّه غير فارق فيما هو مناط جواز البيع من نفي الغرر.

و بالجملة: فبيع أحد الأشياء الجزئيّة الخارجيّة يتصوّر على ثلاثة وجوه

ص: 249

أحدها: إرادة الكلّي المشاع في تلك الجزئيّات الخارجيّة المشار إليها، و الفرق بينه و بين الكلّي المطلق في الإطلاق و التقييد.

و ثانيها: إرادة الكلّي المنتزع من تلك الجزئيّات. و هو على وجهين:

أحدهما: إرادة مصداق أحدها، و هو جزئيّ مبهم، كالنكرة على رأي المشهور.

و ثانيهما: إرادة مفهوم أحدها، و الفرق بينه و بين سابقه، و هو مصداق أحدهما. أمّا إجمالا فهو كالفرق بين الكلّي المقيّد بالوحدة و بين الفرد المنتشر، و كالفرق بين المطلق في إنشاء الواجب الكفائي و بين المطلق في إنشاء الواجب التخييري، و كالفرق بين الموضوع في الوضع العامّ و الموضوع له العام مثل وضع المشتقّات، و بين الموضوع في الوضع العامّ و الموضوع له الخاصّ كوضع المبهمات، حيث إنّ الكلّي العامّ كهيئة فاعل مثلا في المشتقّات هو الموضوع له في الأوّل و آلة لملاحظة الموضوع له في الثاني، و كذلك مفهوم أحد الأفراد في الثاني هو المبيع أصالة و أوّلا و بالذات، و في الأوّل هو آلة و واسطة لملاحظة المبيع الجزئيّ المردّد.

أمّا الوجه الأوّل- من وجوه أحد الأفراد و هو الكلّي على وجه الإشاعة-:

فلا إشكال و لا خلاف في جواز بيعه، لانتفاء جميع ما يصلح للمانعيّة من الغرر و الجهل و الإبهام في أصل المبيع، و لعدم الفرق بينه و بين بيع الكلّي إلّا في الإطلاق و التقييد، حيث إنّ المبيع الكلّي على وجه الإطلاق متعلّق بالذمّة، فضمان دركه على صاحب الذمّة، بخلاف المبيع الكلّي على وجه الإشاعة فإنّه متعلّق بالموجود الخارجي، و ضمان دركه على .. الموجود و الذمّة .. بمعنى العهد و الأمان و .. و الحرمة و الحقّ (1).


1- هذا هو المقدار الذي تمكّنا أن نقرأه من هامش النسخة الخطّيّة.

ص: 250

و أمّا الوجه الثالث: فكذلك على ما هو الظاهر المصرّح به في المتن أيضا، لخلوّ أصل المبيع فيه أيضا عن كلّ ما يصلح للمانعيّة من الغرر و الجهل و الإبهام، و لعدم الفرق بينه و بين بيع الكلّي المشاع، إلّا في تقييد كلّية الكلّي بما في ضمن أفراد منه في الإشاعة، و تقييد مصاديق الكلّي بأفراد منه في غير الإشاعة، و هو غير فارق.

و أمّا الوجه الثاني- من وجوه بيع أحد الأفراد و هو مصداق أحدها-: فهو و إن ادّعى الإجماع على عدم جواز بيعه إلّا أنّ قد عرفت ما ينبغي من تخصيص معقده بصورة تفاوت الأفراد بما يستلزم الغرر المنفي. و أمّا صورة تساوي الأفراد فلا مانع من جواز بيعه لا من الغرر و لا من الجهل سوى الإبهام، الّذي لا دليل على مانعيّته. كما لا مانع من جواز بيع الباقي من أحد العبدين المتساويين المتلوف أحدهما لا من الغرر و لا من الإبهام سوى الجهل، الّذي لا دليل على مانعيّته، فكما أنّ جهل المبيع في شراء العبد الباقي من العبدين غير مانع من جواز بيعه على ما عن التذكرة، كذلك إبهام المبيع في مصداق أحدها غير مانع بمجرّده عن جواز البيع، بل كما لا مانع كذلك لا فرق بين مفهوم أحدها و مصداقه، إلّا في كون الإبهام في نفس المبيع على إرادة المصداق من أحدها، و في مصاديق المبيع على إرادة المفهوم، و هو غير فارق بمجرّده، كما لا يخفى.

قوله: «و إن كان بين المصطلحين عموم من وجه (1)».

[أقول:] لاجتماعهما في ابتياع مجهول المقدار بأكثر مقاديره، و افتراق الغرر الشرعيّ عن العرفيّ في ابتياعه بأقلّ ما يحتمل من مقاديره، و العكس في ابتياع الآبق مع الضميمة.


1- في المكاسب: «عموم و خصوص من وجهين».

ص: 251

قوله: «و أصالة الصحّة لا تصرف الظواهر».

أقول: هذا مبنيّ على ما هو مذهبه في الأصول من اعتبار الظواهر من باب الظنّ النوعيّ و الشأنيّ (1). و أمّا على ما هو المختار- وفاقا لمشايخنا الأعلام من اعتبارها من باب الظنّ الفعليّ- فمن المعلوم إضرار أصالة الصحّة بالظواهر.

و مستند هذا الأصل ليس مجرّد أخبار (2) حمل فعل المسلم على الصحّة حتّى ينحصر مجراها في معاملة المسلمين، بل هو الغلبة القويمة المستقيمة المستمرّ عليها بناء الفقهاء طرّا في المعاملات الصادرة، حتّى من الكفّار، فضلا عن المسلمين. و لهذا استمر بناؤهم على الصحّة في كلّ ما يحتمل الصحّة و الفساد من المعاملات، بل و في العبادات الصادرة، حتّى من الجهّال، فضلا عن العالمين.

و لهذا استمرّ بناؤهم على الصحّة في كلّ ما يحتمل الصحّة و الفساد من عبادات الجاهل بالمسألة، فضلا عن العالم، بل و في مطلق ما يمكن وقوعه من الأفعال على وجه الصحّة و الفساد يحمل على الصحّة و إن لم يقصد بها وجه الصحّة، بل و إن قصد بها الفساد، كما لو وطء الأمة الموهوبة أو المطلقة الرجعيّة من غير قصد الرجوع، بل و مع قصد عدمه، فإنّه يعدّ رجوعا و إن لم يقصد به الرجوع، بل و إن قصد عدمه، كما لو قصد الزنا عند بعض، تقديما لأصالة الصحّة على أصالة العدم و استصحابه في تلك المواضع.

و هو كاشف عن قوّة مدرك أصالة الصحّة بالغاية و النهاية، بحيث لا ينحصر في أفعال المسلمين، بل و لا في أفعال القاصدين، بل و لا في فعل من الأفعال، و كأنّ مأخذه غلبة الصحّة على الفساد و غلبة التمام على الناقص في جميع


1- فرائد الأصول: 41.
2- الوسائل 8: 614 ب «161» من أبواب أحكام العشرة ح 3، و المستدرك 9: 144 ب «141» من أبواب أحكام العشرة ح 7، و الاختصاص: 226، نهج البلاغة: 538 حكمة 360.

ص: 252

الأشياء، بحيث يكون الغالب في الأشياء بحسب الذات و الطيبة و الفطرة هو الميل إلى جانب الصحّة دون الفساد و إلى جانب التمام و الكمال دون النقصين و الضلال.

و لعلّ إلى ذلك يشير قوله عليه السّلام في الحديث المشهور بين الفريقين: «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه يهوّدانه و ينصرانه و يمجّسانه» (1)، أي يولد على المعرفة حتّى ينقلانه عنها أبواه.

و في كتاب التوحيد للصدوق مسندا إلى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

«سألته عن قول اللّٰه حُنَفٰاءَ لِلّٰهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (2)، و عن الحنيفيّة، فقال: هي الفطرة الّتي فطر اللّٰه الناس عليها لا تبديل لخلق اللّٰه، قال: فطرهم اللّٰه على المعرفة، قال زرارة: و سألته عن قول اللّٰه وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ (3) الآية، قال: أخرج من ظهر آدم ذريّته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذرّ فعرفهم و أراهم، و لو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه»، و قال: قال رسول اللّٰه: كلّ مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأنّ اللّٰه تعالى خالقه فذلك قوله وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ (4)» (5) و إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلّٰا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لٰا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (6)، خصوصا على قراءة لا يفقهون.

و كما علم مما ذكرنا أصالة الصحّة في الأشياء كذلك يعلم منه أصالة الصدق في الأخبار، و هو و إن خصّص عندنا بمنطوق قوله تعالى:


1- الوسائل 11: 96 ب «48» من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ح 3، و السنن الكبرى 6: 202 و 203.
2- الحجّ: 31.
3- الأعراف: 172.
4- لقمان: 25، الزمر: 38.
5- التوحيد: 330، ح 9.
6- الأسراء: 44.

ص: 253

إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (1).

إلّا أنّه تبقى ثمرة هذا الأصل في عدم احتياج حجيّة خبر غير الفاسق إلى إثبات مفهوم لآية النبإ أو إثبات دليل آخر على حجيّة الخبر لكفاية الأصل عنه.

و كما علم منه أصالة الصحّة في المعاملات و الأقوال كذلك يعلم منه أصالة الصحّة في العقائد و الأفعال، من غير فرق بين فعل الجاهل و العالم، و لا بين البالغ و الصبيّ، و لا بين العادل و الفاسق.

و من فروع هذا الأصل الأصيل: أنّ الشاكّ في انطباق عباداته أو أفعاله الماضيّة على الواقع و عدمه يبنى فيها على الانطباق و الصحّة و لو كان الفاعل جاهلا بشرائط الصحّة، تقديما لأصالة الصحّة على قاعدة الاشتغال و استصحابه، بخلاف المحروم من فوائد هذا الأصل، فإنّه يبنى على الاشتغال.

و من فروعه أيضا: أنّ من كان في ذمّته عبادة عن الميّت فأجّر شخصا على التعبّد بها عن الميّت فرغ ذمّته عنها بمجرّد اشتغال الأجير و إن لم يكن الأجير عادلا؛ لأنّ عدم مأمونيّة الفاسق في أنّ ينوي العبادة عن غير الميّت المأجور له أو ينوي فيها الربا أو غيره من المبطلات مدفوع بغلبة الصحّة المذكورة، بخلاف المحروم من فوائدها فإنّه يبنى على الاشتغال ما لم يقطع بصحّة عبادة المتعبّد عنه حقيقة أو شرعا، كما لو كان المتعبّد عادلا.

و من فروع هذا الأصل الأصيل أيضا: صحّة اكتفائك في تطهير المتنجّس، و البناء على تطهيره بتوكيل الغير في تطهيره و لو كان فاسقا أو صبيا أو جاهلا بشرائط التطهير على ما هو حقّه، فإنّه يجوز الاعتماد على تطهيره بأصالة الصحّة و غلبتها من غير حاجة إلى عدالة المباشر و الوكيل، و لا إلى بلوغه، و لا إلى معرفته بكيفيّة التطهير شرعا، و لا إلى قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به»، بخلاف


1- الحجرات: 6.

ص: 254

المحروم من فوائد هذا الأصل فإنّه يبنى على استصحاب النجاسة لا محالة.

ثمّ إنّ هذه الفروع كلّها مبتنية على استناد أصالة الصحّة إلى الغلبة، و كونها من الأصول الاجتهاديّة المقدّمة على الأصول العمليّة من الاستصحاب و غيره.

و هل هي معتبرة من باب الظنّ النوعيّ و الشأنيّ كاليد و السوق و البينة، أم من باب الظنّ الفعليّ كظواهر الألفاظ و سند الأخبار عندنا؟ وجهان، أحوطهما الثاني.

و محصّل الكلام في تعارض هذا الأصل مع غيره من سائر الأصول العمليّة: أنّه إن تعارض مع ظواهر الألفاظ فأمّا أن يتّحدا في اعتبار كلّ منهما من باب الظنّ الفعليّ كما هو المختار، أم من باب الظنّ الشأنيّ كما هو وجه. و أمّا أن يختلفا بأن اعتبر أحدهما من باب الظنّ الفعليّ، و الآخر من باب الظنّ الشأنيّ.

أمّا على الأوّلين: فالمرجع في تعارضهما إلى المرجّحات الخارجيّة من شهرة و نحوه إن وجدت، و إلّا فإلى التساقط و الرجوع في مورد التعارض إلى ما فوقه من الأصول.

و أمّا على الأخير: فالمرجع إلى ما اعتبر منهما من باب الظنّ الشأنيّ فيقدّم على ما اعتبر من باب الظنّ الفعليّ؛ لأنّ المعتبر من باب الظنّ الفعليّ ينتفي فعليّة الظنّ منه بالمعارضة فيسقط عن الاعتبار، و يسلم عنه معارضة المعتبر من باب الظنّ الشأنيّ.

و إن تعارض مع الأصول العمليّة فأمّا أن يتّحدا في اعتبار كلّ منهما من باب الظنّ و النظر إلى الواقع أو من باب التعبّد و عدم النظر إلى الواقع، أو يختلفا فيعتبر أحدهما من باب الظنّ و الآخر من باب التعبّد.

أمّا على الأوّل: فالمرجع إلى التساقط و الرجوع إلى ما فوق.

و أمّا على الثاني: فالمرجع إلى أصالة الصحّة، بناء على تقديم الأصل في

ص: 255

الشكّ السببي على الأصل في الشكّ المسببي، و ذلك لأنّ أصالة صحّة المعاملة- مثلا- مزيل للشكّ في تعيين المبيع و تقديره، بخلاف أصالة عدم تعيينه و تقديره فإنّه غير مزيل للشكّ في صحّة المعاملة.

و بعبارة اخرى: أنّ أصالة الصحّة أثره إثبات تعيين المبيع، بخلاف أصالة عدم تعيينه فإنّه لا أثر له، لأنّ فساد المعاملة إنّما هو من آثار العدم الأزلي المستمرّ- أعني: عدم وجود مقتضى الصحّة- لا من الآثار الحادثة الناشئة عن عدم تعيين المبيع و تقديره، كما أنّ أصالة طهارة الماء المغسول به الثوب المتنجّس أثره طهارة الثوب المغسول به، بخلاف استصحاب نجاسة المغسول فإنّ أثر نجاسة الماء حينئذ لا يستند إلى نجاسة المغسول، كما لا يخفى.

و أمّا على الأخير: و هو اعتبار أحدهما من باب الظنّ و الآخر من باب التعبّد فمن المعلوم تقديم الأوّل على الثاني، لورود الأدلّة الاجتهاديّة على الأصول العمليّة قطعا. هذا كلّه في التقدير.

و أمّا التحقيق: فهو اعتبار أصالة الصحّة من باب الظنّ فيه الناظر به إلى الواقع، فلا يقاومه شي ء من الأصول العمليّة، و ذلك لأنّ أصالة الصحّة إنّما اعتبر في مورد الأصول العمليّة، إذ ما من مورد اعتبر فيه أصالة الصحّة إلّا و هو مورد لأصل من الأصول العمليّة، فلو لم يكن من الأدلّة الاجتهاديّة المقدّمة على الأصول لم يعتبر في مورد أصلا، و لا يبقى له مورد رأسا.

قوله: «أمّا أصالة عدم التعيين فلم أتحقّقها».

[أقول:] إذ ليس الشكّ في الحدوث، بل في الحادث، و هو كون المراد المشاع أو المعيّن، و لا أصل في البين في تعيين أحد المعنيين.

قوله: «و حينئذ يقع الإشكال في الفرق بين المسألتين .. إلخ».

أقول: الفرق بين المسألتين واضح عرفا و شرعا، مطّرد في جميع الموارد

ص: 256

العرفيّة و الشرعيّة، بحيث لا يكاد يظهر التخلّف في مورد من الموارد العرفيّة، و لا في باب من أبواب الفقهيّة. لكن الفارق ليس شي ء و لا بوجه من الوجوه الّتي ذكرها الماتن (1) على طولها و كثرتها، بل إنّما هو لوضوح الفرق و الفارق بين بعتك صاعا من صبرة و بين بعتك صبرة إلّا صاعا، حيث إنّ المستثنى و إن دخل في المستثنى منه صورة لحكمة و نكتة إلّا أنّه غير داخل فيه معنا و حقيقة، فإذا لم يدخل فيه كان باقيا على ملك البائع، فإذا أقبضه المشتري كان المستثنى منه ملكا لقابضه و المستثنى أمانة في يده، فيحصل الاشتراك بينهما من باب الشركة، لا من باب الإشاعة في الكلّي، فيكون الباقي لهما و التالف عليهما.

قوله: «لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد العقد بالاشتراك، و عدم جواز تصرّف المشتري إلّا بإذن البائع».

[أقول:] فيه: منع واضح، لوضوح أنّ الحكم بكون التالف عليهما حكم باشتراكهما، و أنّ إقباض البائع المستثنى إذن بتصرّف المشتري له.

قوله: «و لا يزاحمه عنوان ملك البائع. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّه إذا فرض المبيع صاعا من صبرة كلّيا كنفس الصاع فبيع الصبرة إلّا صاعا أولى بأن يكون كلّيا، و لا يزاحمه ملك البائع بالاشتراك.

قوله: «إلّا أن يقال: إنّ وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع على الثمن [بناء] على ما ذكره العلّامة (2) .. إلخ».

أقول: وجه ذلك على ما استفدنا من بحث الأستاد دام ظلّه: هو كون النقل الصحيح لمّا كان على قسمين: قسم: كاف في إثبات السلطنة التامة للبائع على وجه اللزوم و هو ما لا خيار فيه، و قسم: يثبت السلطنة الناقصة للبائع على وجه


1- المكاسب: 197.
2- تذكرة الفقهاء 1: 537.

ص: 257

التزلزل و هو ما فيه الخيار لم يكن مجرّد تحقّق الناقل الصحيح كاف في إثبات السلطنة التامّة اللّازمة، فيستصحب في مقام الشكّ عدمها للبائع، و إبقائها للمشتري، نظرا إلى أنّ العامّ لا يدلّ على الخاصّ.

و بعبارة أوضح: أنّ سلطنة المدّعي على ماله كيده عليه أمر عرفيّ خارجيّ قابل باعتبار أسبابه للنقص و الكمال و التمام، فمتى شكّ في كماله و تمامه كان الأصل عدمه، و لو أحرز حدوثه في الجملة- كما لو شكّ في أصل حدوثه- كان الأصل عدمه رأسا.

و لكن يعود عليه أيضا إيراد الماتن (1) بأنّ الشكّ في المقام ليس في الحدوث حتّى يكون الأصل عدم حدوث تماميّة السلطنة و كماله و إنّما هو في الحادث. و الأصل فيه أمّا غير جار لعدم الحالة السابقة له إن رجع الشكّ إلى تقييد متعلّق العقد و عدمه، و أمّا جار غير نافع، لكونه مثبتا إن رجع الشكّ إلى عدم وقوع العقد على المقيّد، نظير الشكّ في كرّية الماء المخلوق دفعه من أصله، فإنّ أصالة عدم كرّيته بالخصوص نافعة في ترتيب آثار القلّة على الماء المذكور. إلّا أن يفرّق بين هذا المثال و بين ما نحن فيه بخفاء الواسطة. و هو كما ترى.

قوله: «و لأجل ما ذكرنا قوّى بعض تقديم قول البائع».

أقول: الظاهر أنّ المراد من البعض صاحب الجواهر (2). و يؤيّد أيضا تقديم قول البائع على المشتري لو اختلفا في التغيير مضافا إلى ما ذكر هنا تقديم قوله:

لو اختلفا في العيب أو الغبن أو الدلس أو اشتراط الخيار، فكما أنّ الأصل هو لزوم البيع و عدم الخيار للمشتري في دعوى العيب و الغبن و الدلس أو اشتراط الخيار، فليكن الأصل أيضا لزوم البيع و عدم الخيار للمشتري في دعوى التغيير،


1- المكاسب: 199.
2- جواهر الكلام 22: 431.

ص: 258

لاتّحاد الطريق في الكلّ، من غير فرق بيّن و لا مبيّن. و لعلّ وجه الحكم بتقدّم قول البائع في تلك الموارد هو البناء في تشخيص المنكر و المدّعي على العرف، لا المطابقة للأصل و عدمه، و إلّا فقد عرفت عدم سلامة الأصول عن موانع القبول.

قوله: «و تأخّره عنه على وجه لا يوجب الخيار .. إلخ».

أقول: احترز بذلك القيد عن التأخّر الموجب للخيار. و قد مثّل له شيخنا العلّامة بتأخّر الهزال في مثل بيع الحيوان قبل مضي ثلاثة أيّام، فإنّ الهزال و إن تأخّر عن البيع فيه موجب للخيار قبل مضي الثلاثة، بخلاف تأخّره في بيع غير الحيوان أو في بيع الحيوان بعد مضي الثلاثة فإنّه لا يوجب الخيار.

أقول: بل له أيضا مثال آخر في بيع غير الحيوان: و هو بلوغ الهزال و التغير إلى حدّ مشرف على تلف المبيع قبل قبضه فإنّه و إن تأخّر عن البيع بالفرض إلّا أنّه أيضا موجب للخيار. بل و له مثال ثالث: و هو ما إذا كان التغيير بتسبيب البائع أو بتفريطه، فإنّه أيضا موجب للخيار.

قوله: «مقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم».

[أقول:] فيه: ما عرفت من أنّ أصالة عدم اللزوم و عدم وصول حقّ المشتري لا يثبت الجواز و الخيار إلّا على الأصل المثبت للضرر، الموجب للخيار و الجواز.

قوله: «و بالجملة الفاسد شرعا الّذي تنزّه عنه فعل المسلم .. إلخ».

أقول: محصّل الكلام و توضيحه: أنّ أصالة الصحّة في المعاملات إنّما يجري بعد إحراز القابليّة العقليّة لتأثير المحلّ، و أمّا قبله فلا، و ذلك لأنّ صحّة العقد عبارة ترتيب الأثر الشرعيّ عليه، فإذا فرضنا أنّه عقد على معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلا، ففساده مستند إلى عدم وجوده في الحقيقة، لا إلى وجوده الناقص أو المعيب شرعا. و من البيّن أنّ أصالة الصحّة كالعموم و الإطلاق و سائر

ص: 259

الأحكام الظاهريّة إنّما تجري بعد إحراز موضوعاتها لا قبله، فهي إنّما تجدي إحراز كيفيّة الموضوع و حكمه، دون إحراز الموضوع و القابليّة، كما فيما نحن فيه.

لا يقال: إذا لم يجري أصالة صحّة الرجوع فيما نحن فيه فليجري أصالة صحّة البيع، حيث إنّ الشكّ أيضا راجع إلى صحّته و فساده.

لأنّا نقول: أوّلا: أنّه لا يلزم من فساد الرجوع فيما نحن فيه فساد البيع حتّى يقال: الأصل صحّة البيع، بل غاية الأمر وقوع البيع فضوليّا على تقدير فساد الرجوع، لا وقوعه فاسدا أو البيع الفضوليّ صحيح لا فاسد، و إلّا لما لزم بالإجازة.

و لو سلّمنا فساده أيضا- كما هو قول بعض- فمع ذلك لم يجر أصالة صحّة البيع في المقام، لاستناد فساده إلى عدم إحراز موضوعه، و هو القابليّة لتأثّر العقد.

هذا، و لكن يمكن توجيه مجرى أصالة صحّة الرجوع المشكوك وقوعه بعد البيع أو قبله- كما هو قول بعض- بأنّ مستند هذا الأصل الغلبة و لم يفرّق وجود هذه الغلبة بين ما أحرز موضوع العقد و قابليّة محلّه للتأثّر و بين ما لم يحرز ذلك، كما فيما نحن فيه. فكما أنّ الغالب في العقود، بل الأفعال و العقائد و الأقوال الصحّة، كذلك الغالب في الرجوع المشكوك وقوعه لغوا فيما نحن فيه عدم اللغويّة، و وقوعه صحيحا مؤثّرا. و لكن في ثبوت عموم تلك الغلبة تأمّل.

[مسألة لا بدّ من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك]

قوله: «مسألة: لا بدّ من اختبار الطعم .. إلخ».

أقول: محصّل هذا المبحث تشخيص جزئيّات ما يرفع الغرر المنفي في البيع، الّتي منها الاختبار، و منها الوصف، و منها اشتراط الصحّة، و منها الإطلاق المبنيّ على أصالة الصحّة أو غلبتها، و منها البراءة من العيوب على ما حكي عن

ص: 260

النهاية (1) و غيرها.

أمّا الغير المنضبط وصفه مما يختلف قيمته و الغرض منه باختلاف الوصف شدّة و ضعفا كبعض المطعومات و الروائح فلا يرتفع غرره إلّا باختبار الطعم و اللون و الرائحة، فينحصر المجوّز لبيع هذا الصنف في الاختبار، إلّا ما كان الاختبار مفسدا له- كالبيض و البطّيخ- فيجوز بغيره، أو الاعتماد على أصالة السلامة، من غير إشكال و لا خلاف في شي ء من شقّيه.

و أمّا المنضبط وصفه المختلف به القيمة و الغرض فيجوز بالوصف مطلقا، سواء أمكن فيه الاختبار كبيع العين الحاضرة، أم لم يمكن كالعين الغائبة. و هذا أيضا مما لا ينبغي الإشكال و الخلاف فيه، إلّا ما احتمله السرائر (2) من عدم جواز بيع العين الحاضرة بالوصف. و يضعّف بما في المتن: من أنّ المقصود من الاختبار رفع الغرر، فإذا رفع بالوصف كان الفرق بين الغائب و الحاضر تحكّم إلخ (3)، و إلّا ما نسب إلى المفيد (4) و القاضي (5) و سلّار (6) و أبي الصلاح (7) و ابن حمزة (8) من عدم جواز بيع ما يمكن اختباره من غير إفساده بلا اختبار مطلقا حسب ما ذكر الماتن (9) عبائرهم الدالّة على ذلك، ثمّ وجهها بأبلغ وجه، بعد تأويلها و حملها على إرادة ما لا ينضبط بالوصف.

و أمّا اشتراط الصحّة فيما ينضبط بها فيجوز البيع به من غير اختبار و لا


1- النهاية: 404.
2- السرائر 2: 331.
3- المكاسب: 201.
4- المقنعة: 609.
5- لم نعثر عليه في كتابه و حكاه العلامة في المختلف 5: 260.
6- المراسم: 180.
7- الكافي في الفقه: 354.
8- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 246.
9- المكاسب: 201.

ص: 261

وصف و إن أمكن الاختبار و الوصف بالاتّفاق ظاهرا، لارتفاع الغرر به.

و أمّا الإطلاق المنصرف إلى الصحّة لأصالة السلامة أو غلبتها فكذلك ظاهرا يجوز البيع به، سواء حصل الوثوق من الأصل و الغلبة بالصحّة و السلامة، أم لم يحصل، لارتفاع الغرر العرفي مطلقا على الظاهر.

و أمّا اشتراط البراءة من العيب فهو و إن كان الظاهر من الفتاوى المنقولة في المتن (1) و غيرها هو جواز البيع به مطلقا و ارتفاع الغرر به- و بناء المتعاملين كثيرا ما يكون على ذلك أيضا حيث تراهم كثيرا ما يشرطون في البيع إسقاط جميع الخيارات و الإبراء منها بزعم سقوطها عنهم بذلك الشرط و الإبراء- إلّا أنّ الأظهر أنّ مجرّد اشتراط التبرّي من العيب غير رافع للغرر العرفيّ بل هو عينه.

نعم، لو اشترط البراءة من العيب ببيع الشي ء على أنّه معيب و بعنوان أنّه معيب صحّ، و لزم و سقط خيار عيبه، لارتفاع غرره بعد إقدام المشتري على قبول شراء المعيب بعنوان أنّه معيب. و أمّا بيعه بعنوان الصحيح أو لا بعنوان الصحيح و لا بعنوان المعيب بل على وجه الإطلاق و الإهمال فمجرّد تبرّي البائع عن عيبه لا يرفع غرره، بل معين و مكثّر لغرره عرفا، فلا يلزم مثله.

قوله: «و كيف كان فإذا تبيّن فساد المبيع (2) .. إلخ».

أقول: محصّل شقوق المسألة و الكلام في حكم كل منهما: أن تبيّن فساد المبيع أمّا أن يتّفق قبل تصرّف المشتري فيه بكسر و نحوه، أو بعده بمقدار الاختبار و الاستعلام عن فساد المبيع، أو بأزيد من ذلك المقدار.

أمّا الشقّ الأوّل: فحكمه صحّة البيع و تخيير المشتري بين الردّ و الأرش، إلّا فيما فرض بلوغ فساد المبيع إلى حيث لا يعدّ الفاسد من أفراد ذلك الجنس


1- المكاسب: 201.
2- في المكاسب: «البيع».

ص: 262

كالجوز الأجوف الّذي لا يصحّ إلّا للإحراق فيحتمل قويّا فساد البيع.

و أمّا الشقّ الثاني: فحكمه سقوط الردّ و تخيير المشتري بين أخذ الأرش و القبول من غير أرش، على ما يظهر من الشهيدين في الروضة و شرحها (1). خلافا لما عن ظاهر المبسوط (2) من عدم سقوط الردّ، و هو و إن كان مقتضى الاستصحاب إلّا أنّ مقتضى الجمع بين دفع ضرريّ المشتري و البائع معا هو سقوط الردّ و تعيين الأرش، كما لا يخفى قوّته.

و أمّا الشقّ الثالث: فالظاهر الاتّفاق على سقوط الردّ فيه و تعيين الأرش.

هذا كلّه إذا كان لفاسد المبيع أو مكسوره قيمه. و إلّا ففي فساد البيع من أصل أو من حين تبيّن الفساد أو صحّته و تخيير المشتري بين الردّ و أخذ الأرش المستوعب وجوه، و قولان، من وقوع البيع على ما لا قيمة له كالحشرات كوقوعه على ما لا يملّك مثل الخمر و الخنزير، و من توهّم أن تموّل العوضين علميّ لا واقعيّ و أنّ احتمال التموّل يتموّل عرفا ما دام الاحتمال باقيا، و من توهّم نهوض أصالة صحّة العقد فيه. و الأشهر الأظهر بل كاد يكون إجماعا هو الأوّل، و يظهر وجه الخلاف و ثمراته من إعمال التأمّل، أو مراجعة المتن.

[مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلوم إليه و عدمه]

قوله: «مسألة: لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضمّ معلوم إليه و عدمه».

أقول: الكلام في المسألة يناسب أن يكون تارة: في مقتضى الأصل و العمومات، و تارة: في تشخيص ورود وارد على الأصل و العموم من دليل أو تخصيص و عدمه، و تارة ثالثة: في تشخيص كيفيّة التخصيص و كميّته على تقديره. فالكلام إذن في مراحل:


1- الروضة البهيّة 3: 277.
2- المبسوط 2: 135.

ص: 263

أمّا المرحلة الاولى: فمحصّل الكلام فيها: أنّه لا إشكال و لا خلاف في أنّ مقتضى الأصل العمليّ بل اللفظيّ- و هو عموم (1) النهي عن الغرر- هو عدم افتراق بيع المجهول بين ضمّ المعلوم إليه و عدمه، من حيث أصل الغرر و إن افترق من حيث القلّة و الكثرة، لأنّ ضمّ المعلوم إليه و إن قلّ غرره في الجملة إلّا أنّه لا يخرجه عن أصل موضوع الغرر و الجهالة، فيكون المجموع غررا مجهولا، إذ لا نعني بالمجهول ما كان كلّ جزء منه مجهولا.

و أمّا المرحلة الثانية: فمحصّل الكلام فيها: أنّه لا ينبغي الإشكال و الخلاف في ورود الأخبار (2) المستفيضة، بل المتواترة، المقتضية لتخصيص الأصل، و عموم النهي عن بيع المجهول إذا انضمّ إلى المعلوم في سمك الآجام و لبن الضرع و العبد الآبق و ما في بطون الحيوان و غيرها، مما هو مجهول المقدار أو الوصف أو الحصول و التسليم حسب ما ذكرت تلك الأخبار في المتن (3) و الجواهر (4) و غيرهما. هذا مما لا خلاف و لا إشكال فيه.

و إنّما الخلاف في ورود تلك الأخبار على الأصل، و تخصيصها عموم القاعدة المسلّمة، المجمع عليها من منع بيع المجهول، حيث منعه بعض، تبعا لما عن المشهور و الحدائق (5).

و هو ضعيف و مخالف لأكثر القدماء و كثير من المتأخّرين، بل و للإجماع المحكي عن الخلاف (6) و الغنية (7).


1- الوسائل 12: 330 ب (11) من آداب التجارة ح 3.
2- الوسائل 12: 259 ب «8 و 10 و 11» من أبواب عقد البيع و شروطه.
3- المكاسب: 204.
4- جواهر الكلام 22: 441.
5- الحدائق الناضرة 18: 487.
6- الخلاف 3: 155 المسألة 245.
7- غنية النزوع: 212.

ص: 264

لأنّ المانع من ورود تلك الأخبار على الأصل و عموم المنع إن كان ضعف سندها- كما ادّعاه الشهيد في الروضة (1)- فمضافا إلى ما فيها أيضا من الصحاح و الموثّقات و المراسيل المعتبرة منجبر بشهرة القدماء، بل المتأخّرين، بل الإجماعين المحكيين عن الغنية و الخلاف.

و إن كان المانع ضعف دلالتها فمضافا إلى عدم العثور بتوهّم أحد به من الواضح وضوح دلالة جلّها إن لم يكن كلّها.

و إن كان المانع هو إباء عموم النهي عن بيع المجهول من التخصيص فمن البيّن عدم كونه قاعدة عقليّة قطعيّة كقبح الظلم و نحوه حتّى يمتنع تخصيصها بالظنّي، بل هو كسائر القواعد الشرعيّة التعبّديّة القابلة للتخصيص و التقييد البتة.

و أمّا المرحلة الثالثة: فتفصيل الكلام فيها: أنّ لتجويز الضميمة بيع المجهول إطلاق و تقييد من جهات: أحدها: من حيث الجهل بالمقدار أو الوصف أو الحصول. و الآخر: من حيث اعتبار ذلك المجهول شرطا أو تابعا في البيع و عدمه. و الثالث: من جهة الاقتصار على مورد تلك النصوص (2) المجوّزة لبيع المجهول مع الضميمة، أعني: خصوص سمك الآجام و لبن الضرع و العبد الآبق، أو التعدّي إلى مطلق بيع المجهول مع الضميمة و إن خرج عن مورد النصوص.

فنقول في اعتبار إطلاق تلك الأخبار من تلك الجهات الثلاث و عدمه: أمّا إطلاقها من الجهة الاولى: فلا ينبغي الإشكال بل و لا الخلاف في اقتضاء تلك الأخبار تجويز الضميمة لبيع المجهول مطلقا، من حيث كون الجهل في مقداره أو وصفه أو حصوله. و ذلك لأنّه و إن اختصّ مورد بعضها ببعض ذلك إلّا أنّه لمّا كان المفروض اعتبار جميعها كان المعتبر جميع ذلك.


1- الروضة البهيّة 3: 282.
2- تقدّم ذكر مصادره في هامش (2) ص: 263.

ص: 265

و أمّا من جهة ثانية: فهو و إن اختلف الأصحاب في تجويز الضميمة لبيع المجهول مطلقا، أو تقييده بخصوص ما إذا أخذ المجهول شرطا في المبيع المعلوم لا جزء كما عن العلّامة في القواعد (1) و التذكرة (2) في غيره، أو تقييده بخصوص ما إذا كان المجهول تابعا للمعلوم بحسب العرف كالحمل مع الأمّ و اللبن مع الشاة و البيض مع الدجاج كما عن ظاهر الشهيدين (3)، أو بحسب الشخص أي بحسب قصد المتبائعين و إن كان بحسب العرف متبوعا في البيع كما هو محتمل عبارة بعضهم، أو تقييده بخصوص ما إذا كان المعلوم المنضمّ إلى المجهول في البيع مقاربا للثمن في القيمة كما عن ظاهر مواضع من المختلف (4). إلّا أنّ إطلاق الأخبار (5) يضعّف تقييدها بشي ء من تلك التقييدات الأربعة، مضافا إلى ما في بعضها من تقييد المطلق بالفرد النادر، و ما في جلّها من عدم التأثير في رفع الغرر، بل و عدم الفرق بينه و بين ضدّه، من حيث لزوم الغرر و الجهالة حسب ما في المتن تفصيله.

و أمّا إطلاقها من الجهة الثالثة:- أعني: من جهة التعدّي إلى مطلق بيع المجهول مع الضميمة- فهو و إن احتمل منعه- اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النصّ (6)، و هو خصوص بيع الآبق و سمك الآجام و لبن الضرع و ما في بطن الحيوان من الحمل، دون ما خرج عن مورد النصّ- إلّا أنّ الظاهر من إطلاق تعليل بيع الآبق و اتّحاد الطريق و تنقيح المناط هو الإطلاق أيضا من تلك الجهة،


1- قواعد الأحكام 1: 127 و 150 و 153.
2- تذكرة الفقهاء 1: 493.
3- الدروس الشرعيّة 3: 216، اللمعة الدمشقيّة: 67، الروضة البهيّة 3: 282 و 313.
4- مختلف الشيعة 5: 248 و 251.
5- تقدّم ذكر مصادرهما في هامش (2) ص: 263.
6- تقدّم ذكر مصادرهما في هامش (2) ص: 263.

ص: 266

كالإطلاق من الجهتين الأوّليّتين.

فإن قلت: لعلّ الوجه و الحكمة في جواز بيع المجهول مع الضميمة في موارد النصّ هو شدّة احتياج الناس بخصوصها، بخلاف الخارج عن مواردها فلا يتعدّى إليه.

قلت: أوّلا: نمنع الفرق. و ثانيا: نمنع فارقيّته، نظرا إلى إمكان التوصّل إلى نقلها بصلح و نحوه، و عدم انحصار المخلص في البيع حتّى يشر الاحتياج إليه.

قوله: «و أمّا رواية معاوية- إلى قوله- فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لا يمكن حمل رواية معاوية (1) على رواية البزنطي (2)، فضلا عن أن يكون قرينة عليها، لوضوح المنافاة بينهما، من حيث اعتبار القصب في إحداهما و عدمه في الأخرى.

[مسألة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه]

قوله: «و يمكن أن تحرر المسألة على وجه آخر .. إلخ».

[أقول:] الفرق بين الوجهين بعد اشتراكهما في أنّ المبيع هو المظروف دون ظرفه أنّ الإندار و الإسقاط للظرف بعد البيع في الأوّل و قبله في الثاني، و لتعيين التسعير و حقّ البائع من الثمن على الأوّل، و لتعيين المظروف و جعل المثمن في حكم المعلوم على الثاني. و تظهر الثمرة بينهما أنّ تعيين حقّ البائع من الثمن يمكن إصلاحه بالتراضي، و الخطب فيه أسهل من الخطب في تعيين المثمن.

قوله: «إذ الإندار حينئذ لتعيين الثمن. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ تفريع استثناء المجهول على جواز الإندار، لا على جواز بيع المظروف دون الظرف و إن استظهر منه الوجه الثاني، إلّا أنّ استثناء المجهول من المبيع ظاهر في الوجه الأول، إلّا أن يريد من المبيع ما يراد بيعه


1- الوسائل 12: 264 ب (12) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 5.
2- الوسائل 12: 263 ب (12) من أبواب عقد البيع و شروطه ح 2.

ص: 267

مجازا.

قوله: «لأنّ هذا ليس من أفراد المطلق حتّى ينصرف .. إلخ».

[أقول:] لأنّ العادة كالغلبة إذا تعلّقت باستعمال اللفظ كانت صارفة له، بخلاف العادة في الفعل فإنّها كغلبة الوجود، لا بوجوب انصراف اللفظ بنفسه.

[تتمة كتاب البيع في استحباب التفقه في مسائل التجارات]

قوله: «ارتطم في الربا» (1).

[أقول:] من ارتطم الحمار في الوحل إذا حبس فيه، و لم يقدر على الخروج.

قوله: «تورّط في الشبهات» (2).

[أقول:] أي وقع في الورطة، أي البليّة و الهلاكة.

قوله: «بناء على أنّ الخارج من العموم ليس إلّا ما علم».

[أقول:] و فيه: أنّ هذا المبنى خلاف الأصل الأصيل في أنّ الموضوعات اسم للمعاني الواقعيّة، لا لخصوص المعلومة إلّا ما خرج لصارف خارجي، و لعلّ البناء عليه في المقام.

قوله: «و يشهد للغاية الأولى».

[أقول:] و هي الاطّلاع على المسائل الربا الخفيّة، فإنّ معرفة الأخفى من دبيب النملة يناسب الاستحباب لا الوجوب.

قوله: «و للغاية الثانية».

[أقول:] و هي قوله: و يطّلع على موارد الشبهة، لكن ظاهر صدره الوجوب، و هو قوله «من أراد التجارة فليتفقّه في دينه» (3).

قوله: «طلب العلم و طلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة أو


1- الوسائل 12: 283 ب «1» من أبواب آداب التجارة ح 2.
2- الوسائل 12: 283 ب «1» من أبواب آداب التجارة ح 4.
3- الوسائل 12: 283 ب «1» من أبواب آداب التجارة ح 4.

ص: 268

الخمسة».

[أقول:] وجه الترديد، الترديد في كونهما من العبادات- كما هو الأصل في مطلق الأوامر الشرعيّة- فلا يتأتّى فيهما الإباحة، أم لا، فيتأتّى. إمّا إيراد التعارض و عدم اجتماع طلب العلم و طلب الرزق فيندفع في اجتماعهما.

أمّا إجمالا: فلقوله تعالى وَ الَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينٰا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنٰا (1)، و قوله وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ (2).

و أمّا تفصيلا: فأمّا في زمان الحضور فكما في زمان الظهور غير مانعة الجمع، بل الاجتماع في غاية اليسر، كما كان أكثر الصحابة جامعين لفضيلتي العلم و الكسب بأكمل وجه، بل جامعون لأقصى مراتب العلم و العمل و طلب المال الحلال و العبادات الشاقّة و المجاهدات الفائقة، كما لا يخفى على الخبير بأحوال كلّ طبقة من أصحاب الأئمّة عليهم السّلام، بل التابعين و أنّ إفاضتهم عليهم السّلام لقابلي الاستفاضة مما لا غاية له و لا نهاية. و قد ورد في تفسير وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلّٰا كَافَّةً لِلنّٰاسِ (3) أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله لم يخرج من المدينة، و لكن جعلت له جميع طبقات الناس و نقاط الأرض بمنزلة راحة كفّه صلّى اللّٰه عليه و آله فبلغ الجميع بنفسه (4)، و كان أصحاب الأئمة عليهم السّلام يضمرون المسائل فيبلغهم الجواب، و ينقذونهم من الهلكات بأبلغ وجه، و أسرع من طرفة عين. و أمّا في الغيبة الكبرى خصوصا في زماننا هذا و إن تعسّر بل تعذّر الجمع بين تحصيل المعاد و المعاش بل تعذّر الانفراد بكلّ منهما لكن المانع منّا بسوء الاختيار، الّذي لا ينافي الاختيار، كما قال تعالى:


1- العنكبوت: 69.
2- النجم: 39.
3- سبأ: 28.
4- انظر تفسير القميّ 2: 202- 203.

ص: 269

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرىٰ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ (1) وَ أَنْ لَوِ اسْتَقٰامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً (2).

و لنعم ما قيل: وجوده لطف و تصرّفه لطف آخر و عدمه منا، فحينئذ إذا دار الأمر بين تحصيل المعاد و المعاش و لم يمكن الجمع تعيّن الترجيح بالأهمّ فالأهمّ المختلف باختلاف المقامات، كما لا يخفى.

قوله: «لا إشكال في اعتبار القصد، إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي».

[أقول:] فيه: أنّ صدق عنوان النهي من قوله: «لا تلق و لا تشتر و لا تأكل» (3) لا يحتاج إلى القصد، لتحقّق صدقه في الخارج و الواقع بمجرّد وجوده، لأنّه ذو جهة واحدة في ضرب اليتيم و قتله، فإنّ صدق عنوان الضرب و القتل في الواقع و الخارج لمّا كان ذو جهة واحدة لم يحتج إلى القصد في صدق العنوان و ثبوت الجناية به و لو صدر عن خطأ من دون قصد و عمد، بخلاف عنوان كونه للإحسان أو العدوان فإنّه لمّا كان ذو جهتين احتاج إلى القصد في البين.

نعم، كلّ عنوان منهيّ إذا صدر لا عن قصد و علم لم يكن منهيّا، لكن لا من باب السالبة بانتفاء الموضوع- كما توهّم- بل لحديث الرفع (4)، و من باب السالبة بانتفاء المحمول. و من هنا سرى الوهم في اعتبار القصد في صدق العنوان الخارجي.


1- الأعراف: 96.
2- الجنّ: 16.
3- الوسائل 12: 326 ب «36» من أبواب آداب التجارة ح 2 و 3.
4- الوسائل 11: 295 ب «56» من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه.

ص: 270

ص: 271

الخيارات

اشارة

ص: 272

ص: 273

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم في الخيارات

[المقدمتان]

[الأولى في تعريف الخيار]

قال: «الخيار اسم مصدر من الاختيار .. إلخ».

أقول: و قيل: من التخيّر، كالطيرة من التطيّر. و قيل: هما لغتان بمعنى واحد.

و على الأوّلين فالفرق بين المصدر و اسم المصدر كالفرق بين الفعل و أسماء الأفعال، و كالفرق بين المشتقّ- كضارب مثلا- و بين الجامد الموضوع لمعنى المشتقّ، كزيد مثلا. فيظهر الفرق بينهما في كون أحدهما مشتقّا أو مبدأ للاشتقاق، دون الآخر. أو في دلالة أحدهما على المعنى بلا واسطة، و الآخر بواسطة الدلالة على لفظه. أو في دلالة المصدر على الحدث، و اسم المصدر على الأثر المحصّل منه، أو على الهيئة المحصّلة منه. أو في الإجمال و التفصيل. إلى غير ذلك من الفروق المنقولة عن حاشية آقا جمال على الروضة في معنى الطهر و الطهور (1).

قال: «الخيار من الحقوق لا من الأحكام».

أقول: أمّا الفرق بين الحقّ و الحكم فهو: أنّ الحقّ في اصطلاح المتشرّعة ما كان قابلا للنقل و الانتقال، و يصحّ الصلح عليه، و يورث، و يسقط بالإسقاط، كحقّ الاختصاص و الشفعة و المضاجعة و خيار الشرط و المجلس و الحيوان و الغبن و العيب، و غير ذلك من الحقوق، بخلاف الحكم، فإنّه في اصطلاح المتشرّعة غير


1- حاشية الروضة 1: 11.

ص: 274

قابل للنقل و الانتقال، و لا يصحّ الصلح عليه، و لا يورث، و لا يسقط بالإسقاط، كالإجازة و الردّ لعقد الفضولي، و التسلّط على فسخ العقود الجائزة.

و أمّا المشخّص المائز بين الحقّ و الحكم فمرجعه إلى نظر الفقيه، و ما يستنبطه الفقيه من آثار الشي ء و لوازمه، أو من التعبير عنه في لسان الشارع بلفظ الحقّ أو الحكم، أو الشهرة، أو غير ذلك ممّا يرجّح نظر الفقيه إلى كون الشي ء حقّا أو حكما.

و أمّا مع شكّه و عدم المرجّح عنده لأحد الطرفين فالمرجع إلى الأصل الأصيل، و هو أصالة عدم الحقّ و إن كان الشكّ في الحادث، لأنّه في حكم الشكّ في الحدوث، نظرا إلى أنّ لأحد المشكوكين أثرا دون الآخر، أو أثرا زائدا على أثر الآخر. و كلّما كان الشكّ في الحادث من هذا القبيل فهو في حكم الشكّ في الحدوث في مجري الأصل و اعتباره.

قوله: «و لذا لا تورث و لا تسقط بالإسقاط .. إلخ».

أقول: و يمكن النقض طردا و عكسا على الفرق المذكور بين الحكم و الحقّ- بأنّ الحكم لا يورث و لا يسقط بالإسقاط بخلاف الحقّ- فإنّ من جملة الأحكام الموروثة حكم قضاء الوالدين على الولد الأكبر، و حكم أداء الدّين على الوصيّ و الودعيّ و الوارث من تركة الميّت.

و من جملة الأحكام المسقطة بالإسقاط نذر الأولاد المسقط بإحلال الوالدين، و الزوجة بإحلال الزوج.

و من جملة الحقوق غير الموروثة و غير المسقطة بالإسقاط حقّ ولاية النبوّة و الإمامة على جميع الأمّة، و ولاية الأب و الجدّ على الأولاد، و التولية على الأوقاف، و الوصاية على الموصى به، و حقّ نفقة الوالدين على الأولاد و بالعكس، فإنّها لا تورث و لا تسقط بالإسقاط شرعا، بخلاف حقّ نفقة الزوجة على الزوج،

ص: 275

فإنّه يستورث و يسقط بالإسقاط، و حقّ المضاجعة، فإنّه يسقط و لا يستورث، و حقوق الأخوة من الاحترام و الحرمة و قبول الشفاعة و الإجابة و المعذرة و المواساة و حرمة الغيبة و الأذيّة و الخيانة، فإنها تسقط بالإسقاط و لا تستورث.

فتبيّن أن كلّا من الأحكام و الحقوق الشرعيّة في قابليّة الإسقاط و الوراثة و عدمها تابعة للمأثور المقرّر في كيفيّتها و كميّتها، المختلف باختلاف المأثور المقرّر فيها، و ليست القابليّة للإسقاط و الوراثة في الحقوق و عدمها في الأحكام بضابطة كلّية مطّردة من الطرفين، بل الضابط و الفارق الكلّي المطّرد إنّما هو في كون الحكم الشرعي ما يتعلّق بفعل المكلّف ابتداء و أصالة مطلقا، سواء لم يستورث و لم يسقط بإسقاطه، كحكم التسلّط على فسخ العقود الجائزة، أم استورث و لم يسقط، كوجوب أداء الدّين، أم أسقط و لم يستورث، كوجوب إطاعة الوالدين، بخلاف الحقّ الشرعي، فإنّه ما تعلّق بنفس المكلّف لا بفعله أصالة، سواء استورث و أسقط بالإسقاط، كحقوق الخيارات و الشفعة و حقوق المالكيّة على المملوك، أم استورث و لم يسقط بالإسقاط، كحقّ التولية في الطبقات، فإنّه يستورث من السابق إلى اللاحق و لا يسقط بالإسقاط، أم أسقط و لم يستورث، كحقوق الأخوّة الإيمانيّة و حقوق الوالدين، فإنّها تسقط بالإسقاط و لا تستورث.

ثمّ الحكم من الأحكام التكليفيّة، و الحقّ من الأحكام الوضعيّة. و من لوازم الحكم ترتّب أحكام حقوق اللّٰه عليه، و الحقّ ترتّب أحكام حقوق الناس عليه.

و كون الجزاء في الإطاعة و المخالفة لحقوق اللّٰه إنّما هو على اللّٰه، و في حقوق الناس على الناس. و كون المكفّر لمخالفة اللّٰه مجرّد التوبة، و مخالفة الناس مجرّد إرضائهم. و كثيرا ما يختلف في كونه من الأحكام أم الحقوق.

منها: حرمة الأبوين و إطاعتهما.

ص: 276

و منها: حرمة المؤمن و حرمة غيبته و حرمة عرضه، حيث اختلف في أن مكفّرها و مسقطها الاستحلال أو مجرّد التوبة و الاستغفار، و النصوص (1) فيه متعارضة، و مقتضى الأصل كونها من حقوق اللّٰه، و الجمع كونها من حقوق الناس، و يرجّح مقتضى الأصل فيها وجود الفرق بين حقّ الأبوّة و الأخوّة و بين حقّ المالكيّة و حقّ النبوّة و الإمامة.

و منها: حقّ الحكومة الشرعيّة بالنيابة للفقيه العادل، فإنّه من جهة عدم الانتقال بالوراثة و عدم الإسقاط بالإسقاط قد يتوهّم كونه من الأحكام، كولاية عدول المؤمنين في الأمور الحسبيّة. و لكن الفرق واضح، من حيث إنّ حكم الفقيه متعلّق بالأصالة بنفس المكلّف بقوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ (2)، و «ارجعوا إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّٰه» (3). و حكم عدول المؤمنين متعلّق بنفس التكليف و فعل المكلّف، كقوله تعالى تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ (4) و «عونك الضعيف من أفضل الطاعات» (5).

[الثانية الأصل في البيع اللزوم]

قوله: «و هو مبائن له».

[أقول:] و ذلك لأنّ الخيار مسبّب، و العيب سبب الخيار، و بين السبب و المسبّب تباين لا عموم، إلّا أن يعطف العيب على أسباب الخيار المقدّرة لا على نفسه. و لكن المغايرة بالتباين أولى من المغايرة بالعموم بين المعطوف و المعطوف عليه، فلا وجه للاعتراض به.


1- الوسائل 8: 605 ب «155» من أبواب أحكام العشرة.
2- النحل: 43.
3- الوسائل 18: 101 ب (11) من أبواب صفات القاضي ح 9.
4- المائدة: 2.
5- الوسائل 11: 108 ب «59» من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ح 2، و فيه: من أفضل الصدقة.

ص: 277

قوله: «و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظيّة .. إلخ».

[أقول:] يعني: العمل بما اقتضاه العقد في نفسه من الالتزام و التباني المطلق أو المشروط بحسب الدلالة اللفظيّة.

و عن العلامة في بعض كتبه أنّ معنى الآية وجوب الوفاء بمقتضى العقد، إن لازما فلازم، و إن جائزا فجائز (1).

و هو محتمل لوجهين:

أحدهما: أن يكون معنى الآية (2) لمحض التأكيد و الإمضاء و الإرشاد إلى ما للعقد شرعا أو عرفا من الاتّصاف باللزوم أو الجواز أو الصحّة أو البطلان، إن معلوما فمعلوم، و إن مشكوكا فمشكوك.

و الآخر: أن يكون المعنى للتأسيس، و جعل ما ليس للعقد من الاقتضاء للعقد.

و على أيّ من الوجهين فالأظهر هو المعنى الأوّل دون الثاني بأحد وجهيه.

لكن لا لما في المتن من استظهار ضعف الثاني بأنّ اللزوم و الجواز من الأحكام الشرعيّة للعقد، و ليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع. حتّى يمكن اندفاعه بفرض المعنى هو وجوب الوفاء بحكم العقد من لزوم أو جواز، لا بمقتضى العقد.

و لا لما توهّم من استلزام الثاني لاستعمال الآية في معنى التأكيد و التأسيس معا- بتقريب أنّ العقود العامّة على قسمين: قسم ثبت لها في العرف مقتضى في العرف من لزوم أو جواز، كالعقود المعهودة، فيكون وجوب الوفاء بالنسبة إلى


1- مختلف الشيعة 6: 255.
2- المائدة: 1.

ص: 278

هذا القسم تأكيدا و إمضاء. و قسم ليس لها في العرف مقتضى أصلا، كالعقود المخترعة، فيكون وجوب الوفاء بالنسبة إلى هذا القسم تأسيسا- حتّى يمكن اندفاعه بفرض التناسي و التغمّض عن مقتضى ما ثبت لبعضها.

و لا لما توهّم أيضا من استلزام الثاني لاستعمال لفظ الأمر بالوفاء في معنى الوجوب و الجواز معا حتى يمكن اندفاعه أيضا بإمكان فرض التعدّد في متعلّق الأمر دون معنى الأمر، على أن يكون معنى الأمر هو وجوب الوفاء و إن اختلف متعلّقه، و هو مقتضى العقد باللزوم تارة و الجواز اخرى، نظرا إلى أنّ الجائز أيضا ممّا يجب الوفاء- أي: الاعتقاد- بجوازه. بل أظهريّة المعنى الأوّل إنّما هو لإطلاق وجوب الوفاء بمقتضى العقد، حسب ما في المتن تقريبه. مضافا إلى أشهريّة هذا المعنى بناء على جابريّة الشهرة للدلالة، خصوصا هذه الشهرة العظيمة التي كادت تكون اتّفاقا.

و ربما استقرب شيخنا العلامة المعنى الثاني و استبعد الأوّل (1)، بأنّ الظاهر من وجوب الوفاء بالعقد ليس العمل بمقتضاه مطلقا، بل العمل بمقتضاه ما دام عقدا، مع السكون عن تعرّض حال العقد من زواله بالفسخ و عدم زواله به. كما أنّ الحكم على كلّ موضوع من الموضوعات لا يقتضي ترتّب ذلك الحكم على ذلك الموضوع مطلقا، بل ما دام الموضوع باقيا، من غير تعرّض لمقدار بقاء الموضوع و المزيل له. ألا ترى أنّ وجوب الاجتناب عن النجس مثلا لا يقتضي الاجتناب عنه إلّا ما دام موضوع النجاسة باقية، من غير تعرّض لمقدار بقاء النجاسة و تعيين المزيل له و عدمه.

و على ذلك، فمعنى وجوب الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه ما دام العقد باقيا، و أمّا انفساخه بالفسخ و عدم انفساخه به فمسكوت عنه لا تعرّض في


1- المكاسب: 215.

ص: 279

الآية (1) له. و هذا هو الذي يساعد عليه التبادر و ملاحظة سائر الأشباه و النظائر المساوقة للآية. مضافا إلى أصالة عدم التخصيص فضلا عن كثرته، و ذلك لأنّ تفسير الآية بما يقتضي أصالة لزوم العقد يستلزم تخصيصها بالإقالة من الطرفين، و بالعقود الجائزة كالقرض و المشاركة و المضاربة، و بذي الخيار من العقود، بخلاف تفسيرها بما ذكرناه من عدم التعرّض لحال العقد من الانفساخ بالفسخ و عدمه، فإنّه لا يستلزم التخصيص بشي ء ممّا ذكر، و إنّما يقتضي أن تكون العقود الجائزة و ذو الخيار و الإقالة من العقود اللازمة خارجة عن عموم الوفاء بالعقود من بين التخصّص و انتفاء موضوع العقد عنها بالرجوع و الفسخ، لا من باب التخصيص و بقاء موضوع العقد. و من المعلوم أنّه كلّما دار الأمر بين التخصيص و التخصّص كان الأصل مع التخصّص دون التخصيص. انتهى تقريبه البعيد على طوله.

و لكن لا يخفى ما فيه من المغالطة، فإن دوام الموضوع المنوط بدوامه الحكم هو دوامه عرفا لا دوامه شرعا وراء دوامه العرفي، حتّى يتوقّف في بقاء الحكم عند الشكّ في بقاء موضوعه شرعا، كما فيما نحن فيه. و ما ذكر من الأشباه و النظائر المنوط فيها الحكم ببقاء الموضوع كلّها من قبيل ما أنيط فيه الحكم ببقاء موضوعه عرفا، فلا يقاس عليه إناطة حكم ببقاء موضوعه شرعا، كما فيما نحن فيه، فإنّ الشكّ في ثبوت الخيار و عدمه لعقد و انفساخه بفسخ أحد المتعاقدين و عدمه مستند إلى الشكّ في بقاء موضوع ذلك العقد شرعا و عدمه، لا إلى الشكّ في بقاء موضوعه عرفا، فإنّ موضوع العقد عرفا- و هو التباني و الالتزام السابق- لا ينتفي بانتفاء اللزوم قطعا، كما لا يخفى.

و من هنا ظهر لك أن عدم استلزام القول بعدم دلالة الآية على أصالة


1- المائدة: 1.

ص: 280

اللزوم التخصيص في عموم الآية (1)، إنّما هو من باب عدم خروج شي ء من العقود الجائزة عن عموم الآية، لا من باب خروجها تخصّصا لا تخصيصا، كما توهّم.

فتلخّص ممّا ذكرنا: أنّ القول بأصالة اللزوم في العقود و إن استلزم التخصيص في الآية في الجملة، بخلاف القول بعدم دلالتها على اللزوم، فإنّه لا يستلزم تخصيصا و لا تخصّصا، إلّا أنّه مع ذلك كلّه هو الأظهر، لظهور وجوب الوفاء بالعقد في وجوب الوفاء بالالتزام و التباني مطلقا و لو فسخ أحد الطرفين من دون رضا الآخر، و هو المعنيّ بأصالة اللزوم، و لشهرة ذلك المعنى بين الفقهاء خلفا عن سلف، بناء على جابريّة الشهرة للدلالة كما أنّها جابرة للسند، كما قرّر في محلّه.

هذا كلّه مضافا إلى أنّ الأصل العملي- و هو الاستصحاب أيضا- يقتضي اللزوم بالتقريب المذكور في المتن.

بل ربما يستدلّ على أصالة اللزوم أيضا بأصالة عدم المانع عن اللزوم في مشكوك اللزوم.

و لكنّه مبنيّ على تقادير بعيدة:

أحدها: إحراز استناد خروج الخارج عن العموم إلى وجود المانع دون عدم المقتضي، و هو لا يتأتّى إلّا فيما لو تعلّق حكم العامّ على الوصف المناسب المشعر بالعلّية، كأكرم العلماء إلّا زيدا، دون أكرم الناس إلّا زيدا.

و ثانيها: أنّ أصالة عدم المانع الكلّي لا يثمر في المشكوك الجزئي إلّا على حجّية الأصل المثبت. و عدم المانع الجزئي لم يكن له حالة سابقة، لكونه من قبيل الشكّ في الحادث. فالأصل النافع غير جار، و الجاري غير نافع.

كما أنّه ربما يستدلّ على أصالة اللزوم أيضا بأنّ مجرّد الشك في مشكوك


1- المائدة: 1.

ص: 281

الخروج عن تحت عموم اللزوم كاف في بقائه، بناء على انصراف الخارج عن العموم إلى معلوم الخروج دون مشكوكه. و هو مبنيّ على تقدير عدم وضع اللفظ للمعاني الواقعيّة، و هو أبعد من سابقه.

ثمّ إنّ ثمرة أصالة اللزوم بالمعنى الأوّل- و هو عموم الوفاء و مرجعيّته- إنّما تظهر في الشبهات الحكميّة، و الشكّ في حكم الشارع باللزوم و عدمه في عقد من العقود. و أمّا في الشبهات الموضوعيّة و الشكّ في المصداق، كما لو شكّ في كون العقد الواقع في الخارج هل هو مصداق لعقد البيع ليلزم أو لعقد الهبة لئلّا يلزم؟

فلا مرجعيّة للعموم في كونه عقد بيع لا هبة، نظرا إلى [أنّ] خروجه عن عموم الوفاء لا يستلزم تخصيص عمومه بما وراء تخصيصه بخروج الهبة حتّى تكون أصالة عدم التخصيص محرزا لعدم خروجه، حسب ما حرّر في محلّه من الأصول، من أنّ العموم لا يشخّص الموضوع، و أنّ العامّ المخصّص بالمجمل المصداقي لا حكومة له على رفع الإجمال.

نعم، أصالة اللزوم بمعنى استصحابه إن تمّ جرت في الشبهات الموضوعيّة كجريانها في الشبهات الحكميّة.

قوله: «لم يمكن التمسّك في رفعه إلّا بالاستصحاب، و لا ينفع الإطلاق».

[أقول:] ضرورة أنّ إطلاق حكم حلّية البيع و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1) إنّما يجري بعد إحراز صدق موضوع البيع و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و المفروض الشكّ في بقاء صدقه بعد فسخ أحد المتعاقدين، فلا يجري فيه إلّا استصحاب بقاء صدق الموضوع و حكمه، دون إطلاق الحكم المتوقّف على صدق الموضوع.

مضافا إلى أنّ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (2) وارد مورد تشريع حليّة البيع في مقابل حرمة


1- النساء: 29.
2- البقرة: 275.

ص: 282

الربا و قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا (1)، فلا إطلاق له يشمل صورة الشكّ في تأثير الفسخ.

قوله: «حتّى في مثل قوله عليه السّلام في دعاء التوبة: و لك [يا ربّ] شرطي أن لا أعود» (2).

[أقول:] أي: ذلك التراضي في ضمن التوبة بقوله: «اللّٰهم إنّي أتوب إليك .. إلخ» (3).

قوله: «في أوّل دعا الندبة: بعد أن شرطت عليهم الزهد».

[أقول:] أي: في ضمن قوله: «اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم» (4).

قوله: «فيبقى ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ نصوص (5) انقطاع الخيار بعد الافتراق كما أنّها حاكمة على الأصل المخالف لها، كذلك حاكمة على الأصل الموافق، فلا مجرى للاستصحاب الحاكم، كما لا مجرى للاستصحاب المحكوم بعد نصوص انقطاع الخيار بالافتراق.

قوله: «هو حسن في خصوص المسابقة و شبهه ممّا لا يتضمّن «تمليكا» كالبيع «أو تسليطا» كالإجارة».

[أقول:] و أمّا تضمّنه السبق بالفتح- و هو العوض- فيما كانت المسابقة معوّضة فإنّما هو بعد السبق بالسكون، من قبيل حقّ الجعالة الذي لا يتملّك إلّا بعد إتمام العمل، فليس لها أثر سابق على الفسخ كالبيع و الإجارة حتّى يقال


1- البقرة: 275.
2- الصحيفة السجادية: 166 و 165.
3- الصحيفة السجادية: 166 و 165.
4- مفاتيح الجنان: 653.
5- الوسائل 12: 347 ب «2» من أبواب الخيار.

ص: 283

الأصل بقاؤه و عدم زواله بعد الفسخ، حتّى يستصحب لزومه كأثر البيع.

[القول في أقسام الخيار]

اشارة

قوله: «إذ ليس له أحكام مغايرة لسائر أنواع الخيار».

[أقول:] بل و لا هي خلافيّة، و إنّما هو مجرّد جمع و استقصاء.

[الأول في خيار المجلس]
اشارة

قوله: «و لا خلاف بين الإماميّة في ثبوت هذا الخيار .. إلخ».

أقول: بل الإجماع منّا بقسميه عليه، بل النصوص عليه متواترة، منها صحيحا زرارة (1) و ابن مسلم (2) عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا و ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار، أو وجب البيع» إلى غير ذلك.

قوله: «مطروح أو مؤوّل».

[أقول:] أمّا وجه الطرح فلشذوذه، و معارضته بما هو أصحّ و أصرح و أشهر و أكثر و أبعد عن مخالفة العامّة.

و أمّا كيفيّة التأويل فبحمل الوجوب على الثبوت لا اللزوم، أو تخصيص لزومه- كعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (3)- بأدلّة الخيار، أو تقييد إطلاقه بإسقاط الخيار أو سقوطه بالافتراق أو اشتراط السقوط، أو الحمل على التقيّة من أبي حنيفة و أتباعه المنكرين به على النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله، و لذا عدّت في مطاعنه.

قوله: «و هل يثبت لهما مطلقا؟ خلاف».

أقول: بل أقوال، ثالثها التفصيل بين الوكيل في مجرّد إيقاع العقد فلا يثبت لهما الخيار، و بين الوكيل في مطلق المعاملة فيثبت لهما الخيار.

رابعها: التفصيل في المسالك بقوله: «و أمّا الوكيلان فإن لم ينصّ لهما الموكّل على الخيار لم يكن لهما الفسخ، فينتفي الحكم عنهما، و إن وكّلهما فيه، فإن كان قبل العقد بني على التوكيل فيما لا يملكه الموكّل هل يصحّ بوجه أم لا؟


1- الوسائل 12: 345 ب «1» من أبواب الخيار ح 2 و 1، و ليس فيهما من قوله: «و ما لم يفترقا .. إلخ»، بل هو موجود في روايات اخرى، انظر نفس الباب.
2- الوسائل 12: 345 ب «1» من أبواب الخيار ح 2 و 1، و ليس فيهما من قوله: «و ما لم يفترقا .. إلخ»، بل هو موجود في روايات اخرى، انظر نفس الباب.
3- المائدة: 1.

ص: 284

و سيأتي في بابه، فإن لم نجوّزه لم يكن لهما ذلك أيضا، و إن جوّزناه أو كان التوكيل فيه بعد العقد في المجلس كان لهما الخيار ما لم يفترقا، عملا بإطلاق الخبر» (1).

كما أنّ وجه القولين الأوّلين هو إطلاق البيّعين على الوكيلين، أو انصرافه إلى خصوص العاقد المالك.

قوله: «و إن عمّمناه لبعض أفراد الوكيل».

[أقول:] و هو الوكيل في مطلق التصرّف المالي بالاستقلال، لا خصوص إيقاع العقد أو التصرّف على وجه المعاوضة لا الاستقلال.

قوله: «مفاد أدلّة الخيار إثبات حقّ و سلطنة لكلّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه».

[أقول:] أي: بعد إحراز تسلّطه و مفروغيّة تسلّطه عليه، لا قبل الإحراز و الشكّ في تسلّطه.

و فيه: أنّ إحراز تسلّطه إنّما هو معنى الخيار و هو استحقاق فسخ العقد، لا في مرتبة موضوع الحكم بالخيار حتّى يلزم إحراز صدقه و المفروغيّة عن إحرازه قبل الحكم بالخيار، لأنّ إطلاق الحكم و عمومه إنّما يجري في مشكوك الحكم بعد إحراز صدق موضوعه، لا في مشكوك الموضوع قبل إحراز صدق موضوعه، ضرورة أنّ موضوع الخيار البيّعان ما لم يفترقا، و صدقهما على الوكيلين مطلقا و لو في إيقاع العقد معلوم بالفرض من المصنّف لا مشكوك، و ليس الموضوع البيّعين المقيّد بثبوت التسلّط لهما على الفسخ، حتّى يقال إنّه مشكوك الصدق على الوكيلين في إيقاع العقد، و لا يفيده أدلّة الخيار.

نعم، لو كان الشكّ في خيار الوكيلين في إيقاع العقد من جهة الشكّ في


1- المسالك 3: 194.

ص: 285

صدق البيّعان عليهما، أو انصرافه إلى العاقد المالك كما قيل، لم يفده عموم أدلّة الخيار (1)، لأنّ الشكّ في موضوعه، و عموم الحكم لا يجز الموضوع. إلّا ذلك خلاف مفروض المصنّف و صريح تعبيره عن المشكوك في محلّ الكلام بقوله:

«مفاد أدلّة الخيار إثبات حقّ و سلطنة لكلّ من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلّطه .. إلخ».

قوله: «فإنّ المقام و إن لم يكن من تعارض المطلق و المقيّد».

[أقول:] أي: تقييد البيّعين بالخيار بالعاقد المالك و إن لم يكن من تعارض المطلق و المقيّد، لعدم الدليل على التقييد و الانصراف، إلّا أنّ سياق الجميع يشهد باتّحاد المراد من البيّعين.

قوله: «يتحقّق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة .. إلخ».

[أقول:] من الموكّل و الوكلاء المترتّبين في الوكالة، كالوكيل و وكيل الوكيل، و هكذا، و المتعدّدين في الوكالة على وجه الاجتماع أو الاستقلال، لكن اتّفقوا جميعا في إيقاع المعاملة، أو وكّلوا غيرهم في إيقاع العقد.

قوله: «و ليس المقام من تقديم الفاسخ .. إلخ».

[أقول:] و الحاصل: أنّ حقّ الخيار إمّا حقّ واحد، أو متعدّد. و كلّ منهما إمّا ثابت لشخص واحد، أو لأشخاص عديدة.

فالخيار الواحد الثابت لشخص واحد حكمه سقوط الفسخ بالإجازة، و بالعكس و هو سقوط الإجازة بالفسخ، و ذلك لأنّ الحقّ الوحداني لا يتبعّض، و ذو الحقّ الواحد لا يتناقض.

الثاني: الخيار الواحد المنتقل إلى متعدّدين، بإرث أو تفويض أو توكيل.

و حكمه: أنّه إن سبق الفسخ من أحدهم سقط خيار الباقين، لكن لا من باب


1- الوسائل 12: 345 ب «1» من أبواب الخيار.

ص: 286

تقديم الفاسخ على المجيز، بل من باب انتفاء موضوعه- و هو عقد البيع- بالانفساخ و الانحلال، بخلاف ما لو سبق الإجازة و اللزوم من أحدهم، فإنّه لم يسقط الفسخ من الباقين، بل كان لهم الفسخ من باب تقديم الفاسخ على المجيز، و ذلك لفرض الخيار فيه حقّا وحدانيّا لا يتبعّض، و لمّا كان المجيز في المعنى مسقطا لحقّه و إن تقدّم لم يزاحم الفاسخ و إن تأخّر، بل قدّم الفاسخ، لأنّه آخذ بحقّه، و الآخذ بحقّه لا يزاحمه المسقط لحقّه.

الثالث: الخيارات العديدة الثابتة لواحد، كخيار المجلس و الحيوان و العيب و الغبن و الشرط من المتعدّدة جنسا، و خيارات المجالس و الحيوانات و العيوب و الشروط العديدة أفرادا، الثابتة كلّها لشخص واحد، حكمه أنّه لا يسقط شي ء منها بإسقاط آخر، و لا يلزم شي ء منها بإلزام آخر، و لا ينفسخ شي ء منها بفسخ آخر، و لا بفاسخ آخر، بل لكلّ من الخيارات العديدة حكم نفسه و بالنسبة إلى نفسه مستقلّا مستقلّا، لفرض تعدّد كلّ منها على وجه الاستقلال.

و كذلك القسم الرابع و هو الخيارات العديدة جنسا أو فردا الثابتة لمتعدّدين، كما لو كان المبيع ملكا لمتعدّدين، فإنّ إجازة كلّ منهم لا يسقط فسخ الآخرين، و لا فسخ كلّ منهم يمنع من إجازة الباقين، بل يتعلّق بكلّ من الفسخ و الإجازة بالنسبة إلى كلّ من الفاسخ و المجيز حكم نفسه لا غير، و من غير مزاحمة للغير، لفرض تعدّد كلّ من الفسخ و الإجازة و الفاسخ و المجيز مستقلّا مستقلّا.

و ممّا ذكرنا يظهر لك أنّ قوله: «فإنّ تلك المسألة» أي: مسألة لزوم العقد أو انفساخه بخيار الباقين «فيما إذا ثبت للجانبين، و هذا فرض من جانب واحد» فيه نظر واضح، لأنّ المسألة فيما ثبت الخيارات العديدة لمتعدّدين، و لا مدخليّة لثبوته للجانب الواحد أو الجانبين. فتدبّر جدّا.

قوله: «الأقوى العدم، لأنّ المتيقّن من الدليل ثبوت الخيار للعاقد في

ص: 287

صورة القول به عند العقد، لا لحوقه [له] بعده».

أقول: و في كلّ من المعلول و تعليله نظر. أمّا المعلول- و هو عدم انتقال خيار الموكّل بتفويضه إلى الوكيل- فلمنافاته ما تقدّم منه من الفرق بين الحقّ و الحكم، بكون الحقّ قابلا للنقل و الانتقال دون الحكم.

و أمّا تعليله بقوله: «لأنّ المتيقّن من الدليل ثبوت الخيار .. إلخ» فلأنّ عدم انتقال خيار الموكّل بتفويضه إلى وكيله- على القول به- إنّما يستند إلى عدم قابليّة الخيار للنقل و الانتقال، لا عدم دلالة أدلّة ثبوت الخيار إلّا للخيار الثابت عند العقد لا اللاحق بعده، كما لا يخفى.

قوله: «يمكن توكيله في الفسخ».

[أقول:] و الفرق بين التفويض و التوكيل أنّه على التفويض يصير الوكيل ذا حقّ مستقلّ يجوز له الاقتراح فيه بإسقاط و فسخ و نقل بعوض و غيره، و على التوكيل لا يجوز له إلّا ما أذن به الموكّل أو عزله و رفع يده.

قوله: «خصوصا إذا كانت بلفظ: التزمت. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ «التزمت» بمعنى: أجزت و التزمت بأصل البيع، لا بلزومه و إسقاط خياره، فلا يزيد في قدر الدلالة على معنى «بعت» حتّى يسقط الخيار. مضافا إلى أصالة عدم سقوطه.

قوله: «و منه يظهر سقوط القول بأنّ كلمة «حتّى» تدخل على الممكن و المستحيل».

[أقول:] وجه السقوط أنّ دخوله على المستحيل إنّما هو فيما أريد منه استحالة المغيّا بغاية مستحيلة، كقوله تعالى في عذاب الكفّار حَتّٰى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيٰاطِ (1) و «يعذّب المصوّر حتّى ينفخ في الصورة» (2). و من المعلوم


1- الأعراف: 40.
2- الوسائل 12: 221 ب «94» من أبواب ما يكتسب به ح 7 و 9.

ص: 288

أنّ المراد فيما نحن فيه بقوله: «البيّعان بالخيار حتّى يفترقا» (1) إنّما هو إمكان المغيّا و الغاية، لا استحالتهما حتّى يحمل على المستحيل.

قوله: «لكنّه حسن مع علمهما. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ كلّا من إقدام المتبايعين و علمهما إنّما يتعلّق بانعتاق المبيع و فكّه في الجملة، و أمّا سقوط حقّ الرجوع و الخيار فيه حتّى من طرف البائع أو من طرف المشتري، حتّى بردّ المثل و القيمة دون العين، فممّا لم يعلم به المتبايعان فضلا عن إقدامهما عليه، حتّى يسقط خيارهما مطلقا. مضافا إلى أصالة عدم سقوطه و استصحاب بقائه.

قوله: «و قد يقال».

[أقول:] القائل صاحب المقابيس (2).

قوله: «و لو تقديرا».

[أقول:] أراد بقوله: «و لو تقديرا» الملك الذي يفرض آنا ما.

قوله: «لا يقبل المنعتق عليه».

[أقول:] و لفظة «عليه» زائدة، بل غلط مخلّ بالمعنى.

قوله: «فدفع الخيار به أولى و أهون من رفعه. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ أولويّة دفعه من رفعه إنّما هو فيما لم يثبت الخيار بالأصل و الأخبار، و قد عرفت ثبوته بهما، فلا مجال لدفعه، بل يتعيّن حينئذ رفعه كما قيل.

قوله: «لأنّه لا يسقط به إذا ثبت قبله. فتأمّل».

[أقول:] تعليل المصنّف بقوله: «لأنّه» تعليل لعدم ارتفاع إشكال اعتبار


1- الوسائل 12: 345 ب «1» من أبواب الخيار ح 1 و 2.
2- مقابس الأنوار: 240.

ص: 289

قابليّة بقاء العين في خيار فسخه، بما في جامع المقاصد (1) من أنّ الخيار لا يسقط بالتلف.

و أمره بالتأمّل إشارة إلى إمكان منع عدم ثبوت الخيار قبل التلف فيما نحن فيه- و هو شراء الجمد في شدّة الحرّ- لو فرضنا بقاء عينه بمعالجة أو ندرة.

أو إشارة إلى انتقاض قوله: «لا يسقط الخيار بالتلف إذا ثبت قبله» بقاعدة انفساخ البيع بالتلف قبل قبضه، إلّا أن يقال بخروج ذلك بالنصّ لا (2) يناقض أصالة عدم سقوط الخيار بالتلف.

قوله: «و هو محتمل كلام الشيخ. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ هذا الاحتمال لا يجامع تصريح الشيخ بعدم دخول خيار المجلس في غير البيع (3).

قوله: «إمّا للزوم الربا .. إلخ».

[أقول:] نظرا إلى أن قبض أحد الطرفين دون الآخر موجب للربا و زيادة المقبوض على غير المقبوض. و أنت خبير بأنّ تعليل اشتراط التقابض في صحّة الصرف في السلم بلزوم الربا لولاه و إن صرّح به في صرف التذكرة (4)، إلّا أنّ فيه أوّلا: بمنع الملازمة، و كون الزيادة الحكميّة ليست كالزيادة الحسّية الحقيقيّة ربا.

و قولهم: للأجل قسط من الثمن، معناه اشتراط التأجيل لا مطلق تأخير قبض أحد العوضين عن الآخر، و إلّا لاشترط التقارن في تقابض العوضين.

و ثانيا: لو سلّمنا الملازمة فهو أخصّ من المدّعى، لعدم لزومه إلّا في الصرف دون السلم المبنيّ على قبض الثمن لا المثمن، بل في خصوص ما اتّحد


1- جامع المقاصد 4: 287.
2- كذا في النسخة الخطّية، و لعلّ الصحيح: فلا.
3- الخلاف 3: 13 المسألة 11 و 12.
4- التذكرة 1: 511.

ص: 290

جنس الصرفين و قبض أحدهما دون الآخر، دون ما إذا اختلف الجنسان أو اتّحدا و لكن لم يقبض شيئا منهما. و إنّما المتعيّن عندنا في دليل اشتراط التقابض في كلّ من الصرف و السلم ليس إلّا النصوص الخاصّة المستفيضة بل المتواترة، كقوله عليه السّلام: «لا يباع الذهب و الفضّة إلّا يدا بيد» (1) «لا تفارقه حتّى تأخذ منه، و إن نزا حائطا فانز معه» (2). كما أنّ الظاهر منها كون حكمة اشتراط التقابض في الصرف من الطرفين إنّما هو خطر فرار القابض بالمقبوض عن صاحبه، أو دعوى الإفلاس بعد قبضه عن الإقباض بعد المجلس، و في السلم من طرف البائع انتفاء فائدة معجّلة فيه لو لم يقبض الثمن.

قوله: «مع احتمال كونه من زمان العقد».

[أقول:] و احتمل الجواهر (3) احتمالا ثالثا، و هو ثبوت الخيار للفضوليّين، بل و رابعا و هو عدم الخيار رأسا لا للفضوليّين و لا للمجيزين.

أقول: بل و يحتمل خامسا ثبوت الخيار لكلّ من الفضوليّين و المجيزين من حين العقد أو حين الإجازة.

[القول في مسقطات الخيار]

قوله: «و قد يتخيّل معارضته بعموم أدلّة الخيار».

[أقول:] و هذا المتخيّل و ما بعده المتمسّك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (4) هو الجواهر، بعد نفيه الخلاف و نقله الإجماع على سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه، [و] بأصالة اللزوم، مع الشكّ في تناول أدلّة الخيار له، قال: «و لعموم الأمر بالوفاء بالعقود، و صحيح: «المؤمنون عند شروطهم» الذي هو أرجح ممّا


1- الوسائل 12: 458 ب «2» من أبواب الصرف ح 3.
2- الوسائل 12: 459 ب «2» من أبواب الصرف ح 8.
3- الجواهر 23: 9.
4- المائدة: 1.

ص: 291

دلّ على الخيار من وجوه، فيحكّم عليه، و إن كان التعارض من وجه (1) .. إلخ».

قوله: «فلزومه الثابت بمقتضى عموم الوفاء بالشرط عين لزوم العقد .. إلخ».

أقول: رفع الإشكال بذلك عدول عن الاستدلال بعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (2) إلى الاستدلال بعموم الوفاء بالعقد المتضمّن للشرط و الاشتراط، الذي ضعّفه هو بتخصيصه بعموم دليل الخيار. مضافا إلى أنّ العدول عن الاستدلال دافع لا رافع عن الإشكال المبتني على الاستدلال.

فالصواب الجواب عن الإشكال بظهور: «المؤمنون عند شروطهم» في وجوب الوفاء بالشروط مطلقا، كما هو الشأن في سائر الجمل الخبريّة القائمة مقام الإنشاء، و أنّ الشروط غير الواجبة الوفاء- كالوعد و الشروط الابتدائيّة و التي في ضمن العقد الجائز- [خارجة] بالتخصّص أو التخصيص، فيبقى الباقي فيه كما نحن فيه. فلزوم الشرط موقوف على عموم: «المؤمنون عند شروطهم» لا على لزوم العقد المأخوذ فيه حتّى يلزم الدور، فاندفع الدور بمنع التوقف من جانب لزوم الشرط.

قوله: «المقتضي للخيار العقد بشرط لا، لطبيعة العقد من حيث هي .. إلخ».

أقول: بل المقتضي للخيار حكم الشارع بقوله: «البيّعان بالخيار» (3) لا نفس العقد، بل مقتضى نفس العقد عدم الخيار لا الخيار، و إلّا لم يكن الخيار مخالفا للأصل الأصيل، و لم يتوقّف ثبوته على دليل، بل كان الدليل المثبت له


1- جواهر الكلام 23: 11- 12.
2- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
3- الوسائل 12: 345 ب «1» من أبواب الخيار ح 1 و 2 و 3.

ص: 292

تحصيلا للحاصل المحال، بل لم يكن مخصّصا لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و لا مخصّصا هو بالافتراق.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّه لو لم يكن فرق بين هذا الجواب و جواب المصنّف إلّا كالفرق بين الدفع و الرفع، أولويّة الدفع على الرفع كافيا في الأرجحيّة.

قوله: «و أمّا عن الثالث فبما عرفت من أنّ المتبادر من النصّ المثبت للخيار صورة الخلوّ عن الاشتراط .. إلخ».

[أقول:] و بعبارة: أنّ دليل الخيار لم يوجب وجوب خيار الفسخ حتّى يكون إسقاطه في ضمن البيع إسقاط ما لا يجب، كإسقاطه قبل البيع، و إنّما يوجب جواز الخيار لا وجوبه، فإسقاطه في ضمن البيع إسقاط ما لا يجب، لا إسقاط ما لم يجب ممّا سيجب، و الذي لا يسقط بالإسقاط إسقاط ما لم يجب ممّا يجب، كإسقاط حقّ تملّك الثمن أو المثمن في ضمن البيع، و إسقاط حقّ المضاجعة و المهريّة و النفقة في ضمن عقد النكاح، كقولك: بعتك هذا بكذا بشرط إسقاط الثمن أو المثمن، أو: زوّجتك فلانة على كذا بشرط إسقاط حقّ المهريّة أو المضاجعة أو النفقة. و أمّا إسقاط ما لا يجب ممّا لا يجب- كخيار الفسخ- فلا مانع من سقوطه بعموم: «المؤمنون عند شروطهم» في ضمن بعتك هذا بهذا بشرط إسقاط الخيار.

و بعبارة اخرى: انّ إسقاط خيار البيع لمّا كان في ضمن ذلك البيع لا قبله، كان باعتبار وجود المقتضي له كإسقاطه بعده لا إسقاطه قبله، فالعبرة في صحّة إسقاط ما يجب و عدم صحّة إسقاط ما لم يجب بوجود المقتضي له و عدمه لا بوجوده الفعلي السابق، كما يشهد عليه صحيحة مالك بن عطيّة المتقدّمة.

قوله: «نعم، يحتمل أن يريد الصورة الأولى».


1- المائدة: 1.

ص: 293

[أقول:] هذا استدراك من قوله: «فهذا هو ظاهر كلام الشيخ» أي: ظاهر كلام الشيخ (1) هو المعنى الثاني الذي استدرك المختلف صحّته، فلم يتوجّه إيراده عليه بقوله: «و عندي في ذلك نظر» (2). و كان الأنسب تبديله الاستدراك بقوله:

«نعم .. إلخ» بالترقّي بقوله: بل يحتمل أن يريد الشيخ المعنى الأوّل، لئلّا يبقى وجه لإيراد المختلف عليه بوجه من محتملي كلامه، خصوصا المحتمل الأخير.

قوله: «فحاصل الشرط إلزام في التزام .. إلخ».

أقول: و هو المعنى الظاهر من منصرف إطلاقات الشرط، و استقراء موارد استعمالاته، و تفسير اللغويّين (3) له بأنّه التزام في بيع و نحوه، فلا يشمل الشروط الابتدائيّة. مضافا إلى أصالة عدم لزوم الشرط الابتدائي الخارج عن ضمن العقد، و أصالة عموم دليل الخيار، و عدم تخصيصه و سقوطه بالخيار الخارج عن ضمن الملزم الشرعي. مضافا إلى فحوى أو عموم النصوص النافية للشروط السابقة على النكاح بقوله عليه السّلام في المستفيضة: «ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز» (4). و قوله عن قول اللّٰه: «لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة» قال عليه السّلام: «ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز، و ما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها» (5). قيل: المراد ممّا بعد النكاح بعد إيجابه فيكون داخلا.

هذا، و لكن مقتضى قاعدة «العقود تابعة للقصود» أنّ الشرط الخارج إذا قصد في ضمن العقد كان في حكم الداخل كسائر القيود المقصودة، غاية الفرق


1- الخلاف 3: 21 المسألة 28.
2- المختلف 5: 63.
3- لسان العرب 7: 329.
4- الوسائل 14: 468 ب «19» من أبواب المتعة ح 2.
5- الوسائل 14: 469 ب «19» من أبواب المتعة ح 3.

ص: 294

أنّه يدان بنيّته و يقبل قوله بيمينه، بل الظاهر صدق الشرط و صحيحة مالك بن عطيّة (1) المتقدّمة عليه.

قوله: «يلغو الشرط و يصحّ [أي] (2) البيع».

[أقول:] و لازم هذا القائل من جهة صحّة النذر وجوب شراء الناذر العبد بعد بيعه، من باب تحصيل مقدّمة العتق المنذور و هو الملك. كما أنّ لازم صحّة البيع و بقاء خياره هو وجوب الفسخ بالخيار، مقدّمة لوجوب العتق المنذور المعلّق تنجّزه على البيع المفروض تحقّقه. و أمّا على فساد البيع رأسا، من جهة اشتراطه بنفي الخيار الفاسد المفسد لمشروطه و هو بيع المنذور، فهل يجب عتقه وفاء للنذر المعلّق على البيع أم لا؟ وجهان مبنيّان على كون المراد من البيع المتعلّق به النذر هل هو البيع الصحيح، أم الأعمّ منه و من الفاسد؟

قوله: «فحوى ما سيجي ء من النصّ الدالّ على سقوط الخيار بالتصرّف».

[أقول:] أي: ما دلّ على إسقاطه بالأفعال الكاشفة عن الرضا يقتضي أولويّة إسقاطه بالأقوال الكاشفة عن الرضا، كما قيل أيضا إنّ فسخ اللازم بالتقايل يقتضي أولويّة لزوم الجائز بالتخاير، لأنّه أصرح، مضافا إلى فحوى أو عموم ما دلّ على إسقاط حقّ المهريّة و النفقة و المضاجعة و غيرها بالإسقاط، كقوله تعالى:

إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (3)، و قوله تعالى لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (4).

قوله: «و وجهه واضح».

[أقول:] لأنّ السكوت أعمّ من الرضا، فلا يدلّ عليه بإحدى الدلالات،


1- الوسائل 16: 95 ب (11) من أبواب المكاتبة ح 1.
2- ما بين المعقوفتين لم يرد في المكاسب.
3- البقرة: 237.
4- النساء: 24.

ص: 295

و استصحاب بقاء الخيار، و أصالة عدم سقوطه و إسقاطه.

قوله: «ما لم يفترقا أو يقول [أحدهما] لصاحبه: اختر» (1).

أقول: صرّح الجواهر بأنّ هذه الزيادة لم تثبت من طرقنا (2)، بل هي من طرق العامّة (3).

قوله: «لأنّه مقتضى ثبوت الخيار .. إلخ».

[أقول:] أي: انفساخ البيع بالفسخ المتأخّر عن إجازة المجيز إنّما هو من باب أخذ الفاسخ بمقتضى حقّ خياره غير المزاحم بإجازة المجيز السابق، لأنّه إسقاط لخصوص حقّه، و إسقاط الحقّ الخاصّ من ذي الحقّ الخاصّ لا يزاحم أخذ الغير- و هو الفاسخ- بحقّه. كما أنّه لو تقدّم الفاسخ على المجيز كان الانفساخ من باب انتفاء موضوع الإجازة المتعقّبة بعد الانفساخ المتقدّم سببه، و هو الفسخ. كما أنّه لو ثبت الخيار للطرف الواحد أو الطرفين لمتعدّد كالوكيلين أو الأصيل و الوكيل، فأجاز أحدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة، أو تصرّف ذو الخيار في العوضين دفعة واحدة، كما لو باع عبدا بجارية ثمّ أعتقهما جميعا دفعة واحدة كان ذلك من باب تعارض الفاسخ و المجيز.

و الحاصل أنّ ذا الخيار المتعدّد بالأصالة كخيار الطرفين، أو الوراثة كخيار الوارثين، أو الوكالة كخيار الوكيلين أو الأصيل و الوكيل، إن اتّفقا جميعا على الفسخ أو الإجازة فلا كلام.

و إن اختلفا، فإن تقدّم الفسخ انفسخ العقد و انحلّ، من باب انتفاء موضوع المتعقّبة لانفساخ العقد و انحلاله.

و إن انعكس، فقدّم الإجازة على الفسخ فكذلك ينفسخ العقد، لكن لا


1- المستدرك 13: 299 ب «2» من أبواب الخيار ح 3.
2- جواهر الكلام 23: 16.
3- السنن الكبرى 5: 269.

ص: 296

بواسطة انتفاء موضوعه، بل من باب عدم مزاحمة إسقاط حقّ الخيار- الذي هو معنى الإجازة- لأخذ الفاسخ بحقّه، و هو الانفساخ بفسخه بمقتضى ثبوت حقّ الخيار له.

و إن فرض وقوعهما دفعة واحدة بالقول أو الفعل فهو من باب تعارض الفاسخ و المجيز، المقدّم فيه الفاسخ مطلقا عند العلامة (1)، الذي وجهه غير بيّن و لا مبيّن.

قوله: «و إن كان ظاهر بعض الأخبار ذلك، مثل قوله: فإذا افترقا فلا خيار [لهما] بعد الرضا».

[أقول:] أمّا وجه ظهوره فلأنّ مفهوم اشتراط نفي الخيار بما بعد الافتراق المقيّد بما بعد الرضا عدم نفيه بمجرّد الافتراق قبل ظهوره في الرضا.

و أمّا وجه عدم اعتبار ظهوره في المقام مع كونه من مفاهيم الشرط و القيد ورود القيد مورد الغالب، أعني: بيان كون الافتراق كاشفا نوعيّا غالبيّا عن الرضا لا فعليّا دائميّا، كمفهوم تقييد حرمة الربائب بالحجور في قوله تعالى:

وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ (2)، كما يقتضيه ظهور النصّ (3) و الفتوى في عدم اعتبار قصد الإسقاط بالافتراق، بل و عدم الفرق بين حصوله من الجاهلين أو العالمين أو المختلفين، و لا بين الناسيين للبيع و الخيار و غيرهما، و لا بين الافتراق له أو لغرض آخر، بل و لا بين الافتراق المستند إلى الاختيار أو الاضطرار، على ما سيأتي في المسألة الآتية.

هذا مضافا إلى أنّ اشتراط كون الافتراق عن رضا الاحتراز (4) عن الافتراق


1- تذكرة الفقهاء 1: 518.
2- النساء: 23.
3- الوسائل 12: 345 ب «2» من أبواب الخيار.
4- كذا في النسخة الخطيّة، و لعلّ الصحيح: للاحتراز.

ص: 297

الإكراهي الناشئ عن غير رضا، لا اشتراط كشفه عن رضا لا غفلة، خصوصا بملاحظة أصرحيّة قوله عليه السّلام في المستدركات: «المتبايعان بالخيار فيما يتبايعاه حتّى يفترقا عن رضا» (1).

قوله: «و فيه منع الانصراف، و دلالة الرواية».

[أقول:] أمّا المتأمّل في كفاية الخطوة بدعوى الانصراف إلى الأزيد منه فهو الرياض (2). و أمّا منع الانصراف فلعدم الصارف، و أصالة عدمه. و أمّا منع دلالة الرواية (3) فلأنّها حكاية فعل مجمل لا قول مطلق، بل و لعدم صراحتها في الزيادة، لأنّ «خطا» و إن احتمل كونه جمع خطوة كغرف جمع غرفة، إلّا أنّ جمعه الصريح خطوات كغرفات. و «خطا» (4) في الحديث محتمل لأن يكون مصدر: خطا يخطو خطأ، أي: مشى مشيا، و الاحتمال يبطل الاستدلال.

قوله: «فإذا دخل الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري، لعدم القول بالفصل».

[أقول:] أي: لأنّ كلّ من قال بدخول الافتراق الإكراهيّ في حكم الافتراق الاختياريّ قال بدخول الاضطراريّ فيه، كما أنّ كلّ من قال بخروج الافتراق الاختياريّ عن حكمه قال بخروج الاضطراريّ عنه أيضا.

ثمّ إنّ عدم القول بالفصل بينهما بهذا المعنى- أي: من حيث الدخول و الخروج في الحكم دون الاسم، أي: من حيث الحكم بمسقطيّة الافتراق للخيار و عدمه- لا ينافي ما تقدّم منه من الفرق بينهما من حيث الاسم و الصدق العرفي، و استناد الإكراه غير البالغ حدّ سلب الفعل عن الفاعل المكره بالفتح إلى المكره


1- المستدرك 13: 297 ب «1» من أبواب الخيار ح 1.
2- رياض المسائل 5: 107.
3- الوسائل 12: 348 ب «2» من أبواب الخيار ح 3.
4- كذا في النسخة الخطّية، و لكن مصدر هذا الفعل: الخطو، انظر لسان العرب 14: 231.

ص: 298

بالكسر، إلى الاختيار و نفس المختار، لا إلى الاضطرار و قيام صورته بجسم المختار، بخلاف البالغ حدّ السلب عرفا عن المكره بالفتح إلى المكره بالكسر، فإنّه لا يستند عرفا إلى الاختيار، و لا إلى قيام الفعل بنفس الفاعل المختار، لتبادر الافتراق عرفا إلى الاختيار.

قوله: «مستدلّين عليه بحصول التفرّق المسقط للخيار .. إلخ».

[أقول:] توجيه الاستدلال به إمّا بما نقله عن المبسوط، من أنّ المفترق إذا كان متمكّنا من الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتّى وقع التفرّق كان ذلك دليلا على الرضا و الإمضاء (1). و إمّا بما نقله عن جامع المقاصد، من تحقّق صدق الافتراق مع التمكّن من الاختيار (2).

و في كلّ من الوجهين كأصل الدعوى منع واضح.

أمّا الوجه الأوّل فبما قاله الجواهر، و لنعم ما قال، و فيه: «أن ترك اختيار الفسخ مع التمكّن منه بعد الإكراه على الافتراق، الذي نزّله الشارع منه بمنزلة العدم بالنسبة إلى الإسقاط، كالسكوت في المجلس لا دلالة فيه عليه، و لا وضع له شرعا كما هو واضح» (3).

و أمّا الثاني فأوّلا: بمنع صدق تحقّق الافتراق عرفا على كلّ من قسمي الإكراه، خصوصا المضطرّ على الافتراق. بحمل أو دفع لا يسند الافتراق عرفا إلّا إلى الحامل لا المحمول و إلى الدافع لا المدفوع، كما عرفت التصريح به من المصنّف.

و ثانيا: لو سلّمنا تحقّق صدق الافتراق على الافتراق الإكراهي، كما لو لم


1- المبسوط 2: 84.
2- جامع المقاصد 4: 283.
3- جواهر الكلام 23: 10.

ص: 299

يبلغ حدّ سلب الاختيار، و لكن من البيّن و المبيّن أنّ عموم حديث الرفع (1) لآثار الإكراه و الاضطرار حاكم قطعا على إطلاق الافتراق و مخصّص لحكمه، و منزّل له شرعا منزلة عدم الافتراق في عدم مسقطيّة الخيار، كما أنّه حاكم على عموم الوفاء بالعقود (2) و العهود (3)، و رافع لآثار عقد المكره و فسخه و لزومه و إلزامه و إمضائه و إسقاطه، و إن لم يبلغ حدّ سلب العقد و الفسخ و الإمضاء و الإلزام و الإسقاط قطعا. بل من المعلوم شرعا أنّ المكره في كلّ من إنشاءاته و إخباراته و أقاريره و أفعاله و أقواله معذور و مأجور، و موضوع و مرفوع عن حكم المكره و آثاره، حتّى لو أسقط الخيار بالقول الصريح الصحيح كرها لم يسقط خياره قطعا، فكيف يسقط بالإكراه على فعل الافتراق، الذي هو فعل مجمل لا قول صريح و لا ظاهر في الإسقاط عرفا و لا شرعا، بل هو أعمّ من الإسقاط، كالسكوت الذي هو أعمّ من الرضا و الإمضاء؟! و ممّا ذكرنا يظهر لك وجه الاستدلال بعموم حديث الرفع على كون المكره على الافتراق كالمكره على ترك التخاير، معذورا و مرفوع الحكم، و نازلا شرعا منزلة عدم الافتراق. و المنع من قوله: «لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن المكره، للاعتراف بدخول المكره و المضطرّ إذا تمكّنا من التخاير».

وجه المنع: ما عرفت من منع دخولهما في اسم الافتراق الاختياريّ و صدقه عرفا، بل و من منع دخولهما فيه حكما، أي: في حكم مسقطيّتهما الخيار. مضافا إلى أنّ دخول المكره في عموم اسم الاختيار و صدقه لا ينافي تحقّق صدق المكره الموضوع لحديث الرفع، و لا للاستدلال به على الرفع أيضا.

نعم، لو كان بين الافتراق الاختياريّ و الإكراهي تباين كلّي كالضدّين


1- الوسائل 5: 345 ب «30» من أبواب الخلل ح 2.
2- المائدة: 1.
3- الأسراء: 34.

ص: 300

اللّذين لا ثالث لهما، كان الاعتراف بدخول الإكراه في موضوع الاختيار مانعا من الاستدلال بحديث رفعه، لعدم تحقّق موضوع الإكراه- كموضوع الاضطرار- بعد فرض الدخول في الاختيار. و لكن قد عرفت منع كلّ من المقدّمتين جدّا بأبلغ وجه وجيه.

و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عن سائر الوجوه التي استدلّ بها المصنّف على ما اختار، من إلحاق المكره من الافتراق بالمختار في إسقاط الخيار.

منها قوله: «مضافا إلى الشهرة المحقّقة الجابرة للإجماع».

[أقول:] فيه أوّلا: إمكان منع الشهرة، بل نسبه الجواهر (1) إلى جماعة رادّا لهم بما تقدّم.

و ثانيا: نمنع حجّيتها و جابريّتها بعد معلوميّة استنادها إلى ما عرفت من ضعف المدركين.

و منها قوله: «إن المتبادر من التفرّق ما كان عن رضا بالعقد .. إلخ».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ مفهوم اشتراط التفرّق بما كان عن رضا بالعقد في سقوط الخيار إنّما هو عدم اعتبار التفرّق الإكراهي الصادر عن غير رضا، و إلّا فلا معنى لاشتراط الرضا بالعقد الموجود من حين صدوره، لأنّه تحصيل للحاصل، فهو على خلاف المطلوب أدلّ.

و ثانيا: أنّ اشتراط التفرّق بما كان عن رضا بالعقد لا يمنع من حكومة عموم دليل الرفع عليه، كما أنّه حاكم على سائر أدلّة الأحكام التي منها سقوط الخيار.

و منها قوله: «أو يقال: إن قوله: بعد الرضا (2) إشارة .. إلخ».


1- جواهر الكلام 23: 10.
2- الوسائل 12: 346 ب «1» من أبواب الخيار ح 3.

ص: 301

[أقول:] فيه أوّلا: ما تقدّم منه من منع دلالته على اشتراط الرضا في التفرّق المسقط للخيار، لوروده مورد الغالب.

و ثانيا: سلّمنا، لكن لا معنى لاشتراط هذا الشرط الحاصل إلّا الاحتراز عن التفرّق الإكراهي الصادر عن غير رضا.

و ثالثا: سلّمنا اشتراط الخيار بالتفرّق الكاشف عن الرضا بالعقد، لكن لا يسلّم في تفريق المكره الكشف الحقيقيّ الفعليّ الدائمي- بل و لا الظنّيّ النوعيّ الغالبي- عن الرضا بالعقد المسقط للخيار.

نعم، لو فرضنا تفرّق من تمكّن من التخاير بالكرة كاشفا جعليّا نزّله الشارع منزلة الرضا و الإمضاء بالعقد تعبّدا، كتنزيله المشكوك منزلة المتيقّن السابق في الاستصحاب، لم يفرّق في كاشفيّة التفرّق عن الرضا و مسقطيّة الخيار بين الاختياري و الإكراهي.

و لكن هذا التنزيل مخالف للأصل الأصيل، فلا يصار إليه إلّا بدليل. مضافا إلى أنّه مع ذلك غير مانع أيضا من تحكيم دليل رفع الإكراه على دليل سقوط الخيار بالتفرّق. مضافا إلى استصحاب بقاء الخيار و عموم دليله، مع الشكّ في نهوض إطلاق تخصيصه بمطلق الافتراق الإكراهي، خصوصا البالغ حدّ سلب الاختيار بحمل أو دفع يسند التفرّق إلى الحامل لا المحمول و إلى الدافع لا المدفوع، خصوصا بملاحظة أنّ حكمة الخيار شرع للإرفاق المفقود مع الإجبار.

قوله: «و إن قلنا بعدميّة الافتراق و العدم ليس بمعلّل فكذلك».

[أقول:] أي: في عدم سقوط خياره، لكن لا لما علّل به تقدير ثبوتيّة الافتراق من أنّه لم يفعل شيئا، بل لأنّه على تقدير عدميّة الافتراق و عدم معلّل و مؤثّر له لا ميز بين الأعدام، حتّى يعدّ مصاحبته الماكث و عدم افتراقه المجلس افتراقا ممتازا عن العدم الكلّي.

ص: 302

قوله: «و إن قلنا إنّه يعلّل سقط».

[أقول:] لامتياز المفارقة عن سائر الأعدام بمعلّله، و هو عدم إرادة الفسخ مع اختياره.

قوله: «فينتفي القول المحكي عن الخلاف (1) و الجواهر (2)».

[أقول:] و هو القول الثالث المفصّل بين سقوط خيار المختار دون غيره، لرجوعه إلى القول الرابع المفصّل بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما، و مفارقته فالسقوط عنهما. بل هو راجع إلى القول الثاني و هو ثبوته لهما، لما في الإيضاح (3) من أنّ محلّ الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا، و إلّا سقط خيارهما اتّفاقا. و لكن فيه أنّ ظهور كلام الإيضاح و والده (4) في نفي القول المحكيّ عن الخلاف و الجواهر- و هو القول الثالث المفصّل بحسب نظرهما- لا يستلزم انتفاء القول به من غيرهما في الواقع، إلّا أن يستظهر منهما نفي الخلاف بحسب الواقع لا بحسب نظرهما. و هو محلّ نظر.

قوله: «لاقتصر على قوله بطل خيارهما. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ مراد الشيخ (5) من العطف بقوله: «أو خيار من تمكّن» على قوله: «بطل خيارهما» لعلّه أراد سقوط خيار المتمكّن من التخاير من حيث تمكّنه لا من حيث اختصاص السقوط به، فلا ينافي سقوط خيار الآخر من حيث آخر، و هو التلازم بين الخيارين من حيث اتّحادهما في غاية الافتراق.

قوله: «حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها، و فيه تأمّل».


1- الخلاف 3: 26 المسألة 35.
2- جواهر الفقه: 55 المسألة 197.
3- هذا الكلام من استظهار الماتن في المقام، انظر المكاسب: 223، و الإيضاح 1: 482.
4- تحرير الأحكام 1: 166.
5- الخلاف 3: 26 المسألة 35.

ص: 303

[أقول:] أمّا الحاكي فمفتاح الكرامة (1). و أمّا الحكاية فقوله في التذكرة: «لو أكرها على التفرّق و ترك التخاير لم يسقط خيار المجلس، و كان الخيار باقيا- إلى أن قال:- و كذا لو حمل أحد المتعاقدين و أخرج عن المجلس مكرها، و منع من الفسخ بأنّ سدّ فوه» (2).

و أمّا وجه التأمّل فيه فلأنّ دلالته على ما فهمه الحاكي موقوف على أن يريد بقوله: «و كذا لو حمل أحد المتعاقدين» أنّه لا يسقط خياره وحده، لا أنّه لا يسقط الخيار أصلا من الطرفين، أمّا من طرف المكره فلإكراهه على التفرّق و إن تفرّق، و أمّا من طرف المختار فلعدم تفرّقه المجلس و إن لم يكره.

قوله: «و يمكن التفصّي عن الأصل بصدق تفرّقهما».

[أقول:] و فيه: ما عرفت من منع صدقه. أمّا من طرف المختار فلفرض عدم تفرّقه المجلس. و أمّا من طرف المكره فلأنّه إن بلغ إكراهه حدّ سلب الاختيار فلا يستند التفرّق إلّا إلى المكره بالكسر لا المكره بالفتح، و إلّا فتفرّقه بمنزلة عدم التفرّق شرعا، بعموم حديث رفع أثر الإكراه الحاكم على إطلاق سائر الأحكام التي منها المقام.

نعم، لو تفرّق المختار المجلسي بعد تفرّق المكره صدق تفرّقهما المسقط للخيار، لما عرفت من تحقّق صدق غاية الافتراق بافتراق أحدهما عن الآخر عرفا. و لكنّه خارج عن محلّ الفرض و الخلاف.

قوله: «بل المتيقّن اعتبار رضا أحدهما».

[أقول:] و فيه: ما عرفت من أنّه لا معنى لاشتراط الرضا بالبيع الحاصل إلّا الاحتراز عن الافتراق الإكراهي الصادر عن غير رضا، كما أنّ الخبر السابق (3)


1- مفتاح الكرامة 4: 551.
2- تذكرة الفقهاء 1: 518.
3- تقدّم مصدره في هامش (3) ص: 297.

ص: 304

الحاكي لمشي الإمام عليه السّلام لإلزام بيعه دليل إطلاق الافتراق، و عدم اشتراطه بالرضا، كما يؤيّده الفتوى بعدم اعتبار شي ء زائد على الافتراق، من القصد و لا العلم و لا الالتفات و لا قصد الإسقاط، و لا غير ذلك سوى عدم الإكراه.

قوله: «مثل ما إذا مات أحدهما و فارق الآخر اختيارا، فإنّ الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين».

[أقول:] و أمّا الخلاف في سقوط الخيار بموت أحدهما في المجلس فمسألة أخرى مفروضة فيما كان الآخر باقيا في المجلس لا مفارقا له، كما فيما نحن فيه.

قوله: «و إلّا بقيا. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى إمكان التفكيك، بأن يكون افتراق كلّ منهما غاية لسقوط خياره فقط دون صاحبه، لإمكان القول بأنّ غاية خيار كلّ منهما رضاه المنكشف باختيار المفارقة، فالغاية متعدّدة حسب تعدّد الخيار.

قوله: «شمول عبارته لبعض الصور التي لا يختصّ بطلان الخيار فيه بالمتمكّن ممّا لا بدّ منه».

[أقول:] كالمفوّض خياره قبل عدم تمكّنه إلى صاحبه المتمكّن، ثم أكره على الافتراق على وجه يتمكّن صاحبه من التخاير فلم يختر، فإنّه يبطل خياره و خيار غير المتمكّن المفوّض إليه الخيار، فلم يختص بطلان الخيار بالمتمكّن.

قوله: «أولى من تخصيصها ببعض الصور».

[أقول:] و هو ما إذا فوّض المتمكّن الماكث خياره إلى المكره المتفرّق قبل إكراهه وجه الأولويّة: أنّ تعميم الخاصّ أولى من تخصيصه بالفرد النادر عرفا، لأنّ ذكر الخصوصيّة قد يكون لغلبة الخصوصيّة لا لتخصيص الحكم، بخلاف النادر، فإنّه لا يراد من غيره بالخصوص.

ص: 305

قوله: «و لم يجعل مجلس زوال الإكراه بمنزلة مجلس العقد».

[أقول:] فيه: أنّ جعل الشارع الافتراق الإكراهي للمجلس بمنزلة عدم افتراقه جعل لتنزيل مجلس زوال الكره منزلة العقد و بدله.

و لنعم ما قال الجواهر: «لو زال الإكراه ففي فوريّة الخيار و تراخيه إلى حصول الافتراق قولان، أقواهما الثاني، للأصل، و لأنّ خيار المجلس موضوع على التراخي و هذا منه أو بدله، بل إن لم يقم إجماع على أنّ غاية الافتراق بعد الزوال، أمكن القول ببقائه مطلقا في بعض الصور التي لم يبق معها بعد الزوال صدق الافتراق، فيكون الخيار حينئذ باقيا بقوله: «البيّعان بالخيار .. إلخ»، و لم يحصل الغاية حال إمكانها، و بعد الإكراه لم يبق لها مصداق، فتأمّل جدّا و لو زال الإكراه و هو مارّ، ففي التذكرة انقطع خياره ببقائه سائر .. إلخ» (1).

قوله: «فإنّ المنفيّ يشمل شرط المجلس و الحيوان. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى إمكان منع شمول شرطه لشرط المجلس، و انصراف المنفيّ إلى خصوص المعهود من شرط الحيوان لا المجلس، فإنّ تمام الرواية قوله عليه السّلام: «الشرط في الحيوان- أي: الخيار- ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه، فلا شرط له، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء» (2).

إلّا أنّ عموم النكرة في سياق النفي لسائر الشروط المشتركة بين الحيوان و غيره- التي منها خيار مجلسه- شامل خيار مجلس غيره بعدم القول بالفصل. أو يقال: عموم العلّة المنصوصة فيه بأنّ تصرّفه رضا منه حجّة على اتّحاد مناط


1- الجواهر 23: 11.
2- الوسائل 12: 350 ب (4) من أبواب الخيار ح 1.

ص: 306

السقوط في مطلق الرضا و لو لم يكن بقول صريح، بل بمطلق التصرّف الدالّ عليه، و لو احتمل صدوره عن سهو و نسيان و غفلة، لأصالة عدمه.

ثمّ إنّ مقتضى عموم العلّة المنصوصة كون المدار في سقوط الخيار حصول الرضا النفسي، و لو لم يقترن بدالّ قوليّ و لا فعليّ يدلّ عليه. فيحرم عليه فيما بينه و بين ربّه العمل على ما وقع منه من الرضا، و لو لم يعلم به إلّا هو، كما هو ظاهر النصّ (1) المعلّل له بالرضا. إلّا أنّه خلاف الاستصحاب و ظاهر الأصحاب.

[الثاني خيار الحيوان]

قوله: «و في منتهى خياره مع عدم بقائه إلى الثلاثة وجوه».

[أقول:] و هي الفوريّة، و الامتداد إلى الموت، أو فيما بعد الموت إلى الثلاثة، أو إلى أن ينتن فيخرج عن الماليّة أو ينقص، أو أقرب الأجلين.

قوله: «بالحكمة غير الجارية في الكلّي الثابت في الذمّة».

[أقول:] أمّا حكمه خيار الحيوان في ثلاثة أيّام فهو عدم ظهور خفايا ما تتفاوت به الرغبات في شراء الحيوانات فيما دون الثلاثة غالبا، و إن لم توجب خيار العيب و الغبن.

و أمّا عدم جريان تلك الحكمة في شراء الحيوان الكلّي الثابت في الذمّة فممنوع، لعدم الفرق، فإنّ الكلّي قبل تعيينه كالشخصيّ قبل قبضه لا يجري فيه حكمة استظهار حاله في الثلاثة، و بعد تعيينه بالقبض و الإقباض كالشخصيّ من جميع الجهات يجري فيه الحكمة. ففيما لا يجري فيه الحكمة من الكلّي لا يجري في مثله من الشخصيّ أيضا، و فيما يجري فيه من الشخصيّ يجري في مثله من الكلّي أيضا. فلا فرق بين شراء الحيوان الكلّي و الشخصيّ في مجرى خيار الثلاثة. مضافا إلى إطلاق النصوص (2) و استصحاب الخيار.


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (2) ص: 305.
2- الوسائل 12: 348 ب (3) من أبواب الخيار.

ص: 307

قوله: «لأنّ الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها، و لا توجب تنزيل الإطلاق».

[أقول:] أي: لا يقيّد المطلق ما يطلق المقيّد من أيّ غلبة كانت، إلّا إذا كانت غلبة تامّة لا ناقصة، كغلبة الاستعمال الصارفة للمطلق إلى الغالب، لا مجرّد غلبة الوجود الحاملة للقيد على الغالب، و ذلك لأظهريّة المطلق في الإطلاق من المقيّد في التقييد، خصوصا على القول بكون المطلق مجازا في المقيّد.

و السرّ في ذلك أنّه لا فائدة في ذكر المطلق غالبا إلّا الإطلاق، بخلاف ذكر القيد، فإنّ فوائده كثيرة لا تنحصر في التقييد، بل قد تكون نكتة اخرى مخرجة له عن اللغويّة.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما هو في الأحكام التكليفيّة الإلزاميّة، بقرينة اتّحاد المراد من المطلق و المقيّد فيها، بخلاف الأحكام الندبيّة، لقابليّة تعدّد مراتب الكمال فيها. و ما نحن فيه من الأحكام الوضعيّة القابلة للتعدّد، و هو ثبوت الخيار لكلّ من البيعين، و سببيّة البيع لكلّ من الخيارين.

قوله: «و لم أقف لهم على دليل».

[أقول:] لأنّ النصوص (1) الدالّة على وجوب استبراء الأمة الموطوءة على بائعها قبل البيع أو بعده، و على مشتريها إذا لم يستبرئها البائع، حكم تكليفيّ لا ربط له بالضمان و الخيار.

نعم، إنّما يضمنها البائع إذا أمكسها للاستبراء بعد البيع و قبل القبض. و لكنّه على تقدير جوازه بعد البيع فهو ضمان قبل القبض، لا ضمان مدّة الحيوان قطعا.

كما أنّ ضمانها البائع لو لم يستبرئها فظهر لها حملا إنّما هو من جهة ضمان


1- الوسائل 13: 36 ب (10) من أبواب بيع الحيوان.

ص: 308

العيب، لا ضمان مدّة الاستبراء.

قوله: «لأنّ الأسباب معرّفات».

[أقول:] أي: لا مؤثّرات، فلا استحالة في اجتماعها، كالعلامات العديدة على معلوم واحد، فإنّ الممتنع العلل العديدة على معلول واحد، لا العلامات العديدة على معلوم واحد، كما اجتمعت في المجلس و العيب و خيار الرؤية باعتراف الخصم.

قوله: «فهي علل تامّة إلّا من هذه الجهة».

[أقول:] و هو اتّحاد التأثير و التداخل في التأثير عند الاجتماع و الاتّفاق لا الاختلاف و الافتراق. و فائدته البقاء بإحدى الجهتين مع سقوط الأخرى.

قوله: «إلّا أنّه لا يعلّل بما ذكر».

[أقول:] أي: بلزوم اختلاف مفردات الجمع في استعمال واحد. و ذلك لمنع لزوم افتراق أفراد الجمع، بل يعلّل اتّحاد حكمي الليل و اليوم مع كمال الافتراق بالإجماع و الاتّفاق على خصوص الإلحاق مع اتّحاد السياق و عدم الافتراق، فإنّ اليوم و إن كان حقيقة فيما بين الطلوعين دون الليل، إلّا أنّ إلحاق الليلتين المتوسّطتين بل الليلة السابقة إذا وقع العقد فيها، بل الليلة الرابعة إذا توقّف تكميل الملفّق من الأوّل منها أو من اليوم الرابع، إنّما هو للإلحاق الحكمي و الإجماع على استمرار حكم ثلاثة أيّام لتلك الليالي المتّصلة بها، و عدم انقطاع خيار الثلاثة أيّام من مبدأ وقوع البيع، و لو من مبدإ الليلة السابقة إلى غاية ثلاثة أيّام، و لو أكملت من اليوم الرابع، تحكيما لدليل الإلحاق- و هو الاتّفاق- على ظاهر اللفظ و السياق. فاستمرار الحكم و عدم تخلّله بتخلّل الليالي المتوسّطة إنّما هو إلحاق حكمي لا اسمي، لمخالفة اسم اليوم الليل لغة و عرفا و شرعا قطعا.

قوله: «توجب زهادة المشتري».

ص: 309

[أقول:] في المصباح: «زهد في الشي ء و زهد عنه أيضا زهدا و زهادة، بمعنى: تركه و أعرض عنه» (1). و عن الخليل: «الزهادة في الدنيا، و الزهد في الدين» (2).

و في بعض النسخ بدل «يوجب زهادة المشتري»: يوجب ضرر المشتري.

و هو غلط، لأنّ ما يوجب ضرر المشتري موجب لخيار آخر من عيب أو غبن لا لخيار الحيوان.

قوله: «فقوله: فذلك رضا منه و لا شرط له، يحتمل وجوها».

أقول: الفرق العلمي بينهما، ففي كون الرضا في الأوّل حكما شرعيّا للتصرّف، و في الثاني حكمة للحكم عليه بسقوط الخيار بقوله: لا شرط له، و في الثالث علّة نوعيّة غالبيّة للحكم المذكور، و في الرابع علّة فعليّة شخصيّة يناط الحكم بنفسه فعلا.

و أمّا الفرق العملي فيظهر في أنّ الحكم بسقوط الخيار على الأوّلين مترتّب على مطلق التصرّف، بل مطلق الحدث و لو لم يكن تصرّفا، كالنظر و التعريض للبيع، بل و لا كاشفا عن الرضا به، كالغافل و الناسي للبيع، بل و لو كان للاختيار و التحفّظ.

و على الثالث مبنيّ على التصرّف الكاشف نوعا و غالبا عن الرضا بالبيع و لو لم يكشف عنه فعلا، كتصرّف الغافل و الناسي، بخلاف تصرّف المختبر و المستحفظ، فإنّه غير مسقط إلّا على الأوّلين.

و على الرابع مبنى الحكم على نفس الرضا الفعلي، و منوط بنفس الرضا الفعلي و لو لم يدلّ عليه تصرّف، بل و لا دالّ آخر قوليّ و لا فعليّ كاشف عنه،


1- المصباح المنير: 257.
2- العين 4: 12.

ص: 310

كالنظر و التعريض، و لا غير كاشف، كالرضا القلبي فيما بينه و بين ربّه.

قوله: «و إن كان أظهر الاحتمالات».

[أقول:] وجه الأظهريّة: أمّا من حيث اللفظ فلظهور كون الرضا بحسب الإطلاق علّة تامّة فعليّة شخصيّة لسقوط الخيار و نفيه شرعا، كظهور أدلّة نفي العسر في علّيته التامّة لنفي العسر الفعليّ الشخصي لا النوعيّ الغالبيّ.

و أمّا من حيث الخارج فللنصوص (1) الدالّة على سقوط الخيار بمجرّد التعريض للبيع، أو النظر إلى ما يحرم من الأمة قبل الشراء، لمجرّد كشفه عن الرضا الفعلي و لو لم يكن تصرّفا فيه، بل و النصوص (2) الدالّة على توجّه اليمين على الفاسخ بنفي رضاه به.

قوله: « [إلّا] (3) أنّ المستفاد من تتبع الفتاوى الإجماع على عدم إناطة الحكم بالرضا الفعلي».

أقول: لو سلّم الإجماع على عدم إناطة الحكم بالرضا الفعلي و إلحاق غيره من موارد الرضا الشأني به، فإنّما هو بالنصّ (4) المخرج و الإجماع على الإلحاق بحكم الرضا الفعلي لا باسمه. كما أنّ موارد نفي العسر النوعي في الشرع على كثرتها، من القصر في السفر و طهارة الحديد و غسالة الاستنجاء، ألحقت بحكم العسر الفعليّ الشخصي لا باسمه، بأدلّتها الخارجيّة النافية لها. و كإلحاق الليالي المتوسّطة بأيّام الخيار حكما لا اسما، بعدم القول بالفصل، و تخلّل الخيار بتخلّل الليالي بين أيّام الخيار شرعا.

قوله: «كان تعليل الحكم على المطلق بهذه العلّة الغير الموجودة إلّا في


1- الوسائل 12: 350 ب «4» من أبواب الخيار.
2- الوسائل 12: 351 ب (5) من أبواب الخيار.
3- لم ترد «إلّا» في المكاسب.
4- الوسائل 12: 350 ب «4» من أبواب الخيار.

ص: 311

قليل من أفراده مستهجنا».

أقول: لو سلّم عدم غلبة لزوم مطلق التصرّف الرضا، أو غلبة عدم لزومه، و لكن مع ذلك يمكن رفع استهجان تعليل مسقطيّة مطلق التصرّف بأنّه رضا، بحمل التعليل على ضرب من التنزيل، أعني: تنزيل غالب التصرّفات التي من شأنها الكشف عن الرضا بمنزلة الرضا بالبيع شرعا المنوط به الحكم أوّلا و أصالة، كتنزيله المشكوك الفعلي بمنزلة المتيقّن السابق بقوله: «لأنّ اليقين لا ينقض بالشك» (1)، و تنزيله حسن الظاهر بمنزلة ملكة العدالة شرعا، كقوله عليه السلام فيمن يصلّي الخمس جماعة: «فظنّوا فيه كلّ الخير» (2). فتدبّر.

قوله: «ففيه ما سيجي ء».

[أقول:] ممّا قيل: من أنّ عدم مسقطيّة التصرّف إنّما هو قبل الردّ و هو قبل زمان الخيار، لا بعده الذي هو بعد زمان الخيار ليسقط الخيار. أو إنّما هو التصرّف في الثمن المشروط بردّ عينه الخيار، لا بردّ الأعمّ منه و من بدله الخيار، كما هو المخصوص و المنصوص في بيع الخيار.

قوله: «مع أنّ ترك العمل به لا يوجب ردّ الرواية. فتأمّل».

[أقول:] فإنّ ترك العمل ببعض مداليل الخبر بقرينة سهو الراوي أو ثبوت غفلته لا يوجب ردّ كلّه، كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي.

«فتأمّل» إشارة إلى أنّ التبعيض الجائز إنّما هو في مداليله المستقلّة، لا غير المستقلّة، كالمدلولين لدالّ واحد، كما فيما نحن فيه، لأنّ جواز أصل ردّ الشاة مدلول التزاميّ لقوله: «يردّ معها ثلاثة أمداد»، و لا يترك المدلول المطابقي و يؤخذ بلازمه.


1- الوسائل 5: 321 ب (10) من أبواب الخلل ح 3.
2- الوسائل 5: 372 ب «1» من أبواب صلاة الجماعة ح 6.

ص: 312

[الثالث خيار الشرط]

قوله: «لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا».

[أقول:] و متى جاز الانفصال جاز التعاقب، كاشتراط الخيار شهرا يوما و يوما، لا لعموم المقتضي و عدم المانع. لكن في المسالك (1) احتمال العدم بعد قطعه بجواز الانفصال.

قوله: «لا يسلم إلى دياس أو إلى حصاد».

[أقول:] أي: لا يصحّ السلم إلى وقت مجهول كوقت الدياس و الحصاد، و هو وقت دقّ الطعام بالفدان (2) و قطع الزرع بالمنجل، فالدياس هنا مصدر داس أي: دقّ، و الحصاد مصدر حصد أي: قطع.

قوله: «و قد (3) يستدلّ على ذلك».

[أقول:] أي: على اشتراط تعيين المدّة و فساد الشرط المجهول المخالف للكتاب و السنّة الناهية عن الغرر (4). و المستدلّ الجواهر (5) مفرّعا عليه فساد البيع المشروط بالشرط المجهول المدّة.

قوله: «و فيه: أنّ كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنّة غير كون نفس الشرط مخالفا».

[أقول:] يعني: أنّ فساد الاشتراط المخالف للكتاب- كما هو لفظ المستدلّ مفرّعا عليه فساد البيع المشروط بالشرط المجهول المدّة- غير فساد نفس الشرط المجهول الذي هو المدّعى. إلّا أن يراد من فساد الاشتراط فساد نفس الاشتراط بالشرط الفاسد و إن لم يكن في ضمن بيع، لا فساد البيع المشروط به. أو يراد من


1- مسالك الأفهام 3: 201.
2- الفدان بالتخفيف: الآلة التي يحرث بها. لسان العرب 13: 321.
3- في المكاسب: و ربما يستدلّ ..
4- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
5- جواهر الكلام 23: 32.

ص: 313

فساد البيع المشروط بالشرط المجهول فساد شرطه المجهول، من باب الاستدلال بالمسبّب على السبب و بالفرع على أصله.

قوله: «كالأكل من القفا».

[أقول:] أي: كترك أقرب الطرق و الأخذ بأبعدها، فإنّ الاستناد في فساد البيع المشروط بالشرط المجهول المخالف للكتاب و السنّة الناهية عن الغرر (1) في البيع، أقرب من الاستناد على فساده بفساد شرطه المجهول المخالف للكتاب و السنّة الناهية عن مطلق الغرر.

قوله: «فجعلوا مدّة الخيار في الصورة الأولى (2) ثلاثة أيّام، و يحتمل حمل الثانية (3) عليها».

[أقول:] أراد بالأولى أولى الآخرتين، و بالثانية الأخيرة من الثلاثة، لتصريح الكلّ على ما حكي عن المقنعة (4) و الانتصار (5) و الخلاف (6) و الغنية (7) و الكافي (8) و المبسوط (9) و المراسم (10) و التحرير (11) و التذكرة (12) و المختلف (13)


1- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
2- في المكاسب: الثانية .. الثالثة، و التعليقة تبتني على نسخته من المكاسب.
3- في المكاسب: الثانية .. الثالثة، و التعليقة تبتني على نسخته من المكاسب.
4- المقنعة: 592.
5- الانتصار: 210- 211.
6- الخلاف 3: 20 المسألة 25.
7- غنية النزوع: 219.
8- الكافي في الفقه: 353.
9- المبسوط 2: 83 و 85.
10- المراسم: 172.
11- تحرير الأحكام: 166.
12- تذكرة الفقهاء 1: 520.
13- مختلف الشيعة: 350.

ص: 314

و مفتاح الكرامة (1) و الجواهر (2)، حتّى المصنّف (3)، بل كلّ من تعرّض للمسألة صرّح بعقد الخلاف في الآخرتين، و جعل الأولى مسألة مستقلّة مسلّمة الفساد فيها، كالأصل المقيس (4) عليها الآخرتين، بنفي الفرق بينها و بين الأخيرتين. بل صرّحوا بأنّ إطلاق الخيار- كقولهم: بعتك و لي الخيار- كإناطته بمدّة مجهولة غير مضبوطة، بل هذه أولى بالفساد، لأنّ الإطلاق أغرق في الجهالة، بل لأنّه إن صحّ فإمّا أن يعيّن و لا معيّن، أو يدوم الخيار و هو معلوم البطلان.

قوله: «أو يكون حكما شرعيّا ثبت في موضوع خاصّ، و هو إهمال مدّة الخيار».

أقول: الفرق بينهما أنّ تحديد الخيار المهمل بالثلاثة و إن كان على كلّ من تقديري كونه تحديدا تعبّديّا أو حكما شرعيّا لموضوع خاصّ، تخصيصا لعموم نفي الضرر (5) لا تخصّصا، كما صرّح به، إلّا أنّه على الأوّل خارج عن عموم الغرر (6) بلسان الخروج الموضوعي و التخصيص الادّعائي، و على الثاني خارج عنه بلسان الخروج الحكمي و التخصيص الحقيقي، نظير الفرق بين قولك: أكرم العلماء و الفاسق ليس بعالم، و أكرم العلماء و لا تكرم الفاسق.

قوله: «لا ينهض لتخصيص قاعدة الغرر».

[أقول:] و ذلك لأنّ التخصيص رفع يحتاج إلى دليل رافع، و الأصل عدمه، بخلاف التخصّص فإنّه دفع لا يحتاج إلى كلفة رافع، بل يكفي في نفيه الأصل،


1- مفتاح الكرامة 4: 561.
2- جواهر الكلام 23: 33.
3- المكاسب: 228.
4- كذا في النسخة الخطّية، و الظاهر أن الصحيح: المقيسة عليه الآخرتان.
5- الوسائل 17: 341 ب (12) من أبواب إحياء الموات.
6- الوسائل 12: 329 ب «40» من أبواب آداب التجارة.

ص: 315

فإذا فرض أنّ موضوع الغرر المنفيّ عرفيّ عامّ لغرر الشرط المهمل المجهول المدّة، فلا محالة من توقّف تخصيصه و نفي جوازه على المخصّص المعلوم، و الأصل عدمه، بخلاف ما لو فرضنا موضوعه معنى شرعيّا و شكّ في دخول الشرط المهمل فيه فإنّ الأصل بالعكس هو جوازه و عدم دخوله في الغرر المنفيّ.

قوله: «و في دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفى».

[أقول:] أمّا سنده فلأنّه من طرق العامّة (1) لا غير.

و أمّا دلالته فلأنّ نفي الخلابة بمعنى الخديعة- كما في المتن- لا دلالة له على تعيين الخيار في الثلاثة. و جعل النبيّ له الخيار ثلاثا من باب قضايا الأحوال المقرونة بالإجمال، أو من باب الولاية الشرعيّة بعد تحقّق السفه و الانخداع من حنان بواسطة شجّة رأسه.

و أمّا بالمعنى المحكيّ عن التذكرة من أنّ «لا خلابة» عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا (2)، فلو سلّم فتختصّ دلالتها على خيار الثلاثة بما هو خارج عن محلّ النزاع، و هو فرض اللفظ صريحا في تعيين مدّة الخيار لا مجملا و لا فظه عالما بمعناه الشرعي لا جاهلا، قاصدا له لا ذاهلا.

قوله: «و إن لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الإمضاء».

[أقول:] و فيه: أنّ عدم رضا ذي الخيار الأجنبي لا يرجع إلى خيار المبتاع، إلّا على تقدير أن يكون خيار الأجنبيّ وكالة من طرف المبتاع لا أصالة مجعولة.

قوله: «لم يكن لذكره فائدة».

[أقول:] لا يقال: يمكن أن يفرض له فائدة الوكالة، بأن يكون اعتبار فعله منوطا بالتقدّم على فعل الأصيل لا مطلقا، فيمضي المتقدّم من الفسخ و الإمضاء


1- سنن الدارقطني 3: 54 ح 217.
2- تذكرة الفقهاء 1: 520.

ص: 316

من كلّ منهما.

لأنّا نقول: فائدة فعل الوكيل هو بعينه فائدة فعل الأصيل، و ليست فائدة جعل الأصيل خيار نفسه للأجنبيّ و تحكيمه على نفسه، كما هو المفروض.

قوله: «لا يخلو عن نظر».

[أقول:] وجه النظر: أنّ مراعاة الوكيل مصلحة الأصيل إنّما هو من جهة أنّ فعله عين فعل الأصيل و بمنزلته و تابع له، و كون الوكالة استنابة في التصرّف، بخلاف المجعول له الخيار بالأصالة، فإنّه في عرض الجاعل لا تابع له.

قوله: «الاستئمار، بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبيّ في أمر العقد فيأتمر بأمره، أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداء».

[أقول:] الفرق بين شرط الاستئمار و الائتمار: أنّ اشتراط الاستئمار هو اشتراط خيار للمستأمر بالكسر بعد أمر المستأمر بالفتح و طلبه منه، و الائتمار هو اشتراطه به له ابتداء.

و الفرق بينهما و بين اشتراط الخيار للأجنبي: أنّ خيار الأجنبي اشتراط خيار للأجنبي بنفس الاشتراط من غير توقّف على أمر آمر، و خيار الاستئمار و الائتمار اشتراط الخيار لنفس المشترط مشروطا بأمر الأجنبي، من غير أن يكون للأجنبيّ خيار سوى الأمر به.

و يتميّز فيما لو فسخ أو أجاز المستأمر بالكسر قبل أمر المستأمر بالفتح لم يلزم و لم ينفسخ، لانتفاء المشروط قبل تحقّق شرطه، بخلاف ما لو أجاز أو فسخ بعد أمره، فإنّه يلزم و ينفسخ، لتحقّق شرطه.

و أمّا وجوب الالتزام بما أمره من الفسخ و الإجازة فليس حقّا للآمر على المستأمر، إلّا إذا كان اشتراط الاستئمار من المتبايعين معا، و قد أمرهما الآمر بالفسخ، ففسخ أحدهما دون الآخر، فإنّه ينفسخ، لكنّه بواسطة فسخ صاحب

ص: 317

خيار الفسخ من أحد المتبايعين، لا بواسطة أمر المستأمر الأجنبيّ به الذي لا خيار له سوى الأمر به.

و يقرب من الاستئمار خيار شرط الاستشارة و المشاورة، حيث يتوقّف خيار المشير على إشارة المستشار و أمره.

قوله: «و إلّا فالبيع لك» (1).

[أقول:] أي: البيع أو الشراء لك، فإنّه من الأضداد، كما عن الحدائق (2) و اللغة (3)، إلى غير ذلك من النصوص المتقاربة لتلك النصوص لفظا و معنى و قدرا في المستدركات (4).

قوله: «الثاني: أن يؤخذ قيدا للفسخ».

[أقول:] و الفرق: أنّ ردّ الثمن في الأوّل قيد و شرط لحصول الخيار قهرا، و لا يحصل قبله، و في الثاني لتحصيل الفسخ اختيارا و حصول الخيار قبله، فيصحّ له إسقاطه قبله، و لا يكون من قبيل إسقاط ما لم يجب، بخلافه على الأوّل.

قوله: «و إلّا استقيل (5) بالفسخ».

[أقول:] أي: إن لم يكن حاكم استقيل البائع أو استقلّ بالفسخ. و الفرق: أنّ الإقالة من العقود الموقوفة على طرفي الإيجاب و القبول، و الفسخ إيقاع يحصل بالإيجاب فقط. و من هنا يتوجّه المنع على قوله: «و إلّا استقيل بالفسخ»، فإنّه عند تعذّر الحاكم و تحقّق الإقالة من الطرفين لا يكتفى بفسخ الفاسخ، بل لا بدّ من تولية طرفي الإقالة: الإيجاب و القبول.


1- الوسائل 12: 354 ب (7) من أبواب الخيار ح 2.
2- الحدائق الناضرة 19: 34.
3- لسان العرب 8: 23.
4- المستدرك 13: 301 ب (6) من أبواب الخيار.
5- في المكاسب: استقلّ.

ص: 318

قوله: «و يحتمل العدم».

[أقول:] أي: عدم الخيار و لزوم البيع، لا عدم لزوم البيع و ثبوت الخيار، كما يدلّ عليه مبناه المذكور.

قوله: «من حيث اقتضاء الفسخ شرعا و لغة ردّ العين .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ الفسخ المقتضي ردّ العين دون بدله لو سلّم إنّما هو في البيع بشرط خيار الفسخ، لا في اشتراط الفسخ بشرط زائد و هو ردّ الثمن، فإنّه تابع لمقتضى الشرط، و منصرف المشروط الزائد- و هو ردّ الثمن- هل هو عينه أو الأعمّ منه و من بدله؟

قوله: «و في جواز اشتراط ردّ القيمة في المثليّ و بالعكس وجهان».

[أقول:] من أنّ هذا القسم فرد من خيار الشرط فيعمّه عموم: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و من خروج هذا الفرد من الشرط الزائد عن منصرف الروايات الخاصّة بهذا القسم من أفراد خيار الشرط، فلا يجوز. و الأظهر الجواز، لكفاية عمومات أدلّة الشرط فيه.

قوله: «مع اعترافهم بتحقّق الفسخ فيما هو أخفى من ذلك دلالة».

[أقول:] كالنظر و التعريض للبيع، فإنّه من البائع في زمان خياره فسخ فعليّ. و الفرق بين فرض الردّ فسخا معاطاتيّا أو فعليّا يظهر في اختلاف أحكامهما، من حيث إنّ المعاطاة لا تتحقّق إلّا بالتقابض، و لا تلزم إلّا بالتصرّف، بخلاف غيرها، كما لا يخفى.

قوله: «إلّا أن يفرّق هنا بأنّ المشروط له مالك للخيار قبل الردّ، و لو من حيث تملّكه للردّ الموجب له».

[أقول:] و فيه: إمكان أن يقال: ذو الخيار في الشرط و الحيوان أيضا مالك


1- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.

ص: 319

للخيار قبل التفرّق، و لو من حيث تملّكه للتفرّق الموجب له.

قوله: «لكن الفرق يظهر بالتأمّل».

أقول: كلّما تأمّلنا لم يظهر لنا الفرق بين اشتراط الخيار بالتفرّق أو بالردّ، من حيث لزوم محذور جهالة مبدأ الخيار و الغرر المنفيّ، إلّا من حيث اغتفار الشارع جهل مبدأ الردّ و إمضائه الخيار المشروط به، فيخرج عن عموم الغرر المنفيّ (1)، بخلاف جهل مبدأ التفرّق، فإنّه غير مغتفر شرعا.

قوله: «و يحتمل عدم الخيار، بناء على أنّ مورد هذا الخيار .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ احتمال عدم الخيار بعد تلف المبيع بناء على ما ذكر مناف لعموم أدلّة الخيار (2)، و استصحاب بقائه، و أصالة عدم سقوطه بتلف المبيع.

قوله: «لا تنافي بين شرطيّة البقاء و عدم جواز تفويت الشرط».

[أقول:] فيه: أنّ شرطيّة البقاء و عدم جواز تفويت الشرط بمعنى واحد لا بينونة بينهما توهم التنافي، إلّا أن يقدّر قوله المتقدّم بقوله: لا تنافي بين تملّك المشتري المبيع و بين شرطيّة بقائه.

قوله: «و لم أعرف وجه الاستظهار».

[أقول:] وجهه ظاهر من تعليل كون نماء الثمن للبائع و غلّة المثمن للمشتري بأنّ تلف المبيع من مال المشتري، القاضي بأنّ تلف الثمن من مال البائع أيضا، و أنّ من كان عليه الغرم كان له الغنم، و بالعكس، و أنّ غنم النماء لمن عليه غرم الفناء.

قوله: «و إنّما المخالف لها [هي] قاعدة أن الخراج بالضمان».

[أقول:] يعني: قاعدة الغنيمة لمن عليه الغريمة بالمثل و القيمة، و بالعكس،


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (6) ص: 314.
2- الوسائل 12: 355 ب (8) من أبواب الخيار.

ص: 320

أعني: مفهومها، و هو كون الغريمة و ضمان المتلف على من له الغنيمة و منفعة النماء.

قوله: «لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرّد ردّ الثمن. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى وجه الفرق بين الردّ و الفسخ، حيث إنّ الردّ حقّ للمشتري فيعتبر حضوره، و الفسخ حقّ للبائع فلا يعتبر حضور المشتري.

قوله: «مدفوعة بأنّ هذا ليس تصرّفا اختياريّا من قبل الوليّ حتّى يناط بالمصلحة .. إلخ».

[أقول:] يعني: أنّ أخذ الحاكم الثمن الموجب لتسلّط البائع على الفسخ كأخذ المشتري له ليس باختياره، بل هو بواسطة حقّ ذي حقّ الخيار، و لهذا لا يعتبر قبول الآخذ و رضاه بالأخذ كائنا من كان، بل هو محكوم بتمكين خيار ذي الخيار و الأخذ بحقّه، النافذ قهرا إلى المشتري أو من يقوم مقامه. فكما أنّه لو امتنع المشتري من قبول ردّ من له الخيار و هو حاضر أجبره الحاكم أو قبض عنه، فكذلك أخذ الحاكم و قبضه عنه إذا كان غائبا ممتنعا عليه القبض و الأخذ، من باب الولاية الحسبيّة الشرعيّة.

هذا، مضافا إلى أنّ تصرّف الحاكم المنوط بالمصلحة إنّما يناط بالمصلحة النوعيّة الشرعيّة، لا خصوص المصلحة الشخصيّة غير الشرعيّة. ألا ترى أنّ الحاكم يجبر الممتنع على الحقّ كما يحكم للمحقّ بالحقّ؟! فكما له الأخذ بخيار من يمتنع منه الأخذ بصغر أو جنون، كذلك عليه القبض و قبول الردّ عمّن عليه القبض و قبول الردّ الممتنع منه بغيبة و نحوه.

قوله: «و الظاهر (1) أنّها مزاحمة عرفا».

[أقول:] و فيه أوّلا: أنّ المرجع في حكم مزاحمة الحاكم في المقام من


1- في المكاسب: لكن الأظهر ..

ص: 321

حيث الجواز و عدمه ليس إلى إجمال النصّ و عدمه، من حيث العموم و الخصوص، حتّى يكون المرجع فيه إلى العرف، و إنّما المرجع فيه إلى ما يستفاد من الشرع بالأدلّة الاجتهاديّة، من إنفاذ حكم الحاكم إلى الكلّ في الكلّ، و عدم جواز نقضه و ردّه و عدم قبوله، أو بالأصول العمليّة، من أصالة البراءة، و عدم حرمة المزاحمة بهذا المعنى المشكوك عند فرض عدم الدليل.

و ثانيا: سلّمنا، لكن من المعلوم شرعا و عرفا أنّ مزاحمة الحاكم غير الجائزة إنّما هو نقض حكمه، و الحكم بعدم جواز ما هو صحيح جائز و عدم لزوم ما هو لازم من عقوده و إيقاعه، و أمّا القبض عنه ممّا هو لازم عليه، من قبول ردّ الثمن عليه بحقّ خيار من له الخيار، فليس بمزاحمة له أصلا و رأسا، لا شرعا و لا عرفا.

نعم، لو كانت معاملة الحاكم السابق لازمة شرعا أو عرفا لا جائزة خياريّة، كان قبول الآخر ردّ ثمنه أو فسخه أو إقالته من غير حقّ و لا وجه مزاحمة له شرعا و عرفا، و نقضا له.

قوله: «أمكن الجواز، لأنّه بمنزلة اشتراط إبقاء (1) ما في الذمّة بغير جنسه».

[أقول:] أي: إثبات ما في الذمّة بغير جنسه، كتحويل الدراهم بدنانير في الذمّة، و بالعكس.

و تصحيح نسخة «الإبقاء» بإيفاء ما في الذمّة، أي: إسقاط و إبراء ما في الذمّة بغير جنسه، هو الصحيح المصحّح، و المصحّح للتنزيل و التعليل المذكورين، و إلّا لم يصح تعليل جواز ضمان التالف بغير جنسه بإثبات ما في الذمّة بغير جنسه، فإنّه غير جائز، فلا يصحّ تعليل الجواز به، بل و لا تنزيله به مطلقا، للفرق


1- في المكاسب: إيفاء.

ص: 322

بينهما، من حيث إنّ ضمان التالف بغير جنسه فيما نحن فيه إسقاط ما لم يجب بعد حين الشرط و الضمان، فلا ينبغي أن يصحّ، بخلاف إسقاط ما في الذمّة بغير جنسه، فإنّه إسقاط ما وجب و ثبت في الذمّة فعلا، فيصحّ إسقاطه بغير جنسه.

قوله: «و لا اشتراط رجوع غير ما اقتضاه العقد إلى البائع. فتأمّل».

[أقول:] لعلّه إشارة إلى المنع من التنزيل المذكور، لما عرفت من الفرق.

أو إشارة إلى المنع من عدم منافاة ضمان التالف بغير مثله لمقتضى العقد، بدعوى منافاته له.

و لكن هذه الدعوى ممنوعة جدّا، لوضوح أنّ ضمان التالف المثلي بالقيمي و بالعكس إنّما ينافي مقتضى العقد لو لا الشرط، لا أنّه ينافيه مطلقا.

قوله: «لأنّ الخيار لكلّ منهما دائما، فلا معنى لدخول خيار الشرط».

[أقول:] و فيه: أنّ ثبوت الخيار الدائمي للعقد الجائز لا يمنع من اجتماع خيار الشرط معه، كما لا يمنع خيار المجلس و خيار الحيوان من اجتماع خيار آخر معه- من شرط أو غيره- و إن اتّحدا زمانا، فيفيد الاجتماع عند إسقاط أحدهما جواز الأخذ بالآخر.

قوله: «دخول [خيار] الشرط في كلّ عقد سوى النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق و العتق».

[أقول:] أمّا استثناء الوقف و ما بعده من العقود فمبنيّ على تعميم العقد لمطلق الإنشاء، أو جعل الاستثناء منقطعا. و أمّا صحّة استثناء ما استثني فسيجي ء ما فيه من المنع و النقض.

قوله: «أمّا الإيقاعات فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول الخيار فيها، كما يرشد إليه استدلال الحلّي (1) .. إلخ».


1- السرائر 2: 246.

ص: 323

[أقول:] و في كلّ من المدّعى و دليله منع و نقض. أمّا المدّعي فلانتقاضه بصحّة اشتراط البذل في الخلع، و الخدمة في العتق، و بالشرط المعلوم الوقوع في الطلاق، كأنت طالق إن كان الطلاق يقع بك، و بالتخيير للزوجة بين الطلاق و البقاء إن اختارت نفسها في الحال، و لو على كونه من خصائص النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله، أو على قول ابن الجنيد (1)، و الوقف و الصدقة بشرط عوده إلى مالكه إن احتاج، على قول السيّد (2) و جماعة (3).

و أمّا الاستدلال عليه بخروجه عن العقود، أو بتوقّفه على الإيجاب و القبول، أو بقوله: «الشرط ما كان قائما بشخصين: المشروط له، و المشروط عليه».

ففيه انتقاضة أيضا بإيقاع النذر و العهد و اليمين مشروطا بشرط قائم بشخص واحد، و الوقف مشروطا بعوده ملكا بعد مدّة معلومة أو بشرط الاحتياج، و الطلاق بشرط البذل، و العتق بشرط الخدمة، إلى غير ذلك.

قوله: «خصوصا على ما تقدّم عن القاموس».

[أقول:] أي: من تفسيره بالإلزام و الالتزام في البيع (4).

قوله: «فالأولى الاستدلال عليه .. بعدم مشروعيّة الفسخ في الإيقاعات».

[أقول:] و فيه: النقض بفسخ الوقف المنقطع، و مشروعيّة فسخ الأبوين نذر الولد و المالك نذر المملوك و الزوج نذر الزوجة، و الرجوع في عدّة الطلاق الرجعي، بل و في الخلع إذا رجعت في البذل.


1- ذكر قوله العلامة في مختلف الشيعة: 565.
2- الانتصار: 226.
3- منهم المفيد في المقنعة: 652، و سلّار في المراسم: 197 و الشيخ في النهاية: 595.
4- القاموس المحيط 2: 368.

ص: 324

قوله: «و الرجوع في العدّة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعيّ للطلاق (1)».

[أقول:] فيه: ما تقدّم (2) في أول الخيار من المنع و النقض، و تحقيق الفرق بين الحكم و الحقّ.

فالتحقيق: أن عموم المقتضي لصحّة الشرط بقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «المسلمون عند شروطهم، إلّا ما خالف كتاب اللّٰه» (3) «و كلّ شرط جائز و لازم، إلّا ما حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (4) حاكم و شامل جميع العقود اللازمة و الجائزة و الإيقاعات، و أنّ المانع المخصّص لعموم هذا المقتضي لصحّة الشرط ينحصر فيما خالف المشروع من الشروط، و هو مختلف لا يطّرد في كلّي الإيقاعات. كما أنّ عموم المقتضي لصحّته أيضا مختلف لا يطّرد في كلّي العقود، بل مختلف باختلاف موارد المشروع و غير المشروع من الشروط كمّا و كيفا.

و بالجملة، المتّبع هو المانع الشرعي المختلف كمّا و كيفا باختلاف موارد العقود و الإيقاعات، غير المطّرد و لا المضبوط فيما زعمه الأصحاب من الوجوه و الموارد، تبعا لما عليه العامّة من الأقيسة و المقرّبات المرسلة.

قوله: «و لو كان عقدا، كالصلح المفيد فائدة الإبراد».

[أقول:] كأن يقول: صالحتك ما في ذمّتك، أو على ما في ذمّتك. و كون هذا المثال عقدا متضمّنا للإيقاع مبنيّ على ما هو المشهور بكون الصلح من العقود لا تابعا لما تضمّنه، و على كون الإبراء من الإيقاع لا يحتاج إلى القبول، و إلّا فالمثال لا يطابق الحال.


1- لم ترد «للطلاق» في المكاسب.
2- في ص: 273 و 274.
3- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 2.
4- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 5، و لم يرد فيه صدر الحديث.

ص: 325

قوله: «لم يدخله، لأنّ مشروعيّته لقطع المنازعة فقط .. إلخ».

[أقول:] فيه [أولا] (1): أنّ مشروعيّة الصلح لقطع المنازعة لا ينافي انفساخه بمقتضى شرط خيار الفسخ، كانفساخه بسائر الخيارات كالعيب و الغبن و الحيوان، لاشتراك مصلحة قطع المنازعة في مشروعيّة كلّ مشروع من العقود و الإيقاعات و الخيارات.

و ثانيا: لو سلّمنا ذلك كان المانع من دخول الخيار هو نفس عقد الصلح و مطلق المصالحة، لا ما تضمّنه من الإيقاع و الإبراء الذي في ضمنه كما هو المدّعى.

قوله: «و لا أقلّ من الشكّ في ذلك، الراجع إلى الشكّ في سببيّة الفسخ لرفع الإيقاع».

أقول: فيه أنّ أصالة عدم سببيّة الفسخ لرفع الإيقاع عند الشكّ في سببيّته دليل حيث لا دليل، من عموم المقتضي لسببيّة الشرط بقوله عليه السّلام: «كلّ شرط جائز و لازم» (2).

قوله: «فالأوّل النكاح فإنّه لا يدخله اتّفاقا».

أقول: فيه أنّ الذي لا يدخل النكاح اتّفاقا من الشروط إنّما هو شرط نفس الخيار على النحو الداخل في البيع، الموجب لفسخه بمجرّد الاختيار و الإقالة.

و أمّا اشتراط غير الخيار من الشروط الأخر الموجبة انتفاؤها لخيار الفسخ، كاشتراط البكارة أو بنت مهيرة في الزوجة أو اشتراط الحرّية في كلّ من الزوجين، فلا خلاف في دخولها في النكاح على وجه لو ظهر خلاف الشرط كان للمشترط الفسخ قضيّة للشرط.


1- ما بين المعقوفتين أضفناه بقرينة قوله بعد أسطر: و ثانيا.
2- تقدّم في الصفحة السابقة الهامش رقم (4) ص: 324.

ص: 326

و كذا يدخل في النكاح مطلق كلّ شرط سائغ مشروع، كاشتراط العدل في القسمة و النفقة، و التسرّي و التزويج عليها متى شاء، و اختيار السكنى، و شرط الخيار أو التأجيل في المهر، و شرط التوارث، و الإتيان ليلا أو نهارا مرّة أو مرارا في المنقطع، إلى غير ذلك من الشروط الداخلة في النكاح أيضا، إلّا أنّ مخالفتها لا توجب ما توجبه الشروط الأوّل من حقّ خيار الفسخ و الحكم الوضعي، بل يوجب اشتراطها مجرّد الحكم التكليفي، و هو وجوب الوفاء بالشرط.

قوله: «و الكبرى في الصغريين ممنوعة».

[أقول:] لانتقاض كلّية الكبريين بصحّة اشتراط خدمة مدّة في إعتاق العبيد، مع اشتراطه بالقرية، و كونه فكّ ملك بغير عوض. و بصحّة اشتراط انقطاع الوقف و رجوعه ملكا بعد مدّة في ضمن التحبيس و الوقف و الصدقة و السكنى و العمرى، مع اشتراطها بالقربة، و كونها فكّ ملك بغير عوض.

قوله: «و في دلالتها على المدّعى تأمّل».

[أقول:] وجه التأمّل: أنّ عود الوقف و الصدقة إلى الميراث بسبب الاشتراط، كما يحتمل أن يكون من جهة عدم دخول الشرط في الوقف و الصدقة، و فساد الشرط المفسد للمشروط، و هو أصل الوقف و الصدقة، كذلك يحتمل أن يكون من جهة صحّة دخول الشرط و انفساخ المشروط به بعد تحقّق شرطه، و هو احتياج الواقف و المشترط إلى ما وقف و تصدّق.

قوله: «لعموم ما دلّ (1) على أنّه لا يرجع فيما كان للّٰه، بناء على [أنّ] المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيّا لماهيّة الصدقة».

[أقول:] إنّما قيّد الدلالة بالبناء على الإفادة لاحتمال كون النهي عن


1- الوسائل 6: 294 ب «24» من أبواب الصدقة، و ج 13: 315 ب (11) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

ص: 327

الرجوع لمجرّد التحريم أو التنزيه، لا الحكم الوضعي و هو عدم صحّة الشرط و عدم تأثيره الفسخ و الرجوع. أو تقييد النهي عن الرجوع فيما كان للّٰه بصورة عدم شرط الرجوع، لا مطلقا حتّى مع اشتراط الرجوع، نظرا إلى خروج الرجوع.

بمقتضى الشرط عن الرجوع المنهيّ فيما كان للّٰه من باب التخصّص أو التخصيص، بتحكيم عموم: «كلّ شرط جائز» (1) على عموم النهي عن الرجوع فيما كان للّٰه (2).

قوله: «و توهّم إمكان إثبات السببيّة بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع».

[أقول:] لا وجه لوضوح اندفاعه سوى تحكيم عموم: «لا يرجع فيما كان للّٰه» (3) على عموم دليل الشرط (4)، و إلّا فعلى تقدير العكس أو كون النهي لمجرّد الحرمة أو التنزيه فيمكن إثبات السببيّة بعموم دليل الشرط.

قوله: «الشرط القولي لا يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي».

أقول: هذا مبنيّ على القول بانصراف صدق الشرط إلى الشرط الضمني في ضمن الإنشاء القولي، كما عرفت عن القاموس (5) و مختار المصنّف، و إلّا فعلى تعميم الشرط يمكن ارتباطه بالإنشاء الفعلي أو بالأخبار القولي، بأن يقول: لي الخيار حال اشتغاله بفعل التعاطي، أو حال إخباره عنه بأنّي أتعاطى البيع ولي فيه الخيار، بل و يمكن صدقه على الشرط الابتدائي من غير ضمن أيضا.

قوله: «كما إذا زوّجها الوليّ بدون مهر المثل، و فيه نظر».

[أقول:] وجه النظر: أنّ مشروعيّة فسخ المولّى عليه عقد الوليّ بدون مهر المثل دفعا لضرره و جبرا لكسره لا يستلزم دخول خيار الشرط فيه و مشروعيّة


1- تقدّم ذكر مصدره في هامش (4) ص: 324.
2- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 326.
3- تقدّم ذكر مصدره في هامش (1) ص: 326.
4- الوسائل 12: 352 ب (6) من أبواب الخيار.
5- في هامش (4) ص: 323.

ص: 328

الفسخ به، للفرق بين الفسخين، أو النصّ الفارق في البين.

[الرابع خيار الغبن]

قوله: «هو بالتسكين في البيع، و بالتحريك في الرأي».

[أقول:] و فيه: أنّ تخصيص اختلافهما بالمتعلّق يوهم اتّحادهما في معنى الخدعة و الباب و التعدية، كما صرّح بهذا التوهّم في آخر المسألة بقوله:

«فيحتمل- أي: في نصوص النهي عن الغبن- كون الغبن بفتح الباء»، فيكون غابن الرأي كغابن البيع بمعنى خادعه، أي: صرفه عن الحقّ إلى الباطل، و الحال أنّ الصحاح (1) و القاموس (2) و المصباح (3) مصرّحون بأنّ «غبنته في البيع» من باب «ضرب» بفتح العين بمعنى: خدعته، و «غبن رأيه» من باب «تعب» بكسر العين بمعنى: نقص رأيه و ضعف عقله و قلّ ذكاؤه و فطنته، و بينهما بون بعيد من حيث الباب و الفدية و اللزوم و التعدية، فإنّ الغابن في البيع قويّ الرأي و العقل متعدّ، و الغابن في الرأي بالعكس ضعيف الرأي و العقل و لازم.

قوله: «و الظاهر أنّ كون الزيادة ممّا لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه».

[أقول:] أي عن منصرف صدقه تخصّصا، أو عن إطلاق حكمه تخصيصا.

قوله: «و لا يعدّ ذلك خلافا في المسألة».

لتصريحه به هو في شرائعه بقوله: «الرابع: خيار الغبن (4) .. إلخ». و لأنه مسبوق بإجماع الغنية (5)، و ملحوق بإجماع المختلف (6) من زمانه إلى يومنا هذا.


1- الصحاح 6: 2172.
2- القاموس المحيط 4: 253.
3- المصباح المنير: 442.
4- شرائع الإسلام 2: 23.
5- غنية النزوع: 224.
6- مختلف الشيعة: 346.

ص: 329

قوله: «عن الإسكافي (1) منعه لبناء البيع على المغالبة».

[أقول:] و فيه أوّلا: منع البناء.

و ثانيا: لو سلّم فإنّما هو في خصوص التجارة لا مطلق المبايعة. و ثالثا: لو سلّم فإنّما هو بما يتسامح فيه لا الغبن الفاحش.

و رابعا: لو سلّم البناء مطلقا في مطلق لكن البناء على المغالبة لا ينافي الحكم الشرعيّ بالخيار.

قوله: «المغبون لو عرف الحال لم يرض».

[أقول:] و فيه: أنّ المدار على الرضا الفعلي الحاصل، لا على عدمه الشأني. فالاستدلال بالرضا على خلاف المدّعى أدلّ، و هو من أدلّة العامّة (2)، و تبعهم العلّامة (3).

قوله: «و عدم (4) وجودها في الكتب المعروفة».

أقول: و إن لم يوجد في الأصول المعروفة إلّا أنّه يكفي في انجبارها ما في الغنية (5): «نهى صلّى اللّٰه عليه و آله عن تلقّي الركبان». و قال صلّى اللّٰه عليه و آله: «فإن تلقّى متلقّ فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق» (6). مضافا إلى الشهرة و إجماع الغنية (7) و المختلف (8)، و نفي الخلاف عنه. و عموم لا ضرر (9) و لا غرر (10). و خصوص ما


1- حكاه عنه الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة 3: 275.
2- المغني لابن قدامة 4: 93، الشرح الكبير 4: 88.
3- تذكرة الفقهاء 1: 522.
4- في المكاسب: لعدم.
5- غنية النزوع: 224.
6- جامع الأصول 1: 445، السنن الكبرى 5: 348.
7- غنية النزوع: 224.
8- مختلف الشيعة: 346.
9- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.
10- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.

ص: 330

في المستدركات عن الصادق: «إذا باع رجل من رجل سلعة ثمّ ادّعى أنّه غلط في ثمنها، و قال: نظرت في بارنامجاتي فرأيت فوتا من الثمن و غبنا بيّنا، قال: ينظر في حال السلعة، فإن كان مثلها يباع بمثل ذلك الثمن أو بقريب منه، مثل ما يتغابن الناس بمثله، فالبيع جائز، و إن كان أمرا فاحشا و غبنا بيّنا حلف البائع باللّه الذي لا إله إلّا هو على ما ادّعاه من الغلط، إن لم يكن له بيّنة، ثمّ قيل للمشتري: إن شئت خذها بمبلغ القيمة، و إن شئت فدع» (1).

قوله: «و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمّل. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ تعلّق غرض الغابن بما انتقل إليه أمر غالب بل دائم لا يعارض بما هو نادر بل أندر، من أنّ غرض المغبون قد يتعلّق بتملّك عين ذات قيمة لاقتنائها للتجمّل، على وجه يستنكف عن اقتنائها بقيمة يسيرة للتجمّل.

أو إشارة إلى أنّ الخيار جبر للضرر لا لنقض الغرض، و من المعلوم أنّ مطلق نقض الغرض- سيّما الغرض النادر الأندر- ليس في العرف بضرر حتّى ينفيه عموم لا ضرر (2)، سيّما إذا أقدم عليه باختيار.

فالأقوى و الأظهر- سيّما من نصّ المستدركات (3)، و أدلّة نفي الغبن (4) و الضرر (5) و الغرر (6)، و إن كان مخالفا للأشهر- هو انجبار ضرر المغبون بردّ الزيادة الغبنيّة، و عدم خيار الردّ له على الغابن، إلّا بعد الامتناع عن ردّ الزيادة الغبنيّة. و هذا المقدار من الخيار جمع بين الحقّين، و دفع لضرر الجانبين، و إنصاف في البين.


1- المستدرك 13: 307 ب (13) من أبواب الخيار ح 2.
2- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.
3- المستدرك 13: 307 ب (13) من أبواب الخيار ح 2.
4- الوسائل 12: 363- 364 ب «17» من أبواب الخيار ح 1 و 2.
5- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.
6- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.

ص: 331

قوله: «و يظهر منه أنّ ما ذكره أوّلا حديث رابع». (1)

أقول: بل في المستدركات حديث خامس، و هو: «غبن المسترسل ربا» (2). و سادس صريح في الخيار الجامع بين الحقّين، قد نقلناه وراء الصفحة (3).

قوله: «فيحتمل كون الغبن بفتح الباء».

[أقول:] فيه: ما بيّنّاه في أوّل المسألة (4) من أنّ الغبن بالفتح من باب لازم، بمعنى: نقص الرأي و العقل و قلّة الذكاء و الفطانة، لا بمعنى الغبن بالسكون و هو الخدعة، فلا يمكن إرادة الغبن بالفتح من تلك النصوص (5) الناهية عنه، بل يتعيّن إرادة الغبن بالسكون منها قطعا.

قوله: «ففي الخيار وجه».

[أقول:] وجهه ليس تقييد المقدار المقدم عليه من الضرر بشرط عدم الزيادة حتّى يردّه عدم تقييده بشرط، بل لأنّ المتيقّن من الإقدام في الخروج عن إطلاق الغبن و عموم حكمه بالخيار و نفي الضرر هو صورة تقييد المقدم عليه بصورة عدم الزيادة، لأنّه فعل مجمل لا قول مطلق حتّى يؤخذ بإطلاقه و يخصّص به عموم دليل الخيار و الضرر.

نعم، لو صرّح لفظا في ضمن العقد بأنّي مقدم على قدر من الزيادة، فبان أنّه أزيد بزيادة لا يصدق الغبن بها منفردا إلّا بانضمام الساقط إليه، لم يكن وجه لخياره.


1- مجمع البحرين 5: 383.
2- المستدرك 13: 307 ب (13) من أبواب الخيار ح 1.
3- تقدّم ذكره في ص: 329.
4- في ص: 328.
5- الوسائل 12: 363 ب «17» من أبواب الخيار.

ص: 332

قوله: «و بأنّ موكّله (1) يعقد على أزيد».

[أقول:] الصحيح أنّ وكيله يعقد على أزيد، لأنّ الكلام في عقد الوكيل و تقريره له، أي: تقرير الموكّل له.

قوله: «لجهله بالحال. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ جهل المغبون و إن لم يحس و يعسر الاطّلاع عليه إلّا لعلّام الغيوب، إلّا أنّه ليس ممّا لا يحسّ مطلقا لا بنفسه و لا بآثاره كعلم النجوم و آثاره، حتّى لا يقبل قول مدّعيه، و يتعذّر الاطّلاع فيه، بل هو كالعلم و الخبريّة و ملكة العدالة و الاجتهاد من الأمور غير الحسّيّة التي هي في حكم الحسّيّة، من جهة أنّ لها آثارا حسّيّة يمكن الاطّلاع بها و يقام البيّنة عليها، كإقرار المغبون بعلمه أو معلوميّة خبريّته بحيث لا تخفى عليه الزيادة الغبنيّة، أو فرحه و انبساطه بالبيع الكاشف عن جهله بغبنه، و تكدّره و ندامته من البيع بعد ظهور غبنه.

أو إشارة إلى أنّ اتّفاق تعسّر إقامة البيّنة على الجهل و إن أثّر قبول قول مدّعيه في مورده، إلّا أنّه لا يوجبه مطلقا على وجه الكلّية التي هي محطّ النظر.

أو إشارة إلى أنّ الاحتياج في قبول قول مدّعي الجهل إلى تعسّر إقامة البيّنة إنّما هو على تقدير كون مدّعي الجهل مدّعيا لخلاف الأصل و الظاهر، و المفروض خلافه، و كونه منكر العلم بالغبن، فلا يتوقّف قبول قوله على تعسّر إقامة البيّنة عليه. هذا، إذا حلف حلف المنكر. و أمّا إذا حلف اليمين المردودة ثبت به غبنه على كلّ من تقديري كونه منكرا أو مدّعيا.

قوله: «مع أنّ عموم تلك القاعدة ثمّ اندراج المسألة فيها محلّ تأمّل».

[أقول:] أمّا وجه التأمّل في عموم قاعدة قبول قول ما تعسّر فيه البيّنة لكلّ


1- في المكاسب: وكيله، و إشكال المحشّي «قدّس سرّه» يبتني على نسخته من المكاسب.

ص: 333

ما هو حسّيّ أو في حكم الحسّيّ و إن كان له آثار حسّيّة، فلاحتمال اختصاصها بما ليس بحسّي و لا له آثار حسّيّة، كالإقرار و ظهور الآثار.

و أمّا وجه التأمّل في اندراج المسألة فيها على تقدير عمومها، فلإمكان منع تعسّر البيّنة على جهل المغبون.

قوله: «لا [دليل] نفي الضرر، فنفي الضرر المالي في التكاليف لا يكون إلّا إذا كان تحمّله حرجا».

[أقول:] و ذلك لما فرضنا من حكومة دليل التكليف بالضرر الماليّ- كتضاعيف قيمة ماء الوضوء، و الحجّ و الزكاة و الخمس، و نفقة واجبي النفقة- على عموم نفي الضرر، بل و كذلك دليل التكليف بالضرر النفسيّ و البدنيّ في الحجّ و الجهاد و الصيام حاكم على دليل نفي الضرر.

و بعد فرض تحكيم أدلّة التكليف بالضرر الماليّ أو البدنيّ أو النفسيّ على دليل نفي الضرر لم يبق للمحكوم على حاكمه حكومة، بل ينحصر الحاكم على هذا الحاكم شرعا في دليل نفي الحرج و العسر النافي للضرر المجحف لا مطلق الضرر.

قوله: «و هو محال. فتأمّل».

[أقول:] لعلّ وجهه أنّ المحال هو اعتبار الأقلّية و الأكثريّة بالنسبة إلى المال، و أمّا بالنسبة إلى الحال فليس بمحال.

قوله: «فصار البائع مغبونا من كون الثمن أقلّ من القيمة السوقيّة بخمس تومان».

[أقول:] اعترض عليه الفاضل المامقاني في شرحه بأنّ أقلّ ما يوجب خيار الغبن هو الزيادة بقدر خمس الثمن أو القيمة، و هو تومان لا خمس تومان، كما نقله المصنّف عن صريحه.

ص: 334

فأجاب بأنّ قرار المصنّف بالخمس المحكيّ عنه التصريح بغبنه هو ما ذكره في طرف غبن المشتري، من زيادة الدنانير على أربعة توامين بخمس توامين إلّا خمسا، و هو ثمانية قرانات التي هي خمس أربعة توامين (1).

و فيه: أنّ هذا الجواب لا يوافق رأي المصنّف الحاكي و لا رأي المحكيّ عنه التصريح بغبن الخمس في المثال. أمّا المحكيّ عنه فلتصريحه الصريح بكون الغبن في المثال من الطرفين لا من طرف واحد. و أمّا المصنّف فلتصريحه الصريح أيضا في الجواب عنه بقوله: «الحقّ ما ذكرنا من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد» (2) يعني: من طرف البائع الشارط لا المشتري المشترط عليه.

بل الصواب في الجواب: أنّ مراد كلّ من الحاكي و المحكيّ عنه مثال غبن من الطرفين إنّما هو غبنه بمقدار الخمس، و هو في المثال تومان من طرف غبن البائع، و تومان إلّا خمسا من طرف غبن المشتري، كما صرّح به بقوله: «ثمّ تبيّن أنّ المتاع المشتري بأربعة توامين يسوى خمسة .. إلخ» إلّا أنّ البائع لمّا استوفى من غبنه المشتري مقدار أربعة أخماس غبن المشتري له، كان له حقّ مطالبة الباقي من مال الغبن، و هو خمس الباقي، أعني: خمس التومان، كما هو صريح عبارته الفارسيّة (3) المحكيّة بالعربيّة.

قوله: «و إنّما نزّلت قيمته بقبض المشتري و نقله إيّاه إلى مكان الرخص».

[أقول:] فيه: أنّ العبرة في القيمة إن كان على مكان البائع و المبيع فالمشتري مغبون لا البائع، لوجود المبيع في مكان الرخص فعلا لا تقديرا بأقلّ قيمته، فلا يتوقّف غبنه بأقلّ القيمتين على تقدير قبضه و نقله إلى محلّ الرخص بعد فرض وجوده فعلا فيه. و إن كان العبرة في القيمة على مكان المشتري،


1- نهاية المقال في تكملة غاية الآمال: 77.
2- المكاسب: 237.
3- جامع الشتات 1: 111.

ص: 335

فلا غبن في شي ء من الطرفين.

أمّا من طرف المشتري فواضح. و أمّا من طرف البائع فلأنّه مغبون على تقدير قبض المشتري و نقله إلى الغلاء.

قوله: «و ممّا يؤيّد الأوّل أنّهم اختلفوا .. إلخ».

[أقول:] وجه كونه مؤيّدا لا دليلا أنّ حكمهم. بصحّة تصرّفات الغابن حين جهل المغبون و إنفاذها، كما يحتمل أن يكون من جهة عدم خيار المغبون حين جهله، كذلك يحتمل أن يكون من جهة عدم منافاة صحّة تصرّفات الغابن في الظاهر لثبوت فسخ المغبون في الواقع فضلا عن خياره، لإمكان انتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلى البدل.

قوله: «و يؤيّده أيضا الاستدلال .. إلخ».

[أقول:] وجه كونه مؤيّدا لا دليلا: أنّ دخول السوق و ظهور الغبن، كما يحتمل أن يكون شرط حدوث الخيار، كذلك يحتمل أن يكون شرط إعماله و انكشافه.

قوله: «لا يخفى إمكان إرجاع الكلمات إلى أحد الوجهين .. إلخ».

[أقول:] إن أراد إرجاع النزاع في المسألة إلى النزاع اللفظي بهذا التوجيه، فهو الذي ينبغي، لكنّه بعيد عن فهم العلماء و مقاصدهم. و إن أراد إرجاع النزاع إلى النزاع في الصغرى و المبنى و الموضوع، فلا جدوى فيه، بل الجدوى و الغاية القصوى إنّما هو في ترجيح أحد المبنيين و أحد الوجهين على الآخر.

فنقول: أظهر الوجهين هو الوجه الثاني، و كون خيار الغبن كسائر الخيارات، و حقّه كسائر الحقوق الشرعيّة حكم شرعيّ و حقّ واقعيّ مترتّب على نفس الغبن، علم به المغبون أم لم يعلم، و إنّما المتوقّف على العلم إعماله و الأخذ به لا أصل ثبوته الواقعي.

ص: 336

و منه يظهر لك وجه النظر بل المنع من قوله: «ثمّ إنّ الآثار المجعولة للخيار بين ما يترتّب على تلك السلطنة الفعليّة، كالسقوط بالتصرّف .. إلخ» فإنّ فيه: أنّ مسقطيّة التصرّف للخيار لم يرتّب على ظهور الغبن، و لا على فعليّة الخيار شرعا، و إنّما علم من تعليل مسقطيّة التصرّف بأنّه «رضي بالعقد» اشتراط مسقطيّة التصرّف بكونه كاشفا عن الرضا، و لا كشف عنه إلّا بعد العلم بغبنه، و أين هذا من ترتّب مسقطيّة التصرّف على العلم بالغبن و كونه من آثاره؟ و لهذا لم يعتبر في المسقط القولي كونه بعد العلم بالغبن، بل يسقط الخيار به مطلقا.

قوله: «و أمّا خيار الرؤية فسيأتي أنّ ظاهر التذكرة (1) حدوثه بالرؤية».

[أقول:] فيه: أنّ هذا الاستظهار من ظاهر إضافة الخيار إلى الرؤية، و المفروض خلافه، و أنّ معنى خيار الرؤية هو خيار تخلّف الوصف المنكشف بالرؤية لا الحادث المشروط به قطعا.

قوله: «و القذف و ما دونه حقّان مختلفان».

[أقول:] فيه: إمكان منع الفرق بين القذف و ما دونه من الشتم و بين المائة و ما دونه من العشرة، سوى كون النسبة بين الأوّلين التباين و بين الآخرين الأقلّ و الأكثر. فإن كان ملحوظ المسقط حقّه أصالة ما دون الآخر من الفردين فلا يعمّ الآخر، و إن كان ملحوظة أصالة إسقاط كلّي حقّه فيسقط و إن زعمه ما دون.

قوله: «و هذا هو الأقوى. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّه يغتفر في المصالحة ما لا يغتفر في غيرها، من جهة أنّها مشروعة لمصلحة رفع الخصومة، فلا تكون مثارا لها.

قوله: «كإبراء [المالك] الودعيّ المفرّط عن الضمان، و كبراءة البائع من العيوب».


1- التذكرة 1: 523.

ص: 337

[أقول:] و فيه: أنّ الحكم في المقيس عليه فضلا عن المقيس ممنوع، فإنّ ظهور حقّ الضمان و حقّ الخيار إن كان شرطا لحدوثه في المقيس عليه- كما فرض في المقيس- كان إسقاطه قبل ظهوره في المقيس عليه ممنوعا فضلا عن المقيس، لأنّه إسقاط ما لم يجب، فلا يسقط بإسقاطه قبل وجوبه. و إن كان ظهوره كاشفا عن سبق ثبوته بالعقد كان هو الفارق بين المقيس و المقيس عليه في مسقطيّة إسقاطه قبل ظهوره و عدمه.

قوله: «فإنّ الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقّف تحقّق مفهوم الإنشاء عليه .. إلخ».

[أقول:] و في الروضة جعل الفارق بين الشرط الممنوع من الإنشاء و غيره في معلوم الوقوع له و غيره، قال: «و لا يقع الطلاق معلّقا على شرط أو صفة، إلّا أن يكون الشرط معلوم الوقوع حالة الصيغة، كأنت طالق إن كان الطلاق يقع بك، و هو يعلم وقوعه» (1).

و كلّ من الفرقين غير فارق، لانتفاضه في العقود بصحّة اشتراط البكارة و بنت المهيرة في الزوجة و الحرّيّة في كلّ من الزوجين، بل و بصحّة كلّ شرط سائغ، من اشتراط السكنى و العدل في النفقة و القسمة و أن يتسرّى أو يتزوّج عليها متى شاء، و بصحّة تعليق العتق على الموت، و النذر و شبهه على شفاء مريض أو هلاك عدوّ، إلى غير ذلك من الشروط السائغة في الإنشاء باتّفاق و تصريح منهم، مع أنّها ليست بمعلوم الوقوع و لا بمتوقّف عليها تحقّق الإنشاء.

فالتحقيق: جعل الفارق بين الممنوع و المانع من الشروط في الإنشاء و عدمه فيما قدّمناه من الضابط الكلّي المطّرد في جميع الشروط غير المنتقض بشي ء منها، من أنّ كلّ شرط تعلّق بنفس الإنشاء منع من تحقّقه مطلقا، و لو توقّف


1- الروضة البهية 6: 16.

ص: 338

عليه تحقّقه و كان معلوم التحقّق، كأنت طالق إن كنت زوجتي أو صحّ طلاقك، و أنت حرّ إن كنت ملكي أو رقّي، و بعتك هذا إن كان ملكي أو صحّ بيعي، و كلّ شرط تعلّق بالمنشإ و آثار الإنشاء لا نفس الإنشاء لم يمنع منه مطلقا، و لو لم يتوقّف عليه تحقّق الإنشاء و لم يكن معلوم التحقّق أيضا، كتعليق العقد و الإيقاع بما تقدّم من الشروط الناقضة للفارقين.

قوله: «احتمل الفرق بين الخيارين بأنّ الغرر في الغبن سهل الإزالة».

[أقول:] وجه الفارق: أسهليّة إزالة خيار الغبن بالاختيار و استعلام الحال قبل الرؤية، بخلاف خيار الرؤية، فإنّ غرره لا يزول إلّا بالرؤية.

و وجّه الفاضل المامقاني الفرق بينهما بأنّ الغبن زيادة ماليّة يمكن جبره بالأرش، بخلاف خيار الرؤية، فإنّه مخالفة وصفيّة لا يمكن جبره بالأرش (1).

و فيه أوّلا: أنّ المخالفة الوصفيّة الموجبة للخيار أيضا راجعة إلى ما تختلف به القيمة و إن لم يبلغ حدّ الغبن، و إلّا لم يوجب الخيار.

و ثانيا: لو سلّمنا الفرق المذكور كان غرر خيار الرؤية أقلّ من غرر الغبن، لعدم بلوغه حدّ الغبن، فيكون هو أسهل في رفع الاشكال لا الغبن.

و ثالثا: أنّ الكلام إن كان قبل اشتراط إسقاط الخيار فهو خارج عن محلّ إشكال اشتراطه، فلا يتوقّف رفع إشكاله على الفرق المذكور بينهما. و إن كان بعد اشتراط إسقاطه فلا خيار أصلا، فضلا عن الفرق المذكور بينهما.

قوله: «لأنّه حكم شرعيّ لا يرتفع به موضوع الغرر .. إلخ».

[أقول:] لا يقال: و إن لم يرتفع بالخيار موضوع الغرر المبطل للبيع، إلّا أنّه يرفع به موضوع الضرر أو يجبر به كسره و يرفع به حكم الضرر و الغرر، و هو البطلان.


1- نهاية المقال في تكملة غاية المراد: 79.

ص: 339

لأنّا نقول: الضرر المبطل هو موضوع الغرر، و أمّا ما عدا الغرر من الضرر فغير مبطل، خصوصا المقدم عليه اختيارا بإسقاط خياره المفروض فيما نحن فيه.

قوله: «و لا تنافي بين أن يقدم على اشتراء العين بانيا على وجود تلك الأوصاف، و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلّفت. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ إسقاط الحقّ و إن لم يناف استحقاقه، بل استلزمه و أكّده، كالتوبة و العفو حيث لا تنافي الذنب بل تستلزمه، إلّا أنّ الابتياع بشرط الوصف ينافي اشتراط إسقاطه خياره، لأنّه في معنى إلغائه تأثير الشرط الخيار، فاشتراط إسقاطه مناف لمقتضى اشتراطه في كلام واحد.

نعم، لو ابتاع بالوصف لا على وجه الشرطيّة، بل على وجه التعدّد (1) المطلوب، أو اشترط إسقاط خياره في ضمن عقد آخر، صحّ الإسقاط و لم يتناقضا قطعا.

قوله: «إلّا أن يقال: إنّ الشكّ في الرفع لا الدفع، فيستصحب. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى إمكان منع الاستصحاب بفرض كون الشكّ في المقتضي و تبدّل موضوع الاستصحاب، لأنّ المتيقّن من الإجماع هو ثبوت الخيار قبل التصرّف، و أمّا بعده و بعد العلم بالغبن فلم يعلم المقتضي له حتّى يستصحب، بل موضوع ما قبل التصرّف عن علم- الذي هو معقد الإجماع على الخيار- متبدّل بالتصرّف عن علم، فلا يستصحب قطعا. فتأمّل.

قوله: «و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه».

[أقول:] اللحوق مطلقا، و عدمه مطلقا، و اللحوق في الجملة، و هو التفصيل


1- كذا في النسخة الخطّية، و لعلّ الصحيح: تعدّد.

ص: 340

بين الامتزاج بالزيادة الممكنة فلا يلحق بالتلف، و الزيادة العينيّة فيلحق به.

قوله: «بناء على حصول الشركة في غيرها المانعة عن ردّ العين. فتأمّل».

[أقول:] هكذا نقلت عن نسخة الأصل و صحّحت به. إشارة إلى إمكان منع الردّ في الوسطى أيضا بمنع مبناه، و هو الفرق بينها و بين غيرها في الشركة المانعة من الردّ.

أو إشارة إلى أنّ الشركة مطلقا و لو كانت عينيّة لا تمنع من الردّ إذا رضي بها الغابن أو عافها المغبون.

قوله: «و مقتضى فسخ البيع الأوّل تلقّي الملك من الغابن».

[أقول:] أي: مقتضى فسخ المغبون البيع الأوّل انفساخ البيع الثاني من أصله، فيتلقّى المغبون المبيع من الغابن، لا فسخ المغبون البيع الثاني بعد فسخ الأوّل حتّى يتلقّى المبيع من المشتري الثاني.

قوله: «و يمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إمّا بدخول العين في ملكه .. إلخ».

[أقول:] يعنى: إن انفسخ البيع الثاني من الغابن و دخل العين في ملكه بمجرّد فسخ المغبون بيعه الأوّل، فلا حاجة إلى فسخ البيع الثاني حتّى يعيّن فاسخة في الغابن و إلّا فالحاكم و إلّا فالمغبون. و إن لم يوجب فسخ المغبون دخول العين في ملكه، بل أوجب استحقاق بدله، فلا وجه للعدول ممّا استحقّه بالفسخ إلى غيره و هو العين.

قوله: «و سيجي ء ما يمكن أن يكون فارقا بين المقامين».

[أقول:] و هو كون الفارق بين التفاسخ و الفسخ بالخيار: أنّ الإجارة المستتبعة للمنفعة الفائتة من المالك عند المستأجر بعد الفسخ حدث في محلّ معرض الزوال بالخيار فلا يجب تداركها، و بعد التفاسخ لم يحدث في محلّ

ص: 341

معرض الزوال، لأنّ التفاسخ أمر طار اتّفقا عليه من دون سبق سبب الخيار، فيجب تداركها بأجرة المثل.

قوله: «مضافا إلى مفهوم قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: ليس لعرق ظالم حقّ» (1).

[أقول:] استدلّ بمفهومه على ثبوت حقّ بقاء الغرس في الأرض لغير غاصبها، فليس لمالك الأرض قلع ما غرس فيها غير غاصب بل بإذن شرعيّ.

كما استدلّ بمنطوقه على عدم حقّ بقاء الغرس فيها للغاصب، بل للمغصوب منه قلع ما غرس الغاصب في أرضه. و العرق واحد عروق الشجر. و روايته بالإضافة أبلغ منه بالتنوين.

قوله: «فعليه أرش طمّ الحفر».

[أقول:] أي: أجرة طمّه للطّامّ. و أمّا أرش نقص الأرض لمالكها بواسطة الحفر و الطمّ و إن كان على قالع الغرس أيضا، إلّا أنّه خلاف الظاهر من أرش الطمّ، لأنّه أرش الحفر و نقص الأرض لا أرش الطمّ.

قوله: «فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى دقّة أنّه ليس من باب استحقاق الغرس المكان أصالة، بل من باب مقدّمة وجوب محافظة كلّ من الملكين بالمكان و بالعكس، من باب الملازمة التبعيّة و المقدّميّة لا الحقوق الأصليّة، كما لا يخفى.

قوله: «لطول مدّة البقاء. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى منع فارقيّة طول مدّة البقاء و عدمه بين المسألتين غالبا، لأنّ الإبقاء بالأجرة إن رفع ضرر مالك الأرض ارتفع مانع إبقاء كلّ من الزرع و الغرس بالأجرة، و إن لم يرفع ضرره لم يرتفع مانع الإبقاء منها من غير فارق.

و أمّا اتّفاق مانعيّة طول مدّة الغرس من بعض التصرّفات المقصودة لمالك الأرض،


1- عوالي اللئالي 2: 257 ح 6.

ص: 342

فيعارض بأنّه قد يتّفق أحيانا أنّ عدم طول مدّة الزرع و إن قلّ جدّا قد يمنع من بعض التصرّفات المقصودة لمالك الأرض أحيانا.

أو إشارة إلى أنّ ضرر المالك بإبقاء الغرس معارض بضرر الغارس في قلع غرسه مع كون الغرس بحقّ. إلّا أن يقال: إنّه أقدم على ضرره بوضع غرسه في معرض الزوال.

قوله: «و في استحقاقه لأرش النقص، أو تفاوت الرداءة [من] الجنس الممتزج، أو من ثمنه وجوه».

[أقول:] الفرق بين أرش النقص و تفاوت الرداءة: أنّ امتزاج الأجود بالأردإ يسلب عنه وصف الأجوديّة المضمونة على المازج، و يحدث فيه بواسطة التركيب و سلب وصف الأجوديّة وصف ناقص ثالث متوسّط من الأجود و الأردأ.

فإن كان المضمون على المازج أرش وصف الأجوديّة المسلوبة مطلقا لزمه أرش تفاوت الأجوديّة و الأردئيّة. و إن كان المضمون عليه هو أرش وصف الأجوديّة المسلوبة بالنسبة إلى وصف الأردئيّة المتوسّطة الحادثة، لزمه أرش نقصانه بأرش التفاوت الذي بينه و بين الأجود، و هو أقلّ دائما أو غالبا من أرش تفاوت الرداءة، و أوجه وجهي ضمان غير الغاصب، و أعدل وجهي الضمان في أرش النقصان، سيّما إذا كان النقصان على وجه العدل لا العدوان.

كما أنّ أوجه وجهي ضمانه من الجنس الممتزج أو من ثمنه هو ضمانه من ثمنه لا جنسه، لكن لا لما قيل من استلزام ضمانه من جنسه الربا، بل لأنّ وصف الأجوديّة المضمونة على المتلف من القيميّ لا المثليّ حتّى يضمن بالمثل و الجنس.

قوله: «و التلف إمّا أن يكون فيما وصل إلى الغابن، أو فيما وصل إلى المغبون».

ص: 343

[أقول:] و حاصل صور التلف منتهية إلى ثمان، أربع صور تلف ما وصل إلى الغابن، و أربع صور تلف ما وصل إلى المغبون. و قد أشار المصنّف إلى حكم كلّ منها.

قوله: «صريح في أنّ العبرة بقيمة يوم الانفساخ، دون تلف العين».

[أقول:] و ذلك لأنّ المضمون قيمته هو المقبوض المبيع ثانيا، حيث إنّ بيعه الثاني بمنزلة تلفه المضمّن لقيمته، و لو كان المضمون قيمته يوم تلفه لكان قيمته يوم بيعه الثاني لا يوم انفساخ بيعه الأوّل، بواسطة تلف عوضه غير المقبوض.

قوله: «و الفرق بين المسألتين مشكل».

[أقول:] يمكن الفرق بأنّ الضمان تابع لسببه الأصلي الأوّلي، فإن كان سببه الأصلي هو الانفساخ لا الإتلاف بالبيع- كما في المسألة الثانية- كان المضمون على المتلف ضمانه يوم الانفساخ لا البيع. و إن كان سببه الأصلي هو التلف- كما فيما نحن فيه، فإنّ تلفه في زمان خيار الفسخ و زوال البيع و تزلزله السابق سبب أصليّ لكلّ من الفسخ و الضمان- كان المضمون على المتلف قيمته يوم التلف لا الفسخ. فتدبّر جدّا.

قوله: «و لذا صرّح في الشرائع (1) بجواز المصالحة على ذلك المتلف».

أقول: جواز المصالحة علّة كون المال المتلف في ضمان متلفه و ذمّته، لا علّة رجوع المغبون بعد فسخ المتلف إلى متلفه دون غابنه الذي هو المدّعى ظاهرا، فإنّ هذا التعليل لا يمنع من رجوع المغبون إلى غابنه، لاستحقاقه البدل على المتلف، و رجوع الغابن إلى متلفه، لأنّ التلف حين هو في ملكه، أو تخيير المغبون إلى أيّهما شاء.

قوله: «و فيه ما لا يخفى».


1- شرائع الإسلام 2: 143.

ص: 344

[أقول:] فإنّ مشروعيّة العلم لقطع المنازعة حكمة لا علّة مطّردة.

و ثانيا: لو سلّم علّيته فلا ينافيه جبران ضرر المغبون بخياره، و عدم الملازمة بين مشروعيّته لقطع النزاع و بين التزام المغبون بضرر الغبن.

و ثالثا: لو سلّم فهو مناف لجعل الخيار فيه بالشرط لا للخيار المشروع بالأصل.

قوله: «مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع إلى العموم، و لو على فرض عدم الاستصحاب».

[أقول:] و ذلك لفرض عدم العموم الأزماني، و كون الزمان ظرفا للحكم لا موضوعا له. فإذا فرض مع ذلك مانع من الاستصحاب رجع فيه إلى أصل آخر من براءة أو اشتغال. كما أنّه في مقام جريان العموم، و هو موضوعيّة الزمان للحكم لا ظرفيّته له، كقولك: أكرم العلماء كلّ يوم يوم، لا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب و لو فرض عدم العموم، لتبدّل موضوعه، فيتعيّن الرجوع إلى أصل آخر من براءة أو اشتغال أو غلبة اللزوم.

قوله: «لم يجز التمسّك بالعموم أيضا، نعم يتمسّك فيه [حينئذ] بأصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات».

[أقول:] و ذلك لا لأنّ اللزوم الثابت بالعموم مخصّص بالخيار، فلا يجوز الرجوع فيما عدا المتيقّن من زمانه إلى العموم، حتّى يرد عليه بأنّ تخصيص اللزوم بالخيار إن منع من الرجوع في مشكوكه إلى العموم منع من الرجوع فيه إلى أصالة اللزوم أيضا، بل لأنّ المفروض انتفاء العموم الأزماني في اللزوم الثابت بالعموم حتّى يرجع إليه، فنفي الرجوع إليه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، بخلاف اللزوم الثابت بغير العموم كالغلبة و نحوها، فلا مانع من الرجوع إليه.

قوله: «لو أحرز الموضوع من دليل لفظيّ على المستصحب»- كما لو قال

ص: 345

للمغبون الخيار- إلى قوله: «اتّجه التمسّك بالاستصحاب».

[أقول:] فيه أوّلا: ثبوت موضوع الخيار بدليل لفظيّ من غير واحد من أدلّة تلقّي الركبان (1) و غيره (2) ممّا قدّمناه، فلا وجه لتعليق ثبوته على «لو» الامتناعيّة.

و ثانيا: على تقدير ثبوت موضوع الخيار بدليل لفظي لا حاجة إلى الاستصحاب، بل لا مجرى له مع إطلاق الحكم في الدليل اللفظي، لأنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و المفروض وجود الدليل.

قوله: «و الأوّل أقوى».

[أقول:] أي: عموم دوام لزوم العقد و استمراره المبنيّ عليه فوريّة الخيار، و الاقتصار على المتيقّن منه، أقوى من القول بإهمال لزومه و دوامه المبنيّ عليه استصحاب الخيار و تراخيه.

و قد علّل هذا التفصيل بتعليل مركّب لإثبات أقوائيّة مبنى فوريّة الخيار، و نفي مبنى تراخيه و استصحابه، بقوله: «لأنّ حدوث الحادث» أي: الخيار «مع زوال العلّة السابقة» تصحيحها: مع زوال علّة السابق، أي مع زوال علّة اللزوم السابق، و هو عموم اللزوم و استمراره المبنيّ عليه تراخي الخيار و استصحابه «يقضي بعدم اعتبار السابق» أي: يقتضي زوال معلوله السابق و هو اللزوم «أمّا مع بقائها» أي: مع بقاء علّة السابق، و هو عموم اللزوم و استمراره المبنيّ عليه فوريّة الخيار «فلا يلغو اعتبار السابق» أي: اللزوم السابق و الاقتصار في تخصيصه على المتيقّن، و هو فوريّة الخيار لا تراخيه.

قوله: «و هذا ليس كاستصحاب الخيار، لأنّ الشكّ هنا في الرافع (3)، فالموضوع محرز، كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي. فافهم».


1- انظر الوسائل 12: 326 ب «36» من أبواب آداب التجارة.
2- انظر الوسائل 12: 363 ب «17» من أبواب الخيار.
3- في المكاسب: الواقع.

ص: 346

[أقول:] إشارة إلى دفع ما يقال: من أنّ استصحاب الخيار و إن كان شكّا في المقتضي و الموضوع فيه غير محرز، إلّا أنّه استصحاب تقديريّ، و هو على تقدير حجّيته- كما عليه المصنّف في أصوله (1)- مقدّم و حاكم على استصحاب اللزوم السابق، كتقدّم استصحاب نجاسة عصير الزبيب بعد الغليان على استصحاب طهارته قبل الغليان، خصوصا على تقدير كون الزمان ظرفا للحكم، فإنّ تغييره أقلّ من تغيير وصف العنب بالزبيب لموضوع المستصحب، فلا يكون مانعا من استصحاب الخيار. و لا يقاس استصحاب اللزوم فيما نحن فيه باستصحاب الطهارة بعد خروج المذي، بل ينبغي أن يقاس باستصحاب طهارة الزبيب بعد غليانه.

و طريق دفعه أن يقال: إنّ المراد بأصالة لزوم العقد و عدم انفساخه بفسخ المغبون بعد الفور و التراخي إنّما هو الأصل بمعنى الغلبة و أمارة الواقع الوارد على استصحاب الخيار، لا مجرّد استصحاب لزوم العقد و عدم انفساخه بالفسخ المتراخي حتّى يكون محكوما باستصحاب الخيار. إلا أن يقال: إنّ أصالة اللزوم بمعنى الغلبة لو سلّمت فإنّما هي فيما لو شكّ في أصل طروّ الخيار و عدمه، لا فيما طرأ عليه الخيار قطعا و شكّ في بقاء الطاري و عدمه، فإنّ الأقوى فيه استصحاب الخيار و تراخيه مطلقا في جميع الخيارات، لا الاقتصار على الفور.

قوله: «تجويز التأخير فيها ضرر على من عليه الخيار. و فيه تأمّل».

[أقول:] إشارة إلى منع ضرريّة التأخير على من عليه الخيار بعد فرض تسلّطه و نفوذ جميع تصرّفاته حتّى الوطء و البيع و العتق، غايته رجوع ذي الخيار إلى البدل.

أو إشارة إلى إمكان تحديد الخيار بما لم يتضرّر منه من عليه الخيار، لكن


1- فرائد الأصول: 380.

ص: 347

لا بما يرجع تحديده إلى الفور العرفي، بل بما هو أوسع منه و أعمّ منه.

[الخامس خيار التأخير]

قوله: «ظهور الأخبار في الفساد في محلّه».

[أقول:] فيه أوّلا: إمكان منع أظهريّة الأخبار (1) في نفي الصحّة من نفي اللزوم بعد تعذّر نفي الحقيقة التي هي الحقيقة، للمساواة و عدم الأقربيّة.

و ثانيا: سلّمنا أقربيّة نفي الصحّة من نفي اللزوم بعد تعذّر نفي الحقيقة، إلّا أنّ في خصوص المقام قرائن صارفة له عن نفي الصحّة إلى نفي اللزوم.

منها: ورود النفي فيها مورد توهّم اللزوم المقتضي لنفي اللزوم لا الصحّة.

و منع المستند (2) ورودها مورد توهّم اللزوم بقوله: «بل يمكن أن يكون مورد توهّم الصحّة» ممنوع جدّا، كما يشهد به محاجّة ابن الحجّاج المتقدّمة (3).

و منها: حمل سائر نصوص الخيارات- التي منها خيار ما يفسد ليومه، بقوله: «فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل و إلّا فلا بيع له» (4)- على نفي اللزوم لا الصحّة قرينة حمل نصوص الباب (5) أيضا على نفي اللزوم لا الصحّة، لأنّ الأخبار كالقرآن يفسّر بعضه بعضا. بل لم يعهد في شي ء من الخيارات الانفساخ القهري بدون فسخ فعلي و لا قولي حتى تحمل نصوص الباب عليه، إلّا في تلف المبيع قبل قبضه الخارج بالتخصيص أو التخصّص عمّا نحن فيه.

و منها: الشهرة المحقّقة و الإجماعات المنقولة على فهم خيار الفسخ لا الانفساخ القهري من نفي البيع بعد الثلاثة.

قوله: «فلا أقلّ من الشكّ، فيرجع إلى استصحاب الآثار المترتّبة على


1- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.
2- مستند الشيعة 2: 387.
3- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار ح 2، و لم يتقدّم منه «قدّس سرّه الشريف».
4- الوسائل 12: 358 ب (11) من أبواب الخيار ح 1.
5- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 348

البيع».

[أقول:] فيه: أن استصحاب صحّة البيع لا يجامع فرض ظهور نصوص الباب (1) في نفي الصحّة، و لا صرفها عنه إلى نفي اللزوم قطعا، إلّا بالعدول عن فرض الظهور.

قوله: «مندفع بأنّ اللزوم ليس من قبيل الفصل له» (2).

أقول: كيف و لو كان اللزوم من قبيل الفصل له لانتفى الخيار بل الجواز في شي ء من العقود رأسا، حتّى ما كان جائزا بأصل الشرع، و اقتضى حمل كلّ خيار من الخيارات بل و جواز كلّ عقد من العقود الجائزة على فسادها و انفساخها القهري، لا جواز فسخها الاختياري، و هو كما ترى خلاف الضرورة.

قوله: «لا خلاف في اشتراطه ظاهرا».

أقول: بل في المستند (3) و الجواهر (4) نقل الاتّفاق على اشتراط هذا الخيار بعدم إقباض المثمن كاشتراطه بعدم قبض الثمن، فلو تقابضا أو أحدهما فلا خيار بعد الثلاثة و إن أبقاه عند صاحبه، خلافا لما عن الشيخ من عدم اشتراطه، و القول بالخيار عند تعذّر قبض الثمن و إن قبض المثمن (5). و قوّاه في الدروس (6)، لنفي الضرر. و لم يستبعده في المسالك (7).

أقول: و يقوّيه إطلاق نصوص الباب (8) عن اشتراطه، إلّا ما في سؤال بعض


1- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.
2- في المكاسب: الفصل للصحّة.
3- مستند الشيعة 2: 387.
4- جواهر الكلام 23: 53.
5- انظر المبسوط 2: 87 و 148.
6- الدروس الشرعيّة 13: 274.
7- مسالك الأفهام 3: 209.
8- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 349

الموارد الذي لا يخصّص عموم الوارد، و الأصل عدم اشتراط شرط زائد وراء اشتراط عدم قبض الثمن، و حجّية العامّ المخصّص في الباقي.

و أمّا تضعيفه في الجواهر بأنّ البائع هو أدخل الضرر على نفسه بتسليم (1) المبيع.

ففيه: أنّ تسليم البائع المثمن مقدّمة لتسليم ثمنه و جهله بأنّه لا يسلّمه ليس بإقدام على ضرر نفسه قطعا. نعم، مع علمه بأنّه يقبض المثمن و لا يسلّم الثمن إقدام على ضرر نفسه، و لكنّه خارج عن محلّ الفرض و الخيار.

و أمّا تضعيف الجواهر (2) و المستند (3) الخيار أيضا بنفي الضرر بعد قبض المبيع، بأنّه إن أمكن استرداد البائع المبيع حينئذ أخذه مقاصّة عن الثمن، فلا ضرر يوجب نفيه الخيار، و إلّا فلا فائدة في فسخه.

ففيه أيضا: أنّ أخذه مقاصّة قد يوجب ضرر اشتراك المشتري أو غرمائه في العين المقاصّة، بخلاف ما في فسخها من التخصيص بالفاسخ.

و أمّا فائدة الفسخ فلم تنحصر في استرداد المفسوخ، فقد يحصل في القدرة على إعتاقه أو إيقافه أو احتسابه على من في يده أو ذمّته، عن دين أو زكاة أو صدقة أو مظلمة، أو القدرة على نقله إلى من يقدر على استرداده، أو استحقاق ضمانه و ضمان نمائه و غراماته و لو في الآجل دون العاجل.

قوله: «و لا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة».

أقول: لعلّ وجهه البناء على أنّ قوله عليه السّلام: «إن قبّضه بيعه» (4)- بقرينة انطباق جوابه على السؤال عمّن يبيع البيع و لا يقبّضه الثمن و لا المثمن- بمعنى: إن


1- جواهر الكلام 23: 53.
2- المصدر السابق.
3- مستند الشيعة 2: 387.
4- الوسائل 12: 357 ب (9) من أبواب الخيار ح 3، و فيه: قبّض.

ص: 350

و في ببيعه و تقابضا الثمن و المثمن، لا قبض المبيع فقط، و إلّا لم ينطبق الجواب على السؤال.

أو البناء على أنّ قبض المبيع فقط مسقط لخيار الفسخ من حيث نفي ضرر ضمانه على البائع، و لا ينافيه بقاء خياره الفسخ من حيث بقاء ضرر عدم قبض ثمنه، بناء على أن يكون كلّ من عدم قبض الثمن و إقباض المثمن ضررا مستقلّا على البائع و سببا مستقلّا لخياره، و لا يسقط أحدهما بسقوط الآخر، و هو ظاهر عموم نفي الضرر، و محتمل النصوص الخاصّة بخيار ما نحن فيه، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله: «و كلاهما ممكن الارتفاع (1) بأخذ المبيع مقاصّة».

[أقول:] و فيه: قد لا يكون ارتفاع الضرر بأخذه مقاصّة فيما لو استلزم المقاصّة اشتراك المشتري أو غرمائه في العين المقاصّة، فيتعيّن الفسخ لنفي الضرر دون المقاصّة حينئذ.

قوله: «و فيه نظر».

[أقول:] نظرا إلى عدم حجّية فهمي ابني الحجّاج و العيّاش (2) من عدم قبض الثمن عدم قبض مجموعه، و أنّ قبض البعض كلا قبض، لاحتماله عدم قبض شي ء منه، إلّا أنّ عموم نفي الضرر (3) جعل قبض البعض كلا قبض.

قوله: «و القبض بدون الإذن كعدمه، لظهور الأخبار (4) في اشتراط وقوعه بالإذن».


1- في المكاسب: الاندفاع.
2- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار ح 2.
3- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.
4- انظر الوسائل 12: 357 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 351

[أقول:] فيه: إمكان منع الظهور، لأنّه إن كان من خبر ابن يقطين (1) بناء على تشديد «قبّضه» فهو محتمل التخفيف، بل ظاهر فيه و لو بالأصل. و إن كان من اعتبار مجي ء المشتري في سائر أخبار الباب (2) فلا ظهور لها في اعتبار أصل القبض، فضلا عن اعتبار الإذن فيه، إلّا من باب إقامة السبب مقام المسبّب، و هو أعمّ، فلا ظهور في الأخبار.

نعم، هو مقتضى العقل و الاعتبار و الأصل و الآثار، بل القرار و المدار بين المتعاوضين في استحقاق كلّ من العوضين على وجه التقابض من الطرفين، أو اعتبار الإذن من الجانبين، لاتّحاد المقتضي و عدم الفارق في البين.

قوله: «لو كان القبض بدون الإذن حقّا، كما لو عرض المبيع على المشتري فلم يقبضه، فالظاهر عدم الخيار، لعدم دخوله في منصرف الأخبار، و عدم تضرّر البائع بالتأخير».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ مجرّد إقباض المبيع فضلا عن مجرّد عرضه على المشتري لا يوجب حقّية قبض البائع الثمن بلا إذن، إلّا إذا كان عينا شخصيّا، و أمّا إذا كان دينا كلّيا فيتوقّف تعيّنه على تعيين مالكه أو إذنه أيضا.

و ثانيا: المقصود من قوله: «لو كان القبض بدون الإذن حقّا» إن كان قبض البائع الثمن بلا إذن المشتري على وجه الحقّانيّة، فلا وجه لاستظهاره عدم الخيار، لمعلوميّة عدمه، و لا لتعليل عدمه بعدم دخوله في منصرف الأخبار، و بعدم تضرّر البائع بالتأخير، لكون المفروض عدم موضوع لتأخير الثمن مع سبق قبضه بالفرض، إلّا من باب السالبة بانتفاء موضوعه.

و إن كان المقصود به مجرّد إقباض البائع المبيع للمشتري أو تمكينه من


1- الوسائل 12: 357 ب (9) من أبواب الخيار ح 3.
2- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 352

القبض و إن لم يقبض، فلا وجه لفرض موضوع المسألة بقوله: «لو كان القبض بدون الإذن» لزيادة ذلك، و كفاية موضوع المسألة بقوله: «لو عرض المبيع على المشتري فلم يقبضه» (1)، و لا للحكم باستظهار عدم الخيار، لعموم دليل الحكم بالخيار، إلّا في سؤال مورد لا يخصّص عموم الوارد، و لا لتعليل عدم خياره بعدم تضرّره بالتأخير، لأنّ عدم تضرّر البائع بتأخير قبض المشتري المبيع، مع فرض عرضه عليه بواسطة ارتفاع ضمانه عنه، لا ينفي تضرّره بتأخير الثمن الذي هو عمدة سبب الخيار، الظاهر من نصوص الأخبار في المضمار.

قوله: «لأنّ هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة».

[أقول:] يعني: أنّ تغيير التعبير بقبض البائع و إقباضه ليس من جهة اعتبار الإذن في قبض المبيع و عدم اعتباره في قبض الثمن، بل هو من جهة اختلاف معنى الفعلين المستندين إلى فاعل واحد باللزوم و التعدية، كالتسليم و التسلّم و التعليم و التعلّم، و لهذا لو أسندتهما إلى البائع قلت: قبض البائع الثمن و أقبض المبيع، و لو أسندتهما إلى المشتري انعكس التعبير و قلت: قبض المشتري المبيع و أقبض الثمن، و لو أسند كلّ من الفعلين إلى فاعله لم يختلف التعبير و قلت: قبض البائع الثمن و قبض المشتري المبيع، أو أقبض البائع المبيع و أقبض المشتري الثمن. فعلم أنّ اختلاف التعبير لاختلاف معنى الفعلين المسندين إلى فاعل واحد، لا لاعتبار الإذن في قبض المثمن دون الثمن، و لهذا ينعكس التعبير بانعكاس الفاعل، و يتّحد التعبير باختلاف الفاعل.

قوله: «و هو القبض في الأوّل، و الإقباض في الثاني. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ اختلاف الفعلين و لو فرض لأجل اختلاف الشرط في البين لا اختلاف نفس الفعلين المسندين، إلّا أنّ تنقيح المناط المفهوم و اتّحاد


1- المكاسب: 245.

ص: 353

السبب المعلوم يقتضي اتّحاد الحكم من الجانبين، و اعتبار الإذن في القبضين، لاتّحاد السببين، و انتفاء الفرق في البين، و عدم استحقاق البيّعين قبض أحد العوضين إلّا بالتقابض من الطرفين، أو الإذن من أحد الجانبين.

قوله: «و هل هي كاشفة، أو مثبتة؟ أقواهما الثاني».

[أقول:] لعدم سبق هذه الإجازة بما يصلح كونه مكشوفا عنها من الأسباب و النواقل الشرعيّة، بخلاف إجازة الفضولي، فإنّها مسبوقة بما يصلح له من العقد الفضولي و الناقل الشرعي و السبب الجعلي.

قوله: «و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال: لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمّة» (1).

[أقول:] فيه: أنّ نفي الفرق في الثمن، ظهوره (2) في ثبوت الفرق في المثمن مبنيّ على ثبوت المفهوم لما هو غير معلوم، لعدم ظهور إثبات شي ء في نفي ما عداه.

قوله: «و قال في الغنية (3) .. إلخ».

أقول: استظهار اعتبار العينيّة و عدم الكليّة في مبيع خيار التأخير من لفظ القبض في قوله: «المشتري إذا لم يقبض المبيع»، و من لفظ البقاء في قوله: «إذا كان المبيع يصحّ بقاه»، و من لفظ التلف في قوله: «إن تلف المبيع قبل الثلاثة» الظاهرة هذه الألفاظ المتعلّقة بالمبيع، بل الصريحة جدّا فضلا عن الظهور، في المبيع العينيّ الشخصي لا الكلّي.

و لكن مع ذلك يرد عليه بأنّ إثبات خيار التأخير للمبيع الظاهر بل الصريح


1- جامع المقاصد 4: 298.
2- كذا في النسخة الخطّية، و لعلّ الصحيح: و ظهوره.
3- غنية النزوع: 219.

ص: 354

في الشخصي لا يستلزم نفيه عن المبيع الكلّي، بعد عموم نفي الضرر و الضرار (1)، و إطلاق نصوص الخيار (2)، و كون خصوص المورد لا يخصّص عموم الوارد.

مضافا إلى أنّ تقييد المبيع في خيار التأخير بالعين الشخصي لو سلّم فهو وارد مورد الغالب، فلا مفهوم له عرفا في نفي خياره عن المبيع الكلّي، لا في شي ء من الفتاوى و لا في معاقد الإجماع، بل و لا في نصوص الباب (3) مطلقا.

قوله: «و أمّا حديث نفي الضرر (4) فهو مختصّ بالشخصي، لأنّه المضمون على البائع- إلى قوله- بخلاف الكلّي.

[أقول:] و فيه: منع اختصاصه بالشخصي، لما عرفت من أن ضرر الضمان و إن اختصّ بالمبيع الشخصي، إلّا أنّ ضرر تأخير الثمن الذي هو عمدة الضرر و الضرار و سبب ثبوت الخيار باق في الكلّي، فيعمّه النفي، لعموم المنفي.

قوله: «و المطلق المنصرف إلى بعض أفراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق [منه] (5) إلى القرينة».

[أقول:] فيه: أنّ كلمة «لا» من قوله: «لا يحوج» زائدة، لأنّ المطلق المنصرف إلى بعض أفراده يحتاج إرادة المطلق منه إلى القرينة، إلّا أن يراد من المطلق لفظه أو الفرد الشائع منه المنصرف إليه.

قوله: «فلا يمكن هنا دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجي بأصالة عدم القرينة. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ إرادة الخصوصيّة الموقوفة على القرينة، و المدفوعة


1- وسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.
2- انظر الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.
3- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.
4- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار ح 3 و 4 و 5.
5- ما بين المعقوفتين لم يرد في المكاسب.

ص: 355

بأصالة عدم القرينة و عدم الانصراف و عدم الصارف، إنّما هي الخصوصيّة و الانصراف الطارئ على عموم اللفظ و إطلاقه، و أمّا الخصوصيّة و الانصراف الأصلي أو الوضعي الطارئ عليه العموم و إطلاق اللفظ، كما هو المفروض و الظاهر من تنظيره بالمجاز المشهور و المطلق المنصرف إلى بعض أفراده لا جعله منها، فلا يتوقّف على القرينة، و لا يمكن دفعه بأصالة عدم القرينة و عدم الانصراف و عدم بلوغه حدّ الشياع و الشهرة. فتأمّل، فإنّ الشأن في ثبوت كون خصوصيّة الشي ء و انصرافه إلى خصوص الموجود الخارجيّ الشخصي بالوضع الأوّلي و الانصراف الأصلي، بعد فرض صحّة إطلاق لفظ الشي ء على الكلّي أو على ما يعمّه، و أصالة عدم النقل.

قوله: «و ربما ينسب التعميم إلى ظاهر الأكثر».

أقول: و إن نسب الجواهر (1) التعميم إلى الأكثر، حملا لعباراتهم المقيّدة بالمعيّن على النقد لإخراج النسيئة لا الكلّي، إلّا أنّ الأظهر نسبة التعميم إلى الكلّ، و حمل المقيّد بالمعيّن ظاهرا أو صريحا من الفتاوى و النصوص (2) كلّها على الورود مورد الغالب، لأنّ الغالب المتعارف في المبايعات و المعاملات بيع الأعيان الشخصيّة لا الكلّيات، إلّا ما شذّ من بيع السلف، و من المعلوم كما أنّ المطلق المنصرف إلى الغالب لا إطلاق فيه بل يعمّ الضرر و النادر، كذلك التقييد الوارد مورد الغالب لا مفهوم له يخرج الفرد النادر، بل يعمّه عموم الحكم.

قوله: «لدلالة النصّ (3) و الفتوى على لزوم البيع في الثلاثة، فيختصّ بغير صورة ثبوت الخيار له».

[أقول:] حذرا من لزوم اجتماع الحكمين المختلفين المتضادّين، و هو


1- جواهر الكلام 23: 55.
2- انظر الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.
3- الوسائل 12: 356 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 356

اللزوم في الثلاثة مع ثبوت الخيار فيها الذي هو عدم اللزوم.

قوله: «و دعوى أن المراد من الأخبار اللزوم من هذه الجهة».

[أقول:] أي: من جهة تأخير الثمن في الثلاثة، لا مطلقا حتّى ينافي الخيار فيها من جهة أخرى، كشرط أو غبن أو عيب.

قوله: «مدفوعة بأنّ التأخير سبب للخيار، و لا يتقيّد الحكم».

[أقول:] يعني: التأخير جهة تعليليّة للحكم بالخيار، لا جهة تقييديّة حتّى يقيّد الحكم به، و يوجب تقييده تنوّع الحكم و تكثّره الموجب لرفع التناقض، كجهتي حكم العالم بالإكرام و عدم الإكرام من جهة العدالة و الفسق، الجامعة للحكمين المختلفين، و الرافعة للتناقض في البين، بخلاف الجهة التعليليّة، فإنّ تقييد الحكم بها لا يصحّح الاجتماع بين المتناقضين، و لا يرفع التناقض عن البين، كأكرم العالم من جهة علمه و لا تكرمه من جهة فسقه. و لكن ذلك ممنوع جدّا.

قوله: «و أمّا ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب، فلا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرّر بالتأخير».

[أقول:] وجه عدم منعه: أنّ الممنوع تقييد الحكم به هو الجهة التعليليّة التي لا تكثّر الحكم، و لا توجب تعدّده، و صحّة اجتماع المتناقضين باختلاف الجهتين، و أمّا جهة حكم الخيار فهي جهة تقييديّة لا تعليليّة، و لهذا يصحّ اجتماع كلّ خيار مع خيار آخر و عدمه بواسطة تعدّد الجهات الموجبة لها نفيا و إثباتا، فكذلك يجتمع لزوم العقد في الثلاثة مع خيار خاصّ من جهة وجود سببه، و عدم خيار آخر من جهة عدم وجود سببه، جمعا بين السببين، و عدم المانع في البين، و تقييد الحكم بالجهتين.

قوله: «مع أنّه أولى بالجواز».

ص: 357

[أقول:] وجه الأولويّة: تقدّم سبب خيار الشرط، و هو الشرط في ضمن العقد، و إن تأخّر حكمه عن التفرّق بالفرض، بخلاف خيار التأخير، فإنّه متأخّر عن الثلاثة سببا و مسبّبا، فإسقاطه قبل الثلاثة إسقاط ما لم يجب.

قوله: «بأن لا يعود لازما أبدا. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ التعويل على هذه الأنسبيّة الاعتباريّة دون العرفيّة في مقابل ما يفضي بالفور بعيد. هكذا نقل بعض الأساتيد (1) عن أستاده المصنّف في وجه التأمّل.

و فيه: أن الأنسبيّة عرفيّة لا محيص عنها عرفا، و أنّ عموم نفي اللزوم بالتأخير حاكم على عموم لزوم الوفاء. مضافا إلى أنّ استصحاب حال المخصّص مقدّم على استصحاب حال المخصّص، حسب ما تقدّم، بل و أولى.

قوله: «فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ إليه حقّه».

[أقول:] أي: المشتري ضامن لحقّ البائع حتّى يردّ عليه حقّه، أي: الثمن.

قوله: «كأنّه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين».

[أقول:] أي: في إفادة تقييد الأولى بما قبل القبض و الثانية بما بعده تعميم الثالثة لصورتي الهلاك قبله أو بعده، خصوصا مع التصريح بالتعميم على كلّ حال.

قوله: «مناف لتعليل الحكم .. إلخ».

أقول: بل هو مناف لمقتضى التعليل أيضا، لأنّ ثبوت الخيار للبائع بعد الثلاثة يقتضي أن يكون ضمان المبيع على المبتاع لا البائع، بقاعدة أنّ تلفه في زمان الخيار ممّن لا خيار له، إلّا أن يريد من التعليل بالخيار الفسخ به.

قوله: «و أحسن تلك العبارات عبارة الصدوق .. إلخ».


1- غاية الآمال في شرح كتاب المكاسب: 504.

ص: 358

[أقول:] فإنّ تعبيره بأنّ: «العهدة فيما يفسد ليومه يوم» (1) بمعنى: عهدة الضمان و الصبر على لزوم البيع يوم على البائع، أحسن من تعبيراتهم الأخر في النهاية (2) و غيرها (3) بأنّ خيار ما لا يصحّ عليه البقاء يوم، فإنّ التعبير عن عدم خيار الفسخ للبائع يوما بخيار المشتري يوما- بمعنى اختياره تأخيره القبض و الإقباض- خلاف ما اصطلح عليه عرفا بل و شرعا، من كون الخيار إمّا جواز تأخير القبض و الإقباض، و إمّا ملك حقّ الفسخ، و ليس للمشتري خيار يوم بأحد المعنيين، إلّا بتأويل كون المراد من خياره هو عدم خيار البائع في اليوم على الفسخ، و لزوم البيع عليه فيه، و إن أخّر المشتري حقّه فيه عصيانا من غير حقّ له في التأخير.

و منه علم أنّ أبلغ التعابير و إن بلغت في البلاغة ما بلغت إنّما هو تعبير النصوص بأنّ: «ما يفسد ليومه فإن جاء بالثمن ما بينه و بين الليل، و إلّا فلا بيع له» (4)، فإنّه لسان (5) الخالق و فوق لسان المخلوقين إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْيٌ يُوحىٰ (6).

[السادس خيار الرؤية]

قوله: «خيار الرؤية، و استدلّ عليه بأخبار .. إلخ».

أقول: و إن كان ما ذكر المصنّف منها هو الأصحّ، إلّا أنّ الأصرح منها ما في المستند من النبويّ المنجبر «من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار» (7)، و ما عن التذكرة عن طريق الخاصّة: «سألوا عن بيع الجرب الهرويّة، فقال: لا بأس به إذا


1- الفقيه 3: 127 ح 555.
2- النهاية: 385- 386.
3- الوسيلة: 238.
4- الوسائل 12: 358 ب (11) من أبواب الخيار ح 1.
5- كذا في النسخة الخطّية، و لعلّ في الكلام سقطا، و الصحيح: دون لسان الخالق ..
6- النجم: 4.
7- مستند الشيعة 2: 388.

ص: 359

كان لها بارنامجه، فإن وجدها كما ذكرت و إلّا ردّها» (1).

قوله: «في الصحيح: عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن منهال القصّاب (2)، و هو مجهول».

[أقول:] هذا تعريض على كون التصحيح غير صحيح. أو أن المراد بالصحيح الصحيح إلى ابن الحجّاج، لا الصحيح إلى آخر السند.

قوله: «و لم أعلم (3) وجه الاستشهاد به لما نحن فيه .. إلخ».

أقول: وجهه و لو بقرينة فهم الأصحاب و استشهاد المحدّثين به- كالوسائل (4) و غيره (5)- هو حمله على شراء سهم معيّن و لكن بالوصف لا الرؤية و لا المشاع، و حمل «لا تشتري» و «لا يصلح» على الإرشاد أو على الكراهة جمعا، خصوصا بقرينة قوله عليه السّلام: «يكره شراء ما لم تره» (6)، و كون الأخبار كالقرآن يفسّر بعضه بعضا.

قوله: «و لا يخفى بعده، و أبعد منه دعوى عموم الجواب».

[أقول:] وجه الأبعديّة: أنّه- مضافا إلى بعد حمل المشتري في السؤال على البائع- يكون إرجاع الضمير في الجواب بقوله: «لكان له فيها خيار الرؤية» (7) إلى الأعمّ من البائع و المشتري بعدا في بعد، بل خارجا عن قانون العرف و الاستعمال.

نعم، لا بأس بإلحاق البائع بالمشتري في خيار الرؤية بعموم نفي الضرر:


1- تذكرة الفقهاء 1: 524.
2- الكافي 5: 223 ح 2، التهذيب 7: 79 ح 339.
3- في المكاسب: لم يعلم.
4- الوسائل 12: 62 ب «15» من أبواب الخيار ح 2.
5- الكافي 5: 223 ح 3، و الفقيه 3: 146 ح 643، التهذيب 7: 79 ح 340.
6- الوسائل 12: 365 ب «18» من أبواب الخيار ح 2.
7- الوسائل 12: 361 ب «15» من أبواب الخيار ح 1.

ص: 360

و تنقيح المناط، و الإجماع المركّب، و عدم القول بالفصل عندنا.

قوله: «إذا باع ما يملك و ما لا يملك و غير ذلك. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى إمكان الفرق بين المقيس و هو شراء العين المفقود وصفه أو شرطه، و بين المقيس عليه و هو المفقود صحّته أو تبعّض صفقته، بأنّ المبيع في المقيس عليه من قبيل تعدّد المطلوب، ينحلّ بحسب أوصاف المبيع و أجزائه إلى بيوع عديدة، بخلاف المقيس فيما نحن فيه، فإنّه متّحد المطلوب، و المقصود منه مبيع واحد، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فيبطل.

إلّا أنّ هذا الفرق على تقدير تسليمه غير فارق، بعد فرض النصّ و الإجماع على صحّة البيع في الفرضين، و تسوية الحكم على التقديرين، و انتفاء الفارق في البين.

نعم، يبقى إشكال الفرق بين الشرط الفاقد و الفاسد، حيث إنّ فاقد الشرط غير مبطل للبيع، و فاسدة مفسد له.

و يندفع هذا الإشكال على تقدير هذا الفرق بأنّ فارقة النصّ، بأنّ كلّ شرط جائز إلّا ما حرّم حلالا أو حلّل حراما (1)، إلى غير ذلك.

قوله: «و إن خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الربا. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى إمكان منع مخالفة الضابط التغاير في باب الربا أوّلا.

و استناد المخالفة على تقديرها إلى المخرج الخارجي من إجماع أو نصّ ثانيا.

قوله: «يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا».

أقول: هذا مبنيّ على فوريّة هذا الخيار، و إلّا فعلى التراخي، كما هو الأظهر، و إن لم يكن الأشهر- فلا يسقط بترك المبادرة.

قوله: «لم يلزم، لتعلّق الخيار بالرؤية».


1- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 5.

ص: 361

[أقول:] و فيه: ما تقدّم من أنّ ظهور كلّ خيار متعلّق بظهور سببه المتأخّر من عيب أو غبن أو تأخير أو رؤية أو خلف شرط، و لكن على وجه الكاشفيّة عن السبب الواقعيّ المتقدّم، و هو العقد أو ما في ضمنه من وصف أو شرط أو غبن أو عيب، لا على وجه السببيّة المحدثة.

قوله: «ثمّ إنّه قد يثبت فساد هذا الشرط .. إلخ».

أقول: بل يمكن أن يثبت بوجه ثالث أيضا، و هو مخالفة هذا الشرط للسنّة. و لكن الإنصاف أنّ كلّا من وجوه بطلان هذا الشرط ضعيفة جدّا، فضلا عن إبطاله المشروط، بل الأقوى الصحّة، و دونه القول بالتفصيل الثالث، و هو فساد الشرط دون المشروط، لوجود المقتضي للصحّة، و هو عموم أدلّة الشرط (1)، و عدم ما يصحّ للمانعيّة من وجوه الفساد.

أمّا وجه (2) مخالفة اشتراط سقوط هذا الخيار للسنّة- كما استند إليه المستند (3)- فلمنع المخالفة، لقوله عليه السّلام: «كلّ شرط جائز إلّا ما حرّم حلالا أو حلّل حراما» (4) كيف و لو كان اشتراط سقوط هذا الخيار مخالفا للسنّة لكان اشتراط سقوط سائر الخيارات بأسرها مخالفا لها؟ و لزم الاستناد في صحّتها إلى فارق النصّ المخصّص، بل التخصيص بالأكثر.

و أمّا وجه كون اشتراط سقوطه اشتراطا لما لم يجب، فمبنيّ على مثبتيّة الرؤية للخيار، و قد عرفت كاشفيّته.

و أمّا وجه مخالفة هذا الشرط لمقتضى العقد، من حيث إنّ المصحّح النافي لغرره المفسد إنّما هو الوصف، فاشتراط عدم الاعتداد به رجوع إلى الغرر


1- الوسائل 12: 352 ب (6) من أبواب الخيار.
2- كذا في النسخة الخطّية، و لعلّ الصحيح: .. وجه منع مخالفة ..
3- مستند الشيعة 2: 388.
4- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 5.

ص: 362

المفسد، كما عن جامع المقاصد (1)، أو رجوع إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود الصفات و عدمها، كما قرّره الماتن (2).

ففيه: منع المخالفة و المنافاة بين اشتراط الوصف و اشتراط عدم الفسخ به، ضرورة أنّ المنافي لاشتراط الوصف المسوّغ للبيع و النافي للغرر و الجهل المانع عنه إنّما هو اشتراط سقوط موضوع الوصف الثابت به، و إثبات الغرر و الجهل المنفيّ عنه، الخارج عن محلّ الكلام. و أمّا اشتراط عدم الفسخ و سقوط حكم الخيار عنه، و إثبات حكم اللزوم و الالتزام بالبيع الموصوف المعلوم بالوصف الذي هو محلّ الكلام، فليس بمناف و لا بمخالف إلّا للحكم بالخيار، لا لموضوعه المعلوم بالوصف المسوّغ حتى يرجع إلى الغرر و الجهل المانع. فاشتراط السقوط المنافي خارج عن محلّ الكلام، و الذي هو داخل في محلّ الكلام غير مناف قطعا، كيف و لو كان منافيا لصحّح اشتراط الخيار كلّ بيع مجهول غرريّ باطل، و أبطل اشتراط سقوطه كلّ بيع معلوم صحيح، و لزم أن يكون اشتراط سقوط كلّ خيار- حتّى خيار المجلس و الحيوان و الغبن و التأخير و غيرها، خصوصا خيار العيب، خصوصا ما ليس لمعيوبه قيمة- شرطا فاسدا و مفسدا للبيع، و اللازم باطل فالملزوم مثله.

و أمّا دعوى المصنّف الفرق بينهما بقوله: «بأنّ نفي العيوب ليس مأخوذا في البيع على وجه الاشتراط» إلى أن جعل الضابط الكلّي في الفرق. قوله: «كلّ وصف تعهّده البائع و كان رفع الغرر به لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، و كلّ وصف اعتمد المشتري في رفع الغرر على أمارة أخرى كالأصل (3) أو الغلبة جاز


1- جامع المقاصد 4: 303.
2- المكاسب: 251.
3- في المكاسب جملة: «كالأصل أو غلبة مساواة ..» متأخّرة عن: «خيار فقده» في نهاية العبارة.

ص: 363

اشتراط سقوط خيار فقده».

ففيه: أنّ الفرق المذكور غير فارق بين التعهّدين، لانتفاء الفرق في البين، و عدم التنافي بين الشرطين، لاختلاف متعلّقي النفي و الإثبات في البين، و لهذا لو بيع بوصف الصحّة مشترطا سقوط خيار عيبه لو ظهر معيبا صحّ البيع و الشرط أيضا، و لم يكن وجها لبطلانه فضلا عن إبطاله.

و كما أنّ هذا الفارق غير فارق بينهما، كذلك جعل النصّ و الإجماع فارقا بين الشرطين من حيث الصحّة و الفساد المشار إليه بقوله: «مع إمكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع، خرج اشتراط التبرّي من العيوب بالنصّ (1) و الإجماع، لأنّ قاعدة نفي الغرر قابلة للتخصيص».

فيه: منع فارقيّة هذا الفرق أيضا أوّلا: بأن حكمهم بصحّة كلّ ما يصحّ اشتراط سقوط خياره من الخيارات على كثرتها مستند إلى قاعدة عموم أدلّة الشرط، لا إلى الخروج عن قاعدة نفي الغرر بنصّ أو إجماع مخصّص، كما لا يخفى على الخبير.

و ثانيا: بأنّ الالتزام بخروج اشتراط سقوط كلّ خيار- من المجلس و الحيوان و الغبن و التأخير و العيب- بالتخصيص عن عموم فساد اشتراط سقوط الخيار و عموم قاعدة نفي الغرر، من قبيل التخصيص بالأكثر المستهجن عرفا.

قوله: «و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق- إلى قوله- (2) انتهى».

[أقول:] أي: انتهى اعتراض الحدائق. وجه ضعفه: أنّ تفصيله في الفساد و عدمه بين ظهور الموصوف على الوصف و عدمه إنّما يناسب لو أريد من الفساد


1- الوسائل 12: 419- 420 ب (8) من أبواب أحكام العيوب.
2- الحدائق الناضرة 19: 59.

ص: 364

فساد البيع المشروط، و أمّا إذا أريد به فساد الشرط و لو أفسد المشروط، كما صرّح به المصنّف (1)، و استظهره المعترض بقوله: «و الأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور، حيث لا تأثّر له مع الظهور و عدمه» (2)، فلا يتفاوت مع ظهور الوصف و عدمه.

و لكن مقتضى الفقاهة كون المسألة ذات وجوه ثلاثة: فساد الشرط المفسد للمشروط، و عدمه، و صحّته.

أمّا فساد الشرط فلمنافاة اشتراط البدل، مع ظهور مخالفة الوصف لمقتضى العقد الواقع على البدل الموصوف الشخصي لا الكلّي القابل للبدل.

و أمّا وجه إفساد المشروط فلقاعدة الملازمة الآتية في أن الشرط الفاسد مفسد لمشروطه.

و أمّا وجه عدم إفساد المشروط فلمنع الملازمة كلّية، أو في خصوص المقام، فيلغو الشرط دون المشروط، فيصحّ البيع دون شرطه. أمّا مع ظهور الوصف فلعموم الوفاء بالعقد (3)، و أمّا مع مخالفة الوصف فلعموم دليل خيار الرؤية له.

و أمّا وجه القول بصحّة الشرط فلعموم أدلّة كلّ شرط جائز، و عدم مانعيّة ما قيل بمانعيّته من قوله: «لأنّ البدل المستحقّ عليه بمقتضى الشرط .. إلخ».

لما فيه أوّلا: من إمكان كون البدل من مقتضيات اشتراطه، لا بإزاء المشروط المخالف للوصف حتّى يرجع إلى معاملة تعليقيّة غرريّة، و لا بإزاء عوضه حتّى يرجع إلى معاوضة جديدة عند المخالفة.

و ثانيا: بإمكان فرض اشتراط البدل عند المخالفة قرينة وقوع العقد على الموصوف الكلّي القابل للتبديل، لا الشخصي غير القابل.


1- المكاسب: 252.
2- المكاسب: 252.
3- المائدة: 1.

ص: 365

و ثالثا: لو سلّمنا فساد هذا الشرط، و سلّمنا ملازمة فساده لفساد المشروط كلّية، إلّا أنّه مع ذلك يمكن تصحيح هذا المشروط بخصوصه، بتخصيص ملازمة فساد الشرط لفساد المشروط بعموم أدلّة خيار الرؤية (1) مع خلف الوصف.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ أظهر وجوه المسألة هو القول بصحّة الشرط و المشروط، لعموم أدلّة الشرط (2)، و صحّة العقود المشروطة. و دونه القول بصحّة المشروط و لو فسد شرطه و لغا، لعموم أدلّة صحّة العقود و وجوب الوفاء، و عموم أدلّة خيار الرؤية عند المخالفة، لشمول العمومين للمقام.

قوله: «لأنّه لو لم يحكم بالخيار مع تبيّن المخالفة، فإمّا أن يحكم ببطلان العقد .. إلخ».

أقول: لا حاجة إلى كلفة الاستدلال بذلك على عموم خيار الرؤية لكلّ عقد، بل يكفي الدليل عليه إطلاق أدلّة الخيار، و عموم: «لا ضرر و لا ضرار» (3)، و تنقيح المناط و المدار، و عدم الفرق في المضمار.

قوله: «و اللزوم من أحكام البيع المتعلّق بالعين على الوجه الثاني، و الأصل عدمه».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّه لا مجرى لأصالة عدم وجود الوصف في العين المبيعة إذا كان من الأوصاف غير المسبوقة بالعدم، كحسن الجارية و جمالها و شبابها و بكارتها و ذكائها و عقلها و شعورها، و سائر أوصافها الذاتيّة التي يكون الشكّ فيها شكّا في الحادث، لا الحدوث المسبوق بالعدم، من الأوصاف العرضيّة كالكتابة و المعرفة و الخياطة، حتّى يكون الأصل عدمه عند الشكّ.

و ثانيا: لو سلّمنا مجرى الأصل، لكنّه مثبت لموضوع الخيار، و هو عدم


1- الوسائل 12: 361 و 364 ب «15 و 18» من أبواب الخيار.
2- الوسائل 12: 352 ب (6) من أبواب الخيار.
3- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.

ص: 366

كون المبيع على الوصف، و عدم وجدانه عليه، و من المقرّر عدم حجّية الأصل المثبت.

و ثالثا: أنّ أصالة عدم كون المبيع على الوصف معارض بأصالة عدم خيار المشتري، و عدم انفساخ البيع اللازم بفسخه، خصوصا على القول بحدوث خياره بالرؤية دون كاشفيّة الرؤية عنه.

و رابعا: لو سلّمنا كون الأصل مع المشتري، إلّا أنّ المنكر في المقام في العرف و الشرع هو البائع لا المشتري، فيقدّم قوله بيمينه.

قوله: «و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم القبول، و بقي على مال البائع، و كان للمشتري الخيار في المنسوج، لتبعّض الصفقة عليه».

أقول: فيه و إن كان الفرق من حيث الموضوع بين الصورتين كون الأخيرة من قبيل ضمّ المبيع الكلّي الموصوف إلى الشخصيّ المشاهد المحسوس، و غيرها من قبيل ضمّ المبيع الشخصيّ الموصوف إلى الشخصيّ المحسوس، إلّا أنّه لا فرق بينهما من حيث الحكم بالصحّة، لانتفاء مانع الغرر و الجهل في المبيع المعيّن بالوصف و لو كان كلّيا، و لا في ثبوت خيار الرؤية فيه مع تخلّف الوصف و لو كان كلّيا أيضا، و لا في خيار تبعّض الصفقة لو فسخ بالرؤية البعض غير الموصوف بالوصف و لو كان شخصيّا أيضا، من غير فرق سوى أن للمشتري مع تخلّف وصف الكلّي مطالبة الفرد الواجد للوصف منه، و عدم قبول بدله الفاقد منه، كما له القبول و الفسخ بخيار الرؤية، و مع تخلّف وصف الشخصيّ ليس له مطالبة البدل الواجد للوصف، لخروجه عن المبيع الشخصيّ بالفرض، بل يتعيّن عليه القبول أو الفسخ بخيار الرؤية، كما أنّه لو فسخ بخيار الرؤية البعض الفاقد للوصف كان له خيار تبعّض الصفقة في البعض الآخر الواجد للوصف، في كلّ من الصورتين، لعموم دليل الخيارين، و عدم الفرق في البين.

فتخصيص المصنف خيار تبعّض الصفقة بالصورة الأخيرة، و خيار الرؤية

ص: 367

بغيرها، لا وجه له بعد عموم الخيارين.

[السابع خيار العيب]
اشارة

قوله: «و إن لم ينصرف إليه في غير [هذا] المقام. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الانصراف إن استند إلى خصوص المقام رجع إلى ظاهر الإقدام، و إلّا فلا يختصّ بالمقام.

أو إشارة إلى أنّ الانصراف إلى الصحيح إن استند إلى الإرادة و الدلالة كان مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا على المعيب، فلا يصحّ قبوله عن الصحيح، كما لا يصحّ قبول ما خرج عن جنس المبيع عنه، فكيف يخيّر بينه و بين الردّ؟ و إن استند الصحّة إلى الأمر الخارج عن القصد، كأصالة الصحّة و غلبتها و استصحابها و الحمل عليها تعبّدا، فلم يلزم إرادة الصحيح، بل لزم الغرر و الجهل في نفس المبيع، المانع من صحّة العقد بحسب القصد، إلّا أن يستفاد من نصوص (1) خيار العيب اغتفار هذا النحو من الغرر و الجهل المانع، و استثناؤه من عموم النهي عن الغرر المانع، كما هو الصواب في الجواب عن هذا الريب و الارتياب، لا مجرّد دعوى الانصراف إلى الصحيح، إذ ليس بصريح بل و لا صحيح، و إنّما هو من جهة حكم الشارع عليه بالتصحيح، و حمله على الصحيح كالتصريح.

و لهذا أورد عليه في الجواهر بأنّ اقتضاء الإطلاق السلامة من العيوب شرعا، و أمّا عرفا فلا يخلو من إشكال، خصوصا بعد عدم الانصراف في مثل التكاليف و الوصايا و نحوها، و أصالة السلامة لا تقتضي إرادة السالم من الإطلاق، و إلّا لاقتضت في الجميع، بل لم يكن المعيب بعض أفراد المبيع لو كان كلّيا (2).

قوله: «اشتراط الصحّة في متن العقد يفيد التأكيد .. إلخ».

[أقول:] و فيه: المنع وفاقا لما استوجهه الجواهر (3) بعد [ما] حكاه


1- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار.
2- جواهر الكلام 23: 235.
3- المصدر السابق.

ص: 368

عن المسالك (1) من ثبوت خيار الشرط علاوة على خيار العيب، لأنّ الأصل في تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات و عدم التداخل، و كون التأسيس خيرا من التأكيد، و الإفادة خيرا من الإعادة، ضرورة أنّه لا مانع من اجتماع الجهتين، و العمل بالدليلين غير المتنافيين، بعد تعدّد المقتضي المفروض في البين.

و تظهر فائدة اشتراط الصحّة في جواز الفسخ بعد التصرّف لو ظهر عيب، و في ثبوت خيار العيب لو أسقط خيار الصحّة.

قوله: «لأنّه تصريح بما يكون الإطلاق منزّلا عليه».

[أقول:] فيه أوّلا: منع ذلك، لأنّه تصريح بما يكون الإطلاق مساويا له حكما و شرعا، لا اسما و عرفا حتّى يكون تأكيدا.

و ثانيا: سلّمنا، لكن كونه تصريحا بمقتضى الإطلاق اسما لا يمنع من تعدّد مقتضاهما حكما، أعني: تعدّد الخيار بتعدّدهما، كما هو مقتضى الظاهر و الأصل الأصيل في الأخبار و الآثار و الاعتبار.

قوله: «و هو صعب جدّا».

[أقول:] وجه صعوبته: أنّه مبنيّ على أن يدلّ استحقاق أرش المعيب بعد التصرّف على استحقاقه قبل التصرّف أيضا بالفحوى و الأولويّة. و هو ممنوع جدّا، لوضوح الفرق بإمكان جبر ضرر العيب قبل التصرّف بالردّ، و عدم إمكانه به بعده، فلعلّه الفارق. كما يحتمل أن يكون الفارق هو تعيين الأرش بعد التصرّف، و التخيير بينه و بين الردّ قبله.

قوله: «ينافيه إطلاق الأخبار (2) بجواز أخذ الأرش. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى دفع ما يقال: من إمكان حمل مطلقات أخذ الأرش على


1- مسالك الأفهام 3: 282.
2- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار.

ص: 369

المقيّدات بما بعد التصرّف في المعيب لا قبله بأنّ تخيير المطلق بين الردّ و أخذ الأرش مانع من تقييده بما بعد التصرّف، بل معيّن لتقييده بما قبله لامتناع الردّ بعده شرعا أو عادة.

قوله: «و المرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد الأمرين إلى (1) القواعد.

فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ مقتضى قاعدة لزوم العقد و أصالة عدم الخيار إلّا بظهور العيب لا يقاوم أخبار الخيار و ترتّب الآثار و ما يقتضيه الاعتبار في ثبوته بنفس السبب السابق لا بظهوره اللاحق.

أو إشارة إلى دفع ما يقال: من عدم ترتّب فائدة الخيار قبل ظهور سببه بالمنع و ثبوت فوائد كثيرة عليه، منها: إسقاط الردّ بالتصرّف و الخيار بالإسقاط و انفساخه بالفسخ قبل ظهوره على القول بثبوته قبله، و عدم ذلك على القول بعدمه.

[القول في مسقطات هذا الخيار]
[مسألة يسقط الرد خاصة بأمور]

قوله: «إقامة البيّنة على اتّحاد معنى الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا المعنى مشكلة».

[أقول:] وجه الإشكال: أنّ اختلاف الخيارين و افتراق السببين و الجهتين مانع من اتّحاد المسقطين بالمقايسة في البين، بل يقتضي الرجوع في كلّ من المسقطين إلى ما يقتضيه دليله الخاصّ به من النصّين.

أمّا اختلاف السببين و الجهتين فلأنّ سبب خيار الحيوان الإرفاق على المشتري بما قد يبدو له من اختلاف الأغراض و الرغبات، و سبب خيار العيب رفع الضرر المعيب الّذي قد يستوعب تمام قيمة الصحيح، و لا يبقى للمعيب قيمة أصلا، و لعلّه لأجل اختلاف السببين اختلف حكم الخيارين بإضافة خيار الأرش


1- في المكاسب: «هي القواعد».

ص: 370

إلى خيار الردّ في خيار العيب دون خيار الحيوان و غيره، و عدم إسقاط الردّ في خيار العيب بمطلق التصرّف المسقط لخيار الحيوان و غيره، بل يختصّ سقوطه بالتصرّف المغيّر له اسما كقطع الثوب، أو وصفا كصبغه، أو حكما كبيعه و وقفه، كما هو ظاهر المرسل (1) و الصحيح (2)، فأحدث فيه شيئا، فإنّ ظاهر إطلاق الحدث فيه المسقط لخيار الردّ في العيب لا يشمل ما عدا هذا النحو من التصرّفات المغيّرة، خصوصا إذا كانت بقصد الاختيار، أو لا عن قصد و لا عن رضا.

و أمّا إطلاق الحدث عليها و إسقاط الخيار بها في خيار الحيوان و نحوه فإنّما هو من باب الإلحاق بالحدث المسقط للخيار حكما لا اسما، كإلحاق النظر به أيضا تنزيلا له منزلة الرضا مع عدم صدق الحدث و التصرّف عليه قطعا، فيقتصر في الحكم المخالف على موضعه، فإسقاط الردّ بمطلق التصرّف و لو لم يغيّر في خيار الحيوان و إن استلزم إسقاطه في خيار الشرط و نحوه لاتّحاد المناط لكنّه لا يستلزم إسقاطه به في خيار العيب للفرق، كما أنّ إسقاط الردّ في خيار العيب بمطلق التصرّف المغيّر و لو لم يدل على الرضا في خيار العيب لا يستلزم إسقاطه به في خيار الحيوان و نحوه، لوجود الفارق.

فظهر من ذلك أنّ التصرّف المسقط للردّ في خيار العيب و إن قيّد في نصوصه (3) بالمغيّر لا الأعمّ منه لكنّه مطلق من حيث الدلالة على الرضا و عدمه، و في خيار الحيوان بالعكس فإنّه مقيّد بما يدلّ على الرضا، لكنّه مطلق من حيث المغيّر و عدمه.

قوله: «و في نهوض ذلك كلّه لتقييد إطلاق أخبار الردّ- إلى قوله:- نظر،


1- الوسائل 12: 363 ب «16» من أبواب الخيار ح 3.
2- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار ح 2.
3- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار.

ص: 371

بل منع».

[أقول:] وجه النظر بل المنع هو ما عرفت من أنّ اختلاف السببين و الجهتين بين الخيارين مانع من اتّحاد المسقطين و المقايسة في البين، كما هو ظاهر الأخبار، و اختلاف الآثار في حكم الخيار و قضاء الحكمة و الاعتبار فَاعْتَبِرُوا يٰا أُولِي الْأَبْصٰارِ (1) للأحكام أنظار و أسرار، لا يحيط بها الأفهام و الأفكار، فكيف يحاط بالقياس و الأنظار؟

قوله: «و هو أيضا لا يخلو عن شي ء، لعدم صدق التصرّف و الإحداث المسقط للخيار على مثل الانعتاق القهري».

[أقول:] و فيه: أنّه و إن لم يصدق عليه التصرّف و الإحداث إلّا أنّه يصدق عليه أنّه غير قائم بعينه بعد الانعتاق القهري، كما يصدق عليه لو مات قهرا بآفة سماويّة.

قوله: «هذا ما يخطر بالبال عاجلا (2) في معنى هذه الفقرة».

أقول: حمل كلام أمير المؤمنين على ما ابتدعه الثاني من البدعة المخالفة لنصّ الكتاب (3) و السنّة (4) في تحريم المتعة و إن كان نظير تقرير الناس على زعمهم الفاسد- كقوله في الخمر و الميسر فِيهِمٰا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ (5) و قوله ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (6) و قول الخليل هٰذٰا رَبِّي (7) هٰذٰا رَبِّي- لكنّه شاذّ نادر، لا يحمل عليه الظاهر من كلام الملك القادر إلّا لضرورة،


1- الحشر: 2.
2- في المكاسب: «عاجلا بالبال».
3- النساء: 24.
4- الوسائل 14: 437 ب «1» من أبواب المتعة ح 4.
5- البقرة: 219.
6- الدخان: 49.
7- الأنعام: 77 و 78.

ص: 372

أو تقيّة، أو مصلحة ملزمة يأبى عنها شواهد الحال و قرائن الأحوال في أمثال هذا المقال و التعليل و الإعلال، فالأولى بل المتعيّن حلّها على الظهور، بأنّ أجرها شرعا أجر فجور لا أجور، و اعتياد السفاح لا النكاح، و الفساد لا الصلاح، كأجر الزانية و المغنّية و القمار، و أكل المال بالباطل، و ثمن العذرة و الميتة و الخمر و الخنزير و الربا، إلى غير ذلك ممّا هو حلال جائز، بل واجب على وجه، و حرام سحت خبيث على وجه آخر.

فلا يقال: ما الفرق بين الربا و البيع، و بين أجر السفاح و النكاح، و بين ما يميته الرحمن أو يميته الإنسان من الحيوان، و بين إبليس و آدم عليه السّلام؟

لأنّا تقول: و اللّٰه أعلم حيث يجعل رسالته و رئاسته و حلاله و حرامه وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (1) أنّ اللّٰه أجلّ من أن يدرك، أو يوصف، أو يتناهى حكم أحكامه، و مصالح حلاله أو حرامه، جلّت حكمته و تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.

قوله: «و هو ظاهر الشيخ في النهاية (2)، حيث قال .. إلخ».

[أقول:] و محلّ هذا الاستظهار هو قوله: «فيلزمه ردّها»، فإنّ لزوم ردّ الحبلى لا يكون إلّا مع بطلان البيع و كون الحبل من المولى حرّا و الجارية أمّ ولد، و إلّا كان له خيار الردّ لا لزومه.

و فيه: أنّ الردّ كما يحتمل أن يكون من جهة اختصاص الردّ بأمّ الولد، كذلك يحتمل أن يكون من جهة إرادتها أو غلبتها بالخصوص لا اختصاص حكم الردّ بها في الفتوى و النصوص، و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.


1- الأحزاب: 36.
2- النهاية: 393.

ص: 373

و منه يعلم أنّ تفصيل الإسكافي (1) و المختلف (2) و الوسيلة (3) فضلا عن إطلاق المبسوط (4) بين تخصيص وجوب الردّ بأمّ الولد و عدم وجوب الردّ بغيرها لا يدلّ على التفصيل المدّعى بين وجوب الردّ و سقوطه، بمعنى حرمته الّذي هو مدّعى المفصّل.

و ممّا ذكرنا ظهر عدم معلوميّة المفصّل و لا التفصيل فضلا عن عدم الدليل عليه في المسألة، و استظهار الإجماع فضلا عن الشهرة، و إطلاق النصوص (5) المستفيضة بل الصريحة على ردّ الحبل و عدم سقوطه بالوطء مطلقا.

قوله: «أحدها: من حيث مخالفة ظهورها في وجوب ردّ الجارية أو تقييد الحمل بكونه من غير المولى .. إلخ».

[أقول:] و فيه أوّلا: إمكان الخروج عن ظهورها في وجوب الردّ بالحبل إذا لم يكن حرّا بقرينة خارجيّة خاصّة من إجماع و نحوه، أو عامّة كوقوعه عقيب توهّم الحظر من غير تقييد الحمل بغير المولى، لأنّ شمول الإطلاق له أيضا كاف في انصرافه عن الوجوب كلّية، أو بالنسبة إلى مورد التوهّم كونه من غير المولى.

و ثانيا: سلّمنا عدم إمكان الخروج عن ظهورها في وجوب ردّ الحبل و لو لم يعلم من المولى، لكن لا ضير فيه و لا محذور في الالتزام به بقاعدة الفراش، و أصالة صحّة الحبل، و غلبة الحرّية، و القواعد الظاهريّة، و المصالح الشرعيّة، و الحكم الكلّيّة، التي هي أجلّ من أن يدركها العقول و الأوهام و أن يحيط بها الأفكار و الأفهام وَ مٰا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلّٰا قَلِيلًا (6).

و ثالثا: سلّمنا، لكن الظاهر يحمل على الأظهر، كما يحمل المجمل على


1- نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة 5: 178.
2- مختلف الشيعة 5: 179.
3- الوسيلة: 256.
4- المبسوط 2: 126.
5- الوسائل 12: 415 ب «5» من أبواب أحكام العيوب.
6- الأسراء: 85.

ص: 374

المبيّن، و المتشابه على المحكم. و من المعلوم أنّ نصوص ردّ الحبل في العموم أظهر من ظهور الردّ في الوجوب، فيحمل عليه، خصوصا بعد التصريح بتعميم الحبلى بقوله: «إن كانت بكرا فعشر قيمتها، و إن كانت ثيّبا فنصف عشر قيمتها» (1) لا يمكن تخصيصها بالحبل من المولى، بخلاف ظهورها في الوجوب.

قوله: «الثاني: مخالفة لزوم العقر على المشتري لقاعدة عدم العقر في وطء الملك .. إلخ».

[أقول:] العقر- بالضمّ- دية الفرج المغصوبة، أو دية وطء الشبهة، ثمّ كثر استعماله في المهر. و فيه: أنّ تخصيص عموم القاعدة بنصوص (2) لزوم العقر على خصوص الرادّ بالحبل غير عزيز، بل ما من عامّ إلّا و قد خصّ، و العامّ المخصّص حجّة في الباقي.

قوله: «الثالث: مخالفة (3) ما دلّ .. إلخ».

[أقول:] و فيه ما في الثاني: من أنّ تخصيص العامّ و تخصيص المخصّص أيضا ليس بعزيز، و العامّ المخصّص حجّة في الباقي.

قوله: «و إلّا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة».

أقول: لعلّ فائدته الاعتذار بجهل البائع عن إغراء المشتري بالجهل و تدليسه و غبنه الموجب لإثمه و حرمة بيعه و خيار المشتري عليه.

و ثانيا: لو سلّمنا ظهور بعض الأخبار (4) في الحبل من المولى، لكن لا يوجب تخصيص عموم الباقي، خصوصا الصريح منها في العموم، على ما


1- الوسائل 12: 416 باب (5) من أبواب أحكام العيوب ح 4.
2- الوسائل 14: 238 ب «3» من أبواب النكاح المحرم و ما يناسبه ح 2. و ج 18: 202 ب «19» من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي ح 1.
3- في المكاسب: «مخالفته».
4- الوسائل 12: 417 ب (5) من أبواب أحكام العيوب ح 8 و 9.

ص: 375

عرفت.

قوله: «إشارة إلى تشبّثها بالحرّيّة للاستيلاد».

[أقول:] فيه: أنّ تشبّثها بالحرّيّة للاستيلاد لا يوجب استحقاقها الكسوة، بل استحقاقها الكسوة إشارة إلى عدم قيام المولى نوعا أو في خصوص المقام بحقوقها الواجبة فيكسوها من ثمنها الراجع إلى المولى، تقاصّا عن حقّها الواجب عليها ولاية عمّن هو أولى بالمؤمنين، كما يباع المملوك في ثمن نفقته شرعا كذلك.

قوله: «الخامس: ظهور هذه الأخبار في كون الردّ بعد تصرّف المشتري في الجارية بغير الوطء».

[أقول:] أي علاوة على الوطء فيعارض ظهور الأخبار لنصوص (1) مانعيّة التصرّف من الردّ.

أقول: هذا الإيراد راجع إلى الإيراد الثالث، ففيه ما فيه من أنّ تخصيص العمومات المتعدّدة بل المختلفة بمخصّص واحد ليس بعزيز، كتخصّص «أكرم العلماء» و «أضف الفقهاء» و «أطعم الفقراء» بمثل «و لا تعبأ بالفاسق» فكما أنّ أخبار ردّ الحبل مخصّصة لمانعيّة الوطء من الردّ كذلك مخصّصة لمانعيّة التصرّف من الردّ على تقدير تسليم ظهورها في الردّ بعد التصرّف، و إلّا فلا تخصّص سوى نصوص الردّ بعد الوطء.

قوله: «تعارض هذه الأخبار مع ما دلّ على منع الوطء عن الردّ بالعموم من وجه .. إلخ».

[أقول:] وجه العموم من وجه بينهما ناظر إلى افتراق أخبار (2) ردّ الحبلى


1- الوسائل 12: 413 ب (4) من أبواب أحكام العيوب.
2- الوسائل 12: 415 باب (5) من أبواب أحكام العيوب.

ص: 376

الموطوءة عن أخبار مانعيّة الوطء من الردّ في الحبل من المولى، كافتراق العكس في الموطوءة الغير الحبلى و اجتماعهما في الموطوءة الحبلى من غير المولى.

و فيه أوّلا: منع أن يكون ردّ الحبلى الموطوءة من المولى مادة افتراق مغاير لعموم ردّ الحبلى الموطوءة، لكونه فردا منه لا صنفا آخر، و كون ردّه من جهة الوجوب و بطلان البيع لا من باب الخيار و صحّة البيع لا يوجب تغايرهما في صدق الردّ عرفا، و لا تفارقهما اسما، و إلّا لكان اختلاف جهات الفسق المخصّص لعموم «أكرم العلماء» من حيث الكذب و الظلم و الكفر أو غيره من أسباب الكبائر موجبا لتعارضهما بالعموم من وجه، و هو معلوم الفساد.

و ثانيا: لو سلّمنا العموم من وجه لكن قد عرفت عدم مرجّحيّة الوجوه المتقدّمة لتقييد أخبار (1) ردّ الحبلى الموطوءة بالحبل من المولى، بل عدم إمكان تقييد الصريح منها في العموم.

قوله: «أو ظهور اختصاصها (2) بما لم يكن من المولى وجب الرجوع إلى عموم ما دلّ على أنّ إحداث الحدث مسقط .. إلخ».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّه بعد فرض اختصاصها لا مناص من تخصيصها العموم، لا الرجوع إلى العموم.

و ثانيا: لو سلّمنا فرض إطلاقها و عدم اختصاصها فلا يتعيّن الرجوع إلى عموم مانعيّة الحدث (3) و التصرّف من الردّ، لإمكان الرجوع إلى عموم جواز الردّ مع قيام العين، بل لو فرض تكافؤ المرجعين أو منع العمومين وجب الرجوع إلى استصحاب جواز الردّ الثابت قبل الوطء.

قوله: «لا دليل عليه إلّا الإجماع المركّب و عدم الفصل بين الردّ و العقر.


1- الوسائل 12: 415 باب (5) من أبواب أحكام العيوب.
2- في المكاسب: «اختصاصه».
3- الوسائل 12: 350 ب (4) من أبواب الخيار.

ص: 377

فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لو قيل: إنّ الدليل على العقر نصوصه المتقدّمة (1).

قلنا: المفروض تعارض النصّين، و سقوط المتعارضين، و الرجوع إلى الأصل في البين.

قوله: «مقتضى الإطلاق جواز الردّ و لو مع الوطء في الدبر .. إلخ».

أقول: لا يصحّ معنى جواز الردّ في المقام إلّا بكونه عدم جواز الردّ، ليكون معناه مقتضى إطلاق لا يردّ الموطوءة عدم الردّ بالوطء و لو في الدبر، و يمكن دعوى انصرافه إلى غير الوطء بالدبر، فيقتصر في مخالفة عمومات خيار العيب، و جواز الردّ به على منصرف إطلاق الوطء المخصّص لها، و هو الوطء بالقبل لا الدبر.

قوله: «وجهان: من الخروج عن مورد النصّ».

[أقول:] أي خروج التقبيل و اللمس عن مورد النصّ (2)، و هو مانعيّة الوطء من الردّ، فلا يلحق به.

«و من الأولويّة».

أي أولويّة اللمس و التقبيل من الوطء في الدبر في عدم اللحوق و التنزيل منزلة الوطء في القبل. فالوجهان وجها عدم اللحوق لا اللحوق، فلفظ العدم ساقط عن اللحوق، كما سقط عن جواز الردّ آنفا.

قوله: «بل هو سبب مستقلّ موجب للردّ».

[أقول:] أي العيب الحادث وراء العيب السابق، و مع قطع النظر عنه سبب مستقلّ للردّ، لا مسقط له في زمان الخيار قطعا و إجمالا.


1- المكاسب: 256.
2- الوسائل 12: 413 باب (4) من أبواب أحكام العيوب.

ص: 378

قوله: «ربما يجعل قول المحقّق عكسا لقول شيخه. و يضعّف .. إلخ».

أقول: الجاعل و المضعّف هو الجواهر، حيث قال: فما عن المصنّف من أنّ له الردّ بأصل الخيار لا بالعيب الحادث و ابن نما بالعكس في غير محلّه، بل مقتضى الجمع بين الدليلين الحكم بالسببين (1).

أقول: بل و بكلّ من شقّي الخيارين الردّ و الأرش في كلّ من الفرعين، أي العيبين السابق و اللاحق.

قوله: «فيعمّ عيب الشركة و تبعّض الصفقة إذا اشترى اثنان».

[أقول:] أو واحدا صفقة فأراد أحدهما بعد ظهور العيب ردّ حصّته خاصّة أو ردّ المعيب خاصّة لم يجز له ذلك، بل لزمه ردّهما معا أو أخذ الأرش. لكن لا لمجرّد تضرّر البائع بالتبعيض أو الشركة، لإمكان جبره بتسلّط البائع على الخيار، أو فرض عدم تضرّره بالتبعيض و الشركة. و لا لمحض معارضة خيار الشركة و التبعيض من طرف البائع مع خيار العيب من طرف المشتري ليجمع بين الخيارين و الحقّين بردّهما معا أو أخذ الأرش، لاحتمال منع المعارضة باختصاص خيار الشركة و التبعيض بالبيع، لا مطلق الانتقال و فسخ البيع. و لا لما استظهره الجواهر من تعلّق حقّ الخيار في ردّ المعيب بالمجموع لا بكلّ جزء، لمنع الظهور، و عدم الانصراف، و لا أقلّ من الشكّ (2). و الأصل عدمه، بل إنّما هو لصدق المرسل (3) المبيع غير قائم بعينه على عيب الشركة و تبعّض الصفقة، من غير فرق بين ما ينقصه التفريق و الشركة كأحد مصراعي الباب و أحد فردي النعل و الخفّ، أو لم ينقصه كأحد الثوبين و المركوبين. هذا هو المشهور، بل المجمع عليه في عيب التفريق.


1- جواهر الكلام 23: 242.
2- الجواهر 23: 248.
3- الوسائل 12: 363 ب «16» من أبواب الخيار ح 3.

ص: 379

خلافا للمحكيّ عن شركة المبسوط (1) و الخلاف (2) و أبي علي (3) و القاضي (4) و الحلّي (5) و البشري (6) و فخر الإسلام (7) و التذكرة (8) و المسالك (9) فجوّزوا اختلاف المشتريين في الردّ بالعيب، لإطلاق الأدلّة، و تنزيل تعدّد المشتري منزلة تعدّد العقد.

و للتحرير (10) و الكركي (11) فيجوز مع علم البائع بالتعدّد لا مع جهله، لإقدام البائع على الشقص.

و ضعف الكلّ واضح، لمنع التنزيل و تخصيص الإطلاق و الإقدام بعيب الشركة و عدم صدق قيام المبيع بعينه عليه، كما لا فرق بمقتضى نقص العيب و خيار الردّ به بين النقص الحسّي كصبغ الثوب و خياطته و نسجه و نحوه من أصناف نقص الشركة الموجبة لشركة البائع مع المشتري في الزيادة الصبغية و الخياطة و النساجة على تقدير الردّ، و بين النقص الغير الحسي و الغير الموجب للشركة كفساد اللحوم و الفواكه و الخضرويات بنفسها.

قوله: «الظاهر من قيام العين بقاؤه، بمعنى أن لا ينقص ماليّته، لا بمعنى أن لا يزيد .. إلخ».


1- المبسوط 2: 351.
2- الخلاف 3: 333 المسألة 10.
3- حكاه عنه العلّامة في المختلف 5: 187.
4- لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا، و لكن نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة 5: 187.
5- السرائر 2: 345.
6- لم نعثر على كتابه، و حكا عنه النجفي في جواهر الكلام 23: 249.
7- إيضاح الفوائد 1: 494.
8- تذكرة الفقهاء 1: 536.
9- مسالك الأفهام 3: 286.
10- تحرير الأحكام 1: 274.
11- جامع المقاصد 4: 334.

ص: 380

[أقول:] لا يقال: ما الفرق بين الزيادة الصبغية المسقطة للردّ و الزيادة السمنيّة الغير المسقطة له؟

قلنا: الفارق ظهور النصّ (1) المقيّد للمسقط بإحداث شي ء فيه، و عدم قيامه بعينه الصادق على زيادة مثل الصبغ و الخياطة و إن لم تعد عيبا، و على نقص مثل الشركة و تبعّض الصفقة و نقص الهزال و المرض و فساد اللحوم و الفواكه و يبس الخضرويات ممّا يعدّ عيبا، و الغير الصادق على الزيادة الحادثة بنفسها، كالسمن و بلوغ الكمال و العقل و الرشد و العلم و القوّة و النشاط و تعلّم الصنعة و الكتابة و الحرفة، لعدم عدّها عيبا و لا حدثا أحدثه المشتري فيه و لا صار المبيع به غير قائم بعينه عرفا، بل و غير صادق أيضا على نقص أمثال هذه الزيادات المنتفية بنفسها، كنسيان صنعة أو كتابة أو حرفة أو زوال قوّة أو قدرة أو نشاط أو شباب أو شجاعة أو سجيّة، أو نحو ذلك ممّا لا يوجب نقصه أرشا و لا يعدّ عيبا و لا حدثا أحدثه المشتري فيه و لا صار العين به غير قائم بعينه عرفا.

قوله: «إلّا أنّ الإنصاف أنّ المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة إنّما هو إناطة الحكم بمطلق النقص».

[أقول:] فيه: أنّ استفادة إناطة الحكم بمطلق النقص و لو لم يوجب أرشا و لا عيبا و لا حدثا أحدثه المشتري فيه و لا صار العين به غير قائم بعينه عرفا ظاهر عرفا، و لا أقلّ من الشكّ. و المرجع إلى استصحاب بقاء خيار الردّ، و أصالة عدم مسقطيّة هذا القسم من النقص.

قوله: «المراد بالأرش الّذي يغرمه المشتري عند الردّ قيمة العيب، لا الأرش الّذي يغرمه البائع».

[أقول:] الأرش هو تفاوت ما بين قيمتي المعيب و الصحيح بالنسبة إلى


1- الوسائل 12: 363 ب «16» من أبواب الخيار ح 3.

ص: 381

قيمته الواقعيّة إذا كان مضمونا بضمان اليد، و بالنسبة إلى قيمته المسمّى لا الواقع إذا كان مضمونا بضمان المعاوضة و المبايعة، حذرا من اجتماع المبيع و قيمته المسمّى العوض و المعوّض معا عند المشتري.

قوله: «فهو أولى بالمنع عن الردّ من نسيان الدابّة الطحن».

[أقول:] وجه الأولويّة أنّ نقص التبعيض كأحد الخفّين و مصراعي الباب نقص ذاتي كثيرا ما يسلب القيمة و المنفعة، بخلاف نسيان الصنعة و الحرفة.

قوله: «و هذا الضرر و إن أمكن جبره .. إلخ».

[أقول:] يعني أنّ مدرك خيار نقص التبعيض هو النصّ، و إلّا فمجرّد تضرّر البائع و إن أمكن جبره بخيار البائع إلّا أنّه معارض بتضرّر المشتري بعد جبره بمنعه من ردّ المعيب خاصّة و إمساك الصحيح خاصّة.

و فيه: أنّ تضرّر المشتري بعد جبره بردّ الكلّ أو أخذ الأرش لا يقاوم تضرر البائع.

قوله: «فإنّ المانع فيهما ليس إلّا حصول الشركة في الثوب .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّه لو انحصر تمثيل المانع في النصّ (1) بالصبغ و الخياطة لم يكن للمانع وجه إلّا حصول الشركة، و لكن بعد تصدّر التمثيل فيه بتقطيع الثوب يعلم كون المانع هو مطلق تغيّر الهيئة و صدق الأحداث فيه، و كونه غير قائم بعينه و لو لم يوجب الشركة، و لذا لو أسقط المشتري حقّ شركته عن صبغ الثوب و خيوطه لم يرتفع مانع ردّه قطعا، و لم يجب على البائع استرداده جزما.

قوله: «و لذا لو تغيّر بما يوجب الزيادة- كالسمن- لم يمنع عن الردّ».

أقول: عدم مانعيّة السمن من الردّ لو سلّم فإنّما هو من جهة عدم صدق


1- الوسائل 12: 363 ب «16» من أبواب الخيار ح 3.

ص: 382

المانع المنصوص (1) عليه بإحداث شي ء فيه، أو صيرورة العين غير قائمة بعينها، و لذا لو فرضنا تغيّر الهيئة بالسمن الكثير أو الهزال الشديد أو غيرهما على وجه يصدق معه عدم قيام المبيع بعينه منع من الردّ قطعا.

قوله: «لأنّ المراد بالشي ء هو المعيب، و لا شكّ في قيامه هنا بعينه».

[أقول:] و فيه: أنّ المراد به هو المبيع لا المعيب بانفراده، و إلّا لم يتأتّ الشركة و نقص التبعيض في المعيب المانع من ردّه، و من الواضح عدم قيام المبيع عند ردّ المعيب منه بعينه.

قوله: «منع سلطنته على الردّ أوّلا أولى .. إلخ».

[أقول:] وجه الأولويّة أسهليّة الدفع من الرفع.

قوله: «و بالجملة فالأصل كاف في المسألة».

[أقول:] فيه: أنّ أصالة اللزوم في المقام معارض باستصحاب خيار ردّ المعيب منفردا، كما كان يجوز مجتمعا مع الصحيح، بناء على أصله المقرّر في حجّية الاستصحاب التقديري، خصوصا مع انقطاع أصل اللزوم بأدلّة الخيار و استصحابه، مضافا إلى عدم اكتفاء أحد من المستدلّين على سقوط خيار الردّ فيه بمجرّد الأصل، إلّا من باب التأييد للاستدلال عليه بالإجماع و الأخبار.

قوله: «و لا دليل على تعدّد الخيار هنا».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ الدليل عليه هو الدليل على تعدّد الخيار في القسم الأوّل، و هو التعدّد المنصور فيه التبعيض في العوض ثمنا كان أو مثمنا لرجوع الثاني و هو تعدّد المشتري إليه بعينه. و قد عرفت أنّ الدليل على مانعيّته في الأوّل هو صدق كلّ من النصّين (2) المانعين من ردّ المعيب بالإحداث فيه، أو صدق عدم


1- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار.
2- الوسائل 12: 362 و 363 ب «16» من أبواب الخيار ح 2 و 3.

ص: 383

قيامه بعينه على كلّ من التعدّدين تعدّد العوض أو المشتري. كيف و لو لم يكن دليل على مانعيّة ردّه و سلم انصراف الخيار عنه إلى غيره، أو تقوّم خيار واحد بالمشتريين لا بكلّ منهما لم يجز الردّ حتّى مع قبول البائع أيضا، لعدم المقتضى له، و من المعلوم جوازه قطعا و جزما؟

قوله: «و من ذلك يعلم قوّة المنع و إن قلنا بتعدّد العقد».

[أقول:] لأنّ تنزيل تعدّد المشتري منزلة تعدّد العقد لو سلّم لا يوجب اتّحاد المشتري، و انتفاء تعدّده المنوط به انتفاء التبعيض الحاصل في العوض من ردّ أحد المشتريين حصّة دون صاحبه.

قوله: «الفرق بين هذه المسألة و المسألة الأولى غير وجيه».

أقول: بل هما متّحدان اسما، كما ينبغي اتّحادهما حكما، لرجوع الثاني إلى الأوّل قسما، فلا وجه للخلاف فيه أصلا، كما لا وجه للتفصيل علما.

[مسألة يسقط الأرش دون الرد في موضعين]

قوله: «بعد أن حكاه وجها ثالثا».

[أقول:] و لعلّ كونه ثالثا باعتبار احتمال التفصيل في أخذ الأرش من غير الجنس لا من الجنس، و إلّا فالمسألة ذات وجهين.

قوله: «و لا بدّ من مراجعة أدلّة الربا و فهم حقيقة الأرش».

أقول: أمّا أدلّة الربا- كالمستفيضة (1) في المتجانسين و لو اختلفا صنفا كالشعير بالحنطة أو الدقيق، أو وصفا كالجيّد بالردي ء، لا يباع إلّا مثلا بمثل، و لا يستبدل وسقا بوسقين- فظاهره الانصراف إلى حرمة الربا في نفس المعاوضة و الابتداء، لا الغرامة و الانتهاء، و على الوجه المعهود في عهد الشرك و الجاهليّة من الربا و المزية، و ترك القرض و صنائع المعروف و الهديّة، على وجه الزيادة و النقصان، لا الأرش و الضمان، و الفضل و الإحسان، و على وجه الظلم و العدوان،


1- الوسائل 12: 437 ب (8) من أبواب الربا.

ص: 384

لا العدل و الميزان، و الحقّ و الحسبان، و حقّ مطالبة الديّان، في كلّ زمان و مكان.

كما يدلّ عليه ما في المستدركات عن النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله: «إلّا إنّ كلّ ربا في الجاهليّة موضوع» (1)، و أنّه صلّى اللّٰه عليه و آله كتب في آخر المصالحة على أهل نجران: «فمن أكل الربا منهم بعد عامه فذمّتي منهم بريئة» (2)، و تعليل تحريم الربا في المستفيضة بقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لما فيه من الفساد و الظلم، و فناء الأموال، و ترك التجارات و القرض و صنائع المعروف، و استخفاف الحرام المدخل في الكفر و العصيان، بعد البيّنة و البيان» (3)، أي بعد نصوص السنّة و القرآن.

و كما يدلّ عليه أيضا حمل الشيخ نصوص المنع من بيع التمر بالرطب و الزبيب بالعنب لأوّله إلى النقص بعد اليبس على الكراهة (4). و ما رواه الحرّ عن المحمدين في جواز التفاضل في بيع الثوب بالغزل (5)، و جواز التخلّص عن الربا بضميمة شي ء إلى الناقص من غير جنسه، أو بمبايعة شي ء آخر (6).

نعم، يحتمل دخول أخذ الأرش على المعيب من المتعاوضين المتجانسين في خفايا الربا من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «الربا في هذه الأمّة أخفى من دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء» (7)، و لكن مجرّد الاحتمال يبطله الاستدلال بأدلّة أصل البراءة من عموم لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا (8) و «رفع عن أمّتي ما


1- المستدرك 13: 345 ب «17» من أبواب الربا ح 4.
2- المستدرك 13: 345 ب «17» من أبواب الربا ح 5.
3- الوسائل 12: 425 ب «1» من أبواب الربا ح 11.
4- الاستبصار 3: 93 ذيل الحديث 316.
5- الوسائل 12: 454 ب «19» من أبواب الربا ح 1.
6- الوسائل 12: 455 ب «20» من أبواب الربا.
7- الوسائل 12: 282 ب «1» من أبواب آداب التجارة ح 1، و فيه أن أمير المؤمنين عليه السلام.
8- الطلاق: 7.

ص: 385

لا يعلمون» (1) و «الناس في سعة ممّا لا يعلمون» (2) و «ما حجب اللّٰه علمه فهو موضوع» (3).

مضافا إلى ظواهر الأدلّة، و أصالة صحّة العقود و لزومها، و عموم أرش المعيب الحاكم على عموم حرمة الربا بالتحكيم و التخصيص بخلاف العكس، فإنّه بالتخصيص لا التخصّص و إن رجّح العقل حسن الاحتياط عن مطلق الشبهات.

و أمّا حقيقة الأرش فالظاهر من نفس البيع و دليله و خياراته و أحكامه إنّما هو جعل الثمن في إزاء المثمن على أن يكون كلّ من أبعاض الثمن و العوض في إزاء كلّ من أبعاض المثمن و أجزائه، لا في إزاء أوصافه و صفاته، خصوصا الأوصاف الغير المشروطة على البائع و الغير المأخوذة في البيع، بل الغير الموجودة حين العقد أو المفقودة بعده، فإنّها و إن كانت مضمونة على البائع بضمان شرعي إلّا أنّه من باب الغرامة الشرعيّة لا تبعيض المعاوضة الأوّلية على الأبعاض الجزئية، و لذا كان للمشتري الفاقد جزء المثمن جزء من عين ثمنه طالب البائع به أو لم يطالبه، بخلاف الفاقد وصفه. فإمّا لم يكن له أرش أصلا كخيار الرؤية و ما عدا العيب من سائر الخيارات، و إمّا أن يكون له مطالبة أرشه، لا نفس الأرش بل قيمة التفاوت، لا جزء من عين ثمنه.

قوله: «و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد».

أقول: بل الصواب التمثيل له بالخصاء في الغنم و البقر و الديوك و العقم و قطع الحيض و التوالد في الإماء و نحوه ممّا لا يوجب هذه العيوب أرشا شرعا، بل قد يزيد في قيمتها عرفا لأغراض صحيحة شرعيّة، بخلاف الخصاء في العبيد فإنّه


1- الوسائل 11: 295 ب «56» من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه ح 1.
2- الوسائل 2: 1073 ب «50» من أبواب النجاسات ح 11.
3- الوسائل 18: 119 ب (12) من أبواب صفات القاضي ح 28.

ص: 386

مثلة محرّمة يوجب انعتاقها شرعا و خروجها عن الماليّة رأسا، كتخمّر العصير أو غليانه أو تنجيسه شرعا، فكيف لا يوجب عيبه أرشا؟ ففرض جواز بيع الخصي شرعا إنّما هو إذا كان خلقة أو قصاصا أو خصي قبل التملّك شرعا.

قوله: «كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمرة».

[أقول:] أي لجودة خمرة لونه في التحليل أو لجودة خمرة التحليل أو التخمير به، و هو المناسب لتمثيل المصنّف به لما لا يوجب زيادة الماليّة من الأغراض الفاسدة، فإنّ الأغراض الفاسدة المنهيّة شرعا و إن بلغت في الكثرة و الرغبة و ازدياد القيمة ما بلغت لا يصحّح فعلها شرعا، و لا يغيّر حكمها قطعا، و لا يسقط أرشها واقعا، إذ الشارع الحكيم جلّت حكمته لم يزل حكيما مطاعا لا سقيما مطيعا.

[مسألة يسقط الرد و الأرش معا بأمور]

قوله: «و قد يستدلّ بمفهوم صحيحة زرارة المتقدّمة، و فيه نظر».

[أقول:] وجه النظر: أنّ مفهوم قوله عليه السّلام: «أيّما رجل اشترى شيئا و به عوار أو عيب و لم يتبرّأ إليه و لم ينبّه فأحدث فيه- بعد ما قبضه- شيئا و علم بذلك العوار و العيب فإنّه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما ينقص» (1) مفهوم وصف ضعيف، من جهة الحجّية و الأخصيّة من المدّعي، و هو سقوط كلّ من الردّ و الأرش معا. و لكن يمكن تقوية حجّيته بمنطوق ما رواه الحرّ عن المحمدين في الصحيح عن ابن أبي عمير عن الصادق عليه السّلام: «عمّن اشترى زقّ زيت فوجد فيه درديّا، قال: إن كان يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت لم يرده، و إن لم يكن يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه» (2).

و تعميم أخصّيته من المدّعي بعدم القول بالفصل بين مسقطيّة العلم للردّ


1- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار ح 2.
2- الوسائل 12: 418 ب (7) من أبواب أحكام العيوب ح 1.

ص: 387

و الأرش معا، و بالقطع الحاصل من مطاوي النصوص و الفتاوى به من غير خلاف.

قوله: «و أمّا التبرّي من العيوب المتجدّدة (1) فيدلّ على صحّته و سقوط الخيار به عموم: «المؤمنون عند شروطهم» (2)».

أقول: بل و يدلّ عليه أيضا عموم مفهوم الصحيح المتقدّم (3) بقوله: «و لم يبرء إليه فله الردّ». و قوله عليه السّلام في المستدركات (4) و غيره (5): «من ردّ المملوك بالعيوب المتجدّدة من أحداث السنة إلّا أن يشرط ألّا عهدة عليه»، و هو كاف في تخصيص عموم أدلّة الخيار (6)، و استصحاب بقائه، و عدم سقوطه بإسقاطه ما لم يجب في المتجدّد من العيوب.

قوله: «لم يزل ضمان البائع لعموم النصّ» (7).

[أقول:] و هو كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و كلّما تلف في زمان الخيار فهو ممّن لا خيار له.

قوله: «فالقول بثبوت الأرش و سقوط الردّ قويّ».

أقول: الحكم بخيار الأرش و الردّ في العيب مترتّب على موضوع العيب نصّا الزائل فعلا كالنجاسة و الحرمة المترتّبة على تغيّر الكرّ بالنجاسة الزائل تغيّره من قبل نفسه، فإن جرى استصحاب الحكم بعد تغيّر موضوعه و كون الشكّ في المقتضي- كما هو المختار- ثبت كلّ من شقي خياره، و إلّا لم يثبت شيئا من شقيه، فلا وجه للتفصيل مع اتّحاد الدليل.


1- في المكاسب: «المتجددة الموجبة للخيار».
2- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
3- تقدّم في ص: 386.
4- المستدرك 13: 325 ب «2» من أبواب أحكام العيوب ح 2.
5- الوسائل 12: 411 ب «2» من أبواب أحكام العيوب ح 2.
6- انظر الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار.
7- انظر الوسائل 12: 362 و 419 ب «16 و 8» من أبواب الخيار.

ص: 388

قوله: «مع أنّ اختصاص النصّ بصورة التصرّف قبل العلم ممنوع».

[أقول:] لإطلاق أكثر النصوص (1) في إناطة ردّ المعيب و سقوط ردّه بكونه قائما بعينه و عدم كونه قائما بعينه، و بحدوث حادثة فيه و عدمه، من غير أن يقيّد مسقطيّة التصرّف و حدوث الحادثة للردّ و تعيين الأرش بما إذا كان قبل العلم إلّا من حيث المورد في بعض الموارد الّذي لا يخصّص عموم الوارد بحسب القاعدة.

قوله: «كما لو رضي بالعبد المشروط كتابته مع تبيّن عدمها فيه».

[أقول:] لا يقال: إنّ سقوط خيار شرط كتابة العبد بمجرّد الرضا به بعد تبيّن عدم الشرط لا يستلزم سقوط خيار العيب بمجرّد التصرّف، لأنّ المسقط لخيار الشرط مسقط للردّ لا إلى بدل، و لخيار العيب مسقط له إلى بدليّة الأرش و تعيينه، فعند عدم بدل ما يوجب الأرش من العيب المفروض لا يسقط الردّ.

لأنّا نقول: إطلاق مسقطيّة الحدث و الإحداث الردّ في المقامين كاف فيما هو المدّعي من سقوط الردّ بالتصرّف في البين، و صحّة التشبيه و المقايسة بين المسألتين. و أمّا سقوط الأرش فبالغرض الخارج عن البين.

قوله: «و منها ثبوت أخذ مانع (2) الردّ .. إلخ».

[أقول:] و لا معنى لهذه العبارة و إن اتّفقت في جميع النسخ المطبوعة، و تصحيحها على ما يشهد به قوله فيما بعد: «أمّا المانع الأوّل .. و أمّا المانع الثاني»، و على ما صحّحه بعض الأعلام من تلامذة المصنّف هو «ثبوت أحد مانعي الردّ في المعيب الّذي لا يجوز أخذ الأرش فيه». و المراد من «مانعي الردّ» هو ما تقدّم من التصرّف أو الحدث المانعين من الردّ.

قوله: «و الأوّل أولى».


1- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار.
2- في المكاسب: «أحد مانعي».

ص: 389

[أقول:] يعني أنّ لزوم الربا في أخذ البائع من المشتري أرش العيب الحادث عند المشتري في الفسخ باعتبار لزومه في أصل المعاوضة بفرض أبعاض الثمن في مقابل أوصاف المثمّن أولى من لزومه في الفسخ باعتبار فرض أنّه قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن، و زيادة وجه الأولويّة أنّ أرش العيب في المعاوضة أشبه إلى الربا منه في الإقالة، و في الإقالة أشبه إلى الغرامة منه في المعاوضة بناء على الفرق بينهما اسما بكون التقايل تفاسخ لا معاوضة، و لهذا يبطل التقايل باشتراط الزيادة أو النقيصة، أو حكما بفرض حرمة الربا في المعاوضات لا الضمانات، كما عرفت بأتمّ وجه.

قوله: «إذ فيه وضوح الفرق، فإنّ المقبوض بالسوم إنّما يتلف في ملك مالكه .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ الفرق بين أن يكون تلف الوصف في ملك الغارم أو ملك الغير غير فارق بين أن يكون ضمان الوصف غرامة أو عوضي جزء الثمن، لأنّ الموجب لغرامة الزيادة هو إناطة ضمان الزيادة بردّ الموصوف من غير وصف سواء كان تلف الوصف في ملك الرادّ أو المردود إليه.

نعم، لو أنيطت الغرامة بتلف الوصف كان تلفه في ملك الرادّ و المردود إليه فارقا بين الغرامة و عدمه.

قوله: «فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد الكتابة لا يستحقّ البائع عند الفسخ قيمتها».

[أقول:] فيه أوّلا: إمكان منع الحكم في المقيس عليه، و كون نسيان العبد الكتابة غير مضمون على المشتري.

و ثانيا: لو سلّمنا فإنّما هو للفرق من حيث إنّ نسيان الكتابة غير مانع من الردّ و لا موجب للأرش، بخلاف حدوث سائر ما يمنع الردّ و يوجب الأرش،

ص: 390

كهزال المبيع و فساده و تعفّنه و سلب منافعه المقصودة منه.

قوله: «لأنّ تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل».

[أقول:] أي تقدير الموصوف الموجود معدوما بمجرّد انعدام وصفه لأجل تضمينه ببدل سليم خلاف الأصل، لأنّ الوصف المنفي إن كان مضمونا على المشتري فضمانه الأرش، كما هو مقتضى الوجه الأوّل، و إلّا فالأصل عدم ضمانه بالسليم و هو موجود لا عديم.

قوله: «و لا يعارضه ما في المسالك و الحدائق .. إلخ».

[أقول:] أي لا يعارض الفور ما في المسالك (1) و الحدائق (2) و الكفاية (3) من التراخي.

نعم، يعارضه ما في الرياض (4) من أنّه- أي التراخي- ظاهر أصحابنا المتأخّرين كافّة، كما لا يخفى على من راجع الكتب المذكورة، و كان الإضمار في المضمار لوضوح الظهور، أو لمصلحة الاستظهار و مراجعة الاختبار.

[مسائل متفرقة]

قوله: «فإنّ البيع لا يبطل في ملكه و إن كان مجهولا قدره وقت العقد .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّه إنّما يسلم عدم بطلان مجهول القدر وقت العقد من بيع الخليط بغير جنسه و بيع ما يملك و ما لا يملك إذا تعيّن مقداره وقت العقد بظاهر حال أو مقال و لو بأصل صحّة يعتمد عليه وقت العقد ثم انكشف خلافه بعد العقد.

و أمّا المجهول قدره و تعيينه وقت العقد من غير معين أصلا فهو الغرر


1- مسالك الأفهام 3: 302.
2- الحدائق الناضرة 19: 117.
3- كفاية الأحكام: 94.
4- رياض المسائل 5: 167.

ص: 391

الباطل المبطل نصّا (1) و فتوى، و إن كانت الجملة معلومة المقدار، لأنّ الجملة المركّبة من الجزء الخليط المجهول المقدار غرر عرفي مانع شرعي من صحّة بيع الجملة المركّبة منه و من غيره، و إن كانت الجملة معلومة المقدار، لأنّ معلوميّة مقدار الجملة و إن رفع غرر مقدار الجملة من حيث الجملة في الجملة، إلّا أنّه لا يرفع غرره من حيث الجزء الخليط المجهول المقدار بالجملة، فلا يجدي معلوميّته. غاية الأمر أنّ غرر الجملة الغير المعلومة المقدار من جهتين و المعلومة المقدار من جهة واحدة، و هذا المقدار غير رافع لمصداق الغرر عرفا المانع من الصحّة شرعا.

قوله: «نعم، لو فرض المزج على وجه يوجب تعيّب الشي ء من دون أن يستهلك فيه بحيث يخرج عن حقيقته إلى حقيقة ذلك الشي ء توجّه ما ذكروه في بعض الموارد».

[أقول:] فيه: أنّ الخليط الممزوج بالمبيع إن كان قليلا بحيث يتسامح بمثله عادة و لا يعبأ به لقلّته و عدم تعيّب المبيع به عرفا فمن المعلوم أنّه ليس بغرر يمنع من الصحّة، و لا بعيب يمنع من اللزوم استهلك كشوب اللبن بالماء، أم لم يستهلك كخلط الحنطة بما لا ينفكّ منه عادة من التبن و التراب.

و أمّا إن كان الخليط في الكثرة ممّا لا يتسامح بمثله عادة فلا محالة إن استهلك في المخلوط به كازدياد الملح في الخبز و الماء في اللبن و المخيض و الدرد في الدهن و الزيت كان عيبا مانعا من اللزوم، و إن لم يستهلك كالتبن و التراب في الحنطة و الشعير كان غررا مانعا من الصحّة لا محالة، فمدار المانع و عدمه عن الخليط إنّما على قلّة الخليط على وجه يتسامح فيه و عدمه و إن استهلك لا على مجرّد الاستهلاك و عدمه و إن لم يتسامح فيه.


1- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.

ص: 392

نعم مدار كون المانع منه تعيّبا مانعا من اللزوم أو غررا مانعا من الصحّة مبنيّ عرفا على استهلاك الخليط و عدمه، كما لا يخفى. و استوجه الجواهر (1) تفصيل آخر: بين ما إذا اشترى اللبن المشوب بالماء على أنّه لبن فيبطل، و على أنّه المشاهد فيصحّ للعلم بالجملة حينئذ و لو كان بعنوان أنّه لبن. و فيه: أنّ وصف المشاهدة لا يجعله معلوم المقدار و لا يرفع صدق الغرر و الجهل المانع من صحّته شرعا، غايته الرضا بوصف المشاهدة و الجهالة المانعة من الصحّة شرعا. هذا الخلاف كلّه في صحّة بيع اللبن الممزوج بالماء مع الاتّفاق على حرمة بيعه، و بطلان كلّي مسألة بيع الغرري المخلوط فيه المبيع بغير جنسه، و قد عرفت أنّ الأظهر بطلان الكلّيّة مطلقا في جميع جزئيّاته.

و أمّا بيع المعيب مع كتمان عيبه و عدم إظهاره فالأظهر الأشهر صحّة بيعه و إن كان أظهر أقوالها الخمسة في حكمه التكليفي هو الحرمة كالبيع الغرري، لأنّ النهي عن أمر خارج، مضافا إلى عدم اقتضائه الفساد في المعاملات. شرعا و لا عرفا، بل احتمل الماتن ذلك، وفاقا لجامع المقاصد (2) و المسالك (3) و الجواهر (4)، حتّى في بيع اللبن الممزوج.

[مسائل في اختلاف المتبايعين]

قوله: «كان القول قول منكر تقدّمه للأصل».

[أقول:] و المراد من هذا الأصل هو أصالة عدم ضمان البائع للعيب و عدم خيار المشتري به، لا مجرّد أصالة عدم تقدّم العيب و أصالة تأخّره، لأنّ هذا الأصل- مضافا إلى معارضته بالمثل و هو أصالة عدم العقد و القبض عليه و أصالة تأخّره عنهما- أصل مثبت لا يثبت وقوع العقد على الصحيح حتّى لو علم تاريخ


1- جواهر الكلام 23: 246- 247.
2- جامع المقاصد 4: 333.
3- مسالك الأفهام 3: 285.
4- جواهر الكلام 23: 246.

ص: 393

العقد و جهل تاريخ الحدوث، كما أنّ أصالة عدم العقد حتّى حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب أيضا كذلك لذلك.

قوله: «و لعلّه لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود و عدم استحقاقه الثمن كلّا .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ هذا النوع من الأصول محكوم لأصالة الصحّة و لزوم البيع و أصالة السلامة في المبيع. فتوجيه كون المشتري منكرا بموافقته و البائع مدّعيا بمخالفته بعد المحكوميّة لغيره غير وجيه. و كذلك التنظير له بقوله: «نظير ما إذا ادّعى البائع تغيير العين عند المشتري و أنكر المشتري» تنظير بغير نظير، كما لا يخفى على الخبير.

قوله: «و فيه كلام في محلّه».

[أقول:] و هو إمكان إرجاع النزاع بينهما في تقدّم العيب و تأخّره إلى التحالف، كالنزاع في تعيين كون الثمن درهما أو دينارا، أو المثمن عبدا أو جارية، من حيث إنّ كلّا منهما مدّع و منكر.

قوله: «و هذا أوفق بالقواعد».

[أقول:] أي قاعدة إسقاط اليمين بدعوى المدّعين مطلقا أصلا و رأسا.

قوله: «لا أنّ اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار.

فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّ ظاهر عبارة التذكرة (1) و من خالفه و إن كان طرح الخلاف في كفاية عين نفي العلم و عدمه مع الاختبار، إلّا أنّ عدم كفايته مع الاختبار لما كان من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فلا بدّ من جعل الخلاف في صورة الحاجة إليه، و هو صورة عدم الاختبار.


1- تذكرة الفقهاء 1: 541.

ص: 394

قوله: «و لكن للنظر في إثبات أحد المتلازمين بالأصل الجاري في الآخر مجال».

[أقول:] وجه للنظر: النظر في حجّية المثبت.

قوله: «أقواها الأوّل».

[أقول:] و ذلك لحكومة استصحاب بقاء العيب و عدم زواله المسقط للخيار على أصالة لزوم العقد، و عدم ثبوت الخيار و عدم سببه أو شرطه حال وجوده.

قوله: «قال الشافعي: يحلفان على ما يقولان، فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه رفع الردّ، و استفاد المشتري بيمينه أخذ الأرش».

أقول: فيه أوّلا: أنّ التحالف بحسب القاعدة إنّما هو في المتبائنين اللذين لا أصل بينهما في البين، كالنزاع في كون الثمن درهما أو دينارا، أو المثمن عبدا أو جارية. و أمّا ما نحن فيه فمن المعلوم وجود استصحاب بقاء الخيار و أصالة عدم زواله المسقط الموجب، لكون البائع منكرا لموافقته، و المشتري مدّعيا لمخالفته، فلا وجه للتحالف.

و ثانيا: لو سلّمنا التحالف فمقتضاه التفاسخ، لا تقسيم الخيار بين المتحالفين.

و ثالثا: فلم يرفع يمين البائع الردّ، و يقتضي يمين المشتري الأرش دون العكس مع أغلبيّة العكس، و هو سقوط الأرش دون الردّ في أغلب الخيارات.

قوله: «و في كلّ منهما نظر».

[أقول:] أمّا الكتابة فلأنّها مكاتبة جعفر بن عيسى (1) المخصوص بحسن الحال، و المنصوص بالتوثيق و صدق المقال. و أمّا موافقته لقاعدة «البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر» فمن الواضح خلافه و مخالفته لها، إلّا بتوجيه


1- الوسائل 12: 420 ب (8) من أبواب أحكام العيوب ح 1.

ص: 395

الحدائق (1) أو المصنّف (2).

قوله: «و يبقى قدر الأرش مستحقّا على التقديرين».

[أقول:] و فيه: أنّ مقتضى عموم «نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم» في الضرر دون النفع سقوط الأرش بإقراره الردّ و عدم الردّ لعدم ثبوته و أصالة عدمه، جمعا بين مقتضى الأصل و الإقرار، و التفكيك بين المتلازمين غير عزيز في البين كجمع المختلفات، و تفريق المؤتلفات في الشرعيّات، كدعوى العبد على مولاه الانعتاق فإنّه مسقط لنفقته بالإقرار و باق على ملكيّته بعدم ثبوت الانعتاق و أصالة عدمه.

قوله: «لا يثبت وقوع الفسخ في أوّل الزمان».

[أقول:] فيه: أنّه و لو لم يثبته إلّا على الأصل المثبت، لكنّه كاف في إثبات صحّة الفسخ و استصحابها، مضافا إلى أنّ أصالة صحّة الفسخ بنفسه كاف في صحّة الفسخ من باب ظهور الحال و غلبة الصحّة في الأفعال، كما أنّ أصالة تأخّر الطلاق عن الزمان المشكوك وقوعه فيه و إن لم يثبت وقوع الرجوع في العدّة لكونه مثبتا إلّا أنّه كاف في استصحاب بقاء العدّة و صحّة الفسخ فيه، مضافا إلى أنّ أصالة صحّة الفسخ بنفسه كاف في صحّة الفسخ من باب ظاهر الحال و غلبة الصحّة في الأفعال، كما هو المعوّل في كلّ نقل و انتقال، و قيل و قال.

قوله: «و الجهل بالفوريّة فيعذر .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ الجهل بالموضوع يعذر، و أمّا الجهل بالحكم سيّما الحكم الوضعي فلا يعذر مطلقا، سواء كان بالخيار أو الفوريّة، كالجهل بمدّة الخيار أو الصحّة و البطلان.


1- الحدائق الناضرة 19: 91.
2- المكاسب: 265.

ص: 396

قوله: «و تظهر الثمرة في طروّ موانع الردّ بالعيب بناء على عدم منعها عن الردّ بخيار (1) الشرط. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى ما أشار إليه في الآخر بقوله: «و للنظر في كلا شقّي الثمرة مجال».

أمّا وجه النظر في ثبوت الردّ بالعيب على الأوّل- و هو تقدير العيب غير مالي- فلأنّ تقدير استلزام العيب الغير المالي الردّ يستلزم سائر أحكام العيب الّتي منها المنع من الردّ بطروّ موانعه، و كونه مضمونا على البائع قبل القبض و في مدّة الخيار بالعيب لا الخيار.

و أمّا وجه النظر في عدم ثبوت الردّ به على الثاني- و هو تقدير إناطة العيب بالمالي- فلاحتمال تبعيض أحكام العيب، بدعوى انصراف خيار العيب الغير المالي إلى خصوص الردّ فقط دون سائر أحكام خياره من جواز الردّ مع طروّ موانعه، و كونه مضمونا على البائع قبل القبض و في مدّة الخيار بالعيب لا الخيار، كما احتمله المصنّف في الجواب الثاني عن مرسلة السيّاري (2) الآتية.

و بعبارة: أنّ العيب الغير المالي إن كان عيبا عرفا ترتّب عليه جميع أحكام العيوب شرعا لا الردّ فقط، و إن لم يكن عيبا لم يترتّب عليه الردّ، إلّا أن يقال:

بتبعيض أحكام خيار العيب و انصراف خياره إلى خيار الردّ فقط، لكن ينبغي أن يقال: لا مجال لهذا الإشكال و الاحتمال في موضوع العيب و لا في أحكامه.

أمّا موضوع العيب بحسب النصّ فضابطه الكلّي المنصوص في المرسلة قوله: «كلّما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» (3)، و قوله في فقه الرضا: «كلّ زائدة في البدن ممّا هو في أصل الخلقة أو ناقص منه يوجب الردّ في


1- في المكاسب: «بخيار تخلّف الشرط».
2- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.
3- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.

ص: 397

البيع» (1).

و من الواضح عرفا أنّ أصل الخلقة المرتّبة المتوسّطة بيّن لحمل الشي ء و نقصه المعبّر عنها بالصحّة و السلامة، و عمّا عداها بالعيب و النقص، و كما يكون في غالب أفراد أصل الخلقة كالحيض ممن من شأنها الحيض كذلك قد يكون في النادر كالطهر في سيّدة النساء، فإنّ الحيض فيها عيب، كما أنّ عدمه في غيرها عيب، و الحكم بخيار ردّ المعيب شرعا إنّما هو من جهة التزام المتبايعين بالصحّة في المبيع و إقدامهم عليه، لأنّه جهة انصراف المطلق إلى الصحيح كما يوهم، و يوهمه استكشاف الصحّة من حال غالب أفراده.

و من هنا يختصّ خيار العيب بالمعاملات دون الأقارير و الإيقاعات. و أمّا حكمه الشرعي بخيار الردّ و الأرش فأيضا لا إشكال في عمومه و اطّراده في جميع ما وقع عليه العقد من موضوع المعيب، إلّا في خصوص موضوع الثيبوبة حيث خصّ الشارع خيار الردّ و الأرش فيها بما إذا اشترط البكارة دون ما لم يشترط، و هو تخصيص لا تخصّص، كما يوهمه التعليل بأنّه قد يذهب بالمرض أو الخطوة، و التفصيل بين الصغيرة الغير المجلوبة و غيرها فإنّ التفصيل عليل، و التعليل تقريب لا علّة، بل حكمة ملزمة جلت من حكمه تحفّظا لمراتب العفّة و العصمة من سوء الظنّ و التهمة و التعريض للأعراض و الحرمة، كما أنّ تعليل العدّة بحفظ المياه تقريب لحكمة الاطّراد.

[القول في ماهية العيب]

قوله: «الكاشف عن مرض في العضو أو في [أصل] المزاج».

[أقول:] و فيه نظر: لأنّ عدم الشعر من أصل الخلقة لا يستلزم تمرّض العضو أو المزاج في الرجال فضلا عن استلزامه في النسوان و الصبيان، بل و لا في رجال بعض أهل البلدان، بل هي طبيعة ثانويّة و إن كانت نادرة الوجود خارجة


1- فقه الإمام الرضا عليه السّلام: 251.

ص: 398

عن الخلقة الأصليّة الأوّلية الغالبيّة، كاللحية في المرأة و عدمها في الرجل ليست من تمرّض العضو و المزاج، بل هي مزاج آخر من مظاهر عموم القدرة و المشيئة جلّت قدرته.

قوله: «كما يدلّ عليه عدم اكتفائه في عذر الردّ بقوله: «لم أجد على ركبها شعرا» (1) حتّى ضمّ إليه دعواه أنّه لم يكن لها قط».

أقول: استناد الردّ بمعيبه عدم شعر العانة بقوله: «لم يكن لها قطّ» (2) يدلّ على أنّ عدمه و نقصه بالأصل لا بعروض مرض، فهو على خلاف المدّعى أدلّ منه على المدّعي، خصوصا بملاحظة أغلبيّة زوال العارض بمرض، و عدم زوال الأصلي، و أدونيّة العارض من الأصلي، مع عدّه من العيوب الموجبة للأرش، و لذا أسند الرادّ الردّ إلى نفس العيب لا المرض، و إلى الأصلي منه لا العارضي بقوله: «و زعمت أنّه لم يكن لها قطّ- إلى أن قال:- أيّها القاضي إن كان عيبا فاقض لي به» (3).

قوله: «فلا يظهر من الرواية ترتّبها على العيب. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى عدم الصارف و الانصراف من ظهور العيب و إطلاقه في عموم الخيار إلى خصوص حكم الردّ.

أمّا أوّلا: فلظهور قوله: «كلّما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» (4) في بيان حقيقة العيب اسما لا مجرّد التشبيه و الإلحاق به حكما حتّى ينصرف إلى أظهر خواصّ المشبه به.

و ثانيا: لو سلّمنا التشبيه و الإلحاق، لكنّ السياق يقتضي العموم و الإطلاق، لأنّه في مقام إعطاء القاعدة الكلّيّة لا المسألة الجزئيّة.

قوله: «لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالإرسال. فافهم».


1- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.
2- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.
3- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.
4- الوسائل 12: 410 ب (1) من أبواب أحكام العيوب ح 1.

ص: 399

[أقول:] إشارة إلى أنّ الخبر و إن رواه الكليني (1) و الشيخ (2) عن الحسين بن محمد الّذي هو من أجلّاء مشايخ الكليني إلّا أنّ ضعفه بواسطة استناده إلى مرسلة أحمد بن محمد السيّاري البصري الضعيف الحديث فاسد المذهب مجفوّ الرواية كثير المراسيل، لكنّ الظاهر انجبارها بالشهرة فتوى و رواية حتّى جعلت قاعدة من القواعد المسلّمة و بالموافقة لما عن فقه الرضا عليه السّلام، و روى: أنّ كلّ زائدة في البدن ممّا هو في أصل الخلقة أو ناقص منه يوجب الردّ في البيع» (3). فتأمّل.

قوله: «و لعلّ من عمّم العيب لما لا يوجب نقص الماليّة- كما في المسالك (4) و عن جماعة (5)- أراد به مجرّد موجب الردّ لا العيب الّذي ترتّب (6) عليه كثير من الأحكام- و إن لم يكن فيه أرش- كسقوط خياره بتصرّف أو حدوث عيب، و غير ذلك .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ إرادة موجب الردّ من العيب لا ينفي ما عداه من سائر أحكام العيب، كما أنّ نفي موجب الردّ من قولهم عدم الختان في المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا لعلم المشتري بجلبه لا يثبت ما عداه، إذ من المعلوم أنّ الثابت بعض أحكام العيب و نفي بعض أحكامه لا ينفي الحقيقة الثابتة من عموم القاعدة المنصوصة المسلّمة، نصّا (7) و فتوى كلّما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب.


1- الكافي 5: 215 ح 12.
2- التهذيب 7: 65 ح 282.
3- فقه الإمام الرضا عليه السّلام: 251.
4- مسالك الأفهام 3: 290.
5- منهج العلّامة في قواعد الاحكام 1: 145، و فخر المحققين في إيضاح الفوائد 1: 491، و المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 323.
6- في المكاسب: «يترتّب».
7- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.

ص: 400

[الكلام في بعض أفراد العيب]

قوله: «و الحول و الحوص و السبل».

[أقول:] بالتحريك في الثلاثة، و الحول حيلولة بياض العين محلّ سواده و منه الأحول. و الحوص ضيق مؤخّر العين، يقال للرجل: أحوص، و المرأة:

حوصاء. و السبل بالتحريك و السبال سبلان رطوبة الفمّ إلى خارجه الغالب في المرضع. و في الجواهر: هو زيادة الأجفان (1)، و لعلّه اصطلاح الأطبّاء.

قوله: «لأنّ ذلك غير منقص (2) للقيمة».

[أقول:] فيه أوّلا: منع عدم منقصيّة حمى اليوم القيمة، غايته منقصيّة حمى اليوم قيمة اليوم و الأكثر للأكثر.

و ثانيا: سلّمنا، لكن ما لا ينقص القيمة من العيوب لا يوجب الأرش، لا أنّه لا يوجب ما عدا الردّ من سائر أحكام العيب الّذي هو المدّعى.

قوله: «و إلّا فالأمر أوضح».

[أقول:] أي و إن لم يكن الحمل للبائع بأن كان ملكا لثالث أو حرّا بتحليل أو شبهة فعيبه أوضح. أمّا أوضحيّة عيب الحمل الحرّ فلانتفاء ماليّة الحمل و نفقته في مقابل كلفة حمله و تحمّله، و أمّا الحمل المملوك فلم يعلم وجه أوضحيّة عيب المملوك للبائع من المملوك لغيره، خصوصا إذا كان ذلك الغير المشتري فإنّ عدم عيبيّته لا عيبيّته أوضح، لأنّه حينئذ زيادة مالية لا نقيصة، خصوصا في مثل حمل الخيل.

قوله: «فالأقوى في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الردّ .. إلخ».

أقول: بل الأظهر من عموم: «كلّما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» (3) هو عيبيّة الحمل و الحبل مطلقا في الإماء و البهائم، إلّا في حمل بيض


1- جواهر الكلام 23: 259.
2- في المكاسب: «ليس منقصا».
3- الوسائل 12: 410 ب «1» من أبواب أحكام العيوب ح 1.

ص: 401

الدجاج و الطيور فإنّه زيادة مالية محضة من غير شائبة نقص أصلا. و أمّا في غيرها فهو و إن كان زيادة ماليّة من جهة إلّا أنّه نقص من جهة معرضيّته للهلاك و التلف و مانعيّته من بعض الخدمات و الاستنفاعات.

و لا فرق في نقصه و عيبه بين الإماء و الدوابّ، غاية الأمر أنّ عدم إيجابه النقص المالي لو سلّم في بعض الدوابّ كالخيل فهو مانع من خصوص الأرش دون الردّ و سائر أحكام العيب و لو لم يكن ماليا.

بل و لا فرق بين عيبه و نقصه بين ما قبل الوضع و ما بعده، بل و لا بين ما يوجب الوضع فيه النقص و عدمه، غاية الأمر أنّه قبل الوضع أو بعده الغير الموجب لنقصه يوجب الأرش من جهة واحدة و بعده الموجب لنقصه يوجبه من جهتين، من جهة نقص الحمل و نقص الوضع.

بل و لا فرق أيضا في نقص الحمل و عيبه بين القول بتبعيّة الحمل للحامل و ملكيّته للمشتري، و بين القول بعدمه و ملكيّته للبائع، غاية الفرق أنّه على الأوّل يوجب الردّ من جهة واحدة و هو نقص العيب، و على الثاني يوجبه من جهتين، من جهة نقص العيب و نقص تبعّض الصفقة بين البائع و المشتري بالحمل و الحامل.

بل و لا فرق أيضا في نقصه و عيبه بين الحادث قبل القبض أو بعده، غاية الفرق أنّ الحادث قبل القبض مضمون على البائع و مثبت للمشتري خيار الردّ و الأرش، و بعد القبض مضمون على المشتري و مانع من خصوص الردّ بالعيب السابق دون الأرش إذا كان نقصا ماليا، كما هو الغالب خصوصا في الإماء.

قوله: «و قدح هذا الاحتمال أمّا لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا على البائع، و أمّا لأنّ اشتراط البكارة كناية عن عدم وطء أحد لها .. إلخ».

أقول: تنزيل الخبر على كلّ من المعنيين لا يخلو عن شين.

ص: 402

أمّا المعنى الأوّل: فلأنّه تخصيص لعموم نفي الردّ و الأرش من قوله: «لا تردّ و لا شي ء عليه» (1) بخصوص ما إذا اشترط البكارة بعد القبض، و هو مناف لعموم الحكم و صريح تعليله بقوله: «قد يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها» (2).

و أمّا المعنى الثاني: فلأنّه و إن لم يناف التعليل إلّا أنّه تقييد عليل ينافي إطلاق الدليل و عدم التفصيل، بل الأظهر في معنى الخبر هو تعليل نفي العيبوبة و نقص الثيبوبة اسما و صدقا، أو نفي خياريّة الردّ و الأرش حكما و حقّا و إن كان الأوّل أظهر عرفا و الثاني شرعا، بعلّية أنّ إذهابها قد يكون بمقتضى أصل الخلقة، كسقوط أسنان الصبيان في أوان عدم العيب و النقصان و في غير أوان عيب و نقصان، و يعضده شهرة النصّ و الفتوى: «في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيّبا أ يجوز أن يقيم عليها؟ قال عليه السّلام: قد تفتق البكر من المركب و من النزوة» (3)، و لا قصور في سند الخبر و لا في دلالته بعد انجباره سندا و دلالة بالشهرة، إلّا من جهة المعارضة بمقطوعة يونس: «عن رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم يجدها عذراء، قال: يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق» (4)، المعاضدة بمكاتبة محمد بن جزك: «عمّن تزوّج جارية بكرا فوجدها ثيّبا، هل يجب لها الصداق وافيا أم ينقص؟ قال: ينقص» (5)، و لكنّ رواية يونس و إن كانت صحيحة إلّا أنّها هنا موقوفة لا تقاوم خبر زرعة (6) و إن كان واقفيّا، لكونه ثقة عن سماعة و إن كانت مضمرة، لكونها من سماعة موثقة. مضافا إلى إمكان الجمع


1- الوسائل 12: 418 ب «6» من أبواب أحكام العيوب ح 2.
2- الوسائل 12: 418 ب «6» من أبواب أحكام العيوب ح 2.
3- الوسائل 14: 605 ب (10) من أبواب أحكام العيوب و التدليس ح 1.
4- الوسائل 12: 418 ب «6» من أبواب أحكام العيوب ح 1.
5- الوسائل 14: 605 ب (10) من أبواب العيوب و التدليس ح 2.
6- تقدّم مصدرهما في هامش (3) هنا.

ص: 403

بحمل خبر يونس على اشتراط البكارة و خبر زرعة على اشتراطها و إن ظنّها، كما أنّ المكاتبة أيضا لا يقاوم ما عارضها من الخبر المعلّل بقوله: «قد تفتق البكر من المركب و من النزوة» (1).

قوله: «و مثل هذين و إن لم يكن نقصا في الخلقة الأصليّة إلّا أنّ عروض هذا النقص- أعني الخوف- مخالف لمقتضى ما عليه الأغلب في النوع».

[أقول:] و بعبارة أوضح: أنّ عدم الجدري و الختان و إن لم يكن نقصا في العيان و الأركان لكنّه نقصان في المعنى و العرفان، كخوف الجبان، و كثرة السهو و النسيان، و الخراج و العدوان، على الضياع و البلدان، بل و سوء خلق الإنسان، و شؤم الملك و الأعيان، و وسوسة الشيطان، من جملة العيوب و النقصان، لخروجها عن المجاري الطبيعيّة و الفطرة الأصلية، و المحاسن الشرعيّة الخلقيّة و الخلقيّة.

قوله: «عدم الحيض ممّن شأنها الحيض بحسب السنّ و المكان و غيرهما من الخصوصيّات الّتي لها مدخليّة في ذلك عيب تردّ معه».

[أقول:] فخرج عن العيبيّة عدم حيض من شأنها عدم الحيضيّة، لعدم بلوغ أوانها، أو تجاوز سنّها، أو علوّ شأنها بالاصطفاء و التطهير، كسيّدة نساء العالمين مريم و فاطمة عليهما السّلام، حيث لم تريا ما تراه النساء من الحيض و النفاس، كعدم البول و الغائط و الجنابة و الاحتلام و النوم و السهو و النسيان، في سائر الأنبياء و الأوصياء المصطفين المطهّرين بنصوص القرآن من كلّ عيب و ريب و نقصان، حتّى من نقص عدم الختان و الهوان، بل وجود هذه الصفات الطبيعيّة فيهم بملاحظة الشأنية الأصليّة الأوّلية الضفيّة المصطفويّة، كعدمها في غيرهم من العيوب و النقصان، الممتنع في خلفاء الرحمن بالدليل و البرهان.


1- تقدّم مصدرهما في هامش (3) ص: 402.

ص: 404

قوله: «و ظاهر الحلّي في السرائر (1) عدم العمل بمضمون الرواية رأسا».

[أقول:] بناء على أصله الغير الأصيل و هو عدم حجّية سند الدليل، و إلّا فلا قصور في دلالته على عيبيّة عدم الحيض و موجبيّة الردّ و إن اقتضى العادة في تلك المدّة المديدة عدم انفكاكه عن التصرّف المسقط للردّ، و إلّا أنّه استبعاد بحت و خارج عن منصرف السؤال و الجواب عن أصل عيبيّة عدم الحيض و حكمه مع الإغماض عن حدوث مانع الردّ و عدمه. و لو سلّمنا فلا أقلّ من العمل بمضمونه في أصل عيبيّة عدم الحيض و موجبيّة الخيار، غايته تبديل خيار الردّ فيه بالأرش إذا حصل مانع الردّ، و هو لا يقتضي بطرحه من أصل.

قوله: «صحيحة أبي هشام الآتية».

أقول: الصحيح أبي همام لا هشام، ثمّ إنّه ترك ذكرها في ضمن عيوب السنة الآتية في ضمن الصحيحة و إن أوعد، و هي قوله عليه السّلام: «ليس الإباق من ذا- أي من أحداث السنة- إلّا أن يقيم البيّنة أنّه كان آبق عنده» (2) أي عند البائع لا المشتري.

قوله: «و الأقوى ذلك».

[أقول:] أي كون الإباق عيبا، وفاقا لظاهر الشرائع (3)، و صريح التذكرة (4) من الاكتفاء في نقص عيبه بالمرّة، «لكون ذلك» أي المرّة «بنفسه» أي لا بالاعتياد «نقصا عرفا»، لمخالفته الفطرة الأصليّة و المحاسن العقليّة، لأنّ الإقدام و لو مرّة على الحرام يوجب التجرّي و الاقتحام في الموبقات العظام، كما يقتضيه إطلاق الصحيحة المتقدّمة.


1- السرائر 2: 304- 305.
2- الوسائل 12: 411 ب «2» من أبواب أحكام العيوب ح 2.
3- شرائع الإسلام 2: 44.
4- تذكرة الفقهاء 1: 538.

ص: 405

قوله: «و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل».

أقول: يمكن رفع الإشكال بتطبيقها القواعد بالحمل على كون المبتاع ليس عين ما في العكّة الشخصيّة من مقدار السمن حتّى يقتضي القاعدة بطلان بيعها على تقدير مخالفة المبيع و هو السمن للربّ المنكشف جنسا، و خيار الردّ و الأرش على تقدير كون المخالفة تعيب المبيع به وصفا، بل المبتاع إنّما هو مقدار ما تسعه العكّة من السمن الكلّي لا الشخصي، فيوافق القاعدة الحكم بقوله عليه السّلام:

«لك بكيل الربّ سمنا»، كما يصدقه تعلّل البائع بقوله: «إنّما بعته حكرة»، و تعليل ردّه عليه السّلام بقوله: «إنّما اشترى منك سمنا» (1)، أي كلّيّا لا شخصيّا.

قوله: «لأنّ الدردي غير متموّل».

[أقول:] و فيه أوّلا: المنع، لأنّ الدردي هو سفل الزيت و غليظة الباقي في أسفله، و هو متموّل يصلح للطلاء و الاستصباح و أكل البقر، فلا يقصر تموّله عن تموّل الظرف لمظروفه، فضلا عن قصوره عن تموّل النواة للتمر و القشور للبّ قشور الجوز و اللوز و النارجيل و الأرز و نحوه.

و ثانيا: لو سلّمنا عدم تموّله، لكنّه لا يخرج المبيع عن جنسه عرفا و إن أخرجه عن وصف الصحيح، فلا يبطل أصل البيع، بل يوجب خيار العيب.

و ثالثا: لو سلّمنا خروجه عن التموّل و إخراج المبيع به عن الجنسيّة، لكن مع ذلك لا يستلزم بطلان بيعه، إلّا إذا باع زقّ الزيت الجزئي الشخصي، و هو غرر مجهول المقدار بالدردي، و أمّا إذا باعه مقدار ما يسعه الزقّ من الزيت الكلّي (2).

قوله: «فيشكل الحكم بالردّ في باقي الأخبار» (3).


1- الوسائل 12: 419 ب (7) من أبواب أحكام العيوب ح 3.
2- كذا في النسخة الخطيّة، و الظاهر أنّ الكلام غير تام.
3- الوسائل 12: 411 ب «2» من أبواب أحكام العيوب.

ص: 406

أقول: يدفع الإشكال، لكن لا بما في المسالك (1) ليردّ عليه ما أورده الماتن، بل بأنّ انعتاق المجذوم بمجرّد الجذام قرينة كون المراد ليس الردّ إلى الملك و التمليك السابق، بل الردّ لاسترداد الثمن و عدم الامتناع منه.

قوله: «و كلاهما مشكل».

[أقول:] وجهه: أنّ كلّا من جواز الأرش و تعيّنه إنّما هو العيب القديم لا أحداث السنة.

[خاتمة في عيوب متفرقة]

قوله: «لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا [أو زيادة] في أصل الخلقة».

[أقول:] و فيه: أوّلا: منع عدم صدق العيب على الكفر و عدم كونه نقصا أو زيادة في أصل الخلقة. كيف! و لو كان كذلك لم يجز الردّ أيضا، كما لم يجز الأرش، و ذلك لما عرفت من عدم انحصار النقص عن أصل الخلقة في النقص الحسّي في الأعضاء و الكمّية، بل هو أعمّ منه و من المعنويّ في الأوصاف و الكيفيّة، بل و في الأفعال الخارجية الشامل لما دون الكفر من الشؤم المشئوم و العين المسموم، بل و لكثير السهو و النسيان، و الخوف و الجبان، و لمثل وسوسة الشيطان، بل و لمثل السفه و الإباق من العصيان.

و ثانيا: لو سلّمنا عدم إطلاق العيب عرفا على الكفر، لكن يكفي إلحاقه به شرعا بقوله عليه السّلام: «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى أنّ أبواه يهوّدانه» (2)، و فحوى نصّ (3) كون الإباق عيبا.

قوله: «لأنّه لا يعدّ نقصا بالنوع .. و ليس نقصا عند كلّ الناس».

أقول: تحريم الأمة على المشتري برضاع أو نسب أو إيلاء أو ظهار أو


1- مسالك الأفهام 3: 305.
2- الوسائل 11: 96 ب «48» من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه ح 3.
3- الوسائل 12: 411 ب «2» من أبواب أحكام العيوب ح 2.

ص: 407

نحوه و إن لم يكن عيبا قطعا، إلّا أنّه ليس لأجل إناطة النقص و التعيّب بالنوع لا الشخص و عند كلّ الناس لا المشتري، بل إنّما هو لأجل اعتبار التلبّس الفعلي في صدق المشتقّ لا الشأنيّ. و من المعلوم أنّ تحريم الأمة على المشتري و إن كان نقصا في نفسه عند الكلّ إلّا أنّه ليس نقصا فعليّا قائما بنفس الأمة حتّى يوجب تعيّبها و استناد العيب إليها عرفا، بل هو نقص شأنيّ قائم بأمر خارجيّ و هو شراء المشتري من تحرم عليه، فلا يستند عرفا إلى نفس الأمة المبتاعة.

قوله: «الأقوى عدمه».

[أقول:] و ذلك لأنّ خطر فساد البيع بالنيابة كخطر فساده بالأصالة احتمال مدفوع بأصالة صحّة فعل المسلم و عدم حدوث كاشف الفساد له شرعا.

قوله: «و كذا لو اشترى ما عليه أثر الوقف».

[أقول:] لأصالة عدم تحقّق شرائط لزومه من الصيغة و تصرّف الوقفيّة، بل و كذا لو اشترى ما هو محقّق الوقفيّة فإنّه و إن لم يصح بالأصالة إلّا أنّ أصالة صحّة فعل المسلم عند احتمال طروّ المسوّغ شرعا يصحّح بيعه و يقدّم على أصالة عدم حدوث المسوّغ له، لأنّها أمارة شرعيّة تتقدّم على الأصول العمليّة، إلّا إذا عورضت بغلبة الفساد في بعض الأزمنة و البلاد. نعم، خطر الفضولي بمعرضية الردّ و التعطيل عيب لا سبيل لرفعه.

قوله: «أقربه العدم».

[أقول:] أقربيّة العدم مبنيّ على انحصار العيب في النقص الحسي الخلقي لا الخلقي و لا الفعلي، و قد عرفت منعه. مضافا إلى فحوى النصّ (1) و الفتوى بعيبيّة الإباق و لو مرّة عند البائع، فإنّه يدلّ بالأولويّة على نقص المقامرة و النّماميّة و الخمّاريّة و السحر و القذف و نحوه من العيوب الموجبة للفساد و الإفساد و إربه


1- الوسائل 12: 411 ب (2) من أبواب أحكام العيوب ح 2.

ص: 408

العباد و تخريب البلاد و إيجاب الحدود. نعم، لو تاب المحدود قبل شرائه زال عنه نقص موجبه و عيبه الموجب لخيار المشتري.

قوله: «أو زهيدا فلا ردّ و يردّ الدابّة بالزهادة».

[أقول:] فيه: عدم الفرق بين الزهادة في الرقيق و الدابّة في كونه قليل الأكل مقابل الأكول فإنّه إن بلغ حدّ النقص أوجب الردّ في كلاهما و إلّا لم يوجبه في كلاهما، فلا وجه للتفصيل.

[القول في الأرش]

قوله: «و لم يقدر له في الشرع مقدّر».

[أقول:] لأنّ ماله مقدّر شرعي يسمّى في الشرع بالدّية لا الأرش.

قوله: «و ضمان (1) النقص تابع [في الكيفيّة] لضمان المنقوص».

[أقول:] يعني ضمان العيب تابع لضمان وصف الصحّة، فإن كان وصف الصحّة مضمونا بقيمته الواقعيّة- كضمان اليد في مثل المغصوب و المستام- كان ضمان نقصه مضمونا بقيمته الواقعيّة فيضمّ قيمة الصحّة الواقعيّة إلى نقص المعيب جبرا لضمانه باليد المضمونة بالقيمة الواقعيّة، و إن كان مضمونا بقيمة المسمّى- كما في ضمان المعاوضة- كان نقصه مضمونا بقيمة المسمّى الموزوع على مجموع الناقص و المنقوص، فيضمّ قيمة الصحّة بالنسبة إلى قيمة المسمّى لا الواقع إلى نقص المعيب جبرا لضمانه بالمعاوضة و قيمة المسمّى لا الواقع، و إلّا لجمع في بعض الأحوال بين العوض و المعوض المنهيّ عنه بقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا يجمع بين العوض و المعوض لواحد» (2)، على أنّ المراد جبر ما فاته بالعيب لا بغيره ممّا أقدم عليه بغيره و نحوه، و الّذي فاته بالعيب في المعاوضات هو ضمان قيمة المسمّى لا القيمة الواقعية. مضافا إلى ظهور المعتبرة: «يردّ عليه بقدر ما نقص من


1- في المكاسب: «ثمّ إنّ ضمان».
2- لم نجد بهذا المضمون عن النبي صلّى اللّٰه عليه و آله و لا عن غيره، و إنّما هي قاعدة فقهيّة واقعة مورد قبول عند الفقهاء و إن أسنده في الجواهر إلى النبي صلّى اللّٰه عليه و آله، انظر جواهر الكلام 23: 288.

ص: 409

ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك» (1)، في تقييد سائر المطلقات بثمن المسمّى، و إلّا لم يكن وجه للتقييد بالثمن.

قوله: «كالمغصوب و المستام و شبههما».

[أقول:] أمّا المغصوب فهو المأخوذ غصبا. و المستام هو المقبوض بالسوم، أي بالقيمة الواقعيّة، لا المسمّى و شبههما ما يضمن باليد لا بالمعارضة، سواء قبض بالسوم أو بالمعاوضة فاسدة أو بعارية مضمونة، أو نحوها.

قوله: «على مجموع الناقص و المنقوص».

[أقول:] الناقص: المعيب. و المنقوص: هو وصف الصحّة. و النقص هو العيب.

قوله: «فإنّه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها».

[أقول:] بل يجب بذل مقدار نسبة التفاوت لا نفسه، و كلّه من قيمة عوض الجارية و هو العبد، لكونه بمنزلة ثمنها المسمّى و عوضها في الفرض المذكور.

قوله: «فالردّ باعتبار النوع لا الشخص».

[أقول:] أي باعتبار نوع الثمن و كلّيته لا جزئيّة الثمن و شخصيّته، و لكنّ الظاهر انصراف الردّ و المردود إلى المعهود من الثمن، إن كان كلّيا فكلّيا، و إن كان جزئيّا فجزئيّا، إلّا أنّ اعتبار الأوصاف كالأجزاء في توزيع الثمن عليها لما استلزم الربا المحرّم بين المتجانسين الصحيح و المعيب كان ذلك قرينة شرعيّة على كون الأرش غرامة شرعيّة، لا عوض الوصف المنقوص في الناقص.

قوله: «و يمكن دفع (2) هذا الإشكال بأنّ المضمون بالنقدين هي الأموال المتعيّنة المستقرّة، و الثابت هنا ليس مالا في الذمّة .. إلخ».


1- الوسائل 12: 362 ب «16» من أبواب الخيار ح 2.
2- في المكاسب: رفع.

ص: 410

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ المضمون بالنقدين إنّما هو خصوص النقدين، و أمّا غيرهما من الأموال المضمونة فإنّما تعيين مقدارها بالنقدين، و أمّا تضمينها فبالأقرب فالأقرب إلى العين لا بخصوص النقدين. و قد عرفت أنّ نقص الأوصاف ليس كنقص الأجزاء مضمونا بجزء الثمن، و إنّما هو مضمون بكلّي الأرش الأعمّ من النقدين و غيره، و تعيين الأرش المضمون كلّية إنّما هو إلى ضامنه لا المضمون له. فكما لا حقّ للمضمون له خصوص أحد النقدين كلّية مطالبة أحد فرديه المعين الجزئي، و إنّما له مطالبة الحقّ الكلّي من النقدين دون أحد فرديه الراجع تعيينه إلى ضامنه لا غير، حتّى لو أقرضه عينا و هو موجود لم يكن للمدين مطالبة عين ماله بعد تملّكه الديّان بالدين، و إنّما له مثله أو قيمته على وجه الكلّية.

كذلك لا حقّ للمضمون له الأرش الكلّي سوى مطالبة كلّيه، و إنّما تعيينه من حيث النقد و غيره، و كذا من حيث أفراد كلّ من النقدين و غيرهما ليس إلّا إلى ضامنه، فليس للمضمون له مطالبة فرد معيّن لا من أفراد كلّي الأرش و لا من أفراد أحد النقدين، و لو طالبه المعين كان للضامن الامتناع منه، لعدم تعيين الفرد الجزئيّ عليه، و إنّما المتعيّن عليه هو الكلّي، فله تعيينه في أي فرد من أفراد كلّيه شرعا.

و ثانيا: لو سلّمنا كون المضمون بالنقدين هي الأموال، فأيّ فرق بين المستقرّ في الذمّة، و بين المعلّق على مطالبته بحقّ الخيار أو الضمان بعد الاستقرار بالمطالبة.

و ثالثا: لو سلّمنا الفرق، فليس بفارق بين ضمان الاروش و ضمان الأموال من حيث كون المضمون النقدين و غيره.

قوله: «و لا يعقل أن يكون مستغرقا له، لأنّ المعيب إن لم يكن ممّا يتموّل

ص: 411

و يبذل في مقابلة شي ء من المال يبطل بيعه، و إلّا فلا بدّ أن يبقى له من الثمن قسط».

أقول: فيه: أنّه لا مانع عقلا و لا شرعا من استغراق العيب الثمن و لا من صحّة بيعه حينئذ، بل و لا من تضمينه أضعاف الثمن لو ردّه المشتري مع مئونة الردّ و نفقة المردود، و هذا لا يستلزم عدم تموّله المبطل بيعه من أصل عرفا أو شرعا، كبيع العذرة. كيف! و قد ظهر ما تقدّم أنّ الأرش غرامة شرعيّة لا استرداد زيادة عوضية، و إلّا لبطل ما قابل العيب من أجزاء الثمن من المبيع، كما يبطل ما قابل النقص الجزئي منه.

نعم، يستلزم انفساخ بيعه قهرا لو طلب المشتري أرشه المستغرق للثمن شرعا بعموم قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا يجمع العوض و المعوض لواحد» (1).

قوله: «بل لو فرضنا حدوث العيب على وجه أخرجه عن الملك فلا دليل على إلحاقه بالتلف».

أقول: الدليل على إلحاق العيب المخرج عن الملك بالتلف، بل و إلحاق العيب المستغرق للثمن به أيضا في انفساخ البيع و رجوع المبيع إلى البائع هو تنقّح المناط و إطلاق النصّ بقوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لا يجتمع بين العوض و المعوض لواحد» (2)، فإنّه لو لم يمنع اجتماع العوض و المعوض للمشتري من بقاء الملك له و لم يقتض انفساخ البيع و رجوع المبيع إلى بائعه إذا استغرق عيبه الثمن أو أخرجه عن الملكيّة لم يمنع اجتماع العوض و المعوض له من بقاء المتلف على ملك المشتري، و لم يقتض انفساخ بيع المتلف في ضمان البائع و رجوعه إلى بائعه أيضا. و لكنّ النصّ المانع من اجتماع العوض و المعوض لمّا كان مانعا من بقاء


1- تقدّمت الإشارة إليه في هامش (2) ص: 408.
2- تقدّمت الإشارة إليه في هامش (1) ص: 409.

ص: 412

المتلف في ملك المشتري لا محالة كان مانعا من بقاء المعيب في ملكه إذا استغرق أرش عيبه الثمن كلّه أو أخرجه عن الملكيّة أيضا، و ملحقا له بالتلف في انفساخ البيع، و رجوع المبيع مطلقا إلى بائعه، و اختصاص حقّ اختصاصه و مئونات حفظه أو دفنه، و رفع مضارّه و مفاسده بالبائع لا المشتري، إلى غير ذلك من موارد ظهور الثمرة.

قوله: «و هذا في الحقيقة لا يدخل في المقوّم».

[أقول:] لإخباره عن موضوع ما هو محفوظ القيمة و معلومه أي عن موضوع المعيب و الصحيح لا عن قيمتهما، كما أنّ الأوّل إخبار عن المحسوس في التعاطي من القيمة و المقوّمي كالمعرّف من الصفات الباطنيّة لا يصدق عليه المقوّم، إلّا إذا أخبر عن معرفته لا حسّه كالفقيه لا يصدق عليه الفقاهة إلّا إذا أخبر عن اجتهاده لا حسّه، فالأوّل و إن أخبر عن القيمة لكنّه خارج عن المقوّم من جهة إخباره عن حسّه لا عن حدسه، و الثاني و إن أخبر عن حدسه إلّا أنّه خارج عنه في جهة إخباره عن موضوع القيمة لا عن نفس القيمة.

قوله: «و يحتمل الجمع بطريق آخر و هو أن يرجع إلى البيّنة في مقدار التفاوت».

[أقول:] و الفرق أخذ الأرش على الطريق الأوّل بنسبة التفاوت الملحوظ بين قيمتي الصحيح و المعيب بعد تنصيف المجموع المختلف فيه، و على الثاني بالعكس و هو أخذه بنصف التفاوتين بين القيمتين المختلفين. و الأسهل أخذ النسبة بين كلّ صحيح و معيب من نصف الثمن.

و بعبارة: أعمل كلّ من البيّنتين في نصف الثمن إن كانتا اثنين، و ثلثه إن كانتا ثلاثة، و ربعه إن كانتا أربعة، و هكذا.

قوله: «و بنصف المجموع أعني ستّة و نصف».

ص: 413

[أقول:] و ذلك لأنّ سدس الاثني عشر اثنان و ثلاثة أثمانه لا أربعة و نصف.

قوله: «و نصفهما السدس و الربع».

[أقول:] أي نصف الثلث السدس و هو الاثنان من اثني عشر المفروض قيمة الصحيح و نصف النصف الربع و هو الثلاثة منه. «و هذا» أي المجموع من السدس و الثلث و هي الخمسة من اثني عشر «بعينه تفاوت السبعة و الاثني عشر».

قوله: «أعني العشرة و الستّة (1) و نصف».

[أقول:] فيه: غلط إذ كما صحّح أنّ مجموع قيمتي الصحيح من العبد و الجارية هو العشرة كذلك المجموع في الطرف الآخر، لملاحظة النسبة و التفاوت ينبغي أن يكون مجموع قيمتي المعيب من العبد و الجارية أيضا و هو السبعة و نصف لا الستّة و نصف، لأنّ الستّة و نصف هو مجموع قيمتي الصحيح و المعيب من العبد، لا المعيب منهما المعتبر طرفا للصحيح منهما لملاحظة نسبة التفاوت و أخذه أرشا و يشهد عليه أيضا.

قوله: «و أخذ التفاوت و هو الربع من الثمن و هو ثلاثة إذا فرض الثمن اثنى عشر، كما هو طريقة المشهور».

[أقول:] إذ من المعلوم أنّ التفاوت بالربع إنّما هو بين العشرة و السبعة و نصف، لا الستّة و نصف.

قوله: «فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشا».

[أقول:] أي الثلاثة من اثني عشر فقد أخذ للعبد ثلاثة أثمان قيمته، أي الواحد و النصف من الأربعة الّتي هي قيمة صحيح العبد المضاف إلى قيمة معيبة الاثنين و نصف أرشا و هو ثلثا الربع المأخوذ من اثني عشر، أي الاثنين من الثلاثة المأخوذة من اثني عشر.


1- في المكاسب: «و السبعة».

ص: 414

قوله: «و للجارية سدسه» (1).

[أقول:] و هو ثلث الربع المأخوذ من اثني عشر، أي الواحد من الثلاثة المأخوذة من اثني عشر.

قوله: «لأنّه أخذ من مقابل الجارية أعني سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس، و من مقابل العبد، أعني أربعة و أربعة أخماس ثلاثة أثمان و هو واحد و أربعة أخماس».

[أقول:] و ذلك لأنّ مقابل الجارية من قيمة المسمّى المفروض اثني عشر بعد توزيع العشر على ستّة الجارية و أربعة العبد ستّة أخماس الاثنين الباقية، و هو واحد و خمس على ستّة الجارية، فيبلغ سبعة و خمس و أربعة أخماس الباقية على أربعة العبد، فيكون المأخوذ له ثلاثة أثمان و هو واحد و أربعة أخماس، لأنّ ثلاثة أثمان الأربعة واحد و نصف و ثلاثة أثمان الأربعة و الأربعة أخماس واحد و أربعة أخماس.

قوله: «فالثلاثة [التي] هي ربع الثمن».

[أقول:] أي ربع الاثني عشر «منطبق على السدس و ثلاثة أثمان» أي على سدس السبعة و الخمس و هو واحد و خمس و على ثلاثة أثمان الأربعة و الأربعة أخماس و هو واحد و أربعة أخماس، و لكنّ الانطباق بالتكسير، كما لا يخفى.

قوله: «فيصير مجموع الأرش ثلاثة و ربع».

[أقول:] لأنّه نصف مجموع التفاوتين المنصف على طريق الشهيد (2)، أعني سدس الاثني عشر و هو اثنان و ثلاثة أثمانه و هو أربعة و نصف إذا أخذ نصفها


1- في المكاسب: «سدسها».
2- لم نجده في كتبه المتوفرة لدينا و نقله إيضاح النافع، كما عن صاحب جواهر الكلام 23: 291.

ص: 415

أرشا- على ما مرّ (1) من طريقة الشهيد- صار مجموع الأرش ثلاثة و ربع.

قوله: «و صار كلّ واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا».

[أقول:] و هو اثنان «و نصف سدس» و هو واحد «و ثمنه» أي ثمن السدس المفروض اثنان «و هو» ربع الواحد فبلغ مجموع الأرش «من الثمن المفروض اثني عشر ثلاثة و ربع» فراد على طريق المشهور بربع أيضا.

قوله: «الوسط من حيث النسبة لا من حيث العدد».

[أقول:] أي الوسط بين الجميع بحيث لا يكون نسبته إلى واحدة أقرب منها إلى الأخرى لا الوسط بالمعنى المنساق، ضرورة انتفائه في نحو القيمتين و الأربعة و نحوها ممّا لا وسط له، هذا فيما اختلفت القيم عند أهل الخبرة، و كذا إذا اختلفت القيم لأفراد ذلك النوع المساوية للمبيع؛ كما في الأضاحي.

قوله: «و قد عرفت أنّ الجمع بتعديل التفاوت، لأنّه الحقّ دون [خصوص] القيمتين المحتملتين».

أقول: نعم، إلّا أن يستند بطريق المشهور- مضافا إلى الشهرة- إلى خبر عبد اللّٰه بن عمر، و لعلّه الحنّاط الثقة، و لو كان الليثي الضعيف فهو مجبور بعمل الأصحاب به في محلّه، قال: «كنّا بمكّة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثمّ بدينارين ثمّ بلغت سبعة ثم لم توجد بقليل و لا كثير، فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن فأخبره بما اشترينا و انّا لم نجد، فوقّع عليه السّلام: «انظروا إلى الثمن الأوّل و الثاني و الثالث فاجمعوا ثم تصدّقوا بمثل ثلثه» (2)، و قد عمل به الأصحاب في محلّه، بل قالوا: الضابط أن يجمع القيمتان أو القيم و يتصدّق بقيمة منسوبة إلى القيم بالسويّة، فمن الثلاثة الثلث، و من الأربعة الربع، و هكذا،


1- لم يتقدّم منه «قدّس سرّه الشريف».
2- الوسائل 10: 172 ب «58» من أبواب الذبح ح 1.

ص: 416

و اقتصار بعض على الثلث تبعا للرواية، و إلّا فالمراد ذلك، و هو قريب إلى طريقة المشهور، بل لعلّ اختلاف البيّنات هو تعدّد القيم باعتبار تفاوت الرغبات، فيكون كالشي ء الواحد الّذي له قيم متعدّدة. و مقتضى العدل الجامع بين حقّي البائع و المشتري هو ما ذكره المشهور، و تضمّنه الخبر المزبور، فليست المسألة حينئذ من تعارض البيّنات كي يجري فيها حكمه.

قوله: «و اشتقاق المشروط منه ليس على الأصل كالشارط».

[أقول:] أي كاشتقاق الشارط على خلاف الأصل، أي على غير القياس، كاشتقاق المضحّي لمن أضحى الأصحيّة في يوم الأضحى، و المعرّف لمن أقام عرفات، و المشعر لمن بات المشعر، إلى غير ذلك ممّا يشتقّ من الجوامد على خلاف الأصل.

[القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب على صحيحها و فاسدها]
اشارة

قوله: «و لذا ليسا بمتضايفين في الفعل و الانفعال».

[أقول:] كالخالق و المخلوق، و الصانع و المصنوع، و القاتل و المقتول، بل كان الشارط بالمعنى الثاني هو الشارع، و الشرط هو الطهارة و القبلة، و المشروط له الصلاة.

و فيه: أنّ عدم التضايف بين الفاعل و المفعول لا ينحصر بالمشتقّ من الجوامد حتّى يستدلّ به على جمود مبدأ اشتقاقه، بل قد يأتي في المشتقّ من مبدأ الحدوث أيضا، كالنازل و المنزول، و العادل و المعدول، إلّا أن يخرج الأفعال اللازمة بقوله: «في الفعل و الانفعال».

قوله: «و على كلّ تقدير ففي الأخبار عنه بثلاثة أيّام مسامحة».

أقول: لا مسامحة عرفا في حمل الزمان على نفس الخيار، أو ثبوته بتقدير حرف في أو إلى، كقوله عليه السّلام: «الحيض ثلاثة أيّام» (1) و «خيار ما يفسد ليومه


1- الوسائل 2: 551 ب (10) من أبواب الحيض.

ص: 417

يوم» (1) فإنّه بليغ شائع كثير النظائر في العرف.

[الكلام في شروط صحة الشرط]

قوله: «فأسند الجعل إلى نفسه بهذا الاعتبار. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لا يقال: إنّ الإلزام و الالتزام باشتراط الشرط الغير المقدور باعتبار الأصل و بالذات غير مقدور و غير متوهّم الجواز، كذلك باعتبار الواسطة مقدور جائز غير متوهّم عدم جوازه، فأين محلّ الكلام و الخلاف ممّا يتوهّم فيه الجواز و العدم؟

لأنّا نقول: إنّ محلّه المقدور بالواسطة الغير المحتمل وجوده بالفعل، بل في المستقبل، فمن حيث إنّه غير مقدور بالأصل و الذات يوهم الغرر المانع من جوازه، و من حيث إنّه مقدور بالواسطة في المستقبل شبيه المشروط به في الحال يوهم إلحاقه بالمشبه به في الصحّة، لأصالة الصحّة شرعا، و عدم معلوميّة المانع من صدق الغرر عرفا، كما عن الشيخ (2) و القاضي (3) و التذكرة (4).

قوله: «و بيدها الجماع و الطلاق» (5).

أقول: الصحيح في نسخ كتب الأصول «بيده» لا «بيدها»، كما يشهد عليه قوله فيما بعد: «و ذلك السنّة» و فيما قيل: «خالفت السنّة و وليت حقّا ليست بأهله»، من ولي يلي، أي تبعت و اتبعت حقّا ليست بأهله.

قوله: «فإنّ التزام ترك المباح و إن لم يخالف الكتاب المبيح له إلّا أنّه التزامه (6) فعل الحرام يخالف الكتاب المحرّم له».


1- الوسائل 12: 358 ب (11) من أبواب الخيار.
2- المبسوط 2: 156.
3- جواهر الفقه: 60 مسألة 219.
4- تذكرة الفقهاء 1: 493.
5- الوسائل 15: 40 ب «29» من أبواب المهور ح 1.
6- في المكاسب: «إلّا أنّ التزام».

ص: 418

[أقول:] بقوله لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ (1) و قوله قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ (2) و قوله آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ (3)، و لا ينقضه صحّة اشتراط توارث المتعة، و لا رقية ولد الحرّ من مملوكه الغير بالشرط، و لا اختيار السكنى للزوجة، و لا اشتراط ما دون الوطء أو ما دون الليل أو النهار أو ما دون القسم لها، و لا اشتراط ما يخالف الكتاب في العقود و لو كانت المخالفة لعموم الوفاء بالعقود (4)، إلى غير ذلك ممّا يخالف عموم جوازه بالكتاب للزومه بالشرط أو بالعكس، و هو مخالفة جوازه بخيار الشرط للزوم الوفاء به بالكتاب، لإمكان الجواب بأنّ النصوص (5) المثبتة للزوم الشرط في أمثال تلك الموارد المخالفة لعمومات الكتاب إمّا أن تكون قاصرة عن الحجّية و تخصيص عموم الكتاب و عموم قوله عليه السّلام: «إلّا شرطا يخالف الكتاب» (6)، و إمّا أن لا تقصر عن الحجّية و تخصيص عموم الكتاب و القاعدة.

أمّا على الأوّل فلا تنهض لنقض قاعدة فساد الشروط المخالفة للكتاب.

و أمّا على الثاني فلا مانع من تخصيصها عموم فساد الشرط المخالف بالكتاب، فكما جاز تخصيص عموم الكتاب القطع و هو عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالخبر الظنّي و هو «المؤمنون عند شروطهم» (7)، و كذلك جاز تخصيص عموم: «المؤمنون عند شروطهم» بقوله عليه السّلام: «إلّا شرطا خالف الكتاب» فكذا جاز تخصيص عموم: «إلّا ما خالف الكتاب» (8) بمثل إلّا توارث


1- التحريم: 1.
2- الأعراف: 32.
3- يونس: 59.
4- المائدة: 1.
5- الوسائل 12: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
6- الوسائل 12: 352 ب «6» من أبواب الخيار ح 2.
7- الوسائل 12: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
8- انظر الوسائل 12: 353 ب «6» من أبواب الخيار ح 3.

ص: 419

المتعة (1)، أو رقيّة الولد (2)، أو اختيار السكنى (3)، و نحوه ممّا يصلح للتخصيص بالفرض.

قوله: «فيمكن حمل رواية محمد بن قيس (4) على إرادة عدم سببيّته للطلاق بحكم الشرط. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى استبعاد الحمل المذكور في الرواية من جهات:

أحدها: من جهة أنّ في سياق نفي سببيّته للطلاق نفي سببيّته للجماع أيضا بحكم الشرط و عموم النكرة في سياق النفي من قوله عليه السّلام: «خالفت السنّة و وليت حقّا ليست بأهله» (5)، فلا وجه لحمله على ففي سببيّته للطلاق خاصّة من غير مخصّص.

و ثانيا: من جهة عدم نهوض الحمل المذكور في سائر النصوص (6) المستفيضة النافية لاشتراط التسرّي و التزويج بمخالفة الكتاب، خصوصا في مثل قوله: «سألت الصادق عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة و شرط لها أن لا يتزوّج عليها و رضيت أنّ ذلك مهرها، فقال عليه السّلام: هذا شرط فاسد» (7)، و خبر زرارة «أنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا في حياتها و لا بعد موتها على أن جعلت له هي أن لا تتزوّج بعده أبدا، و جعلا عليهما من الحجّ و العمرة و الهدي و النذور و كلّ مال لهما في المساكين إن لم يف كلّ واحد منهما لصاحبه، فقال عليه السّلام: إنّ لابنة حمران لحقّا، و لن يحملنا ذلك على أن لا نقول


1- الوسائل 14: 485 و 486 ب «32» من أبواب المتعة ح 1 و 5.
2- الوسائل 14: 578 ب «67» من أبواب نكاح العبيد و الإماء ح 2 و 3 و 4.
3- الوسائل 15: 48 ب «40» من أبواب المهور.
4- الوسائل 15: 40 ب «29» من أبواب المهور ح 1.
5- الوسائل 15: 40 ب «29» من أبواب المهور ح 1.
6- الوسائل 15: 29 ب «20» من أبواب المهور.
7- الوسائل 15: 29 ب «20» من أبواب المهور ح 1.

ص: 420

الحقّ لك فاذهب و تسرّ، فإنّ ذلك ليس بشي ء، و ليس شي ء عليك و لا عليها» (1)، الخبر.

و ثالثا: من جهة أنّ تأويل خبر ابن قيس ليس بأولى من تأويل خبر منصور: «فليف للمرأة شرطها» (2) بالحمل على استحباب الوفاء بالشرط و الوعد و لو لم يلزم، أو على التقيّة كما عن الشيخ (3)، و يعاضده خبر منصور بن حازم:

«سألته عمّن حلفت لزوجها بالعتاق و الهدي إن هو مات لا تتزوّج بعده أبدا ثمّ بدا لها أن تتزوّج، قال: تبيع مملوكتها فإنّي أخاف عليها السلطان، و ليس عليها في الحقّ شي ء» (4)، الخبر.

قوله: «المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على القسم الثاني لا الأوّل».

[أقول:] فيه: ما عرفت من أنّ عموم تعليل ترك التسرّي و التزويج و الجماع و العتاق و الصدقة و الحجّ و العمرة و نحوها بالمخالفة ظاهر، بل صريح في كون المخالف للكتاب هو الشرط بقسميه، بل مورد جميع نصوص (5) الشرط و الاشتراط ليس إلّا الشرط المخالف بالمعنى الأوّل لا الثاني.

قوله: «فينبغي للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنّة الدالّين على الحكم الّذي يراد تغيّره بالشرط و التأمّل فيه حتّى يحصل له التميز و عرف أنّ الشروط (6) من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّ إحالة تميّز الأحكام من حيث قابليّة التغيير بالشرط


1- الوسائل 15: 29 ب «20» من أبواب المهور ح 2.
2- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 5.
3- الاستبصار 3: 232 ذيل الحديث 835.
4- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 5.
5- الوسائل 15: 29 ب «20» من أبواب المهور.
6- في المكاسب: «المشروط».

ص: 421

و عدمه، و من حيث مخالفة الشرط فيه للكتاب و السنّة و عدمه إلى نظر المجتهد و تأمّله و تتبّعه في الموارد المذكورة لا يكاد أن يضبط و لا أن يظهر، لاختلاف النظر، و إنّما الضابط و الأظهر الرجوع في جميع موارد الاشتراط المشكوكة الصحّة إلى ملاحظة النصوص الواردة في الاشتراط، فإن كانت قاصرة سندا أو دلالة عن الحجّيّة و تخصيص المخالف له في الكتاب و السنّة من عموم الوفاء بالعقود (1) و العهود (2) و عموم «ما خالف السنّة ردّ إلى السنّة» (3)- كما في ثبوت الولاء لغير المعتق- كان المرجع فيها إلى عموم الكتاب و السنّة المخالف للزوم الشرط و الاشتراط شرعا، لغرض قصور المخصّص له بالشرط عن التخصيص، و إلّا فالمرجع إلى عموم دليل الاشتراط المخصّص لعموم: «ردّ ما خالف الكتاب و السنّة إلى الكتاب و السنّة».

و حاصل الضابط: أنّ مورد الشرط إن لم يخالف عموم الكتاب و السنّة كان المرجع فيه إلى عموم الوفاء بالعهود و «المؤمنون عند شروطهم» (4)، و إن خالفه كان المرجع فيه إلى عموم الكتاب و السنّة، إلّا إذا خصّصه مخصّص رجع إليه. فلم يبق من مورد للشكّ في صحّة الشروط حتّى يحتاج فيه إلى تتبّع المجتهد أو الرجوع إلى الأصل، على أنّ ما يتراءى من التعارض و تخصيص المخالف للكتاب سيّما في التحريم و التحليل فهو على شذوذه و على تقدير ثبوته مؤوّل إلى الموافقة للكتاب في الواقع و الباطن، لأنّ للقرآن سبعون (5) بطون


1- المائدة: 1.
2- النحل: 91.
3- انظر الوسائل 15: 311 ب «29» من أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه.
4- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
5- لم نعثر على الحديث بهذا اللفظ، و لكن وجد بألفاظ اخرى، راجع البحار 92: 91 و 95 ح 37 و 48.

ص: 422

وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (1) وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ (2). فحينئذ فلا معارض للقاعدتين الكلّيتين «كلّ شرط جائز إلّا ما حرّم حلالا» (3)، بل و لا تخصيص في البين فضلا عن التخصيص بالأكثر، بل هو آب عن التخصيص، لقوله تعالى فيه: تبيان لكلّ شي ء (4) مٰا فَرَّطْنٰا فِي الْكِتٰابِ مِنْ شَيْ ءٍ (5) وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ و لٰا يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لٰا مِنْ خَلْفِهِ (6). و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (7)، و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله:

«ما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فهو باطل» (8) «فهو زخرف» (9) إلى [غير ذلك] من نصوص «العرض على الكتاب» (10) المتواترة الصحيحة الصريحة في كون الكتاب ضابط كلّي لتميّز الحقّ و الباطل، و الصدق و الكذب، و مع ذلك كيف يعقل المخالفة للقرآن ممّن هو نفس القرآن؟!

قوله: «فإن لم يحصل له بنى على أصالة عدم المخالفة .. إلخ».

[أقول:] و فيه أوّلا: ما عرفت من الضابط الكلّي أنّ مورد الشرط إن لم يخالف عموم الكتاب و السنّة كان راجعا إلى عموم: «المؤمنون عند شروطهم» (11)، و إن خالفه كان مرجعه إلى عموم الكتاب و السنّة، إلّا إذا خصّص بمخصّص رجع


1- الأنعام: 59.
2- آل عمران: 7.
3- الوسائل 12: 353 ب «6» من أبواب الخيار ح 5.
4- النحل: 89.
5- الأنعام: 38.
6- فصّلت: 42.
7- الوسائل 18: 19 ب «5» من أبواب صفات القاضي ح 9.
8- الوسائل 18: 79 ب «9» من أبواب صفات القاضي ح 15.
9- الوسائل 18: 79 ب «9» من أبواب صفات القاضي ح 14.
10- الوسائل 18: 84 ب «9» من أبواب صفات القاضي ح 29.
11- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.

ص: 423

إليه. فلم يبق مورد للشكّ حتّى يرجع فيه إلى الأصول.

و ثانيا: لو سلّمنا فالأصل الأصيل في مورد الشكّ في صحّة الشرط و عدمه هو أصالة عدم تأثير الشرط، و استصحاب بقاء العقد على لزومه، و بقاء المشروط على عدم لزومه، و الشرط على عدم تأثيره، لا أصالة عدم المخالفة و أصالة قابليّة الحكم الحادث للتغيّر بالشرط.

لأنّ الشكّ في ذلك أوّلا: كالشكّ في ذكوريّة المولود و أنوثيّته شكّ في الحادث لا الحدوث فلا يجري فيه الأصل.

و ثانيا: أنّه مثبت لا يثبت بأصالة عدم المخالفة تأثير الشرط لزوم المشروط.

و ثالثا: بأنّ أصالة عدم تأثير الشرط و الاشتراط لزوم المشروط و عدم تغيّر المشروط بالشرط، و استصحاب بقاء العقد المشروط على ما كان قبل الشرط حاكم على أصالة عدم المخالفة و أصالة قابليّة الحكم المشروط للتغيّر بالشرط.

كما أنّ استصحاب طهارة المتيمّم و أصالة عدم انتقاضة بوجدان الماء في أثناء الصلاة حاكم على أصالة عدم ثبوت التيمّم، و حكم الطهارة على وجه لا يقبل الانتقاض بوجدان الماء في أثناء الصلاة.

قوله: «و فيه من الضعف ما لا يخفى».

أقول: أمّا المفصّل المذكور فهو ظاهر المستند (1) و عن صريح العوائد (2).

و أمّا تفصيله فهو تخصيص الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه بما كان الحكم المشروط لا شرطه، و التزامه مخالفا للكتاب، و ظاهره إرادة ما لو اشترط حلّ الحرام أو حرمة الحلال، لا فعل الحرام أو ترك الحلال، كما مثّل له باشتراط عدم


1- انظر مستند الشيعة 2: 389.
2- عوائد الأيام: 49.

ص: 424

خيار ما فيه الخيار لا سقوط الخيار.

و أمّا وجه ضعفه فلما فيه أوّلا: بأنّه لا مخصّص لتخصيصه الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه باشتراط حلّ الحرام لا فعله، بل لا موقع له في الشروط و الالتزامات الغالبة.

و ثانيا: بأنّ نسبة الشرط المخالف للكتاب الممنوع عنه بالنسبة إلى عموم:

«المؤمنون عند شروطهم» (1) و وجوب الوفاء بالشرط خاصّ مقدّم عرفا و مستثنى من العموم، فأين التعارض المحوج إلى المرجّح الخارجي من إجماع و نحوه.

و ثالثا: بما في المتن من قوله: «مع أنّ اللازم (2) .. إلخ».

قوله: «و أدلّة الشروط حاكمة على القسم الأوّل دون الثاني».

[أقول:] و فيه: ما عرفت من أنّ حكومة أدلّة الشرط على الأوّل مبنيّ على ما اختاره من تخصيص المخالف للكتاب المخصّص لعموم أدلّة الشروط بالقسم الثاني دون الأوّل، و إلّا فعلى تعمّم المخالف للقسمين- كما عرفت- ينعكس الأمر و يكون المخالف بقسميه مخصّص لأدلّة الشروط لا محالة.

قوله: «و الوقوف مع الدليل الخارج الدالّ على فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشكّ .. إلخ».

أقول: أصل هذا الإشكال على طوله من الجواب و السؤال، و القيل و القال، مبنيّ على تخصيص المخالف للكتاب الممنوع فيه الاشتراط بخصوص الأحكام الإلزاميّة دون غيرها، و أمّا على تعمّم المخالف للقسمين فلا إشكال في البين، لانحصار المشكوك في ضابطتين كلّيتين، لأنّ مشكوك الصحّة من جميع موارد


1- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
2- المكاسب: 279.

ص: 425

الاشتراط حينئذ إن لم يخالف الكتاب بشي ء من قسمي المخالفة شرطا أو مشروطا اندرج في عموم كلّية ضابطة صحّة الاشتراط و وجوب الوفاء بالشرط، لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (1). و إلّا بأن خالفه بشي ء من قسمي المخالفة شرطا أو مشروطا اندرج في عموم كلّية ضابطة ممنوعيّة اشتراط المخالف من الصحّة، إلّا ما أخرجه الدليل المخصّص فانضبط ضابطيّة الرواية من الجهتين و ارتفع الإشكال في البين.

إذ كما لا إشكال في تخصيص عموم قاعدة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بعموم قاعدة «المؤمنون عند شروطهم» و لا في تخصيص عموم هذا المخصّص بعموم:

«كلّ شرط خالف الكتاب فهو باطل» «مردود» (2) كذلك لا ينبغي الإشكال في تخصيص القاعدة الثانية ببعض المخصّصات الخاصّة المنصوصة لصحّة اشتراط بعض ما خالف الكتاب من توريث المتعة (3) و رقيّة ولد المملوكة من الحرّ (4)، و نحوه ممّا أخرجه النصّ المخرج عن القاعدة على تقدير ثبوته، و حاملهم على تكليف تخصيص الشرط الجائز و الغير الجائز بأحد المخصّصات المذكورة على طولها توهّم التعارض أو لزوم التخصّص بالأكثر بين قوليه: «كلّ شرط أو صلح جائز إلّا ما حرّم حلالا (5) .. إلخ»، حيث إنّ الشرط كالنذر و العهد و اليمين كثيرا ما يحرّم الحلال.

و يدفعه: أنّ النذر و العهد و اليمين خارج عن موضوع الشرط تخصّصا، و الشرط المحرّم للحلال خارج عن حكمه تخصيصا في خصوص ما أخرجه


1- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
2- الوسائل 13: 43 ب «15» من أبواب بيع الحيوان ح 1.
3- الوسائل 14: 485 و 486 ب «32» من أبواب المتعة ح 1 و 5.
4- الوسائل 14: 578 ب «67» من أبواب نكاح العبيد و الإماء ح 2 و 3 و 4.
5- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 5.

ص: 426

الدليل الدالّ على الوفاء بالشرط المحرّم للحلال في موارد قليلة لا تستلزم التخصيص بالأكثر و لا غيره، بل المعلوم من نصوص «العرض على الكتاب» (1) و «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّٰه و عترتي، و أنّهما لن يفترقا» (2) أنّ المخالف للكتاب سيّما في التحريم و التحليل على شذوذه و على تقدير ثبوته مؤوّل في الواقع و الباطن إلى الموافق، لأنّ «للقرآن سبعون بطن» (3) وَ لٰا رَطْبٍ وَ لٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (4) وَ مٰا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّٰهُ وَ الرّٰاسِخُونَ (5).

قوله: «بل يلزم كون الكلّ لغوا».

[أقول:] أي يلزم من تعميم المستثنى بقوله: «إلّا ما حرّم حلالا» (6) لعموم تحريمه الحلال بنفسه أو بغيره لغوية عموم المستثنى منه بقوله: «المؤمنون عند شروطهم» (7) «و كلّ شرط جائز»، لانحصار المستثنى منه حينئذ في اشتراط الواجب فعله أو تركه بعد تعمّم المستثنى لمطلق المحرّم للحلال بنفسه أو بغيره، بخلاف ما لو خصّصناه بالمحرّم بلفظ التحريم لا غير. و فيه منع الملازمة، لأنّ لغويّة الكلّ إنّما هو في التخصيص بالأكثر.

قوله: «و للنظر في مواضع من كلامه مجال. فافهم».

[أقول:] لما فيه أوّلا: من أنّه لا مخصّص للشرط المخالف بالمخالفة الكلّية دون الجزئيّة في فرد من الكلّي.


1- الوسائل 18: 84 ب (9) من أبواب صفات القاضي ح 29.
2- الوسائل 18: 19 ب «5» من أبواب صفات القاضي ح 9.
3- لم نعثر على الحديث بهذا اللفظ و لكن وجد بألفاظ اخرى، راجع البحار 92: 91 و 95 ح 37 و 48.
4- الأنعام: 59.
5- آل عمران: 7.
6- الوسائل 12: 353 ب «6» من أبواب الخيار ح 5.
7- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.

ص: 427

و ثانيا: بأنّ المنع عن كلّي شي ء منع عن كلّ فرد من جزئيّاته بخلاف العكس، و المنع عن كلّي ترك التسرّي و التزويج منع عن كلّ فرد من جزئيّاته أيضا، فأين التفكيك؟

و ثالثا: بأنّ مخالفة الشرط و مبدعيّة الالتزام و عدمه منوط بمشروعيّة الشرط و الالتزام و عدمه لا بكلّية الملتزم و جزئيّته.

و قد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ مشروعيّة الشرط و عدمه و صحّة الالتزام به و عدمه و مخالفة الشرط للكتاب و عدمه لا يناط و لا يحاط بشي ء من المخصّصات المذكورة بأسرها، لا بمخالفة المشروط دون الشرط للكتاب، و لا بمخالفة الحكم المشروط له و عدمه كما عن العوائد (1)، و لا بقابليّة المشروط للتغيّر بالشرط و عدمه كما عليه المصنّف (2)، و لا باستناد حلّيته إلى الحكم الوضعي دون التكليفي، و لا بتحريم الشرط الحلال بلفظ التحريم لا بنفس الشرط كما قيل أو يقال، و لا باشتراط المخالفة الكلّية للكتاب و الجزئيّة كما عن القميّ (3).

نعم، إنّما يناط و يحاط صحّة الاشتراط و عدمه بما اخترناه من الضابط الكلّي و القانون الشرعي، و هو كون الشرط إن لم يخالف حكمه حكم الكتاب بشي ء من قسمي المخالفة شرطا أو مشروطا كان مرجعه إلى عموم قاعدة «لزوم الوفاء بالشرط» بعموم «كلّ شرط جائز»، و إلّا فإن خالف حكمه بشي ء من قسمي المخالفة كان مرجعه إلى عموم قاعدة «فساد الشرط المخالف للكتاب»، إلّا ما أخرجه النصّ المخرج.


1- عوائد الأيام: 48.
2- المكاسب: 279.
3- لم نحصل على كتابه المسمّى «الرسالة الشرطية».

ص: 428

و في الجواهر (1) تخصيص الشرط المخالف للكتاب بالمثبت للحكم المخالف له دون الملزوم للجائز منه، و لعلّه راجع إلى أحد التفاصيل الستّة أو السابع المختار.

قوله: «فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقييده بهذا الشرط».

[أقول:] لأنّ الجمع بين ضدي النفي و الإثبات و هو الوفاء بالعقد الّذي هو العمل بمقتضاه و الوفاء بالشرط الّذي هو عدم الوفاء به تكليف بالمحال، بل في نفسه محال، لرجوعه إلى الجمع بين الضدّين، بل المتناقضين.

قوله: «فإنّه شرط مناف كالعتق ليس مبنيّا على التغليب».

[أقول:] و فيه أوّلا: أنّ الوقف أيضا كالعتق عبادة مبنيّة على التغليب.

و ثانيا: أنّ التغليب في العتق و إن بلغ ما بلغ لا يصحّح اشتراطه المنافي بالفرض لمقتضى العقد و وقوع التنافي المفروض بين الأخذ بمقتضى العقد أو الشرط المنافي له بالفرض و كون التكليف به من قبيل التكليف المحال أو في نفسه محال، إلّا إذا فرض تخصيص عموم (2) بطلان الشرط المنافي لمقتضى العقد، كالمنافي للكتاب بالنصّ (3) المخرج لاشتراط العتق أو نحوه عن عموم بطلان المنافي.

قوله: «فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية (4) السابقة منافيا لهذه الآية (5)، و لم يجعل اشتراط عدم الإخراج من البلد منافيا».


1- جواهر الكلام 23: 201.
2- الوسائل 12: 352 ب (6) من أبواب الخيار.
3- الوسائل 13: 43 ب «15» من أبواب بيع الحيوان.
4- الوسائل 15: 40 ب «29» من أبواب المهور ح 1.
5- في المكاسب: «لهذا الأثر».

ص: 429

أقول: فيه أنّ عموم الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ (1) مناف لكلّ من الجعلين، لعدم الفارق في البين، إلّا على ما فرضنا من تخصّص عموم بطلان الشرط المنافي لمقتضى العقد بالنصّ (2) المخرج لاشتراط السكنى دون اختيار الجماع عن عموم الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ.

قوله: «و قد فهم الفقهاء من قوله صلّى اللّٰه عليه و آله: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا فإن افترقا وجب البيع» (3) التنافي».

[أقول:] أي للشرط المنافي لما قبل التفرّق باشتراط سقوط الخيار، و لما بعده باشتراط ثبوته.

قوله: «فاجمعوا على صحّة اشتراط سقوط الخيار الّذي هو من الآثار الشرعيّة للعقد و كذا [على صحّة] اشتراط الخيار بعد الافتراق».

أقول: إنّ رفع التنافي لمقتضى العقد بين صحّة اشتراط سقوط خيار ما فيه الخيار، و إثبات خيار ما ليس فيه الخيار، لو استند إلى الإجماع أو نظر الفقيه و فهمه، مضافا إلى ما عرفت من اختلافه و عدم انضباطه يستلزم الإشكال و الاختلال في انضباط الضوابط الشرعيّة و القواعد الكلّية في باب الشروط من أنّ كلّ شرط جائز إلّا كلّ شرط خالف الكتاب، بل هو مستند إلى الضابط الكلّي في باب الشروط من تخصيص عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و بخصوص «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (4)، و حكومة «المؤمنون عند شروطهم» (5) على عموم:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و إلّا لم يبق لعموم الحاكم و هو «كلّ شرط جائز» مورد إلّا


1- النساء: 34.
2- الوسائل 15: 48 ب «40» من أبواب المهور.
3- الوسائل 12: 346 ب «1» من أبواب الخيار.
4- الوسائل 12: 346 ب «1» من أبواب الخيار.
5- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.

ص: 430

و نافى عموم المحكوم و هو وجوب الوفاء بالعقد و مقتضاه، و دخل في عموم المخالف للكتاب الممنوع اشتراطه. فوروده مورد عموم الوفاء بالعقد قرينة حكومته و تقدّمه عليه و انحصار الشرط المخالف للكتاب و المنافي لمقتضى العقد المستثنى من عموم جواز الشروط و صحّتها بقوله: «إلّا ما خالف الكتاب» أو «أحلّ حراما أو حرّم حلالا فهو باطل» «مردود» في خصوص المنافي بغير عموم الوفاء بالعقد و المخالف لغيره من سائر العمومات و المقتضيات الأخر، لأنّ عموم الوفاء محكوم لعموم: «كلّ شرط جائز» و هو محكوم قوله عليه السّلام: «إلّا ما خالف الكتاب» (1) و نافى مقتضى العقد. و من المعلوم أنّ محكوم المحكوم محكوم للحاكم فلا ينافيه و لا يخالفه، بل المراد ممّا يخالفه و ينافيه الممنوع و الموضوع للحاكم، إنّما هو غير مخالفة المحكوم من سائر المخالفات و العمومات الغير المحكومة للحاكم المخالفة له على وجه التعارض.

فتبيّن أنّ المرجع و المستند في تميّز المخالف للكتاب و عدمه و المنافي لمقتضى العقد و عدمه ليس إلى ما ذكره المصنّف من الرجوع إلى نظر الفقيه و فهمه، أو إلى الدليل الخارج من إجماع أو غيره ممّا يقيّد قابلية العقد للتغيّر بالشرط و عدمه، و منافاة الشرط لمقتضى العقد و عدمه، بل المرجع فيه إلى الضابطتين الشرعيّتين و القاعدتين الكلّيتين في باب المشروط من أنّه إن لم يخالفه عموم غير عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المحكوم له من سائر عموماته المخالفة كان مرجعه إلى عموم: «كلّ شرط جائز»، و إن خالفه شي ء من سائر عمومات الكتاب المخالفة له على وجه المعارضة لا المحكوميّة كان مرجعه إلى عموم: «كلّ ما خالف الكتاب فهو باطل» «مردود» (2) إلّا ما أخرجه النصّ (3) المخصّص لعموم


1- انظر الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار.
2- الوسائل 13: 43 ب «15» من أبواب بيع الحيوان ح 1.
3- تقدّم مصدره في هامش (1- 3) ص: 419 و هامش (2) ص: 420.

ص: 431

المخالفة، و حينئذ فلم يبق مورد للشكّ المحوج إلى الأصل، فضلا عن الإشكال في جواب السؤال، و تطويل المقال عن مقتضى الحال بالقيل و القال.

هذا كلّه مضافا إلى ما عرفت من أنّ عموم بطلان مخالفة الكتاب و ردّه قاعدة كلّية و ضابط كلّي جعله الشارع تميّز الحقّ و الباطل و الصدق و الكذب آب عن التخصّص، فضلا عن التخصيص بالأكثر، و فضلا عن المعارض. و ما تراءى من المعارض و المخالف للكتاب كالمتشابهات مؤوّل إلى الموافقة القطعيّة للكتاب عند من عنده علم الكتاب، و قد قال عليه السّلام في تفسير اللّٰهُ الصَّمَدُ: «لو وجدت لعلمي الّذي أتاني اللّٰه عزّ و جلّ حملة لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الدين و التشريع من الصمد» (1).

قوله: «لعموم نفي الغرر (2) إلّا أن يعدّ المشروط (3) في العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاج».

أقول: و كذلك ثياب المملوك، و جلّ الفرس، و شعر المعز، و صوف الشاة، و وبر الإبل، و نحوها من توابع المبيع الغير المقصودة فيه ممّا لا يعدّ الجهل في كمّها و كيفها غررا عرفا، و يقرب منه جهالة مدّة الخيار فإنّ اشتراطه في عقود المعاوضة يوجب الغرر الباطل، بل المبطل، و في عقود المصالحة المبتنية على الصلح لا المعاوضة لا يوجب غررا عرفا و إن بلغ الجهل فيه ما بلغ.

قوله: «و صرّح بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن مع جريان الدور فيه».

أقول: تقرير الدور في جميع صور اشتراط نقل المنقول عن الناقل إلى الناقل مبنيّ على توقّف نقل المنقول إلى الناقل على سبق نقله عنه لعموم: «لا بيع


1- مجمع البيان 5: 566.
2- الوسائل 12: 330 ب «40» من أبواب آداب التجارة ح 3.
3- في المكاسب: «إلّا إذا عدّ الشرط».

ص: 432

إلّا في ملك» (1)، و توقّف نقله عنه على سبق نقله إليه لقضاء الشرطيّة و هو الدور.

و يدفعه: أنّ معنى اشتراط العقد بشرط إن كان التعليق في إنشائه لزم الدور، بل و عدم تحقّق الإنشاء و عقده من أصل في جميع أقسام الشروط و لو شرط الانتقال إلى غير الناقل، فضلا عن اشتراط نقله إليه قبل الانتقال عنه، لأنّ الإنشاء و التعليق ضدّان لا يجتمعان، فيبطل الإنشاء المشروط بأيّ شرط كان في جميع صوره، و إن كان التعليق في المنشئ و أحكام الإنشاء و آثاره المترتّبة عليه صحّ المشروط بأيّ شرط كان في جميع صوره، حتّى لو اشترط على المبتاع بيعه على البائع، فضلا عن بيعه على غيره، أو رهنه عند البائع في ثمن المبيع، لعدم استلزام الشرط في المنشئ كالنذورات ما استلزمه الشرط في الإنشاء من الدور و لا الخلف.

قوله: «لكنّ الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط الغير المذكور في متن العقد .. إلخ».

أقول: بل الأظهر من منصرف معقد الإجماع و ظواهر عدم لزوم الشرط الغير المذكور في متن العقد الانصراف إلى عدم لزوم الغير المقصود المتباني عليه في العقد، و إلّا فمن قواعدهم المسلّمة كون «العقود تابعة للقصود» و «المرء يدان بنيّته» و «إنّما يحشر الناس على نيّاتهم».

قوله: «بجواز أن يبيع الشي ء من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله بعد ذلك إلى البائع .. إلخ».

أقول: فيه لا أقل من احتمال أن يراد من قصدهما نقله بعد ذلك إلى البائع قصدهما بقصد مستقلّ لا بقصد تبعي على وجه الشرطيّة التبعيّة المقصودة من نفس العقد الّذي هو محلّ النظر، و الاحتمال يبطل الاستدلال.


1- عوالي اللئالي 2: 247.

ص: 433

قوله: «لكنّه تقييد لإطلاق كلماتهم».

أقول: بل لعلّه بيان منصرف إطلاقاتهم، خصوصا بقرينة الجمع بينهما و بين قواعدهم المسلّمة من «أنّ العقود تابعة للقصود» و «كلّ يدان بنيّته».

قوله: «حكي عن المشهور أنّ عقد النكاح المقصود فيه الأجل و المهر المعيّن إذا خلا عن ذكر الأجل ينقلب دائما».

أقول: الاستشهاد به إنّما يتمّ لو لم يستند فتوى المشهور به إلى خصوص النصّ (1) الدالّ على انقلابه دائما و تغليب الدوام على الانقطاع، و إلّا فلا شهادة فيه على القاعدة الكلّية، و هو عدم اعتبار الشرط المتباني عليه في العقود التابعة للقصود.

قوله: «لأنّ الشرط من أركان العقد المشروط، بل قد (2) عرفت أنّه كالجزء من أحد العوضين».

أقول: ركنيّة الشرط للمشروط بل لو فرض جزئيّته أيضا في خصوص اختلال حكم المشروط و هو اللزوم باختلاله لا يوجب فساد العقد بعدم ذكره لفظا مع التباني عليه قصدا، بعد فرض صدق العقد و صحّة إطلاقه عليه عرفا، و عدم مدخليّته في صدق العقد و إطلاقه عرفا و إن كان له مدخليّة في اللزوم و عدمه على وجه عرفت ضعفه.

قوله: «و لذا اعترف بعضهم بأنّ مرجع قوله: «أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع» و «أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشهر» إلى واحد، مع الاتّفاق على صحّة الثاني و بطلان الأوّل».

أقول: لا وجه لما ذكره من اتّحادهما معنى و اختلافهما حكما بالصّحة


1- الوسائل 14: 469 ب «20» من أبواب المتعة.
2- هذه الكلمة غير موجودة في المكاسب.

ص: 434

و البطلان، إلّا بإرجاع الشرط و التعليق في صورة البطلان إلى أصل الإنشاء، و في صورة الصحّة إلى المنشئ و أحكام الإنشاء و آثاره المترتّبة عليه، و هو راجع إلى اختلاف المعنيين، لا إلى مجرّد اختلاف لفظ المثالين مع اتّحاد المعنى في البين، كما زعم.

[مسألة في حكم الشرط الصحيح]

قوله: «و أمّا توقّف الملك [و شبهه] على أسباب خاصّة فهي دعوى غير مسموعة».

[أقول:] و فيه: كيف تكون الدعوى غير مسموعة و الحال أنّ الشرط لا يزيد على النذر و العهد و اليمين الّتي ليست بنحو أقلّ شرعيّة لتمليك معلقاتها؟ بل الخلف و الحنث يوجب الكفّارة لا النقل و الانتقال، فكيف يكون الشرط ناقلا مملكا خصوصا شرط الصدقة و العتق ممّا يتوقّف على الإنشاء و القربة بالاتّفاق ممّن عدا العامّة (1)؟

قوله: «و الأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين».

[أقول:] أي وجود الخلاف في وجوب الوفاء بالشرط و عدمه، و في وجوب إجبار الممتنع من الوفاء بالشرط و عدمه، و لكن مقتضى القاعدة و الملازمة مع الغضّ عن كلمات الأصحاب هو ابتناء الخلاف في المسألة الثانية على الخلاف في الاولى لا غير، إذ كلّ من التزم بوجوب الوفاء بالشرط كوجوب الوفاء بالعقد، كما هو الأظهر الأشهر من قوله عليه السّلام: «و من شرط شرطا فليف به» (2) و «المؤمنون عند شروطهم» (3) لزمه القول بوجوب إجبار الممتنع بالشرط قطعا، كما هو القاعدة الكلّية في إجبار كلّ ممتنع عن حقّ واجب من الوفاء بالعقد أو الشرط أو غيرهما. و كلّ من قال بعدم وجوب الوفاء بالشرط و كون الشرط هو


1- المغني لابن قدامة 12: 234، الشرح الكبير 12: 234- 235.
2- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 5.
3- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.

ص: 435

الإلزام و الالتزام وعدا من جانب الشارط لا حكما من جانب الشارع لزمه القول بعدم وجوب إجبار الممتنع منه، لأنّه وعد لا يجب الوفاء به و إلزام من الشارط لا من الشارع حتّى يجب الالتزام به.

نعم، الانجبار بالخيار في موارد تعذّر الإجبار جبرا للضرر و الضرار.

قوله: «فيكون ذلك بمنزلة التقايل من الطرفين عن تراض».

[أقول:] و فيه: عدم الدليل على هذا التنزيل مع وجود الفرق و الفارق بينهما، و هو وجود التراضي في التقايل من الطرفين و عدمه فيما نحن فيه إلّا من طرف الشارط دون المشروط عليه، لأنّ مجرّد امتناعه عن الشرط لا يستلزم رضاءه بفسخ العقد المشروط، و رضاء الشارط بفسخ العقد مع عدم رضاء المشروط عليه لا يكون فسخا، لأصالة عدمه و عدم الانفساخ به و استصحاب بقاء لزوم العقد و الشرط و عدم الخيار، إلّا مع تعذّر الإجبار جبرا للضرر و الضرار.

قوله: «فيجوز للمشروط له أيضا نقضه. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى ما ذكرنا من الفرق بين التقايل و ما نحن فيه، أو إلى منع ما ذكره هو من الفرق بين الامتناع عن أحد العوضين و بين الامتناع عن الشرط المفروض فعلا في البين، إلّا في كون المملوك في العوضين هو العين بالعقد، و في المشروط هو الفعل بالشرط، و هو غير فارق لتنقيح المناط و اتحاد الملك بالأصالة بينهما.

فكما أنّ المملوك بالعقد هو أحد العوضين بالأصالة سواء كان عينا أو فعلا أو منفعة و لا ينفسخ العقد بالفسخ و لا يتأتّى الانجبار لرفع الضرر و الضرار إلّا بعد تعذّر الإجبار، فكذلك المملوك بالشرط إنّما هو المشروط بالأصالة سواء كان عينا أو وصفا أو فعلا أو منفعة، و لا ينفسخ بالفسخ و لا ينجبر بالخيار لرفع الضرر و الإضرار إلّا بعد تعذّر الإجبار؛ لأصالة عدم الانفساخ و عدم الخيار إلّا بعد تعذّر

ص: 436

الإجبار.

قوله: «ثمّ على المختار من عدم الخيار مع تعذّر الإجبار».

[أقول:] و الصحيح سقوطه إلّا مع تعذّر الإجبار.

قوله: «إذ كلّ شرط كذلك،

أي: كلّ شرط يتفاوت به قيمة المشروط عن غير المشروط، كتوصيف العبد بالكتابة و الشجاعة المشروطة في اتباعه و إن لم يتقوّم في نفسه، كفعل الكتابة و الخياطة.

قوله: «و ما ذكره لا يخلو من وجه».

أقول: لا وجه إلّا قياس الفائت من الشرط بالعيب في الأرش و بالجزء في المقابلة بالمال، و هو لو تمّ لتمّ في مطلق الشرط و القيد، فلا وجه لتفصّله بين الوصف و العمل المقابل بالمال و عدمه في أخذ الأرش.

قوله: «و تخالف هذه العتق بشرط الخدمة».

[أقول:] و فيه: منع الخلف و الفرق بين هذه العقود و بين العتق بشرط الخدمة و تعليل الفرق بقوله: «لأنّ العتق مبنيّ على التغليب» (1) إنّما هو في موارد النصّ بالسراية، لأنّه خلاف الأصل فيقتصر عليه و لا يقاس عليه غيره.

قوله: «فيه احتمال».

أقول: احتمالاته أربعة:

أحدها: إمضاء البائع لكلّ من بيعه و بيع المشتري.

الثاني فسخهما معا.

و الثالث و الرابع: إمضاء بيعه دون بيع المشتري و العكس أقواها الملازمة، و أنّ إمضاء بيع البائع إمضاء لبيع المشتري، كما أنّ فسخه يستلزم انفساخ ما تعقّبه من بيع المشتري.


1- المكاسب: 286.

ص: 437

و أمّا التفكيك بإمضاء أحدهما دون الآخر فهو ضعيف، سيّما إمضاء البائع بيعه دون ما تعقّبه من بيع المشتري.

قوله: «و ظاهره ما اخترناه».

[أقول:] أي: ظاهر قوله: «للبائع فسخ ذلك كلّه» ما اخترناه من الصحّة بالإمضاء لا البطلان مطلقا فإنّه ضعيف.

قوله: «لا يسقط بالتصرّف فيها».

[أقول:] أي: بتصرّف ذي الخيار و هو المشروط له لا المشروط عليه، بقرينة قوله بعده: «نعم، إذا دلّ التصرّف على الالتزام بالعقد لزم و سقط الخيار» (1)، فإنّ المراد من هذا التصرّف المستدرك المسقط للخيار هو تصرّف الشارط فيما انتقل إليه قطعا.

قوله: «المطلوب غير هذا. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لا يقال: ما الفرق بين نذر العتق و اشتراطه؟ فكما أنّ نذره يوجب الحق للّٰه تعالى بعموم يُوفُونَ بِالنَّذْرِ (2) وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذٰا عٰاهَدُوا (3) و لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ (4) و عموم «لا عتق إلّا لوجه اللّٰه» (5) و «لا يمين و لا نذر إلّا لوجه اللّٰه» (6) و «لا نذر إلّا في طاعة» (7)، فكذلك شرطه يوجب الحقّ للّٰه تعالى بعموم:


1- المكاسب: 286.
2- الإنسان: 7.
3- البقرة: 177.
4- المائدة: 89.
5- الوسائل 16: 6 ب «4» من أبواب العتق ح 1 و 2.
6- الوسائل 16: 138 ب (14) من أبواب الأيمان ح 1 و 2.
7- كنز العمال 16: 713 ح 46478، مجمع الزوائد 4: 186.

ص: 438

«من شرط لامرأته فليف» (1) و «المؤمنون عند شروطهم» (2) وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ (3) و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

لأنّا نقول: و إن كان الأصل الأصيل في كلّي الأوامر التعبّد لا التوصّل إلّا أنّا خرجنا عن هذا الأصل بالدليل المعلوم، بل المفهوم من أدلّة الشروط الفرق الفارق بين الشرط و النذر، فإنّ المطلوب من الوفاء بالشرط هو صرف التوصّل إلى حقّ الناس و حقّ الشارط لا غير، بخلاف النذر، فإنّه حقّ للّٰه تعالى لا غير، كما يفهم ذلك من كون الشرط في النذر مع اللّٰه تعالى و في خلفه الكفّارة و في الشرط مع الناس، و لا كفّارة في خلفه و اعتبار القربة في متعلّق النذر و انحلاله بعروض المرجوحيّة بعده، بخلاف الشرط.

قوله: «و العرف حاكم في هذا الشرط بالمقابلة. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى عدم المقابلة الحقيقيّة في الصيغة المؤثّرة في توزيع الثمن على الشرط، لوقوع العقد على هذا المحسوس المشروط بالشرط.

و أمّا المقابلة الحكميّة الموجودة في كلّ عقد مشروط نظرا إلى كون الشرط بمنزلة جزء العوض في نظر المتعاقدين، فلا يوزع عليه الثمن شرعا.

نعم، لو أحرز المقابلة بحسب قصد المتعاقدين وزع عليه الثمن بقاعدة «تبعيّة العقود للقصود»، لكنّه خلاف المعهود من ظاهر الشرطيّة عرفا.

قوله: «و فيه مع منع كون نحو الأرض مثليّا أنّ الفائت لم يقع المعاوضة عليه .. إلخ».

أقول: يمكن الجواب عن الأوّل: بفرض مثلية الأرض خصوصا المتقاربة المتلاصقة منها فإنّه غالب المثليّة.


1- الوسائل 12: 353 ب (6) من أبواب الخيار ح 5.
2- الوسائل 15: 30 ب «20» من أبواب المهور ح 4.
3- المؤمنون: 8.

ص: 439

و عن الثاني: بفرض وقوع المعاوضة على الجزء الفائت أيضا بفرض وقوعها على كلّي الأرض المشروطة بعشرة أجربة المتبيّنة خمسة، لا الأرض الشخصيّة المعيّنة في الواقع في خمسة أجربة حتّى يكون الجزء الفائت خارجا عن المعاوضة، و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال بالخبر على المدّعى.

مضافا إلى احتمال آخر في الخبر (1) على كلّ من تقدير كون الأرض المبتاعة كلّيا أو شخصيّا و هو احتمال أن يكون السؤال في الخبر عن الفائت من العشرة أجربة على وجه الجزئيّة لا الشرطيّة و لو بحسب القصد الّذي يتبعه العقد.

و يقوّي الاحتمال في هذا الخبر الخبر الآخر المتقدّم (2): «فيمن اشترى عكّة بسمن احتكرها حكرة- أي جملة- فوجد فيها ربا، فخاصمه إلى علي عليه السّلام، فقال له عليّ عليه السّلام: لك بكيل الربّ سمنا، فقال الرجل: إنّما بعته حكرة. فقال له عليّ عليه السّلام: إنّما اشترى منك سمنا و لم يشتر ربا» (3).

و على أيّ حال فالاحتمال في كلّ من الجواب و السؤال مبطل للاستدلال.

قوله: في الثالث من أقسام الشرط المتبيّن خلافه: «فإن دلّت القرينة على أنّ المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة فالظاهر أنّ الكلّ للمشتري».

[أقول:] و مقابل الظاهر ما نقله بعض الأساتيد عن استاد المصنّف من احتمال بطلان المبيع من جهة أنّ إرادة اشتراط مقدار لا بشرط عدم الزيادة غرر مبطل، و لكن يضعّفه أنّ تعيين المقدار و لو بشرط كاف في رفع الغرر شرعا و صحّة سلبه عنه عرفا.

[القول في حكم الشرط الفاسد]

قوله: «استحبّ الوفاء به على القول بعدم فساد [أصل] العقد».


1- الوسائل 12: 361 ب (14) من أبواب الخيار ح 1.
2- و لم يتقدّم منه «قدّس سرّه الشريف».
3- الوسائل 12: 419 ب (7) من أبواب أحكام العيوب ح 3.

ص: 440

أقول: استحباب الوفاء بالوعد يعمّ صورة فساد الشرط و المشروط.

قوله: في آخر القسم الثالث من أقسام الشرط المتبيّن خلافه:

«و المشتري لم يقصد شراء البعض. و فيه تأمّل».

[أقول:] وجهه: أنّ مقتضى شرطه عدم زيادة المبيع على القدر المشروط كون كلّ من المتبائعين الشارطين عدم الزيادة قاصدين بيع ما عدا الزيادة و عدم بيع الزيادة، فلا وجه لبطلانه المستند إلى عدم قصد المعيّن.

قوله: «النقض بالشرط الفاسد في النكاح».

[أقول:] فيه أوّلا: منع النقض في النكاح، لتصريح المشهور- كما في المسالك (1)- بفساد النكاح بالشرط الفاسد، و تبديل المسمّى فيه بمهر المثل.

و ثانيا: لو سلّمنا النقض في النكاح، فلعلّه للفرق و الفارق النصّ، أو تغليب جانب العبادة على المعاوضة.

قوله: «الشرط الغير المقصود للعقلاء في السلم و غيره عدم فساد العقد به».

[أقول:] و فيه: ما تقدّم من المنع أوّلا، و الفرق ثانيا، و الفارق العقد و كون الشرط اللغو، و الغير المذكور غير مقصود و «العقود تابعة للقصود».

قوله: «فإنّ العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب .. إلخ».

أقول: العرف لا يفرّق بين الموردين و قضيّة الشرط متّحد الدلالة في البين، و هل يجد العرف الفرق في قول الشارع: «اغسل الميّت بماء السدر و الكافور» و «اغسله بماء الفرات» إلّا من الخارج. مضافا إلى قاعدة «العقود تابعة للقصود» و إلى «إطلاق الحكم الشرعي بفساد الشرط الشامل للمشروط عرفا»، إلى غير


1- مسالك الأفهام 8: 245- 246.

ص: 441

ذلك من النصوص الآتية، و إلى حكم العقل بأنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه، كما أنّ الكلّ ينتفي بانتفاء جزئه.

لا يقال: إنّ المنتفي بانتفاء شرطه هو وصف المشروط لا ذاته و حكمه و مطلوبيّته، فلم يعلم انتفاؤه، فيستصحب بقاؤه بأصالة عدم انتفائه.

لأنّا نقول: الشكّ فيما نحن فيه ليس في بقاء صحّة المشروط حتّى يستصحب الصحّة، بل في أصل صحّته، و الأصل فيه الفساد و عدم النقل و الانتقال. مضافا إلى ما عرفت من حكم العرف و الشرع و العقل.

قوله: «على أن ليس منه عليّ و ضيعة» (1).

[أقول:] أي: يشترط المبتاع على البائع أن ليس عليه و ضيعة المتاع أي نقيصته و خسارته، كما هو المتعارف في الغارس شراء الزرع و ثمر الأشجار و الأراضي و الأملاك بشرط أن تكون الخسارة و الآفات السماويّة و الأرضيّة حتّى النهب و الغصب و الغرق و السرق على البائع، و هو فاسد مناف لمقتضى العقد.

قوله: «فيطلب منّي العينة» (2).

[أقول:] بكسر العين المهملة و الياء المثنّاة التحتانيّة و فتح النون من العين كلينة من اللين، و هي بيع السلعة بثمن مؤجّل ثمّ يشريها منه بأقلّ تخلّصا عن الربا المحرّم الّذي زعمه أهل المسجد، أي العامّة.

قوله: «و حملها على الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده ..

بكونه مخالفا لكتاب».

أقول: يحتمل أن يكون التعليل بمخالفة الكتاب تعليل له و الاشتراط و إسقاطه و عدم قبوله في ضمن العقد، لا لردّه بعد القبول و التباني عليه في ضمن


1- الوسائل 12: 409 ب «35» من أبواب أحكام العقود ح 1.
2- الوسائل 12: 370 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 4.

ص: 442

العقد فإنّ الاشتراط من طرف الشارط لا يستلزم القبول، بل الغالب من طرف القابل الردّ و النكول و التباني على عدمه.

قوله: «فإنّ الحكم بوجوب الوفاء بالأوّلين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون إلّا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه».

أقول: لعلّ الأمر بالوفاء في الأوّلين دون الثالث، لاستحباب الوفاء بالوعد و لو كان فاسدا فيما كان حقّا للموعد لا حقّا لغيره كالميراث، أو أنّ الوفاء بالأوّلين دون الثالث من جهة عدم اجتماع الشروط الثلاثة معا، أو عدم قبول الفاسد، فمعنى قوله عليه السّلام: «قضى بذلك إذا اشترط لهم إلّا الميراث» (1)، لأنّه حقّ الوارث لا المشروط عليه، أو لانفراده عن الأوّلين في الاشتراط و عدم اجتماعه معهما في الاشتراط. و على أيّ حال فالاحتمال مبطل للاستدلال.

قوله: «فإنّها تورث (2) يدلّ على بقاء البيع الّذي شرط فيه أن لا تورث على الصحّة».

أقول: لعلّ قوله: «فإنّها تورث» ردّ لاشتراط أن لا تورث قبل قبوله لا بعد قبوله، و التباني عليه في العقد فإنّ الاشتراط لا يستلزم القبول، بل الغالب فيه النكول.

و ممّا ذكرنا يعلم أنّ معنى قوله عليه السّلام في المهور: «ما خالف السنّة ردّ إلى السنّة» (3) معناه: الردّ قبل القبول لا بعده، كما عن السيّد (4). و هل تجد من شاهد حال النبيّ الصادق الوعد ردّ ما اشترطوا عليه من الشرط بعد قبوله في العقد و الأخذ بالعقد المشروط، و هل هو إلّا أشبه بالزور.


1- انظر الوسائل 13: 44 ب «15» من أبواب بيع الحيوان ح 2 و ذيله.
2- الوسائل 13: 43 ب «15» من أبواب بيع الحيوان ح 1.
3- الوسائل 15: 311 ب «29» من أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه.
4- لم نعثر عليه في مظانّه.

ص: 443

قوله: «عدم الإجبار (1) في تركها إنّما يتحقّق باشتراط فعلها في ضمن العقد الأوّل».

[أقول:] و فيه: أنّ عدم الإجبار في تركها إنّما هو بعدم اشتراط فعلها لا باشتراط فعلها؛ لأنّ عدم الإجبار هو القدرة، و نسبة القدرة إلى طرفي الوجود و العدم متساوية، إذ تأثير صفة القدرة في العدم فقط امتناع لا قدرة، كما أنّ تأثيرها في الوجود وجوب لا قدرة كحرارة الغار، كما هو صريح منطوق: «إذا كان هو بالخيار إن شاء باع، و إن شاء لم يبع» (2).

قوله: «و دلالتها أوضح من الأولى».

[أقول:] وجه الأوضحيّة مع اشتراكها في الدلالة على المدّعى بالمفهوم لا المنطوق أنّه أصرح من الاولى.

قوله: «لزم الدور».

[أقول:] و فيه: ما لا يخفى من أنّه على تقديره دور معي حال، لا توقّفي محال.

قوله: «لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الإيقاف».

أقول: وجهه أنّ صحّة عقد البيع و إن توقّف على التراضي الواقع عليه العقد إلّا أنّ صحّة مطلق البيع و لو على سبيل المعاطاة لا يتوقّف على التراضي الواقع عليه البيع، بل يكفي فيه مطلق التراضي و لو كان لاحقا و متعقّبا لتعاطيه، و هو وجه وجيه.

قوله: «و يظهر من المسالك هنا قول ثالث .. إلخ» (3).

أقول: و إن كان ظاهر عبارة المسالك التفصيل بين علم المتبائعين بتأثير الشرط المتقدم أثره و عدمه، إلّا أنّه لا يبعد و لو بقرينة فضل المفصّل، و ضعف


1- في المكاسب: «الاختيار».
2- الوسائل 12: 370 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 4.
3- مسالك الأفهام 3: 224 و 308- 309.

ص: 444

التفصيل أن يكون مراده ابتناء وجهي المسألة على ما تقدّم من الخلاف في تأثير الشرط قبل العقد و عدمه، لا التفصيل بقول ثالث بين علمهما بتأثير الشرط و عدمه، فالتفصيل في البين ناشئ من بيان منشئ القولين.

قوله: «فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط و غيره، فإنّ العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الإقدام على العقد .. إلخ».

[أقول:] و فيه أوّلا: ما عرفت من احتمال أن يكون مراد المفصّل و لو بقرينة فضله و ضعف تفصيله ابتناء وجهي المسألة على ما تقدّم من الخلاف في تأثير الشرط قبل العقد و عدمه، لا التفصيل بقول ثالث بين العلم بأنّ الشرط المتقدّم لا حكم له فلا أثر له، و إلّا اتّجه البطلان، لأنّهما لم يقدما إلّا على الشرط و لم يتم لهما فيبطل [العقد].

و ثانيا: لو سلّمنا التفصيل المذكور، فلعلّ وجهه هو مدخليّة العلم بفساد الشرط و عدمه في الحكم بالفساد و عدمه لا في الإقدام على الفاسد و عدمه، لأنّ إناطة الأحكام الوضعيّة بالعلم و الجهل، خصوصا بناء على انتزاعها من الأحكام التكليفيّة ليس في البعد بمثابة توهّم مانعيّة العلم بالفساد من الإقدام على الفاسد و قصد الفاسد.

[الكلام في أحكام الخيار]

قوله: «ما يحرم الوارث عنه منتقلا إلى الميّت أو عنه».

[أقول:] فالأوّل: كما لو اشترى الميّت أرضا أو حبوة و الثاني: كما لو باع أرضا أو حبوة فهل للوارث المحروم من إرثه ما انتقل إلى الميّت بالابتياع، أو عنه بالبيع الخيار مطلقا نظرا إلى عموم: و لكم ما ترك آباؤكم (1) و «ما كان للميّت من حقّ فهو لوارثه» (2)، أو ليس له الخيار مطلقا نظرا إلى حرمانه من


1- النساء: 7.
2- الوسائل 17: 548 ب (3) من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ح 4.

ص: 445

الملك المفروض فكذا من خياره للتبعيّة، أو التفصيل بين ما ينتقل فيثبت له الخيار في الأوّل ليرث من ثمنه بعد الفسخ دون الثاني، أو بالعكس؟ و الأقرب الأوّل، لعموم: «ما كان للميّت من حقّ فهو لوارثه» خرج منه ما اختصّ بغيره من الأرض و الحبوة فيبقى خياره للمحروم منهما. و دعوى تبعيّة الخيار للملكيّة منقوض بخيار الوكيل و الأجير. و دعوى الفرق غير فارق.

قوله: «كما مرّ نظيره في عكس هذه الصورة».

[أقول:] و هي ما لو كان الميّت انتقلت عنه الأرض بإزاء ما انتقل إليه الثمن المشارك فيه الزوجة لسائر الورثة.

قوله: «المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الإرث».

[أقول:] وجه هذا الظهور أنّ قوله: «الأقرب ذلك» (1) ظاهر في الإشارة إلى الظاهر و هو عدم الإرث لا إلى المضمر في الإشكال و هو الإرث، لكن الأقرب بالإشارة و دليل المسألة و تعليله بقوله: «لترث» هو الإرث، كما فسّره الشارحان (2)، لا كما شرحه الثالث بقوله: «الأقرب عدم إرثها إن اشترى الميّت بخيار فأرادت الفسخ لترث من الثمن» (3) فإنّ فيه تكلّف زيادة تقدير.

قوله: «فإنّ الأرض حقّ لباقي الورثة».

أقول: كلّ من الحقّ و الاستحقاق و الملك المتزلزل ممّن عليه الخيار لا ينافي إبطاله بخيار ذي الخيار، فالشأن في إثبات الخيار بعموم: «ما ترك الميّت من حقّ فهو لوارثه» (4)، و هو العمدة.

قوله: «و هو أولى من [إبطال] إرثها حقّ غيرها».


1- قواعد الأحكام 1: 143.
2- كنز الفوائد 1: 451، إيضاح الفوائد 1: 487.
3- جامع المقاصد 4: 306.
4- الوسائل 17: 548 ب «3» من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة ح 4.

ص: 446

[أقول:] وجه الأولويّة نظرا إلى أولويّة الدفع من الرفع و إنّ إبطال حقّها دفع لحقّها الغير الثالث و إرثها حقّ غيرها رفع للحقّ الثابت، لكنّه إغماض عن عموم ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه، و إلّا فلا أولويّة، بل الأولويّة في عكس القضيّة.

قوله: «فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكلّ و لا في حصّته.

فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لا يقال: إنّ حقّ الفسخ و إن لم يقبل التعدّد و لا التجزئة في نفسه إلّا أنّه يقبله باعتبار متعلّقه و هو الفاسخ أو المفسوخ.

لأنّا نقول: و لكنّ الظاهر و المتيقّن أنّ المنقول إلى الورثة هو نفس حقّ الفسخ الواحد الشخصي الغير القابل للتعدّد و التجزئة، لا شي ء من متعلقيّة الفاسخ و المفسوخ، و الحقّ الواحد الشخصي مستحيل التعدّد، بل التجزئة عقلا و عرفا.

قوله: «و هو (1) غير موجود فيما نحن فيه. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ تضرّر غير المسقط للخيار بإسقاط أحد الشركاء فيه أيضا موجود في أكثر الخيارات، خصوصا فيما كان جبرا للضرر كخيار الغبن و العيب، لا لمصلحة أخرى كخيار الشرط و المجلس.

قوله: «و في اشتراط ذلك بمصلحة الديّان وجهان».

أقول: أوجهها اشتراطه، بل يتوقّف نفوذ فسخ الوارث على إذن الديّان أو أداء الدين، كتصرّفه في سائر تركة المديون، لعموم: «و لكم ما ترك آباؤكم من بعد وصية أو دين» (2).

قوله: «لأنّه حقّ لهم فلا يجبرون على أعماله».

أقول: و إن كان حقّ لهم إلّا أنّ عموم قوله تعالى مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ..


1- في المكاسب: «و هذا غير».
2- اقتباس من سورة النساء: 7 و 11 و 12.

ص: 447

أَوْ دَيْنٍ دين ظاهر في تعلّق حقّ الديّان به أيضا على وجه حقّ الرهانة أو الجناية.

قوله: «ولاية الوارث لا كولاية الوالي أو الوكيل».

[أقول:] و الأصحّ تبديل الوالي بالولي أو الأصيل، و أنّ الجمع بين الأدلّة و الحقوق يقتضي أن يكون ولاية الوارث كولاية الأصيل، إلّا أنّ حكومة عموم (1) نفي الضرر عليه يقتضي جبران ثمن المفسوخ من مال الميّت إن كان له مال، و من مال الفاسخ إن لم يكن، جمعا بين الحقّين، و دفعا للضرر من الطرفين.

و على ذلك فاستحقاق الشفيع لتملّك الحصّة بثمن من ماله لا من مال الميّت مطلقا إنّما هو من جهة أنّ حقّ الشفعة حقّ استرداد المبيع عن المشتري إلى نفس الشفيع لا إلى الميّت، و ليس فسخا ليرجع إلى البائع. و أمّا ردّ ثمن المفسوخ بخيار من مال فاسخة إذا لم يكن للميّت فهو و إن كان فسخا راجعا إلى الميّت، إلّا أنّ جبران ضرره على الفاسخ من باب وجوب دفع الضرر.

فظهر أنّ تملّك الشفيع و الفاسخ لما يملكه بثمن من ماله لا من مال الميّت ليس على خلاف الأصل و القاعدة كما يتوهّم، بل هو على وفق قاعدة الجمع بين الحقّين.

قوله: «فظهر (2) من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلّا. فافهم».

[أقول:] أمّا نقضه فلانتقاض عدم مدخليّة نفس الأصيل في الخيار بالخيار المجعول العبد الأجنبي حيث لم ينتقل إلى مولاه.

و أمّا حلّه: فلعدم ملك المولى من العبد ما عدا استخدامه من سائر الحقوق، كما لا يملك طلاقه و رجوعه، و لا قعوده و قيامه، و لا سكوته و كلامه، ما لم يمنع حقّ مولاه.


1- الوسائل 12: 363 ب «17» من أبواب الخيار.
2- في المكاسب: «فيظهر».

ص: 448

و أمّا قوله: «فافهم» فإشارة إلى أنّه لا يقال: بالفرق بين الخيار المجعول للعبد فلا ينتقل إلى مولاه بالملك و بين الخيار المجعول للحرّ فينتقل إلى وارثه بالموت.

لأنّا نقول: لو لم يكن لنفس الأصيل مدخليّة في الخيار المجعول للأجنبي لم يكن الفرق بالموت و الملك فارقا في الانتقال و عدمه قطعا.

قوله: «مع أنّه لو أريد به أصالة عدم قصد العقد عن الغير فهو حاكم على أصالة عدم الفسخ».

[أقول:] وجه حكومة أحد الأصلين على الآخر مع استنادهما إلى الاستصحاب، و الأصل العملي أنّ الشكّ في فسخ البيع و عدمه ناشئ عن الشكّ في بيع البائع عن نفسه أو غيره، و الأصل في الشكّ السببي و هو أصالة عدم قصد البيع عن غيره حاكم على الأصل في المسبّب، و هو قصد عدم الفسخ.

قوله: «يلزم من ذلك أن لا يحصل الفسخ باللفظ أصلا- أي: بنفس اللفظ و إنشائه- لأنّ اللفظ أبدا مسبوق بالقصد .. إلخ».

[أقول:] أي لأنّ الإنشاء أيضا مسبوق بالإرادة فيلزم به كون الإنشاء القولي كالفسخ الفعلي كاشفا من مقولة الاخبار لا إنشاء من مقولة الفعل. و يمكن منع الملازمة بإبداء الفرق في البين بين الإرادتين من حيث المتعلّقين، على أن يكون الفسخ الفعلي مسبوقا بإرادة الفسخ، و القولي مسبوقا بإرادة اللفظ الفاسخ، نظير قصد الإفطار و قصد المفطر، فلا يلزم من كاشفيّة الفسخ الفعلي عن الفسخ دون سببيّته له كاشفيّة القولي عنه أيضا، و عدم فاسخيّة اللفظ له أصلا، كما زعمه الماتن. مضافا إلى إمكان منع الملازمة بفرق آخر و هو دلالة الإنشاء القولي على الفسخ بنفس الإنشاء أوّلا، و بالكشف أيضا ثانيا، مضافا إلى إمكان منع بطلان اللازم أيضا.

ص: 449

قوله: «بمنع عدم صحّة حصول الفسخ و العقد بشي ء واحد بالنسبة إلى شيئين».

أقول: و بالنسبة إلى شي ء واحد في زمانين أو مكانين أو جهتين تقييديّتين.

نعم، إنّما لا يحصل الضدّان بشي ء واحد من جميع الجهات لاستحالة اجتماع الضدّين، و أمّا عدم صحّة الصلاة اللاحقة بالتكبير المبطل للسابقة فلأنّ النهي عن الإبطال نهي فاسد مفسد في العبادة. أمّا عدم النهي- كما في حال السهو أو النافلة بناء على جواز إبطالها- فلا مانع من حصول الأمرين الإبطال و الصحّة به، كما في الفقه.

قوله: «الأصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق أصلا، و هو الأقوى».

أقول: لا مجرى لشي ء من الأصول بعد فرض الدليل على الفسخ و العتق و انتفاء العقد و الخيار، فلا وجه لشي ء من الوجوه الثلاثة، بل الأوجه وجه رابع، و هو نفود عتقهما على المشتري العتق، و كذا على البائع المجز عتقهما، و إلّا فله أحدهما الجارية، نظرا إلى أنّ عتق العبد إمضاء بيع الجارية أو العبد، لأنّ عتق الجارية فسخه.

قوله: «امتناع التصرّف في زمن الخيار مسلّما بين القولين .. إلخ».

أقول: و إن كان الظاهر من مبنى الخلاف في الدروس (1) و إطلاق المنع و تعليله باستلزام نفوذ التصرّف بطلان حقّ الخيار هو ذلك- أعني: مسلّميّة امتناع التصرّف في زمن الخيار مطلقا- إلّا أنّ الأظهر من كلام المجوّزين و ردّهم دليل المانعين باستلزام النفوذ إبطال حقّ الخيار تارة بمنع الملازمة، و اخرى بمنع بطلان اللازم هو عدم صحّة الامتناع، فضلا عن إطلاقه و مسلّميته بين القولين. ألا ترى


1- الدروس الشرعيّة 3: 270.

ص: 450

المانعين هنا- كالشهيد في الدروس (1) و الفاضل في القواعد (2)- عدلوا في باب آخر من الدروس (3) و في كتاب آخر كالتذكرة (4) و المختلف (5) إلى الجواز و نفوذ التصرّف في زمن الخيار مطلقا، أو النفوذ على وجه الضمان و استدراكه بالفسخ، أو غير الإتلاف من التصرّفات، أو في خصوص خيار المجلس، إلى غير ذلك من الاضطراب و الاختلاف في الفتوى و المبنى و المعنى على وجه لا يكاد المسلّمية و الاتّفاق منهم على رأي في كتاب واحد، فضلا عن الكتب و الأبواب العديدة، فيحتمل أن يكون مراد المانعين من نفوذ التصرّف نفوذه على وجه لا يملك بطلانه و تداركه بفسخ ذي الخيار، كما لعلّه الظاهر في خيار المجلس دون سائر الخيارات، و لعلّ الفرق أنّ خيار المجلس ليس بمثابة سائر الخيارات جبرانا أو شرطا، فكان التصرّف بمحضر ذي الخيار قبل التفرّق بمنزلة التفرّق مسقطا للخيار، أو كالإذن و الرضا بسقوطه.

و يحتمل أيضا أن يكون مراد المانعين من التصرّف الممنوع في زمن الخيار التصرّف بالبدار في معرض الضرر و الإضرار بذي الخيار، كإتلاف المفلس و عتق الجارية و استيلادها في زمن الخيار، كما يحتمله تعليل بطلان العتق بوجوب صيانة حقّ البائع في العين.

قوله: «بالتصرّف الّذي [أذن] فيه [ذو] الخيار فلدلالة العرف لا للمنافاة».

[أقول:] أي لدلالة الإذن عرفا على إسقاط خياره لا لمنافاة الخيار لتصرّف غير المأذون حتّى لا يجوز تصرّف غير المأذون، و لا ينافي الإذن ضمان المأذون. و في إطلاقه نظر، فإنّ الدلالة العرفيّة مختلف بين الإذن في تصرّف المال


1- الدروس الشرعيّة 3: 270 و 302.
2- قواعد الأحكام 1: 159.
3- الدروس الشرعيّة 3: 270 و 302.
4- تذكرة الفقهاء 1: 514.
5- مختلف الشيعة 5: 117.

ص: 451

اليسير و الكثير الفسخ الفعلي مسبوقا بإرادة الفسخ، و القولي مسبوقا بإرادة اللفظ الفاسخ، نظير الفرق بين قصد الإفطار المفطر للصوم و قصد المفطر الغير المفطر له بنفسه، فلا يلزم من كاشفيّة الفسخ الفعلي عن الفسخ دون سببيّته له كاشفيّة القولي عنه أيضا و عدم فاسخيّة اللفظ له أصلا، كما زعمه الماتن آنفا.

قوله: «فالجواز لا يخلو من (1) قوّة في الخيارات الأصليّة».

أقول: بل الأقوى الجواز في مطلق الخيارات، لعموم: «أدلّة سلطنة الناس على أموالهم» (2)، و تحكيم أدلّة الخيار على عموم أدلّة السلطنة، و لزوم الوفاء بالعقود لا يقتضي بأزيد من تبديل لزوم الوفاء بها بجواز الفسخ فيها دون المنع من التصرّف قبل الفسخ، و هو لا ينافي جواز التصرّف قبله.

و دعوى أنّه مانع من حقّ الخيار ممنوع بأنّه مانع من استرداد خصوص العين عند خصوص التلف، لا من مطلق الاسترداد، و لا من سائر التصرّفات الغير المتلفة، فالمانع غير واقع و الواقع غير مانع.

قوله: «و أمّا الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطها إرادة إبقاء الملك ليستردّه عند الفسخ .. إلخ».

[أقول:] فيه أوّلا: منع ظهور اشتراط الخيار إلّا في بقاء جواز الاسترداد لا إبقاء العين المستردّة إلّا إذا اشترط إبقاء العين و عدم التصرّف لا خيار فسخه و هو خارج عن الفرض.

و ثانيا: لو سلّمنا ظهور الإرادة، فالمتبع إنّما هو ظهور الدلالة، و ليست إلّا في اشتراط إبقاء العين و عدم التصرّف، لا خيار فسخه المفروض.

قوله: «انفسخ البيع الأوّل دون الثاني».


1- في المكاسب: «عن».
2- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99، و ص 457 ح 198، و ج 2 ص 138 ح 383.

ص: 452

[أقول:] و فيه أوّلا: إمكان منع الشهرة على التفكيك بين انفساخ الأوّل دون الثاني، و عدم الملازمة و التبعيّة بينهما.

و ثانيا: لو سلّمنا الشهرة، لكن نمنع المشهور و هو التفكيك بين انفساخ الأوّل دون الثاني.

و ثالثا: لو سلّمنا الشهرة و المشهور و هو التفكيك بين انفساخ الأوّل دون الثاني فيما لو تلف أحد العوضين قبل قبضه و بعد بيع العوض الآخر المقبوض، لكن يمكن الفرق بينه و بين ما نحن فيه بتزلزل البيع الثاني حين البيع فيما نحن فيه فيتبع الأوّل في الانفساخ، و عدم تزلزله حين البيع في غيره فلا يتبع الأوّل.

و دعوى أنّه غير مجد ممنوع، بل هو مجد جدّا و فارقا ظنّا.

نعم، المثال الغير الفارق لما نحن فيه هو الأخذ بالشفعة فإنّه مبطل لتصرّفات المشتري اتّفاقا، فليكن ما نحن فيه كذلك، لعدم الفارق.

قوله: «ثمّ على القول بانفساخ العقد الثاني فهل يكون من حين فسخ الأوّل أو من أصله؟ قولان».

أقول: و يظهر الثمرة في أنّ نتاج المفسوخ و منافعه السابقة على الفسخ للمشتري الأوّل على الثاني و للثاني على الأوّل، و في أن تلقّى الفاسخ و المفسوخ من الأوّل على الثاني و من الثاني على الأوّل.

قوله: «و ردّه القائل (1) بعدم معروفيّة التملّك الموقّت في الشرع. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه إن قيل: كيف ينكر معروفيّة و مشروعيّة التملّك المؤقّت في المشتري الثاني و الحال أن تملّك الأوّل أيضا مؤقّت إلى حين الفسخ؟

بل و جميع التملّكات الخياريّة مؤقّتة إلى حين الفسخ؟ قلنا: لم ننكر التوقيت في أصل التملّك حتّى ينتقض بجميع التملّكات الخياريّة المؤقّتة إلى حين الفسخ، بل


1- هذه الكلمة غيره موجودة في المكاسب.

ص: 453

إنّما ننكر التوقيت في الآثار و الثمرات المترتّبة على التملّك الموقّت من تملّك المشتري النتاج و المنافع السابقة على الفسخ و رجوع الفاسخ إلى المشتري الثاني لا الأوّل في تلقّي المفسوخ بحيث يرجع جميع آثار تملّك المشتري الثاني من النتاج و المنافع و غيرها بعد الفسخ إلى المشتري الأوّل، بل إلى الفاسخ فإنّه المراد بعدم معروفيّته مشروعيّته في شي ء من التملّكات المؤقّتة الخياريّة و غيرها شرعا.

قوله: «و يمكن الفرق بين الخيار المتوقّف على حضور الزمان .. إلخ».

أقول: كما يمكن القول بعدم الفرق بينهما إلّا في كون المتوقّف على حضور الزمان متحقّق الوقوع في الزمان الآتي و المتوقّف على غيره محتمل الوقوع، و هو غير فارق؛ لأنّ الخيار إن أنيط عرفا على الوصف الفعلي- كما هو الظاهر- فليس بموجود على التقديرين، و إن أنيط على الوصف الشأني المتزلزل فعلا فهو موجود على التقديرين.

قوله: «و لذا لم يقل أحد بالمنع من التصرّف في أحد من العوضين قبل قبض الآخر».

[أقول:] فيه: أنّ عدم المنع من التصرّف في أحد العوضين المقبوض دون الآخر ليس لعدم مانعيّة الخيار المتوقّف على الزمان المعلوم الوقوع، بل إنّما هو على ما نقله المصنّف (1) عن المشهور آنفا، لأجل عدم انفساخ التصرّف في المقبوض بانفساخ تلف عوضه الغير المقبوض. و أمّا على غير المشهور فلاحتمال أن يستند انفساخ المقبوض بانفساخ تلف عوضه الغير المقبوض إلى أنّ معرضيّة انفساخه بالتلف مخالف للأصل و الظاهر، بخلاف معرضيّة الانفساخ المتوقّف على الزمان المعلوم الوقوع و كفى به فرقا فارقا شرعا و عادة.

قوله: «و من إبطال هذا التصرّف لتسلّط الفاسخ على أخذ العين .. إلخ».


1- المكاسب: 297.

ص: 454

[أقول:] فيه أوّلا: منع إبطال الإجارة تسلّط الفاسخ على استرداد العين إلّا في خصوص مدّة الإجارة لا مطلقا، بل و في خصوص ما قبل الفسخ لا فيما بعده فيسترجع العين بعد الفسخ، كما يسترجع البطن الثاني ما استأجره البطن الأوّل بعد قوته، جمعا بين الحقّين.

و ثانيا: لو سلّمنا، لكن لا دليل على بطلان المبطل تسلّط الفاسخ على استرداد العين، بل الدليل إنّما هو على تسلّط الفاسخ على مطلق الاسترداد لا استرداد خصوص العين حتّى يبطله المبطل له.

قوله: «و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الأوّل».

أقول: الفرق بينهما مبنيّ على أن يكون الفسخ كالتفاسخ ناقلا لعين المفسوخ إلى الفاسخ، فلا يستتبعه المنفعة المسلوبة عنه بالإجارة و نحوه قبل الانتقال، كما لو باع العين بعد الإجارة فلم يبطل الإجارة، لا كموت البطن الأوّل من الموقوف عليه من حيث إنّه مزيل لملك البطن الأوّل السابق و كاشف عن منتهى ملكه و مضيّ مدّته فيستتبعه المنفعة، و إلّا كان الملك هنا نظير ملك البطن الأوّل من غير فرق؛ لأنّ البطن الأوّل إن آجر الموقوف عليه من البطن الثاني أو بإذنه فمات لم تبطل إجارته أيضا، و إن آجره من ثالث بغير إذنه فمات بطلت الإجارة فيما بعد موته، كما بطلت فيما بعد الفسخ لو آجره المالك من غير ذي الخيار بغير إذنه أيضا.

و أمّا صحّة الإجارة هنا دون الملك البطن الأوّل فيما فرضه المصنّف فلو سلم فلعلّه مستند إلى التفرقة الخارجيّة بين المسألتين، من حيث الإجارة بإذن ذي الخيار في الأوّل و عدمه في الثاني، و إلّا فلو فرض الإذن في كليهما صحّت الإجارة في كليهما أو عدمه في كليهما بطلت في كليهما، فنفي التنظير بينهما مبنيّ على الفرق المذكور، و هو محلّ نظر.

ص: 455

قوله: قلت: أوّلا: أنّه منقوض بما إذا وقع التفاسخ بعد الإجارة مع عدم التزام أحد ببطلان الإجارة. و ثانيا: أنّه يكفي في ملك المنفعة الدائمة تحقّق الملك المستعدّة (1) للدوام لو لا الرافع آنا ما».

أقول: يمكن الجواب عن النقض بالفرق بين الفسخ من طرف واحد و التفاسخ من الطرفين، كما يمكن الجواب عن حلّه بكونه الملكيّة المستعدّة للدوام لو لا الرافع و لو آنا ما في ملكيّة المنفعة الدائمة، و عدم زوالها بزوال الملكيّة، بمنع الكفاية نقضا بملكيّة البطن الأوّل من الموقوف عليه، مع استتباع زوال منافعه لزوال ملكيّته بمجرّد موته. فلعلّ فسخ الفاسخ من قبيل فوت البطن الأوّل في بطلان إجارته، لا من قبيل موت المؤجر منافع ملكه حيث لم تبطل إجارته بموته، بل يستورثها الوارث مسلوبة المنافع قطعا.

قوله: «مع أنّ الأصل عدم الانفساخ .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ الشكّ في الانفساخ مسبب عن الشكّ في تملّك المشتري منافع ما بعد الفسخ و عدمه، و في انفكاك المنفعة عن العين و عدمه، و في صحّة الإجارة و النقل و الانتقال لمنافع ما بعد الفسخ و عدمه، و الأصل العدم و الفساد في كلّ ذلك. و من المعلوم نقدّم الأصل في السبب عليه في المسبب كما عن القميّ (2).

مضافا إلى أنّ الخيار و الفسخ إنّما شرّع لجبر الضرر لا لجرّه، و أيّ ضرر و غرر و خطر أعظم من ردّ العين على الفاسخ مسلوب المنفعة؟ فلو عكس بل لو ردّ أصل الخيار و الفسخ حينئذ كان أقلّ ضررا قطعا.

قوله: «الظاهر كون إذن ذي الخيار في التصرّف المخرج فيما انتقل عنه فسخا بحكم (3) العرف .. إلخ».


1- في المكاسب: «المستعدّ».
2- جامع الشتات 1: 289.
3- في المكاسب: «لحكم».

ص: 456

[أقول:] و فيه أوّلا: أنّ الإذن في التصرّف إذا لم يكن إجازة عرفا لم يكن فسخا عرفا بالأولويّة، للاكتفاء بالرضا في الإجازة دون الفسخ.

و ثانيا: لو سلّمنا حكم العرف بكونه فسخا لم يفترق بين التصرّف المخرج و غيره.

قوله: «و لأنّ إباحة بيع مال الغير لنفسه غير جائز شرعا فيحمل على الفسخ».

[أقول:] و فيه ما تقدّم في محلّه: من أنّه لا نمنع من جوازه، بل هو منصوص في «أعتق عبدك عنّي».

و ثانيا: سلّمنا، لكن صحّة الإذن في بيع ما فيه الخيار لا ينحصر في الحمل على الفسخ، بل الحمل على الإجازة أيضا صحيح إن لم يكن أصحّ.

و ثالثا: سلّمنا، لكن الحمل على الصحّة إنّما هو الفعل للمأذون، لا الإذن المجرّد المفروض فيما نحن فيه الرجوع عنه.

قوله: «فقوله: ليس هو متاعك (1) إشارة إلى ما ينقل (2) إليك بالشراء .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّ عموم الوارد لا يخصّ بالمورد، و عموم العلّة لا يخصّص بالمعلول، بل الأمر بالعكس.

و بعبارة: أنّ عموم النفي المؤكّد بالتكرار بأنّه: «ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك» (3) بجواز الشراء لا يخصّص بمورد السؤال، و هو خصوص حال تواطئهما على الشراء الثاني لا الشراء الأوّل. مضافا إلى عموم ترك الاستفصال في جواب السؤال.


1- الوسائل 12: 370 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 3.
2- في المكاسب: «ما ينتقل».
3- الوسائل 12: 370 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 3.

ص: 457

قوله: «مع أنّ الشيخ لم يثبت منه هذا القول في الخيار المختصّ بالمشتري».

[أقول:] بل لم يثبت منه ذلك أيضا في المختصّ بالبائع، كما يعلم من شواهد حال شيخ الطائفة، بل الثابت من حال الشيخ و حال الطائفة المعدّة على كثرتهم مقلّده له هو الإجماع (1)، و عدم الاختلاف في المسألة بينهم، و لو كان لبان.

و منه يعلم الإجماع المحصّل بجميع أقسامه في المسألة حتّى من الشيخ فضلا عن المنقول، فكيف يليق بمثل شيخ الطائفة مخالفة جميع الطائفة على كثرتهم؟!

قوله: «فالعقد مدلوله مجرّد التمليك و التملّك مجرّدا عن الزمان .. إلخ».

[أقول:] لا يقال: إنّ بيع النسيئة من طرف الثمن و السلف من طرف المثمن مقيّد بالزمان المتأخّر، كما أنّ بيع النقد و الصرف بالعكس مقيّد من الطرفين بالحال.

لأنّا نقول: نفس مدلول العقد و هو التمليك و التملّك مجرّد عن الزمان و عن كلّ تقييد و تعليق، و الّذي يقيّد بالزمان و الزمانيّات هو الحكم بالوفاء به و ترتّب الآثار عليه، و التقييد في المنشئ و الحكم لا يوجب التقييد في الإنشاء و الموضوع، إلّا أنّ تصريح الماتن بقوله: «لكنّه علّة تامّة لمضمونه و إمضاء الشارع تابع له» (2) ينافي قياسه ببيع الصرف و السلم و الفضولي في تأخير أثره عنه، لأنّه مناف لغرض العلّيّة التامّة و قياس مع الفارق.

نعم، ما قيل مقصود المتعاقدين التمليك و التملّك في الحال و العقود تابعة


1- انظر الخلاف 3: 22 المسألة 29.
2- المكاسب: 299.

ص: 458

للقصود، فيمكن الجواب عنه بأنّ المعلوم من القصود يتبعها العقود، كما أنّ المفهوم من العقود يتبعها القصود، بل المجمل كلّية تابع للمبين من كلّي الدلالة و الإرادة.

و أمّا الإرادة و الدلالة المجملان معا فلا تبعيّة بينهما، كمفهوم الألقاب و السياق و الوصف و إن دلّت بالإشعار، كما أنّ القصود الخارجة عن مداليل العقود ليست بمعتبرة و إن قصدت، كالأغراض و الغايات المترتّبة على أسبابها الشرعيّة و العرفيّة المقصودة منها، كقصد الاسترباح من البيع فيخسر و الاستنتاج من ابتياع الجارية و إناث الخيل فتعقم، و قصد المتبائعين من التمليك و التملّك المطلق خصوص الحال من القصود الخارجة عن مدلول العقد المجرّد عن الزمان، كالأغراض و الغايات المتخلّفة عن أسبابها المعدّة عرفا أو شرعا، فلا تنتفي السببيّة بانتفاء تلك الغاية و الفائدة المتخلّفة عن سببها و إن كانت مقصودة منها قطعا.

قوله: «استنادا إلى عموم (1) قاعدة تلف المبيع قبل الضمان» (2).

[أقول:] أي: قبل القبض فهو من مال بائعه، فإنّ عمومه يشمل ما إذا كان خيار التأخير للبائع.

قوله: «و الشرط و لو كان منفصلا بناء على أنّ البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط».

[أقول:] و فيه: أنّ الخيار إن كان منوطا و مشروطا بالتزلزل الفعلي لم يشمل الشرط المنفصل و لو كان معلوم التحقّق فيما بعد و إن كان منوطا بمطلق التزلزل و لو شأنا، كما استظهر من قوله: «حتّى ينقضي شرطه» (3)، أي خياره شمل كلّ


1- الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب الخيار.
2- في المكاسب: «تلف المال قبل القبض».
3- الوسائل 12: 352 ب (5) من أبواب الخيار ح 2.

ص: 459

خيار و لو كان عيبا أو غبنا، خصوصا على المختار من تعلّق خياره بنفس العيب و الغبن الواقعي و لو لم يعلم به لا على ظهوره، خصوصا على احتمال أن يكون ضمان غير ذي الخيار موقوفا على فسخ ذي الخيار بعد التلف أو عدم منافاته لبقاء خيار ذي الخيار بعد التلف، لا على انفساخ المتلوف بنفس التلف و دخوله في ملك من يضمنه آنا ما قبل التلف، فإن تفرقة الخيار بعد الاستقرار من حيث الأسباب و الآثار خلاف الأصل و الاعتبار، بخلاف الانفساخ القهري بالتلف و تقدير الملك قبله فإنّه لما كان مخالفا للأصل جدّا أمكن الاقتصار فيه على المتيقّن من أسبابه و آثاره. فتأمّل.

قوله: «على تأمّل في خيار المجلس».

[أقول:] وجه التأمّل: انصراف الشرط من قوله: «حتّى ينقضي شرطه» (1) إلى خيار الشرط، و قد عرفت منعه و إطلاق الشرط في الأخبار على كلّ خيار، خصوصا خيار الحيوان و المجلس. إلّا أنّ الشرط في قوله: «حتّى ينقضي الشرط، أو شرطه» (2) إشارة إلى المعهود الذكري في السؤال الخاصّ بخيار الشرط، بل الحيوان، بل المشتري دون غيره من الخيارات و أفرادها المخالفة، للأصل، و قاعدة «تلف الملك من مالكه»، فالمرجع فيما عدا المتيقّن من الأفراد المخالفة لقاعدة «التلف من المالك» إلى هذه القاعدة، لا إلى عموم: «أنّ التلف في زمان الخيار ممّن ليس له الخيار» (3)، لعدم العموم و إن كان بعض أفراده مطابق للقاعدة كما لو تلف في يد المشتري و خيار البائع، و لعلّ تسهيل الخطب عليهم في عمومه و تسميته قاعدة. مضافا إلى توهّم العموم و مطابقة بعض أفراده القاعدة أنّ ضمان المتلوف في يد ذي الخيار على من ليس له الخيار لما كان مخالفا للأصل


1- الوسائل 12: 352 ب (5) من أبواب الخيار ح 2.
2- الوسائل 12: 352 ب (5) من أبواب الخيار ح 2.
3- الوسائل 12: 355 ب (8) من أبواب الخيار.

ص: 460

و لقاعدة «أنّ التلف من المالك» و لمفهوم «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (1)، و كان تخصيصا في تخصيص في تخصيص، كان بيانه كالأمر الواقع عقيب توهّم الحظر فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا (2) و فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ (3) من الظواهر الواردة في مقام التشريع و لمجرّد رفع توهّم الحظر. فلا ينبغي الجمود على ظواهرها و الغضّ عن مقتضيات مواردها. و لا يقاس التلف في يد ذي الخيار على من ليس له الخيار على قاعدة «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» الفرق من جهات و إن اتّحدا من جهة أنّ كلّ من القاعدتين مخصّص لقاعدة «التلف من المالك».

قوله: «لأنّ المراد به انفساخ العقد و دخول العوض في ملك صاحبه الأصلي و تلفه من ماله».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ إرادة ذلك من ضمان المتلوف و إن نسبه المصنّف- فيما سيأتي آنفا- إلى ظاهر الأصحاب إلّا أنّ دليله و هو قوله عليه السّلام: «إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه» (4) كما يحتمل لإرادة كون التلف كاشفا شرعيّا عن انفساخ العقد و تقدير دخول المتلوف في ملك ضامنه قبل التلف ليكون التلف من ماله، كذلك يحتمل لإرادة كونه كاشفا عن الفسخ الفعلي القلبي و هو عدم الغرض و الرضا العقلائي بالمتلوف غالبا إلّا لبعض الأغراض و المنافع النادرة، كالانتفاع بعتق الآبق أو ماله أو إرثه أو ولاء عتقه، أو جلد الميتة و صوفه و شعره ممّا يقدر


1- انظر الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب الخيار، المستدرك 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.
2- النساء: 101.
3- المائدة: 4.
4- انظر الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب الخيار، المستدرك 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 461

اكتفاء العاقل به غالبا. فإطلاق قوله: «فهو من مال بائعه» لعلّه منصرف إلى الفرد الغالب لا النادر، و الاحتمال يبطل الاستدلال.

و ثانيا: لو سلّمنا ذلك، فإنّما يسلم فيما قبل القبض لا بعده، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين.

قوله: «و حيث ثبت المخالفة قبل القبض فالأصل بقاؤها بعد القبض في مدّة الخيار».

[أقول:] فيه أوّلا: احتمال تبدّل موضوع الأصل. و ثانيا: انقطاعه بمفهوم قوله: «إذا تلف المبيع قبل القبض فهو من مال بائعه» (1)، المقتضي كونه بعد القبض من مال قابضه. فلا مجرى لاستصحاب ضمانه الثابت قبل القبض على غير قابضه، لكن النسبة بين عموم ضمان المقبوض و لو في زمان خيار القابض و بين عموم ضمان المتلوف في زمان الخيار ممّن لا خيار له و لو كان مقبوضا لذي الخيار و إن كان عموما من وجه. إلّا أنّ عموم المنطوق و لو بواسطة الشهرة مقدّم و مخصّص لعموم المفهوم و هو الصواب في الجواب عن توهّم عدم جريان عموم المنطوق، و عدم جريان استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض، لكن قد عرفت منع العموم جدّا.

قوله: «فتلف الثمن في مدّة الخيار إنّما يتحقّق بعد ردّه قبل الفسخ لا قبله».

[أقول:] أي تلف الثمن في مدّة الخيار قبل الفسخ إنّما يتحقّق بعد ردّ الثمن لا قبله. و حاصل هذا الإيراد أنّ تلف ثمن بيع الخيار إن كان قبل ردّ الثمن فليس في زمان الخيار حتّى يكون من غير ذي الخيار، و إن كان بعده كان التلف في ملك


1- انظر الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب الخيار، المستدرك 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 462

غير ذي الخيار، فضمانه حينئذ على الأصل و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج، لا على خلاف الأصل و القاعدة.

قوله: «مدفوع بما أشرنا [إليه] سابقا من منع ذلك».

[أقول:] أي منع حدوث الخيار في بيع الخيار بعد ردّ الثمن، بل هو متّصف بالخيار و محكوم بحكم الخيار شرعا قبل ردّ الثمن باعتبار تزلزله الفعلي و إن كان أثره و هو الفسخ أو الانفساخ بعد ردّ الثمن، بل و إن انفصل زمن الخيار عن العقد أيضا.

قوله: «لأنّ مقتضى ضمان المبيع في مدّة الخيار على من لا خيار له على ما فهمه غير واحد بقاءه على ما كان عليه قبل القبض».

[أقول:] فيه: منع اقتضاء ضمان المبيع بقائه على ما كان، بل مقتضاه عدم تغيّره بالتغيير المسقط لخياره لا مطلق التغيير حتّى تغيّر الكلّي و فرده الّذي هو عين الكلّي أو المتضمّن له الغير المسقط لخياره. ألا ترى أنّ خيار من له الخيار في بيع الكلّي و شرائه لا يسقط بتعيين الكلّي في فرد و لا بالقبض و الإقباض فيه قطعا، فكيف يسقط ضمانه المنوط بخياره وجودا و عدما؟ فتغيير المبيع المسقط لضمانه هو تغييره المسقط لخياره لا مطلق تغييره، و لو كان من قبيل الكلّي المقبوض بالنسبة إلى غير المقبوض فإنّه لا يعدّ تغييرا عرفا و لا شرعا قطعا.

قوله: «و هذا أي صيرورة الكلّي المقبوض (1) كغير المقبوض [و هذا] ممّا لا يدلّ عليه الأخبار المتقدّمة- أي أخبار (2) ضمان المتلوف في زمان الخيار على غير ذي الخيار- فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ مدلول الأخبار إناطة ضمان المبيع على غير ذي


1- لم ترد كلمة «المقبوض» في المكاسب.
2- الوسائل 12: 355 ب (8) من أبواب الخيار.

ص: 463

الخيار بخيار ذي الخيار وجودا و عدما، فما دام خيار ذي الخيار باقيا غير ساقط بالتغيير المسقط للخيار كان ضمانه على غير ذي الخيار باقيا أيضا، و ما دام خياره ساقطا بالتغيير المسقط له كان ضمانه ساقطا أيضا.

قوله: «فإنّا إذا قدّرنا المبيع في ملك البائع آنا ما لم يلزم مخالفة شي ء من القاعدتين».

[أقول:] أي قاعدتي عدم ضمان ما يتلف في ملك الغير و تلازم الضمان للخراج و هو الملك. و فيه: أنّ تقدير المبيع في ملك البائع ليس بأولى في المخالفة للقاعدة من تخصيص قاعدة تلازم الضمان للخراج، و لا بأولى من فرض التلف فسخ قهري أو سبب اختياري لخيار فسخ فعليّ قلبيّ و هو عدم الرضا بالمتلوف و الأخذ بعوضه، لعدم فائدة و غرض عقلائي فيه غالبا.

قوله: «و العبارة محتاجة إلى التأمّل من وجوه».

[أقول:] أحدها: التأمّل من جهة الفرق في بطلان البيع و الخيار إذا تلف المبيع قبل القبض، و عدم بطلان الخيار إذا تلف بعده، مع اتّحاد سياق ضمان البائع المبيع قبل القبض لضمانه بعده في زمان الخيار على من ليس له الخيار، و لعلّ وجهه الاقتصار في مخالفة الأصل و القاعدة على موضع التعيّن.

ثانيها: قوله: «و بعده لا يبطل الخيار و إن كان التلف من البائع، كما إذا اختصّ الخيار بالمشتري» (1).

فإنّ كون التلف من البائع مبطل للحكم بالخيار، بل رافع لموضوعه، بناء على قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج و هو الملكيّة، و لعلّ وجهه الجمع بين الدليلين، و هو كون المتلوف في زمان الخيار من غير ذي الخيار، و استصحاب بقاء خيار ذي الخيار فيه على وجه يقدر على الالتزام بالمتلوف، و استرداده من


1- المكاسب: 302.

ص: 464

غير الخيار إلى ذي الخيار باستصحاب بقاء ما كان له قبل التلف من الخيار بعد التلف.

ثالثها: قوله: «و لو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثّر في تضمين البائع».

و في انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر، وجهه من استصحاب بقاء خياره فيؤثر إيجابه بالخيار تضمين البائع المثل أو القيمة، و من أنّ تلفه من البائع مبطل لخياره، بل رافع لموضوعه، بناء على التلازم بين الضمان و الخراج.

قوله: «و الظاهر أنّه غير مراد».

أقول: و إن كان بحسب ظاهر اللفظ المحكي غير مراد إلّا أنّ من المعلوم أنّ خيار الفسخ خصوصا المنفصل عن العقد لا يمنع من عموم (1) «السلطنة على المال»، و لا من «وجوب الوفاء بالعقود»، إلّا على وجه التخيير بين أحد الأمرين من الفسخ أو الوفاء، أو على القول بتوقّف الملك على مضي زمان الخيار، لا على مجرّد العقد. كيف! و لو كان كذلك لم يجز التصرّف في بيع الخيار و لا شي ء من التصرّفات المالكيّة.

قوله: «و من المعلوم أنّ تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد».

[أقول:] و فيه: ما عرفت من قوله عليه السّلام: «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (2) لم يعلم الانفساخ، بل الفسخ القهري بل الاختياري أوفق بالأصول و القواعد.

قوله: «شرّع الخيار لدفع ضرر الصبر على نفس العين .. إلخ».

[أقول:] و فيه: أنّ تشريع الخيار لدفع ضرر الصبر و الالتزام بالمبيع مطلقا،


1- عوالي اللئالي 1: 222 ح 99، و ص 457 ح 198، و ج 2 ص 138 ح 383.
2- الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب الخيار، مستدرك الوسائل 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 465

سواء كان على نفس المبيع أو بدله. كيف! و ضرر الالتزام بالبدل لا يقصر عن ضرر الالتزام بالعين، بل هو عينه.

قوله: «إذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الردّ لا بالخيار اختصّ ثبوت الخيار بصورة تحقّق الردّ المتوقّف على بقاء العين».

أقول: و إن علّق الخيار في بعض الأخبار على جواز الردّ لكن جواز الردّ و عدمه باعتبار أنّ للجواز طرفان. مضافا إلى التصريح في بعضها بقوله: «إن شاء ردّ و إن شاء أخذ» (1) صريح في الخيار. مضافا إلى أنّ الردّ بنفسه أيضا أعمّ من ردّ العين أو البدل.

قوله: «مع قيام الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب .. إلخ».

[أقول:] فيه أوّلا: أنّ إلحاق سائر الخيارات بخيار العيب في السقوط بالتلف قياس.

و ثانيا: مع الفارق؛ لأنّ سقوط الردّ بالتلف في العيب يستدرك بخيار الأرش و الإمضاء، بخلاف سائر الخيارات فلا جابر لتدارك ضرر الإلزام بها سوى ردّ البدل بعد تلف العين. مضافا إلى استصحاب بقاء الخيار بعد التلف، و إلى أنّ سقوطه بنفس التلف نقض للغرض من جعله دفعا للضرر و جبرا للحظر.

قوله: «إذا فرض الغرض من الخيار الردّ و الاسترداد (2) فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء و التمكّن من الردّ».

[أقول:] فيه: إن كان تخصيص الخيار بردّ العين لا غير في ضمن الشرط فهو إسقاط لنوع من خياره كإسقاط أصله، و كلّه تابع للشرط و خارج عن محلّ الكلام، و إلّا فيبعد سقوط الردّ بالتلف بمجرّد التواطي عليه إلّا إذا رجع التواطي


1- الوسائل 12: 361 ب (14) من أبواب الخيار ح 1.
2- في المكاسب: «أو الاسترداد».

ص: 466

عليه إلى اشتراط سقوطه به، نظرا إلى عموم «العقود تابعة للقصود».

قوله: «و لكن المسألة لا تخلو عن إشكال».

[أقول:] وجه الإشكال أنّ تلفه قبل الفسخ من غير ذي الخيار يقتضي أن يكون تلفه بعد الفسخ من غير ذي الخيار و سقوط ضمانه عن ذي الخيار بالطريق الأولى، فيكون عموم دليل ضمانه في زمن الخيار على غير ذي الخيار مسقطا لضمانه عن ذي الخيار، و مخصّصا لعموم: «على اليد ما أخذت» (1).

لا يقال: الأصل عدم تخصيص عموم يد الضمان.

لأنّا نقول: أوّلا: إنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و قد عرفت أنّ نصوص ضمان المتلوف في زمن الخيار من غير ذي الخيار دليل سقوط ضمانه عن ذي الخيار قبل الفسخ و بعده بالأولويّة، فلا مجرى للأصل معه.

و ثانيا: أنّ تخصيص عموم يد الضمان بعد الفسخ و رفع ضمان الفاسخ عن المفسوخ بعد الفسخ ليس بتخصيص زائد على تخصيصه المعلوم بيد الأمانة، فإنّ يد الفاسخ بعد فسخه الشرعي يد أمانة شرعيّة مقطوع عن اليد المضمونة السابقة على الفسخ، فلا مجرى لاستصحابها. مضافا إلى ما عرفت من الإشكال في ضمان اليد السابقة.


1- عوالي اللئالي 1: 224 ح 106.

ص: 467

القول في النقد و النسيئة

قوله: «ينقسم البيع .. إلخ».

أقول: أمّا انقسامه إلى أربعة فعقليّ؛ لدورانه بين النفي و الإثبات.

قوله: «المراد بالحاضر أعمّ من الكلّي و بالمؤجّل خصوص الكلّي».

[أقول:] يعني في عرف الشرع حيث خصّ أحكام السلم من اشتراط القبض و غيره بالكلّي، و إلّا فيتبعه حكم الحاضر شرعا.

قوله: «لكنّه خلاف متفاهم ذلك الشرط».

[أقول:] لأنّ التأسيس خير من التأكيد، و الإفادة خير من الإعادة، فاشتراط التعجيل ليس معناه عدم التأجيل كالنقد في مقابل النسيئة، بل معناه المبادرة قبل المطالبة و استحقاقها، بخلاف تأكيد منصرف الإطلاق فإنّ معناه المبادرة بعد المطالبة و بعد استحقاقها.

قوله: «و قوّى الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق (1) أيضا .. إلخ».

أقول: وجهه انصراف الإطلاق إلى اشتراط تعجيل الوفاء بموجب العقد عند وجوبه و المطالبة به في أوّل أوقات الإمكان عرفا فالتأخير و المماطلة عنده حينئذ من غير عذر شرعي تخلّف و مخالفة للشرط المنصرف إليه إطلاق العقد عرفا بحسب الظاهر، مضافا إلى أنّ التأخير عن أوّل أوقات الإمكان عند اجتماع شروط التعجيل من الإيجاب و الموجب و الوجوب و المطالبة لو لم يوجب الخيار لم يوجبه إلى الأبد، و هو مظنّة الضرر المنفي بالخبر.

فإن قلت: ما الفرق بين اشتراط التعجيل و الإطلاق؟


1- مسالك الأفهام 3: 223.

ص: 468

قلت: الفرق أنّ الاشتراط صريح في الشرط، و الإطلاق ظاهر، و تخلّف الشرط موجب لخيار ذي الشرط مطلقا، تمكّن من الإجبار أم لم يتمكّن، وجب البيع أم لم يجب، قبض المبيع أم لم يقبض، طولب بالشرط أم لم يطالب، تمكّن من التعجيل و إجابة الشرط أم لم يتمكّن، تأخّر التعجيل عن أوّل أوقات الإمكان أم لم يتأخّر، بخلاف تخلّف الإطلاق فإنّه لا يوجب الخيار إلّا بعد اجتماع جميع القيود المذكورة أخذا بإطلاق الشرط في الأول و منصرف الإطلاق في الثاني.

فإن قلت: مفهوم نصوص (1) خيار تأخير ما يفسد ليومه و خيار تأخير ثلاثة أيّام تنفي خيار التأخير فيما قبله.

قلت: إثبات خيار التأخير لا ينفي خيار التعجيل، خصوصا بعد اشتراط خيار التأخير بعدم قبض شي ء من الثمن و لا المثمن و اشتراط خيار التعجيل بقبض أحدهما دون الآخر، و عدم اشتراط خيار التأخير بالمطالبة و عدم التمكّن من الإجبار، بخلاف خيار التعجيل فإنّه مشروط بهما.

قوله: «و إن أراد المقدار المحتمل للبقاء كان اشتراط مدّة مجهولة.

فافهم».

[أقول:] إشارة إلى إمكان اندفاع هذا الإشكال عن الإفراط في التأجيل نقضا: بوروده في مطلق التأجيل المتّفق حلوله بموت المشتري، فإن أراد المشترط الزيادة عليه كان لغوا مخالفا للمشروع فاسدا بل مفسدا، و إن أراد المقدار الحال بموته دون الزيادة كان اشتراط مدّة مجهولة.

و حلّا: بالمنع من بطلان إرادة كلّ من الأجلين الحال بالموت على تقديره و الزيادة عليه على تقدير عدمه و لو كان محالا عادة، إلّا أنّ الالتزام به تقديرا مقدّمة لتصحيح العقد لا مانع منه شرعا سوى شائبة كونه سفهائيا خارجا عن


1- الوسائل 12: 358 ب (11) من أبواب الخيار، و ص 356 ب (9) من أبواب الخيار.

ص: 469

منصرف العقود و القصود العقلائية المعروفة عرفا و شرعا.

قوله: «إلّا أنّ فساد المقابلة لا يقتضي فساد الإسقاط».

[أقول:] و فيه: أنّ الأصل الأصيل الملازمة عرفا و شرعا بين فساد السبب و فساد المسبّب، سواء كان حقّا أو إسقاطا أو مالا أو فعلا، فلا يسقط الإسقاط بعد فساد سببه استصحابا لبقائه على ما كان.

قوله: «فيقع الإشكال في نهوض الروايتين (1) لتأسيس هذا الحكم المخالف للأصل .. إلخ».

[أقول:] أي أصالة عموم: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه» (2)، و اشتراط الطيب و التراضي في المؤجّل بأكثر الثمنين لا أقلّهما المقتضي انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، فما قصد من أكثر الثمنين في المؤجّل لم يقع و ما وقع من أقلّهما فيه الّذي هو مضمون الروايتين لم يقصد.

و لكن يمكن رفع هذا الإشكال في نهوضهما لتأسيس هذا الحكم، و هو صحّة المعاملة المخيّرة بأقلّ الثمنين في أبعد الأجلين على وجه يوافق الأصل، و لا يخالفه في البين بعد تصحيح سندهما بالشهرة و الاعتبار، و عدم قصورهما سندا عن نواهي: «بيع في بيعين» (3)، و عن: «بيع في شرطين» (4)، و تحكيم دلالتهما على عموم النهي المذكور، و تخصيصه بخصوص المؤجّل بأكثر الثمنين دون أقلّهما، إذ لا مانع من صحّة كلّ من المعجّل و المؤجّل بانفراده، بل و لا مجتمعا في بيع واحد إلّا شائبة الربا المحرّم في المؤجّل، بظهور الزيادة في إزاء الأجل بعد الرضا بالأقلّ، فيصحّ بأقلّ الثمنين للرضا به في أبعد الأجلين، لعدم


1- الوسائل 12: 367 ب «2» من أبواب أحكام العقود ح 1 و 2.
2- الوسائل 3: 424 ب «3» من أبواب مكان المصلّي.
3- الوسائل 12: 368 ب «2» من أبواب أحكام العقود ح 4 و 5.
4- الوسائل 12: 367 ب «2» من أبواب أحكام العقود ح 2 و 3.

ص: 470

صحّة ما بإزاء الأجل في البين، فيرجع صحّة بيع الشي ء الواحد بشرطين على ما هو مضمون الروايتين من صحّته بأقلّ الثمنين في أبعد الأجلين إلى بيعه أوّلا:

مؤجّلا و معجّلا بالأقلّ. و ثانيا: مؤجّلا بالأكثر، فيبطل الثاني لجعله الزيادة في إزاء الأجل المحرّم ربا، و يصحّ الأوّل بالأقلّ، لوجود المقتضي من عموم الوفاء بالعقود، و عدم المانع من مخالفة أصل و لا معارضة قاعدة، سوى كون الأقلّ في إزاء التعجيل لا التأجيل في فرض، و هو تخلّف شرط موجب لخيار الشارط، لا لفساد المشروط.

فتبيّن رفع الإشكال عن مضمون الروايتين (1) بتطبيقهما على الأصول و القواعد في البين.

قوله: «و أمّا ما عداه- كما إذا جعل له الأقلّ في أجل و الأكثر في أجل آخر- فلا ينبغي الإشكال (2) في بطلانه، لحرمة القياس، خصوصا على مثل هذا الأصل».

[أقول:] و فيه: ما عرفت من رفع الإشكال و اتّحاد المسألتين في مقتضى الصحّة و عدم المانع في البين. و ما أبعد بينه و بين ما عن التحرير (3) من البطلان هنا قولا واحدا.

قوله: «و فيه تأمّل».

[أقول:] وجه التأمّل: احتمال أن يكون حقّ التأجيل للمشتري من قبيل حقّ الجعالة لو ردّه المجعول له على الجاعل و حقّ مال الوصاية لو ردّه الموصى له على الموصي، لا من قبيل الزيادة التبرّعية حتّى لا يجب قبوله.

قوله: «مرجع التأجيل في العقد اللازم إلى إسقاط حقّ المطالبة فلا يعود


1- تقدّم مصدرهما في هامش (1) ص: 469.
2- في المكاسب: «الاستشكال».
3- تحرير الأحكام 1: 173.

ص: 471

الحقّ بإسقاط التأجيل .. إلخ».

[أقول:] فيه: أنّ مرجع كلّ من الضدّين الوجودين كالتأجيل و التعجيل إلى عدم الآخر و إسقاطه، لا العدم المطلق كإبراء الدين الغير القابل للعود بالإسقاط.

و أمّا مقايسة إسقاط المشتري التأجيل بإسقاط البائع التعجيل أو التبرّي عن العيوب، ففيه: أوّلا: إمكان الفرق. و ثانيا: إمكان منع الحكم في المقيس عليه.

نعم، هذا الحكم مسلّم في إبراء الدين حيث لا يعود بإسقاط الإبراء، لكنّه مع الفارق لما نحن فيه حيث إنّ أجل الدين وصف تابع لا يفرد بالإسقاط بخلاف الدين.

قوله: الظاهر تعدّد الحقّ. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى منع ظهور التعدّد نقضا: بحقّ الرهانة حيث يختصّ بالمرتهن لا الراهن، و حقّ الجناية بالمجني عليه لا الجاني، و حقّ الجعالة بالمجعول لا الجاعل.

و حلّا: بأنّ استظهار التعدّد إن كان من وقوع الاشتراط بينهما فظاهره كونه حقّا للشارط على المشروط عليه، و إن كان من غيره فالأصل عدم تعدّده.

قوله: «و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد» (1).

[أقول:] إشارة إلى الفرق بين التعليلين من حيث الضعف و القوّة، لا إلى مجرّد الفرق و رفع توهّم الاتّحاد كما توهّم فإنّه بعيد.

قوله: «و هو الّذي رجّحه جامع المقاصد» (2).

[أقول:] و ذلك لعموم ولاية الحاكم (3)، و عموم الممتنع عرفا و شرعا


1- جامع المقاصد 5: 41.
2- جامع المقاصد 4: 248.
3- الوسائل 18: 98 ب (11) من أبواب صفات القاضي، و ص 94 ب (10) ح 20، النساء: 59.

ص: 472

و إجماعا و سيرة في موارد أعماله.

قوله: «و المحكيّ (1) عن إطلاق جماعة عنهم عدم اعتبار الحاكم».

[أقول:] أي من إطلاق العزل، و لكنّه ناظر إلى ما هو الغالب من عدم التمكّن من الحاكم.

قوله: «و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا».

[أقول:] و ذلك لتخصيص عمومها بقاعدة «نفي الضرر و الضرار»، و مقتضاه بقاء المال المعزول في ملك عازله و نمائه له استصحابا لما قبل عزله، و لكن ضمانه بواسطة العزل منفي بنفي الضرر، جمعا بين الحقّين، و أخذا بمقتضى القاعدتين، و هو أقرب وجوه الجمع في رفع الإشكال في البين.

قوله: «و في دلالتها نظر».

[أقول:] وجه النظر: عدم دلالتها على كون الطعام المأخوذ هو عين الطعام المبيع أوّلا، بل يحتمل أن يكون غيره، بخلاف الروايات (2) السابقة (3) فإنّها دالّة على محلّ النزاع.

قوله: «أورده (4) في الاستبصار (5) دليلا على مختاره، و حكي عن بعض ردّها بعدم الدلالة بوجه».

[أقول:] أمّا وجه الاستدلال فبظاهر: «لا تأخذ منه حتّى يبيعه و يعطيك».

و أمّا وجه عدم دلالتها فلاحتمال أن يكون «لا تأخذ» خصوصا بقرينة

قوله أوّلا «خذ منه» نهي تخييري، أي إن شئت خذ منه و إن لم تشأ و تستكره أخذ ما بعته فلا تأخذ.


1- انظر مفتاح الكرامة 5: 65.
2- الوسائل 12: 69 ب «5» من أبواب أحكام العقود.
3- و لم يسبق منه قدّس سرّه.
4- في المكاسب: «أوردها».
5- الاستبصار 3: 77 ح 257.

ص: 473

أو نهي كراهة بقرينة الجمع بينه و بين نصوص (1) الحلّ و الجواز.

أو نهي إرشاد إلى أنّه لا نفع في شراء ما باعه، كما يومئ إليه تعليله في خبر خالد بأنّه «لا خير فيه» (2).

أو نهي إرشاد إلى أنّ فساد ابتياع ما باعه بالتفاضل ليس لأجل فساد الابتياع، بل لأجل فساد البيع الأوّل لعلم الإمام به في خصوص مورد السؤال أو غالب موارد السلف من جهة الإخلال بشرائط صحّته من الجهّال، كما يومئ إليه تفريع تعليل الفساد في رواية عليّ بن جعفر بقوله عليه السّلام: «فلا يصحّ دراهم بدراهم» (3)، و إلّا لقال: «فلا يصحّ المعوّض الدراهم بدراهم»، مضافا إلى ضعف أخبار (4) المنع و شذوذها و موافقتها العامّة و التقيّة و مخالفتها الكتاب و السنّة، حيث «قالوا إنّما البيع مثل الربا»، و ردّهم بقوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا (5)، بخلاف نصوص (6) الحلّ و الجواز و نصوص (7) التخلّص عن الربا فإنّها موافقة للكتاب و السنّة و الشهرة بين الخاصّة، بل القواعد المسلّمة المنصوصة للفرار عن الربا المحرّم، لا أنّه من الربا المحرّم، و قاعدة كلّية على أنّ عوض العوض في حكم العوض في حرمة التفاضل، كما توهّم تبعا للعامّة (8)، و ضعاف الأخبار الشاذّة النادرة المخالفة للكتاب و السنّة.


1- الوسائل 12: 369 ب «5» من أبواب أحكام العقود.
2- الوسائل 13: 74 ب (12) من أبواب السلف ح 3.
3- الوسائل 13: 71 ب (11) من أبواب السلف ح 12.
4- الوسائل 13: 73 ب (12) من أبواب السلف.
5- البقرة: 275.
6- الوسائل 12: 369 ب «5» من أبواب أحكام العقود.
7- الوسائل 12: 455 ب «20» من أبواب الربا.
8- حلية العلماء 4: 384.

ص: 474

قوله: «لا يظهر من رواية خالد (1) دلالة على مذهب الشيخ» (2).

[أقول:] وجه عدم دلالتها: أنّه لم يعلم كون الطعام المنهيّ عن شرائه هو عين الطعام الّذي باعه عليه أوّلا فيخرج المنهيّ به عن محلّ النزاع، و يكون الإيراد به مشترك الورود لوجه آخر غير ما نحن فيه.

قوله: «أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره صحّ عندنا .. إلخ».

أقول: البيع بشرط البيع لا يخلو إمّا أن يريد حصول الشرط مع المشروط دفعة، و إمّا أن يريد حصوله بعد المشروط بالتقديم و التأخير. لا ينبغي الخلاف و لا الإشكال في صحّة الثاني، لوجود المقتضى، و عدم المانع، كما يشهد عليه تعليل الصحّة و فساد ما زعمه أهل المسجد من فساده بقوله عليه السّلام: «إنّما هذا تقديم و تأخير و لا بأس» (3).

كما لا ينبغي الخلاف و لا الإشكال في فساد الأوّل، للدور و التحصيل الحاصل المحال، من غير فرق بين شرط البيع على البائع أو على غيره، و لا بين شرط البيع، أو شرط الرهن، أو شرط الوقف، أو شرط العتق، أو شرط الشراء، أو شرط غيرها من موارد زعم النقض أو الفرق، فلا وجه لأصل الخلاف و الإشكال و لا للنقض و الجواب بالفرق، بل ينبغي أن يكون النزاع في مثل المسألة لفظيّا بعد كشف المراد من الصحّة و الفساد، كما لا يخفى.

قوله: «فالحكم بفساد العقد الثاني في الروايتين لا يصحّ أن يستند إلى فساد الأوّل».

أقول: بل يمكن حمل الروايتين (4) على فساد العقدين من جهة قصد البائع الشراء المتوقّف على البيع، فيضمن إنشاء البيع دفعة واحدة لا على وجه التقديم و التأخير، كما يشهد عليه تعليل الصحّة و عدم فساد ما زعمه أهل المسجد من


1- الوسائل 13: 74 ب (11) من أبواب السلف ح 3.
2- الاستبصار 3: 77 ذيل الحديث 256.
3- الوسائل 12: 370 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 4.
4- الوسائل 12: 370 و 371 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 4 و 6.

ص: 475

فساده في اولى الروايتين بقوله عليه السّلام: «إنّما هذا تقديم و تأخير و لا بأس» (1)، و استدلالهم على بطلانه بالدور و بعدم قصد البائع حقيقة الإخراج عن ملكه و قطع علاقة الملكيّة عن نفسه.

[القول في القبض]

قوله: «و إن فسّرت برفع جميع الموانع و إذن المشتري في التصرّف .. إلخ».

[أقول:] فيه أوّلا: لا يكاد يظهر الفرق بين تفسيري التخلية، فإنّ تفسيرها الأوّل بقوله: «فعل البائع بالنسبة إلى المبيع و هو جميع ما يتوقّف عليه من طرفه و وصوله إلى المشتري و يعبّر عنه مسامحة بالإقباض و التسليم، و هو الّذي يحكمون بوجوبه على البائع و الغاصب و الراهن في الجملة، و يفسّرونه بالتخلية الّتي هي فعل» (2) إنّما هو عين التفسير الثاني.

نعم، لو فسّر التخلية في الأوّل بالترك لا الفعل- أعني: مجرّد رفع اليد عن تسلّط نفسه دون تسليط صاحبه- افترق المعنيين، و لكنّه خلاف ظاهر التفسير و خلاف ما هو الواجب على البائع و الغاصب و الراهن، بل و خلاف ما هو مراد المفسّرين له بالتخلية حتّى في غير المنقول، إذ من المعلوم أنّ التخلية بمعنى مجرّد رفع اليد عن تسلّط نفسه يعدّ إعراضا لا قبضا اسما و لا حكما، أمّا اسما فواضح، و أمّا حكما فلعدم الاكتفاء به فيما يجب على البائع و الراهن و الغاصب في الوفاء بالعقود و إسقاط الضمان قطعا حتّى في غير المنقول، بل التخلية المجزية في إسقاط الضمان و أداء الواجب على البائع و الغاصب و الراهن إنّما هو «تسليط الناس على أموالهم».

نعم، هو إمّا فعليّ، كوضعه أو وضع مفتاحه أو عنانة في يده أو بين يديه أو سوق الدابّة معه أو إلى داره، أو قولي كالإشارة أو الكتابة أو التصريح بقوله


1- الوسائل 12: 370 ب (5) من أبواب أحكام العقود ح 4.
2- المكاسب: 309.

ص: 476

«خذه» أو «تصرّف فيه» أو «سلّطتك عليه» أو «حوّلته» أو «نقلته إليك» أو نحو ذلك ممّا يفيد التسليط فعلا أو قولا على القبض مطلقا، سواء قبضه و قبله الطرف المقابل، أم لم يقبضه.

و من هنا يحتمل جدّا أن يكون اختلاف تفاسير القبض على كثرتها اختلاف في اللفظ و التمثيل لا المعنى و التحديد، و أنّ مراد المتّفقين على اكتفاء التخلية هو الاكتفاء بالتخلية الفعليّة و هو التسليط على القبض، و مراد المنكرين هو إنكار الاكتفاء بالتخلية بمعنى الترك لا الفعل، و هو مجرّد رفع اليد عن التسلّط من غير أن يسلّط صاحبه عليه.

و ثانيا: لو سلّمنا الفرق بين معني التخلية، لكنّه غير فارق بما ذكره من أنّ التخلية بالمعنى الأوّل ليس بقبض و بالمعنى الثاني قبض، بل التقبيض على المعنيين ليس بقبض حقيقي و إنّما يلحقه حكم القبض شرعا، دفعا لضرر الضمان و كلفة الأمانة فيما مكّن القابض من القبض فلم يقبض من غير عذر شرعي، كما قد يلحق القبض حكم عدم القبض شرعا فيما لو قبضه كرها و له عذر شرعيّ من قبضه كتقيّة أو خوف غصب أو نهب أو معرض سرقة، للإكراه و الضرر المنفيين شرعا.

قوله: «و لعلّ تفصيل الشهيد (1) في البيع بين حكم الضمان و غيره من حيث إنّ الحكم الأوّل منوط بالإقباض و غيره منوط بفعل المشتري».

[أقول:] و فيه: ما عرفت من أنّ حكم الضمان و غيره من جواز التصرّف و تعيين ما في الذمّة من الكلّي و بيع ما لم يقبض كلّها منوطة بالقبض، إلّا أنّ مجرّد التقبيض قد يلحقه حكم القبض شرعا، كما أنّ القبض قد يلحقه حكم عدم القبض شرعا، و هذا لا يوجب ما ذكره المصنّف (2) من اختلاف أحكام القبض و لا


1- الدروس الشرعيّة 3: 213.
2- المكاسب: 310.

ص: 477

اختلاف أدلّة الأحكام.

قوله: «و إن استند إلى قوله في رواية عقبة بن خالد: «حتّى يقبض المتاع و يخرجه من بيته» (1) ففيه (2) إناطة الحكم بالتخلية».

أقول: وجه إناطة الحكم بالتخلية أنّ إقباض المتاع قد يفارق القبض، و لكن فيه أنّ عدم قبض القابض عند التقبيض و التمكين من القبض إن كان لا لعذر شرعي فهو في حكم القبض شرعا و إجماعا بدليل خارج عن هذا المستند و هو دليل «لا ضرر و لا ضرار» (3)، و إن كان لعذر شرعيّ فلا يناط الحكم بالتخلية، بل يحمل الرواية على النبويّ (4). و حينئذ فلا منشئ لما ذكره المصنّف (5) من اختلاف المستند في تفسير القبض بالتخلية و غيره.

قوله: «و ليس إلّا لكون (6) ذلك قبضا».

[أقول:] و فيه نظر، إذ لعلّه لكونه تعيينا لما في الذمّة من الحقّ الكلّي و التعيين به أعمّ من القبض، بل هو الأنسب، لأنّ مدخليّة القبض و عدمه في صحّة البيع بعيد جدّا، بخلاف التعيين فإنّ فيه مصالح و في عدمه مفاسد لا تعدّ، و يحتمل أيضا أن يكون اعتبار الكيل في البيع الثاني من المكيل لأجل التخلّص من شائبة الربا فيما ربح عليه البائع ليقع الربح في إزاء كيله و وزنه، كما يشهد عليه صحيحة عليّ بن جعفر (7) المتقدّمة (8).


1- الوسائل 12: 358 ب (10) من أبواب أحكام الخيار ح 1.
2- في المكاسب: احتمل فيه.
3- الوسائل 12: 364 ب «17» من أبواب الخيار.
4- المستدرك 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.
5- المكاسب: 310.
6- في المكاسب: «إلّا كون».
7- الوسائل 12: 389 ب «16» من أبواب أحكام العقود ح 9.
8- لم يتقدّم منه قدّس سرّه.

ص: 478

قوله: «و منه يظهر ما في المسالك».

[أقول:] و محلّ النظر من كلام المسالك قوله: «لأنّ الاعتبار بهما قبض و زيادة» (1)، إذ قد ظهر كون الاعتبار بهما تعبّد لأجل النصّ (2)، أو تعيين لرفع الجهل، أو تخلّص عن شائبة الربا لا قبض و زيادة، و مراده من الزيادة تعيينه.

قوله: «إن لم يكن إحداث [قول]».

[أقول:] و ذلك لتوقّف كلّ من نقل الضمان و البيع ثانيا على القبض، فالتفكيك بتوقيف نقل الضمان عليه دون البيع الثاني إحداث قول.

قوله: «و هذا كما أنّ إتلاف المشتري يرفع ضمان البائع».

[أقول:] و فيه: أنّ مقايسة التخلية بالإتلاف في رفع الضمان في غير محلّه، لأنّ الإتلاف إن كان بنحو القبض فالقياس مع الفارق، و إلّا فالحكم في المقيس عليه غير مسلّم.

قوله: «و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة».

[أقول:] و فيه: أنّ الاستيلاء كالتملّك و المالكيّة من الشئونات و الصفات الأعمّ من القبض و إن بلغ ما بلغ. ألا ترى أنّ القدرة و السلطنة الكليّة التامّة الإلهيّة على قبض الأرواح غير قبضها و أخذها الغير الصادق عرفا إلّا بالإماتة؟ فتفسير القبض بكلّ من المعاني المذكورة على اختلافها و كثرتها تفسير بالأخفى و الأدنى، و ليس له معنى أجلى و أعلى و أضبط و أقوى من الحوالة إلى ما هو معروف، و ليس لفظ أعرف و أبلغ و أفصح و أضبط عرفا و شرعا بحيث لا يحتاج إلى تفسير أصلا، و لا يختلف في قبض الضمان و رفعه، و لا في تعيين ما في الذمّة من الكلّي و قبضه، و لا بين قبض المنقول و غيره، إلّا أنّ القبض في كلّ شي ء بحسبه. و ما يتراءى من الاختلاف فهو في حكمه لا في اسمه أي فيما بحكمه.


1- مسالك الأفهام 3: 243.
2- الوسائل 12: 389 ب «16» من أبواب أحكام العقود ح 11.

ص: 479

قوله: «لأنّ البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه و هنا لا استحقاق، بل القبض سبب في الاستحقاق».

[أقول:] فيه أوّلا: منع الفرق، لأنّ عقد الرهن أيضا كعقد البيع سبب لازم لاستحقاق المرتهن العين المرهونة بعموم (1) «وجوب الوفاء بالعقود». نعم، في العقود الجائزة كالقرض و الهبة و الصدقة لا استحقاق إلّا بالقبض.

و ثانيا: سلّمنا، لكن الفرق المذكور غير فارق، لأنّ استحقاق المبيع بمجرّد عقد البيع لا يستلزم كفاية التمكين منه في سقوط ما رتّب الشارع على قبضه من الضمان و غيره. نعم، إنّما يستلزم جواز تصرّف المشتري فيه.

قوله: «و إن كان في موضع يختصّ به فالنقل من زاوية إلى أخرى بغير إذن البائع لا يكفي، لجواز التصرّف، و يكفي لدخوله في ضمانه .. إلخ».

[أقول:] فيه: منع هذا الفرق على إطلاقه، لأنّ المشتري إن أدّى الثمن استحقّ المبيع و جواز التصرّف فيه من غير توقّف على قبض و لا على إذن، و إلّا لم يستحقّه بلا استئذان، من غير فرق بين النقل من مكان خاصّ دون مكان و إن سقط الضمان بتصرّف الإثم و العصيان.

قوله: «و من أنّ الظاهر أنّ ذلك لأجل القبض».

[أقول:] فيه: ما عرفت من أنّ الأظهر كونه لأجل التعيين أو التخلّص من شائبة الربا فيما لو استريح البائع عليه، لا لأجل خصوص القبض، خصوصا و اعتبار ما هو معلوم الاعتبار تحصيل للحاصل المحال و لغو لا يليق بحكم الحكيم المتعال.

قوله: «يراد به ما ذكرنا لا ما عرفت من جامع المقاصد».

[أقول:] أمّا الفرق فهو كون المراد على ما ذكرنا من قوله: «لو اشترى


1- المائدة: 1.

ص: 480

مكايلة و باع مكايلة فلا بدّ لكلّ بيع من كيل جيد ليتمّ القبض» (1) إنّما هو الشراء و البيع بمكيال معيّن مسمّى في العقد في مقابل الشراء و البيع جزافا، أو ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعيّن في العقد لكونه لغوا.

و أمّا على ما ذكره جامع المقاصد (2) فالمراد به: لو اشترى أو باع ما من شأنه أن يباع، أو يشترى مكايلة في مقابل ما ليس من شأنه المكايلة فلا بدّ فيه من الكيل.

و أمّا وجه ترجيح إرادة ما ذكرنا فلأنّ المعنى على ما ذكره جامع المقاصد من قبيل توضيح الواضحات، و هو كون المكيل لا يباع و لا يشترى إلّا بكيل، بخلاف المعنى على ما ذكرنا فإنّ معناه أنّ الكيل المعيّن تسميته في عقد البيع و الشراء لا يتعيّن قبضه إلّا بكيله.

قوله: «مع أنّه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لا يقال: إنّ قبض المرهون جزافا بنقله من مكانه لا يقتضي أن يكون قبض المبيع جزافا كذلك بنقله من مكانه لا بتجديد كيله.

لأنّا نقول: نعم، لا يقتضي ذلك، و لكن يعلم منه بتنقيح المناط أنّه لو أجاز بيع الصبرة جزافا لم يكن له سبيل إلى قبضه إلّا بنقله من مكانه أيضا لا محالة، فيعلم أنّ اعتبار قبض المبتاع بكيل معيّن بكيله إنّما هو لأجل التوصّل إلى تعيّنه المسمّى في بيعه، لا لأجل التعبّد به حتّى يلزم تجديد كيله مرّة أخرى مع حصوله و العلم به.

قوله: «و لذا يقبّحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع».

[أقول:] و فيه نقضا: أنّه كما يستقبحون ذلك يستقبحون العكس أيضا، و هو مطالبة المثمّن قبل الثمن.


1- قواعد الأحكام 1: 150.
2- جامع المقاصد 4: 393.

ص: 481

و حلّا: بأنّ المستقبح إنّما هو مطالبة كلّ من العوضين مع الامتناع من بذل الآخر، و أمّا مع عدم الامتناع من التقابض معا فلا يستقبح، بل هو واجب يجر عليه الممتنع شرعا.

قوله: «و الأقوى ما عليه الأكثر».

[أقول:] و ذلك لانعقاد العقد على تعويض كلّ من الثمن و المثمّن بالآخر فلا تقديم لأحدهما على الآخر، و نسبة وجوب الوفاء بالعقد إلى كلّ من المتعاقدين مساوية. و دعوى انصراف العقد إلى تقديم المثمّن ممنوع، و الأصل عدمه.

قوله: «و لعلّ وجهه أنّ غير المؤجّل قد التزم بتسليمه من دون تعليق على تسليم المؤجّل أصلا».

[أقول:] أي: لا حالّا و لا بعد الحلول، و هو ممنوع، ضرورة أنّ مبنى عقود المعاوضات كلّية على التقابض يدا بيد و تسليم أحد العوضين على تقدير تسلّم الآخر، من غير فرق بين المؤجّل و المعجّل غايته في المؤجّل بعد حلول الأجل.

نعم، المبنى في غير المعاوضات من عقود الصلح و الهبات على تسليم المعقود عليه، من غير تعليق أصلا و رأسا دون المعاوضات و لو كان مؤجّلا، فإذا لم يسلم المعجّل من المثمن و لو عصيانا حتّى الأجل كان له حبس المعجّل لدخوله فيما التزمه المتعاقدان من حقّ المعاوضة و التقابض، بل لو علم البائع بعد البيع مؤجّلا من حال المشتري عدم أدائه الثمن عند حلول أجله لإفلاس، أو عذر جار له في الحال حبس المبيع و الامتناع من تسليمه معجّلا دفعا للضرر المنفيّ.

قوله: «و المالك قد ملك [الزرع] غير مستحقّ للبقاء».

[أقول:] و فيه منع، لأنّ سبق ملك الزرع على ملك المشتري للأرض ملك لبقائه فلم يبق للمشتري إلّا الخيار مع الجهل، و هو أقوى الوجوه المذكورة هنا.

قوله: «و المراد بالأرش [نفس] (1) قيمة الهدم لا أرش العيب».


1- هذه الكلمة غير موجودة في المكاسب.

ص: 482

[أقول:] نظرا إلى أنّه لو حدث بالهدم عيب كان حدوثه في ملك المشتري، و لأجل مصلحته و مقدّمة لإيصال حقّه فلا يضمنه البائع. إلّا أن يقال: إنّ العيوب الحادثة قبل القبض في ضمان البائع و لو كان إحداثها مقدّمة لإيصال حقّ المشتري و لأجل مصلحته.

قوله: «ففي [وجوب] إجابته وجهان».

[أقول:] من أنّ الامتناع حقّ لمالكه المشتري الممنوع من العين بالامتناع فلا مانع من الانتفاع، و من أنّ الانتفاع وصف تابع فلا ينفكّ كما في العين المرهونة.

قوله: «و لعلّ الرواية (1) أظهر دلالة على الانفساخ».

[أقول:] وجه الأظهريّة نسبة التالف فيها إلى صاحب المتاع الّذي هو في بيته، و في النبويّ (2) إلى بائعه.

قوله: «و في غير موضع ممّا ذكره تأمّل».

[أقول:] منها: قوله في الهارب المعسر قبل وزن الثمن: «يملك البائع الفسخ» (3)، فإنّ الهارب مرجوّ العود و المعسر مرجوّ اليسار فكيف يلحق بالتلف؟

و منها: قوله في الهارب المؤسر: «أثبت البائع ذلك عند الحاكم .. إلخ» (4)، فإنّه موضع خيار الفسخ بعد ثلاثة أيّام.

قوله: «لا يخلو السقوط عن (5) قوّة و إن لم نجعله قبضا».

[أقول:] فيه ما تقدّم من أنّ عدم قبض القابض مع التخلية و التقبيض إن كان لا لعذر فهو في حكم القبض قطعا و إجماعا، و إن كان لعذر فلا يسقط الضمان


1- الوسائل 12: 358 ب «1» من أبواب الخيار ح 1.
2- المستدرك 13: 303 ب (9) من أبواب الخيار.
3- تذكرة الفقهاء 1: 473.
4- في المكاسب: «من».
5- تذكرة الفقهاء 1: 473.

ص: 483

قطعا أيضا. فليست المسألة ذات قولين و لا ذات وجهين، كما زعم.

قوله: «و لو لا شبهة الإجماع على عدم تعيين (1) القيمة تعيّن الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ إلى غير ذلك».

[أقول:] و ذلك لأنّه بعد انصراف دليل الانفساخ لم يبق للمسألة مرجع إلّا إلى قاعدة إتلاف مال الغير، و أصالة عدم الفسخ، و عدم انتقال الثمن من البائع إلى المشتري.

قوله: «لو أكلت الشاة ثمنها المعيّن».

[أقول:] بأن كان ثمنها شعيرا أو علفا أو شيئا معيّنا آخر فأكلته أو شربته أو أتلفته، فإن كانت- أي الشاة- في يد المشتري فكإتلافه، أي إتلاف المشتري، و إن كان في يد البائع فكإتلافه، أي كإتلاف البائع، لتفريطه في حفظ ما في يده المسبّب للإتلاف المضمن للتالف إلى قوله: «لأنّ المبيع هلك قبل القبض»، و هو الشاهد من عبارة التذكرة (2) هنا حيث أطلق المبيع على ثمن الشاة المأكول لها.

قوله: «و ظاهر هذا الكلام كونه مسلّما».

[أقول:] أي ظاهر كلام التذكرة (3) حيث لم يفرق في جواز بيع ما لم يقبض بين ما انتقل ببيع أو غيره من سائر المعاوضات كالصلح و الإجارة، معلّلا بقوله:

لتمام الملك فيه و كذا ظاهر المحكيّ عن الشافعي من عدم جواز صلح ما لم يقبض من حيث لم يفرق أيضا بينه و بين البيع، معلّلا له بتوهّم الانفساخ بتلفه كالبيع (4). و إن كان محلّ نظر، بل منع، لأنّ توهّم طروّ الانفساخ بطروّ تلفه مضافا إلى أنّه خلاف الأصل لا يمنع من بيعه قبل طروّ المانع، كما لا يمنع من شرائه قبله


1- في المكاسب: «تعيّن».
2- تذكرة الفقهاء 1: 474.
3- تذكرة الفقهاء 1: 475.
4- تذكرة الفقهاء 1: 475.

ص: 484

قطعا.

قوله: «و فيه تأمّل».

[أقول:] وجه التأمّل: أنّ نقصان البعض و إن كان أظهر من نقصان الوصف إلّا أنّه موجب لخيار تبعّض الصفقة و هو الردّ لا الأرش، بخلاف الوصف.

قوله: «ظاهر الشرائع (1) عدم الأرش هنا مع قوله به في العيب. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ عدم الأرش هنا و إن كان مقتضى الأصل إلّا أنّ القول به في العيب يستلزم القول به هنا، لأنّ مقطوع اليد من أظهر أفراد العيب المقرّر شرعا بكلّ ما زاد أو نقص عن الخلقة الأصليّة.

قوله: «و هو أولى من حمل تلك الأخبار على الكراهة».

[أقول:] و قد يرجّح الحمل على الكراهة في خصوص المقام لوجوه:

منها: أنّ حمل المطلق على المقيّد و إن كان أقرب المجازات الشائعة إلّا أنّ حمل النواهي على الكراهة من المجاز الشائع جدّا، خصوصا على قول المعالم (2)، خصوصا بقرينة الجمع بينهما و بين نصوص (3) «لا بأس».

و منها: استئناس الكراهة من نفس النواهي، و كون النهي عن بيع ما لم يقبض لأجل شائبة الجهل و الغرر المنفي في البيع، أو رفع شائبة الربا فيما استربح عليه من غير قبض و كلفه يقابل الربح، كما يشهد به تفصيل بعض النصوص (4) الناهية بين المكيل و الموزون و غيرهما، و بين ما استربح عليه و عدمه، بل و يحتمل قويّا عدم دلالة النواهي على الفساد، بل و لا الحرمة، بل و لا الكراهة، و كونها لمحض الإرشاد إلى حسم ماله التشاجر و التنازع المنجرّ إلى الفساد بين


1- شرائع الإسلام 2: 35 و 43.
2- معالم الدين: 241.
3- الوسائل 12: 387 ب «16» من أبواب أحكام العقود.
4- الوسائل 12: 387 ب «16» من أبواب أحكام العقود.

ص: 485

المتبائعين في القبض و الإقباض في المبيع الّذي بيع قبل قبضه فالميسور من القبض قبله قد يتعسّر بعده للشحّ و البخل في إقباض ما لم يقبضه البائع و في قبضه و كيله و وزنه على ما بيع قبل قبضه، كما يؤيّده التفصيل في بعض النواهي بين بيع التولية و المرابحة، و بين بيعه على البائع الأوّل و غيره، و بين ما يكال من الطعام و غيره، كما [في] صحيحة الفقيه المتقدّمة: «أ يصلح لأحد بيع بزّه قبل أن يقبضه؟ قال عليه السّلام: لا بأس» معلّلا ب «أنّ هذا ليس بمنزلة الطعام» (1)، يعني: أنّ البزّ و هو ثوب البزّاز و متاع التاجر ليس بمنزلة الطعام الّذي يكال حتّى يحصل التشاجر و التنازع في قبضه و كيله.

قوله: «و هنا قول سادس».

أقول: بل ربّما يبلغ الوجوه، بل الأقوال في المسألة إلى اثني عشر، حاصله من ضرب محتملات إطلاق النهي الأربعة: التحريم و الكراهة و الفساد و الإرشاد في محتملات التفاصيل الثلاثة، تارة بين التولية و المرابحة، و اخرى بين المكيل و الموزون و غيره، و ثالثة بين الطعام و غيره، و أقوى محتملات الإطلاق الإرشاد، و دونه الكراهة، و دونه الحرمة، و دونه الفساد، فإنّه في غاية الضعف. كما أنّ أخفّ مراتب النهي بأيّ من معانيه الأربعة التفصيل بين التولية و المرابحة، و دونه التفصيل بين المكيل و الموزون و غيره، و دونه التفصيل بين الطعام و غيره.

قوله: «نهي عن بيع الطعام بالطعام حتّى يجري فيه صاعان: صاع البائع، و صاع المشتري».

أقول: هذا مضمون النواهي المأثورة و إن لم تكن بهذه العبارة، إلّا أنّ المخالفين نقلوه بالمعنى، كما أنّ رأيهم المخالفة مهما أمكن و كيف كان فالمعنى نهي عن بيع الطعام بالطعام حتّى يجري فيه صاعان، أي كيل البائع و كيل المشتري. و فيه ما عرفت من أنّ دلالته على الفساد مبنيّ على اعتبار الكيل


1- الوسائل 12: 389 ب «16» من أبواب أحكام العقود ح 10، و لم يتقدّم منه قدّس سرّه.

ص: 486

للقبض. و أمّا لو احتمل كونه لتعيين المبيع و رفع الجهل و الغرر أو كون النهي للكراهة أو الإرشاد فلا يدلّ على الحرمة فضلا عن الفساد.

قوله: «لأنّ محلّ (1) الكلام فيما [إذا] كان المالان سلمين».

أي محلّ الكلام هنا «فيما كان المالان»، أي المال الّذي اشتراه و المال الّذي الباعة «سلمين». و أمّا لو كان أحدهما دون الآخر خرج عن محلّ هذا النزاع لانتفاء النزاع المركّب بانتفاء أحد أجزائه.

لا يقال: إذا كان أحدهما شخصيّا- فضلا عن كلاهما- دخل في النزاع أيضا.

قلت: نعم، و لكن لمّا كان دخول فرض الشخصي في محلّ النزاع أوضح من فرض الكلّي قدّم و أخّر فرض الكلّي بعد قوله: «ثمّ هذا كلّه .. إلخ» (2).

قوله: «أمكن خروجه عن المسألة، لأنّ الظاهر هنا كون السلم (3) ثمنا».

أقول: بل الأظهر أنّ خروجه من جهة الفرق و عدم صدق بيع ما لم يقبض على بيع الكلّي مع الإيفاء بالشراء الشخصي للفرق بين الكلّي و الفرد.

قوله: «كما يلزمهم القول بذلك في وطء الجارية».

أقول: الالتزام بذلك لأجل التحفّظ على عموم: «لا وطء إلّا في ملك» (4)، و أصالة عدم الملكيّة في المعاطاة ليس بأولى من تخصيص العموم، كما خصّصه التحليل، أو تخصيص الأصل بأدلّة البيع و إطلاقات إفادته الملك، بل اللزوم.

قوله: «فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كلّ عوض مقام معوّضة».

[أقول:] فيه نقضا: ما عرفت من عموم: «لا بأس في الشراء لنفسه بمال


1- هذه الكلمة غير موجودة في المكاسب.
2- المكاسب: 317.
3- في المكاسب: «كون المسلم».
4- انظر البحار 103: 297 ح 1.

ص: 487

الغير» (1) و «أعتق عبدك عنّي» و «تمليك البضع بصداق من الغير» (2) و «تملّك العامل ربح المضاربة» (3).

و حلّا: بأنّ قيام كلّ عوض مقام معوّضه في «العقود تابع للقصود»، فإن قصد المعاوضة بين العوضين قام كلّ منهما مقام معوضه، مثل: «بعت هذا المال بهذا المال»، و إن قصد المعوّض لغير من له العوض اتبع قصده في قيام كلّ منهما مقام الآخر في أصل العوضيّة دون الكيفيّة، ك «بعت مالي بمال الغير» و «التزويج بصداق من الغير» و «الخلع يبذل الغير» و «الأجير لغير من عليه الأجرة»، كما أنّه لو قصد التمليك بلا عوض اتبع قصده كالصلح و الهبة بلا عوض و مفوّضة البضع.

قوله: «فلا بدّ من توجيهه إمّا بانتقال أحد العوضين إلى غير مالكه قبل المعاوضة، و إمّا بانتقال العوض الآخر [إليه] بعدها».

أقول: التوجيه بالانتقال قبلها أو بعدها مع عدم الدليل عليه ليس بأولى من ظهور الانتقال بنفس المعاوضة لإطلاق «لا بأس» في الجواب عن «اشر لنفسك» (4) و «أعتق عبدك عنّي» عموم ترك الاستفصال.

قوله: «و حيث كان استمراره بيد المشتري قبضا فقد قبض ماله على مالك الطعام. فافهم».

[أقول:] إشارة إلى أنّه لا يقال: إن استند الشراء إلى نفسه بمال الغير إلى ما سبق من إذن الغير له فهو باطل لا فضولي، و إن قطع النظر في شرائه عن سبق الإذن له فهو فضولي، لكن لم يلحقه إجازة الشراء و القبض المصحّح له.

لأنّا نقول: و إن لم يلحقه إجازة الشائبة قوليّة إلّا أنّ استمراره بيد المشتري


1- الوسائل 13: 73 ب (12) من أبواب السلف.
2- انظر الوسائل 12: 58 ب «3» من أبواب ما يكتسب به ح 2.
3- الوسائل 13: 185 ب «3» من أبواب أحكام المضاربة.
4- الوسائل 13: 73 ب (12) من أبواب السلف ح 1.

ص: 488

إجازة فعليّة كاشفة عن الرضا بالقبض و الشراء، و هو كاف خصوصا على القول بكون الإجازة كاشفة لا ناقلة، كما هو الأظهر.

قوله: «فلا إشكال في عدم وجوب أدائه في ذلك البلد».

[أقول:] في إطلاقه منع إذا فرضنا تعذّر الأداء أو تعسّره في البلد خصوصا من طرف الديون، فيتعيّن الأداء حينئذ في بلد المطالبة بالمثل أو القيمة لدفع الضرر.

قوله: «فتعذّر البراءة مستند إلى غيبته».

[أقول:] في إطلاقه منع فيما إذا كان للغائب في بلد الاستحقاق وكيل في الأداء فليس للغريم قيمة بلد الاستحقاق.

قوله: «في المسألة الثانية: «و فيه تأمّل. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ القيمة إنّما تتعيّن عند تعذّر المثل في بلد القرض لا في بلد المطالبة.

قوله: «أو احتاج تسليم المثل إلى مضيّ زمان. فتأمّل».

[أقول:] إشارة إلى أنّ الاحتياج في تسليم المثل إلى مضيّ زمان إنّما لا يوجب تعذّر المثل و تعيّن القيمة إذا كان الاحتياج إلى مضي زمان يسير بحيث لا ينافي الفوريّة العرفيّة في وجوب الوفاء بالمثل. و أمّا إذا كان الاحتياج إلى مضي زمان طويل ينافي الفوريّة العرفيّة في أداء المثل- كما هنا- فهو في حكم تعذّر المثل و تعيين القيمة عرفا و عقلا.

هذا آخر ما علّقناه على المكاسب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.