شرح فروع الکافی المجلد 4

اشارة

سرشناسه : مازندرانی، محمدهادی بن محمدصالح، - 1120ق.

عنوان و نام پديدآور : شرح فروع الکافی/محمدهادی بن محمد صالح المازندرانی ؛ تحقیق محمدجواد المحمودی، محمدحسین درایتی.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر،1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری : 5ج.

فروست : مرکز بحوث دارالحدیث؛157

الشروح والحواشی علی الکافی؛13

مجموعه آثارالموتمرالدولی الذکری ثقه الاسلام الکلینی(ره)؛ 19؛ 22

شابک : دوره: 978-964-493-328-8 ؛ 60000 ریال: ج.1: 978-964-493-318-9 ؛ ج.4: 978-964-493-392-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : کتاب حاضر به مناسبت کنگره بین المللی بزرگداشت ثقه الاسلام کلینی تحقیق و تصحیح شده است.

مندرجات : ج.1. کتاب الطهاره.-ج.2. کتاب الحیض والجنائز والصلاه.-ج.3. کتاب الصلاة و کتاب الزکاه.-ج.4.کتاب الصیام والحج.-ج.5. کتاب الحج.

موضوع : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. فروع. - نقدو تفسیر.

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : محمودی، محمدجواد، 1340 -

شناسه افزوده : درایتی، محمدحسین، 1343 -

شناسه افزوده : کلینی، محمدبن یعقوب،239ق. الکافی. فروع. شرح.

شماره کتابشناسی ملی : 1852894

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كتاب الصوم

اشاره

كتاب الصوم

.

ص: 6

. .

ص: 7

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الصومالصوم لغةً : مطلق الإمساك ، (1) قال اللّه تعالى حكايةً عن مريم عليهاالسلام : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْما» (2) أي صمتا وإمساكا عن الكلام ، قال الشاعر : (3) خيلٌ صيام وخيلٌ غير صائمةتحت العجاج واُخرى تعلك اللجما أي ممسكة عن الصهيل . وشرعا : إمساك خاصّ . وأفضل أنواعه صيام شهر رمضان ، وهو واجب بالضرورة ، وقد وردت فيه آيات ، منها : قوله سبحانه : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاما مَعْدُودَاتٍ» (4) ، بناءً على ما نقله في مجمع البيان (5) عن أكثر المفسّرين ، وهو الظاهر من أخبار المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين . قال المحقّق الأردبيلي قدس سره : «لعلّ التشبيه في أصل الصوم أو العدد والوقت أيضا ،

.


1- .المصباح المنير ، ص 352 (صام) .
2- .مريم (19) : 26 .
3- .وهو النابغة الذبيانى ، والشعر في ديوانه ، ص 106 ، وحكاه عنه الطوسي في التبيان ، ج 2 ، ص 114 ؛ والطبرسي في مجمع البيان ، ج 2 ، ص 5 ؛ والطبري في جامع البيان ، ج 2 ، ص 175 ؛ والجصّاص في أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 231 ؛ والفخر الرازي في تفسيره ، ج 5 ، ص 75 ؛ وابن سلّام في غريب الحديث ، ج 1 ، ص 327 .
4- .البقرة (2) : 183 184 .
5- .مجمع البيان ، ج 2 ، ص 6 .

ص: 8

لكن غيّر كما نقل في التفاسير » . (1) وفي كنز العرفان : قيل : إنّ النصارى كتب عليهم صيام شهر رمضان ، فأصابهم موتان فزادوا عشرا قبله وعشرا بعده ، فصار صومهم خمسين يوما ، وقيل : كان وقوعه في الحرّ الشديد أوالبرد الشديد ، فشقَّ ذلك عليهم في أسفارهم ومعايشهم ، فحوّلوه إلى الربيع وزادوا فيه عشرين يوما كفّارة للتحويل . (2) والظاهر أنّ المراد ب «الّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» الأنبياء عليهم السلام . يدلّ عليه رواية حفص ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إنّ صيام شهر رمضان لم يفرض اللّه صيامه على أحدٍ من الاُمم قبلنا» ، فقلت له : فقول اللّه عزّ وجلّ : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» ؟ قال : «إنّما فرض اللّه صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الاُمم ، ففضّل هذه الاُمّة وجعل صيامه فرضا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلى اُمّته» . (3) وعن بعض العامّة : أنّ الأيّام المعدودات : عاشوراء وثلاثة من كلّ شهر ، وأنّ صيامها كانت واجبة في بدو الإسلام ، ثمّ نسخت لصيام شهر رمضان ، وهو خلاف الظاهر كثيرا . (4) قال المحقّق الأردبيلي : بل لا يجوز النسخ ما لم يتعيّن ، سيّما مع بقاء حكم ما بعدها المتفرّع عليه ، وأيضا وجوب ثلاثة الأيّام على غير النبيّ صلى الله عليه و آله [من المؤمنين ]غير معلوم ، وإنّما نقل في الكشّاف وجوبها عليه فقط وإن نقل في غيره ، وأيضا لا ينافي وجوب رمضان وجوب غيره ، فلا يصلح نسخا له ، فتأمّل . (5) ومنها : قوله عزّ وجلّ : «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ

.


1- .زبدة البيان ، ص 146 .
2- .كنزالعرفان ، ج 1 ، ص 200 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 99 100 ، ح 1844 .
4- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 334 بلفظ : «قيل» .
5- .زبدة البيان ، ص 147 .

ص: 9

الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (1) ، وهو ظاهر . ومنها : قوله عزّ وعلا : «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (2) . ذكر المفسِّرون منهم الشيخ أبو عليّ الطبرسي (3) والزمخشري (4) والبيضاوي (5) في سبب نزوله : أنّ اللّه تعالى لمّا أوجب الصوم على الناس كان وجوبه بحيث لو صلّوا العشاء الآخرة أو رقدوا ما يحلّ لهم الأكل والشرب والجماع إلى الليلة القابلة ، ثمّ إنّ عمر باشر بعد العشاء فندم ، فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله واعتذر إليه رجالٌ ، فاعترفوا بما صنعوا بعد العشاء ، فنزلت . ومنها قوله جلّ وعلا : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» (6) على ما ذكر بعض المفسّرين . (7) وروى الصدوق عن الصادق عليه السلام في قوله عزّ وجلّ : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» قال : «يعني بالصبر : الصوم» ، وقال : «إذا نزلت بالرجل النازلة والشدّة فليصم ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» » . (8) هذا ، ومن العلل في فرض الصوم ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن علّته ، فقال : «إنّما فرض اللّه الصيام ليستوي به الغنيّ

.


1- .البقرة (2) : 185 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 337 .
4- .مجمع البيان ، ج 2 ، ص 21 22 .
5- .تفسير البيضاوى ، ج 1 ، ص 468 .
6- .البقرة (2) : 45 .
7- .اُنظر : تفسير الواحدي ، ج 1 ، ص 103 .
8- .الفقيه ، ج 2 ، ص 76 ، ح 1776 و 1777 .

ص: 10

والفقير ، وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير ؛ لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئا قدر عليه ، فأراد اللّه عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه وأن يُذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم ؛ ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع» . (1) ومن العلل في فرض ثلاثين يوما ما رواه عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامأنّه قال : «جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال له : لأيّ شيء فرض اللّه عزّ وجلّ الصوم على اُمّتك بالنهار ثلاثين يوما وفرض على الاُمم أكثر من ذلك ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : إنّ آدم عليه السلام لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، ففرض اللّه عزّ وجلّ على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضّل من اللّه عزّ وجلّ عليهم ، وكذلك كان على آدم ، ففرض اللّه ذلك على اُمّته ، ثمّ تلا هذه الآية : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاما مَعْدُودَاتٍ» . قال اليهودي : صدقت يا محمّد ، فما جزاء مَن صامها ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : ما من مؤمنٍ يصوم شهر رمضان احتسابا إلّا أوجب اللّه تبارك وتعالى له سبع خصال : أوّلها : يذوب الحرام من جسده ، والثانية : يقرب من رحمة اللّه عزّ وجلّ ، والثالثة : يكون قد كفّر خطيئة آدم أبيه ، والرابعة : يهوّن اللّه عليه سكرات الموت ، والخامسة : أمانٌ من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة : يُعطيه اللّه براءةً من النار ، والسابعة : يُطعمه اللّه من طيّبات الجنّة . قال : صدقت يا محمّد» . (2)

.


1- .علل الشرائع ، ص 378 ، الباب 108 ، ح 2 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 102 ، ح 88 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 73 ، ح 1766 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 7 ، ح 12697 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 73 74 ، ح 1769 ؛ الأمالي الصدوق ، المجلس 35 ، ح 1 ؛ الخصال ، ص 530 ، أبواب الثلاثين ، ح 6 ؛ علل الشرائع ، ص 378 379 ، الباب 109 ، ح 1 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 101 102 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 240 241 ، ح 13317 .

ص: 11

باب فضل الصوم

باب فضل الصومالأخبار فيه متظافرة ، وكفى ذكر قوله عزّ وجلّ في الحديث القدسي : «الصوم لي وأنا أجزي عليه» . رواه الصدوق عن أبي جعفر عليه السلام ، (1) والمصنّف عن الصادق صلوات اللّه عليه . (2) وروى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به» . (3) قال طاب ثراه : قال محيي الدِّين البغوي : كلّ الأعمال البرّ المخلصة له ، وإنّما خصّ الصوم بذلك لأنّه عمل باطن لا يمكن فيه الرياء ، بخلاف غيره من الأعمال البدنية الظاهرة كالصلاة والزكاة والحجّ ، فإنّه يتأتّى بها الرياء . (4) وقوله : «أنا أجزي عليه» . قال أبو عبيد : معناه أنا أتولّى الجزاء عليه ؛ لأنّه ليس من الأعمال الظاهرة ، فتكتبه الحفظة وإنّما هو ستر وإمساك . (5) وقال الخطّابي : معنى كونه له أنّه ليس للصائم فيه حظّ . وقيل : لمّا كان الاستغناء عن الطعام والشراب من صفاته تعالى ، فكأنّه تقرّب إلى اللّه بما يشبه صفة من صفاته وإن كان تعالى لا يشبه به في صفاته ، وقيل : معناه أنّه المتفرّد بعلم ثوابه وغيره من الحسنات قد اطّلع غيره تعالى على قدر أجره كما قال : «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (6) ،

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 75 ، ح 1773، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 152 ، ح 420 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 400 ، ح 13687 و 13688 .
2- .الحديث السادس من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 397 ، ح 13679 .
3- .صحيح البخاري ، ج 7 ، ص 61 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 274 ، باب صيام التطوّع ؛ و ص 304 و 305 ، باب في فضل شهر رمضان و فضل الصيام ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 197 198 ؛ المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 131 ؛ و ج 9 ، ص 30 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 593 ، ح 24297 .
4- .اُنظر : شرح السنّة للبغوي ، ج 6 ، ص 224 ، شرح الحديث 1711 .
5- .اُنظر : فتح الباري ، ج 4 ، ص 109 .
6- .الأنعام (6) : 160 .

ص: 12

وأجر الصوم موكول إلى سعة جوده ، «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (1) . وقيل : وجه الإضافة أنّه لم يعبد أحد غير اللّه بالصوم ، بخلاف غيره من الصلاة والسجود والصدقة وأمثالها . وقوله : «وأنا أجزي عليه» بيان لكثرة الثواب وعظمته . (2) قوله في مرسل ابن أبي عمير : (لخلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك) . [ح 13 / 6264] نقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : الخلفة والخلوف بضمّ الخاء فيهما ، وكثير من الشيوخ يرويهما بالفتح ، وخطّأه الخطابي ، (3) والخلوف : هو تغيّر رائحة الفم ؛ لما يحدث من خلوّ المعدة بترك الأكل ، (4) وقيل : هو تغيّر أصل طعم الفمّ وريحه بتأخير الطعام ، (5) يُقال : خلف فوه خلوفا بالفتح في الماضي وبالضمّ في المستقبل ، إذا تغيّر . (6) وعن البغوي أنّه قال : استطابة الريح من صفة الحيوان الذي له طبع يميل به إلى الشيء فيستطيبه أو ينفر به عن آخر فيستقذره ، فنسبة الاستطابة إليه تعالى مجاز واستعارة . وقيل : معناه ينال صاحبها من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا . وقيل : المعنى هي أطيب عندي من ريح المسك وإن كانت عندنا بضدّ ذلك . وقيل : المعنى أنّ اللّه يُثيب عليها ما لا يثيب على رائحة المسك إذا تطيّب به للصلاة يوم الجمعة . واحتجّ الشافعي بالثناء على الخلوف على منع السواك بعد نصف النهار ؛ لأنّ السواك حينئذٍ يذهبه .

.


1- .الزمر (39) : 10 .
2- .حكاه عنه النووي في شرح صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 29 . وجميع الأقوال الذي بعده منقول عن الخطّابي موجود فيه غير القول الأخير ، وهو موجود في عمدة القاري ، ج 10 ، ص 260 .
3- .حكاه النووي في شرح صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 29 ؛ والزرقاني في شرحه ، ج 2 ، ص 263 264 .
4- .حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 534 ؛ الثمر الداني ، ص 298 .
5- .حكاه الزرقاني في شرحه ، ج 2 ، ص 364 ونسبه إلى البرقي .
6- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 30 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 258 ؛ الفائق للزمخشري ، ج 10 ، ص 335 ، الخاء مع اللام .

ص: 13

باب فضل شهر رمضان

وأجازه مالك في النهاية كلّه معلّلاً بأنّه إن كان من المعدة فلا يذهبه السواك ، فإنّما جعل الكلام في الثناء على الخلوف استعارة وتنبيها على فضل الصوم لا على نفس الخلوف ، فذهابه وبقاؤه سواء . (1) قوله في خبر الحسن بن صدقة :(قيلوا ؛ فإنّ اللّه يطعم الصائم ويسقيه في منامه) . [ح 14 / 6265] قال طاب ثراه : «هو كناية عن القوّة التي يخلقها اللّه فيه ، ويحتمل أنّه يخلق من الشبع والريّ ما يكفيه ، (2) ويحتمل أنّه يطعمه حقيقةً من طعام الجنّة كرامةً له» .

باب فضل شهر رمضانقيل : السبب في تسمية رمضان أنّه وافق زمان الحرّ مشتقّ من الرمضاء ، وهي الحجارة الحارّة ، (3) ففي النهاية : «لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمّوها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيّام شدّة الحرّ ورمضه» . (4) وفي الكشّاف : الرمضان مصدر رمض ، إذا احترق من الرمضاء ، سمّي بذلك لارتماضهم فيه من حرّ الجوع ، كما سمّوه ناتقا لأنّه كان ينتقهم ، أي يزعجهم بشدّته عليهم ، أو لأنّ الذنوب ترمض فيه ، أي تحترق . (5) وهذا هو المطابق لما رواه في المنتهى عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه : «إنّما سمّي رمضان لأنّه يحرق الذنوب» . (6)

.


1- .حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 534 .
2- .اُنظر : فتح الباري ، ج 4 ، ص 181 ؛ تنوير الحوالك ، ص 286 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 72 .
3- .مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 224 ؛ ترتيب كتاب العين ، ج 1 ، ص 713 (رمض) .
4- .النهاية ، ج 2 ، ص 264 (رمض) .
5- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 336 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 556 . ورواه عبد اللّه بن قدامة في المغني ، ج 3 ، ص3 ؛ وعبدالرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 3 .

ص: 14

وعن الخليل أنّه من الرمض بتسكين الميم ، وهو مطر يأتي في وقت الخريف يطهّر وجه الأرض من الغبار ؛ سمّي الشهر بذلك لأنّه يطهّر الأبدان عن أوضار الأوزار . (1) وقيل : إنّما سمّي بذلك لأنّ الجاهليّة كانوا يرمضون أسلحتهم فيه ليقضوا منها أوطارهم في شوّال قبل دخول أشهر الحرم . (2) ويظهر من المصنّف على ما سيأتي أنّ رمضان اسم اللّه تعالى ، وأنّ الإضافة لاختصاص هذا الشهر به تعالى،ُ ويؤيّده ما ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يصوم رجب ويقول : «رجب شهري ، وشعبان شهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وشهر رمضان شهر اللّه تعالى» . (3) قوله : في خبر عبداللّه بن عبداللّه : (تغلق فيه أبواب النار وتُفتح فيه أبواب الجنان) . [ح 5 / 6273] قال طاب ثراه : قال عياض : الغلق يحتمل كونه حقيقة ، ويُحتمل كونه كناية عن العفو أو عن الكفّ عن المخالفات . قال ابن العربي : وكونها حقيقة يقتضي كونها مفتوحة . وقال بعضهم : ليست إلّا مغلقة ؛ لقوله تعالى : «حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا» (4) . وقال أيضا : الفتح يُحتمل كونه حقيقة لدخول الشهر وتعظيما لحرمته ، ويحتمل أنّه كناية عن كثرة الثواب ، أو عمّا يفتح اللّه فيه على المؤمنين من أعمال البرّ التي لا يكون في غيره من الصيام ونحوه . وقال ابن العربي : فهو يدلّ على أنّها كانت مغلقة . وزعم بعضهم أنّها مفتّحة دائما من قوله تعالى : «حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا» ، وهذا اعتداء على كتاب اللّه وغلط ؛ إذ لم يجعله جوابا للجزاء .

.


1- .حكاه عنه الرازي في التفسير الكبير ، ج 5 ، ص 91 ، ولم يذكره الخليل في كتاب العين .
2- .نفس المصدر إلى قوله : «أوطارهم» ، وقال : وهذا القول يحكى عن الأزهري . وبتمامه مذكور في رياض السالكين ، ج 6 ، ص 11 ، شرح الدعاء الرابع والأربعين .
3- .مسار الشيعة للمفيد ، ص 56 . وورد في المقنعة بلفظ : «شهر رمضان شهر اللّه ، وشعبان شهر رسول اللّه ، ورجب شهري» ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 493 ، ح 13935 .
4- .الزمر (39) : 71 .

ص: 15

باب من فطّر صائما

وقال الآبي : إنّما يكون جوابا إذا كانت الواو زائدة ، وكذا أعربه الكوفيّون . وقال المبرّد : الجواب محذوف تقديره سعدوا ، والواو للحال ، ولاشكّ أنّ الحال لا يقتضي أنّها مفتوحة . ثمّ قال طاب ثراه : «هذا الخبر يدلّ على وجوب الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله عند كلّ ذكر ، وقد بسطنا الكلام فيه في كتاب الدّعاء بما لا مزيد عليه» . قوله في خبر جابر : (غلّت مرَدَة الشياطين) . [ح 6 / 6274] نقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : الإغلال يحتمل كونه حقيقة وأن يكون كناية عن عدم تأثير غوايتهم ، وقد استراب مريب فقال : قد يقع من المعاصي فيه كما يقع في غيره . والجواب : أنّه لا يتعيّن في المخالفة أن يكون من وسوسة الشيطان ؛ إذ قد يكون من النفس وشهواتها . سلّمنا أنّها منه لكن ليس من شرط وسوسة اتّصالها بالنفس ؛ إذ قد يكون من بعد كما يوجد الألم في بدن المسحور عند تكلّم الساحر . على أنّه قال : «مردة الشياطين» ؛ لأنّهم في الكفر والتمرّد طبقات ، فتغتلّ المردة خاصّة فتقلّ المخالفات ، ولاشكّ في قلّتها في رمضان .

باب من فطّر صائماأراد قدس سره بذلك تفطيره عند المساء ، ويدلّ على استحبابه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن فطّر صائما فله مثل أجره» . (1) وفي المنتهى : ورواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- .مصباح المتهجّد ، ص 626 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 201 ، ح 579 ، و هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 138 ، ح 13046 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 625 . والحديث في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 240 ؛ والمعجم الأوسط ، ج 6 ، ص 69 ؛ والمعجم الكبير ، ج 5 ، ص 255 ؛ وج 11 ، ص 150 ؛ وكنزالعمّال ، ج 4 ، ص 322 ، ح 10712 ؛ وج 5 ، ص 125 ، ح 12341 ؛ وج 8 ، ص 452 ، ح 23615 ، وص 458 ، ح 23652 . ونحوه في : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 114 115 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 7 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 151 ، ح 804 ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2 ، ص 256 ، ح 3330 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 216 ؛ وج 10 ، ص 491 ؛ المعجم الأوسط ، ج 2 ، ص 7 ؛ وج 6 ، ص 69 ؛ وج 7 ، ص 153 ؛ وج 8 ، ص 214 .

ص: 16

باب في النهي عن قول رمضان بلا شهر

باب ما يقال مستقبل شهر رمضان

وعن موسى بن بكر ، قال : «فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك» . (1) وعن مسعدة بن صدقة . (2)

باب في النهي عن قول رمضان بلا شهرقال طاب ثراه : ورد ذلك النهي من طرق العامّة أيضا معلّلاً بأنّه من أسماء اللّه تعالى ، (3) وإنّما يُقال شهر رمضان كما في القرآن ، وهو محمول على الكراهة عند الفريقين كما صرّحوا به ؛ للأخبار المتكثّرة المتضمّنة للإطلاق بلا إضافة الشهر من الطريقين . وقال عياض : أجاز البخاري النطق به بدون الإضافة ، وهو الصحيح ، ومنعه أصحاب مالك ، وفرّق الباقلاني ، فأجاز أنّ صحبته قرينة تصرف اللفظ إلى الشهر . (4)

باب ما يقال مستقبل شهر رمضانالأدعية المأثورة فيه قد تكثّرت ، وفي كتب الأدعية قد تكرّرت وأحسنها دعاء الصحيفة الكاملة . (5) قوله في حسنة عليّ بن رئاب : واغفر لي الذُّنوب التي تغيِّر النِّعم ، إلى آخره . [ح 3 / 6284]

.


1- .هذا هو الحديث الثاني من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 201 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10، ص 139، ح 13048 .
2- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ، ومتنه مغاير لحديث موسى بن بكر .
3- .اُنظر: السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 201 202؛ كنزالعمّال، ج 8 ، ص 484، ح 23743.
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 247 248 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 278 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 265 .
5- .وهو الدعاء .

ص: 17

باب الأهلّة والشهادة عليها

كلّ من هذه الذنوب إشارة إلى ذنبٍ خاصّ ، فقد روى . (1)

باب الأهلّة والشهادة عليهالقد أجمع الأصحاب على ثبوت الهلال بأحد شيئين : الأوّل : الرؤية . ويثبت بذلك في حقّ الرائي وإن انفرد به ، عدلاً كان أو فاسقا ، شهد عند الحاكم أو لا ، قبلت شهادته أم لا ، وعلى وجوب الكفّارة لو أفطر هذا اليوم من غير عذر . وبذلك قال جمعٌ من العامّة أيضا ؛ منهم مالك (2) والشافعي (3) وأصحاب الرأي والليث وابن المنذر ، (4) إلّا أنّ أبا حنيفة منهم لم يوجب الكفّارة بإفطاره ؛ (5) معلّلاً بأنّ الكفّارة عقوبة ، فلا يجب بفعل مختلفٍ فيه كالحدود . واُجيب بالمنع من كونها عقوبة سلّمنا لكن ينتقض بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه أيضا . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره قوله سبحانه : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (6) . وما رواه الشيخ عن المفضّل وعن زيد الشحّام جميعا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن الأهلّة ، فقال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم وإذا رأيته فافطر» . قلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟

.


1- .كذا بالأصل ، والظاهر أنّ العبارة فيها سقط .
2- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 449 450 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 92 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 280 ؛ المدوّ نة الكبرى ، ج 1 ، ص 193 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 287 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 279 و 288 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 205 ، المسألة 60 .
3- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 104 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 280 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 449 450 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 92 ؛ حواشي الشرواني ، ج 3 ، ص 372 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 205 ، المسألة 60 .
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 92 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 10 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 280 281 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 558 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 280 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 205 ، المسألة 60 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 162 .
6- .البقرة (2) : 185 .

ص: 18

فقال : «لا ، إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقضِ ذلك اليوم» . (1) وعن أبي العبّاس عنه عليه السلام قال : «الصوم للرؤية والفطر الرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون» . (2) وعن عليّ بن محمّد القاساني ، قال : كتبت إليه وأنا بالمدينة أسأله عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان ، هل يُصام أم لا ؟ فكتب : «اليقين لا يدخل فيه الشكّ ، صُم للرؤية وافطر للرؤية» . (3) وعن محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني أبو عليّ بن راشد ، قال : كتب إليّ أبو الحسن العسكري عليه السلام كتابا وأرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومئتين ، وكان يوم الأربعاء يوم شكّ ، وصام أهل بغداد يوم الخميس ، وأخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخمس ولم يغب إلّا بعد الشفق بزمانٍ طويل ، قال : فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس ، وأنّ الشكّ كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال : فكتب إليّ : «زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا» . قال : ثمّ لقيته بعد ذلك فسألته عمّا كتبت به إليه ، فقال لي : «أوَلَم أكتب إليك إنّما صمت يوم الخميس ولا تصم إلّا للرؤية» . (4) وعن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه أبوعمرو : أخبرني يا مولاي ، أنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علّة ، فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحسّاب قِبلنا أنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر وافريقيّة والأندلس ، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 155 156 ، ح 430 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 62 63 ، ح 200 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 253 ، ح 13341 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 ، ح 431 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 253 ، ح 13342 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 445 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 210 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 156 ، ح 13351 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 167 ، ح 475 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 281 ، ح 13418 .

ص: 19

على أهل الأمصار ، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا ؟ فوقّع عليه السلام : «لا تصومنّ الشكّ ، افطر لرؤيته وصُم لرؤيته» . (1) وعن منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال : «صُم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته» . (2) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، عنه عليه السلام ، أنّه قال : في كتاب عليٍّ عليه السلام : «صُم لرؤيته وافطر لرؤيته» . (3) وفي الحسن الموثّق عن عبد السلام بن سالم ، عنه عليه السلام ، أنّه قال : «إذا رأيت الهلال فصم ، وإذا رأيت الهلال فافطر» . (4) وفي الصحيح عن الفضيل بن عثمان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية» . (5) وفيه أخبار اُخر أيضا سيأتي بعضها . ومن طرق العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» . (6) وعن ابن عمر : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر رمضان فقال : «لا تصوموا حتّى تروا الهلال ولا تفطروا حتّى تروه ، فإن غمّ عليكم فاكملوا العدّة ثلاثين» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 446 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 297 ، ح 13459 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 157 ، ح 436 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 64 ، ح 205 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 ، ح 13346 ، و ص 287 ، ح 13433 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 441 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 208 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 255 ، ح 13349 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 465 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 257 258 ، ح 13358 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 442 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 209 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 255 ، ح 13350 .
6- .مسند الشافعي ، ص 187 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 226 و 258 ؛ وج 2 ، ص 422 و 430 و438 و 454 و 456 و 469 و 497 ؛ وج 4 ، ص 23 و 321 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 2 ، صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 124 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 98 ، ح 683 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 133132 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 69 ، ح 2426 و 2427 ؛ وص 72 ، ح 2439 و 2440 ؛ وص 85 ، ح 2499 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 425 .
7- .مسند الشافعي ، ص 103 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 208 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 142 143 ، ح 2150 .

ص: 20

واحتجّ الشيخ عليه أيضا بقوله تعالى : «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (1) ، وقال : فبيّن تعالى أنّه جعل هذه الأهلّة معتبرة في تعرّف أوقات الحجّ وغيره ممّا يعتبر فيه الوقت وما يعمل الصحابة والتابعون إلى يومنا هذا في تعريف الشهور بمعاينة الهلال ورؤيته . (2) وعن عطاء والحسن البصري وابن سيرين وإسحاق أنّه لا يصوم الرائي وحده إذا لم يرَ الهلال غيره ، بل يفطر هو أيضا ؛ (3) محتجّين بأنّ هذا اليوم محكومٌ عليه عند حكّام الشرع بأنّه من شعبان . والجواب : أنّه إنّما حكم به من شعبان لغير الرائي ، وأمّا عنده فهو محكومٌ به من رمضان . الثاني : الشهادة . واتّفق الأصحاب على اشتراط كون الشاهد رجلاً في شهادة الأهلّة وعدم قبول شهادة النساء في ذلك ، (4) خلافا للعامّة . ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم (5) وحسنة حمّاد بن عثمان (6) ، ويستفاد من غيرهما من الأخبار أيضا . ثمّ اختلفوا في عدد الشهود ، فالمشهور اعتبار عدد البيّنة المعتبرة في الدعاوى من العدلين مطلقا ؛ لإطلاق أخبار دلّت على اعتبار البيّنة وقد سبق نبذٌ منها ، وصريح حسن حمّاد بن عثمان ، وما رواه الشيخ قدس سرهعن صبّار أو صابر على اختلاف النسخ مولى أبي

.


1- .البقرة (2) : 189 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 154 155 ، باب علامة أوّل شهر رمضان وآخره .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 588 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 280 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 92 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 10 .
4- .اُنظر : المقنع ، ص 183 ؛ الانتصار ، ص 184 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 267 ؛ المختصر النافع ، ص 280 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 241 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 175 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب .
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب .

ص: 21

عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما ، ويفطر للرؤية ويصوم للرؤية ، أيقضي يوما ؟ فقال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : لا ، إلّا أن يجيء شاهدان عدلان فيشهدا أنّهما رأياه قبل ذلك بليلته ، فيقضي يوما» . (1) وعن يعقوب بن شعيب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّا عليه السلام قال : لا اُجيز في الطلاق ولا في الهلال إلّا رجلين» . (2) وفي الحسن عن شعيب ، عن أبي بصير ، عنه عليه السلام ، أنّه سُئِلَ عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان ، فقال : «لا تقضيه إلّا أن يثبت شاهدان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر» . وقال : «لا تصم ذلك اليوم الذي تقضي إلّا أن يقضي أهل الأمصار ، فإن فعلوا فصمه» . (3) وعن منصور بن حازم ، عنه عليه السلام أنّه قال : «صُم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته ، فإن شهد عندكم شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» . (4) وفي الصحيح عن هشام بن الحكم ، عنه عليه السلام أنّه قال فيمن صام تسعة وعشرين ، قال : «إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» . (5) وفي الصحيح عن أبي الصباح والحلبي جميعا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه سُئل عن الأهلّة ، فقال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصُم وإذا رأيته فافطر» . قلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟ فقال : «لا ، إلّا أن تشهد لك بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقضِ ذلك اليوم» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 165 ، ح 468 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 268 ، ح 13389 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 316 317 ، ح 962 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 289 ، ح 13438 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 157 ، ح 438 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 287 ، ح 13434 ، وص 293 ، ح 13447 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 157 ، ح 436 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 62 63 ، ح 205 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 ، ح 13346 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 443 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 165 ، ح 13381 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 157 ، ح 434 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 204 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 ، ح 13345 .

ص: 22

وبسند آخر موثّق عن عبيداللّه بن عليّ الحلبي ، عنه عليه السلام مثله . (1) وعن عبداللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الأهلّة ، فقال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر» ، قلت : إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟ قال : «لا ، إلّا أن تشهد بيّنة عدول ، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» . (2) وعن أبي أحمد عمر بن الربيع البصري ، قال : سئل الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلامعن الأهلّة ، قال : «هي أهلّة الشهور ، فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فافطر» ، فقلت : أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما ، أقضي ذلك اليوم ؟ قال : «لا ، إلّا أن تشهد لك عدول أنّهم رأوه ، فإن شهدوا فاقضِ ذلك اليوم» . (3) ومن طرق العامّة روى في العزيز أنّه صلى الله عليه و آله قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوما ، إلّا أن يشهد شاهدان» . (4) وهذا القول منقول عن معظم الأصحاب ؛ منهم الشيخ المفيد (5) والسيّد المرتضى (6) وابن إدريس رضى الله عنه ، (7) وعن الشافعي في أحد قوليه ، (8) وعن مالك (9) والليث والأوزاعي وإسحاق ، (10) وجزمَ به العلّامة في المختلف ، (11) وعدّه في المنتهى أقرب ، (12) وهو ظاهر الشيخ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 161 162 ، ح 455 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 163 ، ح 459 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 ، ح 13387 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 163 ، ح 460 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 ، ح 13388 .
4- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 250 . والحديث في: صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 205 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 489 ، ح 23769 .
5- .المقنعة ، ص 297 298 .
6- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 54).
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 380 381 .
8- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 277 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 421 .
9- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 258 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 282 .
10- .المجموع ، ج 6 ، ص 282 .
11- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 488 .
12- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .

ص: 23

في الخلاف حيث قال : «وعلامة شهر رمضان ووجوب صومه أحد شيئين : إمّا رؤية الهلال ، أو شهادة شاهدين» . (1) وقال العلّامة في المختلف : قال الشيخ في النهاية : وإن كان في السماء علّة لم يثبت إلّا بشهادة خمسين من أهل البلد أو عدلين من خارجه ، وإن لم يكن هناك علّة وطلب فلم يرَ لم يجب الصوم ، إلّا أن يشهد خمسون من خارج البلد بأنّهم رأوه . (2) وبه قال ابن البرّاج . (3) وفي المبسوط : فإن كان في السماء علّة من غيم أو قتام أو غبار وشهد عدلان مسلمان برؤيته وجب الصوم ، وإن لم تكن هناك علّة لم تقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً ، ومتى كانت في السماء علّة ولم يرَ في البلد أصلاً وشهد من خارج البلد نفسان عدلان قبل قولهما ووجب الصوم ، وإن لم تكن علّة غير أنّهم لم يروه لم يقبل بمن خارج البلد إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً . (4) فقد خالف مفهوم كلامه هنا قوله في النهاية بأنّه يقبل مع العلّة شهادُة عدلين من البلد . وفي الخلاف : لا يقبل في هلال رمضان إلّا شهادة شاهدين ، فأمّا الواحد فلا يقبل فيه ، هذا مع الغيم ، فأمّا مع الصحو فلا يقبل فيه إلّا خمسين قسامة أو اثنان من خارج البلد . ونقل ابن إدريس عن الشيخ [في الخلاف] (5) أنّه يعتبر الشاهدين حيث قال : علامة رمضان أحد شيئين : رؤية الهلال ، أو شهادة شاهدين ، ثمّ نقل ما نقلناه أوّلاً ، ونسب كلام الشيخ في النهاية والخلاف إلى الاضطراب . (6) وقال أبو الصلاح : يقوم مقام الرؤية شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من العوارض ، وفي الصحو وانتقائها إخبار خمسين رجلاً . (7) فاعتبر العلّة وعدمها ولم يعتبر الخارج من البلد والداخل .

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 169 ، المسألة 8 .
2- .النهاية ، ص 151 152 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 189 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 267 .
5- .اُضيفت من المصدر ، وتقدّم كلامه قبل سطور .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 383 .
7- .الكافي في الفقه ، ص 181 .

ص: 24

وقال الصدوق ابن بابويه في المقنع : واعلم أنّه لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال إلّا خمسين رجلاً عدد القسامة ، وجوّز شهادة رجلين عدلين إذا كانا من خارج البلد أو كان بالمصر علّة (1) . (2) ثمّ حكى احتجاج الشيخ بما رواه حبيب الخزاعي ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علّة فأخبرا أنّهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية» . (3) وفي الصحيح عن العبّاس بن موسى ، عن يونس ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عنه عليه السلام ، قال : قلت له : كم يجزي في رؤية الهلال ؟ قال : «إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : قد رأيته ، ويقول الآخرون : لم نرَه ، إذا رآه واحد رآه مئة ، وإذا رآه مئة رآه ألف ، ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان في مصر» . (4) وبأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحّة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّرا إلّا إذا وجدت العلّة ، فإنّه يحتمل اختلاف الأبصار في الحدّة والضعف ، فيرى بعضهم دون بعض . (5) وحكى في المنتهى (6) احتجاجه بما رواه في الموثّق عن عبداللّه بن بكير عنه عليه السلام قال : «صُم للرؤية وافطر للرؤية ، وليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل والرجلان فيقولان

.


1- .المقنع ، ص 183 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 488 489 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 448 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 74 75 ، ح 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 290 291 ، ح 13442 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 160 ، ح 451 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 289 ، ح 13439 .
5- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 131 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .

ص: 25

رأينا ، إنّما الرؤية أن يقول القائل : رأيت ، فيقول القوم : صدقت» . (1) وحملت في المشهور هذه على صورة عدم عدالة الشهود والرجوع إلى الشياع وعدم حصول العلم القطعي من شهادة أقلّ من خمسين . وعلى هذا لو لم يحصل العلم من شهادة خمسين أيضا لابدّ من الزيادة كما يستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظنّي ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد : هو ذا هو ، وينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة وألف ، وإذا كانت علّة فأتمّ شعبان ثلاثين» . وزاد حمّاد (2) فيه : «وليس أن يقول رجل : هو ذا هو» ، لا أعلم إلّا قال : «ولا خمسون» . (3) ورواية أبي العبّاس ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون» . (4) وأجاب في المنتهى عن أخبار الشيخ أوّلاً بضعف السند ، ثمّ باحتمال الخطأ في الناظرين والتهمة بالكذب . (5) وفي المختلف أيضا أجاب بهذا . (6) وتضعيف السند في خبر الخزاعي مسلّم ؛ لجهالته ، (7) وأمّا في الأخير خبر ابن بكير

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 ، ح 431 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 253 ، ح 13342 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 464 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 291 ، ح 13443 .
4- .الراوي عن محمّد بن مسلم اثنان : أحدهما أبو أيّوب، والثاني حمّاد ، وهذه الزيادة لم ينقلها أبو أيّوب .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 156 ، ح 433 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 63 ، ح 203 (و زيادة حمّاد غير موجودة في الاستبصار)؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 290 ، ح 13440 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 493 .
7- .اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 4 ، ص 228 ، الرقم 2580 .

ص: 26

فمبني على أنّ ابن بكير كان فطحيّا ، وإن وثّقوه فلا يعبأ بما يرويه ، ولكن اشتهر بين الأصحاب كونه كالصحيح بناءً على إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه . (1) وأمّا خبر الخزّاز فهو مبنيّ على اشتراك العبّاس بن موسى وما قيل في يونس بن عبد الرحمن ، والظاهر أنّ العبّاس هو الورّاق ، فإنّه الذي يروي عن يونس ، وهو كان ثقة ، (2) وكذا يونس بن عبد الرحمن (3) على ما مرّ . وكذا حكم في المختلف (4) بصحّة هذا الخبر ، وعن اعتباره بجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ولقوّة الحاسّة وضعفها والنقصان للرؤية وعدمه واختلاف مواضع نظرهم . (5) واختار سلّار على ما حكي عنه في المختلف (6) والمنتهى (7) قبول شهادة الواحد في أوّله ، وأنّ الصوم يجب بها دون آخره ، فلا يجوز الإفطار بها (8) محتجّا بالاحتياط ، وبرواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا رأيتم الهلال فافطروا ، أو شهد عليه عدلٌ من المؤمنين» ، (9) الخبر ، وسيأتي . ويرد عليه أنّ الخبر لو صحّ لدلَّ صريحا على قبول شهادة الواحد في آخر شهر رمضان ، وهو لا يقول به ، بل لم يقل به أحد أهل العلم سوى أبي ثور على ما يظهر من المنتهى حيث قال :

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 488 .
2- .معرفة رجال الحديث ، ج 2 ، ص 673 ، الرقم 705 .
3- .رجال النجاشى ، ص 280 ، الرقم 742 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 210 .
4- .رجال النجاشي ، ص 446 ، الرقم 1208 ؛ رجال الطوسي ، ص 346 ، الرقم 5167 ؛ وص 368 ، الرقم 5478 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 492 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 . ومثله في تذكره الفقهاء ، ج 6 ، ص 131 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 588 .
8- .المراسم العلويّة ، ص 94 .
9- .الفقيه ، ج 2 ، ص 124 ، ح 1911 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 207 ، وص 73 ، ح 222 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 440 ؛ وص 177 ، ح 491 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 254 255 ، ح 13348 صدر الحديث ، وص 264 265 ، ح 13379 ، وص278 ، ح 13410 ، وص 288 ، ح 13435 . وفى الجميع : «عدل من المسلمين» .

ص: 27

لا يقبل في شهادة الإفطار إلّا شاهدين ، وهو قول عامّة الفقهاء . وقال أبو ثور : يقبل واحد ، (1) وما رواه الجمهور عن طاووس ، قال : شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عبّاس ، فجاء رجل إلى واليها فشهد عنده على هلال شهر رمضان ، فسأل ابن عمر وابن عبّاس عن شهادته ، فأمراه أن يجيزه ، وقالا : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان ، قالا : وكان لا يجيز على شهادة الإفطار إلّا شاهدين رجلين (2) . (3) ومن طريق الخاصّة تقدّم الأحاديث فيه ، وقد وافق سلّار الشافعي في قول آخر . (4) وفي العزيز : وبه قال أحمد في الرواية الصحيحة ؛ لما روي عن ابن عبّاس ، قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله من الحرّة ، (5) فقال : إنّي رأيت الهلال ، فقال : «تشهد أن لا إله إلّا اللّه ؟» فقال : نعم ، قال : «تشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ؟» قال : نعم ، قال : «يا بلال ، أذّن في الناس فليصوموا غدا» . (6) وعن عبداللّه بن عمر ، قال : ترآءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّي رأيته ، فصام وأخبر الناس بالصيام (7) . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 .
2- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 281 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 94 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 10 .
3- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 137 ، ح 2129 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 252 ، وفيهما : «إلّا بشهادة رجلين» .
4- .المراسم العلويّة ، ص 233 234 .
5- .كلمتا «من الحرّة» موجودة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 ، وليستا في مصادر الحديث .
6- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 5 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 132 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 68 ، ح 2422 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 4 ، ص 407 ، ح 2529 ؛ المنتقى ، ص 103 ، ح 379 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 229 230 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 138 ، ح 2134 .
7- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 4 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 525 ، ح 2342 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 423 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 212 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 231 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 165 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 137 ، ح 2127 .
8- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 251 252 .

ص: 28

وهو قريب من قول أبي حنيفة . وقال : «لا يقبل في الصحو (1) [إلاّ] (2) الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل الاثنين» . (3) وعلى القول باعتبار الواحد في الأوّل إذا صام ثلاثين بشهادته وغمّ هلال شوّال ، هل يفطر أو لا ؟ الظاهر العدم كما لا يفطر لو أخبر بهلال شوّال ؛ إذ إفطاره حينئذٍ يبتني على شهادة الواحد . وبه قال محمّد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه . (4) وحكى في المنتهى عن أبي حنيفة وقولاً آخر للشافعي الإفطار ، (5) واستوجهه معلّلاً بأنّ الصوم يثبت شرعا بشهادة الواحد ، فيثبت الإفطار باستكماله ما شهد به الواحد ولا يكون إفطارا بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ويثبت بهنّ (6) الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة ، (7) فتأمّل . وإذا رأى الهلال في الليلة التاسع والعشرين يظهر أنّه قد وقع الغلط في أوّل الشهر ؛ لأنّ الشهر لا يكون ثمانية وعشرين يوما ، وهو ظاهر غير محتاج إلى البيان . وقد ورد أيضا عن حمّاد بن عيسى ، عن عبداللّه بن سنان ، عن رجل نسى حمّاد بن عيسى اسمه قال : صام عليّ عليه السلام بالكوفة ثمانية وعشرين يوما شهر رمضان فرأوا الهلال ، فأمر مناديا أن ينادي : «اقضوا يوما ، فإنّ الشهر تسعة وعشرون يوما» . (8) وإذا لم يرَ يتمّ الشهر ثلاثين يوما يصوم أو يفطر حينئذٍ قطعا ؛ لأنّ الشهر لا يكون

.


1- .الصحو : ذهاب الغيم .
2- .ما بين الحاصرتين لتقويم العبارة ؛ للتصريح بذلك فى المصادر التالية .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 258 . ومثله في المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 93 ، والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 9 .
4- .المجموع ، ج 6 ، ص 278 279 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 258 259 .
5- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 94 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 10 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 278 .
6- .. هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «بهم» .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 589 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 133 134 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 159 ، ح 444 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 296 ، ح 13458 .

ص: 29

أزيد من ثلاثين ، وقد سبق في بعض الأخبار أيضا . الثالث : الشياع . ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الهلال به على ما ادّعاه في المنتهى . (1) واحتجّ عليه بأنّه نوع تواتر يفيد العلم ، ويستفاد ذلك من أخبار الخمسين وغيرها ممّا ذكر ، والظاهر اعتبار العلم المعتبر في التواتر ، فلا ينحصر المخبرون في عدد ، ولايعتمد (2) على خبر المرأة والصغير والكافر ، كما في سائر المتواترات . وقال صاحب المدارك : قال العلّامة في التذكرة : «ولو لم يحصل العلم بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع» . (3) ونحوه ذكر الشارح وغيره ويعني بالشارح الشهيد الثاني في شرح الشرائع (4) وغيره (5) واحتمل في موضع من الشرح اعتبار ازدياد الظنّ الحاصل من ذلك على ما يحصل منه ، بقول العدلين لتتحقّق الأولويّة المعتبرة في مفهوم الموافقة . ويشكل بأنّ ذلك يتوقّف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معلّلاً بإفادتهما الظنّ ؛ ليتعدّى إلى ما يحصل به وتتحقّق الأولويّة المذكورة ، وليس في النصّ ما يدلّ على هذا التعليل ، وإنّما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع أنّ اللّازم من اعتباره الاكتفاء بالظنّ الحاصل من القرائن إذا ساوى الظنّ الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى منه ، وهو باطل إجماعا ، والأصحّ اعتبار العلم . (6) ولا يجوز الاعتماد في ذلك على الجدول ولا على كلام المنجّمين اتّفاقا منّا ، (7) وفاقا

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 590 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 136 ، المسألة 80 .
2- .هذا هو الظاهر ، وهذه الكلمة في الأصل غير واضحة .
3- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 126 ، المسألة 80 .
4- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 51 .
5- .كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 287 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 165 166 .
7- .اُنظر: المبسوط، ج 1، ص 267؛ الخلاف، ج 2، ص 180؛ المعتبر، ج 2، ص 688؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 493؛ تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 137، المسألة 82 ؛ مختلف الشيعة، ج 3، ص 497 498.

ص: 30

لأكثر العامّة . (1) ويدلّ عليه حصر العلامة فيما ذكر من الرؤية والثبوت ، وخبر محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه أبو عمرو : أخبرني يا مولاي ، أنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ، ونرى السماء ليست فيها علّة ، فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحسّاب قبلنا : إنّه يرى في تلك الليلة بعينها في مصر وأفريقية والأندلس ، فهل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض على أهل الأمصار ، فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم خلاف فطرنا ؟ فوقّع عليه السلام : «لا تصومنّ الشكّ ، افطر لرؤيته وصُم لرؤيته» . (2) ومنشأه أنّ الجدول على تقدير أصالة السند مأخوذ من قول الفلاسفة الغير المتديّنين بدين ، فكيف يكون محلّاً للاعتماد ؟ وفي العزيز : ولا يلحق بهما يعني بالرؤية والثبوت ما يقتضيه حساب المنجّم ، فلا يلزمه به شيء لا عليه ولا على غيره . قال القاضي الروياني : وكذا من عرف منازل القمر فلا يلزمه الصوم به في أصحّ الوجهين . وأمّا الجواز فقد قال في التهذيب : لا يجوز تقليد المنجّم في حسابه لا في الصوم ولا في الإفطار ، فهل يجوز أن يعمل بحساب نفسه ؟ فيه وجهان . وفرض الروياني الوجهين فيما إذا عرف منازل القمر وعلم به أنّ الهلال قد أهلّ ، وذكر أنّ الجواز اختيار ابن سريج والقفّال والقاضي الطبري ، قال : لو عرفه بالنجوم لم يجز أن يصوم به قولاً واحدا ، ورأيت في بعض المسودّات تعدية الخلاف في جواز العمل به إلى غير المنجّم ، واللّه أعلم ، (3) انتهى .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 446 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 297 ، ح 13459 .
2- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 266 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 271 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 210 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 279 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 460 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 2 ، ص 431 ؛ تفسير القرطبي ، ج 2 ، ص 293 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 266 267 .

ص: 31

وهناك علامات اُخر قد اختلفت الأقوال في اعتبار أكثرها ؛ لاختلاف الأخبار ، ونفاها الأكثر بناءً على الحصر المذكور ، وضعف هذه . وظاهر المصنّف قدس سره اعتبار أكثرها : منها: غروب الهلال بعد الشفق . فقيل : هو دليل على كونه لليلتين ، ففي المختلف : (1) قال الصدوق أبو جعفر بن بابويه في المقنع : «واعلم أنّ الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة ، فإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين ، ولو رأى فيه ظلّ الرأس فهو لثلاث ليال» . (2) ورواه في كتاب من (3) لا يحضره الفقيه ، (4) ورواه أبو علي في رسالته (5) لرواية الصلت (6) وخبر إسماعيل بن الحرّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين» . (7) ويناقضه ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى من مكاتبة [أبو]عليّ بن راشد إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام (8) وقد سبق . ومنها : التطوّق . وقد اعتبر الشيخ هاتين العلامتين في كتابي الأخبار مع الغيم وغيره ونحوه لخبر مرازم . (9) وروى مسلم عن ابن عبّاس أنّه قال : لا عبرة بكبر الهلال وإنّما هو ابن ليلة ؛ لأنّ اللّه يخلقه كبيرا فيُرى بخلقه صغيرا ، فقد يرى وقد لا يرى . (10)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 167 ، ح 475 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 281 ، ح 13418 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 496 .
3- .المقنع ، ص 183 184 .
4- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «ما» .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 125 ، ح 1917 .
6- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 496 .
7- .هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
8- .هو الحديث 12 من هذا الباب .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 178 ، ح 495 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 75 ، ح 229 . وهذا هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 124 ، ح 1916 .
10- .اُنظر : صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 127 128 .

ص: 32

ومنها : رؤية الهلال قبل الزوال . فظاهر المصنّف قدس سره أنّه حينئذٍ للّيلة المستقبلة ، وبه قال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الناصريّات ، وحكاه عن عليّ عليه السلام وابن مسعود وابن عمر وأنس ، وقال : الإجماع عليه ، (1) وهو محكي في المنتهى (2) عن الثوري وأبي يوسف ، (3) ، ويدلّ عليه حسنة حمّاد . (4) وما رواه الشيخ في الموثّق عن عبيد بن زرارة وعبد اللّه بن بكير ، قالا : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا رأى الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال ، وإذا رأى بعد الزوال فهو من شهر رمضان» . (5) وقال طاب ثراه : ويحتمل حمل هذه على التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جمع من العامّة . قال محيي الدِّين البغوي : «إذا رأى الهلال بعد الزوال فهو للّيلة المقبلة ، وإذا رأى قبله فهو للّيلة التي قبله ، وقيل للتي بعده» . وقال الظاهرية : «هو في الصوم للماضية وفي الفطر للآتية ؛ أخذا بالاحتياط » (6) والمشهور بين الأصحاب أنّه لا اعتبار لها . وبه قال العلّامة في المنتهى ، (7) وحكاه عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد . 8

.


1- .الناصريّات ، ص 291 ، وكلامه صريح في أنّه للّيلة الماضية . وانظر : تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 347 ، والمصادر التالية .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
3- .تحفة الفقهاء ، ج1 ، ص 347 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 82 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 100 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 6 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 229228 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 279 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 272 273 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 460 .
4- .هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 176 ، ح 489 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 74 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 279 ، ح 13414 .
6- .المحلّى ، ج 6 ، ص 239 .
7- .اُنظر : المغني ، ج 3 ، ص 99 100 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 6 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 228 229 .

ص: 33

واحتجّ عليه بما رواه الجمهور عن أبي وائل شقيق بن سلمة أنّه قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أوّل النهار فلا تفطروا حتّى تمسوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشية . (1) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى ، قال : كتبت إليه عليه السلام أسأله : جُعلت فداك ، ربّما غمّ علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربّما رأينا بعد الزوال ، فنرى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا ، وكيف تأمر في ذلك ؟ فكتب عليه السلام : «يتمّم (2) إلى الليل فإنّه [إن كان تامّا] رؤي قبل الزوال» . (3) وفي الصحيح عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره فأتمّوا الصيام إلى الليل ، وإن غمَّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمّ افطروا» . (4) وعن جرّاح المدائني ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن رأى هلال شوّال بنهار في رمضان (5) فليتمّ صيامه» . (6) وعن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : «لا تصوم إلّا أن تراه ، فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه

.


1- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 213 و 248 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 360 ، ح 2463 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 147 148 .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «تمِّم» .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 177 ، ح 490 ؛ الاسبتصار ، ج 2 ، ص 73 ، ح 221 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 279 ، ح 13413 ، وما بين الحاصرتين منهما .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 158 ، ح 440 ؛ و ص 177 178 ، ح 491 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 64 ، ح 207 ؛ وص 73 ، ح 222 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 265264 ، ح 13379 ؛ وص 278 ، ح 13410 .
5- .هذا هو الصحيح الموافق لمصادر الحديث ، وفي الأصل : «بنهار في شوّال» .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 178 ، ح 492 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 73 ، ح 223 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 278 ، ح 13411 .

ص: 34

فاقضه ، وإذا رأيته وسط النهار فأتمّ صومك إلى الليل» . (1) وقال في المنتهى : «يعني أتمّ صومك إلى الليل على أنّه من شعبان دون أن ينوي أنّه من رمضان» . (2) ويؤيّد هذه الأخبار ما تقدّم من أخبار انحصار الطريق في الرؤية أو مضيّ ثلاثين يوما من شعبان . وأقول : خبرا محمّد بن عيسى وإسحاق بن عمّار يدلّان على نقيض مدّعاه ، فإنّ ظاهرهما من إتمام الصوم إلى الليل إتمامهما بنيّة رمضان ، فيدلّان على أنّ الهلال المرئي قبل الزوال ووسط النهار ، يعني القريب من الزوال عرفا للّيلة الماضية . والتأويل بإتمامه بنيّة الشعبان تكلّف بعيد . بل خبر محمّد بن قيس أيضا ، فإنّه يفهم منه اعتباره إذا رؤي قبل وسط النهار المتبادر منه الزوال . ولولا خبر ابني زرارة وبكير لأمكن الجمع بين الأخبار بالقول باعتباره في الصوم دون الإفطار كما اختاره العلّامة في المختلف ، (3) لكن يأبى عنه هذا الخبر ، فإنّه يدلّ على اعتباره في الإفطار أيضا ، ولم أجد معارضا صريحا له ، وخبر جرّاح يمكن حمله على ما إذا رؤي بعد الزوال ، فقول السيّد المرتضى أقوى وإن كان قول العلّامة في المختلف أحوط . ومنها : العدد . وله عدّة معان : أوّلها : عدّ خمسة من هلال شهر رمضان في السنة الماضية وجعل اليوم الخامس أوّل شهر رمضان الحاضر ، فقد اعتبر الشيخ في المبسوط (4) مع غمّة المشهور معلّلاً بأنّه من المعلوم أنّه لا تكون الشهور تامّة ، وبالرواية التي

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 178 ، ح 493 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 73 ، ح 224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 278 279 ، ح 13412 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 495 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 267 268 .

ص: 35

وردت بذلك ، وهي ما رواه عن عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة لا نرى السماء ، فأيّ يومٍ نصوم ؟ قال : «افطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصُم يوم الخامس» . (1) وعن عمران أيضا قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّما نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما ، فأيّ يومٍ نصوم ؟ قال : «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعدّ خمسة أيّام وصُم يوم الخامس» . (2) وطريق الأوّل مرسل ، وفي الثاني سهل بن زياد ، (3) وعمران هذا مجهول الحال . (4) وبه قال الشهيد في الدروس مع الغمّة مقيّد بغير السنة الكبيسة ، وعدّ ستة فيها . (5) وهو قول ابن الجنيد على ما حكي عنه في المختلف أنّه قال : الحساب الذي يصام به يوم الخامس من اليوم الذي كان الصيام وقع فيه في السنة الماضية يصحّ إذا لم يكن السنة كبيسة ، فإنّه يكون فيها في اليوم السادس ، والكبس في كلّ ثلاثين سنة أحد عشر يوما مرّة في السنة الثالثة ، ومرّة في السنة الثانية . (6) ونفى عنه البأس في المختلف ، ونفاه في المنتهى (7) والأكثر منهم الشيخ في كتابي الاخبار (8) عملاً بما تقدّم من الأخبار دلالة على حصر الثبوت بالرؤية والشهور ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 496؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 230. و هذا هو الحديث الأوّل من باب بلا عنوان الذي يكون قبل «باب اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 283 284 ، ح 13424 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 497 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 231 . ورواه الكليني في الباب المتقدّم ذكره آنفا من الكافي ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 284 ، ذيل ح 13424 .
4- .وهو ضعيف . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 185 ، الرقم 490 ؛ الفهرست ، ص 142 ، الرقم 339 ؛ معالم العلماء ، ص 92 ، الرقم 383 ؛ رجال ابن داود ، ص 249 ، الرقم 229 . و وثّقه الشيخ في رجاله ، ص 387 ، الرقم 5699 .
5- .خلاصة الأقوال ، ص 383 ؛ رجال ابن داود ، ص 263 ، الرقم 361 .
6- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 285 ، الدرس 75 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 498 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179، ذيل ح 497؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ذيل ح 231 .

ص: 36

وإضعافا لهذين الخبرين بما ذكر وقد أوّلهما بالحمل على صوم اليوم الخامس من شعبان . وقال في المختلف : «وهذا وإن كان واردا على الخبرين إلّا أنّا نحن اعتمدنا على العادة وهو حسن» (1) إلّا أنّ الكلام في تعيين السنة الكبيسيّة وتمييزها عن غيرها ، وسيأتي تحقيق الكبس عن قريب . وثانيها : عدّ شعبان ناقصا ورمضان تامّا أبدا ، وبه فسّر في الدروس ، (2) والظاهر أنّ خبر هارون بن خارجة (3) مبنيّ على ذلك وهو مبنيّ على عدّ شهر تامّا وآخر ناقصا مبتدأ بالتامّ من المحرّم ، وبه قال الصدوق رضى الله عنهفي الفقيه (4) محتجّا بأخبار كثيرة وردت في أنّ شهر رمضان لا ينقص أبدا ، ويجيء القول فيه عن قريب . وفي المدارك : «والقول باعتبار العدد منقول عن شيخنا المفيد في بعض كتبه ، وأشار بالعدد إلى هذا المعنى» . (5) وثالثها : عدّ تسعة وخمسين من هلال رجب وجعل اليوم الستّين أوّل رمضان ، فقد اعتبره ابن أبي عقيل مع الغمّة ، ففي المختلف أنّه قال : قد جاءت الآثار عنهم عليهم السلام أن : صوموا رمضان للرؤية وافطروا للرؤية ، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة من رجب تسعة وخمسين يوما ، ثمّ الصيام من الغد . (6) وأشار بالآثار إلى ما رواه محمّد بن الحسن بن أبي خالد ، يرفعه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صحّ هلال رجب فعدّ تسعة وخمسين يوما وصم يوم الستّين» . 7

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 285 ، الدرس 75 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 499 .
3- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 171 ، ذيل ح 2044 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 177 .
6- .هذا هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ، ص 94 ، ح 75 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 125 ، ح 1918 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ح 232 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 180 ، ح 500 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 285 ، ح 13426 و 13428 ، و ص 298 299 ، ح 13463 .

ص: 37

وما رواه هارون بن خارجة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «عدّ شعبان تسعة وعشرين يوما ، وإن كانت متغيّمة فأصبح صائما ، وإن كانت مصحية وتبصّرته فلم ترَ شيئا فأصبح مفطرا» . (1) وحملهما الشيخ على أنّ المراد صوم يوم الستّين أو الثلاثين من شعبان ؛ معلّلاً بأن لو كان المراد الصوم من شعبان لما اختلف الحال بين الصحو والغيم ، فعلم أنّ المراد الحثّ على الصوم بنيّة أنّه من شعبان ، (2) وفيه تأمّل . ورابعها : عدّ كلّ شهر ثلاثين ، وبه قال جماعة ؛ منهم المحقّق في المعتبر (3) والشيخ في المبسوط ، (4) وهو ظاهر أكثر ما تقدّم من الأخبار . وخامسها : الجدول ، وهو حساب مأخوذ من سير القمر في كلّ شهر في السنة ، والشهر يُعرف به خروجه من المحاق وعن تحت شعاع الشمس على ما يثبت في التقاويم ، ولا يجوز التعويل عليه ؛ لأنّها مبنيّة على الظنّ والتخمين ، وكثيرا ما يتخلّف عن الواقع ، وأصله مبنيّ على القواعد التي أسّسوها المنجّمون من الفلاسفة الذين لا دين لهم . وظاهر المنتهى (5) وفاق الأصحاب على ذلك ، وقد نسبه إلى أكثر الفقهاء من العامّة ، لكن حكى الشيخ في الخلاف عن شاذّ منّا العمل عليه . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 447 ؛ و ص 180 ، ح 501 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ح 233 . وهو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 256 ، ح 13352 ؛ وص 299 ، ح 13464 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ذيل ح 233 ، وكان في الأصل : «رمضان» ، والتصويب حسب المصدر .
3- .لم أعثر عليه في المعتبر ، و قال به في شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 148 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 268 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 590 .
6- .الخلاف ، ج 2، ص 169 ، ولم ينقل ذلك عن الإماميّة، بل قال بعد نقل القول بعدم اعتباره : «وبه قالت الفقهاء أجمع ، وحكوا عن قوم شذاذ أنّهم قالوا : يثبت بهذين وبالعدد» . و هذا القول منقول عن ابن سريج من فقهاء العامّة . اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 270 و 276 و 279 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 271 (ونسبه أيضا إلى مطرف بن عبد اللّه وابن قتيبة) ؛ تنوير الحوالك ، ص 275 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 263 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 186 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 104 .

ص: 38

وفي المنتهى حكاه عن بعض من العامّة ، ثمّ قال : احتجّوا بقوله تعالى : «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (1) ، وبما رواه ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «فإن غمّ عليكم فاقدروا له» ، (2) والتقدير إنّما هو معرفة السير والمنازل ، وبأنّا رجعنا إلى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعيّة رتّب الشارع عليها أحكاما كثيرة ، فكذا هنا . والجواب : أنّ الاهتداء بالنجم معرفة الطريق ومسالك البلدان وتعريف الأوقات ، ونحن نقول بموجبه . وعن الحديث أنّ المروي : «فاقدروا له ثلاثين» وهذا يمنع كلّ تأويل ، وأمّا القبلة والوقت فالطريق إليهما هو مشاهدة النجوم لا قول المنجّم الذي يكذب أكثر الأوقات . (3) وهنا مسألة لابدّ من القول فيها ، فقد اشتهر بين الأصحاب أنّ الهلال إذا رؤي في أحد البلدان المتقاربة دون اُخرى وجب الصيام على ساكنيها أجمع ، بخلاف البلاد المتباعدة . ونسبه في المنتهى (4) إلى أحد قولي الشافعي . (5) ونقل عن العلّامة أنّه حكى في التذكرة عن بعض الأصحاب قولاً بوحدة حكم البلاد كلّها ، كانت متباعدة أو متقاربة . (6) ومالَ إليه في المنتهى حيث قال : «إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس من أهل البلاد ، سواء تباعدت أو تقاربت» 7 ولكن رجع عنه أخيرا على ما ستعرف .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .النحل (16) : 16 .
3- .مسند الشافعي ، ص 187 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 5 ، 13 ، 63 ، 145 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 3 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 227 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 122 _ 123 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 529 ، ح 1654 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 521 ، ح 2320 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 134 ؛ مسند الطيالسي ، ص 249 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 591 .
5- .المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج 3 ، ص 7 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 7 .
6- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 123 ، المسألة 76 .

ص: 39

ونسبه إلى أحمد والليث بن سعد وبعض أصحاب الشافعي . وحكى عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق تعدّد أحكام البلاد بالرؤية وعدمها من غير تقييد بالمتباعدة . (1) وإنّما أرادوا بالتقارب والتباعد الطوليين منهما دون العرضيين ، فإنّه إنّما يختلف مطالع الكواكب منها في البلاد بالأوّلين دون الثانيين ، وطول البلاد على اصطلاح أهل الهيئة بُعدها عن منتهى المعمورة في جهة الغرب ، أعني جزائر الخالدات التي يُقال : إنّها صارت معمورة في البحر المحيط ، (2) وعرضها بُعدها عن خط الاعتدال . ثمّ احتجّ على ما ذهب إليه بأنّ هذا اليوم الذي رؤي الهلال في ليلة في بعض البلاد يوم من شهر رمضان بالرؤية في هذا البلد ، وبالثبوت بالبيّنة في باقي البلاد ، فيجب صومه عموما ؛ (3) لعموم قوله تعالى : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» ، (4) وعمومات أكثر الأخبار المذكورة . (5) وأنت خبير بأنّ هذه العمومات ليست بحيث تشمل جميع الناس في جميع البلاد ، وقد ثبت بالضرورة أنّ اختلاف مطالع القمر ومغاربها بالتباعد الطولي ، فربّما كان القمر حين خروجه عن تحت شعاع الشمس وصيرورته هلالاً فوق الأرض في بلدة قد غرب في بلد آخر يكون شرقيّا لتلك البلدة ، وكلّ بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخّر عن غروب القمر فيه عن غروبه في البلد الشرقي ساعة ، على ما نقل عن المحقّق الشيخ فخر الدِّين في شرح القواعد (6) أنّه ذكروه ، وذكر أنّه عرفه بإرصاد الكسوفات

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 .
2- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 274 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 7 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 7 ؛ التمهيد ، ج 14 ، ص 356 .
3- .الجزائر الخالدات : وهى جزائر السعادة الّتي يذكرها المنجّمون في كتبهم ، كانت عامرة في أقصى المغرب في البحر المحيط ، وكان بها مقام طائفة من الحكماء ، ولذلك بنوا عليها قواعد علم النجوم . معجم البلدان ، ج 2 ، ص 132 .
4- .في النسخة : «عموم» ، والمناسب ما اُثبت .
5- .البقرة (2) : 158 .
6- .إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 252 .

ص: 40

القمريّة ، فهذا اليوم الذي هلاله رؤي في البلد الغربي غرّة شهر جديد في هذا البلد وسلخ الشهر السابق في ذلك البلد الشرقي . وقال العلّامة في المنتهى ردّا على هذا : ولو قالوا : إنّ البلاد المتباعدة تختلف عروضها ، فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض . قلنا : إنّ المعمور منها قدرٌ يسير هو الربع ، ولااعتداد به عند السماء . (1) وفيه : أنّه إذا أراد بالعروض ما اصطلحوا عليه من أبعاد البلاد عن خط الاعتدال وأنّ اختلافها لا يوجب اختلاف مطالع القمر ومغاربها فهو مسلّم ، لكن لا ينفعه ولا يضرّنا ؛ لما عرفت من أنّا إنّما اعتبرنا الاختلاف الطولي ، وإن أراد بعادها عن نقطة المغرب واصطلح على تسميتها عروضا فقد بيّنا أنّ اختلافها يوجب اختلاف المطالع والمغارب ؛ لثبوت ذلك بالأرصاد ، ولا يضرّه ما ذكره في أنّ المعمور من الأرض قدرٌ يسير . وأظنّ أنّي سمعت نفسي عن بعض أرباب الهيئة من افرنج يُقال له (رفائيل) : أنّ بلدهم الذي يُقال له ينك دُنيا (2) يكون محاذيا لبلدنا هذا المسمّى بأصفهان ، بحيث لو ثقبت الأرض من تحت أقدامنا لوصلت الثقبة إلى تحت أقدامهم ، وإذا كانت البلدان كذلك فظاهر أنّه إذا غرب كوكب عنّا يطلع عندهم . ويؤيّد ذلك ما احتجّ به من وافقنا من خالفنا على ما حكاه عنهم حيث قال : احتجّوا بما رواه كريب : أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : فقدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليَّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ، ثمّ قدمت المدينة فحكيت ذلك لابن عبّاس ، فقال : أنت رأيته ؟ قلت : نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا يزال يصوم حتّى تكمل العدّة ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 593 .
2- .وهو المسمى اليوم بإمريكا .

ص: 41

باب نادر

قلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (1) ونِعْمَ ما فعل حيث رجع في آخر البحث عمّا نقلنا عنه فقال : وبالجملة ، إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكرية الأرض لا يتساوى حكماهما ، أمّا بدون ذلك فالتساوي هو الحقّ . (2) ويتفرّع على القولين وجوب صوم أحد وثلاثين يوما وعدمه ، ووجوب الإفطار في اليوم التاسع والعشرين وعدمه كما لا يخفى .

باب نادريذكر فيه ما دلّ على أنّ شهر رمضان تامّ أبدا . أراد قدس سره بالنادر الغير المتكرّر في الاُصول ، ويحتمل أن يريد الحكم الشاذ قائله من الأصحاب ، والظاهر أنّ ذلك مذهبه ؛ لعدم ذكره الأخبار المعارضة لما ذكر ، وصرّح الصدوق رضى الله عنه به . واعلم أنّ الأخبار الدالّة على ما ذكر أكثرها مرويّة عن حذيفة بن منصور كروايتي ابن سنان ، والظاهر أنّه محمّد ، عن حذيفة بن منصور ، (3) وما رواه الشيخ عن ابن رباح ، عن حذيفة بن منصور ، عن معاذ بن كثير ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين ؟ فقال : «كذبوا ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوما ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق اللّه السماوات من ثلاثين يوما وليلة» . (4)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 593 .
2- .مسند أحمد ، ج 1 ، ص 306 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 127 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 523 ، ح 2332 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 100 101 ، ح 689 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 68 69 ، ح 2421 ؛ وسنن النسائي ، ج 4 ، ص 131 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 151 ، ح 2191 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 251 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 205 206 .
3- .الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 167 ، ح 477 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 211 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص268 269 ، ح 13392 .

ص: 42

وعن الحسن بن حذيفة ، عن أبيه ، عن معاذ ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام تسعة وعشرين يوما ؟ قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا واللّه ، ما نقص شهر رمضان منذ خلق اللّه السماوات من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة» . (1) وعن محمّد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا» . (2) وعن الحسن بن حذيفة ، عن أبيه ، عن معاذ بن كثير ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يروون عندنا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام هكذا وهكذا وهكذا ، وحكى بيده يطبق أحد كفّيه على الاُخرى عشرا وعشرا وتسعا أكثر ممّا صام هكذا وهكذا وهكذا ، يعني عشرا وعشرا وعشرا ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقلّ من ثلاثين يوما ، وما نقص شهر رمضان عن ثلاثين يوما منذ خلق اللّه السماوات والأرض» . (3) وعن أبي عمران (4) المنشد ، عن حذيفة بن منصور ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «[لا]واللّه ، ما نقص شهر رمضان ولا ينقص أبدا من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة» . فقلت لحذيفة : لعلّه قال لك : ثلاثين ليلة وثلاثين يوما كما يقول الناس الليل قبل النهار ؟ فقال لي حذيفة : هكذا سمعت . (5) وعن سماعة ، عن الحسن بن حذيفة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 478 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 269 ، ح 13393 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 479 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 269 ، ح 13394 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 480 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 ، ح 214 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 270 ، ح 13396 .
4- .في الأصل : «ابن عمران» ، والتصويب حسب المصدر وترجمة الرجل .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 168 ، ح 481 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 65 66 ، ح 215 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 270 ، ح 13397 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .

ص: 43

قوله تعالى : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» (1) قال : «صوم ثلاثين يوما» . (2) والظاهر سقوط «عن أبيه» بعد الحسن بن حذيفة من قلم النسّاخ . وبعض منها مرويّ عن محمّد بن يعقوب بن شعيب كخبر محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه . (3) والظاهر أنّ بعض الأصحاب هنا هو محمّد بن يعقوب بن شعيب ، فإنّ الشيخ قد روى مثله عن محمّد بن إسماعيل عن محمّد بن يعقوب بن شعيب ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام تسعة وعشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين يوما ؟ فقال : «كذبوا ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا تامّا ، وذلك قوله تعالى : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ، فشهر رمضان ثلاثون يوما ، وشوّال تسعة وعشرون يوما ، وذوالقعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ، لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلَ_ثِينَ لَيْلَةً» (4) ، وذو الحجّة تسعة وعشرون يوما ، ثمّ الشهور على مثل ذلك شهر تامّ وشهر ناقص ، وشعبان لا يتمّ أبدا» . (5) وروى الصدوق رضى الله عنه عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن يعقوب بن شعيب ، عن أبيه ، عنه عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ الناس يروون أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صام شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر ممّا صام ثلاثين ؟ فقال : «كذبوا ما صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا تامّا ، ولا تكون الفرائض ناقصة ، إنّ اللّه تعالى خلق السنة ثلاثمئة وستّين يوما وخلق السماوات والأرض في ستّة أيّام فحجزها من ثلاثمئة وستّين يوما ، فالسنة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما ، وشهر رمضان ثلاثون يوما ، [لقول اللّه عزّوجلّ : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ،

.


1- .البقرة (2) : 185 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 176 ، ح 487 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 72 ، ح 220 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 271 ، ح 13399 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- .الأعراف (7) : 142 .
5- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 67 68 ، ح 216 .

ص: 44

والكامل تامّ] ، وشوّال تسعة وعشرون يوما ، وذو القعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً» (1) ، وذو الحجّة تسعة وعشرون يوما ، ثمّ الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص ، وشعبان لا يتمّ أبدا» . (2) وعن ياسر الخادم وهو مهمل الذكر في كتب الرجال (3) قال : قلت للرضا عليه السلام : هل يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوما ؟ فقال : «إنّ شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبدا» . (4) وقد بالغ الصدوق رضى الله عنه في ذلك حيث قال : من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامّة في ضدّها اتّقي كما يتّقى العامّة ، ولا يُكلّم إلّا بالتقيّة كائنا مَن كان ، إلّا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبيّن له ، فإنّ البدعة إنّما تماث وتبطل بترك ذكرها ، ولا قوّة إلّا باللّه . (5) وقد عرفت أنّ هذه الأخبار مع تظافرها راجعة إلى خبرين ؛ لانتهائها إلى حذيفة بن منصور ، وقد قال الشيخ قدس سره : وهذا [الخبر]لا يصلح العمل به من وجوه ؛ أحدها : أنّ متن هذا الخبر لا يوجد في شيء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار . ومنها : أنّ كتاب حذيفة بن منصور عري من هذا الخبر ، وهو كتاب معروف مشهور ، فلو كان [هذا]الخبر صحيحا عنه لتضمّنه كتابه . ومنها : أنّ الخبر مختلف الألفاظ ومضطرب المعاني ؛ ألا ترى أنّ حذيفة تارةً يرويه عن

.


1- .الأعراف (7) : 142 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 170 ، ح 2042 ؛ معاني الأخبار ، ص 382 383 ، باب نوادر المعاني ، ج 14 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 272 ، ح 13401 . ولا يخفى أنّ ذيل الحديث موافق لرواية الشيخ الطوسي في الاستبصار ، ج 2 ، ص 67 68 ، ح 216 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 171 ، ح 483 ، وعبادة الصدوق هكذا : « ... وذو القعدة ثلاثون يوما ؛ لقول عزّوجلّ : «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ يَوما» ، فالشهر هكذا ثمّ هكذا ، أي شهر تامّ وشهر ناقص ، وشهر رمضان لاينقص أبدا ، وشعبان لا يتمّ أبدا» .
3- .اُنظر : الفهرست ، ص 267 268 ، الرقم 821 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 20 ، ص 8 ، الرقم 13410 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 171 ، ح 2044 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 273 ، ح 13403 .
5- .المصدر المتقدّم .

ص: 45

معاذ بن كثير عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وتارةً يرويه عنه عليه السلام بلا واسطة ، وتارةً يفتي به من قِبل نفسه ولا يسنده إلى أحد . ولو سلم من جميع ما ذكر لكان خبرا واحدا لا يوجب علما ولا عملاً ، وأخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة . انتهى . (1) أو إلى محمّد بن يعقوب بن شعيب وهو مجهول الحال غير مذكور في كتب الرجال ، وكلّ من تلك الأخبار مشتمل على ضعف آخر باعتبار باقي السند . نعم ، قد روى في الموثّق عن أبي بصير أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» ، قال : «ثلاثين يوما» . (2) ورواها الشيخ عن الحسن بن حذيفة بن منصور ، (3) وهو غير صريح في المدّعى ، ولعلّه مبنيّ على الغالب . وهذه الأخبار مع ضعفها مضادّة للمشاهدة ، معارضة لأخبار كثيرة معتمدة ، منها : إطلاق الأخبار الدالّة على اعتبار الرؤية وعمومها ، وقد سبق . وخصوص ما دلّ على أنّ شهر رمضان يصيبه النقص كسائر الشهور ، وقد سبق نُبذٌ منها ، ومنها : رواية محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان ، فإذا صمت تسعة وعشرين يوما ثمّ تغيّمت السماء فأتمّ العدّة ثلاثين يوما» . (4) وعن محمّد بن الفضيل ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه ولا يدرى أهو من شهر رمضان أو من شعبان ؟ فقال : «شهر رمضان شهرٌ من الشهور يُصيبه ما يُصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فصوموا للرؤية وافطروا للرؤية ، ولا

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 176 ، ح 487 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 72 ، ح 220 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 271 ، ح 13399 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 66 ، ذيل ح 215 ، ومابين الحاصرتين منه .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 171 ، ح 2043 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 273 ، ح 13403 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 155 ، ح 429 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 62 ، ح 199 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 261 262 ، ح 13369 .

ص: 46

يعجبني أن يتقدّمه أحد بصيام» . (1) وعن هارون بن حمزة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «إذا صمت لرؤية الهلال وأفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر وإن لم تصم إلّا تسعة وعشرين يوما ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا » ، وأشار بيده إلى عشرة وعشرة وتسعة . (2) وعن فطر بن عبد الملك ، قال : قال يعني أبا عبداللّه عليه السلام _ : «يُصيب شهر رمضان ما يُصيب الشهور من النقصان ، فإذا صمت من شهر رمضان تسعة وعشرين يوما ثمّ تغيّمت فأتمّ العدّة ثلاثين يوما» . (3) وعن جابر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «ما أدري ما صمت ثلاثين أكثر ، أو ما صمت تسعة وعشرين يوما ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : شهر كذا ، وشهر كذا ، وشهر كذا ، وشهر كذا» فعقد بيده تسعة وعشرين يوما . (4) وعن إسحاق بن جرير ، عنه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، يلصق كفّيه ويبسطهما ، ثمّ قال : وهكذا وهكذا وهكذا ، ثمّ يقبض اصبعا واحدا في آخر بسطه بيديه ، وهي الإبهام» ، فقلت : شهر رمضان تامّ أبدا أم شهر من الشهور ؟ فقال : «هو شهر من الشهور» ، ثمّ قال : «إنّ عليّا عليه السلام صام عندكم تسعة وعشرين يوما ، فأتوه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، قد رأينا الهلال ، فقال : افطروا» . (5) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : صمت شهر رمضان على رؤيته تسعة وعشرين يوما وما قضيت ، قال : فقال لي : «وأنا صمته وما قضيت» ، قال : ثمّ قال لي : «[قال] (6) رسول اللّه صلى الله عليه و آله : الشهر شهر كذا ، وقال بأصابعه بيده جميعا ،

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 166 ، ح 474 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 263 ، ح 13375 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 160 ، ح 449 ، وص 167 ، ح 476 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 256 ، ح 13353 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 166 ، ح 471 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 268 ، ح 13391 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 162 ، ح 456 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 267 ، ح 13386 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 162 163 ، ح 458 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 262 ، ح 13370 .
6- .اُضيفت من المصدر .

ص: 47

فبسط أصابعه كذا وكذا وكذا وكذا وكذا وكذا ، فقبض الإبهام وضمّها ، قال : وقال له غلام له وهو معتب : إنّي قد رأيت الهلال ، قال : اذهب فاعلمهم» . (1) وعن أبي خالد الواسطي ، قال : أتينا أبا جعفر عليه السلام يوم يشكّ فيه من رمضان ، فإذا مائدته موضوعة وهو يأكل ونحن نريد أن نسأله ، فقال : «ادنوا الغذاء إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم فيه بيّنة رؤية الهلال فلا تصوموا» . ثمّ قال : حدّثني عليّ بن الحسين ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا ثقل في مرضه قال : أيّها الناس ، إنّ السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حُرم ، قال : ثمّ قال بيده ، فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان ، فصوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين يوما ، وصوموا الواحد وثلاثين ، وقال بيده : الواحد واثنان وثلاثة ، واحد واثنان وثلاثة ، ويزوي إبهامه ، ثمّ قال : أيّها الناس شهر كذا وشهر كذا» . وقال عليّ عليه السلام : «صمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسعة وعشرين يوما ولم يقضه ، ورآه تامّا» . وقال عليّ عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن ألحق في رمضان يوما من غيره متعمِّدا فليس بمؤمن باللّه ولا بي» . (2) وربما حملت على نفي نقصان ثوابها . وقال ابن الأثير : فيه : «شهرا عيد لا ينقصان» يريد شهر رمضان وذا الحجّة ؛ أي إن نقص عددهما في الحساب فحكمهما على التمام ؛ لئلّا تحرج اُمّته إذا صاموا تسعة وعشرين أو وقع حجّهم خطأ عن التاسع والعاشر لم يكن عليهم قضاء ولم يقع في نسكهم نقص ، وقيل فيه غير ذلك ، وهذا أشبه . (3) ونقل طاب ثراه عن عياض أنّه قال : قيل : المعنى لا ينقص الثواب المترتّب على كلّ واحدٍ منهما وإن نقصا في العدد .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 161 ، ح 453 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 266 ، ح 13383 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 161 ، ح 454 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 298 ، ح 13461 .
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 515 (شهر) .

ص: 48

باب

وقال الخطّابي : المعنى أنّ ذو الحجّة لا ينقص من رمضان ؛ لأنّ فيه المناسك . (1)

بابيذكر فيه ما يدلّ على اعتبار العدّة بالمعنى الأوّل. قد سبق قوله في مرسل محمّد بن إسماعيل : «خلق اللّه الدنيا في ستّة أيّام ، ثمّ اختزلها عن أيّام السنة» ، إشارة إلى قوله سبحانه : «خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» (2) ، والمراد بالستّة في قوله : «ثمّ اختزلها عن أيّام السنة» السنة الحاصلة من الشهور الشمسيّة الاصطلاحيّة ، وهي ثلاثين ثلاثين كما ستعرف . وفي قوله : «فالسنة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما» السنة القمرية ، والغرض أنّ السنة القمرية ينبغي أن تكون ثلاثمئة وأربعة وستّين يوما على أن يكون سير القمر في كلّ دورة ثلاثين كما اعتبره المتأخّرون من أهل التنجيم ، وستعرف . لكنّ اللّه سبحانه أجراه بقدرته الكاملة وحكمته الشاملة بحيث يقطع الدورة دائما في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم ودقيقة واحدة وخمس ثانية إذا جُزّئ يوم بليلته بستّين دقيقة ، وكلّ دقيقة بستّين ثانية ، وإذا حسبت على ذلك الشهور الاثني عشر وجدته ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوما واثنتين وعشرين دقيقة ، ولمّا كان الكسر أقلّ من النصف لم يعتبره عليه السلام (3) هناك وحكم باختزال ستّة أيّام ، وسيأتي أنّه يعتبره في الكبس وما ذكره عليه السلام من كون شعبان ناقصا أبدا في غير السنة الكبيسيّة . وقالوا : المحرّم تامّ ، وصفر ناقص ، والربيع الأوّل تامّ ، والربيع الآخر ناقص ، وجمادى الأوّل تامّ ، و جمادى الثانية ناقص أبدا ، ورجب تامّ ، و شعبان ناقص ، ورمضان تامّ ، وشوّال ناقص ، وذو القعدة تامّ ، وذو الحجّة ناقص أبدا .

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 270 ؛ شرح صحيح مسلم له أيضا ، ج 7 ، ص 199 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 285 .
2- .يونس (10) : 3. وهذا الحديث هو الحديث الثاني من الباب المتقدّم .
3- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «ولم يعتبره» .

ص: 49

وأمّا في السنة الكبيسيّة ، فيأخذون ذي الحجّة الذي هو شهر آخر السنة أيضا تامّا بإضافة اليوم الحاصل من الكبس إليه ، وسيشير عليه السلام إلى ذلك الكسر أيضا في الحديث الآتي . قوله : في خبر عمران الزعفراني : (انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس) [ح 1/6306] وذلك لأنّ السنة القمريّة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما وكسرا على ما عرفت ، وإذا قسّمت هذه الأيّام على الاسبوع يخرج خمسون اُسبوعا وتبقى أربعة أيّام وثلث يوم تقريبا ، فإذا كانت غرّة شهر رمضان القابل يوم الثلاثاء ؛ إذ الخمسون اُسبوعا إنّما يكون من يوم الجمعة ذلك إلى يوم الجمعة في القابل ، وإذا حسبت الأربعة الأيّام التي بعد تلك الأسابيع من السنة الماضية : الجمعة والسبت والأحد والإثنين تنقضي السنة القمريّة الماضية ، ويكون يوم الثلاثاء أوّل سنة جديدة ، وذلك في غير السنة الكبيسيّة ، وأمّا فيها فيكون أوّل السنة يوم الأربعاء ، فانظر في تلك السنة اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم اليوم السادس منه . (1) قوله في خبر السياري : (في عدّ خمسة أيّام من أوّل السنة) . [ح 3 / 6308] يعني صيام يوم الخامس من هذا الشهر على ما ورد التصريح به فيما رواه الشيخ في الاستبصار عن محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، عن عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس» . (2) وعنه عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العبّاس ، عن إبراهيم الأحول ، عن عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّما نمكث في الشتاء اليوم

.


1- .اُنظر : بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 343 345 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 230 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 496 . وهذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 283 284 ، ح 13424 .

ص: 50

واليومين والثلاث لا نرى شمسا ولا نجما ، فأيّ يوم نصوم ؟ قال : «انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعدّ خمسة أيّام ، فصم اليوم الخامس» . (1) وهذا هو مطابق للقاعدة إلّا في السنة الكبيسيّة ، يعدّ فيها ستّة أيّام من السنة الماضية . وقد أشار بذلك عليه السلام بقوله : «ولكن عدّ في كلّ أربع سنين خمسا ، وفي السنة الخامسة ستّا» . وقال السيّاري : وهذه من جهة الكبيسيّة . (2) وقد عمل بها الشهيد في الدروس فيما إذا غمّت الشهور كلّها ، (3) وهو تخصيص من غير مخصّصٍ ، وطرحها الأكثر ؛ لضعفها . والظاهر أنّ المراد بالكبيسيّة هنا الكبيسيّة التي تحصل من كبس كسور السنة القمرية ، ولكن يفهم من الخبران كبسها في خمس سنين يحصل يوما ؛ ففي ثلاثين سنة يحصل ستّة أيّام ، وهو خلاف ما يظهر من الرصد ؛ فإنّ أهل هذا الفنّ قالوا يحصل بكبسها في ثلاثين سنة أحد عشر يوما ، فلو كان الخبر صحيحا لأمكن استناد الغلط إليهم ، لكنّه ضعيف جدّا ، فإنّ أرباب الرجال ذكروا أنّ أحمد بن محمّد بن سيّار أبو عبداللّه الكاتب من كُتّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد عليه السلام ويُعرف بالسيّاري ، ضعيف ، فاسد المذهب ، مجفوّ الرواية ، (4) ولعلّ روايته هذه منها ، وكأنّه قد سها في لفظ الخامسة . وإن أردت تحقيق الحال فاستمع لما يُتلى عليكم من المقال ، فنقول : لهم كبايس متعدّدة : أحدها : كبيسيّة السنة القمريّة التي أشرنا أنّها المراد هنا ، فاعلم أنّ السنة القمريّة اثنا

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 179 ، ح 497؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 76 ، ح 231 . وهذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
2- .الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 283 ، ح 13423 .
3- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 285 ، الدرس 75 .
4- .رجال النجاشي ، ص 80 ، الرقم 192 ؛ الفهرست ، ص 66 ، الرقم 70 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 320 321 ؛ رجال ابن داود ، ص 229 ، الرقم 40 .

ص: 51

عشر شهرا قمريّا ، والشهر القمري مدّة سير القمر من ليلة رؤية الهلال إلى ليلة مثلها ، وهذا السير إنّما يكون في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم وكسر على ما ذكره المحقّق الطوسي قدس سرهفي التذكرة ، والكسر على ما حقّقه الخفري (1) _ : دقيقة وخمسون ثانية إذا جُزّئ يوم بليلته بستّين دقيقة وأربعة وخمسون يوما واثنتان وعشرون دقيقة (2) كما مرّ ، وقد عرفت بأنّهم يأخذون شهرا ثلاثين وشهرا تسعة وعشرين يوما ، وإنّما عدّوا شهرا تامّا وشهرا ناقصا ؛ لأنّ كسر كلّ يوم على ما عرفت نصف يوم ودقيقة وخمسون ثانية ، وهم قد اصطلحوا على عدّ ما زاد على نصف دقائق اليوم يوما ؛ لجبر النقيصة من كسر شهر آخر . ولمّا اعتبروا المحرّم أوّل السنة عدّوه تامّا ؛ لكون كسره زائدا على النصف ، وأخذوا تتمّة دقائق اليوم من كسر صفر (3) ، فيبقى من كسر صفر ثلاث دقائق وأربعون ثانية ؛ ولقصوره عن النصف عدّوا صفر ناقصا وضمّوا هذا الباقي إلى كسر الربيع الأوّل ، ولكون المجموع زائدا على النصف لصيرورته خمسا وثلاثين دقيقة وثلاثين ثانية عدّوا هذا الشهر أيضا تامّا ، وأخذوا تتمّته من كسر الربيع الثاني ، فصار كسره أقلّ من النصف ؛ أعني أربعا وعشرين دقيقة وعشرين ثانية ضمّوها إلى كسر جمادى الاُولى وعدّوها تامّة ، وهكذا إلى آخر الشهور ، يصير شهرا تامّا وشهرا ناقصا . وإذا احتسبت هذا تصير السنة ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما بلا كسر ، فيكبسون الكسر المذكور وهو اثنتان وعشرون دقيقة ويجمعونه في سفرات ، ويزيدون في

.


1- .شمس الدين محمّد بن أحمد الخفري ، منسوب إلى خفر بلدة بفارس بين شيراز وجهرم ، صاحب الحواشي المشهورة على شرح التجريد وغيرها ، من تلامذة صدر الدين محمّد الدشتكي ، كان ساكنا بكاشان ، له : رسالة في إثبات الواجب ، رسالة في علم الرمل ، رسالة في حل ما لاينحلّ ، حواش على اوائل شرح حكمة العين ، شرح التذكرة للخواجه نصير الدين الموسوم بالتكملة ، توفّي سنة 957 أو 929ه ق . راجع: الكنى والإلقاب ، ج 2 ، ص 218 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 138 ، الرقم 685 ؛ الذريعة ، ج 4 ، ص 409 ، الرقم 1805 ؛ وج 6 ، ص 47 ؛ الأعلام ، ج 6 ، ص 5 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 8 ، ص 257 .
2- .التكملة في شرح التذكرة ، ص 195 من مخطوطة الرقم 10678 من مكتبة آية اللّه المرعشي ، الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام وهى الساعات .
3- .في النسخ : «الصفر» ، ومثله في الموردين التاليين والمناسب ما اُثبت ، وقد يمنع من الصرف .

ص: 52

بعض السنوات يوما آخر ونحوه ، ويسمّون هذا كبسا وهذه السنة كبيسة. ولهم في ذلك طرق متعدّدة : إحداها : ما ذكره المحقّق الطوسي قدس سرهحيث قال : فيأخذون لشهر ثلاثين يوما ولشهر آخر تسعة وعشرين يوما ، ويزيدون للكسور المجتمعة التي تزيد على نصف يوم في كلّ ثلاثين سنة أحد عشر يوما ، فيصير أحد عشر شهرا بما يجب أن يكون تسعة وعشرين يوما ثلاثين ثلاثين في هذه المدّة ، أعني ثلاثين سنة ، ويسمّون تلك الأيّام كبايس ؛ لحصولها من كبس المكسور ، أي ضمّ بعضها إلى بعض . (1) وتبيينه : أنّهم اصطلحوا على جمع كسر كلّ سنة مع كسر السنة التي بعدها إلى أن زيد نصف دقائق اليوم بليلته أو أزيد ، فيزيدون حينئذٍ يوما على آخر شهر السنة ، وهو ذو الحجّة ، ويجبرون فضل دقائق اليوم على هذه الدقائق الحاصلة من الكبس من كسر السنة التي بعدها ، ثمّ يجمعون تتمّة هذا الكسر مع كسر السنة التي بعدها ، فإن تساوى الحاصل النصف أو زاد عليه أخذوا ذا الحجّة في هذه السنة تامّا ، وهكذا إلى أن لا يبقى من كسر السنة التي بعدها بعد الجبر شيء ، فيستأنف دورة الكبس ، وذلك في كلّ سنة ثلاثين ، وكلّما لم يف كسر السنة التي بعدها بالجبر جبروها بما بعدها أيضا ، ثمّ عملوا بالتتمّة ما عرفت ، فيحصل من ضمّ كسر السنة الاُولى وهو اثنتان وعشرون دقيقة إلى كسر السنة الثانية أربع وأربعون دقيقة ، ولزيادتها على نصف دقائق اليوم وهو ثلاثون دقيقة يزيدون يوما على ذي الحجّة في السنة الثانية ، ويجبرون نقص ذلك اليوم من دقائق اليوم ، أعني السنتين ، وهو ستّة عشر من كسر السنة الثالثة يبقى منه ستّة ، يجمعونها مع كسر السنة الرابعة والخامسة يحصل خمسون ، ولزيادتها على النصف يكبسون ذا الحجّة في هذه السنة أيضا ويجعلونه ثلاثين ، ويجبر النقص وهو عشرة من كبس السنة السادسة وضمّ تتمته إلى كسر السنة السابعة يحصل أربع وثلاثون دقيقة ، فذو الحجّة في السابعة أيضا تامّ ولمّا لم يف كسر السنة الثامنة بجبر هذا

.


1- .التكملة في شرح التذكرة للمحقق الخفري ، ص 195 من مخطوطة الرقم 10678 من مكتبة آيت اللّه المرعشي النجفي .

ص: 53

النقص ، فإنّه ستّ وعشرون دقيقة ، فجبروها من كسر السنة التاسعة أيضا ، وضمّوا تتمّة هذه إلى كسر السنة العاشرة وحصل أربعون ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ ، والنقص هنا عشرون يجبر من كسر السنة الحادية عشر وتُضمّ التتمّة إلى كسر السنة الثانية عشرة والثالثة عشرة يحصل ستّ وأربعون ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ والناقص هنا أربع عشرة بنقصها عن كسر السنة الرابعة عشر ، وضم تتمّته إلى كسر السنة الخامسة عشر يحصل ثلاثون ؛ ولكون الحاصل مساويا لنصف دقائق اليوم أخذوا ذا الحجّة أيضا فيها تامّا ، وجبروا النقص ، وهو أيضا النصف من كسر سنتي السادسة عشر والسابعة عشر يبقى أربعة عشر ضمّوها إلى كسر السنة الثامنة عشر حصل ستّ وثلاثون ، فذو الحجّة أيضا فيها تامّ ، وجبروا نقص هذا الكبس وهو أربع وعشرون من كسر السنتين بعدها أعني السنة التاسعة عشر والعشرين يبقى عشرون ضمّوها إلى كسر السنة الإحدى والعشرين حصل اثنتان وأربعون دقيقة ، فذوا الحجّة فيها أيضا تامّ والنقص هنا بثماني عشرة دقيقة جبروها من كسر السنة الثانية والعشرين والرابعة والعشرين صارت ثماني وأربعين دقيقة ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ والناقص هنا اثنتا عشر دقيقة جبروها من كسر السنة الخامسة والعشرين ، وجمعوا تتمّته مع كسر السنة السادسة والعشرين صارت اثنتان وثلاثون ، فذو الحجّة فيها أيضا تامّ والناقص هنا ثمان وعشرون دقيقة جُبرت من كسر السنة السابعة والعشرين والسنة الثامنة والعشرين وضم التتمّة ، وهي ستّ عشرة إلى كسر السنة التاسعة والعشرين وصارت ثماني وثلاثون دقيقة ، أُخذ ذو الحجّة فيها أيضا تامّا والناقص هنا اثنتان وعشرون دقيقة جبرت من كسر السنة الثلاثين لم يبق شيء ، فتمّ هناك دورة الكبس . ثمّ أخذوا بعد هذه الدورة دورة اُخرى هكذا ، وهكذا إلى أن ينتهي دوران الأفلاك ؛ ففي كلّ ثلاثين سنة يصير ذو الحجّة إحدى عشر مرّة تامّا : في السنة الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة والثالثة عشرة والخامسة عشرة والإحدى والعشرين والرابعة والعشرين والسادسة والعشرين والتاسعة والعشرين . (1)

.


1- .كذا بالأصل ، ولم يذكر غير عشر مرّات .

ص: 54

وبعضهم شرطوا في الإكمال زيادة مجتمع الكسور المتقدّم على نصف دقائق اليوم ولم يكتفوا بالمساواة ، فهؤلاء لا يكبسون في السنة الخامسة عشرة ، ويكبسون بدلاً عنها في السنة السادسة عشر ، حيث إنّهم يضمّون الثلاثين التي ذكرنا أنّها حصلت بضميمة كسر السنة الخامسة عشر إلى كسر السنة السادسة عشر يصير اثنتين وخمسين ، فيأخذون ذا الحجّة في هذه السنة تامّا ويجبرون النقص ، وهو هنا بثمان دقائق من كسر السنة السابعة عشر ، ويضمّون تتمّتها وهي أربعة عشرة إلى كسر السنة الثامنة عشر تصير ستّا وثلاثين ، إلى آخر ما ذكر بعينه ، فالتبادل إنّما يكون بين الفريقين في بين السنتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة . وثانيها : كبيسيّة السنة الشمسيّة على ما هو مصطلح المحدِّثين من المنجّمين حيث إنّهم يعدّون شهور السنة الشمسيّة ثلاثين ثلاثين ؛ ولعدم تطابق أيّام تلك الشهور أعني ثلاثمئة وستّين وأيّام السنة الشمسيّة الحقيقيّة ، وهي على ما ذكره المحقّق الطوسي قدس سرهثلاثمئة وخمسة وستّون يوما وربع يوم إلاّ كسرا ، وعند التحقيق ثلاثمئة وخمسة وستّون يوما وأربعة وسبعون جزءا من ثلاثمئة جزء من يوم بليلته ، (1) فإنّ الكسر على ما حقّقه الخفري نقلاً عن بطليموس جزء من ثلاثمئة جزء من يوم ، (2) يزيدون في آخر كلّ سنة خمسة أيّامٍ ويسمّونها الخمسة المسترقة ، ولرعاية الربع المستثنى عنه الكسر جمعوه في أربع سنين أو خمس سنين ، وزادوا في السنة الرابعة والخامسة يوما سادسا ، ويسمّون هذا اليوم كبيسية وهذه السنة السنة الكبيسية ، وأمّا شهورها المذكورة فمسمّاه بالشهور الشمسيّة الاصطلاحيّة ؛ لعدم تطابقها على الشهور الشمسيّة الحقيقيّة لما ستعرف ، ولا على الشهور القمريّة حقيقةً لما عرفت . وأمّا قدماؤهم فقد اعتبروا شهور تلك السنة أيضا شمسيّة حقيقيّة حيث أخذوا

.


1- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل: «بليلة» .
2- .التكملة في شرح التذكرة ، ص 196 من مخطوطة رقم 10678 من مكتبة آية اللّه المرعشي ، الفصل الرابع في معرفة أجزاء الأيّام وهي الساعات . حكاه أيضا المجلسي في بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 346 عن بطلميوس .

ص: 55

السنة من يوم تحلّ فيه الشمس نقطة بعينها من دائرة البروج ، كأوّل الاعتدال الربيعي مثلاً إلى عودها إلى مثل تلك النقطة ، وأخذوا شهورها من الأيّام التي تحلّ فيها الشمس أمثال تلك النقطة من البروج ، فإن كانت النقطة التي هي مبدأ السنة الموافقة لمبدأ الشهر الأوّل أوّل برج كما مثل به كانت أمثالها من البروج الاُخرى أوائل البروج الباقية ، وإن كانت عاشرة برج كانت أمثالها عواشر البروج وهكذا ، وعلى هذا تطابق عدد أيّام الشهور والسنة من غير كبس ، ولا يبعد أن يُقال بابتناء الحديث على هذا الكبس ، بل هو أقرب ، فتأمّل . وثالثها : ما هو مصطلح اليهود والترك ، فإنّهم على ما حكى عنهم الخفريّ أنّهم يعتبرون شهور السنة الشمسيّة الحقيقيّة قمريّة ، وعدد أيّامها الاثني عشر ثلاثمئة وأربعة وخمسون يوما واثنتان وعشرون دقيقة كما عرفت ، وهو ينقص عن أيّام السنة الشمسيّة الحقيقيّة بأحد عشر يوما تقريبا ، وفي التحقيق بعشرة أيّام واثنتين وخمسين دقيقة وثمان وأربعين ثانية ، فينقص من أحد عشر يوما سبع دقائق واثنتي عشر ثانية ، وهؤلاء لتطبيق أيّام هذه الشهور على أيّام السنة يجمعون الأحد عشر يوما من غير الكسر المذكور ، فيزيدون في كلّ ثلاث سنين أو في كلّ سنتين شهرا في السنة على حسب ما اصطلحوا عليه . وقد قيل : إنّهم كانوا يكبسون تسع عشرة سنة قمريّة بتسعة أشهر قمريّة حتّى تصير تسع عشر شهرا شمسيّة ؛ فكانوا يزيدون في السنة الثانية شهرا ، ثمّ في الخامسة ، ثمّ في السابعة ، ثمّ في العاشرة ، ثمّ في الثالثة عشر ، ثمّ في السادسة عشر ، ثمّ في الثامنة عشر ، كأنّهم أرادوا بهذا تقريب السنتين الشمسيّة والقمريّة في مدّة تسع عشرة ، وإلّا فلا تتطابقان حقيقةً ، فإنّ مجموع زيادات السني الشمسيّة على سني القمريّة في تلك المدّة إذا لم يستثن الكسر من أحد عشر يوما مئتان وتسعة أيّام ، فإذا استثني الكسر وهو في تلك المدّة يومان ستّ عشرة دقيقة من دقائق اليوم وثمان وعشرين ثانية من ثواني دقيقة من دقائق يبقى من المجموع المذكور مئتان وستّة أيّام وثلاث وأربعون دقيقة

.

ص: 56

واثنتان وثلاثون ثانية ، ومجموع أيّام السبعة الأشهر القمريّة مئتان وعشرة أيّام إن اعتبرناها ثلاثين ثلاثين ، وإن اعتبرناها تسعة وعشرين فهو مئتي وثلاثة أيّام . نعم ، لو لم يستثن الكسر المذكور واعتبرنا ستّة من تلك الأشهر السبعة ثلاثين ، وواحدا منها تسعة وعشرين لتطابق السنتان حقيقةً ، وعلى هذا الكبس ، أعني كبس تسع عشرة سنة قمريّة بسبعة أشهر قمريّة تكون ثلاثمئة سنة شمسيّة مكبوسة بتسع سنين قمريّة ، وقد فسّروا بذلك قوله تعالى : «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا» (1) ؛ حملاً للسنين على القمريّة ، والتسع الزائد على القمرية التي هي الكبائس ليصير المجموع ثلاثمئة سنة شمسيّة ، فتأمّل . ونسب الخفريّ إليه نسيء العرب في الجاهليّة حيث قال المحقّق الطوسيّ قدس سره : وإن أرادوا يعني مستعملي السنة الشمسيّة اعتبار الشهور القمريّة جعلوا السنة شمسيّة والشهور قمريّة ، وزادوا في كلّ ثلاث سنين أو في كلّ سنتين شهرا في السنة لاجتماع الأحد عشر يوما غير الكسر المذكور على حسب ما يصطلحون عليه . وقال الشارح الخفريّ : «هذا إشارة إلى نسيء العرب في الجاهليّة أو إلى وضع اليهود والترك » . وقد قال قبل ذلك حكايةً عن نسيئهم : إنّهم كانوا يستعملون شهور الأهلّة وإن كان حجّهم الواقع في عاشر ذي الحجّة كما رسمه إبراهيم عليه السلام دائرا في الفصول كما في زماننا هذا ، فأرادوا وقوعه دائما في زمان إدراك الغلّات والفواكه واعتدال الهواء ، أعني أوائل الخريف ؛ ليسهل عليهم السفر وقضاء المناسك ، فكان يقوم في الموسم عند اجتماع العرب خطيب يحمد اللّه ويُثني عليه ، ويقول : أنا أزيد لكم في هذه السنة شهرا ، وهكذا أفعل في كلّ ثلاث سنين حتّى يأتي حجّكم في وقت يسهل فيه مسافرتكم ، فيوافقونه على ذلك ، فكان يجعل المحرّم كبسا ويؤخّر اسمه إلى صفر واسم صفر إلى ربيع الأوّل ، وهكذا إلى آخر السنة ، فكان يقع الحجّ في السنة القابلة في عاشر المحرّم ، وهو ذو الحجّة عندهم ؛ لأنّهم لمّا سمّوا صفر بالمحرّم وجعلوه أوّل السنة صار المحرّم الآتي ذا الحجّة وآخر السنة ويقع في السنة

.


1- .الكهف (18) : 25 .

ص: 57

محرّمان : أحدهما : رأس السنة ، والآخر النسيء ، ويصير شهورها ثلاثة عشر ، وعلى هذا يبقى الحجّ في المحرّم ثلاث سنين متوالية ثمّ ينتقل إلى صفر ، ويبقى فيه كذلك إلى آخر الأشهر ، ففي كلّ ستّة وثلاثين سنة قمريّة تكون كبيستهم اثني عشر شهرا قمريّا ، وقيل : كانوا يكبسون أربعة وعشرين سنة باثني عشر شهرا ، وهذا هو النسيء المشهور في الجاهليّة وإن كان الأوّل أقرب إلى مرادهم . وبالجملة ، إذا انقضى سنتان أو ثلاث وانتهى النوبة إلى الكبس قام فيهم خطيب وقال : إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة للذي بعده ، حيث كانوا يزيدون النسيء على جميع الشهور بالنوبة حتّى يكون لهم في سنة محرّمان ، وفي اُخرى صفران ، فإذا اتّفق أن يتكرّر في السنة شهر من الأربعة الحرم نبّأهم الخطيب وحرّم عليهم واحدا منهما بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، ولمّا انتهى النوبة في أيّام النبيّ عليه الصلاة والسلام إلى ذي الحجّة وتمّ دور النسيء على الشهور كلّها حجّ في السنة العاشرة من الهجرة ؛ لوقوع الحجّ فيها في عاشر ذي الحجّة وقال : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والأرض» ، (1) يعني به رجوع الحجّ وأسماء الشهور إلى الوضع الأوّل ، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا» (2) ، إلى آخر الآية . (3) ورابعها : ما اصطلح عليه الروم والفرس حيث اصطلحوا على أخذ السنة الشمسيّة من يوم جلوس ملك عظيم لهم ، ويجعلون ذلك اليوم مبدأ السنة من غير ملاحظة موضع الشمس ، واصطلحوا على شهور تدور حول الثلاثين آخذين كلّ الشهور ثلاثين ثلاثين كما نقل عن الفرس ، أو بعض شهورهم ثلاثين ، وبعضها إحد وثلاثين ، وبعضها ثمانية وعشرين ، وفي السنة الكبس تسعة وعشرين كما حكاه الخفريّ عن

.


1- .الخصال ، ص 487 ، أبواب الاثني عشر ، ح 63 ؛ تحف العقول ، ص 32 ، خطبته صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 37 و 73 ؛ صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 204 ؛ و ج 8 ، ص 185 ؛ صحيح مسلم ، ج 5 ، ص 107 ؛ سنن أبى داود ، ج 1 ، ص 435 ، ح 1947 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 165 و 166 .
2- .التوبة (9) : 36 .
3- .التكملة في شرح التذكرة ، ص 196 من مخطوطة رقم 10678 من مكتبة آية اللّه المرعشي ، الفصل الرابع في معرفة أجزاء الأيّام وهي الساعات . وحكاه أيضا المجلسي في بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 345 346 نقلاً عن بعض شرّاح التذكرة ولم يصرّح باسمه .

ص: 58

باب اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان

الروم . وقريب منه ما حكاه أبو نصر الفراهي في نصابه عنهم . لا ولا لب لا ولا لا شش مه استلك كط و كط لل شهور كوته است وقال بعض شارحيه : قوله : (لا و لا) هما الحمل والثور ، وقوله : (لب) هو الجوزاء ، وقوله : (لا ولا لا) وهو السرطان والأسد والسنبلة ، وقوله : (لل) عبارة عن الميزان والعقرب ، وقوله : (كط) عبارة عن القوس ، وقوله : (كط) هوالجدي ، وقوله : (لل) هو الدلول والحوت ، وهذه الألفاظ على ترتيب البروج . انتهى . وعلى أيّ حال فهؤلاء المصطلحون بعضهم اعتبر الكسر الزائد على ثلاثمئة وخمسة وستّين عدد أيّام السنة الشمسيّة الحقيقيّة ربعا تامّا ، ويكبسون في كلّ أربع سنين بيوم دائما ، وفي كلّ مئة وعشرين سنة بشهورهم الفرس ، الأوّل دأب متأخّريهم ، والثاني طريقة قدمائهم ، وبعضهم ، وهم القبط من الروم ، يحذفون الكسر ولا يعتبرونه رأسا أو عدم اعتباره كما ينبغي ، وشهورهم المذكورة يحتمل أن تكون شمسيّة اصطلاحيّة أو قمريّة اصطلاحيّة .

باب اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان هو أو من شعبانالظاهر أنّه أراد المصنّف قدس سره بيوم الشكّ الثلاثين من شعبان مع وجود غيم وقيام ونحو ذلك ممّا يوجب الشكّ في كونه من شعبان أو من رمضان ، وحينئذٍ يستحبّ صومه بنيّة أنّه من شعبان صام قبله أو لا ، ولا يجوز صومه على أنّه من رمضان عند الأصحاب أجمع ، (1) ولم ينقل فيه خلاف من العامّة أيضا إلّا ما نقل في المنتهى (2) عن

.


1- .اُنظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 201 ؛ المقنع ، ص 181 ؛ الهداية ، ص 200 ؛ المقنعة ، ص 298 ؛ الانتصار ، ص 183 ؛ رسائل المرتضى ، ج 2 ، ص 42 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 170 ، المسألة 9 ؛ جواهر الفقه ، ص 33 ؛ الغنية ، ص 135 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 384 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 140 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 158 ؛ تحرير الأحكام ، ج1 ، ص 459 و 489 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 17 ، المسألة 8 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 380 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 592 و 617 ؛ البيان ، ص 227 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 272 ، الدرس 70 ؛ اللمعة الدمشقية ، ص 51 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 20 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 139 140 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 32 33 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .

ص: 59

أحمد من وجوبه حينئذٍ ، (1) والظاهر أنّه قال بذلك بنيّة رمضان محتجّا بما نقلوه عن ابن عمر أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّما الشهر تسعة وعشرون يوما ، فلا تصوموا حتّى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتّى تروه ، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» . (2) وقال ابن عمر : معنى الإقدار : التضيّق كما في قوله تعالى : «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ» (3) ، والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوما ، وفعل ابن عمر ذلك ، (4) فكان يصوم مع الغيم والمانع ، ويفطر لا معهما ، وهو الراوي ، فكان فعله تفسيرا . وعن الحسن وابن سيرين أنّهما قالا : إن صام الإمام صاموا ، وإن أفطر أفطروا مطلقا مع الغيم وعدمه (5) . والظاهر أنّه قال أيضا كذلك ، وقال : احتجّ ابن سيرين بقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «الصوم يوم يصومون ، والفطر يوم يفطرون ، والأضحى يوم يضحّون» . (6) وأجاب عن احتجاج أحمد بأنّه يعارض بما رواه البخاريّ عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمي عليكم فاكملوا عدّة شعبان» ، (7) على أنّ مسلما روى حديث ابن عمر في الصحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر رمضان فقال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمي عليكم فاقدروا له ثلاثين» . (8)

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 412 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 403 404 ، وفيهما عن أحمد : «إن كانت السماء مصحية لم يجز صومه ، وإن كانت مغيمة وجب صومه عن رمضان» .
2- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 5 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 122 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 521 ، ح 2320 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 204 ؛ المعجم الأوسط ، ج 1 ، ص 188 .
3- .الطلاق (65) : 7 .
4- .المجموع، ج 6، ص 409.
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 403 .
6- .تذكرة الفقهاء ، ط قديم ج 1 ، ص 257 . سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 531 ، ح 1660 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 148 ، ح 779 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 6564 ، ح 1954 ، والفقرة الاُولى ليست في غير تذكرة الفقهاء ، وحكاها النووي في المجموع ، ج 5 ، ص 27 عن الترمذي .
7- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 .
8- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 124 .

ص: 60

وفي حديث آخر عن ربعي بن حراش : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فقدروا ثلاثين ثمّ افطروا» ، (1) ومثله يأتي في احتجاج ابن سيرين أيضا ، وحديثه لو صحّ لأمكن حمله على ما إذا شاعت الرؤية . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سُئِلَ عن اليوم المشكوك فيه ، قال : «لئن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» . (2) وعن عبد العظيم بن عبداللّه الحسني ، عن سهل بن سعد ، قال : قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية وأفطر قبل الرؤية للرُّؤية» . قال : قلت : يابن رسول اللّه صلى الله عليه و آله فما ترى في يوم الشكّ ؟ فقال : حدّثني أبي عن جدّي عن آبائه عليهم السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لئن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوما من شهر رمضان» . (3) وما رواه الشيخ عن محمّد بن شهاب الزهري ، قال : سمعت عليّ بن الحسين عليهماالسلاميقول : «يوم الشكّ أمرنا بصيامه ونهينا عنه ، أمرنا أن يصومه الإنسان على أنّه من شعبان ، ونهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان ، وهو لم يرَ الهلال» . (4) وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «لئن أفطر يوما من شهر رمضان أحبّ إليّ من أن أصوم يوما من شعبان ، أزيده في شهر رمضان» . (5) وهو نصّ في عدم جواز صومه بنيّة رمضان .

.


1- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 438 و 497 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 96 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 207 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 239 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 126 ، ح 1922 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 106 107 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 23 ، ح 12738 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 128 ، ح 1929 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 63 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 28 ، ح 12751 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 463 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 80 ، ح 243 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 26 27 ، ح 12746 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 126 127 ، ح 1923 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 28 ، ح 12750 .

ص: 61

وعن محمّد بن حكيم ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه ، فإنّ الناس يزعمون أنّ من صامه بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان ، فقال : «كذبوا إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفّق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» . (1) وعن بشير النبّال ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن صوم يوم الشكّ ، فقال : «صمه ، فإن يكن من شعبان كان تطوّعا ، وإن يكن من شهر رمضان [فيوم وفّقت له» . (2) وعن الكاهليّ ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه من شعبان ، قال : «لأن] (3) أصوم يوما من شعبان أحبّ إليَّ من أن أفطر يوما من [شهر]رمضان» . (4) وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان لأنّه قد نهى أن ينوي الإنسان للصيام يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليل أنّه من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل اللّه عزّ وجلّ ، وبما قد وسّع على عباده ، ولولا ذلك لهلك الناس» . (5) ولا يجوز صيامه من رمضان ، ولا يجوز من واجب آخر أيضا كالنذر وشبهه ؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن كرام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم عليه السلام ، فقال : «صم ولا تصم في السفر والعيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان» . (6)

.


1- .هذا هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 ، ح 502 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 78 ، ح 234 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 22 ، ح 12736 .
2- .هذا هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 127 ، ح 1924 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 236 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 ، ح 504 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 21 ، ح 12732 .
3- .الإضافة من المصدر .
4- .هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 237 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 182 ، ح 505 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 20 ، ح 12730 .
5- .هذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ح 240 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 182 183 ، ح 508 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 21 ، ح 12733 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 233 ، ح 683؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 100 ، ح 325 . الكافي ، باب من جعل على نفسه صوما معلوما ومن نذر أن يصوم في شكر ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13212 .

ص: 62

وحمل عليه كلّ ما ورد الأمر بصيامه على ما رواه عبد الكريم بن عمرو ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم ، قال : «لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه» . (1) واختلفوا في استحبابه مع الصحو وانتفاء موانع الرؤية ، فالمشهور بينهم ذلك . وحكاه في المنتهى (2) عن أبي حنيفة ومالك . (3) واحتجّ عليه بما رواه العامّة عن عليّ عليه السلام قال : «لئن أصوم يوما من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يوما من رمضان» . (4) ورووه عن عائشة وأبي هريرة . (5) وعن عائشة أنّها كانت تصومه ، (6) وببعض ما اُشير إليه من الأخبار ، وبأنّه يوم محكوم به من شعبان فكان كغيره من أيّامه ، وبالاحتياط . وحكي عن ابن الجنيد أنّه قال : «لا يستحبّ الابتداء بصيام يوم الشكّ إلّا إذا كانت في السماء علّة تمنع عن الرؤية استظهارا» . (7) وحكى في المختلف عن المفيد أنّه قال في الرسالة الغريّة : يكره صوم يوم الشكّ إذ لم يكن هناك عارض ، وتيقّن أوّل الشهر ، وكان الجوّ سليما من العوارض ، وتفقّد الهلال ولم يرَ مع اجتهادهم في الطلب ، فلا يكون هناك شكّ . ويكره صومه إلّا لمن كان صائما قبله شعبان أو أيّاما تقدّمته من شعبان ، بذلك جاءت الآثار عن الأئمّة عليهم السلام . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ح 510؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 80 ، ح 242 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 127 ، ح 1925 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 26 ، ح 12745 .
3- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 404 .
4- .مسند الشافعي ، ص 103 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 212 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 149 ، ح 2185 .
5- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 211 عنهما ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 126 عن عائشة ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 404 عنهما .
6- .المجموع ، ج 6 ، ص 403 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 288 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 170 ، المسألة 9 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 650 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .
7- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 503 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 503 504 .

ص: 63

وحكى في المنتهى (1) أيضا عنه قدس سره مثله وعن الأوزاعيّ والشافعيّ وأحمد ، (2) ثمّ قال في المختلف : (3) احتجّ يعني المفيد قدّس سرّه بما رواه قتيبة الأعشى ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن صوم ستّة أيّام : العيدين ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان» ، (4) وغيره من الأحاديث . والجواب : أنّها محمولة على النهي عن صومه بنيّة رمضان . وفي المنتهى (5) : احتجّ الشافعي بما رواه أبو هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام : الذي يشكّ فيه من رمضان ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وأيّام التشريق . (6) وعن عمّار بن ياسر ، قال : من صام يوم الشكّ فقد عصى أبا القاسم . (7) وعن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تقدّموا هلال رمضان بيوم ولا بيومين إلّا أن يوافق صوما كان يصوم أحدكم» . (8) وروى أصحابنا شبه ذلك ، روى الشيخ عن هارون بن خارجة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام عدّ شعبان تسعة وعشرين يوما ، فإن كانت متغيّمة فأصبح صائما ، وإن كان مصحّية وتبصّرته فلم ترَ شيئا فاصبح مفطرا» . 9 وعطف عليها خبر عبد الكريم بن عمرو وقتيبة الأعشى المتقدّمين .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 560 .
2- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 399 400 و 403 404 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 4 5 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 382 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ح 509 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ح 241 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 25 26 ، ح 12744 ؛ وص 515 ، ح 13993 .
5- .مجمع الزوائد ، ج 3 ، ص 203 نقلاً عن البزّار .
6- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 229 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 424 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 208 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 352 ، ذيل ح 2454 .
7- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 140 ، ح 2141 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 159 ، ح 447 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 77 ، ح 233 . وهذا هو الحديث التاسع من باب الأهلّة والشهادة عليها من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 256 ، ح 13352 .

ص: 64

وهذا هو جمع جيّد بين أخبار يوم الشكّ ؛ لأنّ الأخبار الأوّلة الدالّة على استحباب صيام ذلك اليوم أكثرها مقيّدة بالغيم ونحوه ، وخبر هارون بن خارجة نصّ عليه . وأمّا خبرا قتيبة وعبد الكريم بن عمر فأظنّ أنّهما لا يدلّان على ما ادّعاه أصلاً ، فإنّ الظاهر من الاُولى تعلّق قوله عليه السلام من رمضان بالصيام لا بالشكّ ، وإلّا لكان المناسب : يشكّ في أنّه من رمضان ، كما لا يخفى . وأمّا خبر عبد الكريم بن عمرو فالظاهر منه أنّ النهي فيه عن صوم ذلك اليوم بنيّة النذر كما أشرنا إليه . وعلى أيّ حال لو صام هذا اليوم بنيّة أنّه من شعبان ، ثمّ ظهر كونه من شهر رمضان أجزأ عنه إجماعا ، (1) ويستفاد ذلك من أكثر الأخبار المتقدِّمة . ولو نواه من شهر رمضان ، ثمّ بانَ أنّه منه ، فقد اختلفوا في إجزائه عنه ، فقال جماعة من الفحول بالعدم ، وبه قال الشهيدان (2) والشيخ في النهاية (3) وكتابي الأخبار ، (4) وفي المختلف (5) نقله عن جمله (6) وإقتصاده (7) أيضا ، وعن السيّد المرتضى (8) والصدوقين (9) وأبي الصلاح (10) وسلّار (11) وابن البرّاج وابن حمزة ، (12) والعلّامة في المختلف عدّه

.


1- .اُنظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 201 ؛ المقنع ، ص 181 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 180 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 268 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 651 ؛ الجامع للشرائع ، ص 154 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 158 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 77 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 19 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ؛ البيان ، ص 244 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 20 .
2- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 51 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 139 .
3- .النهاية ، ص 151 .
4- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ذيل ح 239؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ذيل ح 510 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 380 .
6- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 218) .
7- .الاقتصاد ، ص 293 .
8- .الانتصار، ص 183 184 ؛ الناصريّات، ص 293.
9- .الفقيه ، ج 2 ، ص 126 ، ذيل ح 1922 .
10- .الكافي في الفقه ، ص 181 .
11- .المراسم العلويّة ، ص 94 .
12- .الوسيلة ، ص 148 . وبعده في المخطوطة : «وعدّة أقوى ، فقد اختلف الأصحاب في إجزائه أنّه لا يجزيه ، وبه قال الشيخ في النهاية والعلّامة في المختلف وعدّه أقوى ونقله عن جمل الشيخ واقتصاده أيضا ...» إلى آخر ما ذكرناه آنفا ، وحيث كان مكرّرا لم أذكره في المتن .

ص: 65

أقوى . (1) ويستنبط ذلك من بعض ما تقدّم من الأخبار . ويدلّ عليه صريحا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ؟ قال : «عليه قضاؤه وإن كان كذلك» . (2) وربّما احتجّ بأنّه مشتمل على وجه قبح حيث اعتقد وجوب ما ليس بواجب عليه ، فيكون منهيّا عنه ، والنهي في العبادة مستلزم للفساد . وذهب الشيخ في الخلاف إلى الإجزاء محتجّا بإجماع الفرقة وأخبارهم على أنّ من صام يوم الشكّ أجزأ عن شهر رمضان ولم يفرّقوا ، ونسب عدمه إلى الرواية . (3) وقال في المبسوط : «وإن صام بنيّة الفرض روى أصحابنا [أنّه] لا يجزيه» (4) ولم يحكم بشيءٍ . واحتجّ الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم على أنّ من صام يوم الشكّ أجزأه عن شهر رمضان ولم يفرّقوا ، قال : ومن قال من أصحابنا لا يجزيه تعلّق بقوله عليه السلام : «اُمرنا أن نصوم يوم الشكّ بنيّة أنّه من شعبان ، ونهينا أن نصومه من شهر رمضان » ، (5) وهذا صيام بنيّة شهر رمضان ، فوجب أن لا يجزيه ؛ لأنّه مرتكب للنهي ، وهو يدلّ على الفساد . والجواب المنع من الإجماع ، وعدم الفرق في الأخبار ، وقد بيّناه . لا يقال : إنّه في نفس الأمر من شهر رمضان وتقصيره أو عدم معرفته لا يخرجه عن حقيقته ، فيكون قد نوى الواقع ، فوجب أن يجزيه ؛ ولأنّه قد روى الشيخ عن سماعة في الموثّق ، قال : سألته عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان ، لا يدري أهو من

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 380 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 182 ، ح 507 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 25 ، ح 12743 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 180 ، المسألة 23 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 277 ، ومابين الحاصرتين منه .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 180 ، المسألة 23 .

ص: 66

رمضان فصامه من شهر رمضان ؟ قال : «هو يوم وفّق له ولا قضاء عليه» . (1) لأنّا نقول : التكليف منوط بالعلم ، وهو منتف ، وليس منوطا بما في نفس الأمر ، وإلّا لكان إذا نواه من شعبان لم يجزيه ، وهو باطل بالإجماع . وأمّا الحديث فهو مع عدم صحّته وإضماره ، معارض بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وهي أقدم . على أنّه مرويّ في التهذيب (2) عن المصنّف بإسناده المذكور في الباب ، وكأنّه سقط من قلم الشيخ أو غيره ما زاد في رواية المصنّف من لفظة : «فكان» في قوله : «فكان من شهر رمضان» فلا يدلّ على مدّعاه . ثمّ الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة وبعض آخر من الأخبار المذكورة عدم جواز صومه بنيّة رمضان مطلقا جزما أو متردّدا ، فلا يجزيه من رمضان إن ردّد بنيّته ، بأن نوى ليلته أنّه إن كان غدا من رمضان فهو صائم فرضا منه ، وإن كان من شعبان فهو صائم نفلاً منه ، أو أنّه يصوم غدا فرضا أونفلاً ، وهو منقول في المختلف (3) عن ابن إدريس (4) والشيخ فيما عدا الخلاف والمبسوط من كتبه (5) محتجّا بأنّه لم ينو أحد السببين قطعا ، والنيّة فاصلة بين الوجهين ولم يحصل . وأجاب بالمنع من اشترط القطع ؛ لأنّه تكليف بما لا يطاق . وهو كما ترى . وقال في الخلاف (6) والمبسوط (7) بالإجزاء ، وعدّه العلّامة في المختلف أقوى ، (8) ونقله عن

.


1- .النهاية ، ص 151 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 78 ، ح 235 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 181 ، ح 503 ؛ وهذا هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 22 ، ح 12735 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 383 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 384 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 179 ، المسألة 21 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 268 .
8- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 383.

ص: 67

ابن حمزة ، (1) وعن ابن أبي عقيل أيضا ، فقد حكى عنه أنّه قال : «اختلف الرواية عنهم عليهم السلام فروى بعضهم عن آل الرسول صلى الله عليه و آله أنّ صوم ذلك اليوم لا يجزيه ؛ لأنّ الفرض لا تؤدّى عن شكّ ، وروى بعضهم عنهم عليهم السلام الإجزاء » . وحدّثني بعض علماء الشيعة يرفعه إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام أنّه سُئل عن اليوم الذي يشكّ فيه الناس أنّه من رمضان ، كيف يعمل في صومه ؟ فقال لسائله : «ينوي ليلة الشكّ أنّه صائم غدا من شعبان ، فإن كان من رمضان أجزأك عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّك» ، فقال له : كيف يجزي صوم تطوّع عن فريضة ؟ فقال : «لو أنّ رجلاً صام من شهر رمضان تطوّعا وهو لا يعلم أنّه شهر رمضان ، ثمّ علم بعد ذلك أجزأ عنه ؛ لأنّ الصوم إنّما وقع على اليوم بعينه» . قال ابن أبي عقيل : وهذا أصحّ الخبرين ؛ لأنّه مفسّر وعليه العمل عند آل الرسول عليهم السلام . (2) ولم أجد هذا الخبر في شيء من كتب الأخبار المشهورة ، وهو غير دالّ على مطلوبه ، فإنّه إنّما دلَّ على الإجزاء لوقوعه بنيّة التطوّع . واحتجّ عليه العلّامة (3) بأنّه نوى الواقع ؛ لأنّ الصوم إن كان من شهر رمضان كان واجبا ، وإن كان من شعبان كان نفلاً ، فوجب أن يجزيه ، وبأنّه نوى العبادة على وجهها وأحالها على الظهور ، فوجب أن يخرج عن العهدة ، وبأنّ نيّة التعيين في رمضان ليست شرطا إجماعا ، وقد نوى المطلق فوجب الإجزاء ، ومقدّماته كلّها في محلّ المنع ، لا سيّما مع معارضة ظاهر ما ذكر من بعض الأخبار ، فتأمّل . والظاهر عدم جواز صومه بنيّة النذر وشبهه أيضا ؛ لما يرويه المصنّف في باب من جعل على نفسه صوما ، عن كرام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن

.


1- .الوسيلة ، ص 140 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 384 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 384 385 .

ص: 68

أصوم حتّى يقوم القائم ، فقال : «صم ، ولا تصم في السفر ، ولا العيدين ، ولا أيّام التشريق ، ولا اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان» . (1) وهذا ظاهر المصنّف ، والخبر وإن لم يصحّ لكن غير معارض بخبر . لكن لو ظهر كونه من رمضان فهل ينصرف إليه أم لا ؟ يبنى على ما ذكر من كفاية كون الوقت لرمضان في نفس الأمر ، أو لا . وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة : «أمّا لو نواه واجبا عن غيره كالقضاء والنذر لم يحرم» ، (2) وظاهره الإجزاء عن رمضان على تقدير ظهوره منه . وحكى طاب ثراه عن عياض أنّه قال : واختلف في صومه تطوّعا ، فأجازه مالك والأوزاعيّ واللّيث ، (3) وأجازه محمّد بن مسلمة (4) لمن كان يسر ولا لمن ابتدأ . وعن الآبي (5) شارح مسلم أنّه قال : «المشهور عندنا أنّه لا يجوز صوم يوم الشكّ احتياطا ، ولا يجزي إن صامه وثبت أنّه من رمضان ، قال : وكذلك قال ابن عبد السلام » . وفي العزيز : وأمّا يوم الشكّ فقد روي عن عمّار بن ياسر رضى الله عنهأنّه قال : من صام اليوم الذي يشكّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و آله (6) يعني الكراهة بقرينة سياق كلامه ، ثمّ قال : فلا يصحّ صومه عن رمضان خلافا لأحمد حيث قال في رواية : إن كانت السماء مصحية كره صومه ، وإلّا

.


1- .هو الحديث الأوّل من ذلك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13212 .
2- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 139 ، وقال : «وأجزأ عن رمضان» .
3- .التمهيد ، ج 2 ، ص 40 و ج 14 ، ص 346 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 404 .
4- .في الأصل : «سلمة» والتصويب من ترجمة الرجل وسائر المصادر ، وهو محمّد بن مسلمة بن محمّد بن هاشم المخزومى ، روى عن مالك وتفقّه عنده ، كان أحد فقهاء المدينة على مذهب مالك وأفقههم ، مات سنة ست عشرة ومئتين . الجرح والتعديل ، ج 8 ، ص 71 ، الرقم 317 ؛ الثقات لابن حبّان ، ج 9 ، ص 55 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 55 ، ص 290 ، الرقم 2998 ؛ الانتقاء ، ص 56 .
5- .أبو عبد اللّه محمّد بن خليفة التونسي الآبي تلميذ ابن عرفة ، محدّث ، حافظ ، فقيه ، مفسّر ، ناظم ، ولى قضاء الجزيرة ، من تصانيفه : إكمال الإكمال في شرح صحيح مسلم ، شرح المدوّنة في فروع الفقه المالكي ، وتفسير القرآن ، توفّي سنة 828 ه ق . معجم المؤلّفين ، ج 9 ، ص 287 .
6- .تقدّم تخريجه .

ص: 69

وجب صومه عن رمضان . وفي رواية : إن صام الإمام صوموا ، وإلّا افطروا . وعنه رواية اُخرى مثل مذهبنا . لنا : قوله صلى الله عليه و آله : «فإن غمّ عليكم فاكملوا عدّة شعبان ثلاثين ، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان » . ويجوز صومه عن قضاء ونذر وكفّارة ، وكذا إذا وافق ورده في التطوّع بلا كراهة . روى أبو هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تستقبلوا الشهر بيوم أو يومين ، إلّا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم» . وعن القاضي أبي الطيّب أنّه يكره صومه عمّا عليه من فرض . قال ابن الصباغ : وهذا خلاف القياس ؛ لأنّه إذا لم يكره فيه ما له سبب من التطوّع فلأنّ لا يكره فيه الفرض كان أولى ، ولا يجوز أن يصوم فيه التطوّع الذي لا سبب له خلافا لأبي حنيفة ومالك حيث قالا : لا كراهيّة في ذلك ، وهل يصحّ ما وقع من الصوم ؟ فيه وجهان كالوجهين في الصلاة في الأوقات المكروهة . (1) قوله في مرسلة رفاعة : (فقلت ذاك إلى الإمام) إلى آخره .[ح 7 / 6316] مثله مرسلة داود بن الحسين ، (2) وروى الشيخ قدس سره عن خلّاد بن عمارة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «دخلت على أبي العبّاس في يوم شكّ ، وأنا أعلم أنّه من شهر رمضان ، وهو يتغدّى» ، فقال : يا أبا عبداللّه ، ليس هذا من أيّامك ، قلت له : «يا أمير المؤمنين ، ما صومي إلّا بصومك ، ولا إفطاري إلّا بإفطارك» ، قال : فقال : ادن ، قال : «فدنوت فأكلت وأنا أعلم واللّه إنّه من رمضان» . (3) وعن أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : إنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى ، فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحّي ، فقال : «الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحّي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس» . (4)

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 412 415 .
2- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 317 ، ح 965 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 132 133 ، ح 13036 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 317 ، ح 966 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 133 ، ح 13037 .

ص: 70

باب وجوه الصيام

وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «صم حين يصوم الناس ، وافطر حين يفطر الناس ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل الأهلّة مواقيت للناس» . (1) وتدلّ هذه الأخبار على جواز الإفطار للتقيّة ، وهو كذلك ، بل قد يجب . قال الصدوق : ومن كان في بلدٍ [فيه سلطان فالصوم] (2) معه ، والفطر معه ؛ لأنّ في خلافه دخولاً في نهي اللّه عزّ وجلّ حيث يقول : «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» (3) . وقد روى عن عيسى بن أبي منصور ، قال : كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام في اليوم الذي يشكّ فيه الناس ، فقال : «يا غلام ، اذهب فانظر هل صام الأمير أم لا ؟» فذهب ، ثمّ عاد فقال : لا ، فدعا بالغداء فتغدّينا معه . وقال الصادق عليه السلام : «لو قلت إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقا» . (4)

باب وجوه الصيام (5)وهي أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه ، وحرام . والواجب ستّة : صوم شهر رمضان ، والكفّارات ، وبدل الهدي ، والنذر وشبهه ، والاعتكاف على وجه يأتي ، وقضاء الفائت . وقد سبق وجوب شهر رمضان ، ويأتي القول في البواقي كلٌّ في محلّه إن شاء اللّه تعالى ، ويندرج فيها الوجوه العشرة التي وردت في خبر الزهري كلّها . والمندوب منه ما لا يختصّ زمانا ولا مكانا ، وهو صوم السنة كلّها ما عدا شهر

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 164 ، ح 462 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 293 ، ح 13450 ، وكلمة «للناس» في آخر الحديث غير موجودة فيهما .
2- .اُضيفت من المصدر .
3- .البقرة (2) : 195 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 127 128 ، ذيل ح 1925 و ح 1926 و 1927 .
5- .كذا بالأصل ، وفي المصدر المطبوع : «وجوه الصوم» .

ص: 71

رمضان والعيدين ، ففي الحديث النبويّ : «الصوم جُنّة من النار» . (1) وفي حديث آخر : «الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما» . (2) وقال عليه السلام : «قال اللّه تبارك وتعالى : الصوم لي وأنا أجزي به . وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربّه عزّ وجلّ ، والذي نفس محمّد بيده ، لخلوف فم الصائم عند اللّه أطيب من ريح المسك» . (3) وقال عليه السلام لأصحابه : «ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى يارسول اللّه ، قال : الصوم يسوّد وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحبّ في اللّه عزّ وجلّ والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه ، ولكلّ شيءٍ زكاة وزكاة الأبدان الصيام» . (4) وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ثلاثة يذهبن البلغم ويزدن الحفظ : السواك ، والصوم ، وقراءة القرآن» . (5) وقال أيضا عليه السلام : «أوحى اللّه تبارك وتعالى إلى موسى عليه السلام : ما يمنعك من مناجاتي ؟ فقال : يا ربّ ، أجلّك عن المناجات لخلوف فمّ الصائم ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ تبارك وتعالى إليه : يا موسى ، لخلوف فم الصائم عندي أطيب من ريح المسك» . (6)

.


1- .الكافي ، باب دعائم الإسلام من كتاب الايمان والكفر ، ح 5 ، و باب ماجاء في فضل الصوم والصائم من كتاب الصيام ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 74 ، ح 1771 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 151 ، ح 418 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ، ص 119 ،117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 395 ، ح 13673 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 74 75 ، ح 1772 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 190 ، ح 538 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 121 122 ، ح 134 ؛ تحف العقول ، ص 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 137 ، ح 13044 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 507 ، ح 23862 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 75 ، ح 1773 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 400 ، ح 13688 .
4- .الكافي ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 75 ، ح 1774 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 191 ، ح 542 ؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 15 ، ح 1 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 75 ، ح 57 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 395 396 ، ح 13674 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 191 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 400 ، ح 13686 .
6- .الكافي ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم من كتاب الصيام ، ح 13 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 121 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 75 ، ح 1773 ، وص 397 ، ح 13677 .

ص: 72

وقال عليه السلام : «نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبَّل ، ودعاؤه مستجاب» . (1) والأخبار في فضيلة الصوم من غير تقييد بوقت وزمان بحيث يشتمل كلّ أيّام السنة كثيرة ، ومنه ما يختصّ مكانا وهو صوم ثلاثة أيّام للحاجة في مدينة الرسول صلى الله عليه و آله . ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاث أيّام صمت أوّل يوم الأربعاء ، وتصلّي ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة ، وهي اسطوانة التوبة التي كان ربط بها نفسه حتّى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثمّ تأتي ليلة الخميس الاسطوانة التي تليها ممّا يلي مقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله (2) فتصلّي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس ، ثمّ تأتي الاسطوانة التي تلي مقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومصلّاه ليلة الجمعة ، فتصلّي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تكلّم بشيء في هذه الأيّام إلّا ما لابدّ لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلّا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار ، فافعل ، فإنّ ذلك ممّا يعدّ فيه الفضل ، ثمّ احمد اللّه يوم الجمعة واثنِ عليه وصلِّ على النبيّ صلى الله عليه و آله وسَلْ حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللّهُمَّ ما كان لي إليك حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها ، فإنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة صلواتك عليه وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنّك حريٌّ أن يقضى حاجتك إن شاء اللّه » . (3) ومنه ما يختصّ زمانا وهو أنواع متكثّرة ، والمؤكّد منه أربعة عشر : الأوّل : صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر : أوّل خميس في الشهر ، وأوّل أربعاء في وسطه ، وآخر خميس في آخره ، رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم حتّى يُقال : لا يفطر ، ويفطر حتّى يُقال : لا يصوم ، ثمّ صام يوما وأفطر

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 76 ، ح 1783 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 401 ، ح 13689 .
2- .في المصدر : «النبيّ» بدل «رسول اللّه » وكذا المورد التالي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 232 233 ، ح 682 ؛ وج 6 ، ص 16 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 202 ، ح 13218 ؛ وج 14 ، ص 350 351 ، ح 19368 .

ص: 73

يوما ، ثمّ صام الإثنين والخميس ، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر : خميس (1) في أوّل الشهر ، وأربعاء في وسط الشهر ، وخميس في آخر الشهر ، وكان عليه السلام يقول : ذلك صوم الدهر ، وقد كان أبي عليه السلام يقول : ما من أحد أبغض على اللّه عزّ وجلّ من رجلٍ يُقال له : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يفعل كذا وكذا ، فيقول لا يعذّبني اللّه على أن أجتهد في الصلاة والصيام ، كأنّه يرى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه» . (2) وفي الموثّق عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : بما جرت السنّة من الصوم ؟ فقال : «ثلاثة أيّام من كلّ شهر : الخميس في العشر الاُول ، والأربعاء في العشر الثاني ، والخميس في العشر الآخر» ، قال : قلت : هذا جميع ما جرت السنّة في الصوم ؟ قال : «نعم» . (3) وفي الصحيح (4) عن حمّاد بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى قيل : ما يفطر ، ثمّ أفطر حتّى قيل : ما يصوم ، ثمّ صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما لا ، (5) ثمّ قبض عليه السلام على صيام ثلاثة أيّام في الشهر ، وقال : يعدلن صوم الشهر ، ويذهبن بوحر (6) الصدر» . قال حمّاد : الوحر الوسوسة ، ثمّ قال حمّاد : فقلت : أيّ الأيّام هي ؟ قال : «أوّل خميس من الشهر ، وأوّل أربعاء بعد العشر ، وآخر خميس فيه» ، فقلت : لِمَ صارت هذه الأيّام تُصام ؟ فقال : «إنّ من قبلنا من الاُمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيّام [فصام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هذه الأيّام] المخوفة» . (7)

.


1- .في الأصل : «الخميس» ، والتصويب حسب المصدر .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 81 ، ح 1785 ؛ ثواب الأعمال ، ص 79 80 ، ثواب صوم ثلاثة أيّام في الشهر ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 417 418 ، ح 13739 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 84 ، ح 1796 ؛ ثواب الأعمال ، ص 81 ، ثواب صوم ثلاثة أيّام في الشهر ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 418 ، ح 13740 .
4- .في الأصل : + «والشيخ» .
5- .في الأصل : «ويومان» ، والتصويب حسب المصدر .
6- .كذا في المصدر ، وفي الأصل : «بوجر» ومثله في المورد التالي ، وكذا في الحديث التالي .
7- .الكافي ، باب صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 82 ، ح 1786 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 302 ، ح 913 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 136 ، ح 444 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 415 ، ح 13735 .

ص: 74

وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم السنّة ، فقال : «ثلاثة أيّام من كلّ شهر : الخميس والأربعاء والخميس يذهب ببلابل القلب ووحر الصدر ، الخميس والأربعاء والخميس ، وإن شاء الأربعاء والخميس ، وإن [شاء ]صام في كلّ عشرة أيّام فإنّ ذلك ثلاثون حسنة ، وإن أحبّ أن يزيد على ذلك فليزد» . (1) وعن عبداللّه بن سنان ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا كان في أوّل الشهر خميسان فصم أوّلهما ، فإنّه أفضل ، وإذا كان في آخره خميسان فصم آخرهما» . (2) وإنّما قلنا أوّل أربعاء في العشر الوسط مع إطلاق أكثر الأخبار ؛ لصراحة صحيحة حمّاد فيه ، ولأنّه مسارعة إلى الخير ، فدخل في قوله سبحانه : «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (3) ، وبه قال الشيخان (4) وابن البرّاج (5) وابن إدريس (6) على ما حكى عنهم في المختلف . (7) وخيّر بعض الأصحاب بينه وبين الأربعاء الثاني ، وأطلق أبو الصلاح هذه الأيّام ، فقال : «خميس في أوّله ، وأربعاء في وسطه ، وخميس في آخره» (8) . (9) وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «الخميس الأوّل من العشر الاُول ، والأربعاء الأخير من العشر الأوسط ، وخميس من العشر الأخير» ، (10) والأوّل أشهر .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 303 ، ح 915 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 136 ، ح 445 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 425 426 ، ح 13757 . وما بين الحاصرتين من مصادر الحديث .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 303 ، ح 916؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 136 137 ، ح 446 . ورواه الكليني في الكافي ، باب فضل صوم شعبان ... ، ح 13 ؛ والصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 83 ، ح 1792 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 416 ، ح 13737 .
3- .آل عمران (3) : 133 .
4- .المقنعة للمفيد ، ص 368 ؛ النهاية للطوسي ، ص 168 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 188 .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 417 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 510 .
8- .وبعده في الأصل : «فيها لو كان» .
9- .الكافي للحلبي ، ص 180 و 189 .
10- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 510 511 .

ص: 75

وقد ورد في هذه الأيّام طرق اُخرى رواها الشيخ عن أبي بصير ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الشهر ، فقال : «في كلّ عشرة أيّام يوم خميس وأربعاء وخميس ، والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء» . (1) وهو منقول عن ابن الجنيد ، (2) فيصوم في شهر أربعاء بين خميسين وفي شهر خميسا بين أربعائين ، وهكذا دائما . وعن داود ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الصيام ، فقال : «ثلاثة أيّام في الشهر : الأربعاء ، والخميس والجمعة» ، فقلت : إنّ أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين ؟ فقال : «لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعائين» . (3) وخيّر بين هذه الطرق كلّها ولا بأس به ، ولكنّ الترتيب الأوّل أظهر وأشهر ؛ لكثرة أخباره وشهرته بين الأصحاب ، حتّى أنّ الأكثر لم يتعرّضوا لغيره ، ويجوز تأخير هذه الأيّام من الصيف إلى الشتاء ؛ لما رواه الشيخ عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : صوم ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، أؤخّره إلى الشتاء ثمّ أصومها ؟ فقال : «لا بأس» . (4) وعن الحسين بن راشد ، قال : قلت لأبي عبداللّه أو لأبي الحسن عليهماالسلام : الرّجل يتعمّد الشهر في الأيّام القصار يصوم لسنة ؟ قال : «لا بأس» . (5) وروى الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي جعفر أو لأبي عبداللّه عليهماالسلام : إنّي قد اشتدَّ عليَّ صيام ثلاثة أيّام في كلّ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 303 ، ح 917 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 137 ، ح 447 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 429 ، ح 13769 .
2- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 511 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 304 ، ح 918 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 137 ، ح 448 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 429 ، ح 13768 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 314 ، ح 950 . ورواه الكليني في الكافي ، باب تأخير صيام الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاء ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 430 431 ، ح 13772 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 ، ح 949 ؛ ورواه الكليني في الكافي ، باب تأخير صيام الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاء ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 430 ، ح 13771 .

ص: 76

شهر ، أؤخّره في الصيف إلى الشتاء ، فإنّي أجده أهون عليَّ ؟ قال : «نعم ، فاحفظها» . (1) ومع المشقّة يجوز أن يفدي عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو درهم ؛ لصحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألته عمّن لم يصم الثلاثة الأيّام وهو يشتدّ عليه الصيام ، هل فيه فداء ؟ قال : «مدّ من طعام في كلّ يوم» . (2) وهذه الرواية وإن كانت مضمرة في رواية الشيخ ولكن مسندة إلى أبي عبداللّه عليه السلام في الفقيه . (3) وخبر صالح (4) بن عقبة ، عن عقبة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي كبرت وضعفت عن الصيام ، فكيف أصنع بهذه الثلاثة الأيّام في كلّ شهر ؟ فقال : «يا عقبة ، تصدّق بدرهم عن كلّ يوم» [قال : قلت : درهم واحد ؟] ، فقال : «لعلّها كثرت عندك وأنت تستقلّ الدرهم» ؟ قلت : إن نعم (5) اللّه عليَّ لسابغة ، فقال : «يا عقبة لإطعام مسلم خيرٌ من صيام شهر» . (6) وإذا فاتت عنه جاز قضاؤها متوالية ومتفرّقة ؛ لخبر عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه من الثلاثة الأيّام الشهر ، هل يصلح له أن يؤخّرها ويصومها في آخر الشهر ؟ قال : «لا بأس» . قلت : يصومها متوالية أو متفرّقة ؟ قال : «ما أحَبَّ ، إن شاء متوالية ، وإن شاء فرّق بينها» . (7)

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 84 ، ح 1795 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 430 ، ح 13770 .
2- .الكافي ، باب كفارة الصوم وفديته ، ح 4 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 83 ، ح 1793 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 ، ح 947 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 433 ، ح 13779 .
3- .اُنظر التعليق المتقدّم .
4- .في الأصل : «مسلم» ، والتصويب من المصدر .
5- .في الأصل : «أنعم» ، والتصويب من مصادر الحديث .
6- .الكافي ، باب كفّارة الصوم وفديته ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 313 ، ح 948 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 434 ، ح 13782 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 314 ، ح 951 . ورواه الكليني في الكافي ، باب تأخير صيام الثلاثة الأيّام ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 431 ، ح 13773 .

ص: 77

الثاني : صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، وهو صنفان : الأوّل وهو الأفضل : أوّل خميس من الشهر ، وآخر خميس منه ، وأربعاء في العشر الوسط أو خميس بين الأربعائين ، ويجيء في محلّه في الباب الثالث بعد هذا الباب . والثاني : صوم أيّام البيض : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر من كلّ شهر . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه فسّر أيّام البيض بثلاثة أيّام متفرّقة في كلّ شهر : أربعاء بين خميسين [الخميس الأوّل من العشر الأوّل ، والأربعاء الأخير من العشر الأوسط ، وخميس من العشر الأخير] (1) فهو غريب ، ويأتي أيضا في صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله . الثالث والرابع والخامس : صوم يوم مولد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل على المشهور بين الأصحاب ، وعند المصنّف قدس سره هو الثاني عشر منه على ما ذكره في باب مولده صلى الله عليه و آله ، (2) وصوم يوم المبعث ، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب ، اُنزلت النبوّة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصوم يوم الغدير ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهو يوم أمر فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنصب أمير المؤمنين عليه السلام إماما للناس ، وأنزل فيه : «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ» (3) ، وكان ذلك بغدير خمّ حين مراجعته من حجّة الوداع ، وقد أنزل قبل ذلك حين كان عليه السلام بمنى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» ، وهو عليه السلام سوّف تبليغه خوفا من أصحابه ؛ لما علم من معاداة أكثرهم لعليّ عليه السلام ، فلمّا سمع هذا التأكيد نزل بغدير خمّ ولم يكن منزلاً ، فأمر بإرجاع من مضى من العسكر وجمعهم ووضع له عليه السلام منبر من الرِّحال ، فصعد عليه وأخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام ورفعه حتّى رؤي بياض إبطيه ، وقال : «ألستُ أنا مولاكم ؟» فقالوا : نعم يارسول اللّه ، فقال : «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهُمَّ والِ مَن والاه وعادِ مَن

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 512 ، وما بين الحاصرتين منه .
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 439 .
3- .المائدة (5) : 67 .

ص: 78

عاداه ، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله» . 1 وعن محمّد بن اللّيث المكّي ، قال : حدّثني إسحاق بن عبداللّه العريضي العلوي ، قال : وجل في قلبي ما الأيّام التي تُصام ؟ فقصدت مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلاموهو [بِصَرْيا] (1) ولم أبد ذلك لأحدٍ من خلق اللّه ، فدخلتُ عليه ، فلمّا بصرني قال صلى الله عليه و آله : «يا إسحاق ، جئت تسألني عن الأيّام التي يُصام فيهنّ ، وهي أربعة : أوّلهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث اللّه تعالى محمّدا صلى الله عليه و آله إلى خلقه رحمةً للعالمين ، ويوم مولده صلى الله عليه و آله وهو السابع عشر من شهر ربيع الأوّل ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دُحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخاه عليّا عليه السلام عَلَما للناس وإماما من بعده» ، قلت : صدقت جعلت فداك ، لذلك قصدتك ؛ أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه . (2) فقد روى الشيخ عن الحسن بن راشد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : جُعلت

.


1- .من المصدر . وصريا قرية أسّسها موسى بن جعفر عليهماالسلام على ثلاثة أميال من المدينة . المناقب لابن شهر آشوب ، ج 3 ، ص 489 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 305 ، ح 922 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 441 ، ح 13796 .

ص: 79

فداك ، للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : «نعم يا حسن ، أعظمهما وأشرفهما» . قال : قلت : أيّ يومٍ هو ؟ قال : «هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام فيه عَلَما للناس» . قلت : جعلت فداك ، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : «تصومه يا حسن ، وتكثر الصلاة على محمّد [وآله] ، وتبرأ إلى اللّه عزّ وجلّ ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي يُقام فيه الوصيّ أن يُتّخذ عيدا» ، قال : قلت : فما لمَن صامه ؟ قال : «صيام ستّين شهرا ، ولا تدع صيام سبعة وعشرين من رجب ، فإنّه اليوم الذي اُنزلت فيه النبوّة على محمّد صلى الله عليه و آله ، وثوابه مثل ستّين شهرا لكم» . (1) وقد وردت ليوم الغدير أعمال وعبادات غير الصوم لا بأس بذكرها ، فقد روى الشيخ في التهذيب . (2) السادس : صوم يوم دحو الأرض ، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن عبداللّه الصيقل ، قال : خرج علينا أبو الحسن يعني الرضا عليه السلام بمرو في خمسة وعشرين من ذي القعدة ، فقال : «صوموا ، فإنّي أصبحت [صائما]». قلنا : جعلنا اللّه فداك ، أيّ يومٍ هو ؟ قال : «يوم نشرت فيه الرحمة ، ودُحيت فيه الأرض ، ونصبت فيه الكعبة ، وهبط فيه آدم عليه السلام » . (3) وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن عليّ الوشاء ، قال : كنت مع أبي وأنا غلام فتعشّينا عند الرِّضا عليه السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ، [فقال له : «ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة] (4) ولد فيها إبراهيم عليه السلام ، وولد فيها عيسى بن مريم ، وفيها دُحيت الأرض من تحت الكعبة ، فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستّين شهرا» . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 305 ، ح 921 . ورواه الكليني في الكافي ، باب صيام الترغيب ، ح 1 ؛ والصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 90 ، ح 1716 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 440 ، ح 13795 .
2- .كذا في الأصل ، والظاهر أنّ في العبارة سقط . وانظر : تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 24 ، ح 52 وما بعده .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 304 ، ح 920 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 4 ، ص 149 150 ، ح 4 من باب صيام الترغيب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 450 451 ، ح 13819 .
4- .أضيفت من المصدر .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 89 ، ح 1814 ؛ ثواب الأعمال ، ص 79 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 449 ، ح 13815 .

ص: 80

السابع : يوم عرفة ؛ لما رواه الشيخ عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «صوم يوم عرفة يعدل صوم السنة» ، وقال : «لم يصمه الحسن ، و[صامه] (1) الحسين» . (2) وما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «صوم يوم التروية كفّارة سنة ، ويوم عرفة كفّارة سنتين» . (3) وروى الصدوق : «أنّ في تسع من ذي الحجّة اُنزلت توبة داود عليه السلام ، فمَن صام ذلك اليوم كان كفّارة تسعين سنة » . (4) وقال العلّامة في المنتهى : «قد اتّفق العلماء على أنّ صومه في الجملة مستحبّ » . (5) وقوله : «في الجملة» إشارة إلى عدم استحبابه في مواضع : منها : على الإمام ، فإنّه لا يستحبّ له صومه ؛ لئلّا يتوهّم الناس أنّ صوم ذلك اليوم واجب . ويستفاد ذلك ممّا روي عن عبداللّه بن المغيرة ، عن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «أوصى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى عليّ عليه السلام وحده وأوصى [عليّ عليه السلام ]إلى الحسن والحسين جميعا عليهماالسلام ، وكان الحسن عليه السلام إمامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه السلام وهو يتغدّى والحسين عليه السلام صائم ، ثمّ جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة و هو يتغذّي وعليّ بن الحسين عليهماالسلام صائم فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن عليه السلام يتغدّى وأنت صائم ، ثمّ دخلت عليك وأنت مفطر ؟ فقال : «إنّ الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر ؛ لئلّا يتّخذ الناس صومه سنّة وليتأسّى به الناس ، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام ،

.


1- .في الأصل : «ما رواه» ، وما اُثبت من المصدر .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 900 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 432 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13859 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1807 ؛ ثواب الأعمال ، ص 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13828 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1808 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 454 ، ح 13829 ؛ وص 466 467 ، ح 13864 .
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 610 .

ص: 81

فأردت أن لا يتّخذ صومي سنّة فيتأسّى الناس بي» . (1) ويؤيّده ما روي أنّ رجلاً أتى الحسن والحسين عليهماالسلام فوجد أحدهما صائما والآخر مفطر ، فسألهما فقالا : «إن صمت فحسن ، وإن لم تصم فجائز» ، (2) ولا يبعد جريان ذلك في أكثر المندوبات . ثمّ الظاهر أنّ الساقط عن الإمام تأكّد استحبابه لا أصله ، وإلّا فقد صامه عليه السلام في حال إمامته على ما رواه سليمان الجعفريّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : «كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحارّ في الموقف ، ويأمر بظلّ مرتفع فيضرب له ، فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» . (3) ومنها : مع الشكّ في هلال ذي الحجّة ، فإنّه يكره حينئذٍ صومه ؛ لجواز أن يكون ذلك اليوم يوم عيد . ولرواية حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن صوم يوم عرفة ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة ؟ قال : «كان أبي لا يصومه» ، قلت : ولِمَ ذلك ؟ قال : «إنّ يوم عرفة يوم دعاء ومسألة ، وأتخوّف أن يُضعفني عن الدّعاء ، وأكره أن أصومه أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى ، وليس بيوم صوم» . (4) ومنها : ما لو أضعفه الصوم عن الدّعاء ؛ لأنّ هذا اليوم يوم دعاء ومسألة . ولخبر حنان المتقدّم ، وما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 88 ، ح 1810 ؛ علل الشرائع ، ج 2 ، ص 386 ، الباب 117 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 467 ، ح 13867 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 466 ، ح 13863 .
3- .تهذيب الاحكام ، ج 2 ، ص 298 ، ح 901 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 203 ، ح 13220 .
4- .علل الشرائع ، ج 2 ، ص 384 385 ، الباب 116 ، ح 1 . الفقيه ، ج 2 ، ص 88 ، ح 1811 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 903؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134133 ، ح 435 .

ص: 82

سألته عن صوم يوم عرفة ، قال : «مَن قوى عليه فحسن إن لم يمنعك عن الدُّعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» . (1) ويؤيّده ما رواه الصدوق عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم يوم عرفة قال : «إنّ شئت صمت ، وإن شئت لم تصم» . (2) ومنها : [ما] رواه ما عدا أبي حنيفة من فقهاء العامّة من كراهته للحاجّ مطلقا وإن لم يضعفهم عن الدّعاء ؛ (3) محتجّين بما نقلوه عن اُمّ الفضل بنت الحارث : أنّ اُناسا يمرّون بين يديها يوم عرفة فجاء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال بعضهم : صائم ، وقال بعضهم : ليس بصائم ، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفات ، فشربه النبيّ صلى الله عليه و آله . (4) وعن ابن عمر أنّه قال : حججتُ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يصمه يعني يوم عرفة [و ]مع أبي بكر فلم يصمه ، [ومع عمر فلم يصمه] ومع عثمان فلم يصمه ، وأنا لا أصومه ، ولا آمر به ولا أنهى عنه . (5) ويظهر جوابه ممّا ذكر من عدم استحبابه على الإمام . وفي المنتهى : «والجواب : أنّ هذه الأحاديث محمولة على أنّه عليه السلام لم يتمكّن من الصيام للعطش ، أو أنّه عليه السلام كان مسافرا ، أو للضعف والمنع عن الدّعاء » . (6) السابع : صوم يوم عاشوراء ، وهو مستحبّ حزنا لا للتبرّك على ما ذكر في المنتهى ، (7) ويأتي القول فيه في بابه .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 904 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13858 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 466 ، ح 13862 .
3- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 380 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 610 .
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 106 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 106 .
5- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 47 و 50 و 73 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 23 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 285 ، ح 7829 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 300 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 155 ، ح 2827 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 126 ، ح 748 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 369 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 9 ، ص 445 446 ، ح 5595 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 610 . وانظر بعض رواياته في موسوعة الإمامة ، ج 1 ، ص 187 216 ، ح 346 _ 411 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .

ص: 83

الثامن : صوم يوم المباهلة ، في المنتهى : هو الرابع والعشرون من ذي الحجّة ، فيه باهلَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنفسه وبأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام نصارى نجران ، (1) وفيه تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه في ركوعه ، ونزلت فيه : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (2) ، فيستحبّ صومه شكرا لهذه النِّعم الجسام . (3) كذا في المنتهى . واستحباب الصوم في هذا اليوم بخصوصه هو المشهور بين الأصحاب ، بل لم أجد مخالفا لهم ، ولم أجد نصّا عليه بخصوصه ، ويشكل الحكم به بمجرّد ما ذكر من التعليل . التاسع : صوم أوّل يوم من ذي الحجّة ، وفي المنتهى : «هو يوم ولد فيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وذلك نعمة عظيمة ينبغي مقابلتها بالشكر» . (4) وروي عن موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : «مَن صام أوّل يوم من [عشر]ذي الحجّة كتب اللّه له صوم ثماينن شهرا ، فإن صام التسع كتب اللّه عزّ وجلّ له صوم الدهر » . (5) قال ابن بابويه : وروي : «أنّ في أوّل يوم من ذي الحجّة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام فمَن صام ذلك اليوم كان كفّارة ستّين سنة » . (6) أمّا الشيخ رحمه الله فقد روى عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
2- .ورد في ذلك روايات كثيرة ، نقل كثيرا منها الحسكاني في شواهد التنزيل ، ج 1 ، ص 183 _ 200 ، ح 170 _ 178 . وراجع : موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة ، ج 1 ، ص 132 _ 158 ،254 _ 290 .
3- .المائدة (5) : 55 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 . وانظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 709 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 194 ، المسألة 130 ؛ الحدائق الناظرة ، ج 13 ، ص 380 ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 184 .
5- .ثواب الأعمال ، ص 74 ، ثواب عشرة ذى الحجة . الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1806 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13827 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1808 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13829 .

ص: 84

الرضا عليه السلام قال : «وفي أوّل يوم من ذي الحجّة ولد إبراهيم خليل الرحمن ، فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا» . (1) وقيل : «إنّ فاطمة عليهاالسلام تزوّجت في ذلك اليوم ، وقيل : في السادس من ذي الحجّة ، فيستحبّ صومهما معا ؛ لإدراك فضيلة الوقت » . (2) ثمّ قال : ويستحبّ صوم عشر ذي الحجّة إلّا يوم العيد ، ولا نعلم في الحكمين خلافا ؛ لأنّها أيّام شريفة مفضّلة ، يضاعف فيها العمل ، ويستحبّ فيها الاجتهاد بالعبادة . (3) روى الجمهور عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما من أيّام العمل الصالح فيهنّ أحبّ إلى اللّه من هذه الأيّام العشرة» ، قالوا : يارسول اللّه ، ولا الجهاد في سبيل اللّه ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ولا الجهاد في سبيل اللّه ، إلّا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» . (4) وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ما من أيّام أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ بأن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجّة ، يعدل صيام كلّ يوم منها بصيام سنة ، وقيام كلّ ليلة بقيام ليلة القدر» . (5) وعن بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله قالت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم تسع ذي الحجّة ويوم عاشوراء . (6) ومن طرق الخاصّة ما رواه ابن بابويه عن الكاظم عليه السلام : «أنّ من صام التسع كتب اللّه له صوم الدهر» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 304 ، ح 919 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 452 453 ، ح 13825 .
2- .مصباح المتهجّد ، 671 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 612 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 194 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 612 .
4- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 129 ، ح 754 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 224 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 550 ، ح 1727 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 545 ، ح 2438 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 4 ، ص 273 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 2 ، ص 30 .
5- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 129 ، ح 755 ؛ كنزالعمّال ، ج 5 ، ص 68 ، ح 12088 .
6- .مسند أحمد ، ج 5 ، ص 271 ، و ج 6 ، ص 288 و 423 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 545 ، ح 2437 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 285 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 87 ، ح 1806 ؛ ثواب الأعمال ، ص 73 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 453 ، ح 13827 .

ص: 85

العاشر : صوم رجب كلّه ، وفي المنتهى : وهو قول علمائنا ، وكره أحمد صومه كلّه إلّا لصائم السنّة ، فيدخل ضمنا . (1) لنا : أنّه شهر شريف معظّم في الجاهليّة والإسلام ، وهو أحد الأشهر الحرم المعظّمة عند اللّه تعالى ، فكان إيقاع الطاعات فيه أفضل من غيره . ويؤيّده ما رواه المفيد رحمه الله عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن صام رجبا كلّه كتب اللّه له رضاه ، ومن كتب له رضاه لم يعذّبه» . (2) وعن كثير بيّاع النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ نوحا عليه السلام ركب السفينة في أوّل يوم من رجب» ، وقال : «مَن صامه تباعدت عنه النار مسير سنة ، ومَن صام سبعة أيّام منه اُغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومَن صام ثمانية فُتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومَن صام خمس عشرة اُعطي مسألته ، ومَن صام خمسة وعشرين قيل له : استأنف العمل فقد غفر اللّه لك ، ومَن زاد زاده اللّه عزّ وجلّ» . (3) وعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «رجب نهرٌ في الجنّة أشدّ بياضا من اللّبن وأحلى من العسل ، مَن صام يوما من رجب سقاه اللّه من ذلك النهر . (4) وكان أمير المؤمنين عليه السلام يصومه ويقول : رجب شهري ، وشعبان شهر رسول اللّه ، وشهر رمضان شهر اللّه » . (5) قال : روى سلمان الفارسي رحمه الله في حديث طويل عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «وكتب له بصوم كلّ يومٍ يصومه منه عبادة سنة ، ورفع له ألف درجة ، فإن صام الشهر كلّه أنجاه اللّه عزّ وجلّ من النار ، وأوجب له الجنّة ، يا سلمان ، أخبرني بذلك جبرئيل عليه السلام » . (6) واحتجّ أحمد بما رواه خرشة بن الحرّ ، قال : رأيت عمر يضرب أكفّ المترجّبين حتّى

.


1- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 107 ؛ كشاف القناع ، ج 2 ، ص 394 ؛ الإنصاف ، ج 3 ، ص 346 .
2- .المقنعة ، ص 372 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 480 ، ح 13893 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 306 ، ح 923 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 472 ، ح 13880 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1821 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 306 ، ح 924 ؛ ثواب الأعمال ، ص 53 ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 23 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 472 473 ، ح 13881 .
5- .مسار الشيعة ، ص 56 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 797 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 480 ، ح 13894 .
6- .مصباح المتهجّد ، ص 818 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 97 98 ، ح 1071 .

ص: 86

يضعوها في الطعام ، ويقول : كلوا فإنّما هو شهرٌ كانت تعظّمه الجاهليّة . (1) وعن ابن عمر أنّه كان إذا رأى الناس وما يعدّون لرجب كرهه ، وقال : صوموا منه وافطروا . (2) ودخل أبو بكر على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال : ما هذا ؟ فقالوا : رجب نصومه ، قال : أجلعتم رجب رمضان ، فأكفأ السلال ، وكسر الكيزان . والجواب ما نقلناه أولى ؛ لموافقته عموم الأمر بالصوم خصوصا في هذا الشهر الشريف عند الجاهليّة وأهل الإسلام . (3) ونقل أحمد عن عمر : أنّه إنّما كان يعظّمه الجاهليّة ، يقتضي عدم العرفان بفضل هذا الشهر الشريف في الشريعة المحمّدية صلى الله عليه و آله ، وكذا أمر ابن عمر وأبي بكر بترك صومه يدلّ على قلّة معرفتهما بفضل هذا الشهر ،وبالجهل لاعتداد بعض هؤلاء بترك صومه مع ما نقلناه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام . (4) انتهى . وأظنّ أنّ أمر هؤلاء بترك صومه إنّما كان حسدا منهم على عليّ عليه السلام حيث سمعوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ رجب شهره عليه السلام . الحادي عشر : صوم شعبان كلّه ، فعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن صام شعبان كان طهورا له من كلّ زلّة ووصمة وبادرة» . قال أبو حمزة : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما الوصمة ؟ قال : «اليمين في المعصية والنذر في المعصية» ، فقلت : ما البادرة ؟ قال : «اليمين عند الغضب ، والتوبة منها الندم عليها» . 5 وعن صفوان بن مهران الجمّال ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «حثّ من كان في ناحيتك على صوم شعبان» ، فقلت : جُعلت فداك ، ترى فيه شيئا ؟ فقال : «نعم ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا رأى هلال شعبان أمر مناديا ينادي في المدينة : يا أهل يثرب ، إنّي

.


1- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 107 .
2- .المصدران المتقدّمان ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 513 ، كتاب الصيام ، الباب 114 ، ح 4 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 612 613 ، وفي المذكور هنا تلخيص .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1823 ؛ ثواب الأعمال ، ص 58 59 ، ثواب صوم شعبان ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 488 ، ح 13919

ص: 87

رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم ، ألا إنّ شعبان شهري ، فرحمَ اللّه مَن أعانني على شهري» . ثمّ قال : «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول : ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينادي في شعبان ، ولن يفوتني في أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء اللّه تعالى » . ثمّ كان عليه السلام يقول : «شهرين متتابعين توبةٌ من اللّه » . (1) وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : هل صام أحدٌ من آبائك شعبان قطّ ؟ فقال : «صامه خير آبائي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (2) ومثله روى سماعة عن أبي عبداللّه عليه السلام . (3) وعن أبي الصباح الكناني ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبةٌ من اللّه » . (4) وعن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان ؟ قال : «هما الشهران اللّذان قال اللّه تعالى : «شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللّهِ» (5) » ، قال : قلت : فلا يفصل بينهما ؟ قال : «إذا أفطر من الليل فهو فصل ، وإنّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا وصال في صيام ؛ يعني أن لا يصوم الرجل يومين متوالين من غير إفطار ، وقد يستحبّ للعبد أن لا يدع السحور» . (6) وعن عمرو بن خالد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم شعبان وشهر

.


1- .مصباح المتهجّد ، ص 825 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 508 ، ح 13796 .
2- .الكافي ، باب فضل صوم شعبان ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 308 ، ح 931 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 485 486 ، ح 13913 .
3- .الكافي ، ح 1 من باب فضل صوم شعبان ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 308 ، ح 930 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 486 ، ح 13915 .
4- .الكافي ، باب فضل صوم شعبان ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 307 ، ح 925 ؛ الاستبصار ، ص 137 ، ح 449 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 495 ، ح 13944 .
5- .النساء (4) : 92 .
6- .الحديث الخامس من باب فضل صوم شعبان من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 307 ، ح 927 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 138 139 ، ح 452 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 496 ، ح 13946 .

ص: 88

رمضان ، ونهى الناس أن يصلوهما ، وكان يقول : هما شهر اللّه ، وهما كفّارة لما قبلهما وما بعدهما » . (1) وروى المفيد عن زيد الشحّام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : هل صام أحدٌ من آبائك شعبان ؟ قال : «نعم كان آبائي يصومونه ، وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه ، فمَن صام منكم شعبان حتّى يصله بشهر رمضان كان حقّا على اللّه أن يعطيه جنّتين ، (2) ويناديه ملك من بطان العرش عند إفطاره كلّ ليلة : يا فلان ، طبت وطاب لك الجنّة ، وكفى بك أنّك سررت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد موته» . (3) وعن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ذلك تخفيفٌ من ربّكم» . (4) وفي المنتهى : وهذه الليلة التي أمر بالاغتسال فيها هي مولد مولانا صاحب الزمان عليه السلام ، وقد ورد في فضل هذه الليلة والعبادة فيها شيءٌ كثير ، وهي أحد الليالي الأربعة : ليلة الفطر ، وليلة الأضحى ، وليلة النصف من شعبان ، وأوّل ليلة من رجب . (5) وقال الشيخ في التهذيب : وأمّا الأخبار التي رُويت في النهي عن صوم شعبان وأنّه ما صامه أحد من الأئمّة عليهم السلام فالمراد بها أنّه لم يصمه أحد من الأئمّة معتقدين وجوبه وفرضه ، وأنّه يجري مجرى شهر رمضان ؛ لأنّ قوما قالوا : إنّ صومه فريضة ، وقال : كان أبو الخطّاب وأصحابه

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 93، ح 1826؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 307، ح 926؛ الاستبصار، ج 2، ص 137 138، ح 450؛ ثواب الأعمال، ص 60، ثواب صوم شعبان؛ فضائل الأشهر الثلاثة، ص 51 52، ح 27؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 496 497، ح 13947.
2- .في الأصل : «حسنتين» ، والتصويب من المصدر .
3- .المقنعة ، ص 374 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 507 508 ، ح 13975 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 308 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 853 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 335 ، ح 3804 ، و ج 10 ، ص 492 ، ح 13931 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 613 .

ص: 89

يذهبون إليه ويقولون : إنّ من أفطر يوما منه لزمه من الكفّارة ما يلزم مَن أفطر يوما من شهر رمضان ، فورد عنهم عليهم السلام الإنكار لذلك ، وأنّه لم يصمه أحدٌ منهم على هذا الوجه . (1) وفي المنتهى : «والأخبار التي تضمّنت الفصل بينه وبين شهر رمضان فالمراد بها النهي عن الوصال الذي بيّناه فيما مضى أنّه محرّم » . (2) ويعني به أن لا يفطر لليله الأوّل من شهر رمضان . وقد ورد الصوم في بعض أيّام منه بخصوصها ، ففي المنتهى : وخرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد عليه السلام : «أنّ مولانا الحسين عليه السلام ولد لثلاث خلون من شعبان فصمه» . (3) وعن الحسن بن محبوب ، عن عبداللّه بن حزم (4) الأزدي ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «مَن صام أوّل يوم من شعبان وجبت له الجنّة ، ومن صام يومين نظر اللّه إليه في كلّ يوم وليلة في دار الدنيا ، ودام نظره إليه في الجنّة ، ومَن صام ثلاثة أيّام زار اللّه في عرشه في جنّته كلّ يوم» . (5) الثاني عشر : صيام كلّ جمعة ، وفي المنتهى : وبه قال أبو حنيفة ومالك ومحمّد . وقال أحمد وإسحاق وأبو يوسف : يكره إفراده بالصوم إلّا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه ، مثل من يصوم يوما ويفطر يوما ، فيوافق صومه يوم الجمعة ، وكذا من عادته صيام أوّل يوم من الشهر أو آخره فيوافقه . (6) لنا : أنّ الصوم في نفسه طاعة ، وهذا يومٌ شريف تضاعف فيه الحسنات ؛ ولأنّه يوم فأشبه

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 613 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 309 ، ذيل ح 932 .
3- .المصدر المتقدّم . والحديث في مصباح المتهجّد ، ص 826 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 7 ، ص 538 ، (8837) .
4- .كذا بالأصل ، ومثله في مصباح المتهجّد ، وفي سائر المصادر : «عبد اللّه بن مرحوم» .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 92 ، ح 1824 ؛ ثواب الأعمال ، ص 59 ؛ ثواب صوم شعبان ؛ فضائل الأشهر الثلاثة ، ص 57 ، ح 36 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 825 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 489 ، ح 13920 .
6- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 438 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 3 ، ص 98 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 107 108 ، وفي الجميع المنقول عن الثلاثة الاول عدم الكراهة لا الاستحباب .

ص: 90

سائر الأيّام . ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ عن ابن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : رأيته صائما يوم جمعة ، فقلت له : جُعلت فداك ، إنّ الناس يزعمون أنّه يوم عيد ؟ فقال : «كلّا إنّه يوم خفض ودعة » . (1) احتجّ المخالف بما رواه أبو هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى أن يفرد يوم الجمعة بالصوم . (2) وعن جويرية بنت الحارث : أنّ النبيّ عليه السلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال : «صمت أمس ؟» قالت : لا ، قال : «فتريدين أن تصومي غدا ؟» قالت : لا ، قال : «فافطري» . (3) وسأل رجل جابر بن عبداللّه وهو يطوف ، فقال : أسمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن صيام يوم الجمعة ؟ قال : نعم وربّ هذا البيت . (4) وهذه الأخبار متأوّلة مختصّة بمن يضعف فيه عن الفرائض وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «لا يستحبّ إفراد يوم الجمعة بصيام ، فإن تلى به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز» ؛ (5) محتجّا بما رواه عبد الملك بن عمير ، (6) قال : سمعت رجلاً من بني الحارث بن كعب قال : سمعت أبا هريرة يقول : ليس أنا أنهي

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 316 ، ح 959 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 412 413 ، ح 13629 .
2- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 154 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 541 ، ح 2420 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 123 ، ح 740 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 302 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 142 ، ح 2756 و 2757 ؛ صحيح ابن حبّ_ان ، ج 8 ، ص 378 .
3- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 189 ؛ و ج 6 ، ص 324 و 430 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 541 ، ح 2422 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 435 436 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 280 ، ح 7804 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 142 ، ح 2753 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 12 ، ص 490 ،7066 ؛ صحيح ابن حبّ_ان ، ج 8 ، ص 376 . وفي بعضها لم يصرّح باسم جويرية .
4- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 296 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 153 154 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 549 ، ح 1724 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 281 ، ح 7808 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 514 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 140 ، ح 2745 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 505 .
6- .في الأصل : «عميرة» ، والتصويب من مصادر الحديث وترجمة الرجل .

ص: 91

عن صوم يوم الجمعة ، ولكن سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لا تصوموا يوم الجمعة ، إلّا أن تصوموا قبله أو بعده» . (1) وأجاب عنه بما ذكره الشيخ : أنّ طريقه رجال العامّة لا يعمل به . الثالث عشر : صيام كلّ خميس ، وألحق في المنتهى به يوم الإثنين ؛ (2) محتجّا بما رواه المصنّف من حديث الزهري ، (3) وبما رواه داود بإسناده عن اُسامة بن زيد : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يصوم الإثنين والخميس ، فسُئِلَ عن ذلك ، فقال : «إنّ أعمال الناس تُعرض يوم الإثنين والخميس» . (4) وفي المختلف : قال ابن الجنيد : وصوم الإثنين والخميس منسوخ ، وصوم السبت منهيٌّ عنه ، ولم يثبت عندي شيء من ذلك ، ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك . نعم ، قد روى جعفر بن موسى عن الرضا عليه السلام قال : «ويوم الإثنين يوم نحس ، [قبض اللّه فيه نبيّه صلى الله عليه و آله ، وما اُصيب آل محمّد إلاّ في يوم الاثنين ]فتشآئمنا به وتبرّك به أعداؤنا ، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين عليه السلام وتبرّك به ابن مرجانة ، وتشاءم به آل محمّد ، ومن صامهما أو تبرّك بهما لقى اللّه ممسوخ القلب ، وكان محشره مع الذين سنّوا صومهما وتبرّك بهما» ، (5) فإن صحّ هذا السند كان صوم الإثنين مكروها ، وإلّا فلا . (6) الرابع عشر : صيام ستّة أيّام من شوّال بعد يوم الفطر ، وفي المنتهى : وبه قال الشافعيّ وأحمد وأكثر أهل العلم . (7)

.


1- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 458 ؛ مسند الطيالسي ، ص 338 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 90 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 78 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 614 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 19 20 ؛ مسند الطيالسي ، ص 87 88 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 147 148 ، ح 2781 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 299 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 652 ، ح 24576 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 301 ، ح 911 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 460 461 ، ح 13848 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 505 506 .
7- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 470 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 379 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 102 عن الشافعي ؛ ومثله في الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 102 ؛ شرح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 56 .

ص: 92

وقال أبو يوسف : كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياما ؛ خوفا أن يلحق ذلك بالفريضة . (1) وحكى مثل ذلك عن محمّد بن الحسن . وقال مالك في الموطّأ : يكره ذلك ، ويقول : ما رأيت أحدا من أهل الفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف ، وأنّ أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته ، وأن يلحق الجهّال برمضان ما ليس منه (2) . (3) لنا ما رواه الجمهور عن أبي أيّوب ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن صام رمضان وأتبعه بستّ من شوّال فكأنّما صام الدّهر» . (4) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في حديث الزهري . (5) وأنكره الصدوق رضى الله عنه (6) وهو أظهر ؛ لأنّ أخباره عاميّة لا اعتماد عليها ، ولأخبار كثيرة وردت في النهي عنه ، منها : ما روى في المنتهى (7) عن الشيخ عن حريز ، عنهم عليهم السلام قال : «إذا أفطرت من رمضان فلا تصومنّ بعد الفطر تطوّعا إلّا بعد ثلاث يمضين» . 8 وأمّا الصوم المكروه فهو ثلاثة : الأوّل : صوم عرفة لمن يضعفه عن الدّعاء أو مع الشكّ في الهلال ؛ لما تقدّم . الثاني : صوم النافلة في السفر عدا ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة ، ويأتي القول فيه في باب صوم التطوّع في السفر .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 614 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 78 .
4- .الموطّأ ، ج 1 ، ص 311 . وحكاه عن مالك ابن قدامة في المغني ، ج 3 ، ص 103 104، وأبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع، ج 2، ص 78، وعبدالرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 102 103 ؛ و ابن عبد البرّ في الاستذكار ، ج 3 ، ص 379 .
5- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 544 ، ح 2433 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 547 ، ح 1716 وفيه : «كان كصوم الدهر» .
6- .انظر: الفقيه، ج 2، ص 80 ، و عبّر قدس سره في الجميع بالصوم الذي يكون صاحبه بالخيار. المقنع، ص 181؛ الهداية، ص 201.
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 899 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 132 ، ح 431 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 519 ، ح 14009 .

ص: 93

الثالث : صوم الضيف نافلة بدون إذن المضيِّف ، وصوم الولد بدون إذن والده ونظائرهما ممّا يأتي في باب من لا يجوز له صيام التطوّع إلّا بإذن غيره . وأمّا صوم المحرّم فهو تسعة : صوم يوم العيدين ، وأيّام التشريق ، وصوم يوم الشكّ بنيّة أنّه من رمضان ، وصوم الواجب في السفر عدا ما استثني ، وتجيء هذه في محالّها ، وصوم الوصال ، وصوم الدهر ، وتجيء هذه في أبوابها ، وصوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا ، وأجمع الأصحاب على تحريمه . ويدلّ عليه خبر الزهري ، وهو قد كان مشروعا في الاُمم السالفة ، قال اللّه تعالى حكايةً عن مريم عليهاالسلام : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْما فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّا» (1) . السابع والثامن : صوم المريض المتضرّر بالصوم بزيادة المرض أو بط ء برئه ، والمرجع في ذلك إلى الإنسان نفسه ؛ لقوله سبحانه : «بَلْ الْاءِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (2) . والصوم الواجب سفرا عدا ما استثنى من ثلاثة بدل الهدي . والنذر المقيّد بالسفر أو به وبالحضر أيضا . والثمانية عشر بدل البدنة لهما ؛ لقوله سبحانه : «وَمَنْ كَانَ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (3) ، أيفعليكم عدّة من أيّامٍ اُخر ، وهو يدلّ على وجوب الإفطار وصوم بدله ، والأخبار فيهما متظافرة ، فيدلّ على الأوّل ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصائم إذا خاف على عينه من الرّمد أفطر » . (4) وقال عليه السلام : «كلّما أضرَّ به الصوم فالإفطار له واجب» . (5) وفي الصحيح عن بكر بن محمّد الأزدي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سأله أبي وأنا أسمع عن حدّ المرض الذي يترك فيه الإنسان الصوم ؟ قال : «إذا لم يستطع أن يتسحّر» . (6)

.


1- .مريم (19) : 26 .
2- .القيامة (75) : 14 .
3- .البقرة (2) : 185 .
4- .. الفقيه ، ج 2 ، ص 132 133 ، ح 1945؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 218 ، ح 13259 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 133 ، ح 1946 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 219 ، ح 13262 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 132 ، ح 1943 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 219 ، ح 13261 .

ص: 94

وفي الصحيح عن جميل بن درّاج ، عن الوليد بن صبيح ، قال : حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان ، فبعث لي أبو عبداللّه عليه السلام بقصعة فيها خلّ وزيت ، فقال : «افطر وصلِّ وأنت قاعد» . (1) وفي الموثّق عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : ما حدّ المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيامُ ؟ فقال : «بل الإنسان على نفسه بصيرة ، وهو أعلم بما يطيقه» . (2) وما رواه الشيخ في الحسن ، عن ابن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه ؟ والمرض الذي يدع صاحبهُ الصلاة ؟ فقال : «الإنسان على نفسه بصيرة» ، وقال : «ذاك إليه ، وهو أعلم بنفسه» . (3) وفي المنتهى : «قد أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة » . (4) وهل المرض الذي يجب معه الإفطار ما يزيد في مرضه لو صام ، أو يبطؤ البرء معه ؟، وعليه أكثر أهل العلم . وحكي عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر لكلّ من مرض ، سواء زاد في المرض أو لم يزد ، واحتجّوا بعموم قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا» (5) . والجواب : أنّها مخصوص (6) وهل الصحيح الذي يخشى المرض بالصوم كالمريض يُباح له الفطر ؟

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 132 ، ح 1942 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 482 ، ح 7115 ؛ وج 10 ، ص 217 ، ح 13258 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 133 ، ح 1941 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 495 ، ح 7152 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 114 ، ح 371 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 256 ، ح 758 . والحديث في الكافي ، باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيه ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 494 ، ح 7151 ، و ج 10 ، ص 220 ، ح 13265 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 .
5- .البقرة (2) : 184 .
6- .المصدر المتقدّم ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 150 .

ص: 95

باب أدب الصائم

في المنتهى : فيه تردّد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة المرض ، ومن كون المريض إنّما يُباح له الفطر لأجل الضرر ، وهو حاصل هنا ؛ لأنّ الخوف من تجدّد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله . (1) وأمّا المسافر فقد أجمع الأصحاب على وجوب الإفطار عليه في شهر رمضان وعدم جواز الصوم له ، وأنّه لو صام عالما فهو لم يجزه . وحكاه في المنتهى (2) عن أبي هريرة وستّة من الصحابة وأهل الظاهر من العامّة ، وعن باقي الجمهور جواز الصوم له . وأنّهم اختلفوا في الأفضل من الصوم والإفطار ؛ فعن الشافعيّ ومالك وأبي حنيفة وأبي ثور : أنّ الصوم أفضل له . وعن ابن عبّاس وابن عمر وأحمد والأوزاعيّ وإسحاق : أنّ الفطر أفضل . 3 ويأتي القول فيه في باب كراهية الصوم في السفر . وأمّا الصوم الواجب ممّا عدا رمضان فالمشهور تحريمه أيضا ، إلّا [ال] ثلاثة الأيّام بدل الهدي ، والثمانية عشر في البدنة ، والنذر المقيّد بالسفر ، ويأتي القول فيه أيضا . وصوم نذر المعصية بجعل الصوم جزاءً للشكر على ترك واجب أو فعل محرّم ، أو زجرا على العكس ، وصوم المملوك والزوجة تطوّعا بدون إذن المولى والزوج على قول يأتي في محلّه .

باب أدب الصائمأراد قدس سره بالأدب هنا المعنى العام الشامل للواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه والمستحبّ بقرينة أخبار الباب ، وقد ذكر المصنّف المكروهات والمستحبّات في

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 597 .
2- .فتح العزيز، ج 4 ، ص 474 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 265 266 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص 247؛ بداية المجتهد ، ج 1، ص 237 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7، ص 229 ؛ فتح الباري، ج 4، ص 159 160؛ عمدة القاري، ج 11، ص 43 .

ص: 96

أبواب متفرّقة تجيء ، فلنتكلّم على الواجبات والمحرّمات ، فنقول : يجب على الصائم في النهار الإمساك عن عشرة اُمور : الأوّل : الأكل والشرب المعتادين عند أهل العلم أجمع ، وغير المعتادة أيضا عند أكثر الأصحاب ، منهم السيّد المرتضى في الناصريّات مدّعيا عليه الإجماع ، حيث قال : «لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا تعمّده أنّه يفطر مثل الحصا والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب » . (1) وحكاه في المنتهى عن عامّة أهل الإسلام ؛ لعموم قوله تعالى : «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» (2) ، ولصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان بلال يؤذِّن للنبيّ صلى الله عليه و آله حتّى يطلع الفجر ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم» . (3) وصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام فقلت : متى يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر ؟ فقال : «إذا اعترض الفجر وكان كالقبطيّة البيضاء فثمّ يحرم الطعام وتحلّ الصلاة صلاة الفجر» ، قلت : فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس ؟ فقال : «هيهات وأين تذهب ؟! تلك صلاة الصبيان» . (4) وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الأكل والشرب ، والنساء ، والارتماس في الماء» . (5)

.


1- .الناصريّات ، ص 294 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 184 185 ، ح 513 . ورواه الكليني في الكافي ، باب الفجر ما هو ومتى يحلّ ومتى يحرم الأكل ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 111 ، ح 12987 .
4- .الكافي ، باب الفجر ما هو ... ، ح 5 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 130 ، ح 1934 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 185 ، ح 514 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 209 ، ح 4941 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 107 ، ح 1853 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 189 ، ح 535 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .

ص: 97

وفي المختلف : «قال السيّد المرتضى : الأشبه أنّه ينقض الصوم ولا يبطله . (1) واختاره ابن الجنيد » ، (2) ثمّ قال : احتجّ السيّد المرتضى بأنّ تحريم الأكل والشرب إنّما ينصرف إلى المعتاد ، ولأنّه المتعارف فيبقى الباقي على أصل الإباحة . والجواب المنع من تناول المعتاد خاصّة ، بل يتناول غير المعتاد أيضا ؛ ولأنّ العادة لو كانت قاضية على الشرع لزم استناد التحليل والتحريم الشرعيّين إلى اختيار المكلّفين ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله . بيان الشرطيّة : أنّ العادة قد تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأصقاع ، فلو اعتاد قوم أكل شيءٍ بعينه كان التحريم مختصّا به بالنسبة إليهم ، ولو اعتاد آخرون أكل غيره كان الأوّل حلالاً بالنسبة إليهم ، [والثانى يكون حراما بالنسبة إليهم] . وأمّا بطلان التالي فظاهر ؛ إذ الأحكام منوطة بالمصالح الخفيّة عن العباد ، والشرع كاشف لها . (3) وهذا القول قريب من قول الحسن بن صالح ، أنّه قال : «لا يفطر ما ليس بطعام ولا شراب » ، وفعل أبي طلحة أنّه كان يأكل البرد في الصوم ، ويقول : إنّه ليس طعام ولا شراب . (4) وقول أبي حنيفة : أنّه لو ابتلع حصاة أو فستقة بقشرها لم تجب الكفّارة ، وأنّه كان يعتبر في إيجاب الكفّارة ما يتغدّى أو يتداوى به . (5) الثاني : الجماع قبلاً مطلقا ودبرا مع الإنزال ، ونفي الخلاف عن أهل العلم فيهما في المنتهى ؛ (6) أمّا الأوّل فيدلّ عليه قوله سبحانه : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ» (7) إلى قوله سبحانه _ :

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 54).
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 387 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 387 389 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 317 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 36 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 36 .
6- .المغني ، ج 3 ، ص 50 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 64 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 563 .

ص: 98

«حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ» ، وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة . (1) واحتجّ على الثاني بالإجماع ، وبما دلّ على فساد الصوم بالإنزال ، وسيأتي . وأمّا الوطئ في دبر المرأة والغلام مع عدم الإنزال ووطئ الميتة والبهيمة ففيه خلاف يبتني على الخلاف في إيجابه للغسل ، وقد تقدّم القول فيه . وقد سبق أنّ السيّد المرتضى (2) وابن إدريس (3) وابن حمزة (4) وجماعة اُخرى أوجبوا الغسل به ، (5) فيقولون بالإفطار هنا أيضا . وفي الخلاف ادّعى الإجماع على إفساده للصوم ، فقال : «إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفّارة » . (6) واحتجّ عليه بالإجماع . وبه قال في المبسوط (7) أيضا ، وهو مبنيّ على اختياره في كتاب النكاح من المبسوط من وجوب الغسل بالوطي في دبر المرأة والغلام ، (8) وفي كتاب الصوم منه من قوّة وجوب الغسل بوط ء البهيمة ، (9) وعلى ما اختاره في النهاية (10) والاستبصار (11) من عدم إيجابه للغسل يلزم أن لا يقول بإفساده للصوم أيضا . وفي المنتهى : (12) وقال الشيخ يعني في وطي البهيمة : «لا يجب الغسل ويفطر » . 13

.


1- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .
2- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 180 181 ؛ والمختصر النافع ، ص 8 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 183 و 185 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 110 111 .
4- .الوسيلة ، ص 55 .
5- .منهم العلّامة في المنتهى المطلب ، ج 2 ، ص 185 ، وانظر : ذخيرة المعاد للسبزواري ، ج 1 ، ص 50 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 190 ، المسألة 41 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 270 .
8- .المبسوط ، ج 4 ، ص 243 .
9- .النهاية ، ص 19 .
10- .الاستبصار ، ج 1 ، ص 112 ، ذيل ح 373 .
11- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
12- .الخلاف ، ج 2 ، ص 191 ، المسألة 42 .

ص: 99

ورجّح في المنتهى والمختلف وجوب الغسل وثبوت الإفطار في الجميع ؛ معلّلاً بأنّه وطئ حيوانا في جوفه فوجب تعلّق الحكمين به . (1) ويرد عليه منع الملازمة لأصالة عدم تعلّق الحكمين ، وانتفاء دليل يعتدّ به خصوصا في الحكم بكونه مفطرا ، فقد ورد في بعض الأخبار نفيه في دبر المرأة الموطوءة في الدبر ، فقد روى الشيخ عن عليّ بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أتى المرأة في الدّبر وهي صائمة لم ينقض صومها ، وليس عليها غسل» . (2) وعن أحمد بن محمّد ، عن بعض الكوفيّين يرفعه إلى أبي عبداللّه عليه السلام ، قال في الرجل يأتي المرأة فى دبرها وهي صائمة ، قال : «لا ينقض صومها ، وليس عليه غسل» . (3) ولا قائل بالفصل بين الفاعل والمفعول ، ولا في المفعول بين المرأة وغيرها . والخبران وإن كانا غير صحيحين إلّا أنّهما مؤيّدان بالأصل من غير معارض يعتدّ به . الثالث : الإنزال نهارا على أيّ وجه كان ، بالاستمناء أو بالملاعبة أو بالقُبلة ونحوها ، والمراد بالاستمناء طلب الإمناء مع حصوله بغير الجماع ، ونفى عنه أيضا في المنتهى الخلاف ، (4) وظاهره وفاق أهل العلم عليه . واحتجّ عليه بصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن [الرجل ]يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني ؟ قال : «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» . (5) وخبر سماعة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : «عليه إطعام ستّين

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 390 ، والتعليل في المنتهى .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 319 320 ، ح 977 ؛ وج 7 ، ص 460 ، ح 1843 ؛ وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 147 ، ح 25267 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 319 ، ح 975 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 200 ، ح 1923 .
5- .الكافي ، باب من أفطر متعمّدا من غير عذر ، أو جامع متعمّدا في شهر رمضان ، ح 4 ؛ و باب المحرم يقبّل امرأته ... ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 206 207 ، ح 597 ؛ وص 273 ، ح 826 ؛ وج 5 ، ص 324 ، ح 1114 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 81 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12776 ؛ وج 13 ، ص 131 ، ح 17408 .

ص: 100

مسكينا ، مدّا لكلّ مسكين» . (1) وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق ؟ قال : «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكينا ، أو يعتق رقبة» . (2) ومرسلة حفص بن سوقة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في رمضان ، فيسبقه الماء فينزل ، فقال : «عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع» ، (3) وليحمل الإمذاء على الإمناء . وفي خبر رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لامسَ جاريته في شهر رمضان فأمذى ؟ قال : «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفارا لا يعود أبدا ، ويصوم يوما مكان يوم ، وإن كان حلالاً يستغفر اللّه ولا يعود ، ويصوم يوما مكان يوم» . (4) وقد عمل بظاهره ابن الجنيد حيث قال على ما حكاه عنه في المختلف : «لا بأس يعني بالملامسة ما لم يتولّد منه منيّ أو مذي ، فإن تولّد ذلك وجب القضاء ، وإن اعتمد إنزال ذلك وجب القضاء والكفّارة » ، (5) محتجّا في المذي بهذا الخبر . وقال الشيخ قدس سره : هذا حديث شاذّ مخالف لفتيا مشايخنا كلّهم ، ولعلّ الراوي وهِمَ في قوله في آخر الخبر : «ويصوم يوما مكان يوم» ؛ لأنّ متضمّن الخبر يدلّ عليه ، ألا ترى أنّه شرع في الفرق بين أن يكون أمذى من مباشرة حرام أو حلال ولا فرق في الرواية التي رواها ؟ فعلم أنّه وهم [من الراوي] . (6) انتهى .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 980 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12779 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 981 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12780 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 321 ، ح 983 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12777 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 273 ، ح 825 ؛ و ص 320 ، ح 979 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 129 ، ح 13027 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 435 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 283 ، ذيل ح 825 ، ومابين الحاصرتين منه ، وفيه : « ... أمذي من مباشرة حرام ، وبين أن يكون الامذاء من مباشرة حلال ، وعلى الفتيا الذي رواه لا فرق بينهما ، فعلم أنّه وهم من الراوى» .

ص: 101

ويدلّ على أنّه لا يجب شيء في المذي رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يضع يده على خدّ امرأته وهو صائم ، فقال : «لا بأس ، وإذا أمذى فلا يفطر» . (1) وروايته الاُخرى قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم ، فقال : «ليس عليه شيء ، وإن أمذى فليس عليه شيء» . (2) وظاهر هذه الأخبار إيجاب هذه الأفعال مع الإمناء القضاء والكفّارة مطلقا ، سواء قصد الإمناء أو لا ، وكان عادته الإمناء بذلك أم لا . وقال صاحب المدارك : «والأصحّ أنّ ذلك إنّما يفسد إذا تعمّد الإنزال بذلك » . (3) ويردّه قوله : «فيسبقه الماء» في خبر حفص بن سوقة ، (4) فإنّ الظاهر المتبادر من سبقه الماء نزوله بغير إرادته منه وعدم رضاه بذلك . نعم ، لا يبعد تقييده بما إذا قصد الإمناء وكان عادته ذلك كما فعله الأكثر ، فإنّه إذا لم تكن عادته الإمناء بذلك ولا قصده لم يكن الفعل حراما ، فلا يستعقب الإثم والضمان . ولو وقع الإنزال بالنظر بشهوة فقد اختلف الأصحاب فيه ، فالمشهور أنّه لا يفطر مطلقا ، محلّلة كانت النظرة أو محرّمة ، متّحدة كانت أو متكرّرة ، إلّا إذا كانت عادته الإمناء بها أو قصده ، فإنّه حينئذٍ يرجع إلى الاستمناء . وفي المختلف : قال الشيخ في الخلاف : إذا كرّر النظر فأنزل أثِم ولا قضاء عليه ولا كفّارة . (5) وفي المبسوط : «مَن نظر إلى ما لا يحلّ له النظر إليه بشهوة فأمنى [فعليه القضاء ، فإن كان

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 823 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 83 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 101 ، ح 12955 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 824 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 128 ، ح 13026 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 62 .
4- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12777 ، وتقدّم الحديث آنفا .
5- .الخلاف، ج 2، ص 198، المسألة 50.

ص: 102

نظره إلى ما يحّل فأمنى] لم يكن عليه شيء » ، (1) وهو اختيار المفيد . (2) وقال سلّار : «مَن نظر إلى ما يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء » . (3) وقال السيّد المرتضى : «إذا تعمّد استنزال الماء الدافق وجب عليه القضاء والكفّارة وإن كان بغير جماع » ، (4) وهو قول ابن البرّاج . (5) وقال في المسائل الناصرية : «عندنا أنّه إذا نظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه فأنزل غير مستدع للإنزال لم يفطر » . (6) وقال ابن أبي عقيل : «وإن نظر إلى امرأته فأنزل من غير أن يقبّلها أو يفضي إليها بشيء منه إلى جسدها أو تفضي إليه لم يكن عليه شيء » . (7) وقال ابن إدريس : «فإن أمنى لنظرٍ لم يكن عليه شيء ، ولا يعود إلى ذلك » . و قال : «وذهب بعض أصحابنا إلى أنّه إن نظر إلى من يحرم عليه النظر فأمنى كان عليه القضاء دون الكفّارة » ، قال : «والصحيح أنّه لا قضاء عليه ؛ لأنّه لادليل على ذلك » . (8) والأقرب أنّه إن قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقا ، سواء كان النظر إلى من يحرم عليه أو لا ، وإن لم يقصد الإنزال فأنزل لتكرّر النظر من غير قصد بل كرّر النظر فسبقه الماء وجب القضاء خاصّة . لنا : على الأوّل [أنّه وجد منه الهتك ، وهو إنزال الماء تعمّدا ، فوجب عليه القضاء والكفّارة ، كالعايث بأمله والمجامع] . وعلى الثاني أنّه وجد منه مقدّمة الإفساد ولم يقصده ، فكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرّد إذا وصل الماء حلقه . احتجّ الشيخ بالإجماع ، وبعدم دليل على كون النظر مفطرا والأصل براءة الذمّة .

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 273 ، ومابين الحاصرتين منه .
2- .المقنعة ، ص 345 .
3- .المراسم العلويّة ، ص 96 .
4- .الانتصار ، ص 187 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 191 .
6- .الناصريّات ، ص 295 .
7- .لم أعثر عليه في غير مختلف الشيعة .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 389 .

ص: 103

والجواب منع الإجماع ، وقد بيّنا الدليل على إيجاب القضاء ، والبراءة معارضة بالاحتياط . (1) الرابع : البقاء على الجنابة ليلاً إلى طلوع الفجر من غير ضرورة ولا عذر على المشهور مطلقا ، فرضا كان الصوم أو ندبا ، وقالوا : هو في شهر رمضان ويجيء القول فيه في باب من أجنب بالليل في شهر رمضان موجب للقضاء والكفّارة على ما ذكر في المختلف (2) والمنتهى . (3) ونسبه في المنتهى إلى أبي هريرة وسالم بن عبداللّه والحسن البصري وطاووس وعروة ، وحكى عن النخعي والحسن بن صالح بن حي ذلك في الفرض خاصّة . (4) ويفهم منه قول باقي فقهاء العامّة بعدم منافاته للصوم مطلقا . واحتج عليه في المنتهى بما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثمّ ترك الغسل متعمِّدا حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا » ، قال : وقال : «إنّه خليق أن لا أراه يدركه أبدا» . (5) وعن سليمان بن حفص المروزي ، عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا اغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه» . (6)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 410 411 ، وما بين الحاصرتين منه .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 406 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 .
4- .نفس المصدر ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 26 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 307 308 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 75 76 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 51 52 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 616 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 617 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 64 ، ح 12838 .

ص: 104

وبما رواه الجمهور عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «مَن أصبح جنبا فلا صوم له» . (1) وعنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه» . (2) وبأنّ حَدَث الجنابة منافٍ للصوم فلا يجامعه ، وبأنّه منهيٌّ عن تعمّد الإنزال نهارا ؛ للهتك ، وهو موجود في صورة النزاع . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «يجب به القضاء خاصّة دون الكفّارة» . واحتجّ بما رواه ابن أبي يعفور في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب في رمضان ، ثمّ يستيقظ ، ثمّ ينام حتّى يصبح ؟ قال : «يتمّ صومه ويقضي يوما آخر ، فإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه . وجاز له» . (3) وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمّ ينام حتّى يصبح متعمِّدا ، قال : «يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه» . (4) وبأنّ الأصل البراءة من الكفّارة . ثمّ قال : والجواب عن الحديثين : إنّا نقول بموجبهما ، فإنّ مَن نام على استيقاظ مع علمه بالجنابة متعمّدا حتّى يطلع الفجر يجب عليه القضاء فقط إذا كان ناويا للغسل ، وأصالة البراءة معارضة بالاحتياط . وحكى عن الصدوق أنّه قال في المقنع : سأل حمّاد بن عثمان أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب من أوّل الليل وأخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، فقال له : «قد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 184 و 266 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 494 ، الباب 79 من كتاب الصيام ، ح 16 ؛ مسند ابن راهويه ، ج 2 ، ص 502 ، ح 1089 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 187 ، ح 2987 .
2- .أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 237 ؛ الانتصار ، ص 186 .
3- .الفقيه ، ج 1 ، ص 119 120 ، ح 1898 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 62 ، ح 12832 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 212 ، ح 614 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12834 .

ص: 105

يجامع نساءه من أوّل الليل ويؤخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب (1) يقضي يوما مكانه» . (2) ثمّ قال : احتجّ ابن بابويه بأصالة براءة الذمّة من القضاء والكفّارة ، وبقوله تعالى : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ» إلى قوله _ : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» ، (3) وإذا جازت المباشرة إلى طلوع الفجر لزم تسويغ أن يصبح الرجل جنبا . وما رواه حبيب الخثعمي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثمّ يجنب ، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّدا حتّى يطلع الفجر» (4) . (5) أقول : ويدلّ عليه أيضا صحيحة عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل وأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، قال : «يتمّ صومه ولا قضاء عليه» . (6) وما رواه الشيخ قدس سره عن إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت أبا الحسن الرِّضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان ، فنام عمدا حتّى أصبح ، أيّ شيءٍ عليه ؟ قال : «لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإنّ أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» . (7) ويؤيّدها ما رواه في المنتهى من طرق العامّة عن أبي بكر بن حارث بن هشام ، قال :

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .الأقشاب جمع قشب ككِتف وهو من لا خير فيه من الرجال . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 506 (قشب) .
3- .المقنع ، ص 189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 57 58 ، ح 12823 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 620 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 276 و 277 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12840 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 407 409 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 210 ، ح 608 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ح 264 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 58 ، ح 12824 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 619 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 275 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 59 ، ح 12826 .

ص: 106

ذهبت أنا وأبي حتّى دخلنا على عائشة ، فقالت : أشهد على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ، ثمّ يصوم ، ثمّ دخلنا على اُمّ سلمة ، فقالت مثل ذلك ، ثمّ أتينا أبا هريرة فأخبرناه بذلك ، فقال : هما أعلم بذلك ، إنّما حدّثه الفضل بن عبّاس . (1) ولا يخفى قوّة هذا القول وإن كان إخباره يحتمل التقيّة ، أو على تأخير الغسل لعذر كما فعله الشيخ ، بل خبر إسماعيل بن عيسى كالصريح في التقيّة حيث نسبه عليه السلام إلى عائشة دون آبائه . إلّا أنّه يعضدها ظاهر الآية ، فإنّ الظاهر أنّ قوله تعالى : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ» (2) غاية لجميع الجمل المتقدّمة . وتخصيصه بالأكل والشرب كما فعله العلّامة في المختلف (3) خلاف الظاهر والمشهور بين أرباب الأدب والاُصول . وكذا حمل قوله عليه السلام : «حتّى يطلع الفجر» على المسامحة . والجمع بحمل الأخبار الأوّلّة على الاستحباب أظهر ، وفي حكم البقاء على الجنابة عمدا إلى طلوع الفجر نوم الجنب عازما على ترك الاغتسال حتي يطلع الفجر . ولا اعتبار للنوم ولا يخرجه عن التعمّد لتركه ، ولا أعرف خلافا في ذلك ، والأوّل أحوط . وهل حدث الحيض والنفاس كالجنابة ، بمعنى أنّه إذا طهرت عنهما ليلاً يجب الغسل لهما قبل طلوع الفجر ، ويفسد الصوم بتركه كالجنابة ؟ الظاهر العدم ؛ لعدم ، نصّ عليه وأصالة العدم ، ولا سيّما على قول الصدوق في الجنابة ، وإن كان حدث الحيض أقوى من الجنابة حيث لا يجامع الصوم بوجه ، بخلاف الجنابة ، فإنّها تجامعه في الجملة ؛ لبطلان القياس عندنا ولو بالأولويّة .

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 566 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 76 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 52 53 ؛ المعجم الكبير ، ج 18 ، ص 293292 . و نحوه في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 216 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 191 192 ، ح 3007 .
3- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 409.

ص: 107

على أنّه يمكن منع الأولويّة ، بل منع غيرها أيضا ؛ لوجود الفارق ، لأنّ حدث الجنابة سائرة في جميع البدن من الفرق إلى القدم لخروج المني من جميعها ، بخلاف الحيض ، فإنّه إنّما يجيء من العروق ، ولعلّ أصل الدم كان غير جامع للصوم لا الحدث الحادث منه . وفي المختلف : قال ابن أبي عقيل : المرأة إذا طهرت من حيضها أو دم نفاسها [ليلاً ]وتركت الغسل حتّى تصبح عامدة يفسد صومها ، ويجب القضاء خاصّة كالجنب عنده إذا أهمل الغُسل حتّى يصبح عامدا ، ولم يذكر أصحابنا ذلك . والأقرب أنّها كالجنب إذا أخلّ بالغسل ، فإن أوجبنا القضاء والكفّارة عليه أوجبناهما عليها ، وإلّا فالقضاء خاصّة . لنا : أنّ الثلاثة اشتركت في كونها مفطرة للصوم ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منها حدث يرتفع بالغسل ، فيشترك في الأحكام . انتهى . (1) فقد قاس الحيض والنفاس بالجنابة ، وقد عرفت ما فيه ، ولو قاس الصوم بالصلاة في ذلك لكان أظهر وإن كان هو أيضا غير جائز شرعا . نعم ، هو يكون أحوط . الخامس : نوم الجنب غير ناوٍ للغسل حتّى أصبح في رمضان ، وهو موجب للقضاء ، وقد ذكره الأصحاب في كتبهم ، بخلاف ما لو كان ناويا للغسل ، فإنّه لا شيء عليه . وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا ، خلافا للجمهور . لنا : أنّ الطهارة في ابتدائه شرط لصحّته ، وبنومه قد فرّط في تحصيل الشرط ، فيفسد صومه . ويؤيّده ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة من جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتّى أدركه (2) الفجر ، فقال : «عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوما آخر» . (3)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 410 .
2- .كذا بالأصل ، وفي مصادر الحديث : «يدركه» .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 611 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12835 .

ص: 108

وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمّ نام حتّى يصبح متعمّدا ، قال : «يتمّ ذلك اليوم و عليه قضاؤه» . (1) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ، ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : «يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماء يسخّن له أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه» (2) . (3) ويدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ، ثمّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتّى أصبح ، قال : «يتمّ صومه [ذلك] ويقضيه إذا أفطر في شهر رمضان ويستغفر ربّه» . (4) والظاهر أنّهم أرادوا بقولهم : «غير ناوٍ للغسل» النوم مع العزم على الغسل كما هو ظاهر تعمّد النوم في الصحيحتين ، فالنائم الذاهل عن الغسل وعدمه ليس بهذه المثابة ولا يجب عليه قضاء ؛ للأصل ، وانتفاء دليل عليه . لكن قال في المنتهى بعدما ذكر حكم غير الناوي على ما ذكر _ : «لو أجنب فنام على عزم الترك [للغسل] فحكمه مع ظهور الفجر حكم تارك الغسل عمدا » . (5) ومقتضاه وجوب القضاء والكفّارة جميعا عليه . وقد صرّح بوجوبهما عليه في موضع آخر منه ، (6) فيكون غير الناوي مختصّا بالذاهل .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 212 ، ح 614 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12834 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 613 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 87 ، ح 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12833 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 566 .
4- .الكافي ، باب في من أجنب بالليل في شهر رمضان وغيره ... ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12836 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 566 .
6- .نفس المصدر ، ص 573 .

ص: 109

ويرد عليه أنّ وجوب القضاء عليه حينئذٍ خلاف الأصل والقاعدة من غير دليل ، فتأمّل . وقد اتّفقوا أيضا على وجوب القضاء بالنوم الثاني بعد انتباهه وإن نام ناويا للغسل ؛ لصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب من أوّل الليل ، ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان ؟ قال : «ليس عليه شيء» ، قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح ؟ قال : «فليقض ذلك اليوم عقوبةً» . (1) وصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب في رمضان ، ثمّ يستيقظ ، ثمّ ينام حتّى يصبح ؟ قال : «يتمّ يومه ويقضي يوما آخر ، فإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه وجاز له» . (2) واشتهر بين الأصحاب وجوب القضاء والكفّارة جميعا بالنومة الثالثة حتّى يطلع الفجر ناويا للغسل بعد انتباهتين ، ذكره الشيخان (3) وتبعهما الأكثر ، (4) محتجّين عليه بما تقدّم من خبر أبي بصير الوارد في متعمّد الترك ، (5) وخبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 615 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 271 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 ، ح 12831 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 62 ، ح 12832 .
3- .ذكره المفيد في المقنعة ، ص 347 ؛ والطوسي في الخلاف ، ج 2 ، ص 222 ، المسألة 87 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 271 .
4- .منهم : ابن حمزة في الوسيلة ، ص 142 ، وابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 374 ، وأبو المجد الحلّي في إشارة السبق ، ص 120 ، والمحقّق الحلّي في المقصود من الجمل والعقود (الرسائل التسع ، ص 351) ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع ، ص 156 ؛ والعلّامة في إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 296 ، وتبصرة المتعلّمين ، ص 78 ، وتذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 69 ، وقواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 375 ، والشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 273 ، الدرس 71 ، واللمعة الدمشقية ، ص 47 ، وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى (السرائل العشر ، ص 185) .
5- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
6- .نفس المصدر ، ح 12838 .

ص: 110

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد ، (1) عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : «عليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، ويتمّ صيامه ولن يدركه أبدا» . (2) وقال صاحب المدارك : وليس في هذه الروايات مع اشتراكها في ضعف السند دلالة على هذا التفصيل بوجه ؛ أمّا الاُولى فلأنّها إنّما تضمّنت تعلّق الكفّارة بمن تعمّد ترك الاغتسال ، لا بمن تكرّر نومه على هذا الوجه . وأمّا الثانية فلأنّها مطلقة ، وليس حملها على حالة تكرار النوم بأولى من حملها على حالة التعمّد . وأمّا الرواية الثالثة فلاقتضائها ترتّب الكفّارة على من أصبح في النومة الاُولى ولا قائل به ، مع أنّها ضعيفة جدّا بجهالة السائل والمسؤول . ويمكن حملها على من نام مع العزم على ترك الاغتسال ، فإنّه كمتعمّد البقاء على الجنابة . والأصحّ ما اختاره [المصنّف] في المعتبر ، (3) والعلّامة في المنتهى (4) من سقوط الكفّارة مع تكرار النوم ناويا للغسل تمسّكا بأصالة البراءة ، وأنّ النوم سائغ ، ولا قصد له في ترك الغسل ، فلا عقوبة ؛ إذ الكفّارة إنّما تترتّب على التفريط والإثم ، [وليس أحدهما ثابتا] . (5) وفي حكم صوم شهر رمضان قضاؤه فيما ذكر من اشتراطه بالطهارة ؛ لصحيحة عبداللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقضي رمضان ، فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتّى آخر الليل ، وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : «لا يصوم ذلك

.


1- .في الاستبصار : «إبراهيم بن عبد اللّه » .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 213 ، ح 618 ؛ وص 320 321 ، ح 982 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12839 .
3- .المعتبر ، ج 2 ، ص 675 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 و 606 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 90 91 ، ومابين الحاصرتين منه .

ص: 111

اليوم ويصوم غيره» . (1) وصحيحته الاُخرى ، قال : كتب أبي إلى أبي عبداللّه عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان وقال : إنّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم أغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه : «لا تصم هذا اليوم وصم غدا» . (2) وأمّا الصوم المندوب فالظاهر عدم اشتراطه بها ، وهو ظاهر الصدوق ؛ لما رواه في الصحيح عن عبداللّه بن المغيرة ، عن حبيب الخثعمي ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني عن التطوّع ، وعن هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل ، فأعلم أنّي أجنبت وأنام متعمّدا حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : «صُم» . (3) واستشكل الأمر في الواجب من الصوم من غير رمضان وقضائه أيضا ، في المنتهى : هل يختصّ هذا الحكم برمضان ؟ فيه تردّد ، ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدلّ عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا . (4) وهذا الاستشكال في غير قضاء رمضان المندوب في موقعه ، وأمّا فيهما فلا وجه له ؛ لما عرفت ، بل لا يبعد القول بعدم اشتراطه أيضا بها ؛ اعتبارا للأصل من غير معارض . وهل حدث الحيض والنفاس في ذلك كحدث الجنابة ، بمعنى أنّها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم إذا أخلّت به حتّى يطلع الفجر ؟ ففي المنتهى : «لم أجد نصّا صريحا فيه ، والأقرب ذلك ؛ لأنّ حدث الحيض يمنع الصوم ، فكان أقوى من الجنابة » . (5) ولخبر أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن طهرت بليل من حيضها ، ثمّ توانت أن

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 277 ، ح 837 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12843 .
2- .الكافي ، باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان ... ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12844 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 82 ، ح 1788 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 68 ، ح 12846 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
5- .نفس المصدر ، ص 566 .

ص: 112

تغتسل في رمضان حتّى أصبحت ، عليها قضاء ذلك اليوم » (1) . لكن الرواية ضعيفة السند باشتمالها على جماعة من الفطحيّة ، (2) واشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف . (3) وقال صاحب المدارك : «ومن ثمّة تردّد في ذلك المصنّف في المعتبر ، (4) وجَزْمُ العلّامة في النهاية (5) بعدم الوجوب لا يخلو من قوّة » . (6) وأمّا المستحاضة فقد أطلق الأكثر توقّف صومها على ما يلزمها من الأغسال ، وقيّدها جماعة بالأغسال النهارية ، وحكموا بعدم توقّف صوم اليوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة ، وتردّدوا في توقّفه على غسل الليلة الماضية . (7) ويدلّ على التوقّف في الجملة مقطوعة عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من نفاسها في أوّل يوم شهر رمضان ، ثمّ استحاضت ، فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب : «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك» . (8) ولكن الخبر ضعيف ؛ للقطع ، واشتماله على ما أجمع الأصحاب على خلافه من عدم وجوب قضاء الصلاة عليها . (9)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 393 ، ح 1213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 271 ، ح 2127 .
2- .منهم عليّ بن أسباط . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 252 ، الرقم 663 ، ومنهم عليّ بن الحسن بن فضّال .
3- .اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 22 ، ص 22 ، الرقم 13988 .
4- .المعتبر ، ج 2 ، ص 226 .
5- .نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 119 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 345 .
7- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 57 .
8- .الكافي ، باب صوم الحائض والمستحاضة ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 310 ، ح 937 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 349 ، ح 2333 ؛ وج 10 ، ص 66 ، ح 12842 .
9- .قال الشيخ بعد رواية الحديث : «إنّما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ولا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك فالترك له على العمد يلزمها القضاء» .

ص: 113

ولا يبعد أن يُقال : وقع سهو من الرّواة في تقديم الصوم وتأخير الصلاة ، وعلى وجوب هذه الأغسال إذا تعذّر الغسل . واختلفوا في وجوب التيمّم بدله ، قيل : نعم ؛ لعموم : «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا» (1) ، وقيل : لا ؛ لعدم نصّ عليه ، وعلى تقدير الوجوب فالظاهر وجوب اليقظة إلى طلوع الفجر بعد التيمّم ، فلو نام وجب تيمّم آخر ؛ لأنّ النوم ناقض للتيمّم . (2) السادس : الكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى الأئمّة عليهم السلام متعمّدا ؛ ولا ريب في حرمته مطلقا مؤكّدة تحريمه على الصائم . واختلف في كونه مفطرا ، وذهب السيّد المرتضى في الانتصار (3) والشيخان (4) إلى ذلك ، وصرّحوا بأنّه موجب للقضاء والكفّارة ، وهو ظاهر عليّ بن بابويه (5) حيث عدّه من المفطرات على ما نقل عنه في المختلف ، (6) وحكاه في المختلف عن أبي الصلاح (7) وابن البرّاج ، (8) وفي المنتهى (9) عن الأوزاعيّ ، (10) وعدّه فيه أقرب . واحتجّوا عليه بموثّق أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الكذب ينقض الوضوء ويفطر الصائم» ، قال : قلت له : هلكنا ، قال : «ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على اللّه ورسوله وعلى الأئمّة عليهم السلام » . (11)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
2- .النساء (4) : 43 .
3- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 58 .
4- .الانتصار ، ص 184 .
5- .ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 303 ، و 344 ، والطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 270 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) ؛ والنهاية ، ص 148 و 153 ؛ والخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 .
6- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 203 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 397 .
8- .. الكافي في الفقه ، ص 179 .
9- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
10- .حكاه عنه في الانتصار ، ص 185 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 356 .
11- .الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ التهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 33 ، ح 12757 ، وفي الجميع : «الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم» .

ص: 114

وخبر عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجل كذب في رمضان ، فقال : «قد أفطر وعليه قضاؤه ، وهو صائم يقضي صومه ووضوءه [إذا تعمّد]» . (1) وقال الشيخ في المبسوط : «ومن أصحابنا من قال : إنّ ذلك لا يفطر وإنّما ينقض » . (2) وفي الخلاف (3) صرّح بنسبة ذلك إلى السيّد المرتضى ، وهو مذهب السيّد في الجمل على ما حكى عنه في المختلف أنّه قال فيها : «الأشبه أنّه ينقض الصوم وإن لم يبطله» ، (4) و عدّة في المختلف أقوى . (5) ونقله عن ابن إدريس (6) وسلّار وابن أبي عقيل . واحتجّ عليه بما تقدّم في صحيحة محمّد بن مسلم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس» . (7) وقال : الحصر يدلّ على عدم الإفطار بما عدا هذه الثلاث ، خرج منه ما خرج بالدليل فبقي الباقي على أصله . وأجاب عن الخبرين : أوّلاً بالضعف ، فإنّ في طريق الأوّل منصور بن يونس بزرج . والنجاشي وإن وثّقه (8) إلّا أنّ الكشّي روى حديثا عن منصور بن يونس بزرج أنّه جحد النصّ على الرِّضا عليه السلام لأموال كانت في يده . (9) وفي طريق الثاني عثمان بن عيسى ، وهو كان واقفيّا غير موثّق . (10) ثمّ بالتأويل ، فإنّه متروك العمل بظاهرهما ؛ إذ لم يقل أحدٌ بنقضه الوضوء ، فلابدّ من حملهما على

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 270 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 397 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 586 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 34 ، ح 12758 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 375 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 189 ، ح 535 ؛ وص 202 ، ح 584 ؛ و 318 319 ، ح 971 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 80 ، ح 244 ؛ وص 84 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .
8- .رجال النجاشي ، ص 413 ، الرقم 1100 .
9- .اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 768 ، ح 893 .
10- .رجال النجاشي ، ص 300 ، الرقم 817 ؛ الفهرست ، ص 193 ، الرقم 545 .

ص: 115

التشديد في المنع منه بأنّه ينقض الوضوء ويفطر الصائم . (1) أقول : لا يبعد حملهما على استحباب القضاء وتجديد الوضوء . ويؤيّده قوله عليه السلام : «هو صائم يقضي صومه» ، (2) كما لا يخفى . السابع : تعمّد القيء ، وهو يوجب القضاء خاصّة ، فإن ذرعه صحَّ صومه وليس عليه شيء . وفي المنتهى : وعليه أكثر علمائنا ، وبه قال عامّة أهل العلم . وقال السيّد المرتضى : لا يفسد . (3) واختاره ابن إدريس ، (4) وبه قال عبداللّه بن عبّاس وعبداللّه بن مسعود (5) . (6) وفي المختلف : «ونقل السيّد المرتضى عن بعض أصحابنا أنّه يوجب القضاء والكفّارة » . (7) ويدلّ على القول المشهور في إيجابه القضاء صحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» . (8) وحسنته عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» . (9) ومضمرة سماعة ، قال : سألته عن القيء في رمضان ، فقال : «إن كان يبدره فلا بأس ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 586 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 34 ، ح 12758 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 398 399 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 378 .
6- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 320 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 52 ؛ شرح الكبير ، ج 3 ، ص 39 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 421 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 55) .
8- .الكافي ، ج 4 ، ص108 ، باب الصائم يتقيّأ ... ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 264 ، ح 790 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 87 ، ح 12908 .
9- .الكافي ، ح 2 من الباب المتقدّم ذكره ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 264 ، ح 791 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 86 ، ح 12906 .

ص: 116

وإن كان شيء تكرهه نفسه عليه أفطر وعليه القضاء» . (1) ويؤيّدها ما رواه الجمهور عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض» . (2) وعلّله أيضا في المختلف والمنتهى بأنّه مظنّة ابتلاع شيء منه ولا ينفكّ عنه غالبا . (3) واحتجّ ابن إدريس بأصالة البراءة ، وانتفاء دليل على شغلها . (4) ويؤيّده ما رواه الجمهور عن زيد بن أسلم ، عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يفطر من قاء أو احتجم أو احتلم» ، (5) وإنّما قال ذلك بناءً على أصله . وفي المختلف : احتجّ السيّد المرتضى بأنّ الصوم هو الإمساك عمّا يدخل الجوف ، ولا ينافي ذلك ما يخرج منها . وما رواه عبداللّه بن ميمون في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه عليهماالسلامقال : «ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء ، والاحتلام ، والحجامة» . (6) وحديث محمّد بن مسلم الصحيح عن الباقر عليه السلام قال : «لا يضّر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الأكل والشرب ، والنساء ، والارتماس في الماء» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 322 ، ح 991 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 87 ، ح 12910 .
2- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 498 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 533 ، ح 2380 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 111 ، ح 716 ؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 427 ؛ السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 219 ؛ المنتقى ، ص 105 106 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 226 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 97 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 284 285 . وفي بعضها بدل «من استقاء» : «إن استقاء» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 422 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
4- .السرائر ، ج 1 ، ص 387 .
5- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 264 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 213 ، ح 7538 ، وفيها : « ... ولا من احتجم ، ولا من احتلم» ، واللفظ المذكور هنا من منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 775 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 288 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12884 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 189 ، ح 535 ؛ وص 202 ، ح 584 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 .

ص: 117

والجواب عن الأوّل المنع من تحقّق الإمساك ، فإنّه كما ينافي الإدخال كذا ينافي الإخراج ، ولأنّه نوع من اجتهاد فلا يعارض ما تلوناه من الأحاديث ، ونحن نقول بموجب الرواية الاُولى ؛ لأنّ القيء كما يقرن بالعمد كذا يقرن بالنسيان ، وليس في الحديث دلالة على التعميم ، فيُحمل على الثاني ؛ جمعا بين الأخبار . وعن الحديث الثاني أنّه عامّ وأحاديثنا خاصّة ، فتكون مقدّمة ؛ جمعا بين الأدلّة . (1) وظاهر القائلين بوجوب القضاء وجوبه ولو يزدرد منه شيئا ، بل الاعتبار الذي نقلناه عن العلّامة كالصريح في ذلك . والقول به مشكل . وأظنّ أنّ الأخبار التي وردت بذلك مبنيّ على تفسير القيء بما يخرج من المعدة إلى الفم مع العود إليها على ما ذكره الجوهري في الصحاح (2) والشيخ قدس سره ، (3) ويؤيّده ما ورد في القلس من أنّه لا يوجب القضاء ، واتّفقوا عليه ، فإنّ القلس : هو شيء يخرج إلى الفم على ما ذكره لا يعود . رواه عبداللّه بن سنان في الصحيح ، قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس ، فيخرج منه الشيء من الطعام ، أيفطره ذلك ؟ قال : «لا» ، قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه ؟ قال : «لا يفطر[ه] ذلك » . (4) وحينئذٍ يكون القول بوجوبه مع التعمّد في غاية القوّة ، فإنّه بمنزلة تعمّد الأكل بناءً على ما عرفت من عدم اختصاصه بالأكل العادي ، بل لولا هذه الأخبار لقلنا بإيجابه للكفّارة أيضا بخلاف ما لو ذرعه ؛ إذ عوده بدون اختياره . وإذا حصل من القلس شيء في فمه فابتلعه عامدا ، قال ابن البرّاج : «يجب عليه القضاء خاصّة » ، (5) وبه قال الشيخ في النهاية ، (6) ورجّحه العلّامة في المختلف ، وحكى عن

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 422 .
3- .صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 965 (قلس) نقلاً عن الخليل ، وكلامه في ترتيب كتاب العين ، ج 3 ، ص 1517 .
4- .اُنظر : تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 264 ، ح 894 .
5- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 265، ح 796 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10، ص 88 89 ، ح 12914، ومابين الحاصرتين منهما .
6- .النهاية ، ص 55 .

ص: 118

ابن البرّاج أنّه عدّه أحوط . (1) وقال ابن إدريس بوجوب القضاء والكفّارة جميعا ، (2) وظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال : «إن تعمّد أفطر » . (3) ورجّحه العلّامة في المختلف محتجّا بأنّه ازدرد طعاما عمدا ، فوجب عليه القضاء والكفّارة . (4) والأوّل أظهر ؛ لما عرفت . وصحيحة عبداللّه بن سنان الدالّة على عدم الوجوب (5) بازدراد القلس محمول على ما إذا كان الابتلاع من غير اختياره . الثامن : الارتماس في الماء ؛ على ما ذهب إليه السيّد المرتضى في الانتصار من أنّه موجبٌ للقضاء والكفّارة مدّعيا عليه الإجماع ، (6) وبه قال المفيد (7) والشيخ في النهاية و المبسوط والخلاف ، (8) وهو منقول في المختلف (9) عن جمله واقتصاده (10) أيضا . وعن ابن البرّاج (11) وظاهر الصدوقين ، (12) وعن أبي الصلاح أنّه يوجب القضاء خاصّة . (13) وذهب العلّامة في المختلف والمنتهى إلى أنّه حرام ، لكن لا تجب كفّارة ولا قضاء ، (14)

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 387 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 423 ، والمذكور فيه أنّ ابن البرّاج قائل بوجوب القضاء ، وقال ابن جنيد: إنّ القضاء أحوط .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 ، وعبارته هكذا : «فإن بلعه عامدا فقد أفطر» .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 423 424 .
6- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «وجوب» .
7- .الانتصار ، ص 184 185 .
8- .المقنعة ، ص 344 .
9- .النهاية ، ص 148 و 154 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 270 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 .
10- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 399 .
11- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) ؛ الاقتصاد ، ص 287 .
12- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 203 . وحكاه عنه في المقنع ، ص 188 ، والموجود فيهما ، أنّه ينقض الصوم . وانظر : الفقيه ، ج 2 ، ص 107 ، ح 1853 .
13- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
14- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 401 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، 574 .

ص: 119

وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار للشيخ في الاستبصار . (1) وقال في المبسوط : «ومن أصحابنا من قال لا يفطر » ، (2) ونقل ذلك عن السيّد المرتضى في الخلاف . (3) وقد نسب إليه في المنتهى الكراهة ، (4) وحكاه عن مالك وأحمد ، (5) وهو اختيار ابن إدريس . (6) وذهب ابن أبي عقيل إلى جوازه من غير كراهية على ما يظهر من المنتهى ، حيث قال بعد نقل الأقوال الثلاثة : «ورابعها : أنّه سائغ مطلقا ، وهو قول ابن أبي عقيل من علمائنا ، وبه قال الجمهور إلّا ما استثنيناه» (7) يعني مالكا وأحمد . وأقوى الأقوال قول العلّامة . ويدلّ على التحريم ما تقدّم من قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «والارتماس في الماء» . (8) وصحيحته الاُخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا ، ولا يغمس رأسه في الماء» . (9) وصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه». (10)

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 270 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 375 .
4- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ذيل ح 421 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ، المسألة 85 . وكلام المرتضى في الجمل والعقود (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
6- .حكاه عنهما المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 656 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 33 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 45 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 45 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 574 .
8- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 12753 ، وقد تقدّم .
9- .الكافي ، باب كراهية الارتماس في الماء ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 591 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 260 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12767 .
10- .الكافي ، ح 1 من باب كراهية الارتماس في الماء للصائم ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 587 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 258 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 38 ، ح 12772 .

ص: 120

وصحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء » . (1) وأمّا عدم إيجابه للقضاء والكفّارة فللأصل المؤيّد بما رواه إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا ، أعليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال : «ليس عليه قضاء ذلك اليوم ولا يعودنّ» . (2) وقد حمل من قال بالكراهة النهيَ في هذه الأخبار عليها ؛ للجمع بينها وبين موثّق عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كره للصائم أن تمس في الماء» . (3) وهذا الجمع جيّد لو كان هذا الخبر صحيحا ، لكن لوحدته وعدم صحّته لا يجوز ، مع شيوع الكراهة في الحرمة في الأحاديث . واحتجّ الموجبون للقضاء والكفّارة بأنّه قد فعل محرما ، فكان عليه القضاء والكفّارة كالأكل والشرب ، وبالإجماع ، والاحتياط ، وبثبوت الضرر بفعله بمقتضى صحيحة محمّد بن مسلم ، (4) وإنّما يتضرّر في الصوم ببطلانه . واُجيب بمنع الإجماع ؛ لما عرفت ، وبأنّ الضرر أعمّ من فعل المفطر ومن فعل حرام ، والحرمة غير مستلزمة للبطلان ، والاحتياط جيّد لكن لا يصير مناطا لحكم شرعيّ . التاسع : الاحتقان بالمائع على ما ذكره الشيخ في التهذيب حيث حرّمه وأوجب به القضاء ، وكره الاحتقان بالجامد . (5)

.


1- .الكافي ، ح 2 من باب كراهية الارتماس في الماء للصائم ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 203 ، ح 588 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 259 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 38 ، ح 12773 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 210 ، ح 607 ؛ و ص 324 ، ح 1000 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 85 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 43 ، ح 12785 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 ، ح 606 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 262 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 38 ، ح 12774. وفي الأخيرَين : «يكره» بدل «كره» .
4- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 31 ، ح 2753 ، وقد تقدّم .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ذيل ح 590 .

ص: 121

وقال في الخلاف : إنّه يفطر ، (1) وهو ظاهر في إيجابه للقضاء ، وأمّا الكفّارة فلا ؛ لعدم استلزام الإفطار لها ، وهو منقول في المختلف (2) عن جمله (3) واقتصاده (4) أيضا ، وعن ابن البرّاج . (5) واحتجّ على الأوّل بصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصره عن أبي الحسن عليه السلام عن الرجل تكون به العلّة ، يحتقن في شهر رمضان ؟ فقال : «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» . (6) وبيّنه في المختلف بأنّ تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلّيّة ، فيكون بين الصوم والاحتقان الذي هو نقيض المعلول _ منافاة ، وثبوت أحد المتنافيين يقتضي عدم الآخر ، وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان ،] فوجب القضاء] . (7) وأمّا انتفاء الكفّارة فللأصل السالم عن معارضة معارض ، وقد نقل في المختلف (8) عن السيّد المرتضى أنّه نقل الإجماع على عدم وجوبها به ، (9) والإجماع المنقول عن مثله ليس بأقلّ من خبر الواحد . وعلى الثاني بما رواه عليّ بن الحسين في الموثّق عن أبيه ، (10) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام ما تقول في التلطّف يستدخله الإنسان وهو صائم ؟ فكتب: «لا بأس بالجامدات». (11)

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 .
3- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 213) .
4- .الاقتصاد ، ص 288 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 ، وقيّدهُ بالمرض المحوج إليها .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 111 ، ح 1869 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 256 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 42 ، ح 12783 ، وفي الجميع : « ... الرجل يحتقن تكون به العلّة» .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 413 .
8- .نفس المصدر.
9- .الناصريّات ، ص 294 ، المسألة 129 .
10- .في الكافي بعده : «عن محمّد بن الحسن ، عن أبيه» .
11- .الكافي ، باب في الصائم يسعط ويصيب في اُذنه الدهن أو يحتقن ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 590 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 257 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 41 42 ، ح 12782 ، وفي الجميع : «بالجامد» بدل «بالجامدات» .

ص: 122

وقال في النهاية : تكره الحقنة بالجامدات وتحرم بالمائعات ولم يوجب بها قضاء وكفّارة . (1) وكذا في الاستبصار . (2) وفيه : التنافي كما أمكن أن يكون بينه وبين أصل الصوم احتمل أيضا أن يكون بينه وبين كمال الصوم . وذهب السيّد المرتضى في الجُمَل على ما حكى عنه في المختلف أنّه قال : «وقال قوم : إنّ ذلك يعني الاحتقان ينقض الصوم وإن لم يبطله ، وهو الأشبه » . (3) وذهب المفيد قدس سره إلى أنّه يفسد الصوم بالاحتقان ، (4) وأطلقه بحيث يشمل الجامد أيضا . وعن عليّ بن بابويه أيضا أنّه فعل كذلك ، وقال : [لايجوز]للصائم أن يحتقن وأطلق . (5) وذهب العلّامة في المختلف إلى تحريمه وإيجابه للقضاء مطلقا ، بالمائع كان أو بالجامد ، (6) ويظهر من أدلّتهم وجوبها ممّا ذكر . العاشر : إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق عمدا على ما ذكره الشيخ في الخلاف ، (7) ونقل في المختلف (8) عن جمله (9) واقتصاده (10) من أنّه مفطر موجب للقضاء والكفّارة ، ورجّحه العلّامة في المختلف . (11)

.


1- .المقنعة ، ص 344 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 413 .
3- .النهاية ، ص 156 .
4- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ذيل ح 257 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
6- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 .
7- .الخلاف، ج 2، ص 177، المسألة 17.
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 402 .
9- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 212) .
10- .الاقتصاد ، ص 287 .
11- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 403 .

ص: 123

وقال في المبسوط في ذيل ما يوجب القضاء والكفّارة : «وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمّدا ، مثل غبار الدقيق أو غبار النفض وما جرى مجراه على ما تضمّنه الروايات » . (1) وكأنّه قدس سرهأراد بالروايات الأخبار الواردة في الأكل ، وإلّا فالموجود هنا خبر واحد ضعيف جدّا مروي عن جماعة من المجاهيل غير مسند إلى معصوم ، رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح . (2) ومع ما ذكر مشتمل على ما لم يقل به أحد ، من فساد الصوم بمجرّد المضمضة والاستنشاق ، ومعارض بما رواه في المختلف (3) و المنتهى (4) عن عمرو بن سعيد ، عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الصائم يدّخن بعود أو بغير ذلك ، فتدخل الدخنة في حلقه ؟ قال : «لا بأس» . وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ، قال : «لا بأس» . (5) ونقل في المبسوط عن بعض الأصحاب أنّه يوجب القضاء دون الكفّارة . (6) وقول المفيد قدس سرهحيث قال : وإن تعمّد الكون في مكان فيه غبرة كثيرة ورائحة غليظة ، وله غنى عن الكون فيه ، فدخل حلقه شيء من ذلك وجب عليه القضاء . (7) ومثله منقول في المختلف (8) والمنتهى (9) عن أبي الصلاح . 10 وبه قال ابن إدريس ، وقال :

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 403 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 271 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 621 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 69 70 ، ح 12850 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 404 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 ، وكان في الأصل : «عن المنتهى» ، فصوّبناه .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 325 ، ح 1003 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 70 ، ح 12851 .
7- .المقنعة ، ص 358 359 .
8- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 573 .
9- .الكافي في الفقه ، ص 183 .

ص: 124

«القضاء مجمع عليه » . (1) واحتجّوا على نفي وجوب الكفّارة بأصالة براءة الذمّة ، وبما رويناه عن عمرو بن سعيد ، ولا يخفى ضعفه . وفي المنتهى رجّح هذا القول حيث قال بعدما تكلّم في الخبرين المعارضين _ : «وبالجملة ، فإنّ السيّد المرتضى رحمه الله لم يوجب الكفّارة . وهو قوي » . (2) وفي المنتهى : «وخالف فيه الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك وأحمد » . (3) يعني أنّهم لم يوجبوا فيه شيئا ، وحكموا بصحّة صومه . وألحق جماعة من المتأخّرين بالغبار الغليظ الدخان الغليظ . وقال الشهيد الثاني : «هو ضعف في ضعف » ، (4) ويردّه أيضا ما نقله عن عمرو بن سعيد . وأمّا المستحبّ فهو : التسحّر والسواك ، وسيأتيان . والاجتناب عن المكروهات ، والمكروهات كثيرة سيذكر المصنّف أكثرها في أبواب ، ويجيء القول فيها . وبقي أشياء لم يذكرها : منها : بلّ الثوب على الجسد ؛ لرواية الحسن الصيقل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال : «لا» . (5) وصحيحة الحسن (6) بن راشد ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» . قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «إنّ أوّل من قاس إبليس» ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء ؟ قال : «نعم» ، قلت : فيبلّ ثوبا على

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 573 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 377 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 572 . وانظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 386 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 327 .
4- .اُنظر: مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 17 ، والموجود فيه : «وهو حسن إن تحقّق معهما جسم» .
5- .الكافي باب كراهيّة الارتماس في الماء للصائم ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ح 806 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 300 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12769 ؛ وص 38 ، ح 12775 ؛ وص 94 ، ح 12934 .
6- .في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من مصادر الحديث .

ص: 125

جسده ؟ قال : «لا» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «من ذاك» . (1) وحمل النهي فيهما على التنزيه ؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا ، ولا يغمس رأسه في الماء» . (3) وعلّل أيضا في المنتهى بأنّه يقتضي انسداد مسام البدن ، ويمنع خروج الأبخرة ، فتحتقن الحرارة في الجوف ، ويحتاج معه إلى التبريد . (4) ومنها : جلوس المرأة في الماء على المشهور بين الأصحاب ؛ لخبر حنّان بن سدير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصائم يستنقع في الماء ؟ قال : «لا بأس ، ولكن لا يغمس رأسه في الماء ، والمرأة لا تستنقع في الماء ؛ لأنّها تحمله بقبلها» . (5) والخبر لضعفه بحنّان لكونه واقفيّا (6) حُمل على الكراهة على ما هو دأبهم في الأوامر والنواهي المخالفتين للأصل ، الواردتين في الأخبار الضعيفة من الحمل على الاستحباب والكراهة ، وقد أفتى بظاهره أبو الصلاح (7) على ما نقل عنه في المنتهى من أنّه قال بتحقّقه وإيجابه للقضاء عليها ، وقال : بأنّها تحمل المرأة الماء في قبلها ، وبهذا الخبر وأجاب بالمنع من حملها الماء بقبلها ، ثمّ بمنع الإفطار بذلك ، وبحمل الخبر على الكراهة جمعا بين الأدلّة . 8

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
2- .الكافي ، باب الطيب والريحان للصائم ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ح 807 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12770 .
3- .في الأصل : «أبي عبد اللّه » ، والتصويب من مصادر الحديث .
4- .الكافي ، باب كراهيّة الارتماس في الماء للصائم ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 591؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 260 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 115 ، ح 1183 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12771 .
7- .رجال الطوسي ، ص 334 ، الرقم 4974 .

ص: 126

ومنها : المماراة والتنازع والتحاسد فيه ، وهي مكروهة مطلقا ، و[في]الصوم أشدّ كراهيّةً ؛ لخبر مسعدة ، (1) وما رواه الشيخ عن جرّاح المدائني ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «أنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده» ، ثمّ قال : «قالت مريم : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْما» ، (2) أي صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا» ، وقال : «وسمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله امرأة تسابّ جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بطعام فقال لها : كُلي ، فقالت : إنّي صائمة ، فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ؛ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب» . (3) وروى الصدوق عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ما من عبدٍ صائم يُشتم ، فيقول : إنّي صائم سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني إلّا قال الربّ تبارك وتعالى : استجار عبدي بالصوم من شرّ عبدي قد أجرته من النار» . (4) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ، وعدّد أشياء غير هذا» ، وقال : «ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك» . (5) ومنها : إنشاد الشعر في شهر رمضان يوما وليلاً ؛ لصحيحة حمّاد بن عثمان وغيره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا ينشد الشعر بليل ، ولا ينشد في شهر رمضان بليلٍ ولا نهار» ، قال له إسماعيل : فإنّه فينا ، قال : «وإن كان فينا» . (6)

.


1- .هو الحديث الخامس من آداب الصائم من الكافي .
2- .مريم (19) : 26 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 194 ، ح 553 ، ورواه الكليني في الكافي ، باب آداب الصائم ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 162 163 ، ح 13122 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 109 ، ح 1860 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 167 168 ، ح 13135 .
5- .الكافي ، باب آداب الصائم ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 194 ، ح 554 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 161 ، ح 13120 .
6- .الكافي ، باب آداب الصائم ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 319 ، ح 972 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 169 ، ح 13138 .

ص: 127

وصحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «يكره رواية الشعر للصائم والمحرم ، وفي الحرم ، وفي يوم الجمعة ، وأن يروى بالليل» ، قلت : وإن كان شعر حقّ ؟ قال : «وإن كان شعر حقّ» . (1) ومن الآداب ترك اللّعب والضحك ، والاشتغال بالطاعات والعبادات في شهر رمضان زائدا على ما كان يفعله في غيره ، وفي يوم الفطر على ما رُوي أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلامنظر إلى اُناس يوم فطر وهم يلعبون ويضحكون ، فقال لأصحابه والتفت إليهم : «إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق شهر رمضان مضمارا لخلقه ، يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا ، وتخلّف آخرون فخابوا ، فالعجب من الضاحك اللّاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون ويُخيب فيه المقصّرون ، وَأيْمُ اللّه لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه ومسيءٌ بإسائته» . (2) قوله في خبر مسعدة : (يقول إنّي صائم) . [ح 5 / 6324] يقول ذلك بلسان المقال ليسمع الشاتم فينزجر ، أو بلسان الحال فيترك الجدال لرعاية الصوم ويفضي ذلك إلى ترك الخصم أيضا لخصومته ، ولو جمع بينهما لكان أحسن . قوله في خبر إسحاق بن عمّار : (الرفث في الصوم) .] ح 11 / 6330] وهو في الخصال هكذا : «العَبَث في الصلاة ، والرفث في الصوم ، والمنّ بعد الصدقة ، وإتيان المساجد جنبا ، والتطلّع في الدور ، والضحك بين القبور» . (3) وقال طاب ثراه : الرفث : السخيف والفحش من الكلام ، والجهل ؛ يُقال : رفث بفتح الفاء في الماضي

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 195 ، ح 558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 169 ، ح 13137 .
2- .الكافي ، باب النوادر في آخر كتاب الصيام ، ح 5 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 511 ، ح 1479 عن الحسن بن على عليهماالسلام ، وكذا في ج 2 ، ص 174 ، ح 2057 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 480 ، ح 9910 .
3- .الخصال ، ص 327 ، باب الستّة ، ح 19 .

ص: 128

باب صوم رسول اللّه

وضمّها وكسرها في المستقبل ، ورفث بكسرها يَرْفث بفتحها رفثا ساكنة في المصدر ومحرّكة في الاسم ، ويُقال : أرفث رباعيّا أيضا . (1)

باب صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آلهيدلّ أخبار الباب على أنّه صلى الله عليه و آله كان ينتقل في الصوم في السنة من طورٍ إلى طور ، إلى أن استقرّ أمره إلى صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ، أربعاء بين الخميسين ، وفعله عليه السلام لا يدلّ على صيرورة ما قبله منسوخا ، وإنّما يدلّ على مرجوحيّته وبقى أصل الندب . ونسب في المنتهى استحباب صوم أيّام البيض إلى قول العلماء كافّة . (2) ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ، (3) وهي كالصحيح ، بل عدّ صحيحا . وما روي في المنتهى عن الجمهور عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا أبا ذرّ ، إذا صمت من الشهر ثلاثة [أيّام] فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» . (4) وعن ملحان المقيسي ، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرنا أن نصوم البيض ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة . (5) وما رواه الشيخ في حديث الزهريّ ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن ابن مسعود ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : «إنّ آدم لمّا عصى ربّه عزّ وجلّ ناداه منادٍ من لدن العرش : يا آدم ، اخرج من جواري ، فإنّه لا يجاورني أحدٌ عصاني . فبكا وبكت الملائكة ، فبعث اللّه عزّ وجلّ جبرئيل

.


1- .اُنظر : شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 28 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 609 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 130 131 ، ح 758 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 294 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 663 ، ح 24620 ، وما بين الحاصرتين من المصادر .
5- .مسند أحمد ، ج 5 ، ص 28 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 547 ، ح 2449 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 294 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 138 ، ح 2739 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 81 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 19 ، ص 16 .

ص: 129

فأهبطه إلى الأرض مسودّا ، فلمّا رأته الملائكة ضجّت وبكت وانتحبت وقالت : ياربّ خلقت خلقا ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ، بذنبٍ واحد حوّلت بياضه سوادا ؟! فنادى منادٍ من السماء : [أن] صُم لربّك ، فصام فوافق يوم الثالث عشر (1) من الشهر ، فذهب ثلث السواد ، ثمّ نودي اليوم الرابع عشر : أن صُم لربّك اليوم ، فصام (فوافق يوم أربعة عشر من الشهر ،) (2) فذهبَ ثلثا السواد ، ثمّ نُودي يوم الخامس عشر (3) بالصيام ، فصام فأصبح وقد ذهب السواد كلّه ، فسمّيت أيّام البيض للذي ردّ اللّه عزّ وجلّ فيه على آدم من بياضه ، ثمّ نادى منادٍ من السماء يا آدم ، هذه الثلاثة أيّام جعلتها لك ولولدك ، مَن صامها في كلّ شهر فكأنّما صام الدهر» . (4) وقد حكم بصحّة هذه الرواية ، ثمّ قال : ولكن سنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكان هذه الأيّام : خميسا في أوّل الشهر ، وأربعاء في وسطه ، وخميسا في آخره ، وإنّما ذكرت الحديث ليعلم السبب في ذلك ؛ لأنّ الناس أكثرهم يقولون : إنّ أيّام البيض إنّما سمّيت بيضا لأنّ لياليها مقمرة من أوّلها إلى آخرها . (5) ويظهر من كلام الصدوق كونه منسوخا ، إلّا أن يُقال : إنّه أراد بقوله : «ولكن سنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكان هذه الأيّام» ؛ أنّه سنَّ فكان تأكّد استحبابها ، فتأمّل . ويظهر ممّا ذكرنا غفلة صاحب المدارك حيث قال : «لم أقف فيه على رواية من طريق الأصحاب ، سوى ما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام بإسناده إلى ابن مسعود» ، (6) إلى آخر الخبر .

.


1- .في الأصل : «ثلاثة عشر» ، والتصويب من المصدر .
2- .ما بين القوسين ليس في المصدر .
3- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل: «خمسة عشر» .
4- .علل الشرائع ، ص 379 380 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 436 ، ح 13787 .
5- .علل الشرائع ، ص 380 381 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 262 .

ص: 130

باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان وصيام الثلاثة الأيّام في كلّ شهر

باب أنّه يستحبّ السحور

باب فضل صوم شعبان وصلته برمضان وصيام الثلاثة الأيّام في كلّ شهريعني استحباب صيام شعبان كلّه ووصله برمضان ؛ لتحصيل شهرين متتابعين ، وقد سبق في الباب السابق ما يدلّ ظاهرا على أنّه صلى الله عليه و آله كان يصومه كلّه ، وتدلّ عليه أيضا بعض أخبار الباب ، فيردّ بذلك ما نقل طاب ثراه عن عائشة أنّها قالت : ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله استكمل صيام شهر قطّ إلّا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان . (1) وما حكاه عن الآبي أنّه صلى الله عليه و آله لم يستكمل شعبان ، وإنّما كان يصوم بعضه أكثر ممّا يصومه في غيره من الشهور . وقد سبق استحباب ذلك الشهر في باب وجوه الصيام ، والمراد بالثلاثة الأيّام من كلّ شهر الأربعاء بين الخميسين . وقد دلَّ عليه أيضا ما رواه المصنّف في الباب السابق في حسنة محمّد بن مسلم . (2) قوله في خبر عمرو بن خالد : (وينهى الناس أن يصلوهما) .[ح 4 / 6341] قال طاب ثراه : «شفقةً على الاُمّة وإرشادا لهم إلى مصالحهم ؛ ولكون الإكثار من العبادة مظنّة للسأم والملال» . قوله في خبر ابن سنان : (أمّا الخميس فيوم تُعرض فيه الأعمال) .[ح 11 / 6348] قال طاب ثراه : «أحاديث عرض الأعمال مستفيضة» ، إلى آخره .

باب أنّه يستحبّ السحورقال طاب ثراه : «قيل هو مشتقّ من السحر ، وبالفتح اسمٌ لما تسحّر به من الطعام والشراب ، وبالضمّ مصدر» . (3) انتهى .

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 107 : صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 743 744 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 160 161 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 544 ، ح 2434 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 292 و 299 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 119 120 ، ح 2660 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 409 .
2- .هو الحديث الثاني من ذلك الباب .
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 347 (سحر) .

ص: 131

وفي المنتهى : «السحور مستحبّ ، وهو قول العلماء كافّة» . (1) وروي عن أنس ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «تسحّروا فإنّه في السحور بركة» . (2) وعنه عليه السلام : «فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» . (3) وعنه عليه السلام : «السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماءٍ ، فإنّ اللّه وملائكته يصلّون على المتسحّرين» . (4) ومن طريق الخاصّة عن ابن بابويه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «السحور بركة» . (5) وقال عليه السلام : «لا تدع اُمّتي السحور ولو على حشفة تمر» . (6) وقال عليه السلام : «تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار ، وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل» . (7) وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه تعالى وملائكته يصلّون على المستغفرين والمتسحّرين بالأسحار ، فليتسحّر أحدكم ولو بشربة من ماء» . (8) وسأل سماعة أبا عبداللّه عليه السلام عن السحور لمن أراد الصوم ، فقال : «أمّا في شهر رمضان فإنّ الفضل في السحور ولو بشربة من ماء ، وأمّا في التطوّع فمن أحبّ أن

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 624 .
2- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 99 ، و 215 و 229 و 243 و 258 و 281 ؛ سنن الدارمي ، ص 6 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 232 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 130 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 540 ، ح 1692 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 106 ، ح 703 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 141 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 75 ، ح 2456 ؛ مسند الطيالسي ، ص 268 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 236 ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ، ج 4 ، ص 227 ، ح 7598 .
3- .سنن النسائي ، ج 4 ، ص 146 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 80 ، ح 2476 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 215 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 254 ؛ مسند الشاميّين ، ج 1 ، ص 154 ، ح 249 .
4- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 12 و 44 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 135 ، ح 1957 . ورواه الكليني في الكافي ، باب أنّه يستحبّ السحور ، ح 3 ؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 198 ، ح 568 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 143 ، ح 13059 .
6- .المصادر المتقدّمة الّا أنّ رقم الحديث في الوسائل 1360 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1960 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 199 ، ح 571 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 144 145 ، ح 13063 .
8- .الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1961 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 145 146 ، ح 13065 .

ص: 132

يتسحّر ومن لم يفعل فلا بأس» . (1) وسأله أبو بصير عن السحور في أداء الصوم ، أواجبٌ عليه ؟ فقال : «لا بأس بأن [لا ]يتسحّر إن شاء ، وأمّا في شهر رمضان فإنّه أفضل أن يتسحّر ، أحبّ أن لا يترك في شهر رمضان» . (2) وإذا ثبت هذا فالأفضل تأخير السحور ؛ لما رواه زيد بن ثابت ، قال : تسحّرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ قمنا إلى الصلاة ، قلت : كم كان قدر ذلك ؟ قال : خمسين آية . (3) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ : أنّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال : آكل وأنا أشكّ في الفجر ؟ فقال : «كُلْ حتّى لا تشكّ» ، (4) ولأنّ القصد به التقوّي على الصيام ، وكلّما قرب الفجر كان المعنى المطلوب منه أكثر . قال أحمد بن حنبل : «إذا شكّ في الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه . وهذا قول ابن عبّاس» ، (5) وهو الذي نقلناه عن الصادق عليه السلام ، واستحباب تأخيره مع تيقّن الليل ، فأمّا مع الشكّ فإنّه يكره إلّا أنّه يجوز ؛ لأنّ الأصل بقاء الليل . إذا عرفت ذلك فكلّ ما يحصل من أكلٍ وشرب فإنّ فضيلة السحور حاصلة معه ؛ لقوله عليه السلام : «ولو بشربةٍ من ماء» . وفي حديث : «ولو بحشفة تمر» . (6) وقال ابن بابويه : «وأفضل السحور السويق والتمر» . (7)

.


1- .الكافي ، ج 4، ص 94، باب أنّه يستحبّ السحور ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 135 ، ح 1958 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 197 198 ، ح 565 ، و ص 314 ، ح 952 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 143 144 ، ح 13061 .
2- .الكافي ، ج 4، ص 94، باب أنّه يستحبّ السحور ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1959 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 142 143 ، ح 13057 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
3- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 131 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 540 ، ح 1694 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 104 ، ح 699 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 143 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ج 2 ، ص 77 ، ح 2465 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 238 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 136 ، ح 1962 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 318 ، ح 969 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 120 ، ح 13005 و 13006 ، ولفظ الحديث هنا للفقيه .
5- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 100 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 78 .
6- .تقدّم الحديثان آنفا .
7- .المقنع ، ص 205 .

ص: 133

باب الوصال وصوم الدهر

باب الوصال وصوم الدهرفيه مسألتان :الاُولى : صوم الوصال حرام عند الأصحاب أجمع ؛ (1) لما رواه المصنّف من صحيحة الحلبيّ ، (2) وما تقدّم في حديث الزهريّ . (3) ويؤيّدها ما روى في المنتهى (4) من طريق العامّة عن ابن عمر ، قال : واصل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رمضان فواصل الناس ، فنهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الوصال فقالوا : إنّك تواصل ؟ فقال : «إنّي لستُ مثلكم ، إنّي أظلّ عند ربّي يُطعمني ويسقيني» . (5) وهو مروي في العزيز عنه بأدنى تغيير لفظي . (6) ونسب في المنتهى (7) تحريمه إلى الشافعي في قول ، وحكى عنه قولاً آخر بالكراهية وفاقا لأكثرهم . (8) وقال طاب ثراه : «وقال عياض : كرهه مالك والجمهور 9 وأجازه جماعة منهم ، قالوا : النهي عنه نهي تخفيف ورحمة ، فمن قدر عليه فلا حرج» .

.


1- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 210 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 506 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 282 .
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب ، لكنّه غير صريح في ذلك ، بل الحديث الأوّل من الباب يدلّ على ذلك .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 294 295 ، ح 895 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 513 ، ح 13987 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 .
5- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 21 و 112 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 242 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 133 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 529 ،2360 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 282 ؛ وج 7 ، ص 61 . وفي الجميع : «أبيت وأسقي» بدل «يطعمني ويسقيني»، نعم ورد في المنتهى ، ج 2 ، ص 617 وتذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 210 مثل المتن . وهذا اللفظ ورد في رواية أبي هريرة في مسند أحمد ، ج 2 ، ص 261 و 496 . ورواية أنس في مسند أحمد ، ج 3 ، ص 248 .
6- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 419 .
7- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 357 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 234 .
8- .مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 308 ؛ وج 5 ، ص 15 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 344 ؛ الإنصاف للمرداوي ، ج 3 ، ص 350 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 101 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 109 .

ص: 134

وقال الخطّابي : هو من خصائصه صلى الله عليه و آله وحرام على اُمّته . (1) وفي العزيز : الوصال مكروه لغير النبيّ صلى الله عليه و آله إلى قوله _ : وكراهيّة الوصال كراهة تحريم أو تنزيه ؟ حكى صاحب المهذّب وغيره فيه وجهين : أحدهما : أنّه كراهية تحريم ؛ لظاهر النهي ومبالغة النبيّ صلى الله عليه و آله في منع من واصل . والثاني : أنّها كراهية تنزيه ؛ لأنّ النهي إنّما ورد مخافة الضعف . (2) واختلف في تفسيره ، فقال الشيخ في النهاية (3) و المبسوط ، (4) والصدوق في الفقيه : (5) هو أن يجعل عشاءه سحوره مع النيّة ، وتبعهما الأكثر ؛ (6) لصحيحتي الحلبيّ (7) و[حفص بن ]البختريّ ، (8) وهو ظاهر المصنّف قدس سره ، وفسّره ابن إدريس بصوم يومين متوالين من غير إفطار بينهما بالنيّة ؛ (9) لما تقدّم فيما رواه محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «وإنّما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا وصال في صيام ، يعني لا يصوم الرجل يومين متوالين من غير إفطار» . (10) ونسبه في المنتهى (11) إلى اقتصاد الشيخ ، وإلى جمهور العامّة ، وبذلك فسّر في العزيز من

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 .
2- .حكاه عنه الرعيني في مواهب الجليل ، ج 5 ، ص 14 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 418 419 .
4- .النهاية ، ص 170 .
5- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 283 .
6- .الفقيه، ج 2، ص 172، ح 2047.
7- .المقنعة ، ص 366 ؛ الغنية ، ص 149 ؛ المختصر النافع ، ص 71 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 508 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 507 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 272 ، الدرس 70 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 142 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 81 ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 219 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 283 .
8- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
9- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
10- .السرائر ، ج 1 ، ص 420 .
11- .الكافي ، باب فضل يوم شعبان وصلته برمضان ... ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 307 ، ح 927 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 138 139 ، ح 452 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 496 ، ح 13946 .

ص: 135

غير نقل خلاف ، فقال : «والوصال أن يصوم يومين فصاعدا ولا يتناول بالليل شيئا» . (1) وقد نسبه ابن إدريس أيضا للاقتصاد ، حيث قال في تفسير الوصال : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلاً . وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في نهايته بغير هذا ، فقال : هو أن يجعل عشاءه سحوره ، ثمّ قال : والأوّل هو الأظهر والأصحّ . وإليه ذهب في اقتصاده . (2) واعترض عليه العلّامة في المختلف (3) بأنّ هذا النقل غير صحيح ؛ لأنّ الشيخ قال في الاقتصاد : «وصوم الوصال كذلك يجعل عشاءه سحوره أو يطوي يومين» . (4) وهذا الاعتراض على نفسه أيضا بما فعله في المنتهى . وأكثر الأصحاب أطلقوا الوصل من غير تفسير ، منهم السيّد المرتضى (5) وعليّ بن بابويه (6) وسلّار (7) وأبو الصلاح (8) على ما حكى عنهم في المختلف . (9) والأظهر تحريمهما جميعا . الثانية : صوم الدهر ، وهو حرام إجماعا من أهل العلم لو اُريد بالدّهر ظاهره ، وقد سبقت الإشارة إليه ، ولو حمل على ما عدا شهر رمضان والعيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى فهو غير محرّم إجماعا ، وهل يكره ؟ الظاهر كذلك ؛ لما رواه الصدوق في الصحيح ، قال : سأل زرارة أبو عبداللّه عليه السلام عن صوم الدهر ، فقال : «كان لم يزل مكروها» ، (10) ويؤيّده ما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا صام ولا أفطر من صام الدهر» . 11

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 419 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 420 421 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 507 .
4- .الاقتصاد ، ص 293 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 59) .
6- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 201 .
7- .المراسم العلويّة ، ص 94 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 181 .
9- .الفقيه ، ج 2 ، ص 172 ، ح 2048 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 525 ، ح 14030 .
10- .مسند أحمد ، ج 4 ، ص 25 و 26 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 435 ؛ وفيهما : «من صام الدهر لا صام ولا أفطر» .

ص: 136

وعن أبي موسى ، عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من صام الدهر ضيّقت عليه جهنّم» . (1) ويظهر من العلّامة ميله إلى ذلك في المنتهى ، فقد قال : ولو أفطر هذه الأيّام التي نهى عن صيامها ، فهل يكره صيام الباقي أم لا ؟ قال الشافعيّ وأكثر الفقهاء : إنّه ليس بمكروه ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام من السنة ، (2) فدلّ على أنّ صوم الباقي جائز . وقال أبو يوسف : إنّه مكروه ؛ (3) لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عنه ، ولو أراد بالنهي هذه الأيّام لأفردها بالنهي دون صوم الدهر . ويحتمل أن يكون النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عنه لأنّ صائم الدهر يعتاد بذلك ترك الغداء ، ولا يبقى له قوّة شهوة إليه ، ولا مشقّة زائدة فيه ، ويخرجه عن استشعار التقرّب بالصوم ؛ [لأنّ الفرض بالعبادات التقرّب بها والاستشعار لها] ، وهذا معنى قوله عليه السلام : «لا صام ولا أفطر» ، أي لم يجد ما يجده الصائم من مخالفة عادته [للقرية] ولا أفطر ، ولأنّه يحدث مشقّة عظيمة ، فربّما عجز عن أكثر العبادات . وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا صام من صام الدهر ، من صام ثلاثة أيّام يصوم الدهر كلّه» ، فقال له عبداللّه بن عمرُ : (4) إنّي أطيق أكثر من ذلك ، قال : «فصم صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما» ، فقال : إنّي أطيق على ما أفضل من ذلك ، قال : «لا أفضل من ذلك» (5) . (6)

.


1- .مسند أحمد ، ج 4 ، ص 414 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 300 ؛ مسند الطيالسي ، ص 69 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 491 ؛ الباب 76 من كتاب الصوم ، ح 5 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 313 ؛ صحيح ابن حبّ_ان ، ج 8 ، ص 349 .
2- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 388 و 389 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 473 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 110 ؛ شرح صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 237 ؛ وج 14 ، ص 43 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 3 ، ص 326 .
3- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 389 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 79 .
4- .كذا في الأصل ، وفي المصادر : «عبد اللّه بن عمرو» .
5- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 188 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 245 ؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 214 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 131 ، ح 2707 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 299 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 99 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 618 .

ص: 137

باب من أكل أو شرب وهو شاكّ في الفجر أو بعد طلوعه

باب من أكل أو شرب وهو شاكّ في الفجر أو بعد طلوعهمبدأ يوم الصوم أوّل طلوع الفجر الثاني عند المسلمين أجمع ، إلّا ما حكاه في المنتهى عن الأعمش من أنّه طلوع الفجر الذي يملأ البيوت والطرق ، (1) وقد ادّعى إجماعهم على (2) عدم الاعتداد بقوله . (3) ويدلّ عليه وقوع الفجر تفسيرا للخيط الأبيض وهو مبدأ طلوع الفجر ؛ لقوله تعالى : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» ، (4) والأخبار من الطريقين فيه متظافرة ، ومقتضى إباحة الأكل والشرب إلى تبيّن الفجر وطلوعه جوازهما مع الشكّ فيه ، وسقوط الكفّارة بل القضاء أيضا مطلقا ، سواء استمرّ الشكّ أو تبيّن طلوعه ، ويستفاد ذلك من بعض أخبار الباب . وموثّق إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : آكل في شهر رمضان بالليل حتّى أشكّ ؟ قال : «كُل حتّى لا تشكّ» . (5) وقال الصدوق : وسُئل الصادق عليه السلام عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، فقال : «بياض النهار من سواد الليل» . (6) وقال : وفي خبر آخر : «وهو الفجر الذي لا شكّ فيه» ، (7) وقد تقدّم في كتاب الصلاة بعض الأخبار المتعلّقة بذلك ، وينبغي أن لا يشكّ في ذلك مع مراعاة الفجر أو مع عدم تقدّمه عليها وبقاء الشكّ ؛ لعدمه تقصير منه ، وانتفاء مقتضى التكفير والقضاء .

.


1- .المغني ، ج 3 ، ص 3 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 3 ؛ عمدة القاري ، ج 10 ، ص 253 .
2- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «عليه» .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 557 .
4- .البقرة (2) : 187 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 318 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 120 ، ح 13005 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 131 ، ح 1936 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 113 ، ح 12991 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 131 ، ح 1937 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 113 ، ح 12992 .

ص: 138

ويؤيّده أصالة البراءة ، وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع فآكل ثمّ أنظره فأجده قد طلع حين نظرت ؟ قال : «تتمّ يومك ثمّ تقضيه ، (1) أمّا أنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاءه» . (2) وموثّقة سماعة بن مهران ، قال : سألت عن رجل أكل وشرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان ، فقال : «إن كان قام فنظر فلم يرَ الفجر فأكل ، ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قام فأكل وشرب ، ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع فليتمّ صومه ويقضي يوما آخر ؛ لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة» . (3) وصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه سئل عن رجل تسحّر ثمّ خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : «يتمّ صومه ذلك ثمّ ليقضه وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» . ثمّ قال : «إنّ أبي كان ليلة يصلّي وأنا آكل فانصرف فقال : أمّا جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر ؛ فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان» . (4) وظاهر الشيخ في الخلاف وجوب القضاء فيما إذا تبيّن الخطأ مطلقا ، حيث قال : «إذا شكّ في طلوع الفجر وجب عليه الامتناع من الأكل ، فإن أكل ثمّ تبيّن له أنّه كان طالعا كان عليه القضاء» . (5) ولم يذكر دليلاً عليه ، ويردّه ما ذكر إلّا أن يريد الإفطار مع الشكّ من دون مراعاة ممكنة .

.


1- .في الأصل : «يتمّ صومه ويقضيه» ، والتصويب من مصادر الحديث .
2- .الكافي ، ح 3 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 216 ، ح 813 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 118 ، ح 13002 .
3- .الكافي ، ح 2 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 269 ، ح 811 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 116 ، ح 378 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 115 116 ، ح 12997 .
4- .الكافي ، ح 1 من هذا الباب ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 269 ، ح 812 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 116 117 ، ح 379 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 115 ، ح 12995 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 174 175 ، المسألة 14 .

ص: 139

ونقل في المنتهى عن مالك وجوب القضاء مع استمرار الشكّ بأصالة بقاء الصوم في ذمّته ، ولا يسقط بالشكّ ، وبالقياس على الإفطار مع الشكّ في غروب الشمس واستمراره ، (1) وقال : والجواب عن الأوّل : أنّ السقوط إنّما هو بعد الثبوت . والصوم مختصّ بالنهار . وعن الثاني : أنّ الأصل بقاء الليل في الصورة الاُولى ، وبقاء النهار في الصورة الأخيرة فافترقا . (2) ويظهر من ذلك سقوط القضاء والكفّارة إذا أفطر في الليل ظنّا منه بقاءه مع المراعاة الممكنة وإن ظهر الخطأ بطريق أولى ، ولا خلاف فيه . نعم ، لو لم يراع مع الإمكان ... (3) على قول واحد أنّ الفجر لم يطلع وقد طلع وجب عليه القضاء ؛ لصحيحة معاوية المتقدّمة وموثّق سماعة . (4) وكذا لو ترك العمل بقول من أخبر بطلوع الفجر ظنّا منه كذبه ؛ لصحيحة الفيض بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل خرج في رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر إلى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : «يتمّ صومه ويقضيه» . (5) ومورد الخبرين إخبار الواحد ، فلو أخبر عدلان فيهما لا يبعد سقوط القضاء في الأوّل . وقد استقربه المحقّق الشيخ عليّ قدس سره ، (6) ونفى عنه الشهيد الثاني البأس في المسالك ، (7) ووجوب الكفّارة أيضا في الثاني .

.


1- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 75 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 46 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 579 .
3- .في الأصل بياض بقدر كلمتين .
4- .تقدّم الخبران آنفا .
5- .الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 131 ، ح 1939 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 ، ح 814 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 118 119 ، ح 13003 .
6- .جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 66 .
7- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 26 .

ص: 140

باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل

باب وقت الإفطار

واستقربه العلّامة في المنتهى (1) والشهيدان ؛ (2) للحكم بثبوت ما قالاه بقولهما شرعا ، وأراد قدس سرهبالأكل والشرب بعد طلوع الفجر ظهور كونهما بعد طلوعه ، فيخصّ بما إذا ظنّ بقاء الليل أو يخصّ الشاكّ بمن استمرّ شكّه ؛ ولما عرفت أنّ غاية إباحة الأكل والشرب تبيّن الفجر علمت أنّه لا يجب إدخال جزء من آخر الليل في الصوم المقدّمة ، وإن قلنا بوجوب إدخال جزء من الليل فيه من باب المقدّمة ؛ لأنّ مبدأ يوم الصوم تبيّن الفجر ، وهو آنيّ الوجود لا الفجر في الواقع ، بخلاف آخر يومه فإنّه تحقّق الليل في الواقع ، ولم يدلّ نصّ قاطع على كونه تبيّنه وإن احتمل أن يكون المراد فيه أيضا ذلك . ونقل طاب ثراه عن المحقّق الأردبيلي أنّه قال : وليس ببعيد إخراج جزء ما قبل الفجر أيضا من باب المقدّمة فيحرمان ، يعني الأكل والشرب في ذلك كما يحرمان في جزء من أوّل اللّيل كذلك ، كما هو المصرّح في الاُصول والمدلّل ، فحينئذٍ يمكن أن لا يصحّ النيّة مقارنة للفجر ، فكيف في النهار ؛ لوجوب تقديمها على المنوي بحيث لا يقع جزء منه خاليا عنها يقينا ، وعدّه أحوط _ . (3)

باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليلالأولى تأخير هذا الباب عن الباب الذي بعده ؛ لأنّه متفرّع عليه ويأتي شرحه فيه .

باب وقت الإفطارآخر وقت الصوم هو الليل ؛ لقوله تعالى : «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (4) ، وأجمع

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، 578 .
2- .الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 273 ، الدرس 71 ؛ والشهيد الثاني في مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 25 .
3- .زبدة البيان ، ص 173 .
4- .البقرة (2) : 187 .

ص: 141

المسلمون عليه من غير نقل خلاف عن أحدٍ منهم وإن اختلفوا في أوّل الليل على ما سبق في وقت صلاة المغرب ، والمعتبر حصول العلم به مع الإمكان أو الظنّ الغالب مع تعذّره ، وقد ادّعى الإجماع عليه وإن اختلفوا في وجوب القضاء مع غلبة الظنّ كما ستعرف . ولا يجوز الإفطار بالشكّ في دخوله إجماعا ؛ لأصالة بقاء اليوم واستصحابه ولو كان ذلك الشكّ مستندا إلى عارض في السماء . ومقتضى ذلك وجوب القضاء والكفّارة أيضا لو أفطر له ولو استمرّ الاشتباه . لكن قال الشيخ في النهاية والتهذيب : لو شكّ في دخول الليل لوجود عارض في السماء ولم يعلم بدخول الليل ولا غلب على ظنّه ذلك فأفطر ، ثمّ تبيّن له بعد ذلك أنّه كان نهارا كان عليه القضاء . (1) وكأنّه أراد بذلك ما إذا حصل مع ذلك العارض ظنّ ضعيف ، وإلّا فلا وجه لسقوط القضاء عنه ؛ لما عرفت من عدم جواز فعله . ويؤيّد ذلك أنّه قال بعدما ذكر : «فإن كان قد غلب على ظنّه دخول الليل ، ثمّ تبيّن له أنّه كان نهارا لم يكن عليه شيء» . فقيّد الظنّ بالغلبة ، وهو يشعر بأنّ ما قبله الظنّ الغير الغالب ، فيوافق ما تكرّر في كلام الأصحاب من وجوب القضاء بالإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل مع عدمه ، مع غلبة الظنّ به إذا تبيّن الخطأ . وما ذكروه من عدم وجوب القضاء مع غلبة الظنّ هو المشهور بين متأخّري الأصحاب ، منهم الشيخ في النهاية على ما عرفت ، ومنهم الصدوق (2) وابن إدريس (3) بناءً على ما ادّعى من الإجماع على جواز الإفطار حينئذٍ ، فلا يستعقب القضاء . واحتجّ الشيخ بما رواه عن أبي الصباح الكنانيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ

.


1- .النهاية ، ص 155 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 ، ذيل ح 815 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 121 ، ذيل 1902 .
3- .السرائر، ج 1، ص 377 378.

ص: 142

صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة ، فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ؟ فقال : «قد تمّ صومه ولا يقضيه» . (1) وبما رواه زيد الشحّام ، عن أبي عبداللّه عليه السلام مثل ذلك . (2) وبما رواه في الصحيح عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا» . (3) ولأنّ التكليف هنا منوط بالظنّ ؛ لعدم العلم وقد حصل . وذهب الشيخ في المبسوط إلى وجوب القضاء ، (4) وإليه ذهب العلّامة في المنتهى ، (5) وحكاه عن السيّد المرتضى (6) والشيخ المفيد (7) وأبي الصلاح الحلبيّ ، (8) وبه قال جمهور العامّة . واحتجّ عليه بأنّه تناول ما ينافي الصوم عمدا ، فيلزمه الصوم ، ولا كفّارة عليه ؛ لحصول الشبهة وعدم العلم . وبما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير وسماعة ، وفي المختلف في الصحيح عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحابٌ أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 271 ، ح 816 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 ، ح 374 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 123 ، ح 13012 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ح 817 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 ، ح 375 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 123 ، ح 13013 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 261 ، ح 1039 ؛ وج 4 ، ص 271 ، ح 818 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 ، ح 376 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 178 ، ح 4843 ؛ وج 10 ، ص 122 ، ح 13010 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 578 .
6- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 55) .
7- .المقنعة ، ص 358 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 183 .

ص: 143

«ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» ، (1) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاءه ؛ لأنّه أكل متعمّدا» . (2) واحتجّ الجمهور بما رواه حنظلة قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر من كان أفطر أن يصوم مكانه . (3) وأجاب عن أدلّة الشيخ بأنّ : الحديث الأوّل (4) في طريقه محمّد بن الفضيل ، وهو ضعيف ، وفي طريق الثاني (5) أبو جميلة ، وهو أيضا ضعيف ، والحديث الثالث (6) لا دلالة فيه على محلّ النزاع ، وهو سقوط القضاء ، والتكليف منوط باستمرار الظنّ ولم يحصل هنا ، كمن ظنّ الطهارة وصلّى ثمّ تبيّن فساد ظنّه ، وحديثنا وإن يرويه محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني عن يونس بن عبد الرحمن ، وقد توقّف ابن بابويه فيما يرويه محمّد بن عيسى عن يونس ، إلّا أنّه اعتقد بأنّه تناول ما ينافي الصوم مختارا عامدا ذاكرا للصوم ، فلزمه القضاء (7) ؟؟؟ ونحن قد ذكرنا من قبل أنّه لا وجه لتضعيف رواية محمّد بن عيسى عن يونس بما لا مزيد عليه وبيّنا صحّته ، فالقول بمدلوله قويّ . وتوقّف العلّامة في المختلف مائلاً إلى وجوب القضاء ، فقال : ونحن في هذه المسألة من المتوقّفين وإن كان الميل إلى ما رواه المفيد ؛ لأنّه أكثر في الفتيا . ورواية سماعة رواها الشيخ عن أبي بصير في الصحيح . (8)

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 270 ، ح 815 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 115 116 ، ح 377 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 121 ، ح 13009 .
3- .المعتبر للمحقق الحلّي ، ج 2 ، ص 677 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 72 . ومع مغايرة في الألفاظ في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 217 .
4- .يعني حديث أبي الصباح ، وسنده هكذا : « ... الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني» .
5- .يعنى حديث زيد الشحّام ، وسنده هكذا : «عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن أبي جميلة ، عن زيد الشحّام» .
6- .وهو صحيحة زرارة الماضية آنفا .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 578 579 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 434 .

ص: 144

باب من أكل وشرب ناسيا في شهر رمضان

باب من أكل وشرب ناسيا في شهر رمضانقد أجمع الأصحاب وفاقا لأكثر العامّة على صحّة صيام المفطر ناسيا في الصوم مطلقا . ويدلّ زائدا على ما رواه المصنّف عليه قوله عليه السلام : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» . (1) وخصوص ما رواه الشيخ عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزقٌ رزقه اللّه ، فليتمّ صومه» . (2) وعن داود بن سرحان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان ، قال : «يتمّ صومه ، فإنّما هو شيء أطعمه اللّه عزّ وجلّ» . (3) وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل صام في شهر رمضان ، فأكل وشرب ناسيا ، فقال : «يتمّ صومه وليس عليه قضاء» . (4) ويؤيّدها ما روى في المنتهى عن العامّة عن عليّ عليه السلام قال : «لا شيء على من أكل ناسيا» . (5) وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتمّ صومه ، فإنّما أطعمه اللّه وأسقاه» . (6)

.


1- .التوحيد ، ص 353 ، ح 24 ؛ الخصال ، ص 417 ، باب التسعة ، ح 9 ؛ تحف العقول ، ص 50 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 369 ، ح 20769 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 277 ، ح 839 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 52 ، ح 12810 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 268 ، ح 810 . ورواه الكليني في الكافي ، باب من أكل أو شرب ناسيا في شهر رمضان ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 51 ، ح 12807 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 268 ، ح 808 . ورواه الكليني في الكافي ، باب من أكل أو شرب ناسيا في شهر رمضان ، ح 2 بإسناده عن سماعة ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 51 ، ح 12806 ؛ و ص 52 ، ح 12809 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 51 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 41 .
6- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 491 و 513 514 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 13 ؛ مسند ابن راهويه ، ج1 ، ص 107 ، ح 18 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 6 ، ص 204 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 41 ، ح 2677 .

ص: 145

باب من أفطر متعمّدا من غير عذر أو جامع متعمّدا في شهر رمضان

وعنه عليه السلام : «مَن أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر ، فإنّما هو رزقٌ رزقه اللّه » . (1) وحكى في المنتهى عن ربيعة ومالك أنّهما قالا : «يفطر الناسي أيضا» . (2) وظاهره أنّهما قالا بوجوب القضاء والكفّارة معا . ثمّ قال : احتجّ مالك بأنّ الأكل ضد (3) الصوم ؛ لأنّه كفّ فلا يجامعه ككلام الناسي في الصلاة . والجواب : أنّ الضدّ للصوم هو الأكل عمدا لا مطلق الأكل ، فإنّه نفس المتنازع فيه ، والمقيس عليه ممنوع . (4)

باب من أفطر متعمّدا من غير عذر أو جامع متعمّدا في شهر رمضانلقد أجمع أهل العلم على وجوب القضاء والكفّارة إذا فعل ما يوجبهما عمدا عالما بالتحريم ، ولا مخالف في ذلك إلّا ما سيحكى عن شاذّ من العامّة ، وهو يظهر ممّا ذكر من الأخبار وممّا سيأتي ، واختلفوا في جاهل المسألة ، فجزم العلّامة في موضع من المنتهى مع الجهل أيضا ، حيث قال : «لو فعل جاهلاً بالتحريم تعلّق به الحكم» . (5) وقد قال في موضعٍ آخر منه قبل ذلك : «لو فعل المفطر جاهلاً بالتحريم فالوجه الفساد ؛ لأنّ له طريقا إلى العلم ، فالتفريط ثابت من جهته ، فلا يسقط [الحكم ]عنه» . (6) ويمكن أن يُقال بعدم الفساد ، وأنّ الجاهل بالتحريم كالناسي ؛ لما رواه زرارة وأبو بصير ، قال : سألنا أبا جعفر عليه السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو

.


1- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 112 ، ح 717 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 159 ، ح 2230 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 ، وكان في الأصل : «لا يفطر الناسى أيضا» ، والتصويب من المصدر . وكلامها منقول في المجموع ، ج 6 ، ص 324 .
3- .في الأصل : «يفسد» وصوّبناه حسب المصدر .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 577 .
5- .نفس المصدر .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 569 .

ص: 146

محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ؟ قال : «ليس عليه شيء» . (1) ولا يبعد الفرق بين أن يكون معذورا في الجهالة ؛ لعدم إمكان التعلّم في حقّه ، وعدمه ؛ لعدم تفريط منه في الأوّل ، وكونه مقصّرا في الثاني . وفي المدارك : ذهب الأكثر إلى فساد صومه كالعالم . وقال ابن إدريس : «لو جامع أو أفطر جاهلاً بالتحريم فلا يجب عليه شيء» . (2) ونحوه قال الشيخ في موضع من التهذيب . (3) وإطلاق كلامهما يقتضي سقوط القضاء والكفّارة ، واحتمله في المنتهى إلحاقا للجاهل بالناسي . (4) وفي المعتبر : «والذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفّارة» . (5) وإلى هذا ذهب أكثر المتأخّرين ، وهو المعتمد . لنا على الحكم الأوّل : إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء ، فإنّه يتناول العالم والجاهل . ولنا على سقوط الكفّارة : التمسّك بمقتضى الأصل ، وما رواه الشيخ عن زرارة وأبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان ، أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلالاً له ؟ قال : «ليس عليه شيء» . (6) لا يقال : الأصل يرتفع بالروايات المتضمّنة لترتّب الكفّارة على الإفطار المتناولة بإطلاقها للعالم والجاهل كما اعترفتم به في وجوب القضاء ، والرواية قاصرة من حيث السند ، فلا تنهض حجّة في إثبات هذا الحكم . لأنّا نقول : لا دلالة في شيء من الروايات التي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلّق

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 569 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 603 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 53 ، ح 12813 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 386 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ذيل ح 602 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 662 .
6- .تقدّم الحديث وتخريجه آنفا .

ص: 147

الكفّارة بالجاهل ؛ إذ الحكم وقع فيها معلّقا على تعمّد الإفطار ، وهو إنّما يتعلّق مع العلم بالتحريم لذلك الفعل . بل رواية ابن سنان (1) التي هي الأصل في هذا الباب لما تضمّنت تعلّق الكفّارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمّدا من غير عذر ، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار كما تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج بحكم تزويج المرأة في عدّتها ، حيث قال فيها : قلت : فأيّ الجهالتين [أعذر ، بجهالة أنّ ذلك محرّم عليه أم جهالته أنّها في عدّة ؟ فقال : إحدى الجهالتين] (2) أهون من الاُخرى ؟ الجهالة بأنّ اللّه حرّم ذلك عليه ، وذلك أنّه حيث لا يقدر على الاحتياط معها» فقلت : فهو في الاُخرى معذور ؟ قال «نعم» . (3) وأمّا الرواية فهي وإن كانت لا تبلغ مرتبة الصحيح لكنّها معتبرة الأسناد ؛ إذ ليس في طريقها من قد يتوقّف في شأنه ، سوى عليّ بن الحسن (4) بن فضّال ، وقال النجاشي : «إنّه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحديث ، والمسموع قوله فيه ، سمع منه شيئا كثيرا ، ولم يعثر له على زلّة فيه ولا ما يشينه ، وقلّ ما يروي عن ضعيف» . (5) ويمكن أن يستدلّ على هذا القول أيضا بقول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة فيمن لبس قميصا في حال الإحرام : «أيّ رجل ارتكب أمرا بجهالة ، فلا شيء عليه» . (6) وغير ذلك من العمومات المتضمّنة ؛ لعذر الجاهل . (7)

.


1- .الكافي ، باب مَن أفطر متعمّدا من غير عذر ... ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 205 ، ح 594 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 96 ، ح 310 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 44 45 ، ح 12789 .
2- .اُضيفت من المصدر .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 306 ، ح 1274 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 186 ، ح 676 ؛ وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 450 451 ، ح 26068 ، ومابين الحاصرتين من المدارك والمصادر .
4- .في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من المصدر .
5- .رجال النجاشي ، ص 157 ، الرقم 676 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 72 73 ، ح 239 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 248 ، ح 10558 ؛ وج 12 ، ص 488 489 ، ح 16861 .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 66 68 .

ص: 148

في المنتهي : وما يحصل من غير قصد كالغبار الذي يدخل حلقه من الطريق والذبابة ، أو يرشّ عليه الماء فيدخل مسامعه وحلقه ، أو يلقى في فِيهِ ماء فيصل إلى جوفه ، أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة ، أو يصبّ في أنفه أو حلقه شيئا كُرها ، فهذا كلّه لا يفسد الصيام بلا خلاف نعلمه من العلماء كافّة . أمّا لو اُكره على الإفطار بأن وجر في حلقه الماء كرها لم يفطر . ولو توعّده وخوّفه حتّى أكل فكذلك عندنا . وقال الشيخ : إنّه يفطر ، (1) وللشافعيّ قولان ، وقال أبو حنيفة ومالك يفطر مع الإكراه في الصورة الاُولى والثانية أيضا ، (2) [لنا] قوله عليه السلام : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . (3) ولأنّه غير متمكّن من الفعل في الصورتين فلا يصحّ تكليفه عقلاً ، كما لو طارت ذبابة إلى حلقه أو ذرعه القيء . (4) ولا تظنّنّ من قوله ذلك قول الشيخ بوجوب القضاء مع الوجور في الحلق أيضا ، فإنّه ما قال بذلك ، وأجمع الأصحاب وفاقا لأكثر العامّة على صحّة صومه ، بل أراد قبوله بذلك في صورة التخويف فقط . وبه قال في المبسوط ، (5) وعلّله بأنّه مع التوعّد يختار الفعل ، فيصدق عليه أنّه فعل المفطر اختيارا ، فوجب عليه القضاء ، واُجيب بمنع كون ذلك الفعل مفطرا . (6) وقال صاحب المدارك : ويكفي في الجواز ظنّ الضرر بالترك ، وربّما ظهر من عبارة الدروس أنّ ذلك إنّما يسوغ

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 569 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 398 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 398 .
4- .تقدم الحديث وتخريجه .
5- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 273 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 428 .

ص: 149

عند خوف التلف ، (1) ويدفعه إطلاق الأخبار المسوّغة للتقيّة كقوله عليه السلام في حسنة زرارة : «التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به» . (2) وفي حسنة الفضلاء : «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه [له]» (3) . (4) ثمّ المشهور بين الأصحاب أنّ كفّارة صوم شهر رمضان مخيّرة ، وهي : عتق رقبة ، أو صوم شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا ؟ قال : «عليه خمسة عشر صاعا ، لكلّ مسكين مدّ ، بمدّ النبيّ صلى الله عليه و آله أفضل» . (5) وفي الموثّق عنه عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكينا» . قال : وقال : «إنّه خليق أن لا أراه يدركه أبدا» . (6) وعن المشرقي ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاما متعمّدا ، ما عليه من الكفّارة ؟ فكتب عليه السلام : «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوما بدلاً عن يوم» . (7) وفي الحسن عن أبي بصير وسماعة بن مهران ، قالا : سألنا أبا عبداللّه عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ، فلم يقدر على الصيام ، ولم يقدر على العتق ، ولم

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 276 ، الدرس 72 .
2- .الكافي ، باب التقيّة ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 214 ، ح 21392 .
3- .الكافي ، ج 2 ، باب التقيّة ، ح 18 ؛ وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 214 ، ح 21393 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 70 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 207 ، ح 599 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 48 ، ح 12797 .
6- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 272 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 207 ، ح 600 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 49 ، ح 12799 .

ص: 150

يقدر على الصدقة ؟ قال : «فليصم ثمانية عشر يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» . (1) وعن السيّد في أحد قوليه (2) وعن ابن أبي عقيل : (3) أنّها مرتبة العتق ، ثمّ الصيام ، ثمّ الإطعام ؛ محتجّا برواية المشرقيّ حيث دلّ قوله عليه السلام : «فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدلاً عن يوم» على تعيين العتق مع القدرة . واُجيب بأنّ الوجوب المستفاد منه أعمّ من العيني والتخييري ، وضعف الرواية بجهالة المشرقيّ على ما فسّره المصنّف في بعض المواضع من أنّه حمزة بن المرتفع . (4) نعم ، على ما ذكره الكشّيّ من أنّه هشام بن إبراهيم البغداديّ ، وحكى توثيقه عن حمدويه (5) يحتمل الصحّة ولا يضرّ الضعف لما ستعرف . والأظهر الاحتجاج عليه بما رواه الصدوق عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاريّ ، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّ رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : هلكت [وأهلكت] ، فقال عليه السلام : وما أهلكك ؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : اعتق رقبة ، قال : لا أجِدُ ، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقال : لا اُطيق ، قال : تصدّق على ستّين مسكينا ، قال : لا أجد ، فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله بعذق في مكتل (6) فيه خمسة عشر صاعا من تمر ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : [خذ هذا] فتصدّق بها ، فقال : والذي بعثك بالحقّ نبيّا ، ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منّا ، فقال : خذه فكُله أنت وأهلك ، فإنّه كفّارة لك» . (7) وفي النهاية : العذق بالفتح : النخلة ، وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 207 208 ، ح 601 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 97، ح 314؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 381 382 ، ح 13644 .
2- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 672 ، والعاملي في مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 82 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 438 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 82 .
4- .الكافي ، كتاب التوحيد ، باب الإرادة ، ح 5 .
5- .اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 790 ، ذيل ح 955 .
6- .المكتل : الزنبيل الكبير . مجمع البحرين ، ج 5 ، ص 460 (كتل) .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 115 116 ، ح 1885 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 46 47 ، ح 12793 ، ومابين الحاصرتين منهما .
8- .النهاية ، ج 3 ، ص 199 (عذق) .

ص: 151

ولا يضرّ جهالة (1) طريق المصنّف إلى عبد المؤمن ؛ لظهور وقوع القضيّة واشتهارها بين العامّة والخاصّة ، فقد روى في العزيز أيضا عن أبي هريرة : أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : هلكت ، فقال : «ما شأنك ؟» قال : واقعت امرأتي في رمضان ، قال : «تستطيع تعتق رقبة ؟» قال : لا ، قال : «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟» قال : لا ، قال : «فهل تستطيع أن تُطعم ستّين مسكينا ؟» قال : لا ، قال : «اجلس» ، فجلس فأتى النبيّ صلى الله عليه و آله بعرف فيه تمر ، والعرف : المكتل الفخم ، قال : «فخُذ هذا فتصدّق به» ، قال : أعلى أفقر منّا ؟ فضحك النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى بدت نواجذه ، وقال : «أطعمه عيالك» . (2) وفي النهاية : في حديث المظاهر أنّه اُتي بعرق من تمر ، وهو زبيل منسوج من نسائج الخوص ، وكلّ شيء مضفور فهو عرق وعرقة بفتح الراء فيهما ، وقد تكرّر في الحديث . (3) وذهب إليه الشافعي أيضا . (4) وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على كفّارة الجمع ، رواه سماعة ، قال : سألته عن رجلٍُ أتى أهله في رمضان متعمّدا ، فقال : «عليه عتق رقبة وإطعام ستّين مسكينا وصوم شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، وأنّى له (5) مثل ذلك اليوم» . (6) قال الشيخ : يحتمل أن يكون المراد بالواو في الخبر التخيير دون الجمع ؛ لأنّها قد تستعمل في ذلك ؛

.


1- .في الأصل : «لجهالة» .
2- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 442 . ورواه البخاري في صحيحه ، ج 7 ، ص 236 ؛ ومسلم في صحيحه ، ج 3 ، ص 138 139 ؛ والترمذي في السنن ، ج 2 ، ص 114113 ، ح 720 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 221 .
3- .النهاية ، ج 3 ، ص 219 (عرق) .
4- .مختصر المزني ، ص 56 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 452 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 332 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 65 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 65 .
5- .في الأصل : «لك» ، والتصويب من المصدر .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 604 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 97 ، ح 315 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 54 ، ح 12815 .

ص: 152

قال اللّه تعالى : «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» (1) ، وإنّما أراد مثنى أو ثلاث أو رباع ولم يرد الجمع ، ويحتمل أيضا أن يكون هذا الحكم مخصوصا بمن أتى أهله في حال يحرم الوطي فيها ، مثل الوطئ في الحيض أو في حال الظهار قبل الكفّارة ، فإنّه متى فعل لزمه الجمع بين الكفّارات الثلاث ؛ لأنّه قد وطئ محرّما في شهر رمضان . (2) واستدلّ عليه برواية عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرِّضا عليه السلام : يا ابن رسول اللّه ، قد روي عن آبائك عليهم السلام فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروي عنهم عليهم السلام أيضا كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ ؟ قال : «بهما جميعا ، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسيا فلا شيء عليه» . (3) وبهذا التفصيل قال أكثر الأصحاب ، ولا يضرّ جهالة أكثر رواة الخبر ؛ لشهرته بين الأصحاب . وقال الصدوق رضى الله عنه : وأمّا الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان أنّ عليه ثلاث كفّارات ، فإنّي أفتي به فيمن أفطر بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه ؛ لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضى الله عنهفيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه . (4) فالظاهر اتّصاله بصاحب الأمر صلى الله عليه و آله .

.


1- .النساء (4) : 3 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 209 ، ح 604 .
3- .ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 3 ، ص 378 ، ح 4331 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 ، ح 605 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 97 98 ، ح 36 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 54 55 ، ح 12814 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 118 ، ذيل ح 1892 .

ص: 153

وقد جمع بعضٌ بين الأخبار بالقول باستحباب الجمع . وفي بعض الأخبار ما يدلّ على نفي الكفّارة مطلقا ، بل نفي القضاء أيضا لبعض المفطرات ؛ ففي موثّق عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل وهو صائم فجامع أهله ، فقال : «يغتسل ولا شيء عليه» . (1) وقال الشيخ قدس سره : هذا الخبر محمول على أنّه إذا جامع ناسيا دون العمد . ويحتمل أيضا أن يكون المراد من لا يعلم أنّ ذلك لا يسوغ في الشريعة . (2) واستدلّ على ذلك بموثّق زرارة وأبي بصير ، قالا جميعا : سألنا أبا جعفر عليه السلام عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ، [قال : «ليس عليه شيء»] . (3) واعلم أنّه يجب القضاء أيضا مع الكفّارة إجماعا منّا ووفاقا لأكثر العامّة . ويدلّ عليه رواية عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، (4) وخبر سماعة الذي رويناه قبيل هذا ، (5) ومرسل إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض أصحابه ، (6) قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينام حتّى يغتسل ، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام حتّى يغتسل ، فمَن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، ويتمّ صيامه ، ولن يدركه أبدا» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ذيل ح 602 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 118 ، ح 1894 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 602 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 51 ، ح 12803 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 208 ، ح 603 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 249 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 53 ، ح 12813 .
4- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 46 ، ح 12792 .
5- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 54 ، ح 12815 .
6- .كذا في الأصل ، وفي المصادر : «عن بعض مواليه» .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 213 ، ح 618 ؛ وص 320 321 ، ح 982 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12839 ، وص 104 ، ح 12967 .

ص: 154

وخبر سليمان بن جعفر المروزيّ ، عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه» . (1) وقال الأوزاعيّ وشاذان منهم : إن كفّر بالصيام أجزأه الشهران ، وإن كفّر بغيره صام يوما للقضاء . (2) وبه قال الشافعيّ في أحد القولين . (3) ثمّ المشهور بين الأصحاب أنّ مع العجز عن الخصال الثلاث يستغفر ، ولا شيء عليه في كفّارة الصوم وفي سائر الكفّارات سوى الظهار ، وفي حكمه الإيلاء مرتّبة كانت الخصال أو مخيّرة ؛ لما رواه أبو بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «كلّ من عجز عن الكفّارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك ممّا يجب على صاحبه فيه الكفّارة ، فالاستغفار له كفّارة ما خلا يمين الظهار ، فإنّه إن لم يجد ما يكفّر به حرمت أن يجامعها وفرّق بينهما ، إلّا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها» . (4) وصحيحة عبداللّه بن سنان (5) دالّة على وجوب التصدّق بما يطيق بعد العجز عن الخصال الثلاث في كفّارة شهر رمضان . ومثله حسنة عنه عليه السلام أنّه قال في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق على ستّين مسكينا : «يتصدّق بما يطيق» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 617 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 64 ، ح 12838 .
2- .المجموع ، ج 6 ، ص 345 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 453 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 54 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 54 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 40 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 312 ؛ التمهيد ، ج 7 ، ص 178 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 184 ، المسألة 29 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 28 . والمذكور في الجميع قول الأوزاعي ، ولم أعثر على مصدر لكلام شاذان .
3- .اُنظر المصادر المتقدّمة .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 8 ، ص 16 ، ح 50 ؛ وص 320 ، ح 1189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 22 ، ص 367 ، ح 28799 .
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 44 45 ، ح 12789 .
6- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 206 ، ح 596 ؛ وج 8 ، ص 324 ، ح 1205 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 81 ، ح 246 ، وص 96 ، ح 313 ؛وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 46 ، ح 112791 .

ص: 155

وبه قال ابنا بابويه رضي اللّه عنهما فيها وفي كفّارة الظهار أيضا ، (1) فقد روى أبو بصير عنه عليه السلام قال : سألته عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدّق ، ولا يقوى على الصيام ، قال : «يصوم ثمانية عشر يوما ، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» . (2) وبه قال الشيخ في النهاية ، وقال : مع العجز عن صيام ثمانية عشر يوما في الظهار تحرم عليه الزوجة حتّى يقدر على الكفّارة ، (3) وهؤلاء لم يجعلوا الاستغفار بدلاً . وإليه ذهب في التهذيب في كفّارة الصوم ، حيث قال : من أفطر يوما من شهر رمضان فعليه عتق رقبة ، أو إطعام ستّين مسكينا ، أو صيام شهرين متتابعين ، أيّ هذه الثلاثة فقد أجزأه ، فإن لم يقدر على ذلك صام ثمانية عشر متتابعات ، فإن لم يقدر فليتصدّق بما أطاق ، أو فليصم ما استطاع . (4) وقال الشهيد قدس سره في اللمعة : وكلّ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن صومهما أجمع صام ثمانية عشر يوما ، فإن عجز تصدّق ، [يعني] عن كلّ يوم [من الثمانية عشر ]بمدّ ، فإن عجز استغفر اللّه . (5) وظاهره أنّ الحكم كذلك في كفّارة الظهار أيضا ، وجمع بذلك بين الأخبار . ويؤيّد هذين القولين صحيحة عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش ، قال : «عليه بدنة» ، قلت : فإن لم يقدر على بدنة ؟ قال : «فليطعم ستّين مسكينا» ، قلت : فإن لم يقدر على أن يتصدّق ؟ قال : «فليصم ثمانية عشر يوما» ، (6) الحديث . وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن أصاب شيئا فداؤه بدنة من

.


1- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 236 ؛ المقنع ، ص 192 و 323 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 8 ، ص 23 ، ح 74 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 372 ، ح 28813 .
3- .النهاية ، ص 524 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 205 ، الباب 55 .
5- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 77 ؛ شرح اللمعة ، ج 3 ، ص 30 .
6- .الكافي ، باب كفّارات ما أصاب المحرم من الوحش ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 9 ، ح 17105 .

ص: 156

الإبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكينا ، كلّ مسكين مدّا ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان عشرة مساكين ثلاثة أيّام» . (1) وقد ورد في موثّق إسحاق بن عمّار ، عنه عليه السلام ، أنّه قال في كفّارة الظهار : «إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فليستغفر ربّه ، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ، ثمّ ليواقع ، وقد أجزأ ذلك عنه عن الكفّارة ، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر به يوما من الأيّام فليكفّر ، وإن تصدّق بكفّه فأطعم نفسه وعياله فإنّه يجزيه إذا كان محتاجا ، وإلّا يجد ذلك فليستغفر ربّه وينوي أن لا يعود ، فحسبه بذلك واللّه كفّارة» . (2) وبه قال العلّامة في المختلف (3) والشيخ في قول آخر . (4) ثمّ اعلم أنّ عقوبة إفطار شهر رمضان ليست منحصرة في القضاء والكفّارة ، بل يقتل من أفطره مستحلّاً إن كان فطريّا ، وإلّا استتيب ، كتارك الصلاة كذلك ؛ لكون الصوم أيضا من ضروريّات الإسلام . ويؤكّد ذلك صحيحة بريد . (5) وبعد تعزيرين لامستحلّاً عند أكثر الأصحاب ؛ (6) لرواية سماعة . (7) وقيل : بعد ثلاث تعزيرات ؛ لما رواه الشيخ مرسلاً عنهم عليهم السلام أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة . (8) ويؤيّده الاحتياط في الدماء . ولو أفطر مرارا بدون مرافعة إلى الحاكم ووقوع التعزير فلا قتل وإن زاد على

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 343 ، ح 1187 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 13 ، ح 17115 .
2- .الكافي ، ج 7، ص 461 ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 8 ، ص 320 321 ، ح 1190 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 56 ، ح 196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 22 ، ص 368 ، ح 28802 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 7 ، ص 435 .
4- .الاستبصار ، ج 4 ، ص 56 ، ذيل ح 196 .
5- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ و كتاب الحدود ، باب المرتدّ ، ح 20 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 117 ، ح 1890 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 215 ، ح 624 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 248 249 ، ح 13334 .
6- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 116 .
7- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 249 ، ح 1335 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 129 ، وج 2 ، ص 284 .

ص: 157

الأربع ، ولو وطأ زوجته مكرهة يتحمّل عنها الكفّارة والتعزير ، فيجب عليه كفّارتان ، ويعزّر خمسين سوطا ، كما يدلّ عليه خبر المفضّل بن عمر ، (1) واشتهر بين الأصحاب . (2) وفي المنتهى والمعتبر : «أنّ هذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ أصحابنا ادّعوا الإجماع على مضمونها» . (3) ولكنّ الصدوق رضى الله عنه قال : «لم أجد ذلك في شيء من الاُصول ، وإنّما تفرّد برواية عليّ بن إبراهيم بن هاشم» . (4) واُيّد ذلك بأنّ ذلك التحمّل فرع فساد صومها ووجوب الكفّارة عليها ووجوب تعزيرها ، وهذه كلّها منفيّة للإكراه ، والأوّل أظهر ؛ للرواية وعمل الأصحاب بها . قوله في صحيحة عبداللّه بن سنان : (ويصوم شهرين متتابعين) . [ح1/6382] قال طاب ثراه : التتابع معتبر عندنا (5) وعند أكثر العامّة ، وأسقطه ابن أبي ليلى ، (6) وقال الآبي : واختلف القائلون بلزوم الكفّارة على من أفطر متعمّدا ، فأئمّة الفتوى على أنّ الصوم فيه شهران متتابعان ، وعن ابن المسيّب أنّه شهر واحد ، (7) وعن ربيعة إنّه اثني عشر يوما . (8) قوله : (أو يطعم ستّين مسكينا) .[ح1 /6382] قال طاب ثراه : «هذا هو العدد المعتبر عندنا وعند أكثر العامّة ، وعن الحسن : أنّه

.


1- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 56 ، ح 12820 .
2- .المقنعة ، ص 348 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 275 ؛ الوسيلة ، ص 146 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 681 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 483 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 88 ، المسألة 50 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 ؛ جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 70 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 37 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 ، واللفظ له ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 681 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 117 ، ذيل ح 1889 .
5- .اُنظر : الاقتصاد ، ص 291 ؛ الوسيلة ، ص 145 ؛ الغنية ، ص 142 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 411 ؛ المختصر النافع ، ص 72 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 574 .
6- .اُنظر : منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 574 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 345 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 72 .
7- .المحلى لابن حزم ، ج 11 ، ص 135 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 195 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 329 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 51 .
8- .الخلاف ، ج 2 ، ص 194 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 329 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 51 .

ص: 158

يطعم أربعين عشرين صاعا» . (1) قوله في حسنة جميل بن درّاج : (فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر) . [ح2 / 6383] قال طاب ثراه : المكتل بكسر الميم وفتح التاء : الزبيل بفتح الزاي دون نون ، (2) ويُقال له : الزنبيل بكسر الزاي وزيادة النون ، (3) ويُقال له : القفة (4) أيضا ، ثمّ قال : مثله مذكور في صحيح مسلم ، (5) وقال محيي الدِّين البغوي : أكثر الاُمّة على وجوب الكفّارة على الواطي عمدا ؛ لهذا الحديث ، ولقوله : «هلكت» ، وشذّ بعضهم فقال : لا يجب ، واحتجّ بقوله : «وأطعمه عيالك» . وأحسن ما يحمل عليه الحديث عندنا أنّه أباح له تأخيرها إلى وقت اليسر ، لا أنّه أسقطها عنه جملة . وقال الآبي : قال ابن العربي : هذا رخصة لهذا الرجل خاصّة ، وأمّا اليوم فلابدّ من الكفّارة . وقال عياض : قال الزهري : هذا خالص لهذا الرجل ، أباح له أن يأكل من صدقة نفسه ؛ لسقوط الكفّارة عنه لفقره . (6) وقيل : هو منسوخ ، وقد يحتمل أنّه أعطاه ليكفّر به ويجزيه إذا أعطاه من لا يلزمه نفقته من أهله . وقيل : لمّا كان عاجزا عن نفقة عياله ما أعطاه الكفّارة عن نفسه لهم . وقيل : لمّا ملكها وهو محتاج جاز له ولأهله أكلها ؛ لحاجتهم . وقيل : يحتمل أنّه لمّا كان لغيره أن يكفّر عنه جاز لغيره أن يتصدّق عليه عند الحاجة

.


1- .شرح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 229 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 147 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 27 .
2- .ترتيب كتاب العين ، ج 3 ، ص 1555 (كتل) .
3- .صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1715 .
4- .النهاية ، ج 4 ، ص 91 ؛ عمدة القاري ، ج 5 ، ص 116 .
5- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 138 139 ، وتقدّم الحديث وتخريجه .
6- .اُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 222 .

ص: 159

باب الصائم يقبِّل أو يباشر

بتلك الكفّارة . وترجم البخاري : عليه إطعام الجائع من كفّارة أهله وهم محاويج . وقيل : هو جائز إذا عجز عن نفقته ؛ إذ لا يلزمه نفقتهم حينئذ ، فهم كغيرهم . وقال أحمد : حكم من لزمته كفّارة ولم يجدها السقوط ، كهذا الرجل .

باب الصائم يقبِّل أو يُباشرلقد أجمع علماء الإسلام على أنّ تقبيل النساء وملاعبتهنّ وملامستهنّ مجرّدة عن الإنزال غير مفطر ، بل غير محرّم . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين ، فقد روى الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا تنقض القُبلة الصوم» . (1) وعن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن القبلة في شهر رمضان للصائم ، أيفطره ؟ فقال : «لا» . (2) وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم ، فقال : «لا بأس ، وإن أمذى فلا يفطر» . (3) وعن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الصائم أله أن يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك ؟ قال : «لا بأس» . (4) ويستفاد ذلك من كثير ممّا تقدّم من الأخبار . وفي العزيز : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يقبِّل وهو صائم . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ح 819 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 99 100 ، ح 12951 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ح 820 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 ، ح 12953 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 823 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 83 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 128 ، ح 13025 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 978 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 102 ، ح 12962 .
5- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 397 . والحديث في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 193 و 215 و 256 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 12 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 25 ، و ج 3 ، ص 135 و 136 ؛ وسنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 538 ، ح 1685 .

ص: 160

وعن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقبّل بعض نسائه وهو صائم ، وكان أملككم لإربه . (1) والظاهر من الأخبار والمشهور بين العلماء الأخيار كراهتها للشابّ الشبق خاصّة ، وبه صرّح المحقّق في المعتبر (2) والعلّامة في المنتهى والتذكرة . (3) وقال الشيخ في الخلاف : تكره القُبلة للشابّ إذ كان صائما ، ولا تكره للشيخ . وبه قال ابن عمر وابن عبّاس . (4) وقال الشافعيّ : يكره لهما إذا حرّكت الشهوة ، وإلّا لم تكره . (5) وقال مالك : تكره على كلّ حال . (6) وبه قال عمر بن الخطّاب . وقال ابن مسعود : لا تكره على كلّ حال . (7) ثمّ استدلّ على ما ذهب إليه بإجماع الفرقة وطريقة الاحتياط . وعدّها في المبسوط في ذيل المكروهات من غير تقييد بالشابّ الشبق ، (8) وظاهره الكراهة مطلقا للشابّ الشبق وغيره ، وإليه ميله في التهذيب حيث قال بعدما روى رواية سماعة المتقدّمة _ : «وقد روي كراهة القبلة للصائم مخافة أن يسبق الإنسان شهوته وخاصّة للشابّ» . (9) وهو ظاهر العلّامة في الإرشاد . (10)

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 397 . والحديث في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 42 و 44 و 98 و 126 و 156 و 201 و 220 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 233 ؛ وصحيح مسلم ، ج 3 ، ص 135 .
2- .المعتبر ، ج 2 ، ص 663 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 25 .
4- .مختصر المزني ، ص 57 .
5- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 107 ؛ مختصر المزني ، ص 57 .
6- .المغني ، ج 3 ، ص 48 .
7- .الخلاف ، ج 2 ، ص 197 ، المسألة 48 . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 355 . و روي البيهقي في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 234 : أنّ ابن مسعود كان يباشر امرأته بنصف النهار وهو صائم . ورواه أيضا عبد الرزّاق في المصنّف ، ج 4 ، ص 190 191 ،8442 ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 90 ، والطبراني في المعجم الكبير ، ج 9 ، ص 314 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 ، ذيل ح 820 .
10- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 453 .

ص: 161

وبه قال الصدوق رضى الله عنه : ولا بأس بالقبلة للصائم للشيخ الكبير ، وأمّا الشابّ الشبق فلا ، فإنّه لا يؤمن أن تسبقه شهوته ، وقد سُئل النبيّ صلى الله عليه و آله عن الرجل يقبِّل امرأته وهو صائم ، قال : «هل هي إلّا ريحانة يشمّها» ، وأفضل ذلك أن يتنزّه الصائم عن القبلة . (1) ويدلّ على المشهور زائدا على ما رواه المصنّف في الباب صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سُئل : هل يباشر الصائم أو يقبِّل في شهر رمضان ؟ فقال : «إنّي أخاف عليه ، فليتنزّه عن ذلك إلّا أن يثق ألاّ يسبقه منيّه» . (2) وخبر الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، اُقبِّل وأنا صائم ؟ فقال له : «عفّ صومك ، فإن بدو القتال اللطام» . (3) وقال الصدوق : قد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «أما يستحى أحدكم أن يصبر يوما إلى الليل ، أنّه كان يُقال إنّ بدو القتال اللّطام» . (4) وروى الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سأله عن الرجل يجد البرد ، أيدخل مع أهله في لحاف وهو صائم ؟ قال : «يجعل بينهما ثوبا» . (5) وفي المنتهى روى الجمهور عن عمر بن الخطّاب ، قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في المنام فأعرض عنّي ، فقلت : ما لي ؟ فقال : «إنّك تقبِّل وأنت صائم» . (6) وظاهر الأصحاب الكراهة وإن غلب على ظنّه الإنزال ، ففي المنتهى : ولو غلب على ظنّه الإنزال فهل هي محرّمة أو مكروهة ؟ الأكثر على أنّها مكروهة ،

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 113 ، ح 1874 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 271 272 ، ح 821 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 251 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 ، ح 12952 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 822 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 ، ح 12954 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 113 ، ح 1875 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 98 ، ح 12944 .
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 115 ، ح 1882 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 98 ، ح 12946 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 . والحديث في المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 48 ؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 74 ؛ وشرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 88 ؛ وكنز العمّال ، ج 8 ، ص 616 ، ح 24404 .

ص: 162

وقال بعض الشافعيّة : إنّها محرّمة حينئذٍ ؛ لأنّ إنزال الماء مفسد للصوم ، فلا يجوز أن يعرّض الصوم للإفساد . (1) ثمّ أجاب عنه : بأنّ أفضاءه إلى الإفساد مشكوك فيه فلا يثبت التحريم بالشكّ . واستدلّ على ما ذهب إليه بما تقدّم من الأحاديث الدالّة على الكراهة . ولو تسبّبت عن الإنزال ، فظاهر الأصحاب وجوب القضاء والكفّارة مطلقا ، قصد الإنزال أو لا ، كانت علّة في العادة له أم لا ، بل اتّفق ، ففي المنتهى : «الإنزال (2) نهارا مفسدٌ للصوم مع العمد ، سواءً أنزل باستمناء أو ملامسة أو قبلة بلا خلاف» . (3) وقال في الخلاف : إذا وطأ فيما دون الفرج أو باشرها أو قبّلها بشهوة فأنزل كان عليه القضاء والكفّارة ، وبه قال مالك . (4) وقال الشافعي : (5) لا كفّارة عليه ويلزمه القضاء . (6) واحتجّ على ما ذهب إليه بإجماع الفرقة والاحتياط ، ويدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني ؟ قال : «عليه [من الكفارة] مثل ما على الذي يجامع» . (7) ورواية سماعة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : «عليه إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين مدّ» . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 581 .
2- .في الأصل : «الإفساد»، والمثبت من المصدر.
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 564 .
4- .المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 196 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 343 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 290 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 131 .
5- .مختصر المزني ، ص 57 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 290 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 131 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 198 .
7- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 206 207 ، ح 597 ؛ وص 273 ، ح 826 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 81 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 39 ، ح 12776 ، ومابين الحاصرتين من المصادر .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 980 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12779 .

ص: 163

وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وضع يده على شيء من جسد امرأته فأدفق ؟ قال : «كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين أو يعتق رقبة» . (1) وربّما استدلّ عليه بأنّه أنزل في نهار شهر رمضان عقيب فعل يحصل معه الإنزال . (2) ونفى ابن الجنيد الكفّارة إلّا مع قصد الإنزال ، وقال : «لو أنزل من غير قصد كان كالمتمضمض للتبرّد ، فينبغي أن لا تجب الكفّارة عليه» . واُجيب بأنّه وإن لم يقصد الإنزال لكن قد قصد فعلاً يحصل معه ، فكان كالمجامع . (3) هذا ، وقد سوّى ابن الجنيد بين المذي والمني في الحكم المذكور ، حيث قال : «لا بأس بالملامسة ما لم يتولّد منه مني أو مذي ، فإن تولّد ذلك وجب القضاء وإن اعتمد إنزال ذلك وجب القضاء والكفّارة» ، (4) وكأنّه استند في ذلك بخبر رفاعة بن موسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لامسَ امرأته في شهر رمضان فأمذى ؟ قال : «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا ، ويصوم يوما مكان يوم ، وإن كان من حلال فليستغفر اللّه ولا يعود ، ويصوم يوما مكان يوم» . (5) وقال الشيخ في الاستبصار : «فهذا خبر شاذّ مخالف لفتيا أصحابنا ويوشك أن يكون وهما من الرواي ، أو يكون خرج مخرج الاستحباب دون الفرض والإيجاب» . (6) وقال في التهذيب : ولعلّ الراوي وَهَمَ في قوله في آخر الخبر : «ويصوم يوما مكان يوم» ؛ لأنّ متضمّن الخبر يدلّ عليه ، ألا ترى أنّه شرع في الفرق بين أن يكون أمذى من مباشرة حرام [وبين أن

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 320 ، ح 981 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 40 ، ح 12780 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 436 .
3- .نفس المصدر ، ص 436 437 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 435 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 273 ، ح 825 ؛ وص 320 ، ح 979 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 129 ، ح 13027 .
6- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ذيل ح 255 .

ص: 164

يكون من مباشرة]حلال ، ولا فرق في الرواية التي رواها ، فعلم أنّه وهم من الراوي . (1) والرواية على ما رواها في الفقيه عن هذه المؤاخذة سالمة . روى في الصحيح أنّ رفاعة بن موسى سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لامسَ جاريته في شهر رمضان فأمذى ، قال : «إن كان حراما فليستغفر اللّه استغفار من لا يعود أبدا ، ويصوم يوما مكان يوم» . (2) ولا يبعد حمل المذي على المني ، وربّما حمل على الاستحباب . وبالجملة ، فلا ريب في عدم وجوب القضاء به ؛ لما روي عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم ، فقال : «لا بأس وإن أمذى فلا يفطر» ، قال : «وقال : «لَا تُبَ_شِرُوهُنَّ» (3) يعني الغشيان (4) في شهر رمضان بالنهار» . (5) وعنه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم ، فقال : «ليس عليه شيء ، وإن أمذى فليس عليه شيء ، والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ، ولا ينبغي [له] أن يتعرّض لرمضان» . (6) وأمّا النظر والكلام فقد قال الشيخ المفيد قدس سره : إنّه لا شيء عليه وإن أمنى . (7) واحتجّ الشيخ عليه بخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل كلّم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى ، فقال : «لا بأس» . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 273 ، ذيل ح 825 ، ومابين الحاصرتين منه .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 113 114 ، ح 1876 .
3- .البقرة (2) : 187 .
4- .في الأصل : «يعني النساء» ، والتصويب من المصدر .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 823 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 82 83 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 100 101 ، ح 12955 ؛ وص 121 ، ح 13025 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 272 ، ح 824 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 128 ، ح 13026 .
7- .المقنعة ، ص 433 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 273 ، ح 828 .

ص: 165

باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان وغيره

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، ولا يبعد أن يُقال بوجوب القضاء بل الكفّارة أيضا إذا كانت عادته الإمناء وقصده .

باب فيمن أجنب بالليل في شهر رمضان وغيره فترك الغسل إلى أن يصبح ، أو احتلم بالليل والنهارهنا مسائل : الاُولى : مَن أجنب ليلاً وتعمّد البقاء على الجنابة حتّى طلع الفجر وجب عليه القضاء والكفّارة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل ربّما ادّعي عليه الإجماع . (1) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح ، قال : «يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا» ، قال : وقال : «إنّه لخليق أن لا أراه يدركه أبدا» . (2) وعن سليمان بن جعفر المروزي ، عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل صومه» . (3) ويؤكّده الأخبار المتكثّرة التي دلّت على وجوب القضاء للنوم على الجنابة إلى أن يطلع الفجر ، وسيأتي من طرق العامّة عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «مَن أصبح

.


1- .الانتصار ، ص 185 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 222 ، المسألة 87 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 26 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 284 . وانظر : المراسم العلويّة ، ص 96 97 ؛ المختصر النافع ، ص 66 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 655 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 142 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 160 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 476 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 616 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 ، ح 12837 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 ، ح 617 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 63 64 ، ح 12838 .

ص: 166

جنبا في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه» . (1) وحكي عن ابن عقيل أنّه أوجب عليه القضاء خاصّة ، وكأنّه احتجّ عليه بما سيأتي من الأخبار الواردة في وجوب القضاء خاصّة بالنوم على الجنابة ، كما حكى عنه في المختلف . (2) وفي المنتهى أنّه احتجّ عليه بما رواه إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتّى أصبح ؛ أيّ شيء عليه ؟ قال : «لا يضرّه هذا [ولا يفطر ولا يبالي] ، فإِنّ أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام ، قال : لا يفطر ولا يبالي ، ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتّى يصبح ، أي شيءٍ يجب عليه ؟ قال : لا شيء عليه يغتسل . ورجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل ولم يصب ماءً فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه فعسر عليه حتّى أصبح ، كيف يصنع ؟ قال : يغتسل إذا جاءه ، ثمّ يصلّي» . (3) ولم أعثر على وجه الدلالة . ويظهر من السيّد المرتضى رضى الله عنه الميل إلى هذا القول حيث قال في الجمل : وقد روي أنّه من أجنب في ليالي شهر رمضان وتعمّد البقاء على جنابته إلى الصباح من غير اغتسال كان عليه القضاء والكفّارة ، وروي أنّ عليه القضاء دون الكفّارة . (4) ويظهر من المختلف (5) أنّ الصدوق رضى الله عنهقال في المقنع (6) بعدم وجوب القضاء أيضا محتجّا

.


1- .حكاه المرتضى في الانتصار ، ص 186 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 671 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 48 ؛ والجصّاص في أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 237 . وورد بلفظ : «من أصبح جنبا فلا صوم له» في : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 424 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 308 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 184 ، وص 203 وفيه : «فلا يصم» .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 407 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 573 . والحديث في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 619 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ح 266 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 59 ، ح 12826 . ومابين الحاصرتين من تهذيب الأحكام . وحديث عائشة في مسند أحمد ، ج 6 ، ص 313 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ص 55) .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 409 .
6- .المقنع ، ص 189 .

ص: 167

بأصالة براءة الذمّة من القضاء والكفّارة ، وضعف الأدلّة الدالّة عليهما ، وبقوله تعالى : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» (1) . وتدلّ عليه رواية سليمان بن أبي زينبة ، قال : كتبت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلامأسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، فكتب إليَّ بخطّه أعرفه مع مصادف : «يغتسل من جنابته ، ويتمّ صومه ولا شيء عليه» . (2) وسأل حمّاد بن عثمان أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل فأخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، فقال له : «قد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يجامع نساءه من أوّل الليل ويؤخّر الغسل إلى أن يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب : يقضي يوما مكانه» . (3) وصحيحة حبيب الخثعميّ عن الصادق عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثمّ يجنب ، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّدا حتّى يطلع الفجر» . (4) وقد حملت هذه الأخبار على التقيّة ؛ لأنّ ذلك قول العامّة كافّة . قال طاب ثراه : قالوا ذلك متمسّكين بروايات كثيرة ، ذكر مسلم في كتابه منها ستّة بلا معارض ، وقد نقل الآبي : أنّ أبا حنيفة كان أوّلاً قائلاً باشتراط الغسل للصوم ، ثمّ رجع عنه وقال بخلافه لمّا بلغه عن عائشة واُمّ سلمة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يصبح جنبا ثمّ يصوم . (5)

.


1- .البقرة (2) : 187 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 10 ، ص 210 ، ح 609 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 58 ، ح 12825 .
3- .المقنع ، 189 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 57 58 ، ح 12823 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 620 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 276 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12840 .
5- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 137 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 71 عن عائشة وحدها ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج 2 ، ص 185 ، ح 2966 عن اُمّ سلمة ، وص 193 ، ح 3018 عن عائشة .

ص: 168

وقال المازريّ : الصحيح أنّ أبا هريرة رجع عن هذا المذهب ، وقيل : لم يرجع . وأمّا الآية فقد قالوا : إنّ «حتّى» فيها قيد للجملة الأخيرة ، يعني «كلوا واشربوا» على ما تقرّر في الاُصول من عود القيود الواقعة بعد جمل متعدّدة إلى الأخيرة ، والاحتياج في عوده إلى غيرها إلى دليل ، والتقرير المذكور ممنوع ، بل الأظهر عوده إلى كلّ من الجمل المتعدّدة حتّى يثبت خلافه ، لاسيّما وقد دلّت الأخبار التي منها صحيحة على سقوط القضاء ، وهو مُؤيّد للعود المذكور وإمكان حمل أخبار المعارضة على الاستحباب ، إلّا أن يتمسّك بالاحتياط . ونِعْمَ ما قال المحقّق الأردبيلي قدس سره : وأكثر الأصحاب على اشتراطه ، يعني الغسل ، وابن بابويه على عدمه ، والأخبار مختلفة . والظاهر مذهب ابن بابويه ؛ للأصل والرواية الصريحة ، بل ظاهر الآية حيث دلّت على جواز الرفث والمباشرة في جميع أجزاء الليل والشريعة السهلة ، وأولويّة الجمع بين الأدلّة بحمل ما يدلّ على الغسل ليلاً على الاستحباب ، ولكنّ الاحتياط مع الجماعة . (1) الثانية : قد اشتهر بين الأصحاب أنّ النوم على الجنابة في الليل حتّى يطلع الفجر من غير قصد للغسل في حكم العمد . (2) ويدلّ عليه خبر إبراهيم بن عبد الحميد ، عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : «إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتّى يغتسل ، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتّى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتمّ صيامه ، ولن يدركه أبدا» . (3)

.


1- .زبدة البيان ، ص 174 .
2- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 406 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 75 76 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 212 213 ، ح 618 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 87 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 64 ، ح 12839 .

ص: 169

وعارضه خبر إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتّى أصبح ، أيّ شيءٍ عليه ؟ قال : «لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإنّ أبي عليه السلام قال : قالت عائشة : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» . (1) وهو يؤكّد ما ذكره المحقّق الأردبيلي قدس سره . و[لو كان] ناويا للغسل [فنام] إلى طلوع الفجر بالنوم الأوّل بعد الجنابة لا شيء عليه ، بل يغتسل ويتمّ صومه ، وبالنوم الثاني يجب القضاء دون الكفّارة ، وإن نام ثالثا فعليه القضاء والكفّارة . ولم أعثر على دليل عليه ، وما استدلّوا عليه به [لا ]دلالة له . والأخبار الواردة في هذا الباب إنّما تدلّ على وجوب القضاء فقط مطلقا ، وهي صحيحة الحلبيّ ، (2) ومحمّد بن مسلم ، (3) وخبر إبراهيم بن ميمون ، (4) وخبر سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتّى يدركه الفجر ، فقال : «عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوما آخر» . قلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان ، قال : «فليأكل يومه ذلك وليقض ، فإنّه لا يشبه رمضان شيء من الشهور» . (5) وصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح ، قال : «يصوم يومه ويقضي يوما آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى يصبح أتمّ يومه وجاز له» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 213 ، ح 619 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 88 ، ح 275 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 59 ، ح 12826 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .
4- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 611 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 _ 68 ، ح 12845 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 119 120 ، ح 1898 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 61 62 ، ح 12832 .

ص: 170

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : «يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم ، إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي يومه» . (1) وعن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ، ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّدا ، قال : «يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه» . (2) ولا دلالة فيها إلّا على وجوب القضاء بالنوم الأوّل ، أعني الشقّ الأوّل من التفصيل ، والباقيان لا دلالة عليهما . وفي استدلال الشيخ في التهذيب على ذلك التفصيل تأمّل . الثالثة : لو قلنا باشتراط الغسل لصوم شهر رمضان فالظاهر اشتراطه لغيره أيضا من الصوم الواجب ، ففي المقنعة : «ومن أصبح جنبا في يوم قد كان بيّت له النيّة للصيام لقضاء شهر رمضان أو التطوّع لم يجز له صيامه» . (3) واستدلّ له الشيخ بما رواه في الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنّه عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقضي رمضان من أوّل الليل ، ولا يغتسل حتّى آخر الليل ، وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : «لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره» . (4) وفي الصحيح عنه أيضا قال : كتبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام وكان يقضي شهر رمضان قال : إنّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم أغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه : «لا

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 ، ح 613 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 87 ، ح 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 60 ، ح 12829 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 211 212 ، ح 614 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 86 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 62 ، ح 12834 .
3- .المقنعة ، ص 360 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 277 ، ح 837 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 120 ، ح 1899 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12843 .

ص: 171

باب كراهية الارتماس في الماء للصائم

تصم هذا اليوم وصم غدا» . (1) ويتمّ التقريب بضميمة عدم الفرق بين قضاء رمضان وغيره من الواجب كصوم النذر وغيره ، وعدم القول بالفصل بينهما ، وبذلك يظهر ضعف ما قال العلّامة في المنتهى : هل يختصّ هذا الحكم برمضان ؟ فيه تردّد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ، ولا قياس يدلّ عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا . (2) وأمّا الصوم المندوب فقد روى الصدوق في الصحيح عن حبيب الخثعمي ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أخبرني عن التطوّع وعن هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل ، فأعلم أنّي أجنبت وأنام متعمِّدا حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم ؟ قال : «صم» . وهو يدلّ على اشتراط الغسل فيه ، ولا يبعد أن يجعل هذا أيضا مؤيّدا للاستحباب الواجب . (3)

باب كراهية الارتماس في الماء للصائميحتمل أن يريد بالكراهة المعنى المصطلح ، كما اختاره السيّد المرتضى ، (4) وبه قال مالك (5) وأحمد ، (6) وأن يريد الحرمة ، والأخبار أيضا تحتملهما . فإن قيل : الحرمة أظهر ؛ لظهور النهي في الحرمة ، لا سيّما الخبر الأخير حيث شرك بين الصائم والمحرم في هذا الحكم ، (7) ولا ريب في حرمته على المحرم ؟

.


1- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 67 ، ح 12844 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 566 567 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 82 ، ح 1788 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 68 ، ح 12846 .
4- .حكاه عنه الشيخ في الخلاف ، ج 2 ، ص 221 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 400 .
5- .حكاه عنه السيّد المرتضى في الانتصار ، ص 185 ، والمحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 656 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 32 .
6- .حكاه عنه المحقق في المعتبر ، ج 2 ، ص 656 ، والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 32 .
7- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12769 .

ص: 172

قلنا : معارض ذلك بما رواه الشيخ عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يكره للصائم أن يرتمس في الماء» . (1) ويؤيّده الأصل . وعلى الحرمة هل يوجب شيئا أم لا ؟ الظاهر أنّه لا يفسد الصوم ولا يوجب قضاء ولا كفّارة ؛ لأصالة البراءة وعدم دليل عليه ، بل روي عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا ، أعليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال : «ليس عليه قضاء ولا يعودن» . (2) واختاره الشيخ في الاستبصار حيث قال فيه : «ولست أعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفّارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء» . (3) والعلّامة في المنتهى . (4) وذهب المفيد قدس سره إلى أنّه موجب للقضاء والكفّارة . (5) واختاره الشيخ في المبسوط والنهاية ، (6) وهو غريب . وعن ابن أبي عقيل : «أنّه سائغ مطلقا» ، (7) وظاهره نفي الكراهة أيضا ، وهو المشهور بين الجمهور ، (8) والمراد بالارتماس غمس الرأس وإن انفرد عن غمس الجسد كما يظهر من أكثر الأخبار . وأمّا الاستنقاع في الماء فالمشهور كراهته للنساء دون الرجال ، وأنّ النهي في خبر حنّان بن سدير (9) ورد على الكراهة .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 ، ح 606 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 38 ، ح 12774 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 209 210 ، ح 607 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 85 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 43 ، ح 12785 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 85 ، ذيل ح 263 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 565 .
5- .المقنعة ، ص 344 .
6- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 270 ؛ النهاية ، ص 154 .
7- .حكاه عنه العلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 50 ؛ ومختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 400 .
8- .اُنظر : المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 3 ، ص 45 ؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 45 .
9- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12771 .

ص: 173

باب المضمضة والاستنشاق للصائم

ونقل عن أبي الصلاح أنّه قال : «إذا جلست المرأة في الماء إلى وسطها لزمها القضاء» . (1) وعن ابن البرّاج أنّه أوجب الكفّارة أيضا بذلك . (2) وألحق الشهيد قدس سره في اللمعة بالاُنثى الممسوخ والخُنثى ؛ للاشتراك في العلّة . (3) وكذا المشهور كراهة بلّ الثوب على الجسد لكن مطلقا كما هو ظاهر الإطلاق في خبر عبداللّه بن سنان ، (4) ومرسل سهل بن زياد . (5) وروى الشيخ عن الحسن بن راشد ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» ، قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «أوّل من قاس إبليس» ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء ؟ قال : «نعم» ، قلت : فيبلّ ثوبا على جسده ؟ قال : «لا» ، قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «من ذاك» . (6) وحمل النهي فيها على الكراهة ؛ جمعا بينها وبين صحيح محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الصائم يستنقع في الماء ، ويصبّ على رأسه ، ويتبرّد بالثوب ، وينضح المروحة ، وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء» ، (7) ويؤيّده أصالة الإباحة .

باب المضمضة والاستنشاق للصائمفي المنتهى : لو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء كافّة ، سواء كان في الطهارة وغيرها ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعمر لمّا سأله عن القُبلة : «أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟»

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
3- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 50 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12768 .
5- .هو الحديث السادس من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12769 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ح 807 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 37 ، ح 12770 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 591؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 260 ؛ . ورواه الكليني في الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 36 ، ح 12767 .

ص: 174

فقال : لا بأس ، فقال : «فمه» . (1) ولأنّ الفم في حكم الظاهر فلا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين ، أمّا لو تمضمض فدخل الماء حلقه ، فإن تعمّد ابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفّارة ، وهو قول كلّ من أوجبها بالأكل والشرب ، وإن لم يقصده بل كان ابتلاعه بغير اختياره ، فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفّارة ، وإن كان للتبرّد والعبث وجب عليه القضاء خاصّة . وهو قول علمائنا . وقال الشافعيّ : إن لم يكن بالغ فسبق الماء فقولان ؛ أحدهما يفطر ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والمزنيّ . والثاني : لا يفطر ، وبه قال الأوزاعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره الربيع والحسن البصريّ . (2) وإن بالغ بأن زاد على ثلاث مرّات ، فوصل الماء إلى جوفه فأفطر قولٌ واحد ، وبه قال أحمد . (3) وروي عن عبداللّه بن عبّاس أنّه إن توضّأ لمكتوبة لم يفطر وإن كان للنافلة أفطر ، (4) وهو رواية الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (5) وبه قال النخعيّ . 6 لنا : أنّه إذا توضّأ للصلاة فعل فعلاً مشروعا ، فلا يترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعا ، ولأنّه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ، فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه ، أمّا إذا كان متبرّدا أو عابثا فلأنّه فرّط بتعريض الصوم للإفساد ، فلزمته العقوبة للتفريط ، ولأنّه وصل إلى حلقه بفعل منهيّ عنه فأشبه المتعمّد ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه غير

.


1- .مسند أحمد ، ج 1 ، ص 21 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 431 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 218 و 261 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 199 200 ، ح 3048 .
2- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 393 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 327 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 44 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 44 .
3- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 44 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 44 .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 327 .
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 999 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 70 71 ، ح 12852 . وفي رواية الكافي ينقل حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وفي رواية التهذيب يروي حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام .

ص: 175

قاصد للإفساد والتهتّك . ويؤيّد ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن سماعة (1) الخبر ، وعن الريّان بن الصلت (2) الخبر . احتجّ أبو حنيفة بأنّه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه ، فأفطر كما تعمّد شربه . (3) والجواب : الفرق ؛ لأنّه فعل فعلاً مشروعا فيما ادّعينا سقوط القضاء فيه من غير إسرافٍ بخلاف المتعمّد ، ثمّ قال : حكم الاستنشاق حكم المضمضة على تردّد ؛ لعدم النصّ فيه ونحن لا نقول بالقياس . (4) انتهى . والظاهر عدم وجوب شيء فيه أصلاً إذا لم يتعمّد الإيصال إلى الجوف ، وإن قلنا بالقضاء في المضمضة ؛ لأنّ الفعل جائز شرعا فلا يستعقب العقوبة ، ولأصالة البراءة مع انتفاء دليل على وجوب شيء عليه . لا يقال : إنّ خبر سليمان يدلّ على وجوب الكفّارة عليه . لأنّا نقول : إنّما يدلّ على وجوبها عليه بمجرّد المضمضة والاستنشاق ولم يقل به أحد ، فالظاهر تعلّق قوله عليه السلام : «فعليه صوم شهرين» بالأخير ، أعني دخول الغبار في حلقه ، مع أنّه قد سبق ضعف الخبرين لوجهين آخرين أيضا . لقد أجمع أهل العلم على جواز المضمضة والاستنشاق ، لكن مع الكراهة في غير الطهارة ؛ معلّلين بأنّ الفم والأنف في حكم الظاهر كالعين . ويدلّ عليه خبر زيد (5) فيما سيأتي ممّا دلّ على عدم بطلان الصوم إذا دخل الماء حلقه . ومن طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لعمر لمّا سأله عن القُبلة : «أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم ؟» فقال : «لا بأس» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 322 323 ، ح 991 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 71 ، ح 12855 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 205 ، ح 593 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 ، ح 304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 71 ، ح 12854 .
3- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 44 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 44 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 579 580 .
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
6- .المغني ، ج 3 ، ص 44 و 47 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 39 و 44 و 75 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 21 ، وتقدّم سائر تخريجاته .

ص: 176

فلو تمضمض فدخل الماء حلقه من غير قصد الابتلاع لا قضاء عليه إن كان للطهارة ، ويجب القضاء عليه إن كان للتبرّد والعبث . ونسبه في المنتهى إلى علمائنا (1) وظاهره أنّ الحكم كذلك وإن كانت الطهارة لصلاة نافلة . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض من عطش فدخل حلقه ، قال : «عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوء فلا بأس» . (2) وما رواه عمّار الساباطيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : «ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد» ، قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؟ قال : «ليس عليه شيء» ، قلت : تمضمض الثالثة ؟ قال : «قد أساء ، ليس عليه شيء ولا قضاء» . (3) ويؤيّد أنّه إذا تمضمض للصلاة فعل فعلاً مشروعا فلا تفريط عقوبة ، بخلاف ما إذا كان متبرّدا عابثا ، فإنّه فرّط بتعريض الصوم للإفساد . وظاهر المصنّف قدس سره الفرق بين الفريضة والنافلة ، ووجوب القضاء إذا كان للنافلة كالعبث والتبرّد ؛ لأنّه روى حسنة حمّاد (4) وخبر الريّان بن الصلت ، (5) ولم يتعرّض لمعارضة . ويؤكّدهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه ، قال : «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة ، فليس عليه قضاء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 322 323 ، ح 991 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 71 ، ح 12855 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 579 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 323 324 ، ح 996 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 72 ، ح 12856 .
4- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 999 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 70 ، ح 12852 .

ص: 177

باب في الصائم يتقيّأ أو يذرعه القيء أو يقلس

والمشهور بين علمائنا أنّه لا كفّارة عليه إلّا أن يتعمّد الابتلاع . ويلوح من كلام الشيخ في التهذيب وجوب الكفّارة . واستدلّ عليه بما رواه سليمان بن جعفر المروزيّ ، قال : سمعته يقول : «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح» . (1) وقال في الاستبصار : هذا الخبر محمول على من تمضمض تبرّدا ، فدخل في حلقه شيء ولم يبزقه وبلعه متعمّدا ، كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا . (2) قوله في خبر زيد : (حتّى يبزق ثلاث مرّات) .[ح2/6406] وقال الشيخ : «وقد روي مرّة واحدة» (3) وذلك على أيّ حال للاستحباب .

باب في الصائم يتقيّأ أو يذرعه القيء أو يقلسقد اشتهر بين الفريقين وجوب القضاء للقيء إذا كان عمدا ، وعدمه بدون العمد . ويدلّ عليه الأخبار من الطريقين ، فمن طريق الأصحاب ما ذكره المصنّف قدس سره في الباب . ومن طريق العامّة ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض» . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 621 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 69 70 ، ح 12850 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 95 ، ح 305 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 998 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 91 ، ح 12921 .
4- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 498 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 536 ، ح 1676 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 111 ، ح 716 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 219 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 11 ، ص 482 ، ح 6604 ؛ شرح المعاني الآثار ، ج 2 ، ص 97 .

ص: 178

باب في الصائم يحتجم ويدخل الحمّام

وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه: (1) «أخطأ ولا قضاء عليه» (2) محتجّا بأصالة الصحّة وبراءة الذمّة . ومن العامّة من زعم وجوب القضاء والكفّارة عليه ، حكي ذلك عن أبي ثور (3) محتجّا بأنّه سلوك في مجري الطعام ، فكان موجبا للقضاء [والكفّارة ]كالأكل . (4) وأمّا القلس ، فالظاهر أنّه لا خلاف في أنّه غير مفطر ، إلّا إذا ابتلع ما خرج بعد الوصول إلى فضاء الفمّ . (5) والقلس : هو ما خرج ملأ الفم أو دونه ، فليس بقيء ، فإن عاد فهو القيء . (6)

باب في الصائم يحتجم ويدخل الحمّاملا خلاف في جواز الحجامة ، وذهب الأصحاب أجمع إلى كراهته إذا كان مضعفا ؛ لأنّه لا يؤمن معه من الضرر أو الإفطار وعدم كراهته مع عدمه . ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب ، وما رواه الشيخ قدس سرهعن سعيد الأعرج ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الصائم يحتجم ، فقال : «لا بأس إلّا أن يتخوّف على نفسه الضعف» . (7) وفي الصحيح عن عبداللّه بن ميمون القدّاح ، عنه عليه السلام قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء ، والاحتلام ، والحجامة ، وقد احتجم النبيّ صلى الله عليه و آله وهو صائم ، وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم» . (8) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عنه عليه السلام قال : «لا بأس أن يحتجم الصائم إلّا في

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «الرضي» .
2- .حكاه عنه في المعتبر ، ج 2 ، ص 678 .
3- .المجموع للنووي، ج 6، ص 320؛ عمدة القاري، ج 11، ص 36؛ الاستذكار، ج 3، ص 348.
4- .تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 76 ، ومابين الحاصرتين منه .
5- .اُنظر : السرائر ، ج 1 ، ص 388 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 467 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 423 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
6- .ترتيب كتاب العين ، ج 3 ، ص 1517 ؛ صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 965 (قلس) .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 774 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12883 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 775 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 91 ، ح 288 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12884 .

ص: 179

رمضان ، فإنّي أكره أن يغرّر بنفسه إلّا أن [لا] يخاف على نفسه ، وأنّا إذا أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلاً» . (1) وفي المنتهى : أمّا عدم الإفطار بالحجامة فهو قول علمائنا ، وبه قال من الصحابة الحسين بن عليّ عليهماالسلاموابن عبّاس وابن مسعود وأنس وأبو سعيد الخدريّ وزيد بن أرقم واُمّ سلمة . وفي التابعين جعفر بن محمّد الباقر عليهماالسلاموسعد بن المسيّب وسعيد بن جبير وطاووس وقاسم بن محمّد وسالم وعروة والشعبيّ والنخعيّ وأبو العالية ، وبه قال الشافعيّ وأبو حنيفة ومالك والثوريّ وأبو ثور وداود ، وقال أحمد وإسحاق : يفطر الحاجم والمحجوم . وعن أحمد في الكفّارة روايتان ، واختاره ابن المنذر ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة ، وكان مسروق والحسن وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم . (2) لنا ما رواه الجمهور عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله احتجم وهو صائم محرم . (3) وروى البخاريّ هذا الحديت مفصّلاً . [و] من طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء (4) الخبر ، وعن سعيد (5) الأعرج الحديث . وفي الصحيح عن عبداللّه بن ميمون (6) الخبر . ولأنّه دم خارج من ظاهر البدن فأشبه الفصد .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 774 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12883 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 776 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 91 ، ح 289 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12885 .
3- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 349 ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج 3 ، ص 36 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 40 .
4- .السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 229 ، ح 3196 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 227 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 3 ، ص 48 ؛ المعجم الكبير له أيضا ، ج 11 ، ص 135 ؛ وج 12 ، ص 72 ؛ مسند أبي حنيفة لأبي نعيم ، ص 176 . وانظر : نصب الراية ، ج 3 ، ص 49 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 773 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 286 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 78 ، ح 12875 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 775 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 288 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 80 ، ح 12884 ، وص103 ، ح 12963 .

ص: 180

باب في الصائم يسعط ويصبّ في اُذنه الدهن أو يحتقن

احتجّ أحمد بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أفطر الحاجم والمحجوم» ، (1) رواه عنه صلى الله عليه و آله أحد عشر نفسا . (2) والجواب عنه : أنّه يحتمل أنّه عليه السلام أراد أنّهما قربا من الإفطار للضعف ، وأيضا فهو منسوخ بخبرنا المنقول عنه عليه السلام . (3) وألحق به الأصحاب إخراج الدم بفصد ونحوه من غير الحجامة مع كونه مضعفا ؛ للاشتراك في العلّة ، وكذا اتّفقوا على كراهة دخول الحمّام أيضا إذا كان مضعفا ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم (4) وخبر أبي بصير (5) جميعا .

باب في الصائم يسعط ويصبّ في اُذنه الدهن أو يحتقنفيه مسائل :الاُولى: السعوط للصائم . وهو صبّ الدواء في الأنف ؛ (6) فقد ذهب الشيخ في الخلاف والنهاية إلى كراهة السعوط ، (7) وأطلق السعوط ، وهو منقول في المختلف (8) عن جمله (9) واقتصاده (10) أيضا ، وإليه ذهب السيّد المرتضى ، (11) وهو ظاهر ما رواه المصنّف في الباب،

.


1- .مسند أحمد، ج 2، ص 364؛ وج 3، ص 465 و 474 و 480؛ وج 4، ص 123 و 124 و 125؛ وج 5، ص 276 و 277 و 280 و 282 و 283؛ وج 6، ص 12 و 157 و 258؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 15؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 237؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 537، ح 1679؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 530، ح 2367، وص 531، ح 2369 _ 2371؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 136، ح 771.
2- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 349 350 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 582 583 .
4- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
5- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
6- .في الأصل : «الدماغ» ، و هي كلمة فارسيّة بمعنى الأنف .
7- .الخلاف ، ج 2 ، ص 215 ، المسألة 75 ؛ النهاية ، ص 156 .
8- .. مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 416 417 .
9- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 214) .
10- .الاقتصاد ، ص 288 .
11- .اُنظر : جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .

ص: 181

وما يأتي عن غياث بن إبراهيم ، وعدّه في المبسوط مفطرا ، موجبا للقضاء ما وصل منه إلى الحلق ، وجعل ما عداه مكروها بلغ الدماغ أو لا . (1) وحكى في المختلف عن أبي الصلاح (2) وابن البرّاج (3) أنّه يوجب القضاء . وعن المفيد (4) وسلّار (5) وجوب الكفّارة أيضا ، وقال : «والأقرب عندي أنّه إن وصل الحلق متعمّدا وجب القضاء والكفّارة ، وإلّا فلا» . وهو جيّد . واحتجّ على ما ذهب إليه بأنّه أوصل إلى حلقه المفطر متعمّدا ، فوجب القضاء والكفّارة ، كما لو أوصل إلى حلقه لقمة . ولو لم يصل لم يكن عليه شيء ؛ لأنّ الصوم عبادة شرعيّة انعقدت على الوجه المأمور به شرعا ، فلا يبطل إلّا بدليل شرعي ولم يثبت ، فيبقى على أصل الصحّة . (6) ولما رواه غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّه كره السعوط للصائم» . (7) وتردّد فيه في الإرشاد . (8) الثانية : التقطير في الاُذن . وقد اختلفوا فيه أيضا ، فذهب الشيخ في النهاية و المبسوط إلى كراهته ، (9) وبه قال ابن إدريس (10) والصدوق في المقنع ، (11) وابن الجنيد على ما حكى في المختلف ، (12) واختاره في

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
2- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
4- .المقنعة ، ص 344 .
5- .المراسم العلويّة ، ص 96 97 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 417 418 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 623 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 44 ، ح 12787 .
8- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 297 ، والمذكور فيه عَدّه في جملة المكروهات للصائم من غير ترديد .
9- .النهاية ، ص 156 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
10- .السرائر ، ج 1 ، ص 386 .
11- .المقنع ، ص 191 ، ولفظة هكذا : «ويصيب الدواء في اُذنه إذا اشتكى» .
12- .مختلف الشيعة، ج 3، ص416.

ص: 182

المنتهى محتجّا بأصالة الصحّة وعدم دليل على إفساده بذلك ، (1) وحكى فيهما عن أبي الصلاح أنّه مفطر موجب للقضاء ، (2) وعدّه في المختلف أقرب معلّلاً بأنّه أوصل إلى جوفه الجامد ، فكان كالازدراد ، فوجب القضاء ، (3) وأصالة براءة الذمّة من الكفّارة . وقد مرَّ جوابه . ونقل في المنتهى عن الفقهاء الأربعة من العامّة وجوب القضاء إذا وصل إلى دماغه ؛ معلّلين بما ذكر . (4) وقد اختلف في صبّ الدواء في الإحليل عدا إذا وصل إلى الجوف ، فذهب الشيخ في الخلاف إلى أنّه ليس بمفطرٍ ، (5) وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم العلّامة في المنتهى . (6) و في المبسوط عدّه مفطرا ، (7) و هو منقول عن الشافعيّ ، (8) و عدّه العلّامة في المختلف أقرب ؛ معلّلاً بأنّه أوصل إلى الجوف مفطرا بأحد المسلكين ، فإنّ المثانة تنفد إلى الجوف . (9) وقد مرَّ مرارا أنّ كلّ ما وصل إلى كلّ جوف لا يوجب الإفطار ، بل إنّما يوجبه ما وصل إلى الجوف الذي هو محلّ الاغتذاء . ومثله الخلاف فيما إذا داوى جرحه فوصل الدواء إلى الجوف ، فاختلاف الشيخ في

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 583 _ 584 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 415 ، و لا يخفى أنّ هذا الاستدلال مربوط بما إذا طعنه غيره. فوصلت إلى جوفه، وأمّا في تقطير الدُهن في الاُذُن؛ فإنّه قال فيه بالكراهة ، واستدلّ له بأصالة براءة الذمّة والإباحة .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 312 و 320 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 221 222 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 367 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 ؛ بدائع الصنائع ، ج 3 ، ص 93 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 198 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 37 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 31 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، 583 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
8- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 312 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 358 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 414 .

ص: 183

الخلاف أنّه غير مفطر لا يوجب شيئا ؛ لأصالة صحّة الفتوى ، وانتقاء دليل على إفساده بذلك . (1) وفي المختلف : أنّ الأقرب الإفطار ، (2) ونسبه إلى ظاهر كلام الشيخ في المبسوط ؛ معلّلاً بما ذكر في مسألة صبّ الدواء في الإحليل ، وهو كما عرفت . وقال في المبسوط : «لو طعن نفسه بطعن يصل إلى جوفه أو أمرَ أحدا بذلك أفطر» ، (3) وعدّه في المختلف أقرب . (4) وفي الخلاف نفاه ، (5) وهو المشهور معلّلاً بما عرفت مع جوابه . الثالثة : الاحتقان . فذهب شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة إلى أنّه مطلقا مفسد للصوم ، موجب للقضاء والكفّارة . (6) وعن السيّد المرتضى أنّه حكى في الجمل إيّاه عن بعض الأصحاب ، ثمّ قال : «وقال قوم : إنّ ذلك ينقض الصوم وإن لم يبطله ، وهو أشبه» . (7) وكأنّه أراد بالناقض ما يوجب القضاء فقط ، وبالمبطل ما يوجب الكفّارة أيضا ، حيث قال بعد ذلك : «وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقّن وصوله إلى الجوف من السعوط ، وفي اعتماد القيء وبلع الحصى : أنّه يوجب القضاء من غير كفّارة» . (8) وفي المسائل الناصريّة : «وأمّا الحقنة فلم يختلف في أنّها تفطر» ، 9 وبه قال أبو الصلاح ،

.


1- .المقنعة ، ص 344 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 214 ، المسألة 74 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 415 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 415 . وقد مضى قوله آنفا .
6- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 54) .
7- .نفس المصدر ، ص 55 .
8- .الناصريّات ، ص 294 .

ص: 184

فإنّه قال : «الحقنة يجب بها القضاء» (1) ولم يفصل ، واستقربه العلّامة قدس سرهفي المختلف . (2) ومستند القولين خبر سهل بن زياد ، (3) وهو وإن كان ضعيفا به وبالإضمار ، لكن رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام ، (4) وفي الدلالة تأمّل . وربّما استدلّ أيضا عليه بأنّه أوصل إلى جوفه ما يصلح بدنه ، وهو ذاكر للصوم فكان كالأكل . (5) وفيه نظر . والشيخ قدس سره فرّق في أكثر كتبه بين المائع والجامد وحكم بكراهة الثاني ؛ (6) جمعا بين الصحيحة المذكورة وبين مكاتبة محمّد بن الحسن ، عن أبيه ، (7) وكأنّه ابن الفضّال ، لكن قال في الخلاف : بأنّ المائع مفطر . (8) والظاهر أنّه أراد بذلك كونه موجبا للقضاء فقط ، وصرّح بذلك في المبسوط (9) بناءً على عدم دليل على الكفّارة . وفي النهاية (10) نفى القضاء أيضا ؛ لعدم دليل عليه أيضا ، لعدم الملازمة بين الحرمة ولزوم القضاء . ويؤيّده أصالة البراءة ، وبه قال ابن إدريس ، (11)

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 .
3- .الكافي في الفقه ، ص 183 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 412 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 83 ، ح 256 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 42 ، ح 12783 .
7- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 29 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 567 .
8- .الاقتصاد ، ص 288 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 213 ، المسألة 73 ؛ الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 213) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
9- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 590 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 41 ، ح 12782 .
10- .النهاية ، ص 156 .
11- .السرائر ، ج 1 ، ص 376 377 .

ص: 185

باب الكحل والذرور للصائم

واستوجهه المحقّق في المعتبر ، (1) وظاهر ابن الجنيد كراهة المائع أيضا ، (2) حيث استحبّ له الامتناع من الحقنة وأطلق . ولولا مخالفة الشهرة بين الأصحاب لكان هذا القول في غاية القوّة ؛ للجمع بين ما ذكر وبين صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام . (3) قوله : (أحمد بن محمّد بن الحسين عن محمّد بن الحسين عن أبيه) .[ح 6/ 6424] الظاهر عن عليّ بن الحسن عن محمّد بن الحسن عن أبيه ، هم عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، وأخوه محمّد بن الحسن ، وأبوهما الحسن بن عليّ بن فضّال ، وكلّهم فطحيّون ، لكن الأوّل ثقة ، (4) والباقيان ضعيفان . (5) وفي التهذيب : «أحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن ، عن أبيه» ، (6) والظاهر سقوط (عن محمّد بن الحسن) من البين من سهو النسّاخ .

باب الكحل والذرور للصائمقال الجوهري : الذرور بالفتح لغة في الذريرة . (7) [و] في المنتهى : يكره الاكتحال بما فيه مسك أو صبر (8) يصل إلى الحلق ، وليس بمفطر ولا محظور ، ذهب

.


1- .المعتبر ، ج 2، ص 659 .
2- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 413 .
3- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
4- .رجال الطوسي ، ص 354 ، الرقم 5241 ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 812 ، ح 1014 .
5- .أمّا الحسن بن عليّ بن فضّال ؛ فإنّه رجع في آخر عمره إلى الحقّ وترك الفطحيّة . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 34 36 ، الرقم (72)؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 801 ، ح 993 ، وص 836 837 ، ح 1067 ؛ الفهرست ، ص 97 ، الرقم 164 ويظهر من هذه المصادر توثيقه ، وأمّا محمّد بن الحسن بن عليّ بن فضّال؛ فإنّه وإن لم يصرّح بوثاقته إلّا أنّ عدّة فى عداد أجلّة الفقهاء لا يقصر عن التوثيق . اُنظر ترجمته في معجم رجال الحديث .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 204 ، ح 590 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 84 ، ح 257 .
7- .صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 663 (ذرر) .
8- .الصبر بكسر الباء دواء مرّ ، ولا يسكن إلّا في ضرورة صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 707 (صبر) .

ص: 186

إليه علماؤنا ، وبه قال الشافعيّ (1) وأبو حنيفة ، (2) وقال أحمد : يفطر إن وجد طعمه في حلقه وإلّا فلا ، (3) وبنحوه قال أصحاب مالك . (4) وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة : أنّ الكحل يفطر الصائم . (5) لنا : ما رواه الجمهور عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : نزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله خيبر فنزلت معه ، فدعا بكحل إثمد (6) واكتحل به في رمضان وهو صائم . (7) وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كره السعوط للصائم ولم يكره الكحل . (8) ومن طريق الخاصّة : ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، (9) والظاهر من الأخبار عدم جواز الاكتحال في الصيام إلّا بما فيه مسك أو صبر ونحوهما ممّا يخاف دخوله الرأس ووصوله إلى الجوف ، وقد صرّح به أكثر العلماء الأخيار . (10) ويدلّ عليه زائدا على ما ذكره المصنّف قدس سرهصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه سُئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة ، قال : «إذا لم يكن كحلاً تجد له

.


1- .فتح العزيز ، ج 3 ، ص 365 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 348 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 38 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 38 .
2- .المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 366 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 106 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 38 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 38 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 348 .
3- .المغني والشرح الكبير لا بني قدامة ، ج 3 ، ص 38 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 348 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص367 .
4- .المصادر المتقدّمة .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 348 ؛ المغني والشرح الكبير لا بني قدامة ، ج 3 ، ص 38 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 عن ابن أبي ليلي وحده . ومثله في تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 366 .
6- .الإثمد : ضرب من الكحل يتّخذ من حجر ، ويقال : إنّه معرب ، ومعادنه بالمشرق . اُنظر : مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 322 (ثمد) .
7- .صحيح ابن خزيمة ، ج 3 ، ص 249 ؛ الكامل لابن عدي ، ج 6 ، ص 451 ، ترجمة عمر بن محمّد بن عبيد اللّه (1932) ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 67 .
8- .لم أعثر عليه بهذا اللفظ ، نعم ورد من طريق أنس ، أنّه كان يكتحل وهو صائم. اُنظر : سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 532 ، ح 2378 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 3 ، ص 462 ، الباب 44 من كتاب الصوم ، ح 6 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 258 ، ح 765 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 278 . هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 74 ، ح 12862 .
10- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 582 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 93 95 .

ص: 187

طعما في حلقها فلا بأس» . (1) وموثّق الحسن بن عليّ بن فضّال ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصائم إذا اشتكى عينه ، يكتحل بالذرور (2) وما أشبه ذلك أم لا يسوغ له ذلك ؟ فقال : «لا يكتحل» . (3) وصحيح الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه سُئلَ عن الرجل يكتحل وهو صائم ، فقال : «لا ، إنّي أتخوّف أن يدخل رأسه» . (4) وإنّما حملت تلك الأخبار على الكراهة مع ظهورها في الحرمة في صورة خوف الوصول إلى الجوف ، وتأيّدها بصحيحة سعد بن سعد الأشعري (5) حيث نهى عليه السلام عن ذرّ العين بالنهار ، لرواية الحسين بن أبي غندر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم ؟ فقال : «لا بأس به» . (6) والأخبار دلّت على نفي البأس عن الاكتحال على الإطلاق كصحيحة محمّد بن مسلم وحسنة سليم عن غير واحد ، (7) وصحيحة عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالكحل للصائم» . (8) واحتجّ أحمد بأنّه أوصل إلى حلقه ما هو ممنوع من تناوله بفيه فأفطر به ، كما لو

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 771 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 284 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 75 ، ح 12866 .
2- .الذرور : ما يذر في العين من الدواء اليابس . النهاية ، ج 2، ص 158 (ذرر) .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 768 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 76 ، ح 12869 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 769 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 282 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 76 ، ح 12870 .
5- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 260 ، ح 772 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 90 ، ح 285 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 77 ، ح 12872 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي وحديث سليم (سليمان) مذكور في ذيله .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 259 ، ح 767 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 89 ، ح 280 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 76 ، ح 12868 .

ص: 188

باب السواك للصائم

أوصله من أنفه . (1) والجواب : أنّه قياس في معارضة النصّ ، فلا يسمع . (2)

باب السواك للصائمالظاهر من الأخبار كراهة السواك بالرطب للصائم [ذهب إليه ابن أبي عقيل] على ما نقل عنه في المنتهى ، (3) ونسبه إلى ابن عمر وعطاء ومجاهد والأوزاعيّ والشافعيّ وإسحاق ، (4) ] و يدّل عليه ما ورد في] في حسنتي[ ...] (5) وموثّق عمّار بن موسى ، (6) وخبر سعد بن أبي خلف ، قال : حدّثني أبو بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يستاك الصائم بعود رطب» . (7) وما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يستاك الصائم أيّ النهار شاء ، ولا يستاك بعود رطب» . (8) فإن قيل : ظاهر النهي الحرمة فلِمَ يُحمل على الكراهة ؟ قلت : قال الشيخ : هذان الخبران مشيرا إلى موثّق محمّد بن مسلم وخبر أبي بصير محمولان على الكراهية لا التحريم ؛ لما رواه في الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، (9) الخبر .

.


1- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 38 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 582 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 ، وما بين الحاصرتين مأخوذة من المنتهى . وحكاه أيضا عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 426 .
4- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 377 378 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 72 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 14 .
5- .كذا بالأصل لم يذكر شيئا .
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 262 ، ح 786 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ح 293 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 84 ، ح 12896 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 262 ، ح 785 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 91 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 84 ، ح 12897 .
9- .الكافي، ج 4، ص 112، ح 3؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 263 ، ح 787 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 85 ، ح 12900 .

ص: 189

وفي الحسن عن موسى بن أبي الحسن الرازي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان ، فقال : «جائز» ، فقال بعضهم : إنّ السواك يدخل رطوبته في الجوف ؟ فقال : «ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق ؟ فقال : أمّا المضمضة أرطب من السواك الرطب ، فان قال قائل : لا بدّ من المضمضة من أجل السنّة ، فلابدّ من السواك من أجل السنّة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه و آله » . (1) ويدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : «لا بأس به» . (2) ويؤيّدها ما رواه الجمهور عن أبي إسحاق الخوارزميّ ، قال : سألت عاصم الأحول : أيستاك الصائم ؟ قال : نعم ، قلت : برطب السواك ويابسه ؟ قال : نعم ، قلت : أوّل النهار وآخره ؟ قال : نعم ، قلت : عمَّن ؟ قال : عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه و آله . (3) وما رواه نافع ، عن ابن عمر أنّه قال : لا بأس بالسواك ، وإن كان يابسا جاز أن يبلّه بالماء ويتسوّك به ، ويتحفّظ من ابتلاع رطوبته ، (4) فلذلك اشتهر بين الأصحاب جوازه مطلقا من غير كراهة . بل ظاهر المنتهى إجماع الأصحاب عليه ما عدا ابن أبي عقيل ، حيث قال : ولا بأس للصائم بالسواك ، ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ابن أبي عقيل ، فإنّه كره بالرطبة . وكره بعض العامّة باليابس بعد الزوال أيضا ، وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 263 ، ح 788 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 83 ، ح 12893 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 262 ، ح 782، و ص 323 ، ح 993 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 91 ، ح 291 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 83 ، ح 12892 .
3- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 272 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 182 ، ح 2341 .
4- .لم أعثر عليه بهذا اللفظ ، نعم ورد عنه بلفظ : «لا بأس أن يستاك الصائم بالسواك الرطب واليابس» . راجع : المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 453 ، الباب 29 من كتاب الصوم ، ح 8 .

ص: 190

والأوزاعيّ والشافعيّ وإسحاق . (1) والشيخ وإن قال أوّلاً بالكراهة للجمع بين الأخبار لكن آخر كلامه الذي نقلناه عنه رجوعه عن كراهية الرطب . (2) [وقال في المنتهى] : واحتجّ الشافعي بما رواه خباب بن الأرت عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيّ ، فإنّه ليس من صائم تيبس شفتاه إلّا كانتا نورين عند ربّه يوم القيامة» . (3) وعن عليٍّ عليه السلام قال : «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشيّ» . (4) و لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «لخلوف فم الصائم أطيب عند اللّه من المسك الأذفر» ، (5) فهو أمرٌ مرغوب فيه فأشبه إزالة دم الشهادة بالغسل . والجواب عن الأوّل : أنّه محمول على التسوّك لاستجلاب الريق . ويؤيّده تمام الحديث أنّه يزيد في الخلوف ولا يزيله . كذا في المنتهى . (6) والمشهور بين الأصحاب استحبابه للصائم مطلقا ولو بالرطب . ويؤيّدها صحيحة الحسين بن أبي العلاء (7) على ما حكى ابن داود عن البشري تزكيته . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 377 378 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 14 .
2- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 ، ذيل ح 294 .
3- .المعجم الكبير للطبراني ، ج 4 ، ص 78 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2348 .
4- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 274 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2347 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 3 ، ص 417 ، 2557 .
5- .المغني ، ج 3 ، ص 46؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 257 و 313 و 395 و 461 و 467 و 485 و 516 ، و ج 3 ، ص 5 و 130 ، و ج 6 ، ص 240؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 24؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 226 و 228؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 158؛ سنن النسائي ، ج 4 ، ص 160 و 161 و 162 و 164 و 168؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 90 ، ح 2521 و 2523 ، و ص 91 ، ح 2527 ، وص 240 241 ، ح 3258 و 3262 ، و ... .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 569 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
8- .رجال ابن داود ، ص 79 ، الرقم 468 .

ص: 191

باب الطيب والريحان للصائم

باب الطيب والريحان للصائمقال الشيخ في النهاية : شمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الجوف توجب القضاء والكفّارة ، (1) ونقل ذلك عن ابن البرّاج ، (2) وظاهرهما مطلق الرائحة الغليظة من أنواع الطيب والرياحين . واحتجّ الشيخ بخبر سلمان بن جعفر المروزيّ ، قال : سمعته يقول : «إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمِّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح» . (3) وقد استدلّ عليه بأنّ الرائحة عرض ، والانتقال على الأعراض محال ، وإنّما ينتقل بانتقالها ، فإذا وصلت إلى الجوف علم أنّ محلّها قد انتقل إليها وذلك يوجب الإفطار ، وبالاحتياط . واُجيب عن الرواية بالضعف والإضمار ، وعن الاعتبار بأنّه قد بيّن في موضعه أنّ الشمّ إنّما يكون بانفعال الهواء الواسطة بين الخيشوم والمشموم بكيفيّة المشموم ، وأنّ الرائحة لا تنتقل لا بنفسها ولا بمحلّها . وعن الاحتياط بمعارضته بالبراءة الأصليّة والأخبار المذكورة . (4) وقال المفيد قدس سره : «ويجتنب الصائم الرائحة الغليظة والغبرة التي تصل إلى الحلق ، فإنّ ذلك نقص في الصيام» . (5)

.


1- .النهاية ، ص 154 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 192 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 214 ، ح 621 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 94 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 69 ، ح 12850 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 406 .
5- .المقنعة ، ص 356 .

ص: 192

وظاهره كراهة مطلق الرائحة الغليظة وإن كان من غير الرياحين ، وكأنّه تمسّك في ذلك بما دلَّ على كراهة التطيّب بالمسك . والمشهور بين الأصحاب كراهة شمّ الرياحين فقط ، وتأكّدها في النرجس ، وهو ظاهر من أكثر الأخبار ، وبه قال الشيخ في أكثر كتبه . (1) والفارق زائدا على ما ذكر ما رواه الصدوق مرسلاً عن الصادق عليه السلام عن المحرم يشمّ الريحان ، قال : «لا» ، قيل : فالصائم ؟ قال : «لا» ، قيل : يشمّ الصائم الغالية والدخنة ؟ قال : «نعم» ، قيل : كيف حلَّ له أن يشمّ الطيب ولا يشمّ الريحان ؟ قال : «لأنّ الطيب سنّة ، والريحان بدعة للصائم» . (2) بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب شمّ الطيب غير الرياحين ، كما ورد في خبر الحسن (3) بن راشد : أنّ الصادق عليه السلام كان إذا صام تطيّب بالطيب ويقول : «الطيب تحفة الصائم» . (4) واحتمل الشيخ في التهذيب تخصيص الكراهة بالنرجس بحمل الرياحين عليه . (5) وألحق في المنتهى بالرياحين المسك ؛ (6) لخبر غياث بن إبراهيم ، (7) وهو الأطر ، لكن كراهة ضعيفة ؛ لضعف الأخبار الدالّة عليها ، مع معارضتها بأخبار كثيرة معتمدة معتبرة ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الصائم يشمّ الريحان والطيب ؟ قال : «لا بأس» . (8)

.


1- .النهاية ، ص 156 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 114 ، ح 1879 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 95 ، ح 12935 .
3- .في الأصل : «الحسين» ، والتصويب من مصادر الحديث .
4- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 112 113 ، ح 1872 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 265 266 ، ح 799 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 92 ، ح 12924 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 267 ، ذيل ح 807 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 583 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 93 ، ح 12927 .
8- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 800 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 92 93 ، ح 296 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 9392 ، ح 12922 .

ص: 193

باب مضغ العلك للصائم

وصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصائم يشمّ الريحان أم لا ترى له ذلك ؟ فقال : «لا بأس» . (1) وخبر سعد بن سعد ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يشمّ الصائم الريحان يتلذّذ به ؟ فقال عليه السلام : «لا بأس به» . (2) وتأييدها بالأصل .

باب مضغ العلك للصائمظاهر المصنّف1 حرمته ، وهو مختار الشيخ في النهاية ، (3) وعدّه في المبسوط احتياطا . (4) ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ وصحيحة محمّد بن مسلم ، (5) وربّما استدلّ عليه بأنّه يتحلّل أجزاء منه يشيع في الفم ويتغدّى مع الريق . واُجيب بمنع ذلك . (6) نعم ، لو تحقّق ذلك فلا نزاع في فساد الصوم به . والمشهور بين الأصحاب (7) وبين العامّة (8) الكراهة ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الصائم يمضع العلك ؟ قال :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 802 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 94 ، ح 12929 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 266 ، ح 803 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 93 ، ح 298 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 94 ، ح 12931 .
3- .النهاية ، ص 157 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 273 .
5- .هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
6- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 419 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 658 .
7- .اُنظر : المهذّب ، ج 1 ، ص 193 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 389 ؛ المختصر النافع ، ص 65 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 658 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 298 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 79 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 66 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 418 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 278 ، الدرس 73 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 30 .
8- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 110 ؛ مختصر المزني ، ص 58 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 392 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 353 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 436 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 199 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 3 ، ص 100 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 367 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 106 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 4645 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 72 73 .

ص: 194

باب في الصائم يذوق القدر ويزقّ الفرخ

«نعم ، إن شاء» . (1) وقال العلّامة في المنتهى : «لا فرق بين العلك القويّ الذي لا يتحلّل أجزاؤه والضعيف الذي يتحلّل أجزاؤه إذا حفظ من ابتلاعها ؛ عملاً بالإطلاق» . (2)

باب في الصائم يذوق القدر ويزقّ الفرخلا خلاف في جواز ذلك . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان ، قال : سأل ابن أبي يعفور أبا عبداللّه عليه السلام وأنا أسمع عن الصائم يصبّ الدواء في أذانه ؟ قال : «نعم ، ويذوق المرق ويزق الفرخ» . (3) وفي الموثّق عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا بأس أن يذوق الرجل الصائم القدر» . (4) قال الشيخ قدس سره : ولا يعارض ذلك ما رواه سعيد الأعرج ؛ لأنّه محمول على من لا حاجة له إلى ذلك ، لأنّ الرخصة وردت في ذلك عند الضرورة الداعية إليه من فساد طعام وهلاك صبي أو طائر ، فأمّا مع فقد ذلك أجمع فلا يجوز على حال . (5) وعلى ما ذكره فلا اختصاص له بما ذكر بل قاعدة مطّردة كما قال العلّامة في المنتهى : «لو أدخل فمه شيئا وابتلعه سهوا ، فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه ، وإلّا وجب

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 324 ، ح 1002 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 105 ، ح 12970 . وكان في الأصل في آخر الحديث : «إن شاء اللّه » ، فحذفنا كلمة «اللّه » حسب المصدر .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 311 ، ح 941 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 ، ح 307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 106 ، ح 12973 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 311 ، ح 940 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 ، ح 306 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 106 ، ح 12974 .
5- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 95 ، ذيل ح 308 . و حديث سعيد الأعرج هو الحديث 309 من الاستبصار .

ص: 195

باب في الصائم يزدرد نخامته ويدخل حلقه الذباب

باب الرجل يمصّ الخاتم والحصاة والنواة

باب الشيخ والعجوز يضعفان عن الصوم

القضاء» ، (1) ثمّ فرّع عليه المضمضة للطهارة والتبرّد .

باب في الصائم يزدرد (2) نخامته ويدخل حلقه الذبابلا خلاف في عدم فساد الصوم بذلك إذا لم تصل النخامة فضاء الفمّ ، وكان دخول الذباب حلقه بلا اختيار منه ، والدليل عليه الأخبار .

باب الرجل يمصّ الخاتم والحصاة والنواةلا خلاف بين الأصحاب في جواز مصّ الخاتم والعقيق ونحوهما من الأجسام الصلبة النافع مصّها للعطش بخلاف النواة ، والفارق الحديث . ويؤيّده عدم انفصال جزء من العقيق ونحوه من المصّ ، وانفصال شيء من الأجزاء الصغار من النواة بالمصّ .

باب الشيخ والعجوز يضعفان عن الصوملقد أجمع أهل العلم على أنّ الشيخ والشيخة إذا ضعفا عن الصوم أفطرا ، سواء عجزا عنه رأسا أو طاقاه مستثقلاً يتحمّل مثلها عادةً ، واختلفوا في وجوب الفدية وفي قضاء الصوم ، فالمشهور وجوب الفدية ولو عجزا رأسا ، وسقوط القضاء ولو قدرا بعده عليه ، (3) وهو الظاهر ؛ لقوله تعالى : «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» (4) ، فالمنقول عن أهل بيت العلم والنبوّة أنّ المراد بهم الشيوخ والعجائز الذين كانوا يطيقون أوّلاً الصوم ، ثمّ

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 568 .
2- .الازدراد : الابتلاع . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 273 (زرد) .
3- .اُنظر : المقنع ، ص 194 ؛ الاقتصاد ، ص 294 ؛ الجمعل والعقود (الرسائل العشر ، ص 220) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 285 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 717 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 509 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 213 414 ، المسألة 149 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 542 ؛ منتهى مطلب ، ج 2 ، ص 618 ؛ المهذّب البارع ، ج 2 ، ص 88 ؛ مجمع الفائدة ، ج 5 ، ص 321 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 293 .
4- .البقرة (2) : 184 .

ص: 196

صاروا بحيث لا يطيقونه أصلاً ، أو يطيقونه بجهدٍ ومشقّة لا يتحمّل مثلها عادةً . قال المحقّق الأردبيليّ : فعلى الأوّل في الآية حذف ، أي كانوا يطيقونه من قبل والآن ليسوا كذلك ، وعلى الثاني يكون مؤوّلاً بمعنى يطيقون الصوم بالجهد والطاقة ، أي المشقّة . (1) وبه فسّره بعض المفسّرين من العامّة أيضا ، (2) فعن ابن عبّاس : أنّها كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا أو يطعما ، يعطى لكلّ يوم مسكينا ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . (3) وعن ابن عمر مثله . (4) ويدلّ عليه أيضا عموم أخبار الباب ، وصحيحة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان ، فقال : «يتصدّق بما يجزي عنه طعام مسكين لكلّ يوم» . (5) ولما سيأتي . فالآية على التفسير المذكور وما اُشير إليه من الأخبار شامل لمن عجز عنه رأسا . والضعف في بعض الأخبار أعمّ من القدرة بمشقّة والعجز معا ، وظاهرها سقوط القضاء حيث أوجب عليهما الفدية فقط ، ولم يتعرّض لذكر القضاء كما ذكر في المريض والمسافر ، بل صحيح محمّد بن مسلم (6) وخبر داود بن فرقد (7) كالصريح في

.


1- .زبدة البيان ، ص 151 .
2- .أحكام القرآن للشافعي ، ج 1 ، ص 108 ؛ جامع البيان ، ج 2 ، ص 183 184 ؛ تفسير الواحدي ، ج 1 ، ص 150 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 180 .
3- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 520 ، ح 2318 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 222 ؛ تفسير القرطبي ، ج 2 ، ص 288 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 230 ؛ تفسير ابن أبي حاتم ، ج 1 ، ص 307 ، ح 1635 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 20 21 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 460 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 237 ، ح 694 ، و ص 326 ، ح 1010 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 103 ، ح 336 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 212 ، ح 23248 .
6- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
7- .هو الخبر التالي المذكور بعد سطر .

ص: 197

نفيه . ويؤيّده أصالة البراءة ، وما ثبت من احتياط القضاء إلى أمرٍ جديد . وما رواه الشيخ عن داود بن فرقد ، عن أبيه ، قال : كتب إليَّ حفص الأعور : سَل أبا عبداللّه عليه السلام عن ثلاث مسائل ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «ما هي ؟» قال : من ترك صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر ؟ فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «من مرض أو كبر أو لعطشٍ» ، قال : فاشرح لي شيئا شيئا ، قال : «إن كان من مرض فإذا برأ فليقضه ، إن كان من كبر أو لعطش فبدل كلّ يوم مدّ» . (1) وهذا هو ظاهر المصنّف قدس سره والصدوق (2) والظاهر من كلام عليّ بن بابويه أيضا على ما سيجيء ، وصرّح به العلّامة في المختلف . (3) وقال المحقّق في الشرائع بوجوب القضاء عليهما مع التمكّن منه ، (4) وهو ظاهر ابن الجنيد ، حيث قال على ما نقل عنه في المختلف : ومن اُبيح له الفطر لعلّة عارضة تجوز مزايلتها إيّاه أفطر وقضى كالمسافر ، وإن كان فطره من أجل غيره كالمرضعة من أجل صبيّها كان الأحوط أن تقضي وتصدّق بمدّ عن كلّ يوم . (5) و ينفية ما ذكر من الأدلّة ، وإليه ذهب الشهيد في الدروس (6) فيهما وفي ذي العطاش ... . (7) في شرح اللمعة : والأقوى أنّهما يعني الشيخين إن عجزا عن الصوم أصلاً فلا فدية ولا قضاء ، وإن أطاقاه بمشقّة شديدة لا يتحمّل مثلها عادةً فعليهما الفدية ، ثمّ إن قدرا على القضاء وجب . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 239 ، ح 700 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 432 ، ح 13778 .
2- .المقنع ، ص 194 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 542 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 156 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 550 .
6- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 291 ، الدرس 77 .
7- .غير مقروءة في الأصل بقدر كلمتين .
8- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 128 .

ص: 198

والأجود حينئذٍ ما اختاره في الدروس من وجوبها معه ؛ لأنّها وجّبت الإفطار أوّلاً بالنصّ الصحيح ، والقضاء حيث تجدّد القدرة ، والأصل بقاء الفدية ؛ لإمكان الجمع ، ولجواز أن يكون عوضا عن الإفطار لا بدلاً عن القضاء . ثمّ قال في ذي العطاش أيضا مثله . وفي المنتهى : وقال المفيد قدس سره (1) والسيّد المرتضى رضى الله عنه (2) وأكثر علمائنا : (3) لا تجب الكفّارة مع عجزهما عن الصوم ، وبه قال مالك وأبو ثور وربيعة ومكحول والشافعيّ في أحد القولين . (4) ونفاه فيه ، ولكن رجّحه في المختلف على ما ستعرفه . وقال الشيخ قدس سره في التهذيب في شرح تفصيل المفيد قدس سره : هذا الذي فصّل به بين من يطيق الصيام بمشقّة وبين من لا يطيقه أصلاً ، لم أجد به حديثا مفصّلاً ، والأحاديث كلّها دالّة على أنّه متى عجزا كفّرا عنه ، والذي حمله على هذا التفصيل هو أنّه ذهب إلى أنّ الكفّارة فرع على وجوب الصوم ، ومتى ضعف عن القيام ضعفا لا يقدر عليه جملةً فإنّه يسقط عنه وجوبه جملةً ؛ لأنّه لا يحسن تكليفه للصيام وحاله هذه ، وقد قال اللّه تعالى : «لَا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسا إِلَا وُسْعَهَا» (5) ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ وجوب الكفّارة ليس مبنيّا على وجوب الصوم ؛ إذ لا امتناع في أن يكلّف اللّه من لا يطيق الصوم الكفّارة للمصلحة المعلوم له تعالى ، وليس لأحدها تعلّق بالآخر . (6)

.


1- .المقنعة ، ص 351 .
2- .جمل العلم والعمل ، (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) .
3- .منهم السلّار في المراسم العلويّة ، ص 95 ، وابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 400 . وفي المختصر النافع ، ص 72 ، وشرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 156 ، نسب هذا القول إلى «قيل» .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 618 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 259 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 458 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 97 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 79 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 16 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 51 .
5- .الأنعام (6) : 152 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 237 ، ذيل ح 693 ، ومن قوله : «إذ لا امتناع» إلى قوله : «المعلوم له تعالى» منقول بالمعنى .

ص: 199

وفي المنتهى : وكلام الشيخ جيّد ؛ إذ لا نزاع في سقوط التكليف بالصوم لكنّا نقول : إنّه سقط إلى بدل هو الكفّارة ؛ عملاً بالأحاديث الدالّة عليه ، وهي مطلقة لا دلالة فيها على التفصيل الذي ذكره المفيد رحمه اللهفيجب حملها على إطلاقها . (1) وفي المختلف : والوجه قول المفيد رحمه الله : لنا : قوله تعالى : «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» ، (2) دلّ بمفهومه على سقوط الفدية على الذي لا يطيقه ، ولأنّه عاجز عن الصوم ، فسقط عنه أداءً وقضاءً ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، والكفّارة إمّا بدل عن فعل واجب أو مسقطة لذنب صدر من المكلّف ، وهما منفيّان هنا ؛ ولأنّ الأصل براءة الذمّة . وقول الشيخ : لا استبعاد في إيجاب الكفّارة على العاجز . قلنا : مسلّم ، لكن نفي الاستبعاد ليس دليلاً على الإيجاب . والأحاديث التي رواها محتملة للتأويل ، منها : رواية الحلبيّ الصحيحة ، (3) وهذه الرواية ليست دالّة على مطلوبه ؛ لأنّ الضعف لا يستلزم العجز ، ونحن نقول : إذا ضعف وأطاق الصوم بمشقّة عظيمة وجبت الكفّارة . ومنها : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة في قوله عزّ وجلّ وهذه دالّة عليه ؛ لأنّه عليه السلام سئل عن الذين يطيقونه ، فقال : «الشيخ الكبير» ، (4) ولو كان عاجزا بالكليّة لما صحّ ذلك منه . ومنها : رواية عبد الملك بن عتبة الهاشميّ الصحيحة ، (5) يعني ذكر المذكورة فيها الضعف ، وهي مأوّلة بما تقدّم . ومنها : رواية محمّد بن مسلم الصحيحة عن الباقر عليه السلام قال : سمعته يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق عن كلّ واحدٍ

.


1- .البقرة (2) : 184 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 618 .
3- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 237، ح 694، وص 326، ح 1010؛ الاستبصار، ج 2، ص 103، ح 336؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 212، ح 13248.
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 237 238 ، ح 695 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 210 ، ح 13242 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 238 ، ح 696 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 103 104 ، ح 337 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 211 ، ح 13243 .

ص: 200

منهما في كلّ يوم بمدٍّ من طعام ولا قضاء عليهما ، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» . (1) والتأويل هنا كما تقدّم ، بل هنا آكد ؛ لأنّ نفي الحرج يفهم منه ثبوت التكليف ، وإنّما يتمّ مع القدرة ، ومع قبول الروايات للتأويل يسقط الاستدلال بها ، فإنّ الدليل متى تطرّق إليه الاحتمال سقط دلالته . (2) انتهى . وقد حمل أبو الصلاح الأمر بالقدرة مع العجز على الندب ، فقد قال على ما حكى عنه في المختلف : «وإن عجز عن الصوم لكبر سقط عنه فرض الصوم ، وهو مندوب إلى إطعام مسكين عن كلّ يوم» . (3) واختلفوا في مقدار الفدية ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في النهاية و المبسوط (4) أنّها مدّ ؛ لدلالة أكثر الأخبار عليه . وقيل : مدّان ؛ لصحيحة العلاء عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحدٍ منهما في كلّ يوم بمدّين من طعام ، فإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» . (5) رواها الشيخ قدس سرهوجمع بينها وبين ما سبق في الاستبصار بحمل الزائد على الندب . وفي المبسوط والنهاية (6) والتهذيب : يحمل هذه على القادر على المدّين ، والأوّلة على العاجز عنهما . وزاد في التهذيب : «فإن لم يقدر على شيء فلا شيء كما هو مدلول هذه الصحيحة» . (7)

.


1- .هذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 238 ، ح 697 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 104 ، ح 338 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 209 ، ح 13240 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 543 545 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 543 ؛ الكافي في الفقه ، ص 182 .
4- .النهاية ، ص 159 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 285 ، وعبارتهما هكذا : «والشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا عجزا عن الصيام ، أفطرا و تصدّقا عن كلّ يوم بمدّين من طعام ، فإن لم يقدرا عليه بمدّمنه» ، وعلى هذا يكون الشيخ من القائلين بمدّين .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 238 ، ح 698 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 210 ، ح 13241 .
6- .تقدّما آنفا .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 239 ، ذيل ح 698 .

ص: 201

ولا يبعد أن يُقال : المدّين بلفظ التثنية في هذه من سهو الرواة أو النسّاخ ؛ حيث روى المصنّف قدس سره هذا الخبر بعينه بسندٍ صحيح أيضا عن العلاء عن محمّد بن مسلم عنه عليه السلام ، (1) وفيه ورد مدّ بلفظ المفرد . وفي حكم الشيخين ذو العطاش عند الأكثر ، فقد صرّح جماعة بسقوط القضاء عنه وإن تمكّن منه بوجوب الفدية بدل كلّ يوم . (2) ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة ، (3) واحتجّ على جواز الإفطار له بالعجز عن الصيام ، وما رواه الشيخ عن مفضّل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ لنا فتيانا وبناتا لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش ؟ قال : «فليشربوا مقدار ما تروى به نفوسهم وما يحذرون» . (4) وعن عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يصيبه العطش حتّى يخاف على نفسه ، قال : «يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، (5) ولا يشرب حتّى يروى» . (6) وعلى سقوط القضاء عنه بأنّه أفطر لعجزه عن الصيام ، والتقدير دوامه فيدوم التسبّب . و قال : (7) ويؤيّده رواية داود عن الصادق عليه السلام أنّه فصّل ، والتفصيل يقطع الشركة ، وفيه تأمّل . وفصّل العلّامة في المنتهى بين ما لا يرجى برءه وما يرجى ، فأوجب على الأوّل

.


1- .نفس المصدر ، ص 238 ، ح 697 ، وقد تقدّم .
2- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 547 548 .
3- .منها صحيحة محمّد بن مسلم الماضية : وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 209 ، ح 13240 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 240 ، ح 703 . هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 214 215 ، ح 13253 .
5- .في الأصل : «ما يمسك معه» ، والتصويب من المصدر .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 240 ، ح 702 ؛ وهو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 214 ، ح 13252 .
7- .كذا بالأصل ، ولم يذكر قبل ذلك قائلاً حتّى يكون هذا عطفا عليه . وهذا الاستدل وما قبله موجودان في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 .

ص: 202

باب الحامل و المرضع يضعفان عن الصوم

الفدية ونفى القضاء . (1) ونقل في المختلف (2) وجوب الفدية فيه عن الصدوق (3) والسيّد المرتضى (4) وابن الجنيد والمفيد (5) وابن إدريس (6) وابن البرّاج ، (7) وأوجب على الثاني القضاء فقط ونفى الكفّارة . وحكى عن المفيد (8) والسيّد المرتضى (9) وابن إدريس (10) نفي الفدية ، وعدّه الأقرب ؛ إلحاقا بالمريض ، والشيخ أوجب الفدية عليه مطلقا ، وفصل بين الشقّين بالقضاء وعدمه ، (11) وقد سبق قول الشهيدين (12) وابن الجنيد 13 في ذلك ، والأظهر بالنظر إلى الأدلّة هو القول الأوّل .

باب الحامل و المرضع يضعفان عن الصومفي المنتهى : الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللّبن إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء ، وهو قول فقهاء الإسلام ، ولا كفّارة عليهما . 14 واحتجّ عليه بصحيحة محمّد بن مسلم ، 15 وبما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال :

.


1- .المقنع ، ص 194 .
2- .المقنعة ، ص 351 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 547 548 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 400 .
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 196 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 285 .
9- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 49 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 128 _ 129 ؛ مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 85 _ 86 .
10- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 548 .
11- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 619 .
12- .الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 134 ، ح 1950 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 239 ، ح 701 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 215 ، ح 13254 .

ص: 203

«إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم» . (1) [وفي المنتهى أيضا] : ولو خافتا على الولد من الصوم فلهما الإفطار أيضا . وهو قول علماء الإسلام ؛ لأنّه ضرر غير مستحقّ فأشبه ضرر الصائم نفسه ، ولا نعلم فيه خلافا ، ويجب عليهما القضاء مع زوال العذر إلّا من سلّار ، (2) ويجب عليهما الصدقة عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، ذهب إليه علماؤنا ، وهو المشهور من قول الشافعيّ ، (3) وبه قال أحمد إلّا أنّه يقول مدّ من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير ، (4) وبه قال مجاهد . (5) وعن الشافعي : إنّ الكفّارة تجب على المرضع دون الحامل ، (6) وهو إحدى الروايتين عن مالك ، (7) وبه قال اللّيث بن سعد . (8) وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهما كفّارة ، وهو مذهب الحسن البصريّ وعطاء والزهريّ وربيعة والثوريّ والأوزاعيّ وأبي ثور وأبي عبيدة وداود المزنيّ وابن المنذر . (9) وللشافعيّ قولٌ ثالث أنّ الكفّارة استحباب . (10) وعن ابن عبّاس وابن عمر أنّهما قالا : تجب الكفّارة عليهما دون القضاء ، (11) وهو اختيار سلّار من علمائنا . (12) لنا : قوله تعالى : «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» . 13

.


1- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 109 ، ح 711 ؛ وبزيادة «المسافر» قبل «الحامل» في: مسند أحمد ، ج 4 ، ص 347 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 533 ، ح 1667 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 231 .
2- .المراسم العلويّة ، ص 95 .
3- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 113 114 ؛ مختصر المزني ، ص 57 ؛ فتح العزيز ، ص 460 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 267 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 20 .
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 21 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 269 .
6- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 460 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 267 .
7- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 460 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 269 .
8- .المغني ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 .
9- .المغني ، ج 3 ، ص 77 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 269 .
10- .الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 21؛ المغني، ج 3، ص 78 .
11- .المراسم العلويّة ، ص 95 . وعنه في السرائر ، ج 1 ، ص 400 .
12- .البقرة (2) : 184 .

ص: 204

وقال ابن عبّاس : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام ، أن يفطرا ويطعما لكلّ يومٍ مسكينا . والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . رواه أبو داود ، (1) ونحوه روي عن ابن عمر . (2) ومن طريق الخاصّة ما تقدّم في حديث محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (3) فإنّه سوّغ لهما الإفطار مطلقا ، وأوجب عليهما القضاء والصدقة ، وهو يتناول ما إذا خافتا على الولد كما يتناول ما إذا خافتا على أنفسهما ، وأنّ المشقّة التي يخشى معها على الولد تسقط وجوب الصوم ؛ لأنّه حرج وإضرار ، وهما منفيّان . ويتصدّقان ؛ لأنّه جزاء إخلالهما مع المكنة والطاقة وإمكان الصوم ، وأمّا وجوب القضاء فبالآية وبما تلوناه من الحديث ، ولأنّه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة ، فوجب به الكفّارة كالشيخ الكبير . واحتجّ الشافعيّ على الفرق بأنّ المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها بخلاف الحامل ؛ ولأنّ الحمل متّصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها . (4) وجوابه : أنّ الفرق لا يقتضي سقوط القضاء مع ورود النصّ به . واحتجّ أبو حنيفة بما رواه أنس بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم» . (5) ولأنّه فطر اُبيح لعذر فلم تجب به كفّارة كالمريض . والجواب : أنّ الحديث لم يتعرّض لسقوط الكفّارة فكانت موقوفة على الدليل كالقضاء ، فإنّ الحديث لم يتعرّض له . والمريض أخفّ حالاً منهما ؛ لأنّه يفطر بسبب نفسه . واحتجّ سلار بأنّ الآية تناولتهما وليس فيها إلّا الإطعام ؛ ولأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إنّ اللّه وضع عن الحامل والمرضع الصوم» . (6)

.


1- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 520 ، ح 2318 .
2- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 21 .
3- .وسائل الشيعة، ج 10، ص 215، ح 13254.
4- .المغني ، ج 3 ، ص 77 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 .
5- .المبسوط ، ج 3 ، ص 99 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 78 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 20 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 109 ، ح 711 .
6- .إشارة إلى الحديث المتقدّم آنفا .

ص: 205

والجواب : أنّهما يطيقان القضاء فلزمهما القضاء كالحائض والنفساء ، والآية أوجبت الإطعام ولم يتعرّض للقضاء بنفي ولا إثبات . ونحن أثبتنا وجوبه بدليل آخر ، والمراد بوضع الصوم وضعه عنهما في حال عذرهما كما في قوله عليه السلام : «إنّ اللّه وضع عن المسافر الصوم» . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . (1) وقد ذهب عليّ بن بابويه أيضا بما نسبه سلّار من القول بسقوط القضاء إذا خافتا على ولدهما ، لكن رخّص الحكم بالحامل ، حيث قال في الرسالة على ما نقل عنه في المختلف : وإذا لم يتهيّأ للشيخ أو الشاب أو المرأة الحامل أن يصوم من العطش أو الجوع ، أو تخشى المرأة أن تضرّ مولودها ، فعليهم جميعا الإفطار ، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام ، وليس عليه القضاء . (2) وقد صرّح بالتفصيل الذي نقله عن الشافعي المحقّق الشيخ فخر الدِّين (3) وبعض من تأخّر عنه (4) على ما ذكره صاحب المدارك . (5) [و] اعلم أنّ إطلاق النصّ والأدب يقتضي عدم الفرق في المرضع بين الاُمّ وغيرها ، ولا بين المتبرّعة والمستأجرة ، أمكن قيام [غيرها] مقامها أم لا ، وتخصيص الحكم بما إذا لم يمكن قيام غيرها مقامها كما عدّه صاحب المدارك أجود من غير مخصّص ، وقال : «الفدية من مال المرأة وإن كان لها زوج» . (6) ولم أجد تصريحا من غيره بذلك نفيا ولا إثباتا ، ولا يبعد أن يُقال : إنّها من مال

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 219 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 548 ، ولم أعثر على رسالة ابن بابويه ، وتجد هذه العبارة في فقه الرضا عليه السلام ، ص 11 ، ومثله في المقنع ، ص 194 .
3- .إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 235 .
4- .كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 77 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 299 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 300 .

ص: 206

باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيه

باب من توالى عليه رمضانان

المرتضع إن كان له مال ، وإلّا فعلى الوالد كرزقها وكسوتها .

باب حدّ المرض الذي يجوز للرجل أن يفطر فيههو أن يتضرّر بالصوم بزيادة المرض أو بط ء زواله به ، وهو يختلف باختلاف الأمراض والأشخاص والأزمان ، فليرجع في ذلك إلى نفسه أو إلى طبيب حاذق موثوق به ، «بَلِ الْاءِنسَ_نُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» . (1) وذلك الحدّ ممّا أجمع عليه الأصحاب ، (2) والأخبار شاهدة عليه وفاقا لجمهور العامّة ، (3) ولقد حكى عن شذّاذ منهم إباحة الإفطار لكلّ مرض وإن لم يكن كذلك (4) محتجّين بعموم قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا» (5) . واُجيب بأنّه مخصّص بالإجماع والأخبار . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (إذا نقه في الصيام) .[ح 8/ 6462] قال الجوهريّ : «نقه من مرضه نقها : مثل تعب تعبا ، وكذلك نقه نقوها : مثل كلح كلوحا فهو ناقه ، إذا صحّ ، وهو في عقب علّته» . (6)

باب من توالى عليه رمضانانالمشهور بين الأصحاب أنّ من مرض في شهر رمضان واستمرّ مرضه إلى رمضان

.


1- .القيامة (75) : 14 .
2- .اُنظر : المقنعة ، ص 355 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 682 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 155 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 107 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 ؛ إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 235 ؛ مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 232 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 156 .
3- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 426 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 234 235 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 238 ؛ الفتوحات المكيّة ، ج 1 ، ص 613 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 258 ؛ البحر الرائق ، ج 2 ، ص 456 457 ؛ المحلّى ، ج 6 ، ص 258 259 .
4- .بداية المجتهد، ج 1، ص 238؛ الفتوحات المكيّة، ج 1، ص 316.
5- .البقرة (2) : 184 .
6- .صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2253 .

ص: 207

آخر سقط القضاء عنه ووجبت الفدية مدّ عن كلّ يوم ، وإن برأ منه فيما بينهما وأخّر القضاء إلى رمضان آخر مع التواني فيه وجب القضاء أيضا مع الفدية ، وبدون التواني القضاء خاصّة ؛ لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) وحسنة محمّد بن مسلم عنه عليه السلام ، (2) وخبر أبي الصباح الكنانيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (3) وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام . (4) وما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ ، فإنّما عليه بكلّ يومٍ أفطر فدية طعام ، وهو مدّ لكلّ مسكين» ، قال : «وكذلك أيضا في كفّارة اليمين والظهار مدّا مدّا ، فإن صحَّ فيما بين رمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام ، وإن تهاون به وقد صحّ فعليه الصدقة والصيام جميعا ، لكلٍّ مدّ إذا فرغ من ذلك الرمضان» . (5) ويؤيّدها ما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من أدرك رمضان فأفطر لمرض ، ثمّ صحّ ولم يقضه حتّى أدركه رمضان آخر ، صام الذي أدركه ، ثمّ يقضي ما عليه ، ثمّ يطعم عن كلّ يوم مسكينا» . (6) وعن ابن عمر وابن عبّاس أنّهما أمرا بذلك . (7) وبهذه الأخبار خصّصوا عموم قوله سبحانه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ» (8) بغير من استمرّ مرضه إلى رمضان آخر .

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 335 ، ح 13544 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 335 ، ح 13543 .
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 335 ، ح 13545 .
4- .قرب الإسناد ، ص 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 338 ، ح 13551 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 251 ، ح 746 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 111 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 337 ، ح 13548 .
6- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 462 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 462 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 177 ، ح 2319 و 2320 .
7- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 177 ، ح 2322 عن ابن عبّاس ، وص 176 ، ح 2317 عن ابن عمر .
8- .البقرة (2) : 184 .

ص: 208

واحتجّ في المختلف على سقوط القضاء في صورة استمرار المرض بما ذكر ، وبأنّ العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء ، وقال : «أمّا وقت الأداء فظاهر ، وأمّا وقت القضاء فلأنّ وقته فيما بين الرمضانين ؛ إذ لا يجوز له التأخير عنه» . (1) وقال بعده (2) : «إنّ ممّن قال بسقوط القضاء يعني فيها ابن الجنيد وعليّ بن بابويه في رسالته (3) وابنه في المقنع ، (4) وابن البرّاج (5) وابن حمزة (6) » . (7) وقد عدّ ابن الجنيد الجمع بين القضاء والفدية أحوط على ما سيظهر من كلامه . وحكى أيضا عن السيّد المرتضى (8) وسلّار (9) أنّهما لم يتعرّضا لذلك التفصيل ، بل أوجبا القضاء فقط على المفطر للمرض ولم يفصّلا ، فظاهرهما وجوب القضاء فقط على من استمرّ مرضه أيضا . وقد حكي ذلك صريحا عن أبي الصلاح (10) وابن إدريس ، (11) وهو ظاهر ابن أبي عقيل على ما سيأتي . وظاهر الشيخ أيضا في الخلاف حيث قال : فإن أخّر قضاءه إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فاته ، فإن كان تأخّر لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفّارة عليه ، وإن تركه مع القدرة كفّر عن كلّ يوم بمدّ من طعام . (12)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 518 .
2- .هذا هو الظاهر ، وهاتان الكلمتان في الأصل غير واضحتان .
3- .لم أعثر على رسالته ، وحكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 395 396 .
4- .المقنع ، ص 201 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 .
6- .الوسيلة ، ص 149 150 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 517 .
8- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) .
9- .المراسم العلويّة ، ص 96 .
10- .الكافي في الفقه ، ص 181 .
11- .السرائر ، ج 1 ، ص 395 .
12- .الخلاف ، ج 2 ، ص 206 207 .

ص: 209

ثمّ قال [في المنتهى] : احتجّ المخالف بعموم قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» ، (1) وبأنّ العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالفرض ، وبما رواه سماعة ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه ، فقال : «يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدرك ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإنّي كنت مريضا فمرَّ عَليَّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ، ثمّ أدركت رمضانا ، فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّين من طعام ، ثمّ عافاني اللّه وصمتهنّ» . (2) والجواب : العموم قد يخصّ بأخبار الآحاد ، خصوصا إذا استفاضت واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب ؛ ولأنّ وقت القضاء قد فات على ما بيّناه ، فيسقط والقضاء في العبادة إنّما يجب بأمرٍ جديد على ما حقّق في اُصول الفقه ، بخلاف الدّين فإنّه لا وقت له . ورواية سماعة ضعيفة السند ولم يسندها إلى إمام ، ويحتمل التأويل بوجهين : الأوّل : أنّه لم يذكر في الرواية استمرار المرض فيما بين الرمضانات. الثاني جاز أن يتبرّع الإمام عليه السلام بالقضاء والصدقة ؛ لأنّه مستحبّ لا واجب والإمام عليه السلام كان يواظب على فعل المندوبات كالواجبات . (3) انتهى . ويؤيّد الاستحباب صحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، وأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت» . (4) وكأنّ هؤلاء حملوا الأمر بالفدية في الصورة الثانية أعني تأخير القضاء مع التواني _

.


1- .البقرة (2) : 184 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 251 ، ح 747 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 112 ، ح 366 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 336 ، ح 13547 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 520 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 252 ، ح 848 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 112 ، ح 367 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 336 ، ح 13546 .

ص: 210

على الندب ؛ للجمع بينه وبين خبر سعد بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ، ثمّ يصحّ بعد ذلك ، فيؤخّر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ما عليه في ذلك ؟ قال : «أحبّ له تعجيل الصيام ، فإن كان آخره فليس عليه شيء» . (1) والشيخ خصّه بغير التهاون .

وهنا فوائد :الاُولى : الظاهر من التواني في حسنة محمّد بن مسلم (2) التأخير من غير عذر من مرض وسفر ونحوهما ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : فإن أخّر قضاءه إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فات ، وإن كان تأخّر لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفّارة عليه ، وإن تركه مع القدرة كفّر عن كلّ يوم بمدّ من طعام . (3) فعدم التهاون هو العذر في التأخير ، وفسّرها الأكثر بالعزم على القضاء وعدمه ، وهو تفسير من غير مفسّر ، وتظهر الفائدة فيما لو عزم على القضاء في السعة وأخّره من غير عذر ؛ اعتمادا عليها ، فلمّا ضاق الوقت عرض له مانع ، فعلى الأوّل تجب عليه الفدية بخلاف الثاني ، فتأمّل . الثانية : تدلّ حسنة محمّد بن مسلم وبعض آخر ممّا تقدّم من الأخبار على أنّ الفدية إنّما هي مدّ ، وهو المشهور بين الأصحاب محتجّين بما ذكر ، وبأصالة البراءة من الزائد ، ونقله في المختلف عن الصدوقين (4) وابن الجنيد . (5) وقال الشيخ في النهاية : «يتصدّق عن كلّ يوم بمدّين من طعام ، فإن لم يمكنه فبمدّ» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 252 ، ح 749 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 111 112 ، ح 365 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 337 ، ح 13549 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 206 207 .
4- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 211 ؛ المقنع ، ص 202 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 521 .
6- .النهاية ، ص 158 .

ص: 211

ونقله في المختلف عن ابن البرّاج (1) وابن حمزة (2) محتجّين بأنّ المدّين بدل عن اليوم في كفّارة جزاء الصيد ، فيكون هنا أيضا كذلك ، بل هذا آكد ، فإنّ صوم يوم من شهر رمضان أفضل من صوم يوم من غيره . وأجاب بأنّ هذا اجتهاد في مقابلة النصّ ، فلا يكون مسموعا ، (3) وقد تقدّم القول في نظير هذه الفدية . الثالثة : الظاهر اختصاص الحكم بسقوط القضاء الفائت للمرض المستمرّ إلى رمضان آخر وعدم جريانه في الفائت للسفر المستمرّ بنفسه إلى رمضان أخر ، ولا في الغائب للسفر الذي يصير بعده مريضا مستمرّا ولا في عكسه ؛ لعموم قوله سبحانه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (4) خرج الاُولى بالدليل فبقي الباقي . وفي المسالك : «توقّف فيه في المعتبر ؛ (5) لعدم النصّ والمشاركة في العلّة» . (6) وظاهر ابن أبي عقيل اطّراد الحكم في غيره أيضا ، حيث قال [على] ما حكى عنه في المختلف : من كان عليه القضاء من شهر رمضان ، فلم يقضه وهو يقدر عليه حتّى دخل في شهر رمضان آخر ، كان عليه أن يصوم الشهر الداخل ويقضي من بعد الذي فاته ، ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام . ولو لم يمكنه القضاء لمرض حتّى دخل شهر رمضان آخر صام الشهر الداخل وقضى من بعده الفائت ، ولا صدقة عليه . (7) ولا يبعد أن يُقال : إنّه أراد بالقضاء الذي كان سببه المرض ، فيطابق المشهور من هذه

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 .
2- .الوسيلة ، ص 150 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 522 .
4- .البقرة (2) : 184 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 700 .
6- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 61 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 517 518 .

ص: 212

الجهة ، لكن بقى مخالفته له من حيث دلالته على وجوب القضاء على الفائت للمرض المسمّى به كما أشرنا إليه آنفا . وكذا الظاهر عدم وجوب الفدية على من أخّر القضاء إلى رمضان آخر في الفائت بغير المرض ؛ لأصالة عدمه وانتفاء دليل عليه هنا ، ولا يجوز القياس ؛ إذ قصاراه الأولويّة ، وهي ليست حجّة شرعيّة . وفي المسالك : والأجود وجوب الفدية مع التأخير لغير عذر ، ووجوب القضاء مع دوام العذر ، أخذا للأوّل من باب مفهوم الموافقة في المريض ، وللثاني (1) من عموم الآية وبطلان قياس الأضعف على الأقوى ، فتأمّل . (2) وفي [فتح] العزيز : من كان عليه قضاء رمضان وأخّره حتّى دخل رمضان السنة القابلة نظر ، إن كان مسافرا أو مريضا فلا شيء عليه بالتأخير فإنّ تأخير الأداء بهذا العذر جائز ، فتأخير القضاء أولى بالجواز ، وإن لم يكن فعليه مع القضاء لكلّ يوم مدّ ، وبه قال مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة والمزنيّ . (3) وأمّا وجوب الفدية على من أخّر القضاء إلى رمضان آخر مع التواني في الصوم الفائت بغير المرض [فلا خلاف فيه] . الرابعة : قال العلّامة رحمه الله في المختلف : قال الشيخ رحمه الله : وحكم ما زاد على رمضانين سواء . وهو قول ابن الجنيد ، فإنّه قال : وإن كان أفطر لمرض واتّصل به المرض إلى رمضان آخر أو رمضانين أو ثلاثة تصدّق عن سائر الرمضانات عن كلّ يوم مدّا من طعام ، وقضاء آخر رمضان منها برئ عقيبه ، ولو صام جميعها مع الصدقة كان أحوط . وقال ابن بابويه في رسالته : إذا مرض الرجل وفاته صوم شهر من رمضان كلّه ، ولم

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «الأوّل» .
2- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 62 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 462 .

ص: 213

باب قضاء شهر رمضان

يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل ، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل ، ويتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من طعام ، وليس عليه القضاء إلّا أن يكون صحّ فيما بين الرمضانين ، فإن كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ من طعام ويصوم الثاني ، فإذا صام الثاني قضى الأوّل بعده ، فإن فاته شهر رمضان حتّى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل ، ويتصدّق عن الأوّل لكلّ يومٍ بمدّ من طعام ويقضي الثاني . (1) وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الرمضان الأوّل إلى الثالث يحتمل برؤه فيما بين الثاني والثالث ، فحينئذٍ إن حمل على الثاني فلا مخالفة فيه ، كما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر وشيخنا أبو عليّ بن الجنيد ، وإن حمل على الأوّل صارت المسألة خلافيّة . (2) الخامسة : لا تتكرّر الفدية بتكرّر مضيّ رمضان على القضاء ؛ لأصالة البراءة وانتفاء دليل عليه ، ولم أعرف مخالفا لذلك . قوله في خبر أبي الصباح : (فإن كان مريضا فيما بين) . [ح 3 /6465] كان بمعنى صار بدليل قوله عليه السلام : «فإن تتابع المرض عليه فلم يصحّ» ، إلى آخره .

باب قضاء شهر رمضانوبيان جواز التفريق وعدم اشتراط التتابع فيه ، وهو مجمعٌ عليه عند الأصحاب ، (3) ومشهور بين العامّة . (4) ويدلّ عليه أخبار الباب وغيرها ، وسنروي بعضها . وما رواه عبد الرحمن بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قضاء

.


1- .ونقله عنه في السرائر ، ج 1، ص 395 396 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 522 523 .
3- .اُنظر: الناصريّات، ص 297؛ مختلف الشيعة، ج 3، ص 551.
4- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 367 ؛ الناصريّات ، ص 297 298 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 431 432 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 79 80 .

ص: 214

شهر رمضان في شهر ذي الحجّة أو قطعه ، فقال : «اقضه في ذي الحجّة ، واقطعه إن شئت» . (1) وسليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ، أيقضيها متفرّقة ؟ قال : «لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان» . (2) ونقل في الخلاف عن بعض العامّة القول بوجوب التتابع فيه . قال : وروي ذلك عن عليّ عليه السلام وعبداللّه بن عمر وعائشة والنخعيّ ، وعن جماعة اُخرى منهم . (3) واختلفوا في الفضيلة ثمّ في الأفضل ، فظاهر جماعة من فحول علمائنا تساويهما من غير فضيلة لأحدهما حيث حكموا بالتخيير ولم يرجّحوا شيئا ، فقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الناصريات : «عند أصحابنا أنّه مخيّر بين التتابع والتفريق» . (4) وقال المفيد قدس سره : «إن شاء قضاه متتابعا ، وإن شاء قضاه متفرّقا ، أيّهما فعل أجزأ» . (5) ومثله منقول عن عليّ بن بابويه . (6) واحتجّوا على ما حكى عنهم في المختلف بأصالة انتفاء الرجحان ، وبخبر عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، وسليمان بن جعفر الجعفريّ المتقدّمين . وأجاب : بأنّ رجحان المتابعة قد ثبت . (7) وذهب الشيخ في الخلاف و المبسوط والنهاية إلى استحباب التتابع مطلقا ، (8) وهو منقول

.


1- .الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 275 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 119 ، ح 386 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 344 ، ح 13567 .
2- .الكافي ، ح 1 من هذا الباب ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 148 ، ح 1998 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 274 ، ح 830 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 117 ، ح 382 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 342 ، ح 13565 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 210 ، المسألة 68 . وانظر : ج 6 ، ص 367 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 80 .
4- .الناصريّات ، ص 297 .
5- .المقنعة ، ص 359 .
6- .نقله عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 551 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 553 554 .
8- .الخلاف ، ج 2 ، ص 210 ، المسألة 68 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 280 ؛ النهاية ، ص 163 .

ص: 215

في المختلف عن أبي الصلاح (1) وابن الجنيد . (2) وفي الخلاف (3) عن الشافعيّ ، (4) وهو الأشهر ، لا سيّما عند المتأخّرين ، وهو أظهر ؛ لحسنتي عبداللّه بن سنان والحلبيّ ، (5) وقد رواهما الشيخ في الصحيح . (6) ويؤيّدهما ما ورد من طرق العامّة عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «مَن كان عليه صوم فليسرده ولا يقطعه» . (7) وربّما احتجّ عليه بأنّ في التتابع مسارعة إلى المغفرة . (8) ويظهر من حجّة هذا القول فساد احتجاج الأوّلين ؛ إذ بها يثبت ما هو خلاف الأصل . والخبران الأوّلان مع عدم صحّتهما إنّما يدلّان على جواز الأمرين لا على التساوي . ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب استحباب التفريق مطلقا ، وعن بعضهم استحباب التفريق فيما زاد على ستّة أيّام أو ثمانية ، واستحباب المتابعة بين ثمانية أو ستّة ، (9) ولم أعرف قائلهما . وقال المفيد : وقد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إذا كان عليه يومان فصّل بينهما بيوم ، وكذا إذا كان

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 184 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 550 .
3- .الخلاف ، ج 2 ، ص 210 .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 367 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 79 80 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 434 ؛ مختصر المزني ، ص 58 .
5- .هما ح 3 و 4 من هذا الباب من الكافي .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 274 ، ح 828 و 829 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 117 ، ح 380 و 381 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 340 341 ، ح 13557 و 13558 .
7- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 259 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 171 ، ح 2288 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 495 ، ح 23803 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 552 ، وفيه : «مسارعة إلى فعل الخير» .
9- .السرائر ، ج 1 ، ص 405 406 .

ص: 216

باب الرجل يصبح وهو يريد الصيام فيفطر

عليه خمسة أيّام وما زاد ، فإن كان عليه عشرة [أيّام] أو [من ذلك ]أكثر تابع بين الثمانية الأيّام إن شاء اللّه ، ثمّ فرّق الباقي . (1) وأشار بذلك إلى ما روي في التهذيب عن عمّار بن موسى الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ، فكيف يقضيها ؟ فقال : «إن كان يوما فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة أيّام فليفطر بينهما أيّاما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستّة أيّام متوالية ، وإن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينهما يوما» . (2) وفي الاستبصار : ثمانية أيّام بدل ستّة أيّام . (3) وربّما احتجّ القائلون بأولويّة التفريق بهذا الخبر ، وهو لعدم صحّته لروايته عن جماعة من الفطحيّة وتشويش متنه (4) غير قابل (5) للمعارضة لما ذكر من الأخبار الصحيحة ، وقد مرَّ مرارا : أنّ عمّارا لكونه غير ضابط لا يعبأ بما تفرّد بروايته ، (6) مع أنّها قابلة للتأويل بما قاله الشيخ من أنّ الأمر بالفصل لئلّا يتوهّم وجوب التتابع .

باب الرجل يصبح وهو يريد الصيام فيفطر ، ويصبح وهو لا يريد الصوم فيصوم في قضاء شهر رمضان وغيرهفيه مسألتان :الاُولى : مَن أصبح مريدا للصوم ، فإن كان صوما واجبا معيّنا كصوم شهر رمضان والنذر المعيّن فلا يجوز إفطاره من غير عذر إجماعا من أهل العلم ، ويستفاد ذلك من الأخبار التي قد سبق بعضها ويجيء بعض منها في مواضع متفرّقة .

.


1- .المقنعة ، ص 359 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 275 ، ح 831 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 118 ، ح 383 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 341 ، ح 13559 .
4- .في الأصل : «متنها» .
5- .في الأصل : «غير قابلة» .
6- .اُنظر : تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 101 ، ذيل ح 435 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 95 ، ذيل ح 325 .

ص: 217

وما ليس بمعيّن كقضاء شهر رمضان وكالنذر المطلق فالمشهور جواز الإفطار من غير عذر قبل الزوال وتعويض يوم مكانه ، وعدم وجوب شيء آخر عليه ، وعدم جوازه بعد الزوال ، ووجوب الكفّارة لو أفطر بعده . ويدلّ عليه خبر سماعة بن مهران (1) وبريد العجليّ ، (2) وموثّق سماعة عن أبي بصير ، (3) وما رواه الشيخ عن أبي عبيد بن الحسين ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» . (4) وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الذي يقضي رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوّع ما بينه وبين أن تغيب الشمس» . (5) وعن جميل بن درّاج ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوّعا فإنّه إلى الليل بالخيار» . (6) وظاهر العلّامة في المنتهى جواز الإفطار بعد الزوال أيضا في النذر المطلق . (7) وظاهر أبي الصلاح عدم جواز الإفطار قبل الزوال أيضا لقاضي رمضان ، إلّا أنّه لا كفّارة عليه حيث قال على ما حكي عنه : إن أفطر يوما عزم على صومه قضاءً قبل الزوال فهو مأزور ، وإن كان بعد الزوال تعاظم

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 278 ، ح 841 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 120 ، ح 389 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 18 ، ح 12724 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ح 848 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ح 395 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 18 19 ، ح 12725 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 188 ، ح 527 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ح 396 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 16 ، ح 12719 .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 576 .

ص: 218

وزره ، ولزمته الكفّارة صيام ثلاثة أيّام أو إطعام عشرة مساكين . (1) وفي بعض الأخبار جواز الإفطار لقاضي رمضان بعد الزوال أيضا قبل العصر ، رواه الشيخ في الاستبصار في الصحيح عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجلٌ وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان ؟ فقال : «إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه ويصوم يوما بدله ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفّارة[لذلك]» . (2) وأوّله بأنّه لمّا كان وقت الصلاتين عند الزوال إلّا أنّ هذه قبل هذه جاز أن يعبّر عمّا قبل الزوال بأنّه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ، ويعبّر عمّا بعد العصر بأنّه بعد الزوال لمثل ذلك ، ثمّ جوّز حمل الأوّلة على الاستحباب ، وهذه على الوجوب . (3) وفي المدارك : قال ابن أبي عقيل : مَن أصبح صائما لقضاء كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل ، فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك ، ومقتضى ذلك المنع من الإفطار قبل الزوال وبعده إذا كان قد نوى ذلك من الليل . (4) وهل تجب الكفّارة في إفطار قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ؟ الظاهر العدم ؛ لأصالته وانتفاء نصّ على وجوبها ، ولأنّ هذا اليوم غير متعيّن لقضائه . وبه قال ابن إدريس . (5) وفي المختلف : هو المعتمد ، وحكى فيه عن عليّ بن بابويه أنّه قال في رسالته : إذا قضيت شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس ، فإذا أفطرت

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 184 . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 556 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 279 ، ح 845 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 120 121 ، ح 392 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 347 348 ، ح 13577 .
3- .الاستبصار ، ج 2 ، ص 121 ، ذيل ح 392 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 230 231 ، وكلام ابن أبي عقيل نقله العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 556 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 410 .

ص: 219

بعد الزوال فعليك الكفّارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان . وقال : وهذا يشعر بوجوب الكفّارة في إفطار قضاء النذر المعيّن ، ثمّ احتجّ بمساواته لقضاء رمضان ؛ لاشتراكهما في كونهما قضاءً للواجب ، ولأنّ المقتضي لوجوب الكفّارة هناك كونه قد أبطل عبادة فعل أكثرها ، وهو متحقّق هنا . والجواب : المنع من المساواة والاقتضاء ، مع أنّ ذلك قياس محض لا أقول به . (1) ويدلّ على وجوب الكفّارة على قاضي رمضان بعض ما اُشير إليه من الأخبار وما سيأتي . وظاهر كلام ابن أبي عقيل عدم وجوب كفّارة عليه ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «مَن جامع أو أكل في قضاء شهر رمضان أو كفّارة أو نذر أثم وعليه القضاء ، ولا كفّارة عليه» . (2) وكأنّه تمسّك بموثّقة عمّار الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام ؟ قال : «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن كان قد نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» . سئل : فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعدما زالت الشمس ؟ قال : «لا» ، سئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعدما زالت الشمس ؟ قال : «قد أساء وليس عليه شيء ، إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» . (3) ويرد عليه : أنّ هذا الخبر لضعفه لا يقبل المعارضة للأخبار الصحيحة . وقال الشيخ : قوله عليه السلام : «وليس عليه شيء» محمول على أنّه ليس عليه شيء من العقاب ؛ لأنّ من

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 560 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 453 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ح 847 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 121 122 ، ح 394 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 13 ، ح 12711 .

ص: 220

أفطر في هذا اليوم لا يستحقّ العقاب وإن أفطر بعد الزوال وتلزمه الكفّارة حيث ما بيّناه . وليس كذلك ، من أفطر في رمضان فإنّه يستحقّ العقاب والقضاء والكفّارة . (1) وكفّارة إفطار النذر المعيّن بعد الزوال هي كفّارة خلف النذر بغير خلاف ، ويجيء القول فيها وفي دليلها إن شاء اللّه تعالى . وأمّا كفّارة إفطار قضاء رمضان بعد الزوال فقال الشيخ قدس سره في النهاية : «وهي إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن منه فصيام ثلاثة أيّام» . (2) وهو أحد قوليه في المبسوط في فصل القضاء . (3) وبه قال المفيد قدس سره (4) والعلّامة في المختلف ، (5) ونقله عن السيّد المرتضى (6) و ابن الجنيد وابن إدريس في موضع من السرائر . (7) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن بريد العجليّ ، (8) وصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة . (9) وعن أبي الصلاح التخيير بين الخصلتين (10) على ما عرفت . وبه قال الشيخ في الجمل ، (11) وفي قول آخر في المبسوط في فصل أقسام الصوم (12) على ما نقل عنه . (13) ونقل عن ابن إدريس أنّه قال في موضع آخر من السرائر : إنّه يجب عليه كفّارة

.


1- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ذيل ح 847 . ونحوه في الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ذيل ح 394 .
3- .النهاية ، ص 164 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 272 .
5- .المقنعة ، ص 360 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 453 و 554 555 .
7- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 57 58) .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 406 .
9- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 347 348 ، ح 13577 .
10- .الكافي في الفقه ، ص 184 .
11- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 216) .
12- .المبسوط ، ج 1 ، ص 279 .
13- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 558 .

ص: 221

يمين ، (1) ونقله عن ابن البرّاج أيضا . (2) ولم أجد شاهدا لهما من الأخبار . وعن الصدوقين في الرسالة (3) والمقنع أنّهما أوجبا عليه كفّارة شهر رمضان ، (4) وقد رواه الشيخ في التهذيب في الموثّق عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : «عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» . (5) وحمله مع ندرته على من فعل ذلك استخفافا وتهاونا بهذا الصوم . وإلى هذا التفصيل ذهب ابن حمزة ، فقد قال على ما نقل عنه : إن أفطر بعد الزوال استخفافا به فعليه كفّارة مَن أفطر يوما من شهر رمضان ، وإن أفطر لغير ذلك فكفّارته صيام ثلاثة أيّام أو إطعام عشرة مساكين . (6) ولا يبعد حمل الأوّلة على الوجوب والزائد عليها على الاستحباب ، كما فعله العلّامة في المختلف في هذا الموثّق . (7) وأمّا الصوم المندوب فيجوز الإفطار إلى الغروب ، وفي المنتهى : قال علماؤنا : صوم النافلة لا يجب الشروع فيه ، ويجوز إبطاله ، ولا يجب قضاؤه لو أفطر فيه لعذر وغير عذر ، وبه قال الشافعيّ والثوريّ وأحمد وإسحاق . (8) وقال أبو حنيفة : يجب المضي فيه ، ولا يجوز له الإفطار إلّا لعذر ، فإن أفطر قضى . (9) وروي عن محمّد أنّه قال : إذا دخل على أخ فحلف عليه أفطر وعليه القضاء . (10) وقال

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 410 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 203 .
3- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 555 . ومثله في فقه الرضا عليه السلام ، ص 213 .
4- .المقنع ، ص 200 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 279 ، ح 846 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 348 ، ح 13578 .
6- .الوسيلة ، ص 147 . وحكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 556 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 558 .
8- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 393 394 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 464 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 111 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 89 .
9- .المصادر المتقدّمة .
10- .نقله عنه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 221 ، وفي هامشه عن حلية العلماء ، ج 2 ، ص 212 .

ص: 222

مالك : يجب بالدخول فيه ، ولا يجوز الخروج عنه إلّا لعذر ، وإذا خرج منه لعذر لا يجب القضاء . (1) وبه قال أبو ثور . (2) ويدلّ على المذهب المنصور خبر إسحاق بن عمّار ، (3) وصحيح جميل بن درّاج (4) المتقدّمين ، وما رواه معمّر بن خلّاد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قلت له : النوافل ليس لي أن أفطر بعد الزوال ؟ قال : «نعم» . (5) ويؤيّدها ما رواه في المنتهى (6) من طرق العامّة عن عائشة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّما مثل صوم التطوّع مثل الرجل يخرج ماله للصدقة ، فإن شاء أمضى بها ، وإن شاء حبسها» . (7) وعن اُمّ هاني قالت : دخل عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاُتي بشراب فناولنيه ، فشربت منه ، ثمّ قلت : يارسول اللّه ، لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها : «كنت تقضين شيئا ؟» قلت : لا ، قال : «فلا يضرّك إن كان تطوّعا» . (8) وفي رواية اُخرى ، قال : قلت : إنّي صائمة ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ المتطوّع أمين نفسه ، فإن شئتِ صومي ، وإن شئتِ فافطري» . (9) وفي خبر آخر عنها ، قالت : دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأنا صائمة ، فناولني فضل

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 394 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 464 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 111 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 89 .
2- .المجموع ، ج 6 ، ص 394 .
3- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 18 19 ، ح 12725 .
4- .وسائل الشيعة، ج 10، ص 16، ح 12719.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 166 ، ح 473 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 17 ، ح 12720 ، وفيهما : «بعد الظهر» بدل «بعد الزوال» .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 620 .
7- .السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 114 ، ح 2631 ؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 557 ، ح 24150 .
8- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 16 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 548 549 ، ح 2456 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 277 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 24 ، ص 426425 .
9- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 118 119 ، ح 728 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 276 ؛ مسند الطيالسي ، ص 225 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 153 ، ح 2201 ، وص 154 ، ح 2203 .

ص: 223

شرابه ، فشربت ، فقلت : يارسول اللّه ، إنّي كنت صائمة ، وإنّي كرهت أن أردّ سؤرك ، فقال : «إن كان قضاء من شهر رمضان فصومي يوما مكانه ، وإن كان تطوّعا ، فإن شئت فاقضيه ، وإن شئت فلا تقضيه» . (1) واحتجّ المخالف بما نقلوه عن عائشة أنّها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوّعتين ، فاُهدي لنا خبيص فأفطرنا ، ثمّ سألنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «اقضيا يوما مكانه» . (2) وبأنّه عبادة تلزم بالنذر كالحجّ ، فيلزم بالشروع مثله . وأجاب عنه العلّامة في المنتهى عن خبرهم بأنّ أبا داود قال : لم يثبت . وقال الترمذيّ فيه مقال ، وضعّفه الجرجانيّ . ولو سلم فمحمول على الاستخلاف للجمع ، وأمّا الحجّ فإحرامه آكد ، ولهذا لا يخرج منه باختياره ولا بإفساده . (3) وقد ورد في بعض أخبارنا ما يدلّ ظاهرا على عدم جواز إفطاره بعد الزوال ، وحمل على تأكّد استحباب المضيّ عليه بعده ، رواه مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام ، أنّ عليّا عليه السلام قال : «الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، وإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم» . (4) الثانية : قد ثبت أنّ الأعمال إنّما تعتبر بالثبات ، وقد اختلف في وقت نيّة الصوم اختلافا كثيرا ، فظاهر الأكثر الفرق بين أنواع الصوم ، وأنّ الصوم الواجب المعيّن كصوم رمضان والنذر المعيّن وقته مع الذكر من أوّل الليل إلى طلوع الفجر الثاني ، ومع الجهل والنسيان بعد الفجر إلى زوال الشمس ، وبعده يجب الإمساك ، ولا يجزي عن فرضه .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 620 .
2- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 343 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 278 ؛ مسند الطيالسي ، ص 225 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 250 ، ح 3305 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 154 ، ح 2206 .
3- .الموطّأ ، ج 1 ، ص 306 ، ح 50 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 108 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 287 ؛ موارد الظمآن ، ج 3 ، ص 263 ،951 . وفي الجميع : «طعام» بدل : «خبيص» .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 281 ، ح 850 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 122 ، ح 397 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 19 ، ح 12726 .

ص: 224

والواجب غير المعيّن كقضاء رمضان ، وفي النذر المطلق يمتدّ وقته إلى زوال الشمس مطلقا إذا لم يفعل المنافي ، وأمّا النافلة فيمتدّ وقتها إلى الغروب مطلقا كذلك . وقال الشيخ : «وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النيّة من الزمان ما أمكن صومه لا أن يكون انتهاء النيّة مع انتهاء النهار» . (1) واحتجّ على الجزء الأوّل بأنّ النيّة إنّما تؤثّر في المتجدّد دون الماضي ، فإنّها عبارة عن إرادة إيقاع الفعل ، ولا يمكن تعلّق الإرادة بالماضي ، فمع الذكر لو لم ينوها إلى أن يطلع الفجر بأن ينوي الإفطار ومضى على تلك الإرادة جزء من النهار لم يتحقّق منه الصوم الذي كلّف به ، فلا يجزيه ولو نوى الصوم بقية النهار ، بخلاف الناسي والجاهل ؛ لعدم تقصير منهما . واستدلّ على حكم الجاهل بما روي : أنّ ليلة الشكّ أصبح الناس في أعرابي أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فشهد برؤية الهلال ، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله مناديا ينادي : «كلّ من لم يأكل فليصم ومَن أكل فليمسك» . (2) قال في المنتهى : «وإذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان» . (3) ويدلّ أيضا عليه ما ورد في انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، وقد سبق . وأمّا الجزء الثاني فيدلّ عليه روايات كثيرة ، منها : ما رواه المصنّف عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، (4) وصحيحته الاُخرى ، قال : سألته عن الرجل يبدو له بعدما يصبح ويرتفع النهار أن يصوم (5) ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل ؟ قال : «نعم ، يصومه ويعتدّ به إذا لم يحدث شيئا» . (6)

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 278 .
2- .رواه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 646 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 558 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 186 187 ، ح 522 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 10 ، ح 12703 .
6- .المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «بعد أن أصبح ويرتفع النهار ويصوم» .

ص: 225

وخبر صالح بن عبداللّه ، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، قال : قلت له : رجل جعل للّه عليه صيام شهر ، فيصبح وهو ينوي الصوم ، ثمّ يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم ، فيبدو له فيصوم ؟ فقال : «هذا كلّه جائز» . (1) ومنها : ما سبق في خبر عمّار الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان يريد أن يقضيها ، متى ينوي الصيام ؟ قال : «هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» ، سأله : فإن كان نوى الإفطار يستقيم له أن ينوي الصوم بعدما زالت الشمس ؟ قال : «لا» . (2) ويؤيّدها ما روي في المنتهى من طريق العامّة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء : «أنّ من أكل منكم فليمسك بقيّة نهاره ، ومن لم يأكل فليصم» . (3) وبه احتجّ أبو حنيفة على وجوب صوم عاشوراء على ما سبق . ويدلّ على الثالث أيضا أخبار متعدّدة قد مرَّ بعضها . ومنها : صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : الرجل يصبح لا ينوي الصوم ، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم ؟ فقال : «إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه» . (4) وصحيحته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شيء وإلّا صمت . فإن كان عندهم شيء أتوا به وإلّا صام» . (5) وروى مثله من الطريقين عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 ، ح 523 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12705 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 280 ، ح 847 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 118 ، ح 384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 13 ، ح 12711 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 558 . والحديث في أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 228 و 241 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 188 ، ح 528 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 12 ، ح 12709 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 188 ، ح 531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 12 ، ح 12708 .
6- .اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 648 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 85 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، الباب 24 من كتاب الصوم ، ح 1 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 57 .

ص: 226

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال عليّ عليه السلام : «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثمّ ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر ، فهو بالخيار ، وإن شاء صام ، وإن شاء أفطر» . (1) وحسنة الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : إنّ رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار ؟ قال : «نعم» . (2) وخبر أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الصائم المتطوّع تعرض له الحاجة ، قال : «هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وإن مكث حتّى العصر ثمّ بدا له أن يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» . (3) ولم يفرّق السيّد المرتضى رضى الله عنه بين أنواع الواجب ولا بين الذاكر وغيره ، وجوّز النيّة إلى الزوال مطلقا ، فقال على ما نُقل عنه في المختلف : «ووقت النيّة في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى قبل زوال الشمس» . (4) وفي المختلف : أنّه احتجّ بصحيحتي عبد الرحمن بن الحجّاج (5) وهشام بن سالم (6) المتقدِّمتين ، وبأنّه إذا جاز ذلك في قضاء رمضان ، فيجوز فيه بالأولويّة ، ولكونه أصلاً فيكون الفرع ثابتا على حدّه . وأجاب في المختلف عن الحديثين بظهورهما في القضاء ، وعن الثاني بالفرق ، فإنّ القضاء لا يتعيّن في ذلك اليوم جاز له ترك الصوم فيه ، ولا يجب عليه صومه ، فلا تجب نيّته ، فإذا لم ينوِفي صدر النهار لم يكن مأثوما ، ويكون حكمه حكم الساهي في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 ، ح 525 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12706 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 10 ، ح 12702 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 91 ، ح 1819 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 186 ، ح 521 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 14 ، ح 12715 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 53) .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 187 ، ح 526 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12707 .
6- .هو الحديث 528 من تهذيب الأحكام؛ و ح 12709 من وسائل الشيعة.

ص: 227

رمضان ، فإنّه يسوغ له ترك النيّة إلى الزوال ، فإذا نوى قبله صحّ صومه ، وكذا القاضي ، أمّا نهار رمضان فإنّه يتعيّن صومه ، فيجب فيه النيّة مع العمد ، فإذا ترك النيّة مع العمد يكون قد ترك شرطا للواجب . (1) وابن الجنيد أيضا لم يفرّق بين الواجبات وغيرها ، ولا بين الذاكر وغيره ، وجوّز تجديد النيّة في كلّها إلى الغروب ؛ لأنّه قال : ويستحبّ للصائم فرضا وغير فرض أن يبيّت الصيام من الليل لما يريد به ، وجائز أن يبتدئ بالنيّة ، وقد بقي بعض النهار ، ويحتسب به من واجب إذا لم يكن قد أحدث ما ينقض الصيام ، ولو جعله تطوّعا كان أحوط . (2) واحتجّ عليه بأنّه يجوز النيّة قبل الزوال وإن فات بعض النهار ، فكذا يجوز بعده . وما رواه المصنّف عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، (3) فإنّ ذهاب عامّة الزوال ظاهر فيما بعد الزوال . ومرسلة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ، ويصبح فيأكل إلى العصر ، أيجوز له أن يجعله قضاءً من شهر رمضان ؟ قال : «نعم» . (4) وبما رويناه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج . (5) وفي المختلف : الجواب عن الأوّل بالفرق بين تجديد النيّة قبل الزوال وبعده ، فإنّه في الأوّل نوى معظم النهار ، وكان له حكم الجمع بخلاف الثاني . وعن الحديث الأوّل بمنع صحّة السند أوّلاً ، وباحتمال أن يكون قبل الزوال ، ويصدق

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 365 367 .
2- .حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 365 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 188 ، ح 529 ؛ وص 315 ، ح956 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 118 119 ، ح 385 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 12 ، ح 12710 .
5- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 11 ، ح 12707 .

ص: 228

عليه أنّه قد ذهب عامّة النهار على سبيل المجاز ، وهو الجواب عن الحديث الثالث . وعن الثاني بأنّه مرسل ، وباحتمال أن يكون قد نوى صوما مطلقا مع نسيان القضاء ، فجاز له صرفه إلى القضاء . (1) وهو كما ترى . وفرّق ابن أبي عقيل بين صوم رمضان وغيره ، فأوجب في صوم رمضان تثبيت النيّة ، وقال بعدم إجزائها نهارا ولو نسيها أو جهل كون اليوم من رمضان أو جهل المسألة على ما هو الظاهر من إطلاق كلامه . وقال في غيره بالإجزاء إلى الزوال لغير الذاكر مطلقا وإن كان الصوم مندوبا ؛ لأنّه قال : وجب على من كان صومه يعني صوم رمضان فرضا عند آل الرسول عليهم السلام أن يقدّم النيّة في اعتقاد صومه ذلك من الليل ، ولو كان صومه تطوّعا أو قضاء رمضان فأخطأ أن ينوي من الليل فنواه بالنهار قبل الزوال أجزأه ، وإن نوى بعد الزوال لم يجزءه . (2) ويردّه ما تقدّم . وجوّز السيّد المرتضى تجديد النيّة في المندوب بعد الزوال ، (3) وكأنّه أراد ما بعد الزوال إلى الغروب كما هو المشهور . ومنع ابن أبي عقيل من تجديد النافلة بعد الزوال . (4) وظاهر الشيخ في الخلاف عدم إجزاء النيّة في المندوب بعد الزوال حيث قال : يجوز أن ينوي لصيام النافلة نهارا . ومن أصحابنا من أجازه إلى عند الزوال وهو الظاهر من الروايات ، ومنهم من أجازه إلى جزء النهار . ولست أعرف به نصّا . (5)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 369 .
2- .نقله عنه العلّامه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 367 .
3- .الانتصار ، ص 180 .
4- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، وهذه الفقره كانت في الأصل قبل قوله : «حيث قال : يجوز أن ينوي»، فقدّمناها .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 167 ، المسألة 6 .

ص: 229

باب الرجل يتطوّع بالصيام وعليه من قضاء شهر رمضان

وبه صرّح في المبسوط ، (1) ورجّحه العلّامة في المختلف ، واحتجّ عليه بأنّه عليه السلام نفى العمل بدون النيّة ، ومضيّ جزء من النهار بغير نيّة يستلزم نفي حكمه ، خرج منه ما إذا نوى قبل الزوال ؛ لصيرورة عامّة النهار منويّا ، فيبقى الباقي على الأصل ، ولأنّه عبادة مندوبة فيكون وقت نيّتها وقت نيّة فرضها كالصلاة . وبصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة ذكرها ، ثمّ قال : «وترك الاستفصال عقيب إكمال السؤال يدلّ عليه تعميم المقال» . (2) وهذان الوجهان جيّدان لولا ما ذكر من الأدلّة . وقد اختلف العامّة أيضا في المسألة ، فقد حكى في المنتهى عن الشافعي ومالك وأحمد عدم إجزاء النيّة نهارا في الواجب كلّه ، المعين و غيره . و عن أبي حنيفة و باقي فقهائهم الفرق بين المعيّن و غير المعيّن من الواجب ، واشتراط التبييت في الأوّل دون الثاني ، وأنّه يجزي في الثاني إلى الزوال . وعن مالك وداود والمزنيّ اشتراط التبييت في النافلة ، وقال : وهو مرويّ عن عبداللّه بن عمر ، وحكى جوازها نهارا عن ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والنخعيّ والشافعيّ وأصحاب الرأي ، (3) وقد حكى احتجاج كلّ بما لا فائدة لذكره .

باب الرجل يتطوّع بالصيام وعليه من قضاء شهر رمضانظاهر المصنّف قدس سره عدم جواز صيام المندوب لمن عليه قضاء شهر رمضان ، وحكاه في المختلف عن السيّد المرتضى في الجمل (4) والشيخين (5) والصدوق (6) وأبي

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 277 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 370 371 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 559 . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 30 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 30 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 57) .
5- .قاله المفيد في المقنعة ، ص 360 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 163 .
6- .المقنع ، ص 203 .

ص: 230

باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان أو غيره

الصلاح ، (1) واستوجهه بما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : من صام تطوّعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنّه لا يقبل منه . (2) وبحسنة الحلبيّ وخبر أبي الصباح الكنانّي ، (3) ونقله عن أحمد في رواية ، وفي رواية اُخرى عنه الجواز محتجّا بأنّها عبارة متعلّقة بوقت موسّع ، فجاز التطوّع في وقتها كالصلاة . (4) وأجاب عنه : بأنّه قياس في مقابل النصّ ، وعارضه أيضا بقضاء الصلاة ، فإنّه لا يجوز التطوّع بها لمن عليه قضاء صلاة . (5) وفيه : أنّ الفرق بين قضاء الصلاة وقضاء الصوم واضح ، فإنّ الأوّل وقته مضيّق ؛ لأنّه فوري ووقته وقت الذكر ، وبذلك استدلّوا على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة إذا كان وقت الحاضرة موسّعا ، بخلاف الثاني فإنّه موسّع إجماعا . ونقل في المختلف عن السيّد أنّه قال في بعض رسائله : «إنّ الصوم ليس كالصلاة ، فإنّه لا يجوز لمن عليه فائتة أن يصلّي الحاضرة في أوّل وقتها ، ويجوز لمن عليه صوم واجب أن يصوم تطوّعا» ؛ محتجّا بأصالة الإباحة ، (6) وأجاب بمعارضتها بالاحتياط وبالأخبار . (7)

باب الرجل يموت وعليه من صيام شهر رمضان أو غيرهظاهر المصنّف قدس سره وجوب قضاء الصوم الواجب على الميّت الرجل من شهر رمضان على وليّه ، سواء كان سبب القضاء بسبب المرض الذي تمكّن بعده من القضاء أو بسبب السفر أو بسببٍ آخر ، كما إذا أفطر يوم الشكّ ثمّ ظهر أنّه من رمضان حيث

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 184 .
2- .مسند أحمد ، ص 352 ؛ كنزالعمّال ، ج 8 ، ص 494 ، ح 2379 .
3- .هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
4- .المغني ، ج 3 ، ص 84 85 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 84 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 508 .
6- .جوابات المسائل الرسيّة (رسائل الشريف المرتضى ، ج 2 ، ص 366) .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 508 509 .

ص: 231

أطلق وجوب صيام شهر رمضان على الرجل ، وإن لم يكن له وليّ تصدّق من ماله عن كلّ يوم بمدّ ، واختصاص ذلك بالرجل الميّت ، وأنّ المراد بالولي أولى الناس بميراثه (1) الورثة على مراتب الإرث حتّى الزوج والمعتق وضامن الجريرة والإمام عليه السلام لا من نسائهم ؛ لدلالة ما ذكره من الأخبار عليه حيث أطلق الصوم في أكثرها ، وخصّ الرجل الميّت بالذكر ، وقيّد الوليّ بالرجال في بعضها . وإليه ذهب أبو الصلاح حيث قال على ما حكى عنه فيالمختلف : من مات وعليه من ضروب الصوم شيء مع تيقّن (2) فرضه عليه وتفريطه فيه فعلى وليّه القضاء عنه ، فإن لم يكن له وليّ اُخرج من ماله إلى من يقضي عنه . (3) ولابدّ في تحقيق الحال من البحث في اُمور : الأوّل : عدم وجوب قضاء ما فات عنه بالمرض الذي مات فيه ، فقد قال العلّامة في المنتهى : «إنّه قول العلماء كافّة» . (4) ويدلّ عليه أخبار متعدّدة منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض ، فتوفّي قبل أن يبرأ ، قال : «ليس عليه شيء ، ولكن يقضي عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي» . (5) وخبر منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت ، قال : «لا يقضى عنه» ، والحائض تموت في شهر رمضان ؟ قال : «لا يقضى عنها» . (6)

.


1- .بعده بياض بقدر كلمة .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «تعيّن» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 541 ؛ الكافي في الفقه ، ص 189 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 603 .
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 738 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 110 ، ح 359 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330329 ، ح 13527 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 247 ، ح 734 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 108 ، ح 353 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 ، ح 13534 .

ص: 232

وموثّق سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلٍ دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ، فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال ، فقال : «لا صيام عليه ولا قضاء عنه» . قلت : فامرأة نفساء دخل شهر رمضان ولم تقدر على الصوم ، فماتت في شهر رمضان أو في شوّال ؟ فقال : «لا يقضى عنها» . (1) وما رواه الصدوق في الصحيح عن أبي مريم الأنصاريّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ، ثمّ لم يزل مريضا حتّى مات فليس عليه قضاء ، وإن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت فيها وكان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ ، فإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» . (2) بل يظهر ممّا رواه المصنّف عن أبي بصير (3) عدم جوازه ، ومنه يظهر أنّ ما ذكره جماعة منهم المحقّق في الشرائع من استحباب القضاء عنه (4) ليس في محلّه ، فإنّ الاستحباب حكم شرعي محتاج إلى دليل شرعي . الثاني : تعميم الفائت من وجوه : أحدها : تعميمه لما أفطره الميّت من غير عذر عصيانا ، (5) وفي السفر والمرض ، وهو ظاهر الأكثر . وحكى الشهيد في الذكرى عن المحقّق أنّه قال في مسائله البغداديّة المنسوبة إلى سؤال جمال الدِّين بن حاتم المشغريّ : (6) «والذي يظهر لي أنّ الولد يلزمه قضاء ما فات

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 247 ، ح 733 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 108 ، ح 352 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 ، ح 13535 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 152 153 ، ح 2008 ؛ هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13532 .
3- .باب صوم الحائض والمستحاضة ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 333 ، ح 13537 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 150 .
5- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «صيانا» .
6- .جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري العامِلي ، كان فاضلاً فقيها عابدا ، يروى عن المحقّق الحلّي وابن طاووس وهما من أساتذته ، وله من التصانيف الأربعين الذي كان عند الشيخ الحرّ ، ومنها الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم وقد طبع .

ص: 233

الميّت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض ، لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه . (1) ثمّ قال] الشهيد] : وقد كان شيخنا عميد الدِّين برّ اللّه (2) لطيفه ينصر هذا القول ولا بأس به ، فإنّ الروايات تحمل على الغالب من الترك ، وهو إنّما يكون على هذا الوجه . (3) وقد صرّح الشيخ قدس سره بثبوت الحكم للفائت بالسفر ، فقد قال في التهذيب : «ما يفوت بالسفر يجب قضاؤه على الولي على كلّ حال ، سواء مات في السفر أو تمكّن من قضائه ولم يقضه» . (4) وفي النهاية قيّد ما فات في السفر بما إذا تمكّن من قضائه ولم يقضه ، (5) و عدّه العلّامة في المختلف (6) والشهيد الثاني في شرح اللمعة (7) أقرب ، وهو ظاهر ما نقلناه . وعن أبي الصلاح حيث قيّد ما تيقّن فرضه عليه بتفريطه فيه ، (8) وهو إنّما يتحقّق مع تمكّنه من القضاء .

.


1- .المسائل البغداديّة (الرسائل التسع ، ص 258) .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «قدّس اللّه » . وعميد الدين هذا هو السيّد عبد المطلّب بن السيّد مجد الدين بن أبي الفوارس ابن اُخت العلّامة الحلّي ، ينتهى نسبه إلى عبيد اللّه الأعرج بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وهو فقيه ، اُصولي ، متكلّم ، من كبار تلامذة العلّامة الحلّي ، ولد بالحلّة في شعبان سنة 681ه ق ، وتوفّي ببغداد في شعبان سنة 754ه ق ، و دفن بالنجف الأشرف ، من تصانيفه: إشراقات اللاهوت في شرح أنوار الملكوت ، تبصرة الطالبين في شرح نهج المسترشدين ، شرح مبادى ء الاُصول ، كنزالفوائد في حلّ مشكلات القواعد ، منية اللبيب في شرح التهذيب . راجع: أمل الآمل ، ج 2 ، ص 164 165 ، الرقم 486 ؛ الكنى والألقاب للقمّي ، ج 2 ، ص 487 488 «العميدي» .
3- .الذكرى ، ج 2 ، ص 447 448 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ذيل الحديث 739 ؛ وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 ، واللفظ له .
5- .النهاية ، ص 157 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 .
7- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 123 124 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 189 .

ص: 234

ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن أبي بصير في الصحيح (1) حيث دلّ على اعتبار ذلك في المرأة ، ولا قائل بالفصل . واحتجّ عليه في المختلف «بأنّه على تقدير عدم التمكّن معذور ؛ لاستحالة التكليف بالممتنع ، فيسقط عنه و [لأنّ ]وجوب القضاء على الولي تابع لوجوبه على الميّت» . (2) واحتجّ الشيخ على ما ذهب إليه في التهذيب بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت ، قال : «يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في رمضان ، فماتت لم يقض عنها ، والمريض في رمضان لم يصح حتّى مات لا يقض عنه» . (3) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها ؟ قال : «أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم» . (4) وبأنّه عذر من قبله ، والترخيص للإرفاق به لا يسقط القضاء ، فوجب أن يقضى عنه مطلقا . ويؤكّدهما ما رواه المصنّف في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام . (5) وأجاب العلّامة عن الخبر بعد منع السند بحملهما على الاستحباب أو على الوجوب لكون السفر معصية ، وعن الاعتبار بأنّ العذر المسقط لا يستعقب العقوبة لكونه سائغا ، فلا يجب على الوليّ . (6)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 .
2- .هو الحديث الثامن من باب صوم الحائض والمستحاضة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 333 ، ح 13537 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ح 740 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 ، ح 13540 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ح 741 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 ، ح 13541 .
5- .هو الحديث التاسع من باب صوم الحائض والمستحاضة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 ، ح 13529 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 536 .

ص: 235

وما أجابه إنّما يصحّ لو كان عارض تلك الأخبار نصّ ولم يوجد ، فقول الشيخ في التهذيب أظهر . وخّص بعض الأصحاب الفائت بالمرض بالذكر ، (1) وكأنّهم ذكروه من باب المثال لا لفرض التخصيص في الحكم ؛ لدلالة أخبار ، منها صحيحة على ثبوته في غيره أيضا كما عرفت . وثانيها : تعميمه بحيث يشمل صوم غير رمضان ، وهو ظاهر إطلاق جماعة ، وقد صرّح به جماعة ، منهم المحقّق في الشرائع حيث قال : «يجب على الوليّ أن يقضي ما فات عن الميّت من صيام واجب من رمضان أو غيره ، سواء فات لمرض أو غيره» . (2) ويدلّ عليه عموم الصيام في صحيحة حفص بن البختريّ ، (3) وخصوص ما سيأتي في وجوب قضاء صوم للشهرين المتتابعين ، وخّص جماعة . وثالثها : تعميمه بحيث يشمل الشهرين المتتابعين ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، لكنّه قال بالتخيير حيث قال : «كلّ صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له ، فمتى مات وكان متمكّنا منه فلم يصمه فإنّه يتصدّق عنه أو يصوم عنه وليّه» . (4) ونقل مثله عن جمله (5) واقتصاده . (6) وبه قال ابن إدريس (7) والعلّامة في المختلف ، (8) وهو ظاهر عموم الأدلّة المذكورة ، والظاهر أنّهم خصّوا ذلك بما إذا كان صوم الشهرين متعيّنا على الميّت ، وإلّا كان الولي

.


1- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 220 .
2- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 150 151 ، وكان في الأصل : «سواء مات بمرض وغيره» ، فصوّبناه حسب المصدر .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 331 ، ح 13530 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 286 .
5- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 220) .
6- .الاقتصاد ، ص 294 .
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 398 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 539 .

ص: 236

مخيّرا أيضا مثله ، وقد صرّح بذلك ابن إدريس ، فقال : الشهران إن كانا نذرا وفرّط فيهما وجب على وليّه ، وهو أكبر أولاده الذكور الصيام للشهرين ، ولا يجزيه غير ذلك ، وإن كان عليه كفّارة مخيّر فيها تخيّر الولي في أن يصوم شهرين أو يكفّر من ماله قبل قسمة تركته ، ولا يتعيّن عليه الصيام ، ولا يجزيه إلّا أن يفعل من الكفّارة جنسا واحدا إمّا صياما أو طعاما . (1) وقد خالف ذلك في النهاية فقال : «المريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثمّ مات تصدّق عنه عن شهر ، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر» . (2) وحكى مثله ابن البرّاج ، (3) وبه قال جماعة اُخرى منهم المحقّق في الشرائع (4) محتجّين بما رواه الشيخ عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : «إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّة ، فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل ويقضي الثاني» . (5) وأجاب عنه العلّامة بأنّ في طريقه سهل بن زياد ، وهو ضعيف جدّا ، فاسد الرواية والمذهب ، فلا يعتمد على روايته ، مع أنّها لا تدلّ على تخيير الوليّ ؛ إذ لم يذكر فيها الوليّ . (6) الثالث : تعميم الولي من وجهين ، أحدهما : تعميمه بحيث يشمل رجال مراتب الإرث ، وبه قال ابن الجنيد حيث قال على ما حكى عنه في المختلف : «وأولى الناس بالقضاء عن الميّت أكبر أولاده الذكور ، وأقرب أوليائه إليه إن لم يكن له ولد» . (7) وهو ظاهر الصدوقين حيث أطلقا الوليّ ، إلّا أنّهما أدخلا النساء أيضا فيه على ما ستعرف .

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 398 .
2- .النهاية ، ص 158 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 196 .
4- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 150 151.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 250 ، ح 742 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 335 ، ح 13542 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 540 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .

ص: 237

وخصّه الشيخ قدس سرهبأكبر أولاده الذكور فقد قال في المبسوط : والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فإن كانوا جماعة في سنّ وجب القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين ، وإن كانوا إناثا لم يلزمهنّ القضاء وكان الواجب الفدية . (1) وحكاه في المختلف عن ابن حمزة (2) وابن إدريس ، (3) وعدّه الأقرب محتجّا بأصالة البراءة في غير محلّ الوفاق ، وبأنّه في مقابل الحبوة . (4) وهو ظاهر ابن البرّاج إلّا أنّه عمّمه للبنات أيضا على ما سيجيء ، وهو ظاهر العلّامة أيضا في المختلف على ما سيجيء ، وإطلاق الوليّ في الأخبار يدفعه ، فإنّ المتبادر منه الأولى بالميراث مطلقا ، إلّا أنّه خرج النساء ببعض الأخبار . وعمّم المفيد قدس سرهتعميما زائدا على ما ذكر بحيث يشمل نسوة مراتب الإرث أيضا ، فقد قال : «فإن لم يكن ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وأولاده ، وإن لم يكن إلّا من النساء» . (5) وبه قال الصدوقان ، فقد حكي عن عليّ بن بابويه أنّه قال : من مات وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليّه أن يقضي عنه ، فإن كان للميّت وليّان فعلى أكبرهما من الرجال ، فإن لم يكن له وليّ من الرجال قضى عنه وليّه من النساء . (6) ونقل مثله عن ابنه في المقنع ، (7) وعمّمه ابن البرّاج أيضا للنساء ، إلّا أنّه خصّه بالأولاد فقال على ما نقل عنه : «على ولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا ، فإن لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء» . (8)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .
2- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 286 .
3- .الوسيلة ، ص 150 .
4- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 .
5- .المقنعة ، ص 353 .
6- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 211 ، حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .
7- .المقنع ، ص 202 .
8- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 196، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 532 .

ص: 238

ويردّه أصالة براءة ذمّة النساء ، ومرسلة حمّاد بن عثمان ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يموت وعليه دين شهر رمضان مَن يقضي عنه ؟ قال : «أولى الناس به» ، قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة ؟ قال : «لا ، إلّا الرجال» . (1) وثانيها : تعميمه بحيث يشمل المتعدّد ، قال الشيخ : «لو تعدّدت الأولياء وجب القضاء عليهم بالحصص أو يقوم به بعضهم ، فيسقط عن الباقين» . (2) وهو المشهور بين الأصحاب ، واعتمده في المختلف ، واحتجّ على وجوب القضاء عليهم مع التعدّد بما أشرنا إليه من عموم الوليّ ، وبأنّ أحدهم ليس أولى بالوجوب من الباقين ، فتعيّن عليهم بالحصص وعلى السقوط عن الباقين بفعل البعض بأنّه كالدَّين على الميّت ، فكما أنّه هو يسقط بأداء بعض الورثة عن الآخرين فهذا أيضا كذلك . (3) وحكى في المختلف عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صام الرجل رمضان فلم يزل مريضا حتّى يموت ، فليس عليه شيء ، وإن صحَّ ثمّ مرض حتّى يموت وكان له مال تصدّق عنه ، وإن لم يكن له تصدّق عنه وليّه» ، (4) ولقوله تعالى : «وَأَنْ لَيْسَ لِلْاءِنسَانِ إِلَا مَا سَعَى» (5) ، فلا يصحّ أن يكون سعي غيره له . (6) وفي المختلف : والجواب بعد سلامة السند أنّه محمول على ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور ، وعن الآية أنّ مقتضاها أنّ الثواب للإنسان إنّما هو بسعيه ، ونحن لا نقول إنّ الميّت يثاب

.


1- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 108 ، ح 354 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 246 247 ، ح 731 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 331 ، ح 13530 .
2- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 219) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 286 وفيهما : «فان كانوا جماعة في سنّ واحد» بدل : «تعددّت الأولياء» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 533 534 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 735 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 109 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13531 .
5- .النجم (53) : 39 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 .

ص: 239

بصوم الحيّ ، بل إن مات وعليه صوم كان ذلك سببا لوجوب الصوم على الوليّ ، وسمّي قضاءً لأنّ سببه التفريط المتقدّم ، والثواب للحيّ لا للميّت . (1) وفيه تأمّل . وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه : يتصدّق عنه من صلب المال ، فإن لم يكن هناك مال صام الوليّ عنه ، (2) محتجّا بخبر أبي مريم الأنصاريّ المروي بسند آخر مثل ما ذكر ، إلّا أنّه قال : «صام عنه وليّه» بدلاً عن «تصدّق عنه وليّه» ، (3) وهو نصّ في مذهبه . وفي المختلف : والجواب ما تلوناه نحن من الأحاديث أوضح طريقا وأجود استدلالاً ، فإنّ هذه الرواية بعد صحّة سندها منقولة على وجهين متفاوتين والراوي واحد ، وذلك يوجب تطرّق الاحتمال ، فكان ما صرنا إليه أولى خصوصا مع كثرة الروايات من طرقنا . (4) وخيّر جماعة الوليّ . (5) و عن ابن البرّاج القول بالقرعة ؛ (6) لثبوتها في كلّ أمرٍ مشتبه ، وردّه بأنّ القرعة لا تثبت عبادة في ذمّة ولا تستعمل في العبادات . (7) وأسقط ابن إدريس وجوب القضاء حينئذٍ عنهم معلّلاً بأنّ الإجماع إنّما قام على الولد الأكبر ، و ليس هناك ولد أكبر وبأصالة البراءة . (8) وردّه في المختلف بأنّ انتفاء دليل خاصّ على حكم لا يدلّ على انتفاء ذلك الحكم ؛

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 535 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 196 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 .
4- .الانتصار ، ص 197 . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 واللفظ له .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 153 154 ، ح 2008 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 736 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13532 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 531 .
7- .كذا بالأصل ، وسيكرّر هذه الفقرة ويكمّلها .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 400 .

ص: 240

لجواز ثبوته بدليل آخر وقد دللنا عليه ، وقوله : (ليس هنا أكبر) ليس بجيّد ، بل كلّ واحدٍ منهم أكبر . (1) ولم يتعرّض جماعة منهم المفيد قدس سرهوالسيّد المرتضى رضى الله عنه لهذه المسألة ، وعلى التوزيع لو انكسر منه يوم فهو واجب كفاية على الجميع . وفي المدارك : ولو كان اليوم من قضاء رمضان وأفطرا فيه بعد الزوال احتمل وجوب الكفّارة عليهما ؛ إذ يصدق على صوم كلّ منهما أنّه قضاء عن رمضان ، فيتعلّق به حكمه واتّحاد الأصل لا ينافي التعدّد باعتبار المقدّمة . واحتمل الشهيد في الدروس وجوب كفّارة واحدة عليهما بالسويّة ، أو كونهما فرض كفاية كأصل الصوم ، ثمّ استقرب سقوط الكفّارة عنهما ، (2) واستوجهه الشارح ، (3) وهو غير بعيد ؛ لانتفاء ما يدلّ على وجوب الكفّارة في القضاء على وجه يتناول ذلك . وقال في الدروس : «ولو أفطر أحدهما فلا شيء عليه إذا ظنّ بقاء الآخر وإلّا أثم لا غير» . (4) ومقتضى كلامه جواز الإفطار بعد الزوال مع ظنّ بقاء الآخر ، ويمكن المناقشة فيه بأنّ صوم كلّ منهما يصدق عليه أنّه صوم واجب من قضاء شهر رمضان ، فلا يجوز الإفطار فيه بعد الزوال ، اللّهُمَّ إلّا أن يناقش في العمومات المتناولة لذلك . (5) الرابع : تخصيص الوليّ بالأكبر ولم أجد مخالفا له . ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : كتبت إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلامفي رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام وله وليّان ، هل يجوز أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيّام أحد الوليّين وخمسة أيّام

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 534 535 .
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 290، الدرس 76.
3- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 64 .
4- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 290 ، الدرس 76 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 226 227 .

ص: 241

الآخر ؟ فوقّع عليه السلام : «يقضي عنه أكبر أوليائه عشرة أيّام» . وقال رضى الله عنه : هذا التوقيع عندي من توقيعاته عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار بخطّه عليه السلام . (1) الخامس : تخصيص الميّت بالرجل وعدم وجوب القضاء عن المرأة على وليّها ، وبه صرّح ابن إدريس حيث قال : والصحيح من المذاهب والأقوال أنّ إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج إلى دليل ، وإنّما إجماعنا منعقد على أنّ الوالد يحمل ولده الأكبر ما فرّط فيه من الصيام ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا وإنّما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا . (2) وكأنّه قال بذلك بناءً على ما أصّله من عدم جواز العمل بأخبار الآحاد . وقال الشيخ في النهاية : والمرأة أيضا حكمها ما ذكرناه في أنّ ما يفوتها من الصيام بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها ، إلّا أن يكون قد تمكّنت من القضاء فلم تقضه ، فإنّه يجب القضاء عنها ، ويجب القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسب ما قدّمناه في حكم الرجال (3) . وعدّه العلّامة في المختلف أقرب ، واحتجّ عليه بأنّ الغالب تساوي الذكور والإناث في أحكام الشريعة ، وبأنّ إبراء ذمم المكلّفين أمرٌ مطلوب للشارع قضيّة لحكمته تعالى ورحمةً على العالمين والقضاء على الوليّ طريق صالح في حقّ الرجال ، فيجب عليه في حقّ المرأة أيضا قضاء للمناسبة . (4) وبما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم في الموثّق عن أبي عبداللّه عليه السلام في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يقضى عنها ؟ قال : «أمّا الطمث والسفر فلا ، وأمّا السفر فنعم» . (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 249 ، ح 741 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 334 ، ح 13541 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 .
3- .الفقيه ، ج2 ، ص 153 154 ، ح 2010 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 ، ح 13528 .
4- .النهاية ، ص 158
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 537 538 .

ص: 242

وفي الصحيح عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت في رمضان وماتت في شوّال ، (1) وذكر الخبر إلى آخر ما رواه المصنّف ، (2) وقال : والاستدلال بهذا الحديث من وجوه : الأوّل : سؤاله عليه السلام : «هل برئت من مرضها ؟» قال : لا ، فأجابه بسقوط القضاء ، و لولا أنّ البرء موجب للقضاء لما صحّ هذا السؤال . الثاني : تعليله عليه السلام عدم القضاء منها بعدم إيجابه تعالى إيّاه عليها ، وعند انتفاء العلّة ينتفي المعلول ، فيجب القضاء عنها عند الإيجاب . الثالث : تعليله بتعجّبه عليه السلام في قوله : كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه عليها ؟! بانتفاء الإيجاب ، فيجب أن يكون مع الإيجاب يجب القضاء . (3) ويدلّ عليه أيضا ما رواه المصنّف في الصحيح عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام . (4) ويؤيّدها ما رواه في المختلف عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه ، إنّ اُمّي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه ؟ قال : «لو كان على اُمّك دَين ، أكنتَ تقضيه عنها ؟» قال : نعم ، قال : «فدين اللّه أحقّ أن يُقضى» . (5) وعدّه الشهيد الثاني أولى ؛ (6) للاحتياط . واعترض في المختلف على [قول] ابن إدريس بأنّ الإجماع على الولد ليس حجّة ؛ إذ لا دلالة دليل على حكم ليس دليلاً على انتفاء ذلك الحكم في صورة اُخرى ، وقال : وقوله : «ليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا ، جهلٌ منه ، وأيّ أحد أعظم من الشيخ رحمه الله

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 737 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 109 ، ح 358 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 332 333 ، ح 13537 .
2- .الحديث الثامن من باب صوم الحائض والمستحاضة .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 537 .
4- .هو الحديث التاسع من باب صوم الحائض والمستحاضة ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 330 ، ح 13529 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 534 ؛ والحديث في مسند أحمد ، ج 1 ، ص 227 و 258 و 362 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 155 156 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 255 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 176 ، ح 2315 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 173 ، ح 2912 و 2913 .
6- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 124 .

ص: 243

خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات والأدلّة العقليّة ، مع أنّ جماعة قالوا بذلك كابن البرّاج ، (1) ونسبة قول الشيخ إلى «أنّه إيرادٌ لااعتقاد» غلط منه ، وما يدريه بذلك ؟! مع أنّه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية ، (2) بل في المبسوط (3) أيضا . (4) السادس : تعميم الرجل بحيث يشمل العبد ، وهو ظاهر الأخبار وأكثر الفتاوى ، وعدّه الشهيد الثاني أقوى (5) معلّلاً بذكر الذكر في بعض الروايات . السابع : تعيّن القضاء عليه ، وفي المختلف : «ذهب إليه الشيخان (6) وابنا بابويه (7) والسيّد المرتضى (8) وابن الجنيد (9) وابن البرّاج (10) وابن حمزة (11) وابن إدريس» ، (12) وقال : «هو المعتمد» . (13) وحكى عن ابن أبي عقيل أنّه قال بعد نقل هذا القول : وقد روي أنّه من مات وعليه صوم من رمضان تصدّق عنه عن كلّ يومٍ بمدّ من طعام ، وبهذا تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام ، والقول الأوّل يطرح ؛ لأنّه شاذّ . واحتجّ عليه بما رواه ظريف بن ناصح عن أبي مريم الأنصاري عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضا حتّى يموت فليس عليه

.


1- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 286 .
2- .الوسيلة ، ص 150 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 197 .
4- .النهاية، ص 158.
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 538 .
6- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 125 .
7- .ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 353 ، والطوسي في النهاية ، ص 157 ؛ والاقتصاد ، ص 294 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 219) ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 286 .
8- .الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 153، ذيل ح 2008، ووالده في فقه الرضا عليه السلام ، ص 211.
9- .الانتصار ، ص 197 198 .
10- .لم أعثر على كتاب ابن الجنيد .
11- .المهذّب ، ج 1 ، ص 195 .
12- .السرائر ، ج 1 ، ص 395 و 398 .
13- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 527 528 .

ص: 244

شيء ، وإن صحّ ثمّ مرض حتّى يموت (1) وكان له مال تصدّق عنه ، وإن لم يكن له تصدّق عنه وليّه» . (2) وبقوله تعالى : «وَأَنْ لَيْسَ لِلْاءِنسَانِ إِلَا مَا سَعَى» ، (3) فلا يصحّ أن يكون سعي غيره له . وفي المختلف : والجواب بعد سلامة السند : أنّه محمول على ما إذا لم يكن له وليّ من الأولاد الذكور . وعن الآية أنّ مقتضاها أنّ الثواب للإنسان إنّما هو بسعيه ونحن لا نقول إنّ الميّت يُثاب بصوم الحيّ ، بل إن مات وعليه صوم كان ذلك سببا لوجوب الصوم على الوليّ ، وسمّي قضاءً لأنّ سببه التفريط المتقدّم والثواب للحيّ لا للميّت . (4) وفيه تأمّل . وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه : يتصدّق عنه من صلب المال ، فإن لم يكن هناك مال صام الوليّ عنه ، (5) محتجّا بخبر أبي مريم الأنصاري المروي بسند آخر عن مثل ما ذكر ، إلّا أنّه قال : «صام عنه وليّه» بدلاً عن «تصدّق عنه وليّه» ، (6) وهو نصّ في مذهبه . وفي المختلف : والجواب : ما تلوناه نحن من الأحاديث أوضح طريقا وأجود استدلالاً ، فإنّ هذه الأحاديث بعد صحّة سندها منقولة على وجهين متفاوتين ، والراوي واحد ، وذلك يوجب تطرّق الاحتمال ، فكان ما صرنا إليه أولى خصوصا مع كثرة الروايات من طرقنا . (7)

.


1- .النجم (53) : 39 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 530 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 531 .
4- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «ثمّ مات» بدل «حتّى يموت» .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 248 ، ح 735 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 109 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13533 .
6- .الانتصار ، ص 197 .
7- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 331 ، ح 13532 .

ص: 245

وخيّر جماعة الوليّ (1) بين الصيام والصدقة بما ذكر ؛ جمعا بين الأدلّة ، وبه قال الشيخ في المبسوط ، (2) وقد سبق كلامه في ذلك . الثامن : التصدّق مع عدم الوليّ ، وهو المشهور لما ذكر من الأخبار ، والخلاف فيه في مقامين : الأوّل : في أصله ، فعن أبي الصلاح وجوب إخراج اُجرة الصيام إلى من يقضي عنه مع انتفاء الوليّ ؛ (3) حملاً للصوم الواجب في ذمّة الميّت على الحجّ الواجب عليه . وردّ بالفارق عليه فإنّ الحجّ إنّما يتعلّق بموته بماله لا بالوليّ بخلاف الصوم فإنّه إنّما يتعلّق بالوليّ ، ويظهر من المحقّق في الشرائع ميله إلى عدم وجوب الصدقة أيضا حينئذٍ ، حيث قال : «إذا لم يكن وليّ أو كان الأكبر اُنثى سقط القضاء . وقيل : يتصدّق عنه عن كلّ يومٍ بمدّ من تركته» . (4) والثاني : في قدر الصدقة ، فالمشهور أنّها مدّ مطلقا ، وفصّل الشيخ فخصّ المدّ بالعاجز ، وأوجب على القادر مدّين ، (5) والنصوص هنا خالية عن قدرها ، وإنّما اختلفوا فيه بناءً على اختلاف الأخبار والأقوال في نظائرها ، وقد تقدّم بعضها ، ولعلّ المدّ أظهر ؛ لتحقّق مسمّى الصدقة فيه ، وأصالة البراءة من الزائد . التاسع : تعلّق وجوب القضاء بالوليّ يقتضي عدم سقوطه عنه بفعل غيره تبرّعا أو مع اُجرة ، كما في سائر الواجبات المتعلّقة بالأخبار ، وبه صرّح ابن إدريس (6) والعلّامة في المنتهى ، (7) ولكن حكمه عليه السلام بأنّه كالدَّين فيما تقدّم في خبر سعيد بن جبير 8

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 189 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 286 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 399 .
4- .من رواية أبي مريم الأنصاري إلى هنا مكرّر لما تقدّم قبل صفحات ، وقد غفل الشارح عن ذلك .
5- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 151 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 604 .
7- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 155 156 ، و تقدّم الحديث قبل صفحات .

ص: 246

باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون به

يعطي سقوطه عنه بذلك ، واحتمله بعض الأصحاب ولعلّه أظهر ؛ لأنّ الحكمة في ذلك الإيجاب حصول براءة ذمّة الميّت ، وهي حاصلة بذلك .

باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون بهأجمع العلماء كافّة عدا أحمد على عدم وجوب الصوم على الصبيّ واشتراط وجوبه البلوغ ؛ (1) لما رواه الشيخ عن معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام في كَمْ يؤخذ الصبيّ بالصيام ؟ فقال : «ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، وإن هو صام قبل ذلك فدعه» . (2) وعن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «على الصبيّ إذا احتلم الصيام ، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار ، إلّا أن تكون مملوكة ، فإنّه ليس عليها خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر» . (3) وما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «رفع القلم عن ثلاث : عن الصبيّ حتّى يبلغ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» . (4) وربّما احتجّ عليه بالإجماع بناءً على عدم اعتدادهم بقول أحمد ؛ لكونه شاذّا .

.


1- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 146 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 90 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 13 ، وفي الأخيرين نسب وجوبه على الصبي إلى بعض أصحاب أحمد لا إلى نفسه ، بل نقلا عنه التصريح بعدم وجوبه على الصبي .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 381 ، ح 1590؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1563 . ورواه الكليني في الكافي ، باب صوم الصبيان ، ح 2 ؛ والصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 122 ، ح 1906 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 281 ، ح 851 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 123 ، ح 398 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 409 410 ، ح 5556 ؛ و ج 10 ، ص 236 ، ح 13303 .
4- .تجدها بهذا اللفظ في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 100 ؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 5 ، ص 275 ولم يذكر «عن ثلاث» ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 20 ؛ الإقناع ، ج 2 ، ص 108 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 91 ؛ و ج 5 ، ص 271 ؛ و ج 12 ، ص 238 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 5 ، ص 271 ، و ج 10 ، ص 119 ؛ و ج 12 ، ص 240 . ومع تقديم وتأخير في الفقرات أو مغايرة في بعضها في: مسند أحمد ، ج 6 ، ص 10 ؛ سنن النسائي ، ج 6 ، ص 156 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 258 ؛ و ج 4 ، ص 389 ؛ والسنن الكبرى للبيقهي ، ج 4 ، ص 269 .

ص: 247

ويؤيّده تحقّق الإجماع قبله وبعده . واحتجّ عليه أيضا باشتراط الصوم بالعقل ، وهو عشر المعرفة ، والبلوغ وصف ظاهر دليل عليه شرعا ، وبأنّها عبادة بدنيّة فلا يجب عليه كالحجّ . (1) وحكى في المنتهى عن أحمد في رواية عنه أنّه يجب عليه الصوم إذا أطاقه محتجّا بأنّها عبادة بدنية فأشبه الصلاة ، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بأن يضرب على الصلاة من بلغ عشرا ، (2) وبما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيّام وجب عليه صيام شهر رمضان» (3) . (4) وقد ورد مثله من طريقنا أيضا ، رواه الشيخ عن السكونيّ عن أبي عبداللّه عن أبيه عليهماالسلامقال : «الصبيّ إذا أطاق الصوم ثلاثة أيّام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان» . (5) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سُئِلَ عن الصبيّ متى يصوم ؟ قال : «إذا أطاقه» . (6) وهي مع ضعفها محمولة على الاستحباب ؛ للجمع . وأمّا اعتباره فباطل ؛ لمنع الحكم في المقيس عليه ، وأمره عليه السلام بضرب من بلغ عشرا على الصلاة إنّما هو للتمرين ، ويستحبّ أخذه بالصوم للتمرين إذا أطاقه . وقال الشيخ قدس سره في النهاية : «وحدّه إذا بلغ تسع سنين» ، (7) ومثله في الفقيه . 8 والظاهر اختلاف الحالة بحسب المكنة و الطاقة المختلفتين باختلاف الأشخاص والأزمنة والفصول .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 .
2- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 91 ؛ المجموع ، ج 1 ، ص 303 .
3- .كنز العمّال ، ج 8 ، ص 521 ، ح 23951 عن أبي نعيم في المعرفة والديلمي .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 122 ، ح 1904 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 281 ، ح 852 ؛ و ص 326 ، ح 1013 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 123 ، ح 399 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 235 ، ح 13301 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 326 ، ح 1014 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 236 ، ح 13305 .
6- .النهاية ، ص 74 .
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 122 ، ذيل الحديث 1907 . ومثله في المقنع ، ص 195 .

ص: 248

وفي المنتهى : لا خلاف بين أهل العلم في شرعيّته ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر وليّ الصبيّ بذلك . ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين لما أطاقوا من صيام اليوم وإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فإذا غلبهم العطش والغرث (1) أفطروا حتّى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين على قدر ما يطيقه» . (2) قال : إذا أطاق إلى الظهر أو بعده ، فإذا غلبه الجوع والعطش أفطر ؛ لأنّ فيه تمرينا على الطاعة ومنعا عن الفساد إلى قوله : وكذا المرأة تؤمر بالصيام قبل سنّ البلوغ ، وهو تسع سنين أو الإنزال أو الحيض ؛ لأنّ المقتضى في الصبيّ موجود فيه . (3) واختلفوا في أنّ عبادة الصبيّ هل هي شرعيّة مستندة إلى أمر الشارع ويستحقّ عليه الثواب وينوي الندب ، أم لا بل تمرينيّة فقط ولا يعتبر نيّته فيها ؟ فالمشهور الثاني بناءً على ما ادّعوا من اختصاص الأحكام الشرعيّة بأفعال البالغين ، وذهب جماعة منهم الشيخ (4) على ما نقل عنه والمحقّق في الشرائع (5) إلى الأوّل لتوجّه الخطاب إليهم . ولو قيل : إنّ الخطاب إنّما توجّه إلى الوليّ لقلنا إنّ الأمر بالأمر بالشيء أمرٌ بذلك الشيء على ما تقرّر في الاُصول . وفي المنتهى بعدما ذكر أنّ في صومهم تمرينا على الطاعة ومنعا عن الفساد ، قال : فكان شرعه ثابتا في نظر الشرع إذا ثبت ذلك ، فإنّ صومه صحيح شرعيّ ، ونيّته صحيحة ، وينوي الندب ؛ لأنّه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره . (6)

.


1- .الغرث : الجوع .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 282 ، ح 853 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 123 ، ح 400 ؛ وهذا الحديث هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 234 ، ح 13299 . وفي الجميع في آخر الحديث : « ... كانوا ابناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا» .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 584 585 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 278 .
5- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 146 . وانظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 41 42 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 585 .

ص: 249

ويظهر منه أنّ الندب ليس من خصائص أفعال المكلّفين . ونِعمَ ما قال صاحب المدارك : إنّ العقل لا يأبى توجّه الخطاب إلى الصبيّ المميّز ، والشرع إنّما اقتضى توقّف التكليف بالواجب والمحرّم على البلوغ بحديث القلم ونحوه ، أمّا التكليف بالمندوب وما في معناه فلا مانع منه عقلاً ولا شرعا . وبالجملة ؛ فالخطاب بإطلاقه متناول له ، والفهم الذي هو شرط التكليف حاصل كما هو المقدّر ، ومن ادّعى اشتراط ما زاد على ذلك طُولب بدليله . (1) انتهى . وظاهر ما نقلنا عن المنتهى قوله بذلك ، لكن رجع عنه أخيرا حيث قال : «وقال أبو حنيفة : إنّه ليس بشرعيّ وإنّما هو إمساك عن المفطرات للتأديب ، وفيه قوّة» . (2) واستقربه في المختلف أيضا . (3) وأمّا اتّصافها بالصحّة والفساد فينبغي أن لا ينكر ؛ لأنّهما من خطاب الوضع ، وهو غير مختصّ بالمكلّفين ، وربّما اختلف فيه أيضا بناءً على الخلاف الواقع في تفسيرهما ، وتمام تحقيق ذلك في الاُصول فليراجع ثمّة . إذا عرفت ما ذكر فنقول : يحتمل أن يريد المصنّف بالمؤاخذة في قوله : «ومتى يؤخذون به المؤاخذة بطريق الإيجاب ، وبطريق الندب أيضا ، فإنّ المندوب أيضا قد يقال : إنّه مأخوذ به بناءً على تأكّده كما ورد في خبر معاوية بن وهب . (4) وقال المفيد قدس سره في المقنعة : «يؤخذ الصبيّ بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيّام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم» . (5) وعلامة البلوغ أحد من اُمور ثلاثة :

.


1- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 42 .
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 585 . ومثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 458. ونحوه في تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 101.
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 386 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
5- .المقنعة ، ص 360 361 .

ص: 250

الأوّل : الاحتلام عند علماء الإسلام كافّة على ما ادّعاه العلّامة في التذكرة (1) على ما نُقل عنه في المدارك ، والمراد به على ما ذكره صاحب المدارك : خروج المني من ذكر الرجل وقبل المرأة بالجماع أو غيره في نومٍ أو يقظة . (2) والثاني : إنبات الشعر الخشن على العانة عند الأصحاب أجمع على ما ادّعاه في التذكرة ، (3) وألحق بالإنبات اخضرار الشارب ؛ لقضاء العادة بتأخّره عن البلوغ . (4) وقوّاه الشهيد الثاني في شرح الإرشاد ، (5) واستشكل بعدم العلم باطّراد العادة بذلك . (6) والثالث : بلوغ خمس عشرة سنة للرجال . (7) وقيل ببلوغ أربع عشرة سنة . (8) ويدلّ عليهما ما سبق عن معاوية بن وهب . (9) وقيل بالاكتفاء بإتمام ثلاث عشر سنة والدخول في الرابعة عشر . (10) ويدلّ عليه صحيحة عبداللّه بن سنان ، وعن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا بلغ الغلام أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرُة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيّئات وكتبت له الحسنات ، وجاز له كلّ شيء عليه إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها» . (11)

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
2- .تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 190 ، المسألة 400 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 158 .
4- .تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 187 ، المسألة 398 .
5- .تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 189 ، المسألة 399 .
6- .قاله في شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 145 ، ولم أعثر عليه في شرح الإرشاد .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 159 .
8- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 197 ، المسألة 405 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 144 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 147 ؛ مختلف الشيعة ، ج 5 ، ص 431 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 138 ، الدرس 24 .
9- .حكاه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 5 ، ص 431 عن ابن الجنيد .
10- .حكاه في مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 59 بلفظ «قيل» .
11- .الكافي ، ج 7 ، ص 69 ، باب الوصي يدرك أيتامه ... ، ح 7 ؛ الفقيه ، ج 4 ، ص 221 ، ح 5519 ؛ الخصال ، ص 495 ، أبواب الثلاثة عشر ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 361 ، ح 22753 .

ص: 251

باب مَن أسلم في شهر رمضان

وتسع في النساء على المشهور بين الأصحاب ، (1) وبه روايات متعدّدة لكنّها ضعيفة السند ، واعتبر الشيخ في المبسوط (2) وابن حمزة ، (3) بلوغ العشر ، ولا ريب أنّ الأوّل أحوط في التكليف بالعبادة .

باب مَن أسلم في شهر رمضانقد تبيّن فيما مضى وجوب سائر العبادات الواجبة على الكافر عند الأصحاب وعدم اشتراطه بالإسلام ، وأنّه إنّما يشترط به صحّته ، وأنّ الإسلام بالنظر إليها إنّما هو من مقدّمة الواجب المطلق ، وأنّه لو أسلم يسقط عنه ما سبق منها ، إلّا الحجّ لو كان مستطيعا بعده ، فإن أسلم قبل الفجر وجب عليه صوم يومه وصحَّ منه ، وإن أسلم بعده ولم يفطر فالظاهر عدم وجوب إتمام بقيّة اليوم بنيّة الصوم عليه مطلقا ، قبل الزوال كان أو بعده ؛ لأنّ إسلامه أسقط عنه وجوب الصوم في الزمان المتقدّم من ذلك اليوم ، فكأنّه لم يكن واجبا عليه كما مرّ في الصبيّ ، والصوم لا يتبعّض . ويدلّ عليه أيضا عموم ما رواه عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قومٍ أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيّام ، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ فقال : «ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه ، إلّا أن يكون قبل طلوع الفجر» . (4) نعم ، لا يبعد القول بوجوب الإمساك عليه مطلقا ؛ لأنّ الواجب كان عليه في هذه البقية أمران : الإمساك والصوم ، بالإسلام إنّما سقط حكم الصوم عنه فيها فبقي حكم الإمساك ، فإنّ الميسور لا يسقط بالمعسور .

.


1- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 14 ، ص 197 ، المسألة 405 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 144 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 147 ؛ الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 138 ، الدرس 24 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 266 .
3- .الوسيلة ، ص 137 .
4- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 129 ، ح 1931 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 245 246 ، ح 728 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 107 ، ح 349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 327 ، ح 13521 .

ص: 252

و ذهب الشيخ في النهاية إلى سقوط صوم ذلك اليوم عنه واستحباب الإمساك ، فقال : «وإن أسلم بعد طلوع الفجر لم يجب عليه صيام ذلك اليوم ، وكان عليه أن يمسك تأدّبا إلى آخر النهار» . (1) وإليه ذهب العلّامة في المختلف (2) والمنتهى ، (3) وبه قال ابن الجنيد أيضا ، إلّا أنّه استحبّ قضاء ما مضى من شهره هذا ويومه هذا ، فقال على ما نُقل عنه في المختلف : «الكافر إذا أسلم والصبيّ إذا بلغ وقد مضى بعض رمضان أو بعض يوم منه لم يلزمهما إلّا صيام ما يستقبلانه ، ولو قضيا ما مضى ويومهما كان أحبّ إليَّ وأحوط» . (4) وقال في المبسوط : إذا أسلم قبل الزوال ولم يفطر وجب (5) الصوم عليه بقيّة النهار ، وأنّه صحّ [صوم] يومه ذلك (6) محتجّا بأنّه زمان يصحّ تجديد نيّة الصوم كالناسي . وردّ : بأنّه إنّما يصحّ تجديد النيّة قبل الزوال فيما إذا صحَّ ابتداء النيّة منه في أوّل اليوم ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ لم يصحّ صوم الكافر ولو نوى قبل الفجر ، وهذا الخلاف جارٍ في الصبيّ أيضا ، والأظهر الأوّل وإن كان قد نوى الصوم قبل الفجر وقلنا بصحّة صومه شرعا ندبا ؛ لأنّ الصبيّ ما كان الصوم واجبا عليه قبل بلوغه في ذلك اليوم الذي بلغ في أثنائه والصوم لا يتبعّض . (7) والظاهر عدم وجوب الإمساك أيضا عليه في بقيّة ذلك اليوم ؛ لأنّ وجوبه إنّما كان في ضمن وجوب الصوم ، وليس فليس ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الكافر ، وبه قال الشيخ في الخلاف في كتاب الصلاة منه حيث قال : «إذا دخل في الصوم ثمّ بلغ أمسك

.


1- .النهاية ، ص 160 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 515 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 516 .
5- .في الأصل : «بوجوب» . و فى المصدر : «جدّد النيّة و كان صومه صحيحا» .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 286 ، والمذكور هنا نقل بالمعنى .
7- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 515 .

ص: 253

بقية النهار ؛ تأديبا وليس عليه قضاء» (1) وهو اختيار (2) ابن إدريس (3) والعلّامة في المختلف والمنتهى (4) وابن الجنيد . (5) وفي كتاب الصوم من الخلاف : «إذا نوى الصوم ثمّ بلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك .» (6) وظاهره صحّة صومه ، ويظهر دليله مع جوابه ممّا ذكر في الكافر . وقد سبق في كتاب الطهارة : أنّ الحائض متى طهرت بعد الفجر ولو لحظة واحدة لم يصحّ منها الصوم ، وأنّه يستحبّ عليها الإمساك بقيّة يومها ذلك ، أفطرت أو لا . وأمّا باقي ذوي الأعذار كالمريض والمسافر فالمشهور أنّهم مع زوال أعذارهم قبل الزوال يجدّدون نيّة الصوم وجوبا ، ويصحّ صومهم إن لم يفطروا ، وإن أفطروا استحبّ لهم الإمساك . وإن زالت بعد الزوال فيمسكون وجوبا إن لم يفطروا ويقضون ذلك اليوم ، ولم أجد فيه مخالفا إلّا ما نقله في المختلف (7) عن المفيد قدس سرهمن وجوب الإمساك في بقية اليوم على المريض الذي زال مرضه بعد الإفطار (8) محتجّا بأنّه وقتٌ يجب فيه الإمساك على غير المريض ، والتقدير برؤه فيه وتعليله عليه . ويردّه أيضا قوله عليه السلام في حديث الزهري المتقدّم : «وكذلك من أفطر لعلّة في أوّل النهار ثمّ برئ من بقية يومه أمر بالإمساك بقية يومه ؛ تأديبا وليس بفرض» ، (9) وكأنّه قدس سرهأراد بالوجوب هنا تأكّد الاستحباب ، وهو الشائع في كلام قدماء أصحابنا .

.


1- .الخلاف ، ج 1 ، ص 306 ، المسألة 53 ، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 ، واللفظ له .
2- .هذا هو الظاهر ، وكلمتا «وهو اختيار» في الأصل غير واضحتين .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 403 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 596 .
5- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 203 ، المسألة 57 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 514 .
8- .المقنعة ، ص 367 .
9- .باب وجوه الصوم من الكافي، ح 1 ؛ الفقيه، ج 2، ص 77 81 ، ح 1784 ؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 294 296، ح 895 ؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 225، ح 13277.

ص: 254

باب كراهية السفر في شهر رمضان

باب كراهية السفر في شهر رمضانالظاهر أنّه أراد بالسفر السفر الموجب للإفطار ، وبالكراهة المعنى المصطلح ، فلابدّ من تقييد السفر بغير الواجب والمستحبّ منه كسفر الحجّ ومشايعة المؤمن المسافر واستقباله ونحو ذلك ، فإنّه لا كراهة فيه ، وتخصيصه بالسفر المباح كالسفر للتلذّذ والتنزّه . وقد اختلف الأصحاب في حكم المسافر في المعصية والمباح ، فالمشهور بين الأصحاب وجوب الصوم في الأوّل من غير قضاء معه ، ووجوب الإفطار في الثاني من غير كفّارة ، لكن مع كراهة ذلك السفر ؛ لأصالة إباحة السفر في المباح . وقد ألحقه ابن أبي عقيل وابن الجنيد بسفر المعصية وحكما فيهما بوجوب الصوم والقضاء فيهما جميعا ، ففي المختلف : قال ابن أبي عقيل : إن خرج متنزّها أو متلذّذا أو في شيء من أبواب المعاصي يصوم ، وليس له أن يفطر ، وعليه القضاء إذا رجع إلى الحضر ؛ لأنّ صومه في السفر ليس بصوم ، وإنّما أمر بالإمساك عن الإفطار لئلّا يكون مفطرا في شهر رمضان في غير الوجه الذي أباح اللّه عزّ وجلّ فيه الإفطار ، كما أنّ المفطر في يوم من شهر رمضان عامدا قد أفسد صومه ، وعليه أن يتمّ صومه ذلك إلى الليل ؛ لئلّا يكون مفطرا في غير الوجه الذي أمره اللّه تعالى فيه بالإفطار . (1) ونحوه قال ابن الجنيد ، فإنّه قال : ولا أستحبّ لمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم أن يخرج إلى سفر ، إلّا أن يكون لفرض حجّ أو عمرة أو ما يتقرّب به إلى اللّه عزّ وجلّ و منفعة نفسه وماله ، إلّا في تكاثر وتفاخر . و إن خرج في ذلك أوفي معصية اللّه عزوجل لم يفطر في سفره وكان عليه مع صيامه فيه القضاء . (2)

.


1- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 476.
2- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 480 481.

ص: 255

باب كراهية الصوم في السفر

وظاهر الخبرين حرمة السفرين ، ويمكن حملهما في الثاني على الكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب . وأمّا الأوّل فهو حرام مطلقا ولو في غير شهر رمضان . واشتهر بينهم وجوب الصوم في سفر المعصية من غير قضاء ؛ لحصول الامتثال بما أمر به ، فإنّ هذا السفر لا يمنع من وجوب الصوم . واحتجّ ابن أبي عقيل على ما حكى عنه في المختلف في القاضي في سفره بأنّ السفر منافٍ للصوم وقد أتى به ، فلم يكن هذا الصوم معتمدا في نظر الشرع ، بل كان كإمساك المفطر اختيارا ، وبعموم قوله : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخر» . (1) وأجاب بمنع كون السفر مطلقا منافيا للصوم ، بل المنافي له إنّما هو السفر الذي يجب فيه القصر ، فليخّص الآية أيضا بذلك ، ولابدّ من ذلك ؛ لأنّ مضمونها فليفطر وعليه عدّة من أيّام اُخر ، (2) بقرينة ضميمة المرض . واشتهر أيضا الإفطار في السفر للتلذّذ ونحوه من المباحات ؛ لأصالة إباحة السفر في المباح فوجب القصر . واحتجّ ابن أبي عقيل وابن الجنيد في إلحاق ذلك السفر بسفر المعصية بخبر أبي بصير ، (3) ومثله حسنة الحلبيّ ، (4) ويمكن حملهما على الكراهة ، على أنّهما لا تدلّان على مدّعاهما من الصيام فيه والقضاء ، فتأمّل .

باب كراهية الصوم في السفرالمراد من الكراهية بقرينة أخبار الباب الحرمة ، والظاهر أنّه أراد بالصوم صوم شهر رمضان ، وتحريمه في السفر هو مذهب الأصحاب أجمع ، وهو محكي في المنتهى عن

.


1- .البقرة (2): 184.
2- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 477.
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.

ص: 256

أبي هريرة وجماعة اُخرى من الصحابة وأهل الظاهر من العامّة ؛ (1) لقوله سبحانه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخر» . (2) ومن اضمر لفظة «فأفطر» فعليه البيان كما أضمرنا في قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ» (3) ، قولنا : «فحلق» ؛ بالنصّ والإجماع ، ولا دليل نقطع به فيما نحن فيه لما ستعرف . ويدلّ عليه أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه السلام ، أنّه سُئلَ عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم ، قال : «ليس من البرّ الصيام في السفر» . (4) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سمعته يقول : «إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه [وعليه الإعادة]» . (5) ومن طريق العامّة ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الصائم في السفر كالمفطر في الحضر» . (6) وما رواه مسلم عن جابر بن عبداللّه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ، ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام ؟ قال : «اُولئك العُصاة ، اُولئك العصاة» . (7)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 597 ، وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 264 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 95 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 87 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 17 .
2- .البقرة (2) : 184 .
3- .البقرة (2) : 196 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 217 218 ، ح 632 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 177 ، ح 13150 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 221 ، ح 645 (وما بين الحاصرتين منه) ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 179 ، ح 13156 .
6- .سنن النسائي ، ج 4 ، ص 183 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 10 ، ص 106 ، ح 2594 و 2595 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 244 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 431 ، الباب 9 من كتاب الصيام ، ح 4 .
7- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 141 142 . ورواه النسائي في السنن ، ج 4 ، ص 177 ؛ وفي السنن الكبرى ، ج 2 ، ص 101 ، ح 2571 .

ص: 257

وعنه قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في سفرٍ فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه ، وقد ظلّل عليه فقال : «ما له ؟» قالوا : رجلٌ صائم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ليس البرّ أن تصوموا في السفر» . (1) واختلفت العامّة فيه ، ففي الانتصار : أنّ أبا حنيفة وأصحابه يقولون : إنّ الصوم في السفر أفضل من الإفطار . (2) وقال مالك والثوريّ : الصوم في السفر أحبّ إلينا من الإفطار لمن قوى عليه . (3) وقال الشافعيّ : هو مخيّر بين الصوم والإفطار ، والصوم أفضل . (4) وروي عن أبي عمر : أنّ الفطر أفضل . (5) وروي عن أبي هريرة : أنّه إن صامه في السفر لم يجزئه ، وعليه أن يصومه في الحضر ، (6) وهذا هو مذهب الإماميّة بعينه . (7) واحتجّوا بما رواه أنس من أنّهم كانوا مسافرين مع النبيّ صلى الله عليه و آله في رمضان ، فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم ، لا يعيب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء ، على هؤلاء . (8) وما روي أنّ حمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبيّ صلى الله عليه و آله «عن الصوم في السفر ، فقال عليه السلام : «إن شئت فصم ، وإن شئت افطر» . (9)

.


1- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 142 .
2- .الاستذكار ، ج 3 ، ص 303 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 171 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 18 .
3- .عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 303 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 171 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 18 .
4- .فتح العزيز ، ج 4 ، ص 474 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 303 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 171 . المجموع ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 88 . وحكى في المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 92 عن الشافعي أنّ الفطر أفضل ، ومثله في بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 96 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 265 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 88 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 18 ؛ السنن الكبرى للبيقهي ، ج 4 ، ص 245 .
6- .عمدة القاري ، ج 11 ، ص 43 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 87 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 17 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 259 .
7- .الانتصار ، ص 190 191 .
8- .المعجم الكبير للطبراني ، ج 20 ، ص 361 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 302 ؛ التمهيد ، ج 2 ، ص 169 .
9- .مسند الشافعي ، ص 105 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 46 و 193 و 202 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 8 9 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 237 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 144 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 531 ، ح 1662 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 107 ، ح 706 ؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 185 و 186 و 187 و 188 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 107 110 ، ح 2603 2617 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 243 ؛ مسند الطيالسي ، ص 162 .

ص: 258

وهما معارضان بما ذكر . على أنّ الثاني منهما يحتمل الحمل على المندوب ، ولا يبعد عن أن يكون الأمر أوّلاً على التخيير ثمّ تحتّم التقصير على ما تشعر صحيحة عيص بن القاسم . (1) وبما رواه مسلم عن الزهريّ أنّه قال : كان الفطر آخر الأمرين ، وإنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالآخر فالآخر . (2) وهل يحرم الواجب غير شهر رمضان عليه ؟ المشهور تحريمه إلّا ثلاثة : بدل الهدي ، وبدل البدنة ، والنذر المقيّد بالسفر ، وبه قال المفيد قدس سرهفي المقنعة ، (3) وحكى في المختلف عنه قولاً بجواز صوم ما عدا رمضان من الواجبات مطلقا . (4) وعن السيّد المرتضى أنّه قال : «والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أيّام لدم المتعة من جملة العشرة ، وصوم النذر إذا علّق بوقت أو حضر وهو مسافر» ، (5) وظاهره الحصر فيهما . واحتجّ عليه بعموم خبر أبان بن تغلب ، (6) وصحيحة عمّار بن مروان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «من سافر قصّر وأفطر ، إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد أو في معصية اللّه أو رسولاً (7) لمن يعضي اللّه عزّ وجلّ أو طلب عدوّ أو (8) شحناء أو

.


1- .هو الحديث الخامس من باب كراهية الصوم في السفر من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 176 ، ح 13147 .
2- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 141 ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 241 .
3- .المقنعة ، ص 350 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 459 .
5- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 56).
6- .هو الحديث الرابع من باب كراهية الصوم في السفر من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 175 176 ، ح 13146 .
7- .في الأصل : «رسول» ، والمثبت من المصدر .
8- .في الأصل «و» بدل «أو» وكذا التالي ، والتصويب من المصدر .

ص: 259

سعاية أو ضرر على قومٍ مسلمين» . (1) وخصوص موثّقة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال في من ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق : «ينتظر حتّى يصوم رمضان ، ثمّ يصوم شهرين متتابعين ، وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتّى يقدم» . (2) وخبر مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه ، عن آبائه عليهم السلام في الرجل يجعل على نفسه أيّاما معدودة مسمّاة في كلّ شهر ، ثمّ يسافر فيمرّ به الشهور : «أنّه لا يصوم في السفر ، ولا يقضيها إذا شهده» ، يرويه المصنّف في باب من جعل على نفسه صوما معلوما (3) وبعض أخبار اُخر تأتي في ذلك الباب . وموثّقة كرام ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم ؟ قال : «صم ولا تصم» ، (4) في الخبر ، وقد مضى . وموثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقول : للّه عليَّ أن أصوم شهر كذا أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فيعرض له أمرٌ لابدّ أن يسافر ، [أ] يصوم وهو مسافر ؟ قال : «إذا سافر فليفطر ؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر ، فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية» ، (5) وقد سبقت . وخبر القاسم الصيقل ، قال : كتبت إليه : يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة وأيّاما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو جمعة أو أيّام

.


1- .هذا هو الحديث الثالث من باب من لايجب له الإفطار والتقصير في السفر ومن يجب له ذلك من الكافي ؛ الفقيه، ج 2، ص 142، ح 1979، واللفظ موافق له ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 219 220 ، ح 640 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 476 477 ، ح 11212 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 232 ، ح 681 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 376 ، ح 13634 .
3- .هو الحديث السابع من ذلك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 200 201 ، ح 13213 .
4- .هذا هو الحديث الأوّل من باب «من جعل على نفسه صوما معلوما ومَن نذر أن يصوم في شكر» من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 233 ، ح 683 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 100 ، ح 325 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13212 ، و ص 384 ، ح 13651 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 328 ، ح 1022 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13211 .

ص: 260

التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ؛ أو كيف أصنع يا سيّدي ؟ وكتب إليه : «قد وضع عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها ، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه » . (1) ورواية عقبة بن خالد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل مرض في شهر رمضان ، فلمّا برأ أراد الحجّ ، فكيف يصنع بقضاء الصوم ؟ فقال : «إذا رجع فليقضه» . (2) وفي المدارك : وقد استثنى الأصحاب من المنع مواضع : أحدها : صيام ثلاثة أيّام في بدل الهدي ؛ لإطلاق قوله عزّ وجلّ : «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ» (3) ، وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى عن أبي عبداللّه عليه السلام الوارد في صوم هذه الأيّام ، حيث قال فيها : قلت : يصوم وهو مسافر ؟ قال : «نعم ، أليس هو يوم عرفة مسافرا ، إنّا أهل بيت نقول ذلك ؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ» » . (4) وثانيها : صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا عالما وعجز عن الفداء وهو بدنة ؛ لما رواه الكلينيّ في الصحيح عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس ، قال : «عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله» . (5) وثالثها : مَن نذر يوما معيّنا وشرط في نذره أن يصومه سفرا وحضرا ، ذهب إليه

.


1- .البقرة (2) : 196 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 234 ، ح 686 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 101 ، ح 328 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 196 ، ح 13205 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 276 ، ح 834 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 120 ، ح 388 . وهذا هو الحديث السادس من باب قضاء شهر رمضان من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 194 ، ح 13200 .
4- .الكافي ، باب صوم المتمتّع إذا لم يجد الهدي ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 38 39 ، ح 114 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 178 179 ، ح 18919 .
5- .هذا هو الحديث الرابع من باب الإفاضة من عرفات من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 186 ، ح 620 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 558 ، ح 18439 .

ص: 261

الشيخان (1) وأتباعهما . (2) واستدلّ عليه في التهذيب بما رواه عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته أنّ الرجل يجعل للّه عليه له صوم يوم مسمّى أبدا ، قال : «يصوم أبدا في السفر والحضر» ، فإنّه حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصومه في السفر والحضر . (3) واستدلّ على هذا التأويل بما رواه عن محمّد بن الحسن الصفّار عن أحمد بن محمّد ، وعبداللّه بن محمّد عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه بندار مولى إدريس : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب وقرأته : «لا تتركه إلّا من علّة ، وليس عليك صومه في سفرٍ ولا مرض ، إلّا أن تكون نويت ذلك ، فإن كنت أفطرت من غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم لسبعة مساكين ، نسأل اللّه التوفيق لما يحبّ ويرضى» . (4) قال المصنّف في المعتبر : «ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهورا» . (5) وكأنّ وجه ضعفها الإضمار واشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في السفر إذا نوى ذلك ، وإلّا فهي صحيحة السند ولا تضرّ جهالة الكاتب ؛ لأنّ مقتضى الرواية إخبار عليّ بن مهزيار بقراءة المكتوب ، والمسألة محلّ إشكال . (6) هذا كلامه قدس سره . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى رضى الله عنه أنّه قال : «الصوم الواجب مع السفر ثلاثة أيّام لدم المتعة من جملة العشرة ، وصوم النذر إذا علّق بوقت حضر وهو مسافر» . (7)

.


1- .ذهب إليه المفيد في المقنعة ، ص 362 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 163 .
2- .منهم ابن البرّاج في المهذّب ، ج 1 ، ص 194 ؛ وابن حمزة في الوسيلة ، ص 148 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 688 . ورواه في الاستبصار ، ج 2 ، ص 101 ، ح 330 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 198 199 ، ح 13210 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 689 ، و ص 286 ، ح 867 ، و ج 8 ، ص 305 ، ح 1134 . ورواه في الاستبصار ، ج 2 ، ص 102 ، ح 331 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 195 196 ، ح 13204 ، وص 379 ، ح 13641 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 684 .
6- .مفتاح الكرامة ، ج 6 ، ص 148 149 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 461 462 ، واللفظ له ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 56) واللفظ فيه هكذا : « ... وصوم النذر إذا علّق بسفر وحضر» .

ص: 262

وظاهره حصر الاستثناء في الموضعين ، فقد خالف المشهور في مقامين : أحدهما : تعميم استثناء صوم النذر ، وإن لم يقيّده بالسفر . واحتجّ عليه بأنّ النذر مطلق ويصحّ صومه في السفر لو قيّده به ، فكذا مع الإطلاق ؛ لأنّه عام بالنسبة إليه ، ولقوله تعالى : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» (1) ، وبما رواه إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى ؟ قال : «يصومه ، والحضر في السفر» . (2) وقيّد بالمقيّد بالسفر على المشهور ؛ للجمع . (3) والثاني : إبقاء صوم ثمانية عشر بدل البدنة على المنع ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث اقتصر في الاستثناء بذكر الثلاثة بدل الهدي والنذر المقيّد بالسفر . (4) وقال [في المختلف] : واستثنى عليّ بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه الصوم في كفّارة صيد المحرم ، وصوم كفّارة الإحلال من الإحرام ، وهو إشارة إلى بدل الهدي ، قال : وإن كان به أذىً من رأسه ، و صوم الاعتكاف . (5) وقال ابن حمزة : وإن كان نذرا مقيّدا بحال السفر أو صوم الكفّارة التي يلزم التتابع فيها وإفطاره ويوجب الاستئناف أو صوم ثلاثة أيّام لدم المتعة وصيام كفّارة قتل العمد في أشهر الحرم وهو يصوم فيها ، فاتّفق له سفر وجب عليه أن يصوم في السفر ، ويجب الإفطار في سوى ذلك (6) . (7) وقال في موضع آخر من المختلف : قال ابن بابويه في رسالته : يجوز صوم جزاء الصيد في السفر ، ومنع منه ابن إدريس ، (8)

.


1- .الإنسان (76) : 7 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 688 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 198 199 ، ح 13210 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 463 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 284 .
5- .المقنع ، ص 199 .
6- .الوسيلة ، ص 148 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 462 .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 415 .

ص: 263

باب مَن صام في السفر بجهالة

وهو الأشهر بين الأصحاب . لنا : عموم النهي عن الصوم في السفر . احتجّ بالأصل وبأنّه بدل عن جبرانٍ وجب في الحرم ، فجاز صومه في السفر كالثلاثة في بدل الهدي . والجواب عن الأوّل بأنّ الأصل يعدل عنه لدليل أقوى ، والقياس ممنوع ومنقوض بالسبعة . (1) قوله في صحيحة عيص : (فلمّا انتهى إلى كراع الغميم) . [ح 5 / 6500] قال طاب ثراه : الغميم بفتح الغين المعجمة : وادٍ أمام عسفان بثمانية أميال ، والكراع : جبل أسود متّصل به ، (2) والكراع : كلّ أنف سال من جبل أو حرّة ، (3) وعسفان : قرية بعدها عن مكّة ستّة وثلاثون ميلاً ، (4) وقيل : ثمانية وأربعون ميلاً ، (5) وكان خروجه صلى الله عليه و آله ذلك الخروج عام الفتح سنة ثمان من الهجرة .

باب مَن صام في السفر بجهالةلا ريب في كون الجاهل بالقصر في السفر معذورا . ويدلّ عليه زائدا على أخبار الباب صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبداللّه عليه السلام ، [عن أبي عبداللّه قال : سألته] (6) عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال له : «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك ، فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم» . (7) وخبر ابن أبي شعبة ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل صام في السفر ، فقال : «إن كان

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 570 .
2- .اُنظر : معجم البلدان ، ج 4 ، ص 443 .
3- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 230 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 46 .
4- .معجم البلدان ، ج 4 ، ص 122 .
5- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 230 .
6- .أضيفت من المصدر .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 221 ، ح 646 و ص 328 ، ح 1023 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 179 ، ح 13157 .

ص: 264

باب من لا يجب له الإفطار

بلغه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه» . (1) ويفهم من هذه الأخبار وجوب القضاء إذا صام ناسيا لكونه مسافرا ، وبه صرّح بعض الأصحاب ولم أجد مخالفا صريحا له . نعم ، قد سكت الأكثر عنه . ويؤيّده ما دلَّ على وجوب القضاء إذا صام المسافر عموما ، خرج الجاهل بالنصّ والإجماع وبقي الباقي ومنه الناسي .

باب من لا يجب له الإفطاريشترط في قصر الصوم في السفر ما تقدّم في شرائط قصر الصلاة فيه ، فلا يجوز الإفطار على المكاري والملّاح والجمّال ، ومن كان كثير السفر كالبدوي والذي يدور في إمارته أو تجارته والبريد ، ومن كان سفره لصيد اللّهو أو معصية اُخرى على ما تقدّم ، ودلَّ عليه أخبار الباب . ثمّ الظاهر اعتبار صدق اسم المكاري والملّاح والجمّال من غير اعتبار للكثرة في سفرهم ، وهو ظاهر جماعة من الأصحاب ، بل ظاهر الشيخ في الجمل ذلك في البدوي ونظائره أيضا . (2) وممّن صرّح بذلك ابن إدريس حيث قال : وليس يصير الإنسان بسفرة واحدة إذا ورد إلى منزله ولم يقم عشرة أيّام ممّن سفره أكثر من حضره ؛ لأنّ مَن أقام في منزله مثلاً مئة سنة ، ثمّ سافر سفرة واحدة ، ثمّ ورد إلى منزله ولم يقم فيه عشرة أيّام ، ثمّ سافر ، فإنّه يجب عليه في سفره الثاني التقصير وإن لم يقم عشرة أيّام . (3) _ ثمّ قال بعد كلامٍ طويل : فأمّا صاحب الصنعة من المكارين والملّاحين ، (4) ومن يدور في تجارته من سوق إلى سوق، ومن يدور في إمارته فلا يجرون مجرى من لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره.

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 221 ، ح 644 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 179 ، ح 13158 .
2- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 215) .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 339 .
4- .في الأصل : «المكاريين و الملّاحيين» .

ص: 265

ولا يعتبر فيهم ما اعتبرناه فيهم من الدفعات ، بل يجب عليهم التمام بنفس خروجهم إلى السفر ؛ لأنّ صنعتهم يقوم مقام من لا صنعة له ممّن كان سفره أكثر من حضره . (1) ففي المختلف قال الشيخ في الجمل : ومن يلزمه الصوم في السفر عشرة : من نقص سفره عن ثمانية فراسخ ، ومن كان سفره معصية للّه تعالى ، ومن كان سفره لصيد اللّهو والبطر ، ومن كان سفره أكثر من حضره ، وحدّه أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام ، والمكاري ، والملّاح ، والبدوي ، والذي يدور في إمارته ، والذي يدور في تجارته من سوق ، إلى سوق والبريد . (2) وهو يشعر بكون كلّ واحد من هذه الأقسام أصلاً برأسه ، ولم يجعل كون السفر أكثر من الحضر ضابطا لهم ولا إقامتهم في بلدهم أقلّ من عشرة . (3) وهو ظاهره في النهاية أيضا حيث قال : لا يجوز التقصير للمكاري والملّاح والراعي ، والبدوي إذا طلب القطر والنبت ، والذي يدور في جبايته ، والذي يدور في إمارته ، ومن يدور في تجارته من سوقٍ إلى سوق ، ومن كان سفره أكثر من حضره ، هؤلاء كلّهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام . (4) وجعل جماعة منهم السيّد المرتضى في الانتصار الكثرة ضابطة حيث قال : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من سفره أكثر من حضره كالملّاحين والجمّالين ومن جرى مجراهم لا تقصير عليهم ؛ لأنّ باقي الفقهاء لا يراعون ذلك . (5) وبه قال العلّامة في الإرشاد (6) والمختلف (7) وغيرهما من كتبه . (8)

.


1- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 215) .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 340 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 105 .
4- .النهاية ، ص 122 .
5- .الانتصار ، ص 164 .
6- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 275 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 106 107 .
8- .منها : القواعد ، ج 1 ، ص 325 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 156 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 337 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 64 .

ص: 266

وظاهر ابن أبي عقيل هو وجوب القصر على هؤلاء أيضا وإن كثر سفرهم ، حيث عمّم وجوب القصر على المسافر من غير استثناء لهؤلاء ، وعلى ما نقل عنه في المختلف . (1) واختلفوا في حدّ الكثرة ، فظاهر العلّامة في الإرشاد تحقّقها بالسفر الثاني حيث قال : «والضابط : أن لا يقيم في بلده عشرة ، فإذا قام أحدهم عشرة قصّر» . (2) وفي المختلف : والأقرب أنّ أرباب الصنائع لا يثبت فيهم التمام بأوّل مرّة بل بثاني مرّةٌ مثلاً : إذا ابتدأ بالمكاراة وخرج من بلده مكاريا وجب عليه التقصير ، فإذا عاد إلى بلده ، ثمّ خرج بعد إقامة عشرة أيّام [خرج مقصّرا] . (3) والظاهر اختيار بثلاث كما هو أقلّ المتبادر من الكثرة ، وما ذكره إنّما هو تكرار لا كثرة ، وإليه ذهب الأكثر ، منهم المحقّق الشيخ عليّ قدس سرهفقد قال : بل الضابط لكثرة السفر أن يسافر إلى مسافة ثلاث مرّات بحيث يتجدّد حكم الإتمام بعد كلّ منهما ، ولا يقيم عقيب واحدٍ منها ، عشرة أيّام في بلده أو في غير بلده ، لكن بشرط الإقامة في الأخير ، فإنّه يصير في الثالثة كثير السفر . (4) ومنهم ابن إدريس على ما مرّ من كلامه . ثمّ ظاهر الأكثر عدم الفرق بين جعل كثير السفر بمنزلين منزلاً . وقد قال المصنّف قدس سره في باب صلاة الملّاحين والمكارين بعد نقل صحيحة محمّد بن مسلم الدالّة على عدم القصر عليهم . وفي رواية اُخرى : «المكاري إذا جدّ به السير فليقصر» ، وقال : قال : «ومعنى جدّ السير يجعل المنزلين منزلاً» ، (5) وظاهره القول به ، والظاهر ما رواه عمران بن محمّد بن عمران الأشعري ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى

.


1- .إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 275 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 106 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 109 ، وما بين الحاصرتين من المصدر .
4- .اُنظر : جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 513 ؛ رسائل الكركي ، ج 3 ، ص 253 .
5- .الكافي ، ج 3 ، ص 437 ، باب صلاة الملاحين والمكارين ... ، ح 2 .

ص: 267

باب صوم التطوّع في السفر

أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتمّا في المنزل» . (1) وحملهما الشيخ أيضا على ذلك . وفي المختلف : «والأقرب حمل الحديثين على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصرا» (2) ، والأوّل أنسب إلى الاعتبار ، فإنّ الظاهر أنّ الحكمة في سقوط القصر عن كثير السفر زوال مشقّة السفر التي هي الداعية إلى القصر على المسافر عنه باعتبار السفر ، فإذا جعل المنزلين منزلاً عادت المشقّة عليه . قوله في خبر حمّاد بن عثمان : (قد جاء في خبره من الأعوص) . [ح 6 / 6511] الأعوص بالمهملتين : موضع قرب المدينة ، ووادٍ بديار باهلة ، ويُقال فيه الأعوصين كذا في القاموس . (3)

باب صوم التطوّع في السفرقد اختلف الأصحاب فيه ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ (4) والعلّامة في المختلف (5) و[غيره] من كتبه (6) كراهية صيام النافلة في السفر عدا ثلاثة أيّام للحاجة بالمدينة ؛ للجمع بين ما رواه المصنّف من صحيحة سعد بن سعد (7) وخبر المرزبان بن عمران ، (8) وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن عليه السلام :

.


1- .الفقيه ، ج 1 ، ص 440 ، ح 1278 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 215 216 ، ح 530 ؛الاستبصار ، ج 1 ، ص 233 ، ح 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 491 ، ح 11253 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 107 .
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 310 (عوص) .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 285 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 466 .
6- .منها: منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 586 .
7- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
8- .هو الحديث الرابع من هذا الباب .

ص: 268

«وليس من البرّ الصيام في السفر» . (1) وفي الصحيح عن عمّار بن مروان : «من سافر قصّر وأفطر» . (2) وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصوم في السفر ، لا شهر رمضان ولا غيره» . (3) وفي الصحيح عن أحمد بن محمّد ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصيام بمكّة والمدينة ونحن سفر ، قال : «فريضة ؟» ، فقلت : لا ، ولكنّه تطوّع كما تطوّع بالصلاة ، فقال : «تقول اليوم وغدا ؟» ؛ قلت : نعم ، فقال : «لا [تصم]» ؛ (4) وبين ما رواه المصنّف قدس سرهعن إسماعيل بن سهل ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، (5) وعن الحسن بن بسّام الجمّال . (6) ويؤيّد هذا الجمع خبر عذافر . (7) فإن قيل : هذان الخبران الدالّان على الجواز ضعيفان ، فكيف تقول : إنّهما أخبار صحيحة ؟ لأنّا نقول : ضعفهما منجبر بعمل الأكثر . على أنّ الأخبار الصحيحة غير صريحة ولا ظاهرة في تحريم صوم النافلة فيه ؛ لأنّ نفي البرّ في صحيحة صفوان ظاهره الكراهة ، وصحيحة أحمد بن محمّد أيضا ظاهرة في كراهة التطوّع فيها بقرينة استفساره عليه السلام أوّلاً على أنّ هذا الصوم فريضة أو تطوّع ، ولو حرم التطوّع لنفاه مطلقا أوّلاً .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 217 218 ، ح 632 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 177 ، ح 23150 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 142 ، ح 1979 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 219 220 ، ح 640 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 476 477 ، ح 11212 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 236 ، ح 691 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 102 ، ح 333 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 201 ، ح 13217 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 235 ، ح 690 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 102 ، ح 332 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 202 ، ح 13219 .
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .
7- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 269

وعدم صوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله التطوّع في السفر لا يدلّ على تحريمه ، فأقصى ما يدلّ عليه كونه مرجوحا في الجملة . على أنّه قد سبق أنّ الإمام عليه السلام ربّما كان ترك (1) بعض المستحبّات ؛ لئلّا يتّخذ سنّة وفرضا . وأمّا صحيحة عمّار فالتقصير قرينة على أنّ المراد بالإفطار الإفطار في الصوم الواجب ؛ لأنّ التقصير إنّما يكون فيه في الصلاة الواجبة ، إلّا ما استثني ، وإلّا فلا خلاف في جواز صلاة التطوّع ، والمندوب ما عدا نوافل الظهرين والعشاء . وبالجملة ، فالقول بالجواز في غاية القوّة ، وكأنّه نظر إلى ما ذكره السؤال من منعه ، وهو ظاهر جماعة من الأصحاب ، فقد قال المفيد قدس سره : «ولا يجوز صوم النافلة في السفر إلّا ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبيّ صلى الله عليه و آله وفي مشهد من مشاهد الأئمّة عليهم السلام » . (2) وقال الصدوق في المقنع على ما نُقل عنه في المختلف : «لا تصوم في السفر تطوّعا ولا فرضا ، واستثني من التطوّع ثلاثة أيّام للحاجة في مسجد النبي صلى الله عليه و آله ، وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة» . (3) وعن سلّار أنّه قال : «لا يصوم المسافر تطوّعا ولا فرضا ، إلّا ثلاثة أيّام بدل المتعة وصوم يوم النذر إذا علّقه بوقت حضر في السفر وصوم الثلاثة الأيّام للحاجة» . (4) ولا يبعد حمل عباراتهم هذه أيضا على الكراهة . ولكن قال صاحب المدارك : والأصحّ المنع من التطوّع مطلقا [إلّا ثلاثة أيّام للحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه و آله خاصّة]» . (5) وقال في موضع آخر أيضا : «الأصحّ تحريم صيام النافلة في السفر عدا هذه الثلاثة الأيّام» . (6)

.


1- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل مكان «ترك» بياض .
2- .المقنعة ، ص 350 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 465 ؛ المقنع ، ص 199 .
4- .المراسم العلويّة ، ص 95 ؛ وعنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 466 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 150 ، وما بين الحاصرتين منه .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 275 .

ص: 270

باب الرجل يريد السفر ويقدم من سفر في شهر رمضان

ويدلّ عليه موثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقول : للّه عليَّ أن أصوم شهر كذا أو أكثر من ذلك أو أقلّ ، فيعرض له أمر فلابدّ أن يسافر ، يصوم وهو مسافر ؟ قال : «إذا سافر فليفطر ؛ لأنّه لا يحلّ له الصوم في السفر [فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر] معصية» ، (1) لكنّه لا يجوز أن يترك بها الأخبار المتكثّرة الصحيحة . ويظهر من كلام المحقّق في الشرائع وجود القول من بعض الأصحاب باستحبابه من غير كراهية ، وهو ليس ببعيد كثيرا ؛ حيث قال مشيرا إلى المسافر : «وهل يصوم مندوبا ؟ قيل : لا ، وقيل : نعم ، وقيل : يكره ، وهو الأشبه» . (2)

باب الرجل يريد السفر ويقدم من سفر في شهر رمضانلاريب في أنّه يشترط في إفطار الصوم في السفر كلّ ما هو شرط فيه في قصر الصلاة ، وهل يشترط فيه شرط [آخر ]أو لا ؟ قال السيّد المرتضى رضى الله عنه بالثاني ؛ فقد قال على ما حكى عنه في المنتهى : «إنّه يفطر ولو خرج قبل الغروب . (3) وبه قال عليّ بن بابويه» ، (4) وهو ظاهر ابن أبي عقيل على ما نقل عنهما في المختلف ، (5) وقد نسبه إلى ظاهر السيّد أيضا ، وعليه استقرّ رأي ابن إدريس (6) كما

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 328 ، ح 1022 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 199 ، ح 13211 ، وما بين الحاصرتين من المصدر .
2- .شرائع الاسلام ، ج 1 ، ص 147 .
3- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 55 56) ، وعبارته هكذا : «شروط السفر الّذي يوجب الإفطار ولايجوز معه صوم شهر رمضان في المسافة وغير ذلك هي الشروط الّتي ذكرناها في كتاب الصلاة الموجبة لقصرها» .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 598 599 . وحكاه عن ابن بابويه رحمه الله ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 392 ، والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 486 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 469 .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 392 .

ص: 271

ستعرفه ، محتجّين بعموم قوله تعالى : «أَوْ عَلَى سَفَرٍ» ؛ (1) إذ هو يصدق على من خرج قبل الغروب بشيء يسير . وبما رواه عبد الأعلى مولى آل سام في الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : «يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» . (2) واُجيب عنه بتخصيص الآية بمن سافر قبل الزوال ؛ لما سيأتي من الأخبار الصحيحة الدالّة عليه . واُيّد بما ذكره بعض المفسّرين من أنّ في قوله : «عَلَى سَفَرٍ» إيماء إلى أنّ من سافر في بعض اليوم لم يفطر ؛ لأنّ كلمة «على» تدلّ على الاستعلاء والاستيلاء ؛ (3) وكأنّه لذلك رجّح ابن إدريس ما ننقله عن المفيد محتجّا بأنّه موافق لظاهر التنزيل ، (4) وإن رجع عنه أخيرا كما ستعرفه . واعتبر شيخنا المفيد قدس سرهفي المقنعة شرطا آخر وهو الخروج قبل الزوال ، وقال : «إن خرج حينئذٍ لزمه الإفطار ، فإن صام لم يجزه» ، (5) وهو منقول في المنتهى (6) عن أبي الصلاح ، (7) وفي المختلف عن ابن الجنيد ، (8) وهو ظاهر الشيخ في الخلاف حيث قال : «إذا تلبس بالصوم في أوّل النهار ثمّ سافر آخر النهار لم يكن له الإفطار» . (9) وبه قال أكثر المتأخّرين ؛ محتجّين بما رواه المصنّف في الحسن عن عبيد بن

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 392 .
2- .البقرة (2) : 184 و 185 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 229 ، ح 674 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 100 ، ح 324 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 188 ، ح 13186 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 288 .
5- .المقنعة ، ص 354 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 598 .
7- .الكافي في الفقه ، ص 182 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 476 .
9- .الخلاف ، ج 2 ، ص 219 ، المسألة 80 .

ص: 272

زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان ، يصوم أو يفطر ؟ قال : «إن خرج قبل الزوال فليفطر ، وإن خرج بعد الزوال فليصم» . (1) وفي الموثّق عنه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتمّ الصيام ، وإذا خرج قبل الزوال أفطر» . (2) وبما رواه الشيخ في الحسن والمصنّف في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، قال : «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر ، وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه» . (3) والشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتدّ به من شهر رمضان» . (4) ويفهم منه الإفطار إذا خرج قبل الزوال . وقد ادّعى ابن إدريس تواتر الأخبار بذلك ، (5) واشترط الشيخ في النهاية تبييت نيّة السفر والخروج قبل الزوال معا في الإفطار ، وأوجب مع التبييت والخروج بعد الزوال معا إتمام الصوم والقضاء جميعا ، فقال : وإذا خرج إلى السفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النهار ، وكان قد بيّت نيّته من الليل للسفر وجب عليه الإفطار ، وإن لم يكن بيّت نيّته من الليل ثمّ خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 392 .
2- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13175 .
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13176 .
4- .هو الحديث الأوّل من من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 321 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 229 ، ح 671 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 142 ،1982 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 185 ، ح 13174 ؛ و ص 209 ، ح 13239 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 229 ، ح 672؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 322 ؛ وهذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 2 ، ص 142 ، ح 1983 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 185 ، ح 13173 .

ص: 273

الإفطار على كلّ حال وكان عليه القضاء ، ومتى بيّت نيّته للسفر من الليل ولم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيّة النهار وكان عليه القضاء . (1) وبه قال في المبسوط أيضا إلّا أنّه لم يتعرّض للقضاء في الشقّ الثاني ، وظاهره عدم وجوبه فقد قال : «من سافر عن بلده في شهر رمضان وكان خروجه قبل الزوال ، فإن كان بيّت نيّته للسفر أفطر وعليه القضاء ، وإن كان بعد الزوال لم يفطر» . (2) وذهب أبو الصلاح وابن حمزة إلى قول الشيخ في النهاية ، فقد حكى في المختلف (3) عن الأوّل أنّه قال : «إذا عزم على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حضرا ، فإن خرج قبل الزوال أفطر ، وإن تأخّر إلى أن تزول الشمس أمسك بقيّة يومه وقضاه» . (4) وعن الثاني أنّه قال : المسافر لا يخلو من أربعة أوجه : إمّا أن خرج قبل الصبح من منزله أو بعد الصبح قبل الزوال ناويا للسفر من الليل أو غير ناوٍ، أو خرج بعد الزوال ، فالأوّل يفطر وكذا الثاني ، والثالث لا يفطر ولا يقضي ، والرابع يصوم ويقضي . (5) وقال الشيخ في كتابي الأخبار : إذا بيّت النيّة وخرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، وإن خرج بعد الزوال استحبّ له إتمام الصلاة وجاز له الإفطار ، وإن لم يكن قد نوى السفر من الليل فلا يجوز له الإفطار على وجه . (6) وفي المختلف يعني على اعتبار التبييت وعدمه : واحتجّ الشيخ بما رواه سليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان ، فيخرج من أهله بعد ما يصبح ، قال : «إذا أصبح في

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 469 .
2- .الكافي في الفقه ، ص 182 .
3- .النهاية ، ج 1 ، ص 161 162 .
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 284 .
5- .الوسيلة ، ص 149 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 229 ، ذيل الحديث 672 واللفظ له ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ذيل الحديث 322 .

ص: 274

أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلّا أن يدلج دلجة» . (1) وعن رفاعة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح ، قال : «يتمّ صوم يومه ذلك» . (2) وعن عليّ بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام في الرجل يسافر في شهر رمضان ، [أيفطر] (3) في منزله ؟ قال : «إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدّث نفسه من الليل ثمّ بدا له في السفر من يومه أتمَّ صومه» . (4) وعن أبي بصير ، قال : «إذا خرجت قبل طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتمّ الصوم ، واعتدّ به من شهر رمضان» . (5) وعن سماعة ، قال : سألته عن الرجل ، كيف يصنع إذا أراد السفر ؟ قال : «إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم ، فإن خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر ولا صيام عليه» . (6) عن سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «مَن أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم وحده، وليس يفترق التقصير والإفطار ، فمن قصر فليفطر» . (7) وبإجماع الفرقة على أنّه إذا سافر بعد الزوال وجب الصوم .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 227 228 ، ح 667 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 98 ، ح 317 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13178 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، ح 668 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 186 ، ح 13177 .
3- .اُضيفت من المصدر .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، ح 669 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 98 ، ح 319 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13182 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 228 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 99 ، ح 320 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 188 ، ح 13184 . وفي الأصل كررّت هذه الرواية ووقع الخلط بينها وبين رواية أبي بصير المتقدّمة ، فحذفناها حسب المصدر .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 327 328 ، ح 1020 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13180 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 328 ، ح 1021 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13181 .

ص: 275

وبالآية الدالّة على وجوب الإتمام بعد الدخول فيه ، وأنّه إذا لم ينو السفر من الليل أصبح صائما صوما مشروعا ، فلا يبطل بالسفر . ولأنّه قد حصل السفر بعد انعقاد العبادة كما لو هو سافر بعد الصلاة التامّة . ولقوله تعالى : «وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» (1) ، وإذا خرج مع النيّة بعد الزوال وجب عليه القضاء ؛ لأنّ نيّة السفر تضادّ نيّة الصوم ، فلم يقع فيه الصوم ، فلهذا أوجب القضاء . والجواب عن الحديث الأوّل بعد صحّة السند أنّه غير دالّ على المطلوب ؛ لأنّه قد اشتمل على من نوى السفر من الليل ، وأوجب عليه الصوم إذا أصبح في منزله ، فإن كان المراد أنّه خرج قبل الزوال فهو غير مطلوب الشيخ ، وإن كان المراد أنّه خرج بعد الزوال فهو مطلوبنا نحن . وهو الجواب عن الثاني ، وفي طريقه ابن فضّال ، وفيه قولٌ . وعن الثالث ضعف السند ، وأيضا فإنّه غير دالّ على التفصيل الذي ذكره الشيخ ، بل على التبييت وعدمه ، فكما حمل الإفطار مع التبييت إذا خرج قبل الزوال وعدمه إذا خرج بعده نحمله نحن على ذلك أيضا بناءً على أنّ الغالب أنّ من خرج قبل الزوال نوى من الليل وإن خرج بعده لم ينو ، فذِكْر هذا القيد بناءً على الغالب لا على أنّه علّة . ورواية أبي بصير مرسلة ولم يسندها أيضا إلى الإمام فليست حجّة مع احتمالها للتأويل ، فإنّ من خرج بعد الزوال يصدق عليه أنّه خرج بعد طلوع الفجر فيحمل عليه . وهذان هما الجوابان عن روايتي سماعة . والإجماع إن صحّ فهو مسلّم ؛ لأنّا نقول بموجبه ، إذ مع خروجه بعد الزوال يتمّ صومه ، ونمنع تناول الآية ، وهو قوله تعالى : «أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (2) من خرج قبل الزوال ؛ إذ بخروجه إلى السفر ينتفي الصوم فلا يجب الإتمام ، وقوله : «إذا خرج بعد الزوال مع تبييت النيّة للسفر أمسك وعليه الإعادة» ليس بعيدا من الصواب ؛ إذ لم يتحقّق منه شرط الصوم وهو النيّة . (3) انتهى .

.


1- .الحجّ (22) : 33 .
2- .البقرة (2): 187.
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 472 474 .

ص: 276

ثمّ قال العلّامة في المختلف : واعلم أنّه ليس بعيدا من الصواب تخيير المسافر بين الفطر والإتمام إذا خرج بعد الزوال ؛ لرواية رفاعة بن موسى الصحيحة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان ، قال : «إذا أصبح في بلده ثمّ خرج ، فإن شاء صام ، وإن شاء أفطر» . (1) وإنّما قيّدنا ذلك بالخروج بعد الزوال جمعا بين الأخبار . (2) وفي المدارك : وأقول : إنّ هذا الحمل بعيد جدّا . نعم ، لو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا ، وبذاك يحصل الجمع بين الأخبار . (3) ولقد تشوّش كلام ابن إدريس هنا ، ففي المختلف : ونقل ابن إدريس عن المفيد ما نقلناه ، وهو أنّه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الإفطار ، (4) قال : وإلى هذا القول أذهب واُفتي ؛ لأنّه موافق لظاهر التنزيل والمتواتر من الأخبار . ثمّ قال : وقال ابن بابويه في رسالته : يجب عليه الإفطار وإن خرج بعد العصر والزوال . قال : وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدّمه من الأقوال ؛ لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، وليس على المسألة إجماع ولا أخبار مفصّلة متواترة ، فالتمسّك بالقرآن حينئذٍ أولى ؛ لأنّه مسافر بلا خلاف ومخاطب بخطاب المسافرين من تقصير صلاة وغيرها . (5) انتهى . أقول : كأنّه أشار بقوله : (وإلى هذا القول أذهب و اُفتي) إلى وجوب الإفطار إذا خرج قبل الزوال ، أحد جزئي رأي المفيد لا جزءه الآخر أيضا وهو صحّة (6) الصوم إذا خرج بعده ، ويرتفع التناقض بين أوّل كلامه وآخره ، فتأمّل .

.


1- .المقنعة ، ص 354 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 327 ، ح 1019 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 187 ، ح 13179 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 475 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 290 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 469 470 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 392 .
6- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل مكان كلمة «صحّة» بياض .

ص: 277

باب من دخل بلدة فأراد المقام فيها أو لم يرد

باب الرجل يجامع أهله في السفر أو يقدم من سفر في شهر رمضان بعد الإفطار فيجامع أهله في يوم قدومه

باب من دخل بلدة فأراد المقام فيها أو لم يردما ذكر في الباب من انقطاع حكم السفر بإقامة عشرة أيّام مع النيّة في موضع أو إقامته ثلاثين يوما من غير نيّة هو المشهور بين الأصحاب ، ولم أجد مخالفا صريحا له بالنظر إلى الصوم . نعم ، قال ابن الجنيد على ما نقل عنه في المختلف في باب الصلاة : «يقصر إلى شهر إن لم ينو إقامة خمسة أيّام فصاعدا ، فإن نوى عند دخول البلد أو بعده مقام خمسة أيّام فصاعدا أتمّ» ؛ (1) محتجّا بما رواه محمّد بن مسلم (2) في الحسن ، وقد سبق القول فيه في محلّه .

باب الرجل يجامع أهله في السفر أو يقدم من سفر في شهر رمضان بعد الإفطار فيجامع أهله في يوم قدومهالمشهور بين الأصحاب جواز مجامعة المسافر في نهار شهر رمضان في الموضعين . ويدلّ على الأوّل صحيحة عمر بن يزيد (3) وثلاثة أخبار تليه . وعلى الثاني ما رواه الشيخ عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان ، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض ، أيواقعها ؟ قال : «لا بأس به» . (4)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 113 .
2- .هو الحديث الثالث من باب المسافر يقدم البلدة كم يقصر الصلاة من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 219 220 ، ح 548 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 238 ، ح 849 . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 501 ، ح 11286 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 242 ، ح 710 ؛ وص 254 ، ح 753 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 106 ، ح 347 ؛ وص 113 ، ح 370 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 193 ، ح 13198 ؛ ص 208 ، ح 13236 ؛ وص 233 234 ، ح 13296 .

ص: 278

باب صوم الحائض والمستحاضة

ويعارض تلك الأخبار ما رواه المصنّف في الصحيح عن ابن سنان ، (1) والظاهر أنّه عبداللّه ، وخبر عبداللّه بن حمّاد ، عن عبداللّه بن سنان (2) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان ، فإنّ ذلك محرّم عليه» . (3) والمشهور الجمع بينها وبين ما سبق بالكراهة . وقال الشيخ المفيد بعد ما ذكر حكم المسافر والشيخ الكبير والشيخة الكبيرة من الإفطار : «ولا يجامع أحد ممّن ذكرناه ، إلّا أن تدعوه إلى ذلك حاجة شديدة» . (4) وقال الشيخ في التهذيب بعدما ذكر الأخبار الأوّلة : هذه الأخبار وما يجري مجراها في إباحة الوطي للمسافر في شهر رمضان محمولة على من غلبته الشهوة ، ولم يتمكّن من الصبر عليها ويخاف على نفسه الدخول في محضور ، فحينئذٍ اُبيح له وطي المحلّلات ، فأمّا من يقدر على الصبر على ذلك فليس له أن يطأ . (5) وظاهرهما عدم الجواز من دون خوف الشبق والحاجة الشديدة . ونِعمَ ما فعله المصنّف من الجمع بين الأخبار بالقول بالكراهة إذا لم يخف الشبق .

باب صوم الحائض والمستحاضةقد سبق في أبواب الحيض الإجماع على فساد الصوم بوجود دم الحيض في جزء من النهار ، ووجوب القضاء عليها بذلك ، وصحّة صوم المستحاضة المتوسّطة

.


1- .هو الحديث الخامس من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 206 ، ح 13231 .
2- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 206 ، ح 13232 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 240 ، ح 704 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 105 ، ح 341 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 207 ، ح 13234 .
4- .المقنعة ، ص 352 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 242 ، ذيل الحديث 709 .

ص: 279

باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمرٌ يمنعه عن إتمامه

والكثيرة إذا عملت الأغسال الواجبة عليها على تفصيل قد سبق . قوله في مكاتبة عليّ بن مهزيار : (كان يأمر فاطمة عليهاالسلام والمؤمنات من نسائه بذلك) .[ح 6 / 6540] قال طاب ثراه : الأخبار المتكثّرة دالّة على أنّ فاطمة عليهاالسلام لم تَرالدم ، (1) وأنّها كانت طاهرة مطهّرة حوراء إنسيّة ، (2) فلعلّ المقصود أنّه عليه السلام يأمرها عليهاالسلامأن تأمر المؤمنات بذلك ، كما ذكر في المنتقى . (3)

باب من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعرض له أمرٌ يمنعه عن إتمامهإنّما يجب صوم الشهرين المتتابعين في كفّارة الإفطار في شهر رمضان من غير عذر ، وكفّارة الظهار والإيلاء ، وقتل الخطأ والعمد ، لكن الأوّل على التخيير بينه وبين عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا ، وفي الثلاثة الاُول من البواقي على الترتيب : العتق ثمّ الإطعام ثمّ الصيام ، وفي قتل العمد الجمع ، وكذا في إفطار رمضان بالمحرّم على المشهور ، ويأتي كلّ في محلّه . وما عنون المصنّف قدس سرهبه الباب غير مختصّ بالشهرين المتتابعين ، بل جاز في كلّ صوم متتابع ، إلّا في الاعتكاف في بعض صوره كما سيأتي ، وكأنّه وضع الباب لبيان جواز التفريق بعد تتابع شهر ويوم من الشهر الثاني . واعلم أنّ كلّ صوم مشروط بالتتابع إلّا ما استثني من الاعتكاف لو أفطر في أثنائه ،

.


1- .اُنظر : ذخائر العقبى ، ص 26 و 44 ؛ معجم الشيوخ للصيداوي ، ص 359 ؛ علل الشرائع ، ص 179 ، الباب 142 ، ح 4 ؛ تاريخ بغداد ، ج 12 ، ص 331 ترجمة غانم بن حميد الشعيري ، صحيفة الرضا عليه السلام ، ح 16 ؛ نزهة المجالس ، ص 577 ؛ المعجم الكبير ، ج 22 ، ص 400 ، ح 1000 ؛ المعجم لابن الأعرابي ، ج 1 ، ص 502 ، ح 568 ؛ الكافي ، ج 1 ، ص 460 ، ح 6؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 34 ، ح 9 ؛ إعلام الورى ، ج 1 ، ص 291 .
2- .الأمالى للصدوق ، المجلس 24 ، ح 2 ، والمجلس 70 ، ح 7 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 273 ، الباب 22 ، ح 114 ؛ كتاب التوحيد للصدوق ، ص 118117 ، الباب 8 ، ح 21 ؛ فرائد السمطين ، ج 2 ، ص 35 ، ح 371 ؛ دلائل الإمامة ، ح 57 و 62 ؛ كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 171 .
3- .منتقى الجمان ، ج 2 ، ص 501 .

ص: 280

ولو لعذر من مرض وحيض ونحوهما يبني ، ولغير عذر يستأنف ، واستثني من الأوّل صوم الشهرين المتتابعين ، ومن صام خمسة عشر يوما من الشهر المتتابع فإنّهُ يبني ولو أفطر من غير عذر وكلّ ذلك مدلول الأخبار ومجمع عليه بين العلماء الأخيار ، وهل يحرم الإفطار بعد الشهر واليوم من غير عذر ؟ في التحرير : «فيه قولان» (1) ، ولم يرجّح شيئا . وفي المختلف : من وجب عليه شهران متتابعان في كفّارة ظهار أو قتل الخطأ أو غيرهما فصام شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما ثمّ أفطر بغير عذر جاز له البناء إجماعا ، وهل يكون مأثوما ؟ قولان ، قال ابن الجنيد : لا يكون مأثوما ، وهو ظاهر كلام ابن أبي عقيل ، وظاهر كلام الشيخ . (2) وقال المفيد : يكون مخطئا ، (3) وكذا قال السيّد المرتضى ، (4) وهو يشعر بالإثم ، وصرّح أبو الصلاح (5) وابن إدريس (6) بالإثم . والأقرب الأوّل . (7) واحتجّ عليه بأصالة براءة الذمّة بتحقّق التتابع المطلوب شرعا بما فعل ، وبما رواه المصنّف في حسنة الحلبيّ (8) من تفسير التتابع ، ويؤيّده حصول الإجزاء . واحتجّ الآخرون بأنّ تتابع الشهرين مثلاً إنّما يحصل بإكمالهما ولم يحصل ، فيتحقّق الإثم ولا استبعاد في الإجزاء مع الإثم . واُجيب بالمنع من اشتراط التتابع بإكملهما ، (9) و [في]السند ما ذكر . وفي الحقيقة مبنى القولين على تفسير التتابع المعتبر شرعا . وأنت خبير بأنّ ظاهر التتابع يعطي إكمال العذر وسقوط التتابع مع العذر كما دلَّ

.


1- .تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 511 .
2- .النهاية ، ص 166 ؛ الاقتصاد ، ص 291 .
3- .المقنعة ، ص 361 .
4- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 58) .
5- .الكافي في الفقه ، ص 189 .
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 411 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 561 .
8- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 562 .

ص: 281

باب صوم كفّارة اليمين

عليه حسنة الحلبيّ وغيره لا يعطي سقوطه من غير عذر ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية حيث قال : فمن وجب عليه شيء من هذا الصيام وجب عليه أن يصومه متتابعا ، فإن لم يتمكّن من صيامه متتابعا صام الشهر الأوّل ومن الشهر الثاني شيئا ، ثمّ فرّق ما بقي . (1) فقد صرّح بسقوط التتابع في الشهر الثاني بعد يوم منه مع العجز ، وهو ظاهر الأخبار .

باب صوم كفّارة اليمينأراد قدس سره بيان أنّ هذا الصوم أيضا يشترط فيه التتابع ، ولا خلاف فيه ، وهي ثلاثة أيّام ، فإنّ كفّارة اليمين هي : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام متتابعات ، وفي حكمه كفّارة النذر والعهد مطلقا على رأي ، وقيل : كفّارتهما كفّارة رمضان مطلقا ، وقيل بالتفصيل ، فنذر الصوم وعمده كرمضان وغيره كاليمين ، ويجيء القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . قوله في خبر الحسين بن زيد : (السبعة الأيّام والثلاثة الأيّام في الحج لا تفرّق) .[ح 3 / 6557] المراد بهذه الأيّام صيام العشرة الأيّام بدل هدي التمتّع ، وقد أجمعوا على وجوب تتالي الثلاثة التي في الحجّ إلّا إذا فصل بالعيد وأيّام التشريق ، واختلفوا في وجوبه في السبعة التي بعد الرجوع إلى أهله حقيقةً أو حكما ، فاشترطه الحسن بن أبي عقيل (2) وأبو الصلاح الحلبيّ ، (3) والأكثر على عدم اشتراطه ، ويأتي القول فيه في محلّه .

.


1- .النهاية ، ص 166 ؛ وعنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 562 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 509 .
3- .الكافي في الفقه ، ص 188 .

ص: 282

باب من جعل على نفسه صوما معلوما ومن نذر أن يصوم في شكر

باب كفّارة الصوم وفديته

باب من جعل على نفسه صوما معلوما ومن نذر أن يصوم في شكرأراد قدس سره بيان أحكام متفرّقة متعلّقة بالصوم المنذور ، منها : عدم جواز صوم المنذور المطلق في السفر وفي العيدين وأيّام التشريق ويوم الشكّ . ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكور في الباب كما هو المشهور بين الأصحاب ، وقد سبق القول في ذلك كلّه فيما تقدّم . ومنها : جواز الإفطار قبل الزوال في المنذور الغير المعيّن ، كما دلَّ عليه خبر صالح بن عبداللّه ، (1) ولم أجد قولاً بخلافه وإن خولف في قضاء رمضان . ومنها : انصراف الحين إلى ستّة أشهر كما هو المشهور . (2) ويدلّ عليه خبر السكوني (3) وأبي الربيع ، (4) والأوّل يدلّ على انصراف الزمان إلى خمسة ، ولم أرَ قولاً .

باب كفّارة الصوم وفديتهيريد بقرينة أخبار الباب الكفّارة والفدية المستحبّان للصوم المندوب الشاقّ عليه أو المنذور العاجز عنه ، ولا ريب في انحلال النذر حينئذٍ لما يجيء في محلّه ، والفدية إنّما تكون مستحبّة حينئذٍ ، ولم أجد قولاً بوجوبها كما أنّها (5) مستحبّة في الثلاثة الأيّام

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 20 ، ح 12729 .
2- .اُنظر : المقنعة ، ص 564 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 282 ؛ النهاية ، ص 167 ، ح 565 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 413 ؛ وج 3 ، ص 60 61 ؛ تحرير الأحكام ، ج 4 ، ص 350 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 231 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 624 ؛ مسالك الأفهام ، ج 11 ، ص 350 .
3- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 309 ، ح 933 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 388 ، ح 13659 .
4- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 309 310 ، ح 934 ؛ وج 8 ، ص 314 ، ح 1168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 387 388 ، ح 13658 .
5- .في الأصل : «أنّه» .

ص: 283

باب تأخير الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاء

باب صوم عرفة وعاشوراء

المندوبة في كلّ شهر .

باب تأخير الثلاثة الأيّام من الشهر إلى الشتاءلا ريب في جوازه واستحباب قضائها (1) إذا فاتت تلك الأيّام في وقتها ، بل لا يبعد القول بجواز تقديمها أيضا ، وقوله في خبر الحسن بن راشد : (الرجل يتعمّد الشهر في الأيّام القصار يصومه لسنة) [ح 1 / 6575 ]يحتمل الأمرين .

باب صوم عرفة وعاشوراءقال طاب ثراه : عاشوراء عندنا هو عاشر المحرّم ، واختلف العامّة فيه ، فقال بعضهم : إنّه اليوم التاسع منه ، (2) قال البغويّ : من قال : إنّه العاشر تعلّق باللّفظ ؛ لأنّه من العشر ، ومَن قال : إنّه التاسع تعلّق بما رواه مسلم عن الحكم بن الأعرج ، عن ابن عبّاس ، قال : قلت له : أخبرني عن صوم عاشوراء ؟ قال : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت : هكذا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصومه ؟ قال : نعم . (3) وأقول : يظهر من بعض الأخبار إطلاقه عليهما جميعا ، رويناه سابقا عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام : أنّ عليّا عليه السلام قال : «صوموا العاشوراء : التاسع

.


1- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل مكان «قضائها» بياض .
2- .اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 193 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 469 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 383 ؛ روضة الطالبين ، ج 2 ، ص 252 ؛ فتح الوهّاب ، ج 1 ، ص 215 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 104 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 104 ؛ المحلّى ، ج 7 ، ص 17 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 212 .
3- .صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 151 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 239 و 281 و 344 و 360 ؛ وأبي داود في سننه ، ج 1 ، ص 546 ، ح 2446 ؛ والترمذي في سننه ، ج 2 ، ص 127 128 ، ح 151 ؛ والبيهقى في السنن الكبرى ، ج 4 ، ص 287 ؛ وابن حبّان في صحيحه ، ج 8 ، ص 395 396 .

ص: 284

والعاشر ، فإنّه يكفّر ذنوب سنة» ، (1) إلّا أنّه يحمل على التغليب . هذا ، والمستفاد من الأخبار والفتاوى اشتراط استحباب صوم يوم عرفة بشرطين : أحدهما : تحقّق الهلال ؛ لئلّا يصام العيد ، والثاني : لا يضعفه عن الدعاء والمسألة ؛ لأنّ ذلك اليوم يوم دعاء ومسألة . ويدلّ عليهما جميعا ما رواه الصدوق في الفقيه عن حنّان بن سدير ، عن أبيه ، قال : سألته عن صوم يوم عرفة فقلت : جُعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّه يعدل صوم سنة ؟ قال : «كان أبي عليه السلام لا يصومه» ، قلت : ولِمَ جُعلت فداك ؟ قال : «يوم عرفة يوم دعاء ومسألة ، فأتخوّف أن يضعفني عن الدُّعاء ، وأكره أن أصومه أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم الأضحى وليس بيوم صوم» . (2) وعلى الثاني بخصوصه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن صوم يوم عرفة ، قال : «من قوى عليه فحسن إن لم يمنعك من الدّعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وإن خشيث أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» . (4) وبالجملة ، فلا تأكيد في صومه لما ذكر ، ويؤيّده خبر زرارة (5) ولذا لم يكن يصومه الإمام عليه السلام حال إمامته على ما يستفاد ممّا رواه الشيخ في الموثّق عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «صوم يوم عرفة يعدل السنة» ، وقال : «لم يصمه

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 905 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 437 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13839 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 88 ، ح 1811 . ورواه أيضا في علل الشرائع ، ص 385 386 ، الباب 116 ، ح 1 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 435 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 903 . وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13860 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 464 ، ح 13855 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 ، ح 904 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13858 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 462 ، ح 13851 .

ص: 285

الحسن عليه السلام وصامه الحسين عليه السلام » . (1) ويدلّ على استحبابه المحمول على غير الوكد ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن سعيد ، عن سليمان الجعفريّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : «كان أبي عليه السلام يصوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظلّ مرتفع ، فيُضرب له فيغتسل ممّا يبلغ منه الحرّ» . (2) وأمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّما يستحبّ حزنا لا تبرّكا على ما ذكره العلّامة في المنتهى ؛ (3) محتجّا بما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة ، (4) وقد تقدّم . وعن أبي همّام ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «صام رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم عاشوراء» . (5) وعن عبداللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلامقال : «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة» . (6) و مثلهما خبر كثير النوا ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي ، فأمر نوح عليه السلام ومَن معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم» ، وقال أبو جعفر عليه السلام : «أتدرون ما هذا اليوم ؟ هذا اليوم الذي تاب اللّه عزّوجلّ فيه على آدم عليه السلام وحوّاء ، وهذا اليوم الذي فلق اللّه فيه البحر لبني إسرائيل مرّتين ، فأغرق فرعون ومَن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام ،

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 900 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 432 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 465 ، ح 13859 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 298 ، ح 901 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 133 ، ح 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 203 ، ح 13220 ، و ص 465 ، ح 13857 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
4- .وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13839 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 299 300 ، ح 906 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 438 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13838 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 300 ، ح 907 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 134 ، ح 439 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 457 ، ح 13840 .

ص: 286

وهذا اليوم الذي تاب اللّه فيه على قوم يونس عليه السلام ، وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم عليه السلام ، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه السلام » . (1) وقد ورد فيه أخبار متعدّدة في النهي عن صومه ، رواه المصنّف من خبر ياسين الضرير ، عن حريز ، عن زرارة (2) وما بعده من أخبار الباب . وجمع الشيخ في كتابي الأخبار بينهما بأنّ مَن صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمّد والجزع لما قد حلّ بعترته الطاهرة فقد أصاب ، ومَن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرّك به والاعتقاد ببركته وسعادته فقد أثم وأخطأ . (3) ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد ، وبه صرّح العلّامة في المنتهى ، (4) وهو ظاهر جماعة اُخرى منهم المحقّق في الشرائع حيث عدّ من المستحبّات صوم يوم عاشوراء على جهة الحزن ، (5) وظاهرهم إكمال الصوم . والأظهر حمل الأخبار الدالّة على الإمساك إلى ما بعد العصر حزنا ، وهو ظاهر الشيخ في المصباح ، فقد روي فيه عن عبداللّه بن سنان ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، قلت : ياابن رسول اللّه ، ممّ بكاؤك لا أبكى اللّه عينك ؟ قال : «أَوَفي غفلةٍ أنت ؟ أما علمت أنّ الحسين بن عليّ اُصيب في مثل هذا اليوم ؟» فقلت : يا سيّدي ، فما قولك في صومه ؟ فقال : «صمه من غير تبييت ، وافطره من غير

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 300 ، ح 908 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 458 ، ح 13842 . وانظر ما رواه الصدوق في أماليه ، المجلس 27 ، ح 1 ، وفي الباب 161 من علل الشرائع ، ص 227 228 ، ح 3 ، فإنّها تدلّ على أن كثيرا ممّا ورد في هذه الرواية كان في أيّام اُخر لا في يوم عاشوراء .
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 302 ، ذيل الحديث 912؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 135 136 ، ذيل الحديث 443 .
5- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 154 .

ص: 287

تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في ذلك الوقت من ذلك تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وانكشفت الملحمة عنهم» . (1) ولا يبعد حمل كلام الأوّلين أيضا على ذلك على ما ذكر الشهيد الثاني في شرح الشرائع من أنّ معنى الصوم على وجه الحزن بغير نيّة الصوم ، (2) فإطلاقهم الصوم عليه من باب التجوّز كما أطلق في خبر المصباح لذلك . واعلم أنّه يستفاد من خبر نجيّة (3) أنّ صوم يوم عاشوراء كان واجبا في أوّل الشرع ، ثمّ نسخ بنزول صيام شهر رمضان . ويؤيّده ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم وزرارة أنّهما سألا أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : «كان صومه قبل صوم شهر رمضان ، فلمّا نزل صوم شهر رمضان ترك» . (4) وفي المنتهى : اختلف في صوم عاشوراء ، هل كان واجبا أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : إنّه كان واجبا ، (5) وقال آخرون : إنّه لم يكن واجبا . (6) وللشافعي قولان ، (7) وعن أحمد روايتان . (8) احتجّ الموجبون بما روت عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صامه وأمر بصيامه ، فلمّا افترض

.


1- .مصباح المتهجّد ، ص 782 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 458 459 ، ح 13844 .
2- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 78 .
3- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 461 ، ح 13850 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 85 ، ح 1800 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 459 ، ح 13846 .
5- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 383 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 1 ، ص 169 ، وج 8 ، ص 4 ؛ فتح الباري ، ج 4 ، ص 87 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 269 ، وج 10 ، ص 254 .
6- .المجموع ، ج 6 ، ص 383 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 14 ، فتح الباري ، ج 4 ، ص 122 .
7- .المجموع ، ج 6 ، ص 383 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 1 ، ص 169 ، وج 8 ، ص 4 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 269 ، وج 10 ، ص 254 .
8- .المغني ، ج 3 ، ص 104 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 104 .

ص: 288

رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومَن شاء تركه . (1) وأيضا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كتب إلى أهل العوالي : «أنّ مَن أكل منكم فليمسك بقيّة يومه ، ومَن لم يأكل فليصم» . (2) وهذا يدلّ على وجوبه . واحتجّ الآخرون بما رووه عن معاوية أنّه سُمع يوم عاشوراء على المنبر : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «إنّ هذا اليوم عاشوراء لم يكتب اللّه عليكم صيامه وأنا صائم ، فمَن شاء فليصم ، ومَن شاء فليفطر» . (3) وأيضا فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يأمر مَن أكل فيه بالقضاء ، ولو كان واجبا لأمره بالقضاء . (4) وقد ورد في أحاديثنا ما يدلّ عليهما . (5) ثمّ روى خبر نجيّة وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمين . و قال طاب ثراه : نقلت العامّة روايات متكثّرة في أنّ قريشا و غيرهم كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يصومه ويأمر بصيامه قبل نزول صوم شهر رمضان ، فلمّا نزل صوم رمضان قال : «مَن شاء صام عاشوراء ، ومَن شاء تركه» . (6) وقال المازريّ : حاصل مجموع الأحاديث : أنّ الجاهليّة من قريش و غيرهم واليهود كانوا يصومونه ، ثمّ جاء الإسلام بصيامه متأكّدا ، ثمّ خفّف من ذلك التأكيد . (7)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 611 .
2- .سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 127 ، ح 750 ؛ مسند عائشة لعبد اللّه بن سليمان السجستاني ، ص 85 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي ، ج 3 ، ص 434 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 105 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 105 .
3- .أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 228 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 50 ؛ المعجم الكبير ، ج 19 ، ص 238 ؛ التاريخ الكبير للبخاري ، ج 1 ، ص 14 ، ترجمة محمّد بن صيفي ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 22 .
4- .مسند الشافعي ، ص 161 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 97 98 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 149 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 290 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 2 ، ص 77 .
5- .اُنظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 105 ؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 105 .
6- .مسند الشافعي ، ص 161 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 29 30 و 50 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 23 ؛ صحيح البخاري ، ج 5 ، ص 155 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 146 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 546 ، ح 2442 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 127 ، ح 750 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 288 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 8 ، ص 100 ، ح 4638 .
7- .شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 9 10 .

ص: 289

باب صوم العيدين وأيّام التشريق

باب صوم العيدين وأيّام التشريقيعني تحريم صوم تلك الأيّام ، أمّا الأوّل فهو مذهب عامّة العلماء من الفريقين ، (1) وتظافرت الأخبار عليه من الطريقين ، وقد تقدّم طائفة منها ، منها : حديث الزهري ، (2) ويجيء طرف منها في أبواب الحجّ . وروى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه نهى عن صوم هذين اليومين وقال : «أمّا يوم الأضحى فتأكلون من لحم نسككم ، وأمّا يوم الفطر ففطركم عن صيامكم» . (3) وعن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن صيام ستّة أيّام : يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيّام التشريق ، واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان . (4) وأمّا أيّام التشريق فالمراد تحريم صومها لمن كان بمنى خاصّة ، وقد أجمع عليه الأصحاب (5) وفاقا لأكثر العامّة ، منهم الشافعي في أحد قوليه . (6) وفي القول الآخر يجوز صومها للمتمتّع إذا لم يجد الهدي ، يعني بذلك صوم ثلاثة بدل الهدي . ويدلّ على المذهب المنصور حديث الزهريّ المتقدّم وما تقدّم في حديث قتيبة الأعشى (7) وغيره .

.


1- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 6، ص 111 112؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 587؛ المعتبر، ج 2، ص 712؛ المجموع، ج 6، ص 440؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 97؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج 3، ص 110؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 14.
2- .هو الحديث الأوّل من باب وجوه الصوم من الكافي.
3- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 540 ، ح 2416 .
4- .مجمع الزوائد ، ج 3 ، ص 203 عن البزّار ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 412 و 441 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 415 .
5- .اُنظر : المعتبر ، ج 2 ، ص 713 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 113 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 512 513 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 137 .
6- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 445 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 183 ، ح 509 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 79 ، ح 241 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 25 26 ، ح 12744

ص: 290

وهذان الخبران وإن كانا مطلقين لكنّهما قيّدا بمن كان بمنى ؛ للإجماع المؤيّد بخبر معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صيام أيّام التشريق ، فقال : «أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا» . (1) ويظهر من المحقّق في المعتبر وجود قول بتحريمه مطلقا حيث قال : فقال الشيخ : إنّما يحرم على من كان بمنى ، وعليه أكثر الأصحاب ، ودلَّ عليه ما رواه معاوية بن عمّار ، والعمل بهذا أولى من الأخبار المطلقة ؛ لأنّها ليست على حدّ اليقين ، فيؤخذ بما وقع الاتّفاق عليه تمسّكا فيما عداه بالأصل . (2) انتهى . وكأنّه نظر في ذلك إلى إطلاق بعض عباراتهم . والعلّامة في المختلف بعدما نقل التقييد بمنى عن الشيخين (3) وابن الجنيد وجماعة ، قال : «وإن أطلق بعضهم فمراده التقييد» . (4) وبالجملة ، فلا وجه للتعميم ، بل خصّه العلّامة في التحرير بالناسك بمنى (5) بناءً على أنّ علّة التحريم كون الصوم مضعفا عن مناسك الحجّ في تلك الأيّام من رمي الجمرات والذهاب إلى مكّة للطواف والسعي والعود إلى منى ، ولا بُعد فيه لظهور التقييد بمنى في ذلك . واحتجّ الشافعي بما روي عن ابن عمر وعايشة أنّهما قالا : لم يرخّص في صوم أيّام التشريق إلّا المتمتّع لم يجد الهدي . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 297 ، ح 897 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 132 ، ح 429 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 516 ، ح 13997 .
2- .المعتبر ، ج 2 ، ص 713 .
3- .قاله المفيد في المقنعة ، ص 366 ؛ والطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 281 ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 218) ؛ والنهاية ، ص 166 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 512 513 .
5- .تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 489 .
6- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 250 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 298 ؛ تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 410 .

ص: 291

باب صيام الترغيب

واُجيب بأنّ الخبر موقوف ، وقولهما ليس بحجّة ، فلا يعارض النهي العام . (1) واستثنى الشيخ من هذين الصومين صوم كفّارة القتل في الأشهر الحرم ، فقال : «يجب عليه صوم شهرين متتابعين من الأشهر الحرم وإن دخل فيهما العيدان وأيّام التشريق» (2) محتجّا بما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن رجل قتل خطأً في الشهر الحرام ، قال : «تغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم» ، قلت : فإنّه يدخل في هذا شيء ؟ قال : «وما هو ؟» قلت : يوم العيد وأيّام التشريق ؟ قال : «يصوم فإنّه حقٌّ لزمه» . (3)

باب صيام الترغيبيعني الصيام المستحبّ المؤكّد وهو كثير ، وذكر أربعة منه في الباب : صوم يوم الغدير ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون من رجب ، ويوم أوّل يوم منه ، ويوم دحو الأرض وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وقد ذكرناها في باب وجوه الصيام مع غيرها من الصوم المستحبّ المؤكّد . قوله في خبر الصيقل : (يوم نشرت فيه الرحمة) إلى آخره. [ح 4 / 6591] الظاهر أنّ المراد بالرحمة هنا وضع البيت على وجه الأرض كما وقع التصريح به في خبر سهل بن زياد . (4) وتعليل فضل اليوم بهبوط آدم عليه السلام يدلّ على كونه فضيلة عظيمة . ونقل طاب ثراه عن المازري ، عن أبن العربي أنّه قال : «خروج آدم عليه السلام من الجنّة فضيلة عظيمة ؛ لأنّه سبّب لهذا النسل العظيم الذي منه الأنبياء والرّسل عليهم السلام ولم يخرج

.


1- .المعتبر ، ج 2 ، ص 713 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 617 .
2- .المبسوط ، ج 1 ، ص 281 ؛ النهاية ، ص 166 .
3- .هذا هو الحديث الثامن من باب مَن وجب عليه صوم شهرين متتابعين ... من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 297 ، ح 896 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 131 ، ح 428 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 380 ، ح 13642 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 292

باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سأله

باب من لا يجوز له صيام التطوّع إلّا بإذن غيره

منها طردا ، بل لقضاء أوطار و يعود إليها» ، (1) إلّا أن يقال : إنّه تعداد لما وقع فيه من عظائم الاُمور ، وبحسب ذلك يطلب فيه الأعمال الصالحة لنيل رحمة اللّه تعالى ورفع نقمته .

باب فضل إفطار الرجل عند أخيه إذا سألهظاهره عدم فضله من غير سؤال كما هو مدلول أكثر الأخبار ، ومنه قيل : الحكمة فيه إجابة دعوة المؤمن ، وقد ورد في بعضها إطلاقه كخبر جميل بن درّاج ، (2) ولا يبعد القول بفضله من غير سؤال أيضا إذا علم من حال أخيه استبشاره بذلك وإدخاله للسرور عليه . قوله في خبر جميل : (3) (وبين يديه خوان عليه غسّانيّة) إلى آخره .[ح 4/ 6595] الغسّانيّ : الجميل جدّا (4) والغسّانيّة هي . ويقال : عزم على كذا ، إذا أمرك أمرا عزما ومرجعه إلى الحلف والاستثناء من مقدّر ، وتقدير الكلام : عزم عليَّ وما عزم عليَّ إلّا أن أفطر، كقولك : اللّهمَّ إنّي أنشدك لما استجبت لي بمعنى أنشدك، وما أنشدك إلّا أن تستجيب لي.

باب من لا يجوز له صيام التطوّع إلّا بإذن غيرهوهو أربعة أصناف : الأوّل والثاني صوم الضيف المتوقّف على إذن المضيّف وعكسه ، أمّا الأوّل فكتب العلماء مشحونة به ، (5) وفي المنتهى : «لا نعلم فيه خلافا من علمائنا» . (6)

.


1- .وحكاه عنه المناوي في فيض القدير ، ج 3 ، ص 659 ؛ والمباركفوري في تحفة الأحوذي ، ج 2 ، ص 501 ؛ والنووي في شرح صحيح مسلم ، ج 6 ، ص 142 ؛ والسيوطي في الديباج ، ج 2 ، ص 436 .
2- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
3- .كذا بالأصل ، والخبر لصالح بن عقبة .
4- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 353 (غسن) .
5- .اُنظر : المقنعة ، ص 367 ؛ الاقتصاد ، ص 293 ؛ الجمل والعقل (الرسائل العشر ، ص 219) ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 289 ؛ النهاية ، ص 170 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 420 ؛ المختصر النافع ، ص 71 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 712 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 81 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 202 ؛ مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 276 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 615 .

ص: 293

وأمّا الثاني فلم يتعرّض له الأكثر ، ونسبه الشهيد قدس سره في اللمعة إلى القول . (1) نعم ، ذكره العلّامة في المنتهى فقد قال بعدما ذكر الأوّل : «ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذن المضيّف» . (2) ويدلّ عليهما جميعا خبر فضيل بن يسار ، (3) وعلى خصوص الأوّل خبر هشام بن الحكم (4) وما رواه في المنتهى ، قال : وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من نزل على قومٍ فلا يصوم تطوّعا إلّا بإذنهم» . (5) والمشهور أنّ النهي عن هذين الصومين من باب الكراهة ، وما اُشير إليه من الأخبار لا يدلّ على أزيد منها ، سواء وقع النهي عنه ممّن يتوقّف على إذنه أم لا ، وهو المشهور بين الأصحاب . (6) وفي الشرائع : «والأظهر أنّه لا ينعقد مع النهي» . (7) وهو بعيد . والثالث والرابع الخامس : صوم الزوجة كذلك من غير إذن زوجها ، وصوم المملوك كذلك من دون إذن مولاه ، وصوم الولد من غير إذن والده . وظاهر الأخبار في هؤلاء التحريم مطلقا وإن لم ينه عنه من يتوقّف على إذنه . واستقربه الشهيد في الدروس . (8) وقال الشهيد الثاني في [شرح ]اللمعة : الأقوى الكراهة بدون الإذن مطلقا في غير الزوجة والمملوك ؛ استضعافا المستند الشرطيّة ومأخذ التحريم ، أمّا فيهما فيشترط الإذن ، فلا ينعقد بدونه ، ولا فرق بين كون

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 615 .
2- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 50 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 137 .
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 528 ، ح 14041 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 530 ، ح 14043 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 608 ؛ الجامع الصغير للسيوطي ، ج 2 ، ص 650 ، ح 9058 ؛ ذكر أخبار إصبهان لأبي نعيم ، ج 1 ، ص 266 ؛ الكافي ، باب وجوه الصوم ،1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 296 ، ح 895 .
6- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 276 .
7- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 155 .
8- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 283 ، الدرس 74 .

ص: 294

باب ما يستحبّ أن يفطر عليه

باب الغسل في شهر رمضان

باب ما يزاد من الصلاة في شهر رمضان

الزوج والولي حاضرين أو غائبين ، ولا بين أن يمنعهما عن حقّ الزوج والمولى وعدمه . (1) لا سيّما إذا كان الزوج حاضرا قادرا على الاستمتاع ؛ لأنّه قد يهاب انتهاك الصوم بالإفساد. ونقل طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال : «لو كان الزوج مريضا أو شيخا كبيرا أو غائبا جاز لها الصوم بدون إذنه» .

باب ما يستحبّ أن يفطر عليهيستحبّ الإفطار على التمر والرطب وكلّ حلو ، وبالماء الفاتر مع عدمها على ما يستفاد من أخبار الباب .

باب الغسل في شهر رمضانيستحبّ الغسل في ليالي القدر من شهر رمضان من تسع عشرة وإحدى وعشرين و ثلاث و عشرين ، ووقته أوّل الليل ، وهو غروب الشمس ووجوبها ، أي سقوطها تحت الأرض ؛ (2) للجمع بين حسنة الفضيل (3) وصحيحة محمّد بن مسلم ، (4) وقد سبق في باب الأغسال أنّ الغسل المستحبّ لوقت إنّما يفعل عند دخول ذلك الوقت بخلاف المستحبّ لفعل ، فإنّه إنّما يفعل قبله .

باب ما يزاد من الصلاة في شهر رمضانظاهر المصنّف قدس سره استحباب زيادة النوافل في شهر رمضان على ما كان يصلّي في

.


1- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 138 .
2- .اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 232 (وجب) .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 324 ، ح 3768 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 3، ص 310، ح 3725.

ص: 295

غيره من الليالي على أنحاء مختلفة بحسب اختلاف أخبار ما رواه في الباب . وفي المختلف : المشهور استحباب ألف ركعة فيه زيادة على نوافل الشهور ، وادّعى سلّار الإجماع عليه ، (1) وقال الشيخ أبو جعفر بن بابويه : لا نافلة فيه زيادة على غيره ، ولم يتعرّض أبوه ولا ابن أبي عقيل لها بنفي ولا إثبات . (2) انتهى . وكلام الصدوق في الفقيه (3) إنّما يدلّ على نفي تأكّد استحبابها لا على نفيها رأسا على ما ستعرف ، فلعلّ ما نسبه إليه كان قولاً له في غيره . ويدلّ على استحباب الألف ما رواه الشيخ عن النضر بن شعيب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن استطعت أن تصلّي في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة ألف ركعة فافعل ، فإنّ عليّا عليه السلام كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة» ، (4) وما سيأتي عن المفضّل بن عمر . (5) وقد ورد في بعض الأخبار منها ما دلّ على استحباب تسعمئة ركعة ، وهو مكاتبة أحمد بن محمّد بن مطهّر ، (6) وما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وممّا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصنع في شهر رمضان كان يتنفّل في كلّ ليلة ، ويزيد على صلاته التي كان يصلّيها قبل ذلك منذ أوّل ليلة إلى ثمان وعشرين في كلّ ليلة عشرين ركعة ، ثماني ركعات منها بعد المغرب ، واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة [ويصلّى في العشر الأواخر في كلّ ليلة ثلاثين ركعة ؛ اثنتي عشرة ركعة منها بعد المغرب وثمانّي عشرة ركعة بعد العشاء

.


1- .المراسم العلويّة ، ص 82 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 340 341 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 139 ، ذيل الحديث 1967 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 3، ص 61، ح 209؛ الاستبصار، ج 1، ص 461، ح 1794؛ وسائل الشيعة، ج 4 ، ص 98، ح 4613.
5- .وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 28 ، ح 10035 .
6- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 34 ، ح 10042 .

ص: 296

الآخرة] ، ويدعو ويجتهد اجتهادا شديدا ، وكان يصلّي في ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة ، ويصلّي في ليلة ثلاث وعشرين مئة ركعة ويجتهد فيهما» . (1) وعن عليّ بن سليمان ، قال : حدّثنا عليّ بن أبي خليس ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن مطهر ، قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام : أنّ رجلاً روى عن آبائك عليهم السلام أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على ما كان يصلّيه في سائر الأيّام ، فوقّع عليه السلام : «كذب ، فضَّ اللّه فاه ، صلِّ في كلّ ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة إلى عشرين من الشهر ، وصلِّ ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة ، وصلِّ ليلة ثلاث وعشرين مئة ركعة ، وصلِّ في كلّ ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة» . (2) والصدوق عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن شهر رمضان كم يصلّى فيه ؟ قال : «كما تصلّي في غيره ، إلّا أنّ لشهر رمضان على سائر الشهور من الفضل ما ينبغي للعبد أن يزيد في تطوّعه ، فإن أحبّ وقوى على ذلك أن يزيد في أوّل الشهر إلى عشرين ليلة ، كلّ ليلة عشرين ركعة سوى ما كان يصلّي قبل ذلك ، يصلّي من هذه العشرين اثني عشر ركعة بين المغرب والعتمة ، وثمان ركعات بعد العتمة ، ثمّ يصلّي صلاة الليل التي كان يصلّيها قبل ذلك ثمان ، والوتر ثلاث يصلّي ركعتين ويسلّم فيهما ، ثمّ يقوم فيصلّي واحدة فيقنت فيها ، فهذا الوتر ، ثمّ يصلّي ركعتي الفجر ، حتّى ينشقّ الفجر ، فهذه ثلاث عشرة ركعة ، فإذا بقي من شهر رمضان عشر ليالٍ فليصلِّ ثلاثين ركعة في كلّ ليلة سوى هذه الثلاث عشرة ركعة ، يصلّي منها بين المغرب والعشاء اثنتين وعشرين ركعة ، وثمان ركعات بعد العتمة ، ثمّ يصلّي صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة كما وصفت لك . وفي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين يصلّي في كلّ واحدة منهما إذا قوى على ذلك مئة ركعة ، سوى هذه الثلاث عشرة ركعة ويسهر فيهما حتّى يصبح ، فإنّ ذلك

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 63 ، ح 213 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 462 ، ح 1796 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 29 30 ، ح 10036 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 68 ، ح 221 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 34 ، ح 10042 .

ص: 297

يستحبّ أن يكون في صلاة ودعاء وتضرّع ، فإنّه يرجى أن يكون ليلة القدر في إحديهما» . (1) ولعلّه منها : ما رواه الشيخ عن عليّ بن حاتم ، عن أحمد بن عليّ ، قال : حدّثني محمّد بن أبي الصهبان ، عن محمّد بن سليمان ، قال : إنّ عدّة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث ، منهم يونس بن عبد الرحمن ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وصباح الحذّاء ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه السلام ، وسماعة بن مهران ، عن أبي عبداللّه عليه السلام . قال محمّد بن سليمان : و سألت الرضا عليه السلام عن هذا الحديث ، فأخبرني به وقال هؤلاء جميعا : سألنا عن الصلاة في شهر رمضان ، كيف هي ؟ و كيف فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقالوا جميعا : «إنّه لمّا دخلت أوّل ليلة من شهر رمضان صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله المغرب ، ثمّ صلّى أربع ركعات التي كان يصلّيهنّ بعد المغرب في كلّ ليلة ، ثمّ صلّى ثماني ركعات ، فلمّا صلّى العشاء الآخرة وصلها بالركعتين اللّتين كان يصلّيهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كلّ ليلة ، قام فصلّى اثنتي عشرة ركعة ، ثمّ دخل بيته ، فلمّا رأى ذلك الناس ونظروا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد زاد في الصلاة حين دخل شهر رمضان سألوه عن ذلك ، فأخبرهم أنّ هذه الصلاة صلّيتها لفضل شهر رمضان على الشهور ، فلمّا كان من الليل قام يصلّي فاصطفّ الناس خلفه فانصرف إليهم فقال : أيّها الناس ، إنّ هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة ، فليصلِّ كلّ رجلٍ منكم وحده ، وليقل ما علّمه اللّه من كتابه ، واعلموا أنّ لا جماعة في نافلة ، فافترق الناس فصلّى كلّ واحدٍ منهم على حياله لنفسه ، فلمّا كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان اغتسل حين غابت الشمس وصلّى المغرب بغسل ، فلمّا صلّى المغرب وصلّى أربع ركعات التي كان يصلّيهما فيما مضى في كلّ ليلة بعد المغرب دخل إلى بيته ، فلمّا أقام بلال الصلاة للعشاء الآخرة خرج النبيّ صلى الله عليه و آله فصلّى

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 138 139 ، ح 1967 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 30 31 ، ح 10037 .

ص: 298

بالناس ، فلمّا انفتل صلّى الركعتين وهو جالس كما كان يصلّي في كلّ ليلة ، ثمّ قام فصلّى مئة ركعة يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد عشر مرّات ، فلمّا فرغ من ذلك صلّى صلاته التي كان يصلّي كلّ ليلة في آخر الليل وأوتر ، فلمّا كان ليلة عشرين من شهر رمضان فعل كما كان يفعل قبل ذلك من الليالي في شهر رمضان ، ثماني ركعات بعد المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة ، فلمّا كانت ليلة إحدى وعشرين اغتسل حين غابت الشمس وصلّى فيها مثل ما فعل في ليلة تسع عشرة ، فلمّا كان في ليلة اثنتين وعشرين زاد في صلاته ، فصلّى ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة ، فلمّا كانت ليلة ثلاث وعشرين اغتسل أيضا كما اغتسل في ليلة تسع عشرة ، وكما اغتسل في ليلة إحدى وعشرين ، ثمّ فعل مثل ذلك» . فسألوه عن صلاة الخمسين ما حالها في شهر رمضان ؟ فقال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي هذه الصلاة ويصلّي صلاة الخمسين على ما كان يصلّي في غير شهر رمضان ولا ينقص منها شيئا» . (1) ومنها : ستّمئة وستّين ركعة ، رواه المصنّف في مكاتبة أحمد بن مطهر . (2) ومنها : ما دلّ على أقلّ من ذلك ، رواه الشيخ عن عليّ بن حاتم ، عن الحسن بن عليّ ، عن أبيه ، قال : كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن صلاة نوافل شهر رمضان وعن الزيادة فيها ، فكتب عليه السلام إليه كتابا وقرأته بخطّه : «صلِّ في أوّل شهر رمضان في عشرين ليلة عشرين ركعة ، صلِّ منهما ما بين المغرب والعتمة ثماني ركعات ، وبعد العشاء اثنتي عشرة ركعة ، وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة ، واثنتين وعشرين ركعة بعد العتمة ، إلّا في ليلة إحدى وعشرين وثلاث [وعشرين] ، فإنّ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 64 66 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 466 ، ح 1801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 32 33 ، ح 10040 .
2- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .

ص: 299

المئة تجزيك إن شاء اللّه ، وذلك سوى الخمسين وأكثر من قراءة إنّا أنزلناه في ليلة القدر» . (1) ومنها : ما دلّ على أقلّ من ذلك أيضا ، رواه الشيخ عليّ بن حاتم ، عن عليّ بن سليمان الزراري ، قال : حدّثنا أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ،عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «صلِّ في العشرين من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة ، فإذا كانت الليلة التي يرجا فيها ما يرجا فصلِّ مئة ركعة ، تقرأ في كلّ ركعة : قل هو اللّه إحدى عشر مرّات» ، قال : قلت : جُعلت فداك ، فإن لم أقوَ قائما ؟ قال : «فجالسا» ، قلت : فإن لم أقوَ جالسا ؟ قال : «فصلِّ وأنت مستلقٍ على فراشك» . (2) وعن إبراهيم بن إسحاق الأحمري بإسناده عن محمّد بن سنان ، قال : قال الرِّضا عليه السلام : «كان أبي عليه السلام يزيد في العشر الأواخر من شهر رمضان ، في كلّ ليلة عشرين ركعة» . (3) ومنها : ما دلّ على أقلّ من ذلك أيضا ، رواه عن الحسن ، عن سليمان الجعفريّ (4) والشيخ بإسناده عن الجعفريّ ، وفي سنده عليّ بن الحسن بن فضّال والحسن بن الحسين المروزيّ : أنّه سمع العبد الصالح عليه السلام يقول : «في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين مئة ركعة ، يقرأ في كلّ ركعة قل هو اللّه أحد عشر مرّات» . (5) وسيروي المصنّف مثله في حديث الحلبيّ في الباب الآتي . ومنها : ما ورد فيه أقلّ من ذلك أيضا رواه الشيخ عن محمّد بن مروان ، قال : حدّثني أبو يحيى عن عدّة ممّن يوثق بهم ، [قالوا] : قال : «مَن صلّى ليلة النصف من شهر رمضان

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 67 68 ، ح 220 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 ، ح 1800 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 33 34 ، ح 10041 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 64 ، ح 216 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 31 ، ح 10039 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 67 ، ح 219 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 466 ، ح 1803 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 34 ، ح 10043 .
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي، وكان في الأصل: «الحسن بن سليمان الجعفري»، فصوّبناه حسب المصدر.
5- .تهذيب الأحكام، ج 3، ص 61 62، ح 210 ؛ الاستبصار، ج 1، ص 461، ح 1791 ؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 17 18، ح 10012.

ص: 300

مئة ركعة يقرأ في ركعة عشر مرّات «قل هو اللّه أحد» ، فذلك ألف مرّة في مئة لم يمت حتّى يرى في منامه مئة من الملائكة ، ثلاثين يبشّرونه بالجنّة ، وثلاثين يؤمّنونه من النار ، وثلاثين تعصمه من أن يخطئ وعشرة يكيدون مَنْ كاده» . (1) وعن سليمان بن عمرو ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن صلّى ليلة النصف من شهر رمضان مئة ركعة يقرأ في كلّ ركعة بقل هو اللّه أحد عشر مرّات أهبط اللّه إليه من الملائكة عشرة يدرؤون عنه أعداءه من الجنّ والإنس ، وأهبط اللّه إليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمّنونه من النار» . (2) والخبر الذى¨ رواه المصنّف عن أبي بصير (3) يدلّ على استحباب ما زاد على ذلك كلّه . وفي بعض الأخبار إجمال في الزيادة ، رواه أيضا عن عبيد بن زرارة (4) والشيخ بإسناده عن محمّد بن زياد ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا» . (5) وبإسناده عن الحسن بن الحسين المروزيّ ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن محمّد بن يحيى ، قال : كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام فسئل هل يُزاد في شهر رمضان في صلاة النوافل ؟ فقال : «نعم ، وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي بعد العتمة في مصلّاه فيكثر ، وكان الناس يجتمعون خلفه ليصلّوا بصلاته ، فإذا كثروا خلفه تركهم ودخل منزله ، فإذا تفرّق الناس عاد إلى مصلّاه فصلّى كما كان يصلّي ، فإذا كثر الناس خلفه تركهم ودخل ، وكان يصنع ذلك مرارا» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 ، ح 211 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 27 ، ح 10034 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 ، ح 212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 27 ، ح 10033 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 60 ، ح 204 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 461 ، ح 1793 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 22 ، ح 10023 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 60 ، ح 205 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 461 ، ح 1795 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 22 23 ، ح 10024 .

ص: 301

وعن محمّد بن خالد ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جابر بن عبداللّه ، قال : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال له : «إنّ أصحابنا هؤلاء أبوا أن يزيدوا في صلاتهم في رمضان ، وقد زاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صلاته في شهر رمضان» . (1) وفي الموثّق عن منصور بن حازم ، عن أبي بصير : أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام : أيزيد الرجل في الصلاة في شهر رمضان ؟ فقال : «نعم ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد زاد في رمضان في الصلاة» . (2) وهذه الأخبار مع عدم صحّة سند شيءٍ منها معارضة بأخبار متعدّدة صحيحة أكثرها ، رواها الصدوق عن ابن مسكان ، عن الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الصلاة في شهر رمضان ، فقال : «ثلاثة عشر ركعة ، منها الوتر وركعتا الصبح قبل الفجر ، كذلك كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي ، وأنا كذلك اُصلّي ولو كان خيرا لم يتركه رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (3) وعن عبداللّه بن المغيرة ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة في شهر رمضان ، فقال : «ثلاثة عشرة ركعة ، منها الوتر وركعتان قبل صلاة الفجر ولو كان فضلاً كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أعمل به وأحقّ» . (4) وروى الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن بكير ، عن عبد الحميد الطائي ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه لا يُصلّي شيئا إلّا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره» ، (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 60 61 ، ح 206 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 460 ، ح 1789 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 23 ، ح 10025 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 61 ، ح 207 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 460 461 ، ح 1790 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 23 ، ح 10026 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 137 ، ح 1965 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 466 467 ، ح 1804 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 68 69 ، ح 223 . وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 42 ، ح 10058 .
4- .الفقيه ، ج 1 ، ص 566 ، ح 1564 ؛ وج 2 ، ص 137 138 ، ح 1966 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 69 ، ح 224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 43 ، ح 10059 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 118 ، ح 443 ؛ وص 69 ، ح 225 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 279 ، ح 1013 ؛ وص 467 ، ح 1806 ؛ وسائل الشيعة ، ج 4 ، ص 248 ، ح 5057 ؛ وج 8 ، ص 43 44 ، ح 10060 .

ص: 302

فلا يبعد حمل الأخبار الأوّلة على التقيّة ، فإنّهم يستحبّون الألف الركعة لكن يتجنّبون الجماعة فيها . ثمّ الأولى الجمع بحمل الأخيرة على نفي تأكيد استحبابها لا على نفي الاستحباب ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه حيث قال بعدما ذكر خبر سماعة : إنّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا ، كيف يروى ومَنْ رواه ، وليعلم من اعتقادي فيه إنّي لا أرى بأسا باستعماله . (1) والشيخ قدس سره في التهذيب يحمل الأخبار الأخيرة على نفي الجماعة فيها وقال : الوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها أنّه لم يكن رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاة النافلة جماعة في شهر رمضان ، ولو كان فيه خير لما تركه عليه السلام ، ولم يرد أنّه لا يجوز أن يصلّي على الانفراد . (2) و استندله بصحيحة الفضلاء زرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل ، قالوا : سألناهما يعني أبا جعفر وأبا عبداللّه عليهماالسلامكما وقع التصريح بهما في الفقيه عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة ، فقال : «إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ، ثمّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي ، فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي ، فاصطفّ الناس خلفه ، فهرب منهم إلى بيته وتركهم ، ففعلوا [ذلك] ثلاث ليال ، فقام في اليوم الرابع . وفي الفقيه : [فقام صلّى اللّه عليه و آله] (3) في اليوم الثالث على منبره ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أيّها الناس ، إنّ الصلاة بالليلة في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى فإنّ ذلك معصية ، ألا وأنّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار ، ثمّ نزل وهو يقول : قليلٌ في سنّة خيرٌ من كثيرٍ في بدعة» . (4)

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 139 ، ذيل الحديث 1967 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 69 ، ذيل الحديث 225؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 467 ، ذيل الحديث 1806 .
3- .اُضيفت فى المصدر .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 137 ، ح 1964 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 69 70 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 467 468 ، ح 1807 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 45 ، ح 10062 .

ص: 303

وفي الموثّق عن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد ، قال : «لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن عليّ عليهماالسلامأن ينادي في الناس : لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في الناس الحسن بن عليّ عليهماالسلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن عليّ عليهماالسلامصاحوا : واعمراه واعمراه ! فلمّا رجع الحسن عليه السلام إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له : ما هذا الصوت ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، الناس يصيحون واعمراه واعمراه ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قل لهم صلّوا» . (1) وقال : إنّهم عليهم السلام ما أنكروا أصل الصلاة في شهر رمضان وإنّما أنكروا الاجتماع عليها . (2) والظاهر أنّ الخبر الأوّل في باب صلاة الليل ، وأمّا الخبر الثاني فكأنّه عليه السلام لم يصرّح بإنكار أصل الصلاة ؛ لدخولهما في عموم ما دلّ على أنّ الصلاة خيرٌ موضوع ، فمن شاء أن يستقلّ ، ومَن شاء أن يستكثر ، (3) فتأمّل . ثمّ إنّهم اختلفوا في كيفيّة ترتيب الألف على قولين : أحدهما : أن يصلّي في كلّ ليلة عشرين ركعة إلى عشرين ليلة ، ثمّ في كلّ ليلة ثلاثين إلى آخر الشهر ، وازدياد مئة في كلّ من ليالي الآخرة الثلاث ليلة تسع عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين . واختاره الشيخ في الخلاف (4) والاقتصاد (5) على ما نقل عنه في المختلف ، (6) وبه قال ابن إدريس ، (7) وهو منقول عن ابن الجنيد وأبي الصلاح . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 70 ، ح 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 46 ، ح 10063 .
2- .تهذيب الأحكام ، ذيل الحديث المتقدّم آنفا ، والمنقول هنا نقل بالمعنى .
3- .وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 248 ، ضمن الحديث 6461 .
4- .الخلاف ، ج 1 ، ص 530 ، المسألة 269 .
5- .الاقتصاد ، ص 273 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 342 .
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 310 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 159 .

ص: 304

والثاني وهو الذي أفتى به الشيخ في المبسوط (1) والنهاية ، (2) واختاره المفيد (3) والسيّد المرتضى (4) وابن البرّاج (5) وسلّار (6) وابن حمزة (7) على ما نقل عنهم في المختلف (8) [إلّا أنّه ]أن يقتصر في الليالي الثلاثة على المئة ركعة ، فيبقى ثمانون ، فيُصلّي في كلّ جمعة عشر ركعات بصلاة عليٍّ وفاطمة وجعفر عليهم السلام ، وفي آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة بصلاة عليّ عليه السلام ، وفي عشيّة تلك الجمعة ليلة السبت عشرين بصلاة فاطمة عليهاالسلام . ويدلّ على الأوّل الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّه يصلّي في الليالي الأفراد والثلاث مع المئة ركعة الزيادات التي في كلّ الليالي من العشرين في التاسعة عشر والثلاثين في الأخيرتين . واحتجّ على الثاني بما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «يصلّى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة» ، قال : قلت : ومَن يقدر على ذلك ؟ قال : «ليس حيث تذهب ، أليس تصلّي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة في تسع عشرة منه في كلّ ليلة عشرين ركعة ، وفي ليلة تسع عشرة مئة ، وفي ليلة إحدى وعشرين مئة ركعة ، وفي ليلة ثلاث وعشرين مئة ركعة ، ويصلّى في ثمان ليال منه في العشر الأواخر ثلاثين ركعة ، فهذه تسعمئة وعشرون ركعة» . قال : قلت : جعلني اللّه فداك ، فرّجت عنّي ، لقد كان ضاق بي الأمر ، فلمّا أن أتيت لي بالتفسير فرّجت عنّي ، فكيف تمام الألف ركعة ؟ قال : «تصلّي في كلّ يوم جمعة في شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين عليه السلام وتصلّي ركعتين لابنة محمّد عليهماالسلاموتصلّي

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 133 134 .
2- .النهاية ، ص 139 140 .
3- .المقنعة، ص 167 170.
4- .الانتصار ، ص 168 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 145 _ 146 .
6- .المراسم العلويّة ، ص 81 82 .
7- .الوسيلة ، ص 116 117 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 342 343 .

ص: 305

بعد الركعتين أربع ركعات لجعفر الطيّار ، وتصلّي في ليلة الجمعة في العشر الأواخر لأمير المؤمنين عليه السلام عشرين ركعة ، وتصلّي في عشيّة الجمعة ليلة السبت عشرين ركعة لابنة محمّد صلّى اللّه عليهما ، ثمّ قال : اسمع وعِه وعِلِّم ثقات إخوانك هذه الأربع والركعتين فإنّهما أفضل الصلوات بعد الفرائض ، فمَن صلّاها في شهر رمضان وغيره انفتل ، وليس بينه وبين اللّه عزّ وجلّ من ذنب» . ثمّ قال : «يا مفضّل بن عمر ، تقرأ في هذه الصلوات كلّها أعني صلاة شهر رمضان الزيادة منها بالحمد وقل هو اللّه أحد إن شئت مرّة ، وإن شئت ثلاث ، وإن شئت خمسا ، وإن شئت سبعا ، وإن شئت عشرا ، فأمّا صلاة أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه يقرأ فيها بالحمد في كلّ ركعة وخمسين مرّة قل هو اللّه أحد ، وتقرأ في صلاة ابنة محمّد عليهماالسلامفي أوّل ركعة الحمد وإنّا أنزلناه في ليلة القدر مئة مرّة ، وفي الركعة الثانية بالحمد وقل هو اللّه أحد مئة مرّة ، فإذا سلّمت في الركعتين ، فسبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليهاالسلاموهو : اللّه أكبر أربعا وثلاثين مرّة ، (1) وسبحان اللّه ثلاثا وثلاثين مرّة ، والحمدُ للّه ثلاثا وثلاثين مرّة . (2) فواللّه ، لو كان شيء أفضل منه لعلّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاها» . وقال لي : «[تقرأ] في صلاة جعفر في الركعة الاُولى الحمد وإذا زلزلت ، وفي الثانية الحمد والعاديات ، وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر اللّه ، وفي الرابعة الحمد وقل هو اللّه أحد» . ثمّ قال لي : «يا مفضّل ، ذلك فضل اللّه يؤتيه مَن يشاء واللّه ذو الفضل العظيم» . 3 وقال ابن إدريس : الأوّل أكثر وأعدل رواة وليس فيه حرج ، بخلاف الثاني فإنّ ليلة آخر سبت في الشهر تضيق عن الفرض ، والنافلة المرتّبة ، والعشرين من صلاة فاطمة عليهاالسلاموعن الأكل

.


1- .في الأصل : + «كذا» .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 66 67 ، ح 218 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 466 ، ح 1802 إلى قوله : «وعلّم ثقات إخوانك المؤمنين» ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 2928 ، ح 10035 .

ص: 306

والشرب للإفطار . (1) وقال العلّامة رحمه الله في المختلف : واختلف في ترتيب العشرين ، فقال رحمه الله في المبسوط (2) والخلاف (3) : ثمان ركعات بين العشائين والباقي بعد العشاء الآخرة ، وبه قال المفيد (4) والسيّد المرتضى (5) وابن البرّاج (6) وأبو الصلاح (7) وسلّار (8) وابن زهرة (9) وابن حمزة (10) وابن إدريس . (11) وخيّر في النهاية (12) وابن الجنيد بين ثمان ركعات بين العشائين وبين اثنتي عشرة ركعة والباقي بعدهما . والأوّل أشهر ؛ لحديث مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام ، (13) ولحديث عليّ بن أبي حمزة عنه عليه السلام ، (14) وكذا حديث محمّد بن سليمان عن الرضا عليه السلام . (15) ويدلّ على القول الأخير رواية سماعة بن مهران ولم يسندها إلى إمام ، بل قال : سألته عن رمضان وذكر اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة ، وثمان ركعات بعد العتمة . (16)

.


1- .المراسم العلويّة ، ص 82 .
2- .الخلاف ، ج 1 ، ص 530 ، المسألة 269 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 310 .
4- .الكافي في الفقه ، ص 159 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 311 ، وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 343 واللفظ له .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 133 .
7- .المقنعة ، ص 167 .
8- .الانتصار ، ص 168 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 42) .
9- .المهذّب ، ج 1 ، ص 146 .
10- .غنية النزوع ، ص 107 .
11- .الوسيلة، ص 116 117.
12- .النهاية ، ص 140 .
13- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 62 ، ح 213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 29 ، ح 10036 .
14- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 63 ، ح 215 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 463 ، ح 1798 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 31 ، ح 10038 .
15- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 64 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 ، ح 1801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 32 ، ح 10040 .
16- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 63 ، ح 214 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 462 ، ح 1797 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 30 ، ح 10037 .

ص: 307

ثمّ قال رحمه الله : فالمشهور في ترتيب الثلاثين أنّ ثماني ركعات بين العشائين والباقي بعد العشاء الآخرة . وقال أبو الصلاح (1) وابن البرّاج (2) : يصلّي بين العشائين اثنتي عشرة ركعة وثماني [عشر ]ركعة (3) بعد العشاء . لنا : رواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام ورواية محمّد بن سليمان عن الرضا عليه السلام ، ولأنّها أنسب إلى ترتيب العشرين . واحتجّ أبو الصلاح بما رواه مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام . والجواب : الطعن في السند . (4) وهل يختصّ ذلك الألف بالصائم ؟ إطلاق (5) أكثر الفتاوى يقتضي العدم ، وهو ظاهر الأخبار ، فإنّها دلّت على أنّها زيدت لشرف الزمان . وحكى في المختلف عن أبي الصلاح أنّه خصّها بالصائم ؛ (6) محتجّا بأنّ شرافة الزمان بتبيعة الصوم ، ومع الإفطار يساوي غيره من الزمان . وأجاب عنه بالمنع وقال أيضا : المشهور أنّ الوتيرة بعد هذه الصلاة لتختم صلاة النافلة بها ، ذهب إليه الشيخان (7) وأبو الصلاح (8) وابن البرّاج 9 وأتباعهم . وقال سلّار : يصلّي ثمان ركعات بعد فرض المغرب ونوافلها ، واثنتي عشرة ركعة بعد

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 159 .
2- .المهذّب ، ج 1 ، ص 46 وفيه : «بعد صلاة المغرب ثمان ركعات ، وبعد عشاء الآخرة اثنتي وعشرين ركعة» .
3- .في الأصل : «ثماني ركعات» ، والتصويب من المصدر .
4- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 343 344 .
5- .في الأصل : «وإطلاق» .
6- .المفيد في المقنعة ، ص 166 167 ، والطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 133 .
7- .الكافي فى الفقه ، ص 159 .
8- .المهذّب ، ج 1 ، ص 145 .

ص: 308

باب في ليلة القدر

صلاة العشاء الآخرة والوتيرة . (1) احتجّ الأوّلون بأنّها تستحبّ أن تكون خاتمة صلاته ، وإنّما يتمّ ذلك بأن يقدّم ركعات رمضان . احتجّ [سلّار] (2) برواية سليمان عن الرضا عليه السلام وقد وصف له صلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن قال : «فلمّا صلّى العشاء الآخرة وصلّى الركعتين اللّتين كان يصلّيهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كلّ ليلة ، قام فصلّى اثنتي عشرة ركعة» ، (3) ولأنّها نافلة مرتّبة ، فتقدّم على نافلة رمضان كنافلة المغرب . (4) ويستحبّ الدُّعاء بين الركعات فقد وضع الشيخ في التهذيب لذلك بابا وعنونه بباب الدّعاء بين الركعات ، وقال في ذيله : إذا صلّيت المغرب فصلّ الثماني ركعات التي بعد المغرب ، فإذا صلّيت منها ركعتين فقل ما رواه عليّ بن حاتم إلى قوله : الدّعاء في العشر الأواخر . (5)

باب في ليلة القدرقال طاب ثراه : سُمّيت بذلك لتقدير اللّه فيها ما يكون في تلك السنة من الأرزاق والآجال ، والمراد بهذا التقدير أفعال الملائكة وخواصّ خلقه ما يكون من أفعاله ممّا سبق به علمه ، واختلف في الأوّل ، وهو المراد بقوله سبحانه : «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» (6) ، وقيل : سمّيت بذلك لعظم قدرها ، وهي عندنا وعند أكثر العامّة باقية إلى آخر الدهر ، وشذّ مَن قال منهم بأنّها كانت خاصّة بعد الرسول صلى الله عليه و آله ثمّ رفعت ، ولا

.


1- .المراسم العلويّة ، ص 82 ، وفيه : « ... بعد الوتيرة» .
2- .اُضيفت من المصدر .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 64 65 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 464 465 ، ح 1801 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 32 ، ح 10040 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 2 ، ص 345 346 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 71 101 ، ح 229 262 .
6- .القدر (97) : 4 .

ص: 309

مستند لهم ، وظاهر الآية وصريح رواياتهم يكذّبهم . ثمّ هي كما دلّت رواياتنا إحدى الليالي الثلاث ، وإن كان الأظهر منها ليلة الجهني ، وقد اختلفوا ، فقال بعضهم : هي في رمضان ، وقال بعضهم : في السنة . واختلف الفريقان فقال طائفة : إنّها لا تنتقل فقيل : هي في ليلة معيّنة مبهمة في السنة ، وقيل : مبهمة في رمضان ، وقيل : مبهمة في العشر الأواسط ، وقيل : في العشر الأواخر ، وقيل : في أثنائهما ، وقيل : مبهمة في ثلاث وعشرين وسبع وعشرين ، وقيل : في سبع وعشرين وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين . وقيل : في ليلة معروفة معيّنة غير مبهمة ، فقيل : إحدى وعشرين ، وقيل : ثلاث وعشرين ، وقيل : خمس وعشرين ، وقيل : سبع وعشرين ، وقيل : هي آخر ليلة منه . وقال طائفة منهم : إنّها تنتقل ، فقيل : تنتقل في السنة كما تكون في سنة في ليلة ، وفي سنة اُخرى في غير تلك الليلة . وقال مالك : إنّها تنتقل في العشر الأواخر من رمضان ، وقيل : تنتقل في رمضان أجمع . وقال بعضهم : القول بأنّها تنتقل حسنٌ وجيه ؛ لأنّ فيه الجمع بين الأحاديث المختلفة ، لأنّ كلّها صحيح ؛ لأنّها قد كانت في غير شهر رمضان ، وقد كانت في العشر الأوسط منه ، وقد كانت في العشرة الأخيرة . (1) قوله في خبر أبي حمزة : (وتصفد الشياطين) .[ح 2 / 6620 ] يُقال : صفده يصفده صفادا ، أي شدّه وأوثقه وكذلك التصفيد . (2) وقوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (فإن كانت في برد دفئت) إلى آخره . [ح3/6621]. الدف ء : السخونة ، تقول : منه دفئ الرجل دفاءة . (3) والكُتَّب بضم الكاف وفتح التاء

.


1- .اُنظر : شرح الاُصول الكافي للمولى محمّد صالح ، ج 6 ، ص 8 9 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 458 459 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 364 367 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 57 ؛ عمدة القاري ، ج 1 ، ص 225 .
2- .صحاح اللغة ، ج 27 ص 498 (صفد) .
3- .صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 50 (دفأ) .

ص: 310

باب الدعاء في العشر الأواخر

باب التكبير ليلة الفطر ويومه

المشدّدة جمع كاتب طلب وطالب . قوله في خبر أبي بصير : (في ستّ مضت) .[ح 5 / 6623] قال طاب ثراه : إذا ذكر المعدود وجبت التاء نحو ستّة أيّام ، وإلّا لم تجب نحو : صمت سنة وستّ ، ومنه أربعة أشهر وعشرا .

باب الدعاء في العشر الأواخرولكلّ من أيّام شهر رمضان أدعية وتسبيح في التهذيب (1) وغيره من كتب الدُّعاء ، فليرجع إليها .

باب التكبير ليلة الفطر ويومهالمشهور استحباب التكبير المذكور في خبر النقّاش (2) في الفطر عقيب أربع صلوات ، أوّلها المغرب ليلة الفطر وآخرها العيد . وعن السيّد المرتضى وجوبه ؛ (3) محتجّا بالإجماع ، وبالأمر في قوله تعالى : «وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (4) ، وفي قوله تعالى : «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» 5 . ودعوى الإجماع في محلّ النزاع غير مسموع ، لا سيّما مع اشتهار الاستحباب ، والأمر شائع في الندب ؛ للجمع بينه وبين خبر النقّاش ، وربّما منع كون ذلك أمرا وهو

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 101 ، ح 263 265 . وراجع: الفقيه ، ج 2 ، ص 161 ، ح 2032 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب .
3- .الانتصار، ص 173.
4- .البقرة (2) : 185 .

ص: 311

باب يوم الفطر

مطابق لما ذكره المفسّرون من أنّ اللّام في قوله : «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللّهَ» وقوله : «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» للتعليل لما سبق على سبيل اللّفّ والنشر المرتّب . فقوله : «لِتُكْمِلُوا العِدَّةَ» علّة الأمر بمراعاة العدّة ، و «لِتُكَبِّرُوا اَللّهَ» علّة بما علم من كيفيّة القضاء ، و «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» علّة الترخيص والتيسير . ولكنّ الأوّل أوفق ؛ لقوله تعالى في الأضحى : «وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ» (1) . ثمّ مدلول خبر النقّاش (2) وما يرويه المصنّف في باب التكبير في أيّام التشريق ، (3) فإنّ التكبير في الأوّل إنّما هو تكبيرتان وفي البين تكبير ثالث . وقال العلّامة في القواعد : «تقول : اللّه أكبر ثلاثا ، لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر الحمد للّه على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا» . (4) ولم أجد مستندا إلّا ما في بعض نسخ التهذيب في ذلك الخبر من ذكر اللّه أكبر في الأوّل ثلاثا . (5) قوله في خبر الحسن بن راشد : (إنّ القاريجار) .[ح 3 / 6639 ] رُوِيَ بالقاف والفاء ، وهو معرّب (كارِگر) . (6)

باب يوم الفطريعني بيان فضيلته ؛ لأنّه يوم الجائزة ، وبيان استحباب الإفطار فيه قبل الخروج إلى الصلاة عكس يوم الأضحى ، فإنّه يستحبّ فيه الإفطار بعد الخروج . والسرّ في ذلك أنّ يوم الفطر يوم أكل وشرب ، فيكون اطمئنان القلب بعدهما للصلاة أكثر ، بخلاف الأضحى فإنّه يستحبّ فيه الإفطار من الأضحية ، وهي تكون بعد

.


1- .البقرة (2) : 202 .
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .يأتي في كتاب الحجّ.
4- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 290 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 139 ، ح 311 .
6- .هو كلمة فارسيّة بمعنى العامل .

ص: 312

باب ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم الرؤية يوم الفطر بعدما أصبحوا صائمين

باب النوادر

الصلاة ، وإنّما حمل الأمر في قوله عليه السلام : «اطعم» في حسنة الحلبيّ (1) على الاستحباب ؛ لخبر سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الأكل قبل الخروج يوم العيد ، وإن لم تأكل فلا بأس» . (2)

باب ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم الرؤية يوم الفطر بعدما أصبحوا صائمينيريد أنّه إذا لم يرَ الهلال ليلة الثلاثين من شهر رمضان فباتوا على نيّة الصوم ، ثمّ ثبت عندهم الرؤية في تلك الليلة وجب عليهم الإفطار مطلقا ، لكن إذا كان ثبوت ذلك قبل الزوال يصلّون صلاة العيد أيضا لبقاء وقتها ، وإن كان بعده فلا صلاة في هذا اليوم ؛ لخروج وقتها ، ولكن يخرجون الغد على ما دلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس ، (3) وهو ظاهر المصنّف ، (4) لكنّه خلاف ما هو المشهور من سقوط تلك الصلاة بفوات وقتها .

باب النوادريحتمل الندرة هنا كلّاً من المعنيين المشهورين . قوله في خبر محمّد بن إسماعيل الرازيّ : (لا وفّقكم اللّه لصومٍ ولا لفطرٍ) . [ح1 / 6646] لا ينافي ذلك ما ورد في خبر رزين قوله عليه السلام : «لا وفّقكم اللّه لأضحى ولا لفطر» ؛ (5) لإمكان نداء الأمرين جميعا ، وهذا النداء يحتمل أن يكون دعاء عليهم بعدم التوفيق لما ذكر ، وهو مبنيّ على الغالب ، ولا يبعد أن يكون دعاء عليهم بعدم البلوغ وقت الصوم

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 137 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 445 ، ح 9820 .
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب .
4- .حيث جعل المصنّف عنوان الباب «ما يجب على الناس إذا صحّ عندهم الرؤية ...» .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.

ص: 313

باب الفطرة

والفطر والاُضحية ، كما يقال بالفارسيّة في أمثال هذه المقدّمة للدّعاء على أحد : (سال را به سر نبرى) ، لكن يأبى عنه بعض عبارات الخبرين .

باب الفطرةقد أجمع العلماء كافّة على وجوب زكاة الفطرة إلّا ما نقل عن المنتهى (1) وأورد بعض أصحاب مالك من استحبابها . (2) والأصل فيها قوله سبحانه : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» (3) على ما قيل في كنز العرفان : قيل : المراد من أدّى زكاة الفطرة وصلّى صلاة العيد ، وبه قال ابن عمر وأبو العالية وابن سيرين ، (4) وروي ذلك مرفوعا عن أئمّتنا عليهم السلام (5) . (6) وقد روى الصدوق رضى الله عنه في الفقيه عن حريز عن أبي بصير وزرارة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله من تمام الصلاة ؛ لأنّه من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ وآله ، إنّ اللّه عزّ وجلّ قد بدأ بها قبل الصلاة فقال : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» » . (7)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 ، فإنّه قال : «قد أجمع العلماء كافّة على وجوب زكاة الفطرة إلّا ما نقل عن داود و بعض أصحاب مالك من أنّها سنّة» .
2- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 2 ، ص 645 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 223 ؛ شرح مسلم للنووي ، ج 7 ، ص 58 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 265 ؛ التمهيد ، ج 14 ، ص 323 .
3- .الأعلى (87) : 14 15 .
4- .فقه القرآن ، ج 1 ، ص 254 ؛ مجمع البيان ، ج 10 ، ص 331 ؛ تفسير الرازي ، ج 31 ، ص 148 ؛ الدرّ المنثور ، ج 6 ، ص 339 ؛ تفسير ابن أبي حاتم ، ج 10 ، ص 3418 ، ح 19235 عن ابن سيرين ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 3 ، ص 636 عن عمر بن عبد العزيز وأبي العالية ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 4 ، ص 379 عن أبي العالية .
5- .اُنظر : مجمع البيان ، ج 10 ، ص 331 .
6- .كنز العرفان، ص 248، آخر كتاب الزكاة.
7- .الفقيه ، ج 2 ، ص 183 ، ح 2085 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 318 ، ح 12214 .

ص: 314

وفيه مسائل : الاُولى : في شرائطها ، وهي كثيرة : أحدها : كونه مكلّفا ، فلا يجب على الصغير والمجنون ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، (1) وبه قال الحسن البصريّ والشعبيّ ومحمّد بن الحسن الشيبانيّ ، (2) ويظهر من المنتهى إطباق باقي الجمهور على وجوبها على اليتيم ، وأنّه يخرج عنهما الوليّ . (3) ويدلّ على المذهب المنصور ما دلّ على رفع القلم عن الصبيّ والمجنون . (4) ويؤيّده ما رواه المصنّف قدس سره في الصحيح في باب زكاة مال اليتيم عن محمّد بن القاسم بن الفضيل ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الوصيّ ، أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ؟ قال : فكتب عليه السلام : «لا زكاة على اليتيم» . (5) واحتجّ أيضا عليه في المنتهى (6) بالأخبار المتعدّدة الدالّة على أنّه لا زكاة في مالهما ، وقد سبقت في كتاب الزكاة ، وهو كماترى ، فكلمة «على» في قوله عليه السلام : «على الصغير والكبير والحرّ والعبد» في صحيحة صفوان الجمّال (7) بمعنى عن ، وكذا في صحيحة

.


1- .اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 307 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 593 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 ؛ مجمع الفائدة ، ج 4 ، ص 234 .
2- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 646 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 646 ؛ التمهيد ، ج 14 ، ص 335 336 .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 531 .
4- .ورد الحديث بألفاظ مختلفة . اُنظر : وسائل الشيعة ، ج 29 ، ص 90 ، ح 35225 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 84 ، ح 39 ؛ وج 18 ، ص 13 ، ح 21860 ؛ مسند أحمد ، ج 1 ، ص 116 و 118 و 140 و 154 155 و 158 ؛ وج 6 ، ص 100 و 101 و 144 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 171 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 658 ، ح 2041 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 338 ، ح 4398 ؛ وص 339 ، ح 4401 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 438 ،1446 ؛ سنن النسائي ، ج 6 ، ص 156 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 3 ، ص 360 ، ح 5625 ؛ و ج 4 ، ص 323 ، ح 7343 و 7344 و 7345 و ص 324 ، ح 7346 .
5- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي ، ورواه أيضا في باب الفطرة ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 84 ، ح 11578 .
6- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
7- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .

ص: 315

الحلبيّ (1) الآتية ، وهي ظاهرة في هذا المعنى . وثانيها : الحرّيّة ، فلا يجب على المملوك . وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع وأهل العلم كافّة إلّا داود ، فإنّه قال : يجب على العبد أيضا ، ويلزم السيّد تمكينه من الاكتساب لتؤدّيها . وفي العزيز : وقيل : إنّها يجب عليه في كسبه كنفقته ، وبه قال أحمد . (2) لنا : أنّه لا مال له والشرط في وجوبها الغنى وللأخبار المتكثّرة الدالّة على أنّ فطرة العبد على سيّده من غير تفصيل . احتجّ داود بقوله عليه السلام : «على كلّ حرّ وعبد» . (3) والجواب : قد بيّنا أنّ المراد بذلك عن كلّ حرٍّ وعبد . (4) وحكى في المنتهى في قول عن الشافعيّ : إنّها تجب على العبد ، لكن يتحمّل عنه السيّد . (5) والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يتحرّر منه شيء في حكم القن إجماعا ، وأمّا الذي تحرّر منه شيء فعليه وعلى مولاه بالنسبة على المشهور على حسب اختلاف النفقة . وقوّى الشيخ في المبسوط سقوط الزكاة عنه وعن مولاه ؛ لعدم صدق الحرّ ولا العبد عليه ، وهو غير بعيد ، فقد قال في بحث زكاة الغنم منه : «إذا كان قد تحرّر بعضه لزمه بمقدار ما تحرّر ، و يلزم مولاه بمقدار ما يبقى كما اخترناه نحن» ثمّ قال : وإن قلنا لا يلزم واحدا منهما لأنّه لا دليل عليه كان قويّا ؛ لأنّه ليس بحرّ ، فيلزمه حكم

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
2- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12121 .
3- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 165 .
4- .المسند للشافعي ، ص 92 93 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 277 ؛ وج 5 ، ص 432 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 392 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 138 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 68 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 48 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 25 ، ح 2281 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 159 ؛ سنن ابن ماجه ، ج 1 ، ص 584 ، ح 1826 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 122 ، ح 2054 .
5- .نفس المصدر . وانظر : بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 70 .

ص: 316

نفسه وهو مملوك ، لأنّه تحرّر منه جزء ولا هو من عيلولة مولاه ، فيلزمه فطرته لمكان العيلولة . (1) وظاهر الصدوق وجوب فطرة المكاتب مطلقا على نفسه حيث روى في الفقيه عن عليّ بن جعفر ، قال : وسأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهماالسلام عن المكاتب ، هل عليه فطرة شهر رمضان أو على مَن كاتبه وتجوز شهادته ؟! قال : «الفطرة عليه ولا تجوز شهادته» . ثمّ قال : قال مصنّف هذا الكتاب : وهذا على الإنكار لا على الأخبار ، يريد بذلك كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته ؟! أي أنّ شهادته جائزة ، كما أنّ الفطرة عليه واجبة . (2) والخبر ظاهره وجوبها وإن حمل على ظاهره من الجبر ، ولا يبعد جعل (على) في الخبر بمعنى (عن) كما في الخبر السابق . ويؤيّده مرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى حيث دلّت على أنّ فطرة المكاتب على سيّده من غير تفصيل . وثالثها : الغنى الذي يحرم أخذ الزكاة ، فلا يجب على الفقير ، وهذا الشرط هو المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ المفيد في المقنعة ، قال : «زكاة الفطرة تجب على كلّ حرٍّ بالغ كامل بشرط وجود الطول لها ثمّ قال : إنّها تجب على من عنده قوت السنة ، وقسّم من يخرجها أقساما ثلاثة : أخذها ممّن تجب عليه ، و هو من يملك قوت السنة ، والثاني من ليس له إخراجها سنّة مؤكّدة ، وهو من يقبل الزكاة لفقره ، والثالث من يكون إخراجها فضيلة [له ]دون السنّة المؤكّدة ودون الفريضة ، وهو الذي يقبل الفطرة لمسكنة» . (3) وهو ظاهر مقنع الصدوق على ما حكى عنه في المختلف أنّه قال : «وليس على المحتاج صدقة الفطرة ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، وليس على من يأخذ الزكاة صدقة

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 206 . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 269 ، وعبارة «كما اخترناه نحن» منه .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 179 ، ح 2072 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 365 ، ح 12249 .
3- .المقنعة ، ص 247 و 248 . وعنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 ، والتلخيص منه .

ص: 317

الفطرة» (1) وحكاه عن ابن عقيل وسلّار ، (2) ورجّحه العلّامة في كتبه (3) وأكثر المتأخّرين ، وعدّه المحقّق أشبه ، (4) واعتبر أبو الصلاح فيه الغنى (5) وظاهره ذلك . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن رجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة ؟ قال : «لا» . (6) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم عليه السلام : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة ؟ قال : «ليس عليه فطرة» . (7) وعن إسحاق بن المبارك قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : على المحتاج صدقة الفطرة ؟ فقال : «لا» . (8) وبسند آخر عن حريز ، عن يزيد بن فرقد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سمعه يقول : «من أخذ من الزكاة فليس عليه فطرة» . قال : يعني حريز : وقال ابن عمّار : إنّ أبا عبداللّه عليه السلام قال : «لا فطرة على مَن أخذ الزكاة» . (9)

.


1- .المقنع ، ص 213 214 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 .
2- .المراسم العلويّة ، ص 135 ولفظه هكذا : «ذِكر من تجب عليه وهو كلّ من يجب عليه إخراج زكاة المال» ، مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 .
3- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 261 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 357 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 369 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 73 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 419 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 129 .
5- .الكافي في الفقه ، ص 169 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 201 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12121 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 205 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12126 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 72 ، ح 199 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 ، ح 123 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12123 ، ولا يخفى أنّ متن الحديث لرواية يزيد بن فرقد، وهي الرواية التالية في هذه المصادر وستأتي . وكلام الإمام عليه السلام في رواية إسحاق بن مبارك هكذا : «ليس عليه فطرة» .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 202 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 40 41 ، ح 126 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12127 و 12128 .

ص: 318

وعن حريز ، عن الفضيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : لمن تحلّ الفطرة ؟ فقال : «لمن لا يجده ، ومن حلّت له لم تحلّ عليه ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له» . (1) وبسند آخر عن يزيد بن فرقد النهديّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يقبل الزكاة ، هل عليه صدقة الفطرة ؟ قال : «لا» . (2) ويؤيّدها أصالة البراءة فيما لم يثبت دليل على خلافه ، وبعض أخبار ستأتي . ثمّ ظاهر الأخبار عدم اشتراط تملّك مقدار الفطرة زيادة على قوت السنة ، وبه قطع الشهيد الثاني في المسالك ، (3) واعتبره العلّامة في المنتهى حيث قال : والغنى الموجب للفطرة أن يملك قوت سنة له ولعياله ، أو يكون ذا كسب أو صنعة وتقوم بمؤنته ومؤنة عياله سنة وزيادة مقدار الزكاة . (4) وهو منقول عن المحقّق في المعتبر . (5) وقال الشيخ في الخلاف : «يجب زكاة الفطرة على مَن يملك نصابا يجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب» . (6) واعتبر في النهاية (7) و المبسوط (8) ملك عين النصاب دون قيمته ، وهو منقول في المختلف (9) عن ابن حمزة ، (10) وبه قال ابن إدريس ، (11) ونسبه إلى مذهب جميع مصنّفي

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 203 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12129 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 200 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 321 ، ح 12124 .
4- .مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 444 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 594 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 146 ، المسألة 183 .
7- .النهاية ، ص 189 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 239 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 265 .
10- .الوسيلة ، ص 130 .
11- .السرائر ، ج 1 ، ص 465 .

ص: 319

أصحابنا إلّا الشيخ في مسائل خلافه ، (1) وهو محكي عن السيّد المرتضى على ما حكى عنه في المختلف حيث نسب إليه أنّه قال : «زكاة الفطرة تجب بالشروط التي ذكرناها في وجوب الزكاة ، وهي سنّة مؤكّدة في الفقير الذي يقبل الزكاة» . (2) قال : وأشار بالشروط إلى ما ذكره في صدر كتاب الزكاة حيث قال : «الزكاة تجب على الأحرار البالغين المسلمين الموسرين ، وحدّ اليسار ملك النصاب» . (3) وحكى عنهم أنّهم احتجّوا عليه بأنّ مالك أحد النُّصب تجب عليه الزكاة ، فتجب عليه الفطرة ؛ لاستلزام دفع الزكاة الغنى . وأجاب بمنع الملازمة . (4) وبالجملة ، فالظاهر ممّا ذكر من الأخبار أنّها تجب على من ملك مؤنة سنة وإن لم يملك أحد النصب الزكويّة ولا قيمتها ، ولا تجب على الفقير وإن ملك أحدها عينا أو قيمة . ونقل الشيخ في الخلاف عن الشافعي : «أنّه إذا فضل صاع عن قوته وقوت عياله ومن يمونه يوما وليلة وجب عليه ذلك» . ثمّ قال : «وبه قال أبو هريرة وعطاء والزهري ومالك ، وذهب إليه أكثر أصحابنا » (5) وهو ظاهر ابن الجنيد ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «وعلى الفقير إذا تصدّق عليه بما يتجاوز قوت يومه أن يخرج ذلك عنه إلى غيره» (6) فإنّ الظاهر أنّه أراد بما يتجاوز مقدار صاع عن مؤنة يومه وليلته عنه وعن عياله الواجبي النفقة ، وهو ظاهر المصنّف متمسّكا بعموم من تزكّى ، وبما رواه المصنّف عن

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 24 ، المسألة 183 .
2- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 79 80) .
3- .نفس المصدر ، ص 74 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 264 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 268 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 146 147 ، المسألة 183 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 113 ؛ كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 69 و 71 ؛ مختصر المزني ، ص 54 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 169 170 ؛ مواهب الجليل ، ج 3 ، ص 258 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 646 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 261 .

ص: 320

إسحاق بن عمّار ، (1) وفي الصحيح عن زرارة ، (2) وصحيحة الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صدقة الفطرة على كلّ رأس من أهلك الصغير والكبير ، والحرّ والمملوك ، والغني والفقير ، عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير ، أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» ، قال : «التمر أحبّ إليّ» . (3) ومثلهما صحيحة عبداللّه بن ميمون ، عن أبي عبداللّه ، [عن أبيه] عليهماالسلامقال : «زكاة الفطرة صاع من تمر ، أوصاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من أقط ، عن كلّ إنسان حرّ أو عبد ، صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج» ، (4) حيث يدلّ على ثبوت الحرج على من وجد ما يتصدّق به فقط . وخبر إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل لا يكون عنده شيء من الفطرة إلّا ما يؤدّي عن نفسه من الفطرة وحدها ، يعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله ؟ فقال : «يعطي بعض عياله ، ثمّ يعطي الآخر عن نفسه يردّدونها ، فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» . (5) والجواب عن الآية أنّها مخصّصة بما ذكر . وأجاب عنها في المختلف (6) بأنّها لا تدلّ على الوجوب إلّا بمفهوم الخطاب ، وهو ضعيف . وعن الأخبار بأنّها لا محالة محمولة على الاستحباب ؛ للجمع ، وإلّا لزم اطّراح الأخبار

.


1- .الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 325 ، ح 12135 .
2- .هو الحديث 11 من هذا الباب ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 324، ح 12134.
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 75 ، ح 210 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 42 ، ح 134 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 324 ، ح 12133 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 75، ح 211 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 42، ح 135 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 330، ح 12149.
5- .هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 177 ، ح 2066 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 74 75 ، ح 209 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 42 ، ح 133 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 325 ، ح 12135 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 263 .

ص: 321

الأوّلة مع أنّها أكثر وإن تساويا في الصحيحة وعدمها ، ويستحبّ للفقير إخراجها . وفي المنتهى : «ذهب إليه علماؤنا أجمع إلّا ما شذّ» ، (1) مشيرا إلى ما نقل عن ابن الجنيد . (2) ويدلّ عليه ما ذكر في الجمع ، وظاهر الأصحاب عدم اشتراط ملك قدر صاع زائدا على مؤنته ليومه وليلته ، كما هو ظاهر الجمع . ولا ينافيه تقييده بما يؤدّي عن نفسه (3) في خبر إسحاق ؛ لأنّه في كلام السائل ، وأقلّ الاستحباب يحصل أن يدير صاعا بينه وبين عياله بأن يعطيه بعض عياله ، وذلك البعض بعضا آخر ، وهكذا إلى أن يعود إليه ، كما هو ظاهر خبر ابن عمّار . وقال المحقّق في الشرائع : «وأقلّ ذلك أن يدير صاعا على عياله ، ثمّ يتصدّق به» . (4) وكأنّه حمل «يعطي الآخر عن نفسه» على أنّه يعطي الخارج ، ولا بُعد فيه ، بل لا يبعد أن يُقال : يؤيّده قوله : «فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة» أنّ ظاهره خروج فطرة واحدة عنهم جميعا ، ولا ينافي ذلك الإدارة لشيوع إطلاق الإدارة في الأخبار على الإرسال ، فتأمّل . وظاهر قوله : «ثمّ يعطي الآخر عن نفسه» اشتراط البلوغ والعقل والتجربة أيضا في من يديرونه . وفي المسالك : «ولو كانوا غير مكلّفين تولّى الوالي ذلك عنه ، ولا يشكل إخراج ما صار ملكه عنه بعد النصّ وثبوت مثله في الزكاة الماليّة» . (5) الثانية : فيمن يجب الإخراج عنه . وإذا تحقّقت الشرائط يجب عليه إخراجها عن نفسه وعمّن يعوله ، أي يمونه .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 532 .
2- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 129 .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 536 .
4- .هذا هو الظاهر الموافق للرواية ، وفي الأصل : «نفس» .
5- .مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 445 .

ص: 322

وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وهو قول أكثر أهل العلم إلّا أبا حنيفة ، فإنّه اعتبر الولاية الكاملة ، فمن لا ولاية له عليه لا تجب عليه فطرته . (1) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف من صحيحتي عبداللّه بن سنان وصفوان الجمّال ، (2) وخبر عمر بن يزيد ، (3) ومرفوعة محمّد بن أحمد بن يحيى ، (4) وموثّقة إسحاق بن عمّار عن معتب ، (5) وخبر محمّد بن إسماعيل ، (6) ورواية أيّوب بن نوح (7) ما تقدّم من صحيحة الحلبيّ ، (8) بل ما تقدّم في الصحيح عن عبداللّه بن ميمون (9) أيضا ، وصحيحة الفضلاء : زرارة وبكير ابنَي أعين والفضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامأنّهما قالا : «على الرجل أن يعطي عن كلّ من يعول [من حرّ وعبد وصغير وكبير] يعطي يوم الفطر فهو أفضل» (10) الحديث . وما روي في الفقيه من موثّق إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك ، متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها» ، وقال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك واُمّك وولدك وامرأتك وخادمك» . (11) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «تصدّق على جميع من تعول من حرٍّ

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 533 . وانظر : البحر الرائق ، ج 2 ، ص 441 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 335 .
2- .ح 1 و 2 من هذا الباب .
3- .هو الحديث 16 من هذا الباب .
4- .هو الحديث 20 من هذا الباب .
5- .هو الحديث 21 من هذا الباب .
6- .هو الحديث 22 من هذا الباب .
7- .هو الحديث 24 من هذا الباب .
8- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 324 ، ح 12133 .
9- .وسائل الشيعة، ج 9، ص 330، ح 12149.
10- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 76، ح 215؛ الاستبصار، ج 2، ص 45، ح 147؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 354، ح 12219.
11- .الفقيه ، ج 2 ، ص 181 ، ح 2080 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12227 .

ص: 323

ُأو عبدٍ أو صغيرٍ أو كبير ، مَن أدرك منهم الصلاة» ، (1) ويعني عليه السلام بقوله : [«من تعول»] من صار عيالاً له و ولدا له قبل الصلاة ، وحمل على الاستحباب كما سيأتي . وفي خبر إبراهيم بن محمّد الهمداني : أنّه كتب إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام إلى قوله _ : «والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم ، ومَن تعول من ذكرٍ واُنثى ، صغيرٍ وكبير ، حرّ أو عبد ، فطيم أو رضيع» . (2) فأمّا ما رواه الصدوق في الفقيه في الحسن كالصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلّا أنّه يتكلّف له نفقته أو كسوته ، أتكون عليه فطرته ؟ قال : «لا ، إنّما يكون فطرته على عياله صدقة دونه» . وقال : «العيال الولد والمملوك والزوجة واُمّ الولد» (3) فمحمول على ما إذا لم يكونوا في عياله ، بل كانوا خارجا عنهم . والمراد بمن يعوله من يمونه وجوبا كالزوجة والمملوك والأبوين والأولاد مع شرائط وجوب نفقتهم ، أو تبرّعا كالضيف ، حرّا أو عبدا ، مسلما أو كافرا ، صغيرا أو كبيرا . أمّا الزوجة والمملوك فيجب فطرتهم على الزوج والمولى وإن لم يعولاهما ما لم يعلهما غيرهما . وأمّا الأبوين والأولاد الواجب نفقتهم على الشرط المعتبر في الوجوب فإنّما يجب فطرتهما بشرط العيلولة ، ولا فرق في ذلك بين صغير الأولاد وكبيرهم . وقال الشيخ في موضع من المبسوط : الولد الصغير يجب إخراج الفطرة عنه معسرا كان أو موسرا ، والولد الكبير له حكم نفسه إن كان موسرا فزكاته على نفسه ، وإن كان بحيث يلزم الوالد نفقته فعليه فطرته . (4)

.


1- .الفقيه ، ج 2 ، ص 182 ، ح 2081 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 317 318 ، ح 12112 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 79 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 140 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 344 ، ح 12186 .
3- .الفقيه، ج 2، ص 181، ح 2079؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 328، ح 12141.
4- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 239 .

ص: 324

وفي موضع آخر منه : «الأبوان والأجداد والأولاد الكبار إذا كانوا معسرين نفقتهم وفطرتهم عليه» . (1) ومثله قال في الخلاف (2) فقد اعتبر في وجوب تحمّل الفطرة مجرّد وجوب النفقة كالزوجة والمملوك ، والمشهور هو الأوّل من الفرق ، فإنّ وجوب النفقة على الزوجة والمملوك آكد من وجوبها على الأبوين والأولاد ، ولذا حكموا بوجوبها في الأوّلين وإن أنفقا من مالهما واقترضا للإنفاق بخلاف الأخيرين . ولمّا كان وجوب الفطرة عن الزوجة والمملوك (3) عنهما بالأصالة اشتهر بين الأصحاب وجوب الفطرة أيضا عنهما مطلقا لكن بشرط أن لا تكون الزوجة ناشزة . وفي المختلف : الزوجة الناشزة : قال الشيخ في المبسوط : لا تجب على الزوج فطرتها ، (4) وقال ابن إدريس : يجب ، (5) والأقرب الأوّل . لنا : الأصل براءة الذمّة ، وقد سلم عن معارضته النفقة والعيلولة وجوبا وتبرّعا فيسقط الوجوب . احتجّ [ابن إدريس] بعموم قولهم عليهم السلام : «يجب إخراج الفطرة عن الزوجة» . والجواب : المنع ، بل الوارد عن كلّ من يعول من زوجة وغيرها ، والعيلولة هنا ساقطة . (6) ووجب الإخراج عن المملوك وإن غصب مالم يعوله غيره ؛ لعدم خروجه بالغصب عن الملكيّة . ونفاه الشيخ في المبسوط (7) محتجّا بأنّه غير متمكّن منه فكالأجنبيّ .

.


1- .نفس المصدر ، وعنه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 271 ، واللفظ له .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 135 136 ، المسألة 166 .
3- .بعده كلمتان غير مقروئتان .
4- .المبسوط، ج 1، ص 243.
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 468 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 273 .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 240 .

ص: 325

والجواب : المنع من المساواة . (1) وأمّا العبد المشترك فالمشهور وجوب فطرته على الموالي بالحصص ، وإن كان العبد واحدا لم يبق لكلّ من الشركاء رأس ؛ لعموم الأخبار المتقدّمة . لا يقال : قد روى الصدوق ما ينافي ذلك ، فقد روى في الفقيه عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : عبد (2) بين قوم ، عليهم فيه زكاة الفطرة ؟ قال : «إذا كان لكلّ إنسان رأس فعليه أن يؤدّي عنه فطرته ، فإذا كان عنده عدّة العبيد وعدّة الموالي سواء ، وكانوا جميعا فيه سواء ، أدّوا زكاتهم لكلّ واحدٍ منهم على قدر حصّته ، وإن كان لكلّ إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شيء عليهم» . (3) لأنّا نقول : الخبر مع ضعفه ؛ لاشتماله على جماعة من الضعفاء : محمّد بن نصير الغالي الذي لعنه عليّ بن محمّد العسكري على ما رواه الكشّي ، (4) وسهل بن زياد (5) وإسماعيل بن سهل الدهقان ، (6) وضعفهما مشهور (7) حمل في المشهور على عدم وجوب الفطرة الكاملة على كلّ منهما ، وهو تكلّف . والأظهر حمله على التقيّة لموافقته لمذهب أبي حنيفة وأضرابه ؛ ففي المنتهى : ويجب فطرة العبد المشترك على أربابه ، وبه قال مالك والشافعي ومحمّد بن الحسن وأبو ثور . وقال أبو حنيفة : لا فطرة على واحدٍ منهم ، وبه قال الحسن البصري وعكرمة وأبو يوسف . (8)

.


1- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 273 .
2- .في المصدر : «رقيق» بدل «عبد» ، وفي الوسائل : «عبد» .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 182 183 ، ح 2082 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 365 366 ، ح 12250 .
4- .اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 805 ، الرقم 999 . ومثله في خلاصة الأقوال للعلّامة ، ص 401 ، الرقم 40 .
5- .اُنظر: الفهرست، ص 142، الرقم 339؛ رجال النجاشي، ص 185، الرقم 490؛ رجال ابن الغضائري، ص 66 67، الرقم 65، وص 125، الرقم 222؛ معالم العلماء، ص 92، الرقم 383؛ رجال ابن داود، ص 249، الرقم 229. ووثّقه الشيخ في رجاله، ص 387، الرقم 5699.
6- .رجال النجاشي ، ص 28 ، الرقم 56 .
7- .في الأصل : «مشهوران» ، والمناسب ما اُثبت .
8- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 535 . وانظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 143 144 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 116 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 686 687 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 654 .

ص: 326

واحتجّ على الأوّل بأنّ مؤنته عليهما ، فيجب أن يكون زكاته أيضا عليهما بمقتضى قوله عليه السلام : «الصدقة على كلّ حرّ وعبد ممّن يمونه» ، (1) وبأنّه عبدٌ مملوك لا يقدر عليها ، وهو من أهل الفطرة ، فيجب أن يكون على مواليه كالمنفرد . واحتجّ أبو حنيفة بأنّه ليس بواحد من مواليه عليه ولاية كاملة ، فلا تجب عليه كالمكاتب ، وبأنّ من لا يلزمه جميع الفطرة لا يلزمه بعضها كالوصي . (2) ودفعهما واضح . والمشهور أنّه يكفي في الضيف كونه معه في آخر ليلة من شهر رمضان ؛ محتجّين بعموم الضيف ، وصدق العيلولة . وظاهر جماعة من فحول الأصحاب اعتبار الضيافة طول شهر رمضان ؛ ففي الانتصار : «ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من أضاف غيره طول شهر رمضان يجب عليه إخراج الفطرة عنه» . (3) وفي النهاية : «أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان وجب عليه أيضا أن يخرج عنه» (4) ما سيأتي في بعض الأخبار . وفي الخلاف : «روى أصحابنا أنّ من أضاف إنسانا طول شهر رمضان وتكفّل عيلولته لزمه فطرته» . (5) ونقل في المختلف عن ابن حمزة أنّه قال : «وكلّ ضيف أفطر عنده شهر رمضان» . (6) وعن ابن البرّاج (7) أيضا مثله . (8)

.


1- .النهاية ، ص 189 .
2- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «ممّن يمونون» .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 535 . وانظر : تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 335 و 337 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 71 .
4- .الانتصار ، ص 228 ، المسألة 117 .
5- .الخلاف ، ج 2 ، ص 133 ، المسألة 163 .
6- .. الوسيلة، ص 131 .
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 174 .
8- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 279 .

ص: 327

وظاهر المفيد اعتبار الضيافة في طول الشهر أو النصف الأخير منه حيث قال : ومَن أضاف مسلما لضرورته إلى الضيافة في طول شهر رمضان أو في النصف الأخير منه إلى آخره وجب عليه إخراج الفطرة عنه ؛ لأنّه قد صار بالضيافة في حكم العيال . (1) واعتبر ابن إدريس الإفطار عنده في الليلتين الأخيرتين حيث قال : يجب إخراج الفطرة عن الضيف بشرط أن يكون آخر الشهر في ضيافته ، فأمّا إذا أفطر عنده مثلاً ثمانية وعشرين ثمّ انقطع باقي الشهر ، فلا فطرة على مضيّفه ، فإن لم يفطر عنده إلّا في محاق الشهر وآخره بحيث يتناوله اسم الضيف ، فإنّه يجب عليه إخراج الفطرة عنه ولو كان إفطاره في اللّيلتين الأخيرتين فحسب . (2) وما ذكروه من التحديدات لم أجد نصّا عليها بخصوصها ، وإنّما يستفاد من الأخبار اعتبار صدق اسم الضيافة والعيلولة ، وكأنّهم إنّما اختلفوا فيها لاختلاف فهمهم إيّاهما ، وأصالة براءة المضيّف إلّا فيما فيه دليل شرعي يسند ترجيح قول المفيد . وظاهر الأخبار والفتاوى وجوب فطرة العيال مطلقا بالأصالة على المعيل ، وإنّما يجب عليه مع يساره ، فلو كان معسرا فالظاهر سقوط فطرة عياله رأسا ، أمّا عن المعيل فلعسره ، وأمّا عن العيال فلعدم تعلّق الوجوب به لمكان العيلولة . وربّما قيل بأنّ المعيل إنّما يتحمّل من العيال والوجوب بالأصالة عليه ، فتجب مع يسار المعيل على المعال . ويرد عليه : أنّه لا دليل عليه . ونقل عن ظاهر ابن إدريس أنّه أوجب الفطرة على الضيف والمضيّف . (3) وهو ضعيف ؛ لما ذكر ولقوله عليه السلام : «لا تنيا في صدقه» . (4)

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 468 .
2- .المقنعة ، ص 265 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 466 .
4- .مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 403 ؛ مدارك الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ، ج 5 ، ص 160 ، ح 7814 . قال الجوهري في صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2294 ؛ «وفي الحديث : لا ثني في الصدقة ، أي لا تؤخذ في السنة مرّتين» .

ص: 328

والمشهور بين الأصحاب هو الأوّل والثاني ، وهو ظاهر ابن إدريس حيث قطع بوجوب الفطرة على الزوجة التي كان زوجها معسرا ، (1) وإليه ميل المحقّق في المعتبر حيث قوّى وجوبها على تلك الزوجة . (2) وفصّل العلّامة في المختلف فقال : والأقرب أن نقول : إن بلغ الإعسار بالزوج إلى حدّ يسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا يفضل منه شيء البتّة فالحقّ ما قاله ابن إدريس وإن لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره فلا فطرة هنا . (3) وهو يشعر بالأوّل . الثالثة: في وقتها . فالظاهر من الأخبار أنّ أوّلها غروب الشمس في آخر يوم من شهر رمضان ، وهو المعبّر عنه بهلال شوّال ، وأنّ آخرها صلاة العيد ، وهو منقول في المختلف (4) عن جمل الشيخ (5) واقتصاده ، (6) وعن ابن حمزة ، (7) وبه قال المحقّق ، (8) واختاره ابن إدريس . (9) أمّا الأوّل فلأنّه يظهر منها أنّه مناط الوجوب ، كما رواه المصنّف في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمّار ، (10) لدلالته على عدم وجوب الفطرة عن مولود ولد ليلة الفطر ، وعلى يهودي أسلم ليلة الفطر . ومثله ما رواه الصدوق في الفقيه في الموثّق عن عليّ بن أبي حمزة ، عن معاوية بن

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 468 .
2- .المعتبر ، ج 2 ، ص 602 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 277 278 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 294 .
5- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 209) .
6- .الاقتصاد ، ص 284 .
7- .الوسيلة ، ص 131 .
8- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 131.
9- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
10- .هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .

ص: 329

عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في المولد يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ؟ قال : «ليس عليهم فطرة ، ليس الفطرة إلّا على من أدرك الشهر» . (1) ويؤيّدها انتفاء زكاة الفطرة ، فيجب عنده لا قبله وبعده . وقال المفيد في المقنعة : «وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر منه قبل الصلاة» . (2) وبه قال الشيخ في النهاية (3) والخلاف (4) و المبسوط ، (5) وحكاه في المختلف (6) عن رسالته الغريّة (7) أيضا و عن السيّد المرتضى (8) وأبي الصلاح (9) وابن البرّاج (10) وابن زهرة (11) وسلّار . (12) وتمسّكوا بما دلّ على إعطائها يوم العيد ، رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الفطرة متى هي ؟ فقال : «قبل الصلاة يوم الفطر» ، قلت : فإن بقي منه شيء بعد الصلاة ؟ فقال : «لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ، ثمّ يبقى فنقسمه» . (13) وقالوا في التقريب على ما حُكي عنهم في المختلف (14) بقبح الأمر بتأخير الواجب عن أوّل وقته ، فإنّ المسارعة إلى الواجب إمّا واجبة أو مندوبة ، فلا تكون مرجوحة .

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 179، ح 2070 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 352، ح 12213.
2- .المقنعة، ص 249.
3- .النهاية ، ص 191 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 155 ، المسألة 198 .
5- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 242 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 295 .
7- .لم أعثر على هذه الرسالة .
8- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
9- .الكافي فى الفقه ، ص 169 .
10- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
11- .الغنية، ص 129.
12- .المراسم العلويّة ، ص 134 .
13- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 75 76 ، ح 212 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 141 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 355 ، ح 12220 .
14- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 297 .

ص: 330

وأجاب بمنع القبح ؛ لجواز اشتماله على مصلحة كما في تأخير الظهرين لمصلحة النافلة ونحوها . والظاهر أنّه على الاستحباب والأفضليّة كما دلّ عليه تتمّة الحديث المتقدّم عن الفضلاء ، فقد قال عليه السلام : «يعطى يوم الفطر فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها في أوّل يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره ، فإن أعطى تمرا فصاع لكلّ رأس ، وإن لم يعط تمرا فنصف صاع لكلّ رأس من حنطة أو شعير ، والحنطة والشعير سواء ، ما أجزأ عنه الحنطة فالشعير يجزي» . (1) ولا ريب في أفضليّة ذلك ، كما صرّح به الأكثر منهم المحقّق في الشرائع ، قال : «وتجب بهلال شوّال ، وتأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل» . (2) وحكى في الخلاف (3) عن الصدوقين في الرسالة (4) والمقنع (5) والهداية (6) أنّهما قالا : «لا بأس بإخراج الفطرة في أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره ، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان» . وهو غير بعيد ؛ لصراحة صحيحة الفضلاء المتقدّمة في جواز إعطائها من أوّل يوم من شهر رمضان إلى آخره ، إلّا أن يقال : إنّ ذلك على سبيل التقديم ، كما هو ظاهر الشيخ وجماعة ، فإنّ الشيخ قال في النهاية (7) والخلاف (8) و المبسوط (9) : «يجوز إخراج الفطرة في شهر رمضان من أوّله» .

.


1- .النهاية ، ص 191 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 155 ، المسألة 198 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 76 ، ح 215 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 45 46 ، ح 147 .
4- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 131 .
5- .كذا بالأصل ولم أعثر عليه في الخلاف ، والظاهر أنّه مصحّف عن «المختلف» و الكلام موجود في ج 3 منه ، ص 295 .
6- .لم أعثر على رسالته ، وقاله أيضا في فقه الرضا عليه السلام ، ص 210 211 .
7- .المقنع ، ص 212 ، وكان في الأصل : «المقنعة» فصوّبناه .
8- .الهداية ، ص 204 205 .
9- .المبسوط ، ج 1 ، ص 242 .

ص: 331

وحكى في المختلف (1) عن سلّار (2) وابن البرّاج (3) أنّهما قالا : «وقد روي جواز تقديمها في طول شهر رمضان» . بل لا يبعد أن يحمل على تقديمها على جهة القرض ، وأن يحمل كلام الشيخ أيضا في الكتب الثلاثة عليه ، بقرينة أنّه قال بذلك في الاقتصاد على ما حكي عنه في المختلف (4) أنّه قال فيه : «فإن قدّم في أوّل الشهر على ما قلناه في تقدّم زكاة المال كان أيضا جائزا» ، (5) وأنّه قد قال فيه في تقديم زكاة المال : وإذا رأى هلال الثاني عشر وجب في المال الزكاة ، وإن قدّم ذلك لمستحقّ جعله قرضا عليه، يحتسب من الزكاة إذا تكامل الحول ، والمعطي على حال يجب معها الزكاة . (6) والأكثر حملها على التقديم على جهة القرض ، فقد قال أبو الصلاح على ما حكى عنه في المختلف (7) : يجوز إخراج الزكاة والفطرة قبل دخول وقتها على جهة القرض ، فإذا دخل الوقت عزم المخاطب على إسقاط حقّ المطالبة ، وجعل المسقط زكاة . (8) وقال ابن إدريس : «فإن قدّمها الإنسان على الوقت الذي قدّمناه ، فيجعل ذلك قرضا على ما بيّناه في زكاة المال» . (9) وربّما يستفاد من بعض الأصحاب منع جواز التقديم حيث نسبوا جوازه إلى الرواية ، فقد قال المفيد في المقنعة : «وقد جاء أنّه لا بأس بإخراجها في شهر رمضان من

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 300 .
3- .المراسم العلويّة ، ص 135 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 301 .
5- .الاقتصاد ، ص 285 .
6- .الاقتصاد ، ص 79 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 237 .
8- .الكافي في الفقه ، ص 173 .
9- .السرائر ، ج 1 ، ص 470 .

ص: 332

أوّله إلى آخره» . (1) [و] مثله عن سلّار (2) وابن البرّاج (3) أيضا محكي في المختلف . (4) واحتجّوا عليه بأنّها عبادة موقّتة فلا يجوز فعلها قبل وقتها بناءً على ما تقدّم من أن وقتها يوم الفطر ، وبأنّها زكاة منوطة بوقت ، فلا يجوز وقتها قبله إلاّ على وجه القرض كزكاة المال ، وبأنّه لو جاز تقديمها في شهر رمضان لجاز قبله أيضا ؛ لاشتراكهما في المصالح المطلوبة من التقديم ، بل هنا أولى . وأجاب عنها في المختلف (5) بأنّا نقول : إنّ وقتها شهر رمضان ؛ لصحيحة الفضلاء . (6) وأمّا الآخر فلصحيحة عبداللّه بن سنان (7) ولخبر إبراهيم بن منصور ، (8) ورواه الشيخ في التهذيب بعينه عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن معاوية بن عمّار ، عن إبراهيم بن ميمون (9) على ما هو الظاهر من الصدقة من أنّها المندوبة لا الفطرة . وروى العامّة عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض (10) زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومَن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» . (11) وهو الظاهر من كلام فحول الأصحاب ، ففي المختلف (12) : قال السيّد المرتضى

.


1- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 297 .
3- .المقنعة ، ص 249 .
4- .المراسم العلويّة ، ص 136 .
5- .المهذّب ، ج 1 ، ص 300 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 .
7- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 ، ح 12219 .
8- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 353 ، ح 12216 .
9- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 353 354 ، ح 12217 .
10- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 76 ، ح 214 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 45 ، ح 143 .
11- .كذا بالأصل ، وفي المصادر : «فرض رسول اللّه ...» .
12- .سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 585 ، ح 1827 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 362 363 ، ح 1609 ؛ المستدرك ، ج 1 ، ص 409 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 163162 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 2048 .

ص: 333

في الجمل : وقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر يوم الفطر وقبل صلاة العيد ، وقد روي أنّه في سعة من أن يؤخّرها إلى زوال الشمس من يوم الفطر . (1) وقد سبق عن الأكثر أنّهم قالوا : إنّ آخر وقتها صلاة العيد من غير تقييد بالزوال . وعن ابن الجنيد أنّه قال : أوّل وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر ، وآخرها زوال الشمس منه ، والأفضل في تأديتها من بين طلوع الفجر إلى أن يخرج الإنسان إلى صلاة العيد ، وهو في سعة أن يخرجها إلى زوال الشمس . وقال العلّامة في المختلف : وهو الأقرب ، لنا : أنّها تجب قبل صلاة العيد ، ووقت صلاة العيد ممتدّ إلى الزوال فيمتدّ الإخراج إلى ذلك الوقت . (2) وهو كما ترى . وظاهره في المنتهى امتداد وقتها اختيارا إلى غروب الشمس يوم الفطر ، فقد قال فيه : ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا ، فإن أخّرها أثم . وبه قال علماؤنا أجمع إلى قوله _ : والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة ، وتحريم التأخير عن يوم العيد . (3) واحتجّ عليه بصحيحة عيص (4) المتقدّم ، وفي دلالته عليه تأمّل . نعم ، يدلّ عليه إطلاق يوم الفطر في صحيحة الفضلاء ، (5) وهو قويّ ، والاحتياط واضح . ولو أخّرها عن الوقت لغير عذر أثم بالإجماع ، وإن كان لعذر لم يأثم إجماعا ، فإن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان أداءً على المشهور ، بل يستفاد من المنتهى (6) والمختلف (7) وفاقهم عليه .

.


1- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
2- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 .
3- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 ، ح 12219 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 298 299 .
5- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
6- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 354 355 ، ح 12220 .
7- .منتهى المطلب، ج 1، ص 541.

ص: 334

ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أخرج فطرته ، فعزلها حتّى يجد لها أهلاً ، فقال : «إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ ، وإلّا فهو ضامن لها حتّى يؤدّيها إلى أربابها» . (1) وعن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب لها الموضع أن تنتظر رجلاً فلا بأس به» . (2) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار وغيره ، قال : سألته عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها » . (3) ورواه الصدوق أيضا بسند آخر صحيح عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الفطرة ، قال : «إذا عزلتها فلا يضرّك متى ما أعطيتها قبل الصلاة أو بعدها» ، وقال : «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك وأبيك واُمّك وولدك وامرأتك وخادمك» . (4) وقد سبق الخبر . وفي المنتهى : وإن لم يكن عزلها ففيها لأصحابنا ثلاثة أقوال : أحدها : السقوط ، وبه قال الحسن بن زياد ، (5) وثانيها : أن يكون قضاء ، ذهب إليه الشيخان ، (6) وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد ، (7) وثالثها : يكون أداءً دائما ، واختاره ابن إدريس . (8) والأقرب عندي ما ذهب

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 77 ، ح 219 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 356 ، ح 12225 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 77 ، ح 217 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 45 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12228 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 77 ، ح 218 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 45 ، ح 146 . وفيهما بدل «أو بعدها» : «أو بعد الصلاة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12227 .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 181 ، ح 2080 .
5- .الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي ، من أصحاب أبي حنيفة و ممّن أخذ عنه و سمع منه ، و لي القضاء بالكوفة ، توفّي سنة 204ه ق ، من تَصانيفه : أدب القاضي ، معاني الإيمان ، الخراج ، الفرائض والنفقات . راجع: الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 191 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 226 . وكلامه هذا مذكور في المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 142 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 110 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 74 .
6- .قاله المفيد في المقنعة ، ص 249 ؛ والشيخ في الخلاف ، ج 2 ، ص 155 .
7- .المجموع ، ج 6 ، ص 142 .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 470 .

ص: 335

إليه الشيخان . لنا : على عدم السقوط أنّه حقّ ثابت في الذمّة للفقراء فلا يسقط بخروج وقته كالدَّين وزكاة المال وعلى كونها قضاء أنّها عبادة مؤقّتة ، فإنّ وقّتها وفعلت بعد فواته فيكون قضاءً . واحتجّ القائلون بالسقوط بأنّها حقّ موقّت فتسقط بفواته كالأضحية ؛ ولافتقار القضاء إلى أمرٍ جديد ، ولقوله عليه السلام : «هي قبل الصلاة زكاة مقبولة ، وبعد الصلاة صدقة من الصدقات» ، (1) وهو يدلّ على أنّها ليست زكاة بعد الصلاة ، بل صدقة مستحبّة . واحتجّ القائلون بكونها أداءً بأنّها زكاة تجب لوقتها ، فلا تكون قضاءً بفواته كزكاة المال . والجواب عن الأوّل بالمنع عن سقوطه بعد الفوات لتحقّق شغل الذمّة ولم يثبت المسقط . وعن الثاني : أنّ الحقّ وإن كان ذلك لكن الاحتياط يقتضي عدم السقوط . وعن الثالث بالمنع من كونها مستحبّة . وكونها صدقة لا ينافي وجوبها ، ومنع كونها كزكاة المال ؛ لأنّ ثوابها يقصر عن ذلك . وعن الرابع : أنّ امتداد وقتها إلى آخر العمر ينافي تضيّقها عند الصلاة ، وقد أجمعنا على ذلك ؛ ولأنّها لو امتدّ وقتها لوجبت أو استحبّت على من بلغ أو أسلم بعد الزوال كما تجب الصلاة على من أسلم أو بلغ وقتها ، (2) انتهى . ويظهر منه أنّ الأقوال الثلاثة إنّما هي مع عدم العزل حسب لا معه أيضا . ويظهر ذلك من المختلف أيضا حيث قال : لو أخّرها عن الزوال لغير عذر أثم بالإجماع ، وإن كان لعذر كعدم المستحقّ وغيره لم يأثم إجماعا ، فإن كان قد عزلها أخرجها مع الإمكان ، وإن لم يكن قد عزلها قال المفيد رحمه الله : سقطت . (3) إلى آخر الأقوال . وأنت خبير بأنّه لا مدخل للعزل في بقاء الوجوب ولا لعدمه في عدمه ، ولمّا وجب بهلال شوّال ، والأصل في الماليّات الواجبة البقاء إلى أن يظهر دليل على خلافه ،

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
2- .سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 585 ، ح 1827 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 ، وكلام المفيد في المقنعة ، ص 249 .

ص: 336

فالظاهر وجوبها وإن خرج الوقت أداءً مطلقا كالزكاة الماليّة ، كما هو ظاهر ابن إدريس ، (1) فإنّه (2) قال : ضبط طرفي وقتها يقتضي صيرورتها بعده قضاءً ، بخلاف وقت الزكاة الماليّة ، فإنّه إنّما ضبط أوّله دون طرفيه فأعتبره مدّة العمر ، فلا يجوز تشبيه وقتها بوقت الزكاة الماليّة ، (3) فتشبّهه بوقت الاختيار للصلوات عند الشيخ قدس سرهفإنّه قد ضبط طرفاها مع أنّه لو أخّرها عنه اختيارا لاتصير الصلاة قضاءً ، بل يصلّيها أداءً . (4) وإنّما تظهر فائدة القول بوقت الاختيار وعدم [؟ ؟] عدمه ، فلعلّ هاهنا أيضا يكون كذلك . ومرسلة ابن أبي عمير (5) مع عدم صحّتها فإنّما تدلّ على جواز التأخير مع العزل في الضرورة ، وغاية ما يستفاد منه عدم الضمان إذا تلف مع العزل وبراءة ذمّته منها ، كما هو ظاهر صحيحة زرارة . (6) وكذا ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص أو جعفر المروزيّ على اختلاف النسخ قال : سمعته يقول : «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة ، والصدقة بصاع من تمر أو قيمته في تلك البلاد دراهم» (7) إنّما يدلّ مع عدم صحّته لجهالة سليمان هذا على التقديرين ، (8) ولإضماره إنّما يدلّ على رجحان العزل ولاصراحة فيه في المدّعى . نعم ، يدلّ على ذلك التفصيل موثّقة إسحاق بن عمّار ، (9) وهو لعدم صحّته ولإضماره

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 470 .
2- .كذا بالأصل ، وليس مرجع الضمير ابن إدريس ؛ لأنّ هذا الكلام ردّ له .
3- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 306 .
4- .كذا بالأصل ، ولم يظهر لي ما أراد ، ولم أعثر على كلام الشيخ ، بل الموجود في كتب الشيخ صيرورتها قضاء .
5- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12228 .
6- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 356 ، ح 12225 .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 87 ، ح 256 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 50 51 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 347 ، ح 12196 .
8- .اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 8 ، ص 245 ، الرقم 5428 ، وص 290 ، الرقم 5538 .
9- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 357 ، ح 12227 .

ص: 337

لا يكون حجّة ، ولا يجوز الاستناد إليها في حكم مخالف الأصل . ونِعْمَ ما فعله صاحب المهذّب [البارع] (1) حيث نقل الأقوال الثلاثة في من يطلق التأخير من غير تفصيل ، فقال : لو أخّرها عن آخرها التي هي الصلاة أو الزوال على الخلاف هل تسقط أو تجب أداءً [أ] وقضاءً ؟ فيه ثلاثة أقوال : الأوّل : السقوط ، وهو مذهب الفقيهين (2) والمفيد (3) والتقي (4) والقاضي . (5) واحتجّوا بأنّها عبادة موقّتة وقد فات وقتها فتسقط أداءً ، والقضاء إنّما يجب بأمرٍ جديد ولم يوجد ، والأصل براءة الذمّة . وبرواية إبراهيم بن ميمون ، (6) وهو اختيار المصنّف يعني المحقّق وجعل القضاء أحوط . (7) الثاني : وجوبها أداءً ، وهو مذهب ابن إدريس ؛ (8) لوجوبها أداءً بدخول وقتها ولا يزال مؤدّيا لها فيه ، ويستمرّ وقت الأداء كزكاة المال . واُجيب بأنّ لوقتها طرفين أوّلاً وآخرا بخلاف الماليّة ، ولولا ضبطها لما تضيّقت عند الصلاة . (9) الثالث : وجوبها بنيّة القضاء ، وهو مذهب الشيخ في الاقتصاد ، (10) وهو قول أبي عليّ (11)

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 169 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
4- .المقنعة ، ص 249 .
5- .هو أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي من أعاظم فقهاء الإماميّة ، ولد سنة 757، و توفّى سنة 841 ه ق، ودفن في قرب حرم الحسيني بكربلاء، وقبره مشهور يزار ، من تصانيفه : التحرير ، التحصين ، عدّة الداعي ، اللمعة الجليّ_ة ، الموجز ، المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . راج: الكنى والألقاب ، ج1 ، ص 380 381 ، الأعلام ، ج 1 ، ص 227 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 144 .
6- .ابن بابويه في فقه الرضا عليه السلام ، ص 210 ، والصدوق في المقنع ، ص 210 ، والهداية ، ص 204 .
7- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
8- .المعتبر ، ج 2 ، ص 614 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 306 .
10- .الاقتصاد، ص 284 285 .
11- .اُنظر : مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 303 .

ص: 338

وابن حمزة (1) وسلّار (2) والعلّامة في كتبه ، (3) وهو الحقّ ؛ لأنّها عبادة موقّتة وقد خرج وقتها فيكون قضاء ؛ إذ المراد بالقضاء ذلك . (4) وقد فرض جماعة اُخرى المسألة من غير تفصيل بين العزل وعدمه ؛ فقد نقل في المختلف (5) عن الشيخ أنّه قال في اقتصاده : «وإن أخّره كان قضاءً» . (6) وعن سلّار أنّه قال : «ومَن أخّر عمّا حدّدناه كان قاضيا» . (7) بل صرّح بعضهم بوجوب القضاء وإن لم يعزل مع التأخير من غير عذر ، فعن ابن الجنيد : والفطرة الواجبة إذا تحرّى فتلفت لم يكن عليه غرم ، فإن كان توانى في دفعها إلى أحد ممّن يجزيه إخراجها إليه فتلفت لزمته إعادتها ، عَزَلَها أو لم يعزلها . (8) وعن ابن البرّاج أنّه قال : «وإذا أخرجها بعد الصلاة لم تكن فطرة مفروضة وجرت مجرى الصدقة المتطوّع بها» . (9) وقال ابن إدريس : وإن لم يخرجها قبل الصلاة وجب عليه إخراجها وهي في ذمّته إلى أن يخرجها . وبعض أصحابنا يقول : تكون قضاءً ، وبعضهم يقول : سقطت ولا يجب إخراجها . (10) والحقّ أنّه يجب إخراجها ويكون أداءً ، والظاهر أنّه لا مدخل للعزل في الوجوب . نعم ، له مدخل في نفي الضمان على قدر تلف المال كما في زكاة المال .

.


1- .الوسيلة ، ص 131 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 176 .
4- .الاقتصاد ، ص 285 .
5- .المراسم العلويّة ، ص 136 .
6- .المراسم العلويّة ، ص 136 وفيه : «فأمّا وقت هذه الزكاة فهو عيد الفطر من بعد الفجر إلى صلاة العيد ، هذا وقت الوجوب ، ... و مَن أخرجها عمّا حدّدناه كان كافيا» .
7- .تبصرة المتعلّمين ، ص 73 ؛ مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 397 .
8- .المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 550 551 .
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 302 303 .
10- .لم أعثر على كتابه .

ص: 339

وبه يشعر كلام ابن حمزة حيث قال على ما نقل عنه في المختلف : (1) فإن لم يدفع قبل الصلاة فإن وجد المستحقّ لزمه قضاؤها ، وروي أنّه يستحبّ . وإن لم يجد وعزل عن ماله فتلف لم يضمن ، وإن لم يعزل ضمن . (2) فقد حكم بوجوب القضاء وإن لم يعزل ، وفرّق بين الصور في الضمان على تقدير التلف وعدمه . الرابعة : في مصرفها . وهو مصرف زكاة المال ، وهو المشهور بين الأصحاب في ذلك . واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكوات ، وبأنّها صدقة فيدخل تحت قوله : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» (3) ، الآية . (4) وفي المقنعة : «ومستحقّ الفطرة هو من كان على صفات مستحقّ الزكاة من الفقر والمعرفة» ، (5) وظاهره اختصاصها بصنف أو صنفين من الأصناف الثمانية التي في آية الزكاة . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الفطرة مَن أهلها الذين تجب لهم ؟ قال : «من لا يجد شيئا» . (6) وقوله عليه السلام : «إذا كان محتاجا» فيما سنرويه من صحيحة عليّ بن يقطين . (7) وقد سبق خبر الفضيل ، قلت له : لمن تحلّ الفطرة ؟ فقال : «لمن لا يجد ، ومن حلّت عليه لم تحلّ له» . (8)

.


1- .الوسيلة ، ص 131 .
2- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 304 .
4- .التوبة (9) : 60 .
5- .المقنعة ، ص 252 .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 87 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 358 ، ح 12231 .
7- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 361 ، ح 12239 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 73 ، ح 203 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 41 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 322 ، ح 12129 ، وص 358 ، ح 12232 .

ص: 340

وفي صحيحة الحلبيّ : «عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» . (1) وفي بعض آخر من الأخبار ما يؤيّده ولا بُعد فيه . وفي المنتهى : وتصرف إلى من يستحقّ زكاة المال ، وهم ستّة أصناف : الفقراء ، والمساكين ، وفي الرقاب ، والغارمين ، وفي سبيل اللّه ، وابن السبيل ؛ لأنّها زكاة فتصرف إلى من يصرف إليه سائر الزكوات ، ولأنّها صدقة فتدخل قوله تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ» ، (2) الآية . (3) وهو ظاهر جماعة من الفحول كالسيّد المرتضى والمفيد وغيرهما ، كما سيظهر عن قريب . وحكى في المنتهى عن الشافعي أنّه قال : «مصرفها الأصناف الستّة ، وأقلّ كلّ صنف ثلاثة نفر» . (4) وقد تقدّم البحث فيه في زكاة المال . ويشترط فيه الإيمان لما رواه الشيخ عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة يسأله عن الفطرة ، كم هي برطل بغداد ؟ وعن كلّ رأس ، وهل يجوز إعطاؤها غير مؤمن ؟ فكتب إليه : «عليك أن تخرج عن نفسك صاعا بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله وعن عيالك أيضا ، لا ينبغي لك أن تعطي زكاتك إلّا مؤمنا» . (5) ولأنّها صدقة كزكاة المال ، وقد ثبت فيها بالأخبار المتكثّرة عدم جواز إعطائها غير المؤمن .

.


1- .التوبة (9) : 60 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 75 ، ح 210 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 42 ، ح 134 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 336 ، ح 12166 .
3- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 ، وقد تقدم بعضه آنفا .
4- .نفس المصدر . وانظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 144 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 87 88 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 170 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 334 ، ح 12161 .

ص: 341

ورجّحه العلّامة في المختلف ، (1) ونسبه إلى ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلّار (2) وابن إدريس (3) والسيّد المرتضى (4) والمفيد (5) وأبي الصلاح (6) وابن حمزة . (7) واحتجّ عليه بما ذكر ، وبأنّ غير المؤمن يحادّ اللّه ورسوله ، وإعطاء الزكاة نوع تواد ، فيكون محرّما ؛ لقوله تعالى : «لَا تَجِدُ قَوْما يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ» (8) . وقد استدلّ السيّد في الانتصار لعدم جواز إعطاء الزكاة من غير تقييد بالفطرة إلى المخالف بالإجماع ، وبأنّ الدليل قد دلّ على أنّ خلاف الإماميّة في اُصولهم كفر وجارٍ مجرى الردّة ، فلا خلاف بين المسلمين في أنّ المرتدّ لا تخرج إليه الزكاة . (9) وجوّز بعض الأصحاب منهم الشيخ في النهاية (10) و المبسوط (11) والمحقّق في الشرائع (12) إعطاءها للمستضعف مع فقد المؤمن . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف من حسنة مالك الجهنّي . (13) وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام قال : وسأل عليّ بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن زكاة الفطرة ، أيصلح أن تعطى الجيران والظؤورة (14)

.


1- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 242 .
2- .جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
3- .المقنعة ، ص 252 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 307 .
5- .المراسم العلويّة، ص 136.
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 460 .
7- .الكافي في الفقه ، ص 172 .
8- .الوسيلة ، ص 129 .
9- .المجادلة (58) : 22 .
10- .الانتصار ، ص 217 .
11- .النهاية ، ص 192 .
12- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 123 .
13- .هو الحديث 18 من هذا الباب من الكافي .
14- .الظئوورة جمع الظئر، وهي المرضعة. اُنظر: صحاح اللغة، ج 2، ص 87 (ظئر).

ص: 342

ممّن لا يعرف ولا ينصب ؟ فقال : «لا بأس بذلك إذا كان محتاجا» . (1) وما رواه الشيخ عن الفضيل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان جدّي صلوات اللّه عليه يعطي فطرته الضعفاء ومن لا يجد ومن لا يتولّى» ، قال : وقال أبوه عليه السلام : (2) «هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم ، وإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ، ولا تنقل من أرض إلى أرض» ، وقال : «الإمام أعلم يضعها حيث يشاء ، ويصنع فيها ما يرى» . (3) وهو أحد وجهي الجمع للشيخ في كتابي الأخبار ، وفي وجه آخر حملها كموثّق إسحاق بن عمّار على التقيّة ، (4) وهو كالصريح فيها ، وقد اعتبر في الاقتصاد العدالة حقيقة أو حكما مع الإيمان ، فقال على ما نقل عنه في المختلف (5) _ : «مستحقّ زكاة الفطرة من المؤمنين الفقراء العدول وأطفالهم ، ومن كان بحكم المؤمنين من البُله والمجانين» . (6) واعتبر السيّد المرتضى (7) والمفيد (8) وأبي الصلاح (9) وابن حمزة (10) فيها العدالة أيضا على ما حكى عنهم في المختلف . (11) ودليله غير واضح . وحكى في المنتهى عن أبي حنيفة أنّه جوّز دفعها إلى الذمّي ، (12) وأنّهم اتّفقوا على أنّ

.


1- .الاقتصاد ، ص 285 .
2- .المقنعة ، ص 252 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 307 .
4- .الكافي في الفقه ، ص 172 .
5- .الوسيلة ، ص 129 .
6- .الفقيه ، ج 2 ، ص 180 181 ، ح 2077 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 361 ، ح 12239 .
7- .كذا بالأصل، وهو موافق لرواية الاستبصار ، و في تهذيب الأحكام : «وقال أبو عبداللّه عليه السلام » .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 88 89 ، ح 260 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 52 ، ح 173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 360 ، ح 12236 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 88 ، ذيل ح 259 . والحديث رواه أيضا في الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 172 ، وهو الحديث 19 من هذا الباب من الكافي .
10- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 307 .
11- .جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 ، ص 80) .
12- .المعتبر ، ج 2 ، ص 615 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 398 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 142 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 667 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 690 .

ص: 343

الحربي لا يعطى شيئا ، محتجّا بقوله صلى الله عليه و آله : «تصدّقوا على أهل الأديان» ، (1) وبأنّها صدقة ليس للإمام فيها حقّ القبض ، فجاز صرفها إلى أهل الذمّة كالتطوّع . وأجاب عن الرواية بالمنع ، ثمّ بالحمل على صدقة التطوّع ، وعلى زكاة المال اُخرى من سهم المؤلّفة . وعن الثاني بأنّ الجامع عدمي ، فلا يصلح للعلّيّة والنقض بالأموال الباطنة ، وبأنّ التطوّع يجوز صرفها إلى الحربي إجماعا ، وهذا لا يجوز صرفها إليه . (2) ثمّ الأفضل أن يدفعها إلى الإمام ليفرّقها ؛ لأنّه أعلم بمواقعها كما دلّ عليه خبر الفضيل المتقدّم ، ولما رواه المصنّف عن عليّ بن راشد ، ولكونها صدقة فيدخل في عموم قوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً» ، (3) الآية . وفي المنتهى : «ويجوز للمالك أن يفرّقها بنفسه بغير خلاف بين العلماء كافّة» ، (4) ويستحبّ تخصيص الأقارب بها ، ثمّ الجيران إذا وجد الأوصاف المعتبرة في المستحقّ فيهم ؛ لقوله عليه السلام : «لا صدقة وذو رحم محتاج» ، (5) وقوله عليه السلام : «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح (6) » ، (7) وقوله عليه السلام : «جيران الصدقة أحقّ بها» . (8)

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 541 .
2- .المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 67 ، الباب 73 من كتاب الزكاة ، ح 1 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 558 ؛ الدرّ المنثور ، ج 1 ، ص 357 .
3- .التوبة (9) : 103 .
4- .منتهى المطلب، ج 1، ص 542.
5- .الفقيه ، ج 2 ، ص 68 ، ح 1740 ؛ وج 4 ، ص 381 ، ح 5828 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 412 ، ح 12357 .
6- .الكاشح : العدوّ أو الذي يضمر لك العداوة . قال ابن سيدة : «والكاشح: العدوّ الباطن العداوة كأنّه يطويها في كشحه» . كتاب العين ، ج 3 ، ص 57 .
7- .الكافي ، أبواب الصدقة ، باب الصدقة على القرابة ، ح 2 ؛ ثواب الأعمال ، ص 142 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 68 ، ح 1739 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 106 ، ح 301 ؛ المقنعة ، ص 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 246 247 ، ح 11942 ؛ وص 411 ، ح 12354 .
8- .ورد بهذا اللفظ في المعتبر ، ج 2 ، ص 616 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 5 ، ص 401 . وورد بلفظ : «الجيران أحقّ بها» في الكافي ، باب الفطرة ، ح 19 ؛ وعلل الشرائع ، ج 2 ، ص 391 ، الباب 130 ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 180 ، ح 2076 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 78 ، ح 224 ؛ وص 88 ، ح 259 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 172 ؛ وص 52 ، ح 175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 348 ، ح 12199 ؛ وص 360 ، ح 12235 ؛ وص 361 ، ح 12240 .

ص: 344

وروى الشيخ عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم ، فأفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان الزكاة فأعطيهم منها ، قال : «أمستحقّون لها ؟» قلت : نعم ، قال : «هم أفضل من غيرهم ، أعطهم» . (1) وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم عليه السلام ، وقد سأله عن صدقة الفطرة ، فقال : «الجيران أحقّ بها» (2) ولا نعرف في ذلك خلافا ، ويستحبّ ترجيح أهل الفضل في الدِّين والعلم لمزيد العناية بهم . ويؤيّده ما رواه السكونيّ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّي ربّما قسّمت الشيء بين أصحابي أصِلهم ، به فكيف أعطيهم ؟ فقال : «أعطهم على الهجرة في الدِّين والفقه والعقل (3) » . (4) الخامسة : في جنسها . وهو الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وأن تكن قوتا غالبا ، ثمّ كلّ ما كان قوتا غالبا . من الأرز والأقط واللبن وأشباهها ؛ لمرسلة يونس . (5) وفي المنتهي : الجنس ما كان قوتا غالبا . كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط (6) واللّبن ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وقال الشافعي : يخرج ما كان قوتا من غالب قوت البلد ، وفي قول آخر

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 56 ، ح 149 ؛ و ص 100 101 ، ح 283؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 33 ، ح 100 . وهو الحديث الأوّل من باب تفضيل القرابة في الزكاة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 245 246 ، ح 11939 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 88 ، ح 259 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 51 ، ح 172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 360 ، ح 12235 .
3- .في الأصل : «الفضل» بدل «العقل» ، والتصويب من المصدر .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 101 ، ح 285 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 262 ، ح 11982 .
5- .هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
6- .الأقط: لبن جامد مجفّف يابس مستحجر يطبخ به. النهاية، ج 1، ص 57 (أقط).

ص: 345

من غالب قوت المخرج ، (1) وله في الأقط قولان وفي اللبن قولان . (2) وقال مالك كالقول الأوّل للشافعيّ . (3) وقال أبو حنيفة : لا يخرج من الأقط إلّا على وجه القيمة . (4) وقال أحمد : يتعيّن إخراج الخمسة خاصّة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأقط . (5) لنا على جواز الأقط ما رواه الجمهور عن أبي سعيد (6) قال : كنّا نخرج إذا كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله الفطرة صاعا من طعام وصاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط . (7) ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، عن أبي الحسن العسكريّ عليهماالسلامقال : «ومَن سكن البوادي فعليهم الأقط» (8) . (9) وعن جعفر بن محمّد بن يحيى ، عن عبداللّه بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الفطرة قال : «يعطى من الحنطة صاع ومن الشعير صاع ومن الأقط صاع» . (10) وصحيحا عن محمّد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 536 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 79 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 140 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 344 ، ح 12186 .
3- .المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 657 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 663 .
4- .الخلاف ، ج 4 ، ص 562 ، المسألة 64 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 197 و 199 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 131 .
5- .المغني ، ج 2 ، ص 657 و 660 ؛ الشرح الكبير ، ج 2 ، ص 663 .
6- .المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 114 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 338 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 72 73 ؛ عمدة القاري ، ج 9 ، ص 115 .
7- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 229 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 144 .
8- .في الأصل : «ابن سعيد» ، والتصويب من مصادر الحديث .
9- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 98 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 392 و 393 ؛ صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 69 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 139 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 585 ، ح 1829 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 51 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 27 ، ح 2292 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 8 ، ص 98 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 127 ، ح 2078 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 358 .
10- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 ، ح 229 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 ، ح 150 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12158 .

ص: 346

«يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا» . (1) وفي الصحيح عن عبداللّه بن ميمون ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : «زكاة الفطرة صاعٌ من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط» ، (2) الحديث وقد سبق . وعلى اللبن مرفوعة إبراهيم بن هاشم ، (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الفطرة على كلّ ما يقوتون (4) عيالهم : لبن أو زبيب أو غيره» . (5) ولأنّه القوت الغالب لا سيما على أهل البوادي ، فهو مندرج في مرسلة يونس . (6) وأمّا البواقي فيدلّ عليها بعض هذه الأخبار التي ذكرناها هنا وفيما سبق وفيما رواه المصنّف في الصحيح عن صفوان الجمّال . (7) وفي الحسن كالصحيح عن هشام بن الحكم . (8) وفي الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري . (9) وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن قولويه ، عن جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن جعفر بن معروف ، قال : كتبت إلى أبي بكر الرازيّ في زكاة الفطرة ، وسألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا يعني عليّ بن محمّد عليهماالسلام _ ، فكتب : «أنّ ذلك قد خرج لعليّ بن مهزيار أنّه يخرج عن كلّ شيء التمر والبرّ وغيره صاع ، وليس عندنا بعد جوابه علينا

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب .
2- .هو الحديث 14 من هذا الباب من الكافي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 81 ، ح 230 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 47 ، ح 151 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12157 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 75، ح 211، و ص 81 ، ح 231 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 42، ح 135، و ص 47، ح 152 ؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 330، ح 12149.
5- .هو الحديث 15 من هذا الباب من الكافي .
6- .كذا بالأصل ، وفي المصادر : «يغذون» بدل «يقوتون» .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 78 ، ح 221 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 43 ، ح 137 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 ، ح 12185 .
8- .هو الحديث الثالث من هذا الباب .
9- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .

ص: 347

في ذلك اختلاف » . (1) وسيأتي في الصحيح عن محمّد بن مسلم وعن إسماعيل بن سهل عن حمّاد وبُريد ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام . (2) وبالجملة ، فكلّ ما ورد فيه النصّ بخصوصه لا ريب في إجزائه ، ولذا قال العلّامة في المنتهى : ولو أخرج هذه الأجناس يعني الستّة وكان غالب قوت أهل البلد غيرها جاز بلا خلاف بين علمائنا . وللشافعيّ قولان . (3) لنا : ما دلّ على التخيير من طريق الجمهور والخاصّة ، وهو يدلّ على عدم التضييق . احتجّ الشافعيّ بقوله عليه السلام : «اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (4) وإنّما يحصل ذلك بقوت البلد ؛ لأنّهم إذا أخذوا غيره احتاجوا إلى إبداله . (5) ويظهر من الشيخ في الخلاف حصر المخرج في سبعة حيث قال : ويجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة : التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللّبن ؛ للإجماع على إجزاء هذه ، وما عداها ليس على جوازه دليل . (6) ويردّه : خبر إجزاء القوت الغالب . وأفضل هذه الأجناس التمر . وقال أحمد ومالك : «لنا : أنّ فيه قوّة وحلاوة ، وهو أسرع تناولاً وأقلّ كلفة ، فكان أولى» . (7) ويؤيّده ما رواه المصنّف في الحسن كالصحيح عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن

.


1- .منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 536 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 81 ، ح 232 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 47 ، ح 153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 334 ، ح 12159 .
3- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 338 ، ح 12172 .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 132 133 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 210 213 .
5- .تلخيص الحبير ، ج 6 ، ص 117 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 117 و 213 .
6- .الخلاف ، ج 2 ، ص 150 ، المسألة 188 .
7- .المغني لابن قدامة ، ج 2 ، ص 655 656 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 2 ، ص 666 .

ص: 348

الحكم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : [«التمر في الفطرة أفضل من غيره ؛ لأنّه أسرع منفعة» . (1) وما رواه الشيخ : عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن صدقة الفطرة ، قال :] (2) « ... التمر أحبّ إليّ فإن لك بكلّ تمرة نخلة في الجنّة» . (3) وحكى في المنتهى عن الشافعيّ أنّه عدّ البرّ أفضل ؛ محتجّا بأنّه يحتمل الادّخار . (4) وأجاب عنه بأنّه غير مراد في الصدقات . وفيه : ويتلو التمر الزبيب ؛ للمشاركة في سرعة الانتقال ، وقلّة الكلفة ، ووجود القوت والحلاوة فيه . وقال آخرون : البرّ . وقال قوم : الأفضل من رأس إخراج ما كان أعلى قيمة . وقال آخرون : الأفضل ما يغلب على قوت البلد ، وهو قريب . (5) واستند له بما رواه الشيخ عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، قال : اختلفت الروايات في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك ، فكتب : «أنّ الفطرة صاع من قوت بلدك ، على أهل مكّة واليمن وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان تمر ، وعلى أوساط الشام زبيب وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها برّ أو شعير ، وعلى أهل طبرستان الأرز ، وعلى أهل خراسان البرّ إلّا أهل مرو والريّ فعليهم الزبيب ، وعلى أهل مصر البرّ ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب على قوتهم ، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط ، والفطرة عليك وعلى الناس كلّهم ومن تعول ، ذكرا أو اُنثى ، صغيرا أو كبيرا ، حرّا أو عبدا ،

.


1- .هذا هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- .ما بين الحاصرتين زيادة منّا أخذناه من مصادر الحديث لتقويم العبارة، فقد وقع في الأصل الخلط بين روايتي المصنف والشيخ .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 86 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 350 ، ح 12208 .
4- .. حكاه عنه في المعتبر ، ج 2 ، ص 605 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 536 .

ص: 349

فطيما أو رضيعا تدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مئة وخمسة وتسعون درهما ، وتكون الفطرة ألفا ومئة وسبعين درهما» . (1) السادسة : في مقدارها . والمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في الخلاف (2) أنّه صاع من جميع الأجناس ، وهو أربعة أمداد . ويدلّ عليه أكثر ما نقدم من الأخبار . والصاع : ستّة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي ؛ لأنّ الرطل العراقي على وزن مئة وثلاثين درهما ، والمدني على وزن مئة وخمسة وتسعين درهما ، وهذا يطابق ما رواه المصنّف قدس سره عن عليّ بن بلال (3) وعن جعفر بن إبراهيم الهمداني . (4) ويؤيّدهما قوله عليه السلام في مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني المتقدّم : «تدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مئة وخمسة وتسعون درهما» . (5) وقد ورد تفسير الصاع بأربعة أمداد في صحيحتي الحلبيّ وعبداللّه بن سنان الآتيتين ، ولولا ذلك لحملنا الصاع على صاع النبيّ صلى الله عليه و آله وهو خمسة أمداد ؛ عملاً بما رواه المصنّف في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعريّ ، (6) ولابدّ من حمل ذلك على الاستحباب وإنّما يجب في اللبن والأقط أربعة أرطال بالمدينة ؛ لما رواه الشيخ عن القاسم بن محمّد رفعه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سأل عن رجل بالبادية لا يمكنه الفطرة ، قال : «تصدّق بأربعة أرطال من اللّبن» ، (7) وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار للشيخ ،

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 79 ، ح 226 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 44 ، ح 140 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 343 344 ، ح 12186 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 156 ، المسألة 199 .
3- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي .
4- .هو الحديث التاسع من هذا الباب .
5- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 342 ، ح 12182 .
6- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 78 ، ح 222 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 43 ، ح 138 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 341 ، ح 12181 .

ص: 350

وبه قال في النهاية و المبسوط ، ففي النهاية : «الواجب صاع من الأجناس ، فأمّا اللبن فمن يريد إخراجه أجزأه أربعة أرطال» . (1) وفي المبسوط : «الفطرة صاع ، واللبن يجزي منه أربعة أرطال بالمدني» . (2) وإليه ذهب ابن إدريس أيضا حيث قال : «الواجب صاع عن كلّ رأس قدره تسعة أرطال بالبغدادي وستّة بالمدني ، إلّا اللبن فيجزي ستّة أرطال بالبغداديّ [وأربعة بالمدني» (3) ] ، وهو منقول في المختلف (4) عن ابن حمزة أيضا ، وأنّه قال : «الواجب صاع قدره تسعة أرطال بالعراقي ، إلّا اللبن فإنّه يجب ستّة أرطال» . (5) وأنت خبير بأنّ الخبر لندرته وضعفه وإرساله لا يقبل المعارضة بالأخبار المتكثّرة الدالّة على مساواة اللّبن لغيره ، ففي صحيحة عبداللّه بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في الفطرة ، قال : «يعطى من الحنطة صاع ، ومن الشعير صاع ، ومن الأقط صاع» . (6) وفي صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يعطى أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا » . (7) وفي صحيحة عبداللّه بن ميمون المتقدّمة : «أو صاع من أقط» . (8) وقد ورد في بعض الأخبار نصف صاع في الحنطة ونظائرها ؛ ففي صحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الصدقة لمن لا يجد الحنطة والشعير

.


1- .الوسيلة ، ص 131 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 469 .
3- .النهاية ، ص 191 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 ، ح 229 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 ، ح 150 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12158 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 80 81 ، ح 230 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 46 47 ، ح 151 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 333 ، ح 12157 .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 241 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 288 .
8- .وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 330 ، ح 12149 .

ص: 351

يجزي عنه القمح والعدس والذرّة نصف صاع من ذلك كلّه ، أو صاع من تمر أو زبيب» . (1) وفي خبر إسماعيل بن سهل ، عن حمّاد وبريد ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام ، قالوا : سألناهما عليهما السلام عن زكاة الفطرة ، قالا : «صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كلّه حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سَلْت ، عن الصغير والكبير ، والذكر والاُنثى ، والبالغ ومن تعول في ذلك سواء» . (2) وفي صحيحة الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صدقة الفطرة ، فقال : «على كلّ من يعول الرجل على الحرّ والعبد والصغير والكبير صاع من تمر أو نصف صاع من برّ ، والصّاع أربعة أمداد» . (3) وفي صحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في صدقة الفطرة ، فقال : «تصدّق عن جميع من تعول من صغيرٍ أو كبير ، أو حرّ أو مملوك ، على كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر أو صاع من شعير ، والصّاع أربعة أمداد» . (4) وحملها الشيخ على التقيّة . وفي التهذيب : وجه التقيّة فيها أنّ السنّة كانت جارية في إخراج الفطرة بصاع من كلّ شيء ، فلمّا كان زمن عثمان وبعده في أيّام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر ، وتابعهم الناس على ذلك ، فخرجت هذه الأخبار وقال لهم على جهة التقيّة .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 81 82 ، ح 235 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 47 48 ، ح 156 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 337 ، ح 12168 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 82 ، ح 236 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 43 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 338 ، ح 12172 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 81 ، ح 233 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 47 ، ح 154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 336 ، ح 12167 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 4، ص 81 ، ح 234؛ الاستبصار، ج 2، ص 47، ح 155؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 336 _ 337، ح 12167.

ص: 352

والذي يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، عن سلمة أبي حفص ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام قال : «صدقة الفطرة على كلّ صغيرٍ وكبيرٍ أو عبدٍ ، عن كلّ من تعول يعني من تنفق عليه صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب ، فلمّا كان في زمن عثمان حوّله مدّين من قمح» . (1) وعنه عن فضالة ، عن أبي المغراء ، عن أبي عبد الرحمن الحذّاء ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه ذكر صدقة الفطرة أنّها على كلّ صغيرٍ وكبير من حرٍّ أو عبد ، ذكر أو اُنثى ، صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرّة ، قال : «فلمّا كان في زمن معاوية وخصب الناس عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة» . (2) وعنه عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «في الفطرة جرت السنّة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير ، فلمّا كان في زمن عثمان وكثرت الحنطة قوّمه الناس ، فقال : نصف صاع من برّ بصاع من شعير» . (3) عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبداللّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام : «إنّ أوّل من جعل مدّين من الزكاة عدل صاع من تمر عثمان» . (4) محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ياسر القمّيّ ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : «الفطرة صاع من حنطة و صاع من شعير وصاع من تمر وصاع من زبيب ، وإنّما خفّف الحنطة معاوية» . (5) انتهى . والظاهر أنّ معاوية إنّما فعل ذلك إجراءً لأمر عثمان ، ولذا ذكر الشيخ الخبرين

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 82 ، ح 237 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 335 ، ح 12164 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 82 83 ، ح 238 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 335 336 ، ح 12165 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 83 ، ح 239 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 335 ، ح 12163 .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 83 ، ح 240 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 48 ، ح 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 334 ، ح 12162 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 83 ، ح 241 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 49 ، ح 161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 334 ، ح 12160 .

ص: 353

المتعلّقين به في هذا المقام . وورد في بعض الأخبار تحديد الفطرة بأربعة أرطال المدينة ، رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن الريّان ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة وزكاتها كم تؤدّى ؟ فكتب : «أربعةُ أرطال بالمدني» . (1) وفي التهذيب : هذا الخبر يحتمل وجهين : أحدهما : أنّه ذكر عليه السلام أربعة أمداد ، فتصحف على الراوي بالأرطال . والثاني : أنّه أراد أربعة أرطال من اللّبن والأقط ؛ لأنّ من كان قوته ذلك يجب عليه منه القدر المذكور في الخبر . (2) قوله في خبر الهمداني : (فكتب إليّ : الصاع ستّة أرطال بالمدينة (3) تسعة أرطال بالعراقي) .] ح 9 / 6659] لمّا كان كلام السائل موهما لاختلاف صاع المدينة وصاع العراق في الوزن أجاب عليه السلام بأنّ الصّاع متّحد في الوزن في البلدين وإنّما المختلف أرطالهما ، والرطل العراقي ثلثا المدني ، فإنّ المدني على وزن مئة وخمسة وتسعين درهما ، والعراقي على وزن مئة وثلاثين كما عرفت . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطرة ، عليه فطرة ؟ قال : لا) .] ح 12/ 6662 ] قد عرفت أنّه لا يشترط الإسلام في شيء من التكاليف الشرعيّة ، (4) وأنّ الإسلام إليها بالنسبة من مقدّمات الواجب المطلق ، واختلف العامّة فيه ، فقد حكى المحقّق في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 84 ، ح 244 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 49 ، ح 164 ؛ وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 342 ، ح 12183 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 84 ، ذيل الحديث 244 . ومثله في الاستبصار ، ج 2 ، ص 49 ، ذيل الحديث 164 .
3- .كذا بالأصل ، وفي المصدر : «بالمدني» .
4- .هذا هو الظاهر ، وفي الأصل : «التكاليف الشرطيّة» .

ص: 354

أبواب الاعتكاف

المعتبر (1) عن الشافعيّ وأبي حنيفة [وأحمد ]أنّهما منعا من وجوبها على الكافر ؛ (2) لأنّ هذه الزكاة مطهّرة وهو ليس من أهل الطهرة . وهو ممنوع ؛ لإمكان الطهرة فيه بشرط تقدّم الإسلام ، ولا يصحّ إخراجها منه ؛ لعدم وجود شرطه ، ولو أسلم سقطت عنه ، وربّما ادّعي عليه الإجماع . ويدلّ عليه عموم قوله عليه السلام : «الإسلام يجبّ ما قبله» ، (3) وخصوص هذا الخبر .

أبواب الاعتكاففي نهاية ابن الأثير : الاعتكاف والعكوف : هو الإقامة على الشيء بالمكان . (4) انتهى . ومنه قوله تعالى : «مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ» (5) ، وقوله تعالى : «يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ» (6) ، منقول في الشرع إلى معنى أخصّ من ذلك ، فصرفوا ذلك المعنى الأخصّ إلى تعريفات ، أجودها : اللبث في مسجد جامع للعبادة مشروط بالصوم ابتداءً . (7) وقد اتّفق المسلمون على مشروعيّة الاعتكاف واستحبابه ، وعلى أنّه ليس بفرض في أصل الشرع وإنّما يجب بالنذر وشبهه كسائر المندوبات ، والأصل فيه الآية والأخبار المستفيضة ؛ أمّا الأوّل فقوله عزّ وجلّ : «وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ

.


1- .المعتبر ، ج 2 ، ص 595 .
2- .اُنظر: المجموع، ج 6، ص 105 106 و 140؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 197؛ المغني لابن قدامة، ج 2، ص 646؛ الشرح الكبير، ج 2، ص 646.
3- .تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 148 ؛ المجازات النبويّة ، ص 54 ، ح 32 ؛ عوالى اللآلي ، ج 2 ، ص 54 ، ح 145 ، وص 224 ، ح 38 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 7 ، ص 448 ، ح 1625 ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 199 و 204 و 205 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 9 ، ص 123 ؛ الأحاديث الطوال للطبراني ، ص 40 ، ضمن الحديث 12 ؛ التوّابين لابن قدامة ، ص 118 ؛ كنز العمّال ، ج 1 ، ص 66 ، ح 343، وص 75، ح 297 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1، ص 228 .
4- .النهاية، ج 3، ص 284 (عكف).
5- .الأنبياء (21) : 52 .
6- .الأعراف (7) : 138 .
7- .اُنظر : مجمع البحرين ، ج 6 ، ص 229 (ع ك ف) .

ص: 355

السُّجُودِ» (1) ، وقوله سبحانه : «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ» (2) . أمّا الأخبار في فضله فكفاك شاهدا فيه ما رواه المصنّف قدس سره في الباب . وأفضله الاعتكاف في عشر من شهر رمضان لا سيّما العشر الأخير ؛ لما كان يفعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله مداوما عليه . وفي الفقيه في رواية السكوني بإسناده ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجّتين وعمرتين» . (3) ولصحّته شرعا شرائط ثلاثة : الصوم ، وإيقاعه في المساجد ، وكونه ثلاثة أيّام أو أزيد . ويذكر المصنّف قدس سره هذه الشرائط الثلاثة في ثلاثة أبواب متتالية ، فقال : باب أنّه لا يكون اعتكاف إلّا بصوم . وفي المنتهى : الصوم شرط في الاعتكاف ، وهو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال ابن عمر وابن عبّاس وعائشة والزهريّ وأبو حنيفة ومالك والليث والأوزاعيّ والحسن بن صالح بن حيّ وأحمد في إحدى الروايتين . (4) وقال الشافعيّ : يجوز أن يعتكف بغير صوم ، فلم يجعل الصوم شرطا فيه ، ورواه ابن مسعود وسعيد بن المسيّب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاووس وإسحاق وأحمد في الرواية الاُخرى . (5) واحتجّ على الأوّل بما رواه الجمهور عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا اعتكاف إلّا بصوم» . (6)

.


1- .الحج (22) : 26 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .الفقيه ، ج 2 ، ص 188 ، ح 2101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 534 ، ح 14048 .
4- .اُنظر : المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 485 و 487 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 484 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 121 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 121 .
5- .المجموع ، ج 6 ، ص 485 و 487 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 109 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 484 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 120 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 120 121 .
6- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 552 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 317 و 321 ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 499 ، الباب 84 من كتاب الصيام ، ح 3 .

ص: 356

وعن ابن عمر : أنّ عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهليّة ، فسأل النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «اعتكف وصم» . (1) وببعض ما رواه المصنّف في الباب ، ثمّ قال : احتجّوا بما رواه ابن عمر عن عمر أنّه قال : يارسول اللّه ، إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أوفِ بنذرك» . (2) ولو كان الصوم شرطا لم يصحّ اعتكاف الليل ، ولأنّه عبادة تصحّ في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة ، ولأنّ إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلّا بالشرع ، ولا نصّ فيه ولا إجماع . وعن ابن عبّاس ، قال : ليس على معتكف صوم . (3) والجواب عن الأوّل : أنّ الليلة قد تُطلق مع إرادة النهار معها ، كما يقال : أقمنا في موضع كذا ليلتين أو ثلاثا ، والمراد الليل والنهار ، فلِمَ لا يجوز إرادة ذلك هنا . وعن الثاني بالمنع من صحّتها ليلاً خاصّة . والفرق بينها وبين الصلاة ظاهر ؛ لأنّ بمجرّده لا يكون عبادة ، فاشترط فيه الصوم ، والنصّ قد بيّناه عن النبيّ صلى الله عليه و آله عن أهل بيته عليهم السلام . وأيضا مداومة الرسول على الاعتكاف صائما يدلّ على الاشتراط . وقول ابن عبّاس موقوف عليه فلا يكون حجّة . على أنّه قد نقلنا عنه أنّه كان يعتقد اشتراط الصوم ، فيكون معارضا لهذه الرواية . (4) هذا ، ولا يشترط فيه الصوم لخصوص الاعتكاف ، بل يصحّ مع أيّ صوم اتّفق ، سواء كان الصوم واجبا أو ندبا ، معيّنا أو غير معيّن ، وسواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا ، فلو اعتكف في رمضان صحّ واكتفى فيه بصوم شهر رمضان وبوقوع نيّة الصوم عن رمضان ، ويكفي لك شاهدا على ذلك ما تقدّم في الباب السابق .

.


1- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 552 ، ح 2474 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 439 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 180 ، ح 2336 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 298 .
2- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 256 و 260 ؛ وج 7 ، ص 233 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 107 ، ح 3325 ؛ سنن الترمذي ، ج 3 ، ص 48 ، ح 1579 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 318 ؛ وج 10 ، ص 76 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 261 ، ح 3349 و 3350 .
3- .المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 439 وفيه «صيام» بدل «صوم». ومثله في سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 179 ، ح 2330 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 629 .

ص: 357

باب المساجد التي يصلح الاعتكاف فيها

باب المساجد التي يصلح الاعتكاف فيهاقد اختلف أهل العلم في موضع الاعتكاف ، فاعتبر السيّد المرتضى في الانتصار كونه مسجدا صلّى فيه إمام عدل بالناس الجمعة ، وقال : «هي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة» . واحتجّ عليه بالإجماع والاحتياط وبراءة الذمّة ، وعلّل البراءة بأنّ من أوجب على نفسه اعتكافا بنذر يجب أن يتقيّن براءة ذمّته ممّا وجب عليه ، لا يحصل له اليقين إلّا بأن يعتكف في المساجد التي عيّناها ، وبالإجماع على جوازه فيها ، ولا دليل على جوازه فيما عداها . (1) وما ذكره من الإجماع الأوّل فهو في محلّ النزاع ، والبواقي ترجع إلى الاحتياط ، وهو معنى آخر في العمل لا في الفتوى ، فتأمّل . وبه قال ابن إدريس ، (2) ونقله في المختلف (3) عن أبي الصلاح (4) وسلّار (5) وابن حمزة (6) وابن البرّاج (7) وعن الصدوق في الفقيه (8) أيضا ، وكلامه فيه غير صريح فيه ، بل ظاهره ما سيأتي إلّا أنّ هؤلاء لم يعتبروا خصوص الجمعة ، بل اعتبروا مطلق الجماعة ، ولا فائدة في هذا النزاع لانحصار المسجدين في المساجد الأربعة أو الخمسة ، وقد صلّى في كلّ منها الإمام العادل جمعة وجماعة .

.


1- .الانتصار ، ص 199 200 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 421 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 576 .
4- .الكافي في الفقه ، ص 186 .
5- .المراسم العلويّة ، ص 99 .
6- .الوسيلة، ص 153.
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
8- .الفقيه ، ج 2 ، ص 184 ، ح 2089 ، و المذكور فيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «لا تعتكف الّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة» .

ص: 358

ويدلّ عليه خبر عمر بن يزيد في التهذيب ، (1) وفي رواية عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد مثل ذلك ، وزاد فيه : مسجد البصرة ، (2) وهو منقول فيه عن عليّ بن بابويه أيضا ، إلّا أنّه ذكر مسجد المدائن مقام مسجد البصرة ، (3) وقد روي أنّه صلّى فيه الحسن بن عليّ عليهماالسلامجماعة . وفي الفقيه : وقد روي في مسجد المدائن ، (4) يعني بدلاً عن مسجد البصرة . قال الصدوق : والعلّة في ذلك أنّه لا يعتكف إلّا في مسجد جمع فيه إمام عدل ، وقد جمع النبيّ صلى الله عليه و آله بمكّة ، وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في الثلاثة الباقية . (5) وعن الصدوق أنّه قال في المقنع : ولا يجوز الاعتكاف إلّا في خمسة مساجد ، وجمع بين مسجدي البصرة والمدائن . (6) وفي المختلف : وعلّل بأنّ الاعتكاف إنّما يكون في مسجد جمع فيه إمام عدل ، والنبيّ صلى الله عليه و آله جمع بمكّة والمدينة ، وجمع أمير المؤمنين عليه السلام في الثلاثة الباقية . (7) وفي شرح الفقيه : روي أنّه صلّى في مسجد المدائن الحسن بن عليّ عليهماالسلامجماعة . (8) وقال المفيد في المقنعة : «ولا يكون الاعتكاف إلّا في المسجد الأعظم ، وقد روي أنّه لا يكون إلّا في مسجد قد جمع فيه نبيّ أو وصيّ نبيّ» ، (9) وقد نسب القول الأوّل إلى الرواية مشيرا إلى ضعفه .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 882 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 126 ، ح 409 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 540 ، ح 14069 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 883 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 126 ، ح 410 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 540 ، ح 14070 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 577 .
4- .الفقيه ، ج 3 ، ص 185، ح 2090؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 540، ح 14070 .
5- .حكاه في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 576 577 عن علي بن بابويه ، ونحوه في المقنع للصدوق ، ص 209 .
6- .المقنع ، ص 209 .
7- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 577 .
8- .روضة المتقين ، ج 3 ، ص 498 .
9- .المقنعة ، ص 363 .

ص: 359

والظاهر أنّه أراد بالمسجد الأعظم : كلّ مسجد عظم في البلاد ، وهو المعبّر عنه بالمسجد الجامع الذي يصلّى فيه جماعة . ونسبه في الانتصار (1) إلى أبي حنيفة وأصحابه والثوري وإحدى الروايتين عن مالك ، (2) وقال : وروى ابن عبد الحكم عن مالك أنّه لا يعتكف أحد إلّا في المسجد الجامع ، وفي رحاب المسجد التي يجوز الصلاة فيها . (3) ويدلّ عليه خبر داود بن سرحان (4) وحسنة الحلبيّ ، (5) وهو الأقوى وإن كان سند الأوّل ضعيفا ؛ لأنّ الظاهر أخذه من كتاب البزنطيّ وإنّما ذكر الوسائط لأنّهم من مشايخ الإجازة ، وقد كان كتابه أظهر من الشمس فيكون الخبر صحيحا . ويؤيّدهما ما رواه المصنّف في الباب السابق في الحسن عن الحلبيّ ، (6) ] وما رواه الشيخ] عن عليّ بن عمران ، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع » . (7) وعن يحيى بن أبي العلاء الرازيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يكون الاعتكاف إلّا في مسجد جماعة» . (8) وفي الموثّق عن أبي الصباح الكنانيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر ، قال : إنّ عليّا عليه السلام كان يقول : لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد

.


1- .الانتصار ، ص 200 .
2- .اُنظر : المجموع ، ج 6 ، ص 83 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 124 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج 3 ، ص 124 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 142141 .
3- .الاستذكار ، ج 3 ، ص 386 .
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .هو الحديث السادس من الباب السابق .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 880 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 127 ، ح 413 ؛ وفيه «عليّ بن غراب» بدل «عليّ بن عمران» ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 539 ، ح 14065 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 290 ، ح 881 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 127 ، ح 414 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 539 540 ، ح 14067 .

ص: 360

الحرام أو مسجد الرسول أو في مسجد جامع» . (1) والجمع بينهما وبين الخبرين المتقدِّمين بحمل الإمام العدل فيهما على الإمام العادل ؛ احترازا عن المساجد التي فيها صلّى إمام عامّي المذهب جماعة ، وهو ظاهر المصنّف والصدوق في الفقيه ، حيث ذكر الأخبار من غير تأويل . ويؤيّده عموم قوله تعالى : «فِي الْمَسَاجِدِ» ، (2) بل ذهب ابن أبي عقيل إلى جوازه في أيّ مسجد جامع وغيره على ما حكا عنه في المختلف أنّه قال : الاعتكاف عند آل الرسول عليهم السلام لا يكون إلّا في المساجد ، وأفضل الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام ، و[مسجد] (3) الكوفة وسائر الأمصار مساجد الجماعات . (4) متمسّكا بذلك ، ويؤيّده ما رواه المحقّق في المعتبر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر في جامعه ، عن داود بن الحصين ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا اعتكاف إلّا بصوم وفي مسجد المصر الذي يلبث فيه» ، (5) فقد حمل الأخبار المذكورة على الأفضليّة . وحكى في الانتصار عن حذيفة أنّه ذهب إلى أنّه لا يصحّ إلّا في ثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، ومسجد إبراهيم عليه السلام يعني المسجد الأقصى . (6) ويشترط تلك المساجد في اعتكاف المرأة عندنا ؛ لعموم ما ذكره في المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في الجديد ، وقال في القديم :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 291 ، ح 855 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 127 ، ح 412 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 539 ، ح 14066 .
2- .البقرة (2) : 187 .
3- .في الأصل : «وكذا» ، و ما اُثبت من المصدر .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 578 .
5- .المعتبر ، ج 2 ، ص 733 .
6- .الانتصار ، ص 200 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 483 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 124 ؛ نيل الأوطار ، ج 4 ، ص 361 ؛ عون المعبود ، ج 7 ، ص 99 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 251 .

ص: 361

باب أقلّ ما يكون الاعتكاف

يجوز أن تعتكف في مسجد بيتها ، وهو الموضع الذي جعلته لصلاتها من بيتها ، فجوّز اعتكافها في منزلها . وقال أبو حنيفة : إنّه أفضل . (1) ولا يجوز للمعتكف الخروج عن المعتَكف إلّا فيما استثني ، وسيجيء ، وإذا خرج فوجب له العود إليه للصلاة . ولا يجوز له الصلاة في غيره مع سعة الوقت إلّا في مكّة ، ولم أجد مخالفا في ذلك . ويدلّ عليه صحيحتا عبداللّه بن سنان (2) ومنصور بن حازم . (3) أو في صلاة الجمعة ولو في غير مكّة إذا اُقيمت في غير المعتكف ؛ للضرورة ، ولقوله عليه السلام في صحيحة عبداللّه بن سنان : «ليس على المعتكف أن يخرج إلّا إلى الجمعة» ، (4) الخبر . وسيرويه المصنّف في باب المعتكف لا يخرج . وألحق الشيخ في المبسوط بصلاة الجمعة صلاة العيد . (5) وقال صاحب المدارك : «وهو مبني على جواز صومه للقاتل في الأشهر الحرم» . (6)

باب أقلّ ما يكون الاعتكافقد أجمع الأصحاب على أنّه لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، وعدّ في الانتصار من متفرّدات الإماميّة ، وقال : ومن عداهم من الفقهاء يخالفون في ذلك ؛ لأنّ أبا حنيفة والشافعيّ يجوّزان أن يعتكف

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 633 . وانظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 501 503 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 480 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 68 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 399 ؛ التمهيد ، ج 11 ، ص 195 .
2- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
3- .هو الحديث الخامس من هذا الباب .
4- .هو الحديث الأوّل من باب المعتكف لايخرج من المسجد إلّا لحاجة ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 550 551 ، ح 14094 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 292 .
6- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 336 .

ص: 362

يوما واحدا . (1) وقال مالك : لا اعتكاف أقلّ من عشرة أيّام (2) . (3) وفي المنتهى : ولا يجوز الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين ؛ وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام والجمهور كافّة على خلافه ، فإنّ الشافعيّ لم يقدّره بحدّ بل يجوّز الاعتكاف بساعة واحدة وأقلّ ، وهو رواية عن أحمد وأبي حنيفة ، ورواية اُخرى عن أبي حنيفة : أنّه لا يجوّز أقلّ من يوم واحد ، وهو رواية عن مالك ، (4) وعن مالك رواية اُخرى : أنّه لا يكون أقلّ من عشرة أيّام . (5) لنا : زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في الموثّق عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اعتكف العبد فليصم» . وقال : «لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه » . (6) والمشهور دخول ليلتين بين الأيّام الثلاثة في الاعتكاف لا لصدق اليوم على اليوم وليلته معا ، وإلّا لزم ثلاثة ليال كالأيّام . وأن يكون ابتداء الاعتكاف من طلوع الشمس من يوم إلى طلوعها من النهار الرابع ، أو من غروبها إلى غروب النهار الثالث ، على الخلاف الواقع بين الناس في تقديم الليل على النهار أو عكسه ، ولا قائل به ، بل لما دلّ على وجوب ملازمة المعتكف في الليلة التي بين الأيّام الثلاثة ؛ ولفعل النبيّ صلى الله عليه و آله والنهي

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 489 و 491 ؛ المحلّى ، ج 5 ، ص 180 .
2- .أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 297 ؛ المحلّى ، ج 5 ، ص 180 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 252 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 234 .
3- .الانتصار ، ص 202 .
4- .المجموع ، ج 6 ، ص 489 و 491 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 234 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 252 ؛ عمدة القاري ، ج 11 ، ص 140 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 630 ، وتقدّم مصادر كلام مالك .
6- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 289 ، ح 878 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 129 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 537 و 553 ،14059 و 14099 .

ص: 363

عن الخروج عن المسجد من غير تفصيل في أخبار متعدّدة ، وتفصيلاً في موثّقة الحسن بن الجهم ، وسيأتي في باب المعتكف يجامع أهله ، (1) وللإجماع على دخولها فيه ، فلو نذر اعتكافا لزمه ثلاثة أيّام بليلتين بينها . وبه قال الشيخ في موضع من الخلاف ، قال : «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام وليلتين» . (2) ويظهر من الشيخ في موضع آخر من الخلاف عدم دخول فيهن حيث قال : إذا قال : للّه عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيّام [بلياليهنّ] (3) لزمه ذلك ، فإن قال : متتابعة لزمه بينها ليلتان ، وإن لم يشترط المتابعة جاز أن يعتكف نهارا ثلاثة أيّام بلالياليهن . (4) ومن مبسوطه أيضا حيث قال : «وان نذر أيّاما بعينها لم يدخل فيها لياليها ، إلّا أن يقول العشر الأواخر وما يجري مجراه ، فيلزمه حينئذٍ الليالي ؛ لأنّ الاسم يقع عليه» . (5) وفي موضع آخر منه : وإذا نذر اعتكاف ثلاثة أيّام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أوّل يومه إلى بعد المغرب من ذلك اليوم ، وكذلك اليوم الثاني والثالث ، هذا إذا أطلقه ، وإن شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيّام بينها ليلتان . (6) حكى صاحب المدارك (7) عن المحقّق أنّه قال في المعتبر : «وقد أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز أقلّ من ثلاثة أيّام بليلتين» . (8) فهو كما ترى . وفي المنتهى : إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيّام لزمه ثلاث بينها ليلتان ، سواء شرط التتابع أو لم يشترط ؛ لأنّه

.


1- .هو الحديث الثالث من ذالك الباب ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 545 ، ح 14081 .
2- .الخلاف ، ج 2 ، ص 232 ، المسألة 101 .
3- .اُثبت من المصدر ، ولم يرد في الأصل .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 239 ، المسألة 115 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 290 .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 292 .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 316 .
8- .المعتبر ، ج 2 ، ص 728 .

ص: 364

لا اعتكاف أقلّ منها ، ويدخل قبل الفجر لا في أثناء النهار . وقال الشيخ في بعض كتبه : إن لم يشترط التتابع اعتكف نهار ثلاثة أيّام بغير ليال ، (1) وليس بمعتمد . (2) وفي المدارك : «واحتمل بعض الأصحاب دخول الليلة المستقبلة في مسمّى اليوم ، وعلى هذا فلا تنتهي الأيّام الثلاثة إلّا بانتهاء الليلة الرابعة» . (3) فتأمّل . وهل يجب الاعتكاف المندوب بالشروع فيه ؟ فاختار الشيخ في المبسوط (4) وجوبه بمجرّد الشروع فيه كالحجّ والعمرة المندوبين ، وهو ظاهر المفيد على ما ستعرف ، ومنقول في المنتهى (5) عن أبي الصلاح الحلبيّ ، (6) وعن أبي حنيفة ومالك ، محتجّا بما دلّ على وجوب الكفّارة على من أفسده بجماع وغيره من غير تقييد ، وحكاه عن أبي حنيفة ومالك (7) أيضا محتجّين بالقياس على الحجّ والعمرة ، وبطلانهما واضح . وقال ابن إدريس : لا يجب مطلقا حتّى في اليوم الثالث . (8) وعدّه في المنتهى أقوى ، (9) وحكاه عن السيّد المرتضى رضى الله عنه . (10) وعن الشافعي وأحمد . 11 واحتجّ عليه بأنّه عبادة مندوبة فلا يجب بالشروع فيها كالصلاة وغيرها من العبادات المندوبة ما عدا الحجّ والعمرة الخارجتين بالنصّ والإجماع .

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 291 292 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 561 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 317 . وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ، ج 5 ، ص 358 .
4- .المبسوط، ج 1، ص 289.
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 637 .
6- .الكافي في الفقه ، ص 186 .
7- .اُنظر : المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 232 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 284 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 118 119 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 108 .
8- .السرائر ، ج 1 ، ص 422 .
9- .الناصريّات ، ص 300 ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر ، ج 2 ، ص 737 .
10- .تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 285 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 490 ؛ المغنيوالشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 118 119 .

ص: 365

والمشهور بين متأخّري الأصحاب وجوبه بمضيّ يومين ، وهو الظاهر من الشيخ في النهاية ، (1) ومنقول عن ابن الجنيد (2) وابن البرّاج ، (3) وهو أظهر كما يستفاد من صحيحتي [أبي] ولّاد (4) ومحمّد بن مسلم . (5) وكذا المشهور وجوب كلّ ثالث كالسادس والتاسع وهكذا ؛ لصراحة صحيحة أبي عبيدة (6) وانتفاء المقول بالفصل . وحكاه في المنتهى (7) عن الشيخ (8) وابن الجنيد (9) وابن البرّاج (10) وأبي الصلاح ، (11) ونفاه ابن إدريس . (12) واتّفقوا على أنّ النيّة ليست كافية في الوجوب إلّا من شذّ من العامّة . وقد حكى في المنتهى عن بعضهم أنّه أوجبه بمجرّد أنّه العزم عليه محتجّا بما روته عائشة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة ، فأذِنَ لها ، فأمرت ببنائها فضرب ، وسألت حفصة أن تستأذن لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ففعلت ، فأمرت ببنائها ، فلمّا رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببنائها فضربت . قالت : وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا صلّى الصبح دخل معتكفه ، فلمّا صلّى الصبح انصرف ، فبصر بالأبنية فقال : «ما هذا ؟» فقالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «البرّ أردنه ، ما

.


1- .النهاية ، ص 171 .
2- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 581 .
3- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
4- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
7- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 .
8- .المبسوط ، ج 1 ، ص 290 ؛ النهاية ، ص 171 .
9- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 737 .
10- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
11- .الكافي في الفقه، ص 186.
12- .السرائر ، ج 1 ، ص 124 .

ص: 366

أنا بمعتكف» ، فرجع ، فلمّا أفطر اعتكف عشرا من شوّال . (1) وبأنّها عبادة متعلّقة بالمسجد ، فلزمت بالدخول فيها كالحجّ . وأجاب عن الأوّل بأنّه لا دلالة فيه على المدّعى ، بل يدلّ على خلافه حيث تركه عليه السلام بعد دخوله فيه . وفعله في عشر من شوّال لا يدلّ على وجوب الأوّل ولو سلم كونه قضاء ، لاستحباب قضاء النوافل . وعن الثاني بالفرق المذكور . (2) قوله في صحيحة أبي ولّاد : (ولم يكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر) . [ح 1 / 6686 ] ظاهره كصحيحة محمّد بن مسلم (3) استحباب الاشتراط عند دخول المسجد للاعتكاف ، وصحيحة أبي بصير (4) كالصريحة في ذلك ، ومثلها ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اعتكف العبد فليصم» ، وقال : «لا يكون اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك ، أن يحلّك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر اللّه » . (5) وفي المنتهى : ويستحبّ للمعتكف أن يشترط على ربّه في الاعتكاف أنّه إن عرض له عارض أن يخرج من الاعتكاف ، ولا يعرف فيه مخالفا إلّا ما حكي عن مالك أنّه قال : لا يقع

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 84 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 257 و 260 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 562 ، ح 1771 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 550 ، ح 2464 ؛ سنن النسائي ، ج 2 ، ص 44 45 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 261 262 ، ح 788 ؛ وج 2 ، ص 259 260 ، ح 3345 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 322 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 637 . وانظر : المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 119 .
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب .
4- .هي الحديث الثاني من هذا الباب .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 289 ، ح 878 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 129 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 552 ، ح 14099 .

ص: 367

الاشتراط (1) إلى قوله _ : احتجّ مالك بأنّه شرط في العبادة ما ينافيها ، فلا يصحّ ، كما لو شرط الجماع والأكل في الصلاة . والجواب : أنّه بمنزلة من يشترط الاعتكاف في زمان دون زمان ، وذلك صحيح ، بخلاف ما ذكره ؛ لأنّه شرط أن يأتي بمنهي عنه في العبادة فلم يجز . (2) وظاهر الخبر أنّ للاشتراط فائدة هي جواز الرجوع لعلّة ولو في اليوم الثالث . ومثله صحيحة محمّد بن مسلم ، ولا بُعد فيه . وقال العلّامة في المختلف : ظاهر كلام ابن الجنيد يعطي أنّ المعتكف إذا اشترط وخرج للضرورة وكان الاعتكاف واجبا وجب عليه القضاء ، وليس بجيّد . لنا : أنّ فائدة الشرط سقوط القضاء . (3) وفي المنتهى : قال الشيخ رحمه الله : إذا اشترط المعتكف على ربّه أنّه إن عرض له عارض رجع فيه فله الرجوع أيّ وقت شاء ما لم يمض له يومان ، فإن مضى له يومان وجب عليه إتمام الثالث ، وإن لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه إتمام ثلاثة أيّام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام . (4) وقال في النهاية : متى شرط له جاز له الرجوع فيه أيّ وقت شاء ، فإن لم يشترط لم يكن له الرجوع إلّا أن يكون أقلّ من يومين ، فإن مضى عليه يومان وجب عليه إتمام ثلاثة أيّام . (5) والذي ذكره في النهاية دلّ عليه رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام . (6) هذا الذي

.


1- .النهاية ، ص 171 .
2- .المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 228 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 314 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 390 ؛ فتح العزيز ، ج 6 ، ص 520 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 305 306 ، المسألة 227 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 559 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 289 .
6- .هي الحديث الثالث من هذا الباب؛ الفقيه، ج 2، ص 186، ح 2096؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 289 290، ح 879 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 129، ح 421؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 543، ح 14076 .

ص: 368

اختاره الشيخ رحمه الله . وأمّا السيّد المرتضى فيتخرّج على قوله ما فصّله ، وهو (1) أن لا يخلو إمّا أن يكون الاعتكاف متبرّعا به أو منذورا ، فإن كان الأوّل جاز أن يرجع متي شاء ، سواء شرط أو لم يشترط ؛ لأنّه عبادة مندوبة لا يجب بالدخول فيها ، فجاز الرجوع متى شاء وإن لم يشترط كالصلاة والصوم . وإن كان الثاني فإمّا أن يعيّنه بزمان أو لا ، وعلى التقديرين فإمّا أن يشترط التتابع أو لا ، وعلى التقادير الأربعة فإمّا أن يشترط على ربّه الرجوع إن عرض له عارض أو لا يشترط ، فالأقسام ثمانية : الأوّل : أن يعيّن زمانا ، ويشترط التتابع ، ويشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج عن الاعتكاف ولا يجب عليه إتمامه ؛ عملاً بالاشتراط ، ولا قضاؤه ؛ لعدم الدليل عليه ، مع أصالة براءة الذمّة . الثاني : عيّن النذر ولم يشترط التتابع ، لكن شرط على ربّه ثمّ عرض العارض ، فإنّه خرج عملاً بالاشتراط ، ولا يجب عليه الإتمام ولا القضاء . الثالث : عيّن النذر وشرط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ويقضي لكن مع الزوال متتابعا . الرابع : عيّن النذر ولم يشترط التتابع والاشتراط على ربّه ، ثمّ عرض له ما يقتضي الخروج ، فإنّه يخرج ويقضي الفائت . الخامس : لم يعيّن زمانا لكنّه شرط المتابعة واشترط على ربّه ، فعند العارض يخرج ثمّ يأتي ما بقي عليه عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة ، وإن كان أقلّ استأنف . السادس : لم يعيّن زمانا واشترط التتابع ولم يشترط على ربّه ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثمّ يستأنف اعتكافا متتابعا ؛ لأنّه وجب عليه متتابعا ولا يتعيّن بفعله ؛ إذ لم يعيّنه بنذره ، فيجب الإتيان به على وصفه المشترط في النذر . السابع : لم يعيّن واشترط على ربّه ولم يشترط التتابع ، فإنّه يخرج مع العارض ، ثمّ يستأنف إن كان قد اعتكف أقلّ من ثلاثة ، وإلّا بنى إن كان الواجب أزيد وأتى بالباقي إن كان ثلاثة ، وإذا زاد فثلاثة .

.


1- .كذا في الأصل والمصدر . وفي تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 307 : «ويجيء على قول الشيخ تفصيل وهو ...» .

ص: 369

الثامن : لم يعيّن ولم يشرط التتابع ولا شرط على ربّه ، فإنّه يجزي مع العارض ويستأنف إن لم يحصل ثلاثة وإلّا أتمّ . (1) هذا ، وظاهر الخبر اعتبار الاشتراط في أصل الاعتكاف ولو خلا نذره منه . وفي المنتهى : «الاشتراط في المنذور إنّما يصحّ في عقد النذر ، أمّا إذا أطلقه فلا يصحّ له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف» ، (2) ولم أعثر على مستنده . ثمّ إنّ الخبر دلَّ على حرمة الجماع في الاعتكاف ، ويجيء في بابه . قوله في صحيحة أبي عبيدة : (المعتكف لا يشمّ الطيب) إلى آخره . [ح 4 / 6689 ] يدلّ الخبر على تحريم أشياء مخصوصة على المعتكف والمعتكفة : أحدها : شمّ الطيب والرياحين . وهو المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في النهاية (3) والخلاف (4) و في الجمل (5) أيضا على ما نقل عنه في المنتهى ، (6) وادّعى عليه في الخلاف (7) الإجماع ، وسوّغه في المبسوط حيث قال : وقد روي أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم ، وهو مخصوص بما قلناه من الوطئ والمباشرة والقبلة والملامسة واستنزال الماء بجميع أسبابه ، والخروج من المسجد إلّا لضرورة ، والبيع والشراء ، ويجوز له أن ينكح ويأكل الطيّبات ويشمّ الطيب ويأكل الصيد . (8) وثانيها : المماراة . والمراد بها المجادلة على أمر دنيوي ، ومنه إثبات الغلبة أو الفضيلة لنفسه ، كما يتّفق لمن تسمّى بالعلم . ولا خلاف في تحريمه مطلقا ولو لم يكن معتكفا ، ففي الاعتكاف أشدّ تحريما .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 306 307 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 638 . ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 308 ، المسألة 229 .
3- .النهاية ، ص 172 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 227 ، المسألة 116 .
5- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 222) .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 639 .
7- .الخلاف ، ج 2 ، ص 240 ، المسألة 116 .
8- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 293 ، والمذكور هنا منقول بالمعنى .

ص: 370

وأمّا المجادلة في الاُمور الدينيّة لمجرّد إظهار الحقّ وردّ الخصم من الخطأ فهو غير محرّم ، بل هو واجب ، بل ربّما كان من أفضل الطاعات الواجبة . وثالثها : الشراء والبيع . ولم أجد مخالفا في تحريمها من الأصحاب ، وهو منسوب في المنتهى (1) إلى مالك وأحمد ، وعن أبي حنيفة وعن قول للشافعي جوازهما من غير كراهية ، وعن قول آخر عنه كراهتهما ، (2) والسرّ في تحريمهما منافاتهما للاشتغال بالعبادة ، ولذلك قال في المنتهى : كلّما يقتضي الاشتغال بالاُمور الدنيويّة من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه عملاً بمفهوم النهي عن البيع والشراء . [و]قال السيّد المرتضى : «يحرم التجارة والبيع والشراء» ، (3) والتجارة أعمّ . (4) انتهى كلام المنتهى . وأنت خبير بما فيه . واستثني منهما ما تدعو الحاجة إليه من شراء المأكول والملبوس ، وبيع ما يشتري به ذلك . واشترط في الدروس في جواز ذلك تعذّر المعاطاة ، حيث قال : «ولو اضطرّ إلى شراء شيء وتعذّرت المعاطاة جازا ، وكذا البيع» 5 بناءً على عدم إيجاب وقبول لفظي فيها ، فكأنّها ليست بيعا وشراءً . وهل يكونان فاسدين ؟ الظاهر لا ؛ لعدم استلزام النهي في غير العبادات للفساد كما تقرّر في محلّه .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 639 .
2- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 6 ، ص 438 439 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 148 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 147 .
3- .الانتصار ، ص 204 .
4- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 300 .

ص: 371

ويحرم على المعتكف هذه ليلاً ونهارا ، والخروج عن المعتكف ، والجماع أيضا ليلاً ونهارا ، ويأتيان في بابهما . وما يوجب الإفطار أيضا يحرم عليه لكن نهارا فقط ؛ لما قد سبق من اشتراطه بالصوم . وحكى المحقّق في الشرائع قولاً من بعض الأصحاب بأنّه يحرم عليه ما يحرم على المحرم ، (1) ونسبه في المبسوط إلى الرواية . (2) وفي المنتهى : قال الشيخ في الجمل : «ويجب على المعتكف أن يجتنب ما يجتنبه المحرم» . (3) وعبارته على ما ذكره صاحب المدارك (4) غير صريحة فيه ولا ظاهرة ، بل غير محتملة له ، فقد نقل عنه أنّه قال : «ويجب عليه تجنّب كلّ ما يجب على المحرم تجنّبه من النساء والطيب والمماراة والجدال ، ويزيد عليه سبعة (5) أشياء البيع والشراء» ، (6) إلى آخره . وإنّما يفسد الاعتكاف من هذه الأشياء إفطار الصوم والجماع ليلاً ونهارا ؛ لورود النصّ عليهما . وأمّا ما عداهما ففي إفساده له نظر ؛ لعدم دليل عليه ، وإنّما يدلّ على التحريم وهو غير مستلزم للإفساد ، كتحريم الارتماس ونحوه في شهر رمضان على الأشهر . ويؤيّد ذلك إيجاب الكفّارة على ما يفسد الاعتكاف إجماعا كالجماع والمفطرات دون هذه . قال الشيخ في المبسوط : «لا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب ولا بيع ولا شراء وإن كان لا يجوز له فعل ذلك أجمع» . (7)

.


1- .الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 222) .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 639 .
3- .شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 161 .
4- .المبسوط ، ج 1 ، ص 293 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 346 .
6- .في الأصل : «على تسعة» والتصويب من المصدر .
7- .المبسوط ، ج 1 ، ص 295 ، وليس فيه : «ولا بيع ولاشراء» إلى آخره ، والعبارة بتمامها مذكورة في السرائر ، ج 1 ، ص 426 ، ومختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 599 600 وحكياه عن المبسوط .

ص: 372

باب المعتكف لا يخرج من المسجد إلّا لحاجة

وقال ابن إدريس : الأولى عندي أنّ جميع ما يفعله المعتكف من القبائح ويتشاغل به من المعاصي والسيّئات يفسد اعتكافه ؛ لأنّ الاعتكاف هو اللّبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة ، وخرج من حقيقة المعتكف . (1) وهو غريب ، وأغرب منه مطالبته للشيخ بالبيان على أقبح وجه لا يناسب ذكره لمن انتسب إلى أهل العلم .

باب المعتكف لا يخرج من المسجد إلّا لحاجةيشترط في الاعتكاف استدامة اللّبث في المُعْتَكفْ . وفي المنتهى : «ولا يجوز له الخروج إلّا لضرورة ، وهو قول العلماء كافّة» . (2) ويدلّ عليه أخبار الباب والباب الذي بعده . وما رواه الصدوق في الفقيه عن ميمون بن مهران ، قال : كنت جالسا عند الحسن بن عليّ عليهماالسلام فأتاه رجل ، فقال له : ياابن رسول اللّه ، إنّ فلانا له عَليّ [مال و] (3) يريد أن يحبسني ، فقال : «واللّه ، ما عندي مال فأقضي عنك» ، قال : فكلّمه ، قال : فلبس عليه السلام نَعْلَهُ ، فقلت له : ياابن رسول اللّه ، أنسيت اعتكافك ؟ فقال له : «لم أنسَ ولكنّي سمعت أبي عليه السلام يحدّث عن جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : مَن سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد اللّه عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة ، صائما نهاره قائما ليله» . (4) وما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : السنّة للمعتكف أن لا يخرج إلّا لما لابدّ منه . (5) وقالت أيضا : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا اعتكف مدّ لي رأسه فأغسله ، وكان لا يدخل

.


1- .السرائر ، ج 1 ، ص 426 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 633 .
3- .في الأصل : «فقال» ، وما اُثبت من المصدر .
4- .الفقيه ، ج 2 ، ص 189 190 ، ح 2108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 550 ، ح 14092 .
5- .سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 181 .

ص: 373

البيت إلّا لحاجة إنسان . (1) والأعذار المذكورة في الناس يجوز الخروج لها عند الأصحاب ، ولبعض آخر من الأعذار كقضاء حاجة مؤمن وتحمّل شهادة وأدائها إذا دعي إليها ، والاغتسال عن الجنابة والاستحاضة . واختلف العامّة في بعض منها منها : الجمعة إذا اُقيمت في غير معتكفه ، فأجمع الأصحاب على أنّه لا يبطل اعتكافه بخروجه لها . وفي المنتهى : وبه قال أبو حنيفة وأحمد . وقال الشافعيّ : لا يعتكف في غير الجامع إذا كان اعتكافه يتخلّله جمعة ، فإن نذر اعتكافا متتابعا فخرج منه لصلاة الجمعة بطل اعتكافه وعليه الاستئناف . احتجّ بأنّه أمكنه فرضه بحيث لا يخرج منه فبطل بالخروج كالمكفّر إذا ابتدأ صوم شهرين متتابعين في شعبان أو ذي الحجّة . (2) والجواب : أنّه إذا نذر أيّاما معيّنة فيها جمعة ، فكأنّه استثنى الجمعة بلفظه . ويبطل ما ذكره بما لو نذرت المرأة اعتكاف أيّام متتابعة فيها عادة حيضها . (3) وحكى عن أبي حنيفة أنّه إذا خرج للجمعة عجّل ولا يطيل المكث . وعن بعض أصحابه أنّه يجوز أن يجلس يوما في المجلس الذي يصلّي فيه الجمعة . وعن أحمد أنّه يجوز أن يتمّ اعتكافه فيه ؛ محتجّا بأنّ الجامع مكان الاعتكاف

.


1- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 81 و 104 و 235 و 247 و 262 و 264 ؛ صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 256 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 166 و 167 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 551 ، ح 2467 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 149 ، ح 801 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 315 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 2 ، ص 266 ، ح 3373 ، وفي غالب المصادر : «فأرجله» بدل «فأغسله» .
2- .المغني والشرح الكبير ، ج 3 ، ص 133 ؛ الاستذكار ، ج 3 ، ص 385 386 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 290 291 . وانظر : المجموع ، ج 6 ، ص 513 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 .

ص: 374

والمكان لا يتعيّن له بنذر وشبهه ، فمع عدمه أولى . (1) ومنها: تشييع الجنازة وعيادة المريض : فقد قال : وافقنا الحسن بن حيّ فيها والثوري في عيادة المريض خاصّة ، وخالف فيه باقي فقهائهم على ما نقل عنهم السيّد المرتضى في الانتصار . (2) وحكى في المنتهى (3) موافقة سعيد بن جبير والنخعي وأحمد في رواية أيضا كالحسن ، وقال : ونقلوه عن عليّ عليه السلام . (4) وردّ على المخالفين بما نقلوه عن عاصم بن ضمرة عن عليّ عليه السلام قال : «إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ، وليعد المريض ، وليحضر الجنازة ، وليأت أهله ، وليأمرهم بالحاجة وهو قائم» . (5) وقال : احتجّ المخالف بما روته عائشة ، قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا اعتكف لا يدخل البيت إلّا لحاجة إنسان . (6) وعنها أنّها قالت : السنّة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمسّ امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلّا لما لا بدّ منه . (7) ولأنّه ليس بواجب فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب من أجله . والجواب : أنّ الأوّل نقول بموجبه ، ولا دلالة له على مواضع النزاع ، والثاني غير مستند إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقول عائشة ليس بحجّة ، وكونه ليس بواجب لا يمنع من فعله في الاعتكاف كقضاء حاجة آدمي . (8) ومنها : تحمّل الشهادة وأداؤها : فيجوز الخروج لهما إذا دعي إليهما وإن لم يتعيّنا

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 .
2- .نفس المصدر ؛ وانظر المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 133 .
3- .الانتصار ، ص 204 . وانظر: المحلّى ، ج 5 ، ص 190 ؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ص 137 .
4- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 ، وحكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 3 ، ص 291 .
5- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 137 .
6- .المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 2 ، ص 500 ، الباب 85 من كتاب الصيام ، ح 1 .
7- .صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 167 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 149 ، ح 801 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 315 .
8- .سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 552 ، ح 2473 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 321 .

ص: 375

عليه ، سواء كان الاعتكاف واجبا أو ندبا ، متتابعا أو غير متتابع ، ويبطل اعتكافه بذلك لدخولهما في قضاء الحاجة عندنا وعند أكثر العامّة . (1) وفي المنتهى : قال الشافعي : إن تعيّنا عليه خرج ولا يبطل اعتكافه المتتابع ، وإن لم يتعيّنا عليه ولا واحد منهما انقطع التتابع بخروجه ، ويستأنف إذا عاد ، وإن تعيّن عليه التحمّل دون الأداء فكما لو لم يتعيّنا عليه ، وإن كان بالعكس فقولان . (2) واحتجّ بأنّه خرج لغير حاجة فأبطل التتابع . وجوابه المنع من المقدّمة الاُولى . هذا ، وقال الشيخ في النهاية : «وإذا خرج المعتكف لضرورة لا يمشي تحت ظلال ولا يقف فيه إلّا عند ضرورة إلى أن يعود إلى المسجد» . (3) وتبعه في ذلك أكثر من تأخّر ، منهم ابن أبي عقيل وأبو الصلاح (4) على ما حكي عنهما في المختلف . (5) ويدلّ على جزئيّة الثاني خبر داود بن سرحان ، (6) رواه الصدوق في الصحيح ، (7) والأظهر عدم جواز الجلوس مطلقا من غير ضرورة كما ذهب إليه بعض الأصحاب ؛ لعموم حسنة الحلبيّ ، (8) وتأكيد النهي عن الجلوس فيها من غير تقييد ؛ ولإمكان الجمع بوجه آخر . وأمّا عدم جواز المشي تحت الظلال فلم أقف له على مستند أصلاً ، وكأنّهم حملوا

.


1- .فتح العزيز ، ج 6 ، ص 538 ؛ المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 515 .
2- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 634 635 ، ومثله في تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 293 .
3- .المبسوط للطوسي ، ج 7، ص 293 . وعنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 635 واللفظ له .
4- .الكافي في الفقه ، ص 598 .
5- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 598 .
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
7- .الفقيه، ج 2، ص 187، ح 2098؛ وسائل الشيعة، ج 10، ص 549، ح 14089.
8- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 185 ، ح 2091 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 549 ، ح 14090 .

ص: 376

باب المعتكف يمرض والمعتكفة تطمث

المعتكف على المحرم بناءً على ما نقلنا عن المبسوط من نسبته إلى الرواية . (1) وقال السيّد المرتضى في الانتصار : وممّا ظنّ انفراد الإماميّة به القول بأنّ المعتكف ليس له إذا خرج من المسجد أن يستظلّ بسقف حتّى يعود إليه ، والثوريّ (2) يوافق الإماميّة في ذلك ، وحكى عنه الطحاويّ في كتاب الاختلاف : أنّ المعتكف لا يدخل تحت سقف إلّا أن يكون ممرّه فيه ، فإن دخل فسد اعتكافه ، (3) وباقي الفقهاء يجيزون الاستظلال بالسقف . (4) والحجّة للإماميّة : الإجماع ، وطريقة الاحتياط ، واليقين بأنّ العبادة ما فسدت ، ولا يقين إلّا باجتناب ما ذكرناه . (5) ومن هذه الأعذار لا يوجب فساد الاعتكاف إلّا المرض والحيض ، وهذا هو السرّ في وضع المصنّف قدس سرهلهما بابا على حدة ، وذكر باقي الأعذار في باب آخر ، فأراد خروج المعتكف مع بقاء اعتكافه .

باب المعتكف يمرض والمعتكفة تطمثالمريض الذي لا يمكن تمريضه في المُعْتَكَفْ والحائض يهدمان الاعتكاف ويخرجان ، ثمّ يقضيانه إن كان اعتكافهما واجبا بنذر وشبهه أو يمضي يومين من المندوب ، ويجب عليهما قضاء ثلاثة أيّام ، ولو كان الخروج في اليوم الثالث يضمّ يومين إلى المقضي من باب المقدّمة ؛ إذ لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام . ولو كان الاعتكاف مندوبا استحبّ القضاء ؛ فقوله عليه السلام : «ثمّ يعيد إذا برأ» في خبر عبد

.


1- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 293 .
2- .المجموع ، ج 6 ، ص 536 .
3- .وحكاه أيضا ابن عبد البرّ في الاستذكار ، ج 3 ، ص 388 ، والجصّاص في أحكام القرآن ، ج 1 ، ص 301 . وحكاه السرخسي في المبسوط ، ج 3 ، ص 117 عن مالك .
4- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 536 .
5- .الانتصار ، ص 23 ، المسألة 97 .

ص: 377

الرحمن بن الحجّاج ، (1) و«رَجَعت فقضت ما عليها» في صحيحة أبي بصير (2) محمولان على ما إذا أوجب الإعتكاف ، إلّا أن يحمل الأمر الذي يستفاد منها على المعنى العام الشامل للوجوب والندب . وفي المنتهى : وإذا حاضت المرأة خرجت من المسجد إلى بيتها إلى أن تطهر ، ثمّ تعود بعد طهرها إلى الاعتكاف ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشافعيّ ومالك وربيعة والزهريّ وعمرو بن دينار ، وقال أحمد : إن كان للمسجد رحبة خارجة يمكن أن يُضرب فيه خباها يضرب في خباها مدّة حيضها ، وقال النخعيّ : يضرب فسطاطها في دارها ، فإذا طهرت قضت تلك الأيّام ، وإن دخلت بيتا أو سقفا استأنفت . (3) احتجّ أحمد بما روته عائشة ، قالت : كنّ المعتكفات إذا حضن أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإخراجهنّ من المسجد ، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتّى يطهرن . (4) والجواب بعد تسليم الحديث _ : أنّه يحتمل أن يبيّن عليه السلام أنّ رحبة المسجد ليست منه ؛ لأنّ الاعتكاف قد كان واجبا عليهن ، وعلم عليه السلام من حالهنّ توهّم سقوطه عنهنّ بخروجهنّ من المسجد للحيض ، فأزال هذا الوهم عنهنّ ، وقول إبراهيم النخعيّ لا تعويل عليه ؛ إذ هو مخالف لما عليه العلماء . وقال الشيخ في المبسوط : ومتى عرض للمعتكف مرض أو جنون أو إغماء أو حيض ، أو طلبه سلطان ظلما خرج من موضعه ، فإن كان بعد مضيّ أكثر مدّة اعتكافه عاد بعد زوال عذره ، وبني على ما تقدّم وتمّم ما بقي ، وإن لم يكن مضى أكثر من النصف استأنف ، سواء كان واجبا أو مندوبا ، وسواء كان مع الشرط أو عدمه ، فإنّه تجب بالدخول فيه . (5) انتهى .

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
2- .هي الحديث الثاني من هذا الباب.
3- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 153 154 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 136 ؛ المجموع ، ج 6 ، ص 519 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1، ص 227؛ الاستذكار، ج 3، ص 402 403.
4- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 154 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 136 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 293 .

ص: 378

باب المعتكف يجامع أهله

واعلم أنّ حكم النفساء فيما ذكر حكم الحيض ؛ لأنّه دم حيض حقيقة .

باب المعتكف يجامع أهلهقد سبق بأنّ الجماع يحرم في الاعتكاف ليلاً ونهارا ، وأنّه يفسد به ويجب الكفّارة بذلك . ودلّ عليه أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة في حديث آخر عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : «عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا : عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا» . (1) وقال الشيخ : فإن كان الجماع بالليل في شهر رمضان فعلى المجامع كفّارة واحدة ، وإن كان بالنهار فعليه كفّارتان : إحداهما للاعتكاف ، والاُخرى لشهر رمضان . واحتجّ عليه بما رواه محمّد بن سنان ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان ، قال : «عليه الكفّارة» ، قال : قلت : فإن وطأها نهارا ؟ قال : «عليه كفّارتان» . (2) ولم أجد مخالفا في ذلك كلّه ، وإنّما اختلفوا في مقامات : أحدها : في اختصاص التحريم والكفّارة بالاعتكاف الواجب أو إجرائهما في المندوب أيضا ، الأوّل هو المشهور بين الأصحاب ، فقالوا : إنّما يحرم الجماع ، وإنّما توجب الكفّارة في الاعتكاف الواجب بالنذر وشبهه أو في اليوم الثالث من المندوب دون اليومين الأوّلين ؛ لجواز هدمه فيهما ، والشيخ حرّمه وأوجبها في الأوّلين من المندوب أيضا بناءً على ما عرفت من مذهبه في المبسوط (3) من وجوب المندوب بمجرّد

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 292 ، ح 888 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 130 ، ح 425 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 547 548 ، ح 14087 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 4 ، ص 292 ، ح 889 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 547 ، ح 14086 .
3- .المبسوط ، ج 1 ، ص 289 .

ص: 379

الشروع فيه كأبي الصلاح . (1) وهو ظاهر الشيخ المفيد أيضا حيث قال : «ومَن أفطر لغير عذر وهو معتكف أو جامع وجب عليه ما يجب على فاعل ذلك في شهر رمضان» ، (2) من غير تقييد بالواجب منه ، وإطلاق الأخبار أيضا يقتضي ذلك . وثانيها : في أنّ كفّارته هل هي مرتّبة ككفّارة الظهار ؟ أو مخيّرة ككفّارة شهر رمضان ؟ ففي المختلف : ظاهر كلام ابن بابويه أنّها مرتّبة ؛ لأنّه جعلها كفّارة الظهار . (3) وقال الشيخان (4) والسيّد المرتضى (5) وأتباعهم : إنّها كفّارة إفطار نهار رمضان . ونقل الشيخ في المبسوط (6) خلافا بين علمائنا في التخيير والترتيب . احتجّ ابن بابويه بحديث زرارة ، (7) واحتجّ الشيخان برواية سماعة ، (8) والأوّل أصحّ طريقا ، والثاني أوضح عند الأصحاب . (9) وإنّما قال الأوّل أصحّ بناءً على ما رواه الصدوق ، (10) فقد رواه في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة ، وإلّا فطريقه أضعف من الثاني على ما رواه المصنّف ؛ لوجود سهل بن زياد فيه ، هذا . وثالثها : تحمّل الزوج كفّارة ظهار المكرهة و عدمه ، فالظاهر لو أنّه أكره زوجته في نهار رمضان على الجماع لا يجب عليه إلّا ثلاث كفّارات ، اثنين على نفسه على ما

.


1- .الكافي في الفقه ، ص 186 .
2- .المقنعة ، ج 1 ، ص 363 .
3- .لم أعثر على كلامه، نعم رواه في الفقيه ، ج 2 ، ص 188 ، ح 2102 .
4- .قاله المفيد في المقنعة ، ج 1 ، ص 363 ؛ والطوسي في النهاية ، ص 172 .
5- .الانتصار ، ص 201 .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 294 .
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
8- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
9- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 595 596 .
10- .الفقيه ، ج 2 ، ص 188 ، ح 2102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 546 ، ح 14083 .

ص: 380

عرفت ، وواحدا تحمّلاً عن زوجته كفّارة رمضانها ، وأنّه لا يتحمّل عنها كفّارة اعتكافها ؛ لأصالة عدم التحمّل إلّا في ما ورد فيه نصّ ، ولعدم فساد اعتكافها بذلك ، وهو ظاهر الأكثر . وقال السيّد المرتضى في الانتصار : المعتكف إذا جامع نهارا كان عليه كفّارتان ، وإذا جامع ليلاً كفّارة واحدة ، وإن أكره زوجته وهي معتكفة نهارا كان عليه أربع كفّارات ، وإن أكرهها وهي معتكفة ليلاً كان عليه كفّارتان . (1) وهو قدس سرهوإن أطلق وجوب كفّارتين والكفّارة الواحدة والأربع إلّا أنّه أراد بأنّ الاعتكاف في شهر رمضان ، واكتفى عن التقييد بذلك بظهور القيد عن مذهب الأصحاب ، فقد ذهب إلى تحمّل الزوج كفّارة المكرهة مطلقا كفّارة شهر رمضانها وكفّارة اعتكافها ، وذهب إليه ابن إدريس ، (2) ونقله العلّامة في المختلف (3) عن ابن الجنيد وابن البرّاج (4) وابن حمزة ، (5) وعدّه أقرب محتجّا بأنّه فعل موجب للكفّارة على اثنين ، فيضاعف على المكره ؛ لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة كرمضان ، وهو كما ترى . ونسب في الانتصار إلى الزهريّ والحسن يعني ابن صالح بن حيّ _ (6) إيجاب الكفّارة للوطي في الاعتكاف ، وقال : «وهذا القول يوافق من وجه قول الإماميّة ، إلّا أنّنا ما نظنّهما كانا يذهبان إلى أنّ الكفّارة تلزم في الوطي بالليل كما ذهبت الإماميّة إليه» ، وقال : «وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يلزمون مفسد اعتكافه شيئا سوى القضاء» . 7

.


1- .الانتصار ، ص 201 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 425 426 .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 596 .
4- .المهذّب ، ج 1 ، ص 204 .
5- .الوسيلة ، ص 153 .
6- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 143 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 254 .

ص: 381

باب النوادر

وهل يجري الاستمناء بالجماع في إيجاب الكفّارة ؟ فقد أوجب الشيخ الكفّارة بكلّ مباشرة تؤدّي إلى إنزال الماء عمدا محتجّا بأنّه أفسد اعتكافه ، فوجب عليه الكفّارة كالجماع . وقال : «وفي أصحابنا من قال : ما عدا الجماع يوجب القضاء دون الكفّارة» (1) محتجّين بأصالة البراءة ، (2) وتوقّف فيه العلّامة في المختلف ، (3) وقد عرفت أنّ الأظهر عدم فساد الاعتكاف بغير ما يوجب الإفطار ، وعرفت حكم الجماع . وأمّا باقي المفطرات فقد قال صاحب المدارك : (4) «وأمّا وجوب الكفّارة بفعل المفطر في الاعتكاف الواجب فهو اختيار المفيد (5) والمرتضى» . (6) وقال في المعتبر : «ولا أعرف مستندهما» ، (7) والأصحّ ما اختاره الشيخ والمصنّف يعني المحقّق وأكثر المتأخّرين من اختصاص الكفّارة بالجماع دون ما عداه من المفطرات وإن كان يفسد به الصوم ويجب به القضاء . (8)

باب النوادرأراد قدس سره بالنوادر الأخبار المتفرّقة المتعلّقة بالصوم ، المتروكة في أبوابه . قوله : (أحمد بن إدريس، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عبيس بن هشام، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه ... يصوم شهرا يتوخّاه ويحسب)

.


1- .المبسوط للطوسي، ج 1، ص 294.
2- .في الأصل بعده : «ولعلّه» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 3 ، ص 592 .
4- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 348 .
5- .المقنعة ، ص 363 .
6- .حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 2 ، ص 742 .
7- .نفس المصدر .
8- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 349 350 .

ص: 382

إلى آخره . [ح 1 / 6699 ] الحسن بن علي الكوفي هو الحسن بن عليّ بن بقاح ، كوفيّ ثقة ، صحيح الحديث على ما ذكره النجاشيّ . (1) وعبيس بن هشام هذا هو عبّاس بن هشام أبوالفضل الناشريّ الأسديّ عربي ثقة ، جليل في أصحابنا ، كثير الرواية ، كسر اسمه فقيل : عبيس ، مات سنة عشرين ومئتين أو قبلها على سنة كذا ، ذكره النجاشيّ . (2) فالخبر موثّق بأبان بن عثمان ، (3) والحكمان المستفادان منه هما المشهوران بين الأصحاب ، بل لا نعلم فيهما مخالفا . وفي حكم ظهور تأخير ما توخّاه عن شهر رمضان ما إذا استمرّ الاشتباه من غير خلاف . (4) وقد ادّعي العلّامة في المنتهى في هذه الأحكام كلّها الإجماع . (5) ويتعلّق حكم شهر رمضان من وجوب الكفّارة بإفطار يوم منه ووجوب متابعته ، وإكماله ثلاثين لو لم ير الهلال ، وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة ، فالظاهر ذلك . وقد جزم به الشهيد الثاني في المسالك . (6) وقال صاحب المدارك : وللمناقشة في ذلك مجالٌ ؛ لأصالة البراءة من جميع ذلك واختصاص النصّ بالصوم ولو لم يغلب على ظنّ الأسير شهرا ، فقد قطع الأصحاب بأنّه يتخيّر في كلّ سنة شهرا ويصومه . (7)

.


1- .رجال النجاشي ، ص 40 ، الرقم 82 .
2- .رجال النجاشي ، ص 280 ، الرقم 741 .
3- .اُنظر : خلاصة الأقوال ، ص 74 .
4- .بعده كلمة غير مقروءة .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 593 .
6- .مسالك الأفهام ، ج 2 ، ص 57 . ومثله في شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 114 .
7- .مدارك الأحكام ، ج 6 ، ص 189 .

ص: 383

ولا وجه له ؛ لعدم نصّ عليه ، وإنّما النصّ في التوخّي ، وهو التحرّي وطلب ظنّ وتحصيله ، فإذا لم يحصل الظنّ صبر حتّى يعلم شهر رمضان ، فإن كان حاضرا أدّاه ، وإن كان قد مضى قضاه . ولو صام الأسير تطوّعا فوافق شهر رمضان فالأقرب إجزاؤه ؛ لأنّه قد وفّق ، كما قال عليه السلام في صيام يوم الشكّ بنيّة الندب : «أنّه يوم وفّقت له» . (1) قوله في خبر أبي بصير : (يستحبّ للرجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان) [ح 3 / 6701 ] هو المشهور بين الأصحاب . وفي كنز العرفان : الحلّ هنا مقابل التحريم وليس للوجوب إجماعا . وقيل : للندب ، ولذلك روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام كراهة الجماع أوّل ليلة من كلّ شهر ، واستحبابه أوّل ليلة من شهر رمضان لتنكسر شهوة الجماع نهارا . والظاهر أنّه لمطلق الحلّ الشامل للندب وغيره ، والمراد بليلته الصيام كلّ ليلة يصبح فيها صائما . ثمّ اعلم أنّ ظاهر اللفظ يدلّ على إباحة الجماع في أيّ وقت كان من الليل ولو قُبيل الفجر ، لكن لمّا اشترط أصحابنا الطهارة في الصوم من الجنابة وجب بقاء جزء من الليل ليقع فيه الغسل ، فكانت الإباحة مخصوصة بما عداه ، فلو خالف عامدا عالما بطل صومه ، وكان عليه القضاء والكفّارة . ولو لم يعلم فظنّ بقاء الليل من غير مراعاة فاتّفق خلافه كان عليه القضاء خاصّة ، ولو راعى لم يكن عليه شيء ، وعلى التقديرين الأخيرين لو طلع عليه الفجر مجامعا وجب النزع وصحّ صومه في الأخير خاصّة . وقال الشافعيّ : إذا وافاه الفجر مجامعا فوقع النزع والطلوع معا لم يفسد صومه ولا قضاء ولا كفّارة . وبه قال أبو حنيفة .

.


1- .هو الحديث الرابع من باب اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هو أو من شعبان من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 10 ، ص 20 21 ، ح 12731 .

ص: 384

وقال المزنيّ : يفسد وعليه القضاء خاصّة . (1) وأمّا إذا وافاه مجامعا ولم ينزع ويمكث فيه فهو بمنزلة من وافاه [النهار ]فابتدأ بالإيلاج ، فإن كان جاهلاً بالفجر فعليه القضاء خاصّة ، وإن كان عالما به فعليه القضاء والكفّارة . وقال أبو حنيفة : بلا كفّارة ، وعلّله أصحابه بأنّه ما انعقد ، فالجماع لم يفسد صوما منعقدا ، فلا كفّارة . ونحن نقول : إنّه انعقد بالنيّة المتقدّمة ، وكان جماعا واردا على صوم منعقد ، وهو المطلوب . (2) قوله في خبر حمزة بن محمّد : (ليجد الغني مضض الجوع فيحنو على الفقير) . [ح 6 / 6704] المضض : الألم ، مَضِض كفرح _ : ألِم . (3) وحنوت عليه ، أي عطفت عليه . (4) قوله في خبر محمّد بن عمران : (ثمّ خرق ما بينهما كوة ضخمة تشبه الخوخة) إلى آخره . [ح 7 / 6705] في القاموس : الخوخة : كوّة تؤدّي الضوء إلى البيت ، ومخترق ما بين كلّ دارين ما عليه باب ، (5) والمراد هنا منها هو الثاني ، وبالكوّة المعنى الأوّل للخوخة . وقوله عليه السلام : (ويستأنفون باليمين) [ح 7 / 6705] أي يسبقون برجلهم اليمنى في الدخول ، من الاستئناف بمعنى الابتداء ، وهو يدلّ على استحباب تقديم الرِّجل اليمنى في الدخول في المسجد .

.


1- .المجموع للنووي ، ج 6 ، ص 311 و 338 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 175 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 140 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 63 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 63 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 6 ، ص 46 و 76 .
2- .كنزالعرفان ، ج 1 ، ص 213 214 .
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 344 (مضض) .
4- .مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 592 (حنو) .
5- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 258 (فصل الخاء) .

ص: 385

وعلّله في المعتبر بأنّ اليمنى أشرف فيدخل بها إلى الموضع الشريف ، (1) ولهذا اشتهر استحباب تقديم الرجل اليسرى عند الخروج منه ، واستحباب العكس في دخول الخلاء والخروج منه . (2) والحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين .

.


1- .المعتبر ، ج 2 ، ص 449 .
2- .اُنظر : المقنع ، ص 7 8 و 88 89 ؛ الهداية ، ص 73 و 79 ؛ المقنعة ، ص 40 ؛ النهاية ، ص 110 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 161 ؛ الجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 157) ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 278 ؛ المهذّب ، ج 1 ، ص 39 ؛ الوسيلة ، ص 47 ؛ الغنية ، ص 36 ؛ المختصر النافع ، ص 5 ؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 134 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 15 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 19 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 63 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 254 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 81 ؛ البيان ، ص 6 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 174 .

ص: 386

. .

ص: 387

كتاب الحجّ

اشاره

كتاب الحجّ

.

ص: 388

. .

ص: 389

باب بدو الحجر والعلّة في استلامه

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الحجّالحجّ بفتح الحاء وكسرها وكذا الحجّة في اللغة : القصد . (1) وشرعاً : قصد بيت اللّه الحرام لأداء مناسك مخصوصة (2) ، وقيل : هو القصد إلى مشاعر مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة (3) ، فعلى الأوّل قصد عرفة ونظائرها شروط شرعيّة خارجة عن مسمّى الحجّ ، وعلى الثاني داخلة فيه . (4) وعن الخليل : أنّه لغةً : كثرة القصد إلى من يعظّمه (5) ، وسمّي قصد البيت حجّاً لكثرة التردّد إليه من الناس .

باب بدو الحجر والعلّة في استلامهاتّفق اُولوالألباب على ما ظهر من أخبار الباب من اطّلاع الحجر على حال زائريه ، وأنّه يفهم مقالهم ، ويشهد لهم وعليهم يوم يقوم الحساب . ومنه يظهر فساد ما حكاه البخاري عن عمر ، روى عن عابس بن ربيعة عنه : أنّه جاء

.


1- .صحاح اللغة، ج 1 ، ص 303 (حجج) ؛ المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 2 .
2- .اُنظر : فقه القرآن للراوندي ، ج 1 ، ص 264 ؛ المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 296 .
3- .السرائر ، ج 1 ، ص 506 .
4- .اُنظر: تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 7 .
5- .ترتيب كتاب العين ، ج 1 ، ص 347 (حج) .

ص: 390

إلى الحجر فقبّله ، فقال : أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُقبّلك ما قبّلتك . (1) وعن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : رأيت عمر بن الخطّاب قبَّل الحجر وقال : لولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبّلك ما قبّلتك . (2) وقد ردّه بذلك أمير المؤمنين عليه السلام على ما رواه عبد الحميد بن أبي الحديد عن أبي سعيد الخدري ، قال : حججنا مع عمر أوّل حجّة حجّها في خلافته ، فلمّا دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبّله واستلمه ، فقال : إنّي لأعلم أنّك حجرٌ لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبّلك واستلمك لما قبّلتك ولا استلمك ، فقال له عليّ عليه السلام : «بلى يا أميرالمؤمنين ، إنّه ليضرّ وينفع ، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب اللّه لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال اللّه تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» (3) ، فلمّا أشهدهم وأقرّوا أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم العبيد كتب ميثاقهم في رقٍّ ، ثمّ ألقمه الحجر ، وأنّ له لعينين ولساناً وشفتين ، يشهد بالموافاة ، فهو أمين اللّه عزّ وجلّ في هذا المكان» ، فقال عمر : لا أبقاني اللّه بأرض لست بها يا أبا الحسن . (4) وعن إحياء العلوم للغزالي بعد قوله عليه السلام : «ثمّ ألقمه هذا الحجر» _ : فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ، وعلى الكافر بالجحود ، قال : فذلك قول الناس عند الاستلام : اللّهمَّ إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك . (5) واعتذر عنه بعض المخالفين بأنّه إنّما قال ذلك خوفاً من افتتنان الناس بعبادة الأحجار . ويأبى عنه ما ذكر ، لاسيما خبر أبي سعيد كما لايخفى .

.


1- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 159-160 . ورواه أحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 46 .
2- .صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 162 .
3- .الأعراف (7) : 172 .
4- .شرح نهج البلاغة ، ج 12 ، ص 100-101 ، شرح الكلام 223 .
5- .إحياء علوم الدين ، ج 1 ، ص 469 ، كتاب أسرار الحجّ .

ص: 391

باب بدو البيت والطواف

قوله : (عن محمّد بن أحمد عن موسى بن عمر عن ابن سنان عن أبي سعيد القمّاط) . [ح 3 / 6708] محمّد بن أحمد هذا هو : أبو جعفر محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبداللّه بن سعد بن مالك الأشعري الثقة (1) ، وموسى بن عمر مشترك بين ثقة ومجهول ، أعني موسى بن عمر بن بزيع (2) ، وموسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل . (3) وابن سنان هو أخو عبداللّه المجهول بدليل روايته عن أبي سعيد القمّاط على ما يظهر من بعض كتب الرجال . (4) قوله : (وعليهم واللّه يشهد بالخَفْر) [ح 3 / 6708]، أي بنقض العهد ، يُقال خفره ، وبه خفرا وخفورا : نقض عهده كأخفَره . (5) قوله : (اصطكّت فرائص الملائكة) .[ح 3 / 6708] في كنز اللغة : اصطكاك : (بهم واكوفتن) (6) وفرائص : (گوشتهاى بُن بَغَل وگوشتهاى شانه وپهلو) (7) .

باب بدو البيت والطوافالأخبار دلّت على أنّ أوّل من بناه وطاف به هو آدم عليه السلام (8) ، وبه قال الأصحاب .

.


1- .اُنظر : رجال النجاشي ، ص 348 ، الرقم 939 ؛ إيضاح الاشتباه ، ص 277 ، الرقم 616 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 247 ، الرقم 41 .
2- .وهو ثقة. اُنظر : رجال النجاشي ، ص 409 ، الرقم 1089 ؛ رجال الطوسي ، ص 38 ، الرقم 5598 .
3- .لم يذكر فيه شيء ، اُنظر: رجال النجاشي، ص 405، الرقم 1075 .
4- .اُنظر: ترجمه سنان بن سنان في معجم رجال الحديث.
5- .القاموس المحيط، ج 2، ص 22 (خفر).
6- .كنزاللغة، ص 33، باب الألف مع الكاف.
7- .كنزاللغة، ص 194، باب الفاء مع الصاد.
8- .الفقيه، ج 2، ص 235، ح 2286؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 208، ح 17578.

ص: 392

وحكى طاب ثراه عن السهيليّ (1) من علماء العامّة أنّه قال : بُنيت الكعبة في الدهر خمس مرّات : الاُولى : حين بناها شيث بن آدم عليهماالسلاموكانت في حياة آدم خيمة من لؤلؤة حمراء، يطوف بها ويأنس إليها ؛ لأنّها من الجنّة . الثانية : حين بناها إبراهيم عليه السلام . الثالثة : حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام . والرابعة : حين احترقت أيّام ابن الزبير بشرر طارت إليها من أبي قبيس، فاحترقت الأستار فأحرقت البيت ، فهدمها ابن الزبير وبناها على خلاف ما كانت عليه . الخامسة : لمّا قدم عبد الملك مكّة قال : لسنا من تخليط أبي خُبيب (2) في شيء، فهدمها وردّها على ما كانت عليه ، ثمّ ندم على ذلك وقال : ياليتني تركت أبا خُبيب وما تحمّل ، فلمّا قدم أبو جعفر [المنصور] أراد ردّها على ما بناها ابن الزبير ، وشاور في ذلك، فقال له مالك : أنشدك اللّه يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك، لا يشاء أحد منهم أن يغيّره إلّا غيّره ، فيذهب هيبته من قلوب الناس ، فصرفه عن رأيه . (3) انتهى . وأمّا أرضها المقدّسة فقد خلقها اللّه قبل دحو الأرض بألفي عام على ما سيرويه المصنّف قدس سره في باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة . (4) وحكى طاب ثراه عن بعض المفسّرين أنّها خلقت قبل السماوات والأرض ، فإنّها كانت زبدا على الماء ، ثمّ دُحيت الأرض من تحتها (5) ولذا سمّيت اُمّ القرى .

.


1- .السهيلي هو أبوالقاسم عبدالرحمن بن عبداللّه بن أحمد الخثعمي، ولد في مالقة سنة 508 ه ق و كفّ بصره و عمره سبع عشرة سنة، نشأ ببلدته، و كان مؤرّخا محدّثا أدبيا، أخَذَ عن ابن العربي و غيره، و اتّصل خبره إلى صاحب مراكش فطلبه إليها و أكرمه، فأقام يصنّف كتبه إلى أن توّفي سنة 581 ه ق، من كتبه: الروض الأنف في شرح السيرة النبويّة لابن هشام، تفسير سورة يوسف، التعريف و الإعلام، الإيضاح و التبيين، نتائج الفكر. راجع: الأعلام للزركلي، ج 3، ص 313، معجم المؤلّفين، ج 5، ص 147.
2- .أبو خبيب كنية لعبد اللّه بن الزبير.
3- .الروض الأنف، ج 1، ص 221 222، حديث بنيان الكعبة.
4- .هو الحديث الأوّل من ذلك الباب.
5- .تفسير الرازي، ج 8 ، ص 153 عن السدّي؛ و ج 4، ص 55 عن ابن عمر؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 115 و 328 عن ابن عمر و قتادة السدّى. و فى الجميع: «قبل الأرض»، و في الكشّاف، ج 1، ص 446: «عند خلق السماء و الأرض خلقه قبل الأرض بألفي عام...» . و مثله في مجمع البيان، ج 2، ص 347 348.

ص: 393

قوله في خبر عمران بن عطية : (وما الشَّرحب أصلحك اللّه ؟ قال : الطويل) [ح 1/ 6709 ]وهو قد جاء بالجيم المعجمة وبالهاء المهملة . (1) قوله : (فقال ممّن يسكن بيت المقدس) .[ح 1 / 6709] حكي طاب ثراه عن المازري أنّه قال : المقدس إمّا بفتح الميم وسكون القاف هو مصدر كالمرجع أو مكان ، أي بيت المكان الذي فيه التقدّس ، أي الطهارة من الأصنام أو الذنوب ، وإمّا بضمّ الميم وتشديد الدال ؛ أي البيت المطهّر من الأصنام أو من الخبائث . (2) قوله : (أن يجعل له بيتاً في السماء السادسة يسمّى الضّراح) [ح 1 / 6709 ]بالضاد المعجمة والراء والحاء المهملتين . وفي الصحاح : الضراح كغراب _ : البيت المعمور في السماء الرابعة . (3) ويدلّ الخبر على أنّه في السماء السادسة ، وقد اشتهر الأوّل بين أهل العلم . وفي شرح الفقيه : فيمكن أن يكون سادسة إذا حسب من التاسع الذي هو العرش (4) . وقال طاب ثراه : وفي روايات العامّة أنّه في السماء السابعة ، ذكر ابن سنجر (5) من حديث أبي هريرة قال : في السماء السابعة بيت يُقال له : المعمور بحيال الكعبة ، وفي السماء السابعة (6) : بحرٌ يقال له : الحياة ، يدخله جبرئيل كلّ يوم ، فينغمس انغماسة ، ثمّ

.


1- .كذا ورد في كتب اللغة بالجيم. اُنظر: العين، ج 6، ص 199؛ صحاح اللغة، ج 1، ص 154 (شرجب)؛ النهاية، ج 2، ص 456؛ القاموس المحيط، ج 1، ص87 .
2- .اُنظر: عمدة القاري، ج 1، ص 242.
3- .صحاح اللغة، ج 1، ص 386 (ضرح). و هذه العبارة من القاموس المحيط، ج 1، ص 236.
4- .روضة المتّقين ، ج 4 ، ص 100 .
5- .محمّد بن سنجر الجرجاني أبو عبداللّه ، محدّث، حافظ، مسند، توفّي في صعيد مصر في ربيع الأوّل سنة 258ه ق، من آثاره المسند. راجع: تاريخ جرجان، ص 379، الرقم 633؛ معجم المؤلّفين، ج 10، ص 58؛ الأعلام، ج 6، ص 223؛ الأنساب للسمعاني، ج 4، ص 518.
6- .كذا بالأصل، و لم أعثر على مسند ابن سنجر، و في سائر المصادر: «السماء الرابعة».

ص: 394

باب أنّ أوّل ما خلق اللّه من الأرضين موضع البيت

باب في حجّ آدم

يخرج فينتفض انتفاضة يخرج منها سبعون ألف قطرة ، يخلق اللّه من كلّ قطرة مَلكاً ، يُؤمرون بأن يأتوا البيت المعمور، ويصلّون فيه ، فيدخلون ثمّ يخرجون فلا يعودون إليه أبدا ، يؤتى عليه أحدهم ويؤمر أن يقف من السماء موقفاً ، يسبّحون اللّه إلى قيام الساعة ، وما يعلم جنود ربّك إلّا هو . (1)

باب أنّ أوّل ما خلق اللّه من الأرضين موضع البيتالغرض بيان شرافته بناءً على أنّ تقدّم الوجود أحد موجبات الشرف ، ولذلك استدلّ بالأخبار الدالّة عليه ؛ لأنّه أفضل المساجد حتّى المسجد الأقصى . قوله : (عن صالح اللفائفي) [ح 3 / 6713] باللام ، وفي بعض النسخ بالكاف ، وعلى أيّ حال فهو مجهول الحال . قوله : (ثمّ دحاها من عرفات إلى منى) .[ح 3 / 6713] فيه تنبيه على أنّه لابدّ من العود من عرفات إلى منى لمناسك يوم النحر وأيّام التشريق . ولا ينافي ذلك توسّط المشعر ، كما أنّ في قوله : «من تحت الكعبة إلى منى» تنبيه على أنّ بعد طواف العمرة والإحرام للحجّ من مكّة لابدّ من النزول في منى ، وفي قوله : «من منى إلى عرفات» تنبيه على الارتحال منه إليها ، ولمّا لم يكن في الخبر إشعار بتمام دحو الأرض ظاهرا فسّر طاب ثراه منى في قوله : «ثمّ دحاها من عرفات إلى منى» بالكعبة من باب مجاز المجاورة ؛ ليشعر بذلك .

باب في حجّ آدم عليه السلامظاهر الأخبار وجوب الحجّ عليه ، بل على من بعده من الأنبياء عليهم السلام أيضاً ، ولا ينبغي أن يستبعد ذلك من عدم وجوبه على اُممهم .

.


1- .اُنظر: تفسير ابن أبي حاتم، ج 10، ص 3314، ح 18673، تفسير ابن كثير، ج 4، ص 256؛ الدرّ المنثور، ج 6، ص 117.

ص: 395

قوله في خبر الحسن بن عليّ بن أبي حمزة : (وتلقّاه بكلمات) إلخ [ح 1 / 6718] ، قال طاب ثراه : قال صاحب الطرائف (1) : روى الشافعي بن المغازلي (2) في كتاب المناقب بإسناده عن عبداللّه بن عبّاس ، قال : سُئل النبيّ صلى الله عليه و آله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه ، قال : «سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام إلّا تبت عليَّ فتاب عليه» . (3) انتهى . وعن أهل البيت عليهم السلام : «أنّ آدم عليه السلام رأى أسماء مكتوبة على العرش مكرّمة معظّمة ، فسأل عنها ، فقيل له : هذه من أجلّ الخلق عند اللّه منزلةً ، والأسماء : محمّد ، وعليّ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، فتوسّل آدم إلى ربّه بهم في قبول توبته ورفع منزلته» . وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام : «هي قوله : اللّهمّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ، ربِّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين ، اللّهمَّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ، ربِّ إنّي ظلمت نفسي فارحمني إنّك خير الراحمين ، اللّهمَّ لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك ربِّ إنّي ظلمت نفسي فتُب عليَّ إنّك أنت التوّاب الرحيم» . وقيل : هي ما حكاه عنهما سبحانه بقوله : «قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ» (4) . وقيل : هي سبحانك اللّهمَّ وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدّك ، لا إله إلّا أنت

.


1- .صاحب الطرائف هو السيّد رضى الدين أبوالقاسم عليّ بن موسي بن طاووس الحلّي المتوفي سنة 664 من أعاظم علمائنا، و هو أعرف من أن يحتاج إلى التعريف، له من التصانيف: إقبال الأعمال، الأمان من أخطار الأسفار، التحصين، الدروع الواقية، الطرائف، المجتنى، الملاحم و الفتن ، اليقين، جمال الاُسبوع، سعد السعود، فتح الأبواب، فرج المهموم، كشف المهجّة، غياث سلطان الورى. اُنظر عنه: الكنى و الألقاب للقمّي، ج 1، ص 338 339.
2- .ابن المغازلي هو أبوالحسن علي بن محمّد الجلّابي الواسطي، و الصحيح في مذهبه على ما كتبه محقّق كتابه في مقدّمته المالكي: ترجم له ابن النجّار في تذييله على تاريخ بغداد، ج 19، ص 49 برقم 855 ، و عدّ من تصنيفاته الذيل الذي ذيّله على تاريخ واسط لبحشل و كتاب مشيخته، و أيضا ذكر ترجمته السمعاني في عنوان الجلّابي من كتابه الأنساب و قال: غرق ببغداد في دجلة في صفر سنة ثلاث و ثمانين و أربعمئة و حمل ميّتا إلى واسط فدفن بها.
3- .مناقب أهل البيت، ص 126، ح 92.
4- .الأعراف (7) : 23 .

ص: 396

باب علّة الحرم وكيف صار هذا المقدار الحرم

باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبة

ظلمتُ نفسي فاغفر لي ، إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت . والجمع واضح . قوله : (ثمّ أمره أن ينبطح في بطحاء) .[ح 2 / 6719] جمع يقال : أبطحة ، أي ألقاه على وجهه فانبطح ، والأبطح : مسيل واسع فيه دقاق الحصى ، والجمع : الأباطح والبِطاح أيضاً على غير قياس، والبطحاء : مؤنّث الأبطح ، ويقال للمزدلفة : جمع ؛ لاجتماع الناس فيها .

باب علّة الحرم وكيف صار هذا المقدار الحرمما دارت عليه الأميال المعروفة ، وسمّي بالحرم لاحترامه وإنّما حدّ بتلك الأميال لأنّها منتهى ضوء الياقوتة الحمراء التي اُنزلت من الجنّة في مكان البيت على ما دلّ عليه حسنة أحمد بن محمّد بن أبي نصر . (1) قوله في خبر محمّد بن إسحاق : (وكانت أوتادها من عقيان الجنّة وأطنابها من ضفائر الأرجوان) .[ح 2 / 6725] في النهاية : العقيان: هو الذهب الخالص. وقيل : هو ما ينبت منه نباتا. والألف والنون زائدتان. (2) والضَّفْر : النسج ، وأصل الضفاير : الذوائب المضفورة ، (3) والمراد بها : الأطناب من باب الاستعارة . والاُرجوان: صبغ أحمر شديد الحمرة ، وهو معرّب ارغوان . (4)

باب ابتلاء الخلق واختبارهم بالكعبةسمّي البيت الحرام كعبة لتربيعه . قال الجوهري : الكعبة البيت الحرام، والغرفة،

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 221 222، ح 17601.
2- .النهاية، ج 3، ص 283 (عقا).
3- .النهاية، ج 3، ص 92 (ضفر).
4- .النهاية، ج 2، ص 206 (رجن)؛ صحاح اللغة، ج 6، ص 2353.

ص: 397

وكلّ بيت مربّع ، (1) والمراد باختبارهم بها اختبارهم بالطواف بها ورعاية حقوقها . قوله في خبر عيسى بن يونس : (استوخم الحقّ) .[ح 1 / 6726] في نهاية ابن الأثير : يُقال : وخم الطعام إذا ثقل فلم يستمرأ ، فهو وخيم ، ويُقال : هذا الأمر وخيم الآخرة ، أي ثقيل رديء . (2) وقوله (فأحقّ) خبر لقوله : (اللّه منشئ الأرواح) .[ح 1 / 6726] قوله فيما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : (وعزّة لا تضام) الخ .[ح 2 / 6727] لا تضام : أي لا تُذلّ ، وهو من الضيم الظلم . (3) ويُقال : جبل وعرٌ ، أي غليظ حزن يصعب الصعود عليه . (4) ودمث المكان دمثاً ، إذا لانَ وسهل ، وهو دَمثٌ ودَمِثٌ . (5) وفي النهاية : النتق : الرفع ، ومنه حديث عليّ عليه السلام : «البيت المعمور نِتاقَ الكعبة من فوقها»، أي هو مُطلّ عليها في السماء ، ومنه حديثه الآخر : «والكعبة أقلّ نتائق الدنيا مَدَرا» ، النتائق : جمع نتيقة فعيلة بمعنى مفعولة من النتق ، وهو أن تقلع الشيء وترفعه من مكانه لترمي به ، هذا هو الأصل ، وأراد بها هاهنا البلاد ؛ لرفع بنائها وشهرتها في موضعها . (6) والوَشَل بالتحريك : الماء القليل . (7) وواتر أي منقطع منفرد . والدُّثور : الدروس، والداثر : الهالك . (8) والمثابة : الموضع الذي يُثاب إليه ، أي يرجع إليه مرّة بعد اُخرى . (9) والمنتجع : المنزل في طلب الكلاء . (10) والفجاج : جمع الفَجّ ، وهو الطريق الواسع بين

.


1- .صحاح اللغة، ج 1، ص 213 (كعب)، ولم يذكر فيه غَير المعنى الأوّل، و المذكورهنا بتمامه من القاموس المحيط، ج 1، ص 124.
2- .النهاية، ج 5، ص 164 (وخم).
3- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1973 (ضيم).
4- .النهاية، ج 5، ص 206 (وعر).
5- .النهاية، ج 2، ص 132 (دمث).
6- .النهاية، ج 5، ص 13 (نتق).
7- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1842 (وشل).
8- .صحاح اللغة، ج 2، ص 655 (دثر)؛ القاموس المحيط، ج 2، ص 27.
9- .صحاح اللغة، ج 1، ص 95 (ثوب).
10- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1288، (نجع).

ص: 398

باب حجّ إبراهيم وإسماعيل وبناؤهما البيت ومن ولّي البيت بعدهما

الجبلين . (1) وهززت الشيء فاهتزّ ، أي حرّكته فتحرّك . (2) ورَمَل : أسرع في المشي . (3) والتمحيص : الابتلاء والاختبار . (4) والرّيف : أرض فيها زرع وخصب ، وجمعه الأرياف . (5) والعراص جمع العرصة . (6) والغدق محرّكة : الماء الكثير . (7) والمتعلج : من اعتلجت الأمواج إذا التطمت ، أو من اعتلجت الأرض إذا طال نباتها . (8)

باب حجّ إبراهيم وإسماعيل وبناؤهما البيت ومن ولّي البيت بعدهما عليهماالسلامقد مرّ بعض ما يتعلّق بهذا الباب . قوله : (عن أبي العبّاس) إلخ .[ح 1 / 6728] الظاهر أنّه الفضل بن عبد الملك الثقة ، (9) فإنّه الذي يروي عنه أبان بن عثمان كما يظهر من باب ميراث الأبوين مع الاُخوة من هذا الكتاب ، (10) فالخبر موثّق بأبان بن عثمان ، بل عدّ كالصحيح بناءً على أنّ أبان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه . (11) والسّلم: شجر من العضاة. (12) والسمر بضمّ الميم: من شجر الطّلح، والجمع سُمُر بالضمّ. (13)

.


1- .صحاح اللغة، ج 1، ص 333 (فحج).
2- .صحاح اللغة، ج 3، ص 901 (هزز).
3- .صحاح اللغة، ج 2، ص 265 (رمل).
4- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1056 (محص).
5- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1367 (ريف).
6- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1045. و قال: «العرصة: كلّ بقعه بين الدور واسعة ليس فيها بناء».
7- .القاموس المحيط، ج 3، ص 271 (غدق).
8- .النهاية، ج 3، ص 286 (علج).
9- .رجال النجاشي، ص 308، الرقم 843 .
10- .صرّح في الحديث 3 من ذلك الباب برواية أبان بن عثمان عن فضل أبي العبّاس البغباق.
11- .اُنظر: اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 673، الرقم 705.
12- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1950 (سلم).
13- .صحاح اللغة، ج 2، ص 689 (سمر).

ص: 399

والعماليق والعمالقة من ولد عمليق بن ولاد (1) بن ارم بن سام بن نوح ، وهم اُمم تفرّقوا في البلاد . (2) وساخ بالخاء المعجمة ، أي غار (3) ، وبالمهملة ، أي جرى على وجه الأرض . (4) قوله في موثّق ابن فضّال : (أيّ شيء السكينة عندكم؟) [ح 6 / 6733] قال طاب ثراه : قال بعضهم : هي الرحمة ، وقال بعضهم: هي الطمأنينة ، وقال بعضهم : هي الوقار ، وقال بعضهم: هي ريح لها وجه كوجه الإنسان ، وقال بعضهم : لها رأسان ، وقال بعضهم : هي حيوان كالهرّ له جناحان ، وقال بعضهم : هي سكّة من ذهب الجنّة . وقيل : هي ما يعرفونه من الآيات ويسكنون إليه ، وقيل : هي روح من اللّه تنكل وتبين إذا اختلف في الشيء ، وقيل : هي الملائكة . (5) قوله في موثّق ابن فضّال عن عبداللّه بن سنان : (ثمّ نادى هلّم الحجّ ، هلمّ الحجّ فلو نادى هلمّوا إلى الحجّ لم يحجّ إلّا من كان يومئذٍ إنسيّاً مخلوقاً ولكنّه نادى هلمّ الحجّ فلبّى الناس في أصلاب الرجال) .[ح 7 / 6734] وفي الفقيه : ولكنّه نادى هلمّ إلى الحجّ فلبّى الناس في أصلاب الرجال وأرحام النساء . (6) قال الجوهري : هَلُمَّ يارجل بفتح الميم بمعنى تعال . قال الخليل : أصل هلُمّ لُمّ من قوله : لمَّ اللّه شعثه ، أي جمعه ، كأنّه أراد لُمّ نفسك إلينا ، أي اجمع بنفسك إلينا واقرب ، وها للتنبيه وإنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، وجعلا اسماً واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة

.


1- .كذا بالأصل، و في المصادر: «لاوذ» بدل «ولاد».
2- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1533. وانظر: مجمع البيان، ج 4، ص 288، في تفسير الآية 65 من سورة الأعراف.
3- .بحارالأنوار، ج 21، ص 151.
4- .صحاح اللغة، ج 1، ص 377 (سيح).
5- .اُنظر: جامع البيان للطبرى، ج 2، ص 827 829 ، ح 4420 4430؛ المحرّر الوجيز لابن عطيّة، ج 1، ص 333.
6- .الفقيه، ج 2، ص 199، ح 2133.

ص: 400

أهل الحجاز ، قال اللّه تعالى : «وَالْقَائِلِينَ لِاءِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا» (1) ، وأهل نجد يصرفونها ويقولون للإثنين: هلمّا، وللجماعة هلمّوا ، وللمرأة هلمّي ، وللنساء هَلْمُمْنَ ، والأوّل أفصح . (2) هذا ، وقد استشكل أمر الفرق بين الصيغتين ، وأظنّ أنّه من متشابهات الأخبار لا يعلم تأويلها إلّا اللّه والراسخون في العلم ، وقد ذكر فيه وجوه من التأويل من باب الاحتمال . قال طاب ثراه : «كأنّ في استتار ضمير المخاطب إشارة إلى أنّ الخطاب للمستترين في الأصلاب والأرحام ». وقال جدّي قدس سرهفي شرح الفقيه : الظاهر أنّ الفرق باعتبار أنّ المعروف من الخطاب العام الشامل للقليل والكثير والموجود والمعدوم إتيانه بلفظ المفرد ، فكأنّه يطلب من كان له أهليّة الطلب . وأمّا الإتيان بلفظ الجمع فالظاهر منه انصرافه إلى الموجودين إلّا ما أخرجه الدليل ، مثل تكاليفنا بالآيات والأخبار ، فإنّا داخلون بالضرورة من الدين . أو يقال : الظاهر من عبارة الخبر كما في الكافي والعلل (3) تكليف الحجّ بدون إلى وكانت الزيادة من النسّاخ ، والحجّ شامل للمعدومين شموله للموجودين ، بخلاف هلمّوا إلى الحجّ ، فإنّ الظاهر منه تكليف المكلّفين إليه ، والظاهر اختصاصه بالموجودين . وقيل : لأنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ، وفيه تأمّل . (4) قوله في خبر أبي بصير : (قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام : تروَّه من الماء) إلخ . [ح 9 / 6737] الهاء في تروّه للسكت ، وقوله : «فسمّيت التروية» لذلك يدلّ على أنّ قول جبرئيل عليه السلام ذلك علّة لتلك التسمية ، وعلل الشرائع لمّا كانت معرّفات لا ينافي ذلك ما رواه الصدوق رضى الله عنه في كتاب علل الشرائع في الحسن عن عب[ي]داللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته لِمَ سمّي يوم التروية؟ قال : «لأنّه لم يكن بعرفات ماء وكانوا

.


1- .الأحزاب (33) : 18 .
2- .صحاح اللغة، ج 5، ص 206 (هلم).
3- .علل الشرائع، ص 419، الباب 158، ح 1.
4- .روضة المتّقين، ج 3، ص 111.

ص: 401

يستقون من مكّة الماء ريّهم ، وكان يقول بعضهم لبعض : ترويّتم ترويّتم ، فسمّي يوم التروية لذلك» . (1) والقرطان بالضمّ : البرذعة ، وهي على ما قال الخليل : الحِلس الذي تحت الرَّحل . (2) والمُدية : سكين عظيم . (3) وقال الجوهري : «نحوت بصري إليه ، أي صرفت وأنحيت عنه بصري : عدلت ، وانتحيت لفلان ، أي أعرضت له» . (4) وقال ابن الأثير في حديث حرام بن ملحان : فانتحى له عامر بن الطفيل فقتله ، أي عرض له وقصده ، يقال : نحى وأنحى وانتحى . (5) والفَرَق بالتحريك : الخوف . (6) وكابرا عن كابر: يعني عقباً بعد عقب . قال ابن الأثير : «وفي حديث الأقرع والأبرص : «ورثته عن آبائي وأجدادي كابرا عن كابر، أي كبيرا عن كبير في العزّ والشرف» . (7) وقال أيضاً : «وفيه : أنّ بعض الخلفاء دفن بعرين مكّة ، أي بفنائها ، وكان دفن عند بئر ميمون» . (8) هذا ، وقد دلَّ الخبر على أنّ الذبيح هو إسحاق عليه السلام وقد رواه في مجمع البيان عن عليّ عليه السلام وعن ابن مسعود وقتادة وسعيد بن جبير ومسروق وعكرمة وعطاء والزهري والسدي والجبائي ، (9) وهو المشهور بين العامّة ، وإليه ذهبت اليهود، والمذهب

.


1- .علل الشرائع، ص 435، الباب 171، ح 1.
2- .ترتيب كتاب العين، ج 1، ص 150 (برذع).
3- .النهاية، ج 3، ص 472 (فلل)؛ و ج 4، ص 310 (مدا)، و ليس فيه ولا في غيره من كتب اللغة تقييده بالعظيم.
4- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2503 2504 (نحا).
5- .النهاية، ج 5، ص 30 (نحا). و حرام بن ملحان من بني النجّار خال أنس بن مالك، شهد بدرا و اُحدا و قتل يوم بئرمعونة. اُنظر: اُسد الغابة، ج 1، ص 395.
6- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1541 (فرق).
7- .النهاية، ج 4، ص 142 (كبر).
8- .النهاية، ج 3، ص 223 (عرن).
9- .مجمع البيان، ج 8 ، ص 322، في تفسير سورة الصافّات.

ص: 402

المنصور أنّه إنّما هو إسماعيل ، وهو المشهور بين العلماء الأخيار، (1) والظاهر من أخبار الأئمّة الأطهار ، وقد ثبت من الطريقين قوله صلى الله عليه و آله : «أنا ابن الذبيحين» . (2) وربّما استدلّ له بقوله سبحانه : «فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ» (3) ، حيث إنّه تعالى بشّر بتولّد إسحاق عليه السلام وبأنّه سيولد له يعقوب ، فكيف تصحّ البشارة بذرّيّة إسحاق ثمّ الأمر بذبحه قبل الحُلُم ؟ وتحقّق البداء فيه خلاف الظاهر ، ولم ينقل عن أحد . على أنّ العامّة غير قائلين به ، وبقوله سبحانه : «فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْاخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنْ الصَّالِحِينَ» (4) ، فإنّه سبحانه بشّر بولادة إسحاق بعد بشارته بالغلام الحليم وحكاية ذبحه . وهذا الاستدلال مأخوذ من قول أبي عبداللّه عليه السلام ، فقد قال الصدوق رضى الله عنه : وسئل الصادق عليه السلام عن الذبيح مَن كان؟ فقال : «إسماعيل ؛ لأنّ إسحاق اللّه عزوجل ذكر قصّة في كتابه ، ثمّ قال : «وَ بَشَّرْنَ_هُ بِإِسْحَ_قَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّ__لِحِينَ» » . (5) والحمل على بشارته بنبوّة إسحاق يأباه ظاهر المقام . والعامّة احتجّوا على ما زعموا بإجماع اليهود ، واليهود بالتوراة وتواتره ، وأنت

.


1- .اُنظر: ترتيب الأمالي، ج 1، ص 46 48، ح 11؛ التبيان، ج 8 ، ص 518، الأمالى للطوسي، المجلس 16، ح 6؛ الخصال، ص 58، باب الاثنين، ذيل الحديث 78.
2- .الخصال، ص 55، باب الاثنين، ح77 و 78، و ص58؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1، ص 189، الباب 18، ح 1؛ الفقيه، ج 4، ص 368، ضمن ح 5762؛ الأمالي للطوسي، المجلس 16، ح 26؛ المستدرك للحاكم، ج 2، ص 559.
3- .هود (11) : 71 .
4- .الصافّات (37) : 101 112 .
5- .الفقيه، ج 2، ص 230، ح 2278.

ص: 403

تعلم انقطاع تواترهم في عهد بخت نصر ، ووجود تحريف كثير في توراتهم، والشجرة تُنبئ عن الثمرة . وأمّا هذا الخبر ونحوه فكأنّه ورد للتقيّة ، وقد ذهب إلى ما ذهبنا إليه جماعة من العامّة أيضاً ، منهم ابن عبّاس وابن عمر وسعيد بن المسيّب والحسن ومجاهد والشعبي والربيع بن أنس والكلبي ومحمّد بن كعب القرظي على ما حكى عنهم الشيخ أبو عليّ الطبرسي قدس سره . (1) وروى عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعب أنّه قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فسألني عن الذبيح ، فقلت : إسماعيل ، واستدللت بقوله تعالى : «وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّا مِنْ الصَّالِحِينَ» ، فأرسل إلى رجل بالشام كان يهوديّاً وأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنّه من علماء اليهود ، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك وأنا عنده ، فقال : إسماعيل ، ثمّ قال : واللّه يا أمير المؤمنين ، إنّ اليهود لتعلم ذلك ولكن يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أبوكم الذي كان من أمر اللّه فيه ما كان، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنّه إسحاق ؛ لأنّ إسحاق أبوهم . (2) وعن الأصمعي أنّه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح ، هو إسحاق أم إسماعيل؟ فقال : يا أصمعي ، أين ذهب عقلك؟ ومتى كان إسحاق بمكّة؟ وإنّما كان بمكّة إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه ، والمنحر بمكّة لاشكّ فيه . (3) قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (فقال : أملح) إلخ .[ح 11 / 6738] الأملح : الذي بياضه أكثر من سواده ، وقيل : هو النقيّ البياض . (4) وقد مرّ معنى

.


1- .مجمع البيان، ج8 ، ص 322، في تفسير سورة الصافّات.
2- .مجمع البيان، ص 8 ، ص 323. و رواه الثعلبي في تفسيره، ج 8 ، ص 153؛ و البغوي في تفسيره، ج 4، ص 32؛ و الطبري في جامع البيان، ج 23، ص 101، ح 22646.
3- .مجمع البيان، ج 8 ، ص 323. و ورد الحديث في الكشّاف، ج 3، ص 350؛ تفسير الثعلبي، ج 8 ، ص 153؛ تفسير البغوي، ج 4، ص 33؛ تفسير القرطبي، ج 15، ص 100؛ البحر المحيط، ج 7، ص 356.
4- .النهاية، ج 4، ص 354 (ملح).

ص: 404

الظرف في قوله «في سواد» في المواضع الثلاثة في كتاب الزكاة . قوله في خبر أبي بصير : (وفي أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفيّة) إلخ .[ح 18 / 6745] المراد بالحنيفيّة سنّة إبراهيم عليه السلام ، وجُرهُم كقنفذ : حيّ من اليمن، تزوّج فيهم إسماعيل عليه السلام . (1) ويُقال : بكَّ عنقه ، أي دقّه . (2) وبسَسْت المال في البلاد فانبسّ، إذا أرسلته فتفرّق فيها . (3) والزعاف بالزاي والغين المهملة : القتل السريع ، يُقال : زَعَفه زَعفاً ، أي قتله قتلاً سريعاً ، (4) والنّمل كالنُّملَة : قروح في الجنب وبُثرٌ يخرج في الجسد بالتهابٍ واحتراق ويَرِم مكانها يسيرا أو يدبّ إلى موضع آخر كالنملة وسببها صفراء حادّ يخرج من أفواه العروق الدّقاق ، ولا يحتبس فيما هو داخل من ظاهر الجلد للطافتها وحدّتها . (5) قال الجوهري : ويسمّيها الأطبّاء الذباب . (6) قوله في خبر أبي سعيد الأعرج : (وكانوا لا يملى لهم إذا انتهكوا المحارم) إلخ .[ح 20 / 6747] يُقال : أملى اللّه له ، أي أمهله . (7) وقال طاب ثراه : كان أمير أهل الشام القادمين بمكّة الحجّاج بن يوسف الثقفي من قبل عبد الملك بن مروان ، وأمير أهل مكّة عبداللّه بن الزبير . توضيح ذلك على سبيل الإجمال أنّ أهل مكّة بعد موت معاوية بايعوا ابن الزبير ، واجتمع على طاعته أهل الحجاز والعراق وخراسان ، ووقع بينه وبين يزيد ومروان بن

.


1- .اُنظر: صحاح اللغة، ج 5، ص 1886، ترتيب كتاب العين، ج 1، ص 285 (جرهم).
2- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1576 (بكك).
3- .صحاح اللغة، ج 3، ص 909 (بسس).
4- .مجمع البحرين، ج 2، ص 277 (ز ع ف).
5- .القاموس المحيط، ج 4، ص 61 (نمل).
6- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1836 (نمل).
7- .مجمع البحرين، ج 4، ص 233 (م ل و).

ص: 405

الحكم محاربات حتّى مات مروان وولي ابنه عبد الملك ، واستعلى أمره بطاعة أهل الشام ومصر والمغرب وغيرها من البلاد ، فوجّه الحجّاج في جيشٍ عظيم، فحصر ابن الزبير بمكّة خمسة أشهر وسبعة عشر يوماً ، فحاصر أهل مكّة، وهم التجوا بالكعبة ، وازدحموا في المسجد ، فاستقرّ رأي الحجّاج وأصحابه برمي المنجنيق ، ولطّخوا الأحجار بدم الخنازير ، إلى أن خرّب الكعبة ، وغلب على ابن الزبير وقتله وهو ابن اثنين وسبعين سنة ، و قد كان بويع له وهو ابن خمس وستّين سنة ، ثمّ صلبه بعدما قتله في عقبة المدنييّن ، وبقي مصلوباً إلى أن دخل عروة بن الزبير إلى عبد الملك وسأله أن ينزله من خشبته فأسعفه . (1) انتهى . وأقول : قد اشتهر في الألسن أنّ الحجّاج خرّب الكعبة على ابن الزبير ؛ لتحصّنه بها ، وأنّه لطّخ حصى المنجنيق بدم الخنازير لما أنّ الملائكة كانوا يردّونها ولم ارَ خبرا بذلك يعتدّ به ، بل قد حكى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : أنّه لمّا قدم الحجّاج مكّة شاور ابن الزبير حليلته الجليلة بنت الحسين عليه السلام واُمّه في بيعة عبد الملك والمصالحة مع الحجّاج ، فنهتاه عن ذلك وأمرتاه بمحاربته ، وألبسته اُمّه أسلحة الحرب بيدها وأخرجته من بيته ، فخرج في جماعة من أصحابه وقاتل حتّى قُتل في بعض الأزقّة . (2) وأنّى له الخنازير بمكّة؟ وكيف تيسّر له ذلك؟ وقد ثبت أنّه ما أراد أحد هتك حرمتها إلّا أهلكه اللّه تعالى . يدلّ عليه أخبار منها هذا الخبر ، ومنها ما رواه حسّان بن مهران قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «مكّة حرم اللّه والمدينة حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله

.


1- .اُنظر: تاريخ الطبري، ج 5، حوادث سنة 72؛ الاستيعاب، ج 3، ص 907 910، ترجمة عبداللّه بن الزبير؛ شرح نهج البلاعة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 103 106، شرح الخطبة 461.
2- .اُنظر: شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 103 104، شرح الكلام 461. و ما ذكره هنا من مشورة ابن الزبير مع حليلته بنت الحسين عليه السلام لم يذكر فيه، و لم تكن بنت الامام الحسين عليه السلام حليلة لعبد اللّه بن الزبير، بل كانت سكينة بنت الحسين عليه السلام زوجا لمصعب بن الزبير. اُنظر: ترجمة سكينة بنت الحسين في الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 8 ، ص 475؛ و في تاريخ مدينة دمشق، ج 69، ص 205. و راجع: تاريخ الطبري، ج 5، ص 30 31، حوادث سنة ثلاث وسبعين.

ص: 406

والكوفة حرمي ، لا يريدها جبّار بحادثة إلّا قصمه اللّه » (1) ، ولو رامَ ذلك لرُمي بحجارةٍ من سجّيل ، «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَ_بِ الْفِيلِ» . وأظنّ أنّه إنّما هدم الكعبة لإخراج ما كان قد أدخله ابن الزبير فيها من الحجر ظلماً ، وإنّما أدخله فيها لزعمه أنّ نحوا من ستّة أذرع من الحجر كان من البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام ، واُخرج عنه في الجاهليّة ؛ لما روته عائشة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ فقد روى البخاري عن جرير بن حازم ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها : «يا عائشة لولا أنّ قومك حديثوا عهدٍ بالجاهليّة لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما اُخرج منه وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين باباً شرقيّاً وباباً غربيّاً، فبلغت به أساس إبراهيم عليه السلام »، فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه . قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه بناه ، وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل . قال جرير : فقلت له : أين موضعه؟ قال : اُريكه الآن ، فدخلت معه الحجر ، فأشار إلى مكان ، قال : هاهنا . قال جرير : فحرزت من الحجر ستّة أذرع ونحوها . (2) وحكى طاب ثراه : أنّ ابن الزبير قال : سمعت عائشة تقول : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لولا أنّ الناس حديثوا عهد بالكفر لجعلت لها باباً يدخل الناس منه ، وباباً يخرج الناس منه ، ورددتها إلى بناء إبراهيم عليه السلام ، وليس عندي من النفقة ما يقوّيني على بنائه على ما كان عليه بناء إبراهيم عليه السلام » . فقالت عائشة : أنا أجد ما أنفق ولست أخاف الناس ، فهدمها وبنى بناءً له بابان كما كان في الأوّل ، ثمّ هدّمها الحجّاج وبنى بناءً على نحو بناء قريش . (3)

.


1- .الكافي، باب تحريم المدينة من أبواب الزيارات، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 360، ح 19386.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 157.
3- .اُنظر: صحيح مسلم، ج 4، ص 99.

ص: 407

باب حجّ الأنبياء

وفي العزيز : لبيت اللّه أربعة أركان : ركنان يمانيان وركنان شاميّان ، وكان لاصقاً بالأرض وله بابان شرقيّ وغربيّ ، فذكر أنّ السيل هدمه قبل مبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هي عليها اليوم ، ولم يجدوا من النذور والهدايا والأموال الطيّبة ما يفي بالنفقة ، وتركوا من جانب الحجر بعض البيت ، وخلفوا الركنين الشاميّين عند قوائم إبراهيم عليه السلام ، وضيّقوا عرض الجدر من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكّان مرتفعاً ، وهو الذي يسمّى الشاذروان . وقد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعائشة : «لولا حدثان قومك بالشرك لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم عليه السلام فألصقته بالأرض ، وجعلت له بابين شرقيّاً وغربيّاً» . ثمّ إنّ ابن الزبير هدمه أيّام ولايته وبناه على قواعد إبراهيم عليه السلام كما تمنّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ لمّا استولى عليه الحجّاج هدمه وأعاده على الصورة التي عليه اليوم وبنى بناء قريش . (1) وفي ذلك أخبار اُخرى تجيء مع تمام تحقيق القول فيه في باب من احتصر في الطواف.

باب حجّ الأنبياء عليهم السلامقد سبق بعض الأخبار في ذلك في بعض الأبواب السابقة . قوله في [خبر الحسن بن صالح] : (ثمّ استوت على الجودي) إلخ .[ح 2 / 6749] قال الجوهري : الجودي جبل بأرض الجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام ، وقرأ الأعمش : واستوت على الجودي بإرسال الياء ، وذلك جائز للتخفيف . (2) وفي مجمع البيان : قال الزجّاج : هو بناحية آمد ، وقال غيره بقرب جزيرة الموصل . وقال أبو مسلم : الجودي اسم لكلّ جبل وأرض صلبة . وفي كتاب النبوّة مسندا إلى أبي بصير، عن أبي الحسن عليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 290 291.
2- .صحاح اللغة ، ج 2، ص 462 (جود).

ص: 408

قال : «كان نوح لبث في السفينة ما شاء اللّه ، وكانت مأمورة فخلّى سبيلها، فأوحى اللّه إلى الجبال: أنّي واضع سفينة نوح على جبل منكم ، فتطاولت الجبال وشمخت وتواضع الجودي وهو جبل بالموصل فضرب جؤجؤ السفينة الجبل، فقال نوح عليه السلام عند ذلك : ياماريا اتقن ، وهو بالعربية : (1) ياربّ أصلح». وقيل : أرست السفينة على الجودي شهرا . (2) والظاهر من خبر المفضّل بن عمر الذي نرويه عن قريب من أنّه الغري ، وهو الأظهر والأشهر بين الأصحاب . [قوله في خبر أبي بصير: (مرّ موسى بن عمران في سبعين نبيّا على فجاح الروحاء) ] . (3) [ح 3 / 6749] والفجّ : الطريق الواسع بين الجبلين . (4) والروحاء : موضع قرب المدينة بين الحرمين . (5) والمراد بالعباءة الجنس ، وإلّا فكان عليه عباءتان كما يظهر من حسنة هشام بن الحكم (6) وخبر جابر (7) ومرسلة زيد الشحّام . (8) وفي نهاية ابن الأثير : وفيه كأنّي أنظر إلى موسى بن عمران في هذا الوادي محرماً بين قطوانيتين ، القطوانية : عباءة بيضاء قصيرة الخَمَل، والنون زائدة، كذا ذكره الجوهري في المعتل وقال: كساء قطواني . (9)

.


1- .المثبت من المصدر، و فى الأصل: «يا ماديا أتقن، و بالعربيّة».
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 282.
3- .أضفناه من المصدر لتقويم العبارة في الشرح.
4- .صحاح اللغة، ج 1، ص 333 (فجج).
5- .القاموس المحيط، ج 1، ص 225؛ شرح اُصول الكافي للمولى صالح المازندارني، ج 6، ص 415؛ بحارالأنوار، ج 13، ص 10.
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
7- .هو الحديث الخامس من هذاالباب، و كان في الأصل: «خبر حمّاد» فصوّبناه حسب المصدر.
8- .هو الحديث الثامن من هذاالباب.
9- .النهاية، ج 4، ص 85 (قطا). و كلام الجوهري في صحاح اللغة، ج 6، ص 2465 (قطا). و الحديث في مسند أبي يعلى، ج 9، ص 27، ح 5093؛ و المعجم الأوسط للطبراني، ج 6، ص 307 308.

ص: 409

قوله في خبر هشام بن الحكم : (بصفاح الرّوحاء) .[ح 4 / 6750] صفح الشيء : ناحيته ، وصفح الإنسان [جنبه] ، وصفح الجبل : مضجعه ، (1) والجمع صفاح . (2) ويظهر من قوله عليه السلام : «وأنّ آدم لفي حرم اللّه » ، كونه عليه السلام مدفوناً في الحرم وكأنّه للتقيّة ، وإلّا فمذهب الأصحاب والظاهر من بعض أخبار زيارة أمير المؤمنين عليه السلام أنّه في الغريّ . (3) والحمل على كونه عليه السلام في الحرم في حياته ، أو إرادة الغري من الحرم بعيد في هذا المقام . ومنشأ كونه عليه السلام بالغري ما رواه جدّي قدس سره في شرح الفقيه عن المفضّل بن عمر الجعفي ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقلت له : إنّي أشتاق إلى الغريّ . قال : «فما شوقك إليه؟» فقلت له : إنّي اُحبّ أن أزور أمير المؤمنين عليه السلام . فقال : «هل تعرف فضل زيارته؟» فقلت : لا ياابن رسول اللّه إلّا أن تعرّفني ذلك . فقال : «إذا زرت أمير المؤمنين عليه السلام فاعلم أنّك زائر عظام آدم وبدن نوح عليهماالسلاموجسم عليّ بن أبي طالب عليه السلام » . فقلت : إنّ آدم هبط بسرنديب في مطلع الشمس ، وزعموا أنّ عظامه في بيت اللّه الحرام ، فكيف صارت عظامه بالكوفة؟ فقال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ أوحى إلى نوح عليه السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت اُسبوعاً ، فطاف بالبيت كما اُوحي إليه ، ثمّ نزل في الماء إلى ركبتيه ، فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم عليه السلام ، فحمل في جوف السفينة حتّى طاف ما شاء اللّه أن يطوف ، ثمّ ورد إلى باب

.


1- ..صحاح اللغة، ج 1، ص 382 (صفح). و فيه و في سائر المصادر: «مضطجعه» بدل «مضجعه».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 234 (صفح).
3- .اُنظر: المزار لابن المشهدي، ص 192، الباب 12، و ص 255، الباب 13؛ إقبال الأعمال، ج 3، ص 135، الفصل 12.

ص: 410

باب ورود تبّع البيت وأصحاب الفيل و

الكوفة في وسط مسجدها ، ففيها قال اللّه تعالى للأرض : «ابْلَعِى مَآءَكِ» (1) ، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء منه ، وتفرّق الجمع الذي كان مع نوح في السفينة ، فأخذ نوح عليه السلام التابوت فدفنه في الغريّ ، وهو قطعة من الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه عيسى تقديساً ، واتّخذ عليه إبراهيم خليلاً، واتّخذ محمّدا صلى الله عليه و آله حبيباً، وجعله للنبيّين مسكناً ، فواللّه ما سكن فيه بعد أبويه الطيّبين آدم ونوح أكرم من أمير المؤمنين ، فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم عليّ بن أبي طالب ، فإنّك زائر الآباء الأوّلين ومحمّد خاتم النبيّين وعليّ سيّد الوصيّين ، وأنّ زائره يفتح اللّه له أبواب السماء عند دعوته ، فلا تكن عن الخير نوّاماً» . (2)

باب ورود تبّع البيت وأصحاب الفيل وحفر عبد المطّلب زمزم وهدم قريش الكعبة وبنائهم إيّاها وهدم الحجّاج لها وبنائه إيّاهاقال طاب ثراه : زمزم : بئر معروفة بالمسجد الحرام على نحو من ثمانية وأربعين ذراعاً من البيت، وإنّما سمّيت زمزم لكثرة ماءها ، يُقال : ماء زمزم وزمزوم وزمزام ، إذا كان كثيرا ، وقيل : لزمّ هاجر أو جبرئيل عليه السلام إيّاها حين انفجر . (3) ثمّ قال : وهدم البيت وقع ثلاث مرّات : هدم قريش لها في الجاهليّة ، (4) وهدم الحجّاج لها في

.


1- .هود (11): 44.
2- .روضة المتّقين، ج 5، ص 366 367. و الحديث في كامل الزيارات، ص 89 91؛ و تهذيب الأحكام ، ج 6، ص 22 23، ح 51؛ ووسائل الشيعة ، ج 14، ص 385384، ح 19435.
3- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 267؛ و شرح صحيح مسلم له أيضا، ج 8 ، ص 194، و فيهما: «زمازم» بدل «زمزام»، و فيهما أيضا: «بينها و بين الكعبة ثمان و ثلاثون ذراعا».
4- .اُنظر: تاريخ الطبري، ج 2، ص 37، ذكر باقي الأخبار عن الكائن من اُمور رسول اللّه ...؛ الكامل في التاريخ ، ج 2، ص 42؛ تاريخ الإسلام، ج 1، ص 66.

ص: 411

حرب ابن الزبير ، (1) وهدم السيل في عصرنا هذا . ونقلت العامّة هدماً آخر بعد هدم قريش وقبل هدم الحجّاج ، نسبوه إلى ابن الزبير. (2) قوله في حديث إسماعيل بن جابر (3) : (حتّى لقى الفيل على طرف الحرم) . [ح2/6760] قال طاب ثراه : هو فيل الأثرم الحبشي ، وقد أشار إلى هذه القصّة أبو عبداللّه الآبي أيضاً ، قال : فلمّا استقبل الفيل مكّة وقف وثبت ، فاحتالوا عليه بكلّ حيلة ، فلم يقدروا عليه، فلم يزالوا كذلك حتّى أتاهم اللّه بالطير . (4) قوله في خبر عليّ بن إبراهيم : (وقال بعضهم : كساء طاروني) إلخ .[ح 4 / 6762] الطُّرن بالضم : الخزّ ، والطاروني : ضربٌ منه . (5) والسقف : عماد البيت ، والجمع سقوف. (6) والشريعة : مشرعة الماء ، وهو مورد الشاربة . (7) وبطحه على وجهه : ألقاه فانبطح . (8) والوَصَد محرّكة : النسج ، والوصّاد : النسّاج . (9) قوله في مرفوعة عليّ بن إبراهيم : (كان في الكعبة غزالان) .[ح 6 / 6764] قال طاب ثراه : قيل : أهدى ساسان أو سابور من ملوك الفرس غزالين من ذهب وخمسة أسياف إلى الكعبة ، وكانت فيها في زمن تولية جُرهم الحرم بعد إسماعيل عليه السلام ، فلمّا أحدثوا فيه

.


1- .اُنظر: الكافي، ح 8 من هذا الباب؛ تاريخ خليفة بن خيّاط، ص 208، حوادث سنة خمس و سبعين؛ تاريخ اليعقوبى، ج 2، ص 272؛ تاريخ الطبري، ج 5، ص 35، حوادث سنة أربع و سبعين؛ الروض الأنف، ج 1، ص 221.
2- .اُنظر: تفسير السمعاني، ج 1، ص 139؛ فتح الباري، ج 8 ، ص 14؛ عمدة القاري، ج 9، ص 221؛ البداية و النهاية، ج 8 ، ص 275 276، حوادث سنة 64.
3- .كذا، وفي الكافي : «هشام بن سالم» بدل «إسماعيل بن جابر».
4- .اُنظر: التبيان، ج 10، ص 410.
5- .القاموس المحيط، ج4، ص 244.
6- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1375 (سقف)؛ ترتيب كتاب العين، ج 2، ص 834 .
7- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1236 (شرع).
8- .صحاح اللغة، ج 1، ص 356 (بطح).
9- .القاموس المحيط، ج 1، ص 345 (وصد).

ص: 412

الحوادث وأراد اللّه سبحانه إخراجهم سلّط عليهم خزاعة ، فعمد الحارث بن مضاض الأصغر آخر ملوك جرهم حين علم أنّه يخرج من مكّة إلى مال الكعبة ، فدفنه ليلاً بزمزم ، وعفا أثره بالأحجار والتراب ، فلم يزل كذلك دارسة الأثر إلى أن غلب قصيّ خزاعة ، ولم يعرفوا موضع زمزم ، فلمّا أراد اللّه سبحانه إظهارها أرى عبد المطّلب الرؤيا التي أمر فيها بحفرها ، ودلّ على موضعها بالأمارات المذكورة . (1) وقوله : (ولا تدم) [ح 6 / 6764] من دام الشيء إذا سكن . وقوله : (لسقي الحجيج) [ح 6 / 6764] متعلّق بالحفر . (2) وكذا قوله: (عند الغراب الأعصم) ، وفي القاموس : الأعصم من الظباء والوعول: ما في ذراعيه أو أحدهما بياض وسائرها أسودا أو أحمر ، وهي عصماء . (3) وقال الجوهري : الغراب الأعصم : الذي في جناحه ريشة بيضاء ؛ لأنّ جناح الطائر بمنزلة اليد له . (4) وقوله : (وبلغ الطّوى) أي بلغ حدّ السقاء ، ففي القاموس: الطوى كعليّ : السقاء . (5) قوله في خبر الحسن بن راشد : (فأبى أن ينثني) الخ [ح 7 / 6765]، أي ينصرف من الحفر ويخرج من البئر. من الانثناء: الانصراف . وفي النهاية : الباع والبوع سواء ، وهو قدر مدّ اليدين وما بينهما من الصدر (6) . (7) فكان طول الباع كناية عن طول الجثّة وعظمها ، وشيبة الحمد كنية لعبد المطّلب . قال طاب ثراه في معارج النبوّة : (8)

.


1- .اُنظر: بحار الأنوار، ج 15، ص 173؛ البداية والنهاية، ج 2، ص 234.
2- .في «ه» : - «ودلّ على موضعها ... متعلّق بالحفر» .
3- .القاموس المحيط، ج 4، ص 151 (عصم).
4- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1986 (عصم).
5- .القاموس المحيط، ج 4، ص 358 (طوي).
6- .كذا، والموجود في المصدر : «البدن» .
7- .النهاية: ج 1، ص 162 (بوع).
8- .معارج النبوّة في مدارج الفتوّه لمعين الدين محمّد مسكين الفراهي المتوفّى سنه 907 أو 909 ه ق، فارسي في مقدّمة و أربعة أركان و خاتمة، ألّفه فى 891 ه ق. اُنظر: الذريعة، ج 21، ص 184، الرقم 4522.

ص: 413

باب في قوله عزّ وجلّ : فيه آيات بينات

سمّي بشيبة لأنّ شعر رأسه كان عند ولادته أبيض ، وقيل : كانت في رأسه شعرة واحدة بيضاء لكثرة الأفعال الحميدة فيه سمّي بشيبة الحمد ، وسمّي بعبد المطّلب لأنّ أباه مات وهو ابن سبع سنين ، وكان في يثرب لأنّ أباه هاشم تزوّج في يثرب سلمى بنت عمرو بن لبيد بن عامر بن النجّار الأنصاري ، فلمّا مات أبوه ذهب عمّه المطّلب إلى يثرب وسرقه من الاُمّ وأقربائها ، وكلّ من رآه في الطريق وسأل عنه وقال مَن هذا الصبيّ؟ قال : هو عبدٌ لي حتّى جاء مكّة. (1) ولسان الأرض ، أي رئيس أهل الأرض ، والمتكفّل لانتظام اُمورهم . و«تزوّج في مخزوم تقوّى ، واضرب بعد في بطون العرب» على صيغة الأمر في الموضعين ، يعني لابدّ لك أن تتزوّج في بني مخزوم، ثمّ أنت بالخيار في سائر بطون العرب إن شئت فتزوّج فيهم أيضاً ، فإن لم يكن معك مال يرغب فيه بنو مخزوم وسائر البطون فلكَ حسب شريف أو نسبٌ منيف يرغب فيهما بطون العرب ، وادفع السيوف كلّها إلى أولادك من المخزوميّة . وقال طاب ثراه : وكان له عشرة بنين : حارث وأبو لهب وحجل ومقوّم وضرار وزبير وأبو طالب وعبداللّه وحمزة وعبّاس وستّ بنات: صفيّة وعاتكة وبيضاء وبرّة واُميّة وأروى ، وكان زبير وأبو طالب وعبداللّه والبنات غير صفية من اُمّ واحدة ، هي فاطمة بنت عمرو بن عائد المخزومي ، وعبداللّه أصغرهم ، وكان حمزة ومقوم وحجل وصفيّة من اُمّ ، هي هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وكان عبّاس وضرار من اُمّ اُخرى ، هي نثيلة بنت خبّاب بن كلب ، وكانت اُمّ أبي لهب لبى بنت هاجر ، واُمّ حارث صفيّة بنت جندب . (2)

باب في قوله عزّ وجلّ : «فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ» قال اللّه سبحانه : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» (3) .

.


1- .معارج النبوّة، ط پاكستان، ج 2، ص 167.
2- .اُنظر: السيرة النبويّة لابن هشام، ج 1، ص 71 72، أولاد عبدالمطلّب.
3- .آل عمران (3) : 96 97 .

ص: 414

أي أوّل بيت وضع لعبادة الناس . ففي كنز العرفان: سُئل النبيّ صلى الله عليه و آله عن أوّل مسجد وضع ، فقال : المسجد الحرام ، ثمّ بيت المقدس . (1) وسُئل عليّ عليه السلام : أهوَ أوّل بيت؟ قال : «كان قبله بيوت ، لكنّه أوّل بيت وضع للناس ، وأوّل من بناه إبراهيم عليه السلام ، ثمّ بناه قوم من العرب من جرهم ، ثمّ هُدِم فبنته العمالقة ، ثمّ هدم فبناه قريش» . (2) وعن ابن عبّاس : هو أوّل بيت حُجَّ بعد الطوفان . (3) وقيل : أوّل بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض ، خلقه اللّه قبل أن خلق الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على وجه الماء ، ثمّ دُحيت الأرض من تحته (4) ، وهذا القول محمول على مكان البيت لا البيت نفسه . وقيل : أوّل بيت بناه آدم عليه السلام . (5) وقيل : لمّا هبط آدم قال له الملائكة : طف هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام، وكان في موضعه قبل آدم بيت يقال له : الضُرّاح ، فرفع في الطوفان إلى السماء الرابعة يطوف به الملائكة . (6) وقيل : إنّه أوّل بيت بالشرف لا بالزمان . (7) وعن أبي خديجة عن الصادق عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى أنزله من الجنّة ، وكان درّة بيضاء، فرفعه

.


1- .مسند أحمد، ج 5، ص 157 و 166؛ صحيح البخاري، ج 4، ص 136؛ صحيح مسلم، ج 2، ص 63؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 248، ح 753؛ سنن النسائي، ج 2، ص 32؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 255 256، ح 769، و ج 6، ص 376 377، ح 11281؛ صحيح ابن حبّان؛ ج 4، ص 475؛ الكشّاف، ج 1، ص 446.
2- .تفسير الرازي، ج 8 ، ص 154؛ البحر المحيط، ج 3، ص 6؛ الكشّاف، ج 1، ص 446.
3- .الكشّاف، ج 1، ص 446.
4- .تفسير ابن العربي، ج 1، ص 137؛ الكشّاف، ج 1، ص 446؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 328؛ تفسير الرازي، ج 8 ، ص 153.
5- .الكشّاف، ج 1، ص 446؛ تفسير الثعلبي، ج 3، ص 115؛ تفسير البغوي، ج 1، ص 328؛ تفسير النسفي، ج 1، ص 167.
6- .الكشّاف، ج 1، ص 446؛ عوالي اللآلي، ج 2، ص 83 ، ح 225؛ البحر المحيط، ج 3، ص 6.
7- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 67؛ تفسير أبي السعود، ج 2، ص 60.

ص: 415

اللّه إلى السماء وبقي اُسّه ، وبُني بحيال هذا البيت ، يدخل كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا ، وأمر اللّه إبراهيم وإسماعيل ببناء البيت على القواعد» (1) . (2) وقد اختلف المفسّرون في تفسير الآيات البيّنات ، فقيل : مقام إبراهيم بيان لها باعتبار اشتماله على آيات كأثر رجليه عليه السلام فيه ، وغوصهما إلى الكعبين (3) ، والآية بعض الصخرة دون بعض ، وحفظه في مدّة مديدة مع أعداء غير عديدة . أو باعبتار طيّ الآيات الباقية ، فكأنّه قيل : مقام إبراهيم والحجر الأسود وأنّ مَن دخله إلى غير ذلك كقول جرير : كانت حنيفة أثلاثاً فثلثهممن العبيد وثلثٌ من مواليها (4) بتقدير وثلث من الأوساط ليسوا بالعبيد ولا الموالي . وبهذا يشعر خبر ابن سنان (5) حيث فسّر الآيات فيه بمقام إبراهيم، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعيل والأخيران مطويّان ، وأيّده البيضاوي بقراءة «آية بيّنة» . (6) وقيل : مقام إبراهيم عطف بيان لخبر «إنّ» ، وهو «لَلَّذِي بِبَكَّةَ» ، فإنّ الحرم كلّه مقام إبراهيم . وأيّد ذلك بأنّ الآية نزلت ردّا على اليهود حيث فضّلوا بيت المقدس على المسجد الحرام ، وعلى هذا تكون الآيات كلّها مطويّة بناء على ظهورها ، كإهلاك أصحاب الفيل وغيرهم ممّن هتك حرمة الحرم ، واجتماع الظباء مع الكلاب فيه ، وأنّ الطير لا تعلو البيت وغير ذلك . وجوّز البيضاوي كون مقام مبتدأً محذوفاً خبره ، أي منها مقام إبراهيم أو بدلاً من

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 242، ح 2302؛ علل الشرائع، ص 398 399، الباب 140، ح 1؛ و هو الحديث الثاني من باب إنّ أوّل ما خلق اللّه الأرضين موضع البيت من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 208 209، ح 17580.
2- .كنز العرفان، ج 1، ص 259 260.
3- .جوامع الجامع، ج 1، ص 311؛ تفسير النسفي، ج 1، ص 167؛ الكشّاف، ج 1، ص 447.
4- .جوامع الجامع، ج 1، ص 311؛ الكشّاف، ج 1، ص 447.
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 68.

ص: 416

باب نادر

آيات بدل البعض . (1) قوله في موثّق ابن بكير : (أخذت مقداره بنسع) [ح 2 / 6768] النسع بالكسر : سير ينسج عريضاً على هيئة أعنّة النعال تُشدّ به الرِّحال ، والقطعة منه نِسعَة (2) ، وروى الصدوق في كتاب العلل مثل هذا الخبر موثّقاً عن سليمان بن خالد ، قال : لمّا أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى إبراهيم عليه السلام أن أذِّن في الناس بالحجّ أخذ الحجر الذي فيه أثر قدميه ، ثمّ قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره اللّه عزّ وجلّ به ، فلمّا تكلّم بالكلام لم يحتمله الحجر، فغرقت رجلاه فيه فقلع إبراهيم رجليه من الحجر قلعاً ، فلمّا كثر الناس وصاروا إلى الشرّ والبلاء ازدحموا عليه ، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه ؛ ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت ، فلمّا بعث اللّه عزّ وجلّ محمّدا صلى الله عليه و آله ردّه إلى الموضع الذى¨ وضعه إبراهيم عليه السلام فما زال فيه حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وفي زمن أبي بكر وأوّل ولاية عمر . ثمّ قال عمر : قد ازدحم الناس على هذا المقام ، فأيّكم يعرف موضعه في الجاهليّة؟ قال رجل : أنا أخذت قدره بقدّة (3) ، قال : والقدّة عندك؟ قال : نعم ، قال : فأت به ، فجاء به ، فأمر بالمقام فحمل وردَّ إلى الموضع الذي هو فيه الساعة . (4)

باب نادرالندرة هنا يحتمل المعنيين اللذين ذكرناهما قوله في خبر بكير بن أعين : (إنّ المزدلفة أكثر بلاءً وأبعد هواماً) .[ح 2 / 6770] الهامّة : كلّ ذات سمّ يقتل كالحيّة والأفعى ، فأمّا ما يسمّ ولا يقتل كالعقرب والزنبور فهو السامّة ، وقد يُطلق الهوام على الحشرات وإن لم يكن لها سمّ . (5)

.


1- .نفس المصدر.
2- .القاموس المحيط، ج 3، ص 88 (نسع).
3- .كذا بالأصل، و في المصدر: «بقدر» و كذا التالي، و القدّ: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ، والقدة أخصّ منه. صحاح اللغة، ج 2، ص 522 (قدد).
4- .علل الشرائع، ص 423، الباب 161، ح 1.
5- .شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني، ج 10، ص 426؛ عمدة القاري، ج 21، ص 287.

ص: 417

باب أنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات والأرض

باب أنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات والأرضقال طاب ثراه : «أي جعلها ذا حرمة أو حرّم دخولها بغير إحرام على حذف مضاف ، كقوله تعالى : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ» » (1) . ثمّ الظاهر أنّ التحريم وقع في ذلك اليوم إلّا أنّه كان خفيّاً وظهر في عهد إبراهيم عليه السلام ، ويحتمل أنّه تعالى كتب في اللوح أنّه سيحرّمها . وقال الآبي : «والأظهر أنّ تحريمها في ذلك اليوم كناية عن قدم التحريم ، وأنّه شريعة سابقة ليس ممّا اُحدث» . قوله في موثّق زرارة : (أن يختلا خلاه) إلخ .[ح 2 / 6772] الخلا مقصورة : الرطب من النبات ، واختلاه : جزّه أو نزعه . (2) ويقال : عَضِدت الشجر بكسر العين ، أي قطعته بالمعضَد ، وهو سيف يمتهن في قطع الشجر . (3) والإذخر بكسر الهمزة والخاء المعجمة : نبت طيّب الرائحة معروف . (4) قوله في حسنة حريز : (ثمّ أخذت بعضادتي الباب) إلخ .[ح 3 / 6773] عضادتا الباب : خشبتاه من جانبيه (5) ، ويعني صلى الله عليه و آله بالعبد نفسه ، وهزم الأحزاب وحده ، أي لا على أيدي البشر ، قال تعالى : «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحا» (6) ، الآية ، وفيها إشارة إلى وفاء اللّه تعالى بما وعد المؤمنين من غلبتهم في غزاة الخندق . وقيل : يحتمل إرادة أحزاب الكفر مطلقاً .

.


1- .النساء (4) : 23 .
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 326 (خلا).
3- .صحاح اللغة، ج 2، ص 509 (عضد).
4- .المجموع للنووي، ج 7، ص 42.
5- .صحاح اللغة، ج 2، ص 509 (عضد).
6- .الأحزاب (33) : 9 .

ص: 418

باب في قوله تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا)

وقيل : إنّ قوله : «صدق وعده» إلى آخره خبر في معنى الأمر ، كقوله : سمع اللّه لمن حمده . والتثريب : غاية التعيير والاستقصاء في اللوم . (1) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (إلّا ساعة من نهار) .[ح 4 / 6774] روى مثل هذا الخبر البخاري باسناده عن ابن عبّاس . (2) والمراد بالساعة : ساعة الفتح اُبيح له صلى الله عليه و آله فيها إراقة دماء الكفرة من قريش في الحرم من لم يلق منهم سلاحه ولا التجأ بدار أبي سفيان . (3)

باب في قوله تعالى : «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» (4)يعني في الدنيا والآخرة ، أمّا في الآخرة فعلى الشرط المعتبر للنجاة فيها ، وهو الإيمان ، وأمّا في الدنيا فمطلقاً عند الأصحاب وأكثر العامّة منهم أبو حنيفة ، حيث ذهبوا إلى أنّ الجاني في الحلّ الملتجئ إلى الحرم لا يحلّ تعذيبه ، وإن وجب تضييق المطعم والمشرب عليه حتّى يلتجأ إلى الخروج . (5) وخالف في ذلك الشافعي فزعم جواز قصاصه في الحرم (6) ، ولذا خصّ البيضاوي الأمن هنا بالأمن من العذاب يوم القيامة . (7) ويروي المصنّف قدس سره في باب النوادر عن عبد الخالق الصيقل ، قال : سألت أبا

.


1- .المجموع للنووي، ج 20، ص 37.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 214، باب لايحلّ القتال بمكّة.
3- .صحيح مسلم، ج 5، ص 171 172؛ مسند أحمد، ج 2، ص 292؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 39، ح 3024، و ص 38 39، ح 3022.
4- .آل عمران (3): 97.
5- .المجموع للنووي، ج 18، ص 472؛ المبسوط للسرخسي، ج 10، ص 94 95؛ بدائع الصنائع، ج 7، ص 114؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 27؛ تفسير البيضاوي، ج 2، ص 69.
6- .المجموع للنووي، ج 18، ص 472؛ روضة الطالبين، ج 7، ص 92؛ بدائع الصنائع، ج 7، ص 114؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 28.
7- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 69.

ص: 419

باب الإلحاد بمكّة والجنايات

باب لبس ثياب الكعبة

باب كراهية أن يؤخذ من تراب البيت وحصاه

عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» ، فقال : «لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني أحد إلّا مَن شاء اللّه » ، ثمّ قال : «من أمَّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمره اللّه عزّ وجلّ به وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا كان آمناً في الدنيا والآخرة» . (1) ويظهر منه اشتراط الأمن في الدنيا أيضاً بالإيمان ، فتأمّل .

باب الإلحاد بمكّة والجناياتقد اتّفق أهل العلم على أنّ مَن جنى في الحرم أو ألحدَ فيه يقاصّ فيه ويُقتل على الشرائط المعتبرة فيهما في غيره ، وأنّه ليس هو في حكم الملتجئ إليه . (2)

باب لبس ثياب الكعبةلا خلاف في جواز بيع ثياب الكعبة وشرائها ، وأنّه ليس لها حكم سائر الموقوفات ، والسرّ فيه أنّها إنّما وقفت عليها للبسها سنة ، ثمّ قسمتها على الخدمة على ما هو المعروف قديماً وحديثاً ، وإنّما لم يجوز لبسها للرجال في رواية عبد الملك بن عتبة (3) ؛ لكونها حريرا .

باب كراهية أن يؤخذ من تراب البيت وحصاهأراد بالكراهية الحرمة . نعم ، يجوز أخذ قمامته .

.


1- .هو الحديث 25 من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 98، ح 14337.
2- .اُنظر: المقنعة، ص 744؛ المهذّب لابن البرّاج، ج 1، ص 273؛ المختصر النافع، ص 293؛ شرائع الإسلام، ج 4، ص 1018؛ الجامع للشرائع، ص 574؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 233؛ تبصرة المتعلّمين، ص 263؛ تحرير الأحكام، ج 5، ص 562؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 628؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 472، الدرس 118؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 67؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 333.
3- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. و رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 252 253، ح 2333؛ و الشيخ الطوسي فى تهذيب الأحكام، ج 5، ص 449، ح 1567؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 257، ح 17686.

ص: 420

باب كراهية المقام بمكّة

قوله في خبر معاوية بن عمّار : (أخذت سكّاً من سكّ المقام) ،[ح 2 / 6786]. والسُكّ بالضمّ: ضرب من الطيب . (1) قوله في خبر حذيفة بن منصور : (فقال ردّه إليها) [ح 3 / 6787] ظاهره وجوب ردّ القمامة ، ولم ينقل عن أحد ، فكان المراد من ترابها غير القمامة ، فتأمّل .

باب كراهية المقام بمكّةأراد بالكراهة المعنى المصطلح . ويدلّ عليها زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة» ، قلت : فكيف يصنع؟ قال : «يتحوّل عنها» . (2) والعلّة فيها ما رواه الصدوق في العلل عن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّوجلّ «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ» (3) ، فقال : «كلّ ظلم يظلم الرجل نفسه بمكّة من سرقة أو ظلم أحد أو شيء من الظلم ، فإنّي أراه إلحادا». ولذلك كان يُنهى أن يُسكن الحرم» . (4) وعن جماعة من أصحابنا مرفوعاً إلى أبي عبداللّه عليه السلام أنّه كره المقام بمكّة ، وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُخرج عنها ، والمقيم بها يقسو قلبه حتّى يأتي فيها ما يأتي في غيرها . (5) وعن محمّد بن جمهور مرفوعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا قضى أحدكم نسكه

.


1- .لسان العرب، ج 6، ص 311 (سكك).
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 448، ح 1563، و ص 463، ح 1616؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 233، ح 17626.
3- .الحجّ (22) : 25 .
4- .علل الشرائع، ص 445، الباب 196، ح 1. و رواه أيضا في الفقيه، ج 2، ص 252، ح 2330. و هو الحديث الثالث من باب الإلحاد بمكّة من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 232، ح 17624.
5- .علل الشرائع، ج 2، ص 446، الباب 196، ح 2؛ و رواه في الفقيه، ج 2، ص 195، ح 2121؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 234، ح 17629.

ص: 421

باب شجر الحرم

فليركب راحلته وليلحق بأهله، فأنّ المقام بمكّة يُقسي القلب» . (1)

باب شجر الحرملقد أجمع أهل العلم على حرمة قطع شجر الحرم وحشيشه ، إلّا ما استثني؛ للأخبار التي سبقت في باب أنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات والأرض ، في الموثق عن زرارة (2) ، وفي الحسن عن حريز (3) ، وما يرويه في باب المحرم يذبح ويحتش لدابّته عن عبداللّه بن سنان ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته» ، قال : «نعم» ، قلت : ويحتشّ لدابّته وبعيره؟ قال : «نعم، ويقطع ما شاء من الشجر حتّى يدخل الحرم ، فاذا دخل الحرم فلا» . (4) وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ، إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته» . (5) وفي الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «رآني عليّ بن الحسين عليهماالسلاموأنا أقلع الحشيش من فوق الفساطيط بمنى ، فقال : يا بنيّ ، إنّ هذا لا يقلع» . (6) وعن هارون بن يزيد بن إسحاق، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلامكان يتّقي الطاقة من العشب أن ينتفها من الحرم» . قال : «ورأيته وقد نُتف طاقة ، وهو يطلب أن يعيدها إلى مكانها» . (7)

.


1- .علل الشرائع، ج 2، ص 446، الباب 196، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 235، ح 17630.
2- .هو الحديث الثاني من ذلك الباب.
3- .هو الحديث الثالث من ذلك الباب. هذا، و كان في عبارة الأصل تكرار و تشويق حيث ورد فيه: «للأخبار الّتى سبقت في باب أنّ اللّه عزّوجلّ حرّم مكّه، و لحسنتي حريز و معاوية بن عمّار، و ما يرويه المصنّف قبل ذلك فى باب أن اللّه عزوجلّ حرّم مكّه حين خلق السماوات و الأرض في الموثق عن زرارة و في الحسن عن حريز». فأصلحت العبارة بحذف المكرّرات.
4- .هذا هو الحديث الثاني من ذلك الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 2، ص 552، ح 17061.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 380، ح 1325؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17066.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 379، ح 1322؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17064.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 379، ح 1323؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17065.

ص: 422

وعن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «حرّم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه ويعضد شجره إلّا الاذخر ، أو يصاد طيره ، وحرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريدا في بريد أن يختلي خلاه أو يعضد شجرها إلّا عودي الناضح» . (1) وروى الصدوق رضى الله عنه عن كليب الأسدي، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله استأذن اللّه عزّ وجلّ في مكّة ثلاث مرّات من الدهر ، فأذِن له فيها ساعة من نهار ، ثمّ جعلها حراماً ما دامت السماوات والأرض . (2) وقال عليه السلام : إنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض ، فلا يختلي خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها، ولا يلتقط لقطتها إلّا لمنشد . فقام إليه العبّاس بن عبد المطّلب فقال : يارسول اللّه ، إلّا الإذخر (3) فإنّه للقبر ولسقوف بيوتنا ، فسكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ساعة وندم العبّاس على ما قال ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إلّا الإذخر» . (4) وروى الجمهور عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة : «إنّ هذا البلد حرّمه اللّه تعالى يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرّمة اللّه إلى يوم القيامة ، وأنّه لا يحلّ القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهو حرام يحرّمه اللّه إلى يوم القيامة ، لا يختلي خلاها ، ولا يُعضد شوكها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يلتقط لقطتها إلّا من عرفها» . فقال العبّاس : يارسول اللّه ، إلّا الإذخر فانّه لقينهم وبيوتهم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إلّا الإذخر» . (5) وروى البخاري عن أبي شريح أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة قال : «إنّ مكّة

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 381 382، ح 1332؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 555، ح 17070.
2- .الفقيه، ج 2، ص 246، ح 2315؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 405، ح 16630.
3- .الإذخر بكسر الهمزة و الخاء : نبات معروف عريض الأوراق طيّب الرائحة يسقف به البيوت يحرقه الحداد بدل الحطب و الفحم. الواحدة: إذخرة، و الهمزة زائدة. مجمع البحرين، ج 2، ص 86 (ذخر).
4- .الفقيه، ج 2، ص 246، ح 2316؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 558، ح 17079.
5- .السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 195؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 214؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 109؛ المصنّف لابن أبى شيبة، ج 8 ، ص 538، باب حديث فتح مكّة (34) من كتاب المغازي، ح 26.

ص: 423

حرّمها اللّه تعالى ولم يحرّمها الناس ، فلا يحلّ لأحدٍ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً ويعضد بها شجرة» . (1) وقال: وفي حديث أبي هريرة : لا يعضد شجرها ، ولا يحشّ (2) حشيشها ، ولا يصاد صيدها . (3) وعن ابن عبّاس عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا يعضد شوكه». (4) وقد استثني منها أشياء: منها الإذخر ، وهو مجمعٌ عليه بين أهل العلم ، لا خلاف فيه لأحد (5) ، ويدلّ عليه أكثر ما ذكر من الأخبار . ومنها : عود المحالة (6) ، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضاً (7) ، والعلّة في استثنائهما الحاجة . ويدلّ عليه أيضاً خبر زرارة. (8) المتقدّم ، وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قطع عودي المحالة ، وهي البكرة التي يستقى بها من شجر الحرم ، والإذخر» . (9)

.


1- .صحيح البخاري، ج 1، ص 34 35، و ج 2، ص 213. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 109 110، و الترمذي في سننه، ج 2، ص 152، ح 806 ؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 384، ح 3859؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 7، ص 60.
2- .كذا بالأصل، و في المصادر: «ولا يحتش».
3- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 364؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 364؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 797.
4- .مسند أحمد، ج 1، ص 259؛ صحيح البخارى، ج 2، ص 157 و 213 و 214، و ج 4، ص 72؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 109؛ سنن النسائي، ج 5، ص 203؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 384، ح 3857؛ صحيح ابن حبّان، ج 9، ص 36؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 199.
5- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 364، المسألة 285؛ مُنتهى المطلب، ج 2، ص 797.
6- .المحالة: البكرة العظيمة الّتي يستقي عليها، و كثيرا يستعمل السفارة هذين العودين على البئار العظيمة. اُنظر: النهاية، ج 4، ص 304 (محل).
7- .اُنظر: شرائع الإسلام، ج 1، ص 186؛ الجامع للشرائع، ص 185؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 35؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 371؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 423؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 798؛ الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 389، الدرس 102؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 59؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 245؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 267.
8- .وسائل الشيعة، ج 12، ص 555، ح 17070، حيث استثني فيها: «عود الناضح».
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 381، ح 1330؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 555، ح 17071.

ص: 424

ومنها: شجر النخل والفواكه ، سواء أنبتها اللّه أم الآدميّون ؛ لمرسلة عبد الكريم (1) ، ولما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قلع من الأراك الذي بمكّة ، قال : «عليه ثمنه» ، وقال : «لا ينزع من شجر مكّة شيء إلّا النخل وشجر الفاكهة» . (2) وهو مذهب الأصحاب أجمع (3) ، وبه قال أكثر العامّة منهم أبو حنيفة (4) ، وحرّم قطعهما الشافعي وإن أنبتهما الآدميّون (5) محتجّاً بالعمومات . ومنها: ما أنبته الآدمي؛ لخبر حمّاد بن عثمان (6) وصحيح حريز (7) الذي ذكرناه . وإطلاق الخبرين كأكثر الفتاوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون النبات من جنس ما ينبته الآدميون غالباً كشجر الفواكه والرطبة ونظائرهما أو لا كالسلم وأمثاله ، وبالتعميم صرّح العلّامة في المنتهى . (8) ومنها: ما أنبته اللّه في ملك الإنسان . قال الشيخ في المبسوط : «وما أنبته اللّه إذا نبت في ملك الإنسان جاز قلعه ، وإنّما لا يجوز قلع ما نبت في المباح» . (9)

.


1- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 379 380، ح 1324؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 554، ح 17067؛ و ج 13، ص 174، ح 17518.
3- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 369، المسألة 290؛ شرائع الإسلام، ج 1، ص 186؛ مدارك الأحكام، ج 7، ص 369.
4- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 365؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 210 211؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 103؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 369، المسألة 290؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 797.
5- .المجموع للنووي، ج 7، ص 447؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 797.
6- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
7- .وسائل الشيعة، ج 12، ص 553، ح 17066.
8- .منتهى المطلب، ج 2، ص 797 798.
9- .المبسوط، ج 1، ص 354. ثم إنّ الشارح كتب في الهامش عبارات اُخرى لقوله: «و إطلاق الخبرين...» إلى هنا، و هذا نصّه: «و إطلاق الأخبار و أكثر الفتاوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يكون المنبت من جنس ما أنبته الآدميّون غالبا كأشجار الفواكه و نحوها، أو لاكالسلم و نظائره، و بهذا التعميم صرّح العلّامة في المنتهى، و منها ما أبنته اللّه تعالى في ملكه، و به صرّح الشيخ في المبسوط».

ص: 425

ومنها: (1) ما نبت في الدار بعد بنائها في الأراضي المباحة من الحرم ، فقد قال العلّامة في المنتهى : (2) «لا بأس أن يقلع الإنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه له لم يجز له قلعها» . (3) ويدلّ عليه خبر حمّاد بن عثمان (4) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم ، فقال : «إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن تُبنى الدار أو يُتّخذ المضرب فليس له أن يقلعها، وإن كانت طريّة عليها فله قلعها». (5) ويؤيّدهما خبر إسحاق بن يزيد . (6) ويظهر من نهاية الشيخ اشتراط كون بناء الدار في ملكه حيث قال : «ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الإنسان بعد بنائه لها إذا كانت ملكه ، فإن كان نابتاً قبل بنائه لها لم يجز له قلعه» (7) . وأظهر من ذلك عبارة ابن إدريس، فقد قال في السرائر : «ولا بأس أن يقلع ما ينبت في دار الإنسان بعد بنائه لها إذا كانت في ملكه ، فإن كان نابتاً قبل بنائه لها لم يجز له قلعها» (8) . ولعلّهما اشترطا ذلك لإخراج الدار التي تتّخذ مسجدا ونحوه بحيث تخرج عن ملكه ، بعد البناء وقبل النبات ، فتأمّل . ويستفاد من خبر إسحاق 9 جواز قطع أغصان الشجرة النابتة في غير الملك إذا كانت داخلة على منزله ، ولم أرَ تصريحاً به من الأصحاب ، فتدبّر .

.


1- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
2- .هذا هو الظاهر، و في الأصل: «و منه».
3- .كذا بالأصل، و العبارة المذكورة عنه لم أجده فيه، بل موجود في تذكرة الفقهاء.
4- .تذكره الفقهاء، ج 7، ص 371.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 380، ح 1326؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 554، ح 17068.
6- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
7- .النهاية، ص 234.
8- .السرائر، ج 1، ص 554 555.

ص: 426

ومنها : ما ترعاه الإبل والدوابّ ، ذهب إليه علماؤنا (1) ؛ لصحيحة حريز بن عبداللّه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يُخلّى البعير في الحرم يأكل ما شاء» . (2) ويؤيّده ما رواه أبو هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إلّا علف الدوابّ» (3) ، وبه قال الشافعي ، ونفاه أبو حنيفة محتجّاً بأنّ ما حرّم إتلافه لم يجز أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد (4) . وهو كما ترى . وقد ورد في بعض أخبارنا جواز قلعه ؛ للإعلاف أيضاً ، رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن درّاج وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمّد بن حمران ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم ، أينزع؟ فقال : «أمّا شيء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه» . وقال الشيخ : قوله عليه السلام : «لا بأس به أن تنزعه» يعني الإبل ؛ لأنّ الإبل تُخلّى عنها ترعى كيف شاءت (5) . وتبعه الأصحاب في ذلك . ومنها : اليابس من الشجر والحشيش استثناه العلّامة رحمه الله في المنتهى محتجّاً بأنّه ميّت . (6) ومنها : ما انكسر ولم يَبن فقد استثناه أيضاً في المنتهى معلّلاً بأنّه بمنزلة الظفر المنكسر ، وقال : لو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان ذلك بغير فعل الآدمي جاز الانتفاع به إجماعاً ، وإن كان بفعل الآدمي فالأقرب جوازه أيضاً ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس وتحريم الفعل لا ينافي ذلك . وقال بعض الجمهور : ليس له ذلك ؛ لأنّه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم ، فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لا ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم . (7)

.


1- .اُنظر: تذكره الفقهاء، ج 7، ص 368، المسألة 289.
2- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
3- .الخلاف، ج 2، ص 409، المسألة 282؛ تذكره الفقهاء، ج 7، ص 368؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 798.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 512؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 452 453؛ روضة الطالبين، ج 2، ص 439.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 380 381، ح 1328؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 559، ح 17081.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 798 . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 371.
7- .المجموع للنووي، ج 3، ص 365 366؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 366 367.

ص: 427

وقال آخرون : يباح لغير القاطع ؛ لأنّه انقطع بغير فعله ، فاُبيح له الانتفاع به . (1) واستثنى الشافعي الشوك أيضاً محتجّاً بأنّه مؤذ ، فأشبه السباع من الحيوان . (2) وهو قياس بحت . فأمّا الثمار ومنها الكمأة فلا نزاع في جواز نزعها ؛ لأصالة الجواز وعدم دخولها تحت النهي ؛ لأنّها ليست بشجرة ولا نبات . على أنّه يجوز قطع شجرها ، فهي أولى بالجواز . ثمّ المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في أكثر كتبه (3) وجوب الفدية بقرة للشجرة الكبيرة وشاة للصغيرة . واحتجّ عليه في الخلاف بالإجماع ، وطريقة الاحتياط . وحكاه عن الشافعي (4) ، وعن أبي حنيفة وجوب القيمة . (5) والأصل يقتضي عدمه ، وإليه مالَ ابن إدريس حيث قال : وفي الشجرة الكبيرة دم بقرة ، وفي الصغيرة دم شاة على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (6) ، والأخبار عن الأئمّة الأطهار واردة بالمنع من قلع شجر الحرم وقطعه ، ولم يتعرّض فيها للكفّارة ، لا في الشجرة الكبيرة ولا في الصغيرة . (7) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (شجرة أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم) إلخ .[ح 4 / 6795]

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 798؛ و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 371 372.
2- .فتح العزيز، ج 7، ص 511؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 448؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 126؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 365؛ الشرح الكبير لعبدالرحمن بن قدامة، ج 3، ص 365.
3- .منها: الخلاف، ج 2، ص 408، المسألة 281؛ و المبسوط، ج 1، ص 354.
4- .كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 229؛ مختصر المزني، ص 71؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 496؛ المغني، ج 3، ص 367 368؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 368367؛ فتح البارى، ج 4، ص 38؛ عمدة القاري، ج 10، ص 189.
5- .فتح الباري، ج 4، ص 38؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 368؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 104؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 210.
6- .الخلاف، ج 2، ص 408، المسألة 281.
7- .السرائر، ج 1، ص 554.

ص: 428

باب ما يذبح في الحرم وما يخرج منه

قد أجمع الأصحاب وغيرهم على أنّ الشجرة التي أصلها في الحرم أغصانها تابعة له ، فيحرم قطعها واصطياد الصيد الواقع عليها ولو كانت في الحل . ويدلّ عليه هذه الحسنة ، وما يرويه المصنّف قدس سره في باب صيد الحرم عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام : «أنّه سُئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحلّ ، على غصن منها طير رماه رجل فصرعه ، قال : عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم» . (1) وأمّا إذا كان أصلها في الحلّ ففرعها أصيل في الحكم، فما كان منه في الحرم فهو في حكم شجر الحرم ، وما كان منه في الحل فهو في حكم شجره، وهو ظاهر . وأمّا أصلها فظاهر هذه الحسنة حرمته مطلقاً ، وهي ظاهرة بالنسبة إلى القطع إذا كان فرعها في الحرم ؛ لاستلزام قطعه انقطاع ذلك الفرع . ويشكل بالنظر إلى الصيد الواقع عليه ، فظاهر من جوّز صيد البريد من الأصحاب إباحته ، بل صرّح بذلك بعضهم . (2)

باب ما يذبح في الحرم وما يخرج منهيريد قدس سره بيان جواز ذبح الأهليّة من الحيوانات والطيور في الحرم ، وقد أجمع عليه أهل العلم . ويدلّ عليه أخبار الباب ، وما يرويه المصنّف في باب المحرم يذبح ويحتشّ لدابّته في الحسن عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم يذبح البقر والإبل والغنم وكلّ ما لم يصفّ من الطير ، وما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم وهو محرم في الحل والحرم» . (3)

.


1- .هذا هو الحديث 29 من ذلك الباب. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 386، ح 1347؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 560، ح 17083.
2- .اُنظر: قواعد الأحكام، ج 1، ص 466؛ جامع المقاصد، ج 3، ص 337، قال المحقّق الكركي: «اعلم أنّ للحرم حرما خارجه، و هو بريد من كلّ جانب و هو وراء الحرم، فالحرم بريد في بريد في وسطه، و حرم الحرم بريد من كلّ جانب حوله، و المعنى: يكره صيد البريد الّذي هو خارج الحرم من نهاية البريد إلى حدّ الحرم».
3- .هذا هو الحديث الأوّّ من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 549، ح 17050.

ص: 429

باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفّارة

باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفّارةوضع المصنّف قدس سره هذا الباب للصيد الحرمي بعدما وضع باباً لما يجوز قتله في الحرم وما لا يجوز ، ويضع فيما بعد باباً للنهي عن الصيد الإحرامي ، وباباً آخر للنهي عن الصيد مطلقاً الحرمي والإحرامي جميعاً ، وفرّق أخبار الصيد في هذه الأبواب، ولو جمعها كلّها في باب واحد لكان أصوب . والمراد بالصيد هنا كلّ حلال برّي ممتنع بالأصالة من الحيوانات والطيور والثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ والقمل والزنبور والعظاءة من المحرم، وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الشهيد الثاني في شرح اللمعة (1) ، فلا يحرم صيد البحر ، ولا قتل الأنعام وإن توحّشت ، ولا قتل الضبع والأسد والذئب والنمر والصقر وشبهها ممّا لا يؤكل لحمه ، ولا الفأرة والحيّة ونحوهما من الحشرات والمؤذيات، ولا الطير الأهلي . ولا فرق بين الإحرامي والحرمي منه إلّا في النمل والبرغوث والبقّ، فإنّه يجوز قتلها للمحلّ في الحرم إجماعاً ، واختلف في جواز قتلها في الحرم على ما سيأتي . وقال الشيخ في التهذيب : ولا بأس أن يقتل الإنسان جميع ما يخافه من السباع والهوام من الحيّات والعقارب وغير ذلك ، ولا يلزمه شيء ، ولا يقتل شيئاً من ذلك إذا لم يرده . (2) وقال أيضاً : «ولا بأس بقتل البقّ والبرغوث والنمل في الحرم إذا كان الإنسان محلّاً ، ولا يجوز له إذا كان محرماً ولزمته الكفّارة» . (3)

.


1- .في الهامش بخطّ الأصل: «في شرح اللمعة [ج 2، ص 236]: من التروك المحرّمة صيد البرّ، و ضابطه: الحيوان المحلّل الممتنع بالأصالة، و في المحرّم الثعلب و الارنب و الضبّ و اليربوع و القنفذ و القمل و الزنبور و العظاءة (منه عفي عنه)».
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ذيل الحديث 1271.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ذيل الحديث 1275.

ص: 430

وقال في المبسوط : ويجوز له قتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنّه إذا قتل القمل على بدنه لا شيء عليه ، وإن أزاله عن جسمه فعليه الفداء . والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه . (1) وفي الدروس : وحرّم الحلبيّ (2) قتل جميع الحيوان ما لم يخف منه أو يكن حيّة أو عقرباً أو فأرة أو غراباً ، ولم يذكر له فداء ، ولا يعلم وجهه إلّا ما رواه معاوية : «اتقّ قتل الدوابّ كلّها إلّا الأفعى والعقرب والفأرة». (3) والحدأة والغراب يرميها على ظهر بعيره . وعن حسين بن أبي العلاء : «اقتل كلّ شيء منهنّ يريدك» . (4) إلّا أنّه قد روى معاوية قتل النمل والبقّ والقمل في الحرم ، (5) والإجماع على جواز ذبح النِّعم في الحرم . (6) وربما قيل بتحريم الأسد ، ونسبه المقداد في كنز العرفان (7) إلى أصحابنا ، وكلام الأكثر خالية عنه في الصيد المحرّم . وقال العلّامة رحمه الله في المختلف : وأمّا الأسد فالأقوى عندي أنّه لا شيء فيه، سواء أراده أو لم يرده. وبه قال ابن إدريس . (8) وقال عليّ بن بابويه : وإن كان الصيد أسدا ذبحت كبشاً . وأوجب ابن حمزة (9) فيه كبشا. (10) انتهى .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 339.
2- .الكافي في الفقه، ص 203.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 297، ح 1006؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 545، ح 17036. وفي الأصل: «اتّقي» وما اُثبت من المصدر.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1274؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17039.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1276 و 1277؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 550 و 551، ح 17055 و 17056.
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 353، الدرس 93.
7- .كنز العرفان، ج 1، ص 323.
8- .السرائر، ج 1، ص 567.
9- .الوسيلة، ص 164.
10- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 88 .

ص: 431

وظاهر المقداد عدم تحريم القمل والزنبور والعظاءة حيث قال : وأمّا أصحابنا فقالوا : إنّ المحلّل حرام مطلقاً ، وأمّا المحرّم فقالوا بتحريم الأسد والثعلب والأرنب والضبّ واليربوع والقنفذ ؛ لتظافر الروايات عن أهل البيت عليهم السلام بذلك . (1) فقد سكت عن ذكر تلك في مقام بيان الصيد ، وهو مشعر بعدم قوله بتحريمها . وحكي فيه عن الشافعي (2) اختصاصه بما يؤكل لحمه؛ محتجّاً بأنّه الغالب عرفاً . وعن أبي حنيفة : أنّه كلّ وحشي أكل أو لا (3) ، وهما في طرفي إفراط وتفريط . والأصل في الالمسألة آيات : منها: قوله تعالى : «لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللّهُ بِشَىْ ءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (4) ، ففي صحيح الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللّهُ بِشَىْ ءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ» ، قال : «حشر عليهم الصيد من كلّ وجه حتّى دنا منهم ليبلونّهم». (5) وعن الصادق عليه السلام : «أنّ ما تناله أيديهم الصغار وما تناله رماحهم الكبار» . (6) وهو مروي عن ابن عبّاس أيضاً . (7) والظاهر شمول كلّ منهما للصيد الحرمي والإحرامي جميعاً . وقيل : بل الأوّل صيد الحرم ؛ لاُنسه بهم ، والثاني صيد الحل . لنفوره عنهم . ومنها : قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (8) ، الآية .

.


1- .كنز العرفان، ج 1، ص 323.
2- .بداية المجتهد، ج 1، ص 291؛ فتح الوهّاب، ج 1، ص 264؛ مغني المحتاج، ج 1، ص 524؛ فتح العزيز، ج 7، ص 485؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 293 و 296.
3- .بداية المجتهد، ج 1، ص 291.
4- .المائدة (5) : 94 .
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 300 301، ح 1022؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 416 417، ح 16655.
6- .مجمع البيان، ج 3، ص 419.
7- .تفسير العزّ بن عبدالسلام، ج 1، ص 411؛ مجمع البيان، ج 3، ص 419؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 584 585.
8- .المائدة (5) : 95 .

ص: 432

ومنها : قوله تعالى : «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا» (1) ، حيث أمر بالاصطياد ، أمر إباحة مقيّدا بالحل ، فيفهم منه حرمته في الإحرام . ومنها : قوله تعالى : «وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَامُ إِلَا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ» (2) على ما فسّره به في كنز العرفان حيث قال : «قوله «وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الْأَنْعَامُ» ، أي حال إحرامكم ، وليس حكمها حكم الصيد، «إِلَا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ» ، أي إلّا ما حرّم اللّه في المائدة من الميتة والدم» . (3) وفي الفقيه : وسأل عبداللّه بن سنان أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ «وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» ، قال : «من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط اللّه ، وما دخل من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يُؤذى حتّى يخرج من الحرم» . (4) وتلك الآيات وإن عمّت لكنّه خصّها بالبرّي قوله سبحانه : «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (5) ، وبما ذكر من أنواع البرّي الأخبار الواردة في الكفّارات وستجيء، فإنّها إنّما وردت فيما ذكر ، ولما دلّ على نفي البأس عن صيد غيره . يروي المصنّف فيما بعد في الصحيح عن عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، عن عليّ عليه السلام قال : «يقتل المحرم كلّما خشيه على نفسه» . (6) وعن غياث بن إبراهيم، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يقتل المحرم [الزنبور و ]النسر والا?ود الغدر والذئب وما خاف أن يعدو عليه» ، وقال : «الكلب العقور هو الذئب» . (7) وفي الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن المحرم قتل

.


1- .المائدة (5) : 2 .
2- .الحجّ (22) : 30 .
3- .كنز العرفان، ج 1، ص 334.
4- .الفقيه، ج 2، ص 251، ح 2327. و رواه الكليني فى الكافي، باب في قوله تعالى: «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»، ح 1؛ و الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 449، ح 1566؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 557، ح 17077.
5- .المائدة(5): 96.
6- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب عليه فيه الكفّارة، ح 10؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17041.
7- .الكافي، الباب المتقدّم ذكره آنفا، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17042.

ص: 433

زنبورا ، قال : «إن كان خطأً فليس عليه شيء» ، قلت : لا ، بل متعمّدا ، قال : «يطعم شيئاً من طعام» ، قلت : فإنّه أرادني؟ قال : «كلّ شيء أرادك فاقتله» . (1) وفي الحسن عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر ، وكلّ حيّة سوء ، والعقرب والفأرة ، وهي الفُويسقة ، وترجم الغراب والحدأة رجماً ، فإن عرضت لك لصوص امتنعت منهم» . (2) وروى الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يردك فلا ترده» . (3) وفي الموثّق عن إبراهيم بن أبي سمّال، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «اتّق قتل الدوابّ كلّها إلّا الأفعى والعقرب والفأرة ، فأمّا الفأرة فإنّها توهي السقاء ، وتضرم على أهل البيت النار ، وأمّا العقرب فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدَّ يده إلى الحجر فلَسَعتهُ ، فقال : لعنك اللّه لا برّا تدعينه ولا فاجرا ، والحيّة إذا أرادتك فاقتلها، وإن لم تُردك فلا تردها» . (4) ويرويه المصنّف فيما بعد بزيادة بعد قوله عليه السلام : «وإن لم يردك فلا ترده» ، وهي : «والكلب العقور والسبع إذا أراداك [فاقتلهما] فإن لم يريداك فلا تردهما ، والأسود الغدّار (الغَدِر خ ل) فاقتله على كلّ حال ، وارم الغراب والحدأة رمياً عن ظهر بعيرك» . (5) وعن الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يقتل المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفأرة ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سمّاها الفاسقة والفويسقة ، ويقذف الغراب» ، وقال : «اقتل كلّ شيء منهنّ يريدك» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1274؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17039.
2- .هذا هو الحديث الخامس من الباب المتقدّم ذكره آنفا؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 547، ح 17043.
3- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب عليه الكفّارة، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 546، ح 17040.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ح 1272؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 544، ح 17035.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ح 1273؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 545، ح 17036.
6- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب فيه الكفّارة، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 545 546، ح 17038.

ص: 434

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سُئل عن رجل أدخل فهدا إلى الحرم ، أله أن يخرجه؟ فقال : «هو سبع، وكلّما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه ». (1) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بقتل النمل والبقّ في الحرم ». (2) وفي صحيحته الاُخرى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس بقتل النمل والبقّ في الحرم، ولا بأس بقتل القملة في الحرم ». (3) وسيروي المصنّف مثله عن زرارة عنه صلوات اللّه عليه . (4) وروى البخاري عن عبداللّه بن عمر، عن حفصة، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «خمس من الدوابّ لا حرج على مَنْ قتلهنّ: الغراب والحِدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور ». (5) وعنه قال : بينما نحن مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في غار بمنى إذ نزلت عليه «والمرسلات» ، وأنّه ليتلوها، وأنّي لأتلقّاها من فيه، وأنّ فاه لرطب بها، إذ وثبت علينا حيّة، فقال النبى¨ّ صلى الله عليه و آله : «اقتلوها »، فابتدرناها فذهبت، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «وُقيت شرّكم كما وقيتم شرّها ». (6) وعن عروة، عن عائشة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «خمس من الدوابّ كلهنّ فاسق يُقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ». (7) ومَن حرّم الأسد كأنّه تمسّك بخبر أبي سعيد المكاري، (8) وهو مع ضعفه فإنّ أبا

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 367، ح 1281؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 82 ، ح 17288.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1276؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 550، ح 17055.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ح 1277؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 551، ح 17056.
4- .الكافي، باب ما يجوز للمحرم...، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 542، ح 17026.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 212. و رواه أيضا مسلم في صحيحه، ج 4، ص 18؛ و النسائي في السنن، ج 5، ص 210، و في السنن الكبرى، ج 2، ص 387 388، ح 3872.
6- .صحيح البخاري، ج 2، ص 213 214. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 210.
7- .صحيح البخاري، ج 2، ص 212.
8- .هو الحديث 26 من باب صيد الحرم و ما تجب فيه الكفّارة من الكافي.

ص: 435

سعيد هذا هو هشام أو هاشم بن حيّان وهو كان واقفيّاً غير موثّق (1) يمكن حمله على الاستحباب؛ للجمع. وخصّه الشيخ (2) بما إذا لم يرده، للجمع بينه وبين خبر أبي سمّال المتقدّم على رواية المصنّف، وقد وردت الكفّارة في غير ما ذكر في أخبار نادرة غير صحيحة حملت على الاستحباب . والمراد بالبحري من الحيوان ما يعيش في الماء ولا يعيش في البرّ ، ومن الطيور ما يبيض ويفرخ في الماء وإن تعيّش في البرّ أيضاً؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يصيد المحرم السمك، ويأكله طريّه ومالحه ويتزوّد، قال اللّه تعالى : «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ» »، قال : «فليختر الذين يأكلون »، قال : «فصل ما بينهما كلّ طير يكون في الآجام يبيض] في البّر [ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر ». (3) وأمّا ما يرويه المصنّف فيما بعد في الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ شيء يكون أصله في البحر ويكون في البرّ والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء كما قال اللّه عزّ وجلّ» (4) فظاهره الاستحباب، فلا ينافي ما ذكر. وأمّا ما رواه عن الطيّار، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «لا يأكل المحرم طير الماء » ، (5) فمحمول على ما يبيض ويفرخ في البرّ ، والكراهة أيضاً محتملة . واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ كفّارة الصيد الحرمي قيمته السوقيّة مطلقاً، إلّا ما ورد فيه الدرهم ونحوه من الحمامة وما يتعلّق بها ، بل ادّعي عليه الإجماع. (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 366، ذيل الحديث 1275.
2- .رجال الطوسي، ص 341، الرقم 5084.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 365، ح 1270؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 426 427، ح 16682.
4- .هذا هو الحديث الثاني من باب فصل ما بين البرّ و البحر و ما يحل للمحرّم من ذلك؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 426، ح 16681.
5- .الكافي، باب فصل مابين صيد البر و البحر...، ح 9؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 427، ح 16683.
6- .اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 423، المسألة 312؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 128.

ص: 436

ويدلّ عليه أنّ الأصل في الضمان القيمة، ولم يرد فيها نص على غيرها ، وأخبار كثيرة منها حسنة معاوية بن عمّار (1) ، وخبر سعيد بن عبداللّه (2) ، وقوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «وإن أصبته يعني الصيد وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ». (3) وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة : «فَإنْ أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدّق بمثل ثمنه » (4) ، وسنرويهما بتمامهما . وحسنة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «فإن قتلها يعني الحمامة في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها » (5) . وسيظهر ذلك من بعض آخر ممّا نرويه عن قريب . وذهب ابن إدريس (6) إلى وجوب الدم فيه أيضاً كالإحرامي، وهو منقول عن أبي الصلاح (7) وعن بعض أقوال الشيخ (8) ، وكأنّهم تمسّكوا بإطلاق بعض الأخبار الواردة بالدم في كفّارة الصيد من غير تقييد بالإحرامي . وقال الشافعي : صيد الحرم مثل صيد الإحرام مخيّر بين ثلاثة أشياء: المثل والإطعام والصوم ، وفيما لا مثل له بين الإطعام والصيام (9) . وقال أبو حنيفة : لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم . (10) وأمّا الصيد الإحرامي فلا خلاف بين الأصحاب في أنّ كفّاراته دماء مختلفة بحسب

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 31، ح 17165.
2- .هو الحديث 23 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 56 57، ح 17225.
3- .هو الحديث الرابع من باب المحرم يصيب الصيد في الحرم، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 70، ح 17255.
4- .الفقيه، ج 2، ص 257، ح 2350؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17159.
5- .الكافي باب المحرم يصيب الصيد في الحرم، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17158، و ص 89 ، ح 17308.
6- .السرائر، ج 1، ص 561.
7- .الكافي في الفقه، ص 205.
8- .النهاية، ص 225؛ المبسوط، ج 1، ص 341 و 347.
9- .المجموع للنووي، ج 7، ص 491؛ فتح العزيز، ج 7، ص 509؛ الخلاف، ج 2، ص 407، المسألة 778.
10- .المجموع للنووي، ج 7، ص 491؛ فتح العزيز، ج 7، ص 509؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 97 و 98؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 207؛ الخلاف، ج 2، ص 778؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 359.

ص: 437

اختلاف الصيود على ما وردت الأخبار فيها، وتجيء في موضعها إن شاء اللّه تعالى ، ولا في أنّ ما لم يرد فيه نصّ كفّارته القيمة على حذو الصيد الحرمي . وأجمعوا على أنّ الكفّارتين تجتمعان على المحرم في الحرم وإن اختلفوا في كيفيّة الاجتماع ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخان (1) اجتماع الفداء والقيمة، وبه صرّح ابن إدريس وأبو الصلاح مع أنّهما أوجبا على المحلّ في الحرم الدم كما عرفت . ففي السرائر : «وإذا قتل اثنان صيدا، أحدهما محلّ، والآخر محرم في الحرم، كان على المحرم الفداء والقيمة، وعلى المحلّ فداء واحد» . (2) وقد قال قبل ذلك : ومَن أصاب حمامة وهو محرم في الحلّ كان عليه دم، فإن أصابها وهو محلّ في الحرم كان عليه دم، فإن أصابها وهو محرم في الحرم كان عليه دم والقيمة الشرعيّة التي هي الدرهم . (3) وقال أبو الصلاح على ما حكى عنه في المختلف : (4) «إن كان محلّاً في الحرم أو محرماً في الحلّ فداه بمثله من النعم ، وإن كان محرماً في الحرم فالفداء والقيمة» . (5) وظاهر السيّد المرتضى في الانتصار وجوب دمين عليه حيث قال : وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ المحرم إذا صاد في الحرم تضاعفت عليه الفدية . والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة المحقّة أنّه قد جمع بين وجهين يقتضي كلّ واحدٍ منهما الفداء، وهو الصيد مع الإحرام، ثمّ إيقاعه في الحرم، ألا ترى أنّ المحرم إذا صاد في غير الحرم تلزمه الفدية، والحلال إذا صاد في الحرم لزمته الفدية ، فاجتماع الأمرين يوجب اجتماع الجزاءين. (6)

.


1- .السرائر، ج 1، ص 561.
2- .المفيد في المقنعة، ص 438؛ و الطوسي في المبسوط، ج 1، ص 342؛ و النهاية، ص 225.
3- .السرائر، ج 1، ص 558.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 128.
5- .الكافي في الفقه ، ص 205.
6- .الانتصار، ص 249، المسألة 132.

ص: 438

وهو يشعر بوجوب الدم للحرمي أيضاً، وحمل إحدى الفديتين في كلامه على القيمة بعيد . وحكى في المختلف (1) عنه قولاً آخر بالتخيير بين الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة . (2) وعن ابن الجنيد تضاعف القيمة، ولا يبعد حمل إحدى الفديتين في الانتصار على القيمتين ، فينطبق على مذهب ابن الجنيد . ويدلّ على المشهور ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة، إلى أن يبلغ الضبي فعليه دم يهريقه، ويتصدّق بمثل ثمنه، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدّق بمثل ثمنه ». (3) وفي الحسن عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : محرم قتل طيرا فيما بين الصفا والمروة عمدا؟ قال : «عليه الفداء والجزاء ويُعزّر »، قلت : فإنّه قتله في الكعبة؟ قال : «عليه الفداء والجزاء، ويُضرب دون الحدّ، ويُقلب للناس كي ينكل غيره ». (4) وفي الحسن عن الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدّق به أو يطعمه حمام مكّة، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها ». (5) وعن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل مرّ وهو محرم في الحرم، فأخذ عَنز ظبية، فاحتلبها وشرب لبنها؟، قال : «عليه دم، وجزاء الحرم عن اللبن ». (6)

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 126.
2- .جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 72)، و فيه: «وإذا صاد في الحرم كان عليه الفداء و القيمة مضاعفة».
3- .لم أعثر عليه في التهذيب و الاستبصار، و الحديث في الفقيه، ج 2، ص 257، ح 2350؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17159.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 371، ح 1291؛ و هذا هو الحديث السادس من باب المحرم يصيب الصيد فى الحرم؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 89 ، ح 17309.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 370، ح 1289؛ و هذا هو الحديث الأوّل من باب المحرم يصيب الصيد فى الحرم من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 29، ح 17158.
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 371، ح 1292؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح 17312.

ص: 439

وعن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم؟، قال : «عليه قيمتها وهو درهم، يتصدّق به أو يشتري به طعاماً لحمام الحرم ، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة ». (1) وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : «عليه شاة »، قلت : فإن قتلها في جوف الحرم؟ قال : «عليه شاة وقيمة الحمامة »، قلت : فإنّه قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : «عليه ثمنها ليس عليه غيره »، قلت : فمن قتل فرخاً من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال : «عليه حمل ». (2) واستدلّ لابن الجنيد بخبر معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تأكل شيئاً من الصيد وإن صاده حلال، وليس عليك فداء شيء أتيته وأنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً في حجّك أو عمرتك، إلّا الصيد فإنّ عليك الفداء بجهلٍ كان أو عمد، لأنّ اللّه قد أوجبه عليك، فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحلّ فعليك القيمة، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفاً ». (3) والأظهر الاستدلال له بمرسلة سليمان بن خالد، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام ما في القمري والزنجي والسماني والعصفور والبلبل؟ قال : «قيمته، فإن أصابه المحرم فعليه قيمتان، وليس عليه دم ». (4) وخبر معاوية بن عمّار، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في محرم، اصطاد طيرا في الحرم، فضرب به الأرض فقتله ، قال : «عليه ثلاث قيمات: قيمة لإحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره ] إيّاه] ». (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 345، ح 1198؛ الاستبصار، ج 2، ص 200، ح 679؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 26، ح 17151.
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 347، ح 1203؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 24، ح 17143.
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 370، ح 1288؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 70، ح 17255.
4- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 371، ح 1293؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 90، ح 17313.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 370_ 371، ح 1290؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 91، ح 17315.

ص: 440

وهذه الأخبار مع عدم صحّتها وعدم قابليّتها للمعارضة لما تقدّم لكثرتها؛ وصحّة بعضها، وحسن متعدّد منها_ يمكن حمل الصيد فيها على الذي كفّارة الإحرامي منه أيضاً قيمته، وهو الذي لا نصّ فيه على دم كما عرفت . هذا ، وإطلاق أخبار التضاعف المشار إليها شامل لما بلغت الفدية بدنة . ويؤيّده أصالة عدم التداخل. وبه قال ابن إدريس (1) وجماعة. وقيّدها الشيخ قدس سره في أكثر كتبه (2) بما دون البدنة؛ لما رواه عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن رجل قد سمّاه، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الصيد يضاعفه ما بينه وبين البدنة، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف »، (3) وتبعه على ذلك أكثر مَن تأخّر عنه . (4) قوله في حسنة الحلبيّ : (إذا كنت حلالاً فقتلت الصيد في الحلّ ما بين البريد إلى الحرم فعليك فداؤه) .[ح 1 / 6802] يدلّ على حرمة الصيد فيما بين البريد إلى الحرم، وهو ظاهر الشيخان في المقنعة (5) والتهذيب (6) حيث أوجبا عليه الفدية . ومالَ إليه في المبسوط، فإنّه نسبه إلى الرواية (7) ، ثمّ قال : فإن رماه في الحلّ، فدخل السهم في الحرم وخرج منه، وأصاب صيدا في الحلّ لزمه أيضاً على الرواية قلناها: أنّ صيد الحلّ مضمون ما بين البريد والحرم. (8) وجوّزه ابن إدريس (9) رعايةً للأصل السالم عن معارضة كون الصيد في الحرم أو

.


1- .السرائر، ج 1، ص 558.
2- .منها: النهاية، ص 226؛ المبسوط، ج 1، ص 342؛ وتهذيب الأحكام ، ج 5، ص 371، ذيل الحديث 1293.
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 372، ح 1294؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 92، ح 17317.
4- .منهم: المحقّق في المختصر النافع، ص 105؛ و العلّامة في تبصرة المتعلّمين، ص 93؛ و قواعد الأحكام، ج 1، ص 466.
5- .المقنعة، ص 439.
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 361، ذيل الحديث 1254.
7- .المبسوط، ج 1، ص 343.
8- .المبسوط، ج 1، ص 346_ 347.
9- .السرائر، ج 1، ص 566.

ص: 441

كون الصائد محرماً ، وهذا الاحتجاج مبنيّ على ما أصّله من عدم الاعتبار بالخبر الواحد ، ورجّحه العلّامة في المختلف (1) ، لكن مع استحباب الفداء؛ حملاً للخبر عليه، وهو المشهور بين المتأخّرين. (2) وظاهر قوله عليه السلام : «أو جرحته » ثبوت الكفّارة وجوباً أو استحباباً لكلّ جناية في الأطراف وقعت على صيد البريد من غير اختصاص لها بفقأ العين وكسر القرن، فلا يتّجه قول صاحب المدارك: ولم يتعرّض الأصحاب لغير هاتين الجنايتين؛ لعدم النصّ. وأصالة البراءة تقتضي عدم ترتّب الكفّارة في غيرهما وإن كانت الجناية مطلقاً حراماً؛ إذ ليس من لوازم التحريم ترتّب الكفّارة . (3) وهناك مسألة اُخرى، وهو صيد القاصد للحرم، واختلف الأصحاب فيه أيضاً، فحرّمه الشيخ في التهذيب، وأوجب الفدية له، وظاهره وجوب الفدية لقتله، وحرمة لحمه وإن مات في الحلّ حيث قال : «ولا يجوز لأحد أن يرمي صيدا وهو يؤمّ الحرم وإن كان محلّاً، فإن رماه وقتله كان لحمه حراماً وعليه الفداء» . (4) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الموثّق عن عليّ بن عقبة بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل قضى حجّة، ثمّ أقبل حتّى إذا خرج من الحرم فاستقبله صيد قريباً من الحرم، والصيد متوجّه نحو الحرم، فرماه فقتله، ما عليه في ذلك؟ قال : «يفديه على نحوه». (5) وقيّد في المبسوط الفداء وحرمة لحمه بما إذا مات في الحرم، فقال : «ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد والصيد يؤمّ الحرم وإن كان محلّاً، فإن رماه وأصابه ودخل في الحرم ومات فيه كان لحمه حراماً، وعليه الفداء» . (6) وكأنّه بذلك جمع بين ما ذكر .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 343.
2- .مختلف الشيعة، ج 3، ص 130 131.
3- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 379.
4- .نفس المصدر، ص 381.
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 359، ذيل الحديث 1248.
6- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360، ح 1251؛ الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 703، و ليس فيه: «على نحوه»؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 66، ح 17247.

ص: 442

وما رواه في الحسن عن مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل حِلٍّ رمى صيدا في الحلّ، فتحامل الصيد حتّى دخل الحرم ، فقال : «لحمه حرام مثل الميتة ». (1) وجوّزه ابن إدريس ولم يوجب عليه الفدية مطلقاً؛ لما عرفت من نظره. (2) وهو ظاهر الصدوق رضى الله عنه . (3) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ من صحيحة أبي الحسين النخعي (4) عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم، فتصيبه الرمية، فيتحامل بها حتّى يدخل الحرم، فيموت فيه، فقال : «ليس عليه شيء، إنّما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحلّ، فوقع فيها صيد، فاضطرب حتّى دخل الحرم، فمات فيه »، قلت : هذا عندهم من القياس؟ قال : «لا ، إنّما شبّهت لك شيئاً بشيء ». (5) وقد رواه المصنّف (6) أيضاً بسند آخر صحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج بأدنى تغيير، والأظهر الكراهة مطلقاً؛ للجمع بين الأخبار . وبها قال الشيخ في الاستبصار . (7) ويؤيّدها مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : كان يكره أن يرمي الصيد وهو يؤمّ الحرم . (8) وهو أشهر الأقوال . وممّا ذُكر يعلم قوّة القول بالكراهة في المسألة الاُولى أيضاً .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 359، ح 1250؛ الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 702؛ و رواه الكليني في الكافي، باب صيد الحرم و ما تجب فيه الكفّارة، ح 14؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 65، ح 17246.
2- .اُنظر: السرائر، ج1، ص 566.
3- .حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 130. وانظر: الفقيه، ج 2، ص 260، ح 2361.
4- .في هامش الأصل: «هو أيّوب بن نوح الثقة. (منه)».
5- .الاستبصار، ج 2، ص 206_ 207، ح 704؛ تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360، ح 1252؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 66 _67، ح 17248.
6- .الكافي، باب صيد الحرم و ما تجب فيه الكفّارة، ح 12.
7- .الاستبصار، ج 2، ص 207، ذيل الحديث 703.
8- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 359، ح 1249؛ الاستبصار، ج 2، ص 206، ح 701؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 65، ح 17245.

ص: 443

والشيخ في التهذيب أورد خبر النخعي معارضاً لما ذهب إليه ، ثمّ قال : هذا الخبر ليس بمناف لما قدّمناه ؛ لأنّ هذا الخبر محمول على مَن رمى الصيد في هذه الحال ناسياً أو جاهلاً، فإنّه لا يستحقّ على رميه شيئاً من العقاب وإن كان يلزمه الفداء ، ويكون قوله عليه السلام : «لا شيء عليه » يعني من العقاب، ويكون هذا فرقاً بين مَن رمى الصيد وهو متعمّد وبين من رماه وهو جاهل أو ناس . (1) واستند في ذلك الفرق بما رواه الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمّد، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأً أو عمدا، هم فيه سواء؟ قال : «لا» ، قلت : جعلت فداك، ما تقول في رجل أصاب صيدا بجهالة وهو محرم؟ قال : «عليه الكفّارة» ، قلت : فإن أصابه خطأً؟ قال : «وأيّ شيء الخطأ عندك؟» قلت : يرمي هذه النخلة فيُصيب نخلة اُخرى ، فقال : «نعم، هذا الخطأ، وعليه الكفّارة »، قلت : فإنّه أخذ ظبياً متعمّدا فذبحه وهو محرم؟ قال : «عليه الكفّارة» ، قلت : جعلت فداك، ألست قلت : إنّ الخطأ والجهالة والعمد ليس بسواء، فبأيّ شيء يفضل المتعمّد من الخاطئ؟ قال : «بأنّه أثم ولعب بدينه». (2) وهو تكلّف من غير ضرورة؛ لإمكان الجمع بما ذكر من غير تعسّف ، فتأمّل . قوله في صحيحة الحلبيّ : (إذا أدخله [إلى ]الحرم فقد حرم عليه أكله وإمساكه).[ح 4 / 6804] ذهب إليه الأصحاب أجمع وأكثر العامّة ، ويؤكّدهما منطوق خبر بكير (3) ومفهوم خبر حمزة بن اليسع (4) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن طائر أهلي اُدخل الحرم حيّاً ، فقال : «لا تمسّ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَمَنْ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360، ذيل الحديث 1252.
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 360_ 361، ح 1253؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 69، ح 17253.
3- .هو الحديث 27 من هذا الباب من الكافي. و كان في الأصل: «خبري بكير» فصوّبناه؛ لأنّه ليس في الباب لبكير خبر غير هذا.
4- .هو الحديث 28 من هذا الباب من الكافي.

ص: 444

دَخَلَهُ كَانَ آمِنا» (1) ». (2) وعن يعقوب بن يزيد، عن بعض رجاله، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أدخلت بطير (3) المدينة فجائز لك أن تخرجه منها ما أدخلت، وإذا أدخلت مكّة فليس لك أن تخرجه». (4) وخالفه جماعة منهم الشافعي (5) في أحد قوليه محتجّاً بأنّه ملكه خارجاً، وحلّ له التصرّف فيه، فجاز ذلك له في الحرم كصيد المدينة إذا أدخله حرمها، وهو كما ترى . قوله في حسنة زرارة : (انتفها وأحسن إليها) إلخ .[ح 5 / 6805] لقد أجمع عليه الأصحاب، ويؤكّدها صحيحة داود بن فرقد (6) ، وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن حفص بن البختري، عن أبي عبداللّه عليه السلام في من أصاب طيرا في الحرم ، قال : «إن كان مستوي الجناح فليخلّ عنه، وإن كان غير مستوٍ نتفه وأطعمه وأسقاه، فإذا استوى جناحاه خلّى عنه ». (7) وفي الصحيح عن زرارة: أنّ الحكم سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل اُهدي له في الحرم حمامة مقصوصة ، فقال : «انتفها وأحسن علفها، حتّى إذا استوى ريشها فخلِّ سبيلها ». (8) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قال الحكم بن عتيبة : سألت أبا جعفر عليه السلام : ما تقول في رجل اُهدي له حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم؟ فقال : «أمّا إن كان مستوياً خلّيت سبيله، وإن كان غير ذلك أحسنت إليه حتّى إذا استوى ريشه خلّيت سبيله» . (9)

.


1- .آل عمران (3) : 97 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 348، ح 1206؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 33، ح 17171.
3- .كذا بالأصل، و في المصدر: «الطير».
4- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 349، ح 1213؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 39، ح 17184.
5- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 360؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 299.
6- .هذا هو الحديث 22 من هذا الباب من الكافي.
7- .الفقيه، ج 2، ص 258، ح 2354؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 30، ح 17161.
8- .الفقيه، ج 2، ص 260، ح 2359؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 30_ 31، ح 17162.
9- .تهذيب الأحكام ، ج 5، ص 348، ح 1207؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 33، ح 17172.

ص: 445

هذا إذا أقام نفسه بمكّة، وإن رحل منها استودعها من ثقة يأمره بالإحسان إليها حتّى يستوي ريشها فيرسلها؛ لخبري كرب والمثنّى . قوله في صحيح صفوان بن يحيى : (مَن أصاب طيرا في الحرم وهو محلّ) إلخ . [ح 7 / 6807] الظاهر أنّ المراد بالطير الحمام بقرينة الأخبار الواردة بالدرهم، فإنّها مقيّدة بالحمامة، ففي غيرها يعتبر القيمة أيّاً ما كانت كما دلَّ عليه بعض الأخبار، وما دلّ عليه هذا الصحيح هو المشهور بين الأصحاب، ويؤكّده حسنة حفص بن البختري (1) ، وصحيحة أبي الحسن الواسطي (2) ، وموثّقة الحسن بن علي بن فضّال (3) ، وخبر منصور بن حازم (4) ، وبعض الأخبار التي سبقت، والأخبار التي يأتي بعضها . وظاهر أكثر الأخبار اعتبار الدرهم مطلقاً وإن كان أقلّ من قيمتها أو أكثر كما هو المشهور . ويشعر بعض الأخبار بأنّ اعتبار الدرهم لكونه قيمة لها في ذلك الوقت، كقوله عليه السلام : «والقيمة درهم» في هذا الصحيح ، وقوله عليه السلام : «وثمن الحمامة درهم ». أو شبهه في حسنة الحلبي (5) ، وقوله عليه السلام : «عليه قيمتها وهو درهم» في خبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم؟ قال : «عليه قيمتها وهو درهم، يتصدّق به أو يشتري طعاماً لحمام الحرم ، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة ». (6)

.


1- .و هي الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث 13 من هذا الباب.
3- .ليس في روايات الباب حديث عن ابن فضّال يرويه عن الإمام عليه السلام ، نعم ورد ابن فضّال في أسناد الحديث 15 و 16 من هذا الباب، لكن يروي في الأوّل عن ابن سنان عن أبي عبداللّه عليه السلام ، و في الثاني عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن عليه السلام ، و الظاهر أنّ مراد الشارح هنا الحديث 15 من الباب.
4- .هو الحديث 18 من هذا الباب.
5- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .الفقيه، ج 2، ص 258، ح 2352؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 345 346، ح 1198؛ الاستبصار، ج 2، ص 200، ح 679؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 26، ح 17151.

ص: 446

وخبر حمّاد بن عثمان، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجلٌ أصاب طيرين، واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غير الحرم ، قال : «يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحاً، فيطعمه حمام الحرم، ويتصدّق بجزاء الآخر ». (1) ويؤيّدها إطلاق الطير في بعض الأخبار التي اعتبرت فيها القيمة ممّا رويناها . وفي خبر منصور، قال : حدّثني صاحب لنا ثقة قال : كنت أمشي في بعض طرق مكّة فلقيني إنسان فقال : اذبح لي هذين الطيرين، فذبحتهما ناسياً وأنا حلال، ثمّ سألت أبا عبداللّه عليه السلام فقال : «عليك الثمن»، (2) فيلزم وجوب القيمة فيها أيضاً كغيرها من الطيور ، وهو قويّ بحسب الدليل لكن لم ينقل عن أحد . نعم ، قال العلّامة رحمه الله في التذكرة (3) والمنتهى (4) بوجوب أكثر الأمرين محتجّاً بالاحتياط . ثمّ المشهور أنّه يشتري بقيمة الحمام المقتول في الحرم علفاً لحمامه، سواء كان من حمام الحرم أو كان من خارج الحرم داخلاً فيه ، وهو مقتضى إطلاق أكثر الأخبار . وقد ورد في بعض أخبار أنّه يتصدّق بها كموثّقة عبداللّه بن سنان (5) وصحيح عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيره ، قال : «عليه أن يردّها، فإن ماتت عليه ثمنها يتصدّق به ». (6) وصحيح حريز، عن محمّد والظاهر أنّه ابن مسلم _ (7) قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل اُهدي إليه حمام أهلي جيء به وهو في الحرم محلّ، قال : «إن أصاب منه شيئاً

.


1- .الكافي، باب كفّارة ما أصاب المحرم من الطير و البيض، ح 10؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 353، ح 1228؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 51، ح 17215.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 346، ح 199؛ الاستبصار، ج 2، ص 201، ح 680؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 27 28، ح 17153.
3- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 418، المسألة 335.
4- .منتهى المطلب ، ج 2، ص 825 .
5- .هي الحديث 15 من هذا الباب من الكافي.
6- .مسائل عليّ بن جعفر، ص 271، ح 670؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 349، ح 1211؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 37، ح 17181.
7- .صرّح بذلك الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 260، ح 2360.

ص: 447

فليتصدّق مكانه بنحو من ثمنه ». (1) فالجمع إمّا بالتخيير، لدلالة ما تقدّم عن محمّد بن الفضيل عليه، ولا يبعد القول به لكن لم ينقل عن أحد . نعم ، نسبه في الدروس (2) إلى الرواية، أو بالتفصيل بين كون الحمام المقتول في الحرم من حمامه أو من غيره، بحمل ما دلّ على وجوب الإعلاف على الأوّل، وما دلّ على التصدّق على الثاني، وبه قال بعض الأصحاب، لكن يأباه خبر ابن الفضيل . هذا حكم الحرمي منه ، وأمّا الإحرامي منه فيأتي في محلّه أنّ كفّارته شاة . قوله في خبر زرارة: (قال : يردّه إلى مكّة) [ح 9 / 6809] مثله موثّق يونس بن يعقوب (3) وصحيح عليّ بن جعفر (4) المتقدّم ، ويؤيّدها صحيحة عيص بن القاسم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن شراء القماريّ يخرج من مكّة والمدينة ، فقال : «ما أحبّ أن يخرج منهما شيء ». (5) وهو ممّا أجمع عليه الأصحاب . ويستفاد من وجوب ردّ صيد الحرم إليه عدم جواز صيد الحرم في الحلّ ، ووقع التصريح في صحيح عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن حمام الحرم يصاد في الحلّ؟ فقال : «لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم أنّه من حمام الحرم ». (6) ويؤيّده صدق صيد الحرم عليه، فيدخل تحت قوله عليه السلام : «لا ينفّر صيدها »، (7) ونظائره .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 347، ح 1205؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 28، ح 17155.
2- .اُنظر: الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 357، الدرس 94.
3- .هو الحديث 16 من هذا الباب من الكافي.
4- .وسائل الشيعة، ج 13، ص 37، ح 17181.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 349، ح 1212؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 38، ح 17182.
6- .مسائل عليّ بن جعفر، ص 271، ح 669؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348، ح 1209؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 36، ح 17177.
7- .وسائل الشيعة، ج 12، ص 557، ح 17076.

ص: 448

وبه قال الشيخ في التهذيب (1) والنهاية (2) ، ورجّحه العلّامة في المنتهى (3) والمختلف (4) ، وجوّزه ابن إدريس (5) وحكاه عن خلاف (6) الشيخ ومبسوطه في كتاب الأطعمة والصيد (7) ، وحكاه العلّامة أيضاً عنه في المختلف (8) محتجّاً بالأصل . قوله في حسنة حفص : (في الحمامة درهم ).[ح 10 / 6810] في المنتهى : الحمام: هو طائر يهدر، بأن يواتر صوته، ويعبّ الماء، بأن يضع منقاره فيه، فيكرع كما تكرع الشاة، ولا يأخذ قطرة قطرة بمنقاره كالدجاج والعصافير . قال الكسائي : «هو كلّ مطوّق ، فالحجل حمام؛ لأنّه مطوّق» (9) ، ويدخل في الأوّل الفواخت والوراشين والقمري والدبسي والقطا . (10) انتهى . وفي كتاب حياة الحيوان: قال الجوهري : «الحمام هو عند العرب ذوات الأطواق، نحو الفواخت والقماري وساق حرّ والقطا والوراشين، وأشباه ذلك، يقع على الذكر والاُنثى؛ لأنّ الهاء إنّما دخلته على أنّه واحد من جنس لا للتأنيث . وعند العامّة أنّها الدواجن فقط، الواحدة حمامة». (11) وجمع الحمامة حمام وحمامات وحمائم ، وربّما قالوا حمام للمفرد . وحكى النووي عن الأصمعي: «أنّ كلّ ذات طوق فهنّ حمام ، والمراد بالطوق الخضرة

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348، ذيل الحديث 1208.
2- .النهاية، ص 224.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 806 .
4- .مختلف الشيعة، ج4، ص 119.
5- .السرائر، ج 1، ص 559.
6- .الخلاف ، ج 6، ص 28، المسألة 29.
7- .المبسوط، ج 6، ص 275.
8- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 119.
9- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 542، الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 352.
10- .منتهى المطلب، ج 2، ص 826 . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 416.
11- .صحاح اللغة ، ج 5، ص 1906 (حمم).

ص: 449

أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة» . (1) وعن الشافعي: أنّ كلّ ما عبّ وهدر فهو حمام وإن تفرّقت أسماؤها ، والعبّ بالعين المهملة: شدّة جرع الماء من غير تنفّس ، يُقال في الطائر: عَبَّ، ولا يُقال: شرب ، والهدير: ترجيع الصوت ومواصلته من غير تقطيع له . قال الرافعي : «والأشبه أنّ ما عبّ هدر، فلو اقتصروا على العبّ لكفى . يدلّ عليه أنّ الشافعي قال في عيون المسائل : وما عبّ من الماء عبّاً فهو حمام، وما شرب قطرة قطرة كالدجاج فليس بحمام» . (2) إذا علمت ذلك انتظم لك من كلام الشافعي وأهل اللغة أنّ الحمام يقع على الذي يألف البيوت ويستفرخ فيها ، وعلى اليمام (3) والقماري وساق حرّ وهو ذكر القمري والفواخت والدبسي والقطا والوراشين واليعاقيب والسفتين والزاغي والورداني والطوراني . (4) قوله : (عن زياد ، عن أبي الحسن الواسطي) . [ح 13 / 6813] زياد هذا هو ابن سابور الواسطي، أخو أبي الحسن المروي عنه، وأبو الحسن هو بسطام بن سابور، وكلاهما ثقتان (5) ، فالخبر صحيح، وقد اختلف أصحاب الرجال في تصحيح أبي الحسن هذا، فحكاه النجاشي (6) والكشّي (7) والشيخ في الفهرست (8) مصغّرا، وقيل : إنّه ذكره ابن داود مكبّرا كما ذكره المصنّف، وقال : «إنّه هو الحقّ» . (9)

.


1- .قاله النووي في التحرير على ما صرّح به في تاج الحيوان. و حكاه أيضا عنه المجلسي في بحارالأنوار، ج 62، ص 24 25.
2- .فتح العزيز، ج7، ص 505.
3- .المثبت من المصدر، و في الأصل: «البهايم».
4- .حياة الحيوان ، ج 1، ص 365 366 (الحمام).
5- .اُنظر: رجال النجاشي، ص 110، الرقم 280؛ خلاصة الأقوال للعلّامة، ص 149؛ رجال ابن داود، ص 99، الرقم 651.
6- .رجال النجاشي، ص 110 الرقم (280).
7- .لم أعثر عليه في رجال الكشّي.
8- .اُنظر: الفهرست، ص 89 ، الرقم 133، فإنّه لم يذكر لبسطام بن سابور كنية، نعم ذكر قبله بسطام بن الزيات أبوالحسين الواسطي، و الظاهر اتّحادهما كما صرّح به ابن داود في رجاله، ص 56، الرقم 238.
9- .رجال ابن داود، ص 56، الرقم 238.

ص: 450

وهذه الصحيحة تدلّ على عدم وجوب الفداء بمجرّد الإغلاق، بل اشتراطه بالموت، وهو المشهور بين الأصحاب، وقيّده الشهيد رحمه الله بعلم الموت أو جهل الحال (1) ، ورجّح ذلك في المختلف (2) ، وأكثر الأخبار خالية عن التقيّد بالموت . وحكاه في المنتهى (3) عن بعض الأصحاب ، وفي المختلف (4) أيضاً استبعد فيه وجوب جميع الجزاء مع السلامة . قوله في خبر يونس بن يعقوب : (فقال للرسول: إنّي أظنهنّ كنّ فُرّهة ). [ح 16 / 6816 ]في القاموس : «فَرُه ككرُم فراهة: وفراهية حذق فهو فارهٌ بيِّن الفروهة، جمعه فُرّهٍ كركّعٍ وسكّرةٍ» . (5) وكتب في شرح الفقيه: «فرّهه كسكّرة وسفرة، يعني أنّ غرضهم من إخراجها من مكّة أنّها حواذق يصلحن لإرسال المكاتيب» . ثمّ قال : «والظاهر أنّ الفداء مع التلف وغيره ممّا لا يمكن الردّ معه ، وإلّا فالظاهر وجوب الردّ» . (6) واحتجّ عليه بحسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وبصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام وهي مثلها . قوله : (عن إبراهيم بن ميمون ). [ح 17 / 6817] هو مجهول الحال ، وفي شرح الفقيه : لا يضرّ جهالته؛ لإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن ابن مسكان (7) ، وعمل الأصحاب عليه، وإطلاق النتف هنا وفي الفقيه (8) شامل لنتف المتعدّد .

.


1- .اللمعة الدمشقيّة، ص 68؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 349.
2- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 146، فإنّه اشترط فيها الجزاء بالتلف.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 831 .
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 146.
5- .القاموس المحيط ، ج 4، ص 289 (فره).
6- .روضة المتّقين، ج 4، ص 173 174 .
7- .روضة المتّقين، ج 4، ص 178.
8- .الفقيه ، ج 2، ص 261، ح 2363.

ص: 451

وفي التهذيب رواه بسند آخر صحيح أيضاً عن ابن مسكان، عن إبراهيم بن ميمون، وفيه: «رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم» (1) ، ولذا قيل : يحتمل الأرش في نتف أكثر من ريشة كغيره من الجنايات، وتعدّد الفدية بتعدّده . (2) واستوجه العلّامة في المنتهى تكرّر الفدية إن كان النتف متفرّقاً، والأرش إن كان دفعه . (3) ثمّ ظاهر الخبر وجوب تسليم الفدية باليد الجانية ، وإليه ذهب جماعة منهم المفيد وابن إدريس . وفي شرح الفقيه: «في وجوب التصدّق باليد الجانية إشكال ، والمشهور الاستحباب والاحتياط ظاهر» (4) ، وكذا إطلاق الخبر وجوب الصدقة وإن ثبت الريش، وأجمع عليه الأصحاب وأكثر العامّة. وحكي عن بعضهم أنّه لا ضمان عليه إذا نبت؛ لزوال النقص. (5) ودفعه بيّن . قوله في خبر يزيد بن خليفة : (فقال : ثمن طيرين تطعم به حمام الحرم) . [ح 20 / 6820] هذا الخبر رواه الشيخ بسند آخر عن عبد الكريم بن عمرو، عن يزيد بن خليفة ، (6) ووجوب ثمن الطيرين مخالف للمذهب المنصور في كفّارة بيضة الحمامة من أنّها درهم على المحرم في الحلّ، وربع درهم على المحلّ في الحرم، ويجتمعان في المحرم في الحرم. ومخالف أيضاً لما هو الأصل في جزاء الصيد الحرمي من وجوب القيمة . وأظنّ أنّه وقع فيه سهو من بعض الرواة، فإنّه روى الشيخ قدس سرههذا الخبر بسندٍ آخر

.


1- .روضة المتّقين، ج 4، ص 178.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 348_ 349، ح 1210؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 36، ح 17180.
3- .شرح اللمعة، ج 2، ص 351.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 828 ؛ و عنه في مدارك الأحكام، ح 8 ، ص 387.
5- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 555؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 368.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 358_ 359، ح 1242؛ الاستبصار، ج 2، ص 204، ح 695؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 60، ح 17233.

ص: 452

غير ما أشرنا إليه من السندين عن موسى بن القاسم، عن أبي الحسين التميمي، عن صفوان، عن يزيد بن خليفة، قال : سُئل أبو عبداللّه عليه السلام وأنا عنده فقال له رجل : إنّ غلامي طرح مكتلاً في منزلي وفيه بيضتان من طير حمام الحرم ، فقال : «عليه قيمة البيضتين يعلف بها حمام الحرم ». (1) وهو أيضاً وإن خالف المشهور إلّا أنّه مطابق للأصل . والشيخ قدس سرهجمع بين هذه الأخبار بتخصيص قيمة الطيرين بما إذا ساوت قيمة البيضتين، وأوجب قيمة البيضتين على المحرم في الحرم، فقال في التهذيب : «وإذا كسر المحرم بيض حمام الحرم فعليه قيمته» (2) ، ثمّ قال : «وقيمة البيضتين وقيمة الطير سواء» . (3) وقد ورد في بعض الأخبار وجوب الجدي أو الحمل لبيضة الحمامة ، رواه الشيخ عن عبيداللّه بن عليّ الحلبيّ، قال : حرّك الغلام مكتلاً فكسر بيضتين في الحرم، فسألت أبا عبداللّه عليه السلام فقال : «جديين أو حملين ». (4) وقد حمله على البيض الذي تحرّك فيه الفرخ. واحتجّ على هذا التأويل بصحيحة عليّ بن جعفر، قال : سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : «عليه أن يتصدّق عن كلّ فرخ قد تحرّك بشاة، ويتصدّق بلحومها إن كان محرماً، وإن كان الفرخ لم يتحرّك تصدّق بقيمته ورقاً، يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم ». (5) قوله في خبر الوشاء عن مثنّى: (قمريّة من قماري أمج). [ح 24 / 6824] قال ابن الأثير : أمَجَّ بفتحتين وجيم: موضع بين مكّة والمدينة . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 357، ح1241؛ الاستبصار، ج 2، ص 304، ح 694؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 60 61، ح 17234.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 357، ذيل الحديث 1240.
3- .نفس المصدر، ذيل الحديث 1241.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 358، ح 1243؛ الاستبصار، ج 2، ص 204_ 205، ح 696؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 59، ح 17232.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 358، ح 1244؛ الاستبصار، ج 2، ص 205، ح 697؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 24، ح 17142.
6- .النهاية، ج 1، ص 65 (أمج).

ص: 453

باب لقطة الحرم

باب لقطة الحرمقد تشوّش كلام الأصحاب في لقطة الحرم واضطربت فتاواهم فيها بعد اتّفاقهم على تحريم أخذها من غير قصد تعريف، فقد ذهب جماعة إلى كراهة أخذها ووجوب تعريفها حولاً إذا أخذها مطلقاً وإن كانت أقلّ من درهم ، ثمّ التخيير بين الصدقة بها مع الضمان وإبقائها أمانة من غير ضمان محتجّين على عدم الفرق بين القليل والكثير بأصالة عدمه وانتفاء دليل صالح له، وعلى الكراهة بظهور أخبار متعدّدة فيهاكخبر إبراهيم بن عمر (1) ، وصحيحة يعقوب بن شعيب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن اللقطة ونحن يومئذٍ بمنى ، فقال : «أمّا بأرضنا هذه فلا تصلح، وأمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع، ثمّ هي كسبيل ماله ». (2) وخبر عليّ بن أبي حمزة، قال : سألت العبد الصالح عليه السلام عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه ، قال : «بئس ما صنع! ما كان ينبغي له أن يأخذه» ، قلت : ابتُلي بذلك ، قال : «يعرّفه» ، قلت : فإنّه قد عرّفه فلم يجد له باغياً ، قال : «يرجع إلى بلده فيتصدّق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن ». (3) وحملوا النهي على الكراهة فيما رواه المصنّف عن الفضيل بن يسار (4) ، وفيما رواه الشيخ عنه قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن لقطة الحرم، فقال : «لا تمسّ أبدا حتّى يجيء صاحبها فيأخذها »، قلت : فإن كان مالاً كثيرا؟ قال : «فإن لم يأخذها إلّا مثلك فليعرّفها ». (5) وهو حسن. بل يستفاد من خبري الفضيل انتفاء الكراهة فيمن يثق بنفسه في التعريف ، ولا يبعد

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 260، ح 17695.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1463؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 259_ 260، ح 17692.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421؛ و ج 6، ص 395 396، ح 1190؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 260، ح 17694.
4- .هو الحديث الثاني من هذاالباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 261، ح 17696.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 421، ح 1461؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص260، ح 17693.

ص: 454

ذلك خصوصاً فيما إذا خاف التلف عليها لو لم يلتقطها . وعلى التخيير بين ما ذكر من الأمرين بعد التعريف بدلالة بعض ما ذكر من الأخبار على التصدّق بها وثبوت الحفظ أمانة بالإجماع . وقد انتفى التمليك الجائز في لقطة غير الحرم بأصالة عدم جوازه، وانتفاء دليل صالح له هنا، وإليه ذهب الشيخ في الخلاف (1) ، والعلّامة في التذكرة (2) على ما حكى عنهما في المسالك . (3) وحكى عن التذكرة دعوى الإجماع عليه (4) ، وقد وقع الخلاف فيها في مواضع : أحدها: فيما ذكر من عدم الفرق بين القليل والكثير ، فذهب جماعة إلى جواز تملّك ما دون الدرهم، وعدّه الشهيد قدس سرهفي كتاب اللقطة من الدروس (5) أقرب، وكأنّهم تمسّكوا فيه بإطلاق اللقطة في بعض الأخبار الدالّة على جوازه، وهو مخصّص بلقطة غير الحرم؛ لما عرفت، ولصراحة بعض تلك الأخبار في لقطة غير الحرم، ويجيء في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وثانيها : في كراهة الأخذ ، فقد حرّمه الشيخ في المبسوط (6) ، والشهيد في كتاب الحجّ من الدروس (7) واللمعة (8) ، والعلّامة في المنتهى . (9) وثالثها : في التخيير بين الأمرين، فذهب الشهيد في كتاب الحجّ من الدروس إلى تعيّن الصدقة حيث قال : «ويحرم الالتقاط في الحرم، فيعرّفه سنة، فإن وجد مالكه وإلّا تصدّق وضمن ». (10) انتهى .

.


1- .الخلاف ، ج 3، ص 585، المسألة 12.
2- .تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 442، المسألة 747.
3- .مسالك الأفهام، ج 12، ص 511.
4- .مسالك الأفهام، ج 12، ص 515؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 256 ط قديم. و مثله في مختلف الشيعة، ج 6، ص 80 .
5- .الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 86 .
6- .المبسوط، ج 3، ص 327.
7- .الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 86 ، الدرس 216.
8- .اللمعة الدمشقيّة، ص 208؛ شرح اللمعة، ج 7، ص 92.
9- .منتهى المطلب، ج 2، ص 879 .
10- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 472، الدرس 118.

ص: 455

وهو ظاهر المفيد أيضاً فقد قال في المقنعة : مَن وجد شيئاً في الحرم فليعرّفه سنة كاملة، فإن جاء صاحبه دفعه إليه، وإن لم يجد له صاحباً فليتصدّق به على الفقراء والمساكين، وليس عليه بعد السنة والتعريف فيها ضمان لصاحبه إذا تصدّق به عنه، فإنّ تصرّف فيه أو احتبسه من غير تعريف فهو ضامن له. (1) وهو قويّ؛ لعدم نصّ على الاستيفاء أمانة هنا. وحملها على لقطة غير الحرم قياس لا نقول به. والإجماع المدّعى عليه ممنوع، بل نمنع كونها أمانة؛ لاقتضاء النهي عن أخذها عدمه، خصوصاً على القول بتحريمه ، فلا يبعد القول بالضمان لو استبقاها كذلك وإن لم ينقل عن أحد. ونقل عن أبي الصلاح (2) جواز تملّكها أيضاً، فلم يفرق بينها وبين لقطة غير الحرم، وكأنّه تمسّك في ذلك بعموم بعض الأخبار التي تأتي في لقطة غير الحرم، وما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لقطة الحرم لا تحلّ إلّا لمنشد ». (3) ففيه أنّ العمومات مخصّصة كما عرفت . والحديث النبويّ على تقدير صحّته يحتمل الحمل على عدم حليّة أخذها لغير قاصد التعريف، بل هو أظهر . ورابعها: في الضمان على تقدير الصدقة فنفاه المفيد (4) على ما نقلنا عنه، والمحقّق في كتاب الحجّ من الشرائع (5) قطعاً ، وفي كتاب اللقطة منها ميلاً إليه، حيث قال: فيه قولان، أرجحهما أنّه لا ضمان . 6

.


1- .المقنعة، ص 646.
2- .الكافي في الفقه، ص 350.
3- .اُنظر: الكافي، باب أنّ اللّه عزّوجلّ حرّم مكّة حين خلق السماوات و الأرض، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 557، ح 17076؛ عوالي اللآلي، ج 3، ص 487، ح 12 من باب اللقطة؛ مسند أحمد، ج 2، ص 238؛ صحيح البخاري، ج 3، ص 94، و ج 5، ص 98؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 110؛ سنن أبى داود، ج 1، ص 448، ح 2017.
4- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 207.
5- .شرائع الإسلام، ج 4، ص 806 .

ص: 456

وتوقّف فيه الشهيد في اللمعة حيث قال : «بل يتصدّق به، وفي الضمان خلاف» (1) ولم يرجّح شيئاً، والضمان أظهر لصراحة خبر عليّ بن أبي حمزة (2) فيه . ويؤيّده النهي عن أخذها لاسيما إذا كان النهي للتحريم كما عرفت . هذا ، وقد وقع تناقض في هذا المقام في الدروس والشرائع في كتاب الحجّ واللقطة منهما من جهتين : إحداهما : جواز أخذ لقطة الحرم وعدمه ، والاُخرى جواز تملّك القليل منها وعدمه . ففي كتاب الحجّ من الدروس : «ويحرم الالتقاط في الحرم، فيعرّفه سنة، فإن وجد مالكه، وإلّا تصدّق وضمن» (3) وإطلاقه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين القليل والكثير . وفي كتاب اللقطة منها نقل الخلاف أوّلاً في تحريم أخذ لقطة غير الحرم وكراهته . ثمّ قال : «وكذا الخلاف في لقطة الحرم والكراهة قويّة إذا بلغت درهماً، ولو نقصت عنه تناولها وملكت كما تملك في الحلّ على الأقرب» . (4) وفي كتاب الحجّ من الشرائع : «لا تحلّ لقطة الحرم قليلة كانت أو كثيرة، وتعرّف سنة، ثمّ إن شاء تصدّق بها ولا ضمان عليه، وإن شاء جعلها في يده أمانة» . (5) وفي كتاب اللقطة منها : وما كان أزيد من ذلك يعني الدرهم فإن وجده في الحرم قيل: يحرم أخذه، وقيل: يكره، وهو أشبه، ولا تحلّ إلّا مع نيّة الإنشاد، ويجب تعريفها حولاً، فإن جاء صاحبها، وإلّا تصدّق بها أو استبقاها أمانة، وليس له تملّكها، ولو تصدّق بعد الحول فكره المالك ، فيه قولان، أرجحهما أنّه لا يضمن، لأنّها أمانة وقد دفعها دفعاً مشروعاً . (6) فتأمّل .

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 3، ص 86 ، الدرس 216.
2- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 207.
3- .اللمعة الدمشقيّة، ص 208.
4- .وسائل الشيعة، ج 13، ص 260، ح 17693.
5- .الدروس الشرعيّة ، ج 1، ص 472، الدرس 118.
6- .شرائع الإسلام، ج 4، ص 806 .

ص: 457

باب فضل النظر إلى الكعبة

باب فيمن رأى غريمه في الحرم

باب ما يهدى إلى الكعبة

باب فضل النظر إلى الكعبةفضله متّفق عليه بين أهل العلم ، والأخبار من الطرفين شاهدة عليه ، وكفاك من طريق الأصحاب ما رواه المصنّف قدس سرهومن طريق العامّة . (1)

باب فيمن رأى غريمه في الحرمالظاهر عدم جواز التعرّض له إذا لم يكن قادرا على أداء الحقّ، فلابدّ من تخصيص في خبر الباب .

باب ما يهدى إلى الكعبةقال الشهيد قدس سره في الدروس : «لو نذر أن يهدي عبدا أو أَمَة أو دابّة إلى بيت اللّه أو مشهد معيّن بيعَ وصرف في مصالحه ومعونة الحاجّ والزائرين» (2) وظاهره فى شرح الإرشاد (3) الإجماع عليه، وهو المشهور بين الأصحاب، وكفاك شاهدا له ما رواه المصنّف في الباب؛ لظهور أخبار عليّ بن جعفر (4) ، و جعفر بن بشير (5) والجعفي (6) ، و إطلاق الهدى على الجارية، ولا فارق بينها و بين العبد و الدابّة، ولا بينها وبين غيرها ممّا يملك. و يؤكّدها ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، أنّه سئل عن امرأة جعلت مالها هدياًوكلّ مملوك لها حرّا إن كلّمت أختها أبدا،

.


1- .كذا بالأصل، و النقص فيه جلي، و في الأصل بياض بقدر سطرين. وانظر: كنز العمّال، ج 12، ص 197، ح 34647؛ الدرّ المنثور، ج 1، ص 136؛ المصنّف لعبد الرزّاق، ج 5، ص 135، ح 9173.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 2، ص 153.
3- .غاية المراد، ج 3، ص 453.
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب.
6- .هو الحديث الرابع من هذا الباب.

ص: 458

قال: «تكلّمها و ليس هذا بشي، إنّما هذا و شبهه من خطوات الشيطان». (1) و قوله تعالى: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِ_غَ الكَعْبَةِ» (2) ، فكلّ ما يحكم به العدلان يكون هديا، و قد يحكمان بقيمة عصفور أوجرادة. و ما روى أنّه صلى الله عليه و آله قال في التكبير إلى الجمعة: «من راح الساعة الخامسة، فكمأنّما أهدى بيضة». (3) و اشتقاق الهدي من الهديّة، وهي شاملة للجميع. ونقل عن الشيخ نجيب الدين (4) وابن أبي عقيل وابن الجنيد (5) بطلان النذر، محتجّين بما في رواية الصدوق مرسلا عن الصادق عليه السلام : وسألته عن امرأة جعلت مالها هديا لبيت اللّه إن أعادت متاعها فلانة وفلانة، فأعار بعض أهلها بغير إذنها، قال: «ليس عليها هدي، إنّما الهدي ما جعل للّه عزّوجل هديا للكعبة، فذلك الذي يوفى به إذا جعل اللّه ، وما كان من أشباه هذا فليس بشيء ولا هدي، ولايذكر فيه اسم اللّه » إلى قوله : أويقول لجزور بعدما نحرت: هو هدى لبيت اللّه ، [ قال ]: «إنّما تهدى البدن وهي أحياء، وليس تهدى حين صارت لحما». (6) والخبر لندرته و إرساله غير قابل للمعارضة لما ذكر، فالأظهر الأوّل. والحكم غير مختصّ بالنذر، بل شامل لجعل شيء للكعبة و إرساله إليها تبرّعا في البيع الصرف فيما ذكر.

.


1- .الفقيه ، ج 3، ص 360، ح 4274؛ وسائل الشيعة، ج 23، ص 218، ح 29407.
2- .المائدة (5): 95.
3- .مسند الشافعي، ص 62؛ مسند أحمد، ج 2، ص 460؛ صحيح البخاري، ج 1، ص 213؛ صحيح مسلم، ج 3، ص 4؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 88 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 5، ح 497؛ سنن النسائي، ج 3، ص 99، و السنن الكبرى له أيضا، ج 1، ص 526، ح 1696؛ صحيح ابن حبّان، ج 7، ص 13، و في الجميع: «قرب» بدل «أهدي»، و بلفظ المتن تجدها في الخلاف للشيخ الطوسي، ج6، ص 44؛ و مختلف الشيعة ، ج 8 ، ص 204.
4- .كذا بالأصل: و نجيب الدين في علمائنا يطلق على يحيى بن سعد الحلّي، و قد يطلق على محمّد بن جعفر بن نما و على علي بن محمد بن مكّي العاملي، و القول بعدم انعقاد النذز فيما إذا نذر غير الهدى للكعبة منقول عن القاضي ابن البرّاج على ما في مختلف الشيعة، ج 8 ، ص 204؛ و تجد كلامه في المهذّب، ج 2، ص 49.
5- .حكي عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج 8 ، ص 204.
6- .الفقيه، ج 3، ص 365 366، ح 4294 و 4295؛ وسائل الشيعة، ج 23، ص 233_ 234، ح 29458.

ص: 459

باب في قوله عزّ وجلّ : سواءً العاكف فيه والباد

باب حجّ النبيّ

باب في قوله عزّ وجلّ : «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» (1)ظاهر المصنّف قدس سره كالاخبار التي رواها في الباب حرمة منع الحاجّ عن دور مكّة ومنازلها ، لكن ظاهر الخبر الأوّل الكراهة على ما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال : ذكر أبو عبداللّه عليه السلام هذه الآية «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» فقال : «كانت مكّة ليس على شيء منها باب، وكان أوّل من أغلق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، وليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاجّ شيئاً من الدور ومنازلها ». (2) وكذا ما رواه عن حفص بن البختري، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس ينبغي لأهل مكّة أن يجعلوا على دورهم أبواباً ؛ وذلك أنّ الحاجّ ينزلون معهم في ساحة الدار حتّى يقضوا حجّهم » (3) ، وهو الأشهر بين الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (4) والعلّامة في المنتهى (5) ، فتأمّل .

باب حجّ النبيّ صلى الله عليه و آلهيظهر من أخبار الباب أنّه صلى الله عليه و آله حجّ بمكّة عشرين حجّة مستترا، وواحدة بالمدينة علانية، تسمّى حجّة الوداع؛ لقوله عليه السلام في خبر عمر بن يزيد في جواب قول السائل : أحجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير حجّة الوداع؟: «نعم عشرين حجّة ». (6) وفي خبر ابن أبي يعفور : «حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشرين حجّة مستترا ». (7)

.


1- .الحجّ (22) : 25 .
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 420، ح 1458؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 369، ح 17719.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 463؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 269، ح17720.
4- .المبسوط، ج 1، ص 384.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 879 .
6- .هو الحديث 11 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 125، ح 14419.
7- .هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 9، ح 18455.

ص: 460

وفيما سيأتي عن سليمان بن مهران؛ إذ تلك العشرون لابدّ أن تكون غير حجّة الوداع بقرينة الاستسرار ، فينبغي أن يحمل على ما عدا حجّة الوداع قوله عليه السلام : «حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشرين حجّة» في خبر عمر بن يزيد، ولا ينافي ذلك قوله عليه السلام في خبر عبداللّه بن أبي يعفور: أنّه حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشر حجّات مستسرّا (1) ؛ إذ ليس فيه نفيٌ للزيادة . وربّما يُقال: إنّه صلى الله عليه و آله حجَّ عشرين حجّة، تسع عشرة قبل الهجرة وواحدة بالمدينة . وحكى طاب ثراه عن عياض: أنّه صلى الله عليه و آله حجَّ بمكّة حجّتين، وما ذكر حجّة عليهما ، ولعلّ السرّ في استسراره صلى الله عليه و آله إيّاها بمكّة التقيّة من قريش حيث إنّهم كانوا يبنون حجّهم على قاعدة النسيء لا على ما قرّره أبوه إبراهيم عليه السلام ، وهو صلى الله عليه و آله كان يحجّ على ما هو المقرّر من أبيه عليه السلام . وأمّا في حجّة الوداع فقد أظهرها؛ لعود الزمان في هذه السنة كما كان ، ثمّ الظاهر أنّ تلك الحجّات كلّها كانت قراناً وإفرادا؛ إذ فرض التمتّع إنّما وقع في حجّة الوداع ، وكان صلى الله عليه و آله في ذلك العام قارناً . قوله في خبر عبداللّه بن أبي يعفور : (في كلّها يمرّ بالمأزمين فينزل ويبول) . [ح2 / 6850] قيل : منشأ البول فيه أنّه موضع كسر هُبَل. وفيه: أنّ كسر هبل إنّما كان بعد فتح مكّة وتلك الحجج كانت قبل الهجرة. على أنّ هبل كسر في المسجد ودفن في باب بني شيبة على ما سيجيء . والعلّة فيه إنّما هو ما روى الصدوق في العلل بإسناده عن سليمان بن مهران، قال : قلت لجعفر بن محمّد عليهماالسلام : كم حَجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : «عشرين حجّة مستسرّا، في كلّ حجّة يمرّ بالمأزمين فينزل، فيبول »، فقلت : ياابن رسول اللّه ، ولِمَ كان ينزل هناك فيبول؟ قال : «لأنّه أوّل موضع عُبدَ فيه الأصنام، ومنه اُخذ الحجر الذي نُحِتَ منه هبل

.


1- .هو الحديث الثاني من هذا الباب.

ص: 461

الذي رمى به عليّ عليه السلام من ظهر الكعبة لمّا علا ظهر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأمر بدفنه عند باب بني شيبة، فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنّة لأجل ذلك» (1) الحديث . والمأزمان على ما قاله الشهيد الثاني: بالهمز الساكن ثمّ الزاي المكسورة: الطريق الضيّق بين الجبلين . (2) وقال الجوهري : (3) المأزم ويقال: المأزمان: مضيق بين جمع وعرفة، وآخر بين مكّة ومنى . (4) انتهى . وأصل الأزم: الشدّة والضيق، ومنه قيل للسنة المُجْدِبة أزمَة (5) ، والظاهر أنّ المراد المضيق بين جمع عرفة؛ لشيوع إطلاق المأزمين عليه في الأخبار وكلام العلماء الأخيار . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ) إلخ .[ح 4 / 6852] قال طاب ثراه : أي لم يحجّ تسع سنين، ثمّ نزل فرض الحجّ في السنة العاشرة ، فلا عبرة بما في بعض روايات العامّة: أنّ فرضه كان في سنة ستّ، وفي بعضها في سنة خمس (6) ، وبطل ما قال بعضهم: إنّ أمره صلى الله عليه و آله بالتأذين في السنة العاشرة دلَّ على أنّ وجوب الحجّ ليس على الفور . (7)

.


1- .علل الشرائع، ج 2، ص 449 450، الباب 203، ح 1؛ الفقيه ، ج 2، ص 238، ح 2292، وسائل الشيعة، ج 13، ص 206_ 207، ح 17574.
2- .شرح اللمعة، ج 2، ص 280.
3- .كذا بالأصل، و المذكور في صحاح اللغة، ج 5، ص 1861 (أزم) خصوص المعني الأوّل، و المعنيان مذكوران في القاموس.
4- .القاموس المحيط، ج 4، ص 74.
5- .اُنظر: غريب الحديث لأبي عبيد الهروي، ج 3، ص 330 (أزم).
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 102؛ روضة الطالبين، ج 7، ص 406 و 409؛ الإقناع، ج 2، ص 211؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 1، ص 187 و 220؛ عمدة القاري، ج 1، ص 121.
7- .اُنظر: نصب الراية، ج 3، ص 74؛ نيل الأوطار، ج 5، ص 9؛ فتح العزيز، ج 7، ص 31؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 196؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 177؛ المجموع، ج 7، ص 102 و 103.

ص: 462

وأجاب بعضهم ممّن أوجب الفور بأنّه إنّما أخّره حتّى لا يرى مناكر المشركين في تلبيتهم وطوافهم عُراة . (1) وبعضهم بأنّه أدّى فرضه بمكّة . وردّ بأنّ فرض الحجّ إنّما كان بالمدينة، وبأنّه لم يأمر الناس به قبل العاشرة ، فلو كان فوريّاً لأمرهم به عام الفرض . والعوالي: القرى التي حول المدينة، أقطعها عثمان زيد بن ثابت . والسماط بكسر السين: الصفّ من الناس (2) ، وغرضه صلى الله عليه و آله من قوله : «هذا جبرئيل» إلخ دفع توهّم مَن توهّم أنّه أمر بذلك على سبيل الاجتهاد والتظنّي . ومن أعجب العجائب أنّه مع ذلك قال الآبي : الظاهر أنّه صلى الله عليه و آله قال عن اجتهاد كما يدلّ عليه قوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت »؛ وغرضه من هذا القول بيان أنّ قوله صلى الله عليه و آله ذلك كان عن اجتهاد كقول شيخه، وأنّ اجتهاد شيخه راجح، فقد كذّب النبيّ صلى الله عليه و آله لتصديق شيخه، وما عرف أنّه صلى الله عليه و آله أراد بقوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» نزول الوحي بالتمتّع قبل سياق الهدي . انتهى . واعلم أنّ هذا الخبر مرويّ في طرق العامّة أيضاً بطرق متعدّدة ، فقد روى البخاري بإسناده عن جابر بن عبداللّه ، قال : أهلَّ النبيّ صلى الله عليه و آله هو وأصحابه بالحجّ، وليس مع أحد منهم هدي غير النبيّ صلى الله عليه و آله وطلحة، وقدم عليّ من اليمن ومعه هدي، فقال : «أهللت بما أهلّ به النبيّ صلى الله عليه و آله »، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثمّ يقصّروا ويحلّوا، إلّا مَن كان معه الهدي ، قالوا : ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت »، وحاضت عائشة فنسكت المناسك كلّها غير أنّها لم تطف بالبيت ، فلمّا طهرت وطافت بالبيت قالت : يارسول اللّه ، أتنطلقون بحجّة وعمرة وأنطلق بحجّ ، فأمر عبد الرحمن بن

.


1- .عمدة القاري، ج 9، ص 265؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 195؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 176.
2- .مجمع البحرين، ج 2، ص 418 (سمط).

ص: 463

أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحجّ . (1) وروى في موضع آخر هذا الخبر بعينه عن جابر ، وأضاف قوله : وأنّ سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبيّ صلى الله عليه و آله بالعقبة وهو يرميها، فقال : ألكم هذه خاصّة يارسول اللّه ؟ قال : «لا ، بل للأبد ». (2) وروى أخبارا متكثّرة في هذا المعنى تذكر أكثرها في باب أصناف الحجّ . وقال طاب ثراه : وروى مسلم: أنّ عمر قال : قد علمت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر به وفعله أصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا معرّسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم . (3) وروى أيضاً عن جابر بن عبداللّه حديثاً طويلاً في صفة حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله وذكر فيه: أنّه صلى الله عليه و آله قام على المروة وقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة »، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يارسول اللّه ، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصابعه واحدة في اُخرى فقال : «دخلت العمرة في الحجّ مرّتين ، لا بل لأبد الأبد ». (4) وعن عائشة أنّها قالت : قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأربع مضين من ذي الحجّة أو خمس، فدخل عليَّ وهو غضبان فقلت : مَن أغضبك يارسول اللّه أدخله النار؟ قال : «وما شعرت أنّي آمر الناس بأمر فإذا هم متردّدون، ولو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي ». (5) وعن الجريريّ، عن أبي العلاء، عن مطرف، قال : قال لي عمران بن حصين : إنّي لأحدّثك بحديث اليوم ينفعك اللّه به بعد اليوم ، واعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد اعتمر طائفة

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 171 172.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 201.
3- .صحيح مسلم، ج 4، ص 46؛ و رواه أحمد في المسند، ج 1، ص 50؛ و ابن ماجة في السنن، ج 2، ص 992، ح 2979؛ سنن النسائي، ج 5، ص 153؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 348 349، ح 3715؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 20.
4- .صحيح مسلم، ج 4، ص 40.
5- .صحيح مسلم، ج 4، ص 33 _34؛ و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 19.

ص: 464

من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم يُنه عنه حتّى مضى لوجهه اِرْتَأيَ، أي كلّ امرئ بعدما شاء أن يرتأي . (1) وعن الجريري، عن ابن حاتم أنّه قال في رواية: ارتأي رجل برأيه ما شاء، يعني عمر. (2) و عن مطرف قال : بعث إليَّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه فقال : إنّي مُحدّثك بأحاديث ولعلّ اللّه ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم عنّي، وإن متّ فحدِّث بها إن شئت أنّه قد سلم عليّ ، واعلم أنّ نبيّ اللّه قد جمع بين حجّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله قال رجل فيها برأيه ما شاء . (3) ويأتي تحقيق القول فيه في باب أصناف الحجّ إن شاء اللّه تعالى، وبقي الكلام في الخبر في مواضع : الأوّل : استفاد بعض الأصحاب من قوله عليه السلام : «إهلال كإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله » صحّة إبهام الإحرام بأن يحرم بما أحرم به فلان، وجزم بها في المنتهى (4) محتجّاً بهذا الخبر، وبما روي من طريق العامّة عن أبي موسى الأشعري، قال : قدمت على النبيّ صلى الله عليه و آله بالبطحاء وهو منيخ، فقال : «أحججت؟» قلت : نعم ، قال : «بما أهللت؟» قلت : لبّيك بإهلال كإهلال النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، ثمّ أحلّ وطف بالبيت وبالصفا والمروة ». ثمّ أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي ثمّ أهللت بالحجّ، فكنت أفتي به حتّى كان في خلافة عمر، فقال : إن أخذنا بكتاب اللّه فإنّه يأمرنا بالتمام، وإن أخذنا بقول النبيّ صلى الله عليه و آله فإنّه لم يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه . (5) وأنت خبير بأنّ هذا الخبر على تقدير صحّته يدلّ على نقيض مدّعاه، فإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قارناً وأمره بالتمتّع .

.


1- .صحيح مسلم، ج 4، ص 47.
2- .نفس المصدر.
3- .نفس المصدر، ص 48.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 675 . و به أفتى أيضا في تحرير الأحكام، ج 1، ص 569 ؛ و تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 234.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 203 204.

ص: 465

وأمّا خبر الكتاب فالظاهر أنّ عليّاً عليه السلام إنّما قال ذلك إخبارا عمّا عيّنه وقصد معنى الإحرام من القران، كحجّ النبيّ صلى الله عليه و آله بدليل أنّه كان سائقاً بدنات متكثّرة أو [؟ ]على ما يظهر من الخبر ، فالأظهر ما اختاره الأكثر من عدم الصحّة ووجوب] ؟ [مشخصاته، من كونه إحرام حجّ أو عمرة تمتّع أو غيره، إسلامي أو منذور أو غيرهما ، وقد اختلفت العامّة أيضاً فيها . حكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : دلَّ الحديث على صحّة الإحرام المعلّق على ما أحرم به فلان، وأنّه ينعقد فيصير محرماً بما أحرم به فلان، وأخذ بظاهره الشافعي (1) ، فأجاز الإهلال بالنيّة المبهمة ، ثمّ إن ينقلها إلى ما شاء من حجّ أو عمرة، وأن ينقل من نسك إلى نسك ومنع من ذلك سائر أئمّة الحديث وقالوا : إنّما الأعمال بالنيّات ؛ وهذا عندهم كان جائزا في الصدر الأوّل ؛ لأنّ شرع الحجّ لم يكن تقرّر وما فعله صلى الله عليه و آله ]؟] ولم يكن بعد، ولا يمكننا الإحرام على أمر بغير تحقيق . انتهى . الثاني : يدلّ الخبر على تنوّع بدنات النبيّ صلى الله عليه و آله عند الأصحاب دائرة بين الأربع والستّين والستّ والستّين ، وعن عليّ عليه السلام بين الستّ والثلاثين والأربع والثلاثين ، واستفادوه من هذا الخبر . ويدلّ خبر حمّاد بن عثمان (2) على أنّه كان للنبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثاً وستّين ولعليّ عليه السلام ما غبر، أي ما بقي (3) من المئة، وهو سبع وثلاثون . ويؤيّده ما رواه مسلم عن جابر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نحر ثلاثاً وستّين بدنة بيده، ثمّ أعطى عليّاً فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثمّ أكل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها . (4)

.


1- .عمدة القاري، ج 9، ص 189؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 229.
2- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
3- .غريب الحديث لأبي عبيد، ج 4، ص 80 .
4- .صحيح مسلم ، ج 4، ص 42. و رواه أحمد في المسند، ج 3، ص 320 321؛ و الدارمي في سننه، ج 2، ص 49؛ وابن ماجة في سننه، ج 2، ص 1027، ح 3074؛ أبو داود في السنن، ج 1، ص 424 428، ح 1905؛ و النسائى في السنن الكبرى، ح 2، ص 450، ح 4119.

ص: 466

وحكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : والبدن التي نحرها النبيّ صلى الله عليه و آله هي التي جاء بها . وقال بعض أهل المعاني : أنّ في نحره الثلاث والستّين إشارة إلى منتهى عمره صلى الله عليه و آله وأنّه نحر عن كلّ عام بدنة (1) ، فتأمّل . الثالث : اشتهر جواز تشريك كلّ من القارنين الآخر في هديه محتجّين بهذا الخبر، فإن أرادوا بذلك جعل بضعة من كلّ بدنة في قدر والطبخ وأكلهما من المجموع وشربهما من مرقه كما هو صريح الخبر على أن يرجع إلى الشركة في الأكل والشرب فلا مرية فيه ، وإن أرادوا ما هو ظاهر كلامهم من نقل كلّ منهما عن قصد اختصاصه [؟ ]إلى نيّة الاشتراك الآخر معه فلا يدلّ الخبر عليه ، بل يحتمل المعنى الأوّل . ويؤيّده ما نقلناه عن الآبي من أنّ البدن التي نحرها النبيّ صلى الله عليه و آله هي التي جاء بها ، فتأمّل . الرابع : يدلّ الخبر على أنّ الأفضل الأرجح أن ينحر الرجل نسكه بيده ، وهو مذهب الأصحاب وأكثر العامّة . (2) وعن مالك (3) وجوب ذلك على الرّجل مع إجزاء الاستنابة محتجّاً بفعل النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأوجب بعضهم الاستنابة على المرأة عن الرجل محتجّاً بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نحر عن أزواجه ولم يأمرهنّ بذلك . واُجيب عنهما بأنّ فعله صلى الله عليه و آله إنّما يدلّ على مطلق الرجحان لا على خصوص الوجوب . قوله في حسنة معاوية بن عمّار: (وهي عمرة الحديبيّة)_ إلى قوله (وعمرة أهل من الجعرانة).[ح 10 / 6858] قال طاب ثراه : الحجازيّون يكسرون العين ويسكنون الراء ، والعراقيّون يسكنون

.


1- .و حكاه أيضا علي بن إبراهيم الحلبي في السيرة الحلبيّة، ج 3، ص 328.
2- .اُنظر: المغني لابن قدامة، ج 3 ص 564؛ المحلّى، ج 7، ص 380؛ المقنعة، ص 419 و الظاهر منه لزم كونه بيده إن أمكنه ذلك؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص 217؛ مدارك الأحكام، ج 8 ، ص 313.
3- .مواهب الجليل، ج 4، ص 373.

ص: 467

العين ويخفّفون الرّاء ، وكذلك اللغتان التشديد والتخفيف في الحديبيّة . (1) انتهى . واعلم إنّما دلّ عليه الخبر من كمّيّة عمرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو مذهب أهل العلم إلّا ما سيحكى عن عبداللّه بن عمر . ويدلّ عليه أكثر أخبار العامّة أيضاً . روى البخاري بإسناده عن همام، عن قتادة، قال: سألت أنساً : كم اعتمر النبيّ صلى الله عليه و آله ؟ قال : أربعاً : عمرة الحديبيّة في ذي القعدة حيث صدّه المشركون ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم ، وعمرة الجعرانة إذ قسّم غنيمة حنين . قلت : كم حجّ؟ قال : واحدة . (2) وعن همام، قال : وقال يعني قتادة _ : اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلّا التي اعتمر مع حجّته: عمرته من الحديبيّة ، وفي العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسّم غنائم حُنين ، وعمرة مع حجّته . (3) وفي بعض أخبارهم: أنّه اعتمر عمرتين ، رواه البخاري بإسناده عن أبي إسحاق، قال : سألت مسروقاً وعطاء ومجاهدا، فقالوا : اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذي القعدة قبل أن يحجّ مرّتين . (4) وقال: سمعت براء بن عازب يقول اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ذي القعدة قبل أن يحجّ مرّتين . 5 وقولهم ليس بحجّة علينا، على أنّه يمكن اطلاعهم على الزائد على المرّتين . ثمّ الظاهر من هذا الخبر ومن بعض أخبارهم المذكورة وقوع كلّها في ذي القعدة . وحكي عن ابن عمر أنّه قال : اعتمر صلى الله عليه و آله أربعاً، إحداهنّ في رجب ، وورد تكذيبه عن

.


1- .نفس المصدر.
2- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 204 205؛ النهاية، ج 1، ص 276 (جعر)؛ معجم ما استعجم، ج 2، ص 384، و المذكور فيه أنّ العراقيين يقولون بكسر الجيم و العين و تشديد الراء المهلمه، و الحجازيّون يخففون بتسكين العين و تخيفيف الراء.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 199.
4- .نفس المصدر، و كلمة «مرتين» غير موجودة فيه.

ص: 468

باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهما

عائشة ، روى البخاري بإسناده عن مجاهد، قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فاءذا عبداللّه بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، وإذا اُناس يصلّون في المسجد صلاة الضحى ، قال : فسألناه عن صلاتهم فقال : بدعة ، ثمّ قال له : كم اعتمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : أربعاً، إحداهنّ في رجب ، فكرهنا أن نردّه عليه . قال : وسمعنا استنان عائشة اُمّ المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة : يا اُمّه يا اُمّ المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت : ما يقول؟ قال : يقول إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اعتمر أربع عمرات، إحداهنّ في رجب ، قالت : يرحم اللّه أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلّا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قطّ . (1) وكذا الظاهر أنّ العدد المذكور إنّما كان لعمرته المفردة عن الحجّ في عامها، كما يدلّ عليه خبر قتادة، فلا ينافي ما ذكر عمرة خامسة وقعت منه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع مع الحجّ إجماعاً لأهل العلم، وإن اختلفوا في أنّها صارت عنه بإحرام جديد أو كانت منضمّة إلى إحرام الحجّ بناءً على اختلافهم في تفسير القرآن، كما ستعرفه في محلّه إن شاء اللّه تعالى ، وقد سبق أنّه صلى الله عليه و آله حجّ عشرين حجّة قبل حجّة الوداع، واحتمل وقوع عمرة مع كلّ حجّة منه صلى الله عليه و آله ، فتدبّر .

باب فضل الحجّ والعمرة وثوابهماالأخبار في ذلك متظافرة من الطريقين وكفاك ما ذكره المصنّف في الباب . قوله في خبر القلانسي: (قال : الحاجّ مغفورٌ له) إلخ .[ح 1 / 6863] قال طاب ثراه : يعني أنّ الحاج على ثلاثة أصناف : صنف وجبت له الجنّة، وهو الذي غفر له ذنوبه ما تقدَّم منها وما تأخّر ، وصنف غفر له ما تقدّم من ذنوبه، ويُكتب عليه ذنبه فيما تأخّر ، وصنف ثمرة الحجّ يعود إليه في دنياه، فيحفظ في أهله وماله، ومالَهُ في الآخرة من نصيب .

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 198 199. و ورد أيضا في مسند أحمد، ج 2، ص 129 و 155.

ص: 469

وحديث جابر (1) صريح في ذلك . وقال ابن العربي : هذه الطاعة لا تكفِّر الكبائر وإنّما تكفّرها الموازنة والتوبة، والصلاة لا تكفّرها، فكيف تكفّرها العمرة والحجّ ؟ ولكن هذه الطاعة ربّما أثّرت في القلب فحملته على التوبة . وعن بعضهم أنّ الثواب بالجنّة بعد المؤاخذة بمقدار الذنب . قوله في حسنة الكاهليّ : (أما ترى أنّه يشعث فيه رأسك) إلخ .[ح 7 / 6869] الشعث: التفرقة والانتشار (2) ، والمراد هنا انتشار شعر الرأس، ويعبّر عنه بالفارسية ب(ژوليدگى موى سر ). والقشف محرّكة: قذر الجلد ورثاثة الهيئة وسوء الحال (3) ، ورجل متقشّف، أي تارك للنظافة والتّرفّه. (4) والسُّوقة من الناس: الرعية ومن دون الملك، وكثير من الناس يظنّون أنّ السُّوقة أهل الأسواق . (5) قوله في خبر الفضيل بن يسار : (لا يحالف الفقر والحمّى مدمن الحجّ) . [ح 8 / 6870] حالفه بالحاء المهملة والفاء، أي لازمه وعاهده . (6) قوله في خبر أبي محمّد الفرّاء : (تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذنوب )، إلخ .[ح 12 / 6874] وفي القاموس : الكير: زق ينفخ فيه الحدّاد ، وأمّا المبني من الطين فهو الكور . (7) قوله في مرسل عليّ بن أسباط : (واترعي في مائك) [ح 20 / 6882] ترع الإناء بكسر العين: امتلأ . (8) وفي بعض النسخ: مثابك بالثاء المثلّثة بدل مائك .

.


1- .هو الحديث 39 من هذا الباب.
2- .صحاح اللغة، ج 1، ص 285 (شعث).
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 185.
4- .النهاية، ج 4، ص 66 (قشف).
5- .النهاية، ج 2، ص 424.
6- .اُنظر: صحاح اللغة، ج 4، ص 1346 (حلف).
7- .القاموس المحيط، ج 2، ص 130 (كير).
8- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1191 (ترع).

ص: 470

قال الجوهري : (1) «ثاب الحوض ثوباً: امتلأ أو قارب، وأثبته ومثاب البئر: مقام الساقي أو وسطها، ومثابتها: مبلغ جموم مائها، وما أشرف من الحجارة حولها» . قوله في خبر سعيد السمّان : (فيعطي قسماً) إلخ .[ح 23 / 6885] القسم بالكسر: الحظّ والنصيب من الخير. (2) والجدّ الاجتهاد في الأمر، تقول: جدَّ في الأمر يَجِدّ ويجُدّ . (3) قوله في حسنة أبي حمزة (في حجّة الوداع ) .[ح 24 / 6886] قال طاب ثراه : سمّيت بذلك الاسم لأنّه صلى الله عليه و آله وادع كعبة، أو وادع الناس فيها ولم يحجّ بعد الهجرة غيرها وكانت سنة عشرة . (4) قوله في خبر ابن الطيّار : (حججٌ تَترى وعمر تسعى يدفعن غيلة الفقر وميتة السوء) .[ح 36 / 6898] قال الجوهري : (5) جاؤوا تترى ويُنوّن، وأصلها وترُى متواترين . انتهى . وقيل : فيها لغتان تنوّن ولا تنوّن مثل عَلقى، فمن ترك صرفها في المعرفة جعل ألفها ألف التأنيث ومن نوّنها جعل ألفها ملحقة، وأصلها وترى من الوتر وهو الفرد ، قال تعالى : «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى» (6) . (7) والظاهر أنّ تسعى تمييز لعدد الحجج والعمر جميعاً .

.


1- .كذا بالأصل، ولم أعثر على كلام الجوهري في صحاح اللغة، و هذه العبارت بعينها موجودة في القاموس المحيط، ج 1، ص 42.
2- .صحاح اللغة، ج 5، ص 2010 (قسم).
3- .صحاح اللغة، ج 5، ص 452 (جدد).
4- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 134؛ الديباج على مسلم، ج 3، ص 300.
5- .كذا بالأصل، ولم أعثر على هذا الكلام في صحاح اللغة للجوهري، و هو موجود في القاموس المحيط، ج 2، ص 152 (وتر).
6- .المؤمنون (23) : 44 .
7- .صحاح اللغة، ج 2، ص 483 (وتر).

ص: 471

باب فرض الحجّ والعمرة

قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (ويوم عرفة يوم يُباهي اللّه به الملائكة ) . [ح 37 / 6899] قال طاب ثراه : أي يثني على مَن عبده في ذلك، وذلك المشعر من الناس، ويعظّمهم بحضرة الملائكة كما ورد في الأثر ، يقول للملائكة : «انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبرا، أشهدكم أنّي قد غفرت لهم » (1) ، وهذا تذكير للملائكة في قولهم : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا» (2) ، وتحقيق لقوله : «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . قوله في خبر سعيد بن يسار : (قد ضحاهم بالشمس ) .[ح 44 / 6906] ضحى للشمس، إذا برَزَ، وضحّيتهُ أنا. (3) والشعب: إصلاح الصدع (4) ، والمراد هنا سدّ الفُرج بنفسه وبرجله، وهو مستحبّ؛ ليطمئنّ به للعبادة، ولا يضطرب نفسه عن السرقة والمختلسين.

باب فرض الحجّ والعمرةوجوب الحجّ مع الاستطاعة مرّة في العمر من ضروريّات الإسلام ، وأمّا العمرة فقد أجمع الأصحاب على وجوبها كذلك ، ووافقنا في ذلك أكثر من خالفنا . والأصل فيه قوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (5) بناءً على أنّ المراد الأمر بفعل الحجّ والعمرة وإتمامهما كما صرّح به أكثر المفسّرين . ويستفاد من بعض الأخبار كحسنة عمر بن اُذينة (6) ، وعن عليّ عليه السلام (7) إتمامهما أن

.


1- .التمهيد، ج 1، ص 121.
2- .البقرة (2) : 30 .
3- .اُنظر: صحاح اللغة، ج 2، ص 2407 (ضحا).
4- .صحاح اللغة، ج 1، ص 155 (شعب).
5- .البقرة (2) : 196 .
6- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
7- .شرح معاني الآثار، ج 2، ص 160؛ التمهيد، ج 20، ص 16؛ جامع البيان للطبري، ج 2، ص 283، ح 2606؛ معاني القرآن للنحّاس، ج 1، ص 112؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 319، و ج 3، ص 304؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 276؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 341.

ص: 472

تحرم بهما من دويرة أهلك ، والأخبار المتظافرة من الطريقين شاهدة عليه، وكفاك من طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، وروى الجمهور عن أبي زرين أنّه أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه ، إنّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجّ ولا العمرة ولا الظَّعن ، قال : «حُجّ عن أبيك واعتمر ». (1) وعن ابن عمر، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : أوصني ، فقال : «تُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحجّ وتعتمر ». (2) وعنه قال : على كلّ مسلم حجّة وعمرة واجبتان، فمن زاد فهو تطوّع . (3) وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر أنّه قال : ليس أحد إلّا وللّه عليه حجّة وعمرة . (4) وعن ابن عبّاس أنّه قال: أنّه لقرينتها في كتاب اللّه «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (5) . (6) ويؤيّد تلك الأخبار ما تواتر من أمره صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع من لم يسق الهدي بالعدول إلى العمرة . وحكى في العزيز عن أبي حنيفة ومالك وأحد قولي الشافعي استحبابها محتجّين بما نقلوا عن جابر أنّه صلى الله عليه و آله سُئل عن العمرة، أواجبة هي؟ فقال : «لا ، وأن تعمروا فهو أفضل ». 7

.


1- .مسند أحمد، ج 4، ص 10 و 11 و 12؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 970، ح 2906؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 204، ح 933؛ سنن النسائي، ج 5، ص 111 و 117؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 320، ح 3600، و ص 324، ح 3617؛ مسند الطيالسي، ص 147؛ المستدرك، ج 1، ص 481؛ السنن الكبرى، ج 4، ص 329.
2- .المستدرك للحاكم، ج 1، ص 51 مع فقرات اُخرى؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 173؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 60.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 643. و نحوه في المستدرك للحاكم، ج 1، ص 471؛ السنن الكبرى، ج 4، ص 351؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 356؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 250، ح 2694.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 198.
5- .البقرة(2): 196.
6- .فتح العزيز، ج 7، ص 48. وانظر: مسند أحمد، ج 3، ص 316؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 205، ح 935؛ مسند أبي يعلى، ج 3، ص 443، ح 1938؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 251، ح 2698.

ص: 473

وقال بعض الأصحاب : إنّهم احتجّوا في ذلك بأخبار . قال ابن عبد البرّ : إنّها لا تصحّ ثمّ بعد ذلك نحملها على المعهود، وهي العمرة التي قضوها حين اُحصروا في الحديبيّة ، أو على العمرة التي اعتمروها مع حجّهم مع النبيّ صلى الله عليه و آله فإنّها لم تكن واجبة على مَن اعتمر، أو على ما زاد على العمرة الواحدة . (1) وحكي عن بعضهم القول بوجوبها على الآفاقي فقط . واعلم أنّ العمرة المفردة تسقط بالإجماع بعمرة التمتّع . ويدلّ عليه أخبار، منها: حسنة عبد الرحمن بن الحجّاج . (2) ومنها: ما رواه الصدوق عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «العمرة مفروضة مثل الحجّ، فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة ». (3) قوله في صحيحة عليّ بن جعفر : (إنّ اللّه عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدّة في كلّ عام) إلخ .[ح 5 / 6915] قال الجوهري : وجد المال يجده وجدا مثلّثة وجدة: استغنى . (4) وفيه مبالغة في استحباب الحجّ على الأغنياء في كلّ عام . وحكى في المنتهى قولاً بوجوبه، وقال : «هذه حكاية لم تثبت، وهي مخالفة للإجماع والسنّة» . (5) ثمّ التعبير عن ترك الحجّ بالكفر في قوله تعالى : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (6)

.


1- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 12 13؛ و كلام ابن عبد البرّ مذكور في المغني لابن قدامة، ج 3، ص 174؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 160.
2- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي، و هذا الحديث لا يدلّ على ما قال، بل الدالّ عليه الحديث الذي بعدي و هو حديث معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام .
3- .الفقيه، ج 2، ص 450، ح 2941؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 306، ح 19270.
4- .صحاح اللغة، ج 2، ص 547 (وجد)، و فيه: «و وجد في المال وجدا و وجدا وجدة، أي استغنى».
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 643.
6- .آل عمران (3) : 97 .

ص: 474

باب استطاعة الحجّ

يشعر بأنّه كفر ، ويؤيّده قولهم عليهم السلام في أخبار متعدّدة : «فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً ». (1) وأكثر الأصحاب حملوها على من تركه مُنكرا؛ له لقوله عليه السلام في هذه الصحيحة : «لا، ولكن مَن قال ليس هذا هكذا فقد كفر ». وفي كنز العرفان : «تسمية ترك الحجّ كفرا من حيث إنّه فعل الكفرة، وأنّ تركه من أعظم الكبائر» . (2) ومن الغرائب أنّي رأيت في المنام مدّة قبل هذا أنّي كنت جالساً لدى الشيخ السعيد الشهيد الثاني قدّس اللّه روحه مستفيدا منه ما لم يبق ببالي بعد الانتباه، إلّا أنّي تذكّرت أنّه قال : وصل إليَّ توقيع ممّن سمّاه من الأئمّة عليهم السلام ونسيته أناوأخرج من بين كتاب كان عنده، وهو كتاب مسالك الأفهام الذي من مصنّفاته رفعه وأعطانيها، فإذا فيها سؤال وجواب بالعربيّة، مضمون السؤال : أنّ من آمن بالحجّ وتركه مع الاستطاعة هل إيمانه إيمان أو هل هو مؤمن؟ وجوابه عليه السلام في الهامش : لا. أو لا إيمان له ، والترديد في الموضعين منّي .

باب استطاعة الحجّاعلم أنّ وجوب الحجّ والعمرة على ما صرّح به أهل العلم من الفريقين ، ويستفاد من الأخبار من الطريقين مشروط بشروط ثلاثة : أوّلها : شرائط أصل التكليف بسائر العبادات من البلوغ والعقل . وثانيها : الحرّية . وثالثها : الاستطاعة . وقد اعتبر العامّة فيه الإسلام أيضاً كما اعتبروه في التكليف بسائر العبادات زعماً منهم أنّ تكليف الكافر بها تكليف بما لا يُطاق ؛ لعدم صحّتها مع الكفر ، وأجمع

.


1- .اُنظر: وسائل الشيعة، ج 11، ص 29 30، ح 14162.
2- .كنز العرفان، ج 1، ص 267.

ص: 475

الأصحاب على عدم اشتراطه به، قائلين: إنّ اشتراط صحّتها به إنّما يكون موجباً لتكليفهم بما لا يُطاق إذا لم يكن الإيمان مقدورا لهم، وقدرتهم عليه ظاهرة ، كيف لا وهم مكلّفون به بالضرورة عندهم أيضاً؟! فلا فرق بين تكليفهم بها وتكليف الجنب في وقت الزوال بالصلاة، والفرق بينهما من غير فارق ، والآيات والأخبار شاهدتان عليه . والشرطان الأوّلان يجيء القول فيهما . وأمّا الاستطاعة، فعلى المشهور من مذهب الأصحاب إمكان المسير بتخلية السرب، والقدرة على الركوب، والزاد والراحلة، ونفقة عياله الواجبي النفقة ذهاباً وإياباً؛ لما ذكره في الباب وغيره، وسيأتي بعضها. ولا يشترط بالرجوع إلى كفاية من صناعة أو بضاعة أو ضياع ونحوها ؛ لعموم النصوص . واشترطه المفيد قدس سره حيث قال في المقنعة : والاستطاعة عند آل محمّد عليهم السلام للحجّ بعد كمال العقل وسلامة الجسم ممّا يمنعه من الحركة التي يبلغ بها المكان ، والتخلية من الموانع بالإلجاء والاضطرار، وحصول ما يلجأ إليه في سدّ الخلّة من صناعة يعود إليها في اكتسابه، أو ما ينوب عنها من متاع أو عقار أو مال ، ثمّ وجود الراحلة بعد ذلك والزاد . وروى أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السلام قال : سُئل عن قوله عزّ وجلّ : «مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1) قال : «ما يقول فيها هؤلاء؟» فقيل له : يقولون الزاد والراحلة ، فقال عليه السلام : «قد قيل ذلك لأبي جعفر فقال : هلك الناس إذا كان من كان له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله ويستغني به عن الناس، فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك، ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه، لقد هلك الناس إذن . فقيل له : فما السبيل عندك؟ قال : السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقي بعض يقوت به نفسه وعياله ». (2) واُورد عليه بأنّ الخبر لا يدلّ على مدّعاه، بل إنّما يدلّ على وجود ما يخلّفه لنفقة

.


1- .آل عمران (3): 97.
2- .المقنعة، ص 384 385؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 38، ح 14181.

ص: 476

عياله إلى رجوعه ، وأنت خبير بصراحة ما رواه في مطلوبه . نعم ، هذا الخبر على ما رواه المصنّف (1) وغيره (2) لا يدلّ عليه، وكأنّ نظر الرادّ إليه، فتأمّل . واعتبره الشيخ أيضاً في المبسوط (3) والخلاف محتجّاً عليه في الخلاف بالإجماع وأصالة البراءة، إلّا ما ثبت وجوبه ولم يثبت بدونه ، وقال : «ولم يعتبره أحد من الفقهاء إلّا ما حكي عن ابن سريج (4) ، فإنّه قال : لو كانت له بضاعة يتّجر بها ويربح قدر كفايته اعتبرنا الزاد والراحلة في الفاضل عنها ولا يحجّ ببضاعته» . (5) وحكي ذلك عن ابن البرّاج (6) وأبي الصلاح (7) أيضاً . واعلم أنّ ظاهر إطلاق الأخبار اشتراط الزاد والراحلة في القريب أيضاً، ولم يعتبرهما العلّامة رحمه اللهفيه (8) ، ولم يعتبر الشافعي الراحلة فيما دون مسافة القصر . (9) هذا، وقد ورد في بعض الأخبار كفاية القدرة على المشي في الاستطاعة كما ذهب إليه أكثر العامّة ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل عليه دين، أعليه أن يحجّ؟ قال : «نعم، إنّ حجّة الإسلام واجبة على مَن أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان مَن حجّ مع النبيّ صلى الله عليه و آله مشاة، ولقد مرَّ صلى الله عليه و آله بكراع الغميم فشكوا إليه

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
2- .الفقيه، ج 2، ص 418 419، ح 2858؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 2 3، ح 1؛ الاستبصار، ج 2، ص 139، ح 453.
3- .المبسوط، ج 1، ص 297.
4- .أبوالعبّاس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي الشافعي و يلقّب بالباز الأشهب، من فقهاء الشافعيّة، ولد سنة بضع و أربعين و مئتين في بغداد و ولي القضاء بشيراز، ثمّ رجع إلى بغداد و توفّي بها في سنة 306 ه ق، له نحو 400 مصنّف. راجع: الأعلام للزركلي، ج 1، ص 185؛ معجم المؤلّفين، ج 2، ص 31؛ سير أعلام النبلاء، ج 14، ص 201، الرقم 114.
5- .الخلاف، ج 2، ص 245 246، المسألة 2؛ و كلام ابن سريج مذكور في فتح العزيز، ج 7، ص 14، و المجموع للنووي، ج 7، ص 73.
6- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 5.
7- .الكافي في الفقه، ص 192.
8- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 51.
9- .المجموع للنووي، ج 7، ص 89 .

ص: 477

باب من سوّف الحجّ وهو مستطيع

الجهد والعناء، فقال : شدّوا اُزركم واستبطنوا ، ففعلوا ذلك فذهب عنهم ». (1) وفي رواية أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ : «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (2) قال : «يخرج ويمشي إن لم يكن عنده شيء »، [قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي و يركب]. قلت : لا يقدر ، قال : «يخدم القوم ويخرج معهم ». (3) وفي الاستبصار : الوجه فيهما أحد شيئين : أحدهما : أن يكونا محمولين على الاستحباب ؛ لأنّ من أطاق المشي مندوب إلى الحجّ، وإن لم يكن واجباً يستحقّ بتركه العقاب، ويكون إطلاق اسم الوجوب على ضرب من التجوّز ، مع أنّا قد بيّنا أنّ ما هو مؤكّد شديد الاستحباب يجوز أن يقال فيه: إنّه واجب وإن لم يكن فرضاً . والوجه الثاني: أن يكونا محمولين على ضرب من التقيّة، لأنّ ذلك مذهب بعض العامّة . (4)

باب من سوّف الحجّ وهو مستطيعقال طاب ثراه : أحاديث الباب تدلّ على أنّ الحجّ فوريّ، وهو مذهب أصحابنا (5) والشافعيّة والحنفيّة (6) ، وقال بعضهم : إنّه على التراخي (7) ، وقال مالك : لا تخرج له المعتدّة من وفاة ، وفي رواية

.


1- .آل عمران (3): 97.
2- .الفقيه، ج 2، ص 295، ح 2503؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 11، ح 27؛ الاستبصار، ج 2، ص 140 141، ح 458؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 43، ح 14195.
3- .الفقيه، ج 2، ص 295، ح 2504؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 10 11، ح 26؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 457؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 43 44، ح 14196.
4- .الاستبصار، ج 2، ص 141، ذيل الحديث 458.
5- .اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 257، المسألة 22؛ النهاية، ص 205؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 17؛ السرائر، ج 1، ص 515.
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 103؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 72 73؛ عمدة القاري، ج 9، ص 128.
7- .و هذا قول الشافعي، و سأذكر مصادره.

ص: 478

باب من يخرج من مكّة لا يريد العود إليها

باب أنّه ليس في ترك الحجّ خيرة وأنّ مَن حُبِسَ عنه فبذنب

ابن نافع يؤخّر الابن لرضا أبويه عامين حتّى يأذنا له، وبالتراخي أخذت جماعة من المغاربة . (1) انتهى . ونسب السيّد رضى الله عنه في الناصريّات التراخي إلى الشافعي (2) ، ثمّ احتجّ على مذهب الأصحاب بأنّ الأمر شرعاً يفيد الفور وإن لم يكن كذلك لغةً ، وبما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن وجد من الزاد والراحلة ما يبلغه الحجّ فلم يحجّ، فليمت إن شاء يهوديّاً وإن شاء نصرانيّاً ». (3)

باب من يخرج من مكّة لا يريد العود إليهايدل أخبار الباب على أنّ مَن هذا شأنه ينقص عمره ، وروى الشيخ قدس سره عن أبي خديجة، قال : كنّا مع أبي عبداللّه عليه السلام وقد نزلنا الطريق، فقال : «ترون هذا الجبل ثافِلاً، إنّ يزيد بن معاوية لمّا رجع من حجّه مرتحلاً إلى الشام، ثمّ أنشأ يقول : إذا تركنا ثافلاً يميناًفلن نعود بعدها سنينا للحجّ والعمرة ما بقينا[................] فأماته اللّه قبل أجله ». (4)

باب أنّه ليس في ترك الحجّ خيرة وأنّ مَن حُبِسَ عنه فبذنبالتنكير في «ذنب» للتعظيم ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «وما يعفو أكثر» بعد قوله: «ما حبس عبدٌ عن هذا البيت إلّا بذنب» في خبر سماعة . (5)

.


1- .التمهيد، ج 16، ص 163؛ مواهب الجليل، ج 3، ص 420.
2- .المجموع للنووي، ج 7، ص 103؛ المغني، ج 3، ص 195؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 72 73؛ عمدة القاري، ج 9، ص 128؛ التمهيد، ج 16، ص 164.
3- .الناصريّات، ص 305 306.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 462، ح 1612؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 220، ح 2225؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 152، ح 14502.
5- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 137، ح 14458.

ص: 479

باب لو ترك الناس الحجّ لجاءهم العذاب

باب نادرٌ

باب الإجبار على الحجّ

باب لو ترك الناس الحجّ لجاءهم العذابيعني العذاب الدنيوي . قوله في موثّق حنّان بن سدير : (لو عطّلوه سنة واحدة لم يناظروا ) .[ح 2 / 6937] قال طاب ثراه : الظاهر أنّ المراد أنّهم لم يناظروا العذاب في الدنيا، بل ينزل عليهم بغتةً . ويؤيّده ما مرّ . ويحتمل أن يُراد أنّهم لم يناظروا يوم القيامة، بل يدخلون النار بغير مناظرة ولا محاسبة . ويؤيّده ما نقله السيّد رضيّ الدين رضى الله عنه في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «اللّه اللّه في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرِك لم تناظروا يوم القيامة ». (1) وقال بعض الشارحين : بل يدخلون النار بغير مناظرة ولا محاسبة، وذلك من باب المبالغة والتشديد والإيذان بعظم شأن الحجّ . ونظيره من القرآن الكريم : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» . (2)

باب نادرٌيذكر فيه ما يدلّ على عقوبة الناهي عن الحجّ والمانع عنه

باب الإجبار على الحجّفي بعض النسخ والزيارة أيضاً، وهو أظهر؛ لدلالة الخبر الأوّل من الباب على الإجبار عليها أيضاً ، وصرّح جماعه منهم الشيخ في النهاية (3) بوجوب الإجبار على زيارة النبيّ صلى الله عليه و آله على الإمام إذا تركها الناس جميعاً .

.


1- .نهج البلاغة، الوصيّة 47.
2- .آل عمران (3): 97.
3- .النهاية، ص 285؛ و مثله في المبسوط، ج 1، ص 385.

ص: 480

باب إنّ مَن لم يطق الحجّ جهّز غيره

وفي السرائر قال محمّد بن إدريس : إجبارهم على زيارة الرسول عليه السلام لايجوز؛ لأنّها غير واجبة ، بل ذلك مؤكّد الاستحباب دون الفرض والإيجاب بغير خلاف ، وإذا كان الشيء شديد الاستحباب دون الفرض أتى به على لفظ الوجوب على ما أسلفنا القول في معناه . (1) وفيه: أنّ استحبابها لا ينافي وجوب الإجبار عليها إذا تركها الناس جميعاً، لاستلزام ذلك التهاون بحرمته صلى الله عليه و آله ، بل قد قيل بتعميم الحكم في ترك كلّ مندوب كذلك، لاستلزامه الاستخفاف بالسنّة .

باب أنّ مَن لم يطق الحجّ جهّز غيرهذهب الشيخ قدس سره إلى وجوب الاستنابة في عام الاستطاعة على مَن جمع شرائطها، سوى إمكان المسير لكبر أو مرض أو سلطان أو عدوّ لا يرجى زوالها . (2) يدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سرهصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ عليّاً عليه السلام رأى شيخاً لم يحجّ قطّ ولم يطق الحجّ من كبره، فأمره أن يجهّز رجلاً فيحجّ عنه ». (3) وادّعى في الخلاف (4) عليه الإجماع ، وبه قال أكثر العامّة، منهم الشافعي (5) وأبو حنيفة وأحمد (6) ، محتجّين بما نقلوه عن عليّ عليه السلام أنّه سئل عن شيخ يجد الاستطاعة ، فقال : «يُجهّز مَن يحجّ عنه ». (7)

.


1- .السرائر، ج 1، ص 647.
2- .المبسوط، ج 1، ص 299؛ الخلاف، ج 2، ص 248، المسألة 6.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 14، ح 38؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 63، ح 14247.
4- .الخلاف، ج 2، ص 249.
5- .كتاب الاُمّ، ص 123؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 93؛ مختصر المزني، ص 62؛ أحكام القرآن للشافعي، ج 1، ص 133.
6- .المجموع للنووي، ج 7، ص 100؛ الخلاف، ج 2، ص 248؛ المغني، ج 3، ص 177؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 177.
7- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 178.

ص: 481

وعن ابن عبّاس: أنّ امرأة من خثعم أتت النبيّ صلى الله عليه و آله فقالت : يارسول اللّه ، أنّ فريضة اللّه على عباده، أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، أفأحجّ عنه؟ قال : «نعم »، قالت : أينفعه ذلك؟ قال : «نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته نفعه ». (1) ونفاه ابن إدريس (2) محتجّاً بانتفاء الاستطاعة، وفرعيّة وجوب الاستنابة لوجوبه . ورجّحه العلّامة في المختلف (3) متمسّكاً بأصالة البراءة، وقد حملا ما ذكر من الأخبار على الندب . ويؤيّده ما رواه الشيخ عن سلمة أبي حفص، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ رجلاً أتى عليّاً عليه السلام ولم يحجّ قطّ، فقال : إنّي كنت كثير المال وفرّطت في الحجّ حتّى كبر سنّي ، قال : «فتستطيع الحجّ؟» قال : لا ، فقال عليه السلام : «إن شئت فجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك ». (4) وما رواه الجمهور عن عليّ عليه السلام أنّه قال لشيخ كبير لم يحجّ : «إن شئت فجهّز رجلاً يحجّ عنك ». (5) وهو ظاهر المفيد حيث قال في المقنعة : «ومَن وجب عليه الحجّ فمنعه مانع فلا بأس أن يخرج عنه». (6) وإن كان العذر مرجوّ الزوال يستحبّ الاستنابة عندنا . (7) وبه قال أبو حنيفة (8) ، ومنعه الشافعي في أحد قوليه على ما يظهر من العزيز (9) محتجّاً بأنّه لا ضرورة إليه.

.


1- .مسند الشافعي، ص 108؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 112، و ج 15، ص 519؛ و مع مغايرة في العبارة في مسند أحمد، ج 1، ص 251 و 329 و 359؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 40؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 218، و ج 5، ص 125، و ج 7، ص 126؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 101؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 406 407، ح 1809؛ سنن النسائي، ج 8 ، ص 228؛ السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 325، ح 3621؛ و ج 3، ص 471، ح 5954 و 5955؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 342.
2- .السرائر، ج 1، ص 516.
3- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 11.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 460، ح 1599؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 64، ح 14249.
5- .معرفة السنن و الآثار للبيهقي، ج 3، ص 475؛ كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 125؛ مختصر المزني، ص 62.
6- .المقنعة، ص 442.
7- .اُنظر: المبسوط للطوسي، ج 1، ص 299؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 71، المسألة 52.
8- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 179؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 72.
9- .فتح العزيز، ج 7، ص 39 40، وانظر المصادر المتقدّمة.

ص: 482

باب ما يجزي عن حجّة الإسلام وما لا يجزي

ويستحبّ في غير حجّة الإسلام مطلقاً وإن قدر عليه ، فقد روى الشيخ عن سليمان بن الحسين كاتب عليّ بن يقطين أنّه قال : أحصيت لعليّ بن يقطين من وافى عنه في عام واحد خمسمئة وخمسين رجلاً، أقلّ من أعطاه سبعمئة، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف. (1) وهو المشهور بين العامّة منهم أبو حنيفة والشافعي في قول ، ونفاه في قول آخر . (2) ومنع مالك جواز الاستنابة للحيّ مطلقاً، واجباً كان الحجّ أو مندوباً متمسّكاً بأنّه عبادة بدنية غير قابلة للنيابة . (3) هذا ، ولو زال العذر ففي الواجب وجب عليه الحجّ مطلقاً، سواء كان عذره مرجوّ الزوال أم لا ، وهو مذهب (4) الأصحاب (5) وفاقاً لأكثر العامّة ، وللشافعيّة في غير مرجوّ الزوال قول بسقوط الفرض معلّلين بأنّه قد فعل ما يؤمر به . (6)

باب ما يجزي عن حجّة الإسلام وما لا يجزيفيه مسائل :الاُولى : قال العلّامة في المنتهى: «لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه الحجّ مع استكمال الشروط الباقية، وكذا لو حجّ به بعض اُخوانه ، وذهب إليه علماءنا خلافاً للجمهور» . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1603؛ اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 737، الرقم 824 .
2- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 180؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 202 204؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 116، و المذكور في الجميع القول بالمنع عن الشافعي.
3- .اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 69؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 177؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 177؛ و حكي في المجموع للنووي، ج 7، ص 116، جواز الاستنابة في التطوع عن مالك في رواية عنه.
4- .في نسخة «ه»: + «أكثر».
5- .الخلاف، ج 2، ص 251، المسألة 1؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 70، المسألة 51.
6- .اُنظر: فتح العزيز، ج 7، ص 42 43؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 178؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 113.
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 652.

ص: 483

والظاهر أنّه أراد بالأوّل بذل عين الزاد والراحلة؛ لما سيأتي. وظاهر الأكثر كالأثر وجوبه بمجرّد البذل، فيجب عليه القبول ، واستشكله في الدروس منه، ومن عدم وجوب تحصيل الشرط. (1) واختلفوا في وجوبه فيما إذا بذل له أثمان الزاد والراحلة، فنسب في المدارك (2) القول به إلى العلّامة في التذكرة (3) ، وإلى إطلاق الأكثر؛ لإطلاق الأخبار . ونفاه جماعة منهم الشهيد الثاني (4) وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين، وهو ظاهر العلّامة في المنتهى حيث قال بعدما ذكر : «ولو وُهب له مال لم يجب القبول» ، وعلّل النفي أنّه تحصيل شرط للوجوب، وهو غير لازم. (5) واشتراط وجود نفقة عياله ممّا وقع التصريح به في كلام جماعة، منهم ابن إدريس (6) ، والشهيد في اللمعة (7) ، والعلّامة في المنتهى (8) ، وهو الظاهر؛ لاشتراطه في الاستطاعة . وأمّا الرجوع إلى الكفاية فلم أجد قولاً باشتراطه هنا ، وإن اختلفوا فيه ثمّة . وفي شرح اللمعة : ولا يشترط صيغة خاصّة للبذل من هبة وغيرها من الاُمور اللازمة، بل يكفي مجرّدة بأيّ صيغة اتّفقت، سواء وثق بالباذل أم لا ؛ لإطلاق النصّ. ولزوم تعليق الواجب بالجائز ، يندفع بأنّ الممتنع منه إنّما هو الواجب المطلق لا المشروط، كما لو ذهب المال قبل الإكمال أو منع من السير ونحوه من الاُمور الجائزة المسقطة للوجوب الثابت إجماعاً . واشترط في الدروس 9 التمليك أو الوثوق به ،

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 652.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 310، الدرس 81 .
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 46.
4- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 62.
5- .شرح اللمعة، ج 2، ص 166؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 133.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 652. و مثله في تحرير الأحكام، ج 1، ص 547.
7- .السرائر، ج 1، ص 517.
8- .اللمعة الدمشقيّة، ص 53؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 167.

ص: 484

وآخرون التمليك أو وجوب بذله بنذر وشبهه ، والإطلاق يدفعه . (1) انتهى . وفي الدروس : «ولو وهبه زادا وراحلةً لم يجب القبول ، وفي الفرق نظر». (2) والدليل على هذه المسألة زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره من خبري عليّ بن أبي حمزة والفضل بن عبد الملك (3) صحيحة معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل لم يكن له مال فحجّ به رجلٌ من إخوانه، هل يجزي ذلك عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : «بل هي [حجّة] تامّة ». (4) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قوله تعالى «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (5) ، قال : «يكون له ما يحجّ به »، قلت : فإن عرض عليه الحجّ فاستحيا ، قال : «هو ممّن يستطيع، ولِمَ يستحي ولو على حمار أجدع أبتر »، قال : «فإن كان يستطيع أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليفعل ». (6) وصحيحة هشام بن سالم، عن أبي بصير، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «مَن عرض عليه الحجّ ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحجّ ». (7) وحسنة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَللّهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» ما السبيل؟ قال : «أن يكون له ما يحجّ به »، قال : قلت : مَن عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك، أهو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟ قال : «نعم، ما شأنه يستحيي

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 310، الدرس 81 .
2- .شرح اللمعة، ج 2، ص 165 166.
3- .هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 7، ح 17؛ الاستبصار، ج 2، ص 143، ح 468؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 40، ح 18187.
5- .آل عمران (3): 97.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3 4، ح 4؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 456؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 39 40، ح 14185.
7- .الفقيه، ج 2، ص 419، ح 2859؛ التوحيد، ص 350، الباب 56: باب الاستطاعة، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 42، ح 14191.

ص: 485

ولو يحجّ على حمار أبتر ، فإن كان يطيق أن يمشي بعضاً ويركب بعضاً فليحجّ ». (1) ثمّ المشهور أنّه يجزي ذلك الحجّ عن حجّة الإسلام؛ لظهور أكثر ما ذكر من الأخبار ، بل صراحة بعضها فيه ، وظاهر المصنّف قدس سره عدم إجزائه عنها حيث اكتفى في الباب بذكر ما يدلّ عليه . الثانية : يدلّ خبر أبي بصير (2) وفي طريقه عليّ بن أبي حمزة ورواية عليّ بن مهزيار (3) وفي طريقه سهل بن زياد على عدم إجزاء حجّ المخالف عن فرضه، ووجوب إعادته عليه بعد الاستبصار من غير تقييد . ويؤيّدهما ما رواه الصدوق عن أبي عبداللّه الخراساني، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام ، قال : قلت : إنّي حججت وأنا مخالف، وحججتُ حجّتي هذه وقد منَّ اللّه عليَّ بمعرفتكم، وعلمت أنّ الذي كنت فيه كان باطلاً، فما ترى في حجّتي؟ قال : «اجعل هذه حجّة الإسلام وتلك نافلة ». (4) وهو منقول عن ابن الجنيد (5) وابن البرّاج (6) ، وحمله الشيخ في الاستبصار (7) على الاستحباب، وهو أظهر؛ للجمع بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم وبريد وزرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامفي الرجل في بعض هذه الأهواء كالحروريّة والمرجئة والعثمانيّة والقدريّة، ثمّ يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال : «ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة، فإنّه لابدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 3، ح 3؛ الاستبصار، ج 2، ص 140، ح 455؛ و هذا هو الحديث الأوّل من باب استطاعة الحجّ من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 40 41، ح 14189.
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .هي رواية الخامس من هذا الباب من الكافي.
4- .الفقيه، ج 2، ص 430، ح 2884؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 62، ح 14244.
5- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 19.
6- .المهذّب، ج 1، ص 268.
7- .الاستبصار، ج 2، ص 145، ذيل الحديث 474.

ص: 486

موضعها، وإنّما موضعها أهل الولاية». (1) وهي في قوّة ثمان صحاح. وما رواه الشهيد قدس سرهم، في الذكرى عن علىّ بن إسماعيل التميميّ، عن محمّد بن حكيم، قال: كنت عند أبي عبد اللّه إذ دخل كوفيّان كانا زيديين، فقالا: جعلنا لك الفداء، كنّا نقول بقول و أنّ اللّه من علينا بولايتك، فهل تقبل شيء من أعمالنا؟ فقال: «أمّا الصلاة والصوم والحجّ والصدقة فإنّ اللّه يتبعكما ذلك فيلحق بكما، و أمّا الزكاة فلا ؛ لأنّكما أبعدتما حق امرء مسلم و أعطيتماه غيره». (2) و تشهد لهذا الجمع حسنة عمر بن اُذينة (3) و صحيحة بريد بن معاوية العجليّ، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل حجّ وهو لايعرف هذا الأمر، ثمّ من اللّه عليه بمعرفته والدينونة به، [أ] عليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال: «قد قضى فريضته، ولو حجّ لكان أحبّ إلىّ». قال: وسألته عن رجل حجّ وهو فى بعض هذه الاصناف من أهل القبلة، ناصب متديّن، ثمّ من اللّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضى حجّة الاسلام؟ فقال: «يقضي أحبّ إلىّ». وقال: «كلّ عمل عمله وهو فى حال نصبه وضلالته، ثمّ مَنّ اللّه عليه و عرّفة الولاية، فإنّه يؤجر عليه، إلّا الزكاة فإنّه يعيدها ؛ لأنّه وضعها في غير موضعها ؛ لأنّها لأهل الولاية، وأمّا الصلاة والحجّ والصيام فليس عليه قضاء ». (4) وهذا القول مطلق في عدم وجوب الإعادة عليه وإن كان المخالف ممّن يحكم بكفره أو مخلّاً ببعض أركان الفعل، وهو مبني على ابتناء الحكم على التفضّل، كما في صورة إسلام الكافر لا على صحّة عباداتهم في نفسها كما ذهب إليه جماعة .

.


1- .الكافي، كتاب الزكاة، باب الزكاة لا تعطي غير أهل الولاية، ح 1؛ علل الشرائع، ص 373 374، الباب 102، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 4، ص 54، ح 143؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 216، ح 11871.
2- .الذكرى، ج 2، ص 432؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 127، ح 321.
3- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 61 62، ح 14243.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 9، ح 23؛ الاستبصار، ج 2، ص 145، ح 472؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 61، ح 14241.

ص: 487

وعلّله صاحب المدارك: بأنّ عبادة المخالف لا يكاد يتصوّر استجماعها للشرائط المعتبرة خصوصاً الصلاة، مع أنّ الأخبار مصرّحة بعدم وجوب قضائها مطلقاً ، فعلم أنّ عدم وجوب الإعادة ليس لعدم تحقّق الامتثال بالفعل المتقدّم بل للتفضّل . (1) والأكثر بنوه على صحّتها في نفسها بناءً على عدم اشتراطها بالإيمان وكفاية الإسلام فيها، ففصّلوا في الحكم ، فجماعة منهم الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) ، والشهيد في اللمعة (4) والدروس (5) ، والعلّامة في أكثر كتبه (6) قيّدوا الخبرين الأوّلين بما إذا أخلّ بركن منه، فقالوا بوجوب الإعادة عليه حينئذٍ واستحبابها فيما إذا لم يخلّ به، وبذلك جمعوا بين الأخبار . واحتجّ عليه في المنتهى: بأنّه مع الإتيان بالأركان مسلم أتى بالحجّ على وجهه، فكان مجزياً عنه ومخرجاً عن عهدة التكليف كغيره ، وأمّا مع الإخلال بشيء من الأفعال فلأنّه لم يأت بالأركان فوجب عليه إعادة الحجّ كغيره . (7) فهؤلاء اختلفوا في المراد من الركن، فذهب جماعة منهم إلى أنّه الركن الذي عندهم . وفي المدارك: هو أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ مقتضى النصوص أنّ من حجّ من أهل الخلاف لايجب عليه الإعادة، ومَن أتى منهم بحجّ فاسد عندهم كان كمن لم يأت بالحجّ . (8)

.


1- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 75.
2- .النهاية، ص 205.
3- .المبسوط، ج 1، ص 303.
4- .اللمعة الدمشقيّة، ص 54؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 177.
5- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 315، الدرس 82 .
6- .منها: قواعد الأحكام، ج 1، ص 408؛ مختلف الشيعة، ج 4، ص 19؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 859 860 .
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 860 .
8- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 74.

ص: 488

واعتبر العلّامة في المنتهى (1) والشهيد فى الدروس (2) الركن الذي عندنا، وهو منقول في المدارك (3) عن المحقّق في المعتبر (4) أيضاً. وفصّل في المختلف تفصيلاً آخر، فذهب إلى وجوب الإعادة على من يحكم بكفره من فرق المخالفين، واستحبابها على غيرهم ، فقال بعد نقل الاحتجاج على المذهب المنصور ببعض ما اُشير إليه من الأخبار _: «واحتجّ المخالف يعني ابن الجنيد وابن البرّاج بأنّ الإيمان شرط العبادة ولم يحصل» . وما رواه أبو بصير وعليّ بن مهزيار (5) إلى آخر الخبرين، ثمّ قال : والجواب بالمنع من كون الإيمان شرطاً في العبادة . وعن الرواية الاُولى بمنع سندها، فإنّ في طريقها عليّ بن أبي حمزة وهو ضعيف ، مع أنّا نقول بموجبها؛ إمّا لأنّ الناصب كافر بخلاف المخالف ، أو أنّ قوله عليه السلام : «عليه الحجّ »، على سبيل الاستحباب، جمعاً بين الأخبار . وكذا الجواب عن الخبر الثاني ، مع أنّ في طريقه سهل بن زياد، وهو ضعيف . (6) انتهى . والظاهر أنّه أراد بالصحّة ما اصطلح عليه الفقهاء من كون الفعل مسقطاً للقضاء مخرجاً عن عهدة التكليف، وقد صرّح بذلك فيما نقلناه عن المنتهى، وذلك غير مستلزم لترتّب الثواب، ولا عدم ترتّب الثواب، مستتبع للبطلان بالمعنى المقابل لها ، فلا ينافي الأخبار المتظافرة الدالّة على عدم انتفاع المخالفين بشيء من عباداتهم. واندفع ما أورد عليه صاحب المدارك: من أنّ الأخبار المستفيضة دالّة على بطلان عبادة المخالف وإن فرض استجماعها

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 315، الدرس 82 .
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 860 .
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 74.
4- .المعتبر، ج 2، ص 765.
5- .هما ح 1 و 5 من هذا الباب من الكافي.
6- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 21.

ص: 489

لشرائط الصحّة عندنا، كصحيحة أبي حمزة،قال : قال لنا عليّ بن الحسين عليهماالسلام : «أيّ البقاع أفضل؟» قلت : اللّه ورسوله أعلم ، قال : «إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان، ثمّ لقى اللّه بغير ولايتنا، لم ينتفع بذلك شيئاً ». (1) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول، وذكر حديثاً طويلاً، قال في آخره : «وكذلك يا محمّد، مَن أصبح من هذه الاُمّة لا إمام له من اللّه عزّ وجلّ، طاهرا عادلاً أصبح ضالّاً تائهاً، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق . واعلم يا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه عزّ وجلّ، قد ضلّوا وأضلّوا، فأعمالهم التي يعملونها «كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (2) ». (3) والأخبار الواردة بذلك أكثر من أن تُحصى . (4) نعم ، يرد عليه: أنّ ذلك ينافي ما قد ورد التصريح به فيما ذكر من الأخبار من سقوط الإعادة عن الناصب والحروريّة، وهم الخوارج أيضاً، وحمل الناصب على مطلق المخالف وإن أمكن بناءً على ما شاع في الأحاديث من إطلاقه عليهم، لكن لا يمكن ذلك التأويل في الحروريّة، فتأمّل . الثالثة : أجمعوا على أنّ المستطيع يجزيه الحجّ على أيّ وجه اتّفق ولو ماشياً متسكّعاً وأجيرا أو مكرياً وتاجرا أو غير قاصد لمكّة ابتدا . ويدلّ عليه خبر الفضل (5) ، وحسنتا ابن أبي عمير وعاصم بن حميد عن معاوية بن عمّار، (6) وصحيحة فضالة بن أيّوب عنه . (7)

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 245، ح 2313؛ ثواب الأعمال، ص 204، عقاب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام ؛ الأمالي للطوسي، المجلس 5، ح 22؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 122، ح 308.
2- .إبراهيم (14): 18.
3- .الكافي، كتاب الحجّة، باب معرفة الإمام و الردّ إليه، ح 8 ؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 118 119، ح 297.
4- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 75 76.
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
6- .هما ح 3 و 6 من هذا الباب من الكافي.
7- .هي الحديث السابع من هذا الباب.

ص: 490

وعلّل في المدارك بأنّ الحجّ واجب عليه، ووجوب صرف المال غير واجب لذاته، وإنّما وجب لتوقّف الواجب عليه . (1) الرابعة : المشهور بين الأصحاب اشتراط الحرّيّة في وجوب الحجّ، بل ادّعى العلّامة في المنتهى (2) والمحقّق في المعتبر (3) على ما نقل عنه (4) إجماع الفقهاء عليه . ويدلّ عليه خبرا شهاب (5) ومسمع (6) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال : «المملوك إذا حجّ ثمّ اعتق كان عليه إعادة الحجّ ». (7) وفي الصحيح عن صفوان وابن أبي عمير، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المملوك إذا حجّ وهو مملوك ثمّ مات قبل أن يعتق أجزأه ذلك الحجّ ، فإن اُعتق أعاد الحجّ». (8) وفي الموثّق عن الفضل بن يونس، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «ليس على المملوك حجّ ولا عمرة حتّى يعتق ». (9) وعن إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن اُمّ الولد تكون للرجل ويكون قد أحجّها، أيجزي ذلك عنها عن حجّة الإسلام؟ قال : «لا »، قلت : لها أجر في حجّتها؟ قال : «نعم ». (10)

.


1- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 84 .
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650.
3- .المعتبر، ج 2، ص 749.
4- .نقل عنه في مدارك الأحكام، ج 7، ص 29.
5- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
6- .هو الحديث 18 من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ح 7؛ الاستبصار، ج 2، ص 147، ح 479؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 49 50، ح 14209.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4 5، ح 8 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 147، ح 480؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 50، ح 14210.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ح 6 عن محمّد بن يعقوب الكلينى. و رواه الكليني في الكافي، باب فرض الحجّ و العمرة، ح 7؛ و الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 431، ح 2887؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 48، ح 14203.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 5، ح 10؛ الاستبصار، ج 2، ص 147، ح 482؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 50، ح 14212.

ص: 491

وعن آدم بن عليّ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «ليس على المملوك حجّ ولا جهاد، ولا يسافر إلّا بإذن مالكه ». (1) وما سيأتي عن معاوية بن عمّار، وما رواه في المنتهى عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أيّما عبدٍ حجّ ثمّ اُعتق فعليه حجّة الإسلام ». (2) ومفهوم ما رواه الصدوق عن أبان بن حكم، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الصبي إذا حجّ فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يكبر ، والعبد إذا حُجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يُعتق ». (3) وهو على القول بعدم تملّك العبد شيئاً واضح ، واستدلّ به في التهذيب . (4) وخالف في ذلك ابن الجنيد فقال على ما حكي عنه في المختلف : المملوك والأمَة الحجّ لازم لهما وإن كانا ممنوعين منه كالمصدود والمحصور، فإن أذن لهما سيّدهما في الحجّ فقد لزمهما أداؤه إن استطاعا إليه سبيلاً بأبدانهما، فإن حجّا أجزأ ذلك عنهما إذا اُعتقا ويستحبّ لهما بعد العتق أن يحجّا . (5) وكأنّه جمع بذلك بين ما ذكر وبين خبر أبان، عن حكم بن حكيم الصيرفي، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «أيّما عبدٍ حجّ به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام ». (6) وفيه: أنّه لندرته وعدم صحّته لاشتراك أبان ، بل الظاهر أنّه أبان بن حكم، وهو غير مذكور في كتب الرجال غير قابل للمعارضة لما ذكر . على أنّه يمكن حمله على ما إذا مات قبل العتق، أو اعتق قبل أحد الموقفين . (7)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ح 5؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 48، ح 14206.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650؛ و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 325، باب وجوب الحجّ مرّة؛ و ج 5، ص 179، باب حجّ الصبي و المملوك يعتق و الذمّي يسلم؛ كنز العمّال، ج 5، ص 99، ح 12227.
3- .الفقيه، ج 2، ص 435، ح 2900؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 45، ح 14199 صدره، و ص 49، ح 14208 بتمامه.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 4، ذيل الحديث 4.
5- .مختلف الشيعة، ج، ص 379 380.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 5، ح 11؛ الاستبصار، ج 2، ص 148، ح 483؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 50، ح 14213.
7- .قال الشيخ في الاستبصار، ج 2، ص 148، ذيل الحديث 483.

ص: 492

وعلى المشهور لو أذن له المولى لم يجب عليه التلبّس به، لكن لو أحرم وجب عليه الإتمام، وبغير إذنه لم يصحّ إحرامه عندنا ، ويدلّ عليه بعض ما ذكر . واحتجّ عليه في المنتهى بما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من عمل عملاً ليس عليه [أمرنا] فهو مردود» . (1) وبأنّ منافعه مستحقّة للغير، فصرفها في غيره تصرّف في مال الغير بغير إذنه، وهو منهيٌّ عنه، وهو محكي فيه عن داود وأصحابه، وعن باقي الفقهاء صحّته (2) مستندين بقوله عليه السلام : «أيّما عبدٍ حجّ ثمّ اُعتق فعليه حجّة الإسلام ». (3) وبأنّها عبادة على البدن ، فصحّ دخوله فيها بغير إذن سيّده كالصوم والصلاة ، ودفعها واضح . وإذا اُعتق المملوك بعدما أحرم بإذن المولى يجزيه حجّة الإسلام إن أدرك أحد الموقفين معتقاً . ونسبه في المنتهى (4) إلى مذهبنا، وحكاه عن ابن عبّاس والشافعي وإسحاق وأحمد والحسن البصري. (5) واحتجّ عليه بأنّه أدرك الوقوف حرّا فأجزأه كما لو أحرم تلك الساعة، لأنّه وقت يمكن إنشاء الإحرام فيه . وأيّده بخبر شهاب (6) وبصحيحة معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : مملوك اُعتق يوم عرفة ، قال : «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ ». (7)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650. و الحديث رواه ابن أبي عاصم في السنّة، ص 28، ح 52؛ و نحوه في مسند أحمد، ج 6، ص 73؛ سنن الدارقطني، ج 4، ص 145، ح 4490.
3- .المجموع للنووي، ج 7، ص 43.
4- .السنن الكبرى، ج 4، ص 325، و ج 5، ص 179، و فيه: «... فعليه حجّة اُخرى».
5- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 200؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 162.
6- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 53، ح 14220.
7- .الفقيه، ج 2، ص 432، ح 2892؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 5، ح 13؛ الاستبصار، ج 2، ص 148، ح 485؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 52، ح 14218.

ص: 493

ويدلّ عليه أيضاً ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن محبوب، عن شهاب، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل اُعتق عشية عرفة عبدا له ، قال : «يجزي عن العبد حجّة الإسلام، ويكتب للسيّد أجران: ثواب العتق وثواب الحجّ ». (1) وإطلاق الأخبار كالأكثر يقتضي عدم اشتراط تقدّم الاستطاعة في الإجزاء . واشترطه الشهيد في الدروس (2) ، وكأنّه تمسّك بعموم ما دلّ على اشتراطها في حجّة الإسلام. وفي شرح الفقيه: وهل يشترط في الإجزاء الاستطاعة السابقة واللاحقة، أو اللاحقة فقط؟ [أولا يشترط؟ ]فيه أوجه أشهرها الاشتراط، لاسيّما في اللاحق؛ لعموم الأخبار، والاحتياط مع عدم استطاعة الحجّ بعدها . (3) انتهى . واشتراطها مبنيّ على تملّك العبد إلّا أن يُراد بها الاستطاعة بعد العتق . وبالوجهين صرّح في شرح الفقيه حيث قال : والمراد بالاستطاعة أن يحصل له مال بعد العتق مقدار ما يمكن معه تحصيل الزاد والراحلة ذهاباً وعودا. وربّما يكتفي بما له [لو] كان [له مال] بناءً على تملّكه وإن لم يجب الحجّ به؛ لعدم التمكّن من التصرّف حال العبوديّة ، فلمّا اُعتق زال حجره وانكشفت الاستطاعة . (4) وحكى في المنتهى عن مالك وابن منذر وأصحاب الرأي القول بعدم الاجزاء (5) محتجّين بأنّ إحرامه لم ينعقد واجباً، فلا يجزي عن الواجب كما لو بقي على حاله . وأجاب عنه بمنع الملازمة . (6)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 650.
2- .الفقيه، ج 2، ص 211، ح 2183؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 52، ح 14217.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 308، شرائط وجوب الحجّ.
4- .روضة المتّقين، ج 5، ص 37، و ما بين الحاصرتين منه.
5- .نفس المصدر، ص 37 38، و ما بين الحاصرات منه.
6- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 200؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 162.

ص: 494

وقد اشتهر بين الأصحاب إلحاق بلوغ الصبيّ قبل أحد الموقفين بذلك العتق، ولم أجد نصّاً عليه . فيظهر من شرح الفقيه التمسّك بعموم قوله عليه السلام : «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ» في صحيحة معاوية بن عمّار (1) المتقدّمة بناءً على أنّه لا عبرة بخصوص السؤال، بل المعتبر جوابه عليه السلام وهو كان عامّاً، وتردّد العلّامة فيه في المنتهى ، ثمّ قال : ولو قيل به كان وجهاً؛ لأنّه زمان يصحّ فيه إنشاء الإحرام، فكان مجزياً بأن يجدّد نيّة الوجوب ، وبه قال الشافعي وأحمد خلافاً لأبي حنيفة ومالك (2) ؛ لأنّ الصبيّ لا ينعقد إحرامه، ولأنّه لو انعقد نفلاً فلا ينقلب فرضاً، كما لو بلغ بعد الوقوف. ويعارضه بأنّه وقف بعرفة، وهو كامل في إحرام صحيح، فوجب أن يجزيه عن حجّة الإسلام كما لو كان كاملاً حال الإحرام . والنفل قد يجزي عن الفرض، كما لو بلغ الصبي في سعة الوقت في الصلاة، فإنّه تجزيه، ولأنّ استدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه؛ لأنّ كلّ مسافة يقطعها يصحّ أن يبتدئ الإحرام منها، ولأنّه إحرام نفلاً بإذن الحاكم عليه وقد زال عذره قبل الوقوف، فوجب الإجزاء كالعبد عند أبي حنيفة . وبالجملة، فنحن في هذا الموضع من المتردّدين وإن كان الأقرب عندنا الإجزاء . (3) انتهى . واعتبر في العزيز في الإجزاء إدراكه عرفة بالغاً وقال : إن بلغ بعد الوقوف بعرفة لم يجزه عن حجّة الإسلام، ولا فرق بين أن يكون وقت الوقوف فانياً أم باقياً، لكنّه لم يعد إلى الموقف؛ لمضيّ معظم العبادة في حال النقصان، ويخالف حال الصلاة حيث تجزيه إذا بلغ في أثنائها أو بعدها ؛ لأنّ الصلاة عبادة تتكرّر والحجّ عبادة العمر، فيعتبر وقوعها أو وقوع معظمها في حال الكمال . وعن ابن سريج : أنّه إذا بلغ ووقت الوقوف باقٍ يجزيه عن حجّة الإسلام وإن لم يعد إلى الموقف وإن بلغ قبل الوقوف، أي بلغ وهو واقف وقعت حجّته عن حجّة الإسلام، خلافاً

.


1- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 200؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 162.
2- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 52، ح 14218.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 649.

ص: 495

لمالك حيث شرط فيه وقوع جميع الحجّ في حالة التكليف ، ولأبي حنيفة فإنّه لا يعتدّ بإحرام الصبيّ . (1) انتهى . وربما اُلحق ببلوغ الصبيّ قبل أحد الموقفين صيرورة المجنون عاقلاً كذلك، وهو ضعيف جدّا ، والأصوب إعادة الحجّ فيهما معاً في عام آخر مع بقاء الاستطاعة إليه . الخامسة : المشهور بين الأصحاب أنّه يُحرِم الوليّ عن غير المميّز إذا أراد الحجّ به، نبتت سنّه أو لا، وسقطت رواضعه أو لا؛ لإطلاق الصبيّ في أخبار يأتي بعضها في باب المواقيت ، ومنها: ما رواه الشيخ قدس سره عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله برويثة (2) وهو حاجّ، فقامت إليه إمرأة ومعها صبيّ لها، فقالت : يارسول اللّه ، أَيُحَجُّ عن مثل هذا؟ قال : نعم ، ولك أجره ». (3) وروى في العزيز عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّ بامرأة وهي في محفّتها، فأخذت بعضد صبيّ كان معها، فقالت : ألهذا حجّ؟ فقال صلى الله عليه و آله : «نعم، ولك أجر ». (4) وعن جابر، قال : حججنا مع النبيّ صلى الله عليه و آله ومعنا النساء والصبيان، فلبّينا عن الصبيان ورمينا عنهم . (5) فتقييد الصبيّ بالاثّغار وهو سقوط سنّ الصبيّ أو نباتها (6) في خبر محمّد بن الفضيل (7) إمّا لنفي تأكّد الاستحباب قبله، أو لنفي الحجّ التمريني كذلك، لا لسقوطه رأساً .

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 429.
2- .رويثة: موضع بين الحرمين. مجمع البحرين، ج 2، ص 236 (روث).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 6 7، ح 16؛ الاستبصار، ج 2، ص 146 147، ح 478؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 54 55، ح 14224.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 420. وانظر: تلخيص الحبير، ج 7، ص 420، باب حجّ الصبيّ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 210، ح 619؛ معرفة السنن و الآثار، ج 4، ص 140، ح 3082.
5- .فتح العزيز، ج 6، ص 420. و الحديث في سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1010، ح 3038؛ و السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 156، باب حجّ الصبيّ؛ معرفة السنن و الآثار، ج 4، ص 140، ذيل ح 3082؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 324، كتاب الحجّ، الباب 170، ح 1.
6- .النهاية، ج 1، ص 213 (ثغر).
7- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.

ص: 496

وظاهر الأخبار بل صريح خبر ابن سنان وابن عبّاس عدم اشتراط الوليّ الشرعيّ من الأب والجدّ ومن يقوم مقامهما في ذلك ، وظاهر الأكثر اشتراطه حيث عنونوا المسألة بإحرام الولي عنه، وبه صرّح الشيخ في المبسوط (1) والعلّامة في المنتهى (2) ، إلّا أنّهما جوّزاه من الاُمّ من جملة غير الوليّ محتجّين بحديث المرأة، وجوّزه الشيخ للأخ وابن الأخ والعمّ وابن العمّ أيضاً . واختلف العامّة في حجّ الصبيّ وما ذكر هو المشهور بينهم، وربما قالوا: إنّه ينعقد ليتدرّب ولا يعتدّ به، ولا يؤاخذ بمقتضيات الإحرام . (3) وحكى في المنتهى عن أبي حنيفة أنّه قال : ولا ينعقد إحرام الصبيّ ولا يصير محرماً بإحرام وليّه (4) محتجّاً بأنّ الإحرام سبب يلزم به حكم، فلا يصحّ من الصبيّ كالنذر . وأجاب بالفرق بأنّ النذر يجب به شيء على الناذر بخلاف مسألتنا . (5) وقد ألحق جماعة من الأصحاب الصبيّة بالصبيّ؛ لاشتراكهما في الحكم، ولا يبعد استفادته من خبر الصبيان على التغليب، وألحق به المجنون أيضاً، وهو لا يخلو عن إشكال لا سيما على القول بأنّ شرعيّة حجّ الصبيان للتمرين والتدرّب . السادسة : تدلّ صحيحة ضريس وبريد (6) على أنّه إن مات في الحرم بعد الإحرام أجزأ حجّه عن حجّة الإسلام، وإن لم يفعل شيئاً آخر من الأفعال ، ويؤكّدهما ما رواه المفيد في المقنعة مرسلاً، قال : وقال الصادق عليه السلام : «من خرج حاجّاً فمات في الطريق، فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجّة، وإن مات قبل دخوله الحرم لم تسقط عنه الحجّة وليقض عنه وليّه » (7) ، ولا مخالف له من أهل العلم، وإنّما الكلام في اشتراط

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 649.
2- .المبسوط للطوسي، ج 1، ص 328.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 420.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 420؛ المغني، ج 3، ص 203؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 163.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 648.
6- .هما ح 10 و 11 من هذا الباب من الكافي.
7- .المقنعة، ص 445.

ص: 497

دخول الحرم، وهو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في بعض كتبه (1) ، والمفيد في المقنعة (2) والشهيدان (3) وعامّة المتأخّرين (4) ، من غير فرق بين حجّ الأصيل والنائب على ما يقتضيه إطلاق عبارات أكثرهم. وصرّح في النهاية (5) باشتراطه فيهما، وخالفه في الخلاف (6) ، فقد اكتفى فيه بالإحرام فقط في مسألة موت الأجير محتجّا بإجماع الفرقة. ولم أجد فيه مسألة موت الأصيل، والظاهر قوله بذلك فيها أيضاً . ويحتمل أن يكون قوله فيها موافقاً للمشهور كما فصّل بذلك في المبسوط حيث قال : من وجبت عليه حجّة الإسلام فخرج لأدائها، فمات في الطريق، فإن كان دخل الحرم فقد أجزأ عنه، وإن لم يكن دخل الحرم فعلى وليّه أن يقضي عنه حجّة الإسلام من تركته . (7) وفي فصل الاستيجار قال : إذا مات الأجير فإن كان قبل الإحرام وجب على ورثته أن يردّوا جميع ما أخذ ولا يستحقّ شيئاً من الاُجرة؛ لأنّه لم يفعل شيئاً من أفعال الحجّ ، وإن كان بعد الإحرام لا يلزمه شيء وأجزت عن المستأجر، سواء كان قبل استيفاء الأركان أو بعدها، قبل التحلّل أو بعده ، وعلى جميع الأحوال؛ لعموم الخبر في ذلك . (8) وأشار بالخبر إلى ما أشرنا إليه من صحيح بريد، وكأنّه بذلك جمع بينه وبين ما سبق . وخالفه ابن إدريس 9 أيضاً لكن في المسألتين جميعاً، واكتفى فيهما بالإحرام فقط،

.


1- .المقنعة، ص 445.
2- .النهاية، ص 278.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 323، الدرس 84 ؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 54؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 171 172.
4- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 64 66.
5- .الخلاف، ج 2، ص 390، المسألة 244.
6- .المبسوط، ج 1، ص 306. و مثله في النهاية، ص 284.
7- .المبسوط، ج 1، ص 323.
8- .السرائر، ج 1، ص 628.

ص: 498

واحتجّ عليه على ما نقله عنه العلّامة في المختلف في المسألة الأولى بأنّ القصد التلبّس بالحجّ، وقد حصل بالإحرام، وفي النائب بذلك، وبموثّق إسحاق بن عمّار، قال : سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجّه فيعطى رجل دراهم يحجّ بها عنه، فيموت قبل أن يحجّ، ثمّ أعطى الدراهم غيره؟ قال : «إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزي عن الأوّل ». (1) وخبر عليّ بن أبي حمزة والحسين بن يحيى، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أعطى رجلاً مالاً يحجّ به فمات؟ قال : «إن كان مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه، وإن مات في الطريق فقد أجزأ عنه ». (2) وأجاب عن الأوّل بالمنع من انحصار القصد في ذلك ، وقال : بل المطلوب قصد البيت الحرام، وإنّما يحصل بدخول الحرم . وعن الخبرين بعدم صحّتهما؛ لاشتمال الأوّل على إسحاق بن عمّار (3) ، والثاني على عليّ بن [أبي] حمزة وهو مشترك (4) ، والحسين بن يحيى وهو مجهول (5) ، ولإرساله . على أنّه لا يجوز العمل على ظاهرهما. ولو خصّصا فليس تخصيصهما بالإحرام أولى من تخصيصهما بدخول الحرم . (6) ثمّ الكلام على القول باشتراطه في اشتراط الموت في الحرم وهو ظاهر ما ذكر من الأخبار، وبه قال أكثر هؤلاء منهم الشيخان (7) وأكثر المتأخّرين (8) ، ولم يشترطه الشهيدان،

.


1- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 64 66.
2- .الكافي، باب الرجل يموت صرورة أو يوصي بالحجّ، ح 4؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 417 418، ح 1450؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 185، ح 14581.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1604؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 186، ح 14584.
4- .فإنّه و إن كان فطحيّا لكنّه كان ثقة. اُنظر عنه: رجال النجاشي، ص 71، الرقم 169؛ الفهرست، ص 54، الرقم 52.
5- .مشترك بين البطائني الواقفي الكذّاب، و بين الثمالي الثقة. اُنظر: خلاصة الأقوال للعلّامة، ص 181، الرقم 29.
6- .اُنظر: رجال الطوسي، ص 184، الرقم 2238.
7- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 16 18.
8- .المفيد في المقنعة، ص 445؛ و الطوسي في النهاية، ص 278.

ص: 499

باب الرجل يستدين ويحجّ

فقد صرّحا في الدروس (1) وشرح اللمعة (2) بالإجزاء لو مات بعد الإحرام ودخول الحرم في الحلّ، وكأنّهما تمسّكا بإطلاق مفهوم صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟ قال : «يحجُّ عنه [إن كانت] حجّة الإسلام ». (3) وفيه: أنّ المفهوم لو كان حجّة فحجّيّته إنّما تكون مع عدم معارضته لمنطوق. على أنّه إنّما يكون في كلام السائل، وهو ليس بحجّة أصلاً ، فتأمّل . وهل يشترط وقوع الموت في الإحرام؟ فظاهر بعض الأصحاب ذلك، وكأنّه تمسّك بمفهوم صحيح زرارة المتقدّم، وفيه ما فيه. ولم يشترط الأكثر منهم الشهيدان (4) ، وفرّعا عليه الإجزاء لو مات بين الإحرامين، وهو الأظهر؛ لإطلاق ما تقدّم من الأخبار . قوله في خبر محمّد بن الفضيل : (قال : إذا أثغر ).[ح 9 / 6956] في النهاية : الإثّغار: سقوط سنّ الصبيّ ونباتها ، يقال : إذا سقطت رواضع الصبيّ قيل: ثغر فهو مثغور، فإذا نبتت بعد السقوط قيل: اثّغر واتّغر بالثاء والتاء، وتقديره: اثتغر، وهو افتعل من الثغر، وهو ما تقدّم من الأسنان، فمنهم من يقلب تاء الافتعال ثاء ويدغم فيها الثاء الأصليّة ، ومنهم من يقلب الثاء الأصليّة تاء ويدغمها في تاء الافتعال . (5)

باب الرجل يستدين ويحجّأراد قدس سره بيان أنّ الاستدانة للحجّ المندوب مندوب إذا كان وراءه ما يؤدّي به الدَّين أو مطلقاً على ما يظهر من بعض أخبار الباب، فهي مستثناة من الاستدانة المكروهة .

.


1- .النهاية، ج 1، ص 213 (ثغر).
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 323، الدرس 84 .
3- .شرح اللمعة، ج 2، ص 171 172.
4- .الكافي، باب المحصور و المصدود، ح 4؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 69، ح 14263.
5- .الشهيد الأوّل في الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 316، الدرس 82 ؛ و الشهيد الثاني في شرح اللمعة، ج 2، ص 171؛ و في مسالك الأفهام، ج 2، ص 143.

ص: 500

باب القصد في نفقة الحجّ

باب الرجل يسلم فيحجّ قبل أن يختتن

باب القصد في نفقة الحجّأراد قدس سره بالقصد في النفقة المعنى العام الشامل لقصدها في الحضر لأن يجمع له ما يمون به في الحجّ كما دلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار، وقصدها في سفر الحجّ لئلّا يملّ منه ويتيسّر له في أكثر الأعوام بقرينة الخبرين اللذين بعده . قوله في موثّق إسحاق : (جاء إبّان الحجّ) . [ح 1 / 6974] إبّان الشيء بالكسر والتشديد: وقته . (1) قوله في خبر ربعي بن عبد اللّه : (أن كان عليّ عليه السلام لينقطع ركابه في طريق مكّة فيشدّه بخوصة) . [ح 3 / 6976] كلمة أن هنا مخفّفة من المثقلة، واسمه ضمير شأن مقدّر كما هو شأن المخفّفة، ولا يجوز أن يكون شرطيّة؛ لعدم جواز دخول لام التأكيد على جزائها، لمنافاة التأكيد للفرض والتقدير ، والخوصة واحدة الخوص: ورق النخلة . (2) قوله في خبر سهل بن زياد : (والهديّة من نفقة الحجّ) . [ح 4 / 6977] يحتمل أن يريد أنّها داخلة في الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ، والأظهر بالنظر إلى العنوان إرادة استحباب القصد فيها أيضاً .

باب الرجل يسلم فيحجّ قبل أن يختتنيدلّ الخبران المذكوران فيه على عدم جواز الحجّ للأغلف واشتراطه بالاختتان، ولا خلاف فيه مع إمكانه، ومع التعذّر أو ضيق الوقت يجب الحجّ عليه، ويجوز منه كالصلاة على ما صرّح به جماعة منهم المحقّق الشيخ عليّ (3) والشهيد الثاني (4) ، ولكنّ

.


1- .صحاح اللغة، ج 5، ص 2066 (ابن).
2- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1038 (خوص).
3- .اُنظر: جامع المقاصد، ج 3، ص 189.
4- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 329؛ و شرح اللمعة، ج 2، ص 247.

ص: 501

باب المرأة يمنعها زوجها من حجّة الإسلام

خبر إبراهيم بن ميمون (1) يدلّ على وجوب تقديم الاختتان على الحجّ في الضيق، وحسنة حريز (2) أيضاً ظاهرة فيه، وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه وعن إبراهيم بن عمر (3) ، ومثلها صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أن تطوف المرأة» (4) ، فلا يبعد القول به على أن يكون الاختتان بالنظر إلى الحجّ كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، وادّعى الإجماع على عدم اشتراط اختتان المرأة . ويدلّ عليه الأخبار . وأمّا الخنثى المشكل والصبي فلم أجد نصّاً صريحاً في اشتراطه فيهما، واحتمله المحقّق الشيخ عليّ في تعليقاته على الإرشاد (5) ، وقوّاه الشهيد الثاني في شرح اللمعة (6) وجماعة مستندين بعموم النصّ وإطلاقه، وكأنّهم أرادوا بذلك النصّ صحيحة معاوية المتقدّمة .

باب المرأة يمنعها زوجها من حجّة الإسلامأجمع الأصحاب على أنّه لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود زوجها،ولا وجود محرم معها في السفر مع الأمن ، وبه قال الشافعي (7) وأحمد (8) في إحدى الروايات ومالك (9) والأوزاعي (10) وابن سيرين (11) على ما حكي في المنتهى . (12)

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 126، ح 414؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 271، ح 17726.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 126، ح 413؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 270، ح 17724.
5- .لم أعثر على هذه التعليقات، لكنّه قال في جامع المقاصد، ج 3، ص 189 بشمول النصّ لهما.
6- .شرح اللمعة، ج 2، ص 247.
7- .بدائع الصنائع، ج 3، ص 123؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 168؛ الاستذكار، ج 4، ص 412؛ التهميد، ج 9، ص 136؛ المغني، ج 3، ص 194.
8- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 555.
9- .اُنظر: الموطّأ، ج 1، ص 426؛ مواهب الجليل، ج 3، ص 490؛ الاستذكار، ج 4، ص 411؛ التمهيد، ج 9، ص 136.
10- .الاستذكار، ج 4، ص 412؛ التمهيد، ج 9، ص 136.
11- .الاستذكار، ج 4، ص 412.
12- .منتهى المطلب، ج 2، ص 658.

ص: 502

ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق ما سبق من أخبار الاستطاعة، وصحيحة صفوان الجمّال، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : قد عرفتني بعملي (1) تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبّها إيّاكم وولايتها لكم ليس لها محرم ، فقال : «إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة، ثمّ تلا هذه الآية : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (2) ». (3) وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن امرأة لم تحجّ، ولها زوج وأبى أن يأذن لها في الحجّ، فغاب زوجها، فهل لها أن تحجّ؟ قال : «لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام ». (4) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير محرم ، فقال : «إذا كانت مأمونة ولا تقدر على محرم فلا بأس بذلك ». (5) وخبر أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة تحجّ بغير وليّها ، قال : «نعم ، إن كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم ». (6) ويؤيّدها ما رواه في العزيز عن عديّ بن حاتم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «يا عديّ، إن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلّا اللّه ». قال عديّ : فرأيت ذلك . وأنّ المرأة لو أسلمت في دار الكفر لزمها الخروج إلى دار الإسلام وإن كان وحدها . (7) وقال طاب ثراه : وذهب بعض العامّة إلى المنع في الشابّة بدون محرم، وأكثرهم إلى

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر، أى تعرفني أنّي جمّال، و في الأصل: «فتعلمني».
2- .التوبة (9) : 71 .
3- .الفقيه، ج 2، ص 439، ح 2912؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 153، ح 14503.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 400، ح 1391؛ الاستبصار، ج 2، ص 318، ح 1126؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 155، ح 14511.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 401، ح 1394؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 154، ح 14508.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 401، ح 1393؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 154، ح 14507.
7- .فتح العزيز، ج 7، ص 23 24.

ص: 503

المنع بدونه مطلقاً؛ محتجّين بأنّها فتنة ومظنّة الطمع فيها، وقد قالوا: لكلّ ساقطة لاقطة . (1) انتهى . وربما احتجّوا بما رواه أبو هريرة، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يحلّ للمرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلّا ومعها ذو محرم». (2) وما رواه ابن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: «لا يخلو رجل بامرأة إلّا ومعها ذو محرمٍ، ولا تسافر امرأة، إلّا ومعها ذو محرم »، فقال رجل : يارسول اللّه ، إنّي كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجّة؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «انطلق فاحجّ مع امرأتك ». (3) وبالقياس إلى حجّ التطوّع . واُجيب عن أحاديثهم بحملها على السفر المندوب؛ للجمع، وعن القياس بالفرق بتحقّق الإجماع على اشتراطه في الحجّ المندوب، وعدم تحقّقه في الواجب منه . وحكى في المنتهى (4) عن أحمد في رواية أنّه شرط في الأداء لا الوجوب ، وتظهر الفائدة في وجوب الاستنابة عنها لو ماتت بعد الاستطاعة وقبل إمكانه . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (سألته عن المرأة تخرج ) . إلخ.] ح 2 / 6985] رواها الشيخ في الصحيح عنه بأدنى تفاوت، فقد روى عن موسى بن القاسم، عن النخعي، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المرأة تحجّ بغير وليّ ، قال : «لا بأس وإن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجّوا بها، وليس لهم

.


1- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 104 105.
2- .مسند أحمد، ج 2 ، ص 506 ؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 318، ح 1180؛ و ورد الحديث بلفظ: «... الّا مع ذي محرم»: اختلاف الحديث للشافعي، ص 513؛ مسند الشافعي، ص 171؛ مسند أحمد، ج 2، ص 445؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 103 و 104؛ سنن الترمذي، ج 2، ص 318، ذيل ح 1179؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 3، ص 139؛ و ج 5، ص 227.
3- .السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 226؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 279، ح 2391. و نحوه في صحيح البخاري، ج 6، ص 159؛ و صحيح مسلم، ج 4، ص 104.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 658. وانظر: المجموع للنووي، ج 8 ، ص 343.

ص: 504

باب القول عند الخروج من بيته ، وأفضل الصدقة

سعة فلا ينبغي لها أن تقعد عن الحجّ وليس لهم أن يمنعوها ». (1)

باب القول عند الخروج من بيته ، وأفضل الصدقةالأولى أن يقول: باب الفعل والقول عند الخروج؛ ليشمل الصلاة والوصيّة وغيرهما ممّا يذكر في الباب . وأراد قدس سره بالخروج إرادته ، وبهذا يمتاز هذا الباب عن الباب الذي بعده؛ فإنّه يذكر هناك ما يستحبّ بعد الخروج عند باب الدار، والأولى جمعها في باب واحد . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (والخليفة في الأهل ) (2) إلخ .[ح 2 / 6994] قال طاب ثراه : الخليفة: الذي يخلفك في أهلك بإصلاح أحوالهم بعد انقطاع نظرك عنهم، ووعثاء السفر: مشقّته. (3) وكآبة المنقلب: حزن المرء بمشاهدة ما يسوءه بعد الانصراف من السفر في أهله وماله . (4) انتهى . والحملان بالضم: المركوب ، قال ابن الأثير: في حديث تبوك : قال أبو موسى : أرسلني أصحابي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أسأله الحملان ، الحملان: مصدر حمل يحمل حملاناً، وذلك أنّهم أنفذوه يطلبون منه شيئاً يركبون عليه . (5) وقال الجوهري : حمله يحمله حملاً وحملاناً ، والحُملان بالضم: ما يحمل عليه من الدوابّ في الهبة خاصّة. (6) والوعث ككتف: الطريق العسر، ووعث الطريق كسمع

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 401، ح 1396؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 154، ح 14506.
2- .هذه الرواية وردت في باب القول إذا خرج الرجل من بيته، وليس في الباب المذكور.
3- .صحاح اللغة، ج 1، ص 296 (وعث).
4- .اُنظر: النهاية: ج 4، ص 96 و 137 (قلب) و (كأب).
5- .النهاية، ج 1، ص 443 (حمل).
6- .هذا الكلام لم أجده في صحاح اللغة، و تجده في القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل).

ص: 505

باب الوصيّة

وكرم: (1) تعسّر سلوكه . (2) ولقّني بتشديد القاف والنون من التلقين . وقال طاب ثراه : قيل: سخّر معناه: مكّن، ومقرنين: مطيقين، (3) وقيل: ضابطين، (4) وقيل: وكذا يقول مَن ركب سفينة، بل هو أحرى . وقال بعض العامّة : وكذا يقول الرجل إلّا أنّه لا يقول ما يختصّ بالراكب، كقوله : «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا» . (5) وقال الجوهري : الطير: [اسم من] التطيّر، ومنه قولهم : لا طير إلّا طير اللّه كما يقال : لا أمر إلّا أمر اللّه . (6)

باب الوصيّةيستحبّ الوصيّة دائماً خصوصاً عند إرادة السفر، لا سيّما سفر الحجّ ، وأراد قدس سرهبها هنا بيان ما ورد من توصيتهم عليهم السلام للمسافرين خصوصاً للحاج على حسن المعاشرة للرفقة والصحبة بقرينة أخبار الباب، وهو غير مختصّ بالسفر، لعموم ما رواه الصدوق عن عمّار بن مروان الكلبيّ، قال : أوصاني أبو عبداللّه عليه السلام فقال : «أوصيك بتقوى اللّه ، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الصحابة لمَن صحبَك، ولا قوّة إلّا باللّه ». (7) قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وتفرش عفوك ) .[ح 3 / 6997] يقال : فرشت الشيء أفرشه فرشاً: بسطته ، ويقال: فرشه أمره، إذا أوسعه إيّاه . (8)

.


1- .هذا هو الظاهر الموافق للأصل، و في الأصل: «لزم».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 176 (وعث).
3- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2181 (قرن).
4- .زاد المسير لابن الجوزي، ج 7، ص 91؛ عمدة القاري، ج 19، ص 160؛ فتح الباري، ج 8، ص 437.
5- .الزخرف (43) : 13 .
6- .صحاح اللغة، ج 2، ص 728 (طير)، و ما بين الحاصرتين منه.
7- .الفقيه، ج 2، ص 274 275، ح 2426.
8- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1014 (فرش).

ص: 506

باب الدعاء في الطريق

قوله في خبر أبي الربيع الشامي : (والبيت غاصّ بأهله) إلخ .[ح 4 / 6998] منزل غاصّ بالقوم، أي ممتلئ منهم (1) ، والممالحة: المؤاكلة على ما نقل عن القاموس (2) والصحاح (3) ، والمقصود مراعاة آداب المؤاكلة، ومنها الضيافة. والمخالقة بالقاف من خالقهم، أي عاشرهم (4) ، والمراد حسن المعاشرة ، وفي بعض نسخ الفقيه بالفاء ، وفي شرحه: «أي مخالفة من خالفه في الدِّين إلّا مع التقيّة» . (5) قوله في خبر شهاب: (إن بسطت وبسطوا أجمعت بهم) إلخ .[ح 7 / 7001] التعليل في الموضعين يدلّ على اختصاص كراهة التوسعة على الرفقة بما إذا كان مجازاتهم إيّاه موجباً لاستهلاكهم، وإمساكهم موجباً لمذلّتهم، فإذا لم يكونا كذلك فلا كراهة فيها ولا في مرافقة غير النظراء، وبذلك يجمع بينه وبين ما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن خالطت، فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليه فافعل ». (6)

باب الدعاء في الطريقأراد قدس سره بالطريق ما بين الخروج من داره إلى العود إليها سائرا وفي المنازل بقرينة الأخبار . قوله في مرسلة أبي سعيد المكاري : (ومقضي كلّ لأواء) الخ .[ح 5 / 7007] اللّأواء: الشدّة. (7) والإضافة كما في «جرد قطيفة». والكنف: الصيانة، والجانب. (8)

.


1- .صحاح اللغة، ج 3، ص 1047 (غصص).
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 251 (ملح).
3- .صحاح اللغة، ج 1، ص 407.
4- .لسان العرب، ج 10، ص 87 (خلق).
5- .روضة المتّقين، ج 4، ص 215.
6- .الفقيه، ج 2، ص 275، ح 2427. و رواه الكليني في كتاب العشرة من الكافي، باب حسن الصحابة و حقّ الصاحب، ح 2؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 9، ح 15505.
7- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2487 (لأي).
8- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1424 (كنف).

ص: 507

باب أشهر الحجّ

والخُزانة بالضم والتخفيف: عيال الرجل الذي يتحزّن بأمرهم . (1)

باب أشهر الحجّالأشهر بين الأصحاب منهم الشيخ في النهاية (2) أنّها: شوّال، وذوالقعدة، وتمام ذي الحجّة، وهو ظاهر الصدوق (3) ، و منقول عن ابن الجنيد (4) ، وذهب إليه الشافعي (5) وابن مسعود وابن عبّاس وابن الزبير . (6) ويدلّ عليه زائدا على ظاهر الصيغة في قوله تعالى : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ» (7) رواية زرارة (8) ، وحسنة معاوية (9) ، وما رواه المصنّف قدس سرهفي باب حجّ المجاورين عن سماعة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ في رجب وشعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور، فإنّ أشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة» (10) ، الحديث . وما رواه الشيخ قدس سره في الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الحجّ أشهر معلومات: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى

.


1- .صحاح اللغة، ج 5، ص 2098 (حزن).
2- .النهاية، ص 207.
3- .رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 301، ح 2520، و ص 448، ح 2937، و ص 456 457، ح 2959.
4- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 27.
5- .المجموع للنووي، ج 7، ص 142؛ مختصر المزني، ص 63، وانظر المصادر التالية.
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 145 و 146؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 211؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 263؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 223.
7- .البقرة (2) : 197 .
8- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
10- .هذا هو الحديث العاشر من ذلك الباب من الكافي. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ح 190؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 264، ح 14751.

ص: 508

هلال ذي العقدة ، و من أراد العمرة و فّر شعره شهرا» (1) . و يؤيّدها كون ثلاثة كملا وقتا لأفعال الحجّ بالجمله. و قال السيّد رضى اللّه عنه في الانتصار: إنّها شوال و ذوالقعدة و عشر من ذي الحجّة (2) ، و حكي ذلك عن سلّار (3) و ابن أبي عقيل (4) ؛ لأنّها وقت لإدراك الحُجّ؛ لإمكان إدراكه في عاشر ذي الحجّة بإدراك المشعر وحده . ولمرسلة عليّ بن إبراهيم، قال: «أشهر الحجّ: شوّال ، و ذوالقعدة ، و عشر من ذي الحجّة ، و أشهر السياحة: عشرون من ذي الحجّة ، و المحرّم ، و صفر ، و شهر ربيع الأوّل ، و عشر من شهر ربيع الآخر». (5) وحكاه طاب ثراه عن جمهور العامّة . (6) وقال ابن إدريس : إنّها إلى طلوع الشمس من يوم العاشر. (7) و كأنّه بناه على عدم إجزاء اضطراري المشعر المؤخّر. و ذهب الشيخ في الخلاف إلى أنّها إلى طلوع الفجر من العاشر (8) ، محتجّاً بإجماع الفرقة المحقّة. على أنّ أشهر الحجّ يصحّ أن يقع فيها الإحرام بالحجّ، وبأنّ ذلك مجمعٌ عليه أنّه من أشهر الحجّ، وليس على قول من قال بخلافه دليل، وبه قال الشيخ في المبسوط (9) أيضاً .

.


1- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 27.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 46 47، ح 139؛ الاستبصار، ج 2، ص 160، ح 520؛ و هو الحديث الأوّل من باب توفير الشعر من الكافي؛ و رواه الصدوق في الفقيه، ج 2، ص 301، ح 2520.
3- .الانتصار، ص 236، المسألة 122.
4- .المراسم العلويّة، ص 104.
5- .هى الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 273، ح 14771.
6- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 146؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 60 61؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 211؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 390.
7- .السرائر، ج 1، ص 524.
8- .الخلاف، ج 2، ص 258، المسألة 23.
9- .المبسوط، ج 1، ص 308.

ص: 509

وعن أبي الصلاح أنّها إلى العام الثامن من ذي الحجّة (1) ، وكانّ ذلك لأنّ يوم التروية وقت إحرام حجّ التمتّع عنده إلى ذلك اليوم . ونِعمَ ما قال في المختلف : والتحقيق أنّ النزاع لفظي، فإنّهم إن أرادوا بأشهر الحجّ ما يفوت الحجّ بفواته فليس كمال ذي الحجّة منها؛ لفوات الحجّ من دونه ، وإن أرادوا ما يقع فيه أفعال الحجّ فهي الثلاثة كملاً؛ لأنّ باقي المناسك يقع في كمال ذي الحجّة . (2) ولو ذكر المصنّف قدس سره في العنوان أشهر السياحة أيضاً لكان أولى؛ لذكرها في بعض أخبار الباب، وهي التي أشار إليها سبحانه بقوله : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (3) أماناً لكفّار قريش في هذه المدّة، من لم يكن له عهد إلى مدّة، ومن كان له عهد فعهده مدّته؛ لقوله سبحانه : «إِلَا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ» (4) . وقال بعض المفسّرين : مَن كان له عهد أكثر من أربعة أشهر حُطَّ إليها، ومَن كان له عهدٌ أقلّ منها رفع إليها . وحكي ذلك عن الحسن وابن إسحاق (5) ، والآية حجّة عليهم . واختلف في هذه الأشهر، فقال بعض العامّة: إنّها شوّال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم . وحكي ذلك عن ابن عبّاس (6) والزهري (7) ، ورجّحه البيضاويّ؛ محتجّاً بأنّ الآيات نزلت في شوّال (8) . وهو معارض بأنّها إنّما قرئت على المشركين في يوم النحر.

.


1- .الكافي في الفقه، ص 201.
2- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 28.
3- .التوبة (9) : 2 .
4- .التوبة (9) : 4 .
5- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 ، تفسير سورة التوبة؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 3، ص 100 عن الحسن وحده.
6- .لم أعثر على مصدر لكلامه.
7- .جامع البيان للطبري، ج 10، ص 81 ، ح 12722؛ تفسير القرآن لعبد الرزّاق، ج 2، ص 265؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج 6، ص 1747، ح 9221 ؛ معاني القرآن للنحّاس، ج 3، ص 181؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 3، ص 103؛ تفسير الثعلبي، ج 5، ص 6؛ تفسير السمعاني، ج 2، ص 285؛ تفسير البغوي، ج 2، ص 266؛ زادالمسير، ج 3، ص 268؛ تفسير الرازي، ج 15، ص 219 220.
8- .تفسير البيضاوي، ج 3، ص 127.

ص: 510

وظاهر الأصحاب إجماعهم على أنّها من حادي عشر ذي الحجّة إلى مثله من ربيع الآخر؛ لمرسلة عليّ بن إبراهيم (1) ، ولما رواه الصدوق رضى الله عنه فقال في الفقيه : وقال عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (2) قال : «عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشرة أيّام من شهر ربيع الآخر ولا يحسب في الأربعة أشهر عشرة أيّام من أوّل ذي الحجّة» . (3) وفي كتاب العلل عن الحسين بن خالد، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : لأيّ شيء صار الحاجّ لا يكتب لهم (4) ذنب أربعة أشهر؟ قال : «لأنّ اللّه أباح للمشركين الحرم أربعة أشهر؛ إذ يقول : «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» ،فمن ثمّ وهب لمن حجّ من المؤمنين البيت الذنوب أربعة أشهر» . (5) ولما روي عن العيّاشي عن حريز، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس، فنزل جبرئيل فقال : لا يبلّغ عنك إلّا عليّ ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء، وأمره أن يلحق أبا بكر، فيأخذ منه براءة ويقرأها على الناس بمكّة، فقال أبو بكر : أسخطة؟ فقال : لا، إلّا أنّه اُنزل عليَّ أنّه لا يبلّغ إلّا رجلٌ منك ، فلمّا قدم عليّ مكّة وكان يوم النحر بعد الظهر ، وهو يوم الحجّ الأكبر قام ثمّ قال : إنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم، فقرأ عليهم: «بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» عشرين من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من ربيع الآخر . وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك، إلّا مَن كان له عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و من لم يكن عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمدّته إلى هذه الأربعة الأشهر» . (6)

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
2- .التوبة (9): 2.
3- .الفقيه، ج 2، ص 457 458، ح 2962؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 273 274، ح 14776.
4- .المثبت من مصادر الحديث، و في الأصل: «له».
5- .علل الشرائع، ص 443، الباب 191، ح 1؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 97، ح 14335.
6- .تفسير العيّاشي، ج 2، ص 73 74، ح 4 من تفسير سورة التوبة.

ص: 511

ولما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «نزلت هذه الآية بعدما رجع رسول اللّه صلى الله عليه و آله من غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة»، قال : «وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السنة، وكانت سنّة من العرب [في الحجّ] أنّه من دخل مكّة فطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها، وكانوا يتصدّقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف، فكان مَن وافى مكّة يستعير ثوباً ويطوف فيه ثمّ يردّه ، ومَن لم يجد عارية اكترى ثياباً، ومَن لم يجد عارية ولا كرى ولم يكن له إلّا ثوب واحد طاف بالبيت عرياناً، فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة، فطلبت عارية أو كرى فلم تجده، فقالوا لها إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدّقي بها ، فقالت : وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها ، فطافت بالبيت عريانة وأشرف لها الناس، فوضعت إحدى يديها على قبلها واُخرى على دبرها وقالت مرتجزةً : اليوم يبدو بعضه أو كلّهفما بدا منه فلا أحلّه فلمّا فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت : إنّ لي زوجاً . وكانت سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل نزول براءة أن لا يقتل إلّا مَن قاتله، ولا يحارب إلّا مَن حاربه وأراده، وقد كان نزل عليه في ذلك من اللّه عزّ وجلّ : «فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً» (1) ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله حتّى نزلت سورة براءة وأمره [اللّه ] بقتل المشركين من اعتزله (2) ومَن لم يعتزله، إلّا الذين قد كان عاهدهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة إلى مدّة، منهم صفوان بن اُميّة وسهيل بن عمرو، فقال اللّه عزّ وجلّ : «بَرَاءَةٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» (3) ، ثمّ يقتلون حيث ما وجدوا، فهذه أشهر السياحة: عشرين من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل

.


1- .النساء (4): 90 .
2- .في الأصل: «و أمره بقتله المشركين من اعتزل»، و التصويب من المصدر.
3- .التوبة (9) : 1 و 2 .

ص: 512

وعشرين من ربيع الآخر ، فلمّا نزلت الآيات من أوّل براءة رفعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بكر، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر ، فلمّا خرج أبو بكر نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يا محمّد، لا يؤدّي عنك إلّا رجلٌ منك ، فبعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام في طلبه، فلحقه بالرّوحاء فأخذ منه الآيات، فرجع أبو بكر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : يارسول اللّه ، أنزَلَ فيَّ شيء؟ قال : أمرني ربّي أن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي» . (1) وما رواه في مجمع البيان عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «خطب عليّ عليه السلام الناس واخترط سيفه، فقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان، ولا يحجّن البيت مشرك، ومن كانت له مدّة [فهو إلى مدّته، و من لم يكن له مدّة ]فمدّته أربعة أشهر، وكان خطب يوم النحر، وكانت عشرون من ذي الحجّة ومحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر، وقال يوم النحر يوم الحجّ الأكبر» . (2) ويؤيّد هذه الأخبار: أنّ عليّاً عليه السلام اُمِرَ بأن يقرأ الآيات على المشركين يوم النحر، ويمهل مَن لا عهد له إلى أربعة أشهر بعده، كما يستفاد من أكثر ما ذكر . وممّا رواه في مجمع البيان عن محرز بن أبي هريرة، عن أبي هريرة، قال : كنت أنادي مع عليّ حين أذّن المشركين، وكان إذا صحل أي رقّ منه صوته فيما ينادي دعوت مكانه. فقلت : يا أبه، أيّ شيء كنتم تقولون؟ قال : كنّا نقول : «لا يحجّ بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل البيت إلّا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى الله عليه و آله مدّة فعهده إلى مدّته، ومَن لم يكن له مدّة فإنّ أجله إلى أربعة أشهر، فإذا انقضت أربعة أشهر فإنّ اللّه بريء من المشركين ورسوله» . (3) وعن أبي عبداللّه الحافظ بإسناده عن زيد بن نقيع، قال : سألنا عليّاً عليه السلام : بأيّ شيء

.


1- .تفسير القمّي، ج 1، ص 281 282.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 9.
3- .مجمع البيان، ج 5، ص 9؛ و رواه الطبري في جامع البيان، ج 10، ص 82 ، ح 12724.

ص: 513

بعثت في ذي الحجّة؟ قال : «بعثتُ بأربعة : لا تدخل الكعبة إلّا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومَن كان بينه وبين رسول اللّه عهد فعهده إلى مدّته، ومَن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر» . (1) قال : وروي أنّه عليه السلام قام عند جمرة العقبة وقال : «أيُّها الناس، اُنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر، ولا يحجّ البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومَن كان له عهد عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فله عهده إلى أربعة أشهر، ومَن لا عهد له فله مدّة بقيّة الأشهر الحرم» . (2) وبه قال أكثر العامّة، منهم: مجاهد ومحمّد بن كعب القرظي على ما حكى عنهما في مجمع البيان . (3) هذا ، واعلم أنّ الأخبار في نصب أبي بكر للرسالة إلى قريش في قراءة الآيات عليهم ثمّ عزله وإرسال عليّ عليه السلام لذلك متظافرة من الطريقين، وأجمع عليه الأصحاب، وبه قال أكثر المفسّرين من العامّة، بل ادّعى عليه الإجماع منهم أيضاً، ففي مجمع البيان: قد أجمع المفسّرون ونقَلَة الأخبار أنّه لمّا نزلت براءة دفعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أبي بكر، ثمّ أخذها منه ودفعها إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنّه عليه السلام بلّغهم إيّاها في يوم النحر، وإن اختلفوا في تفصيل ذلك، فقيل: إنّه بعثه وأمره أن يقرأ عشر آيات من أوّل هذه السورة، وأن ينبذ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده ، ثمّ بعث عليّاً عليه السلام خلفه ليأخذها ويقرأها على الناس ، فخرج على ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله العضباء حتّى أدرك أبا بكر بذي الحليفة، فأخذها منه ، وقيل: إنّ أبا بكر رجع وقال : هل نزل فيَّ شيء؟ فقال صلى الله عليه و آله : لا، إلّا خيرا، ولكن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي . و قيل إنّه قرأ عليّ عليه السلام براءة على الناس ، و كان أبوبكر أميرا على الموسم ، عن الحسن و قتادة.

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 9.
2- .نفس المصدر.
3- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 .

ص: 514

و قيل: انّه صلى الله عليه و آله أخذها من أبي بكر قبل الخروج و دفعها إلى عليّ عليه السلام و قال: «لا يبلغ عنّي إلّا أنا أو رجلٌ منّي» عن عروة بن الزبير وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة. وروى أصحابنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ولّاه [أيضا] الموسم وأنّه حين أخذ (البراءة) من أبي بكر رجع أبو بكر . وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن سماك بن حرب، عن أنس بن مالك: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعث براءة مع أبي بكر إلى أهل مكّة، فلمّا بلغ ذا الحليفة بعث إليه فردّه، وقال : «لا يذهب بها إلّا رجل من بيتي» ، فبعث عليّاً عليه السلام (1) . (2) وبذلك يعلم أنّ ما ذكره البيضاويّ إنّما هو من تحريف المخالفين المعاندين حيث قال : روي أنّها لمّا نزلت أرسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام راكب العضباء ليقرأها على أهل الموسم، وكان قد بعث أبا بكر أميرا على الموسم فقيل: لو بعثت بها إلى أبي بكر؟ فقال : لا يؤدّي عنّي إلّا رجل منّي ، فلمّا دنا عليّ سمع أبو بكر الرغاء ، فوقف فقال : هذا رغاء ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا لحقه قال : أمير أو مأمور؟ قال : مأمور ، فلمّا كان قبل التروية خطب أبو بكر وحدّثهم عن مناسكهم، وقام عليّ يوم النحر عند جمرة العقبة فقال : «أيّها الناس، إنّي رسول رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليكم» ، فقالوا : بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ، ثمّ قال : «اُمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنّة إلّا كلّ نفس مؤمنة، وأن يتمّ إلى كلّ ذي عهدٍ عهده» . (3) وفيه أخبار غير محصورة، مَن أراد الاطّلاع عليها فعليه بباب نزول براءة من كتاب بحار الأنوار (4) ، وقد خطر ببالي أنّ السرّ في ذلك النصب ثمّ العزل إعلام الناس أنّه ليس بقابل لتبليغ هذه الآيات إلى قريش، فكيف لتبليغ علوم الكتاب والسنّة التي لا حصر لها إلى كافّة الناس؟! وهذه فائدة جليلة يجوز على اللّه تعالى الاحتيال لها بمثل هذه الحيلة،

.


1- .شواهد التنزيل، ج 1، ص 362، ح 312.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 9.
3- .تفسير البيضاوي، ج 3، ص 128. و مثله في الكشّاف للزمخشري، ج 2، ص 172؛ و تفسير النسفي، ج 2، ص 77.
4- .بحارالأنوار، ج 21، ص 264 276.

ص: 515

فلا ينبغي أن يستبعد ذلك، فقد صدر عن يوسف عليه السلام ما هو أعظم منها؛ لفائدة هي أدنى من تلك الفائدة ، بل لا نسبة بينهما، ونسبه سبحانه إلى نفسه، فقال : «كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ» (1) . ثمّ رأيت قد سبقني على ذلك جبرئيل عليه السلام والسيّد المرتضى رضى الله عنه ، ففي التفسير المنسوب إلى الإمام الهمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليهماالسلامأنّه: «بعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله عشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة: ذكر نبذ العهد إلى الكافرين، وتحريم قرب مكّة على المشركين، وأمر أبا بكر ليحجّ بمن ضمّه الموسم ويقرأ عليهم الآيات ، فلمّا صدر عنه أبو بكر جاءه المطوّق بالنور جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمّد، لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجلٌ منك، فابعث عليّاً عليه السلام ليتناول الآيات، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأ الآيات . وقال جبرئيل : يا محمّد، ما أمرك ربّك بدفعها إلى عليّ عليه السلام ونزعها من أبي بكر لا سهوا ولا شكّاً ولا استدراكاً على نفسه غلطاً، ولكن أراد أن يبيّن لضعفاء المسلمين أنّ المقام الذي يقوم أخوك عليّ عليه السلام أن يقومه غيره سواك. يا محمّد، وإن جلّت في عيون الضعفاء من اُمّتك مرتبته وشرفت عندهم منزلته ، فلمّا انتزع عليّ عليه السلام الآيات من يده لقي أبو بكر بعد ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : بأبي أنت واُمّي لموجدةٍ كان نزع الآيات منّي؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا، ولكن العليّ العظيم أمرني أن لا ينوب عنّي إلّا مَن هو منّي ، وأمّا أنت فقد عرّضك بما حملك من آياته، وكلّفك من طاعاته الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة ، أما أنّك إن دمت على موالاتنا ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّاً بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق كنت من خيار شيعتنا وكرام أهل مودّتنا» ، (2) الحديث .

.


1- .يوسف (12) : 76 .
2- .التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، ص 558 559، ح 330.

ص: 516

وفي الشافي: فإن قيل : ليس يخلو النبيّ صلى الله عليه و آله من أن يكون سلّم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر اللّه تعالى أو باجتهاده ورأيه ؛ فإن كان بأمر اللّه تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الاداء وعندكم أنّه لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله، وإن كان باجتهاده عليه السلام فعندكم أنّه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى . قلنا : ما سلّم السورة إلى أبي بكر إلّا بإذنه تعالى، إلّا أنّه لم يأمره بأدائها ولا كلّفه قراءتها على أهل الموسم، ولم يصرّح بذكر المبلّغ لها في الحال. ولو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطاً بشرط لم يظهره؛ لأنّه عليه السلام ممّن يجوز مثل ذلك عليه . فإن قيل : فأيّ فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يريد أن يؤدّيها عنه ، ثمّ ارتجاعها منه، وإلّا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قلنا : الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومزيّته، وأنّ الرجل الذي نزعت السورة منه لا يصلح لما يصلح له، وهذا غرض قويّ في وقوع الأمر على ما وقع عليه من دفعها إلى أبي بكر وارتجاعها منه . (1) انتهى . وقد بقي هنا إشكال بناءً على القاعدة المشهورة بين العرب من النسيء، وهو ما حكاه في مجمع البيان عن مجاهد أنّه قال : [كان] المشركون يحجّون في كلّ شهر عامين، فحجّوا في ذي الحجّة عامين، ثمّ في المحرّم عامين، ثمّ في صفر عامين، وكذلك في المشهور حتّى وافقت الحجّة التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة، ثمّ حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله في العام القابل حجّة الوداع، فوافقت ذي الحجّة، فذلك حين قال النبيّ صلى الله عليه و آله في خطبته : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب مضر [الذي ]بين جمادى وشعبان». (2) وهو أحد الوجهين اللذين حكاهما عن العرب أرباب الهيئة .

.


1- .الشافي، ج 4، ص 156 157.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 54.

ص: 517

قال المحقّق الخفري في شرح التذكرة : إنّهم كانوا يستعملون شهور الأهلّة، وكان حجّهم الواقع في عاشر ذي الحجّة كما رسمه إبراهيم عليه السلام دائرا في الفصول كما في زماننا هذا، فأرادوا وقوعه دائماً في زمان إدراك الغلّات والفواكه واعتدال الهواء، أعني أوائل الخريف؛ ليسهل عليهم السفر وقضاء المناسك، فكان يقوم في الموسم عند اجتماع العرب خطيب يحمد اللّه ويثني عليه ويقول : أنا أزيد لكم في هذه السنة شهرا، وهكذا أفعل في كلّ ثلاث سنين حتّى يأتي حجّكم في وقت يسهل فيه مسافرتكم ، فيوافقونه على ذلك، فكان يجعل المحرّم كبيساً، ويؤخّر اسمه إلى صفر، واسم صفر إلى ربيع الأوّل، وهكذا إلى آخر السنة، فكان يقع الحجّ في السنة القابلة في عاشر المحرّم، وهو ذو الحجّة عندهم؛ لأنّهم لمّا سمّوا صفرا بالمحرّم وجعلوه أوّل السنة صار المحرّم الآتي ذا الحجّة وآخر السنة، ويقع في السنة محرّمان: أحدهما رأس السنة، والآخر النسيء، وتصير شهورها ثلاثة عشر ، وعلى هذا يبقى الحجّ في المحرّم ثلاث سنين متوالية، ثمّ ينتقل إلى صفر، ويبقى فيه كذلك إلى آخر الأشهر، ففي كلّ ستّ وثلاثين سنة قمريّة تكون كبيستهم اثني عشر شهرا قمريّاً . وقيل : كانوا يكبسون أربعاً وعشرين سنة باثني عشر شهرا، وهذا هو النسيء المشهور في الجاهليّة وإن كان الأوّل أقرب إلى مرادهم . وبالجملة، إذا انقضى سنتان أو ثلاث وانتهى النوبة إلى الكبس قام فيهم خطيب ، وقال : إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة للذي بعده، وحيث كانوا يزيدون النسيء على جميع الشهور بالنوبة حتّى يكون لهم في سنة محرّمان، وفي اُخرى صفران، فإذا اتّفق أن يتكرّر في السنة شهر من الأربعة الحرم نبّأهم الخطيب [بتكرّره]، وحرّم عليهم واحدا منهما بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، ولمّا انتهى النوبة في أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله إلى ذي الحجّة وتمّ دور النسيء على الشهور كلّها حجّ في السنة العاشرة من الهجرة، [لو قوع الحجّ فيها في عاشر ذى الحجّة] وقال : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض _ ، يعني به رجوع الحجّ وأسماء الشهور إلى الوضع الأوّل _ ، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا» »، (1) إلى آخر الآية . (2) انتهى .

.


1- .التوبة (9) : 36 .
2- .التكملة في شرح التذكرة، أواسط الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام، مخطوطة رقم 6509 من مكتبة أية اللّه المرعشي في قم.

ص: 518

وإليهما أشار المحقّق الطوسي قدس سره في التذكرة بقوله : وإن أرادوا يعني مستعملي السنة الشمسيّة اعتبار الشهور القمريّة جعلوا السنة شمسيّة والشهور قمريّة، وزادوا في كلّ ثلاث سنين أو في كلّ سنتين شهرا في السنة؛ لاجتماع الأحد عشر يوماً غير الكسر المذكور على حسب ما يصطلحون عليه . (1) بيان الإشكال: أنّ تبليغ الآيات إنّما كان في السنة التي كانت قبل حجّة الوداع في موسمها على ما يظهر من كتب التفاسير والسِّير، فيلزم أن يكون واقعاً في ذي القعدة ، وهو مستتبع لمفسدتين متلازمتين، إحداهما: أن يكون مبدأ هذه الأشهر ما بعد يوم النحر الذي كان في ذي القعدة على قاعدتهم ، والاُخرى: أن يبني أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه حجّهم على تلك القاعدة الجاهليّة . فإن قيل : لا بُعد في شيء منهما ؛ أمّا الاُولى فلما حكاه في مجمع البيان عن بعض أهل العلم حيث قال : وقيل : كان ابتداء الأشهر الأربعة يوم النحر لعشرين من ذي القعدة إلى عشرين من شهر ربيع الأوّل؛ لأنّ الحجّ في تلك السنة كان في ذلك الوقت، ثمّ صار في السنة الثانية في ذي الحجّة، وفيها حجّة الوداع، وكان سبب ذلك النسي?الذي كانوا يفعلونه في الجاهليّة . (2) وأمّا الثانية فلأنّه قد حجّ عبداللّه بن عبد المطّلب رضي اللّه عنهما أيضاً على تلك القاعدة على ما يظهر من تاريخ مبدأ حمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وولادته ووفاته، وهو أيضاً كان معصوماً عندنا ، فلعلّهما كانوا متعبّدين بذلك ، فقد قال المصنّف قدس سرهفي باب تاريخ مولد النبيّ صلى الله عليه و آله : ولد النبيّ صلى الله عليه و آله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال . وروي أيضاً عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين ، وحملت به اُمّه في أيّام التشريق عند جمرة الوسطى إلى قوله _ : وبقي بمكّة بعد مبعثه ثلاث عشر سنة، ثمّ

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 .
2- .اُنظر كلامه في التكملة في شرح التذكرة، أواخر الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام.

ص: 519

هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين، ثمّ قبض عليه السلام لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الإثنين، وهو ابن ثلاث وستّين سنة . (1) واستشكل ذلك باستلزامه أن تكون مدّة حمله إمّا ثلاثة أشهر أو خمسة عشر شهرا، وهما خلاف ما أجمعت عليه الطائفة المحقّة في أقلّ مدّة الحمل وأكثرها . واُجيب بابتناء ذلك على النسي? وأوضحه طاب ثراه في شرحه بقوله بعدما ذكر ما نقلناه عن مجاهد _ : إذا عرفت هذا وعرفت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله توفّي وهو ابن ثلاث وستّين سنة، ودورة النسيء أربعة وعشرون سنة ضعف عدد الشهور، فإذا كانت السنة الثالثة والستّون ابتداء الدور كانت السنة الثانية والستّون نهايته، فإذا بسطنا دورين أخذا من الثانية والستّين على ما قبلها وأعطينا كلّ شهر عامين تصير السنة الخامسة عشر من مولده ابتداء الدور؛ لأنّه إذا نقصنا من اثنتين وستّين ثماني وأربعين يبقى أربع عشرة، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدة، واثنتان قبلهما لشوّال وهكذا، فتكون الاُوليان منها لجمادى الأولى، فكان حجّهم في عام مولد النبيّ صلى الله عليه و آله وهو عام الفيل في جمادى الاُولى ، فإذا فرض أنّ حمله صلى الله عليه و آله كان في الثانية عشر منه وتولّده في الثانية عشر من ربيع الأوّل كان مدّة الحمل عشرة أشهر بلا زيادة ولا نقصان . (2) انتهى . وأقول : مولد النبيّ صلى الله عليه و آله إذا كان في اُولى السنتين اللّتين لجمادى الاُولى يلزم أن يكون مبدأ حمله صلى الله عليه و آله في السنة التي قبلها في أيّام التشريق التي تلي العشرين من ربيع الآخر بناءً على أنّ الحجّين اللذين كانا في كلّ شهر كان أوّلهما في عاشره، وثانيهما في العشرين منه على ما في مجمع البيان (3) في مبدأ أشهر السياحة ، فإذا فرض حمله صلى الله عليه و آله في الثانية والعشرين منه يكون مدّة حمله عشرة أشهر وعشرين يوماً. و على ما ذكره المحقّق الخفري (4) أوّلاً من اقتضاء النسيء كون حجّهم في كلّ ثلاثة

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 8 .
2- .الكافي، ج 1، ص 439، باب مولد النبي صلى الله عليه و آله .
3- .شرح اصول الكافي للمولى محمدصالح المازندراني، ج 7، ص 141 142.
4- .التكملة في شرح التذكرة، أواسط الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام.

ص: 520

أعوام في شهر يكون حجّهم عام الفيل في عاشر شهر ربيع الأوّل، فإنّ النسيء على هذا يدور على ستّ وثلاثين، و إذا نقصت دورة من اثنتين وستّين تبقى ستّ وعشرون، الثلاث الأخيرة منها لذي القعدة، وثلاث قبلها لشوّال وهكذا، فتكون الاُوليان منها لربيع الأوّل: إحداهما لآخره، والاُخرى للعشرين منه، وهذا هو عام الفيل وعام ولادته صلى الله عليه و آله ، فمبدأ الحمل كان قبل ذلك العام في أيّام التشريق، فإذا فرض في الثانية عشر منه تكون مدّة الحمل لا محالة سنة كاملة أقصى الحمل . قلنا : يدفع الأوّل ما سبق من الأخبار المتكثّرة الدالّة على أنّ مبدأ تلك الأشهر اليوم الحادي عشر من ذي الحجّة. ويؤيّدها ما نقل في روضة الصفاء عن علماء السِّير والأخبار، من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أراد الحجّ في آخر ذي القعدة في السنة التاسعة من الهجرة، فسمع أنّ المشركين يحجّون عرياناً، فترك تلك العزيمة، وأمّر أبا بكر على ثلاثمئة رجل، وأرسلهم إلى قريش (1) ، القصّة . وحمل ذي الحجّة فيما ذكر من الأخبار على الشهر الذي يسمّونه بهذا الاسم في الجاهليّة غير موجب لمطابقة ليطابق القول المحكي من كلّ وجه، على أ نّه يأبى عنه أكثرها ، فتأمّل . ويدفع الثاني أنّه لا يجوز قياس أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك العام على عبداللّه رضى الله عنه، فإنّ عبداللّه كان يتّقي من قريش دائماً في أكثر أقواله وأفعاله حتّى في الإيمان ، ولعلّه كان يحجّ في الوقت الذي رسمه إبراهيم عليه السلام مستسرا ، كما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حجّ عشرين حجّة كذلك في الأزمنة التي لم يكن له يد على قريش بخلاف أمير المؤمنين في ذلك العام حيث كان بعد فتح مكّة وضعف قريش وعدم قدرتهم على معارضته عليه السلام . ولا يبعد التفصّي عن الإشكال بأنّه عليه السلام كان معتمرا عمرة مفردة لا حاجّاً، على ما يستفاد من بعض ما تقدّم من الأخبار من قدومه عليه السلام مكّة يوم النحر، أو أنّه عليه السلام حجّ مع

.


1- .روضة الصفا، ط 1، 1380 ه ش، تهران، ج 4، ص 1587، وقايع السنة التاسعة من الهجرة.

ص: 521

المسلمين على ما هو المقرّر من ملّة إبراهيم عليه السلام وقد حجّ المشركون في ذي القعدة على قاعدتهم، وإنّما حضروا منى مع المسلمين تبعاً لهم لا للحجّ ، فتأمّل . وأجاب خالي المحقّق المدقّق العلّامة الفهّامة شيخ الإسلام والمسلمين محمّد، المدعوّ باقر علوم المجتهدين دامت أيّام إفاداته عن أصل الإشكال شفاهاً: بأنّ العرب على قاعدة النسيء كانوا يحجّون عامين في عاشر كلّ شهر، وذلك العام كان أوّل العامين اللّذين كانت نوبة الحجّ فيهما في عاشر ذي الحجّة، والثاني منهما العام القابل الذي فيه وقعت حجّة الوداع. وهو جواب شاف لو أيّده نقل، ولم أجده، بل بعض ما نقلناه يناقضه ، فتدبّر . وعلى أيّ حال فحرمة هذه الأشهر الأربعة مخصوصة بذلك العام إجماعاً من أهل العلم، وهناك شهور اُخرى تسمّى بالأشهر الحرم حرّم فيها قتال من يرى لها حرمة كمشركي العرب، وهي أيضاً أربعة: ثلاثة سَردٌ (1) ، وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب، والأصل فيها قوله تعالى : «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» (2) . فالمشهور بين الأصحاب أنّها ما ذكرناه، وأنّ حرمتها باقية إلى يوم القيامة . ويدلّ عليه بعض ما ذكر من الأخبار، وظاهر الصدوق أنّها أشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ورجب، حيث وضع باباً في الفقيه لأشهر الحجّ وأشهر السياحة والأشهر الحرم، ولم يرد فيه ما يتعلّق بالأشهر الحرم من الأخبار، إلّا قوله : وقال عليه السلام : «ما خلق اللّه في الأرض بقعة أحبّ إليه من الكعبة ولا أكرم عليه منها، ولها حرّم اللّه عزّ وجلّ الأشهر الحرم الأربعة في كتابه يوم خلق السماوات والأرض، ثلاثة منها متوالية للحجّ، وشهر مفرد للعمرة رجب .» (3)

.


1- .أي متوالية و متتابعة. اُنظر: النهاية لابن الأثير، ج 2، ص 308 (سرد).
2- .التوبة (9) : 5 .
3- .الفقيه، ج 2، ص 457، ح 2961؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 273، ح 14775.

ص: 522

وأوّله جدّي قدس سرهفي الشرح بحمل أشهر الحجّ فيه على ما يطابق المشهور، حيث قال : أي ثلاثة منها متوالية حرّمت لأجل الحجّ: ذو القعدة وبعض ذي الحجّة للذهاب إلى مكّة وبعض ذي الحجّة للحجّ والعمرة، وبعضها مع المحرّم للعود؛ لأنّه تعالى جعل بيته الحرام في موضع كان أطرافه براري، وكان يعلم أنّها تكون مسكن الأعراب، والغالب عليهم القتال، فحرّم القتال في هذه الأشهر؛ ليأمن الناس من شرّهم، ويحجّوا آمنين ، وشهر مفرد قرّره اللّه تعالى للعمرة للأطراف من أهل المدينة وغيرهم ممّن كان بعدهم من مكّة إلى أربعة عشر يوماً؛ ليعتمروا آمنين في الذهاب والإياب . (1) وحكى في مجمع البيان (2) قولاً بأنّها أشهر السياحة بعينها، وكأنّ القائل منحصر في العامّة ، ورجّحه البيضاوي محتجّاً بالإجماع وباقتضاء السياق ايّاه، حيث قال في تفسير الآية الكريمة: فإذا انقضى الأشهر الحرم اُبيح للناكثين أن يسيحوا فيها ، وقيل: رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم، وهذا مخلّ بالنظم، مخالف للإجماع، فإنّه يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم؛ إذ ليس فيما نزل بعد ما ينسخها . (3) وحرمة هذه الأشهر على ما مذهب الأصحاب كانت مقرّرة قبل الإسلام بين العرب، وهي من سنّة إبراهيم عليه السلام ، ولكن حدث منهم نسيء آخر غير ما ذكر، فكانوا يؤخّرون في بعض السنوات تحريم المحرّم إلى صفر ، ففي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : «يُحِلُّونَهُ عَاما وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما» (4) ، أي يجعلون الشهر الحرام حلالاً إذا احتاجوا إلى القتال فيه، وإذا لم يحتاجوا إلى القتال لم يفعلوا ذلك . (5) وفي تفسير قوله تعالى : «لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللّهُ» ، معناه: أنّهم لم

.


1- .مجمع البيان، ج 5، ص 54.
2- .روضة المتّقين، ج 5، ص 87 .
3- .مجمع البيان، ج 5، ص 15.
4- .تفسير البيضاوي، ج 3، ص 129.
5- .التوبة (9) : 37 .

ص: 523

يحلّوا شهرا من الحرام إلّا حرّموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرّموا شهرا من الحلال إلّا أحلّوا مكانه شهرا من الحرام؛ لتكون موافقة في العدد . (1) وفيه أيضاً : وكانت العرب تحرّم الشهور الأربعة، وذلك ممّا تمسّكت به من ملّة إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلاموهم كانوا أصحاب غارات وحروب، فربّما كان يشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها، فكانوا يؤخّرون تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه، ويستحلّون المحرّم، فيمكثون بذلك زماناً، ثمّ يزول التحريم إلى المحرّم، ولا يفعلون ذلك إلّا في ذي الحجّة . قال الفرّاء : والذي كان يقوم به رجل من كنانة يُقال له: نعيم بن ثعلبة، وكان رئيس الموسم، فيقول : أنا الذي لا اُعاب ولا اُخاب ولا يُردّ لي قضاء، فيقولون: نعم، صدقت أنسنا شهرا أو أخّر عنّا حرمة المحرّم واجعلها في صفر وأحلّ المحرّم ، فيفعل ذلك ، والذي كان ينسأها حين جاء الإسلام جنادة بن عوف بن اُميّة الكناني . قال ابن عبّاس : أوّل من سنّ النسيء عمر بن يحيى بن قمعة بن خندف . وقال أبو مسلم : بل رجل من بني كنانة يُقال له: القملَّس (2) ، كان يقول : إنّي قد نَسَأتُ المحرّم، وهما العام صفران، فإذا كان العام القابل قضينا، فجعلناهما محرّمين ، قال شاعرهم : ومِنّا ناسِئُ الشهر القَلمَّسُ (3) وقال الكميت : ونحن النّاسِئون على مُعَدٍّشهورَ الحِلّ نجعلها حراماً(4)

.


1- .نفس المصدر.
2- .كذا بالأصل، و في المصدر: «القلمس»، و كلاهما بمعني الداهية.
3- .في الأصل: «القملس»، و المثبت من المصدر و سائر المصادر مثل جامع البيان للطبري، ج 10، ص 171؛ و تفسير البغوي، ج 2، ص 291.
4- .مجمع البيان، ج 5، ص 53.

ص: 524

باب الحجّ الأكبر والأصغر

باب أصناف الحجّ

باب الحجّ الأكبر والأصغريدلّ أخبار الباب على أنّ الحجّ الأكبر هو مطلق الحجّ ، والحجّ الأصغر هو العمرة، ومثلها ما مرّ من خبر العيّاشي (1) وخبر مجمع البيان (2) عن عاصم بن حميد، وإنّما سمّي بالأكبر لكثرة أفعاله بالقياس إلى العمرة . وظاهر الصدوق رضى الله عنه أنّه حجّة الوداع ؛ فقد روى في الفقيه عن الفضيل بن عياض عن أبي عبداللّه عليه السلام في آخر حديث ، يقول : «إنّما سمّي الحجّ الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة» . (3) وفي كتاب العلل بإسناده عن حفص بن غياث، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» (4) ، فقال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أنا الأذان في الناس» ، قلت : فما معنى هذه اللفظة: «الحجّ الأكبر» ؟ قال : «إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون، ولم يحجّ المشركون، بعد تلك السنة» . (5) فتأمّل .

باب أصناف الحجّأجمع علماء الاُمّة على أنّ الحجّ صار في آخر عهد النبيّ صلى الله عليه و آله على ثلاثة أصناف : تمتّع، وقران، وإفراد، بعدما كان صنفين: إفرادا وقراناً، وعلى بقاء حكمها إلى يوم القيامة .

.


1- .تفسير العيّاشي، ج 2، ص 73 _ 74، ح 4 من تفسير سورة التوبة.
2- .مجمع البيان، ج 5، ص 9.
3- .الفقيه، ج 2، ص 198 199، ح 2132؛ و ص 488، ح 3042.
4- .التوبة (9) : 3 .
5- .علل الشرائع، ص 442، الباب 188، ح 1.

ص: 525

واعترف به بعض العامّة ، ففي العزيز : وإنّما انقسم أداء النسكين إلى الوجوه الثلاثة لأنّه إمّا أن يقرن بينهما، وهو المسمّى قراناً، أو لا يقرن، فإمّا أن يقدّم الحجّ على العمرة، وهو الإفراد، أو يقدّم العمرة على الحجّ، وهو التمتّع إلى قوله : والوجوه [جميعا]جائزة بالاتّفاق . (1) انتهى . وإنّما اختلفوا في موضعين: أحدهما: في تفسير القِران، ويأتي في موضعه ، وثانيهما: في وجوب التمتّع على من نأى عن المسجد الحرام عيناً أو تخييرا ، وذهب إلى الأوّل الأصحاب أجمع، وإلى الثاني العامّة كافّة . قال السيّد رضى الله عنه في الانتصار : وممّا انفردت [به] الإماميّة القول بأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هو فرض اللّه تعالى على كلّ من نأى عن المسجد الحرام، لا يجزيه مع التمكّن سواه إلى قوله _ : وخالف باقي الفقهاء في ذلك، إلّا أنّهم اختلفوا في الأفضل من ضروب الحجّ ، فقال أبو حنيفة وزفر : القران أفضل من التمتّع والإفراد . (2) وقال أبو يوسف : التمتّع بمنزلة القران (3) ، وهو قول ابن حي . وكره الثوري أن يقال: بعضها أفضل من بعض . (4) وقال مالك والأوزاعي : الإفراد أفضل . (5) وللشافعي قولان : أحدهما: أنّ الإفراد أفضل، والآخر: أنّ التمتّع أفضل (6) ، وهو قول أحمد بن حنبل (7) وأصحاب الحديث . (8) انتهى . وكأنّهم لم يعبأوا بإنكار عمر إيّاه حيث أجمعوا على جوازه، وقد ثبت بالتواتر من

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 104.
2- .فتح العزيز، ج 7، ص 105؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 151 و 152.
3- .المجموع للنووي، ج 7، ص 151 و 152 و فيه: أنّ التمتع و القرآن أفضل من الإفراد.
4- .حكي في المجموع للنووي، ج 7، ص 152 عن الثوري: أنّ الإفراد أفضل. و في الشرح الكبير، ج 3، ص 233 أنّ القرآن أفضل.
5- .فتح العزيز، ج 7، ص 106؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 152؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 233؛ المغني، ج 3، ص 232.
6- .الشرح الكبير لابن قدامة، ج 3، ص 232؛ المغني، ج 3، ص 232؛ فتح العزيز، ج 7، ص 106.
7- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 233؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 322؛ فتح العزيز، ج 7، ص 106.
8- .الانتصار، ص 238 239.

ص: 526

الفريقين أنّه أنكره في حجّة الوداع حين شرع وبالغ في الإنكار حتّى أنّه قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّك لن تؤمن بهذا أبدا» . (1) والظاهر إنكاره إيّاه مطلقاً ابتداءً وعدولاً، كما هو المشهور بين أهل العلم في النقل عنه وإن كان مبدأ إنكاره في المعدول من الإفراد . ويدلّ عليه إطلاق قوله : «متعتان كانتا على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وأنا اُحرّمهما واُعاقب عليهما» (2) ، على ما رواه أكثر الجمهور ، وعموم العلّة التي ذكرها للبقاء على الإفراد، حيث قال : أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر ؟! (3) وزعم بعض العامّة أنّه إنّما أنكر العدول، وتبعه على ذلك صاحب كنز العرفان، فقد قال : التمتّع قد يكون ابتداءً كمن يحرم أوّلاً بالعمرة ثمّ بعد قضاء مناسكها يحرم بالحجّ، وذلك ممّا لا نزاع في مشروعيّته، وقد يكون بالعدول عن حجّ الإفراد، فإنّ من دخل مكّة محرماً بحجّ الإفراد فالأفضل له أن يعدل بإحرامه إلى عمرة التمتّع ويتمّ حجّ التمتّع. وهذا منعه جميع فقهاء العامّة _ ، إلى قوله _ : وهذه هي التي منعها عمر، فقال : متعتان كانتا محلّلتين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا اُحرّمهما واُعاقب عليهما . (4) والشهيد الثاني قدس سره أيضاً في شرح اللمعة، حيث قال : يجوز لمن حجّ ندباً مفردا العدول إلى عمرة التمتّع اختيارا، وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني. (5) ولهم لإنكاره توجيهات ركيكة ، ففي الانتصار: أنّ الفقهاء والمحصّلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر، وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن : إنّ

.


1- .الكافي، باب حجّ النبي صلى الله عليه و آله ، ح 4.
2- .معرفة السنن و الآثار للبيهقي، ج 5، ص 345؛ الاستذكار، ج 4، ص 95؛ و ج 5، ص 505؛ التمهيد، ج 10، ص 113؛ و ج 23، ص 357 و 365؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج 2، ص 191؛ تفسير الرازي، ج 10، ص 50.
3- .مسند أحمد، ج 3، ص 305؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 171 و 200؛ و ج 8 ، ص 129؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 95.
4- .كنز العرفان، ج 1، ص 290 292.
5- .شرح اللمعة، ج 2، ص 212.

ص: 527

نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه، منها: أنّه أراد أن يكون الحجّ في أشهره المخصوصة والعمرة في غير تلك الشهور . ومنها: أنّه أحبّ عمارة البيت وأن يكثر زوّاره في غير الموسم . ومنها: أنّه أراد إدخال المرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم، فرووا في تقوية هذه المعاني أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها . ومنهم من حمل نهي عمر على فسخ الحجّ إذا طاف له قبل يوم النحر . وقد روي عن ابن عبّاس أنّه كان يذهب إلى جواز ذلك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان أمر أصحابه في حجّة الوداع بفسخ الحجّ من كان منهم لم يسق هدياً، ولم يحلّ هو عليه السلام؛ لأنّه كان ساق الهدي ، وزعموا أنّه منسوخ بقوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» . (1) وهذا التأويل الثاني بعيد من الصواب ؛ لأنّ فسخ الحجّ لا يسمّى متعة، وقد صارت هذه اللفظة بعرف الشرع مخصوصة بمن ذكرنا حاله وصفته . وأمّا التأويل الأوّل فيبطله قوله : أنا أنهي عنهما واُعاقب عليهما ، وتشدّده في ذلك وتوعّده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب. على أنّ نهيه عن متعة النساء كان مقروناً بنهيه عن متعة الحجّ، فإن كان النهي عن متعة الحجّ استحباباً فالمتعة الاُخرى كذلك . (2) انتهى . وأظنّ أنّ الباعث له على ذلك إحياء السنّة الجاهليّة، فإنّهم كانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحجّ ؛ فقد روى مسلم عن عبداللّه بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، ويجعلون المحرّم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدّبر وعفا الأثَر وانسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر . [ف]قدم النبيّ صلى الله عليه و آله وأصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا : يارسول اللّه ، أيّ الحلّ؟ قال : الحلّ كلّه . (3) ورواه البخاري (4) أيضاً .

.


1- .البقرة (2): 196. وانظر: أحكام القرآن للجصّاص، ج 1، ص 352؛ و الفصول في الأصول له أيضا، ج 2، ص 324.
2- .الانتصار، ص 240 _ 241.
3- .صحيح مسلم، ج 4، ص 56.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152.

ص: 528

وقيل : رواه أبو داود (1) و النسائيّ (2) بتغيير يسير . وأورده في جامع الاُصول (3) وقال : وأخرج أبو داود في رواية اُخرى أنّه قال : واللّه ، ما أعمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عائشة في ذي الحجّة إلّا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك، فإنّ هذا الحيّ من قريش ومن دان بدينهم كانوا يقولون: إذا عفا الأثر وبرأ الدّبر ودخل صفر، فكانوا يحرّمون العمرة حتّى ينسلخ ذو الحجّة والمحرّم . (4) والداعي له على إنكار متعة النساء ما رواه المفضّل في حديث طويل عن الصادق عليه السلام قال : «تمتّع سائر المسلمين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الحجّ وغيره، وأيّام أبي بكر، وأربع سنين في أيّام عمر حتّى دخل على اُخته عفراء، فوجد في حجرها طفلاً يرتضع من ثديها، فنظر إلى درّة اللّبن في فم الطفل، فأغضب وأرعد وأزبد وأخذ الطفل على يده وخرج حتّى أتى المسجد ورقا المنبر، وقال : نادوا في الناس: أنّ الصلاة جامعة ، وكان غير وقت صلاة ، فعلم الناس أنّه لأمرٍ يريده عمر ، فحضروا فقال : معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان مَن منكم يحبّ أن يرى المحرّمات من النساء ولها مثل هذا الطفل قد خرج من أحشائها ويرتضع من ثديها وهي غير متبعّلة؟ فقال بعض القوم : ما نحبّ هذا ، فقال : ألستم تعرفون اُختي عفراء بنت حَنْتَمة اُمّي وأبي الخطّاب غير متبعّلة؟ قالوا : بلى ، قال : فإنّي دخلت عليها في هذه الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها، فناشدتها أنّى لكِ هذا؟ فقالت : تمتّعت ، فاعلموا معاشر (5) الناس أنّ هذه المتعة التي كانت حلالاً للمسلمين في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد رأيت تحريمها، فمَن أبى ضربت جنبيه بالسّوط ، فلم يكن في القوم منكر قوله، ولا رادّ عليه، ولا قائل: لم يأتِ رسول بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو كتاب بعد كتاب اللّه ، لا نقبل خلافك على اللّه وعلى

.


1- .الظاهر أنّه أراد منها الحديث التالي عن أبي داود.
2- .سنن النسائي، ج 5، ص 180؛ و أيضا في السنن الكبرى، ج 2، ص 368، ح 3795.
3- .جامع الاُصول، ج 3، ص 1414.
4- .سنن أبي داود، ج 1، ص 442، ح 1987.
5- .في الأصل: «سائر» بدل «معاشر»، و ما أثبتناه موافق للمصادر.

ص: 529

رسوله وعلى كتابه ، بل سلّموا و رضوا» (1) ، الحديث . وقد ظهر لك ممّا ذكر أنّ علماء العامّة وسلاطينهم لم يرضوا بما فعله عمر في الحجّ، ولم يقبلوا إنكاره التمتّع؛ لغاية شناعته . وأمّا إنكاره متعة النساء فقد تلقّوه بالقبول غيرةً على اُمّهاتهم وبناتهم وأخواتهم كما كان كذلك داعيا له إليه . وقد حكي أنّ المأمون أراد نقض ذلك ومنعه الحديث الذي وضعه بعض المبدعين ، فقد حكى في مجالس المؤمنين: أنّ المأمون أراد أن يجري شرع متعة النساء وينقض أساس عمر، فبلغ ذلك يحيى بن أكثم، فقال لأبي العيناء : اُغد إليه، فإن تيسّر لك التكلّم معه في ذلك، وإلّا فاصبر هنيئة حتّى أجيء إليك ، فذهب أبو العيناء إلى المأمون غدوة، فرآه يمشي متحيّرا و هو يقول مخاطباً لعمر : ياجُعَل، مالكَ وما أحلّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلمّا رآه متغيّرا هذا التغيّر سكت ولم يتكلّم، فإذا هو بيحيى عبوساً ، فلمّا رآه يحيى متغيّر الحال قال له : ما لي أراك متنكّرا؟ فقال : بدعة ابتدعتَها ، قال : ما هي؟ قال : حلّ الزنا ، فقال : كلّا وحاشا عن ذلك ، قال : تريد أن تحلّ المتعة وما هي إلّا زنا، فإنّ اللّه تعالى حصر المحلّلات في الأزواج؛ وملك اليمين والمتعة ليست من الأزواج؛ لاستلزام الزوجيّة التوارث، ولا توارث هنا، وليست أيضاً مملوكة ، فقال المأمون : فكيف أحلّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : قد أحلّها مدّة ثمّ نسخها في حجّة الوداع ، فاستخبر المأمون عن رجل آخر عن صدق هذا الخبر فصدّقه، فتوقّف عن عزمه عن هذا الرأي . وقد سمعت عن بعض الثقات نقلاً عن بعض تواريخ العامّة أنّه قال يحيى بعد ذلك : ومن المراحم الربّانيّة عَليَّ إبقاء سنّة عمر أن لم يخطر ببال المأمون أن يعترض بأنّه إذا وقع النسخ فكيف قال عمر : أنا اُحرّمهما؟ وأن يقول : وكيف كان الناس يستمتعون من النساء في عهد أبي بكر ونبذ من عهده ؟ (2)

.


1- .الهداية، ص 423؛ المستدرك، ج 14، ص 474 477، ح 17348.
2- .اُنظر القصّة في ترجمة يحيى بن الأكثم من وفيات الأعيان، ج 6، ص 150 151؛ و تاريخ بغداد، ج 14، ص 202 203، الرقم 7489؛ و ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق، ج 64، ص 71 72، ترجمة يحيى بن أكثم برقم 8108 .

ص: 530

وأقول : هذا الخبر موضوع لما عرفت، و قد اضطربوا في نقله، فكثيرا ما يروونه في فتح خيبر، فقد رواه البخاري (1) ومسلم (2) فيه بطرق متعدّدة . وأمّا الدليل عليه فالأصل فيه قوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (3) . واحتجّ عليه في المنتهى بقوله سبحانه أيضاً : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (4) ،وقال : أمره تعالى للوجوب والفور، فإمّا أن يبدأ بالحجّ وينتهي بالعمرة، ولم يقل به أحد؛ إذ لم يوجب أحد تعقيب الحجّ بالعمرة بلا فصل . وإمّا أن يجمع بينهما في إحرام واحد وهو غير جائز، كما لا يجوز الجمع بين إحرام حجّتين وعمرتين، فلم يبقَ إلّا تقديم العمرة وتعقّبها بالحجّ بلا فصل، وهو التمتّع (5) ، وفيه تأمّل . وقد تظافرت الأخبار فيه من الطريقين، بل تواترت ؛ فمن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب وفي بعض الأبواب السالفة، وما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه ، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال : «لمّا فرغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من سعيه أتاه جبرئيل عليه السلام عند فراغه من السعي، وهو على المروة، فقال : إنّ اللّه يأمرك أن تأمر الناس أن يحلّوا إلّا مَنْ ساق الهدي ، فأقبل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على الناس بوجهه، فقال : أيُّها الناس، هذا جبرئيل عليه السلام وأشار بيده إلى خلفه يأمرني عن اللّه أن آمُرَ الناس أن يحلّوا إلّا مَن ساق الهدي ، فأمرهم بما أمر اللّه به. فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه ، نخرج من منى ورؤوسنا تقطر من النساء . وقال آخرون: يأمرنا بشيء ويصنع هو غيره .

.


1- .اُنظر: صحيح البخاري، ج 5، ص 78، باب غزوة خيبر، و ج 6، ص 129، كتاب النكاح، و ج 8 ، ص 61، كتاب الجبل.
2- .صحيح مسلم، ج 4، ص 130 135، كتاب النكاح.
3- .البقرة (2) : 196 .
4- .البقرة (2): 196.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 660.

ص: 531

فقال : أيّها الناس، لو استقبلت من أمري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس، ولكنّي سقت الهدي، فلا يحلّ من ساق الهدي حتّى يبلغ الهدي محلّه . فقصّر الناس وأحلّوا وجعلوها عمرة. فقام سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، فقال : يارسول اللّه ، هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال : لا، للأبد إلى يوم القيامة، وشبّك بين أصابعه، وأنزل اللّه في ذلك قرآناً: «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (1) ، فليس لأحدٍ إلّا أن يتمتّع؛ لأنّ اللّه نزّل ذلك في كتابه وجرت به السنّة . وفي الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ عثمان خرج حاجّاً فلمّا صار إلى الأبواء أمر منادياً فنادى بالناس: اجعلوها حجّةً ولا تمتّعوا، فنادى المنادي، فمرّ المنادي بالمقداد بن الأسود، فقال : أَما لتجدنّ عند القلائص رجلاً ينكر ما تقول ، فلمّا انتهى المنادي إلى عليّ عليه السلام وكان عند ركائبه يلقمها خبطاً (2) ودقيقاً، فلمّا سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان، فقال : ما هذا الذي أمرت به؟ فقال : رأيٌ رأيته ، فقال : واللّه ، لقد أمرت بخلاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أدبر مولّياً رافعاً صوته : لبّيك بحجّةٍ وعمرة معاً، لبّيك ، وكان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك : فكأنّي أنظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه» . (3) ومن طريق العامّة ما رواه مسلم عن عبداللّه بن شقيق، قال : كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها ، فقال لعليّ كلمة، ثمّ قال عليّ : «لقد علمت قد تمتّعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله » قال : أجل، ولكنّا كنّا خائفين . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 25، ح 74؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 239، ح 14682.
2- .الخبط: ضرب الشجر بالعصاليتنا ثرورقها، و اسم الورق الساقط خبط بالتحريك فعل بمعنى مفعول، و هو من علف الإبل. النهاية، ج 2، ص 7 (خبط).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 85 86 ، ح 282؛ الاستبصار، ج 2، ص 171، ح 564؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 350 351، ح 16486.
4- .صحيح مسلم، ج 4، ص 46. و رواه أحمد في المسند، ج 1، ص 61 و 97.

ص: 532

وعن سعيد بن المسيّب، قال : اجتمع عليّ وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة ، فقال عليّ : «ما تريد إلى أمرٍ فعله رسول اللّه صلى الله عليه و آله تنهى عنه؟» فقال عثمان : دَعنا منك ، فقال : «إنّي لا أستطيع أن أدعَكَ» ، فلمّا رأى عليّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً . (1) وما رواه البخاري عن مروان بن الحكم: أنّه شهد عليّاً عليه السلام وعثمان بين مكّة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما: «لبّيك بعمرةٍ وحجّة» ، فقال عثمان : تراني أنهى الناس وأنت تفعله؟ فقال : «ما كنت لأدع سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقول أحد» . (2) وعن عائشة قالت : خرجنا مع النبيّ صلى الله عليه و آله ولا نرى إلّا أنّه الحجّ ، فلمّا قدمنا تطوّفنا بالبيت، فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله من لم يكن ساق الهدي [أن يحلّ]، ونساؤه لم يسقن فأحللن ، قالت عائشة : فحِضْتُ فلم أطف بالبيت، فلمّا كانت ليلة الحصبة قلت : يارسول اللّه ، يرجع الناس بحجّة وعمرة وأرجع أنا بحجّة؟ قال : «وما طفتِ ليالي قدمنا مكّة؟» قلت : لا ، قال : «فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلّي بعمرة، ثمّ موعدك كذا وكذا» (3) ، الحديث . وعن أبي شهاب، قال : قدمت مكّة متمتّعاً بعمرة، فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيّام، فقال لي اُناس من أهل مكّة : تصير الآن حجّتك مكّيّة ، فدخلت على عطاء أستفتيه، فقال : حدّثني جابر بن عبداللّه : أنّه حجّ مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم ساق البُدن معه، وقد أهلّوا بالحجّ مفردا، فقال لهم: «أحلّوا من إحرامكم بطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة فقصّروا، ثمّ أقيموا حلالاً حتّى إذا كان يوم التروية فأهلّوا بالحجّ، واجعلوا التي قدمتم بها متعة» ، فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمّينا الحجّ؟ فقال : «افعلوا ما أمرتكم، فلولا

.


1- .صحيح مسلم، ج 4، ص 46.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 151. و رواه الدارمي في سننه، ج 2، ص 70 71؛ و النسائي في سننه، ج 5، ص 148؛ و في السنن الكبرى، ج 2، ص 345، ح 3703؛ و الطيالسي في مسنده، ص 16.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 151. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 33.

ص: 533

أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحلّ منّي حرام حتّى يبلغ الهدي محلّه» ، ففعلوا . (1) وعن جابر بن عبداللّه ، قال : قدمنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن نقول : لبّيك بالحجّ ، فأمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فجعلناها عمرة . (2) وعن عمران، قال : تمتّعنا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء . (3) وعن ابن عبّاس أنّه سُئل عن متعة الحجّ ، فقال : أهلّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبيّ صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع وأهللنا، فلمّا قدمنا مكّة قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة، إلّا من قلّد الهدي» طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال : «من قلّد الهدي فلا يحلّ له حتّى يبلغ الهدي محلّه» . ثمّ أمرنا عشيّة التروية أن نهلّ بالحجّ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، فقد تمّ حجّنا وعلينا الهدي، كما قال اللّه عزّ وجلّ : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ» (4) إلى أمصاركم الشاة تجزي، فاجمعوا نسكين في عام واحد، فإنّ اللّه أنزله في كتابه، وسنّه نبيّه، وأباحه للناس غير أهل مكّة، قال اللّه : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» . (5) وأشهر الحجّ التي ذكرها اللّه في كتابه: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة، فمن تمتّع في هذه الأشهر فعليه دم أو صوم ، والرفث: الجماع ، والفسوق: المعاصي ، والجدال: المراء . 6 وعن أنس، قال : صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة ونحن معه الظهر أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوت به على البيداء حمد اللّه

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152.
2- .البقرة (2): 196.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 153. و رواه أحمد في مسنده، ج 3، ص 356 و 365؛ و مسلم في صحيحه، ج 4، ص 38؛ و البيهقى في السنن الكبرى، ج 5، ص 40.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 153.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 153 154. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 23، باب هدي المتمتّع.

ص: 534

وسبّح وكبّر، ثمّ أهلَّ بحجّ وعمرة وأهلّ الناس بهما، فلمّا قدمنا أمر الناس فحلّوا حتّى كان يوم التروية أهلّوا بالحجّ ، قال : ونحر النبيّ صلى الله عليه و آله بدنات بيده قياماً، وذبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمدينة كبشين أملحين . (1) وعن عبداللّه بن عبّاس، قال : انطلق النبيّ صلى الله عليه و آله من المدينة بعدما ترجّل وادّهن ولبس أزاره و رداءه هو وأصحابه، فلم ينه عن شيء من الأردية والاُزر تُلبس إلّا المزعفرة التي تروع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، وركب راحلته حتّى استوى على البيداء أهلَّ هو وأصحابه، وقلّد بدنته، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكّة لأربع ليال خلون من ذي الحجّة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة ولم يحلّ من أحلّ بدنة، لأنّه قلّدها، ثمّ نزل بأعلى مكّة عند الحجون، وهو مهلّ بالحجّ، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتّى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثمّ يقصّروا من رؤوسهم، ثمّ يحلّوا، وذلك لمن لم يكن له بدنة قلّدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب . (2) وعن ابن عمر، عن حفصة، أنّها قالت : يارسول اللّه ، ما شأن الناس أحلّوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال : «إنّي لبّدت رأسي وقلّدها هديي، فلا أحلّ حتّى أنحر» . (3) وعن شعبة، عن أبي جمرة نضر بن عمران الضبعي، قال : تمتّعت فنهاني [ناس]، فسألت ابن عبّاس فأمرني ، فرأيت في المنام كأنّ رجلاً يقول لي : حجٌّ مبرور وعمرة متقبّلة ، فأخبرت ابن عبّاس، فقال : سنّة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ قال : أقم عندي وأجعل لك سهماً

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 147 148.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 146. و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 33.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152 و 182 و 188، باب التمتع و الأقران و الإفراد بالحجّ؛ و ج 7، ص 59، كتاب اللباس. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 50؛ و ابن ماجة في السنن، ج 2، ص 1012 1013، ح 3046؛ و أبوداود في سننه، ج 1، ص 406، ح 1806؛ و النسائي في السنن، ج 5، ص 136، باب النهي عن لبس القميص للمحرم؛ و في السنن الكبرى، ج 2، ص 337، ح 3662، و ص 361، ح 3762؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 12.

ص: 535

من مالي ، قال شعبة : فقلت لِمَ؟ قال : للرؤيا التي رأيت . (1) وبسند آخر عن شعبة عن أبي حمزة قريباً منه . (2) وعن عبداللّه بن يوسف، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمان، قالت : سمعت عائشة تقول : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلّا الحجّ، فلمّا دنونا من مكّة أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحلّ ، قالت : فدُخِل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا؟ قال : نحر رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أزواجه . قال يحيى : فذكرته للقاسم ، قال : أتتك بالحديث على وجهه . (3) ورواه أيضاً بسند آخر عن يحيى. (4) وعن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا نذكر إلّا الحجّ، فلمّا قدمنا أمرنا أن نحلّ ، فلمّا كانت ليلة النفر حاضت صفيّة بنت حُيَي (5) ، الحديث . وعن جابر بن عبداللّه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أهلَّ وأصحابه بالحجّ، وليس مع أحد منهم هدي غير النبيّ صلى الله عليه و آله وطلحة، وكان عليّ قدم من اليمن ومعه هدي، فقال: «أهللت بما أهلَّ به رسول اللّه صلى الله عليه و آله »، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة، يطوفوا ثمّ يقصّروا ويحلّوا إلّا مَن كان معه الهدي ، وقالوا: أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر ؟! فبلغ النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت». وأنّ عائشة حاضت فنسكت المناسك كلّها، غير أنّها لم تطف بالبيت ، قال :

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 152، و ما بين الحاصرتين منه.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 182. و نحوه رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 57؛ و أحمد في مسنده، ج 1، ص 241.
3- .صحيح البخاري، ج 2، ص 184 185، و ج 4، ص 7. و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 32؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 5، ص 5.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 187.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 198.

ص: 536

فلمّا طهرت وطافت قالت : يارسول اللّه ، أتنطلقون بعمرة وحجّة وأنطلق بالحجّ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحجّ في ذي الحجّة، وأنّ سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبيّ صلى الله عليه و آله وهو بالعقبة وهو يرميها، فقال : ألكم هذه خاصّة يارسول اللّه ؟ قال : «لا ، بل للأبد» . (1) وعن أبي الأسود أنّ عبداللّه مولى أسماء بنت أبي بكر حدّثه أنّه كان يسمع أسماء تقول كلّما مرّت بالحجون: صلّى اللّه على رسوله، لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذٍ خفاف، قليل ظهرنا، قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا واُختي عائشة والزبير وفلان وفلان، فلمّا مسحنا البيت أحللنا، ثمّ أهللنا من العشي بالحجّ . (2) وقد روى كثيرا منها بأسانيد متعدّدة . وروى أيضاً مسلم عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام قال : «دخلنا على جابر بن عبداللّه (3) الأنصاري فسأل عن القوم حتّى انتهى إليَّ، فقلت : أنا محمّد بن عليّ بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زرّي الأعلى ثمّ نزع زرّي الأسفل، ثمّ وضع كفّه بين ثَدييّ وأنا يومئذٍ غلام شابّ، فقال : مرحباً بك يا ابن أخي، سَلْ عمّا شئت ، فسألته وهو أعمى وقد حضر وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفاً بها، (4) كلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغره، ورداؤه إلى جنبه على المشجب ، (5) فصلّى بنا فقلت : أخبرني عن حجّة رسول اللّه ، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكث تسع سنين لم يحجّ، ثمّ أذّن في الناس في العاشرة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاجّ، فقدم المدينة بشرٌ

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 200 201؛ و رواه أحمد في المسند، ج 3، ص 305.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 204؛ و رواه مسلم في صحيحه، ج 4، ص 55.
3- .هذا هو الصحيح، و في الأصل: «جابر بن محمّد».
4- .في الهامش: «في حديث جابر: فقام في نساجة ملتحفا بها، هي ضرب من الملاحف منسوجة، كأنّها سمّيت بالمصدر، يقال: نسجت أنسج نسجا و نساجة» . النهاية، ج 5، ص 46 (نسج).
5- .في هامش الأصل: «في حديث جابر: و ثوبه على المشجب. هو بكسر الميم: عيدان تضمّ رؤوسهما و تفرّج بين قوائمها و توضع عليها الثياب، و قد تعلّق عليها الأسقية لتبريد الماء، و هومن تشاجب الأمر: إذا اختلط». النهاية، ج 2، ص 445 (شجب).

ص: 537

كثير كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول اللّه صلى الله عليه و آله ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتّى إذا أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت أبي عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كيف أصنع؟ قال : اغتسلي واستثفري (1) بثوب واحرمي، فصلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المسجد، فركب القصواء حتّى إذا استوت به ناقته إلى البيداء نظرت إلى مدّ بصري بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتوحيد: لبّيك اللّهمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك لا شريك لك ، وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلّ به، فلم يزد رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئاً منهم ، ولزم رسول اللّه صلى الله عليه و آله تلبيته . قال جابر : لسنا ننوي إلّا الحجّ، لسنا نعرف العمرة حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى» (2) ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلّا عن النبيّ صلى الله عليه و آله . كان يقرأ في الركعتين: قل هو اللّه أحد، وقل يا أيُّها الكافرون، ثمّ رجع إلى الركن فاستلمه، ثمّ خرج من الباب إلى الصفا، فلمّا دنا من الصفا قرأ: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّهِ» (3) ابدأ بما بدأ اللّه به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد اللّه وكبّره، وقال : لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيءٍ قدير، لا إله إلّا اللّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده . ثمّ دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرّات ، ثمّ نزل إلى المروة حتّى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي رمل، حتّى إذا صعدتا مشى حتّى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة قال : «لو أنّي استقبلت من

.


1- .الاستثفار: هو أن تشدّ فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا، و تُوثق طرفيها في شيء تشدّ على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم. النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 214 (ثفر).
2- .البقرة(2): 125.
3- .البقرة (2) : 157 .

ص: 538

أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة». فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يارسول اللّه ، ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصابعه واحدة في الاُخرى وقال : «دخلت العمرة في الحجّ هكذا مرّتين ، لا بل لأبد أبدٍ» . وقدم عليّ عليه السلام من اليمن ببدن النبيّ صلى الله عليه و آله فوجد فاطمة عليهاالسلام ممّن أحلّ ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت : إنّ أبي أمرني بهذا ، قال : فكان عليّ عليه السلام يقول بالعراق : «فذهبت إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله محرّشاً على فاطمة للذي صنعت مستفتياً لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فيما ذكرت عنه، فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها، فقال : صَدَقَتْ، صَدَقَتْ ماذا قلت حين إذ فرضت الحجّ؟ قال : قلت : اللّهمَّ إنّي أهلُّ بما أهلَّ به رسولك صلى الله عليه و آله ، فقال : فإنّ معي الهدي فلا تحلّ» . قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليّ عليه السلام من اليمن والذي أتى به النبيّ صلى الله عليه و آله مئةً . قال : فحلَّ الناس كلّهم فقصّروا إلّا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومَن كان معه هدي» (1) ، الحديث . وقد تظافرت روايات اُخرى من طرقهم تركناها، لكفاية ما ذكر إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة أبي أيّوب الخزّاز : (سألت أبا عبداللّه عليه السلام أيّ أنواع الحجّ أفضل؟ فقال : التمتّع) .[ح 3 / 7016] دلّ على كون التمتّع أفضل مطلقاً . ويدلّ عليه أيضاً أخبار متكثّرة، منها: ما ذكره المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام ونحن بالمدينة _ : إنّي اعتمرت عمرة في رجب، وأنا اُريد الحجّ، فأسوق الهدي أو أفرد أو أتمتّع؟ فقال : «في كلّ فضلٌ، وكلٌّ حسنٌ» ، قلت : وأيّ ذلك أفضل؟ فقال : «إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : لكلّ شهر عمرة تمتّع، فهو واللّه أفضل» . ثمّ قال : «إنّ أهل مكّة يقولون : إنّ

.


1- .صحيح مسلم، ج 4، ص 39 41؛ و رواه أبو داود في السنن، ج 1، ص 424 426، ح 1905.

ص: 539

عمرته عراقيّة وحجّته مكّيّة ، كذبوا أوليس هو مرتبط بحجّة لا يخرج حتّى يقضيه»؟ (1) واحتجّ عليه في الخلاف (2) بإجماع الطائفة المحقّة، وبأنّ المتمتّع يأتي بالعمرة والحجّ معاً، وبأنّه يأتي بكلّ واحد من النسكين في وقت شريف، وإذا أفرد أو قارن بالحجّ وحده فيه. (3) وهذا الإطلاق إنّما يتمّ في النافلة ، وأمّا في الفريضة فسيأتي أنّ الظاهر من الأدلّة عدم جواز التمتّع للمكّي فكيف أفضليّته له . نعم ، على ما ذهب إليه الشيخ وأتباعه من جوازه لهم يمكن القول بأفضليّته أيضاً، وهو ظاهره في الخلاف حيث قال قولاً مطلقاً : «التمتّع أفضل من القران والإفراد» . (4) وقد ورد في بعض الأخبار الصحيحة أفضليّة الإفراد، وهو محمول على التقيّة، لأنّه مذهب بعض العامّة كما ستعرف . ورواه الشيخ عن عمر بن اُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته ما أفضل ما حجّ الناس؟ فقال : «عمرة في رجب، وحجّة مفردة في عامها» ، فقلت : فالذي يلي هذا؟ قال : «المتعة» ، فقلت : كيف أتمتّع؟ فقال : «يأتي الوقت فيلبّي بالحجّ، فإذا أتى مكّة طاف وسعى وأحلَّ من كلّ شيء، وهو محتبس، وليس له أن يخرج من مكّة حتّى يحجّ» ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : «القران، والقران: أن يسوق الهدي» ، قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : «عمرة مفردة، ويذهب حيث شاء، فإن أقام بمكّة فعمرته تامّة، وحجّته ناقصة مكّيّة ، [ إلى الحجّ] قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : «ما يفعل الناس اليوم يفردون الحجّ، فإذا قدموا مكّة وطافوا بالبيت أحلّوا، وإذا لبّوا أحرموا، فلا يزال يحلّ ويعقد حتّى يخرج إلى منى بلا حجّ ولا عمرة» . 5

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 31 32، ح 94؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 512؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 251، ح 14718.
2- .الخلاف، ج 2، ص 267، المسألة 33.
3- .كذا بالأصل، و في المصدر: «و إذا أفرد أتى بالعمرة في غير أشهر الحجّ».
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 31، ح 93؛ الاستبصار، ج 2، ص 156، ح 511؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 253، ح 14723.

ص: 540

ومثله ما سيأتي من صحيحة زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذي يلي المفرد للحجّ في الفضل ، فقال : «المتعة» (1) ، الحديث . وقد قال قدس سره : ليس هذا بمناف لما ذكرناه من أنّ التمتّع من أنواع الحجّ أفضل على كلّ حال؛ لأنّ ما تضمّن هذا الخبر المراد به من اعتمر في رجب وأقام بمكّة إلى أوان الحجّ ولم يخرج ليتمتّع، فليس له إلّا الإفراد ، فأمّا مَن خرج إلى وطنه ثمّ عاد في أوان الحجّ، أو أقام بمكّة ثمّ خرج إلى بعض المواقيت وأحرم بالتمتّع إلى الحجّ فهو أفضل . (2) واستند فيه بما رويناه صحيحاً عن معاوية بن عمّار (3) ، وبما رواه عن بريد ويونس بن ظبيان قالا : سألنا أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل يحرم في رجب أو في شهر رمضان حتّى إذا كان أوان الحجّ أتى متمتّعاً، قال : «لا بأس بذلك» . (4) وفي التأويل ثمّ في الاستشهاد تأمّل ، واختلفت العامّة فيها، فقد حكى طاب ثراه عن أبي عبداللّه الآبي أنّه قال : المعروف أنّ بعضها أفضل من بعض ، فقال مالك : أفضلها الإفراد . وقال أبو حنيفة : القران . وقال الشافعي : التمتّع . وفي العزيز : وأمّا الأفضل منها فإنّ قول الشافعي لا يختلف في تأخير القران عن الإفراد والتمتّع؛ لأنّ أفعال النسكين فيهما أكمل منها في القران . وقال أبو حنيفة : القران أفضل منهما . ويحكى ذلك عن اختيار المزنيّ وابن المنذر وأبي إسحاق المروزيّ؛ لما روي عن أنس، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يصرخ بها صراخاً يقول : لبّيك بحجّة وعمرة . لكن هذه الرواية معارضة بروايات اُخر راجحة على ما سيأتي .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 36، ح 107؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 255، ح 14727.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 31.
3- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 251، ح 14718.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ح 95؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 513؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 252، ح 14719.

ص: 541

واختلف قوله في الإفراد والتمتّع أيّهما أفضل ؛ قال في [اختلاف] الحديث : التمتّع أفضل ؛ وبه قال أبو حنيفة وأحمد؛ لما روي أنّه صلى الله عليه و آله قال : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة» . وقال في عامّة كتبه : إنّ الإفراد أفضل . وبه قال مالك لما روي عن جابر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أفرد ، وروي مثله عن ابن عبّاس وعائشة . ورجّح الشافعي رواية جابر على رواية رواة القران والتمتّع، فإنّ جابرا أقدم صحبةً وأشدّ عناية بضبط المناسك وأفعال النبيّ صلى الله عليه و آله من لدن خروجه من المدينة إلى أن تحلّل . (1) ولا يخفى أنّ ما ذكره في بيان أفضلية القران لا يدلّ على مدّعاه، فإنّه صلى الله عليه و آله إنّما أقرن لعدم شرع التمتّع بعد، وأنّ الأخبار الواردة في الأمر بالعدول عن الإفراد إليه في حجّة الوداع ظاهرة في رجحان التمتّع على القران، وأنّ ما ذكره في بيان أفضليّة الإفراد معارض بأخبار متكثّرة بل متواترة بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حجّ في ذلك العام قراناً وقد سبقت . قوله في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر: (قال : سألت أبا جعفر يعني الثاني عليه السلام ) .[ح 5 / 7018] ويظهر من هذا الخبر وما ذكره المصنّف قدس سره في باب مولده عليه السلام أنّه عليه السلام كان يومئذٍ في سنّ أبناء ستّ عشرة سنة تقريباً، حيث قال : إنّه عليه السلام ولد في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومئة، وقبض عليه السلام سنة عشرين ومئتين في آخر ذي القعدة، وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوماً . (2) قوله في خبر محمّد بن الفضل الهاشميّ : (فإنّا لا نتّقي في التمتّع بالعمرة إلى الحجّ) .[ح 14 / 7027] قد مرّ شرح ذلك على ما ذكره فقهاؤنا رحمهم الله ولا يبعد أن يقال: عدم التقيّة في التمتّع إنّما

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 104 109.
2- .الكافي، ج 1، ص 492، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني عليهماالسلام .

ص: 542

باب ما على المتمتّع من الطواف والسعي

كان لحكم علماء العامّة بحرمته كما عرفت وإن رفضوها رغماً للشيعة، بل عدّوها من علامات الرفض ، فيكون على نسق الأخيرين .

باب ما على المتمتّع من الطواف والسعيالمشهور بين الأصحاب أنّ الواجب في حجّ التمتّع ثلاثة أطواف وسعيان ، بل ادّعي عليه الإجماع، وأنّه يجب عليه أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ، ويطوف بالبيت سبعة أشواط، ويصلّي ركعتيه خلف المقام أو أحد جانبيه، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثمّ يقصّر فيحلّ من المحرّمات الإحراميّة كلّها حتّى من النساء. ثمّ ينشئ إحراماً للحجّ من مكّة، فيقف بعرفات من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام ويقف به فيما بين الطلوعين، ثمّ يفيض منه إلى منى، فيرمي جمرة العقبة ويحلق ويذبح هديه بها، ثمّ يأتي مكّة من يومه أو من غد، فيطوف طواف الحجّ ويصلّي ركعتيه، ويسعى بين الصفا والمروة، ثمّ يطوف بالبيت للنساء ويصلّي ركعتيه كما ذكر، فيعود إلى منى ويبيت بها ليلة الحادي عشرة والثاني عشرة والثالث عشرة أيضاً على ما يأتي، ويرمي في كلّ من اليومين أوالثلاثة الجمرات الثلاث، ولا طواف للنساء في عمرته . ويدلّ عليه أخبار متظافرة خالية عن ذكر طواف النساء ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : صحيحة زرارة بن أعين، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذي يلي المفرد للحجّ في الفضل، فقال : «المتعة» ، فقلت : وما المتعة؟ قال : «يهلّ بالحجّ في أشهر الحجّ، فإذا طاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف المقام، وسعى بين الصفا والمروة قصّر وأحلّ، وإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ ونسك المناسك وعليه الهدي» ، فقلت : وما الهدي؟ فقال : «أفضله بدنة وأوسطه بقرة وأخفضه شاة» ، وقال : «قد رأيت الغنم تقلّد بخيط أو بِسَيْر» . (1)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 36، ح 107؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 255، ح 14727.

ص: 543

وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال في القارن: «لا يكون قران إلّا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف بعد الحجّ، وهو طواف النساء ، وأمّا المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاث أطواف وسعيان بين الصفا والمروة» . وقال : «التمتّع أفضل الحجّ، وبه نزل القرآن وجرت السنّة ، فعلى المتمتّع إذا قدم مكّة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة ، ويصلّي عند كلّ طواف بالبيت، ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ، وأمّا المفرد للحجّ فعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء، وليس عليه هدي ولا اُضحية» . (1) وحسنة الحلبيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلتُ فداك، إنّي لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اُقصّر؟ قال : «عليك بدنة» ، قال : قلت : إنّي لمّا أردتُ ذلك منها ولم يكن قصّرت امتنعت، فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال : «رحمها اللّه كانت أفقه منك ، عليك بدنة ، وليس عليها شيء» . (2) وخبر الحلبيّ، (3) قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن امرأة متمتّعة عاجلها زوجها قبل أن تقصّر، فلمّا تخوّفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها، وقرضت بأظافيرها ، هل عليها شيء؟ فقال : «لا ، ليس كلّ أحدٍ يجد المقاريض» . (4) بل في بعض الأخبار التصريح بنفيه ، ففي صحيحة محمّد بن عيسى، قال : كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازيّ يسأله عن العمرة المبتولة، هل يجب على صاحبها

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 41 42، ح 122؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 212 213، ح 14644.
2- .الكافي، باب المتمتّع ينسى أن يقصّر...، ح 6؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 162، ح 543؛ الاستبصار، ج 2، ص 244، ح 852 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 508، ح 18323.
3- .في هامش الأصل: «في طريقه محمّد بن سنان، منه عفي عنه».
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 162، ح 542؛ الاستبصار، ج 2، ص 244، ح 1851؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 509، ح 18325.

ص: 544

باب صفة الإقران

طواف النساء ، وعن العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ ، فكتب : «أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأمّا التي يتمتّع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النساء» . (1) نعم ، قد ورد في بعض الأخبار ونسب إلى بعض الأصحاب وجوبه من غير أن يعيّن قائله . رواه الشيخ قدس سره عن سليمان بن حفص المروزيّ عن الفقيه عليه السلام قال : «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتّعاً فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة فقد حلّ له كلّ شيء ما خلا النساء؛ لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافاً وصلاة». (2) وهو مع ندرته وجهالته بسليمان ليس صريحاً في وجوبه في عمرة التمتّع، بل يحتمل وروده في حجّة كما حمله الشيخ قدس سرهعليه في الاستبصار . (3)

باب صفة الإقرانالقران في الحجّ على المشهور بين الأصحاب إنّما يكون بسياق الهدي، ويجب على القارن بعد الإحرام للحجّ من الميقات ما يجب على المفرد بلا تفاوت، إلّا أنّه يجب عليه ذبح هدي السياق . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب، وصحيحة معاوية والظاهر أنّه ابن عمّار ، وقيل : هو ابن وهب عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا يكون القران إلّا بسياق الهدي» (4) ، الحديث وقد سبق .

.


1- .الكافي، باب المعتمر يطأ أهله و هو محرم و الكفّارة في ذلك، ح 9؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 163، ح 545، و ص 254، ح 861 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 232، ح 804 ، وص 245، ح 854 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 442 443، ح 18170.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 162، ح 544؛ الاستبصار، ج 2، ص 244، ح 853 ؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 444 445، ح 18176.
3- .الاستبصار، ج 2، ص 244 245، ذيل الحديث 853 .
4- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 212 213، ح 14644.

ص: 545

وحسنة الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت وسعي بين الصفا والمروة، وينبغي له أن يشترط على ربّه إن لم تكن حجّة فعمرة» . (1) وعن ابن أبي عقيل (2) أنّه اعتبر فيه مع سياق الهدي القران بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة وإحرام واحد وإحلال واحد ، فلا فرق بينه وبين التمتّع عنده إلّا من حيث إنّه لا يقصّر ولا يحلّ بعد طواف العمرة وسعيها ولا يجدّد إحراماً للحجّ، بل يبني أفعال الحجّ من الوقوفين ونظائرها على إحرامه الأوّل . وكأنّه تمسّك في ذلك بما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّما نسك الذي يقرن بين الحجّ والعمرة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت، وصلاة ركعتين خلف المقام، وسعي واحد بين الصفا والمروة، وطواف بالبيت بعد الحجّ» . وقال : «أيّما رجل قرن بين الحجّ والعمرة فلا يصلح إلّا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده». والإشعار: أن يطعن في سنامها بالحديده حتّى يدميها، وإن لم يسق الهدي فليجعلها متعة . (3) وما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن اُذينة، عن زرارة، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام وهو خلف المقام، فقال : إنّي قرنت بين حجّ وعمرة ، فقال له : «هل طفت بالبيت؟» فقال : نعم ، فقال : «هل سقت الهدي؟» قال : لا ، فأخذ أبو جعفر عليه السلام بشعره، ثمّ قال : «أحللت واللّه » . (4) وعلى المشهور حملوا القران بين الحجّ والعمرة في الخبرين على الاشتراط بقوله في

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 125؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 213، ح 14646.
2- .حكاه عنه في مختلف الشيعة، ج 4، ص 24.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 42، ح 124؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 218، ح 14649.
4- .الفقيه، ج 2، ص 313 314، ح 2547؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 256، ح 14731، و ص 289 290، ح 14825.

ص: 546

التلبية إن لم يكن حجّة فعمرة ، أو على التلبية بالحجّ والعمرة معاً ، ففي التهذيب في قوله عليه السلام : «أيّما رجل قرن بين الحجّ والعمرة»: يريد به في تلبية الإحرام؛ لأنّه يحتاج أن يقول: إن لم تكن حجّة فعمرة، ويكون الفرق بينه وبين المتمتّع أنّ المتمتّع يقول هذا القول وينوي العمرة قبل الحجّ، ثمّ يحلّ بعد ذلك ويحرم بالحجّ، فيكون متمتّعاً ، والسائق يقول هذا القول وينوي الحجّ، فإن لم يتمّ له الحجّ فيجعله عمرة مبتولة . (1) واستشهد له بقوله عليه السلام في صحيحة الفضيل : «وينبغي له أن يشترط إن لم تكن حجّة فعمرة» . (2) وفي شرح الفقيه لجدّي العلّامة قدس سره: «إنّي قرنت بين حجّة وعمرة» ، أي قلت حين التلبية: لبّيك بحجّة وعمرة . (3) انتهى . ولا يبعد حملهما على التقيّة؛ لأنّه مذهب العامّة على ما ستعرف . ويؤيّده ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن أبي أيّوب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ أحدهم يقرن ويسوق، فادعه عقوبة على ما صنع» (4) ، بناءً على أنّ المراد بالقران فيه القران بين الحجّ والعمرة كما يقتضيه السياق والعطف . وجعل العطف للتفسير، أو حمل القران على الاشتراط المذكور على أن يكون المعنى: أنّ أحدهم ممّن يجب عليه التمتّع ربما يحجّ حجّاً قراناً، فادعه على باطله حيث ترك ما وجب عليه وفعل ما لا يجوز له عقوبةً له بما صنع، بعيد . ثمّ ظاهر أكثر الأصحاب اشتراط السياق من موضع الإحرام، وهو ظاهر أخبار القران، وقد صرّح به جماعة منهم الشيخ، قال في النهاية : «ويسوق معه هدياً يشعره من موضع الإحرام» . (5) ومثله في المبسوط . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 42 43، ذيل الحديث 124.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 125؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 213، ح 14646.
3- .روضة المتّقين، ج 4، ص 318.
4- .الفقيه، ج 2، ص 314، ح 2548؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 242 243، ح 14692، و ص 256، ح 14732.
5- .النهاية، ص 208.
6- .المبسوط، ج 1، ص 308 و 311.

ص: 547

ومنهم المفيد قدس سره قال في المقنعة : «وإنّما سمّي قارناً لسياق الهدي مع الإهلال، فمن لم يسق من الميقات لم يكن قارناً» . (1) وحكاه في المختلف عن سلّار (2) ، ونقل فيه عن المفيد أنّه قال في كتاب الأركان : «فمتى لم يسق من الميقات أو قبل دخول الحرم إن لم يقدر على ذلك من الميقات لم يكن قارناً» . (3) ثمّ قال : وهذا الكلام يشعر بتجويز تأخير السياق عن الإحرام ، والمعتمد الأوّل؛ لأنّه أشهر بين الأصحاب . (4) واجتمعت العامّة على تفسير القران بالجمع بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد كما عرفت ، واختلفوا في موضعين : أحدهما: في تداخل طواف الحجّ والعمرة وسعيهما وعدمه ، فذهب أبو حنيفة على ما حكى عنه في العزيز (5) إلى عدمه، ووجوب طوافين و سعيين، كما حكيناه عن ابن أبي عقيل ، وأثبته الشافعي وأشياعه (6) ، فقد قالوا بإجزاء طواف العمرة وسعيها عن طواف الحجّ وسعيه ، ففي العزيز: «والصورة الأصليّة للقران أن يحرم بالحجّ والعمرة، فيندرج العمرة تحت الحجّ، ويتّحد الميقات والفعل» . (7) وفي الوجيز : «القران هو أن يحرم بهما، فيتّحد الميقات والفعل، ويندرج العمرة تحت الحجّ» . 8 وأخبارهم دالّة عليه فقد روى البخاري عن عائشة، قالت : خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَنْ كان معه هدي فليهلّ بالحجّ والعمرة، ثمّ لا يحلّ حتّى يحلّ منهما» ، فقدمتُ مكّة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا

.


1- .المقنعة، ص 390.
2- .المراسم العلويّة، ص 103.
3- .لم أعثر على كتاب الأركان، و حكاه عنه أيضا ابن إدريس في السرائر، ج 1، ص 524.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 35.
5- .فتح العزيز، ج 7، ص 118.
6- .المجموع للنووي، ج 8 ، ص 61؛ فتح العزيز، ج 7، ص 118.
7- .فتح العزيز، ج 7، ص 116.

ص: 548

بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «انقضي رأسك وامتشطي، وأهلّي بالحجّ ودعي العمرة» ، ففعلت ، فلمّا قضينا حجّنا أرسلني مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت، فقال : «هذه مكان عمرتك» ، فطاف الذين أهلّوا بالعمرة، ثمّ أحلّوا، ثمّ طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأمّا الذين جمعوا الحجّ والعمرة طافوا طوافاً واحدا . (1) وعن نافع : أنّ ابن عمر أراد الحجّ عام نزل الحجّاج بابن الزبير، فقيل له: إنّ الناس كائن بينهم قتال، وإنّا نخاف أن يصدّوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول اللّه اُسوة حسنة ،إذن أصنع كما صنعَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إنّي اُشهدكم أنّي قد أوجبت عمرة، ثمّ خرج حتّى إذا كان بظاهر البيداء قال : ما شأن الحجّ والعمرة إلّا واحدا، اُشهدكم أنّي قد أوجبت حجّاً مع عمرتي، وأهدي هدياً اشتريه بقديد ، ولم يزد على ذلك، فلم ينحر ولم يحلّ من شيء حرم منه، ولم يحلق ولم يقصّر حتّى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحجّ والعمرة بطوافه الأوّل . وقال ابن عمر : كذلك فعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (2) وفي العزيز عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها: «وطوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجّك وعمرتك» . (3) و يدّل عليه أيضا بعض آخر من أخبارهم التي رويناها فيما سبق. واحتجّوا أيضاً بقياس الطواف والسعي على العمرة والحجّ، وفرّعوا على ذلك إدخال أحدهما في الآخر بعد الإحرام ؛ ففي الوجيز : ولو أحرم بالعمرة ثمّ أدخل الحجّ عليها قبل الطواف كان قارناً، وإن كان بعده لغا إدخاله،

.


1- .صحيح البخاري، ج 2، ص 148 149، و ص 167 168؛ و ج 5، ص 123 124، باب حجّة الوداع؛ و رواه أحمد في المسند، ج 6، ص 177؛ و مسلم في صحيحه، ج 4، ص 27؛ و أبو داود في السنن، ج 1، ص 400، ح 1781؛ و النسائي في السنن، ج 5، ص 165 166؛ و في السنن الكبرى، ج 2، ص 397 398، ح 3909؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 347.
2- .صحيح البخاري، ج 2، ص 168؛ و رواه أحمد في المسند، ج 2، ص 151؛ و مسلم في صحيحه، ج 4، ص 51 52؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج 2، ص 352، ح 3727؛ و البيهقي في السنن الكبرى، ج 4، ص 354.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 119.

ص: 549

ولو أدخل العمرة على الحجّ لم يصحّ في أحد القولين ؛ لأنّه لا يتغيّر الإحرام بعد انعقاده . (1) وقال أبو عبداللّه الآبي على ما حكاه عنه طاب ثراه : القران: أن يفرد بنيّة الحجّ والعمرة معاً، ومن القران أن يردف الحجّ على العمرة قبل الشروع في طوافها، فتدخل أفعال العمرة في أفعال الحجّ، فيجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد وحلق واحد ، وثانيهما في هدي السياق. ومن رأيت كلامه منهم لم يتعرّض له، وأكثر أخبارهم أيضا خالية عنه ، وظاهره عدم اشتراطه فيه . وحكى في المنتهى عنهم اشتراطه حيث قال بعدما ذكرنا عن الأصحاب: وهو قول علمائنا إلّا من ابن ابي عقيل في أنّه جعل القارن من قَرن بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد، وهو قول الجمهور كافّة ، واعتبر ابن أبي عقيل والجمهور أيضاً سياق الهدي . (2) انتهى . وهو ظاهر العزيز حيث قال بعدما فرّع أحكاماً على القران _ : ويجب على القارن دم لما روي عن عائشة، قالت : أهدى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن أزواجه بقرة ونحن قارنات . ولأنّ الدم واجب على المتمتّع بنصّ القرآن، وأفعال المتمتّع أكثر من أفعال القارن، فإذا وجب عليه الدم فلئن يجب على القارن كان أولى ، وصفة دم القران كصفة دم التمتّع، وكذلك بدله . وعن مالك : أنّ على القارن بدنة . وحكى الحناطيّ عن القديم مثله ؛ لما أنّ التمتّع أكثر ترفيهاً؛ لاستمتاعه بمحظورات الإحرام ، فإذا اكتفى منه بشاة فلئن يكتفى بها من القارن كان أولى . (3) وقد زعم أبو حنيفة وأصحابه على ما حكى عنهم الشيخ في الخلاف: أنّ حجّه صلى الله عليه و آله في

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 117.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 661.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 127.

ص: 550

حجّة الوداع كان كذلك . (1) وحكى عن الشافعيّ أنّه حجّ مفردا (2) ، وقال : «وعندنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حجّ قارناً على ما فسّرناه [في القران]» . (3) وحكى في الخلاف (4) عن الشافعيّ وأبي حنيفة عدم وجوب ذلك الهدي على القارن من حاضري المسجد الحرام ، ويأتي عن قريب هذا . وربّما يتوهّم من كلام الفقيه موافقة الصدوق لابن أبي عقيل حيث قال في باب المحصور والمصدود : «وإذا قرن الرجل الحجّ والعمرة فأحصر بعث هدياً مع هديه، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه » (5) وليس كذلك حيث صرّح في باب وجوه الحاج بالمعنى المشهور فقد قال : «والقارن والمفرد صفتهما واحدة، إلّا أنّ القارن يفضل على المفرد بسياق الهدي». (6) فكأنّه أراد بقران الحجّ والعمرة فيما ذكر قران كلّ واحد منهما على انفراده بالهدي . وقد حكى ابن إدريس (7) مثل تلك العبارة عن رسالة أبيه، وفسّره بما أشرنا إليه ، وعلى المشهور بين الأصحاب لو جمع بينهما في إحرام واحد كما ذهب إليه العامّة، هل ينعقد أصل الإحرام أم لا؟ قال الشيخ في الخلاف : «لم ينعقد إحرامه إلّا بالحجّ، فإن أتى بأفعال الحجّ لم يلزمه دم» . واحتجّ عليه بإجماع الفرقة المحقّة، وبأصالة براءة الذمّة ، وقال : «فمن قال: إنّه أتى بأفعال الحجّ وحده ولزمه دم فعليه الدلالة» . (8)

.


1- .المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 26؛ بدائع الصنائع، ج 2، ص 174.
2- .المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 25.
3- .الخلاف، ج 2، ص 268، المسألة 34.
4- .الخلاف، ج 2، ص 272. و انظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 169.
5- .الفقيه، ج 2، ص 514، ذيل الحديث 3104.
6- .الفقيه، ج 2، ص 316، ذيل الحديث 2554.
7- .السرائر، ج 1، ص 639.
8- .الخلاف، ج 2، ص 264 265، المسألة 30.

ص: 551

باب صفة الإشعار والتقليد

و في المختلف: «الأقرب بطلان الإحرام؛ لدلالة النهي في العبادات على الفساد». (1) وجزم به جماعة منهم الشهيد قدس سره . (2)

باب صفة الإشعار والتقليدالإشعار لغةً: الإعلام، ومنه شعائر الحجّ لعامله ، أي مواضع أفعاله ، وعرفاً: هو أن يفعل بالهدي علامة يعرف بها أنّه هدي بأن يشقّ سنام البدنة شقّاً يسيل الدم منه . (3) والتقليد: هو أن يعلق عليه نعل قد صلّى فيه (4) ، وظاهر موثّق الحلبيّ (5) كفاية التجليل له . وقال طاب ثراه : والظاهر أنّه يكفي النعل الواحد . وحكى عن بعض العامّة أنّه قال: «تعليق النعل أفضل من تعليق غيره، مثل فم القربة وشبهها، والنعلان أفضل من الواحد» . (6) واعلم أنّ الإشعار مختصّ بالبدنة ، والتقليد مشترك بينها وبين البقر والغنم. ومحلّ الإشعار عندنا وعند أكثر العامّة هو الجانب الأيمن من السنام إذا كان الهدي واحد ؛ لأكثر الأخبار المذكورة في الباب . ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : البدنة يشعرها من جانبها الأيمن، ثمّ تقلّدها بنعل و صلّى فيه . (7) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن البدنة كيف يشعرها؟ قال : «يشعرها وهي باركة، وينحرها وهي قائمة، ويشعرها من جانبها

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 35.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 334، الدرس 87 .
3- .تاج العروس، ج 7، ص 33 (شعر). وانظر: تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 300، المسألة 630.
4- .تذكرة الفقهاء، ج 8 ، ص 300.
5- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
6- .اُنظر: عمدة القاري، ج 10، ص 36؛ الاستذكار، ج 4، ص 246.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 126؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 278، ح 14795.

ص: 552

الأيمن، ثمّ يحرم إذا قلّدت وأشعرت» . (1) وما رواه مسلم في باب صفة إشعار النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه صلّى الظهر بذي الحليفة، ثمّ دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسالت الدم، وقلّدها نعلين، ثمّ ركب راحلته، فلمّا استوت به على البيداء أهلّ بالحجّ . (2) وذهب مالك إلى أنّ محلّه الأيسر . (3) ويردّه ما ذكر . ومع تعدّد البُدن يقف بينها ويشعرها يميناً وشمالاً؛ لرواية جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام (4) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عن حريز عنه عليه السلام . (5) والقارن على المشهور مخيّر في عقد إحرامه بالإشعار والتقليد أو التلبية؛ لرواية جميل وصحيحة حريز ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والإشعار والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» . (6) وفي الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير» (7) ، فما دلّ على الجمع بين الإشعار والتقليد من باب الفضل والاستحباب ، وكذا ما جمع فيه بينهما وبين التلبية . وذهب السيّد رضى الله عنه في الانتصار إلى أنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بالتلبية مطلقاً وإن كان في القران محتجّاً عليه بالإجماع، وبأنّه إذا لبّى دخل في الإحرام وانعقد بلا خلاف ، بخلاف ما إذا لم يلبّ.

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 127؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14796.
2- .صحيح مسلم، ج 4، ص 57 58، باب تقليد الهدي.
3- .بداية المجتهد، ج 1، ص 301؛ عمدة القاري، ج 10، ص 36؛ الاستذكار، ج 4، ص 247.
4- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 276، ح 14785.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43، ح 128؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14797.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 43 44، ح 129؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14798.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 279، ح 14799؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 279، ح 14799.

ص: 553

وبأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا أحرم لبّى، وقد ثبت أنّه قال : «خذوا عنّي مناسككم» . (1) وبما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : مُر أصحابك بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنّها من شعار الحجّ» (2) ، وأنّه قال لعائشة : «انقضي رأسك وامتشطي واغتسلي، ودعي العمرة، وأهلّي بالحجّ» (3) ، والإهلال التلبية، والأمر على الوجوب. (4) وبه قال ابن إدريس (5) أيضاً، وإنّما قالا بذلك بناءً على قاعدتهما من عدم العمل بأخبار الآحاد . هذا ، وقال طاب ثراه : الإشعار سنّة عمل به المسلمون كلّهم غير أبي حنيفة و رآهُ من المثلة المنهيّ عنها ، وقال : إنّما كان مشروعاً قبل النهي عن المثلة. وخالفه أصحابه وقالوا بقول الكافّة . (6) ويردّ قوله: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أشعر في آخر أمره، وكونه من المثلة، ممنوع؛ لأنّه لمصلحة كالفصد والحجامة والختان ، وإذا جاز الوسم لمعرفة الملك، فالإشعار لمعرفة أنّه هدي أولى بالجواز . وحكى عن الآبيّ أنّه قال : قيل: كان الإشعار والتقليد من عادة الجاهليّة؛ ليعلم أنّه هدي خارج عن الملك، فلا يتعرّض له السرّاق وأصحاب الغارات، فلمّا جاء الإسلام وجد في ذلك غرضاً صحيحاً أقرّه .

.


1- .السنن الكبرى، ج 5، ص 25؛ معرفة السنن و الآثار، ج 4، ص 78، ح 2973. و ورد بلفظ «خذوا مناسككم»: مسند أحمد، ج 3، ص 318؛ سنن النسائي، ج 5، ص 270؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 425، ح 4016، و ص 436 437، ح 4068؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 111، ح 2147.
2- .سنن ابن ماجة، ج 2، ص 975، ح 2923؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 450؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 42.
3- .مسند أحمد، ج 6، ص 177؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 28؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 353.
4- .الانتصار، ص 253 254.
5- .السرائر، ج 1، ص 532.
6- .اُنظر: الاستذكار، ج 4، ص 247؛ المجموع للنووي، ج 8 ، ص 358؛ المبسوط للسرخسي، ج 4، ص 138؛ تحفة الفقهاء، ج 1، ص 400؛ المحلّى، ج 7، ص 111؛ شرح صحيح مسلم، ج 8 ، ص 228؛ فتح الباري، ج 3، ص 435؛ عمدة القاري، ج 10، ص 35؛ الاستذكار، ج 4، ص 247؛ التمهيد، ج 17، ص 232.

ص: 554

باب الإفراد

باب الإفرادمناسكه كمناسك القران لا تفاوت بينهما، إلّا بسياق الهدي في القران وعدمه فيه، وهو كما يكون ابتداء قد يجب بالنقل عن عمرة التمتّع إليه في مواضع تأتي في مواضعها إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة معاوية بن عمّار: (بعد طواف الفريضة) إلخ .[ح 1 / 7044] يدلّ على جواز تقديم المفرد والقارن طواف الحجّ وركعتيه على الوقوفين ، ويؤيّد ذلك في المفرد ما رواه الشيخ في الصحيح عن حمّاد بن عثمان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن مفرد الحجّ، أيعجّل طوافه أو يؤخّره؟ قال : «هو واللّه سواء عجّله أو أخّره» . (1) وفي الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المفرد للحجّ يدخل مكّة، أيقدّم طوافه أم يؤخّره؟ قال : «سواء» . (2) وفي الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن مفرد الحجّ، يقدّم طوافه أو يؤخّره؟ قال : «يقدّمه» ، فقال رجل إلى جنبه : لكن شيخي لم يفعل ذلك، كان إذا قدّم أقام بفخ حتّى إذا راح الناس إلى منى راح معهم ، فقلت : مَن شيخك؟ فقال : عليّ بن الحسين ، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو عليّ بن الحسين لاُمّه. (3) وهو المشهور بين الأصحاب، وخالفه ابن إدريس (4) على ما حكي عنه الشهيد في الدروس (5) فيهما . نعم ، جوّز لهما طواف القدوم ونحوه . وظاهر الشيخ في التهذيب في باب الطواف التوقّف فيه في القارن. حيث منع من هذا

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 132، ح 434؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 282 283، ح 14808.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 45، ح 134؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 283، ح 14809.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 45، ح 136، و ص 477 478، ح 1688؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 283، ح 14810.
4- .السرائر، ج 1، ص 575.
5- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 332، الدرس 86 .

ص: 555

التقديم في المتمتّع (1) ، وجوّزه في المفرد (2) ، وسكت عنه في القارن . ثمّ المشهور وجوب تجديد التلبية عليهما بعد ركعتي هذا الطواف، وكلّ طواف يفعلون قبل الموقفين، وأنّه لو لم يجدّداه انقلبت حجّتهما عمرة تمتّعاً، سواء نويا العدول أم لا . ويدلّ عليه موثّق زرارة (3) في الباب الآتي، ويشعر به قوله عليه السلام : «يعقدان ما أحلّا بالتلبية» في هذه الحسنة . ومثله قوله عليه السلام : «إنّك تعقد بالتلبية» في صحيحة عبد الرحمن (4) في الباب الآتي . وفي المنتهى: (5) روى الجمهور عن ابن عبّاس، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا أهلَّ الرجل بالحجّ ثمّ قدم مكّة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، فقد حلّ وهي عمرة ». (6) وهي صريحة في الانقلاب ، وبه قال الشهيد في اللمعة (7) ، والعلّامة في المنتهى (8) ، وحكاه عن نهاية (9) الشيخ ومبسوطه (10) ، وحكى فيه عن ابن إدريس أنّه أنكر ذلك وقال: إنّهما لا يحلّان إلّا بنيّة العدول لا بمجرّد الطواف (11) ، يعني طواف القدوم ونحوه . وإليه ذهب المحقّق في الشرائع . (12)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 130، ذيل الحديث 328.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 131، ذيل الحديث 432.
3- .هو الحديث الثاني من ذلك الباب.
4- .هو الحديث الخامس من ذلك الباب.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 658.
6- .سنن أبي داود، ج 1، ص 402، ح 1791.
7- .اللمعة الدمشقيّة، ص 56؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 214.
8- .منتهى المطلب، ج 2، ص 685.
9- .النهاية، ص 208.
10- .المبسوط، ج 1، ص 311.
11- .السرائر، ج 1، ص 524 525.
12- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 176.

ص: 556

وعن الشيخ في التهذيب أنّه فصّل بين المفرد والقارن في ذلك، وأنّه قال: إنّما يحلّ المفرد لا القارن متمسّكاً بقوله في باب ضروب الحجّ بعد نقل هذه الحسنة : قال محمّد بن الحسن : وفقه هذا الحديث أنّه قد رخّص في القارن والمفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين، فمتى فعلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية يصيرا محلّين ولا يجوز ذلك ، فلأجله أمر المفرد والسائق بتجديد التلبية عند الطواف ، مع أنّ السائق لا يحلّ وإن كان قد طاف لسياقة الهدي . (1) وأنت إذا تأمّلت كلامه قدس سره في النهاية وجدته موافقاً لذا في القارن، فقد قال فيها في باب الطواف : ولا يجوز له أن يحلّ إلى أن يبلغ الهدي محلّه، فإن أراد أن يدخل مكّة جاز له ذلك، لكنّه لا يقطع التلبية، وإذا أراد أن يطوف بالبيت تطوّعاً فعل إلّا أنّه كلّما طاف بالبيت لبّى عند فراغه من الطواف ليعقد إحرامه بالتلبية، وإنّما يفعل ذلك لأنّه لو لم يفعل ذلك دخل في كونه محلّاً وبطلت حجّته وصارت عمرة ، وقد بيّنا أنّه ليس له أن يحلّ إلى أن يبلغ الهدي محلّه من يوم النحر. (2) واكتفى في باب الطواف بقوله : «فأمّا المفرد والقارن فإنّه لا بأس بهما أن يقدما الطواف قبل أن يأتيا عرفات». (3) وكأنّه تمسّك بعموم ما دلّ على أنّ القارن لا يتحلّل إلّا ببلوغ الهدي محلّه ، وبمرسلة يونس بن يعقوب التي [ستأتي ]في الباب الآتي (4) ، فتأمّل . وهذا القول منقول في التنقيح (5) عن تحرير العلّامة (6) ، ولقد أعجب السيّد المرتضى

.


1- .النهاية، ص 208.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 44، ذيل الحديث 131.
3- .النهاية، ص 241.
4- .هي الحديث الثالث من ذلك الباب.
5- .التنقيح الرائع، ج 1، ص 440 441، فانّه نسب ذلك إلى الشيخ لا عن العلّامة.
6- .اُنظر: تحرير الأحكام، ج 1، ص 596 ؛ فإنّه حكى الجواز عن الشيخ و إنكاره عن ابن إدريس، و لم يختر أحدهما، نعم اختار جواز التقديم في مختلف الشيعة، ج 4، ص 38.

ص: 557

باب فيمن لم ينو المتعة

حيث ذهب على ما حكى عنه في التنقيح إلى عكس ذلك، واختصاص الحلّ بدون تجديد التلبية بالقارن . (1) وعدَّ الشهيد في الدروس التجديد أولى (2) ، ورجّحه العلّامة في الإرشاد (3) . وكلّ مَن جوّز تقديم الطواف جوّز تقديم السعي أيضاً، ولم أجده في خبر . نعم، ورد في بعض أخبار تقديم المتمتّع، ويأتي في باب تقديم طواف الحجّ للمتمتّع ، وحمل التقديم في المتمتّع على الضرورة مع تجديد التلبية على ما ذكر من القولين ، وليس في خبر من أخباره ذلك التجديد، وكأنّهم تمسّكوا بعموم بعض ما اُشير إليه من أخبار .

باب فيمن لم ينو المتعةأراد قدس سره بيان جواز العدول من الافراد إلى التمتّع كما ذكره الأصحاب ونسبه في المعتبر (4) إلى علمائنا ، ويدلّ عليه الأخبار المتظافرة من الطريقين في أمر النبيّ صلى الله عليه و آله من لم يسق الهدي إليه، وقد سبق بعض منها وهو قليلٌ من كثير . وما رواه الشيخ في الاستبصار في الصحيح عن صفوان بن يحيى، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ ابن السرّاج روى عنك أنّه سألك عن الرجل أهلَّ بالحجّ ثمّ دخل مكّة فطاف البيت وسعى بين الصفا والمروة يفسخ ذلك ويجعلها متعة ، فقلت : لا ، فقال : قد سألني عن ذلك وقلت له : لا، وله أن يحلّ ويجعلها متعة وآخر عهدي بأبي أنّه دخل على «فضل بن الربيع وعليه ثوبان وساج (5) ، فقال له الفضل بن الربيع : يا أبا الحسن، لنا بك اُسوة أنت مفرد للحجّ وأنا مفرد بالحجّ ، فقال له أبي : لا ما أنا

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 332، الدرس 86 .
2- .جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى، ج 3، ص 64).
3- .اُنظر: إرشاد الأذهان، ج 1، ص 309، و المذكور فيه استحباب تجديد النيّة لهما.
4- .المعتبر، ج 2، ص 797.
5- .الساج: الطيلسان الأخضر. صحاح اللغة، ج 1، ص 323 (سوج).

ص: 558

باب حجّ المجاورين وقطّان مكّة

مفرد للحجّ أنا متمتّع ، فقال له الفضل بن الربيع : فلي الآن إنّي أتمتّع وقد طفت بالبيت ؟ فقال له أبي : نعم . فذهب بها محمّد بن جعفر إلى سفيان بن عيينة وأصحابه فقال لهم : إنّ موسى بن جعفر قال للفضل بن الربيع كذا وكذا يشنّع بها على أبي» . (1) وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل لبّى بالحجّ مفردا ثمّ دخل مكّة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : «فليحلّ وليجعلها متعة، إلّا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه» . (2) وإطلاق هذين الخبرين يقتضي شمول الحكم لمن كان فرضه الإفراد في أصل الشرع أو بنذر وشبهه . وقد صرّح به بعض الأصحاب. وخصّه جماعة منهم صاحب المدارك (3) بمن لم يتعيّن عليه الإفراد . ونعم ما قال الشهيد الثاني في المسالك: «تخصيص الحكم بمن لم يتعيّن عليه الإفراد بعيد عن ظاهر النصّ» (4) ، فتدبّر . وقيّده العلّامة في المنتهى وجماعة بما إذا لم يلبّ بعد الطواف والسعي (5) بناءً على ما سبق من أنّ التلبية محرّمة، عاقدة للإحرام .

باب حجّ المجاورين وقطّان مكّةأراد قدس سره بالمجاور الآفاقي الذي سكن بمكّة من غير قصد للدوام ، وبالقاطن المقيم بها، من قطن بالمكان، إذا أقام به واستوطنه (6) ، وفيه مسألتان :

.


1- .الاستبصار، ج 2، ص 174 175، ح 576. و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 89 ، ح 294؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 353، ح 16492.
2- .الاستبصار، ج 2، ص 174، ح 575. و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 89 ، ح 293؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 352 353، ح 16491.
3- .مدارك الأفهام، ج 7، ص 204.
4- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 206.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 686. و مثله في مختلف الشيعة، ج 4، ص 68.
6- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2182 (قطن).

ص: 559

الاُولى : أجمع الأصحاب على أنّ الواجب على أهل المسجد الحرام الإفراد أوالقران، وعلى البعيد التمتّع . والدليل عليه قوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (1) بناءً على ما هوالمشهور من أنّ ذلك إشارة إلى التمتّع . ويدلّ عليه خبر سعيد الأعرج (2) وحسنة حريز (3) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، قال : قلت لأخي موسى بن جعفر عليهماالسلام : ألأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال : «لا يصلح أن يتمتّعوا؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» » . (4) وفي الصحيح عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» ، قال : «يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً، ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة، فهو ممّن يدخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة» . (5) وفي الصحيح عن عبيداللّه الحلبيّ وسليمان بن خالد وأبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس لأهل مكّة ولا لأهل مرّ (6) ولا لأهل سَرِف (7) متعة؛ وذلك لقول اللّه عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» » . (8)

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32 _33، ح 97؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 515؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 14737.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 33، ح 98؛ الاستبصار، ج 2، ص 157_ 158، ح 516؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 14738.
6- .مَرّ: موضع بينه و بين مكّة خمسة أميال. معجم البلدان، ج 5، ص 104.
7- .سَرف: موضع على ستّة أميال من مكّة. و قيل سبعة، و تسعة، و اثنى عشر. معجم البلدان، ج 3، ص 212 (سرف).
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ح 96؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 514؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 258 259، ح 14736.

ص: 560

واختلفوا في حدّ الحضور فقال الأكثر منهم الشيخ في التهذيب (1) والصدوق (2) : حاضروا المسجد الحرام من كان بينه وبين مكّة ثمانية وأربعون ميلاً من كلّ جانب . واحتجّوا عليه بحسنة حريز (3) وصحيحة زرارة (4) المتقدّمة ، ويؤيّدهما خبرا سعيد (5) وأبي بصير (6) وصحيحة الحلبيّ وسليمان بن خالد وأبي بصير المتقدّمة حيث نفى عليه السلام فيها المتعة عن أهل مرّ وذات عرق وعسفان ، ومرّ: على مرحلة من مكّة، كما صرّح به بعض أهل اللغة (7) ، وذات عرق (8) وعسفان (9) : على مرحلتين منها، على ما صرّح به بعض الأصحاب ، والمرحلة: ثمانية فراسخ . ويؤيّدهما أيضاً ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال في حاضري المسجد الحرام، قال : «ما دون المواقيت إلى مكّة، فهو حاضر المسجد الحرام، وليس لهم متعة» . (10) وفي الصحيح عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حاضري المسجد الحرام، قال : «ما دون الأوقات إلى مكّة» (11) ، فإنّ أكثر المواقيت أكثر بعدا من مكّة من اثني عشر ميلاً كما صرّح به في المنتهى (12) ، ويأتي في بحث المواقيت إن شاء اللّه تعالى . فعلى القول الآتي يجب أن يكون الواجب على أهلها التمتّع ، واعتبر بعض

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ذيل الحديث 95 . و مثله في النهاية، ص 206.
4- .المقنع، ص 215.
5- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 11738.
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- .القاموس المحيط، ج 2، ص 133.
8- .مجمع البحرين، ج 3، ص 167.
9- .القاموس المحيط، ج 3، ص 175.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 33، ح 99؛ الاستبصار، ج 2، ص 158، ح 517؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 260، ح 14739.
11- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1683؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 260، ح 14740.
12- .منتهى المطلب، ج 2، ص 661.

ص: 561

الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (1) والمحقّق في الشرائع (2) وابن إدريس (3) اثنا عشر ميلاً من كلّ جانب ، ولم أرَ شاهدا له من الأثر، وكأنّهم حملوا الثمانية والأربعين ميلاً على التوزيع على الجوانب الأربعة. وبه يشعر كلام ابن إدريس قال : من كان بينه وبين المسجد الحرام ثمانية وأربعون ميلاً من أربع جوانب البيت، من كلّ جانب اثنا عشر ميلاً، فلا يجوز لهؤلاء إلّا التمتّع مع الإمكان، فإذا لم يمكنهم التمتّع أجزأتهم الحجّة المفردة مع الضرورة وعدم الاختيار ، وأمّا من كان من أهل حاضري المسجد الحرام، و هو من كان بينه و بين المسجد الحرام أقلّ من اثني عشر ميلاً من أربعة جوانب ففرضه القران أوالإفراد مخيّرا في ذلك، ولا يجزيه التمتّع . (4) وأنت خبير بأنّ تمثيله عليه السلام إيّاه بذات عرق وعسفان يأبى هذا التأويل . وفي العزيز: كلّ من مسكنه دون مسافة القصر فهو من حاضري المسجد الحرام، فإن زادت المسافة فلا . وعند أبي حنيفة هم أهل المواقيت والحرم وما بينهما . وقال مالك: هم أهل مكّة وذي طوى ، وربما روى عنهم أهل الحرم. (5) ثمّ احتجّ على ما ذهب إليه بأنّ من قرب من الشيء ودنا منه كان حاضرا إيّاه، ومن كان مسكنه دون مسافة القصر فهو قريب نازل منزلة المقيم في نفس مكّة . واعلم أنّ الأصحاب قد أجمعوا على عدم إجزاء الإفراد والقران للبعيد عن التمتّع في حجّة الإسلام اِختيارا ، والأخبار شاهدة عليه، منها : ما رواه المصنّف في باب أصناف الحجّ، وقد روينا أيضاً فيه بعض الأخبار في ذلك الباب .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 306. و مثله في الاقتصاد، ص 298.
2- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 174.
3- .السرائر، ج 1، ص 519.
4- .السرائر، ج 1، ص 519 520.
5- .فتح العزيز، ج 7، ص 128.

ص: 562

ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (1) ، فليس لأحد إلّا أن يتمتّع؛ لأنّ اللّه أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (2) وعن أبي بصير، قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام لي: «يا أبا محمّد، كان عندي رهط من أهل البصرة، فسألوني عن الحجّ، فأخبرتهم بما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبما أمر به ، فقالوا لي : إنّ عمر قد أفرد الحجّ؟ فقلت لهم: إنّ هذا رأي رآه عمر، وليس رأي عمر كما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (3) وعن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن يعقوب الأحمر، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل اعتمر في الحُرُم (4) ثمّ خرج في أيّام الحجّ، أيتمتّع؟ قال : «نعم كان أبي لا يعدل بذلك» . (5) قال ابن مسكان : وحدّثني عبد الخالق أنّه سأله عن هذه المسألة، فقال : «إن حجّ فليتمتّع، إنّا لا نعدل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه» . (6) وهل يجزي التمتّع عن فرض حاضري المسجد الحرام؟ فذهب الشيخ في التهذيب (7)

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 25 26، ح 75؛ الاستبصار، ج 2، ص 150، ح 493؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 240، ح 14683.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 26، ح 78؛ الاستبصار، ج 2، ص 151، ح 496؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 241 242، ح 14687.
4- .في نسخة بدل: «المحرّم».
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 27، ح 80 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 151، ح 498؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 242، ح 14690.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 27، ذيل الحديث 80 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 151، ذيل الحديث 498؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 242، ح 14691.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32، ذيل الحديث 96. و مثله في النهاية، ص 206.

ص: 563

وابن إدريس (1) والشهيدان (2) إلى عدمه، وهو ظاهر الآية وأكثر الأخبار التي مرّت آنفاً، فإنّها تعطي نفي الجواز . ويؤيّدها صحيحة عليّ بن جعفر، قال : قلت لأخي موسى عليه السلام : لأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال : «لا يصلح أن يتمتّعوا؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» » (3) . (4) وجوّزه الشيخ في المبسوط والخلاف زعماً منه أنّ الإشارة في قوله تعالى : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» إلى الهدي لا إلى التمتّع ، وحملاً للأخبار المذكورة على نفي تعيّن التمتّع عليهم ، ففي المبسوط : فإن تمتّع من قلناه يعني حاضري المسجد الحرام فمن أصحابنا من قال: إنّه لا يجزيه، وفيهم من قال: إنّه يجزيه، وهو الصحيح ؛ لأنّ من تمتّع فقد أتى بالحجّ وبجميع أفعاله، وإنّما أضاف إليه العمرة قبل ذلك، وهي لا تنافي ما يأتي به من أفعال الحجّ في المستقبل ، ومن الناس من قال: المكّيّ لا يصحّ منه التمتّع أصلاً ، وفيهم من قال : يصحّ ذلك منه غير أنّه لا يلزمه دم المتعة، لقوله تعالى : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (5) ، يعني الهدي الذي تقدّم ذكره قبل هذا الكلام بلا فصل . (6) وفي الخلاف: فرض المكّيّ ومن كان من حاضري المسجد الحرام القران أو الإفراد، فإن تمتّع سقط عنه الفرض ولم يلزمه دم . وقال الشافعيّ : يصحّ تمتّعه وإقرانه وليس عليه دم . 7

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .السرائر، ج 1، ص 520.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 330 331، الدرس 86 ؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 206؛ مسالك الأفهام، ج 2، ص 203.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 32 33، ح 97؛ الاستبصار، ج 2، ص 157، ح 515؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 259، ح 14737.
5- .المبسوط، ج 1، ص 306 307.
6- .المجموع للنووي، ج 7، ص 169؛ عمدة القاري، ج 9، ص 205.

ص: 564

وقال أبو حنيفة : ويكره له التمتّع والقران، فإن خالف وتمتّع فعليه دم المخالفة دون التمتّع والقران. (1) دليلنا: قوله تعالى : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» إلى قوله _ : «ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» ، ويجب أن يكون قوله: «ذَلَكَ» راجعاً إلى الهدي لا إلى التمتّع؛ لأنّه يجري مجرى قول القائل: إن دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن غائباً في أنّ ذلك يرجع إلى الجزاء دون الشرط . (2) نعم، قال بوجوب الهدي على المتمتّع المكّي إذا خرج إلى بعض الآفاق ثمّ جاء متمتّعاً ، وسننقل كلامه بعينه . هذا كلّه في حال الاختيار . وأمّا في الاضطرار فيجوز لكلّ من الحاضر والنائي العدول إلى فرض الآخر إجماعاً . ويدلّ عليه أخبار تأتي موضعها إن شاء اللّه تعالى . وأمّا غير حجّة الإسلام فلا خلاف في جواز كلّ من التمتّع وأخويه لكلّ من النائي والحاضر، ويستفاد ذلك من بعض ما سبق من الأخبار . الثانية : المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في كتابي الاخبار (3) والشهيد (4) والمحقّق (5) والعلّامة (6) وسائر المتأخّرين (7) أنّ المجاور بمكّة إنّما ينتقل فرضه من التمتّع إلى فرض أهل مكّة في السنة الثالثة؛ محتجّين بصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له» ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : أرأيت إن كان له أهلٌ بالعراق وأهل بمكّة؟ قال : «فلينظر أيّهما الغالب فهو من أهله» . (8)

.


1- .نفس المصدرين.
2- .الخلاف، ج 2، ص 272، المسألة 42.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ذيل الحديث 100؛ الاستبصار، ج 2، ص 159، ذيل الحديث 518.
4- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 331، درس 86 ؛ اللمعة الدمشقيّة، ص 57؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 217.
5- .المعتبر، ج 2، ص 799.
6- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 31.
7- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 209.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ح 101، و ص 492، ح 1767؛ الاستبصار، ج 2، ص 159، ح 519؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 265 266، ح 14755.

ص: 565

وصحيحة عمر بن يزيد، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ سنتين، فإذا جاور سنتين كان قاطناً وليس له أن يتمتّع» . (1) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط إلى أنّه لا ينتقل فرضه عن التمتّع حتّى يقيم ثلاثاً ، ففي المبسوط: «وإن كان من غيرها وانتقل إليها، فإن أقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من الحاضرين، وإن كان أقلّ من ذلك كان حكمه حكم أهل بلده» . (2) ومثله في النهاية . (3) وفي المنتهى: «لا نعلم حجّه على ما قاله» . (4) وحكى في المختلف عنه: أنّه احتجّ بأنّ الأصل عدم النقل، صرنا إليه إذا أقام ثلاث سنين للإجماع فيبقى الباقي على الأصل . وأجاب عنه بأنّ النقل والتقدير ليس بمجرّد التشهّي، بل هو أمرٌ شرعيّ وتقدير نقلي لا مدخل للعقل فيه . وقد بيّنا أنّ النقل ورد بالسنتين. (5) وظاهر المصنّف قدس سره اعتبار إقامة سنة في انتقال الفرض حيث اكتفى بنقل ما يدلّ عليه . وفي بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية إقامة ستّة أشهر فيه ، رواه الشيخ في آخر باب نوادر الحجّ من التهذيب في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حفص والظاهر أنّه ابن البختريّ الثقة بقرينة رواية ابن أبي عمير، عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في المجاور بمكّة يخرج إلى أهله ثمّ يرجع إلى مكّة، بأيّ شيء يدخل؟ فقال : «إن كان مقامه بمكّة أكثر من ستّة أشهر فلا يتمتّع، وإن كان أقلّ من ستّة أشهر فله أن يتمتّع» . (6) ولم أجد قائلاً به ، ويشكل الجمع بينه وبين ما سبق من الأخبار .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ح 102؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 266، ح 14756.
2- .المبسوط، ج 1، ص 308.
3- .النهاية، ص 206.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 664.
5- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 33.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1679، و ص 492، ح 1768؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 264 265، ح 14752.

ص: 566

وظاهر الشيخ في التهذيب التخيير فيما دون السنتين بين التمتّع وغيره (1) ، وكأنّه قصد بذلك الجمع ، ويأبى عنه قوله عليه السلام : «فلا يتمتّع» ، في الخبر الأخير، إلّا أن يحمل على نفي تعيّن التمتّع، وهو بعيد . والقول الأوّل أظهر؛ لكونه أشهر ودليله أصحّ وأكثر ، ويؤيّده أصالة عدم النقل في غير محلّ الوفاق. ولو انعكس الفرض بأن أقام المكّي في الآفاق، فمع نيّة الإقامة دائماً فيها لا ريب في انتقال فرضه إلى التمتّع؛ لدخوله فيمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، وأمّا مع عدمها فظاهر الشيخ في المبسوط تخييره بين أنواع الحجّ مطلقاً حيث قال : وبه قال العلّامة في المنتهى (2) والمختلف: (3) ومن كان من أهل مكّة وحاضريها ثمّ نأى عن منزله إلى مثل المدينة أو غيرها من البلاد، ثمّ أراد الرجوع إلى مكّة وأراد أن يحجّ متمتّعاً جاز له ذلك . ثمّ قال بأدنى فصل : «المكّي إذا انتقل إلى غيرها من البلدان ثمّ جاء متمتّعاً لم يسقط عنه الدم». (4) وهو ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج وعبد الرحمن بن أعين، قالا : سألنا أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل من أهل مكّة خرج إلى بعض الأمصار، ثمّ رجع فمرّ ببعض المواقيت التي وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أله أن يتمتّع؟ قال : «ما أزعم أنّ ذلك ليس له والإهلال بالحجّ أحبّ إليّ» . ورأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام وذلك أوّل ليلة من شهر رمضان، فقال له : جعلت فداك، إنّي قد نويت أن أصوم بالمدينة ، قال : «تصوم إن شاء اللّه » ، قال له: وأرجو أن يكون خروجي في عشر من شوّال ، فقال : «تخرج إن شاء اللّه » ، فقال له : إنّي قد نويت أن

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 308.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 664.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 34، ذيل الحديث 100.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 28 34.

ص: 567

أحجّ عنك أو عن أبيك، و ربّما حججت عن بعض إخواني أوعن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال له : «تمتّع» ، فقال له : إنّ اللّه ربّما منَّ عليَّ بزيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وزيارتك والسلام عليك، وربما حججت عن أبيك، وربّما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال له : «تمتّع»، فردّ عليه القول ثلاث مرّات يقول له : إنّي مقيم بمكّة وأهلي بها ، فيقول : «تمتّع» . وسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال له : إنّي اُريد أن أفرد عمرة هذا الشهر يعني شوّال ، فقال له : «أنت مرتهن بالحجّ» ، فقال له الرجل : إنّ أهلي ومنزلي بالمدينة ولي بمكّة أهل ومنزل وبينهما أهل ومنازل ، فقال له : «أنت مرتهن بالحجّ» ، فقال له الرجل : فإنّ لي ضياعاً حول مكّة واُريد أن أخرج حلالاً، فإذا كان إبّان الحجّ حججت . (1) وحكى في المدارك عن بعض الأصحاب إلحاقه بالمقيم بمكّة في انتقال الغرض بإقامة السنتين ، وضعّفه. (2) ولم أجد قائله وكأنّه أشار بذلك إلى قول الشيخ في الاستبصار حيث قال بعد رواية الصحيحة المذكورة: ما يتضمّن أوّل الخبر من حكم من يكون من أهل مكّة وقد خرج منها ثمّ يريد الرجوع إليها، فإنّه يجوز أن يتمتّع، فإنّ هذا حكم يختص من هذه صفته؛ لأنّه أجراه مجرى من كان من غير الحرم أقام بمكّة سنتين . (3) وأنكره ابن أبي عقيل محتجّاً بأنّه لا متعة لأهل مكّة، على ما حكي عنه في المختلف . (4) واعلم أنّه صرّح الشهيد الثاني قدس سره بأنّ الفرض إنّما ينتقل إذا تجدّدت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية له، فلو كانت سابقة لم ينتقل وإن طالت المدّة؛ لاستقرار الأوّل في

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 33 34، ح 100؛ الاستبصار، ج 2، ص 158، ح 518؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 262 263، ح 14748.
2- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 210 211.
3- .الاستبصار، ج 2، ص 159، ذيل الحديث 518.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 29.

ص: 568

الذمّة. (1) فقد قيّد إطلاق الأخبار بذلك . بقي هناك مسألة ذي المنزلين، والمشهور بين الأصحاب اعتبار الأغلب والتخيير مع التساوي، ولم أرَ مخالفاً له، وهو المستفاد من بعض ما ذكر من الأخبار، ويؤيّده الاعتبار . قوله : (عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير) .[ح 2 / 7049] عليّ ابن أبي حمزة هذا هو البطائنيّ، وأبو بصير هو يحيى بن القاسم الحذّاء الأسدي، والبطائنيّ كان قائدا لأبي بصير ، فالخبر ضعيف من وجهين ؛ لأنّ البطائنّي كان رأس الواقفة على موسى بن جعفر عليهماالسلام ، كذّاباً ملعوناً على لسان الإمام عليه السلام ، مذموماً في أخبار متكثّرة (2) ، ويحيى أيضاً كان واقفيّاً. (3) وما قيل: من أنّه ثقةٌ وجيهٌ (4) لم ينقل عمّن يُعبأ بقوله ، وقد ورد في مدحه أخبار لكن قبل وقفه وارتداده، منها: ما روى أنّه رأى الدنيا مرّتين مسح أبو عبداللّه عليه السلام على عينيه، وقال : «انظر ما ترى؟» فقال : أرى كوّة في البيت وقد أرانيها أبوك من قبلك . (5) ومنها ما روي عن شعيب العقرقوفيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ربّما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمَنْ نسأل؟ قال : «عليك بالأسدي»، يعني أبا بصير . (6) وأمّا ما احتجّ به على مدحه وهو ما رواه الكشيّ رحمه الله عن عليّ بن محمّد بن القاسم الحذّاء الكوفيّ قال : خرجت من المدينة، فلمّا جُزت حيطانها مقبلاً نحو العراق إذا أنا برجل على بغل له أشهب يعترض الطريق، فقلت لبعض من كان معي : مَن هذا؟ فقال : هذا ابن الرضا عليه السلام ، قال : فقصدت قصده، فلمّا رآني اريده وقف لي، فانتهيت إليه لاُسلِّم

.


1- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 208.
2- .اُنظر: رجال النجاشي، ص 249 250، الرقم 656؛ رجال الطوسي، ص 339، الرقم 5049؛ رجال ابن داود، ص 259، الرقم 325؛ اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 742، ح 832 836 .
3- .اُنظر: خلاصة الأقوال، ص 416، من اسمه يحيى، الرقم 3.
4- .قاله النجاشي في رجاله، ص 441، الرقم 1187.
5- .خلاصة الأقوال، ص 417.
6- .اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 400، ح 291.

ص: 569

عليه ، فمدَّ يده إليَّ فسلّمت عليه وقبّلتها ، فقال : «مَن أنت؟» قلت : بعض مواليك جعلت فداكَ أنا عليّ بن محمّد بن القاسم الحذّاء، فقال : «أما أنّ عمّك كان ملتوياً على الرضا عليه السلام » ، قال : قلت : جعلت فداك، رجع عن ذلك ، فقال : «إن كان رجع فلا بأس» (1) فأنت خبير بأنّه على ذمّه أدلّ. وقد وردت أخبار في ضمان الصادق عليه السلام له الجنّة (2) ، لكنّه هو في طريقها فلا تكون حجّة . قوله : (عن ابن أبي عمير عن داود) [ح 4 / 7051] وهو ابن زربّي، فإنّه الذي له أصل (3) يروى عنه ابن أبي عمير على ما صرّح به بعض أرباب الرجال . (4) وحكي عن إرشاد المفيد قدس سره أنّه من الثقات (5) ، وعن ابن داود (6) والعلّامة في الخلاصة (7) أنّ النجاشيّ نقل توثيقه عن ابن عقدة. ولم أرَ في رجاله. (8) ذلك . نعم ، روى الكشّيّ ما يقتضي مدحه، روى بإسناده عن داود والرقيّ، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقلت : جعلت فداك، كم عدّة الطهارة؟ فقال : «ما أوجبه اللّه فواحدة، فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله آخر؛ لضعف الناس، ومَن توضّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له» . وأنا معه في ذا حتّى جاء داود بن زربّي، فأخذ زاوية من البيت، فسأله عمّا سألت عنه في عدّة الطهارة، فقال له : «ثلاثاً ثلاثاً من نقص عنه فلا صلاة له» . قال : فارتعدت فرائصي، وكاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبداللّه عليه السلام إليَّ وقد تغيّر لوني، فقال : «اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق» . قال : فخرجنا من عنده وكان [بيت] ابن زربّي إلى

.


1- .اختيار معرفة الرجال، ج 2، ص 773، ح 903.
2- .اُنظر: خلاصة الأقوال، ص 226، ترجمة علباء الأسدي.
3- .رجال النجاشي، ص 160، الرقم 424.
4- .الفهرست، ص 125، الرقم 280.
5- .الإرشاد، ج 2، ص 248.
6- .رجال ابن داود، ص 90، الرقم 585.
7- .خلاصة الأقوال، ص 142.
8- .بل تجده في رجال النجاشي، ص 160، الرقم 424.

ص: 570

جوار بستان أبي جعفر المنصور، وكان قد اُلقي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربيّ وأنّه رافضّي يختلف إلى أبي جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، فقال أبو جعفر : إنّي مطلّعٌ إلى طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد فأنّي لأعرف طهارته حقّقت عليه القول وقتلته ، فأطلَع وداود يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربيّ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبداللّه عليه السلام فما تمّ وضوءه حتّى بعث إليه أبو جعفر، فدعاه. قال : فقال داود : فلمّا أن دخلت عليه رحّب بي وقال : يا داود، قيل فيك شيءٌ باطل وما أنت كذلك، قد اطّلعت على طهارتك وليست طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حِلٍّ، وأمر له بمئة ألف درهم . قال : فقال داود الرقّي : التقيت أنا داود بن زربيّ عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال له داود بن زربيّ : جعلني اللّه فداك، حقنت دماءنا في دار الدنيا، ونرجو أن ندخل بيُمنك وبركتك الجنّة ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فعل اللّه ذاك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين» ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «حدّث داود الرقّي بما مرّ عليك حتّى تسكن روعته» ، قال : فحدّثته بالأمر كلّه ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «لهذا أفتيته؛ لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ . ثمّ قال : «يا داود بن زربيّ، توضّأ مثنى مثنى ولا تزيدنّ عليه، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» . (1) قوله في صحيحة عبد الرحمن: (قال : تقيم عشرا لا تأتي الكعبة) إلخ .[ح 5 / 7052] قوله : (تقيم) إلى آخره [ح 5 / 7052] ، استفهام للتعجّب أو التوبيخ ، والسَّغب: المجاعة (2) ، والمراد بالإهلال: الإحرام بالحجّ دون العمرة ، وفي بعض النسخ : «وكان الإهلال بالحجّ أحبّ إليَّ» . قوله في موثّق سماعة : (يخرج إلى مُهَلّ أرضه) [ح 7 / 7054] أي إلى محلّ إحرام أهل بلاده وميقاتهم .

.


1- .اختيار معرفة الرجال، ص 600 601، ح 564.
2- .مختار الصحاح، ص 161 (سغب)، و فيه: «السغب: الجوع،... و المسغبة: المجاعة».

ص: 571

باب حجّ الصبيان والمماليك

باب حجّ الصبيان والمماليكفيه مسائل :الاُولى : الصبيّ المميّز يحرم نفسه ويلبّي، ويجتنب من المحرّمات، ويأتي بالأفعال بإذن الوليّ وتعليمه ، وغير المميّز يحرم عنه الولي، ويأمره بالتلبية وسائر الأفعال إن أمكنه، وإلّا فيلبّي الولي عنه ويطوف به ويرمي عنه الولي ويجنّبه من المحرّمات . ويدلّ عليه بعض أخبار الباب، وقد سبق القول فيه تفصيلاً . الثانية : يجوز للقيّم له، بل يستحبّ على ما يظهر من الأخبار أن يؤخّر إحرامه عن مسجد الشجرة إلى العرج أو إلى الجحفة أو إلى بطنٍ مرّ. والعَرْج بفتح المهملة وسكون الراء: قرية جامعة من أعمال الفُرع بضمّ الفاء وسكون الراء على أيّام من المدينة (1) . والجحفة معروفة وستأتي إن شاء اللّه تعالى ، وبطن مرّ على مرحلة من مكّة. (2) ويدلّ عليه خبر يونس بن يعقوب (3) وحسنة معاوية بن عمّار. (4) ويستفاد من بعض الأخبار استحباب تأخير تجريدهم إلى فخّ، وهو بئر على رأس فرسخ من مكّة للقادم من المدينة (5) ، على أن يكون الإحرام عنهم في مسجد الشجرة، وهو خبر أيّوب (6) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن مسكان عنه بعينه (7) ، وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام مثله. (8) ولا يبعد القول بتخيير الوليّ بين الأمرين، والظاهر

.


1- .مجمع البحرين، ج 3، ص 149 (عرج).
2- .القاموس المحيط، ج 2، ص 133.
3- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
5- .السرائر، ج 1، ص 569؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 428.
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 409، ح 1421؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 336، ح 14955.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 409، ح 1422.

ص: 572

اختصاص الحكمين بالقادم من المدينة، فينبغي أن لا يؤخّر إحرامه ولا تجريده عن الميقات إذا قدم من غيرها؛ لعدم نصّ على الجواز هنا مع وجود الفارق لكمال بُعد ميقات المدينة وشدّة إضراره بالتجريد فيه، بخلاف باقي المواقيت ، هذا ما استفدته من الأخبار . وأمّا الأصحاب فلم يتعرّض الأكثر للحكم الأوّل أصلاً، وإنّما عنونوا المسألة بالتجريد من فخّ مطلقاً من غير فصل بين القادمين. وظاهرهم عقد الإحرام عنه في الميقات، و صرّح به جماعة منهم الشيخ (1) و الشيخ عليّ رحمهم الله (2) ، و قد صرّح بعضهم بأنّ المراد من التجريد بالفخّ عقد الإحرام عنه فيه، ففي المدارك في شرح قول المحقّق : ويجرّد الصبيان من فخّ: المراد بالتجريد الإحرام، كما صرّح به المصنّف في المعتبر (3) والعلّامة في جملة من كتبه (4) ، (5) فتأمّل . الثالثة : قال العلّامة رحمه الله في المنتهى : «ولو تمتّع الصبيّ وجب على وليّه أن يذبح عنه؛ عملاً بالعموم، فإن لم يجد فليصم عشرة أيّام؛ للآية» . (6) وبه قال الأكثر، ومنهم الشيخ في التهذيب محتجّاً عليه بما رواه عن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن أعين، قال : تمتّعنا فأحرمنا ومعنا صبيان، فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ولم نقدر على الغنم قال : «فليصم عن كلّ صبيّ وليّهُ» . (7) وقال الشهيد قدس سره في الدروس: «أمّا الهدي فعلى الوليّ، ولو كان مميّزا وفقد الهدي جاز للولي الصوم عنه وأمره به». (8) ولو قيل بتخيير الوليّ بين الذبح عن المميّز وأمره بالصوم مطلقاً

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 313؛ النهاية، ص 216.
2- .جامع المقاصد، ج 3، ص 160.
3- .المعتبر، ج 2، ص 804.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 667؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 542؛ تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 217.
5- .مدارك الأفهام، ج 7، ص 226 227.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 737.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 237 238، ح 801 .
8- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 306 307.

ص: 573

ولو وجد الهدي لكان أظهر، كما يظهر من خبري زرارة (1) وسماعة (2) ، ولكن لم يقل به أحد . وأمّا ما تستدعيه المحظورات فالظاهر وجوب فداء الصيد منها على الوليّ وإن قيل بأنّ عمد الصبي كالخطأ؛ لوجوب الفداء في خطأ الصيد أيضاً، ولعموم الأخبار الواردة في جزاء الصيد وخصوص خبر زرارة، وعدم تعلّق حكم بما عدا صيده وإن كان جماعاً ولو عمدا؛ لما دلّ على أنّ عمد الصبيّ خطأ ، رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «عمد الصبي وخطأؤه واحد». (3) بل الظاهر ذلك؛ ولو قيل : بأنّ عمده عمد؛ لاقتضاء رفع القلم عن الصبيّ عدم تعلّق حكم به وبماله وبأفعاله إلّا بدليل كما في القتل وإتلاف مال الغير وجزاء الصيد، ولأصالة براءة ذمّة الوليّ عمّا يفعل الصبيّ فيما لا دليل على شغلها به، ولا نصّ على ضمانه فيما عدا الصيد . ويؤيّد هذه خبر زرارة حيث يشعر بعدم تعلّق شيء بإفساده الحجّ، وهو ظاهر الشهيد قدس سرهفي الدروس (4) ، وقوّاه الشيخ في المبسوط (5) ، وذهب في الخلاف (6) إلى وجوب جزاء صيده على الوليّ، وقوّى فساد حجّه بالجماع عمدا ترجيحاً لكون عمده عمدا محتجّاً بعموم الأخبار في فساد الحجّ بالوطيء متعمّدا ، وقال : فيتعلّق به الكفّارة إلّا أنّه لا يلزمه القضاء؛ لأنّه ليس بمكلّف، ووجوب القضاء إنّما يتوجّه إلى المكلّف وسكت عن باقي المحظورات وهو يومي إلى عدم إيجابه شيئاً لها . وفي التهذيب (7) أوجب فداء جميع المحظورات على الوليّ محتجّاً بخبر زرارة (8) ، وهو

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هو الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 233، ح 920؛ وسائل الشيعة، ج 29، ص 400، ح 35859.
4- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 306 307.
5- .المبسوط، ج 1، ص 329.
6- .الخلاف، ج 2، ص 363، المسألة 198.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 410، ذيل الحديث 1423.
8- .نفس المصدر، ح 1424.

ص: 574

إنّما يدلّ على ذلك في فداء الصيد، ولا يجوز حمل غير الصيد عليه لما عرفت . وظاهر هؤلاء كالخبر أنّ الذي يجب على الوليّ إنّما يجب في ماله لا في مال الصبيّ . وحكى في الخلاف (1) عن بعض أصحابنا وعن أحد قولي الشافعيّ (2) وجوب جزاء الصيد في مال الصبيّ . وفي المدارك (3) حكاه عن التذكرة (4) محتجّاً بوجوبه بجنايته فكان كما لو أتلف مال غيره . وذهب ابن إدريس إلى أنّه لا يجب بأفعاله المحظورة شيء، ولا يفسد حجّه معلّلاً في غير الصيد بما ذكر. وفيه بأنّ الكفّارة على الصيد إنّما تتعلّق بالعقلاء البالغين . وقال : «إيجاب الكفّارة على الناسي لا يقتضي إيجابها على الصبيّ، فإنّه قياس» (5) و إنّما قال ذلك فيه بناءً على أصله . الرابعة : يدلّ حسن حريز (6) وقد رواه الشيخ (7) والصدوق (8) قدّس سرّهما في الصحيح على أنّ ضمان محظورات العبد المأذون كلّها على السيّد. ويؤيّده أنّها من توابع إذنه في الحجّ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (9) ، وبه قال المحقّق في المعتبر (10) ، وذكره المفيد قدس سرهفي خصوص جزاء الصيد ساكتاً عن غيره . (11)

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 363.
2- .المجموع للنووي، ج 7، ص 32؛ فتح العزيز، ج 7، ص 425.
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 27.
4- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 32 33.
5- .السرائر، ج 1، ص 636 637؛ و العبارة المذكورة هنا من مختلف الشيعة، ج 4، ص 336 نقلاً عن ابن إدريس.
6- .هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 382، ح 1334؛ الإصابة، ج 2، ص 216، ح 741.
8- .الفقيه، ج 2، ص 430، ح 2886؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 104، ح 17346.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 383، ذيل الحديث 1335.
10- .المعتبر، ج 2، ص 751.
11- .المقنعة، ص 439.

ص: 575

وفي الدروس: «ولوازم المحظورات على العبد ويكون الصوم عوضاً عن الدم، قاله الشيخ». (1) وأشار بذلك إلى ما ذهب إليه في المبسوط حيث قال : إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظورا يلزم به دم مثل: اللّباس والطيب وحلق الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطئ في الفرج أو فيما دون الفرج وقتل الصيد وأكله، ففرضه الصيام وليس عليه دم ، ولسيّده منعه منه؛ لأنّه فعله بغير إذنه، فإن ملكه سيّده هدياً ليخرجه فأخرجه جاز، وإن أذِن له فصام جاز أيضاً، وإن مات قبل الصيام جاز لسيّده أن يطعم عنه. (2) وكأنّه جمع بذلك بين ما ذكر وخبر سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن عبد أحدث صيدا وهو محرم، هل على مولاه شيء من الفداء؟ فقال : «لا ، لا شيء على مولاه» . (3) ويؤيّده ما دلّ على تخيير المولى في هدي التمتّع الواجب على المأذون وسيأتي ، وهو لا يخلو عن قوّة . والشيخ حمل هذا الخبر في التهذيب على العبد الغير المأذون في الإحرام، واشترط بعض الأصحاب في ضمان المولى إذنه للعبد في فعل المحظورات، واستوجهه العلّامة في المنتهى (4) وحكاه عن الشافعيّ . (5) وأمّا هدي التمتّع الواجب عليه فذهب الأصحاب إلى تخيير المولى بين الذبح عنه وبين أمره بالصوم . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن سعد ابن أبي خلف، قال : سألت أبا

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 309.
2- .المبسوط، ج 1، ص 328.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 383، ح 1335؛ الاستبصار، ج 2، ص 216، ح 742؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 105، ح 17348.
4- .منتهى المطلب، ج 2، ص 651 652.
5- .فتح العزيز، ج 8 ، ص 25؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 54.

ص: 576

الحسن عليه السلام قلت : آمر مملوكي أن يتمتّع؟ فقال : «إن شئت فاذبح عنه، وإن شئت فمره فليصم» . (1) وفي الصحيح عن جميل بن درّاج، قال : سأل رجل أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أمر مملوكه بأن يتمتّع، قال : «فمره فليصم، وإن شئت فاذبح عنه» . (2) وفي الموثق عن الحسن العطّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أمر مملوكه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أعليه أن يذبح عنه؟ قال : «لا ؛ لأنّ اللّه يقول : «عَبْدا مَمْلُوكا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ» (3) » . (4) وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على تعيّن الهدي، رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال : سئل عن المتمتّع كم يجزيه؟ قال : «شاة» . وسألته عن المتمتّع المملوك ، فقال : «ما عليه مثل ما على الحرّ» . (5) ثمّ قال : يحتمل هذا الخبر وجهين : أحدهما : أن يكون مملوكاً ثمّ اُعتق قبل أن يفوته أحد الموقفين، فإنّه يجب عليه الهدي؛ لأنّه أجزأ عنه . والوجه الآخر : أنّ المولى إذا لم يأمر عبده بالصوم إلى يوم النفر الأخير؛ فإنّه يلزمه أن يذبح عنه ولا يجزيه الصوم . واستشهد له بخبر عليّ بن أبي حمزة حملاً للغلام فيه على العبد (6) ، فتأمّل .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200، ح 666، و ص 482، ح 1714؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 924؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 83 ، ح 18654.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200 201، ح 667؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 925؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 83 ، ح 18653.
3- .النحل (16) : 75 .
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 200، ح 665، و ص 482، ح 1713؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 923؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 84 ، ح 18655.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 201، ح 668؛ الاستبصار، ج 2، ص 262، ح 926؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 85 ، ح 18657.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 201، ح 669؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 85 ، ح 18657.

ص: 577

باب الرجل يموت صرورة أو يوصي بالحجّ

وقد سبق بعض أحكام حجّ الصبيان والمماليك في باب ما يجزي عن حجّة الإسلام وما لا يجزي عنه .

باب الرجل يموت صرورة أو يوصي بالحجّفيه مسائل :الاُولى : من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام مع وجوبها عليه فلا خلاف بين الأصحاب في وجوب إخراج الحجّ من أصل تركته، وصّى به أم لا ، وهو مقدّم على الإرث كالدَّين . ويدلّ عليه حسنتا معاوية بن عمّار (1) ، وخبر بريد (2) ، وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثمّ وقع ذلك، وليس له شغل يعذره اللّه فيه، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، فإن كان موسرا وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمرٍ يعذره اللّه فيه، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» ، وقال : «يقضى عن الرجل حجّة الإسلام من جميع ماله» . (3) وصحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة الإسلام ويترك مالاً ، قال : «عليه أن يُحجّ عنه من ماله رجلاً صرورة لا مال له» . (4) وصحيحة محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، يحجّ عنه؟ قال : «نعم» . (5) وموثّقة سماعة بن مهران، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يموت ولم يحجّ حجّة

.


1- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 403 404، ح 1405؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص26، ح 14152، و ص 63، ح 14248.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ح 42؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 71 72، ح 14268.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ح 43؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 72، ح 14269.

ص: 578

الإسلام ولم يوص بها وهو موسر، فقال : «يحجّ عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك» . (1) ولا ينافي ذلك ما ورد في آخر حسنة معاوية (2) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يترك إلّا بقدر نفقة الحجّ فورثته أحقّ بما ترك، إن شاؤوا حجّوا عنه، وإن شاؤوا أكلوا» (3) ؛ لأنّهما واردان فيمن لم يستقرّ الحجّ عليه . وأمّا ما ورد من أنّه يخرج من الثلث مع الوصيّة فمحمول على الحجّ المندوب ، رواه الشيخ عن محمّد بن الحسين بن أبي خالد، قال : سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهماً، فقال : «يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء» . (4) وقد اختلفت العامّة فيه، فذهب الشافعيّ والحنبليّ إلى ما ذهبنا إليه . وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط وجوب الحجّ بالموت، وإن أوصى بها فهو كسائر الوصايا من الثلث ، محتجّين بأنّهما عبادة بدنيّة، فيسقط بالموت كالصلاة . واُجيب بمنع الحكم في المقيس عليه ، ثمّ بالفرق، فإنّ الصلاة لا تدخلها النيابة في الحياة بخلاف الحجّ ، وقد ورد في طريقهم أيضاً ما يدلّ على وجوب القضاء عن الميّت ، فعن ابن عبّاس: أنّ امرأة سألت النبيّ صلى الله عليه و آله عن أبيها مات ولم يحجّ ، قال : «حجّي عن أبيك» . (5) وعنه : أنّ امرأة نذرت أن تحجّ فماتت، فأتى أخوها النبيّ صلى الله عليه و آله فسأله عن ذلك، فقال :

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ح 41، و ص404، ح 1406؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 72، ح 14271.
2- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1412؛ الاستبصار، ج 2، ص 318، ح 1127؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 46 47، ح 14201.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 408، ح 1420؛ و ج 9، ص 226، ح 889 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 319، ح 1129؛ و ج 4، ص 137، ح 514؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 171، ح 14550.
5- .اُنظر: المجموع للنووي، ج 7، ص 112 و 139؛ فتح العزيز، ج 7، ص 44؛ المغني، ج 3، ص 195 196؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 188؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج 9، ص 98؛ عمدة القاري، ج 9، ص 126؛ منتهى المطلب، ج 2، ص 871 . و الحديث في سنن النسائي، ج 5، ص 117؛ و المعجم الأوسط، ج 6، ص 87 ؛ و المعجم الكبير، ج 18، ص 284؛ طبقات المحدّثين بأصبهان، ج 3، ص 352.

ص: 579

«أرأيت لو كان على اُختك دَين، أكنتَ قاضيه؟ قال : نعم ، قال : «فاقضوا اللّه فهو أحقّ بالقضاء» . (1) وهل تجب الاستنابة من الميقات أو من بلده؟ ففيه خلاف ستعرفه . الثانية : إذا أوصى بحجّة فإن كانت حجّة الإسلام فمن صلب المال، وإن كانت نافلة فمن ثلثه إذا كان ما أوصى به بقدر اُجرة المثل أو أقلّ، إجماعاً. ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل مات فأوصى أن يحجّ عنه، قال : «إن كان صرورة فمن جميع المال، وإن كان تطوّعاً فمن ثلثه» . (2) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام مثل ذلك، وزاد فيه : «فإن أوصى أن يحجّ عنه رجل فليحجّ ذلك الرجل» . (3) وصحيحة عليّ بن رئاب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام، فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً ، قال : «يحجّ عنه من بعض المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قرب» . (4) وصحيحة الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «وإن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحجّ عنه من بعض المواقيت» . (5) وخبر سماعة، قال : سألته عن رجل أوصى عند موته أن يحجّ عنه فقال : «إن كان قد

.


1- .مسند أحمد، ج 1، ص 239_ 240؛ سنن الدارمي، ج 2، ص 24؛ و ص 183؛ صحيح البخاري، ج 8 ، ص 150؛ سنن النسائي، ج 5، ص 116؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 322_323، ح 3612؛ مسند الطيالسي، ص 341؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 346؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 335، و ج 6، ص 274. و في الجميع: «أحق بالوفاء».
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 404، ح 1409؛ و ج 9، ص 228، ح 895 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 66، ح 14255، و ج 11، ص 385، ح 24758.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1410؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 66 67، ح 14256.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1411؛ و ج 9، ص 227، ح 893 ؛ الاستبصار، ج 2، ص 318، ح 1128؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 116، ح 14538.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1410، و الظاهر أنّ هذه العبارة من كلام الشيخ ذيل الحديث و استشهد له بحديث ابن رئاب المتقدّم.

ص: 580

حجّ فليؤخذ من ثلثه، وإن لم يكن حجّ فمن صلب ماله لا يجوز غيره» . (1) ورواية الحارث بيّاع الأنماط: أنّه سمع أبا عبداللّه عليه السلام وسئل عن رجل أوصى بحجّة ، فقال : «إن كان صرورة فمن صلب ماله، إنّما هي دين عليه، فإن كان قد حجّ فمن الثلث». (2) وإن كان زائدا على اُجرة المثل فظاهر الأخبار أنّه أيضاً كذلك، وهو مقتضى إطلاق كلام الشيخ في التهذيب (3) ، والمشهور إخراج الزائد منها من الثلث، بل لم أرَ مخالفاً له صريحاً . الثالثة : يدلّ موثّق إسحاق (4) ومرسل الحسين بن عثمان (5) على إجزاء حجّ النائب عن المنوب عنه إذا مات في الطريق ، ولا خلاف فيه إذا كان الموت بعد الإحرام ودخول الحرم، وربّما قيل بإجزائه بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم ، وأمّا قبل الإحرام فهو غير مجزٍ قطعاً، وقد سبق القول فيه . الرابعة : يدلّ ذلك الموثّق على أنّ النائب إذا أفسد الحجّ فأكمله ثمّ قضى ما عليه برئت ذمّة المنوب [عنه] . ومثله ما رواه الشيخ في أبواب الزيادات من التهذيب من موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل حجّ عن رجل، فاجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة، قال : «هي للأوّل تامّة وعلى هذا ما اجترح» . (6) وإطلاقهما يقتضي الإجزاء المنوب عنه مطلقاً، ولا خلاف في ذلك إذا كانت الإجارة مطلقة غير مقيّدة بعام الإفساد، وإلّا فعلى المشهور يبني الإجزاء على كون الفاسد فرضاً والقضاء عقوبة، ولو قلنا بالعكس فلا يجزي ما فعله عن المنوب [عنه]، بل يجب عليه إعادة الاُجرة وإن وجب عليه إتمام الفاسد والقضاء ، ولعلّ إطلاق

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 227، ح 891 ؛ وسائل الشيعة، ج 19، ص 358، ح 24757.
2- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 229، ح 898 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 67، ح 14259.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 15، ذيل الحديث 40.
4- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
5- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1606؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 185، ح 14582.

ص: 581

الإجزاء في الخبر يدلّ على الأوّل . وذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط إلى أنّ الحجّ الفاسد والقضاء كليهما عن النائب نفسه ، ثمّ إن كانت الإجارة مطلقة يجب عليه حجّ ثالث للمنوب عنه، وإلّا فيعيد الاُجرة . والظاهر أنّه كذلك على القولين ، ففي المبسوط: «فإن استأجر للحجّ والعمرة فأحرم عنه به ثمّ أفسده انقلب إليه ولا اُجرة له» (1) وقد قال قبل ذلك : وإن أفسد يعني الأجير الحجّة وجب عليه قضاؤها عن نفسه، وكانت الحجّة باقية عليه، ثمّ ينظر فيها فإن كانت معيّنة انفسخت الإجارة ولزم المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه فيها، وإن لم تكن معيّنة بل تكون في الذمّة لم ينفسخ، وعليه أن يأتي بحجّة اُخرى في المستقبل عمّن استأجره بعد أن يقضي الحجّة التي أفسدها عن نفسه، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه، والحجّة الأولى مفسودة لا تجزي عنه، والثانية قضى بها عن نفسه، وإنّما يقضي عن المستأجر بعد ذلك على ما بيّناه . (2) وفي الخلاف مثله على ما حكي عنه في المنتهى، (3) فقد حكى عنه أنّه قال : إذا أحرم الأجير بالحجّ عن المستأجر انعقد عمّن أحرم عنه، فإن أفسد الأجير الحجّ انقلب عن المستأجر إليه وصار محرماً بحجّة عن نفسه فاسدة، فعليه قضاؤها عن نفسه، والحجّ باق عليه للمستأجر يلزمه أن يحجّ عنه فيما بعد إن كانت الحجّة في الذمّة، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة؛ لأنّه لا دليل على ذلك. وإن كانت معيّنة انفسخت الإجارة، وكان على المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه. (4) وإليه ذهب الشافعية ؛ ففي العزيز: إذا جامع الأجير، فسد حجّه وانقلب إلى الأجير، فتلزمه الكفّارة والمضيّ في الفاسد والقضاء، ووجهه أنّه أتى بغير ما أمر به، فإنّ المأمور به الحجّ الصحيح والمأتي به الفاسد .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 325.
2- .المبسوط، ج 1، ص 322.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 865 . في هامش الأصل: «إنّا قلنا ذلك لأنّ في نسخة الخلاف التي عندي ليس قوله: «و صار محرما» إلى قوله: «يلزمه أن يحجّ عنه»، حينئذٍ ليس كلامه صريحا فيما حكينا عنه، و إن كان ظاهره ذلك، و لعلّ فيه سقط من قلم الناسخ. منه عفي عنه».
4- .الخلاف، ج 2، ص 388، المسألة 239.

ص: 582

وروى [صاحب التهذيب] عن المزنيّ أنّه لا ينقلب إلى الأجير، بل يقع الفاسد والقضاء جميعاً عن المستأجر ، وفي هذا تسليم بوجوب القضاء، لكن الرواية المشهورة عنه أنّه لا انقلاب ولا قضاء ؛ أمّا أنّه لا انقلاب فلأنّ الإحرام قد انعقد عن المستأجر ولا ينقلب إلى غيره ، وأمّا أنّه لا قضاء فلأنّ من له الحجّ لم يفسده فلا يؤثّر فعل غيره فيه . وإذا قلنا بظاهر المذهب فإن كانت الإجارة على العين انفسخت، والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه ، وإن كانت في الذمّة لم تنفسخ، وعمّن يقع القضاء فيه وجهان ، وقيل: قولان : أحدهما : عن المستأجر؛ لأنّه قضاء الأوّل ولولا فساده لوقع عنه، وأصحّهما عن الأجير ؛ لأنّ القضاء يحكي عن الأداء، والأداء واقع عن الأجير فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجّة اُخرى للمستأجر فيقضي عن نفسه، ثمّ يحجّ عن المستأجر في سنة اُخرى أو ينيب من يحجّ عنه في تلك السنة . (1) الخامسة : إطلاق خبر بريد (2) يقتضي أن يجب على المستودع استيجار من يحجّ عن المودّع من الوديعة إذا علم أنّه لم يحجّ مع وجوبه عليه من غير حاجة إلى إذن الوارث والحاكم مطلقاً. وقيّده الأكثر بما إذا علم المستودع أو ظنّ أنّ الورثة لا يؤدّون الحجّ عنه على تقدير علمهم بذلك المال، محتجّين بأنّ للوارث أن يحجّ بنفسه، وربما تيسّر له الاستيجار بدون اُجرة المثل فلابدّ من إذنه، وربّما اعتبر عدم التمكّن من الحاكم وإذنه؛ لأنّ ولاية إخراج ذلك قهرا إليه، بل قيل بافتقاره إلى إذن الحاكم مطلقاً لما ذكر، فلا يستأجر مع عدم التمكّن من إذنه بل يدفعه إلى الوارث، وهؤلاء منعوا إطلاق الخبر بالنظر إلى إذنه مستندا بتضمّنه لإذنه عليه السلام لبريد بالاستنابة ، فتأمّل . السادسة : أجمع الأصحاب على عدم جواز نيابة من وجب عليه الحجّ عن غيره . ويدلّ عليه أخبار متكثّرة قد سبق أكثرها، ولو استنيب فلا يجزي حجّه عن المنوب عنه؛ لاستلزام النهي في العبادة للفساد ، وقد صرّح به الأكثر منهم الشيخ في التهذيب. (3)

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 65 67.
2- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 410.

ص: 583

باب المرأة تحجّ عن الرجل

ولم أجد قائلاً صريحاً بالإجزاء . نعم ، هو ظاهر المصنّف حيث ما ذكر ممّا يتعلّق بهذه المسألة إلّا صحيحة سعد بن أبي خلف (1) ، وفيها تصريح بالإجزاء عن الصرورة وإن كان للنائب مال . والعجب أنّ الشيخ قدس سره احتجّ على المذهب المنصور بهذه الصحيحة حيث ذكرها في ذيل الأخبار الدالّة عليه ، ثمّ قال : وأمّا ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن عقبة، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قط حجّ عن صرورة لم يحجّ قط، أيجزي كلّ واحد منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام أم لا؟ بيّن لي ذلك يا سيّدي إن شاء اللّه ، فكتب عليه السلام : «لا يجزي ذلك» ، فمحمول على أنّه إذا كان للصرورة مال؛ لأنّه متى كان الأمر على ما ذكرناه لم يجزئ عنه ذلك وقد رويناه في خبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، ويحتمل أيضاً أن يكون قوله عليه السلام : «لا يجزي ذلك» ، يعني عن الذي يحجّ إذا أيسر؛ لأنّ من حجّ عن غيره ثمّ أيسر واجب عليه الحجّ . (2) فتأمّل . قوله في حسنة معاوية : (ولم يترك إلّا قدر نفقة الحمولة) [ح 1 / 7067] الحمولة بالفتح: الإبل التي تحمل وكلّ ما يُحمل عليه من حمار أو غيره، سواء كانت الأحمال عليه أم لا . (3)

باب المرأة تحجّ عن الرجلالمشهور بين أهل العلم جواز نيابة المرأة من غير كراهية مطلقاً ولو كانت صرورة وكان المنوب رجلاً إذا كانت عارفة بمعالم الحجّ أو كان معها معلِّم عارف بها؛ لإطلاق

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 411، ح 1430 و ذيله.
3- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1678 (حمل).

ص: 584

أكثر الأخبار وعمومها، وخصوص حسنة معاوية (1) وصحيحة رفاعة (2) ، وما رواه الشيخ في باب الوصايا في الصحيح عن حكم بن حكيم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يحجّ الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، والمرأة عن المرأة» . (3) وما روته العامّة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر المرأة أن تحجّ عن أبيها . (4) وعن ابن عبّاس: أنّ امرأة من خثعم قالت : يارسول اللّه ، انّ فريضة اللّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجّ عنه؟ قال : «نعم» . (5) وقيّدها الشيخ في المبسوط (6) والنهاية (7) بغير الصرورة، وإليه ذهب في التهذيب (8) ، واحتجّ عليه بخبر مصادف (9) ، وأكّده بما رواه عن زيد الشحّام عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : «يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، ولا تحجّ المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة». (10) ولايبعد القول بكراهة نيابة الصرورة كما قال به الشهيدان قدّس سرّهما (11) ؛ للجمع .

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 229، ح 900؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 177، ح 11565.
4- .كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 133؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 184؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 184.
5- .مسند أحمد، ج 1، ص 346؛ صحيح البخاري، ج 2، ص 140 و 218؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 101؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 406 407، ح 1809؛ سنن النسائي، ج 5، ص 118_ 119؛ وج 8 ، ص 228؛ و السنن الكبرى له أيضا، ج 2، ص 325، ح 3621؛ و ج3، ص 471 472، ح 5955؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 342؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4، ص 328.
6- .المبسوط، ج 1، ص 326. وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 318 .
7- .النهاية، ص 279 280.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 413، ح 1436؛ الاستبصار، ج 2، ص 322، ح 1142؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 177، ح 14566.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1439؛ الاستبصار، ج 2، ص 323، ح 1143؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 173، ح 14555، و ص 178، ح 14569.
11- .اللمعة الدمشقيّة، ص 55 و فيه: «يستحبّ... ترك نيابة المرأة الضرورة...»؛ شرح اللمعة، ج 2، ص 196.

ص: 585

باب من يعطى حجّة مفردة فيتمتّع أو

وبها يشعر خبر سليمان بن جعفر، قال : سألت الرضا عليه السلام عن امرأة صرورة ، قال : «لا ينبغي» (1) مع ضعف الأوّل بمصادف، فقد ضعّفه [ابن] الغضائريّ (2) والمحقّق الاسترآباديّ في رجاله ، ونقل عن العلّامة (3) ، واشتراك المفضّل في طريق الثاني بين عدّة من الضعفاء (4) ، بل لا يبعد القول بكراهة نيابتها عن الرجل مطلقاً وإن لم تكن صرورة، كما هو أحد وجهي الجمع للشيخ حيث روى في باب وصيّة الإنسان لعبده من التهذيب عن عبيد بن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه ، هل يجزي أن يحجّ عنه امرأة ؟ قال : «لا ، كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان؟» قال : «إنّما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل» ، وقال : «لا بأس أن يحجّ الرجل عن المرأة» (5) ، ثمّ قال : قال محمّد بن الحسن ما تضمّن هذا الخبر من أنّ المرأة لا يجزي حجّها عن الرجل يحتمل أن يكون أراد مع وجود الرجل أو أراد به ضرباً من الكراهة دون الحظر؛ لأنّا قد بيّنا في كتاب الحجّ جواز حجّ المرأة عن الرجل. وأيّده بصحيحة حكم بن حكيم (6) المتقدّمة، وحكاه في المنتهى (7) عن الحسن بن صالح . (8)

باب من يعطى حجّة مفردة فيتمتّع أو يخرج من غير الموضع الذي يشترطفيه مسألتان :الاُولى : إطلاق صحيح أبي بصير (9) يقتضي جواز عدول النائب عن الإفراد المشترط

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1440؛ الاستبصار، ج 2، ص 323، ح 1144؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 179، ح 14571.
2- .رجال ابن الغضائري، ص 90، الرقم 124.
3- .خلاصة الأقوال، ص 412.
4- .اُنظر: رجال النجاشي، ص 416، الرقم 1112؛ رجال ابن الغضائري، ص 87 88 ، الرقم 117 و 118؛ خلاصة الأقوال، ص 407.
5- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 229، ح 899 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 179، ح 14570.
6- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 229، ح 900؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 177، ح 14565.
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 861 ؛ و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 118، المسألة 91.
8- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 184.
9- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب.

ص: 586

إلى التمتّع، سواء كان الحجّ نفلاً أم فرضاً، حجّة الإسلام أو غيرها، وهو ظاهر المصنّف «قدّس سرّه» وظاهر الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2) ، واحتجّ عليه في الخلاف بإجماع الطائفة المحقّة والنصّ، وهو واضح على القول بجواز ذلك العدول للأصل في حجّة الإسلام ، وأمّا على القول بعدمه فيشكل الإطلاق على أ نّه معارض بخبر عليّ وهو ابن رئاب في رجل أعطى رجلاً دراهم يحجّ بها عنه حجّة مفردة، قال : «ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، لا يخالف صاحب الدرهم» (3) ، ولذلك قيّده الأكثر بما إذا تخيّر المنوب عنه بين أنواع الحجّ، وقيّده المحقّق بذلك، أو بما إذا علم من قصد المستأجر الإتيان بالأفضل ، (4) والعلّامة في المنتهى بهما معاً، فقال : والذي نختاره أنّه إن كان الحجّ عليه واجباً فلابدّ من تعيينه عليه، فيجب على الأجير متابعته في شرطه وإن كان غير واجب عليه ، وعلم من قصد المستأجر الإتيان بالأفضل وإن لم يضّمنه العقد، فإنّه يجوز له العدول إلى الأفضل؛ لأنّه كالمنطوق به . (5) وبه قال الشهيد أيضاً في الدروس (6) ، وربّما قيّد بما إذا تعيّن التمتّع على المنوب، وهو أحد وجهي الجمع للشيخ بين الخبرين حيث نقل أوّلاً تلك الصحيحة ثمّ هذه المقطوعة ، ثمّ قال : وأوّل ما فيه أنّه حديث موقوف غير مسند إلى أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام ، وما هذا حكمه من الأخبار لا يترك لأجله الأخبار المسندة ، والحديث الأوّل مسندٌ والأخذ به أولى، ولو سلّم من ذلك كان محمولاً على من أعطى غيره حجّة من قاطني مكّة والحرم ؛ لأنّ من هذا حكمه ليس عليه التمتّع، فلا يجوز لمن حجّ عنه أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، والحديث الأوّل يكون متناولاً لمن يجب عليه التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فحجّ عنه كذلك،

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 392، المسألة 248، فأنّه صرّح فيه بالإجزاء، و كذا فى المبسوط.
2- .المبسوط، ج1، ص 324.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 416، ح 1447؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 182، ح 14578.
4- .شرائع الإسلام، ج 1، ص 170.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 867 .
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 322، الدرس 84 .

ص: 587

فإنّه يجزيه وإن كان قد أمر بالإفراد . (1) هذا ، وظاهر التعليل في الخبر يعطي جواز عدوله عن الإفراد إلى القران، وعن القران إلى التمتّع أيضاً، وهو ظاهر الدروس (2) ، وصريح المبسوط (3) ، وصرّح به في النهاية (4) في الثاني معلّلاً بأنّه عدول إلى الأفضل، وهو مشعر بتجويزه ذلك في الأوّل أيضاً ، وللعامّة تفصيل آخر؛ لجواز عدوله بناءً على ما حكيناه عنهم في تفضيل أنواع الحجّ بعضها على بعض . وأمّا عدوله عن الأفضل فغير مجوّز إجماعاً ، ثمّ الظاهر استحقاق الأجير للاُجرة على تقدير العدول الجائز، وبه صرّح جماعة من الأصحاب . وقال العلّامة في المنتهى : فعلى قول الشيخ رحمه الله إذا أتى بالتمتّع كان له الاُجرة؛ لأنّه زاده على ما أمر به . (5) وأمّا على ما اخترناه فإن علم منه التخيير فإنّه يستحقّ الاُجرة بأيّ الأنواع أتى، وإن لم يعلم منه ذلك فإنّ الحجّ يقع عن المنوب عنه بنيّة النائب . وأمّا الاُجرة ففي استحقاقها إشكال من حيث إنّه تبرّع بفعل ذلك النوع، فلا يستحقّ به أجرا كما لو عمل له عملاً لم يأذن له فيه، بخلاف ما إذا علم من قصده التخيير، فإنّه حينئذٍ يقصد حجّاً مطلقاً لا معيّناً، فاستحقّ الاُجرة؛ لأنّه بأيّ الأنواع أتى يكون قد فعل المأمور به، لأنّ المعلوم من القصد كالمنطوق . الثانية : إطلاق خبر حريز (6) ، وقد رواه الشيخ (7) في الصحيح عنه يعطي جواز عدول النائب عن الطريق المشترط إلى غيره مطلقاً، وهو ظاهر جمع من الأصحاب منهم

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 867 .
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 416، ذيل الحديث 1447.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 322.
4- .المبسوط، ج 1، ص 324.
5- .نكت النهاية، ج 1، ص 550.
6- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415، ح 1445؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 181، ح 14576.

ص: 588

الشيخ في المبسوط (1) والنهاية (2) والتهذيب (3) ، ونسبه في المدارك (4) إلى المقنعة، ولم أجد المسألة فيها ، وقيّده الأكثر بما إذا لم يتعلّق الغرض به ، وبه قال الشيخ في الخلاف (5) ، وربّما اعتبر في الجواز العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق ، وعدّه صاحب المدارك (6) أظهر . وعلى الأوّل فالظاهر استحقاق الأجير لتمام الاُجرة حيث فعل ما هو الفرض الأصلي من الاستيجار، وهو الإتيان بأفعال الحجّ ومناسكه ، وبه صرّح جماعة منهم الشيخ في المبسوط (7) ، وإليه ذهب العلّامة في المنتهى (8) فيما لو لم يتعلّق الغرض بذلك الطريق ، وتردّد في غيره ، بل مال إلى رجوع المستأجر عليه بالتفاوت في اُجرة الطريقين، وجزم بذلك الرجوع في التحرير. (9) وفي المدارك: «ونصّ العلّامة في المختلف على وجوب ردّ التفاوت مع تعلّق الغرض بالطريق المعيّن». (10) ولم أجد المسألة فيه . وربّما قيل بعدم استحقاقه شيئاً مع حكمهم بإجزائه عن المنوب بناءً على أنّه لم يفعل ما وضعت الاُجرة عليه . وحكي عن العلّامة أنّه أوجب في التذكرة على الأجير ردّ التفاوت بين الطريقين إن كان ما سلكه أسهل ممّا استؤجر عليه؛ معلّلاً بأنّ العادة قاضية بنقصان اُجرة الأسهل عن اُجرة الأصعب . 11

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 867 .
2- .المبسوط، ج 1، ص 325.
3- .النهاية، ص 278.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415.
5- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 122 123.
6- .اُنظر: الخلاف، ج 2، ص 391، المسألة 246.
7- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 123.
8- .تحرير الأحكام، ج 2، ص 95 96.
9- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 124؛ مختلف الشيعة، ج4، ص 328.
10- .تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 139 140.

ص: 589

باب مَن يوصي بحجّة فيحجّ عنه من غير موضعه أو

وعلى الأخيرين فلو خالف الأجير أجزأ حجّه عن المنوب، ولكن لا يستحقّ تمام الاُجرة بل ينصرف إلى اُجرة المثل على ما صرّح به بعضهم، ويحتمل استحقاقه هنا أيضاً تمام الاُجرة ؛ لأنّه قد فعل ما هو المقصود بالأصالة من الاستيجار (1) ، فتأمّل .

باب مَن يوصي بحجّة فيحجّ عنه من غير موضعه أو يوصي بشيء قليل للحجّاختلف في أنّه مع سعة مال الميّت، هل يجب استيجار حجّة الإسلام له من بلد الموت، أم يكفي من أدنى المواقيت؟ المشهور بين الأصحاب (2) منهم الشيخ قدس سره في الخلاف (3) والمبسوط (4) هو الثاني ، وبه قال الشافعيّة (5) ، وهو قوي؛ لأصالة عدم وجوب الاستيجار من موضع الموت، وعدم دليل يعتدّ به عليه . ويدلّ عليه خبر زكريا بن آدم (6) ، ويؤيّده خبر ابن مسكان (7) والشرطيّة التي ذكرها عليه السلام في صحيحة حريز بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أعطى رجلاً حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، قال : «لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد أتمّ حجّه» . (8) وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية (9) والشهيد (10) وابن إدريس (11) إلى الأوّل .

.


1- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 124.
2- .اُنظر: مدارك الأحكام، ج 7، ص 84 .
3- .الخلاف، ج 2، ص 255، المسألة 18.
4- .المبسوط، ج 1، ص 301.
5- .المغني، ج 3، ص 196؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 188.
6- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
7- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
8- .هذا هو الحديث الثاني من الباب المتقدّم من الكافي؛ و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 415، ح 1445؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 181، ح 14576، و فى الجميع: «فقد تمّ حجّه».
9- .النهاية، ص 283، باب آخر من فقه الحجّ.
10- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 323، الدرس 84 .
11- .السرائر، ج 1، ص 647 649.

ص: 590

واحتجّ عليه في السرائر بتواتر الأخبار عليه، وبوجوب قطع المسافة ونفقة الطريق جميعاً على المنوب، فيلزم نفقته بعد الموت بناءً على عدم سقوط الميسور بالمعسور . وفيه منع وجوب نفقة الطريق عليه، ومن ثمّ أجزأه ولو حجّ متسكّعاً أو في ضيافة غيره. ولو سلّم فإنّما هو لتوقّف قطعه عليها، وقطعه إنّما كان واجباً عليه للتوصّل فلا يجب إذا لم يتوقّف التوصّل عليه، ومن ثمّ أجزأ الحجّ من الميقات لو حضره من وجب عليه بغير قصد له . ودعوى تواتر الأخبار عليه غير مسموعة ، فإنّا لم نجد ما يدلّ عليه صريحاً سوى خبر البزنطيّ عن محمّد بن عبداللّه (1) ، وصحّته غير معلومة؛ لاشتراك محمّد بن عبداللّه . نعم ، يستفاد ذلك من مفهوم خبري عمر بن يزيد المذكورين في هذا الباب (2) وفي الباب الآتي (3) وصحيحة ابن رئاب (4) ، ومن صحيحة الحلبيّ عن أبي عبداللّه عليه السلام المتقدّمة حيث قال عليه السلام : «وإن أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحجّ عنه من بعض المواقيت» . (5) ودلالة المفهوم ضعيفة لا سيما إذا عارض المنطوق . على أنّ حمله على الاستحباب طريق الجمع، كما صرّح به في المنتهى . (6) ثمّ اختلف هؤلاء إذا ضاق المال عن اُجرة بلد الموت مع سعتها من بعض الطريق ، فعن ابن إدريس (7) إجزاؤه من أدنى المواقيت، كما هو ظاهر صحيحتي الحلبيّ وابن رئاب وبعض آخر ممّا ذكر من الأخبار . وأوجب الشهيد (8) الاستيجار من الطريق من

.


1- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب.
3- .هو الحديث الثالث من ذلك الباب.
4- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 405، ح 1410؛ و الظاهر أنّ هذه العبارة من كلام الشيخ ذيل حديث الحلبي، و استشهد له بحديث عليّ بن رئاب.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 871 .
7- .السرائر، ج 1، ص 516.
8- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 316، الدرس 82 .

ص: 591

حيث أمكن لخبر البزنطيّ، فقد حصل في المسألة أقوال ثلاثة، وهذا هو معنى قول المحقّق قدس سره : «ويقضي الحجّ من أقرب الأماكن، وقيل : يستأجر من بلد الميّت ، وقيل : إن اتَّسع المال فمن بلده ، وإلّا فمن حيث يمكن» . (1) هذا ، وظاهر أكثرهم عدم الإجزاء مع المخالفة ، وصرّح الشهيد بالإجزاء حيث قال في الدروس : «ولو قضى مع السعة من الميقات أجزأ، وإن أثم الوارث ويملك المال الفاضل، ولا يجب صرفه في نسك أو بعضه أوفي وجوه البرّ» . (2) هذا كلّه إذا لم يوص بالحجّ أو أوصى به من غير تعيين للاُجرة ، وأمّا إذا عيّنها فإن وسعت البلد وجب الاستيجار منه قولاً واحدا إن خرج الزائد من اُجرة الميقات عن الثلث إذا جاز الوارث، وإلّا فمن قال ثمّة بوجوبه من البلد قال هنا أيضاً بذلك؛ لما مرّ ، ومن لم يقل بذلك ثمّة قال بعضهم يستأجر من حيث أمكن لخبر ابن مسكان . (3) وما رواه الشيخ عن عبداللّه بن بكير عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أوصى بمال في الحجّ، فكان لا يبلغ ما يحجّ به من بلاده، فقال : «فيعطى في الموضع الذي يبلغ أن يحجّ به عنه» . (4) ويؤيّدهما خبر البزنطيّ (5) ، وما يرويه المصنّف في الباب الآتي عن عمر بن يزيد (6) ، والمشهور بينهم إجزاؤه من أقرب المواقيت؛ لما مرّ . وأمّا الحجّ المندوب فمع عدم تعيين الاُجرة يجزي من الميقات إجماعاً إلّا مع نصّ الموصي على البلد أو دلالة القرائن عليه، فيعتبر الثلث أو إجازة الوارث، ومع تعيينها فإن كان بقدر الثلث أو أقلّ صحّت الوصيّة ويستأجر من حيث وفى من البلد أو من

.


1- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 316، الدرس 82 .
3- .شرائع الإسلام، ج1، ص 167.
4- .تهذيب الأحكام، ج 9، ص 227، ح 892 ؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 166_ 167، ح 14539.
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
6- .هو الحديث الثالث من هذا الباب.

ص: 592

بعض الطريق، وإن زاد عنه حجّ عنه ممّا احتمله الثلث كذلك إلّا أن يجيز الوارث، فيحجّ عنه بما وصّى به كما ذكر . وقد قال في المندوب بما ذكرنا كلّه جماعة ممّن لم يوجب في الواجب مع عدم الوصيّة بالمال الاستيجار من بلد الموت، والفارق الوصيّة بالمال وعدمها، وبذلك يندفع التنافي بين ما ذكره المحقّق في الشرائع ممّا يدلّ على إجزاء الاستيجار من أقرب المواقيت في الحجّ الواجب من غير تقييد بالوصيّة بالمال، وقد حكيناه، وما ذكره بعده ممّا يدلّ على وجوب الاستيجار من البلد، ثمّ من حيث أمكن من الطريق في المندوب مع الوصيّة به، فقال : إذا أوصى أن يحجّ عنه وعيّن المبلغ، فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقلّ صحّ، واجباً كان أو مندوباً وإن كان أزيد وكان واجباً ولم تجز الورثة، كانت اُجرة المثل من أصل المال والزائد من الثلث، وإن كان ندباً حجّ عنه من بلده إن احتمل الثلث، وإن قصر حجّ عنه من بعض الطريق، وإن قصر عن الحجّ حتّى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر، وقيل: يعود ميراثاً . (1) وفي المسالك: قد تقدّم من المصنّف اختيار أنّ الحجّ الواجب يقضى من الميقات، وهنا أوجب قضاء المندوب من البلد مع اتّساع الثلث له والخلاف واقع فيهما، وإنّما فرّق المصنّف بينهما في الحكم جمعاً بين الدليل الدال على أنّ الطريق لا يحتسب من الحجّ وقد تقدّم، وبين رواية البزنطيّ عن الرضا عليه السلام إلى قوله _ : والأصحّ تساوي الواجب والندب في ذلك. (2) ووجّه في المدارك كلامه الأخير بما يرجع إلى الأوّل، فخصّصه بما إذا نصّ الموصى على إرادة الحجّ من البلد أو تدلّ القرائن عليه كما هو المتعارف ، ثمّ قال : «ومن هنا يظهر عدم المنافاة بين حكم المصنّف بالحجّ من البلد مع الوصيّة والاكتفاء بقضائه بدونها من أقرب الأماكن» (3) ، فتأمّل .

.


1- .شرائع الإسلام، ج1، ص 172.
2- .مسالك الأفهام، ج 2، ص 188 _189.
3- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 150.

ص: 593

باب الرجل يأخذ الحجّة فلا تكفيه أو يأخذها فيدفعها إلى غيره

باب الرجل يأخذ الحجّة فلا تكفيه أو يأخذها فيدفعها إلى غيرهفيه مسألتان :الاُولى : مَن أخذ حجّة لا تكفيه لا يجوز له أن يأخذ حجّة اُخرى في سنة واحدة في الحجّ الواجب لاستحقاق الأوّل منافعه، ويجوز ذلك لسنة اُخرى؛ لعدم المنافاة بين الإجارتين، وإن كانت الإجارة الاولى مطلقة فقد أطلق الشيخ المنع من استيجاره ثانياً على ما حكاه عنه في المدارك (1) ، وهو ظاهره في المبسوط حيث قال : «وإذا أخذ حجّة من غيره لم يجز أن يأخذ حجّة اخرى حتّى يقضي التي أخذها». (2) وهو مبنيّ على انصراف الإطلاق إلى التعجيل، كما صرّح به جماعة منهم الشيخ في ذلك الكتاب، فإنّه قال : «وإن استأجره لحجّة في الذمّة بأن يقول: استأجرتك على أن تحجّ عنّي صحّ العقد واقتضى التعجيل في هذا العام» . (3) والأظهر جواز استيجاره ثانياً مع عدم تنصيص المؤجّرين بعام واحد؛ لعدم دليل يعتدّ به على اقتضاء الإطلاق التعجيل، فيأتي بهما في سنتين. ويجوز تشريك جماعة في أجر حجّة واحدة على أن تكون الحجّة لواحد منهم ؛ للأصل، وانتفاء دليل على عدمه، ولما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل شرك في حجّة (4) الأربعة والخمسة من مواليه ، فقال : «إن كانوا صرورة جميعاً فلهم أجر، ولا يجزي عنهم من حجّة الإسلام، والحجّة للذي حجّ» . (5) وأجمع الأصحاب على أنّه إذا استأجر اثنان رجلاً واحدا ليحجّ عنهما حجّة واحدة،

.


1- .مدارك الأحكام، ج 7، ص 125؛ النهاية، ص 278.
2- .المبسوط، ج 1، ص 326.
3- .المبسوط، ج 1، ص 323.
4- .كذا بالأصل، و في المصادر: «يشرك في حجّته».
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 413، ح 1435؛ الاستبصار، ج 2، ص 322، ح 219؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 175، ح 14559، و ص 203، ح 14626.

ص: 594

فأحرم عنهما لم يصحّ إحرامه عنهما، ولا عن واحدٍ منهما في الواجب . واحتجّ عليه في المبسوط (1) والمنتهى (2) بأنّ الواحدة لا تقع عن اثنين، وليس أحدهما أولى بها من صاحبه، ويظهر من الخلاف (3) وفاق أهل الخلاف أيضاً عليه. وهل ينقلب إحرامه إلى نفسه ؟ ذهب الأصحاب إلى عدمه، واحتجّ عليه في الخلاف والمبسوط بعدم وجود دليل عليه، وبأنّ شرط الإحرام النيّة؛ لقولهم عليهم السلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» . (4) وقال الشافعي : ينقلب الإحرام إليه . (5) وأمّا المندوب فالظاهر جواز النيابة فيه عن متعدّد، فيجوز كلّ من المتعدّد والنائب أجرا، فرجّحه في المنتهى معلّلاً بأنّه طاعة يصحّ النيابة فيها عن واحد، فتصحّ عن اثنين . (6) وإذا عرفت هذا ، فخصّص الحجّ في مرسل محمّد بن إسماعيل (7) بالمندوب أو بالواجب لكن مع جعل أفعل التفضيل فيه بمعنى أصل الفعل، ولعلّه أنسب بهذا الخبر . الثانية : قال الشيخ قدس سره في التهذيب : لا بأس أن يأخذ الرجل حجّة فيعطيها غيره. واحتجّ عليه بخبر عثمان بن عيسى (8) وأراد بذلك ما إذا لم يكن أجيرا خاصّاً ، وقد صرّح بذلك في المبسوط، بل ظاهره فيه أنّه إنّما جاز ذلك إذا صرّح المستأجر باستيجاره غيره إن شاء، فقد قال : «وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه فليس له أن يستأجر غيره في تلك المستنابة، فإن فوّض الأمر إليه في ذلك جاز أن يتولّاه بنفسه وأن يستنيب غيره فيه». 9

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 326.
2- .المبسوط، ج 1، ص 323.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 869 .
4- .الخلاف، ج 2، ص 388، المسألة 240.
5- .مسائل عليّ بن جعفر، ص 346، ح 852 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1، ص 83 ، ح 218، و ج 4، ص 186، ح 518 و 519.
6- .فتح العزيز، ج 7، ص 216؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 138؛ روضة الطالبين، ج2، ص 338؛ وسائل الشيعة، ج 1، ص 48، ح 88 و 89 و 92؛ ج 6، ص5، ح 7197 و 7198.
7- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 416_ 417، ح 1449؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 184، ح 14580.

ص: 595

باب الحجّ عن المخالف

فعلى هذا ينصرف الإطلاق إلى تولّيه إيّاه بنفسه . قوله في خبر عمر بن يزيد : (رجل أوصى بحجّة) إلخ .[ح 3 / 7086] الأنسب ذكر هذا الخبر في الباب السابق، وقد سبقت الإشارة إليه .

باب الحجّ عن المخالفاشتهر بين الأصحاب عدم جواز النيابة في الحجّ عن مطلق المخالف للحقّ، حكم بكفره كالخوارج والنواصب والغلاة والمجسّمة وأضرابهم أم لا كسائر فرق المخالفين، واستثناء الأب عنهم وإن كان ناصباً معلناً لعداوة أهل البيت عليهم السلام . ولم أجد خبرا صريحاً في المنع في غير الأب، إلّا ما رواه المصنّف في الباب من حسن وَهب (1) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح (2) ، وخبر عليّ بن مهزيار (3) ، وقد عبّر فيهما بلفظ الناصب، فذلك القول العام منهم مبنيّ إمّا على إرادة مطلق المخالف من الناصب؛ لشيوع استعماله في هذا المعنى في الحديث، وقد ورد عنهم عليهم السلام : «أنّ الناصب من نصب العداوة لشيعتهم» (4) ، يعني من حيث التشيّع . وإمّا على كفر مطلق المخالف على ما دلّ عليه الأخبار المتظافرة بل المتواترة (5) ، وانعقاد الإجماع على عدم صحّة النيابة عن الكافر في مطلق العبادات، كما احتجّ به الشيخ (6) على ما حكى عنه في المختلف . (7)

.


1- .هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414، ح 1441؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 192، ح 14599.
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- .ثواب الأعمال، ص 207 عقاب الناصب و الجاحد لأميرالمؤمنين عليه السلام و الشاكّ فيه و المنكر له؛ صفات الشيعة، ص 9؛ علل الشرائع، ص 601؛ الباب 385 نوادر العلل، ح 60؛ معاني الأخبار، ص 365، باب معني الناصب؛ وسائل الشيعة، ج 9، ص 486، ح 12548؛ و ج 24، ص 274، ح 30530.
5- .اُنظر: الحدائق الناضرة، ج 5، ص 177.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414. وانظر: المبسوط، ج 1، ص 326؛ النهاية، ص 280.
7- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 322.

ص: 596

باب

وقد احتجّ بذلك أيضاً على عدم غسل مطلق المخالف وتكفينه ودفنه والصلاة عليه على ما مرّ، ولذلك بالغ ابن إدريس حيث منع من النيابة عن الأب أيضاً مطلقاً مدّعياً عليه الإجماع، فقد طرح الرواية بناءً على أصله، وقد صرّح بذلك فقال: «إنّ استثناء الشيخ للأب لرواية شاذّة كان إيرادا لا اعتقادا». (1) فلا يرد عليه ما أورد في المنتهى بقوله : لم نظفر في المنع بأكثر من هذه الرواية مشيرا بها إلى رواية وهب فإن كانت شاذّة فالاستثناء والمستثنى منه ممنوعان، وينبغي الجواز عملاً بالأصل ، وإن كانت معمولاً بها فكيف سلّم أحد الحكمين اللذين اشتملت الرواية عليهما دون الآخر؟ وهل هذا إلّا تحكّم محض ؟ (2) هذا ، واستشكل فيه الحكم في غير المعلن لعداوة أهل البيت عليهم السلام مدّعياً انعقاد الإجماع على صحّة عبادات من سواهم من المخالفين إلّا الزكاة، وصرّح في المختلف (3) بالجواز لغير المعلن لما ذكر، وكأنّه تمسّك في ذلك القول بانعقاد الإجماع على عدم وجوب إعادتها عليهم بعد استقامتهم . ففيه: أنّ ذلك لا يدلّ على صحّتها عنهم ، فلعلّ سقوطها عنهم بعد الاستقامة من باب التفضّل كسقوطها عن الكافر بعد إيمانه ، ويؤيّد ذلك الأخبار المتظافرة الدالّة على عدم انتفاعهم بشيء من العبادات ، فتأمّل .

بابيذكر فيه حكم من أوصى أن يحجّ عنه في كلّ سنة بمال لا يفي بذلك ، وقد صرّح بعض الأصحاب بأنّه يجعل حجّتين أو أزيد في حجّة.

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 322.
2- .السرائر، ج 1، ص 632.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 863 .

ص: 597

باب ما ينبغي للرجل أن يقول إذا حجّ عن غيره

باب الرجل يحجّ عن غيره فحجّ عن غير ذلك ويطوف عن غيره

ويدلّ عليه أخبار الباب ، واحتجّ عليه أيضاً في المنتهى بأنّ المال انتقل بالوصيّة عن ملك الورثة ووجب صرفه فيما عيّنه الموصي بقدر الإمكان، ولا طريق له إلّا ما ذكر فيتعيّن . (1)

باب ما ينبغي للرجل أن يقول إذا حجّ عن غيرهأي يستحبّ، فإنّ الواجب إنّما هو قصد المنوب عنه في الأفعال إجماعاً، لأنّ الأعمال إنّما هي بالنيّات ، فوجوب تسمية المستفاد من صحيح حريز (2) محمول على تأكّد الاستحباب لا سيّما عند الذبح؛ لما رواه الشيخ عن مثنّى بن عبد السلام عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يحجّ عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلّها ، قال : «إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، اللّه يعلم أنّه قد حجّ عنه، ولكن يذكره عند الاُضحية إذا ذبحها» . (3) ويحتمل أن يراد بالتسمية التعيين القلبي ولو مجازا .

باب الرجل يحجّ عن غيره فحجّ عن غير ذلك ويطوف عن غيرهفيه مسائل : الاُولى : تدلّ مرفوعة محمّد بن يحيى (4) على إجزاء الحجّ عن المستأجر إذا أحرم الأجير عن نفسه وإن أثم بذلك ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عن ابن أبي حمزة والحسين والظاهر أنّه ابن عثمان وهو ثقةٌ عن أبي عبداللّه عليه السلام . (5)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 874 .
2- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي. و الحديث رواه حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، فالأنسب أن يعبّر عنه بصحيح محمّد بن مسلم.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 419، ح 1454؛ الاستبصار، ج 2، ص 324، ح 1149؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 188، ح 14589.
4- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 461، ح 1604؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 186، ح 14584.

ص: 598

وقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : يدلّ هذا الخبر على أنّ حجّ النائب عن نفسه يقع عن الميّت، باعتبار أنّه مشغول الذمّة. ولا يرد عليه أنّ هذا باطل ؛ لأنّ الأعمال بالنيّات ولم ينو عن المنوب، فلا يكون مجزياً عنه ؛ لأنّ القدر الضروري من النيّة وهو القربة قد حصل، والباقي ينصرف إلى الواقع، والواقع هو الحجّ عن المنوب، كما لو نوى الفرض نفلاً والنفل فرضاً . (1) انتهى . ونسبه في الدروس (2) إلى الرواية مايلاً إليه، وكتب الأكثر خالية عن ذكر هذا الحكم ، وكأنّهم تركوا العمل بهذه الرواية عملاً بخبر: «إنّما الأعمال بالنيّات» . نعم ، ذكروا ما لو عدل إلى نفسه بعد الإحرام عن المنوب واختلفوا في إجزاء ذلك الحجّ عن المنوب، فالأكثر صرّحوا بالإجزاء، ومنهم الشيخ في الخلاف (3) والمبسوط (4) ، والمحقّق في المعتبر (5) ، وإليه ميل الشهيد في الدروس. (6) واحتجّ عليه فيها بأنّ نيّة الإحرام كافية عن نيّة باقي الأفعال، وأنّ الإحرام يستتبع باقي الأفعال وأنّ النقل فاسد لمكان النهي . والأظهر الاحتجاج عليه بما ذكر من الخبر بناءً على الأولويّة لو اعتبرناها ، وفي الشرائع (7) رجّح عدم الإجزاء، ويظهر منه عدم الإجزاء في المسألة الاُولى بالأولويّة . وأمّا إجزاؤه عن الأجير فلم يقل به أحد، وهو واضح . الثانية : طواف النائب عن غير المنوب في أيّام إقامته بمكّة، ولا ريب في جوازه ولا قائل بخلافه . ويدلّ عليه صحيحة يحيى بن عبد الرحمن الأزرق 8 ، ومثله باقي أفعال الحجّ القابل

.


1- .روضة المتّقين، ج 5، ص 20 21.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 321، الدرس 84 .
3- .الخلاف، ج 2، ص 252، المسألة 13.
4- .المبسوط، ج 1، ص 299.
5- .المعتبر، ج 2، ص 777.
6- .شرائع الإسلام، ج1، ص 172.
7- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

ص: 599

باب الرجل يعطى الحجّ فيصرف ما أخذ في غير الحجّ أو

للنيابة والعمرة المفردة . الثالثة : المشهور بين الأصحاب أنّ الأجير إذا مات قبل الإحرام وجب استيجار حجّ آخر للميّت، خلّف الأجير شيئاً أو لا . وظاهر الصدوق رضى الله عنه عدم وجوبه إذا لم يخلّف الأجير شيئاً حيث قال : وقيل لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يأخذ الحجّة من الرجل فيموت فلا يترك شيئاً ، فقال : «أجزأت عن الميّت وإن كانت له عند اللّه حجّة اُثبتت لصاحبه» (1) ، وكأنّه أشار به إلى مرسلة ابن أبي عمير (2) ، وأنت خبير بعدم دلالتها على براءة ذمّة الميّت ، فتأمّل .

باب الرجل يعطى الحجّ فيصرف ما أخذ في غير الحجّ أو يفضل الفضلة ممّا أعطى (3)الأجير يملك الاُجرة وله صرفها في أيّ مصرف أراد وشاء، وإنّما عليه الحجّ على أيّ وجه تيسّر له ولو متسكّعاً أو في نفقة غيره كالأصيل، وإذا صرفها في الحجّ وفضل شيء فهو له وإن نقصت فالتتمّة عليه . ويدلّ على الثاني خبر عمّار (4) ، وعلى الأوّل صحيحة محمّد بن عبداللّه القمّي (5) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أعطيت رجلاً دراهم يحجّ بها عنّي ففضل منها شيء فلم يردّه عليَّ ، فقال : «هو له، لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة» . (6) وهذا كلّه ممّا لا خلاف فيه، واشتهر بين الأصحاب استحباب ردّ الفاضل على

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 423_ 424، ح 2871؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 194 195، ح 14606.
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
3- .هذا الباب فى الأصل المطبوع مؤخّر عن البابين التاليين.
4- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
5- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 414_ 415، ح 1442؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 179_ 180، ح 14572.

ص: 600

باب من حجّ عن غيره أنّ له شركة

باب نادر

باب الطواف والحجّ عن الأئمّة

باب من يشرك قراباته وإخوانه في حجّه أو يصلهم بحجّه

الأجير وأداء الناقص على المستأجر. ولم أرَ شاهدا له من النصّ. واحتجّ في المنتهى (1) على الأوّل بإشعاره بكون قصد الأجير من الحجّ القربة لا العوض، وعلى الثاني بما فيه من مساعدة المستأجر على الطاعة للمؤمن والمعاونة على البرّ والتقوى ، فتأمّل .

باب من حجّ عن غيره أنّ له شركةيعني في الأجر، بل هو الشريك الغالب كما يستفاد من الأخبار .

باب نادروهو من الباب الأوّل إلّا أنّه يذكر فيه شركة خاصّة في أجر حجّة، وهو اشتراك جماعة في أجر حجّة رجل إذا دفع واحد منهم مؤونة تلك الحجّة إلى واحد لا بعينه من الآخرين، فاختارها واحد منهم، والحاجّ هنا أيضاً هو الشريك الغالب .

باب الطواف والحجّ عن الأئمّة عليهم السلاماستحبابه وفضله بيِّن مبيّن بالأخبار.

باب من يشرك قراباته وإخوانه في حجّه أو يصلهم بحجّهالمراد بالمعطوف أن يحجّ تبرّعاً عنهم، وهذا أيضاً ممّا لا ريب في استحبابه وفضله . قوله في خبر صفوان: (وهي عاتق)[ح 3 / 7107] أي شابّة أوّل ما أدركت، فخدرت في بيت أبويها ولم تبن إلى زوج . (2)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 869 .
2- .في هامش الأصل: «قال أبو نصر [ أحمد بن حاتم]: و لم تبن إلى زوج من البينونة، أي لم تبن من أهلها إلى زوج، صحاح اللغة، ج 4، ص 1520 (عتق).

ص: 601

باب توفير الشعر لمن أراد الحجّ والعمرة

قوله في خبر عليّ بن إبراهيم الحضرميّ : (وعن ولدي وعن حامّتي) [ح 8 / 7112 ]الولد بفتحتين جاء مفردا وجمعاً، وبالضمّ جمع لا غير (1) ، وحامّة الرجل: أقرباؤه . (2)

باب توفير الشعر لمن أراد الحجّ والعمرةظاهره قدس سره كالأخبار تحريم حلق الرأس والأخذ من اللحية من أوّل ذي القعدة لمريد الحجّ، وشهر قبل الإحرام لمريد العمرة، وإليه ذهب الشيخ في التهذيب (3) والاستبصار (4) ، وبه صرّح المفيد قدس سره في الحجّ ساكتاً عن العمرة (5) ، وهو ظاهر نهاية الشيخ (6) فيه كذلك. ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يريد الحجّ يأخذ من شعره في أشهر الحجّ؟ قال: «لا، ولا من لحيته، ولكن يأخذ من شاربه ومن أظفاره، وليطلّ إن شاء اللّه عزّوجلّ». (7) وعن عبداللّه بن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «خذ من شعرك إذا أزمعت على الحجّ شوّال كلّه إلى غرّة ذي القعدة» . (8) وذهب الأكثر منهم ابن إدريس (9) والشهيدان (10) والعلّامة (11) إلى كراهة ذلك ،

.


1- .اُنظر: تاج العروس، ج 5، ص 325.
2- .صحاح اللغة، ج 5، ص 1907 (حمم).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 46، الباب 5: باب العمل و القول عند الخروج.
4- .الاستبصار، ج 2، ص 160، الباب 92 من كتاب الحجّ، و ص 161، ذيل الحديث 525.
5- .أحكام النساء، ص 35؛ المقنعة، ص 391.
6- .النهاية، ص 206.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 48، ح 148؛ الاستبصار، ج 2، ص 161، ح 526؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 320، ح 16403، و ليس في التهذيب: «اللّه عزّ وجلّ»، و في الاستبصار: «و ليطل إن شاء».
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 47، ح 141؛ الاستبصار، ج 2، ص 160، ح 524؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 316، ح 16391.
9- .السرائر، ج 1، ص 522.
10- .اللمعة الدمشقيّة، ص 58؛ شرح اللمعة، ج2، ص 228.
11- .تذكرة الفقهاء، ج7، ص 221؛ منتهى المطلب، ج2، ص 671.

ص: 602

وحكاه في المختلف (1) عن جمل الشيخ. (2) واحتجّ على الجواز بأصالة البراءة، وبموثّق سماعة، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحجّ ، فقال : «لا بأس به ، والسواك والنورة» . (3) وفيه: أنّ الأصل قد يصار إلى خلافه بدليل، وقد ثبت الدليل عليه بظهور الأخبار في التحريم من غير معارض يقتضي حملها على الكراهة . وأمّا الخبر فليس صريحاً في جواز حلق الرأس ولا ظاهرا فيه، فإنّ القفا فيه يحتمل ما بين الكتفين، بل هو أظهر. على أنّ النزاع في غير الضرورة . والشيخ في الاستبصار (4) حمل أشهر الحجّ فيه على شوّال، وقد بالغ الشيخان حيث أوجبا الفدية بالحلق . قال المفيد في المقنعة : «فإذا أراد الحجّ فليوفّر شعر رأسه في مستهلّ ذي القعدة، فإن حلقه كان عليه دم يهريقه» . (5) واحتجّ عليه في التهذيب بخبر جميل بن درّاج، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن متمتّع حلق رأسه بمكّة ، قال : «إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمّد ذلك بعد الثلاثين الذي يوفّر فيها الشعر فإنّ عليه دماً يهريقه» . (6) وأجاب عنه العلّامة في المنتهى (7) باحتمال أن يكون ذلك بعد التلبّس بالإحرام، وأيّده

.


1- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 47.
2- .الجمل و العقود، ص 133 (الرسائل العشر، ص 227).
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 47 48، ح 145؛ الاستبصار، ج 2، ص 160، ح 522؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 139، ح 16402.
4- .الاستبصار، ج 2، ص 160، ذيل الحديث 522.
5- .المقنعة، ص 391.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 48 49، ح 149، و ص 158، ح 526. و رواه أيضا في الاستبصار، ج 2، ص 242، ح 843 ؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 321، ح 16406.
7- .منتهى المطلب، ج2، ص 671.

ص: 603

باب مواقيت الإحرام

بأنّ السؤال وقع عن الحلق بمكّة، وهو إنّما يكون إذا أحرم . وأنت خبير بأنّه يأبي عن هذا الاحتمال قوله عليه السلام : «وإن تعمّد ذلك في أوّل الشهور للحجّ بثلاثين يوماً فليس عليه شيء» ، اللّهمَّ إلّا أن يحمل على ما إذا تحلّل من عمرة التمتّع ، فتأمّل .

باب مواقيت الإحرامقال طاب ثراه : الوقت لغةً: الحدّ، والتوقيت: التحديد (1) ، وأكثر استعماله في الزمان ، وجاء هنا على الأصل . انتهى . وقد وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لكلّ قوم ميقاتاً يحرمون منه، ولم يجوّز لهم الإحرام قبله ولا التأخّر عنه إلّا في ما استثني، وسيظهر ذلك في الأبواب الآتية. والمواقيت على ما ورد في حسنة الحلبيّ (2) وصحيحة أبي أيّوب (3) خمسة، ومثلها ما رواه الشيخ من صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن إحرام أهل الكوفة وأهل خراسان وما يليهم وأهل الشام ومصر، من أين هو؟ قال : «أمّا أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة ، وأهل الشام ومصر من الجحفة، وأهل اليمن من يلملم، وأهل السند من البصرة» ، يعني من ميقات أهل البصرة (4) ، والظاهر أنّ التفسير من الشيخ ، ويحتمل كونه من بعض الرواة . وصحيحة عبيداللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبداللّه ، قال : «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها : وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهي مسجد الشجرة كان يصلّي فيه ويفرض الحجّ، فإذا خرج

.


1- .فتح الباري، ج 3، ص 304.
2- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55_ 56، ح 169؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14877.

ص: 604

من المسجد وسار واستوت به البيداء حتّى يحاذي الميل الأوّل أحرم ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ، ووقّت لأهل نجد العقيق ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (1) وصحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد، ما بين بريد البغث (2) إلى غمرة (3) ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم» . (4) وعلى ما في حسنة معاوية بن عمّار (5) ستّة . (6) ولكنّ الظاهر من مجموع الأخبار المنقولة في هذا الباب عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام وأقوال العلماء الأخيار رضي اللّه عنهم أنّها تسعة: أحدها: العقيق. وهو ميقات لأهل العراقين ومن يأتي من جهتهما، وهو واد طويل. وعلى المشهور مبدؤه من جهة العراق المُسلخ، وهو أفضله، ثمّ يليه وسطه غمرة، ثمّ ذات عرق منتهاه، وبعدها عن مكّة مرحلتان قاصدتان كبعد يلملم وقرن المنازل . ويدلّ عليه ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه: «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل العراق العقيق، وأوّله المسلخ، ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوّله أفضل» . (7) وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «حدّ العقيق أوّله المسلخ، وآخره ذات عرق» . (8)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55، ح 167. و رواه الصدوق في الفقيه، ج2، ص 302 303، ح 2522؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 308، ح 14876.
2- .البَغث: اسم واد عند خيبر. معجم البلدان، ج 1، ص 456 (بغث).
3- .غمرة: منهل من مناهل طريق مكّة و منزل من منازلها، و هو فصل ما بين تهامة و نجد. و قال ابن فقيه: غمرة: من أعمال المدينة على طريق نجد. معجم البلدان، ج 4، ص 212 (الغمر).
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 170؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14878.
5- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
6- .في هامش الأصل: «بإضافة دويرة الأهل، منه».
7- .الفقيه، ج2، ص 304 305، ح 2526؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 313، ح 14894.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 171؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 313، ح 14892.

ص: 605

وحكى في الدروس (1) عن ظاهر عليّ بن بابويه (2) والشيخ في النهاية (3) عدم جواز تأخير الإحرام إلى ذات عرق إلّا لتقيّة أو مرض؛ لصحيحة عمر بن يزيد، [عن أبي عبداللّه عليه السلام ]، قال : «وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البغث إلى غمرة» . (4) ورواية أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام (5) حيث فسّر العقيق بما بين المسلخ إلى غمرة . ويؤيّدهما اُمور : أحدها : قوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «آخر العقيق بريد أوطاس» . (6) وقوله عليه السلام في مرسلة ابن فضّال : «أوطاس ليس من العقيق» . (7) ووجه التأييد: أنّ بريد أوطاس على ما ذكره جدّي قدس سره في شرح الفقيه (8) إنّما هو من ذات عرق، مبدؤه منتهى غمرة . وقيل: هو قبل مغاسل العرب بفرسخ تقريباً . وثانيها : قوله عليه السلام في خبر [يونس بن] عبد الرحمن: «أحرم من وجرة» (9) ؛ لأنّ وجرة على ما ذكره في القاموس (10) أربعون ميلاً، وعلى تقدير خروج ذات عرق عن العقيق يكون العقيق قريباً منه، كما يظهر من حسنتي معاوية بن عمّار (11) ، ولو كانت داخلة فيه لزاد عليه بكثير .

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 170؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14878.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 340، مواقيت الإحرام.
3- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 40.
4- .النهاية، ص210.
5- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
6- .هي الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 173؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 312، ح 14886.
7- .هي الحديث السادس من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 56، ح 174؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 313، ح 14891.
8- .روضة المتّقين، ج 4، ص 289.
9- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
10- .القاموس المحيط، ج 2، ص 153 (وجر).
11- .هما ح 4 و 10 من هذا الباب.

ص: 606

وثالثها : قول ابن الأثير: وهو يعني العقيق _ : «موضع قريب من ذات عرق قبلها بمرحلة أو مرحلتين» (1) ، وكأنّهما حملا ما تقدّم ممّا استدلّ به على كون ذات عرق من العقيق من الخبرين على التقيّة. على أنّهما مع عدم صحّتهما غير صريحين في ذلك ، بل يحتمل أن يراد منهما كون آخر العقيق مبدأ ذات عرق، فتتطابق الأخبار . وبالجملة، فالأحوط ما ذهبا إليه . واعلم أنّ الأصحاب قد أجمعوا على أنّ هذا الميقات إنّما وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ووافقهم على ذلك أكثر العامّة . ويدلّ عليه أكثر ما تقدّم من الأخبار ، وهم أيضاً قد نقلوا أخبارا متعدّدة في ذلك وستأتي . وزعم بعض الشافعيّة أنّه ما كان بالنصّ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله بل هو من شرائع عمر (2) محتجّين عليه بما نقلوا عن طاووس أنّه قال : لم يوقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات عرق، ولم يكن حينئذٍ أهل المشرق، أي مسلمين . (3) وعن ابن عمر أنّه قال : لمّا فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حدّ لأهل نجد قرن المنازل، وهو جور عن طريقنا، وإنّا إن أردناه شقّ علينا ، قال : فانظروا حَذْوَها من طريقتكم، فحدّ لهم ذات عرق . (4) وبما قالوا من أنّ أهل العراق ومن والاهم كانوا مشركين في عهده صلى الله عليه و آله فكان شرّع الميقات لهم بلا طائل . والجواب عن الأوّل: أنّه معارض بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس أنّه سمع عمر يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بوادي العقيق يقول : «أتاني الليلة آتٍ من ربّي، فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: «عمرة في حجّه» . (5)

.


1- .النهاية، ج 3، ص 278 (عقق).
2- .المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 208.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 80 .
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 143؛ كنزالعمّال، ج 5، ص 153، ح 12433.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 144.

ص: 607

وبما نقلوه عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقّت لأهل المشرق العقيق . (1) وعنه قال : وقّت رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأهل العراق ذات عرق . (2) وعن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يهلّ أهل المشرق من ذات عرق» . (3) وعن ابن جريج، قال : أخبرني عطاء: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقّت لأهل المشرق ذات عرق . (4) وعن الحارث بن عمرو، قال : أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمنى أو بعرفات وقد أطاف به الناس ، وتجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا وجهٌ مبارك، قالوا : و وقّت ذات عرق لأهل العراق . (5) وروى الشيخ في الخلاف عن القاسم بن محمّد، عن عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقّت لأهل العراق ذات عرق . (6) وعن عطاء أنّه قال : ما ثبت ذات عرق إلّا بالنصّ ، وقال : سمعنا أنّه وقّت ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق . (7) وفي العزيز : يحتمل أنّ النصوص لم تبلغ عمر والذين أتوه، فاجتهدوا فوافق اجتهادهم النصّ . (8) وعن الثاني: أنّه صلى الله عليه و آله شرّع ذلك لعلمه بأنّ أهل العراقين ومَن والاهم يسلمون،

.


1- .سنن الترمذي، ج 2، ص 164، ح 833 ؛ فتح العزيز، ج 7، ص 81 .
2- .أورده المحقّق في المعتبر، ج 2، ص 803 ؛ و العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 189؛ و رواه ابن أبي شبية في المصنّف، ج4، ص 349، الباب 208، ح 6 عن عطاء؛ و الدارقطني في سننه، ج 2، ص 208، ح 2475 عن جابر.
3- .المعتبر، ج 2، ص 803 ؛ و اللفظ منه، و الحديث بلفظ آخر تجده في السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 27.
4- .السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 27، باب ميقات أهل العراق؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 349، الباب 208، ح 6، و فيه: «لأهل العراق».
5- .سنن أبي داود، ج 1، ص 392، ح 1742.
6- .الخلاف، ج 2، ص 284، المسألة 58؛ سنن أبي داود، ج 1، ص 391، ح 1739.
7- .الخلاف، ج 2، ص 283، ذيل المسألة 58؛ كتاب الاُمّ للشافعي، ج 2، ص 150؛ مسند الشافعي، ص 115؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 28؛ معرفة السنن و الآثار، ج 3، ص 531، ح 2751.
8- .فتح العزيز، ج 7، ص 81 .

ص: 608

وبذلك يشعر قوله عليه السلام في حسنة معاوية : «وقّت لأهل العراق ولم يكن يومئذٍ عراق بطن العقيق» . (1) وثانيها: ذو الحليفة. بضمّ الحاء المهملة وفتح اللّام، تصغير الحلَفة بفتح الحاء واللام، واحد الحَلفاء: النبات المعروف ، قاله الجوهري (2) ، أو تصغير الحلفة بسكون اللّام: اليمين لتحالف قوم من العرب به. (3) قال طاب ثراه: هو ماء من مياه بني جشم على ستّة أميال من المدينة ، وقيل على سبعة . (4) قال المازري : هو أبعد المواقيت عن مكّة على عشر مراحل . (5) انتهى . وهو ميقات لأهل المدينة ومن جاء منها اختيارا، ومع الاضطرار يجوز لهم التأخير إلى الجحفة؛ لما سبق، ولما رواه الصدوق رضى الله عنه في الحسن عن معاوية بن وهب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام ونحن بالمدينة عن التهيّؤ للإحرام فقال : «أطل بالمدينة وتجهّز لكلّ ما تريد، واغتسل إن شئت، وإن شئت استمتعت بقميصك حتّى تأتي مسجد الشجرة» . (6) وفي الصحيح عن هشام بن سالم، قال : أرسلنا إلى أبي عبداللّه عليه السلام ونحن جماعة بالمدينة: [ إنّا] نريد أن نودّعك، فأرسل إلينا أبو عبداللّه عليه السلام : «أن اغتسلوا بالمدينة، فإنّي أخاف أن يعزّ الماء عليكم بذي الحليفة» (7) ، الحديث . وقال رضى الله عنه : وسأله محمّد الحلبيّ عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه فقال : «يجزيه

.


1- .الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .صحاح اللغة، ج 4، ص 1347 (حلف) و فيه: «و الحلفاء: نبت في الماء».
3- .مجمع البحرين، ج 1، ص 560 (حلف).
4- .مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء، ج 2، ص 14.
5- .شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 81 .
6- .الفقيه، ج 2، ص 308، ح 2534. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 62، ح 196؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 324، ح 16412.
7- .الفقيه، ج 2، ص 308، ح 2537. و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج 5، ص 63 64، ح 202؛ و رواه الكليني في الكافي، باب ما يجزئ من غسل الإحرام و ما لا يجزئ، ح 7؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 326، ح 16418.

ص: 609

ذلك من الغسل بذي الحليفة» . (1) وغير ذلك من الأخبار التي تدلّ ظاهرا على تحتّم الإحرام من ذي الحليفة . فأمّا صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال : «يحرم أهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة» . (2) وصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال : «من الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلّا محرماً» . (3) وخبر معاوية بن عمّار: أنّه سأل الصادق عليه السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة ، فقال : «لا بأس» (4) ؛ وغيرها ممّا دلَّ على جواز التأخير إلى الجحفة فمحمولة على الضرورة كما أشرنا إليه؛ لصحيحة أبي بكر الحضرميّ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّي خرجت بأهلي ماشياً فلم أهلّ حتّى أتيت الجحفة، وقد كنت شاكياً، فجعل أهل المدينة يسألون عنّي، فيقولون: لقيناه وعليه ثيابه وهم لا يعلمون ، وقد رخّص رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة» . (5) وخبر أبي بصير، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : خِصالٌ عابها عليك أهل مكّة ، قال : «وما هي؟» قلت : قالوا: أحرم من الجحفة ورسول اللّه صلى الله عليه و آله أحرم من الشجرة ، فقال : «الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما وكنت عليلاً» . (6) ثمّ المشهور بين الأصحاب وفاقاً لجمهور العامّة أنّ ذا الحليفة كلّه ميقات، وهو الموضع الذي فيه الماء وبه مسجد الشجرة ، لكنّ الإحرام من المسجد أفضل، بل أحوط؛ للتأسّي .

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 309 _ 310، ح 2538؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 327، ح 16423.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55، ح 169؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 309، ح 14877.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 177؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 316 317، ح 14905.
4- .الفقيه، ج 2، ص 306، ح 2527؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 316، ح 14903.
5- .الكافي، باب من جاوز ميقات أرضه بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرام، ح 3؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 317، ح 14907.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 176؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 317، ح 14906.

ص: 610

قال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره: في حواشي شيخنا الشهيد : إنّ المشهور في الروايات أنّ الإحرام من الوادي المسمّى بذي الحليفة ، ثمّ قال : وجواز الموضع كلّه لا يكاد يدفع . (1) انتهى . وقيل : بل يتعيّن الإحرام من المسجد لتفسير ذي الحليفة به في حسنة الحلبيّ (2) ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (3) ، والعلّامة في القواعد . (4) وهو بعيد ؛ للزوم الحرج في الأكثر، ولعموم أكثر الأخبار أو إطلاقها من الطريقين . والظاهر أنّ تفسيرها به في الحسنة من باب المسامحة؛ لاشتهار مسجد الشجرة، بل لا يبعد أن يقال بامتداد الميقات بل ذي الحليفة إلى مبدأ البيداء، لأنّه قد ثبت بالإجماع والأخبار عدم جواز الجواز بغير إحرام عن الميقات لمريد النسك، وثبت أيضاً كذلك أنّ عقد الإحرام إنّما يكون بالتلبية أو ما ينوب منابها. وقد دلّت أخبار كثيرة على جواز تأخير التلبية العاقدة للإحرام من غير بدل إلى البيداء، بل على رجحانه . وفي بعضها جواز ذلك للراكب بل أفضليّته، وهذا هو ظاهر الشيخ في الخلاف والمبسوط حيث قال في المبسوط بعدما ذكر أنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بالتلبية أو سياق الهدي : وإذا أراد المحرم أن يلبّي، فإن كان حاجّاً على طريق المدينة فالأفضل أن يلبّي إذا أتى البيداء عند الميل إن كان راكباً ، وإن لبّى من موضعه كان جائزا ، والماشي يجوز له أن يلبّي من موضعه على كلّ حال، وإن كان على غير طريق المدينة لبّى من موضعه إن شاء، وإن مشى خطوات ثمّ لبّى كان أفضل . (5)

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .جامع المقاصد، ج 3، ص 158.
3- .المبسوط، ج 1، ص 312.
4- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 416.
5- .المبسوط، ج 1، ص 316. و مثله في النهاية، ص 214.

ص: 611

ومثله في الخلاف (1) ، وحكاه عن مالك (2) وعن أحد قولي الشافعي، وأنّه قال به في الاُمّ والإملاء . وعن قوله الآخر في القديم . (3) وعن أبي حنيفة : أنّ الأفضل الإحرام خلف الصلاة، نافلة كانت أو فريضة . (4) وأمّا الأخبار في ذلك فمنها : ما رواه المصنّف قدس سرهسابقاً في باب حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله في الحسن (5) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ إلى قوله : فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الذي عند الشجرة، فصلّى فيه الظهر ثمّ عزم على الحجّ مفردا وأخرج حتّى انتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل، فصُفَّ له سماطان فلبّى بالحجّ» . (6) وفي الحسن والصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين حجّ حجّة الإسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة حتّى أتى الشجرة، فصلّى بها، ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء، فأحرم منها وأهلّ بالحجّ» (7) ، الخبر . ومنها : ما سيرويه في الحسن عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ وعبد الرحمن بن الحجّاج، وحمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ جميعاً، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ، ثمّ قم فامش حتّى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبّه» . (8)

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 289.
2- .المدوّنة الكبرى، ج 1، ص 361؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 223؛ فتح العزيز، ج 7، ص 259.
3- .مختصر المزني، ص 65؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 214؛ فتح العزيز، ج 7، ص 259.
4- .المجموع للنووي، ج 7، ص 223؛ فتح العزيز، ج 7، ص 259.
5- .هو الحديث الرابع من ذلك الباب.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 254 255، ح 1588؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 213 214، ح 14647.
7- .الكافي، باب كيفيّة أنواع الحجّ و جملة من أحكامها، ح 14؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 222، ح 14657.
8- .الكافي، باب صلاة الإحرام، ح 11؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 373، ح 16548.

ص: 612

وفي الحسن عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صلِّ المكتوبة، ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتّى تصعد إلى أوّل البيداء إلى أوّل ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبِّ، ولا يضرّك ليلاً أحرمت أو نهارا ، ومسجد ذي الحليفة الذي كان خارجاً من السقائف عن صحن المسجد، ثمّ اليوم ليس شيء من السقائف منه» . (1) ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : «في مسجد الشجرة فقد صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد ترى ناساً يحرمون منه، فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريكَ لكَ لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك لا شريك لك، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ» . (2) وفي الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا صلّيت عند الشجره فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش» . (3) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن يلبِّ حتّى يأتي البيداء» . (4) وروى البخاري عن أنس، قال : صلّى النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة ونحن معه الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثمّ بات بها حتّى أصبح، ثمّ ركب حتّى استوت به البيداء حمد اللّه وسبّح وكبّر، ثمّ أهلَّ بحجّ وعمرة وأهلّ الناس بهما» (5) ، الخبر .

.


1- .الكافي، باب صلاة الإحرام، ح 14؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370 371، ح 16541 صدره، و ج 11، ص 315، ح 14901 ذيله.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 84 ، ح 277؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370، ح 16538.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 84 ، ح 278؛ الاستبصار، ج 2، ص 170، ح 560؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370، ح 16539.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 84 ، ح 279؛ الاستبصار، ج 2، ص 170، ح 561؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 370، ح 16540.
5- .صحيح البخاري، ج 2، ص 147.

ص: 613

وأنت خبير بأنّ هذه الأخبار لا تجامع ما ذكرناه من المقدّمتين بمجرّد القول بعدم وجوب مقارنة التلبية للإحرام كما زعمه بعض المعاصرين؛ لأنّ من قال بذلك لم يجوّز تأخيرها عن الميقات، بل لابدّ له من القول بامتداد الميقات إلى البيداء . وأمّا الأصحاب فقد حملوا تأخير التلبية في هذه الأخبار إليها على تأخير الجهر بها إليها إذا كان راكباً مع الإنصات بها بذي الحليفة لعقد الإحرام؛ محتجّين على ذلك بذكر الإحرام في مسجد الشجرة في حسنة معاوية، وهو إنّما يكون بالتلبية غالباً ، وبصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإذا كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء» . (1) وهذا الجمع هو في غاية البُعد، بل ينادي أكثر ما ذكر من الأخبار بفساده، والاحتجاج عليه بما ذكروه غير تامّ ؛ فإنّ الصحيحة غير صريحة في مرامهم . والظاهر أنّ المراد بالإحرام في تلك الحسنة مقدّماته من الغسل والصلاة ولبس ثوبي الإحرام ونحوها ولو مجازا، وقد شاع إطلاقه عليها في الحديث ، ففي مرسل جميل، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه قال في رجل صلّى في مسجد الشجرة وعقد الإحرام وأهلّ بالحجّ، ثمّ مسّ الطيب واصطاد طيرا أو وقع على أهله ، قال : «ليس بشيء حتّى يلبّي» . (2) وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبّ ، قال : «ليس عليه شيء» . (3) وفي صحيحه الآخر عنه عليه السلام أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام ثمّ خرج، فاُتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه . (4)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 85 ، ح 281؛ الاستبصار، ج 2، ص 170 171، ح 563؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 369، ح 16536.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 82 ، ح 273؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 335، ح 16444.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 82 ، ح 274؛ الاستبصار، ج 2، ص 188، ح 632؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 433، ح 16441.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 82 83 ، ح 275؛ الاستبصار، ج 2، ص 188، ح 633؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 433، ح 16442.

ص: 614

وقال الشيخ قدس سره في التهذيب : المعنى في هذه الأحاديث أنّ من اغتسل للإحرام وصلّى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرماً، وإنّما يكون عاقدا للحجّ والعمرة، وإنّما يدخل في أن يكون محرماً إذا لبّى . والذي يدلّ على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار وغير معاوية ممّن روى صفوان عنه هذه الأحاديث، وقال : هي عندنا مستفيضة عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلامأنّهما قالا : «إذا صلّى الرجل ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حجّ أو عمرة في مقامه ذلك، فإنّه إنّما فرض على نفسه الحجّ وعقد عقد الحجّ»، وقالا : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث صلّى في مسجد الشجرة صلّى وعقد الحجّ» ولم يقولا: صلّى وعقد الإحرام ، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه بأس فيما أكل ممّا يحرم على المحرم؛ لأنّه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبّي، وقد صلّى، وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلبِّ . (1) واعلم أنّه قال العلّامة رحمه الله في المختلف : المشهور أنّه لا يجوز لأهل المدينة العدول عن الإحرام من ميقاتهم إلى ميقات أهل العراق ؛ قاله الشيخ وأتباعه، لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال : سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيّام يعني الإحرام من الشجرة، فأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق، فيحرموا منها فقال : «لا وهو مغضب من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة» . (2) والأقرب عندي أنّه إن خرج من المدينة حتّى وصل ميقاتها لم يجز له العدول منه بعد تجاوزه إلّا محرماً، وإن لم يصل ميقاتها جاز له العدول إلى أيّ ميقات شاء ، وكذا غير المدينة . (3) وقال الشيخ في المبسوط : «مَن خرج على طريق المدينة كره له أن يرجع إلى طريق العراق ليحرم من العقيق». (4) وأراد بذلك ما لم يصل إلى مسجد الشجرة .

.


1- .المبسوط، ج 1، ص 312.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 83 ، ذيل الحديث 275.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57 58، ح 179؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 318 319، ح 14911.
4- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 44.

ص: 615

وثالثها: الجُحفَة. وهي على ما ذكر الشهيد الثاني قدس سره: «مدينة أجحف بها السيل، على ثلاث مراحل من مكّة» . (1) وفي القاموس : الجحفة بالضمّ: قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلاً من مكّة، وكانت تسمّى مهيَعَة، فنزل بها بنو عبيد (2) ، وهم إخوة عاد، وكان أخرجهم العماليق من يثرب ، فجاءهم سيل الجحاف فأجحفهم فسمّيت الجُحفة . (3) وفي المغرب: «جحفه واجتحفه وأجحفه وأجحف به: أهلكه واستأصله ، ومنه الجحفة لميقات أهل الشام؛ لأنّ سيلاً فيما يقال أجحف (4) أهلها». (5) وهو ميقات لأهل الشام إن جاؤوا من غير طريق المدينة، ولأهل المدينة اضطرارا كما عرفت . ورابعها : يلملم . ويقال : ألمَلم ، وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكّة (6) ، وهو ميقات أهل اليمن ومَن والاهم . وخامسها : قرن المنازل . قال طاب ثراه : الراء فيه ساكنة وفتحها بعضهم ، وهو خطأ . وأصل القرن الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الكبير ، وقيل : من سكّن الراء أراد الجبل المشرف على الموضع ، ومن فتحها أراد الطريق التي يفترق منه ، فإنّه موضع فيه طرق مختلفة . وغلط الجوهري في أنّه مفتوح الراء كما غلط في قوله : إنّ اُويساً القرني منه (7) ، وإنّما هو منسوب إلى قرن بفتح الراء بطن من مراد القبيلة المعروفة . (8)

.


1- .شرح اللمعة، ج 2، ص 224.
2- .كذا بالأصل، و في المصدر: «بنو عبيد». و في معجم البلدان، ج 2، ص 111: «قال الكلبي: إنّ العمالق أخرجوا بني عقيل و هم إخوة عاد فَنزلوا الجحفة...».
3- .القاموس المحيط، ج 3، ص 121 122 (جحف).
4- .في المصدر المطبوع: «اجتحف».
5- .المغرب، ص 49 (جحف).
6- .معجم البلدان، ج 1، ص 246 (ألملم)، و ج 5، ص 441 (يلملم).
7- .صحاح اللغة، ج 6، ص 2181 (قرن).
8- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 81 .

ص: 616

وفي النهاية : «وكثير ممّن لا يعرف يفتح راءه، وإنّما هو بالسكون» . (1) وفي العزيز : السماع المعتمد فيه عن المتقنين التسكين ، ورأيته منقولاً عن أبي عبيد وغيره . ورواه صاحب الصحاح بالتحريك ، وادّعى أنّ اُويساً منسوب إليه» . (2) ومثلهما في شرح اللمعة أيضاً ، وهو ميقات للطائف وما والاه . (3) وقال المازري : هو أقرب المواقيت إلى مكّة (4) ، وهذه المواقيت الخمسة مستفادة ممّا ذكر من الأخبار . وسادسها : دُوَيرةُ الأهل . وهو ميقات من كان منزله خلف المواقيت المزبورة . ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار (5) وصحيحته التي رواها الشيخ عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم من منزله» . (6) وقال في حديث آخر : «إذا كان منزله دون الميقات إلى مكّة فليحرم من دويرة أهله» . (7) وعن مسمع، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكّة فليحرم من منزله» . (8) وعن عبداللّه بن مسكان ، قال : حدّثني أبو سعيد ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عمّن كان منزله دون الجحفة إلى مكّة ، قال : «يحرم منه» . (9) وعن رباح بن أبي نصر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : يروون أنّ عليّاً عليه السلام قال : إنّ من تمام حجّك إحرامك من دويرة أهلك ، فقال : «سبحان اللّه ! فلو كان كما يقولون لم

.


1- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2- .اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ج 8 ، ص 81 .
3- .النهاية، ج 4، ص 54 (قرن).
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 82 .
5- .شرح اللمعة، ج 2، ص 225.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 183؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 333 334، ح 14946.
7- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 184؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14947.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 185؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14948.
9- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 186؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14949.

ص: 617

يتمتّع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بثيابه إلى الشجرة ، وإنّما معنى دويرة أهله من كان أهله وراء الميقات إلى مكّة» . (1) وظاهر الأخبار اعتبار القرب من مكّة ، وأطلقه جماعة من الأصحاب ، وصرّح بعضهم باعتباره من عرفات محتجّين بأنّ الفرض في الحجّ بعد الإحرام إنّما يتعلّق بعرفات ، وكان هؤلاء إنّما قالوا بذلك في إحرام الحجّ ، وفي العمرة اعتبروه من مكّة . (2) وهذه المواقيت الستّة مواقيت لعمرة التمتّع اختيارا ، والمفردة الصادرة عن الآفاقي ، ولحجّ الإفراد والقران . وأمّا العمرة المفردة للمكّي فميقاته أدنى الحلّ إلّا أن يخرج عنها ، ثمّ عاد بحيث يمرّ في العود على أحد المواقيت المذكورة ، فلا يجوز له المرور عنها بغير إحرام إلّا ما استثني . وأمّا حجّ التمتّع فميقاته مكّة . وسابعها : أدنى الحلّ. وهو ميقات للعمرة المفردة لمن كان بمكّة ، والأفضل منها الجعرانة (3) والتنعيم والحديبيّة . ويدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبيّة أو ما أشبههما» . (4) ورواية سماعة ، قال : «المجاور بمكّة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ ، فإنّ أشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة ، فيحرم منها ، ثمّ يأتي مكّة ، ولا يقطع التلبية حتّى

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 59، ح 187؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 334، ح 14950.
2- .اُنظر: شرح اللمعة، ج 2، ص 210 211.
3- .قال في معجم البلدان: «الجعرانه بكسر أوّله إجماعا، ثمّ إنّ أصحاب الحديث يكسرون عينه و يشدّدون راءه، و أهل الاتقان و الأدب يخطئونهم و يسكنون العين و يخفّفون الراء».
4- .الفقيه، ج 2، ص 454، ح 2952؛ الاستبصار، ج 2، ص 177، ح 588؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 95 96، ح 315؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 341، ح 14967.

ص: 618

ينظر إلى البيت ، ثمّ يطوف بالبيت ويصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثمّ يخرج إلى الصفا والمروة ، فيطوف بينهما ، ثمّ يقصّر ويحلّ ، ثمّ يعقد التلبية يوم التروية» . (1) وما سبق من الطريقين من خروج عائشة بأمره صلى الله عليه و آله إلى التنعيم لإحرام العمرة . (2) وثامنها : مكّة . وهو ميقات لحجّ التمتّع اختيارا، فلو أحرم من غيرها لم يجزه، وكان عليه العود إليها ، وإن شاء أحرم منها . وفي المنتهى : ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولا نعرف فيه خلافاً إلّا في رواية عن أحمد أنّه يخرج إلى الميقات ، فيحرم منه للحجّ. (3) ولو خرج بعد عمرة التمتّع عنها لضرورة متجاوزا عن الميقات يدخل بغير إحرام إن كان رجوعه قبل مضيّ شهر إحرامه السابق ، ويحرم من الميقات إن كان رجوعه بعد ذلك الشهر بقصد عمرة التمتّع ، وتصير عمرته الاُولى مفردة ، وعلى التقديرين يحرم لحجّه من مكّة . وتدلّ عليه أخبار تأتي في موضعها إن شاء اللّه تعالى . وتاسعها : محاذاة أحد المواقيت الخمسة. المذكورة أوّلاً على ما ذكره الشيخ قدس سرهفي المبسوط ؛ قال : «مَن قطع الطريق بين الميقاتين أو على طريق البحر نظر إلى ما يغلب في ظنّه أنّه يحاذي أقرب المواقيت إليه فيحرم منه» . (4) وتبعه على ذلك جماعة منهم ابن إدريس . (5) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «مَن سلك طريق البحر أو أخذ طريقاً لا يمرّ فيه على هذه المواقيت كان إحرامه من مكّة بقدر أقرب المواقيت إليها [فيحرم] منه» . (6)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ح 190. و رواه الكليني في باب حجّ المجاورين، ح 10؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 264، ح 14751.
2- .وسائل الشيعة، ج 11، ص 218، ح 14648.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 667. و كلام أحمد منقول في المغني لابن قدامة، ج 3، ص 379؛ والشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 319.
4- .المبسوط، ج 1، ص 313.
5- .السرائر، ج 1، ص 529.
6- .حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 43.

ص: 619

وفي العزيز : إذا سلك البحر أو طريقاً في البرّ لا ينتهي إلى واحد من المواقيت المعيّنة فميقاته الموضع الذي يحاذي الميقات المعيّن ، فإن اشتبه عليه فليتأخّر ، وطريق الاحتياط لا يخفى . (1) وبالجملة ، هذه المسألة ممّا اشتهر بين الخاصّة والعامّة ، والأصل فيها من طريق الأصحاب صحيحة عبد اللّه بن سنان ، (2) ومن طريق العامّة ما نقلوه عن عمر لمّا قالوا له وقّت لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم؟ قالوا : قرن [ المنازل]، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم بطن العقيق ، وقال قوم ذات عرق ، فوقّت عمر ذات عرق . (3) وأنت خبير بأنّ الصحيحة المذكورة مع معارضتها بما رواه المصنّف في طريق آخر وإن كانت ظاهرة في اعتبار المحاذاة على ما رواه الصدوق رضى الله عنه حيث ذكر أنّه عليه السلام قال : «مَن أقام بالمدينة شهرا أو نحوه ثمّ بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها». (4) لكن على ما رواه المصنّف قدس سرهليست ظاهرة فيه ؛ لتخصيصه عليه السلام محاذاة الشجرة بالبيداء ، فلعلّ ذلك مبنيّ على كون البيداء أيضاً من الميقات كما سبق . وكذا على ما رواه الشيخ في التهذيب ، فإنّه روى أنّه عليه السلام قال : «مَن أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحجّ ثمّ بدا له أن يخرج في طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسير ستّة أميال» (5) على ما في النسخ التي رأيناها منه ، لكن الظاهر سقوط كلمة «غير» في قوله : «في طريق أهل المدينة» من قلم النسّاخ ، فينطبق على ما رويناه عن الصدوق رضى الله عنه . وأمّا الخبر العامّي فمعارض بأخبار متكثّرة من طريقهم أيضاً دلّت على أنّ ذات

.


1- .فتح العزيز، ج 7، ص 86 .
2- .هي الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي.
3- .أورده العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 204؛ و الحديث في صحيح البخاري، ج 2، ص 143.
4- .الفقيه، ج 2، ص 307، ح 2532؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 317 318، ح 14908.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 178.

ص: 620

عرق وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد سبقت ، ولو سلّم ذلك في محاذاة مسجد الشجرة فحمل غيره عليه قياس بحت . (1) على أنّه قد ثبت من الطريقين أنّه صلى الله عليه و آله أحرم للعمرة بالجعرانة حين رجع من حنين، فقد جاوز محاذاة ميقات أهل الطائف بغير إحرام ؛ روى الصدوق رضى الله عنهأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله اعتمر ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة : عمرة أهلَّ فيها من عسفان وهي عمرة الحديبيّة ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين . (2) وروى البخاريّ بإسناده عن قتادة ، قال : سألت أنساً : كم اعتمر النبيّ صلى الله عليه و آله قال : أربعاً : عمرة الحديبيّة في ذي القعدة حيث صدّه المشركون ، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم ، وعمرة الجعرانة إذ قسّم غنيمة حنين» ، قلت : كم حجّ؟ قال : «واحدة» . (3) وعن همّام، قال : اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلّا التي اعتمر مع حجّته عمرته من الحديبيّة ، ومن العام المقبل ، ومن الجعرانة حيث قسّم غنائم حنين ، وعمرة مع حجّته . (4) وقد سبق هذان الخبران مع غيرهما ، وكأنّه لذلك ذهب بعض الأصحاب إلى وجوب الإحرام على مَن لا يمرّ بأحد المواقيت من أدنى الحلّ على ما نقل عنهم جدّي قدس سره في شرح الفقيه . (5) هذا ، وقال ابن إدريس : «ميقات أهل مصر ومن صعد من البحر جدّة» . (6) ولم أرَ شاهدا له ، وكأنّه بناه على المحاذاة ، وربّما عدّ فخّ من المواقيت؛ معلّلاً بكونه ميقاتاً للصبيان ، وقد سبق القول فيه .

.


1- .السرائر، ج 1، ص 529.
2- .في هامش الأصل: «و جعلُه من باب منصوص العلّة كما قيل بعيد، على أنّ حجّيّته أيضا ممنوعة؛ لاحتمال كون ما يتوهّم علّة للحكم علّة في تلك... المخصوصة، فيكون جزء من العلّة لا علّة تامّة، فتأمّل، منه عفي عنه».
3- .الفقيه، ج 2، ص 450 451، ح 2943.
4- .صحيح البخاري، ج 2، ص 199.
5- .نفس المصدر.
6- .روضة المتّقين، ج 4، ص 295 296.

ص: 621

باب مَن أحرم دون الوقت

قوله في صحيحة أبي أيّوب : (وهي عندنا مكتوبة مهيَعَة) إلخ [ح 3 / 7122]؛ يعني أنّ الجحفة في كتاب عليّ عليه السلام تدعى مهيعة ، ومكتوبة فيه بهذا الاسم ، وهو مطابق لنقل أهل اللغة كما حكيناه آنفاً ، و«أنجدت» من قولهم : أنجد فلان : أتى نجدا، و تأنيث الفعل لجمعية كلمة ما معنىً .

باب مَن أحرم دون الوقتإطلاق أكثر أخبار الباب يقتضي عدم جواز تقديم الإحرام على الميقات مطلقاً ، ومثلها ما رواه ميسر ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل أحرم من العقيق وآخر من الكوفة ، أيّهما أفضل؟ قال : «يا ميسر، تصلّي العصر أربعاً أفضل أو تصلّيها ستّاً؟» قال : اُصلّيها أربعاً ، قال : «فكذلك سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أفضل من غيرها» . (1) ويؤيّدها ما رواه في المنتهى عن العامّة : أنّ عمران بن حصين أحرم من مصره ، فبلغ ذلك عمر فغضب ، وقال : يتسامع الناس أنّ رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحرم من مصره . (2) وعن عبداللّه بن عامر : أنّه أحرم من خراسان ، فلمّا قدم على عثمان لامَهُ فيما صنع وكرّهه له . وقال : رواهما سعيد والأثرم (3) ، وهو ظاهر شيخنا المفيد (4) والسيّد المرتضى حيث حكما بعدم جوازه من غير استثناء . واحتجّ عليه في الانتصار بالإجماع ، وبأنّ معنى الميقات في الشريعة هو الذي يتعيّن الإحرام منه ، فلا يجوز تقديمه عليه مثل مواقيت الصلاة ، وبالاحتياط ؛ لأنّه إذا أحرم منه انعقد إجماعاً ، بخلاف ما إذا أحرم قبله . (5)

.


1- .الفقيه، ج 2، ص 306، ح 2529؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 52، ح 156؛ الاستبصار، ج 2، ص 161 162، ح 528؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 324، ح 14924.
2- .منتهى المطلب، ج 2، ص 668؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 216؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 222؛ المحلّى، ج 7، ص 77.
3- .المصادر المتقدّمة.
4- .المقنعة، ص 394.
5- .الانتصار، ص 234 235، المسألة 121.

ص: 622

وصرّح ابن إدريس في السرائر بالتعميم فقال : والأظهر الذي تقتضيه الأدلّه واُصول المذهب أنّ الإحرام لا ينعقد إلّا من المواقيت، سواء كان منذورا أو غيره ، ولا يصحّ النذر بذلك أيضاً ؛ لأنّه خلاف المشروع ، ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا . وحكاه فيه عن ابن أبي عقيل وعن الشيخ في الخلاف أيضاً مستندا بأنّه قال في بحث إفساد الحجّ منه : مَن أفسد الحجّ وأراد أن يقضي أحرم من الميقات . دليلنا : أنّا قد بيّنا أنّ الإحرام قبل الميقات لا ينعقد ، وهو إجماع الفرقة وأخبارهم عامّه في ذلك ، فلا يتقدّر على مذهبنا هذه المسألة . (1) وهي تتقدّر عند من قال : يصحّ الإحرام قبل الميقات وينعقد إذا كان منذورا . (2) وليس قوله : وهي تتقدّر ، إلى آخره في الخلاف الذي عندي ، وإنّما هو من كلام ابن إدريس تتميماً لكلام الشيخ على ما فهمه ، وما ، تقدّمه ليس صريحاً فيما نسبه إليه، وكأنّه غفل عمّا سنحكيه عنه ممّا هو صريح في خلافه . واستثنى الأكثر موضعين : أحدهما: من يخاف تقضّي رجب قبل الميقات فجوّزوا له الإحرام قبله حينئذٍ؛ لإدراك فضيلة عمرة رجب التي هي قرينة الحجّ . وقد نسبه في المنتهى (3) إلى علمائنا ، وهو يشعر بتحقّق الإجماع منّا عليه . ويدلّ عليه حسن معاوية (4) ، وقد رواه الشيخ في الصحيح (5) وموثّق إسحاق بن عمّار . (6)

.


1- .الخلاف، ج 2، ص 373 374، المسألة 217.
2- .السرائر، ج 1، ص 527.
3- .منتهى المطلب، ج 2، ص 669.
4- .هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53، ح 161؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 533؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 325 326، ح 14926.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53، ح 160؛ الاستبصار، ج 2، ص 162 163، ح 532؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 326، ح 14927.

ص: 623

وثانيهما: من نذر أن يحرم قبله فقالوا بوجوب الإحرام من موضع النذر . واحتجّ عليه الشيخ بصحيح الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة ، قال : «فليحرم من الكوفة وليفِ للّه بما قال» . (1) وخبر صفوان، عن عليّ بن أبي حمزة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه عليه السلام أسأله عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة ، قال : «يحرم من الكوفة» . (2) وخبر أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم ، عن سماعة ، عن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لو أنّ عبدا أنعم اللّه عليه نعمة فعافاه من تلك البليّة فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتمّ» . (3) وصرّح في الخلاف والمبسوط باستثناء الثاني ، ونسب استثناء الأوّل في الثاني إلى الرواية ، وسكت عنه رأساً في الأوّل ، وظاهره عدم استثنائه حيث نفى فيه جواز التقديم ، ثمّ استثنى صورة النذر فقط فقال في بحث المواقيت : «لايجوز الإحرام قبل الميقات ، فإن أحرم لم ينعقد إحرامه إلّا أن يكون نذر ذلك» . (4) وقد خالفنا في المسألة أهل الخلاف أجمع ، واتّفقوا على جواز الإحرام قبله، وانعقاد ذلك الإحرام مطلقاً ، واختلفوا في الأفضل ، ففي العزيز : الإحرام من الميقات أفضل أو ممّا فوقه . روى المزني في الجامع الكبير أنّه من الميقات أفضل ، وبه قال مالك وأحمد . وقال في الإملاء : الأحبّ أن يحرم من دويرة أهله ، وبه قال أبو حنيفة . واحتجّ على الأوّل بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يحرم إلّا من الميقات ، ومعلوم أنّه يحافظ على ما

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53، ح 162؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 534؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 326 327، ح 14928.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 53 54، ح 163؛ الاستبصار، ج 2، ص 163، ح 535؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 327، ح 14929.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 54، ح 164؛ الاستبصار، ج 2، ص 163 164، ح 536؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 327، ح 14930.
4- .الخلاف، ج 2، ص 286، المسألة 62؛ المبسوط، ج 1، ص 311.

ص: 624

هو الأفضل ؛ ولأنّ في الإحرام فوق الميقات تعزيزا بالعبادة لما في مصابرته والمحافظة على واجباته من العسر . وعلى الثاني بأن عليّاً وعمر فسّرا الإتمام في قوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» (1) بذلك ، وروى أنّه صلى الله عليه و آله قال : «مَن أحرم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بحجّة أو عمرة غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر». (2) ثمّ قال : «ويخرج من فحوى كلام الأئمّة حمل الأوّل على ما إذا لم يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام ، وتنزيل الثاني على ما إذا أمن عليها» . (3) وربّما احتجّوا أيضاً على الثاني بما يروونه عن اُمّ سلمة رضي اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «مَن أحرم من بيت المقدس غفر اللّه له ذنبه» . (4) وما روي في خبر آخر : «مَن أهلَّ بعمرة أو حجّة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وجبت له الجنّة» . (5) والجواب عن الأوّل : أنّ تفسير الإتمام بالإحرام من دويرة الأهل إنّما كان لمن يكون منزله دون الميقات ، كما يدلّ عليه خبر رباح (6) ، ويؤيّده صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من تمام الحجّ [والعمرة] أن يحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (7)

.


1- .البقرة (2): 196.
2- .سنن أبي داود، ج 1، ص 392، ح 1741؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 30؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 248، ح 2685؛ كنز العمّال، ج 5، ص 12، ح 11830.
3- .فتح العزيز، ج 7، ص 93 95.
4- .مسند أحمد، ج 4، ص 299؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 999، ح 3001؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج 4، ص 195، الباب 3 من كتاب الحجّ، ح 23؛ مسند أبي يعلى، ج 12، ص 327، ح 6900؛ سنن الدارقطني، ج 2، ص 249، ح 2687. و في بعضها: «غفرله ما تقدّم من ذنبه».
5- .الانتصار، ص 235؛ سبل السلام، ج 2، ص 190.
6- .هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
7- .الكافي، باب مواقيت الإحرام، ح 1؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 54، ح 166؛ و ص 283، ح 964؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 307 308، ح 14874.

ص: 625

باب مَن جاوز ميقات أرضه بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرام

وعن باقي الأخبار على تقدير صحّتها : أنّها تقبل الحمل على عزم الإحرام وقصده من المسجد الأقصى ونحوه ، كما حملها عليه السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار . (1)

باب مَن جاوز ميقات أرضه (2) بغير إحرام أو دخل مكّة بغير إحرامأجمع أهل العلم على عدم جواز تأخير الإحرام من الميقات للناسك من غير علّة وعذر ؛ لاقتضاء توقيت المواقيت ذلك ، ولما في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام (3) ، ولما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ولا يجاوز الجحفة إلّا محرماً» . (4) وفي الحسن عن الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا ينبغي لحاجّ ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها» ، الحديث ، وقد تقدّما . (5) فلو جاوزهُ عمدا كذلك وجب عليه الرجوع مع الإمكان ، ومع التعذّر بطل نسكه، صرّح به الشيخ في المبسوط (6) ، ويظهر من المنتهى وفاق الأصحاب عليه . واحتجّ عليه فيه بأنّه ترك الإحرام من موضعه عامدا متمكِّناً ، فبطل حجّه كما لو ترك الوقوف بعرفة ، وحكاه عن سعيد بن جبير (7) ، وعن الجمهور أنّه يحرم من موضعه ويجبر النقص بدم؛ محتجّين بما نقلوه عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من ترك نسكاً فعليه دم» . (8)

.


1- .الانتصار، ص 236.
2- .هذا هو الظاهر الموافق للمصدر، و في الأصل: «أهله» بدل «أرضه».
3- .هو الحديث العاشر من هذا الباب من الكافي.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 57، ح 177؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 316 317، ح 14905.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 55، ح 167؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 308، ح 14875.
6- .المبسوط، ج 1، ص 312.
7- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 217 و 222؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 208.
8- .فتح العزيز، ج 7، ص 90؛ المغني لابن قدامة، ج 3، ص 217 و 390؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج 3، ص 221 و 390؛ تلخيص الحبير، ج 7، ص 90.

ص: 626

وأجاب عنه بأنّ العموم إنّما يثبت لو قلنا بصحّة الحجّ ، ونحن نمنعه . (1) وإن جاوزه ناسياً أو جاهلاً أو غير مريد للنسك ولا لدخول مكّة ثمّ أراده وجب عليه العود مع الإمكان ، ومع التعذّر فإلى خارج الحرم ، ثمّ من موضعه ، وصحّ نسكه . وانعقد على الأوّلين إجماع أهل العلم ، وعلى الأخير إجماع الأصحاب ، وفاقاً لأحمد في إحدى الروايتين عنه . (2) ويدلّ عليه بعض أخبار الباب . وعن مالك والشافعي وأبي يوسف وجماعة من العامّة أنّه لا يجب عليه العود ، بل يحرم من موضعه، محتجّين بأنّه قد ذهب إلى دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإحرام منه كأهل ذلك المكان . (3) ودفعه واضح . وحيث يحرم من موضعه لا يجب عليه دم للجبران ؛ لعدم دليل عليه ، وأصالة البراءة . وأوجبه الشافعي (4) محتجّاً بما مرّ عن ابن عبّاس ، وهو ضعيف السند . وأمّا مع العذر فقد قال الشيخ في المبسوط : «ومتى منع مانع من الإحرام عند الميقات ، جاز له أن يؤخّره عن الميقات فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه» . (5) وفي التهذيب : «ولا بأس للمضطرّ الخائف على نفسه أن يؤخرّ الإحرام من الميقات إلى أن يدخل الحرم» . واحتجّ عليه بما رواه أبو شعيب المحامليّ، عن بعض أصحابنا، عن أحدهم عليهم السلام قال : «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم» . (6)

.


1- .منتهى المطلب، ج 3، ص 670. و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 198 199.
2- .المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 218؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 204.
3- .المغني لابن قدامة، ج 3، ص 217 218؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ص 218؛ المجموع للنووي، ج 7، ص 204.
4- .فتح العزيز، ج 7، ص 89 90؛ المغني، ج 3، ص 217؛ الشرح الكبير، ج 3، ص 221.
5- .المبسوط، ج 1، ص 311.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 58، ح 182؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 333، ح 14945.

ص: 627

ويدلّ عليه أيضاً صحيحة صفوان بن يحيى (1) ، ويؤيّدهما صحيحة أبي بكر الحضرميّ (2) هو عبداللّه بن محمّد ، وهو ممدوح (3) وخبر رفاعة . (4) وقال ابن إدريس : مقصود الشيخ تأخير كيفيّة الإحرام الظاهرة من نزع الثياب وكشف الرأس والارتداء والتوشّح والاتّزار ، فأمّا النيّة والتلبية مع القدرة عليهما، فلايجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه . (5) وفي المنتهى : وكلام ابن إدريس جيّد ، ويحمل قول الشيخ والرواية عليه ؛ إذ لا منافاة بينهما . انتهى . (6) وما ذكر إنّما يتمّ لو لم يكن المانع زوال العقل ، فأمّا معه فالأولى والأظهر والأحوط أن يحرم عنه من معه ويجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وإليه أشار الشيخ والعلّامة ؛ ففي المبسوط بعدما ذكر بفصل : «ومن جاء إلى الميقات ولم يتمكّن من الإحرام لمرض أو غيره أحرم عنه وليّه وجنّبه ما يجتنبه المحرم وقد تمّ إحرامه» . (7) ومثله في التهذيب (8) والقواعد . (9) واحتجّ عليه في التهذيب بمرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهماالسلام ، في مريض اُغمي عليه ، فلم يعقل حتّى أتى الموقف ، فقال : «يحرم عنه رجل» . (10)

.


1- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب.
3- .اُنظر: رجال الكشّي، ج 2، ص 715، الرقم، 788؛ خلاصة الأقوال، ص 200، الرقم 36؛ رجال ابن داود، ص 123، الرقم 899 .
4- .هي الحديث الرابع من هذا الباب.
5- .السرائر، ج 1، ص 527.
6- .منتهى المطلب، ج 2، ص 671.
7- .المبسوط، ج 1، ص 313؛ و مثله في النهاية، ص 211.
8- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ذيل الحديث 190.
9- .القواعد، ج 1، ص 417؛ و مثله في تذكرة الفقهاء، ج 7، ص 216، المسألة 164.
10- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ح 191. و هذا الحديث هو الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 338، ح 14959.

ص: 628

وظاهرهما وجوب ذلك وإجزاء ذلك عن حجّة الإسلام ولو لم يعد عقله قبل الوقوف ، وهو ظاهر إطلاق الخبر من غير معارض صريح . وقال العلّامة في المنتهى : لو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحجّ ، فلو أحرم عنه رجل جاز . واحتجّ عليه بهذه المرسلة : ثمّ قال : ولو عاد عقله قبل الوقوف صحّ ذلك الإحرام وأجزأه الحجّ ، ولو كان بعد الموقفين لم يجزه . (1) هذا ، وتدلّ مرسلة جميل بن درّاج (2) على أنّ مَن نسي الإحرام أو جهله حتّى فرغ من المناسك كلّها فقد تمّ حجّه ولا شيء عليه . ومثلها صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : «اللّهمَّ على كتابك وسنّة نبيّك صلى الله عليه و آله فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتّى يرجع إلى بلده ، إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» . (3) وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل كان متمتّعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتّى يرجع إلى بلده ، ما حاله؟ قال : «إذا قضى المناسك كلّها فقد تمَّ حجّه» . (4) ويؤيّدهما ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «رفع عن اُمّتي السهو والخطأ والنسيان» . (5) وما يدلّ على العفو عنهما في أكثر مسائل الحجّ ، وكلام الأكثر خال عن حكم الجهل . نعم نسبه الشهيد قدس سره في الدروس إلى اقتضاء رواية جميل إيّاه . (6)

.


1- .منتهى المطلب، ج 2، ص 671.
2- .هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
3- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 175، ح 586؛ وسائل الشيعة، ج 13، ص 330 331، ح 14938.
4- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 476، ح 1678؛ وسائل الشيعة، ج 11، ص 338، ح 14960.
5- .اُنظر: الفقيه، ج 1، ص 59، ح 132؛ التوحيد للصدوق، ص 353، ح 24؛ وسائل الشيعة، ج 7، ص 293، ح 9380.
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 350، الدرس 91، و مرسلة جميل هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.

ص: 629

واختلفوا في النسيان فصرّح الشيخ قدس سره في التهذيب (1) بالصحّة ، ومال إليه العلّامة رحمه اللهفي القواعد حيث قال : «وناسي الإحرام إذا أكمل المناسك يجزيه على رأي» . (2) وعدّه في الإيضاح أقوى (3) ، وهو محكي عن ابن حمزة . (4) وهؤلاء أطلقوا ناسي الإحرام من غير تقييد بالعزم عليه ، فظاهرهم ترك النيّة أو التلبية أو معا، فإنّ الإحرام هو مجموع الأمرين ، والكلّ ينتفي بكلّ منها . وبه قال في المبسوط والنهاية أيضاً ، إلّا أنّه قيّده بالعازم عليه فقال فيهما : فإن لم يذكر يعني الإحرام أصلاً ، حتّى يفرغ من جميع مناسكه فقد تَمَّ حجُّهُ أو عمرته ، ولاشيء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام . (5) فيكون المنسي هو التلبيه فقط ، و هو مقتضي خبر جميل ، وإليه ميل الشهيد في الدروس. (6) وبه صرّح المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد فقال : والحقّ أنّه إن كان المنسي النيّة لم يجزئ، وإن كان المنسي التلبيات أجزأ ، والأخبار لا تدلّ على أكثر من ذلك . (7) انتهى . ولا يبعد حمل كلام الأوّلين أيضاً عليه ، ويؤيّده ما اشتهر بين الأصحاب بل ادّعي عليه الإجماع من بطلان الإحرام بترك نيّته عمدا وسهوا ، وبذلك يرفع التنافي بين الحكمين . وقال المحقّق الشيخ عليّ في شرح قول العلّامة في بحث نيّة الإحرام : «ويبطل الإحرام بتركها عمدا وسهوا» : (8) قد يقال : ما سبق من أنّ ناسي الإحرام حتّى أتى بالمناسك يجزيه ما فعل ينافي ما ذكره

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 60، ذيل الحديث 191.
2- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 417.
3- .إيضاح الفوائد، ج 1، ص 284.
4- .الوسيلة، ص 177.
5- .المبسوط، ج 1، ص 314؛ النهاية، ص 211.
6- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 350، الدرس 91.
7- .جامع المقاصد، ج 3، ص 162.
8- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 418.

ص: 630

باب ما يجب لعقد الإحرام

هنا من بطلان الإحرام بنسيان النيّة . ويمكن الجواب بأنّ بطلان الإحرام لا يخلّ بصحّة المناسك إذا أتى بها الناسي ، فلا منافاة . (1) انتهى ، فتأمّل . وأمّا التجرّد ولبس ثوبي الإحرام فنسيانهما أو جهل حكمهما لا يوجب بطلان الحجّ ولا فساد الإحرام إجماعاً ، وإن قيل : إنّهما أيضاً جزآن من الإحرام كما يظهر ممّا سنحكيه عن ابن الجنيد .

باب ما يجب لعقد الإحرامأراد قدس سره بالوجوب هنا المعنى اللغوي ، ويعني بالموصول الآداب المستحبّة قبل الإحرام من مقدّماته من نتف الإبط والتنوير وتقليم الأظفار وأخذ الشارب والغسل والصلاة . وحكى في الدروس عن ابن أبي عقيل القول بوجوب الغسل قبله . (2) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «لا ينعقد الإحرام بدون الغسل والتجرّد والصلاة» . (3) وكأنّه تمسّك بمكاتبة الحسن بن سعيد . (4) وقال العلّامة رحمه الله في المنتهى : لا نعرف خلافاً في استحباب هذا الغسل . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ الإحرام جائز بغير اغتسال ، وأنّه غير واجب ؛ لأنّه غسل لأمر مستقبل فلا يكون واجباً كغسل الجمعة والعيدين . (5)

.


1- .جامع المقاصد، ج 3، ص 165.
2- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 343، الدرس 90. و حكاه أيضا في الذكرى، ج 1، ص 204؛ حكاه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج 4، ص 50.
3- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 343، الدرس 90.
4- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
5- .منتهى المطلب، ج 2، ص 672. و كلام ابن المنذر حكاه ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير، ج 3، ص 225؛ و النووي في المجموع للنووي، ج 7، ص 212.

ص: 631

ولا يشترط في صحّة هذا الغسل الخلوّ من الحيض والنفاس إجماعاً . ويدلّ عليه من طريق الأصحاب بعض ما رواه المصنّف في الباب وغيره ممّا مرّ في باب الأغسال وفي بعض الأبواب السالفة . ومن طريق العامّة ما نقلوه عن خارجة بن زيد بن ثابت ، [عن أبيه]: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله تجرّد لإهلاله واغتسل (1) ، وأمر أسماء بنت عُميس وهي نفساء أن تغتسل عند الإحرام (2) ، وأمر عائشة أن تغتسل عند الإهلال بالحجّ وهي حائض . (3) وعن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «النفساء والحائض إذا أتتا على المواقيت تغتسلان وتحرمان ، وتقضيان المناسك كلّها غير الطواف بالبيت» . (4) ولو أحرم من غير غسل أو صلاة يستحبّ إعادة الإحرام بعده عند أكثر الأصحاب؛ لمكاتبة الحسن بن سعيد (5) ، ورواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد بن حمّاد الأهوازيّ، عن أخيه الحسن (6) ، واحتجّ عليه أيضاً في المنتهى بأنّه مقدّمة مندوبة ، فاستحبّ إعادة الفعل مع الإخلال به كالأذان . (7) وقال في المختلف : «ولا استبعاد في استحباب إعادة الفرض لأجل النفل ، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلّي فيها بغير أذان ولا إقامة ، فإنّه يستحبّ له إعادتها» . (8) وردّ بذلك ما أورده ابن إدريس على الشيخ قدس سرهبقوله : إن أراد أنّه نوى الإحرام وأحرم ولبّى من دون صلاة وغسل فقد انعقد إحرامه ، فأيّ

.


1- .هي الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
2- .سنن الترمذي، ج 2، ص 163، ح 831 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 5، ص 32_33، باب الغسل للإهلال؛ صحيح ابن خزيمة، ج 4، ص 161، باب إستحباب الاغتسال للإحرام.
3- .صحيح مسلم، ج 4، ص 27، باب إحرام النفساء و إستحباب اغتسالها للإحرام و كذا الحائض؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة، ج 3، ص 225.
4- .المغني و الشرح الكبير، ج 3، ص 225.
5- .سنن أبي داود، ج 1، ص 392، ح 1744.
6- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 78_ 79، ح 260؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 347، ح 16479.
7- .منتهى المطلب، ج 2، ص 673.
8- .مختلف الشيعة، ج 4، ص 50.

ص: 632

إعادة تكون عليه؟ وكيف يتقدّر ذلك؟ وإن أراد أنّه أحرم بالكيفيّة الظاهرة من دون النيّة والتلبية فيصحّ ذلك ويكون لقوله وجه . (1) واعلم أنّ الظاهر اختصاص الحكم بما لو ترك الغسل أوالصلاة عالماً عامدا أو جاهلاً ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النصّ ، ولما ثبت من انتفاء حكم النسيان في هذه الاُمّة ، وقد أطلقه الشيخ ، والظاهر إرادته ما ذكرناه فقد قال في النهاية : «مَن أحرم من غير صلاة وغير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة وغسل» . (2) وفي المبسوط : «كان إحرامه منعقدا ، غير أنّه يستحبّ له إعادة الإحرام» . (3) والعجب من الشهيد والعلّامة حيث قيّداه في الدروس (4) والقواعد (5) بالناسي . ثمّ الظاهر أنّ المعتبر هو الإحرام الأوّل بناءً على صحّته ، كما عرفت من عدم اشتراط الإحرام بهما . وبه جزم في الدروس ، فيكون هذه الإعادة نظيرا لإعادة المنفرد صلاته للجماعة ، وظاهر ما نقلناه عن المختلف أنّه الثاني ، حيث جعله نظيرا لإعادة الصلاة إذا دخل فيها المصلّي بغير أذان وإقامة . وقال في القواعد : وأيّهما المعتبر؟ إشكال . 6 ولا وجه له . نعم ، هو متوجّه على قول ابن الجنيد . وعلى أيّ حال فلا خلاف في وجوب الكفّارة بالمحرّم المتخلّل بينهما ، وقد جزم به في القواعد . 7 فإن قلت : فأيّ فائدة في الخلاف المذكور؟ قلنا : قال فخر المحقّقين: «تظهر الفائدة في ابتداء احتساب الشهر إذا خرج من مكّة ،

.


1- .الدروس الشرعيّة، ج 1، ص 343، الدرس 90.
2- .السرائر، ج 1، ص 532.
3- .النهاية، ص 213.
4- .المبسوط، ج 1، ص 315.
5- .قواعد الأحكام، ج 1، ص 418.

ص: 633

باب ما يجزي من غسل الإحرام وما لا يجزي

وقلنا : إنّ مبدأه من حين الإحرام ، وفي الاستيجار أوالنذر للحجّ لسنته أو نذر شيء لمن فعل إحراماً في سنته» . (1) قوله في خبر عبداللّه بن أبي يعفور : (فلاحاني زرارة في نتف الإبط وحلقه) . [ح 6 / 7156] لاحاني : أي نازعني (2) ، وكأنّ زرارة قال بأفضليّة النتف من الحلق باعتبار أنّ الحلق إنّما يزيل الشعر البارز ، ولا يزيل من أصله الذي في الجلد شيئاً ، بخلاف النتف ، ولما كان الإطلاء مشاركاً للحلق في ذلك المعنى ، فإذا ثبت بفعله عليه السلام كون الإطلاء أفضل من النتف يلزم كون الحلق أيضاً أفضل منه .

باب ما يجزي من غسل الإحرام وما لا يجزيأجمع الأصحاب على أنّه يجزي الغسل للإحرام إذا فضل عنه ، بل لو قدّمه على الميقات أيضاً ، لاسيّما مع خوف عوز الماء فيه . ويدلّ عليه خبر أبي بصير (3) وصحيحة هشام بن سالم (4) وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام ، أيجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال : «نعم» . (5) ويجزي غسل أوّل النهار لباقيه ، وكذا غسل أوّل الليلة لآخرها ؛ لحسنة عمر بن يزيد وخبر أبي بصير . (6) ويؤيّدهما مفهوم ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام

.


1- .إيضاح الفوائد، ج 1، ص 285، و كان في الأصل: «ابتداء حساب الشهر» فصوّبناه حسب المصدر.
2- .مجمع البحرين، ج 4، ص 116 (لحو).
3- .هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
4- .هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
5- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 63، ح 201؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 327، ح 16422.
6- .و هما ح 1 و 2 من هذا الباب من الكافي.

ص: 634

قال : «مَن اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، ومَن اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الفجر» . (1) وفي الموثّق عن موسى بن القاسم ، عن زرعة بن محمّد ، عن سماعة ، عن أبي بصير وعثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، كلاهما عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحمّ قبل ذلك ثمّ أحرم من يومه ، أجزأه غسله ، وإن اغتسل في أوّل الليل ثمّ أحرم في آخر الليل أجزأه غسله» . (2) نعم يستحبّ إعادته إذا نام بعده قبل الإحرام ؛ لصحيحة النضر (3) وخبر أحمد بن محمّد عن عليّ بن أبي حمزة . (4) وظاهر الخبرين وإن كان وجوب الإعادة لكنّه حمل على الاستحباب ؛ لأنّ الإعادة فرع الأصل ، وهو مستحبّ كما عرفت ، وللجمع بينهما وبين صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم ، قال : «ليس عليه غسل» . (5) ونفى ابن إدريس استحبابه هنا (6) ، وألحق في الدروس بالنوم غيره من الأحداث (7) ، واستشكله العلّامة في القواعد من عدم النصّ ومن الأولويّة . (8) وكذا يستحبّ إعادته إذا لبس المخيط بعد الغسل وقبل الإحرام ؛ لخبري القاسم بن محمّد وهو الجوهريّ عن عليّ بن أبي حمزة (9) ، ورواية محمّد بن مسلم . (10)

.


1- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 64، ح 204؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 328، ح 16427.
2- .تهذيب الأحكام، ج 5، ص 64، ح 205؛ وسائل الشيعة، ج 5، ص 329، ح 16428.
3- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
4- .هو الحديث الخامس من هذا الباب.
5- .الفقيه، ج 2، ص 311، ح 2544؛ تهذيب الأحكام، ج 5، ص 65، ح 208؛ الاستبصار، ج 2، ص 164، ح 539؛ وسائل الشيعة، ج 12، ص 330، ح 16432.
6- .السرائر ، ج 1 ، ص 530 .
7- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 343 ، الدرس 90 .
8- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 418 .
9- .هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي .
10- .هي الحديث الثامن من هذا الباب .

ص: 635

باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله من الطيب والصيد

باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه

ولا تستحبّ إعادته فيما عدا هذه ؛ لعدم دليل عليه وأصالة العدم ، وألحق جماعة منهم الشهيد في الدروس (1) أكل الطيب والتطيّب به ، وهو قياس بحت .

باب ما يجوز للمحرم بعد اغتساله من الطيب والصيد وغير ذلك قبل أن يلبّيلا خلاف بين الأصحاب في جواز محرّمات الإحرام كلّها قبل التلبية عدا استعمال طيب يبقى أثره إلى بعد الإحرام . (2) ووافقنا العامّة في ذلك إلّا ما حكي عن بعضهم من انعقاد الإحرام بمجرّد النيّة وفي الطيب ، وما يأتي خلافهم فيه في موضعه . قوله في خبر أبان : (وكان عليّ عليه السلام لا يزيد على السليخة) .[ح 3 / 7168] قال الجوهري : السّليخة : عطر كأنّه قشر منسلخ ، ودهن ثمر البان قبل أن يركّب . (3) قوله في صحيح محمّد بن مسلم : (كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى) .[ح 4 / 7169] الخثور : نقيض الرقّة (4) ، فالوصف كالكاشف له . قوله في حسن حريز : (ما لم يعقد التلبية أو يلبّ) .[ح 7 / 7172] الترديد من الراوي ، والعطف على المنفي .

باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيهفيه مسائل :الاُولى : يستحبّ صلاة ستّ ركعات للإحرام ؛ لما رواه الشيخ عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تصلّي للإحرام ستّ ركعات ، تحرم في دبرها» . (5)

.


1- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 343 ، الدرس 90 .
2- .تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 333 .
3- .هذا المعنى و هذه العبارات من القاموس المحيط للفيروز آبادى ، ج 1 ، ص 261 (سلخ) ، و لم يذكره الجوهري في صحاح اللغة .
4- .صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 642 (خثر) .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 166 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 345 ، ح 16473 .

ص: 636

وآكد منها أربع ركعات ؛ للجمع بينه وبين خبر إدريس بن عبداللّه ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر ، كيف يصنع؟ قال : «يقيم إلى المغرب» ، قلت : فإنّ أبى جمّاله أن يقيم عليه؟ قال : «ليس له أن يخالف السنّة» . قلت : أله أن يتطوّع بعد العصر؟ قال : «لا بأس به ، ولكنّي أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحبّ إليّ» . قلت : كم اُصلّي إذا تطوّعت؟ قال : «أربع ركعات» . (1) ثمّ الآكد ركعتان . ويدلّ عليه الجمع بين الخبرين المذكورين وحسنة معاوية بن عمّار (2) وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصلِّ ركعتين ، ثمّ أحرم في دبرها» . (3) والأفضل أن يحرم عقيب صلاة فريضة كما يظهر من بعض ما أشرنا إليه من الأخبار وغيرها ، ولا تفضيل لبعض الفرائض على بعض في ذلك ؛ لعدم دليل يعتدّ به على ترجيح بعض منها ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (4) ، وظاهر الشهيد في اللمعة أنّ الظهر أفضل (5) ، وصرّح به جماعة منهم الشيخ في المبسوط حيث قال : «وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال ، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر» . (6) وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بحسنة الحلبيّ ومعاوية بن عمّار جميعاً عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وبما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبيّ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام أليلاً أحرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو نهارا؟ فقال : «بل نهارا» ، فقلت : فأيّة ساعة؟ قال : «صلاة الظهر» .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 259 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 364 365 ، ح 16477 .
2- .هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 258 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 166 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 345 ، ح 16474 .
4- .اللمعة الدمشقيّة ، ص 76 ؛ شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 269 .
5- .المبسوط ، ج 1 ، ص 314 _315 .
6- .هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .

ص: 637

فيرد عليهم : أنّ الحسنة إنّما تدلّ على أفضليّة وقوع الإحرام عند الزوال ، وظاهرها إيقاعه قبل صلاة الظهر . وبالجملة ، فليست صريحة في ذلك . وأمّا الصحيحة فلها تتمّة رواها المصنّف (1) ، وهي صريحة في أنّه صلى الله عليه و آله إنّما أخّر الإحرام إلى ذلك الوقت انتظارا للماء ، وأنّهم لمّا نزلوا ذا الحليفة راح الناس في طلب الماء على رؤوس الجبال ولم يرجعوا إلّا في ذلك الوقت . وفيه تنبيه على أنّهم لو قدروا على الماء قبله لكان إحرامهم حينئذٍ أفضل . واعلم أنّه حكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «ثمّ يحرم في دبر (2) صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كان وقت صلاة مكتوبة صلّى ركعتين ثمّ أحرم بعد التسليم ، وهو يشعر بتقديم الفريضة على نافلة الإحرام» . (3) قال المفيد قدس سره : «وإن كان وقت فريضة وكان متّسعاً قدّم نوافل الإحرام ، وهي ستّ ركعات ، وتجزي منها ركعتان ، ثمّ صلّى الفريضة وأحرم في دبرها فهو أفضل .» (4) وبهذا الجمع صرّح أكثر الأصحاب ولم أرَ شاهدا له من النصوص ، بل ظاهرها الاكتفاء بالفريضة على تقدير وقوع الإحرام عقيبها . ويؤيّده خبر أبي الصباح الكنانيّ (5) ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال : «والأفضل أن يكون عقيب فريضة ، فإن لم يكن وقت فريضة صلّى ستّ ركعات وأحرم في دبرها ، فإن لم يتمكّن من ذلك أجزأته ركعتان» . (6) ومثله في النهاية (7) ، فتأمّل . الثانية : عقد الإحرام ، فقد أجمع أهل العلم على اعتبار النيّة في عقد الإحرام كما في

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 78 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 238_ 239 ، ح 16457 .
2- .في نسخة «ه » : + «كلّ» .
3- .مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 50 .
4- .المقنعة ، ص 396 .
5- .هو الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
6- .المبسوط ، ج 1 ، ص 314 315 .
7- .النهاية ، ص 213 .

ص: 638

سائر العبادات ؛ لما ثبت من الطريقين من قولهم عليهم السلام : «إنّما الأعمال بالنيّات» (1) ، بل ادّعي إجماع الأصحاب على بطلان الإحرام بتركها عمدا وسهوا كما سبق . وقال جماعة من العامّة بانعقاد الإحرام بمجرّدها (2) كما سيأتي ، وقد أشرنا إليه أيضاً . وأجمع الأصحاب على أنّها لا تكفي فيه ، بل يشترط فيه التلبيات في المفرد والمتمتّع . (3) ويدلّ عليه أخبار متكثّرة قد سبق بعضها في الباب السابق ، ويأتي أكثرها في مواضع متفرّقة . وحكاه في العزيز عن أبي حنيفة وجماعة من العامّة ، وحكى فيه عن الشافعي قولاً بوجوبها دون اشتراطها وجبرانها بدم . (4) ونسبه في المنتهى إلى أصحاب مالك أيضاً . (5) وعن الحسن بن صالح وأحمد وقول آخر للشافعي استحبابها (6) ، وهؤلاء الذين أشرنا إلى أنّهم قالوا بانعقاد الإحرام بمجرّد النيّة ، واحتجّوا عليه بأنّه عبادة ليس في آخرها ولا في أثنائها نطق واجب ، فكذلك في ابتدائها كالطهارة والصوم . (7) وهو كما ترى . وأمّا القارن فهو على المشهور بين الأصحاب مخيّر في عقد إحرامه مع النيّة بالتلبيات أو بالإشعار والتقليد .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 83 ، ح 218 ؛ و ج 4 ، ص 186 ، ح 518 و 519 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 48 49 ، ح 88 و 89 و 92 ؛ و ج 6 ، ص 5 ، ح 7197 و 7198 ؛ و ج 10 ، ص 13 ، ح 12712 و 12713 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 2 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 413 ، ح 4227 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 490 ، ح 2201 ؛ مسند الطيالسي ، ص 9 ؛ مسند الحميدى ، ج 1 ، ص 16 17 ، ح 28 .
2- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 200 .
3- .اُنظر : الانتصار ، ص 253 ؛ الخلاف ، ج 2 ، ص 289 290 ، المسألة 66 ؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص 180 .
4- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 202 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 676 . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 248 . و انظر : المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 254 ؛ و الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج 3 ، ص 256 257 ؛ و المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 225 .
6- .المجموع للنووي ، ج 7 ، ص 225 ؛ المغني ، ج 3 ، ص 254 ؛ الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 256 .
7- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 201 202 .

ص: 639

وحكاه في العزيز عن أبي حنيفة (1) ، وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار (2) بتحتّم التلبية له أيضاً محتجّاً عليه بالإجماع وبفعل النبيّ صلى الله عليه و آله حيث لبّى ، وهو عليه السلام كان قارناً وقد قال صلى الله عليه و آله : «خذوا عنّي مناسككم» (3) ، وبقوله صلى الله عليه و آله لعائشة : «أهلّي بالحجّ» (4) حيث أمر بالإهلال ، والأمر للوجوب . والإهلال : رفع الصوت بالتلبية . (5) وبقوله صلى الله عليه و آله : «أتاني جبرئيل عليه السلام فقال : مرّ أصحابك بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية» . (6) وبه قال ابن إدريس (7) أيضا ، وإنّما قالا بذلك بناءً على أصلهما ، وإلّا فعلى المشهور لابدّ من القول بما هو المشهور ؛ للجمع بين ما ذكر وأخبار متكثّرة دلّت على تعيّنها ، منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» . (8) وفي الصحيح عن حريز بن عبداللّه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كلّ بدنتين ، فيشعر هذه من الشقّ الأيمن ويشعر هذه من الشقّ الأيسر ، ولا يشعرها أبدا حتّى يتهيّأ للإحرام ، فإنّه إذا أشعر وقلّد وجب عليه الإحرام وهو بمنزلة التلبية» . (9) وفي الصحيح عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أشعر بدنته فقد أحرم

.


1- .فتح العزيز ، ج 7 ، ص 202 .
2- .الانتصار ، ص 254 .
3- .السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 125 ؛ كنزالعمّال ، ج 5 ، ص 116 ، ح 12302 .
4- .مسند أحمد ، ج 3 ، ص 394 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 26 و 35 ؛ سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1785 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 165 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 344 و 347 .
5- .النهاية ، ج 5 ، ص 271 (هلل) .
6- .سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 34 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 162 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 450 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 42 ؛ السنن الكبرى للنسائى ، ج 2 ، ص 354 ، ح 3734 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 377 .
7- .السرائر ، ج 1 ، ص 532 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 43 44 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14798 .
9- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 43 ، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14797 .

ص: 640

وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير» . (1) وفي الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن البدنة كيف يشعرها ، قال : «يشعرها وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة ، ويشعرها من جانبها الأيمن ، ثمّ يحرم إذا قلّدت وأشعرت» . (2) وأمّا التجريد عن المخيط ولبس ثوبي الإحرام فهما على المشهور ليسا جزئين من الإحرام ولا شرطين فيه ، بل لم أجد لذلك مخالفاً . نعم ، حكى المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (3) عن العلّامة أنّه اختار في المختلف (4) تركّب الإحرام من اللبس والنيّة والتلبية ، واستبعده . ثمّ إنّهم اختلفوا في وجوب مقارنة النيّة للتلبية ، فالمشهور عدمه ، وهو المستفاد من الأخبار ؛ للأمر في كثير منها بتأخير التلبية عن موضع الإحرام هنيهة ، بل يظهر من أخبار الإحرام من مسجد الشجرة استحبابه في هذا الميقات ، وقد سبقت الإشارة إليه . وذهب ابن إدريس (5) على ما نقل عنه إلى وجوبها كوجوب مقارنة نيّة الصلاة للتحريمة ، ولم أرَ شاهدا له من النصوص . ومَن لم يعتبر المقارنة إنّما جوّز تأخيرها ما لم يتجاوز عن الميقات كما سبق . الثالثة : لقد أجمع العلماء من الفريقين ودلّت الأخبار من الطريقين على استحباب الاشتراط في إحرام النسكين إلّا ما حكاه في المنتهى (6) عن شذّاذ منهم كابن عمر وسعيد بن جبير وطاووس والزهريّ ومالك (7) ، وهو أن يقول : اللّهمَّ حُلّني حيث حبستني . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف قدس سره في الباب وفي بعض الأبواب السالفة ما

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 44 ، ح 130 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14799 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 43 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 279 ، ح 14796 .
3- .جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 162 .
4- .مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 43 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 527 .
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 680 .
7- .المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 243 244 ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن قدامة ، ج 3 ، ص 231 .

ص: 641

رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت الإحرام والتمتّع فقل : اللّهمُّ إنّي اُريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحجّ فيسّر لي ذلك وتقبّله منّي وأعنّي عليه و حُلَّني حيث حبستني بقدرك الذي قدّرت عليَّ» . (1) وعن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم ، وخذ من شاربك ومن أظفارك وعانتك إن كان لك شعر ، وانتف إبطك ، واغتسل والبس ثوبيك ، ثمّ ائت المسجد الحرام ، فصلِّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم ، وتدعو اللّه وتسأله العون وتقول : اللّهمَّ إنّي اُريد الحجّ فيسّره لي ، وحلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليَّ ، وتقول : أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي ، ومن النساء والطيب اُريد بذلك وجهك والدار الآخرة ، وحُلّني حيث حبستني لقدرك الذي قدّرت عليَّ» (2) ، الحديث . وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه ، ومفرد الحجّ يشترط على ربّه إن لم يكن حجّة فعمرة» . (3) وما رواه الجمهور عن عائشة ، قالت : دخل النبيّ صلى الله عليه و آله على ضباعة بنت الزبير فقالت : يارسول اللّه ، إنّي اُريد الحجّ وأنا شاكية ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «حجّي واشترطي على ربّك أنّ محلّي حيث حبستني» . (4) وعن ابن عبّاس : أنّ ضباعة أتت النبيّ صلى الله عليه و آله فقالت : يارسول اللّه ، إنّي اُريد الحجّ فكيف أقول؟ قال : «قولي : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، ومحلّي حيث تحبسني ، فإنّ لكِ على

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 79 ، ح 263 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 167 ، ح 553 إلى قوله : «فتقبّله منّي» ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 341 342 ، ح 16463 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 168 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 251 ، ح 881 مع اختصار ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 340 ، ح 14966 صدره ؛ و ج 12 ، ص 409 ، ح 16640 بتمامه .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 81 82 ، ح 271 عن الكليني . و الحديث في الكافي ، باب صلاة الإحرام ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 354 355 ، ح 16496 .
4- .المعجم الكبير ، ج 24 ، ص 334 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 207 ، ح 2470 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 7 ، ص 137 .

ص: 642

ربّك ما استثنيت» . (1) وعندنا اشتراط آخر في حجّ الإفراد خاصّة ، وهو أن يقول : إن لم تكن حجّة فعمرة ، ولقد أجمعنا على أنّ هذا الاشتراط تعبّد واستدعاء لأن يتمّ اللّه نسكه . وأمّا الأوّل فقيل : هو أيضاً كذلك ، مال إليه الشهيد الثاني قدس سره (2) ، وبه يشعر قوله عليه السلام في خبر أبي بصير المتقدّم : «وتسأله العون وتقول : اللّهمّ إنّي اُريد الحجّ فيسّره لي ، وحُلّني حيث حبستني» (3) فإنّ الظاهر أنّ قوله : «وتقول» تفسير لسؤال العون ، والظاهر أنّ الأمر على هذا في معنى النهي ، كأنّه قال : اللّهمَّ لا تحبسني عن نسكي . وعلى المشهور له فائدة اُخرى ، واختلفوا فيها ، فقال الأكثر : هي تعجيل التحلّل عند الحصر من غير انتظار بلوغ الهدي محلّه ، وإليه ذهب المحقّق في النافع (4) ، واحتجّوا عليه بأنّه المتبادر من قوله : «وحُلّني حيث حبستني» ، وهؤلاء حصروا فائدته في المحصور ، فإنّ المصدود يجوز له ذلك مع عدم الاشتراط أيضاً كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه . ومالَ صاحب المدارك (5) إلى ثبوت تلك الفائدة في المحصور وثبوت فائدة اُخرى للمصدود ، وهي سقوط الهدي واستفادها ممّا سيأتي من صحيح ذريح (6) من حيث إنّه لم يتعرّض فيه لذكر الهدي ، معلّلاً بأنّه لو كان واجباً لذكر في مقام البيان . ويردّه عموم قوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (7) ، وانتفاء مخصّص له يعتدّ به .

.


1- .صحيح ابن حبّان ، ج 9 ، ص 88 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 35 ؛ سنن النسائي ، ج 5 ، ص 167 168 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 2 ، ص 358 ، ح 3749 .
2- .شرح اللمعة ، ج 2 ، ص 234 235 .
3- .الكافي ، باب الأحرام يوم التروية ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 168 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 251 ، ح 881 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 409 ، ح 16640 .
4- .المختصر النافع ، ص 100 .
5- .مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 289 290 .
6- .وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 356 ، ح 16501 .
7- .البقرة (2) : 196 .

ص: 643

وذهب السيّد المرتضى رضى الله عنه (1) إلى أنّها سقوط هدي التحلّل عند الحصر والصدّ معاً محتجّاً بالإجماع ، وبوجوب فائدة له ؛ ظنّاً منه انحصارها في ذلك ، ثمّ عارض ما ذكر بعموم قوله تعالى : «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» ، وأجاب بتخصيصه بغير المشترط . وردّ هذا الجواب بعدم دليل على كون الاشتراط مخصّصاً ذلك التخصيص . وبه قال ابن إدريس (2) أيضاً ؛ ظانّاً ذلك الانحصار . ونفى في المدارك عنه البُعد . (3) ويظهر من عبارات جماعة من الفحول أنّ الفائدة جواز التحلّل بالحصر والصدّ ، ويفهم منها عدم جواز التحلّل لهما بدونه . قال الشيخ في الخلاف : يجوز للمحرم أن يشترط في حال إحرامه أنّه إن عرض له عارض يحبسه أن يحلّ حيث حبسه ، من مرض أو عدوّ أو انقطاع نفقة أو فوات وقت ، وكان ذلك صحيحاً يجوز له أن يتحلّل إذا عرض شيء من ذلك . (4) وفي المبسوط : «متى شرط في حال الإحرام أن يحلّه حيث حبس صحّ ذلك» (5) وأوجب فيهما الهدي عليه . وأظهر في ذلك عبارة المنتهى حيث قال : «فائدة الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار ، وقيل : يتحلّل من غير اشتراط» . (6) ثمّ عبارة القواعد فإنّه قال : «فائدة الاشتراط جواز التحلّل على رأي» . (7) وقد حمل العلّامة«رضى اللّه » عبارة الخلاف على ظاهرها حيث نقل عن ابن إدريس

.


1- .الانتصار ، ص 258 259 ، المسألة 142 .
2- .السرائر ، ج 1 ، ص 534 .
3- .مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 289 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 429 ، المسألة 323 .
5- .المبسوط، ج 1، ص 334.
6- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 680 ؛ و مثله في تذكرة الفقهاء ، ج 7 ، ص 260 .
7- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 421 .

ص: 644

أنّه اعترض على الشيخ أنّه تناقض في مسألتين متتاليتين ، فقال في مسألة : «يجوز للمحرم أن يشترط» ، (1) إلى آخر ما حكينا عنه ، ثمّ قال في مسألة بعدها : «إذا اشترط على ربّه في حال الإحرام ثمّ حصل الشرط وأراد التحلّل فلابدّ من نيّة التحلّل والهدي» (2) ، فتناظر وتخاصم في المسألة الاُولى من قال : إنّ الشرط لا تأثير له ووجوده كعدَمه ، واستدلّ على صحّته وتأثيره ، وفي الثانية ذهب إلى أنّ وجوده كعدمه ، وقال : هذا عجيب طريف . (3) وأجاب بقوله : أيّ عجب فيما ذكره الشيخ؟! وأيّ استطراف فيه؟ فلعلّه توهّم أنّ الشيخ حيث أوجب الهدي جعل وجوده كعدمه ، ولم يتفطّن ؛ لأنّ التحلّل إنّما يجوز مع الاشتراط ، وأنّه لولاه لم يجز له التحلّل ، وهل هذا إلّا جهل منه ؟ وقلّة تأمّل ؛ لفتاوى الفقهاء وعدم مزيد تحصيل لمقاصدهم . (4) انتهى . وأظنّ أنّهم ما أرادوا ذلك الظاهر ، كيف وهم في بحث الحصر والصدّ أطلقوا القول بجواز التحلّل بهما من غير تقييد بالاشتراط؟ وأنّى لهم القول بذلك؟ وينفيه عموم قوله تعالى : «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْىِ» (5) ، وخصوص خبر حمزة بن حمران (6) وحسنة زرارة (7) وغيرهما ممّا يأتي في موضعه ، بل أرادوا جواز تعجيل التحلّل من غير تربّص على حذو ما حكيناه عن النافع . ويؤيّده كلمة «عند» (8) في موضعين فيما نقلناه عن المنتهى (9) . على أنّ كلام المنتهى

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 680 .
2- .البقرة (2) : 196 .
3- .في نسخة «ه» : «للمشترط أن يحرم» . و هذه العبارة من الخلاف ، ج 2 ، ص 429 ، المسألة 323 .
4- .الخلاف ، ج 2 ، ص 431 ، المسألة 324 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 534 535 .
6- .مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 67 .
7- .هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
8- .هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
9- .في نسخة «ه» : «عنده» .

ص: 645

يحتمل إرادة سقوط الهدي ؛ وفاقاً لما نقلناه عن السيّد رضى الله عنه (1) ، بل يتعيّن ذلك ، فإنّه صرّح بذلك في بحث الحصر والصدّ حيث بيّن جواز إحلال المحصور والمصدود بالهدي وأطلقه ، ثمّ قال مشيرا إلى ما حكينا عنه : «قد بيّنا أنّه إذا اشترط في إحرامه أن يحلّه حيث حبسه جاز له أن يحلّ ، إذا ثبت هذا فله أن يتحلّل من دون إنفاذ هدي ، أو ثمن هدي إلّا أن يكون ساقه وأشعره وقلّده» (2) وهذا التأويل لا يجزي في كلامي الشيخ ، فإنّه صرّح فيهما بوجوب الهدي على ما عرفت . وربّما وجّه كلام القواعد (3) بتوجيه آخر لو تمّ لجرى فيما عداه أيضاً ، فقد قال فخر المحقّقين في شرحه : ليس المراد منه المنع من التحلّل لو لم يشترط ، بل معناه أنّ التحلّل ممنوع منه ، ومع العذر وعدم الاشتراط يكون جواز التحلّل رخصة ، ومع الاشتراط يصير التحلّل مباح الأصل . _ وقال : والفائدة تظهر فيما لو نذر أن يتصدّق كلّما فعل رخصة . (4) وتبعه المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرحه فقال : قوله : (وفائدة الشرط جواز التحلّل) جواب عن سؤال مقدّر يرد على ما سبق ، وصورته : أن لا فرق بين المشترط وغيره ، فلا فائدة للشرط حينئذٍ . وجوابه : أنّ فائدته كون التحلّل مستحقّاً بالأصالة بعد أن كان رخصة . ثمّ قال : ولا يخفى ما في العبارة من المناقشة ، فإنّ جواز التحلّل ليس هو الفائدة ، بل ثبوت الجواز حينئذٍ أصالةً . (5) هذا ، وجوّز الشيخ قدس سره في موضع من التهذيب أن يترتّب عليه سقوط الحجّ في المقابل عمّن فاته الموقفان ، وهو أحد وجهي الجمع له بين ما دلّ على وجوب الحجّ في القابل عليه ، وبين ما رواه عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقيّ ، قال : كنت مع أبي

.


1- .قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 421 .
2- .الانتصار ، ص 258 259 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 852 .
4- .إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 292 .
5- .جامع المقاصد ، ج 3 ، ص 174 .

ص: 646

عبداللّه عليه السلام بمنى إذ دخل عليه رجل ، فقال : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحجّ ، فقال : «نسأل اللّه العافية» ثمّ قال : «أرى عليهم أن يهرق كلّ واحد منهم دم شاة ويحلق ، وعليهم الحجّ من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتّى يمضي أيّام التشريق بمكّة ثمّ خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة ، فأحرموا منه واعتمروا ، فليس عليهم الحجّ من قابل» . (1) فقد قال قدس سره : يحتمل أن يكون الخبر مختصّاً بمن اشترط في حال الإحرام ، فإنّه إذا كان اشترط لم يلزمه الحجّ من قابل ، وإن لم يكن قد اشترط لزمه ذلك في العام المقبل . واستند في ذلك الجمع بصحيحة ضريس بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فلم يبلغ مكّة إلّا يوم النحر ، فقال : «يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكّة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله» ، وقال : «هذا لمن اشترط على ربّه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشترط فإنّ عليه الحجّ من قابل» . (2) وفي بعض الأخبار ما يدلّ على ثبوت هذه الفائدة في المحصور ، رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ واُحصِر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : «أَوَما شرط على ربّه قبل أن يحرم أن يحلّه من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللّه ؟» فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : «فليرجع إلى أهله حِلّاً لا إحرام عليه ، إنّ اللّه أحقّ من وفى بما اشترط عليه» . قلت : أفعليه الحجّ من قابل؟ قال : «لا» . (3) والمشهور بين الأصحاب انتفاء تلك الفائدة في فائت الموقفين ، وأنّه على تقدير

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 295 ، ح 1000 ، و ص 480 ، ح 1705 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 307 ، ح 1097 ؛ وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 50 ، ح 18562 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 295 296 ، ح 1001 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 308 ، ح 1098 ؛ وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 49 ، ح 18559 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 81 ، ح 270 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 ، ح 558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 356 ، ح 16501 .

ص: 647

استقرار الحجّ عليه يجب في القابل وإن اشترط ، وبه أفتى الشيخ قدس سره في التهذيب أيضاً قبل ما حكينا عنه في بحث الاشتراط فقال : «وأمّا لزوم الحجّ له في العام المقبل فلا يسقط عنه لأجل الاشتراط» ، واحتجّ عليه بما رواه في الصحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ أن تحلّني حيث حبستني ، أعليه الحجّ من قابل؟ قال : «نعم» . (1) وعن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل يشترط في الحجّ ، كيف يشترط؟ قال : «يقول حين يريد أن يحرم : أن حُلّني حيث حبستني ، فإن حبستني فهو عمرة» ، فقلت : فعليه الحجّ من قابل؟ فقال : «نعم» . قال الشيخ : وقال صفوان : قد روى هذه الرواية عدّة من أصحابنا كلّهم يقول : إنّ عليه الحجّ من قابل . (2) ولم أجد قائلاً بثبوتها في المحصور ، وينفيها عموم ما دلَّ على وجوب القضاء عليه ، ومنه الخبران المذكوران ، وخصوص ما يرويه المصنّف في باب المحصور والمصدود عن رفاعة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر ، هل يجزيه أن لا يحجّ من قابل؟ قال : «يحجّ من قابل ، والحاج مثل ذلك إذا اُحْصِر» (3) ، الحديث . واعلم أنّ الشرط على ما هو ظاهر الأكثر مختصّ بالمرض والعدوّ ، وعمّمه الشيخ في موضع من التهذيب (4) وفي الخلاف (5) _ كما عرفت وفي المبسوط حيث قال : «لابدّ أن يكون للشرط فائدة مثل أن يقول : إن مرضت أو تفنى نفقتي أو فاتني الوقت أو ضاق

.


1- .الخلاف ، ج 2 ، ص 429 ، المسألة 323 .
2- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 80 81 ، ح 268 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 170 ، ح 556 ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 190 ، ح 17544 .
3- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 81 ، ح 269 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 ، ح 557 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 354 ، ح 16495 ، و ص 356 ، ح 16500 .
4- .الحديث السابع من الباب المذكور ؛ وسائل الشيعة ، ج 13 ، ص 189 ، ح 17542 .
5- .لم أعثر عليه .

ص: 648

باب التلبية

عليَّ أو منعني عدوّ وغيره ، فأمّا إن قال : أن تحلّني حيث شئت فليس له ذلك» . (1) وهو ظاهر ابن إدريس . وهذا التعميم في فوات الوقت وضيقه غير بعيد لما سبق . وأمّا في فناء النفقة فغير مستند إلى دليل يعتدّ به ، فتأمّل . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة وخرج بغير تلبية) .[ح 14 / 7189] أراد بالإحرام هنا مقدّماته ، وقد شاع في الحديث استعماله في هذا المعنى كما سبقت الإشارة إليه .

باب التلبيةقال ابن الأثير : في حديث إهلال الحجّ : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، هو من التلبية ، وهي إجابة المنادي ، أي إجابتي لك ياربّ ، وهو مأخوذ من لبّ بالمكان والَبّ ، إذا أقام ، وألبّ على كذا ، إذا لم يفارقه ، ولم يستعمل إلّا على لفظ التثنية في معنى التكرير ، أي إجابة بعد إجابة ، وهو منصوب على المصدر بعاملٍ لا يظهر ، كأنّك قلت اُلبّ إلباباً بعد إلباب ، والتلبية من لبّيك كالتهليل من لا إله إلّا اللّه . وقيل : معناه اتّجاهي وقصدي ياربّ إليك ، من قولهم : داري تُلبّ دارك ؛ أي تواجهها . وقيل : معناه أخلص لك من قولهم : حَسَبٌ لباب إذا كان خالصاً محضاً ، ومنه لبّ الطعام ولُبابه . (2) واختلف الأصحاب في كيفيّة التلبية العاقدة للإحرام بعد اتّفاقهم بل اتّفاق أهل الخلاف أيضاً على عدم وجوب الزائد على التلبيات الأربع ، فذهب المحقّق والأكثر

.


1- .المبسوط ، ج 1 ، ص 334 .
2- .النهاية ، ج 4 ، ص 222 (لبب) .

ص: 649

إلى أنّها : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريكَ لك لبّيك . (1) وهو الظاهر من حسنة معاوية بن عمّار (2) على ما يشعر به آخرها . وأضاف إليها جماعة : إنّ الحمد والنعمة لك والمُلك ، لا شريك لك ، قال به المفيد (3) وابنا بابويه (4) ووافقهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد (5) وسلّار (6) وجماعة على ما حكي عنهم ، واحتمله أيضاً آخر الحسنة المشار إليها . ويدلّ عليه ما سنرويه من خبر أبي جعفر عليه السلام عن جابر ، وصحيحة عبداللّه بن سنان (7) ، وصحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : «في مسجد الشجرة ، فقد صلّى [فيه] رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد ترى ناساً يحرمون فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبّيك ، اللّهمَّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ» . (8) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الفقيه مرسلاً ، قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «وجاء جبرئيل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال له : إنّ التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك» (9) بناءً

.


1- .المختصر النافع ، ص 82 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 181 . و انظر : جامع الخلاف و الوفاق ، ص 181 ؛ مدارك الأحكام ، ج 7 ، ص 268 .
2- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
3- .. المقنعة ، ص 397 .
4- .فقه الرضا عليه السلام ، ص 216 217 ؛ المقنع ، ص 220 ؛ الهداية ، ص 220 ؛ و حكاه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 54 عن رسالة ابن بابويه .
5- .حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 54 .
6- .المراسم العلويّة ، ص 108 .
7- .هي الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 223 224 ، ح 14658 .
8- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 84 ، ح 277 ؛ الاستبصار ، ج 2 ، ص 169 170 ، ح 559 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 370 ، ح 16538 .
9- .. الفقيه ، ج 2 ، ص 326 327 ، ح 2585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 379 ، ح 16560 .

ص: 650

على عدم وجود لبّيك أخيرا في بعض النسخ . ويؤيّد هذه الأخبار ما رواه أيضاً في الفقيه عن يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن يسار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لمّا بعث اللّه موسى بن عمران واصطفاه نجيّاً وفلق له البحر ونجّى بني إسرائيل وأعطاه التوراة و الألواح ، رأى مكانه من ربّه عزّ وجلّ فقال : ياربّ ، لقد أكرمتني بكرامة لم تُكرم بها أحدا من قبلي ، فقال اللّه جلَّ جلاله : يا موسى ، أما علمت أنّ محمّدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟ قال موسى : ياربّ ، فإن كان محمّد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال اللّه تعالى : يا موسى ، أما علمت أنّ فضل آل محمّد على جميع آل النبيّين كفضل محمّد على جميع المرسلين ؟ فقال : ياربّ ، فإن كان آل محمّد كذلك فهل في اُمم الأنبياء أفضل عندك من اُمّتي ، ظللتَ عليهم الغمام وأنزلت عليهم المنّ والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال اللّه جلَّ جلاله : يا موسى ، أما علمت أنّ فضل اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله على جميع الاُمم كفضله على جميع خلقي؟ فقال موسى : ياربّ ، ليتني كنت أراهم ، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا موسى ، إنّك لن تراهم ، فليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنان ، جنّات عدن والفردوس بحضرة محمّد صلى الله عليه و آله ، في نعيمها يتقلّبون ، وفي خيراتها (1) يتبجّحون ، أفتحبّ أن تسمع كلامهم؟ قال : نعم يا إلهي ، قال اللّه عزّ وجلّ : قُم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، ففعل ذلك موسى ، فنادى ربّنا عزّ وجلّ : يا اُمّة محمّد ، فأجابوه كلّهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام اُمّهاتهم : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك» . (2)

.


1- .في هامش الأصل : و في بعض النسخ : «حيراتها» بالحاء المهملة ، و في شرح الفقيه : أنّها جمع حور . (منه) .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 327 328 ، ح 2586 .

ص: 651

وصحيحة عبداللّه بن سنان وما بعده وإن اشتملت على أمر زائد على المدّعى لكن الزائد منفي الوجوب بالإجماع ، فتبقى دلالتها عليه . على أنّ قوله : لبّيك أخيرا في الخبرين الأخيرين ليس في بعض نسخ الفقيه ، وقد روى الأخير في كتاب العلل (1) ، وليس فيه ذلك ، وكأنّه من سهو النسّاخ . وقيل : هي لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك ، ذكره الشيخ في المبسوط (2) والنهاية (3) وابن إدريس (4) ، وحكي عن أبي الصلاح (5) وابن البرّاج . (6) وفي الدروس أتمّها : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك لك لا شريك لك لبّيك . (7) ولم أجد لهما شاهدا . واختلف أهل الخلاف في استحباب الزائد على التلبيات الأربع ، فوافقنا أبو حنيفة وأصحابه على استحبابه ، وقال الشافعي : إنّه غير مستحبّ ، وبه قال أحمد ، وقال بعضهم : إنّه مكروه . (8) لنا : ما تقدّم من حسنة معاوية بن عمّار (9) ، وخبر عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشياً لبّيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، لبّيك ذا المعارج لبّيك ، لبّيك بحجّة

.


1- .هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
2- .علل الشرائع ، ص 416 417 ، الباب 157 علّة التلبية ، ح 3 .
3- .المبسوط ، ج 1 ، ص 316 .
4- .النهاية ، ص 215 .
5- .السرائر ، ج 1 ، ص 536 .
6- .الكافي في الفقه ، ص 193 .
7- .المهذّب ، ج 1 ، ص 215 .
8- .الدروس الشرعيّة ، ج 1 ، ص 347 ، الدرس 90 .
9- .اُنظر : فتح العزيز ، ج 7 ، ص 263 264 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 4 ، ص 187 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 3 ، ص 256 ؛ بدائع الصنائع ، ج 2 ، ص 145 ؛ الاستذكار ، ج 4 ، ص 44 ؛ التمهيد ، ج 5 ، ص 127 128 .

ص: 652

تمامها عليك ، واجهر بها كلّما ركبت وكلّما نزلت وكلّما هبطت وادياً أو علوت أكمة أو كنت راكباً وبالأسحار» . (1) وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لمّا لبّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك لا شريك لك لبّيك ذا المعارج لبّيك» . (2) ويؤيّدها ما رواه الجمهور عن ابن عمر أنّه كان يلبّي تلبية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويزيد مع هذا : لبّيك لبّيك ، لبّيك وسعديك ، والخير بيديك ، والدّعاء إليك ، وزاد عمر : لبّيك ذا النعماء والفضل لبّيك ، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك . وكان أنس يزيد فيقول : لبّيك حقّاً حقّاً تعبّدا ورقّاً . (3) ولأنّه ذكر فيستحبّ الإكثار منه . واحتجّ الشافعيّ بما رواه جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه ، عن أبيه الباقر عليه السلام ، عن جابر قال : «تلبية رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لبّيك اللّهمَّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمدَ والنِّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك» (4) ؛ زعماً منه أنّ ما داوم عليه النبيّ صلى الله عليه و آله كان أولى من غيره ، وكأنّه احتجّ بذلك من قال بكراهته أيضاً . وفيه : منع مداومته صلى الله عليه و آله على ذلك ، بل منع أصله بدليل حسنة معاوية بن عمّار وصحيحة عبداللّه بن سنان المتقدِّمتين ، وهاتان راجحتان على خبرهم كما لا يخفى . واُجيب أيضاً بأنّه عليه السلام إنّما فعل ذلك بياناً للواجب . ثمّ المشهور بين الأصحاب استحباب رفع الصوت بالتلبية للرجال ، ونسبه في المنتهى (5)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 92 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 383 384 ، ح 16570 .
2- .الفقيه ، ج 2 ، ص 325 ، ح 2578 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 384 ، ح 16571 .
3- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 677 ؛ الاستذكار ، ج 4 ، ص 44 ؛ المغني و الشرح الكبير لابني قدامة ، ج 3 ، ص 256 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 8 ، ص 174 .
4- .كتاب الاُمّ للشافعي ، ج 2 ، ص 169 ؛ مسند الشافعي ، ص 122 .
5- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 677 .

ص: 653

إلى الجمهور كافّة ، وهو أحد قولي الشيخ قدس سره . (1) واحتجّوا عليه بأصالة براءة الذمّة ، وبهذا الأصل حملوا الأمر بالإجهار في الخبرين المتقدّمين وغيرهما على الندب ، ومثلهما ما رواه الباقر والصادق عليهماالسلام عن جابر بن عبداللّه أنّه قال : «ما مشى النبيّ صلى الله عليه و آله الروحاء (2) حتّى بحّت أصواتنا» (3) وبأنّه من شعائر العبادة فهو بمنزلة الأذان ، وبأنّ في رفع الصوت تنبيهاً للمستمعين وتذكارا . وحكى في المنتهى (4) عن الشيخ قولاً ثانياً بوجوبه محتجّاً بالأوامر المشار إليها . (5) وفيه ما عرفت . وأمّا النساء فليس عليهنّ جهر لا وجوباً ولا استحباباً إجماعاً ، كما يدلّ عليه خبر أبي بصير (6) ، ومثله ما رواه الشيخ عن فضالة بن أيّوب ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ اللّه تعالى وضع عن النساء أربعاً : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة يعني الهرولة ودخول الكعبة ، والاستلام» . (7) ويؤيّدهما أنّهن مأمورات بالستر ، ويخاف من أصواتهنّ الافتتان . قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (وأوّل من لبّى إبراهيم عليه السلام ) .[ح 3 / 7194] لُبّي على صيغة المجهول ، أي اُجيب بلبّيك ، وفسّر بذلك بقوله : «قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ يدعوكم» ، إلى آخره ، وقد مرّ ذلك في صحيحة عبداللّه بن سنان (8) أيضاً من ندائه عليه السلام مَن في أصلاب الرجال وأرحام الاُمّهات بقوله : «هلمّ الحجّ» وإجابتهم دعوته بقولهم : لبّيك .

.


1- .منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 677 .
2- .المبسوط للطوسي ، ج 1 ، ص 316 .
3- .الروحاء : موضع بين الحرمين على ستّة و ثلاثين أو ثلاثين أو أربعين ميلاً من المدينة . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 157 (روح) .
4- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 92 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 378 ، ح 16558 .
5- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 92 ، ذيل الحديث 300.
6- .هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي .
7- .تهذيب الأحكام ، ج 5 ، ص 93 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 379 ، ح 16561 .
8- .هي الحديث السادس من باب حجّ إبراهيم و إسماعيل و بنائهما البيت ، و من ولّى البيت بعدهما .

ص: 654

. .

ص: 655

فهرست مطالب .

ص: 656

. .

ص: 657

. .

ص: 658

. .

ص: 659

. .

ص: 660

. .

ص: 661

. .

ص: 662

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.