سرشناسه : مازندراني، محمدهادي بن محمدصالح، - 1120ق.
عنوان و نام پديدآور : شرح فروع الكافي/محمدهادي بن محمد صالح المازندراني ؛ تحقيق محمدجواد المحمودي، محمدحسين درايتي.
مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر،1430ق.= 1388.
مشخصات ظاهري : 5ج.
فروست : مركز بحوث دارالحديث؛157
الشروح والحواشي علي الكافي؛13
مجموعه آثارالموتمرالدولي الذكري ثقه الاسلام الكليني(ره)؛ 19؛ 22
شابك : دوره: 978-964-493-328-8 ؛ 60000 ريال: ج.1: 978-964-493-318-9 ؛ ج.4: 978-964-493-392-9
يادداشت : عربي.
يادداشت : كتاب حاضر به مناسبت كنگره بين المللي بزرگداشت ثقه الاسلام كليني تحقيق و تصحيح شده است.
مندرجات : ج.1. كتاب الطهاره.-ج.2. كتاب الحيض والجنائز والصلاه.-ج.3. كتاب الصلاة و كتاب الزكاه.-ج.4.كتاب الصيام والحج.-ج.5. كتاب الحج.
موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. فروع. - نقدو تفسير.
موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.
شناسه افزوده : محمودي، محمدجواد، 1340 -
شناسه افزوده : درايتي، محمدحسين، 1343 -
شناسه افزوده : كليني، محمدبن يعقوب،239ق. الكافي. فروع. شرح.
شماره كتابشناسي ملي : 1852894
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
كتاب الحيض
.
ص: 6
. .
ص: 7
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
كتاب الحيضقيل: الحيض لغةً: السيل، يقال : حاض الوادي، إذا سال (1) . وبعضهم اعتبر في صدق اسمه القوّة. (2) وعرفاً: دم تقذفه رحم المعتاد حملها، فيخرج دم الصغيرة واليائسة. وفي الصحاح: «حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً، فهي حائض وحائضة. وحاضت السَّمُرَة حيضاً، وهي شجرة يسيل منها شيء كالدم». (3) والظاهر أنّه مجاز عنده أيضاً كما صرّح به في أساس اللغة (4) ، تشبيهاً لدمها بالسيل .
باب أدنى الحيض وأقصاه وأدنى الطهرأجمع الأصحاب على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة (5) ، والمشهور لا سيّما بين المتأخّرين منهم أنّ أقلّ الطهر أيضا عشرة مطلقاً (6) . (7) وأمّا أكثره فالمشهور بينهم أنّه لا حدّ له، بل ربّما ادّعي عليه أيضاً الإجماع (8) ، لكن حكى في المختلف عن أبي الصلاح تحديده بثلاثة أشهر، وحمله على الغالب (9) ، وهو في محلّ المنع. ويدلّ على الأوّلين زائدا على ما رواه المصنّف في الباب وفي بعض الأبواب الآتية ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة». (10) وعن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام، إذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة». (11) وعن الحسن بن عليّ بن زياد الخزّاز، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن المستحاضة، كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة؟ وكم تدع الصلاة؟ فقال : «أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة، وتجمع بين الصلاتين». (12) وأمّا صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنى ما يكون ثلاثة» (13) ، فقد حملت على أنّ المراد أكثر وجوده وأقلّه في النساء. ويؤيّده زيادة قوله عليه السلام : «يكون» في الموضعين. وخصّها الشيخ بالمعتادة التي لا تحيض أكثر من ثلاثة أيّام، ثمّ استحاضت واستمرّ بها الدم. ويدلّ على الثالث (14) صحيحة محمّد بن مسلم (15) ومرسلة يونس. (16) ويؤيّدهما ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد، [عن جعفر] عن أبيه: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال في امرأة ادّعت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض ، فقال : «كلّفوا نسوة (17) من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادّعت، فإن شهدن صدّقت، وإلّا فهي كاذبة» (18) . وما رواه في المنتهى (19) عن جمهور العامّة عن عليّ عليه السلام :أنّ امرأة جاءته وقد طلّقها زوجها، فزعمت أنّها حاضت في شهر ثلاث حيض، فقال عليّ عليه السلام لشريح: «قل فيها». فقال شريح: إن جاءت ببيّنة من أهلها ممّن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك، وإلّا فهي كاذبة . فقال عليّ عليه السلام : «قالون» ، ومعناه بالروميّة جيّد. (20) وعنهم عن عليّ عليه السلام أنّه قال في صفة النساء: «أنّهنّ ناقصات عقل ودين»، فقيل: وما نقصان دينهنّ؟ قال : «تلبث شطر دهرها في بيتها لا تصلّي». (21) وفي الذكرى: وقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «تلبث شطر دهرها لا تصوم ولا تصلّي». وقد ثبت أنّ أكثر الحيض عشرة، فالشطر الآخر مثلها. (22) وظاهر مرسلة يونس (23) وجود طهر أقلّ من عشرة فيما إذا رأت الحيض ثلاثة أيّام في جملة العشرة. وبه قال بعض من قال بعدم اشتراط توالي أقلّ الحيض، كما ستعرف عن قريب. وقد دلّ بعض الأخبار على تحقّق طهر أقلّ من عشرة في مستحاضة غير ذات عادة، وسيأتي القول فيها في باب أوّل ما تحيض المرأة. ويدلّ على الأخير إجماع أهل العلم، ووقوع الطهر في الواقع زائدا على العشرة مختلفاً باختلاف عادات النساء، وعدم ورود تحديد له في خبر من الطريقين. واختلف أهل الخلاف في كلّ منها على أقوال حكاها الشيخ عنهم في الخلاف (24) ، فوافقنا أبو حنيفة وسفيان الثوري في حدّى الحيض جميعاً (25) . وقال أبو يوسف: أقلّه يومان والأكثر من اليوم الثالث (26) ، وهو ينبّئ عن اعتبار اتّصال الدم في تمام طرف الأقلّ. وذهب أحمد وأبو ثور والشافعي في أحد قوليه إلى أنّه يوم وليلة (27) ، وفي قولٍ آخر أنّه يوم بلا ليلة. (28) وذهب داوود إلى أنّه لا حدّ له، وجوّز أن يكون لحظة. (29) وقال الشافعي ومالك وأحمد وداوود وأبو ثور وعطا: إنّ أكثره خمسة عشر يوماً. (30) وذهب سعيد بن جبير إلى أنّه ثلاثة عشر يوماً. (31) ووافقنا فيه مالك في رواية اُخرى عنه. (32) وحكى والدي عن بعض منهم قولاً فيه بالثمانية، وبالخمسة، وبأنّه لا حدّ له. وهل يشترط التوالي في الثلاثة؟ ذهب إليه الصدوق (33) ، وقوّاه الشيخ في المبسوط (34) ، ورجّحه العلّامة، وحكاه في المنتهى (35) عن السيّد المرتضى (36) وعن جمل الشيخ (37) ، وفي المختلف (38) عن ابن إدريس (39) وابن الجنيد (40) وابن حمزة (41) ، وعن ظاهر أبي الصلاح (42) ، وهو المشهور بين المتأخّرين (43) ومحكيّ عن أبي حنيفة وأصحابه. (44) واحتجّ عليه بأصالة شغل الذمّة بالعبادة إلى أن يثبت المزيل شرعاً، ولم يثبت مع عدمه (45) . وهؤلاء اختلفوا في تفسير تواليها، فقيل: هو أن يتّصل الدم في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به (46) . ولم أجد له مستندا. وقيل: هو أن يوجد الدم في كلّ يوم من الأيّام الثلاثة ولو لحظة، وبه صرّح الأكثر. (47) واستدلّ له بأنّ كلّاً من تلك الأيّام إنّما جعل ظرفاً للدم ولا تجب المطابقة بين الظرف والمظروف، وبأنّ قوله عليه السلام : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة» وقوله: «وأكثر ما يكون عشرة» قرينتان متناظرتان، فلو اعتبر اتّصال الدم في إحداهما للزم اعتباره في الاُخرى أيضاً، وقد أجمعوا على عدم اشتراطه في العشرة. وحكى في المدارك عن بعض المتأخّرين أنّه رجّح اعتبار حصوله في أوّل الأوّل وآخر الآخر وفي أيّ جزء كان من الوسط، واستبعده. (48) ولم يعتبر الشيخ في النهاية (49) التوالي أصلاً، واكتفى بكون الثلاثة في جملة العشرة، وهو ظاهر الشهيد الثاني في شرح الإرشاد (50) ، ومنقول في المختلف (51) عن ابن البرّاج. (52) واستدلّ له بمرسلة يونس (53) ، وإطلاق حسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة» (54) . واُجيب عن الاُولى بأنّها ضعيفة بالإرسال (55) ، وعن الثانية بعدم صراحتها في المدّعى؛ إذ هي إنّما تقتضي أنّ ما تراه في العشرة من الحيضة. (56) ويحتمل أن يكون ذلك على تقدير تحقّق توالي الثلاثة في أوّلها. وعلى هذا القول لو رأت الثلاثة متفرّقة في العشرة تكون أيّام النقاء أيضاً حيضاً (57) ، بناءً على ما سبق من أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة، فهذه تقضي صوم العشرة وإن كان عليها أن تصلّي وتصوم أيّام النقاء؛ لاحتمال أيّام الدم للاستحاضة، وقد قيل بذلك لذلك. لكن ظاهر المرسلة (58) أنّها طهر، وصرّح به الشهيد الثاني في تعليقاته على الإرشاد، حيث قال : لو رأت الأوّل والخامس والعاشر فالثلاثة حيض لا غير، فإذا رأت الدم يوماً وانقطع فإن كان الدم يغمس القطنة وجب الغسل؛ لأنّه إن كان حيضاً فقد وجب الغسل؛ للحكم بأن أيّام النقاء طهر، وإن لم يكن حيضاً فهو استحاضة. والغامس منها يوجب الغسل، وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصّة؛ لاحتمال كونه استحاضة، فإن رأته مرّة ثانية يوماً مثلاً وانقطع فكذلك، فإذا رأته ثالثة في العشرة ثبت (59) أنّ الأوّلين حيض، وتبيّن بطلان ما فعلته بالوضوء؛ إذ قد تبيّن أنّ الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل فلا يجزي عنه. ولو اغتسلت للأوّلين احتياطاً ففي إجزائه نظر . (60) هذا كلامه أعلى اللّه مقامه. قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد أقلّ ما يكون عشرة) . [ح 3 / 4153] المراد بالقرء هنا الطهر. وقوله: «فما زاد» عطف على مقدّر، والتقدير يكون عشرة فما زاد. وقوله: «أقلّ ما يكون» مبتدأ خبره عشرة، والجملة توكيد وتوضيح لما تقدّمها . قوله في مرسلة يونس: (وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين اغتسلت وصلّت) ، إلخ. [ح 5 / 4154] قال طاب ثراه: هذا حجّة لمن قال بعدم اشتراط توالي الأيّام الثلاثة، بل يكفي كونها في جملة العشرة؛ لأنّه عليه السلام حكم فيما إذا رأت يوماً وانقطع ثمّ رأت اليومين في العشرة بأنّ مجموع الثلاثة حيض، وبيّن حكمها بأنّها بعد انقطاع دمها الأوّل تغتسل وتصلّي، سواء كان الدم قليلاً لم يغمس الكرسف أو كثيرا غمسه؛ وذلك لاحتمال أن يكون ذلك الدم حيضاً ولا يعتبر فيه القلّة والكثرة، فإن كمل النصاب في العشرة ظهر أنّ الأوّل كان حيضاً ووقع العمل أعني الغسل والصلاة في محلّه وإلّا ظهر أنّ الأوّل كان استحاضة ووقع العمل أيضاً في محلّه إن كان الدم كثيرا، وإلّا كان الغسل لغوا، ولا غسل في الاستحاضة القليلة، وعليها قضاء الصلوات الّتي تركتها في اليوم واليومين. انتهى. ولعلّ المراد من قوله عليه السلام : «فإن رأت بعد ذلك الدم إلى قوله تدع الصلاة» أنّها إن رأت بعد ما انقطع الدم عنها بعد الخمسة ولم يتمّ لها من ابتداء الدم الأوّل إلى يوم طهرت من الدم الثاني عشرة، فمجموع الدمين وأيّام النقاء الّذي بينهما حيض؛ على أن يكون «من» بمعنى «إلى»، وقد تقرّر أنّ حروف الجارّة يجيء بعضها بمعنى بعض آخر. ولا يبعد أن يقال : سقط شيء من البين من بعض الرواة أو من قلم المصنّف، والتقدير: ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام، فهي مستحاضة، وإن تمّ لها عشرة، فذلك من الحيض، أي حيض آخر؛ لوقوع أقلّ الطهر بين الدمين، فيمكن أن يكون حيضاً، وقد ثبت أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض. والأوّل أظهر وأنسب بما عطف عليه. ومعنى قوله عليه السلام : «وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني» إلى آخره: أنّها إن رأت الدم بعد ما انقطع عنها على الخمسة ما يتمّ به الخمسة الاُولى مع أيّام النقاء عشرة، واستمرّ وتجاوز عن العشرة عدّت من أوّل زمان الدم الأوّل والثاني وأيّام النقاء بينهما عشرة، وجعل ذلك المجموع حيضاً وما بعد العشرة استحاضة، وهو إنّما يتمّ في غير ذات العادة، فإنّ المعتادة تجعل أيّام عادتها حيضاً وما زاد عليها استحاضة. وظاهر قوله: «وكان حيضها خمسة أيّام» كونها معتادة، فتأمّل .
.
ص: 8
. .
ص: 9
. .
ص: 10
. .
ص: 11
. .
ص: 12
. .
ص: 13
. .
ص: 14
. .
ص: 15
باب المرأة ترى الدم قبل أيّامها أو بعد طهرهاالمشهور بين الأصحاب أنّ المعتادة إذا رأت دماً قبل أيّام عادتها أو بعدها وفيها يكون الكلّ حيضاً إن لم يتجاوز المجموع عشرة، وإلّا فيكون عادتها خاصّة حيضاً (1) ، ودلّت عليه أخبار الباب وغيرها. وهو قول أكثر العامّة، وفي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة؛ أنّ ما رأته قبل العادة موقوف حتّى ترى في الشهر الثاني مثله ، فإن رأت فيه مثله يظهر أنّه حيض وتصير معتادة بذلك، وإلّا فهو استحاضة. (2) ولا فرق فيما ذكر على المشهور بين الصفرة وما فوقها، ويظهر من المصنّف الفرق بينهما، حيث عنون هذا الباب الذي وضعه لبيان ما ذكر بالدم، ويعني به الأحمر وما فوقه، ووضع للصفرة بابا آخر وذكر في ذيله ما يدلّ على أنّها بعد العادة ليست من الحيض، وهو أظهر. وأمّا الصفرة التي في أيّام العادة فلا ريب في أنّها حيض؛ لدلالة الأخبار عليه من غير معارض . قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة) [ح 1 / 4155]، أي قبل انقضاء عشرة أيّام الّتي هي أقلّ الطهر من الحيضة الاُولى، فهو من الحيضة الاُولى بشرط أن لا يتجاوز مجموع الدمين وما بينهما من أيّام النقاء عن عشرة . قوله في مرسلة عبد اللّه بن المغيرة: (وإذا كانت أقلّ استظهرت) [ح 3 / 4157]، أي بيوم على ما دلّ عليه قوله عليه السلام : «تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيّام» فيما يرويه المصنّف عن أبي المعزا في باب جامع في الحائض والمستحاضة (3) ، وقوله عليه السلام : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد، ثمّ هي مستحاضة» فيما يرويه المصنّف من موثّق إسحاق بن جرير في الباب الّذي بعده. (4) أو بيوم أو يومين على المشهور بين المتأخّرين (5) ؛ لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ؛ في الحائض إذا رأت دماً بعد أيّامها الّتي كانت ترى الدم فيها: «فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين، ثمّ تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دماً لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل». (6) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين، ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل». (7) وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين». (8) وعن فضيل وزرارة، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام إقرائها، وتحتاط بيوم أو يومين». (9) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين». (10) وعن [الحسين بن] نعيم الصحّاف، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ اُمّ ولد لي ترى الدم وهي حامل إلى قوله عليه السلام _ : «فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها الّتي كانت تقعد في حيضها، فإن انقطع الدم عنها قبل ذلك فلتغتسل ولتصلّ، وإن لم ينقطع الدم عنها إلّا بعد ما تمضي الأيّام الّتي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل»، الخبر (11) ، ويأتي. أو بثلاثة أيّام على ما دلّ عليه مضمر سماعة، وصحيحة محمّد بن عمرو بن سعيد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الطامث، كم حدّ جلوسها؟ فقال : «تنتظر عدّة ما كانت تحيض، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام، ثمّ هي مستحاضة». (12) وخبر سماعة، قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل (13) ، قال : «تقعد أيّامها الّتي كانت تحيض، فإذا زاد الدم على أيّامها التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام، ثم هي مستحاضة». (14) أو بيوم أو يومين أو ثلاثة على ما نقل عن بعض الأصحاب، ودلّ عليه صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الحائض، كم تستظهر؟ فقال : «تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة». (15) أو بيومين أو ثلاثة على ما دلّ عليه خبر سعيد بن يسار، (16) قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تحيض ثمّ تطهر، وربّما رأت بعد ذلك الشيء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها، فقال : «تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ثمّ تصلّي. (17) أو إلى العشرة كما نقله العلّامة في المنتهى (18) عن السيّد المرتضى. (19) ويدلّ عليه خبر عبد اللّه بن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ في المرأة ترى الدم، قال : «إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر». (20) وصحيحة يونس بن يعقوب، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز دمها، متى ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : «تنتظر عدّتها الّتي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام، فإن رأت الدم صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة»، (21) فإن الباء في قوله بعشرة بمعنى «إلى»؛ لمجيء حروف الجارّة بعضها في معنى بعض كما سبق. والظاهر التخيير بين الجميع كما ذهب إليه المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد. (22) ثمّ إنّهم اختلفوا في وجوب الاستظهار واستحبابه، فذهب الصدوق (23) والشيخ (24) إلى الأوّل وهو منقول عن السيّد المرتضى، (25) والأكثر إلى الثاني، (26) وهو الأظهر؛ للجمع بين هذه الأخبار وما سيأتي ممّا هو ظاهر في العمل بعد العادة عمل الاستحاضة. ويؤيّده اختلاف الأخبار في أيّامه. وربّما جمع بين الأخبار بحمل هذه على ما إذا كان الدم بعد العادة على صفة الحيض وما سيأتي على ما إذا لم يكن كذلك. واحتمله المحقّق في المعتبر. (27) ويردّه خبر سعيد بن يسار المتقدّم، فإنّه ظاهر في أنّ ما تراه بعد العادة بصفة الاستحاضة، والإجماع الّذي ادّعاه بعضهم على ثبوته مطلقاً. وعلى القول باستحبابه لو اختارت العبادة فالظاهر وجوب نيّة الوجوب في الصوم، وأمّا الصلاة ففي المدارك : في وصفها بالوجوب نظر ، من حيث جواز تركها لا إلى بدل ولا شيء من الواجب [كذلك]، اللّهمّ إلّا أن يلتزم وجوب العبادة بمجرّد الاغتسال . وفيه ما فيه . انتهى. (28) ويظهر من بعض الأخبار ثبوت الاستظهار للمبتدأة أيضاً بعد إقراء نسائها بيوم، رواه [زرارة و] محمّد بن مسلم في الموثّق عن أبي جعفر عليه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها، ثمّ تستظهر بعد ذلك بيوم». (29) وصرّح به الشهيد في الذكرى، (30) ولم أجد التصريح به في كتب غيره لا نفياً ولا إثباتاً .
.
ص: 16
. .
ص: 17
. .
ص: 18
. .
ص: 19
. .
ص: 20
باب المرأة ترى الصفرة قبل الحيض أو بعدهقد سبق ما يتعلّق بهذا العنوان . قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (فقال : لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها) [ح 1 / 4158 ]يدلّ على أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض. ومثله خبرا إسماعيل الجعفي (1) ومعاوية بن حكيم. (2) ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد من الأصحاب. وربّما فسّر أيّام الحيض بأيّام يمكن تحقّقه فيها وإن لم تكن أيّام عادتها، وصرّح بذلك الشيخ في المبسوط، فقد قال : الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض وفي أيّام الطهر طهر، سواء كانت أيّام حيضها الّتي جرت عادتها أن تحيض فيها أو الأيّام الّتي كان يمكن أن يكون حائضاً فيها، مثال ذلك أن تكون المرأة المبتدأة إذا رأت الدم مثلاً خمسة أيّام ثمّ رأت إلى تمام العشرة [أيّام] صفرة أو كدرة فالجميع حيض؛ لأنّه في أيّام الحيض، وكذلك إن جرت عادتها أن تحيض كلّ شهر خمسة أيّام، ثمّ رأت في بعض الشهور خمسة أيّام دماً، ثمّ رأت بعد ذلك إلى تمام العشرة صفرة أو كدرة، حكمنا بأنّه حيض. وكذلك إذا كانت عادتها أن ترى أيّاماً بعينها فيها دماً، ثمّ رأت في بعض الشهور في تلك الأيّام الصفرة والكدرة حكمنا بأنّه من الحيض، فإن رأت عقيبه دماً حكمنا بأنّه من الحيض إلى تمام العشرة أيّام، فإن زاد على ذلك حكمنا بأنّه دم استحاضة. وكذلك إذا رأت ما تبلغ الصفرة أو الكدرة وقد بلغت حدّا يجوز أن تكون حائضاً حكمنا بأنّه من الحيض؛ [لأنّه وقت الحيض]. وكذلك إذا رأت دم الحيض أيّاماً قد جرت عادتها فيها، ثمّ طهرت ومرّ بها أقلّ أيّام الطّهر [و هي عشرة أيّام، ثمّ رأت الصفرة والكدرة حكمنا بأنّها من الحيض؛ لأنّها قد استوفت أقلّ أيّام الطهر]، وجاءت الأيّام الّتي يمكن أن تكون حائضاً فيها، وإنّما قلنا بجميع ذلك لما روي عنهم عليهم السلام : من أنّ «الصفرة في أيّام الحيض حيض وفي أيّام الطهر طهر»، (3) فحملناها على عمومها. (4) وأنت خبير بأنّ المتبادر من أيّام الحيض ومن أيّامها الأيّام الّتي جرت عادتها أن تكون فيها حائضاً وإن كان يحتمل حملها على العموم، فحيث لا دليل عليه ينبغي إبقاؤها على ظاهرها. ويشكل الحكم بمجرّد ذلك الاحتمال على تركها العبادات الواجبة عليها، فتأمّل. وظاهر عموم آخر الخبر أنّ الصفرة الّتي قبل العادة أيضاً ليست من الحيض، ويخصّصها الأخبار الباقية .
.
ص: 21
باب أوّل ما تحيض المرأةلقد أجمعوا على اختلاف أحكام الحائض بناءً على اختلاف أحوالها من كونها مبتدأة ومضطربة وذات عادة وقتاً وعددا أو أحدهما، وقد سبق بعض أحكام ذات العادة ويأتي بعض آخر منها في باب آخر، ووضع المصنّف هذا الباب للمبتدأة؛ ولمشاركة المضطربة لها في أكثر الأحكام نذكر المضطربة أيضاً فيه، ونذكر المعتادة أيضاً تبعاً لهما، فنقول : قد اختلف الأصحاب في تفسيريهما، فالمشهور: أنّ المبتدأة من رأت الدم أوّل مرّة أو مكرّرا من غير استوائه مرّتين عددا ولا وقتاً، والمضطربة من كانت له عادة مستقيمة ثمّ نسيت عادتها، (1) وهو ظاهر خبر يونس الّذي يرويه المصنّف في باب جامع في الحائض والمستحاضة (2) كما ستعرفه. وربّما خصّت الاُولى بالاُولى ممّا ذكر في تفسيرها وعدّت الثانية منه من الثانية؛ نظرا إلى مفهوميهما لغةً. (3) وتظهر الفائدة في رجوعها إلى عادة نسائها بعد التمييز، أو إلى الروايات. أمّا المبتدأة فتجعل ما تراه حيضاً على أيّ صفة كان الدم وإن رأت ذلك في شهر مرّتين أو ثلاثاً، بشرط أن لا يكون أقلّ من ثلاثة ولا أزيد من عشرة، وأن يتوسّط أقلّ الطهر بين كلّ دمين منها (4) بناءً على ما تقرّر من أقلّ الحيض وأكثره، ومن أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض. وإن انتفى الشرط الأوّل بأن كان الدم أقلّ من ثلاثة فهو استحاضة، ولو انتفى الشرط الثالث فهي مضطربة، وإن زاد على العشرة فالمشهور أنّها تجعل ما هو بصفة حيض حيضاً وما هو بصفة الاستحاضة استحاضة على الشرائط المذكورة، ومع فقد التميّز أو شرائطه ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها، فإن اختلفن أو فقدن فإلى عادة أقرانها من البلد، فإن فقدن أو اختلفن فإلى الروايات. (5) ويدلّ على اعتبارها التميّز ثمّ الرجوع إلى عادة نسائها ما رواه المصنّف عن زرعة، عن سماعة، حيث سأل السائل عن جارية حاضت أوّل حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر وهي لا تعرف أيّام أقرائها، وأجاب عليه السلام : بأنّها «تعمل على عادة نسائها». (6) ويفهم من السؤال أنّه كان معروفاً بينهم رجوع المبتدأة إلى التمييز مع وجوده، فإنّ الظاهر من قوله: «لا تعرف أيّام أقرائها»، أنّها لا تعرف الأيّام الّتي يجب عليها أن تعمل بالحيض فيها؛ لعدم التمييز لا لاضطرابها؛ بدليل قوله: «حاضت أوّل حيضها». وحمل على ذلك الترتيب رواية عثمان بن عيسى، عن سماعة. (7) وما رواه الشيخ في الاستبصار في الموثّق عن [زارة و ]محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرانها»، الخبر. (8) وقد سبق؛ لما ذكر ولما يأتي في باب معرفة دم الحيض من الاستحاضة من رجوعها إلى التمييز أوّلاً. ومع اختلاف عاداتهنّ فعلى المشهور لا اعتبار لها مطلقاً، وعلّلوه بخروجها عن موضع النصّ، فإنّ الإضافة في «نسائها» تفيد العموم كما هو مقتضى الجمع المضاف. وقال الشهيد الأوّل : «ترجع حينئذٍ إلى الأغلب». (9) ولا بعد فيه، بل لا يبعد القول بالرجوع حينئذٍ إلى عادة من شاء منهنّ وإن لم تكن أغلب؛ لقوله عليه السلام : «بعض نسائها» في موثّقة محمّد بن مسلم المذكورة. والعموم لا ينافيه كما لا يخفى. وقال طاب ثراه: المراد من نسائها أقاربها من الأبوين أو من أحدهما، ولا اختصاص للعصبة هنا؛ لعموم الإضافة، ولأنّ الطبيعة جاذبة من الطرفين، ولا فرق في ذلك بين الحيّة وغيرها، ولا بين المساوية في السنّ والمخالفة، ولا بين بلديّة وغيرها؛ كلّ ذلك للعموم المذكور. (10) ومن اعتبر اتّحاد البلد ومع فقده فالأقرب من بلدها ثمّ الأقرب؛ بناءً على أنّ لتخالف البلدان أثرا ظاهرا في تخالف الأمزجة كالشهيد في الذكرى، (11) فقد خرج عن مقتضى النصّ كما صرّح به الشهيد الثاني في شرح الإرشاد، (12) فتأمّل. وأمّا الرجوع إلى عادة الأقران من البلد فلم أجد نصّاً عليه، وكأنّهم تمسّكوا فيه بما ذكر من أنّ اختلاف العادات في الحيض باعتبار اختلاف الأمزجة، وهذا الاختلاف ناشٍ عن اختلاف الأسنان وأهوية البلاد، فالظاهر موافقة حيضها لعادتهنّ. واحتجّ عليه الشهيد في الذكرى بلفظة: «نسائها» بناءً على أنّ الإضافة فيها لأدنى ملابسة. وفيه: أنّ الواجب حمل اللفظ على معناه الحقيقي ما لم يدلّ دليل على خلافه. ولعدم النصّ عليه لم يعتبره الشيخ في الخلاف (13) والنهاية (14) وقال فيهما بالرجوع إلى الروايات بعد فقد الأهل. وأمّا الرجوع إلى الروايات بعد ما ذكر فمستند إلى أخبار مختلفة، وهي وإن كانت ضعيفة لكن عاضدها عمل أكثر الأصحاب بذلك، فظاهر مضمرة زرعة، عن سماعة: (15) أنّها تحيض في كلّ شهر ثلاثة أيّام إلى عشرة مخيّرة في تعيين ما شاءت ممّا بين أقلّ الحيض وأكثره. وهو منقول عن السيّد المرتضى (16) وظاهر المصنّف والصدوق أيضاً، (17) حيث قال على ما حكي عنه: أكثر جلوسها عشرة أيّام في كلّ شهر. ومنها ما يدلّ على تحيّضها ثلاثة أيّام في شهر وعشرة في آخر، رواه الشيخ في الموثّق [عن الحسن بن علي،] عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم في أوّل حيضها فاستمرّ الدم تركت الصلاة عشرة أيّام، ثمّ تصلّي عشرين يوماً، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام، وصلّت سبعة وعشرين يوماً». قال الحسن [بن علي]: وقال ابن بكير: هذا ممّا لا يجدون منه بدّا. (18) وبسند آخر عن ابن بكير، قال : «في الجارية أوّل ما تحيض [يدفع] عليها الدم فتكون مستحاضة أنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى ذلك وهو عشرة أيّام فعلت ما تفعل المستحاضة، ثمّ صلّت، فمكثت تصلّي بقية شهرها، ثمّ تترك الصلاة في المرّة الثانية أقلّ ما تترك امرأة الصلاة، وتجلس أقلّ ما يكون من الطمث وهو ثلاثة أيّام، فإن دام عليها الحيض صلّت في وقت الصلاة الّتي صلّت ، وجعلت طهرها أكثر ما يكون من الطهر، وتركها الصلاة أقلّ ما يكون من الحيض». (19) وحمل على ذلك مضمر زرعة عن سماعة، وهو حمل بعيد، وهو المشهور بين المتأخّرين، ومحكي في المختلف (20) عن ابن البراج. (21) وظاهر الخبرين تحتّم جعل العشرة من الشهر الأوّل والثلاثة من الشهر الثاني، وحكاه في المنتهى 22 عن جمع من الأصحاب، وعن بعضهم عكسه، والأكثر على التخيير. ومنها ما استدلّ به على تحيّضها في كلّ شهر بسبعة أيّام، وهو قوله عليه السلام في مرسلة يونس الّتي يرويها المصنّف في الباب المشار إليه: «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون»، (22) لكنّ الظاهر أنّها وردت في المضطربة كما ستعرف. وكأنّهم تمسّكوا في المبتدأة أيضاً بذلك؛ لعدم القول بالفصل بينهما. والمشهور بين المتأخّرين الجمع بينه وبين ما سبق بالقول بالتخيير، وبه قال الشيخ في المبسوط (23) والخلاف (24) وعلّله في الثاني بأنّ في ذلك روايتين لا ترجيح لإحداهما على الاُخرى، وحكى في المختلف (25) عن جمله (26) أيضاً. ومنها ما يدلّ على التخيير بين الستّة والسبعة، وهو قوله عليه السلام في تلك المرسلة: (27) «وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة»، وبه قال العلّامة في المنتهى (28) فيها وفي المضطربة أيضاً، ونسبه إلى الشافعي (29) في أحد قوليه، وإلى أحمد (30) في إحدى الروايتين عنه. وحكى في المختلف (31) عن الشيخ أنّه قال في المبسوط: (32) أنّها تتحيّض عشرة أيّام، ثمّ تجعل طهرا عشرة أيّام، ثمّ حيضاً عشرة، وهكذا. ولم أجده فيه. ونسبه في المنتهى إلى بعض الأصحاب من غير تعيين قائله. (33) ومن قال بذلك فكأنّه طرح هذه الأخبار؛ لعدم صحّتها وتمسّك بعموم ما دلّ على أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض، وهو كماترى. وحكى ابن إدريس عن بعض الأصحاب القول بالثلاثة في كلّ شهر، (34) وبه قال المحقّق في المعتبر فيها وفي المضطربة أيضاً، حيث قال بعد ما حكم بضعف الأخبار الواردة في الباب _ : «والوجه عندي أن تتحيّض كلّ واحدة منها ثلاثة أيّام؛ لأنّه المتيقّن في الحيض، وتصلّي وتصوم بقية الشهر؛ استظهارا وعملاً بالأصل في لزوم العبادة». (35) وهو إنّما يتمّ في الصلاة دون الصوم، بل لا يبعد أن يقال : الاحتياط ترك العبادة في وقت يمكن أن تكون حائضاً، كما يشعر به أخبار استظهار المعتادة إذا رأت الدم بعد عادتها. وذهب بعض الأصحاب منهم العلّامة في الإرشاد (36) إلى أنّهما تعملان عمل الاستحاضة في جميع الشهر، وتغسلان للحيض في كلّ وقت يحتمل انقطاعه، وتقضيان صوم أحد عشر يوماً. وتأبى عنه الشريعة السمحة . وأمّا المضطربة فهي ترجع إلى التمييز، ومع فقده إلى الروايات، (37) ولا رجوع لها إلى عادة أهلها وأقرانها اتّفاقاً؛ أمّا الأوّل فلعموم ما دلّ على اعتبار التمييز، وخصوص قوله عليه السلام في تلك المرسلة: «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام معلومة ثمّ اختلط عليها من طول الدم وزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها إلى قوله _: فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلّي». وهذا الحكم واضح في مضطربة العدد والوقت معاً، وأمّا فيمن نسيت أحدهما فهو مشكل لو عارض التمييز ما ذكر منهما، فإنّ المستفاد من الأخبار ترجيح العادة على التمييز كما سيأتي. ويدلّ على رجوعها إلى الروايات ما تقدّمت الإشارة إليه، ولكنّ الخبر إنّما يدلّ على تحيّضها في كلّ شهر بسبعة، ولم أجد خبرا فيها غيره. وباقي الأعداد إنّما وردت في المبتدأة، وكأنّهم قالوا هنا أيضاً بالتخيير؛ لعدم القول بالفصل، والأظهر الاقتصار فيها على المنصوص. واعلم أنّ ما ذكر في شرائط التمييز في المبتدأة وفي المضطربة من عدم كون الوقت الخالي عن الدم فيما بين دمين هما بصفة الحيض، أو ما هو بصفة الاستحاضة بينهما أقلّ من عشرة هو المشهور بين المتأخّرين، ولا نصّ على اعتباره في خصوصهما وإنّما احتجّوا في ذلك بالعمومات الواردة في أنّ أقلّ الطهر عشرة. وإطلاق الأخبار فيهما يقتضي عدم اشتراط ذلك في الشهر الأوّل، بل حسنة يونس بن يعقوب (38) صريحة في ذلك في المبتدأة، وقد رواها الشيخ في كتابي الأخبار في الصحيح. (39) وروى مثله في الصحيح عن أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام والطهر خمسة أيّام، وترى الدم أربعة أيّام وترى الطهر ستّة أيّام، فقال : «إن رأت الدم لم تصلّ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً، فإذا تمّت ثلاثون يوماً فرأت دماً صبيباً اغتسلت واستشفرت واحتشت بالكرسف في وقت كلّ صلاة، فإذا رأت صفرة توضّأت». (40) وهذا الخبر شامل للمبتدأة والمضطربة معاً. ونسب جدّي من اُمّي قدس سره في شرح الفقيه (41) القول بهما إلى قدماء الأصحاب، وقد عمل بهما الصدوق، (42) وهو ظاهر المصنّف في المبتدأة. وحملهما الشيخ في الاستبصار على خصوص المضطربة التي ترى الدم في أيّام ولم تره في أيّام، أو المضطربة التي استمرّ عليها الدم، فقال في الاُولى بالعمل بهما إلى أن تعرف عادتها، وفي الثانية إلى شهر، حيث قال : الوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على امرأة اختلطت عادتها في الحيض وتغيّرت عن أوقاتها، وكذلك أيّام أقرائها واشتبه عليها صفة الدم فلا يتميّز لها دم الحيض من غيره، فإنّه إذا كان كذلك ففرضها إذا رأت الدم أن تترك الصلاة، وإذا رأت الطهر صلّت إلى أن تعرف عادتها.ويحتمل أن يكون [هذا] (43) حكم امرأة مستحاضة اختلطت عليها أيّام الحيض، وتغيّرت عادتها، واستمرّ بها الدم وتشتبه صفة الدم، فترى ما يشبه دم الحيض [ثلاثة أيّام أو] (44) أربعة أيّام، وترى ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك، ولم يحصل لها العلم بواحد منهما، فإنّ فرضها أن تترك الصلاة كلّما رأت ما يشبه دم الحيض، وتصلّي كلّما رأت ما يشبه دم الاستحاضة إلى شهر، وتعمل بعد ذلك ما تعمله المستحاضة، ويكون قوله: «رأت الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام» عبارة عمّا يشبه دم الاستحاضة؛ لأنّ الاستحاضة بحكم الطهر، ولأجل ذلك قال في الخبر: «ثمّ تعمل ما تعمل المستحاضة» وذلك لا يكون إلّا مع استمرار الدم. (45) وقد أفتى بذلك في المبسوط والنهاية في غير الشهر الأوّل أيضاً، حيث قال في الأوّل : «فإن اختلط عليها أيّامها فلا تستقرّ على وجه [واحد] تركت الصوم والصلاة كلّما رأت الدم، وكلّما رأت الطهر صلّت إلى أن يستقر عادتها». (46) وفي الثاني: فإن كانت امرأة لها عادة إلّا أنّه اختلطت عليها العادة واضطربت وتغيّرت عن أوقاتها وأزمانها، فكلّما رأت الدم تركت الصوم والصلاة، وكلّما رأت الطهر صلّت وصامت إلى أن ترجع إلى حال الصحّة. ثمّ قال : وقد روي أنّها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر، ثمّ تفعل ما تفعله المستحاضة. (47) وفي شرح الفقيه: «والأحوط في غير الدم الأوّل أن تعمل عمل المستحاضة، ولو جمع بين العملين كان أحوط». (48) هذا حكم المتحيّرة. فأمّا الناسية للعدد خاصّة، وظاهر أنّها لا تعلم الوقت بتمامه، فإمّا أن تعلم أوّله أو آخره بخصوصهما أو لا كما لو ذكرت أنّ حيضها كانت في العشر الأوّل من الشهر مثلاً _، ففي الأوّلين تجعلهما أوّل الثلاثة وآخرها؛ لأنّها المتيقّن كونها حيضاً، وتعمل باقي الأيّام عمل الاستحاضة، ثمّ تقضي صوم عددها. وفي الثالث تحيّضت في أوّل العشر بالثلاثة على ما ذكره العلّامة في المنتهى؛ معلّلاً بأنّها المتيقّن وما زاد عليها مشكوك فيه. (49) وقيل: تجتهد في تعيين الثلاثة من العشرة. (50) والاحتياط أن تغتسل في هذه الصور للانقطاع في كلّ وقت احتمله، ولا يبعد تحيّضها فيها كالمتحيّرة مخصّصة ما تعمله من الروايات بذلك الوقت؛ لشمول أخبارها لهذه، وقد عدّ في المنتهى (51) وجهاً في الأخير ولم يتعرّض له في الأوّلين، فتأمّل. وأمّا الناسية للوقت دون العدد، فإن لم تعلم وقتاً أصلاً كمن ذكرت خمسة أيّام مثلاً من الشهر فالظاهر أنّها تعمل في الشهر كلّه عمل الاستحاضة، وتقضي صوم ذلك العدد، لكن تغتسل للانقطاع فيما عدا ذلك العدد من أوّل الشهر في كلّ وقت يحتمل الانقطاع، فتغتسل له عند كلّ صلاة، وهو منقول في المنتهى (52) عن الشيخ. (53) وكذا لو علمت وقتاً لم يتجاوز العدد عن نصفه، بل يقصّر عنه أو يساويه. وإن تجاوز العدد عنه تجعل الزائد ومثله حيضاً بيقين، فإذا كانت أيّامها ستّة في العشر الأوّل كان الخامس والسادس حيضاً بيقين، وكذا الرابع والخامس والسادس والسابع فيما إذا ذكرت سبعة فيها، وهكذا، وتغتسل للانقطاع في وقت كلّ صلاة فيما عدا هذه الأيّام؛ لاحتماله فيها، ثمّ تقضى صوم عادتها. ولو قالت: إنّ حيضي إحدى العشرات ولا أعلمها بعينها عملت في تلك العشرات كلّها عمل الاستحاضة، وتغتسل للانقطاع عند رأس كلّ عشرة وتقضي صوم عشرة. (54) وأمّا ذات العادة المستقيمة وقتاً وعددا فترجع إلى عادتها؛ لعموم قوله عليه السلام في خبر يونس: «فالحائض الّتي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمّ استحاضت فاستمرّ بها الدم، وهي في ذلك تعرف أيّامها ومبلغ عددها، فإنّ امرأة يقال لها فاطمة بنت أبي جيش (55) استحاضت، فأتت اُمّ سلمة، فسألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها». (56) وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسحاق بن جرير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت: إن رأت الدم مستمرّا بها الشهر والشهرين والثلاثة، كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «تجلس أيّام حيضها، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين». (57) وعن يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض». (58) وتضيف إلى أيّام عادتها أيّام الاستظهار على ما سبق، ولا فرق في ذلك بين ذات التمييز وغيرها وإن تعارض التمييز والعادة على ما دلّ عليه عموم أكثر ما ذكر من الأخبار، بل خصوص خبر يونس الأخير المرسل، وهو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في جمله (59) والمفيد (60) والسيّد المرتضى (61) وأتباعهم على ما حكى عنهم في المدارك، (62) وقوّاه في المبسوط (63) والخلاف، (64) ونقله في الثاني عن أبي حنيفة. (65) وحكى المحقّق في الشرائع (66) عن بعض الأصحاب قولاً بترجيح التمييز على العادة، وكأنّه تمسّك بالأخبار المطلقة في اعتبار التمييز. والجواب عنها: تخصيصها بغير المعتادة؛ للجمع، وقد حكاه صاحب المدارك (67) تبعاً للعلّامة في المختلف (68) عن نهاية الشيخ، ولم أجد فيها التصريح بذلك، نعم يشعر به قوله: فإن اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة فلتعتبره بالصفات الّتي ذكرنا[ها]، فإن اشتبه عليها ذلك وكانت ممّن لها عادة في الحيض فلتعمل في أيّام حيضها على ما عرفت من عادتها. (69) وقد أفتى بذلك أوّلاً في المبسوط والخلاف، ثمّ رجع عنه بما نقلناه عنهما، فقد قال في الأوّل : وأمّا القسم الثاني وهي الّتي لها عادة وتمييز مثل أن تكون امرأة تحيض في أوّل كلّ شهر خمسة أيّام فرأت في كلّ شهر عشرة أيّام دم الحيض، ثمّ رأت بعدها دم الاستحاضة واتّصل، فيكون حيضها عشرة أيّام اعتبارا بالتمييز، وكذلك إذا كانت عادتها خمسة أيّام فرأت ثلاثة أيّام دماً أسود، ثمّ رأت دماً أحمر، إلى آخر الشهر، فإنّ حيضها ثلاثة أيّام وما بعدها استحاضة اعتبارا بالتمييز، فكذلك (70) إذا كانت عادتها خمسة أيّام من أوّل الشهر، فرأت في أوّل الشهر ثلاثة أيّام دماً أحمر وثلاثة أيّام دماً أسود وأربعة أيّام دماً أحمر واتّصل كان حيضها الثلاثة أيّام الثانية من الشهر، وهو أيّام الدم الأسود اعتبارا بالتمييز، ويكون حيضها تقدّم أو تأخّر، وكذلك إذا كانت عادتها ثلاثة أيّام من أوّل كلّ شهر فرأت ستّة أيّام دماً أحمر وأربعة أيّام دماً أسود اتّصل كان حيضها الأربعة أيّام الّتي رأت فيها دماً أسود اعتبارا بالتمييز. ولو قلنا في هذه المسائل أنّها تعمل على العادة دون التمييز؛ لما روي عنهم عليهم السلام : «أنّ المستحاضة ترجع إلى عادتها» ولم يفصّلوا كان قويّاً. (71) ومثله في الخلاف. (72) ونقل (73) عن الشافعي أنّه قال بذلك محتجّاً برواية عائشة، قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه ، إنّي امرأة اُستحاض فلا أطهر، أفَأدَع الصلاة؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّما ذلك عَزْفٌ كذاهنا، و مثله في تهذيب الأحكام، و كذا في آخر الحديث، و في سائر المصادر: «عرق». فإذا كان الدم دم الحيض فإنّه دم أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضّئي، إنّما هو عزفٌ». (74) والجواب عنه: تخصيصه بغير المعتادة؛ لما مرّ من أنّه كانت لها حالتان كانت معتادة ثمّ صارت مضطربة، فلعلّ هذا السؤال كان في اضطرابها .
.
ص: 22
. .
ص: 23
. .
ص: 24
. .
ص: 25
. .
ص: 26
. .
ص: 27
. .
ص: 28
. .
ص: 29
. .
ص: 30
. .
ص: 31
. .
ص: 32
. .
ص: 33
. .
ص: 34
باب استبراء الحائضالاستبراء هنا هو طلب ظهور الحال من وجود الدم وعدمه في باطن الفرج حين انقطاعه ظاهرا قبل العشرة بإدخال القطنة فيه كيف ما اتّفق. والأحوط إدخالها فيه على أحد الأنحاء الواردة في رواية يونس، (1) وخبر شرحبيل الكندي، (2) أو ما نقله محمّد بن عليّ البصري، (3) والظاهر وجوب ذلك . قوله في مرسلة يونس: (دم عبيط) . [ح 1 / 4166] قال طاب ثراه: «العبيط من الدم: الخالص الطري، وهو يشعر بأنّه لو خرج معه دم أصفر فهي طاهر وجب عليها الغسل». وقال الشهيد الثاني: «وإن لم تخرج القطنة نقيّة من الدم بأيّ لون اتّفق صبرت». (4) وقال بعض العامّة: (5) للطهر علامتان: الجفوف: وهو أن تخرج القطنة جافّة لا دم عليها _ ، والقَصَّة ، وهو ماء أبيض يشبه ماء الجير، (6) وقيل: ماء العجين، وقيل: كالخيط الأبيض. (7) وقال ابن الأثير في نهايته: القَصَّة: الجصّ لغة حجازيّة، وقد قَصَّصَ داره، أي جصّصها. وفي حديث عائشة: لا تغتسلنّ من الحيض حتّى ترينّ القَصَّةَ البيضاء، أي حتّى يخرج القطنة أو الّتي تحتشى بها الحائض كأنّها قصّة لا تخالطها صفرة ولا تربة. (8) ثمّ اختلفوا، فقيل : القَصَّة أبلغ؛ لأنّه ليس بعدها دم، وقيل: الجفوف أبلغ؛ لأنّ القَصَّة آخر ما يرخى الرحم . (9)
.
ص: 35
باب غسل الحائض وما يجزيها من الماءقال طاب ثراه: الواجب في الغسل إنّما هو غسل البشرة دون الشعر، رجلاً كان الغاسل أو امرأة، ولا يجب نقض الشعر عليهما عندنا وعند مالك، (1) إلّا أن يتوقّف وصول الماء إلى البشرة عليه. وقَصَرَهُ بعض العامّة على النساء فقد أجمعوا على عدم وجوب نقضه على النساء، (2) فما ورد من أمرها به محمول على الاستحباب. ويجزي من الماء أقلّ ما يجري على الجسد كما مرّ في غسل الجنابة . قوله في حسنة الكاهلي: (إنّ النساء أحدثن مشطاً) ، الخ . [ح 1 / 4172] المشط مثلّثة وبالتحريك: الخلط وترجيل الشعر. (3) والقِرمِل كزبرج _ : ما تشدّ المرأة في شعرها . (4) والمِسَلَّة بكسر الميم وفتح السين المهملة وتشديد اللام: مخيط كبير (5) به تفتل النساء شعورهنّ. والمراد من ترويتها رأسها من الماء أن تدلك رأسها وتخلّل اُصول شعرها، وتبالغ في ذلك حتّى تعلم وصول الماء إلى بشرة رأسها . قوله في خبر أبي عبيدة: (إذا طهّرت فرجها وتيمّمت) . (6) [ح 3 / 4174] قال طاب ثراه: «يظهر منه اشتراط جواز الوطئ بعد انقطاع الحيض بالغسل؛ إذ التيمّم إنّما وجب إذا وجبت الطهارة المائيّة». ووقع التصريح بذلك في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا حتّى تغتسل». (7) وموثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له: المرأة تحرم عليها الصلاة ثمّ تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل، ألزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا حتّى تغتسل». (8) وربّما استدلّ له بقوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ» (9) على قراءة التشديد، فإنّ الاطّهار بمعنى الاغتسال، (10) وبه قال بعض الأصحاب، (11) والأكثر حملوا هذه الأدلّة على الكراهة. (12) على أنّه يحتمل حمل الاطّهار في الآية على طهرها من الحيض؛ لمجيئه بهذا المعنى كما ستعرف، أو على غسل الموضع؛ لقول الجوهري: «يقال : تطهّرت بالماء، وهم قوم يتطهّرون، أي يتنزّهون من الأدناس». (13) وهذا هو الأظهر؛ للجمع بينها وبين ما دلّ على جواز وطيها قبله، منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيضة _ (14) في آخر أيّامها، فقال : «إن أصاب زوجها شبق فليأمرها، فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». (15) ومثله موثّقته عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيضة في آخر أيّامها، قال : «إن أصاب زوجها شبق فليأمرها، فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». (16) ومنها: خبر عليّ بن يقطين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء». (17) ومنها: روايته الاُخرى عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الحائض ترى الطهر، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا بأس، وبعد الغسل أحبّ إليّ». (18) ومثله خبر عبد اللّه بن المغيرة، عمّن سمعه من العبد الصالح عليه السلام في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل وإن فعل فلا بأس به، وقال : «تمسّ الماء أحبّ إليّ». (19) ودلّ أيضاً عليه قوله تعالى : «فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِى الْمَحِيضِ» (20) ؛ لأنّ إيجاب الاعتزال في أيّام الحيض دلّ بحسب المفهوم على عدم اشتراط جواز الوطي بعدها بشيء. وربّما استدلّ له بقوله تعالى : «وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ» (21) ، سواء قرئ بالتخفيف أو بالتضعيف، أمّا على الأوّل؛ فلأنّ الطهر ضدّ الحيض لغةً وشرعاً وعرفاً عامّاً، وأمّا على الثاني؛ فلأنّ التطهّر وإن كان ظاهرا في الاغتسال، إلّا أنّه قد جاء بمعنى الطهر أيضاً، ولابدّ هنا من حمله عليه؛ للجمع بين القراءتين. (22) ولا يبعد الجمع بين الأدلّة بحمل الثانية على ما إذا كان الزوج شبقاً كما هو ظاهر بعض ما ذكر من الأخبار، (23) وبه قال ابن نافع (24) من العامّة، (25) والمشهور عندهم هو القول الأوّل، (26) وقال جماعة منهم بالثاني، (27) وقال بعضهم: إذا توضّأت جاز كما يؤمر الجنب بالوضوء قبل النوم . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزاها) . [ح 4 / 4175] قال طاب ثراه: من للتبعيض، وفيه دلالة على أنّ غسل جميع الشعر ليس بواجب، وإنّما الواجب غسل ما يتوقّف عليه غسل البشرة منه كأُصول الشعور .
.
ص: 36
. .
ص: 37
. .
ص: 38
. .
ص: 39
باب المرأة ترى الدم وهي جنبقد سبق أنّ الحائض إذا أجنبت لا يصحّ منها الغسل للجنابة قبل النقاء، وأنّه إذا طهرت يكفيها غسل واحد، ويزيده بياناً ما رواه المصنّف في الباب . قوله في حسنة الكاهلي: (قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل) . [ح 1 / 4177] ظاهره كصحيحة ابن سنان (1) وما بعدها أنّ غسل الجنابة واجب لغيره، وقد سبق القول فيه . [قوله] في صحيحة عبد اللّه بن سنان: (سألته عن المرأة تحيض وهي جنب، هل عليها غسل الجنابة) إلخ. [ح 2 / 4178] ظاهره أنّ السؤال عن وجوب تجدّد الغسل، فالجواب دليل على تداخل الغسلين، فهو حجّة على من نفاه مطلقاً، وقد سبق القول فيه أيضاً . [قوله] في حسنة سعيد بن يسار: (فقد أتاها ما هو أعظم من ذلك) . [ح 3 / 4179] توجيهه على ما ذكره _ طاب ثراه _ : أنّ الجنابة ليست مانعة من تعلّق بالصلاة وغيرها بخلاف الحيض .
.
ص: 40
باب جامع في الحائض والمستحاضةقد سبق أحكام الحائض مفصّلاً والاستدلال على بعضها ببعض أخبار الباب فلا نعيده. والمستحاضة تطلق على معنيين ، أحدهما: القسيمة للحائض، وثانيهما: من اختلطت حيضها واستحاضتها. قال الجوهري: «استحيضت المرأة: استمرّ بها الدم». (1) والثاني قد سبق، وأمّا الاستحاضة بالمعنى الأوّل فالمشهور بين الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع، (2) و [العلّامة في ]القواعد (3) والإرشاد (4) تثليث أحوالها، وأنّه إن لم يغمس دمها القطنة أصلاً بل لطخ ظاهرها فقط فإنّما يجب عليها غسل الفرج وتغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة، وإن غمسها ولم يصل إلى الخرقة وجب عليها مع ما ذكر غسل للغداة، وإن سال إليها وجب عليها مع ذلك غسلان آخران: غسل للظهر والعصر جامعة بينهما، وغسل للمغرب والعشاء كذلك. إلّا أنّ ظاهر الصدوق في الفقيه (5) والشيخ في المبسوط (6) والخلاف (7) والنهاية (8) والسيّد المرتضى في الناصريّات (9) عدم وجوب الوضوء مع الأغسال، وهو ينبئ عن إجزاء الغسل مطلقاً عن الوضوء، وبه يشعر خلوّ أكثر أخبار هذه الأغسال عنه. وصرّح المفيد (10) وأكثر المتأخّرين (11) بوجوبه معها. واحتجّ عليه في المنتهى بأنّ قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا...» ، الآية (12) دلّ بمنطوقه العامّ على وجوب هذا الوضوء. (13) ودلالة هذه الأخبار على سقوطه إنّما هو بالمفهوم، وهذا لا يعارض ذاك على ما حقّق في محلّه، وهو إنّما يتمّ لو كان دليل السقوط منحصرا في هذا المفهوم، وقد سبق العمومات المنطوقة الدالّة عليه أيضاً. وربّما تمسّكوا بالعمومات الواردة في أنّ كلّ غسل معه وضوء إلّا غسل الجنابة، (14) وهي أيضاً معارضة بالعمومات المشار إليها، ولا طريق للجمع إلّا حمل الأوّلة على الاستحباب، وقد سبق القول فيه تفصيلاً وظهر رجحان سقوط وجوبه. وما اعتبروه من غسل الفرج عند كلّ صلاة يستفاد من قوله صلى الله عليه و آله في الخبر المنقول من طرق العامّة: أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيش: «اغسلي عنك الدمّ وتوضّأي»، (15) واستفادوا منه ما اشتهر بينهم من عدم العفو عن هذا الدم في الصلاة مطلقاً وإن كان أقلّ من الدرهم إذا كان في الجسد، فتأمّل. وأمّا وجوب تغيير القطنة فهو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب على ما ادّعاه العلّامة في المنتهى. (16) ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وأعادت الكرسف» فيما سنرويه عن إسماعيل الجعفي. (17) ويؤيّده: قوله عليه السلام : «تستدخل قطنة بعد قطنة» في صحيحة صفوان بن يحيى. (18) ويؤيّده أيضاًوجوب غسل فرجها عند كلّ صلاة؛ إذ لو لا الاستبدال للزم تنجّس الفرج بهذه النجاسة الخارجة عن المحلّ، والظاهر أنّه تعبّد. وربّما علّل بعدم العفو عن هذا الدم في الصلاة. وفي المدارك: «وهو غير جيّد؛ لما سيجيء إن شاء اللّه تعالى من العفو عن نجاسة ما لا يتمّ فيه الصلاة مطلقا». (19) وأمّا تغيير الخرقة فيما يجب تغييرها فيه، فلم أجد قولاً بخلافه. واحتجّوا عليه بما دلّ على عدم جواز الصلاة في النجس ممّا يستر العورتين القبل والدبر، وهو المعبّر عنه في كلام الأصحاب بما يتمّ الصلاة فيه، بناءً على إرادة صلاة الرجال منها لا مطلقاً، كما يظهر من الأخبار لتمثيل ما لا يتمّ الصلاة فيها بالقلنسوة والتكّة والجورب والنعل والخفّ كما يجيء في محلّه، بل ربّما قيل باختصاصه بهذه الخمسة. وهو احتجاج جيّد لو قلنا بعدم العفو عن هذا الدم مطلقاً كما هو المشهور، وإلّا فلا يتمّ فيما إذا كان الدم الواصل إليها أقلّ من الدرهم البغلّي. وأمّا تثليث القسمة فلم أجد خبرا صريحاً فيه. نعم، ما رواه المصنّف عن عثمان بن عيسى، عن سماعة (20) ظاهر فيه؛ إذ الظاهر أنّ المراد بثقب الدم الكرسف تجاوزه عنه بقرينة قسيمه. وكذا الظاهر من السياق أنّ المراد بالصفرة هو القلّة، وإنّما عبّر عن القلّة بها؛ لاستلزامها لها غالباً. لكنّ الخبر لضعفه وإضماره لا يجوز التمسّك به في مثل هذا الحكم وإن اشتهر العمل به، مع معارضته لما سنشير إليه من الأخبار المتكثّرة. واحتجّ عليه في المختلف (21) بخبر معاوية بن عمّار، (22) وقد عدّه صحيحاً؛ لزعمه أنّ محمّد بن إسماعيل فيه هو ابن بزيع، وقد عرفت مرارا أنّه البندقي المجهول. (23) وبصحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف التي يرويها المصنّف في باب الحبلى ترى الدم. (24) وبما رواه الشيخ في الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها، كيف تصنع؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت». (25) ثمّ قال : «والأحاديث في ذلك كثيرة ذكرناها في كتب الأخبار». واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بما ذكر، وبخبر صفوان بن يحيى، عن محمّد الحلبي،عن أبي الحسن عليه السلام ، وقد رواه الشيخ عن صفوان عنه عليه السلام بلا توسّط الحلبي. (26) وحسنة ابن سنان على ما هو الظاهر من أنّه عبد اللّه ، وقد رواه الشيخ في الصحيح عنه. (27) وخبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا اغتسلت، وإن هي لم تر دماً اغتسلت واحتشت، فلا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف». (28) وأنت خبير بعدم صراحة شيء من تلك الأخبار في مدّعاهم، ولا ظهورها فيه، بل بعضها ظاهر في وحدة حالها؛ لوجوب ثلاثة أغسال عليها مطلقاً، وهو خبر صفوان وصحيح ابن سنان. ومثلهما قوله عليه السلام فيما نرويه في باب الحبلى ترى الدم في صحيحة أبي المغرا: «إن كان دماً كثيرا فلا تصلّينّ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (29) وفي موثّق إسحاق بن عمّار: «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّينّ ذينك اليومين، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (30) وصحيحة الصحّاف ظاهرة في التثنية بمعنى تشريك المتوسّطة مع القليلة في الحكم، فإنّ عدم السيلان في قوله عليه السلام : «فإن كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضّأ ولا غسل عليها» (31) أعمّ من أن ينفذ الدم في القطنة أو لا، بل يلطخ ظاهرها فقط. ومضمرة زرارة التي تأتي في باب النفساء من قوله: «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت، ثمّ صلّت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، فإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسلٍ واحدٍ» (32) ظاهرة في عكسه، أي تشريك القليلة مع المتوسّطة في حكم هذه. ولم أجد قائلاً بهما، فهما مطّرحتان أو مأوّلتان بالاتّفاق. على أنّ الثانية مع قطعها يحتمل أن يراد بالغسل الواحد في آخرها غسل النفاس، فتوافق صحيحة الصحّاف. وبقي باقي الأخبار الدالّة على التثنية بمعنى اشتراك المتوسّطة والكثيرة في وجوب ثلاثة أغسال، وهو أظهر؛ لكثرتها وأحوط. وهو ظاهر العلّامة في المنتهى، حيث قال بعد ما نقل خبر معاوية بن عمّار الدالّة عليه _: «وهذه رواية صحيحة وعليها أعمل». (33) وهو ظاهر المحقّق أيضاً في المعتبر، فقد قال : «والّذي ظهر لي أنّه إن ظهر الدم على الكرسف وجب عليه ثلاثة أغسال، وإن لم يظهر لم يكن عليها غسل وكان عليها الوضوء لكلّ صلاة»، (34) فإنّ الظاهر من ظهور الدم على الكرسف غلبته عليه ونفوذه فيه، سواء تجاوز عنه إلى الخرقة أم لا. ونقله صاحب المدارك (35) عن ابن الجنيد أيضاً ، وعبارته ليست صريحة فيه ، بل محتملة؛ لإدخاله القليلة في حكم المتوسّطة، كما هو ظاهر مضمرة زرارة المتقدّمة، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف: المستحاضة الّتي يثقب دمها الكرسف تغتسل لكلّ صلاتين آخر وقت الاُولى وأوّل وقت الثانية منهما، وتصلّيهما وتفعل للفجر مفردا كذلك، والّتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرّة واحدة ما لم يثقب. (36) فتأمّل. وعن ابن أبي عقيل أنّه شرك بين المتوسّطة والكثيرة، ونفى حكم القليلة رأساً، فقد نقل عنه في المختلف أنّه قال : يجب عليها الغسل عند ظهور دمها على الكرسف لكلّ صلاتين[غسل]، تجمع بين الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل، [و تفرّد الصبح بغسل¨]؛ فأمّا ما لم يظهر الدم على الكرسف فلا غسل عليها ولا وضوء. (37) وقد نسب هذا القول إليه صاحب المدارك (38) أيضاً، ولم أرَ له مستندا، وكأنّه حمل خبر صفوان ونظائره المشار إليها على ذلك، وهو بعيد عن الصواب. ووافقه أبو حنيفة، (39) لكنّه جوّز لها الجمع بين صلوات كثيرة في وقتٍ واحد. وذهب الشافعي (40) وأحمد (41) والثوري (42) إلى وجوب تجديد الوضوء عليها لكلّ صلاة مطلقاً، وهو منقول عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه. (43) وقال داود ومالك وربيعة: أنّها ليست حدثاً أصلاً. (44) وهذه الأقوال منقولة عنهم في الخلاف (45) والانتصار. (46) ويردّ قول مالك وأضرابه: ما نقلوه أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (47) «اغسلي عنك الدم وتوضّأي». 48 وهل المعتبر في قلّة الدم وكثرته وتوسطه وقت الصلاة؟ اختاره الشهيد في الدروس، (48) وإطلاق الأخبار وقوله عليه السلام في خبر الصحّاف: «فإن كان الدم لا يسيل بينهما وبين المغرب فلتتوضّأ ولا غسل عليها» (49) يدلّ على أنّه كغيره من الأحداث متى حصل وجب موجبه، وهو أظهر ومحكي في المدارك (50) عن البيان (51) و روض الجنان. (52) واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب أنّ وجوب ثلاثة أغسال فيما يجب فيه إنّما هو من باب الرخصة، فيجوز لها خمسة أغسال وفعل كلّ صلاة في وقتها، ولم أجد له مخالفاً صريحاً، بل حكم في المنتهى (53) باستحباب هذا. ويشعر به قوله عليه السلام في موثّق ابن بكير المتقدّم: «فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»، فإنّ الظاهر منه أنّه اغتسلت عند كلّ صلاة وصلّت؛ بقرينة ما تقدّمه من قوله: «وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم». هذا، ويفهم من اشتراط الجمع بين الصلاتين اشتراط معاقبة الصلاة للغسل من غير فصل عرفي أو شرعي، وقد صرّح بذلك جماعة. (54) وقال طاب ثراه: «ويجوز أن تصلّي النوافل المرتّبة بشرط الاتّصال، وقد صرّح به بعض الأصحاب». وهل يجوز لها أن تصلّي من الفرائض الفائتة ما أحبّت؟ قال به أبو حنيفة ومالك، والحديث خال عن ذكره ولم يحضرني الآن تصريح من الأصحاب به . قوله في (ثمّ استحاضت) إلخ. [ح 1 / 4180] هذه الكلمة تدفع قول الجوهري: «استحيضت المرأة، أي استمرّ بها الدم»، (55) ولا يقال لها: مستحيض. وقال طاب ثراه: «يقال في الفعل من الحيض: حاضت وتحيّضت، ومن الاستحاضة: استحيضت واستحاضت». وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب. (56) والترديد في قوله: «قدر أقرائها أو قدر حيضها» من الراوي. والعزف بالعين المهملة والزاي المعجمة والفاء كما في النسخ المصحّحة بمعنى القطع. (57) وحمله على كلمة هو للمبالغة من باب حمل المسبّب على السبب ، يعني أنّ هذا الدم إنّما هو قطع العرق؛ وذلك لأنّ الحيض يخرج من قعر الرحم، بخلاف الاستحاضة، فإنّها تخرج من فم العرق الّذي يسمّى العاذل بالعين المهملة والذال المعجمة في أدنى الرحم. وهل سبب زيادته انقطاع عِرق أو عرقٌ؟ كلّ محتمل، والحديث دلّ على الأوّل، ويجوز أن يقرأ عرق بالمهملتين والقاف من باب حمل المحلّ على الحال، أو الظرف على المظروف للمبالغة. ويؤيّده: أنّ هذا الحديث مذكور في كتب العامّة مكرّرا بأسانيد مختلفة، وهم صحّحوه بذلك. (58) والركض: أن تضرب الدابّة برجليك لتستحثّها، ويستعار للعَدْو، ومنه قوله تعالى: «إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ» (59) قال ابن العربي: «سمّى الاستحاضة ركضة من الشيطان؛ لأنّ المرأة لمّا دخلتها هذه العلّة جعلها الشيطان موسوسة شاكّة، وذلك سببه». (60) وفي نهاية ابن الأثير: «المعنى أنّ الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتّى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير: كأنّه ركضة بآلةٍ من ركضاته». (61) وقال المازري: (62) «الحيضة بالكسر: الهيئة كالجلسة والقعدة، وبالفتح: الدم المعروف». (63) والمراد بإقبال الحيضة: اتّصاف الدم بصفات الحيض، وبإدبارها: اتّصافه بصفة الاستحاضة. والمركن بالكسر: الإجّانة الّتي تغسل فيها الثياب، (64) كانت تقعد فيها وتصبّ الماء عليها من غيره، فيستنقع فيها الماء وتعلوه حمرة الدم السائل منها، ولعلّها كانت تغسل ما أصاب رجليها من ذلك الماء المتغيّر. ولمّا حمل عليه السلام قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «فإذا أقبلت الحيضة» إلى آخره على حكم المضطربة وأنّها ترجع إلى التمييز أراد أن يبيّن ذلك حتّى يندفع ما توهّمه بعض غير المحصّلين من العامّة، من أنّه في حكم ذات العادة المستقرّة، وأنّ المراد بإقبال الدم إقبال الأيّام المعلومة الّتي كانت عادتها، وبإدبارها انقضاء تلك الأيّام، وأكثرهم وافقونا فيما ذكر. وفي نهاية ابن الأثير: «دمٌ بحرانيّ شديد الحمرة، كأنّه قد نسب إلى البحر، وهو اسم قَعْر الرّحِم، وزادوه في النسب ألفاً ونوناً للمبالغة، يريد (65) الدم الغليظ الواسع. وقيل: نسب إلى البحر؛ لكثرته وسعته». (66) وعن القتيبي: «أنّه دم الحيض لا دم الاستحاضة». (67) وحمنة بنت جحش هي اُخت زينب بنت جحش زوجة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (68) وقال الجوهري: «ثججت الماء ثجّاً، إذا سيّلته». (69) وفي النهاية: «الثجّ: سيلان دم (70) الهدي والأضاحي، ومنه حديث المستحاضة: إنّي أثجّه ثجّاً». (71) والتّلجّم: شدّ اللجام (72) ، واللجمة: وهي خرقة عريضة طويلة تشدّها المرأة في وسطها، ثمّ تشدّ ما يفضل من أحد طرفيها ما بين رجليها إلى الجانب الآخر، وذلك إذا غلب سيلان الدم. (73) وتحيّضت: قعدت وفعلت ما تفعل الحُيّض، ومنه: «تحيّضي في علم اللّه ». قوله: في خبر معاوية بن عمّار: (ورأت الدم يثقب الكرسف) إلخ. [ح 2 / 4181] الكُرْسُف: القطن، (74) واحتشاؤها به: أن تستدخله في فرجها، وسمّى القطن حشوا؛ لأنّه يحشى به الفرش وغيرها. (75) والاستثفار: هو أن تشدّ فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطناً وتوثق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها، فيمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثَفَر الدابة الّذي تجعل تحت ذنبها. (76) و «لا تحنّي» في أكثر النسخ المعتبرة بالنون المشدّدة بعد الحاء المهملة، بمعنى أنّها لا تختضب بالحنّاء. وفي بعضها: «وتحتبي» بالتاء والمثنّاة من فوق بعد الحاء ثمّ الباء الموحّدة، من الاحتباء، وهو جمع الساقين والفخذين بعمامة ونحوها، وفائدته هنا التحفّظ من تعدّي الدم. وفي بعضها: «وتحشّي» بالشين المعجمة المشدّدة، يعنى تربط فرجها بخرقة محشوّة بالقطن، ويقال لها: المُحَشّى على عجيزتها. وقيل: ضبطه العلّامة (77) والمحقّق الشيخ عليّ في بعض حواشيه على المختلف: «لا تحيّى بالياء المشدّدة المثنّاة من تحت، بمعنى أنّها لا تصلّي صلاة التحيّة؛ وكأنّ ذلك لاستلزام تلك الصلاة دخولها المسجد. واحتمال كونها حائضاً يمنعه. ولا يبعد أن يقرأ: «لا تجثي» بالجيم والثاء المثلّثة، بمعنى أنّها لا تجلس على ركبتيها من جثى كرمى ودعا _: جلس على ركبتيه؛ وذلك لأنه يستحبّ للنساء الجلوس في الصلاة متربّعاً. وأمّا قوله: «وتضمّ فخذيها» فقيل: لا يبعد أن يكون هكذا: وتضمّ فخذيها وتصلّي في المسجد بحيث يكون مسجدها في المسجد وسائر جسدها خارجاً عنه. ويؤيّده: ما سيجيء من رواية عبد الرحمان بن أعين، حيث حكى قول امرأة عبد الملك، فقال : قالت له: لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد، فدعني أقوم خارجاً وأسجد فيه، فقال قد أمر بذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (78)
.
ص: 41
. .
ص: 42
. .
ص: 43
. .
ص: 44
. .
ص: 45
. .
ص: 46
. .
ص: 47
. .
ص: 48
. .
ص: 49
. .
ص: 50
. .
ص: 51
. .
ص: 52
باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضةدم الحيض في الغالب يكون حارّا أسودَ عبيطاً منتناً له حرقة، ودم الاستحاضة غالباً أصفر بارد رقيق، يخرج بفتور، وليس له ذلك النّتن. وإنّما قيّدوهما بالغالب بناءً على ما ثبت من الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض، والأسود الحارّ في غيرها استحاضة. قال العلّامة في المنتهى: ألوان الدماء ستّة: السواد الخالص، والبياض الخالص، والحمرة، والصفرة، والخضرة، والكدرة. فالسواد حيض إجماعاً، والبياض ليس بحيض إجماعاً، وأمّا الحمرة فقد روى أبو حنيفة أنّها في أيّام الحيض حيض، (1) وهو مذهبنا أيضاً، وأمّا الصفرة فكذلك على رأينا ورأي أبي حنيفة. (2) وقال أبو يوسف: الصفرة حيض، والكدرة ليس بحيض إلّا أن يتقدّمها دم. (3) وقال داوود: إنّ الصفرة والكدرة ليستا حيضاً. (4) [و قال أبو بكر الاسكاف (5) : إن كانت الصفرة على لون القز فهي حيض و إلّا فلا]. وقال آخرون: إن كانت الصفرة أقرب إلى البياض فليست بحيض، وإن كانت أقرب إلى الحمرة فهي حيض. وأمّا الكدرة فعلى قول أبي حنيفة ومحمّد تكون حيضاً في الأحوال كلّها، تقدّمت أو تأخّرت. (6) وقال أبو يوسف: إن خرجت عقيب الدم كان حيضاً، وإن تقدّمت لم يكن حيضاً. (7) وأمّا الخضرة فالخلاف فيها كالكدرة. (8) انتهى. (9) وقد ذكروا (10) أنّ القوّة والضعف يحصلان باللون والقوام والرائحة، أمّا اللون فالأسود قويّ الأحمر، وهو قويّ الأشقر، وهو قوىّ الأبيض. وأمّا القوام فالثخين قويّ الرقيق. وأمّا الرائحة فالمنتن أقوى من غيره. ومتى اجتمع في دم خصلة وفي آخر ثنتان فالآخر أقوى. ولو استوى العدد مع الاختلاف كما لو كان في أحدهما الثخانة وفي الآخر الرائحة فلا تمييز لها . قوله في صحيحة إسحاق بن جرير: (إنّ اللّه لم يضرب الأمثال للشجرة إنّما ضرب الأمثال لبني آدم) ، إلخ. [ح 3 / 4189] لعلّ اللّام في الموضعين بمعنى الباء، وحروف الجارّة يجيء بعضها في معنى بعض، لا سيما إذا كانت نكتة كالتقيّة هنا، وذلك إشارة إلى ما رواه المصنّف قدس سرهفي باب أنّ الأئمّة عليهماالسلام نور اللّه عزّ وجلّ من كتاب الحجّة (11) عن صالح بن سهل الهمداني، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «اللَّهُ نُورُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ» : فاطمة عليهاالسلام ، «فِيهَا مِصْبَاحٌ» : الحسن، «الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ» : الحسين، «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ» : فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا، «يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ» : إبراهيم عليه السلام ، «زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ» : لا يهوديّة ولا نصرانيّة، «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ» : يكاد العلم يتفجّر (12) بها، «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ» : إمام منها بعد إمام، «يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ» : [يهدى اللّه للأئمّة مَن يشاء] «وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَ_لَ لِلنَّاسِ» . قلت: أو «كَظُ_لُمَ_تٍ» قال : الأوّل وصاحبه، «يَغْشَ_ل_هُ مَوْجٌ» : الثالث، «مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ» (13) ظلمات الثاني «بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ» : معاوية وفتن بني اُميّة، «إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ» : المؤمن في ظلمة فتنتهم «لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا» : إماماً من ولد فاطمة عليهاالسلام، «فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ» (14) : إمام يوم القيامة. وقال في قوله: «يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَ_نِهِم» : (15) «أئمّة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين يدي المؤمنين وبإيمانهم حتّى ينزلوهم منازل أهل الجنّة». (16) وقيل: تراه في قوله: «أتراه كان (17) امرأة» بصيغة خطاب المذكّر فيما رأيناه من النسخ ونسخ التهذيب (18) المعتبرة، وينبغي: أترينه (19) بخطاب المؤنّث؛ لأنّ الخطاب إنّما كانت لمولاتها، ولا يبعد أن يكون أراه بصيغة التكلّم وزيادة التاء من تصرّفات النسّاخ. انتهى. (20) وأقول : الأظهر أن يكون: «أنراه» بصيغة المتكلّم مع الغير، ويكون زيادة نقطة من تصرّفاتهم، وعلى أيّ حال فالهمزة للتعجّب .
.
ص: 53
. .
ص: 54
. .
ص: 55
باب معرفة دم الحيض والعذرة والقرحةالعُذْرَة بضمّ العين المهملة وسكون الذال المعجمة: دم البَكارة بفتح الباء. (1) وإذا اشتبه دم الحيض بالعذرة تمسك القطنة ثمّ تخرجها برفق، فإن خرجت مطوّقة فهو العُذْرة، وإن خرجت منغمسة فهو الحيض. وهذا هو المشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (2) والنهاية؛ (3) لما رواه المصنّف والشيخ في الحسن والصحيح عن خلف بن حمّاد، (4) وفي الصحيح عن زياد بن سوقة. (5) ولم أر معارضاً لهما في الأخبار. وتوقّف المحقّق في المعتبر في صورة الانغماس، حيث قال : «لا ريب أنّها إذا كانت مطوّقة كان من العُذْرة، وإن خرجت مستنقعة فهو محتمل فإذا يقضى أنّه من العذرة مع التطوّق قطعاً». (6) وهو ظاهره في الشرائع (7) والنافع (8) أيضاً، حيث اكتفى فيهما في صورة التطوّق خاصّة. ولا وجه لذلك التوقّف؛ لما عرفت، ولإجماع الأصحاب على الحكم بالحيض في كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً. وقد صرّح هو أيضاً في المعتبر (9) بأنّ ما تراه المرأة من الثلاثة إلى العشرة يحكم بكونه حيضاً (10) ، وأنّه لا عبرة بلونه ما لم يعلم أنّه لقرح أو عُذْرة، ونقل الإجماع عليه، وهذا الدم منه. واعلم أنّه قال الشهيد الثاني في المسالك: «طريق معرفة التطوّق وعدمه أن تضع قطنة بعد أن تستلقي على ظهرها وترفع رجليها، ثمّ تصبر هنيئة، ثمّ تخرج القطنة إخراجاً رفيقاً». (11) وفي شرح الإرشاد: مستند هذا الحكم روايات عن أهل البيت عليهم السلام لكن في بعضها الأمر باستدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء، وفي بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء، وطريق الجمع حمل المطلق على المقيّد والتخيير بين الإصبع والكرسف، إلّا أنّ الكرسف أظهر في الدلالة. (12) أقول : مستند الحكم فيما رأيناه من كتب الأخبار ومصنّفات العلماء الأخيار منحصر في الخبرين المشار إليهما، وليس فيهما إلّا استدخال القطنة من غير تقييد بالاستلقاء. نعم، ورد الاستلقاء وإدخال الإصبع في مرسلة أبان (13) في المسألة الآتية، وكأنّه حمل هذه المسألة عليها في ذلك. ولو اشتبه بدم القرحة فالمشهور في التمييز اعتبار الجانب بعد الاستلقاء على ظهرها ورفع رجليها وإدخال إصبعها في الفرج، لكنّهم اختلفوا، فظاهر المصنّف قدس سرهأنّه إن خرج الدم من الأيمن فهو من الحيض، وإن خرج من الأيسر فهو من القرحة. وذهب إليه الشهيد في الذكرى (14) والدروس، (15) وهو منقول عن ابن الجنيد (16) ، محتجّين بمرسلة أبان. وذهب الصدوق في الفقيه (17) والشيخ في النهاية (18) والمبسوط (19) إلى عكس ذلك، مستندين بهذه المرسلة بعينها بناء على ما رواه الشيخ في أبواب الزيادات من التهذيب، فقال : محمّد بن يحيى رفعه عن أبان، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : فتاةٌ منّا بها قرحة في جوفها والدم سائل، لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال : «مرها فلتستلقِ على ظهرها وترفع رجليها، وتستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة». (20) والظاهر أنّ الشيخ نقلها عن الكافي، فقد وقع السهو عن قلمه أو عن نسّاخ التهذيب في التقديم والتأخير. ويؤيّد الأوّل قوله بذلك في النهاية والمبسوط، والثاني ما ذكره الشهيد في الذكرى (21) من أنّ الرواية في كثير من نسخ التهذيب كما ذكر في الكافي، وما نَقَل عن ابن طاووس من أنّ نسخ التهذيب القديمة كلّها موافقة له. ولإرسال الرواية واضطرابها ومخالفتها للاعتبار؛ لاحتمال كون القرحة في كلّ من الجانبين طرحها المحقّق في المعتبر، (22) وكأنّه حينئذٍ يعتبر الأوصاف وقد عدّه (23) صاحب المدارك أولى . (24) قوله في صحيحة خلف بن حمّاد: (تزوّج بعض أصحابنا جارية معصرا) إلخ. [ح 1 / 4190] قال الجوهري: المعصر: الجارية أوّل ما أدركت وحاضت، جمعها: معاصر. (25) وفي القاموس: نهد الرجل نهض. (26) وقيل: عقد التسعين باليد عبارة عن لفّ السبّابة ووضع الإبهام عليها، (27) وكأنّه كناية عن الأمر بحفظ السرّ حفظاً محكماً كإحكام القابض تسعين. وأقول : الأظهر أنّ هذا العقد مع قوله عليه السلام : «تستدخل القطنة» تصوير للفرج وإدخال القطنة فيها .
.
ص: 56
. .
ص: 57
. .
ص: 58
باب الحبلى ترى الدماختلف الأصحاب في أنّ الحبلى هل ترى الحيض أم لا ؟ فذهب الصدوق إلى الأوّل. (1) ويدلّ عليه زائدا على ما مرّ من الأخبار الدالّة على اعتبار التمييز من غير تقييد بالحاملى ما رواه المصنّف في الباب في الصحاح عن محمّد بن مسلم، وعبد الرحمان بن الحجّاج، وعبد اللّه بن سنان، (2) وفي الحسن عن سليمان بن خالد. (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي المغرا، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها، ترى كما ترى الحائض من الدم، قال : «تلك الهِراقة (4) إن كان دماً كثيرا فلا تصلّينّ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (5) وفي الصحيح عن صفوان، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام، تصلّي؟ قال : «تمسّك عن الصلاة». (6) وفي الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم، قال : «نعم، إنّه ربّما قذفت المرأة بالدم وهي حبلى». (7) وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين، قال : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (8) وعن حريز، عمّن أخبره عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامفي الحبلى ترى الدم ، قال : «تدع الصلاة ، فإنّه ربّما بقي في الرحم ولم يخرج ، وتلك الهِراقة» . (9) وعن سماعة ، قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل ، قال : «تقعد أيّامها الّتي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام الّتي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة» . (10) وما روي من طريق العامّة عن عائشة : «أنّ الحبلى إذا رأت الدم لا تصلّي ». (11) وهؤلاء لم يفرّقوا بين المعتادة وغيرها ، ولا في المعتادة بين ما رأت الدم في وقت عادتها أو في غيره . وقال الشيخ في النهاية : «إذا رأت الدم في الأيّام الّتي كانت تعتاد فيها الحيض فلتعمل ما تعمله الحائض ، فإن تأخّر عنها الدم بمقدار عشرين يوماً ثمّ رأته ، فإنّ ذلك ليس بدم حيض فلتعمل ما تعمله المستحاضة ». (12) وبذلك جمع بين الأخبار في التهذيب (13) والاستبصار (14) بين صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف وما ذكر . وذهب في الخلاف (15) والمبسوط (16) إلى أنّها تحيض ما لم يستبن حملها ، مدّعياً عليه في الأوّل الإجماع ، وهو أحد طرق جمعه بين الأخبار . وعن ابن إدريس (17) وابن الجنيد : (18) «أنّها لا تحيض مطلقاً ». ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : «قال النبيّ صلى الله عليه و آله : ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حبل» . (19) وهو مع ضعفه يمكن حمله على الغالب . (20) وحكى في المختلف (21) عنه أنّه احتجّ بذلك الخبر ، وبصحيحة حميد بن المثنّى ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيّام وفي الشهر والشهرين ، فقال : «تلك الهِراقة ، ليس تمسك هذه عن الصلاة». (22) وفيه : أنّ الظاهر أنّ العلّة فيه عدم تحقّق أقلّ الحيض . وربّما احتجّ عليه بأنّه يصحّ طلاقها مع الدم إجماعاً ولا يصحّ طلاق الحائض مطلقاً إجماعاً ، ومن هذين الإجماعين يلزم أن لا يكون دمها حيضاً . (23) وردّ بمنع الإجماع الثاني؛ مستندا بجواز طلاق الغائب مع الحيض . (24) وهذا القول محكي عن أبي حنيفة والشافعي في قوله القديم وسعيد بن المسيّب وعطاء والحسن وجماعة اُخرى من العامّة (25) ، محتجّين بما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا توطأ الحَبَالى حتّى يضعن ، ولا الحيالى (26) حتّى يستبرئن بحيضة» (27) ، حيث جعل الحيض علامة على فراغ الرحم ، فدلّ على أنّه لا يتصوّر مع الشغل بالحيض . وعن سالم [بن عبداللّه بن عمر، عن أبيه] أنّه طلّق امرأته وهي حائض ، فسأل عمر النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «مره (28) ليراجعها ثمّ ليطلّقها طاهرا أو حاملاً» (29) ، فجعل الحمل كالطهر علماً على عدم الحيض. وهما غير قابلين للمعارضة لما ذكر . على أنّ خبر سالم إنّما يدلّ على جواز طلاقها حاملاً ، ولعلّ ذلك لجواز طلاق الحامل الحائض ، بل ظاهر العطف بكلمة «أو» ذلك ، فهو حجّة للجواز لا عليه . وقد احتجّ عليه بأنّ الحكمة في الحيض إعداد المرأة للحمل ، ثمّ اغتذاؤه جنيناً ثمّ رضيعاً باستحالته لبنا . (30) وردّ بأنّ الدم قد يفضل عن غذاء المغتذي فيقذفه الرحم ، كما هو مصرّح به في خبر سليمان بن خالد ، وبأنّه لو تمّ ذلك لزم عدم جواز اجتماعه مع الإرضاع ، وهو مخالف لإجماع أهل العلم . وقد يقال : إنّ الحيض عدّ دليلاً على براءة الرحم في العدّة والاستبراء ، فلو اجتمع مع الحمل لم يكن دليلاً عليه . وفيه : أنّ الدلائل الشرعيّة ليست عللاً عقليّة امتنع تخلّف معلولاتها عنها ، وإنّما هي أمارات قد يتخلّف معلولاتها عنها ، فتأمّل . (31)
.
ص: 59
. .
ص: 60
. .
ص: 61
. .
ص: 62
باب النّفساءفي القاموس : النِفّاس بالكسر : ولادة المرأة ، فإذا وضعت فهي نُفَساء كالثّؤَباء ، ونَفْساء بالفتح ويحرّك جمعها نِفَاس ونُفُس ونُفْس كجِياد ورُخال [نادرا]، وكُتُب وكُتْب، ونَوافِس ونُفَساوات، وليس فُعَلاء يجمع على فِعال بكسر الفاء غير نُفَساء وعُشراء، وعلى فعال غيرها . (1) واشتقاقه من النّفس الّتي هي الدم ، ومنه قولهم : ما لا نفس له سائلة . ويقال : نُفسَت المرأة (2) بضمّ النون وفتحها ، قد نفست المرأة بالكسر، و يقال أيضا نفست المرأة غلاما على ما لم يسمّ فاعله، والولد منفوس . ومنه الحديث : «لا يرث المنفوس حتّى يستهلّ صائحاً». (3) والمشهور : أنّه الدم الّذي مع الولادة أو بعدها (4) ، خلافاً للسيّد المرتضى حيث خصّه بما بعدها (5) على ما حكى عنه في التنقيح . (6) وربّما قيل : إنّ اشتقاقه من النفس الإنسانيّة الّتي هي الولد ؛ لخروجه عقيبه. فعلى هذا أيضا إنّما سمّيت نفساء مع خروج الدم مع الولد أو بعده ، وحكى المحقّق في المعتبر: «أنّ امرأة ولدت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم ترَ دما فسميّت الجفوف» (7) ولا يتعلّق بهذه حكم عندنا ، خلافا لبعض العامّة حيث أوجب الغسل بمجرّد خروج الولد (8) ، ولبعض آخر منهم حيث جعله حدثا موجبا للوضوء (9) . وكلاهما تحكّم ؛ لمخالفتهما للأصل السالم عن المعارض . وأجمع الأصحاب على أنّ النفاس كالحيض في جميع الأحكام إلّا في شيئين: أحدهما : الأقلّ ، فربّما يكون لحظة إجماعاً! بين الأصحاب؛ لعدم تقدير له في الشريعة، فيرجع فيه إلى الوجود . ويؤيّده إطلاق ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن عليّ بن يقطين أو عن الحسين ، عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام عن النفساء وكم يجب عليها ترك الصلاة؟ قال : «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً ، فإذا رقّ وكانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء اللّه » . (10) وما رواه العامّة عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «لا يحلّ للنفساء إذا رأت الطهر إلّا أن تصلّي» . (11) وربّما احتجّ عليه بأنّ اليسير أيضاً دم الولادة كالكثير ، فيكون نفاساً مثله . (12) وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك (13) ، ونقل عن محمّد بن أحمد أنّ أقلّه ساعة (14) ، وعن أحمد أنّه يوم (15) ، وقاسه الثوري بالحيض فزعم أنّه ثلاثة (16) ، وعن المزني أنّه أربعة أيّام (17) ؛ زعماً منه أنّ أقلّ الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً ، وأنّ أكثر النفاس ستّون يوماً أربعة أضعاف أكثر الحيض ، فلابدّ أن يكون أقلّ النفاس أيضاً أربعة أضعاف أقلّ الحيض ، وعن أبي يوسف أنّه أحد عشر يوماً (18) ، وعن أبي عبيد (19) أنّه خمسة وعشرون يوماً . (20) وثانيهما : الأكثر ، فإنّ أكثر الحيض عشرة عند الأصحاب أجمع ، واختلفوا في أكثر النفاس ، فالأكثر على أنّه عشرة كالحيض (21) ، وبه قال عليّ بن بابوية (22) والشيخ (23) وابن إدريس (24) ، واختاره العلّامة في أكثر كتبه (25) ، والمحقّق (26) ، وعامّة المتأخّرين (27) ، وهو ظاهر السيّد المرتضى في الناصريات، حيث قال : «عندنا أنّ الحدّ في نفاس المرأة أيّام حيضها الّتي تعهدها، و روي أنّها تستظهر بيوم أو يومين »، ثمّ نسب الثمانية عشر إلى الرواية (28) ، ورجّحه المفيد في المقنعة . (29) واحتجّوا عليه بأنّ النفاس دم الحيض في الحقيقة احتبس في الرحم لغذاء الولد . (30) ولما رواه المصنّف في الباب ؛ لأنّ رجوعها إلى العادة في الحيض يشعر بأنّه كالحيض . واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بما ذكر، وبموثق مالك بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثمّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فتغتسل ثمّ يغشاها إن أحبّ». وقال : «هذا الحديث يدلّ على أنّ أكثر أيّام النفاس مثل أكثر أيّام الحيض ؛ لأنّه لو كان زائدا على ذلك لما وسع لزوجها وطؤها أيّام نفاسها». (31) وحمل عليه حسنة يونس ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قرئها الّتي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة» (32) حملاً للباء فيها على معنى «إلى». وذهب الصدوق في الفقيه (33) والسيّد المرتضى (34) إلى أنّه ثمانية عشر يوماً ، وهو منقول عن سلّار (35) وابن الجنيد (36) ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كم تقعد النفساء حتّى تصلّي ؟ قال : «ثماني عشرة ، سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي» . (37) وفي الصحيح عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن النفساء كم تقعد؟ فقال : «إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين» (38) . ورواه : بسند آخر أيضاً عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم (39) . وفي الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا [مكّة] (40) ونسكوا المناسك ، فأتت لها ثماني عشرة ليلة (41) ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تطوف بالبيت وتصلّي ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك ». (42) واُجيب عن الاُولى بأنّها خبر واحد لا يعارض الأخبار المتكثّرة ، وعن الأخيرتين بأنّهما إنّما تدلّان على أنّه صلى الله عليه و آله أمر أسماء في ذلك الوقت بالغسل ، ولعلّ ذلك لأنّها سألت عنه صلى الله عليه و آله عن حالها حينئذٍ . (43) ويؤيّده مرفوعة عليّ بن إبراهيم (44) . وما رواه الشيخ بسندين وإن كانا غير نقيّين عن محمّد وفضيل وزرارة : «أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة أن تغتسل وتحتشي بالكرسف وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا ونسكوا المناسك سألت النبيّ صلى الله عليه و آله عن الطواف بالبيت والصلاة ، فقال لها : منذ كم ولدت؟ فقالت : منذ ثماني عشرة ، فأمرها رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تغتسل وتطوف بالبيت وتصلّي ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك». (45) وربّما جمع بين هذه الأخبار والمتقدّم بحمل هذه على المبتدأة والأوّلة على ذات العادة ، وبه قال العلّامة في المختلف (46) ، أو بالتخيير بين الغسل بعد انقضاء العادة والصبر إلى انقضاء الثمانية عشر كما احتمله صاحب المدارك (47) ، وهو غير بعيد ولا ينافيه استلزام التخيير بين ؟ ؟ الصلاة وتركها ، لثبوت مثله في أيّا أيّام الاستظهار . وحكى في التنقيح عن ابن أبي عقيل أنّه أحد وعشرون (48) ، عملاً برواية البزنطي ، ولم أجد هذه الرواية . وفي الذكرى : «وربّما تمسّك بصحيحة محمّد بن مسلم » (49) ، مشيرا إلى ما تقدّم من صحيحة العلاء عنه . وفيه : أنّها إنّما تدلّ على أنّها عشرون . وهنا روايات متروكة لم يعمل بها أحد من الأصحاب وحملت على التقيّة، منها : خبر محمّد بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «تقعد النفساء تسع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة». (50) ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال : «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً». (51) وهو ظاهر صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة نفست وبقيت ثلاثين ليلة أو أكثر ، ثمّ طهرت وصلّت ، ثمّ رأت دماً أو صفرة ، فقال : «إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ولا تمسك عن الصلاة ، وإن كانت دماً ليست صفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ» . (52) ومثله خبر عبد اللّه بن المغيرة، وصحيح عبد الرحمان بن الحجّاج في الباب الآتي . (53) ومنها: خبر أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليه السلام قال : «النفساء تقعد أربعين يوماً ، فإن طهرت وإلّا اغتسلت وصلّت ويأتيها زوجها ، وكانت بمنزلة المستحاضة تصوم وتصلّي» . (54) وخبر محمّد بن يحيى الخثعمي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النفساء ، فقال : «كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها وما جرّبت» . قلت : فلم تلد فيما مضى ، قال : «بين الأربعين إلى خمسين» . (55) وصحيحة العلاء بن زرين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوماً إلى الخمسين» . (56) وقال الصدوق : «والأخبار التي وردت في قعودها أربعين يوماً وما زاد إلى أن تطهر معلولة كلّها وردت للتقيّة لا يفتى بها إلّا أهل الخلاف ». (57) ولعلّه أراد بقوله : «معلولة» أنّها وردت لعلّة ، فيكون قوله : «وردت للتقيّة» تفسيرا و بياناً له ، لا أنّها ضعيفة ؛ لصحّة بعضها . نعم ، خبر حفص ضعيف ؛ لكونه عاميّاً (58) ، ولاشتراك أبي جعفر، وجهالة أبيه . وكذا خبر الخثعمي؛ لوجود القاسم بن محمّد في طريقه، وهو كان واقفيّاً غير موثّق، وقد دلّ خبر الخثعمي على رجوع النفساء إلى عادتها المستقرّة في النفاس . ومثله ما رواه الشيخ في الموثّق عن يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «النفساء إذا ابتليت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها الّتي كانت تجلس قبل ذلك ، واستظهرت بمثل ثلثي أيّامها ، ثمّ تغتسل وتحتشي ، وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيّام اُمّها أو خالتها، واستظهرت بثلثي ذلك ، ثمّ صنعت كما تصنع المستحاضة ، وتحتشي وتغتسل» . (59) ولم أجد قولاً به من أحد من أهل العلم ، وحكم عليهما الشهيد قدس سره في الذكري بالشذوذ . (60) وبالجملة، هذه الروايات لا تصلح لمعارضة الأخبار المتضمّنة للرجوع إلى العادة ؛ لأنّها أكثر والكثرة أمارة الرجحان ؛ ولأنّ العمل بها أحوط للعبادة وأشبه بمقتضى الدليل ؛ لأنّ النفاس في الحقيقة هو حيض. واختلفت العامّة أيضاً فيه ، ففي الانتصار : (61) يذهب أبو حنيفة وأصحابه (62) والثوري (63) والليث بن سعد إلى أنّ أكثره أربعون يوماً ، وذهب مالك والشافعي إلى أنّه ستّون يوماً (64) ، وحكى الليث أنّ في الناس من يذهب إلى أنّه سبعون يوماً (65) ، وحكى عن الحسن البصري أنّه خمسون يوماً . (66) وربّما فرّق بينهما بثالث وهو الدلالة على انقضاء العدّة وعدمها ؛ معلّلاً بأنّ الحيض له مدخل في انقضائها بخلاف النفاس ، فإنّ الوضع يدلّ على انقضائها. وهو غير متّجة ، فإنّ النفاس أيضاً قد يدلّ عليه فيما إذا وقع الطلاق بعد الوضع قبل رؤية الدم ، فإنّ الدم بعده يعدّ حيضاً . وبرابع بالدلالة على البلوغ وعدمها، فإنّها مختصّة بالحيض لسبق دلالة الحمل على النفاس ، فإنّه لا يتصوّر قبل البلوغ . تنبيه : قد يكون النفاس أكثر من عشرة أيّام وذلك في التوأمين مع الفصل بين الولادتين ، بل قد يكون عشرين يوماً إذا كان الفصل بينهما بعشرة ؛ لأنّ نفاسها يتعدّد بتعدّد العلّة و لكلّ منهما نفاس حكمه على المشهور . (67) وتردّد في المعتبر في الأوّل من حيث إنّها حامل ولا نفاس مع حمل ، ثمّ قوّى أنّه نفاس . (68) ومثله ما لو [كان] الفصل بأزيد وإن كان الفرض بعيدا . وكذا مع سقوط الولد أعضاء متفرّقة منفصلة بأيّام ووجود دم مع كلّ عضو ، ففي الذكرى جوّز جعل العضوين كالتوأمين ، والدمين اللذين معهما نفاسين . قوله في خبر عليّ بن إبراهيم: (وقال لأسماء بنت عميس) . [ح 3 / 4201] قال طاب ثراه : قال القرطبي : (69) هي أسماء بنت عميس بن معد الخثعميّة من خثعم أنمار ، وهي اُخت ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله واُخت لبابة اُم الفضل زوج عبّاس ، واُخت أخواتها وهنّ تسع ، وقيل : عشر . هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة ، فولدت له محمّدا و عبد اللّه وعونا ، ثمّ هاجرت إلى المدينة ، فلمّا قُتل جعفر تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّد بن أبي بكر ، ثمّ مات عنها فتزوّجها عليّ ، فولدت له يحيى بن عليّ ، لا خلاف في ذلك . وقيل : كانت تحت حمزة بن عبد المطّلب ، فولدت له ابنة تُسمّى أمة اللّه ، وقيل: أمامة ، ثمّ خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي ، فولدت له عبد اللّه وعبد الرحمان، ثمّ خلف عليها بعده جعفر ، ثمّ كان الأمر على ما ذكر . (70)
.
ص: 63
. .
ص: 64
. .
ص: 65
. .
ص: 66
. .
ص: 67
. .
ص: 68
. .
ص: 69
. .
ص: 70
. .
ص: 71
. .
ص: 72
باب النفساء تطهر ثمّ ترى الدم أو رأت الدم قبل أن تلدإذا رأت النفساء دما بعد انقضاء أقلّ الطهر من أيّام نفاسها فهو حيض وإن لم يصادف أيّام عادتها ، بناءً على ما تقرّر من أنّ كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض . فإن قيل : يظهر من خبر عبد اللّه بن المغيرة وصحيح عبد الرحمان بن الحجّاج (1) وجود الحيض قبل انقضاء أقلّ الطهر من أيّام النفاس ، بناء على ما هو الظاهر منهما من كون مدّة نفاسها ثلاثين يوماً . قلنا : نمنع ذلك ، فإنّه إنّما كان هو في كلام السائل ، وهو ليس بحجّة . على أنّ قوله عليه السلام في الخبر الأوّل : «لأنّ أيّامها أيّام الطهر قد جازت مع أيّام النفاس» صريح في أنّ تلك المدّة كانت للنفاس والاستحاضة معاً . وأمّا الدم الّذي تراه قبل الولادة قريبا منها فهو ليس بنفاس كما يدلّ عليه موثّق عمّار (2) ، وهل هو استحاضة أو حيض؟ مبني على الخلاف الّذي سبق في إمكان اجتماع الحيض مع الحمل وعدمه . فذهب الشيخ في المبسوط إلى أنّه استحاضة ، بناءً على ما ذهب إليه من أنّ الحامل المستبين حملها لاترى الحيض (3) ، وإليه ذهب المحقّق أيضا في الشرائع . (4) وعلى ما اشتهر بين الأصحاب من جواز اجتماعهما مطلقا، قيل: وجب الحكم بكونه حيضا مع إمكانه ، فإن لم يكن بين الحيض السابقِ على هذا الدم و بينه أقلّ الطهر كان هذا استحاضة قطعا (5) . و ظاهرهم اعتبار كون هذا الدم على أقل الحيض، فلورأت يوما أو يومين ثمّ وضعت في اليوم الثاني و رأت دما، لا يكون المتقدّم حيضا بل استحاضة، ولا يبعد أن يكون حيضا متداخلاً بَعض أيّامه في النفاس، هذا إن لم نشترط أقلّ الطهر بين الحيض و النفاس المتعقّب له، كما هو خيرة العلّامة في التذكرة (6) و المنتهى (7) ، و قد اشترط بعضهم كما أنّه مشروط في عكسه؛ تمسّكا بعموم ما دلّ على اشتراطه بين حيضتين، بناءً على أنّ النفاس أيضا حيض، فعلى هذا لا بدّ في كون الدم المتقدّم على الولادة حيضا كونه على أقلّ الحيضو تحقّق أقلّ النفاء بينه و بين النفاس، و رجّحه الشهيد في الذكرى حيث قال : «لورأت ثلاثة ثمّ ولدت قبل مضي طهر، فالأقرب أنّ الأوّل استحاضة؛ لفقد شرط ما بين الحيضتين، و فصل الولادة لم يثبت أنّه كاف عن الطهر». (8)
.
ص: 73
. .
ص: 74
باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلواتأراد قدس سره بالوجوب معناه اللغوي ، فإنّ ما يذكره في الباب إنّما هو من المستحبّات. يستحبّ لها أن تتوضّأ في أوقات الصلوات ، وأن تجلس في مصلّاها ذاكرة للّه تعالى بقدر الصلوات على ما ذكره الشيخ ومن تبعه . (1) وقال المفيد : «تجلس ناحية من مصلّاها » (2) . وكلام جماعة من الأصحاب كالأخبار خالية عن تعيين المكان ، وهو المعتمد كما قاله المحقّق في المعتبر . (3) والغرض منهما تمرينها على العبادة . ونقل طاب ثراه عن الشهيد الثاني أنّه قال : «هذا من متفرّدات الإماميّة ». (4) ثمّ قال : أقول : قال أبو عبد اللّه الآبي : (5) «واستحبّ بعض السلف أن تتوضّأ إذا دخل الوقت ، وتستقبل القبلة تذكر اللّه ». (6) وأنكره بعضهم . ويظهر من خبر معاوية بن عمّار (7) استحباب تلاوة القرآن أيضاً من غير استثناء سبعين آية ولا سبع آيات كما هو المشهور ؛ حاملين لها على الجنب ، والفرق واضح ، فتأمّل، وقد سبق القول فيه .
.
ص: 75
باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تصلّيها أو تطهر قبل خروج وقتها فتتوانى في الغسلإذا دخل وقت صلاة وهي طاهر ومضى من الوقت بقدر ما تتطهّر وتصلّي فلم تفعل فحاضت وجب عليها قضاء تلك الصلاة عندنا (1) وفاقاً لأكثر العامّة ، خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال على ما حُكي عنه : «لو حاضت وقد بقى من الوقت شيء قليل لم تقض بناءً على تعلّق الوجوب آخر الوقت ». (2) لنا ما تقرّر في الاُصول من تعلّق الوجوب بجميع أجزاء الوقت على التخيير ، وموثّقة الفضل بن يونس وحسنة أبي عبيدة . (3) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال : «نعم». (4) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال في امرأة دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخّرت الصلاة حتّى حاضت ، قال : «تقضي إذا طهرت». (5) ولو صلّت في أوّل الوقت ورأت الدم في أثناء الصلاة قطعتها ، ولا يجب عليها قضاء تلك الصلاة مطلقاً على المشهور ؛ لعدم تعلّق الوجوب بها ، فإنّ إيجاب الصلاة في وقت لا يسعها محال عقلاً ونقلاً ، وقد أجمع أهل العلم على عدم وقوع تكليف المحال وإن جوّزه بعض العامّة . (6) وقال الصدوق رضى الله عنه في الفقيه : (7) إن رأت الحيض وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الركعة الّتي فاتتها ، محتجّاً برواية أبي الورد ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة الّتي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم ، قال : «تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين» ، قال : «وإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الركعة الّتي فاتتها من المغرب» . (8) وهي مع جهالتها بأبي الورد (9) ، مخالفة للاُصول المقرّرة؛ لما عرفت ، ولاشتمالها على قضاء ركعة واحدة ، فليطرح . وتأوّلها الأكثر منهم الشيخ في الاستبصار (10) على من فرّطت في المغرب دون الظهر؛ حملاً للركعة على الصلاة مجازا ، وهو بعيد لفظاً . وربّما حملت الركعة في كلام الصدوق (11) أيضاً على الصلاة، ولذلك نسبوا إلى ظاهره الاكتفاء في وجوب القضاء بخلوّ أوّل الوقت عن الحيض بمقدار أكثر الصلاة ، ونسب ذلك إلى ظاهر المرتضى (12) ، وكأنّهما استنبطا ذلك عن الرواية المذكورة بناءً على ما ذكر. وفي المدارك : «ولم نقف على مأخذه »، (13) فتأمّل . وإذا طهرت في آخر الوقت وجب عليها الأداء، ومع الإخلال القضاء إن بقي منه مقدار الطهارة وأداء ركعة . وفي المنتهى : «لا خلاف فيه بين أهل العلم ». (14) ويدلّ عليه خبر أبي عبيدة ، (15) والظاهر حسنه ؛ لما ستعرف ، وصحيحة عبيد بن زرارة، (16) وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر ، قال : «تصلّي العصر وحدها وإن ضيّعت فعليها صلاتان ». (17) والمراد بالظهر فيه وقتها الاضطراري ، كما لا يخفى . وفي الموثّق عن عبد اللّه بن عليّ الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضى ظهرها حتّى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة الّتي فاتتها؟ قال : «إن كانت توانت قضتها ، وإن كانت دائبةً في غسلها فلا تقضي». (18) وعن أبي جعفر عليه السلام قال : «كانت المرأة من أهلي تطهر من حيضها فتغتسل حتّى يقول القائل : قد كادت الشمس تصفرّ بقدر ما أنّك لو رأيت إنساناً يصلّي العصر تلك الساعة قلت : قد أفرط ، فكان يأمرها أن تصلّي العصر». (19) وقوله : «قلت» على صيغة الخطاب جزاء للشرط . وعن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت الحائض قبل العصر ، صلّت الظهر والعصر، وإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر». (20) وفي الموثّق عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر» . (21) وفي الموثّق عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء» . (22) وعن داوود الزجاجي (23) ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة». (24) وعن عمر بن حنظلة عن الشيخ يعني أباعبداللّه عليه السلام _ قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء الآخرة ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر». (25) وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى أنّها إذا طهرت بعد زوال الشمس إلى أن يمضي منه أربعة أقدام فإنّه يجب عليها قضاء الظهر والعصر [معا]، وإذا طهرت بعد مضي أربعة أقدام فإنّها يجب عليها العصر لا غير ، ويستحبّ لها قضاء الظهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشمس ، وكذلك يجب عليها المغرب والعشاء إلى نصف الليل ، ويستحبّ لها قضاؤهما إلى طلوع الفجر . (26) وبه جمع بين ما ذكر وبين الجزء الأوّل من خبر الفضل بن يونس (27) وصحيحة معمر بن يحيى ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر ، أتصلّي الاُولى؟ قال : «لا إنّما تصلّي الصلاة الّتي تطهر عندها». (28) والاُولى تأويل هذين بحمل وقت العصر فيهما على آخر الوقت المختصّ به . واعلم أنّه يستفاد من بعض ما ذكر من الأخبار اختصاص آخر الوقت من الظهرين والعشائين بالعصر والعشاء ، وأنّ وقت الظهر أربعة أقدام، ويجيء القول فيهما في محلّهما إن شاء اللّه تعالى . قوله : (عن معمر بن عمر) . [ح 2 / 4213] في التهذيب معمر بن يحيى ، وكذا في الاستبصار نقلاً عن المصنّف . (29) وفي قوله : (عليّ بن زيد)[ح 3 / 4214] : في التهذيب: عليّ بن رئاب ، (30) وفي الاستبصار أيضاً نقلاً عن المصنّف ، وهو الّذي يروي عنه الحسن بن محبوب كثيرا .
.
ص: 76
. .
ص: 77
. .
ص: 78
. .
ص: 79
. .
ص: 80
باب المرأة تكون في الصلاة فتحسّ بالحيضوهذه تقطع الصلاة بعد الفحص عنه وحصول العلم به ، وقد سبق حكم القضاء .
باب الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاةوجوب قضاء الصوم عليها دون الصلاة مذهب العلماء كافّة (1) عدا الخوارج حيث أوجبوا عليها قضاء الصلاة أيضاً ، (2) معلّلين بأنّ اللّه سبحانه أوجب الصلاة في القرآن المجيد مطلقاً ، ولم يسقطها عنها كالصوم ، بناءً على ما أصّلوه من العمل بالقرآن وردّ السنن ، كما يدلّ عليه قولهم: «لا حكم إلّا للّه »، ومنه نفوا وجوب وجود الإمام . ويدلّ على المذهب المنصور زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن أبان، عمّن أخبره، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام، قالا : (3) «الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة». (4) ويدلّ على سقوط الصلاة بعض ما سبق من الأخبار في الأبواب السابقة . وعلى وجوب قضاء الصوم ما رواه عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة يطلع الفجر (5) وهي حائض في شهر رمضان ، فإذا أصبحت طهرت وقد أكلت ثمّ صلّت الظهر والعصر ، كيف تصنع في ذلك اليوم الّذي طهرت فيه؟ قال : «تصوم ولا تعتدّ به» . (6) وقد ورد في بعض الأخبار الاعتداد بصوم اليوم الّذي ترى فيه الدم بعد الزوال ، رواه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب» . (7) وهو لعدم صحّته واضطراب متنه لا يقبل المعارضة لما ذكر. و في الاستبصار : «هذا الخبر وهم من الراوي ؛ لأنّه إذا كان رؤية الدم هو المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ ب [صوم] ذلك اليوم ، وإنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال ». واستشهد له بما رواه محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ، قال : «تفطر ، وإذا كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمضِ على صومها ولتقض ذلك اليوم». (8) وكما لا يجب عليها قضاء الفرائض اليوميّة لا يجب عليها قضاء المنذورة والموقّتة الّتي استوعب الدم وقتها ؛ لانحلال هذا النذر على ما يُستفاد من الأخبار والفتاوى. وكذا قضاء الكسوفين أيضاً إذا استوعب الدم وقتهما ؛ لإصالة عدم الوجوب وانتفاء دليل عليه . وربّما قيل بوجوب قضائهما ، وهو ضعيف ؛ إذ وجوب العادة الموقّتة لا يستلزم وجوب القضاء . وأمّا ما اتّسع وقتها كصلاة الزلزلة والنذر المطلق والطوافُ فالظاهر وفاق الأصحاب على عدم سقوطها . ونقل طاب ثراه عن المازري (9) أنّه قال : وعندنا أنّها لا تقضي من الصلوات إلّا ركعتي الطواف . (10) واختلفوا في معنى قضاء الصوم ، قال طاب ثراه : «قيل : إنّه ليس بقضاء حقيقة ؛ (11) لأنّ وجوب القضاء فرع تقدّم الوجوب ولم يتقدّم ، وإلّا لزم من منعها عنه تكليفها بالنقيضين . وقيل : إنّه قضاء حقيقة ». (12) وقالوا : «يكفي فيه تقدّم سبب الوجوب (13) وهو دخول الوقت »، وبه قال بعض العامّة؛ زعماً منه أنّ المنع إنّما هو عن نفس الفعل لا عن تعلّق الوجوب . وهؤلاء اختلفوا، فقال بعضهم : وجب الصوم عليها وجوباً موسّعاً ، وقيل : وجوباً مرادا به القضاء بمعنى أنّه وجب عليها في الحيض أن تصوم بعده . قوله في خبر الحسن بن راشد : (قلت : من أين جاء هذا) ، إلخ . [ح 2 / 4219] كأنّ ابن راشد استبعد عدم وجوب قضاء الصلاة مع وجوب قضاء الصوم (14) لكون الصلاة أفضل من الصوم (15) فالجواب يدلّ على نفي القياس بالأولويّة ، وهذا هو القياس قاسه إبليس بقوله : «خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (16) ، وأوعده اللّه عليه بنصّ «إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ» (17) ، وإذا كان حاله مع الأولويّة هكذا فما ظنّك بالمجرّد عنها؟ فيامن قال به أولى لك فأولى ، ثمّ أولى لك فأولى . قوله في حسنة زرارة : (ثمّ تقضي الصيام) . [ح 3 / 4220] نقل عن المحقّق الداماد قدس سره (18) أنّه قال : ثمّ هنا للاستبعاد كما في قوله عزّ من قائل : «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (19) ، وفي قوله جلّ سلطانه : «ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ» (20) ، ومعناها استبعاد ما بعدها مع تحقّق ما قبلها . ومفاد الكلام ومغزاه استبعاد قضاء الحائض الصوم مع عدم قضائها الصلاة . (21) انتهى . والمراد بقوله عليه السلام : «إنّ رسول للّه صلى الله عليه و آله كان يأمر بذلك فاطمة» أنّه يأمرها أن تأمر المؤمنات بذلك ، فلا ينافي صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : «إنّ فاطمة صدّيقة شهيدة ، وإنّ بنات الأنبياء لا يطمثن». (22) وما رواه الصدوق في الفقيه عنهم عليهم السلام : «أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها ليست كإحداكنّ ، أنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة». (23) وفي كتاب العلل : «إنّ فاطمة بتول»، وفسّر البتول بأنّها لم تحض ، (24) والحمل على التقيّة أيضاً محتمل . والتقريب في قوله عليه السلام : «إنّ امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرّرا» ، (25) إلخ على ما قاله طاب ثراه _ : إنّ المغيرة كأنّه اعتقد أنّ كلّ ما وجب عليها على تقدير الطهارة وجب عليها قضاؤه على تقدير الحيض ، فدفعه عليه السلام بأنّ ابنة عمران كان واجباً عليها الإقامة في المسجد في الأيّام الّتي خرجت منه للحيض لولاه ، ولم يكن واجباً عليها قضاء تلك الأيّام ؛ لعدم إمكان ذلك لوجوب كون جميع أيّام دهرها فيه .
.
ص: 81
. .
ص: 82
. .
ص: 83
. .
ص: 84
باب الحائض والنفساء تقرآن القرآنقد سبق أنّه يستحبّ لهما قراءة القرآن ما عدا العزائم من غير استثناء للسبع ولا للسبعين بخلاف الجنب . قوله في خبر منصور بن حازم : (نعم إذا كان في جلد أو فضّة أو حديد) . [ح 4 / 4225] ظاهره جواز أخذ قصبة الفضّة للعوذة كما هو المتعارف في العوذات مع كونها ظرفاً ، وهو غير بعيد ؛ لأنّها غير داخلة في الإناء عرفاً . والنهي إنّما ورد عن أواني الذهب والفضّة ، فتأمّل . قوله : (وروى أنّها لا تكتب القرآن) . [ح 5 / 4226] لم أجد هذه الرواية في الحائض . نعم ، قال الشيخ في التهذيب : وسأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل ، أيحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : «لا» . (1) وكأنّه قدس سره حمل الحائض على غير المتوضّى بالأولويّة . وظاهر هذه الرواية التحريم ولم أجد قائلاً به ، وكأنّهم حملوها على الكراهة، أو على ما إذا استلزم الكتابة للمسّ .
.
ص: 85
باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئاًالمشهور بين الأصحاب جواز الأوّل وتحريم الثاني فيها وفي الجنب مطلقاً ؛ (1) لما رواه المصنّف قدس سره، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه ، قال : «نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئاً». (2) وظاهر الأكثر تحريم الوضع فيه ولو بالطرح إليه من خارج ، بل صرّح به بعضهم، وهو تعبّد . (3) وقصّره بعض على ما إذا استلزم الدخول فيه ، وآخر على ما إذا استلزم اللبث فيه. (4) ويردّهما إطلاق النصّين الصحيحين، على أنّ مطلق الدخول فيما عدا المسجدين ليس بحرام ، وقد عمّ الحكم لغيرهما اتّفاقاً فلا فائدة للتقييد به . واللبث فيه حرام مطلقاً فلا فائدة لذكر الوضع معه . وحكي عن سلاّر أنّه قال بكراهية الوضع على الجنب (5) حملاً للنهي عليها ، والظاهر أنّه قال بذلك في الحائض أيضاً ، ولعلّه قال بذلك فيما إذا لم يلزم منه اللبث فيه . وعلى أيّ حال فيردّ قوله ظهور النهي في التحريم ، لا سيما إذا لم يكن له معارض .
.
ص: 86
باب المرأة يرتفع طمثها ثمّ يعود، وحدّ الأياس من الحيضفيه مسألتان : الاُولى : المسترابة : وهي الّتي تكون في سنّ من تحيض ولم تحض لعلّة ، ولا ريب في أنّه متى عاد الدم تعمل عمل الحيض ، ويجيء بعض أحكامها في باب العدّة . الثانية: اختلف أهل العلم في سنّ من تحيض في جانب القلّة والكثرة جميعاً ، أمّا الأوّل فمذهب الأصحاب أجمع أنّه تسع سنين كاملة ؛ (1) لشهادة العرف بذلك، وبعض الأخبار الواردة في العدد . واختلفت العامّة فيه على ثلاثة أقوال ، ففي العزيز : أصحّها أنّه تسع سنين ، فإن رأت الصبيّة دماً قبل استكمال التسع فهو دم فساد. والثاني : أنّ أوّل وقت الإمكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة ، وقد تسمّى حينئذٍ بنت تسع . والثالث : يدخل بمضى ستّة أشهر من السنة التاسعة . ثمّ قال : وقال الأصحاب : المتّبع في وقت الحيض وقدر الوجود فيرجع فيه إلى العرف ؛ لأنّ كلّ ما ورد به الشرع مطلقاً ولم يكن له ضابط في الشرع واللغة يرجع فيه إلى العرف ، وكلّ واحد من أصحاب الوجوه الثلاثة يزعم أنّ ما ذكره قد عُهِد . (2) وأمّا الثاني فذهب المحقّق في باب الطلاق من الشرائع إلى أنّه خمسون من غير تقييد بغير القرشية والنبطية ، (3) ونسبه في النافع إلى أشهر الروايتين ، (4) وبه قال المفيد في المقنعة. (5) وهو ظاهر خبري البزنطي (6) وعبد الرحمان بن أبي نجران ، (7) ومثلهما ما يرويه المصنّف بطريق فيه سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : الّتي لم تحض ومثلها لا تحيض» قال : قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا أتى لها أقلّ من (8) تسع سنين ، والّتي لم يدخل بها ، والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا كان لها خمسون سنة». (9) و في باب الحيض من الشرائع جرم بالستّين كذلك من غير تقييد بالقرشيّة و النبطيّة، (10) و نسبه المصنّف قدس سره إلى الرواية. (11) وفي المدارك : «وقد ورد بالستّين رواية اُخرى عن عبد الرحمان بن الحجّاج أيضاً عن الصادق عليه السلام ، (12) وفي طريقها ضعف ». (13) ولم أجد هذه الرواية . (14) وخصّ في المعتبر الستّين بالقرشيّة والروايات الأوّلة بغيرها. (15) ويدلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير (16) لما سبق مع ما فيه. واختاره الشيخ أيضاً في المبسوط، (17) وألحق في غيره النبطيّة بها ؛ (18) لاشتراكهما في حرارة المزاج المستتبعة لزيادة مدّة الحيض . وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين منهم العلّامة في أكثر كتبه (19) ، وحكاه في المنتهى عن أهل المدينة. (20) وقد اعترف جماعة بعدم نصٍّ فيها ، لكن قال المفيد في المقنعة في باب عدد النساء : وإن كانت قد استوفت خمسين سنة وارتفع عنها الحيض وآيست منه لم تكن عليها عدّة من طلاق . وقد روي أنّ القرشيّة من النساء والنبطيّة تريان الدم إلى ستّين سنة ، فإن ثبت ذلك فعليهما العدّة حتّى تتجاوز الستّين . (21) وظاهره ورود النصّ في النبطيّة أيضاً ، ولم أجده ، وأظنّ أنّ التحديد بالخمسين مطلقاً أو في غير القرشيّة فيما ذكر من الأخبار مبنيّ على الغالب ، فقد أخبرتني جماعة من بنات اثنتين وخمسين سنة ونحوها بتحيّضهن في أيّام عاداتهن من غير تغيير عنها، وكنّ معروفات بغير القرشيّة والنبطيّة . ونعم ما قال الشيخ في التهذيب في سنّ اليأس من غير تقييد : «وحُدّ ذلك بخمسين سنة ، (22) وأقصاه ستّون سنة »، وما قاله العلّامة في المنتهى : ولو قيل : اليأس يحصل ببلوغ ستّين أمكن بناءً على الموجود ، فإنّ الكلام مفروض فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على ما كانت تراه قبل ذلك ، فالوجود هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلاً . ولو قيل : ليس بحيض مع وجوده وكونه على صفة الحيض كان تحكّماً لا يقبل ، أمّا بعد الستّين فالإشكال زائل للعلم بأنّه ليس بحيض ؛ لعدم الوجود ولما علم من أنّ للمرأة حالاً يبلغها ويحصل معها الإياس ؛ لقوله تعالى : «وَ الَّ__?ى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ» (23) . (24) وحكى عن بعض الحنفيّة أنّه سبعون ، وعن بعضهم أنّه قال بأكثر من سبعين . (25) وعن محمّد بن الحسن أنّه قال في نوادر الصلاة : قلت : أرأيت العجوز الكبيرة ترى الدم ، أيكون حيضاً؟ قال : «نعم» . (26)
.
ص: 87
. .
ص: 88
. .
ص: 89
باب المرأة يرتفع طمثها من علّة فتسقى الدّواء ليعود طمثهالا يجوز لها ذلك إن كانت العلّة لرفع الطمث حملاً ، سواء كان متيقّناً أو مشكوكا ؛ لصحيحة رفاعة ، (1) ولاحتمال السقط ، وإن كانت العلّة غيره فلا مانع منه . وصحيحة داود بن فرقد (2) تدلّ على أنّه عيب في الأمة الّتي هي في سنّ من تحيض مع عدم الحمل ، يثبت به خيار العيب للمشتري ، وهو كذلك ، ويأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى .
باب الحائض تختضباشتهر بين الأصحاب منهم العلّامة في التحرير (3) كراهية الاختضاب لها ؛ للجمع بين ما رواه المصنّف في الباب من جوازه وبين ما رويناه في باب اختضاب الجنب عن عامر بن خداعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لا تختضب الحائض ولا الجنب ، ولا تجنب وعليها خضاب ، ولا يجنب هو وعليه خضاب [ولا يختضب و هو جنب]» . (4) وظاهر المصنّف عدم الكراهية حيث لم يتعرّض لخبر المنع ، وقد سبق أنّه ظاهر العلّامة أيضاً في التحرير (5) في الجنب خاصّة ، حيث لم يتعرّض لها فيه .
.
ص: 90
باب غسل ثياب الحائضقد سبق طهارة عرقها وثيابها الّتي قد لبستها في حال الحيض إلّا ما تنجّس بالدم أو غيره ، وأنّه تكره الصلاة في ثوب المتّهم بالنجاسة فيها .
باب الحائض تناول الخمرة أو الماءقال طاب ثراه : قال الجوهري : «الخُمْرة بالضمّ: سجّادة صغيرة تُعمل من سعف النخل ، ويُرْمَل (1) بالخيوط ». (2) وقال الهروي : «هي سجادة قدر ما يوضع عليه الوجه من حصير وشبهه من خوص». (3) وقيل: «سمّيت خمرة لتخميرها الوجه، وأصل هذا الحرف كلّه الستر، ومنه سمّى الخمار لستره» . (4)
.
ص: 91
كتاب الجنائز
.
ص: 92
. .
ص: 93
كتاب الجنائزالجِنازة بالكسر: الميّت ، ويفتح، أو بالكسر: الميّت، وبالفتح: السرير، أو عكسه، أو بالكسر: السرير مع الميّت. كذا في القاموس . (1)
باب علل الموت وأنّ المؤمن يموت بكلّ ميتةفي القاموس: مات يموت ويَمات ويَميت فهو ميت وميّت: ضدّ حيّ، [و ماتك سكن، و نام، و بلي] أو الميّت مخفّفة: الّذي مات، والميّت والمائت: الّذي لم يمت بعد، [... ]وهي مَيّتة ومَيتَة وميّت. والميتة: ما لم تلحقه الذكاة، وبالكسر: للنوع . (2) قوله في خبر سعد بن طريف: (كان الناس يعتبطون اعتباطاً) ، إلخ . [ح 1 / 4241] عبط الذبيحة يعبطها : نحرها من غير علّة ، وهي سمينة فتيّة . ومات فلان عبطةً ، أي شابّاً صحيحاً من غير علّة فجأةً . (3) ويُسلى على صيغة المجهول ، والباء في «بها» للسببيّة. سلاه وعنه كدعاه، ورضيه سُلْوا وسُلُوّا وسَلواناً وسَليّاً : نسيه ، وأسلاه عنه فتسلّى، والاسم السلوة ويضمّ . (4) والموم بالضمّ : البرسام ، وأشدُّ الجُدريّ. مِيم كقيل _ ، فهو مَمومٌ . (5) قوله في خبر عبد اللّه بن سنان : (الحمّى رائد الموت ، وهي سجن اللّه في الأرض) . [ح 3 / 4243] قال طاب ثراه : في الفائق : الرائد : رسول القوم الّذي يرتاد لهم مساقط الغيث ، وقد راد الكلاء يروده ريادا ، وفي أمثالهم : لا يكذب الرّائدُ أهلَهُ . وشبّه به الحمّى ، كأنّها مقدّمة الموت وطليعته ، وتقول العرب : الحمّى اُخت الحمام، ويقولون : قالت الحمّى : أنا اُمّ مِلدَم، آكل اللّحم وأمصُّ الدّم . (6) وأمّا كونها سجناً، فلأنّها تحبس الإنسان عن الحركات الّتي يتوقّف على صحّة المزاج واستقامة الأعضاء ، وهي حظّ كلّ مؤمن من النار ، (7) لأنّها من فور جهنّم وكفّارة الخطايا الموجبة للنار . قوله في خبر عبد الرحمن بن يزيد : (مات داود عليه السلام يوم السبت مفجوءا) إلخ. [ح4 / 4244] في القاموس : «فَجأَه كمَنعه وسمعه فجأً وفجاءةً : هجم عليه، كفاجأه وافتجأه، والفُجاءة : ما فاجأك ». (8) وموت الفجأة : هو الّذي يكون اعتباطا من غير علّة ، وأمّا ما كانت له علّة فالظاهر أنّه ليس من الفجأة وإن لم تكن تلك العلّة مؤثّرة فيه في الغالب ، كلسع الزنبور ونحوه ، ففي أيّامنا رجل سيّاف كان يأكل العنب من عنقود بِيَساره ، فإذا زنبور لسع إصبعه أو شفته أو لسانه فاصفرّت أنامله ، وعضّ على بنانه . (9) وأطلق في بعض الأخبار مسامحة على الموت الّذي لا يمتدّ حماه امتدادا؛ لاشتراكهما في الأجر . وعطف موت موسى عليه السلام على موت داود عليه السلام يشعر بأنّه أيضاً كان فجأة ، فقد روى الصدوق أيضاً في كتاب إكمال الدين بإسناده عن جعفر بن محمّد بن عمارة ، عن أبيه ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام : أخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه السلام ، فقال : «إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدّته وانقطع أجله أتاه ملك الموت عليه السلام فقال له : السلام عليك يا كليم اللّه ، فقال موسى عليه السلام : وعليك السلام ، من أنت؟ فقال : أنا ملك الموت ، فقال : ما الّذي جاء بك؟ قال : جئت لأقبض روحك ، فقال له موسى : من أين تقبض روحي؟ قال : فمك ، قال له موسى : كيف وقد كلّمت به ربّي جلّ جلاله؟ قال : فمن يديك ، قال : كيف و [قد ]حملت بهما التوراة. قال : فمن رجليك ، قال : كيف وقد وطأت بهما طور سيناء؟ قال : فمن عينيك ، قال : كيف ولم تزل إلى ربّي بالرجاء ممدودة؟ قال : فمن اُذنيك، قال : كيف وقد سمعت بهما كلام ربّي عزّ وجلّ؟ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى ملك الموت: لا تقبض روحه حتّى يكون هو الّذي يريد ذلك . وخرج ملك الموت ، فمكث موسى عليه السلام ما شاء اللّه أن يمكث بعد ذلك ، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر ، وغاب موسى عن قومه ، فمرّ في غيبته برجل وهو يحفر قبرا ، فقال له : ألا اُعينك على حفر هذا القبر؟ فأعانه حتّى حفر القبر وسوّى اللحد ، ثمّ اضطجع فيه موسى عليه السلام لينظر كيف هو ، فكشف له عن الغطاء (10) ، فرأى مكانه من الجنّة ، فقال : يا ربّ ، اقبضني إليك ، فقبض ملك الموت روحه مكانه ، ودفنه في القبر وسوّى [عليه ]التراب ، وكان الّذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدميّ ، وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح من السماء: مات موسى كليم اللّه ، وأي نفس لا تموت» . (11)
.
ص: 94
. .
ص: 95
. .
ص: 96
باب ثواب المريض إذا صبر على المرض ولم يشكُ شكاية زائدة على ما هو المباح (1)قوله في حسنة أبي الصباح : (سهر ليلة من مرض أفضل من عباده سنة) . [ح 4 / 4254] قال طاب ثراه : «لعلّ ذلك لأنّ أثره يبقى إلى سنة ». قوله في خبر عبد الحميد : (ثمّ أمنعه الشكاية) . (2) [ح 5 / 4255] المراد بالشكاية هنا المباح منها ، كقوله: سهرت البارحة وحممت اليوم ونحوهما، فلا ينافي النهي عنها بقوله: ابتليت بما لم يبتل به أحد، ونحوه . على أنّه يحتمل حمل هذا النهي على الكراهة . ويؤيّده قول عليّ عليه السلام حين عاده النبيّ صلى الله عليه و آله في اشتكاء عينه وسأله عن حاله _ : «يا رسول اللّه ، ما وجعت وجعاً قطّ أشدّ منه»، وسيجى ء الحديث في باب النوادر . (3) قوله في خبر محمّد بن مروان : (حمّى ليلة كفّارة لما قبلها ولما بعدها) . (4) [ح 10 / 4260] محمّد بن مروان (5) هذا مشترك بين الشعيري وهو ممدوح ، والبصري، (6) والمدني، (7) وهما مجهولان ، وعلى الأوّل يكون الخبر حسناً . وروي أيضاً : «أنّ حمّى يوم كفّارة سنة»، (8) فقيل : «وجهه أنّها تنهك قوّة سنة» ، وقيل : «إنّ للإنسان ثلاثمئة وستّين مفصلاً يجري ألم الحمّى في جميعها ». ويظهر من الخبرين أنّ أجر حمّى الليلة أزيد من أجر حمّى اليوم ، ولعّل وجهه أنّ الاُولى توجب السهر أيضاً . وقال طاب ثراه : «ويفهم من هذا الخبر وممّا تقدّم أنّها كفّارة للخطايا ، وموجبة للثواب جميعاً ». وفي روايات العامّة أيضاً دلالة عليها ، وصرّح بذلك أكثرهم ، وقال بعضهم : «إنّها إنّما تكفّر الخطايا فقط »، وهو منقول عن ابن مسعود . (9)
.
ص: 97
باب آخر منهيذكر فيه ما ورد في ثواب المريض على الوجه الأكمل بإبدال لحمه ودمه بلحم ودم لم يذنب فيهما . قوله في خبر بشير : (أيّما عبد ابتليته ببليّة فكتم ذلك عوّاده ثلاثاً) . [ح 3 / 4263] يحتمل أن يكون قوله : «ثلاثاً» قيدا للابتلاء بقرينة ما سيرويه ، وأن يكون قيدا للكتم فيخصّص ما يرويه ممّا يدلّ على استحباب إعلام العوّاد بما بعدها .
باب حدّ الشكاةأي حدّها الّذي لا يجوز التجاوز عنه ، فإن انتهت إلى الارتداد فلاريب في أنّها موجبة للكفر ، ونحو : حممت البارحة ، وما وجعت وجعاً قطّ أشدّ منه وأمثالهما جائزة من غير كراهية ، وهل يحرم نحو : ابتليت ببليّة لم يبتل بها أحد؟ الظاهر كراهته .
.
ص: 98
باب في كم يعاد المريض، وقدر ما يجلس عنده، وتمام العيادةعيادة المريض مستحبّة إن كان له ممرّض ، وإلّا فهي واجبة كفاية للتمريض . وقال طاب ثراه : قال الآبي : العيادة مندوب إليها من حيث الجملة ، ثمّ تنقسم بحسب العوارض إلى أحكام الشرع ، وبالمرّة الواحدة تخرج عن عهدة الطلب ويبقى بعد ذلك على ما تقتضيه الحال . وقال بعض العامّة : من كان له أهل وجب تمريضه على من تجب نفقته عليه ، وأمّا غيره فمن قام به سقط عن الباقين . انتهى . (1) ويظهر من خبر عليّ بن أسباط (2) أنّها لا تكون في مرض تكون مدّته أقلّ من ثلاثة أيّام ، وهو المعبّر عنه عند الأطبّاء بحمّى اليوم ، ولعلّ المراد نفي تأكّد استحبابها فيه، وأفضل مراتبها وقوعها غِبّاً ، والجلوس عنده قليلاً ، إلّا أن يعلم إرادة المريض ما عدا ذلك . هذا ، وقد شاع الحديث تركيب «يوم ويوم لا» ، واستشكل أمره؛ لعدم جواز رفع اليومين على الابتدائيّة أو الخبريّة ، لكنّ اليوم لازم الظرفيّة ، ولا يجوز بناؤهما على الفتح أيضاً ؛ لعدم علّة البناء فيهما ، وإنّما يجوز ذلك لو لم يكن العاطف بينهما ، فقد قال المحقّق الرضي قدس سره : قد استعمل جوازا كخمسة عشر مبنيّة الجزئين: ظروف كيوم يوم ، وصباح مساء، وحين حين ، وأحوالٌ نحو. لقيته كفّة كفّة ، وهو جاري بيت بيت ، وأخبرته أو لقيته صحرة بحرة . ويجوز إضافة الصدر من هذه الظروف والأحوال إلى العجز ، وإنّما لم يتعيّن بناء الجزئين فيها كما تعيّن في (خمسة عشر)؛ لظهور تضمّن الحرف وتعيّنه في خمسة عشر دون هذه المركّبات ؛ إذ يحتمل أن يكون كلّها بتقدير الحرف وأن لا يكون، فإذا قدّرناها قلنا : إنّ معنى لقيته يومَ، يومَ وصباحَ مساءَ، وحين حين ، يوماً فيوماً، وصباحاً فمساءً، [وحينا فحينا] أي كلّ يوم وكلّ صباح ومساء وكلّ حين ، والفاء تفيد هذا العموم كما في قولك انتظرته ساعةً فساعةً ، [أى في كلّ ساعة] وإن لم يقدّر حرف العطف قلنا : إنّ المعنى يوماً بعد يوم وصباحاً بعد مساء وحينا بعد حين ، كقولهم كابرا عن كابرا، (3) أي كابرا بعد كابر . انتهى. (4) وغاية ما يمكن التفصّي أن يقرأ اليومان بالجرّ على مذهب من يعمل الجارّ المقدّم، فتدبّر . قوله في حسنة عبد اللّه بن سنان : (العيادة قدر فواق ناقة) . [ح 2 / 4272] قد وردت هذه الكلمة في حديث العامّة (5) أيضاً . وقال الجوهري : «الفواق : ما بين الحلبتين من الوقت ؛ لأنّها تحلب ثمّ تترك سويعةً لتدرّ ، ثمّ تحلب ، فيقال : ما أقام عنده إلّا فواقاً ». (6) قوله في خبر موسى بن قادم : (النّوكى) . [ح 4 / 4274] النوك ويُضمّ : الحمق ، جمعه نوكى ونوك كسكرى وهوج . (7)
.
ص: 99
باب [حدّ موت الفجأة] (1)يذكر فيه ما دلّ على حسن امتداد مرض الموت وأنّ الموت مع قصر مدّته كالفجأة وقد سبقت الإشارة إليه . قوله في خبر النهدي : (فقد اختُرِم) . [ح 1 / 4277] في القاموس : «اختُرِم فلان عنّا مبنيّاً للمفعول : مات ، واخترمته المنيّة : أخذته ، والقوم استأصلتهم واقتطعتهم ». (2)
.
ص: 100
باب ثواب عيادة المريضلا ريب فيه ما لم تعلم كراهة المريض لها ، والأخبار فيها متظافرة من الطريقين ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الصدوق ، قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ضمنت لستّة الجنّة» ، وعدّ منها رجلاً يعود مريضاً . (1) ومن طريق العامّة ما نقلوه : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «أمرنا باتّباع الجنائز وعيادة المرضي ». (2) قوله في خبر ميسّر : (صلّى عليه يومئذٍ سبعون ألف ملك) إلخ . [ح 1 / 4279] ظاهره صلاة هذا العدد الخاصّ ، والأظهر أنّه كناية عن الكثرة ، وقد فسّر بالوجهين قوله تعالى : «إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً» (3) وقال البيضاوي : «قد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمسئة ونحوها في التكثير ؛ لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد ، فكأنّه العدد بأسره ». انتهى . (4) وتوضيحه أنّ للعدد عند أهل الحساب تقسيمات : أحدها: تقسيمه إلى الأوّل وغيره ، والأوّل : هو ما لا يعدّه غير الواحد كالثلاثة والخمسة ونحوهما ، وغير الأوّل : ما يعدّه غيره كالأربعة والستّة ونظائرهما . وثانيهما: تقسيمه إلى الزوج والفرد ، والزوج غير أوّل لا محالة ، والفرد إمّا أوّل كما ذكر أو غير أوّل كالتسعة . وثالثها: تقسيمه إلى زوج الزوج وزوج الفرد ، أعني ما يقبل التنصيف إلى الواحد وما لا تقبله كالثمانية والستّة . ورابعها: تقسيمه إلى المجذور وغيره ، والمجذور : هو العدد المشتمل على عدد إذا ضرب في نفسه يحصل ذلك العدد ، ويسمّى هذا العدد المضروب في نفسه جذرا له كالتسعة ، فإنّها تحصل من ضرب الثلاثة في نفسها ، وغير المجذور : ما ليس كذلك . وخامسها : تقسيمه إلى المُنْطَق والأصَمّ ، أي إلى ما له أحد الكسور التسعة وما ليس كذلك ، كالعشرة والخمسة والعشرين . وربّما يقال المنطق على ما له أحد الكسور التسعة أو جذر ، فيدخل المثال الثاني فيه. وعلى هذا يقال الأصم على ما ليس له شيء منهما كأحد عشر . وسادسها: تقسيمه إلى التامّ والزائد والناقص ، والتامّ : هو الّذي ساوى مجموع كسوره كالستّة . والزائد : ما نقص عن كسوره كالأربعة والناقص عكسه كالاثني عشر. وهذه الأوصاف الثلاثة للعدد باعتبار متعلّقه وهو الكسور. وسابعها: تقسيمه إلى الأقلّ والأكثر . وفرّعوا على هذه التقسيمات السبعة تقسيمه إلى الكامل وغير الكامل من جهتين: إحداهما : من حيث اتّصافه بالأقلّيّة ، واشتماله على مخارج الكسور التسعة معاً ، فالكامل : هو العدد القليل المشتمل على مخارج الكسور كلّها أو أكثرها ، وغير الكامل: ما ليس كذلك ، فكلّ عدد يكون أقلّ وأشمل يكون أكمل . وبهذا الاعتبار يكون العشرة أكمل الأعداد ؛ لأنّها أقلّ عدد مشتمل على مخارج الكسور التسعة كلّها . والاُخرى: من حيث اشتماله على الفرديّة والأقلّيّة وعلى الأقسام الخارجة من التقسيمات المذكورة جميعاً ، فكلّما كان اشتمال العدد الفرد الأقل على الأقسام أكثر كان أكمل . وهذا الاعتبار هو الأشهر عندهم ، وعلى هذا تكون السبعة أكمل الأعداد ؛ لأنّها أقلّ عدد من الأفراد مشتمل على جميع الأقسام ما عدا الفرد الغير الأوّل والزائد ، فإن الستّة والتسعة وإن اشتملتا أيضاً على أكثر الأقسام المذكورة إلّا أنّ الاُولى ليست فردا ، والثانية ليست أقلّ فرد ، وكانوا يعدّون الكامل شريفاً والأكمل أشرف ؛ لاستلزام الكمال الشرافة . وربّما يعلّلون شرافة السبعة خاصّة بأنّها عدد السماوات والأرضين والسيّارات والأقاليم . ولما كانت السبعة أشرف الأعداد فكأنّها العدد كلّه ؛ ولذلك كنّوا بها عن الكثرة وأجروا حكمها على السبعين والسبعئة والسبعة آلاف ونظائرها ؛ لاشتمالها على السبع . وأكثر ما يستعمل في هذا المعنى السبعون ، ولعلّ وجهه أنّها حاصلة من تكرار السبعة عشر مرّات ، والعشرة أيضاً أكمل الأعداد بالاعتبار الأوّل كما عرفت . وقال طاب ثراه : «الخريف : زاوية في الجنّة يسير الراكب فيها أربعين عاماً في تفسير الباقر عليه السلام ». (5) ومن طريق العامّة عن ثوبان مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنه عليه السلام ، قال : «من عاد مريضاً لم يزل في مَخرَفَة الجنّة». 6 وقال محيي الدين : المَخْرَفة . بفتح الميم وسكون الخاء وفتح الراء قيل : هي السكّة بين صنفين من نخيل يجتنى من أيّهما شاء »، (6) وقيل : هي البستان الّذي فيه الفاكهة يخترف ، وسمّي الخريف خريفاً لأنّه فصل يخترف فيه الثمار . (7)
.
ص: 101
. .
ص: 102
. .
ص: 103
باب تلقين الميّتاللّقن واللّقنة واللّقانة واللّقانيّة : سرعة الفهم ، لقن كفرح فهو لَقِنٌ ، وأَلقَنَ : حفظ بالعجلة ، (1) وتلقين الميّت : تفهيمه الشهادتين وإمامة الأئمّة الأطهار عليهم السلام . ويستحبّ ذلك في ثلاثة مواضع ؛ لأخبار متكثّرة ، منها ما رواه المصنّف . الأوّل : حال الاحتضار ، وفيه : يستحبّ تلقينه كلمات الفرج أيضاً ، (2) وينبغي له المتابعة باللسان والقلب ، ومع تعذّرها باللسان فبالقلب فقط . وقال طاب ثراه : «ويفهم من كلام الفاضل الأردبيلي أنّه يستحبّ إعادة كلمة التوحيد آخرا ؛ ليكون آخر كلامه لا إله إلّا اللّه ». (3) ويقرب منه قول بعض العامّة : إنّه يستحبّ تلقين الشهادتين أوّلاً ، ثمّ تلقين لا إله إلّا اللّه وحدها . (4) وقد ورد في الأخبار : «من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة ». (5) والثانى: عند شرج اللبن في قبره ممّن نزل معه ، مدنياً فاه إلى اُذنه ، قائلاً له اسمع ثلاثا قبله . والثالث: بعد طمّ القبر وانصراف الناس بصوتٍ عال في غير التقيّة . ووافقنا العامّة في الأوّل محتجّين بأخبار متعدّدة ، منها : ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللّه ». (6) ووافقنا الشافعية في الثالث أيضاً، (7) مستدلّين بما رواه سعيد بن عبد اللّه الأزدي ، قال : شهدت أبا أمامة وهو في النزع ، فقال إذا متّ اصنعوا بي كما أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأسه ، ثمّ ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يسمع ولا يجيب ، ثمّ ليقل : يا فلان بن فلانة الثانية ، فإنّه يستوي قاعدا ، ثمّ ليقل : يا فلان بن فلانة ، فإنّه يقول : أرشدني يرحمك اللّه ، ولكن لا تسمعون ، فيقول له : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك رضيت باللّه ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمّد صلى الله عليه و آله نبيّاً ، وبالقرآن إماماً ، فإنّ منكرا ونكيرا يتأخّران عنه ، كلّ واحد منهما يقول : انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقّن حجّته»، فقيل: يا رسول اللّه ، فإن لم يعرف اُمّه؟ قال : «فلينسبه إلى حوّا». (8) وعن بعضهم : أنّه يقال له حين لم تعرف اُمّه: يا فلان بن أمة اللّه . وأمّا في الثاني فلم أجد لهم قولاً لا نفياً ولا إثباتاً . وفائدته تذكير الميّت وتنبيهه على ما كان عليه كما يستفاد من خبر أبي بكر الحضرمي ، (9) ومن قوله صلى الله عليه و آله : «ابنك ابنك» في حديث فاطمة بنت أسد ، (10) معلّلاً بأنّها كانت قد عجزت عن جواب سؤال الملكين عن الإمام . وربّما تكون فائدته سقوط السؤال رأساً ، كما يدلّ عليه خبر الأزدي المذكور ، وما رواه الصدوق عن يحيى بن عبد اللّه أنّه قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «ما على أهل الميّت منكم أن يدرؤا عن ميّتهم لقاء منكر ونكير» ، فقلت : وكيف نصنع؟ فقال : «إذا اُفرد الميّت فليختلف عنده أولى الناس به ، فيضع فاه على رأسه ثمّ ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان ، أو : يا فلانة بنت فلان ، هل أنت على العهد الّذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، سيّد النبيّين ، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين ، وأنّ ما جاء به محمّد صلى الله عليه و آله حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، والبعث حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ، فإذا قال ذلك قال منكر لنكير : انصرف بنا عن هذا فقد لُقّن حجّته». (11) وله في الاحتضار فوائد اُخرى : أن يكون آخر كلامه لا إله إلّا اللّه بناءً على إرادة العرفي من الآخر ، وأنّه يوجب رفع السيّئات وطرد الشيطان وملائكة العذاب ، كما أنّ الدعاء في ذلك الوقت كذلك ، على ما يدلّ عليه ما رواه الصدوق ، قال : وقال الصادق عليه السلام : «اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في مرضه الّذي مات فيه ، فدخل عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له: قل لا إله إلّا اللّه ، فلم يقدر عليه ، فأعاد عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يقدر عليه ، وعند رأس الرجل امرأة ، فقال لها : هل لهذا الرجل اُمّ؟ فقالت : نعم يا رسول اللّه ، أنا اُمّه ، فقال لها : أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت : [لا ]بل ساخطة، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فإنّي اُحبّ أن ترضي عنه ، فقالت : قد رضيت عنه لرضاك يا رسول اللّه ، فقال له : قل لا إله إلّا اللّه ، فقال : لا إله إلّا اللّه ، فقال : له : قل : يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير أقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير إنّك أنت العفوّ الغفور ، فقالها، فقال له : ماذاترى؟ فقال : أرى أسودين قد دخلا علَيّ! قال : أعِدها ، فأعادها ، فقال : ما ترى؟ فقال قد تباعدا عنّي ودخل أبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ، ودنا الأبيضان منّي الآن يأخذان بنفسي ، فمات من ساعته» . (12) قوله في حسنة الحلبي : (13) (أنّكم تلقّنون موتاكم عند الموت لا إله إلّا اللّه ، ونحن نلقّن موتانا محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) . [ح 2 / 4290] في شرح الفقيه : «يمكن أن يكون المراد : إنّا أهل البيت لمّا كنّا مشتغلين دائماً بكلمة التوحيد لا نحتاج إلى التلقين بها ». (14) ولمّا كان أهل البيت بسبب انتسابهم إلى النبيّ صلى الله عليه و آله يغفلون عن الشهادة بالرسالة، فنحن نلقّنهم بها ؛ لئلّا يغفلوا كما غفلت فاطمة بنت أسد عن أمير المؤمنين عليه السلام فلقّنها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بابنك ابنك ، أو لمّا كانت الشهادة بالرسالة مستلزمة للشهادة بالتوحيد فنحن نلقّن بالملزوم ونتبعه اللّازم ، أو لمّا وصل إليكم من كان آخر كلامه لا إله إلّا اللّه دخل الجنّة أنتم تلقّنون بها ، ونحن نلقّن بالكلمتين معاً وما بعدهما ؛ لأنّ الغرض من التلقين تذكّر الاعتقادات . وتخصيص الرسالة بالذكر لا يدلّ على نفي ما عداها ، بل يفهم اُولو الألباب أنّ ذكرها لعدم الاكتفاء بالتوحيد ، فيلزمها جميع الاعتقادات ، أو للتقيّة. قوله في حسنة زرارة : (فلقّنه كلمات الفرج) إلخ . [ح 3 / 4291] ذكرها الشيخ في المبسوط في التلقين على هذا النسق ، إلّا أنّه لم يذكر فيها كلمة : «وما فيهنّ» ، وأضاف : «وسلام على المرسلين» قبل التحميد . (15) ومثله في المقنعة (16) مع كلمة : «وما فيهنّ» على حذو ما رواه الصدوق ، قال : قال الصادق عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع ، فقال له : قل : لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم ، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ وربّ العرش العظيم، وسلام على المرسلين ، والحمد للّه ربّ العالمين» ، (17) وهو الّذي ذكره الأكثر فيه، والأحسن ! بل الأحسن ذكر «و ما فوقهنّ» أيضاً بعد «ما تحتهنّ» ؛ لوجود قول به، مع طباقه للواقع . وفي مفتاح الفلاح ذكر على وفق ما في هذه الحسنة ، لكن بإسقاط : «وما تحتهنّ» ، وقال : «هذه هي كلمات الفرج على ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن عن الباقر عليه السلام » ، مشيرا إلى هذه الحسنة ، وكأنّه لم تكن هذه الكلمة في كتاب الكافي ، ونسب إلى بعض كتب الدعاء زيادة : «وما تحتهنّ» بعد «ما بينهنّ» ، (18) وإلى بعضها زيادة : «وما فوقهنّ» أيضاً بعدهما ، (19) وإلى بعضها زيادة كلمة «هو» قبل «الربّ» ثمّ قال : «ولم أظفر بهذه الزيادات فيما اطّلعت عليه من الروايات المعتبرة »، (20) فتأمّل . وليس في حديث القنوت ذكر «السلام على المرسلين» فيها . والأحوط تركه هناك لمكان السلام في غير محلّه . وعِكرَمة على ما قاله طاب ثراه _ : «كان مولى لابن عبّاس ، وكان يذهب مذهب الخوارج ، (21) إلّا أنّه كان منقطعاً إلى أبي جعفر عليه السلام .» وقال الكشّي بعد نقل هذه الرواية _ : هذا نحو ما يروى : «لو اتّخذت خليلاً لاتّخذت فلاناً خليلاً» (22) لم يوجب لعكرمة مدحاً ، بل يوجب ذمّه . (23) ثمّ إنّ الخبر يدلّ على قبول التوبة قبل أن تبلغ النفس الحلقوم ويعاين أمر الآخرة. وقد وقع عليه الإجماع ، ودلّ عليه قوله تعالى : «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّ_?اتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّى تُبْتُ الْ_?انَ» (24) على ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «ذلك إذا عاين أمر الآخرة» . (25) وتشهد له أخبار متكثّرة ، منها : ما رواه المصنّف قدس سرهفي كتاب الإيمان والكفر في الحسن عن بكير، عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهماالسلام، قال : «إنّ آدم عليه السلام قال يا ربّ ، سلّطت عليّ الشيطان وأجريته منّي مجرى الدم ، فاجعل لي شيئاً ، فقال : يا آدم ، جعلت لك أنّ من همّ من ذرّيّتك بسيّئة لم يكتب عليه شيء ، فإن عملها كتبت عليه سيّئة ، ومن همّ بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة ، وإن هو عملها كتبت له عشرا . قال : يا ربّ ، زدني، قال : جعلت لك أنّ من عمل منهم سيّئة ثمّ استغفر غفرت له . فقال : يا ربّ زدني، فقال : جعلت لهم التوبة أو [قال :] بسطت لهم التوبة حتّى تبلغ النفس هذه . قال : يا ربّ حسبي». (26) وعن ابن فضّال مرسلاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من تاب قبل موته بسنة قَبِلَ اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ السنة لكثيرة ، من تاب قبل موته بشهر قَبِل اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ الشهر لكثير ، ثمّ قال : من تاب قبل موته بجمعة قَبِلَ اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قَبِل اللّه توبته ، ثمّ قال : إنّ يوماً لكثير من تاب قبل أن يعاين قَبِل اللّه توبته». (27) وعن معاوية بن وهب ، قال : خرجنا إلى مكّة ومعنا شيخ متألّه متعبّد لا يعرف هذا الأمر ، يتمّ الصلاة في الطريق ، ومعه ابن أخ له مسلم ، فمرض الشيخ ، فقلت لابن أخيه: لو عرضت هذا الأمر على عمّك لعلّ اللّه أن يخلّصه ، فقال كلّهم : دعوا الشيخ يموت على حاله ؛ فإنّه حسن الهيئة، فلم يصبر ابن أخيه حتّى قال له : يا عمّ ، إنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا نفرا يسيرا ، وكان لعليّ عليه السلام من الطاعة ما كانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحقّ والطاعة له ، قال : فتنفّس الشيخ وشهق وقال : أنا على هذا، وخرجت نفسه ، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فعرض عليّ بن السريّ هذا الكلام عليه، فقال : «هو رجل من أهل الخير» ، فقال له عليّ بن السريّ : إنّه لم يعرف شيئاً من هذا غير ساعته تلك ، قال : «فتريدون منه ماذا؟! فدخل (28) واللّه الجنّة» . (29) قوله في خبر أبي بكر الحضرمي : (ممّا سخى بنفسي) . [ح 4 / 4292] الباء للتعدية ، وسخى فلان ، إذا سكن من حركته ، (30) يعني أنّ الرؤيا الّتي رأيتها أسكنت نفسي وجعلني صابرا على موته ، أو سكّنت روحي في جسدي ، ومنعها عن الخروج عنه . قوله في خبر عبد اللّه بن ميمون : (قال له : قل : لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم) . [ح 7 / 4295] روى الشيخ في التهذيب (31) هذا الخبر بهذا السند بعينه ، وفي بعض نسخه قل : «لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلّا اللّه العليّ العظيم». وظاهر الخبر استحباب أمر المحتضر بالقول بها . وفي العزيز : «والأحبّ أن لا يواجهه بأن يقول له قل : لا إله إلّا اللّه ، ولكن يذكر الكلمة عندها ليتذكّرها فيذكرها ، أو يقول : ذكر اللّه مبارك ». (32) وحكى طاب ثراه عن بعضهم أنّه قال : «لا يقال له قل ؛ لأنّه تكليف، وهو ليس بمحلّ للتكليف ، وإنّما يتعرّض له بذكر الشهادتين تعريضاً حتّى يقولهما ». (33) وعن الآبي أنّه ردّه بأنّه عليه السلام قال لعمّه أبي طالب وهو في النزع : «يا عمّ ، قل لا إله إلّا اللّه كلمة أشهد لك بها عند اللّه »، (34) وقوله: ليس بمحلّ للتكليف، ممنوع . (35) قوله في خبر سالم بن أبي سلمة : (رأيت بياضاً كثيرا وسوادا كثيرا) . [ح 10 / 4298] الظاهر أنّهما أعماله الحسنة والقبيحة على قاعدة تجسّم الأعمال . ويؤيّده قوله صلى الله عليه و آله : «قل : اللّهمّ اغفر لي الكثير من معاصيك، واقبل منّي اليسير من طاعتك ». ويحتمل أن يراد جزاؤهما من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب من أتباع ملك الموت ، كما هو الظاهر ممّا رويناه سابقاً عن الصدوق رضى الله عنه .
.
ص: 104
. .
ص: 105
. .
ص: 106
. .
ص: 107
. .
ص: 108
. .
ص: 109
. .
ص: 110
باب إذا عسر على الميّت الموت واشتدّ عليه النزعالمشهور أنّ استحباب نقل المحتضر إلى مصلّاه إنّما هو إذا اشتدّ عليه النزع ؛ (1) لما رواه المصنّف ، وربّما قيل باستحبابه مطلقاً ؛ (2) لإطلاق بعض أخباره . والتقييد أظهر؛ للجمع، ولأنّ نقله مع سهولة النزع ربّما ينجرّ إلى اشتداده . والمراد بالمصلّى الموضع الّذي أعدّه في بيته للصلاة ، أو الثوب الّذي أعدّه لها ، كما يستفاد من حسنة زرارة ، (3) والجمع أحسن . وقراءة الصافّات مجرّبة في ذلك ، واستحبّ في المنتهى قراءة يس أيضاً عنده ، (4) ولم أجد خبرا صريحاً فيه ، (5) وكأنّه استنبطه ممّا رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من قرأ يس في عمره مرّة واحدة كتب اللّه له بكلّ خلق في الدنيا وبكلّ خلق في الآخرة وفي السّماء بكلّ واحد ألفي ألف حسنة ، ومحا عنه مثل ذلك ، ولم يصبه فقر ولا غرم ولا هدم ولا نصب ولا جنون ولا جذام ولا وسواس ولا داء يضرّه ، وخفّف اللّه عنه سكرات الموت وأهواله وولّى قبض روحه ، وكان ممّن يضمن اللّه له السعة في معيشته ، والفرح عند لقائه ، والرضا بالثواب في آخرته ، وقال اللّه تعالى لملائكته أجمعين من في السماوات ومن في الأرض : قد رضيت عن فلان فاستغفروا له» . (6) ونقل عن بعض التابعين استحباب قراءة الرعد عنده . (7)
.
ص: 111
باب توجيه الميّت إلى القبلةأجمع أهل العلم على رجحان توجيه المحتضر إلى القبلة إلى أن يدفن في القبر، والظاهر وفاقهم على وجوبه في حال الصلاة عليه . ويدلّ عليه ما يأتي في محلّه . واختلفوا في مواضع : الأوّل في حال الاحتضار : فذهب المفيد في المقنعة (1) والشهيد في الذكرى (2) واللمعة (3) والدروس ، (4) والعلّامة في غير المختلف 5 إلى الوجوب ، بل هو ظاهره فيه أيضاً ، (5) وإليه ذهب الشيخ في المبسوط ، حيث قال في موضع منه : «معرفة القبلة واجبة للتوجّه إليها في الصلوات ، واستقبالها عند الذبيحة ، واحتضار الأموات وغسلهم»، (6) ولكن عبّر عنه في بحث الاحتضار بلفظ الخبر الشامل للندب أيضاً ، (7) كما في النهاية، وهو محكي في المختلف (8) عن سلاّر (9) وابن البراج . (10) وصرّح في الخلاف باستحبابه ، (11) وهو منقول عن المفيد في المسائل الغريّة ، (12) وعن السيّد (13) وابن إدريس (14) والمحقّق في المعتبر . (15) وعُدَّ في العزيز من آداب المحتضر من غير نقل خلاف ، (16) وظاهره الندب عندهم. وحكى في المنتهى (17) عن سعيد بن المسيّب أنّه أنكر الاستحباب أيضاً ، وأنّهم لمّا أرادوا أنّ يحوّلوه إلى القبلة في تلك الحال قال : ما لكم؟ قالوا : نحوّلك إلى القبلة ، قال : ألم أكن إلى القبلة إلى يومي هذا؟! ويردّه ما سيأتي . واحتجّ على الوجوب بما رواه الشهيد في الذكرى عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة»، قاله في هاشمي كان في السّوق (18) . (19) وبقوله عليه السلام في حسنة سليمان بن خالد _ : «فسجّوه تجاه القبلة». (20) ويدلّ أيضاً عليه ما رواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على رجل من ولد عبد المطّلب وهو في السّوق ، وقد وجّه إلى غير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة ، وأقبل اللّه عزّ وجلّ عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتّى يقبض». (21) وربّما احتجّ عليه بما رواه الجمهور عن حذيفة أنّه قال : «وجّهوني إلى القبلة». (22) وبقوله صلى الله عليه و آله : «خير المجالس ما استقبل به القبلة». (23) وبأنّ ذلك كان معروفاً بين المسلمين ، مشهورا بينهم . وتمسّك الآخرون بأصالة عدم الوجوب حاملين الأخبار المذكورة على الاستحباب ، زاعمين أنّها لضعفها لا يجوز إبقاؤها على ظاهرها من الوجوب ، بل يجب حملها على الاستحباب ، للمساهلة في أدلّته . (24) وثانيها ما بعد الموت إلى أن يغسل : فقد قيل بالوجوب ؛ لظهور بعض أخبار الباب في ذلك ، (25) وأنكره الشهيد في الذكرى ، حيث قال : «ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته ، وأنّ الواجب أن يموت إلى القبلة ، وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال »، (26) وهو ظاهر الخبر المنقول عن عليّ عليه السلام . وخبر يعقوب بن يقطين (27) يدلّ على رجحان استقباله بعد الغسل أيضاً . والجمع بين الأخبار يقتضي رجحانه؛ حملاً للأخبار الأوّلة على الاستحباب . وثالثها حال التغسيل : والظاهر وجوبه فيها لحسنة سليمان بن خالد ، (28) وقوله عليه السلام : «استقبل ببطن قدميه القبلة حتّى يكون وجهه مستقبل القبلة» وقوله : «فضعه على المغتسل مستقبل القبلة» فيما يرويه المصنّف في باب غسل الميّت من خبري الكاهلي (29) ويونس . (30) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن محمّد بن عيسى، عن يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الميّت ، كيف يوضع على المغتسل موجّهاً وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال : «يوضع كيف تيسّر من الموضعين» . (31) وإليه ذهب الشيخ في المبسوط (32) على ما عرفت ، والشهيد في الدروس . (33) وحكى الشهيد في الذكرى (34) عن السيّد المرتضى أنّه ذهب في المسائل المصريّة إلى استحبابه ، (35) وهو مختار المحقّق . (36) واحتجّ عليه في الذكرى بما ذكر من خبر يعقوب بن يقطين ، وبالأصل . (37) ويظهر ممّا ذكر ضعف الأوّل ، وأمّا الأصل فقد يصار إلى خلافه الدليل . وكيفيّته في هذه الأحوال أن يلقى الميّت على ظهره ، ويجعل باطن قدميه إلى القبلة، بحيث لو جلس لكان مستقبل القبلة ، كما يدلّ عليه أكثر ما ذكر من الأخبار . ولا يبعد التخيير في المغتسل بينها وبين وضعه كما يوضع في القبر ؛ للجمع بينه وبين خبر يعقوب بن يقطين ، وتحتّمها فيما قبله ، عكس ما ذكره صاحب [فتح] العزيز ، حيث قال : في الاحتضار في كيفيته وجهان : أحدهما : أنّه يلقى على قفاه وأخمصاه إلى القبلة كالموضوع على المغتسل ، والثاني وبه قال أبو حنيفة _ : أنّه يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كالموضوع في اللحد؛ لأنّه أبلغ في الاستقبال . والوجه الأوّل هو المذكور في الكتاب يعني الوجيزلكنّ الثاني أظهر عند الأكثرين ، وحكي عن نصّ الشافعي ، ولم يذكر أصحابنا العراقيّون سواه . (38) ورابعها حال دفنه : والمشهور وجوبه لكن مضطجعاً على جنبه الأيمن ، على ما صرّح به الشيخان (39) والصدوقان (40) والشهيدان (41) والفاضلان (42) وغيرهم ، (43) بل ربّما ادّعى عليه الإجماع . وعلّله في الذكرى (44) بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله دفن كذلك وفعله ، وبعمل الصّحابة والتّابعين ، وبما رواه معاوية بن عمّار عن الصادق عليه السلام قال : «مات البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة ورسول اللّه صلى الله عليه و آله بمكّة ، فأوصى أنّه إذا دفن يجعل وجهه إلى وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى القبلة، فجرت به السنّة وكانت الصلاة حينئذٍ إلى البيت المقدّس». (45) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن حمزة أنّه قال باستحباب الاستقبال في تلك الحال ، (46) حملاً للأخبار عليه ؛ مستندا بأصالة البراءة . (47) ولوجوب هذا الاستقبال قد اشتهر بين الأصحاب وجوب دفن امرأة ذمّيّة حاملة من مسلم مستدبرة ؛ (48) ليكون وجه الحمل إلى القبلة بناءً على أنّ وجهه إلى ظهر اُمّه ، بل ربّما ادّعى عليه الإجماع ، (49) ولم أجد نصّاً عليه . واحتجّ عليه في التهذيب بخبر أحمد بن أشيم، عن يونس ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الجارية اليهوديّة والنصرانيّة فيواقعها فتحمل ، ثمّ يدعوها إلى الإسلام فتأبى عليه ، ودنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب : «يدفن معها» . (50) وهو مع ضعفه بأحمد بن أشيم (51) لا يدلّ على ذلك ، بل ظاهره الدفن معها على الطريقة النصرانيّة . واشتهر أيضاً وجوب دفنها في مقابر المسلمين إكراماً للولد . ووجّهه المحقّق في المعتبر بأنّ الولد لما كان محكوماً له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمّة ، وإخراجه مع موتها غير جائز ، فتعيّن دفنها معه في مقابر المسلمين . (52) وادّعى الشهيد في الذكرى الإجماع على عدم جواز دفن المسلم في مقابر أهل الذمّة ، والظاهر وفاقهم على تحريم عكسه أيضاً . (53) ولولا الإجماع لأمكن القول بجوازهما ؛ لعدم نصّ عليه . على أنّ حرمة المسلم ميّتاً ليس أكثر من حرمته حيّاً ، وقد جاز إقامته في قرى المشركين وبيوتاتهم وبالعكس، فكيف بأهل الذمّة؟ وقد احتجّ عليه بتأذّي المسلم من جوارهم ، وهو محلّ نظر . وحكى في المدارك (54) عن بعض العامّة أنّها تدفن بين مقبرة المسلمين والنصارى مستدبرة ، (55) وعن آخرين منهم ما ذكره الأصحاب . وقال الشيخ في الخلاف : ولا أعرف للفقهاء من العامّة نصّاً في هذه المسألة ، (56) فتدبّر .
.
ص: 112
. .
ص: 113
. .
ص: 114
. .
ص: 115
. .
ص: 116
. .
ص: 117
. .
ص: 118
باب أنّ المؤمن لا يكره على قبض روحهبل يقبض برضاه بمشاهدة الأصفياء ومقاماته المنيعة ودرجاته الرفيعة كما سبق . قوله في خبر عمّار : (لو أن أقسم على ربّه) إلخ . [ح 1 / 4307] قال طاب ثراه : يقال : أقسم باللّه إقساماً ، أي حلف به ، (1) وأقسم عليه بمعنى قاسمه ، أي حلف عليه ، وجعل اليمين عليه ، قيل : هو قسم حقيقة ، أي لو قال : أقسمت عليك يا ربّ أن لا تميتني ما أماته إكراماً له ، وقيل : القسم هنا الدعاء ، أي لو دعا اللّه سبحانه بعزيمة في عدم الإماتة لاستجاب له ، والإشارة في ذلك إلى حضور الأجل ، والترديد من أبي اليقظان .
.
ص: 119
باب ما يعاين المؤمن والكافر عند الاحتضارمن الأصفياء والمقامات العالية وأضدادهما . قوله في خبر عليّ بن عقبة : (وما بين أحدكم) إلخ . [ح 1 / 4309] وفي القاموس : «غمزه بيده يغمزه : شِبه نَخَسه ، وبالجفن والعين والحاجب : أشار». (1) وكلمة «ذُلّك» في قوله : «فإذا ذهب ديني كان ذُلّك» بضمّ الذال المعجمة وشدّ اللّام ! (2) قوله في خبر عمّار بن مروان : (ثمّ يزور آل محمّد في جنان رضوى) إلخ . [ح 4 / 4312] رضوى كسكرى : جبل بالمدينة، (3) وموضع بعمّان ، (4) ولعلّه هو المراد هنا ، وهو الّذي زعمت الكيسانيّة أنّه غاب محمّد بن الحنفية في جبل فيه ، ويظهر في آخر الزمان، زاعمين أنّه هو صاحب الأمر . (5) والزمر بالضمّ : الفوج والجماعة . (6) ويدلّ على رجعة آل محمّد عليهم السلام والمؤمنين في زمان ظهور القائم عليه السلام ، والمراد بالمبطلين والمحلّين المبطلون لما أحلّه اللّه ، والمحلّون لما حرّمه سبحانه . وقوله : «فعند ذلك» ، إلى آخره : جملة معترضة . قوله في خبر عَقَبة : (وأعظَم ذلك) [ح 8 / 4316] على صيغة الماضي من باب الإفعال ، وهو من كلام عقبة ، يعني أنّه عليه السلام عدّ ما سألته من احتمال الرجوع بعد تلك الرؤية أمرا عظيماً عجيباً ، وتعجّب من ذلك السؤال . قوله في خبر أبي حمزة : (وإنّ الكافر تخرج نفسه سلّاً من شدقه كزبد البعير أو كما تخرج نفس البعير) . [ح 11 / 4319] الظاهر أنّ الترديد من الراوي ، والسّلّ بفتح السّين وشدّ اللّام : انتزاع شيء من شيء، (7) والشدق بالكسر ويفتح : جانب الفم . (8) قوله في خبر أبي بصير : (9) (قد شخص ببصره) . [ح 16 / 4324] قال طاب ثراه : يقال : شخص بصره فهو شاخص ، إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف، ويقال للرجل إذا ورد عليه أمر : أقلقة شخص ببصره . (10) ويقال : خمص الجرح ، إذا سكن ورمه . (11) وفي بعض النسخ : «إذا غمض وجهه» ، أي غار ، وهو أظهر معنى . وحذف خبر إنّ؛ لظهوره ، أي فاعلم أنّه مؤمن حقّاً ، وذلك شائع فيه ، ومنه قول من قال : «وفيه دليل على أنّه ».
.
ص: 120
. .
ص: 121
باب إخراج روح المؤمن والكافرأي كيفيّة قبض ملك الموت روحهما بالرفق والعنف ، ولكن ليس الأمر كلّياً ، فقد قال طاب ثراه : ينبغي أن يعلم أن ليس التسهيل دليلاً على التكرمة ، ولا التعنيف دليلاً على الشقاء ، فكم شُقّ على سعيد وسهّل على شقي؟ فقد ثبت من طريق الخاصّة والعامّة : أنّه إذا بقى على المؤمن شيء من درجاته لم يبلغه من عمله أو كان عليه شيء من الذنوب لم يكفّره حسناته شدّد اللّه عليه الموت ليبلغ تلك الدرجة ، ويكفّر عنه ذلك الذنب ، وإذا بقى للكافر شيء من حسناته يسّر اللّه عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه . وقد روي من طريق العامّة عن بعض زوجات النبيّ صلى الله عليه و آله أنّها قالت : لا تغبط (1) أحدا سهّل عليه الموت بعد الّذي رأيت من شدّة موت رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (2) وكان يدخل يده في قدح ويمسح بها وجهه ويقول : «اللّهمّ سهّل عليّ الموت ، إنّ للموت سكرات» (3) فقالت فاطمة عليهاالسلام : «واكرباه لكربتك يا أبتاه»! فقال : «لا كرب لأبيك بعد اليوم». 4 وأنّه نزع معاذ نزعاً لم ينزعه أحد ، كلّما أفاق قال : يا ربّ ، اخنق خنقك فوعزّتك لتعلم أنّ قلبي يحبّك . (4) قوله في خبر إدريس : (بمثل السّفود) . [ح 1 / 4325] قال الجوهري : «السُّفّوُد بالضمّ والتشديد : الحديدة الّتي يشوى بها اللحم ». (5) قوله في مرسلة هيثم بن واقد : (ليس في شرق الأرض ولا في غربها) إلخ. [ح 2 / 4326] الضميران للأرض ، وأهل بيت المدر : هم الساكنون في البيوتات المبنيّة من اللبن والأجر ونحوهما ، وأهل بيت الوبر : السّاكنون في الخيام المتّخذة من الشعر والوبر. وتصفّح ملك الموت إيّاهم للترقّب لأمر اللّه سبحانه فيهم، أو لتمييز من يواظب منهم على الصلاة في أوقاتها ؛ ليلقّنهم عند قبض أرواحهم الشهادتين ، ويتنحّى عنهم إبليس ، ويشعر به قوله عليه السلام : «فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّما يتصفّحهم في مواقيت الصلوات»، إلى آخر الحديث . ويؤيّده التخصيص بالخمس مرّات . قوله في خبر جابر : (وقرّ عيناً) . [ح 3 / 4327] في القاموس : «عينه تقرّ بالكسر والفتح قَرّةً ويضم وقرورا : بردت وانقطع بكاؤها ، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه» ، (6) وبردها كناية عن السرور؛ لبرودة ماء العين وقت السرور. وفي الفائق : العتبى : «طلب الرضا بإزالة ما عوتب عليه »، (7) يعني ليس لكم عندنا حقّ يوجب استرضاكم ؛ لأنّا إنّما قبضنا روح منكم بأمر اللّه سبحانه .
.
ص: 122
. .
ص: 123
باب تعجيل الدفنأجمع الأصحاب على استحباب تعجيل تجهيز الميّت ودفنه ما لم يشتبه ، (1) مات ليلاً أو نهارا ، وهو المشهور بين العامّة . (2) ودلّ عليه أخبار متعدّدة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب ، ويؤيّده ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أسرعوا بالجنازة ، فإن تك صالحة فخير تقدّمونها، وإن تك غير صالحة فشرّ تضعونه عن رقابكم». (3) وكره بعض العامّة دفنه ليلاً إلّا من ضرورة، (4) محتجّاً بما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه : أنّه زجر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يقبر الرجل باللّيل حتّى يصلّى عليه ، إلّا أن يضطرّ الإنسان إلى ذلك . (5) واستحبّ بعضهم تأخيره ما لم يخشَ تغيّره . (6) ويردّهما ما ذكر . والمراد بالتعجيل تجهيزه بلا تراخ ولا مهلة عرفاً دون الإسراع بها والخَبَبَ (7) ، كما ذهب إليه جماعة من العامّة . (8) ويردّه ما جاء من طرقهم : «عليكم بالقصد في جنائزكم ». 9 وأمّا مع الاشتباه فلا يجوز التعجيل حتّى يظهر الموت أو يمضى ثلاثة أيّام . قال المفيد قدس سره : ينتظر بصاحب الذِرب 10 والغريق ، ومن أصابته صاعقة، أو انهدم عليه بيت ، أو سقط عليه جدار ، فلا يعجّل بغسله ودفنه ، فربّما لحقته السكتة بذلك أو ضعف حتّى يظنّ به الموت ، فإذا تحقّق موته غسّل وكفّن ودفن ، ولا ينتظر به أكثر من ثلاثة أيّام ، فإنّه لا شبهة في موته بعد ثلاثة أيّام . (9) وما ذكره من انتفاء الشبهة بعد الثلاثة مطابق لقول الأطبّاء : «إنّ صاحب السكتة يفيق لا محالة في الثلاثة ». ويدلّ على الحكم ما رواه الشيخ في حسنة إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «خمسة ينتظر بهم إلّا أن يتغيّروا : الغريق والمصعوق (10) والمبطون والمهدوم والمدّخن». (11) وحسنة هشام بن الحكم، عن أبي الحسن عليه السلام ؛ في المصعوق والغريق ، قال : «ينتظر به ثلاثة أيّام ، إلّا أن يتغيّر قبل ذلك». (12) وموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في الغريق أيغسّل؟ قال : «نعم ، ويستبرأ»، قلت : وكيف يستبرأ؟ قال : «يترك ثلاثة أيّام قبل أن يدفن ، إلّا أن يتغيّر قبل فيغسّل ويدفن ، وكذلك صاحب الصاعقة ، فإنّه ربّما ظنّ أنّه قد مات ولم يمت». (13) وخبر عليّ بن أبي حمزة (14) ، قال : أصاب بمكّة سنة من السنين صواعق [كثيرة] مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي إبراهيم عليه السلام فقال مبتدئاً من غير أن أسأله : «ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربّص به ثلاثة، لا يدفن إلّا أن يجيء منه ريح تدلّ على موته»، قلت : جُعلت فداك ، كأنّك تخبرني أنّه قد دفن ناس كثير أحياء؟ فقال : نعم يا عليّ ، قد دفن ناس كثير أحياء ما ماتوا إلّا في قبورهم» . (15)
.
ص: 124
. .
ص: 125
. .
ص: 126
باب نادرٌيتضمّن كراهية ترك الميّت وحده قبل الدفن مع ذكر علّتها .
باب الحائض تمرّض المريضيريد بيان جواز ذلك عن غير كراهية إلى حال الاحتضار ، والظاهر عدم تحقّق قول بخلافه . قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة : (فإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتتنحَّ عنه) ، إلخ . [ح 1 / 4331] قال طاب ثراه : الأمر محمول على الندب ؛ لعدم القول بالوجوب . وقال بعض العامّة : لا يحضره إلّا أفضل أهله ، لا حائض ولا جنب . وقال بعضهم : لا بأس بأن تغمضه الحائض . وقال بعضهم : المنع أحسن . (1) ثمّ الظاهر الكراهة بعد الموت أيضاً لظاهر التعليل . لا يقال : ظاهر الشرط يفيد الاختصاص بالاحتضار ؛ لأنّا نمنع ذلك ، بل إنّما يفيد عدم الكراهة قبل الاحتضار ، وكذا الظاهر رفع الكراهة بانقطاع الدم قبل الغسل ؛ لأنّ منشأ الكراهة إنّما هو وجود القذر مع احتمال العدم .
باب غسل الميّتالمشهور بين أهل العلم وجوب تغسيل كلّ ميّت مظهر للشهادتين ، إلّا ما حكم بكفره من الخوارج والغلاة والنواصب ، وكذا كفنه والصلاة عليه ودفنه . ويستفاد كلّ ذلك من الأخبار . وذهب جماعة من عظماء الأصحاب كالشيخين (2) والسيّد المرتضى (3) وابن إدريس (4) إلى عدم جواز شيء منها في مطلق المخالف ، حاملين للأخبار الدالّة على وجوبها فيهم على حال الضرورة للتقيّة. واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بأنّه محكوم عليه بالكفر في الأخبار المتكثّرة ، يعنى المتواترة معنىً . وقد أجمع أهل العلم على عدم جواز شيء منها في الكافر ، وهو قويّ . ثمّ المشهور بين الأصحاب وجوب ثلاثة أغسال : بماء السدر ، ثمّ بماء الكافور ، ثمّ بالقراح ، (5) والأخبار في ذلك مستفيضة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ أنّه سئل عن غسل الميّت ، فقال : «تبدأ فتطرح على سَوأته خرقة ، ثمّ تنضح على صدره وركبتيه من الماء ، ثمّ تبدأ فتغسل الرأس واللّحية بسدر حتّى تنقيه ، ثمّ تبدأ بشقّه الأيمن ، ثمّ بشقّه الأيسر ، وإن غسلت رأسه ولحيته بالخطمي (6) فلا بأس ، وتمرّ يدك على ظهره وبطنه بجرّة من ماء حتّى تفرغ منهما ، ثمّ بجرّة من كافور ، وتجعل في الجرّة من الكافور نصف حبّة ، ثمّ تغسل رأسه ولحيته ، ثمّ شقّه الأيمن ، ثمّ شقّه الأيسر ، وتمرّ يدك على جسده كلّه ، وتنصب رأسه ولحيته شيئاً ، ثمّ تمرّ يدك على بطنه فتعصره شيئاً حتّى يخرج من منخره ما خرج ، ويكون على يديك خرقة تنقّى بها دبره ، ثمّ ميّل برأسه شيئاً ، فتنفضه حتّى يخرج من منخره ما خرج ، ثمّ تغسله بجرّة من ماء القراح ، فذلك ثلاث جرار ، فإن زدت فلا بأس ، وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل» ، الحديث. (7) وستأتي تتمّته . وعن ابن حمزة استحباب هذا الترتيب . (8) وحكى الشهيد في الذكرى (9) عن سلّار أنّه اجتزأ بالقراح ؛ (10) مستندا بالأصل ، وبقوله عليه السلام وقد سئل عن الميّت يموت وهو جنب _ : «يغسل غسلاً واحدا». (11) وأجاب عنه بأنّ الأصل إنّما يعتبر إذا لم يثبت خلافه بدليل . والمراد بالوحدة في الخبر عدم تعدّد الغسل بسبب الجنابة والموت . فإن قيل : يدلّ عليه قوله عليه السلام : «حدّ غسل الميّت يغسل حتّى يطهر» فيما يرويه المصنّف في باب حدّ الماء الّذي يغسل به الميّت من مكاتبة محمّد بن الحسن الصفّار. (12) قلنا : هو ممنوع؛ فإن الظاهر أنّه عليه السلام أراد أنّه لا حدّ للماء في كلّ غسلة من الغسلات ، بل المعتبر أن يغسل به أعضاؤه في كلّ منها . ويظهر من العزيز وفاق العامّة على كفاية غسلة واحدة بالقراح ، واستحباب الخليط فيها من السدر والخطمي والكافور ، واستحباب ما زاد على واحدة وترا ، فقد قال في كيفيّة غسله : والكلام في الأقل والأكمل ، أمّا الأقل فلابدّ من استيعاب البدن بالغسل مرّة بعد أن تزال ما عليه من النجاسة إن كانت عليه نجاسة إلى قوله _ : وهذه الغسلة يكون بالماء والسدر والخطمى تنظيفاً وإنقاءً له ، ويستحبّ أن تغسله ثلاثاً ، فإن لم يحصل النقاء والتنظيف زاد حتّى يحصل ، فإن حصل يشفع ، فالمستحبّ أن يزيد واحدة ويختم بالوتر . روي أنّه صلى الله عليه و آله قال لمغسّلات ابنته : «اغسلنّها ثلاثاً خمساً سبعاً» . (13) وهل يسقط الفرض بالغسلة الّتي فيها السدر والخطمي؟ ذكر في الكتاب فيه وجهين ، أحدهما : نعم ، ونسبه في النهاية إلى أبي إسحاق المروزي ؛ لأنّ المقصود من غسل الميّت التنظيف ، فالاستعانة بما يزيد في التنظيف ممّا لا يقدح، أظهرهما لا ؛ لأنّ التغيّر سالب للطهوريّة ، فأشبه ما لو استعمله الحيّ في غسله ووضوئه . (14) وحكى طاب ثراه عن أكثرهم القول بوجوب ثلاثة أغسال . وحكى أيضاً عن بعضهم قولاً باستحباب غسله؛ مستدلّاً بما رواه مسلم عن اُمّ عطية، قالت : دخل علينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونحن نغسل ابنته ، فقال : «اغسلنّها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ ذلك»؛ (15) معلّلاً بأنّ تفويض الغسل إليهنّ يشعر باستحبابه. (16) وأجاب بأنّ هذا الاحتجاج إنّما يتمّ لو رجع الشرط إلى الغسل وليس كذلك، بل هو راجع إلى العدد. فروع: الأوّل : ذهب الأصحاب إلى أنّ غسله لنجاسته . ونقل طاب ثراه عن الآبي أنّه قال في كتاب إكمال الإكمال : «المشهور والأصحّ أنّ الميّت طاهر، (17) لكن يجب غسله بالمطلق تعبّدا »، ونقل فيه عن بعضهم أنّه علّله بأنّ الغسل لو كان لنجاسته لما طهّره الغسل ، بل يزيده تنجيساً ؛ لأنّ الذات النجسة لا يطهّرها الماء، وهو كما ترى . وربّما قالوا : إنّ غسله للقاء الملكين في القبر ، وفرّع عليه بعضهم جواز تغسيله بماء الورد إن لم يكن صرفاً . (18) الثاني: المشهور بين الأصحاب أنّه عبادة موقوفة على النيّة كسائر الأغسال ، (19) ورجّحه الشهيد في الذكرى ، (20) وادّعى الشيخ في الخلاف إجماع الأصحاب عليه . (21) ونُقل عن السيّد المرتضى أنّه صرّح بعدم وجوب النيّة فيه؛ (22) معلّلاً بأنّه تطهير للميّت من نجاسة الموت ، فكان كغسل الثوب . ويؤيّده ما ورد من تغسيل الكافر والكافرة للمسلم والمسلمة فيما إذا فقد المجانس، إلّا أن يقال : تعتبر النيّة حينئذٍ من الآمر . وتردّد فيه المحقّق في المعتبر ، (23) وهو في محلّه . وقد ذكر الوجهان في [فتح] العزيز ، (24) وفرّع عليهما ما لو غسل الكافر مسلماً، وما لو غرق إنسان ثمّ لفظه الماء ، وهذا الأخير مبني على ما زعموا من إجزاء غسل واحد . وفي الذكرى : ولو قال سلّار بعدم وجوب النيّة أمكن الإجزاء عنده إذا علم موته قبل خروجه من الماء ؛ لحصول الغرض من تنظيفه ، كالثوب النجس يلقيه الريح في الماء . (25) وعلى اعتبارها فالظاهر إجزاء واحدة للثلاثة ؛ لكونها فعلاً واحدا . وربّما قيل بتعدّدها على حسب تعدّد تلك جعلاً لها أفعالاً ثلاثة . الثالث : إذا فقد السدر والكافور فالمشهور بين الأصحاب وجوب الغسل بالقراح بدل الفاقد ، (26) معلّلين باستلزام وجوب المقيّد وجوب المطلق مع فقد القيد ؛ لاستتباع وجوب المركّب وجوب أجزائه . واُورد عليه بأنّ المتحقّق في ضمني المقيّد إنّما هو حصّته من المطلق مقوّمة له لا نفس الميتة ، ولذلك قال العلّامة في القواعد : «وفي عدد غسله حينئذٍ إشكال ». (27) قوله في حسنة الحلبي : (فخذ خرقة نظيفة) إلخ. [ح 1 / 4332] المشهور استحباب ذلك الأخذ ، واحتمل في الذكرى وجوبه ، معلّلاً بأنّ المسّ كالنظر ، بل هو أقوى ، قال : «ومن ثمّ نشر حرمة المصاهرة دون النظر ». (28) وفيه تأمّل . ولا يجب ذلك لباقي بدنه قطعاً ، وهل يستحبّ؟ ظاهر الأصحاب عدمه ، ولكنّ إطلاق قوله عليه السلام : «أحبّ لمن غسل الميّت أن يلفّ على يده الخرقه حين يغسله» في خبر ابن مسكان (29) يقتضيه ، وإنّما قيّدوه بالعورتين ؛ لما قيّد بهما في غيره . والمراد بالحنوط هنا الذريرة . قوله في صحيحة ابن مسكان : (وذريرة إن كانت) . [ح 2 / 4333] هي على ما قاله المفيد قدس سره في المقنعة _ : «هو الطيب المعروف بالقمحة ». (30) وأظنّ أنّها النبات الّذي يجاء به من الهند ، يجعل في الأمتعة لحفظها من الدود ، وأنّ الغرض من تحنيط الميّت بها حفظه من الديدان. وفي الذكرى قال : الشيخ في التبيان : «هي فتات (31) قصب الطيب ، وهو قصب يجاء به من الهند كأنّه قصب النشّاب ». (32) وقال في المبسوط والنهاية : «يعرف بالقمحة» (33) بضمّ القاف وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة ، أو بفتح القاف والتخفيف كواحدة القمح ، وسمّاها به أيضاً الجعفي . وقال الصغاني : (34) «هي فعيلة بمعنى مفعولة ، وهي: ما يذرّ على الشيء وقصب الذريرة دواء يجلب من الهند ، وباليمن يجعلون أخلاطاً من الطيب يسمّونها الذريرة». وقال المسعودي : 35 «من الأفاوية الخمسة والعشرين : قصب الذريرة والورس والسّليخة واللاذن والزباد والأفاوية ، وما يعالج به الطبيب كالتوابل للطعام ، وعدّ اُصول الطيب خمسة : المسك والكافور والعود والعنبر والزعفران ». (35) وابن إدريس قال : «هي نبات طيّب غير الطيب المعهود يسمّى القمحان» بالضمّ والتشديد _ ، ثمّ استشهد بقول الأصمعي : «يقال للّذي يعلو الخمر مثل الذريرة القمحان »، (36) وأنشد فيه شعرا : (37) إذا فُصت خواتمه علاهيَبيسُ القُمّحان من المُدام وليس فيهما صراحة بالمطلوب ، ولا في كلامه تعيين له . قال في المعتبر : «وهو خلاف المعروف بين العلماء ، بل هي الطيب المسحوق ». (38) وقال الراوندي : «قيل : إنّها حبوب تشبه حبّ الحنطة الّتي تسمّى بالقمح تدقّ تلك الحبوب كالدقيق لها ريح طيّب». قال : «وقيل : الذريرة هي الورد والسنبل والقرنفل والقُسط والأشنة وكلّها نبات ، ويجعل فيها اللاذن ، ويُدقّ جميع ذلك ». إلى هنا كلام الشهيد أعلى اللّه مقامه . (39) وإضافتها إلى الكافور من باب الاستحباب ، ويشعر به الشرط . والظاهر عدم اشتراط بقاء إطلاق الماء مع خليطين؛ لإطلاق الأخبار ، بل ظهور بعضها في ذلك ، فقد روى الصدوق : أنّ جبرئيل عليه السلام أتي النبيّ صلى الله عليه و آله باُوقية كافور من الجنّة، والاُوقية أربعون درهماً ، فجعلها النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أثلاث ، ثلثاً له ، وثلثاً لعليّ عليه السلام ، وثلثاً لفاطمة عليهاالسلام ، (40) والظاهر أنّ كلّاً من هذه الأثلاث للغسل والحنوط جميعاً ، لا للحنوط فقط . وقدّر المفيد في المقنعة السدر برطل (41) ونحوهما ، وهذان المقداران من الخليطين يوهمان الإضافة . على أنّهم اعتبروا ترغيتهما وهي مستلزمة لها ، فالمطهّر على هذا إنّما هو القراح ، والغسلان الأوّلان إنّما يكونان لتنظيف الجسد وحفظه من الهوام . وقال جماعة منهم العلّامة _ : إنّ الغرض منهما أيضاً التطهير ، (42) فاشترطوا بقاء إطلاق الماء ، وكأنّه لذلك خصّ المفيد في المقنعة (43) وجماعة من عظماء الأصحاب الأثلاث المرويّة بالحنوط ، فتأمّل . وأمّا القراح فظاهر الأكثر اشتراط خلّوه من الخليطين ؛ لظاهر الاسم على ما نقل عن بعض أرباب اللغة أنّه الّذي لا يشوبه شيء . (44) وربّما قيل : إنّما يعتبر فيه الإطلاق ، وعلى هذا فامتيازه عن الغسلين الأوّلين اعتبار الخليط فيهما وعدم اعتباره فيه لا اعتبار عدمه. هذا ، ويدلّ الخبر على رجحان التغسيل من وراء القميص مطلقاً ، وقد ورد الأمر به في بعض الأخبار ، وهو محمول على تأكّد الاستحباب ، والظاهر عدم الحاجة إلى عصر القميص كما في الخرقة الساترة لعورته . قوله في خبر الحلبي : (كتب في وصيّته أن اُكفّنه في ثلاثة أثواب) إلخ . [ح 3 / 4334] ومثله ما يرويه المصنّف في الباب الآتي من حسنة الحلبي ، (45) والحِبَرَة وزان عنبة _ : ثوب يماني من قطن أو كتّان مخطّط ، (46) يقال : «بردٌ حبرةٌ» على الوصف ، و «بردُ حبرةٍ» على الإضافة . والمراد من شقّ الأرض حفره واسعاً من غير لحد ، وإنّما حُفِر قبره عليه السلام كذلك ؛ لكونه جسيماً سميناً شقّ دفنه ملحودا . وفي القاموس : «بَدَن الرجل بالفتح فهو يَبدُن بدناً ، إذا ضخم ، وكذلك بَدُن بالضمّ يبدن بدانة فهو بادنٌ وامرأةٌ بادنٌ أيضاً ». (47) [قوله] في خبر الكاهلي : (وامسح يدك على ظهره وبطنه ثلاث غسلات بماء الكافور والحرض) . [ح 4 / 4335] كذا في النسخ المصحّحة الّتي رأيناها ، وفي التهذيب بعد قوله ثلاث غسلات _ : «ثمّ ردّه على قفاه ، فابدأ بفرجة بماء الكافور ، فاصنع كما صنعت أوّل مرّة اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور» ، (48) وهو الصواب . [قوله] في خبر يونس : (واغسل الأجانة) إلخ. [ح 5 / 4336] ظاهره عدم جواز كون ماء الكافور مخلوطاً بماء السدر ، وكذا ظاهر قوله عليه السلام : «ثمّ اغسل يدك إلى المرفقين والآنية» عدم جواز الخليط في ماء القراح . وقال طاب ثراه : الحقو بكسر الحاء المهملة لهذيل وبفتحها لغيرها ، وهو معقد الأزار ، وكثيرا مّا يطلق على الإزار مجازا ؛ لأنّه عليه كما نقله الآبي في كتاب إكمال الإكمال عن بعضهم . والظاهر من الصحاح أنّ ذلك على الحقيقة . (49) والغرز مصدر غرز عودا في الأرض ، إذا أدخله فيها وثبّته ، ومنه الغرز : ركاب الرحل . (50)
.
ص: 127
. .
ص: 128
. .
ص: 129
. .
ص: 130
. .
ص: 131
. .
ص: 132
. .
ص: 133
. .
ص: 134
. .
ص: 135
باب تحنيط الميّت وتكفينهيستحبّ مسح مساجد الميّت السبعة بما تيسّر من الكافور وإلقاء فاضله على صدره ؛ للأخبار . وأضاف شيخنا المفيد إلى المساجد السبعة طرف الأنف الّذي كان يرغم به في السجود ، (1) وهو محكي في الذكرى عن ابن أبي عقيل ؛ (2) لشمول المساجد إيّاه ، وربّما قيل باستحباب تحنيط رأسه ولحيته وجميع مفاصله من قرنه إلى قدميه ؛ لخبر يونس، (3) وحسنة الحلبي ، (4) وما رواه الشيخ عن ابن مسكان، عن الكاهلي والحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يوضع الكافور من الميّت على موضع المساجد وعلى اللبّة (5) وباطن القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبّة». (6) وقال الصدوق باستحبابه في السمع والبصر والفم أيضا كالمفاصل . (7) ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف أصنع بالحنوط؟ قال : «تضع في فيه ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه». (8) وعن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قال : «إذا جفّفت الميّت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلّها ، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه» . وقال : «حنوط الرجل والمرأة سواء». (9) وقوله عليه السلام فيما سيأتي من موثق عمّار : «واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه» . (10) وقال الشيخ : «كلمة «في» هنا بمعنى على ؛ معلّلاً بأنّ حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، كما في قوله تعالى : «وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ النَّخْلِ» (11) »، (12) وهو أظهر للجمع بينها وبين قوله عليه السلام في خبر يونس : «ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ومسامعه ولا على وجهه قطناً ولا كافورا» . (13) وفي خبر عثمان النوا : «ولا تمسّ مسامعه بكافور» . (14) وما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال : «لا تجعل في مسامع الميّت حنوطاً» . (15) ولذلك اشتهر كراهة تحنيط ما عدا المساجد السبعة والصدر . واختلفوا في تطييب الميّت وكفنه بغير الكافور والذريرة من أنواع الطيب، فالمشهور عندنا كراهته ؛ 16 لقول أمير المؤمنين عليه السلام : «ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلّا بالكافور» ، (16) وقول الصادق عليه السلام «ولا تحنّط بمسك» فيما يرويه المصنّف في باب تجمير الكفن . (17) وحكى الشهيد في الذكرى عن الصدوق أنّه قال باستحبابه بالمسك ، (18) وهو ظاهره في الفقيه ، حيث روى فيه خبرين: أحدهما : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله حنّط بمثقال من مسك سوى الكافور ، (19) وثانيهما : عن الهادي عليه السلام : أنّه سوّغ تقريب المسك والبخور إلى الميّت . (20) وفي بعض الأخبار الأمر بتجمير أكفانه بالعود ، ويأتي عن قريب ، وحملت في المشهور على التقيّة . ويؤيّده خبر داود بن سرحان . (21) ويكره تطييب النعش وتحنيطه مطلقاً ؛ لخبر السكوني . (22) وقد روى العامّة عن أبي بكر أنّه قال : «لا يجعل على الجنازة حنوط »، (23) وإنّما حمل النهي فيه على الكراهة لضعف الخبر ، وللجمع بينه وبين ما سنرويه عن غياث بن إبراهيم . (24) ولا فرق فيما ذكر بين الرجل والمرأة ؛ لعموم أكثر الأخبار، وخصوص خبر زرارة المتقدّم . وأمّا تكفينه فالمشهور بين الأصحاب وجوب ثلاثة أثواب فيه مطلقاً ، رجلاً كان أو امرأة ، مئزر وقميص وإزار ، بل ظاهر المعتبر إجماعهم عليه . (25) ويدلّ عليه خبر يونس ، (26) وما رويناه سابقاً في باب غسل الميّت عن الشيخ من موثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ أنّه سأل عن غسل الميّت ، فقال : «تبدأ إلى قوله _ وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل ، ثمّ تجفّفه بثوب نظيف ، ثمّ تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ، ثمّ تكفّنه ، تبدأ وتجعل على مقعدته شيئاً من القطن وذريرة ، وتضمّ فخذيه ضمّاً شديدا ، وجمّر ثيابه بثلاثة أعواد ، ثمّ تبدأ فتبسط اللفّافة طولاً ، ثمّ تذرّ عليها شيئاً من الذريرة ، ثمّ الإزار طولاً حتّى تغطّي الصدر والرجلين ، ثمّ الخرقة عرضها قدر شبر ونصف ، ثمّ القميص تشدّ الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتّى لا يظهر منه شيء ، واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه ، وأقلّ من الكافور ، واجعل على عينيه قطناً وفيه واُذنيه (27) شيئاً قليلاً ، ثمّ عمّمه وألق على وجهه ذريرة ، وليكن طرف العمامة متدلّياً على جانبه الأيسر قدر شبر ترمي بها على وجهه ، وليغتسل الّذي غسله، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسّل (28) . والكفن يكون بردا ، وإن لم يكن بردا فاجعله كلّه قطناً ، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا ». وقال : «تحتاج المرأة لقبلها قدر نصف منّ ». وقال : «التكفين أن تبدأ بالقميص ثمّ بالخرقة فوق القميص على إليتيه وفخذيه وعورته ، وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفاً وعرضها شبر ونصف ، ثمّ تشدّ الإزار أربعة ، ثمّ اللفّافة ، ثمّ العمامة ، (وتطرح فضل العمامة) (29) على وجهه ، وتجعل على كلّ ثوب شيئاً من الكافور ، وتطرح على كفنه ذريرة . وقال : إن كان في اللفافة خرق» . وقال : «الجرّة الاُولى الّتي يغسل بها الميّت بماء السدر ، والجرّة الثانية بماء الكافور، ويفتّ (30) فيها فتّاً قدر نصف حبّة ، والجرّة الثالثة بماء القراح». (31) وحملوا على هذه الثلاثةِ الثلاثةَ الأثواب فيما رواه المصنّف عن زيد الشحّام (32) وعن عبد اللّه بن سنان . (33) وفي الحسن عن الحلبي ، (34) وفي خبر الحلبي الّذي في الباب السابق، (35) وفيما رواه الشيخ قدس سرهفي الصحيح عن أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كُفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب: برد أحمر حبرة ، وثوبين أبيضين صحاريين». (36) وفي الموثق عن سماعة ، قال : سألته عمّا يكفّن به الميّت ، فقال : «ثلاثة أثواب ، وإنّما كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب : ثوبين صحاريين وثوب حبرة ، والصحارية تكون باليمامة ، وكفّن أبو جعفر عليه السلام في ثلاثة أثواب». (37) وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثوبين صحاريين وثوب يمنية عبريّ أو أظفار» . (38) وعن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامقال : «الكفن فريضة الرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنّة ، وأمّا النساء ففريضته خمسة أثواب». (39) وهو جمع وجيه ، ولا يبعد الجمع بالتخيير بين هذه الثلاثة الّتي هي مدلول الأخبار الأوّلة، وبين ثلاثة أثواب تامّة لفّافات ساترة لجميع الجسد كما دلّ عليه أكثر الأخبار الأخيرة، وبين لفّافتين وقميص كما هو ظاهر حسنة الحلبي، (40) وحسنة حمران بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت فالكفن؟ (41) قال : «تؤخذ خرقة وتشدّ بها سفله ، وتضمّ فخذيها به لتضمّ ما هناك ، وما تصنع من القطن أفضل ، ثمّ تكفّن بقميص ولفّافة وبرد يجمع فيه الكفن» . (42) وحكى صاحب المدارك (43) عن الشيخين (44) والمرتضى (45) والصدوق (46) تعيّن القميص ؛ لما ذكر ، ولوصيّة الباقر عليه السلام به ، (47) ثمّ حمله على الاستحباب مستندا برواية محمّد بن سهل، عن أبيه ، عن أبي الحسن (48) عليه السلام قال : قلت : يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال : «لا بأس به ، والقميص أحبّ إليّ». (49) ونُقِل عن سلّار أنّه قال بوجوب واحد واستحباب الثلاثة ، (50) ولعلّه استند بحسنة حريز، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، (51) وسيأتي القول فيها ، وهو مذهب العامّة كافّة مع (52) أنّهم رووا عن عائشة أنّها قالت : «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب »، (53) وأنّه قال في الّذي وقصت (54) به راحلته : «كفّنوه في ثوبيه اللذين مات فيهما» . 56 وظاهر الأمر الوجوب ، ووجوبهما يستلزم وجوب الثلاثة، بضميمة الإجماع المركّب . ثمّ إن كان القميص جديدا لا يجعل له كُمّ ولا زَرّ ، وإن كان لبيساً لا يقطع منه إلّا الإزرار، ولا بأس في كمّه ؛ لصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام أن يأمر لي بقميص أعدّه لكفني ، فبعث إليّ ، فقلت : كيف أصنع؟ قال : «انزع إزراره» . (55) وخبر محمّد بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت : الرجل يكون له القميص ، أيكفّن فيه ؟ فقال : «اقطع إزراره» قلت : وكمّه؟ قال : «لا ، إنّما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كمّاً ، فأمّا إذا كان ثوباً لبيساً فلا يقطع منه إلّا الإزرار» . (56) واعلم أنّه قد اشتهر بين الأصحاب أن يُزاد على ما ذكر من الأثواب الثلاثة حبرة مطلقاً على ما هو ظاهر الأكثر ، (57) وخصّها العلّامة في الإرشاد (58) بالرجل ، وعوّضها في النساء بالنِمَط ، وهي بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحّدة : ثوب يمنيّ من التحبير ، وهو التحسين والرهن . واحتجّوا عليه بما ذكر من الأخبار الواردة في الحبرة . وقال صاحب المدارك : «وأنت خبير بأن هذه الروايات إنّما تدلّ على استحباب كون الحبرة إحدى الأثواب الثلاثة ، لا على استحباب جعلها زيادة على الثلاثة كما ذكره المتأخّرون . وبما ذكرناه صرّح ابن أبي عقيل في كتابه المتمسّك على ما نقل عنه ، فإنّه قال : «السنّة في اللفّافة أن تكون حبرة ، فإن أعوزهم فثوب بياض ». (59) وقريب منه عبارة أبي الصلاح ، فإنّه قال : «الأفضل أن يكون اللافّ (60) ثلاثاً إحداهنّ حبرة ، يمانيّة ، وهذا هو المعتمد ». (61) انتهى . (62) واشترطوا في الحبرة أن لا يكون حريرا محضاً ، ولا مطرّزة بالذهب ، أمّا الأوّل فمبني على عدم جواز التكفين في الحرير مطلقاً رجلاً كان الميّت أو امرأة . واستدلّ له بمفهوم ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن راشد ، قال : سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قزّ وقطن ، هل يصلح أن يكفّن فيه الموتى؟ قال : «إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس» . (63) ويدلّ أيضاً عليه خبر عبد الملك ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئاً ، فقضى ببعضه حاجته وبقى بعضه في يده ، هل يصلح بيعه؟ قال : «يبيع ما أراد ، ويهب ما لم يرد ، ويستنفع به ، ويطلب بركته» قلت : أيكفّن به الميت؟ قال : «لا». (64) بناءً على ما هو الظاهر من أن علّة المنع كونه حريرا . ونقل عن العلّامة أنّه ذهب في نهايته إلى جوازه في المرأة؛ مستندا بإباحته لها في حياتها . (65) وأمّا الثاني فلم أقف فيه على نصّ ، ولا يجوز حمله على الحيّ ؛ لبطلان القياس . على أنّه لو تمّ لما دلّ على تحريمه في المرأة . وعلّله الشهيد في الذكرى بأنّه إتلاف مالٍ غير مأذون فيه . (66) وفيه : للأمر بإجادة الكفن الشاملة لذلك ، فقد روى عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أجيدوا أكفانكم» . (67) وعن يونس بن يعقوب ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إنّ أبي أوصاني عند الموت : يا جعفر ، كفّني في ثوب كذا وكذا ، وثوب كذا وكذا ، واشتر لي بردا واحدا وعمامةً وأجِدهما ، فإنّ الموتى يتباهون بأكفانهم» . (68) وعن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تنوّقوا في الأكفان ، فإنّكم تبعثون بها» . (69) وعن يونس بن يعقوب، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «أنا كفّنت أبي في ثوبين شطويين (70) كان يحرم فيهما ، وفي قميص من قميصه ، وفي عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهماالسلام ، وفي برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار» . (71) ويظهر من بعض ما أشير إليه من الأخبار ، أنّ الأفضل كونها حمراء ، ويؤكّدها صحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب : برد حبرة أحمر ، (72) وثوبين أبيضين صحاريين» . وقال : «إنّ الحسن بن عليّ عليهماالسلامكفّن اُسامة بن زيد في برد أحمر حبرة ، وإنّ عليّاً عليه السلام كفّن سهل بن حنيف ببرد أحمر حبرة» . (73) ولم أر تصريحاً به من الأصحاب ، وإنّما نسبه في الذكرى إلى ظاهر الأخبار ، (74) ولا بعد فيه ، وإن كان الأفضل في الكفن غيرها البيض على ما يستفاد من بعض ما ذكر من الأخبار . ويدلّ عليه صريحاً خبر جابر، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ليس من لباسكم شيء أحسن من البياض ، فالبسوه وكفّنوا فيه موتاكم ». (75) والعمامة والخرقة للفخذين لا تعدّان من الكفن ، كما وقع به التصريح في بعض الأخبار . قوله في خبر يونس : (غير مكفوف) إلخ. [ح 1 / 4338] في القاموس كُفَّة القميص بالضمّ _ : ما استدار حول الذيل . (76) وجعل إحدى الجريدتين بين الركبتين على ما دلّ عليه الخبر جائز ، وإن كان الأفضل ما هو المشهور . قوله في خبر زيد الشحام : (ثوبين صحاريين وبرد حبرة) . [ح 2 / 4339] صحاري بالمهملتين : قصبه ببلاد عمّان على ما في بعض كتب اللّغة ، (77) ويظهر من بعض ما سبق من الأخبار أنّ الصحارية تكون باليمامة، ولعلّهما متغايرتان . والبرد بالضمّ : ثوب مخطّط ، (78) والحبرة : برد يماني . (79) قوله : (عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عثمان ، عن حريز) . [ح 5 / 4342] كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها : حمّاد بن عيسى ، وهو الصواب بناءً على ما ذكر في منتقى الجمان : أنّه ذكر العلّامة في الخلاصة «أنّ جماعة يغلطون في الإسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حمّاد بن عيسى ، فيتوهّمون حمّاد بن عثمان ، وإبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان » (80) ، ونبّه على هذا غير العلّامة أيضاً من أصحاب الرجال ، (81) والاعتبار شاهد [به] ، ويزيد وجه الغلط في خصوص هذا السند أنّ حمّاد بن عيسى لم يعهد له رواية عن حريز ، بل المعهود رواية حمّاد بن عيسى عنه . (82) قوله في حسنة حريز : (إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تامّ) إلخ ، [ح 5 / 4342] يدلّ على ما نقلناه عن سلّار، وحملت على الضرورة . وفي بعض النسخ وقع العطف بالواو ، فيحتمل أن يكون قوله : «وثوب تامّ» بياناً لأحد من الأثواب الثلاثة ، أي إنّما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب منها يجب أن يكون تامّاً ، والمراد بالتمام ستره لجميع الجسد . ولعلّ المراد بالخمسة الأثواب؛ الثلاثة المذكورة، والعمامة، وخرقة الفخذين ، وعدّتا من الكفن مجازا . قوله في خبر عثمان النوا : (عِمَّة الأعرابي) . [ح 8 / 4345] هي التي لا حنك لها ، (83) والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «خذ حدّ العمامة» ، إلخ تفسير للحنك ، وأنّه إخراج طرفي العمامة من خلف الرأس وإرسالهما من تحت الحنكين إلى الصدر ، لا إداراة طرفٍ من العمامة تحت الحنكين جميعاً كما هو الشائع في بلادنا . ثمّ الظاهر التخيير بين إلقاء فاضل العمامة على صدره ، كما ورد في هذا الخبر في الكتاب ، وفي بعض نسخ التهذيب ، (84) وفي خبر يونس (85) ويدلّ أيضاً عليه خبر معاوية بن وهب (86) على ما في الكتاب . أو على ظهره بناءً على وروده في هذا الخبر في بعض نسخ التهذيب بدلاً عن الصدر ، وقد رواه بهذا السند بعينه ، وشيوع هذه الطريقة أيضاً في التحنيك عند أهل المدينة. أو على وجهه ؛ لما تقدّم في موثّق عمّار . (87) ويدلّ أيضاً عليه خبر معاوية بن وهب، وصحيحة عبد اللّه بن سنان على ما ورد في بعض نسخ التهذيب من وقوع وجهه بدلاً عن صدره في الأوّل ، (88) وعن رجليه في الثاني. (89) وأمّا الرِجلان في الصحيحة المشار إليها في الكتاب فلعلّهما من سهو النسّاخ ، (90) هذا حكم التحنيك في الميّت . وأمّا في الحيّ فالظاهر التخيير بين الطريقة الاُولى وإلقاء طرفيها على الظهر ، وإخراج أحد طرفيها من تحت إحدى الحنكين وإرساله على الصدر ، وإرسال الطرف الآخر على الظهر ، لأنّ أهل المدينة الّذين هم أعرف بقواعد السنّة من غيرهم يفعلونه بإحدى تلك الطرق . ويؤيّده فعل الرضا عليه السلام الطريقة الثالثة عند خروجه إلى صلاة العيد وقد أخبر أنّه يخرج كما خرج النبيّ صلى الله عليه و آله . (91) قوله في خبر داود بن سرحان : (فاصنع كما يصنع الناس) . [ح 13 / 4350] حيث يطيّبون الميّت وكفنه بالمسك وغيره من أنواع الطيب .
.
ص: 136
. .
ص: 137
. .
ص: 138
. .
ص: 139
. .
ص: 140
. .
ص: 141
. .
ص: 142
. .
ص: 143
. .
ص: 144
. .
ص: 145
. .
ص: 146
. .
ص: 147
. .
ص: 148
باب تكفين المرأةقد عرفت اشتراك المرأة مع الرجل في وجوب التكفين في ثلاثة أثواب ، وأنّه يستحبّ على المشهور زيادة حبرة لها أيضاً ، وقد صرّح بذلك جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى (1) والعلّامة أبدلها في الإرشاد فيها بالنمط ، (2) وجمع بينهما في المنتهى حيث ذكر أوّلاً استحباب الحبرة والعمامة في تكفين الرجل ، ثمّ قال : يستحبّ أن تزاد المرأة على كفن الرجل المستحبّ لفّافة لثدييها ونمطاً ، ويعوّض عن العمامة بقناع ، قاله الشيخ في أكثر كتبه ، فيكون المستحبّ للرجل من الكفن خمسة أثواب عدا العمامة ، وللمرأة سبعة . (3) والنمط على المشهور : «ثوب فيه خطط، مأخوذ من الأنماط ، وهي الطرائق »، (4) ولم أجد على استحبابه لها نصّاً . وقال صاحب المدارك استدلّوا عليه بصحيحة محمّد بن مسلم، مشيرا إلى ما رواه المصنّف (5) _ ، ثمّ قال : وليس فيها دلالة على المطلوب بوجه، فإنّ المراد بالدرع القميص، والمِنطق بكسر الميم _ : ما يشدّ به الوسط، ولعلّ المراد به هنا مايشدّ به الثديان، والخمار: القناع؛ لأنّه يخمّر به الرأس، وليس فيها ذكر النمط . (6)
.
ص: 149
باب كراهية تجمير الكفن وتسخين الماءكراهية الأوّل مذهب أكثر الأصحاب؛ (1) للجمع بين ما رواه المصنّف وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة، لكن هو مشترك (2) _ ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «لا تقرّبوا موتاكم النار، يعني الدخنه»، (3) وبين صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بدخنة كفن الميّت، وينبغي للمرء المسلم أن يدخّن ثيابه إذا يقدر»، (4) وخبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه صلوات اللّه عليه (5) : «أنّه كان يجمّر الميّت بالعود فيه المسك، وربّما جعل على النعش الحنوط، وربّما لم يجعله، وكان يكره أن يتبع الميّت بالمجمرة». (6) وذهب الصدوق إلى استحبابه، (7) وهو مذهب جمهور العامّة، (8) وكأنّه استدلّ له بخبر غياث. وفيه: أنّه مع غاية ضعفه ؛ لضعف سند الشيخ إليه، (9) وكونه بتريا (10) وإن وثّقه النجاشي، (11) يمكن حمله على التقيّة لو تمّ دلالته على الاستحباب. وأمّا صحيحة ابن سنان، فإنّما تدلّ على الجواز، بل ظاهرها الكراهة؛ كما هو ظاهر نفي البأس. والظاهر من المرء المسلم فيها الحي كما لا يخفى. وربّما استدلّ له بقياسه على الحيّ، واستفادوه من تلك الصحيحة، فتأمّل. وفي المنتهى: «ويمكن الجمع بين الروايات بالقول بكراهية (12) التجمير إذا لم يخف خروج شيء منه، وباستحبابه عند الخوف»، (13) وهو استحسان عقلي يشكل إثبات حكم شرعي به. وأمّا تسخين ماء غسله بالنار، فقد أجمعوا على كراهته في غير الضرورة، (14) وحملوا عليها النهي الوارد فيما رواه المصنّف، وفيما رواه الشيخ مرسلاً عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام قالا : «لا يقرب الميّت ماء حميما». (15) وفي موثّق أبان بن عثمان، عن زرارة، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «لا يسخّن الماء للميّت». (16) وعلّل أيضاً بأنّه مظنّة التطيّر (17) كما في اتّباع جنازته بالمجمرة، وقيل: إنّ العلّة فيه أنّه كان من فعل الجاهليّة تعاليا . (18)
.
ص: 150
. .
ص: 151
باب ما يستحبّ من الثياب للكفن وما يكرهأراد قدس سره بالكراهة المعنى الشامل للحرمة، واعلم أنّه يستحبّ في الكفن اُمور: الأوّل والثاني: أن يكون قطناً أبيض في غبر البُرد، فإنّه مستحبّ في الأحمر منه، مع أنّه ممزّج بالحرير، ويستفاد ذلك من بعض أخبار الباب وغيرها ممّا قد سبق، وما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «ليس من ثيابكم شيء أحسن من البياض فالبسوه وكفّنوا فيه موتاكم». (1) وفي المنتهى: (2) «وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم وكفّنوا فيها موتاكم»، (3) وكفّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ثلاثة أثواب بيض». (4) والثالث: أن يكون جيّدا من أفخر ثيابه؛ لمرسلة ابن أبي عمير، (5) وخبر أبي خديجة، (6) ورواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، (7) وما رواه مسلم في صحيحة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر رجلاً من أصحابه قبض وكفّن في غير طائل، فقال : إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه». (8) ويكره فيه اُمور: أحدها: أن يكون أسود، وفي المنتهى: «لا نعرف فيه خلافاً». (9) وحمل عليها النهي عنه فيما رواه الشيخ عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يكفّن الميّت في السواد». (10) وعن الحسين بن المختار، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يحرم الرجل في ثوبٍ أسود؛ قال : «لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفّن به». (11) والظاهر عموم السواد لكلّ ما عدا البياض من الألوان مستثنى منه العصب، (12) وقد شاع استعماله فيه ؛ لما تقدّم في الصحيح عن الحسن بن راشد . (13) وقال طاب ثراه: ويكره غير الأبيض مطلقاً إلّا عند مالك، فإنّه قال : «يكره المصبوغ إلّا العصب والمصبوغ بالطيب كالورس والزعفران» . واختلف في المعصفر فأجازه تارةً بلا كراهة؛ لأنّه من الطيب لا سيّما مع طراوته، أو لأنّه لباس العرب، ومنعه اُخرى؛ لأنّه ليس من الطيب، ولأنّه من ملابس الزينة. والرابع: أن لا يكون حريرا محضاً؛ لخبر عبد الملك، (14) فإنّ الظاهر أنّ النهي عن التكفين في ثوب الكعبة إنّما هو لكونه حريرا، وخبر الحسين بن المختار. (15) وعورض ذلك بما رواه الشيخ قدس سره عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «نعم الكفن الحلّة». (16) ومن طرق العامّة أيضاً: «خير الكفن الحلّة». (17) واُجيب عنه بطرحه، ففي المنتهى: «هو خبر شاذّ لم يعمل به أحد من الأصحاب ولا أحد من الجمهور؛ لاتّفاقهم على كراهية الإبريسم، وفي طريقه ضعف». (18) وفي التهذيب: «ولسنا نعمل به ؛ لأنّ الكفن لا يجوز أن يكون من الابريسم». (19) وأقول : الأصوب أن يقال : إنّ الحلّة على ما ذكره ابن الأثير في النهاية ليست حريرا محضاً، فقد فسّر الحلل ببرود اليمن، (20) وهي إنّما تكون ممزّجة، بل التكفين فيه مستحبّ كما سبق. وهل يحرم تكفين المرأة فيه؟ عموم النهي يقتضيه، واستشكله العلّامة في المنتهى من جواز لبسهنّ له في الصلاة، (21) وهو غير وارد على ما ذهب إليه الصدوق من عدم جواز الصلاة فيه مطلقاً . (22) قوله في صحيحة أبي خديجة: (تنوّقوا في الأكفان) . [ح 6 / 4366] في القاموس: «تنيّق في مطعمه وملبسه: تجوّد وبالغ كتنوّق ». (23) قوله في خبر يونس بن يعقوب: (في ثوبين شطويين) . [ح 8 / 4368] قال الجوهري: «شطا اسم قرية بناحية مصر تُنسب إليها الثياب الشطوية ». (24) قوله في خبر أبي مريم: (ببُرد أحمر حَبرة) [ح 9 / 4369]حِبَرَة كعِنَبَة: ضرب من برود اليمن، كذافي القاموس، (25) وهو بدل عن برد أحمر . قوله في موثّقة عمّار: (فاجعل العمامة سابرياً) . [ح 10 / 4370] في القاموس: السابري: «ثوب رقيق»، (26) وفي النهاية: «كلّ رقيق عندهم سابري، والأصل فيه الدروع السابرية منسوبة إلى سابور ». (27) قوله: (عن الحسين بن راشد) . [ح 12 / 4372]. هو مجهول الحال، وفي بعض النسخ الحسن بن راشد وفاقاً لنسخ التهذيب، الظاهر أنّه أبو عليّ البغدادي الّذي عدّه الكشّي من أصحاب الرضا عليه السلام وروى فيه خبر يستفاد منه توثيقه، (28) فالخبر صحيح. والعصب بالعين والصاد المهملتين، وهو على ما في القاموس : ضرب من البرود؛ (29) لأنّه يُصبَغ بالعَصب، وهو نبت. وفي النهاية: العصب: برود يمنية يُعصب غَزلها، أي يُجمع ويشدّ، ثمّ يصبغ وينسج، فيأتي مَوْشِيّاً ؛ لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال : بُردٌ عَصْبٍ وبرودٌ عصبٍ بالتنوين والإضافة. وقيل: هي برود مخطّطة. والعَصْب: الفتل، والعصّاب: الغزّال. (30) وفي بعض النسخ : «القَصَب» بالقاف على حَذْو بعض نسخ الفقيه. (31) وفي القاموس: «القصب: ثياب ناعمة من كتّان». (32) ويأبى عنه قوله : «من قزّ وقطن». والظاهر أنّه ما هو المتعارف اليوم من المنسوج من الإبريسم والقطن الّذي له نعومة. وقوله عليه السلام : «إذا كان القطن أكثر من القزّ فلا بأس» يدلّ على اشتراط أغلبية القطن في نفي الحرير، ويأتي القول فيه في باب ثياب المصلّي إن شاء اللّه .
.
ص: 152
. .
ص: 153
. .
ص: 154
. .
ص: 155
باب حدّ الماء الّذي يغسل به الميّت والكافورلا حدّ لهما، بل المعتبر ما يتحقّق به الأغسال الثلاثة ومسمّى الكافور، ولم أجد فيه مخالفاً. ويدلّ على الأوّل مكاتبة محمّد بن الحسن، يعني الصفّار، (1) وإطلاق الغسل في أكثر الأخبار. فأمّا خبر فضيل فمحمول على الفضل، (2) وكذا ما رواه الشيخ في الحسن عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ : يا عليّ، إذا أنا متّ فاغسلني بسبع قرب من بئر غرسٍ». (3) والظاهر أنّ اختلاف السبع والستّ في الخبرين من سهو الرواة، لاتّحاد القصّة. وعلى الثاني ما سبق. ويستحبّ أن يكون بقدر مثقال، والأربعة أفضل، ثمّ الأفضل ثلاثة عشر درهماً وثلث درهم؛ لما رواه المصنّف قدس سرهمن خبر كافور الجنّة. (4) والظاهر أنّ ذلك المقدار كان لغسلهم عليهم السلام أيضاً؛ لاستبعاد أن يكون هذا بغير كافور الجنّة. وفي المنتهى: «واختلف أصحابنا في أنّ الكافور الّذي يجعل في الماء للغسلة الثانية، هل هو من هذا القدر أم لا؟ الأقرب أنّه غيره». (5) فقد رجّح تخصيص هذا المقدار بالحنوط. وهو ظاهر الصدوق، حيث قال في الفقيه بعد نقل الخبر المشار إليه : «فمن لم يقدر على وزن ثلاثة عشر درهماً وثلث كافورا حنّط الميّت بوزن أربعة مثاقيل، فإن لم يقدر فمثقال». (6) وحكاه في المختلف (7) عن عليّ بن بابويه (8) وأبي الصلاح (9) وابن البراج (10) أيضاً، ونسبه إلى ظاهر ابن الجنيد، (11) وما ذكرناه أقرب؛ لما عرفت. وكذا الواجب في السدر المعتبر في الغسلة الاُولى مسمّاه عرفاً، ويستحبّ أن يكون سبع ورقات؛ (12) للجمع، وأوجب بعضهم السبع، والأوّل أظهر وأشهر . قوله في خبر فضيل: (من ماء بئر غرس) . [ح 1 / 4373] في القاموس: «بئر غرس: بالمدينة، ومنه الحديث : «غرس عين من عيون الجنّة»، وغُسِل رسول اللّه صلى الله عليه و آله منه». (13) وفي نهاية ابن الأثير: «[بئر] غرس بفتح الغين المعجمة وسكون الراء والسين المهملة : بئر بالمدينة». (14) روي أنّ خاتم النبيّ صلى الله عليه و آله سقط فيها، فتبرّك بها الناس . (15) قوله في مكاتبة محمّد بن الحسن يعني الصفّار : (فوقّع عليه السلام يكون ذلك في بلاليع) . [ح 3 / 4375] صرّح جماعة من الأصحاب منهم المحقّق في الشرائع (16) بكراهة صبّ غسالة الميّت في الكنيف، وهو البئر المعدّة للخلاء، وبعدم كراهته في البالوعة، وهي المعدّة لإراقة المياه الكثيفة فيها، وباستحباب حفر حفيرة جديدة له. واحتجّوا على الأوّلين بهذا الخبر، وعلى الثالث بقوله عليه السلام : «وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة». (17) وفي دلالته عليه تأمّل. وظاهر الصدوق تحريم الأوّل، حيث قال في الفقيه: «ولا يجوز أن يدخل الماء الّذي ينصبّ عن الميت في غسله في بئر كنيف، وليكن ذلك في بلاليع أو حفيرة». (18) ويحتمل إرادته الكراهة الشديدة .
.
ص: 156
. .
ص: 157
. .
ص: 158
باب الجريدةلقد دلّت الأخبار من الطريقين على فضل الجريدتين، فمنها: ما رواه المصنّف. ومنها: ما رواه الصدوق في الفقيه، قال : «مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على قبر يعذّب صاحبه، فدعا بجريدة فشقّها نصفين، فجعل واحدة عند رأسه والاُخرى عند رجليه». وروي «أنّ صاحب القبر كان قيس بن فهد الأنصاري. وقيل: قيس بن قُمَيْر». وأنّه قيل: لِمَ وضعتهما؟ فقال : «إنّه يخفّف عنه العذاب ما كانتا خضراوين» . (1) ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه عن طاوس، عن ابن عبّاس، قال : مرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على قبرين، فقال : «أما أنّهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله». [قال : فدعا بعسيب رطب فشقّه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدا و على هذا واحدا، ثمّ قال : «لعلّه أن يخفّف عنهما ما لم يبسا» .] (2) وما نقله في المنتهى عن جمهورهم من حديث سفيان الثوري، وسيأتي. وما رواه طاب ثراه عن الخطّابي (3) أنّه قال : «أوصى بريدة الأسلمي أن يجعل على قبره جريدتان». (4) وقال المفيد أيضاً: والأصل في وضع الجريدة مع الميّت أنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا أهبط آدم عليه السلام من الجنّة استوحش في الأرض، فسأل اللّه تعالى أن يؤنسه [بشيء] من أشجار الجنّة، فأنزل اللّه إليه النخلة، فكان يأنس بها في حياته، فلمّا حضرته الوفاة قال لولده: إنّي كنت آنس بها في حياتي وأرجو الاُنس بها بعد وفاتي، فإذا متّ فخذوا منها جريدا وشقّوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني، ففعل ولده ذلك، وفعلته الأنبياء بعده، ثمّ اندرس ذلك في الجاهليّة، فأحياه النبيّ صلى الله عليه و آله وفعله، فصارت سنّة متّبعة. (5) وفي التهذيب: سمعت ذلك مذاكرة من الشيوخ ولم يحضرني إسناده. (6) ولعلّ السرّ في ذلك الاُنس أنّها مخلوقة من نخالة طينة آدم عليه السلام ، فقد قال الشيخ قدس سره: «روي أنّ اللّه تعالى خلق النخلة من فضلة الطينة التي خلق منها آدم عليه السلام فلأجل ذلك تسمّى عمّة الإنسان». (7) وأشار بذلك إلى قوله عليه السلام : «عليكم بعمّتكم النخلة». (8) ويؤيّده: مشابهتها للإنسان في اُمور متعدّدة، فإنّها تموت وتيبس بقطع رأسها، وبتجاوز الماء عنه، وكونها ذكر أو اُنثى، وعدم حملها من غير تأثير طلع ذَكَرِها، وميل كلّ منهما إلى الآخر من غير ريح كما سمعت من أصحابها، بل لا يبعد أن يكون اسمها مأخوذا من النخالة. وأجمع الأصحاب على استحبابها، (9) وقد قال به بعض العامّة أيضاً، (10) فقد حكى طاب ثراه عن بعضهم أنّه قال : «واختلف في وجه هذا الفعل، فقيل: لعلّه يوحى إليه أن يخفّف عنه ماداما رطبين. وقيل: لأنّهما ماداما رطبين يسبّحان، واُخذت منه تلاوة القرآن؛ لأنّه إذا رجى التخفيف بتسبيح الشجر فبالقرآن أولى». (11) وقال الآبيّ: والأظهر أنّه من سرّ الغيب الّذي أطلعه اللّه عليه. انتهى. وأنكره أكثرهم، منكرين لتسبّبها لرفع العذاب، متعجّبين منه. وقال السيّد رضى الله عنه في الانتصار: وليس ينبغي أن يتعجّب من ذلك، فالشرائع المجهولة العلل لا يعجب منها، وما التعجّب من ذلك إلّا كتعجّب الملحدين من الطواف بالبيت ورمي الجمار وتقبيل الحجر وتغسيل الميّت وتكفينه مع سقوط التكليف عنه. (12) وحكى الشهيد نحوا من هذا الكلام في الذكرى عن ابن أبي عقيل أيضاً. (13) واختلف في موضعهما، ففي الذكرى: [والمشهور] أنّ إحداهما لاصقة بجلد الجانب الأيمن من ترقوته، والاُخرى من ترقوة الجانب الأيسر بين القميص والإزار، اختاره جماعة منهم الصدوق في المقنع، (14) وهو في خبر جميل، (15) وقال في غيره كما قال والده في الرسالة: أنّ اليسرى عند وركه ما بين القميص والإزار، واليمنى كما سبق. (16) وقال الجعفي: إحداهما تحت إبطه الأيمن، والاُخرى نصف ممّا يلى الساق، ونصف ممّا يلى الفخذ. وهو في خبر يونس. (17) وفي المعتبر: كلّ ذلك مع الإمكان، ومع التعذّر للتقيّة وغيرها يوضع حيث أمكن؛ (18) لخبر سهل بن زياد. (19) وفي مكاتبة أحمد بن القاسم إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : «ليَستَخفِ بها وليجتهد في ذلك جهده» (20) ولو في القبر؛ لخبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الصادق عليه السلام . (21) ولو اُنسيت أو تركت فالأولى جواز وضعها على القبر، كما في الخبر النبويّ. انتهى. (22) ولو فقد النخل فالظاهر استحبابها من كلّ شجر رطب كما روى الصدوق في الحسن، قال : كتب عليّ بن بلال إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شيء من الشجر غير النخل، فإنّه قد روى عن آبائكم عليهم السلام : «أنّه يتجافي عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين»، «وأنّها تنفع المؤمن والكافر»؟ فأجاب عليه السلام : «يجوز من شجر آخر رطب». (23) ويؤيّده إطلاق خبر عليّ بن بلال الّذي في الكتاب. (24) واختلفوا في ترتيب ما عداه، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشهيد 25 أنّ تقديم السدر على الخلاف، والخلاف على الرمّان، (25) وهو على كلّ شجر رطب، وسوّى المحقّق المجلسي في شرح الفقيه بين السدر والرمّان، وهو أظهر للجمع بين ما دلّ على بدليّة السدر للنخل، وما رواه المصنّف من عود الرمّان بدلاً عنه (26) حينئذٍ. ثمّ ظاهر أكثر الأخبار اشتراط رطوبتهما، وروي التصريح به في المنتهى (27) عن الشيخ بإسناده عن عليّ بن عيسى، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام السعفة اليابسة أقطعها، هل يجوز للميّت أن يوضع معه في حفرته؟ قال : «لا تجوز اليابسة» . (28) قوله في خبر الصيقل: (الجريدة تنفع المؤمن والكافر) . [ح 1 / 4378] في شرح الفقيه: «انتفاع الكافر بها بتخفيف العذاب في القبر، ولا ينافي ذلك قوله تعالى: «فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ» ، (29) فإنّه عذاب جهنّم ». (30) قوله في خبر يحيى بن عبادة قال : (سمعت سفيان الثوري يسأله) . [ح 2 / 4379] الظاهر إرجاع الضمير إلى أبي جعفر عليه السلام ، كما صرّح به الصدوق في الفقيه، حيث قال : وروى عن يحيى بن عبادة المكّي أنّه قال : سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر عليه السلام عن التخضير، إلى آخر الخبر. (31) ويحتمل إرجاعه إلى يحيى على حذو ما نقله السيّد المرتضى في الانتصار والعلّامة في المنتهى من طرق العامّة: أنّ سفيان الثوري سأل يحيى بن عبادة المكّي عن التخضير، الخبر بعينه، (32) فتأمّل .
.
ص: 159
. .
ص: 160
. .
ص: 161
. .
ص: 162
. .
ص: 163
باب الميّت يموت وهو جنب أو حائض أو نفساءنقل العلّامة في المنتهى (1) إجماع أهل العلم ممّا عدا الحسن البصري (2) على أنّ الحائض والجنب يغسلان كغيرهما من الأموات، وفي حكمهما النفساء، وهو ظاهر ما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ في الحسن عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال : سألته عن الميّت يموت وهو جنبٌ، قال : «غسل واحد». (3) وفي الحسن عن أبي بصير، عن أحدهما عليهماالسلام في الجنب إذا مات : «ليس عليه إلّا غسلة واحدة». (4) وفي الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا مات الميّت وهو جنب غسّل غسلاً واحدا، ثمّ اغتسل بعد ذلك». (5) فإنّ الظاهر من الوحدة في هذه الأخبار نفي التعدّد للجنابة والموت، وإذا ثبت ذلك في الجنابة ثبت في الحائض والنفساء أيضاً لتساويها في الحكم. فإن قيل: قد وردت أخبار متعدّدة في تعدّد تغسيله للجنابة والموت، رواها الشيخ في الحسن عن عيص ابن القاسم، قال : سألته عن رجل مات وهو جنب، قال : «يغسّل غسلة واحدة بماء، ثمّ يغسل بعد ذلك». (6) ومرسلاً عن عيص، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا مات الميّت فخذ في جهازه وعجّله، وإذا مات الميّت وهو جنب غسّل غسلاً واحدا، ثمّ يغسل بعد ذلك». (7) وبسند آخر ضعيف عن عيص، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يموت وهو جنب، قال : «يغسّل من الجنابة، ثمّ يغسّل بعد». (8) قلنا: يرجع كلّها إلى خبر واحد، لانتهائها كلّها إلى عيص، فلا تقبل المعارضة لما ذكر. على أنّها محتملة لوقوع سهو فيها عن بعض الرواة على أن يكون الأمر الثاني بالغسل متوجّها إلى الغاسل للمسّ، وسها الراوي وعلّقه على الميّت. ويدلّ على هذا التأويل أنّ عيصاً قد روى كذلك فيما نقلنا عنه أوّلاً. ولو سلّم ذلك لأمكن حملها على الاستحباب؛ للجمع. وهذه الوجوه ذكرها الشيخ في التهذيب. (9) وإذ قد عرفت أنّ المراد بالوحدة في هذه الأخبار عدم تعدّد الغسل للجنابة والموت، ولا ينافي ذلك تعدّد أغساله للسدر والكافور والقراح المدلول عليه بأخبار متكثّرة قد سبقت، فلا يتمّ احتجاج سلّار بها على إجزاء غسل واحد بالقراح له، (10) وقد أشرنا إليه فيما سبق .
.
ص: 164
. .
ص: 165
باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرّكلقد صرّح جماعة من الأصحاب بوجوب شقّ بطنها وإخراج الولد (1) إذا كانت حياته محتملة ولو لم تكن معلومة ولا مظنونة، ولم أجد مخالفاً لهم. وبه قال أكثر العامّة، وقال أحمد: «لا يشقّ بطنها، بل تدخل القوابل أيديهنّ في فرجها ويخرجن الولد، وإن لم تكن قوابل تركت الاُم حتّى يموت الولد، ثمّ تغسّل وتكفّن وتدفن». (2) ويدلّ على المذهب المنصور: قوله سبحانه : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (3) . وما رواه المصنّف في الباب، وفيما سيأتي في باب المرأة تموت وفي بطنها صبي يتحرّك، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ في المرأة تموت والولد يتحرّك في بطنها، أيشقّ بطنها ويخرج الولد؟ قال : فقال : «نعم ويخاط بطنها». (4) وهذه الرواية هي الّتي أشار المصنّف إليها بقوله: وفي رواية ابن أبي عمير، إلى آخره. (5) وإطلاق الأخبار وبعض الفتاوى يقتضي جواز الشقّ لجانبها الأيمن أيضاً، وقيّده الصدوق في الفقيه (6) والشيخان في المقنعة (7) والنهاية (8) بالأيسر، ولعلّه أولى؛ لكون الرحم في ذلك الجانب. وهل تجب خياطة المشقوق؟ نصّ عليه الشيخان في المقنعة والمبسوط، (9) وهو الظاهر لمرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة، ولئلاّ تخرج أحشاؤها، وليسهل الغسل والكفن، ولما دلّ على أنّ حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً. (10) وردّه في المعتبر قادحاً في المرسلة؛ (11) بناءً على ما ذكرناه سابقاً من عدم صحّة الحكم بأنّ مراسيل ابن أبي عمير كالصحيح. وربّما استدلّ بعدم الفائدة فيها؛ فإنّ مصير الميّت إلى البلى. ويرد عليهما: أنّ عدم صحّة الخبر منجير بعمل الأكثر، وأنّ انتفاء الفائدة ممنوع؛ لما ذكر. ولو مات الولد في بطنها وهي حيّة أدخلت القابلة يدها في فرجها وقطّعت الحمل وأخرجته قطعاً قطعاً، ولو لم توجد امرأة فعل رجلٌ ذلك ولو كان أجنبياً؛ للضرورة. ويدلّ عليه خبر ابن وهب، (12) وقد قيّد هذا الخبر فيما سيأتي بعدم إرفاق النساء بذلك، وهو نصّ في المطلوب . قوله: (عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبيه عن ابن وهب) [ح 3 / 4395] يعني وهب بن وهب .
.
ص: 166
. .
ص: 167
باب كراهية أن يُقصّ من الميّت ظفر أو شعربحلق رأسه وإبطيه وعانته وأخذ شاربه، وظاهر المصنّف الكراهة بالمعنى المصطلح، كما هو مذهب الأكثر منهم العلّامة في الإرشاد (1) ورجّحها الشهيد في الذكرى، (2) حاملين للنهي الوارد عنه على الكراهة؛ لظاهر لفظ الكراهة في خبر غياث (3) وطلحة بن زيد، (4) وهو منقول عن أبي حنيفة (5) ومالك (6) والشافعي (7) فيما عدا تسريح لحيته في قوله القديم. وظاهر الشيخ في المبسوط تحريمه، حيث قال : «ولا يجوز قصّ شيء من شعر الميّت ولا من ظفره، ولا يسرّح رأسه ولا لحيته». (8) ونسبه الشهيد في الذكرى إلى ابن حمزة، (9) وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (10) والعلّامة في المنتهى، (11) حيث عنوناه بقولهما: «لا يجوز»، بل نسبه في المنتهى إلى علمائنا. وهؤلاء لم يفرّقوا بين حلق الرأس وقصّ الظفر وغيرهما ممّا ذكر. وفصّل في الخلاف، فقال بالكراهة فيما عدا حلق الرأس، وبالحرمة فيه، حيث قال : «حلق شعر العانة والإبط وحفّ الشارب وتقليم الأظفار للميّت مكروه»، (12) وقد قال في مسألة حلق الرأس: «إنّه مكروه وبدعة». (13) وأراد بالكراهة هنا الحرمة؛ بدليل ما عطف عليها. واحتجّ على الأوّل بإجماع الفرقة وأخبارهم، وعلى الثاني بذلك الإجماع وبالاحتياط. وحكى في الخلاف عن الشافعي استحباب تسريح لحيته إن كانت كثيفة، (14) وعن أحد قوليه إباحة ما عدا تسريح اللحية، (15) وحكى في المنتهى (16) عنه استحباب قصّ أظفاره، وكأنّه تمسّك بما نقلوه عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اصنعوا بموتاكم كما تصنعون بعروسكم». 17 وفي الذكرى: «أنّه لم يثبت، مع أنّه متروك الظاهر؛ إذ العروس تطيّب بكلّ الطيب، ويزيّن وجهها وتحلّى، بخلاف الميّت». (17) وفي المنتهى: «أنّه محمول على التطهير والتنظيف بالكافور والذريرة دون النقصان». (18) وألحق في الذكرى بتسريح لحية الرجل ظفر شعر المرأة؛ محتجّاً عليه بقول الصادق عليه السلام : «لا يمسّ من الميّت شعر ولا ظفر»، (19) ثمّ قال : «ولم يثبت خبر اُمّ سليم أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في ابنته : «واظفرن شعرها ثلاثة قرون ولا تشبهنّها بالرجال». (20) وفيه نظر. وعلى أيّ حال فقد صرّحوا بوجوب دفن ما يسقط منه معه؛ للأمر به في حسنة ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يمسّ من الميّت شعر ولا ظفر، وإن سقط منه شيء فاجعله في كفنه» . (21)
.
ص: 168
. .
ص: 169
باب ما يخرج من الميّت بعد أن يُغسلأجمع الأصحاب على أنّ خروج النجاسة عن الميّت بعد غسله لا يوجب إعادة الغسل مطلقاً وفاقاً لأهل الخلاف، إلّا ما حكي عن أحمد (1) وعن أحد قولى الشافعي (2) من وجوب إعادته، محتجّين بأنّ الميّت يجب أن تكون خاتمة أمره الطهارة الكاملة، وهي لا تحصل إلّا بإعادته. وهو كما ترى، وكأنّهما قالا بذلك فيما إذا خرجت النجاسة عنه قبل تكفينه، فإنّه يظهر من المنتهى إجماع أهل العلم على عدم وجوب الإعادة بعده، حيث قال : لو خرجت النجاسة منه بعد وضعه في أكفانه لم يجب إعادة الغسل عليه في قول أهل العلم كافّة؛ لأنّ ذلك حرج عظيم، ويحتاج في إخراجه من أكفانه إلى مشقّة عظيمة. (3) ويدلّ على عدم وجوبها مطلقاً زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، والحسين بن المختار، قالا: سألناه عن الميّت يخرج منه الشيء بعدما يفرغ من غسله، قال : «يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل». وفي طريقه محمّد بن سنان. (4) وفي الموثّق عن روح بن عبد الرحيم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن بدا من الميّت شيء بعد غسله فاغسل الّذي بدا منه ولا تعد الغسل». (5) ويؤيّدها: أنّ خروج النجاسة من الحيّ بعد الغسل غير موجب لإعادته، وإنّما يوجب غَسل موضع الملاقاة عند مشروط بطهارته. وأمّا غَسل موضع النجاسة فلا خلاف في وجوبه قبل وضعه في القبر وبعده إن كان جسدا. والمشهور في الكفن أيضاً ذلك قبله، وأمّا بعده فيقرض، وصرّح بذلك جماعة من الأصحاب، منهم: الصدوق (6) وابن إدريس (7) والعلّامة في المنتهى. (8) ولم أجد عليه نصّاً، وإنّما تمسّكوا فيه بالجمع بين الأخبار وبين ما ادّعوه من أنّ قرض الكفن قبل الوضع في القبر تضييع له لإمكان غسله حينئذٍ، بخلاف ما لو وضع فيه، فإنّ الغسل هناك متعذّر للزوم تنجّس القبر بغسالته، ولمّا وجبت إزالتها فتعيّن القرض. وفيه تأمّل. وفصّل الشهيد في الذكرى تفصيلاً آخر فقال : «لو أفسد الدم معظم الكفن أو ما يفحش قطعه فالظاهر وجوب الغسل مطلقاً استبقاءً للكفن؛ لامتناع إتلافه على هذا الوجه، ومع التعذّر يسقط؛ للحرج ». (9)
.
ص: 170
. .
ص: 171
باب الرجل يغسّل المرأة والمرأة تغسّل الرجلتجب المماثلة في الذكورة والاُنوثة بين الميّت وغاسله، إلّا في مواضع: أحدها: أن يكون بينهما علاقة الزوجيّة، فيجوز تغسيل كلّ من الزوجين صاحبه في الجملة إجماعاً، وهل يجوز ذلك مجرّدا؟ أم يشترط كونه من وراء الثياب؟ الأوّل هو مروي عن السيّد المرتضى (1) وابن الجنيد، (2) وبه قال الشيخ في الخلاف، (3) وتبعه المتأخّرون. وهو ظاهر صحيحة عبد اللّه بن سنان. (4) ويؤيّدها ما رواه الشيخ فيه من طرق العامّة عن عائشة أنّها قالت: دخل عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : «وا رأساه»، فقلت أنا: بل وا رأساه. فقال : «ما عليك لو متّ قبلي لغسلتك وحنّطتك وكفّنتك». (5) وعن أسماء بنت عميس: أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوصتها أن تغسّلها إذا ماتت هي وعليّ عليه السلام ، فغسّلتها هي وعليّ عليه السلام . (6) ولا ينافيه خبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ؛ (7) لاحتمال أن يكون التقييد بفوق الثياب فيه لحضور النسوة اللاتي يصببن عليه الماء. وظاهره في النهاية الثاني، فقد قال فيها: «وإن مات بين نساء مسلمات ورجال كفّار، وكان له فيهنّ محرم من زوجة أو غيرها غسّلته من وراء الثياب، ولا يجرّدنه من ثيابه». (8) وقال في المرأة: «وإن ماتت بين رجال مسلمين ونساء كافرات وكان لها فيهم ذو رحم أو زوج غسلوها من وراء الثياب». (9) ويدلّ عليه ما سنرويه عن زيد الشحّام؛ (10) لتقييده بكون الغسل من وراء الثياب. ويظهر من بعض أخبار الباب وممّا سنرويه الفصل بينهما واشتراط الساتر في تغسيل الزوج للزوجة دون عكسه، ولم أجد قولاً به، والظاهر أنّه من باب الندب كما يشعر به التعليل الّذي في خبر داود بن سرحان. (11) والظاهر عدم اشتراط فقد المماثل فيهما؛ لإطلاق أكثر الأخبار، وهو ظاهر أكثر العلماء الأخيار، واشترطه الشيخ في كتابي الأخبار؛ (12) للأخبار المقيّدة به كخبري عبد الرحمان وداود بن سرحان وبعض ما سنرويه. وفيه: أنّ التقييد في هذه الأخبار إنّما هو في كلام السائل، وهو ليس بحجّة اتّفاقاً. وثانيهما: ما إذا كان بينهما علاقة المالكيّة والمملوكيّة، فيجوز تغسيل الموالي منه ولو كانت مدبّرة أو اُمّ ولد، إلّا أن تكون مزوّجة أو معتدّة أو مكاتبة مشروطة ومطلّقة؛ لتحريمهنّ عليه، ولم أجد مخالفاً لذلك. وأمّا العكس، فالمشهور جوازه، إلّا أن تكون مزوّجة أو معتدّة أو مكاتبة أو معتقا بعضها أو كلّها؛ معلّلين ببقاء علاقة الملك من وجوب الكفن والدفن والمؤونة والعدّة، وبما رواه إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّ بن الحسين عليهماالسلامأوصى أن تغسّله اُمّ ولد له إذا مات، فغسّلته». (13) وفي الذكرى: وفي غير اُمّ الولد احتمال؛ استصحاباً لحكم الملك فيباح، ولأنّها في معنى الزوجة في إباحة اللمس والنظر، ومن انتقال ملكها إلى الوارث، وقرّبه في المعتبر، (14) وقطع الفاضل (15) بالأوّل. (16) وثالثها: أن يكون بينهما علاقة المحرميّة، فقد أجمعوا على جواز ذلك اضطرارا من وراء الثياب. ويدلّ عليه خبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ، (17) وهل يجوز في حال الاختيار؟ قال العلّامة في المنتهى: «فيه قولان [لأصحابنا]، والأقرب عندي الجواز من فوق الثياب»، (18) واحتجّ عليه بالأصل، وبصحيحة منصور. وقال صاحب المدارك: والأظهر الجواز مطلقاً؛ تمسّكاً بالأصل، وبصحيحة منصور. (19) والعجب أنّ العلّامة استدلّ بهذا الخبر على جواز الغسل من فوق الثياب مع صراحته في جوازه مجرّدا مع ستر العورة. ولا يبعد دفعه بأنّ المراد بالعورة في قوله عليه السلام : «ويلقي على عورتها خرقة» ما عدا وجهها وكفّيها ورجليها، كما هو شأن عورة المرأة. ويؤيّده خبر عبد الرحمان، فتأمّل. ورابعها: الصغر، وسيأتي في الباب الآتي. وفي غير هذه المواضع يدفن مع عدم المماثل بغير غسل، بل يتيمّم على المشهور. ولم أجد شاهدا عليه إلّا ما رواه الشيخ عن الرجال الزيديّة، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام قال : «أتى رسول اللّه صلى الله عليه و آله نفر فقالوا: إنّ امرأة توفّيت معنا وليس معها ذو محرم، فقال : كيف صنعتم؟ فقالوا: صببنا عليها الماء صبّاً، فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسّلها؟ فقالوا: لا، قال : أفلا يمّمتموها؟». (20) وقد اختلفت الأخبار فيها اختلافاً كثيرا، فمنها: ما هو ظاهر في الغسل حينئذٍ من وراء الثياب، رواه الشيخ في الحسن (21) عن عبد اللّه بن سنان، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب، ويستحبّ أن يلفّ على يديه خرقة». (22) وعن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل مات ومعه نسوة وليس معهنّ رجل، قال : «يصببن الماء من خلف الثوب، ويلففنه في أكفانه من تحت الستر، ويصلّين صفّاً ويدخلنه قبره»، والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة، قال : «يصبّون الماء من خلف الثوب، ويلفّونها في أكفانها، ويصلّون ويدفنون». (23) وخصّا في المشهور بالمحارم. ومنها: ما هو صريح في ذلك غير قابل للتخصيص، رواه الشيخ عن الحسن بن خُرَّزاد، عن الحسن بن راشد، عن عليّ بن إسماعيل، عن أبي سعيد، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم محرم يصبّون عليها الماء صبّاً». ورجل مات مع نسوة ليس فيهنّ له محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن عليه الماء صبّاً، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «بل يحلّ لهنّ أن يمسسن منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرن منه إليه وهو حيّ، فإذا بلغن الموضع الّذي لا يحلّ لهنّ النظر إليه ولا مسّه وهو حيّ صببن عليه الماء صبّاً». (24) ومن طريق الزيدية عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام قال : «إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهنّ امرأته ولا ذات محرم (25) ، يوزّرنه إلى الركبتين، ويصببن عليه الماء صبّاً، ولا ينظرن إلى عورته، ولا يلمسنه بأيديهنّ، ويطهّرنه.» (26) ونسب القول به في الذكرى (27) إلى ظاهر المفيد، (28) وهو منقول عن أبي الصلاح (29) وابن زهرة (30) مع تغميض الغاسل عينيه. وهذان الخبران قد حملهما الشيخ في الاستبصار (31) وفي باب الزيادات من التهذيب (32) على الاستحباب؛ للجمع (33) . ومنها: ما يدلّ على غسل مواضع الوضوء منه، ولم أجد قائلاً به بخصوصه، رواه أبو بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم، فقال : «يغسل منها مواضع الوضوء، ويصلّى عليها وتدفن». (34) ومنها: ما يدلّ على وجوب غسل مواضع التيمّم منه، رواه المفضّل بن عمر، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك، ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة، فتموت المرأة، ما يصنع بها؟ قال : «يغسل منها ما أوجب اللّه عليه التيمّم ولا تمسّ، ولا يكشف لها شيء من محاسنها الّتي أمر اللّه بسترها»، فقلت: فكيف يصنع بها؟ قال : يغسل بطن كفّيها، ثمّ يغسل وجهها، ثمّ يغسل ظهر كفّيها». (35) وقال الشيخ في النهاية: «ومن عمل على هذه الرواية لم يكن عليه بأس». (36) ومنها: ما يدلّ على غسل كفّيه فقط، رواه المصنّف في الصحيح عن داود بن فرقد، (37) وبسند آخر أيضاً ضعيف عنه، (38) وظاهره تجويز العمل به، ورواه الشيخ أيضاً عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم، قال : «تغسل كفّيها». (39) ومنها: ما يدلّ على أنّه يدفن بغير شيء من هذه، وهو خبر داود بن سرحان، (40) وما رواه الشيخ في باب النوادر من التهذيب بسند صحيح إلى محمّد بن مروان، عن ابن أبي يعفور، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهنّ رجل، كيف يصنعن به؟ قال : «يلففنه لفّاً في ثيابه ويدفنّه ولا يغسلنه». (41) وفي الصحيح عن [عبدالرحمان بن] أبي عبد اللّه البصري، قال : سألته عن امرأة ماتت مع رجال، قال : تلفّ وتدفن ولا تغسل». (42) وفي الصحيح عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلّا النساء، قال : «يدفن ولا يغسل، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسّل إلّا أن يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع، ويسكب الماء عليها سكباً، ولا ينظر إلى عورتها، وتغسّله امرأته إن مات، والمرأة ليست بمنزلة الرجال، المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت». (43) وعن أبي جميلة، عن زيد الشحّام، قال : سألته عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها، قال : «إن لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها في ثيابها ولا يغسّلونها، وإن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر إلى عورتها». قال : وسألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهنّ رجل، فقال : «إن لم يكن له فيهن امرأة فليدفن في ثيابه ولا يغسّل، وإن كان له فيهنّ امرأة فليغسّل في قميص من غير أن ينظر إلى عورته». (44) وذهب إليه الشيخ في الخلاف والمبسوط، (45) ورجّحه الشهيد في الذكرى، حيث قال : «المنع مطلقاً هو الأظهر فتوى، والأشهر رواية، والأصحّ إسنادا». (46) وحكى في الخلاف عن الأوزاعي أنّه قال : «إنّها تدفن بغير غسل ولا تيمّم». (47) وقال مالك وأبو حنيفة: «تيمّم ولا تغسّل وتدفن»، (48) وبه قال أصحاب الشافعي. (49) وقال النخعي: «تغسّل في ثيابها ». (50) قوله في موثّقة عمّار: (قال : يغتسل النصراني ثمّ يغسّله) . [ح 12 / 4414] هذا هو المشهور بين الأصحاب، ومنعه المحقّق في المعتبر محتجّاً بتعذّر النيّة من الكافر، مع ضعف السند. (51) واُجيب عن الأوّل بمنع لزوم النيّة، ثمّ بالاكتفاء بنيّة الكافر. وعن ضعف الخبر بجبره بعمل الأكثر، والمشهور أنّ الأمر بغسل النصراني تعبّدي؛ (52) لعدم إيجاب الغسل لطهارته، وقد سبق منّا أنّ الظاهر أنّ نجاسته ليست على حدّ نجاسة المشرك، بل عارضيّة تزول بالاغتسال .
.
ص: 172
. .
ص: 173
. .
ص: 174
. .
ص: 175
. .
ص: 176
. .
ص: 177
. .
ص: 178
. .
ص: 179
باب حدّ الصبيّ الّذي يجوز للنساء أن يغسلنّهالمشهور بين المتأخّرين جواز تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين مجرّدا وإن وجد المماثل (1) ، وكذا تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين مجرّدة، وقيّده الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) بعدم وجود المماثل، وظاهر المحقّق في الشرائع (4) عدم جوازه وإنّما جوّزه فيما دون الثلاث، وجوّز في المعتبر (5) تغسيل المرأة ابن الثلاث اختيارا، ومنع من تغسيل الرجل الصبيّة مطلقاً وإن كانت في أقلّ من ثلاث سنين، فارقاً بينهما بأنّ الشرع أذن في اطّلاع النساء على الصبيّ؛ لافتقاره إليهنّ في التربية، وليس كذلك الصبيّة، والأصل حرمة النظر. وفيه نظر. وجوّز سلّار للمرأة تغسيل ابن خمس سنين مجرّدا (6) على ما حكى عنه في الذكرى، (7) وظاهره عدم تجويزه عكسه كما هو مذهب المفيد في المقنعة، حيث قال : فإن مات صبيّ مسلم بين نسوة مسلمات لا رحم بين واحدة منهنّ وبينه، وليس معهنّ رجل، وكان الصبيّ ابن خمس سنين، غسّله بعض النساء مجرّدا من ثيابه، وإن كان ابن أكثر من خمس سنين غسّلته من فوق ثيابه، وصببن عليه الماء صبّاً، ولم يكشفن له عورة، ودفّنه بثيابه بعد تحنيطه بما وصفناه، فإن ماتت صبيّة بين رجال مسلمين ليس لها فيهم محرم، وكانت بنت (8) أقلّ من ثلاث سنين جرّدوها وغسّلوها، وإن كانت لأكثر من ثلاث سنين غسّلوها في ثيابها، وصبّوا عليها الماء صبّاً، وحنّطوها بعد الغسل ودفنوها في ثيابها. (9) وجوّز الصدوق تغسيل الرجل بنت خمس سنين مجرّدة، وظاهره جواز عكسه أيضاً. (10) وأمّا ما فوق الخمس قبل البلوغ فالظاهر جواز تغسيل كلّ منهما للآخر من وراء الثياب للمحرميّة وقد صرّح به المفيد في المقنعة كما عرفت. وأمّا الأخبار، في ذلك فقد روى الشيخ في التهذيب بسندين أحدهما صحيح والآخر موثّق عن أبي النمير مولى الحارث بن المغيرة النّصري (11) ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : حدّثني عن الصبيّ إلى كم تغسّله النساء؟ فقال : «إلى ثلاث سنين». (12) وعن محمّد بن أحمد بن يحيى، قال : روي مرسلاً، قال روى في الجارية تموت مع الرجل، فقال : «إذا كانت بنت أقلّ من خمس سنين أو ستّ دفنت ولم تغسّل». (13) وقال : «يعني أنّها لا تغسّل مجرّدة من ثيابها». وما احتجّ به الشيخ على ما نقلناه عن المفيد من الأخبار الّتي رويناها في الباب السابق عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليهم السلام ، (14) وعن أبي سعيد، (15) وقد سبقت الإشارة إليه .
.
ص: 180
. .
ص: 181
باب من غسّل الميّت ومن مسّه وهو حارّ، ومن مسّه وهو باردالمشهور وجوب الغسل على غاسل الميّت إذا مسّه بناءً على وجوب غسل مسّه بعد برده وقبل تطهيره، كما هو المشهور بين الأصحاب، (1) ونسبه في المنتهى (2) إلى أبي هريرة وسعيد بن المسيّب وأبي سعيد والزهري، والشافعي في البويطي، 3 وأحمد في الكافر (3) [خاصة]، وذهب السيّد المرتضى إلى استحبابه، (4) وهو محكي عن ابن عبّاس وابن عمر وعائشة والحسن وأبي حنيفة والنخعي وإسحاق، (5) وعن قول للشافعي . (6) ويدلّ على الأوّل زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وغسل من غسّل ميّتاً واجب». (7) وعن يونس، عن [بعض] رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وغسل من غسّل ميّتاً»، (8) وعدّه من الفروض. وفي الصحيح عن الحلبي، قال : «اغتسل إذا غسّلت ميّتاً». (9) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «الغسل في سبعة عشر موطناً». وعدّ منها: «إذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما برد» . (10) وعن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «وغسل الغاسل للميّت فرض واجب». (11) وكذلك كلّ من مسّه بعد برده بالموت وقبل غسله يجب عليه الغسل، فإن مسّه بعد تطهيره لم يجب عليه شيء، وإن مسّه قبل برده لم يلزمه الغسل ويغسل يده. وأجمع أهل العلم على عدم وجوبه بالمسّ قبل البرد؛ لعدم نجاسته حينئذٍ، ولا بعد تطهيره بالغسل؛ لأنّه حينئذٍ طاهر. ويدلّ أيضاً عليهما طائفة من الأخبار المتقدّمة. وربّما قيل باستحبابه بعد التطهير؛ للجمع بين ما اُشير إليه وبين موثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يغتسل الّذي غسّل الميّت، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسّل». (12) ويؤيّده حسنة الحلبي (13) على ما سيأتي. وهل يجب قبل البرد غسل موضع الملاقاة؟ الظاهر العدم؛ لما عرفت من طهارته حينئذٍ. وقال الشيخ في المبسوط: «يغسل يده»، (14) وظاهره الوجوب، وكأنّه تمسّك بخبر عبد اللّه بن سنان (15) المذكور، وحَملُه على الاستحباب أظهر، ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ أيضاً ذلك. وفي حكم المغسول المقتول قودا ورجماً إذا اغتسل قبل القتل على المشهور؛ لما دلّ على طهارته حينئذٍ. وأوجب ابن إدريس الغُسل بمسّه أيضاً، (16) وهو ضعيف. نعم، لو اغتسل ثمّ مات حتف أنفه أو بسبب آخر غير ما ذكر من القتل يجب الغسل حينئذٍ بمسّه؛ (17) لعموم ما دلّ عليه من غير معارض هنا، كما يجب تغسيله للموت. وفي حكم الميّت القطعة المبانة منه حيّاً أو ميّتاً إذا كانت ذات عظم، بخلاف ما لو كانت خالية عنه؛ لمرسلة أيّوب بن نوح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه». (18) واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها بعضه، فيجب فيها ما يجب فيه، وبأنّ المسّ المعلّق عليها الوجوب يصدق بمسّ الجزء، وليس الكلّ مقصودا، و الانفصال لا يغيّر حكماً. (19) وفي الخالية من العظم أوجبوا غسل موضع الملاقاة ولو كانت بيبوسة. (20) ويدلّ عليه حسنة الحلبي (21) وخبر إبراهيم، (22) وقد سبق القول فيه . قوله في حسنة حريز: (قلت فمن أدخله القبر؟ قال : لا غسل عليه إنّما يمسّ الثياب) . [ح 1 / 4417] يفهم منه ثبوت الغسل بمسّ جسده، وحمله الشيخ على الاستحباب، وربّما قيل: المراد منه أنّه ليس محلّ توهّم وجوب الغسل، فإنّه لم يمسّ جسده حتّى يتوهّم الوجوب، وإنّما يمسّ كفنه، وهو غير موجب للغسل ولو كان قبل تطهيره . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (يغمّض عين الميّت) . [ح 2 / 4418] قال طاب ثراه: تغميض الميّت سنّة أجمع عليه المسلمون، ودلّ أيضاً عليه فعل الصادق عليه السلام بابنه إسماعيل. (23) وفي كتب العامّة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله غمّض أبا سلمة ثمّ قال : «إنّ الروح إذا قبض تبعه البصر». (24) والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «إنّ الروح»، إلى آخره تعليل لشخوص البصر المفهوم ضمناً، وذلك أنّ المحتضر يتمثّل له ما يتمثّل، فينظر إليه ولا يرتدّ إليه طرفه، فإذا برد بقيت عينه على تلك الهيئة، ولمّا كانت موجبة لقباحة منظره أمرنا بتغميضه . قوله: (عن الحجّال) . [ح 5 / 4421] الظاهر أنّه الحسن بن عليّ أبو محمّد من أصحابنا القميّين بقرينة رواية محمّد بن عبد الجبّار القمّي عنه، ويحتمل عبد اللّه محمّد الأسدي، وعلى أيّ حال فالخبر صحيح . (25) وظاهر المصنّف قدس سره بقرينة عنوان الباب أنّه حمل النهي عن الغسل بعد الدفن في هذا الخبر على النهي عن الغسل للمسّ بمسّه بعد إدخاله في القبر؛ لكونه طاهرا حينئذٍ، والظاهر من الخبر النهي عن تغسيله إذا دفن قبله، فيدلّ على حرمة نبش القبر ولو لتغسيله. ويؤيّده ما هو مطلق في تحريم نبشه، كما هو مذهب أبي حنيفة على ما حكى عنه في المنتهى؛ (26) معلّلاً بأنّه مُثلَة منهيّ عنها، ولا يبعد حمله على التقيّة .
.
ص: 182
. .
ص: 183
. .
ص: 184
. .
ص: 185
باب العلّة في غسل الميّت غسل الجنابةظاهره أنّ الغسل الّذي لتطهير الميّت إنّما هو غسله بالماء القراح، وأنّ تغسيله بالسدر والكافور إنّما هو لتنظيفه وحفظه عن الهوام، وقد سبق القول فيه. في خبر سليمان : «مخافة أن يُحرَم الحجّ». (1) يُحرَم على البناء للمفعول، والحجّ بالنصب مفعول ثان له، واُقيم مفعوله الأوّل مقام الفاعل . (2)
.
ص: 186
باب حدّ حفر القبر واللّحد والشّقّ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لُحد لهالواجب في الدفن إنّما هو المواراة في الأرض بحيث يحرس جثّته عن السباع، ويكتم رائحته عن الانتشار مع المكنة، وهو مجمع عليه بين الأصحاب. والمشهور استحباب حفر القبر قدر قامة (1) محتجّين عليه بخبر سهل، (2) وهو استدلال ضعيف لا لضعف الخبر؛ لأنّه وإن كان ضعيفاً ومقطوعاً على ما رواه المصنّف، لكن رواه الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، (3) بل لأنّ القائل في «قال بعضهم: إلى الثدي» و«قال بعضهم: إلى القامة» يحتمل أن يكون هو ابن أبي عمير أو غيره من الرواة، بل هو أظهر من أن يكون هو أبا عبد اللّه عليه السلام ، فلا يدلّ الخبر على فضيلة قدر القامة، بل ظاهره أنّ غاية الفضل هو الترقوة. ويؤيّده ما ورد من النهى عمّا فوق ثلاثة أذرع، رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاثة أذرع» (4) ، فإنّ الثلاثة إنّما تكون إلى الترقوة. وقال طاب ثراه نقلاً عن بعض العامّة: «يستحبّ أن لا يعمّق القبر فوق عظم الذراع، (5) وقيل: لعلّ هذا القائل أراد تحديد اللحد. وقيل: يستحبّ تعميقه قدر قامة، (6) وقيل: قامتين». (7) ووجه هذا القول بأنّه أراد في أرض الوحش أو خوف النبش. واللحد بالفتح _ : هو الشّقّ في جانب القبر بقدر ما يمكن أن يجلس فيه عمقاً، ويوضع فيه مضطجعاً عرضاً، وجمعه: لحود كفلس وفلوس، وبالضمّ لغةً فيه، وجمعه: ألحاد، مثل: قفل وأقفالٍ، (8) وهو مستحبّ في غير البادِن؛ لخبري أبي همّام (9) والحلبي. (10) ولفعل أمير المؤمنين عليه السلام كذلك في قبر النبيّ صلى الله عليه و آله . (11) ولما رواه مسلم: أنّ سعد بن أبي وقّاص قال في مرضه الّذي هلك فيه: الحدوا لي لحدا وانصبوا علَيّ اللبن نصباً، كما صنع برسول اللّه صلى الله عليه و آله . (12) وما رواه في المنتهى من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اللحد لنا، والشقّ لغيرنا». (13) والمراد بالشقّ: حفر القبر واسعاً من غير لحد، وهو جائز إجماعاً مطلقاً، ومستحبّ إذا كان الميّت بادناً لوصيّة أبي جعفر عليه السلام بذلك في قبره. (14) وما ذكر من الجمع هو أظهر من حمل خبر الشقّ على التقيّة، كما حمله المحقّق الأردبيلي؛ (15) لما نقل طاب ثراه من اتّفاق الفريقين على أفضليّة اللّحد. وحكى عن أبي عبد اللّه الآبي أنّه قال : «اللحد عند العلماء أفضل»، (16) وكذا من الجمع، بأنّ اللحد أفضل في الأرض الصلبة، والشقّ في الرخوة كما هو منقول عن العلّامة في النهاية، (17) فإنّ اللحد والشقّ كلاهما وقعا للنبيّ والصادق عليهما السلام في أرض المدينة، (18) وهي كانت صلبة قويّة . قوله في خبر سهل بن زياد: (حتّى يبلغ الرُسخ) . [ح 1 / 4434] هو بضمّ الراء وسكون السين المهملة والخاء المعجمة: معرّب رُست، (19) وفي التهذيب : «حتّى يبلغوا» (20) بصيغة الجمع .
.
ص: 187
. .
ص: 188
باب أنّ الميّت يؤذن به الناسيستحبّ عندنا إعلام الناس بموته، ليكثروا على تشييعه والصلاة عليه، فيؤجروا ويكثر الدعاء عليه. قال طاب ثراه: لا خلاف فيه عند أصحابنا، واختلفت العامّة فيه، لاختلاف رواياتهم، قال محيي الدين البغوي: (1) كرهه بعضهم مطلقاً، منهم حذيفة وابن المسيّب وبعض أصحاب ابن مسعود، وكرهه مالك على باب المسجد وفي الأسواق، واستحبّه بعضهم مطلقاً. وحملوا النهي عنه على إعلام الجاهليّة، وهو ما صحبه صراخ أو ما كانوا يفعلونه، كانوا إذا مات فيهم شريف بعثوا راكباً ينعاه في القبائل. وكيفيّة الإعلام المستحبّ أن لا يصحبه رفع صوت على المشهور، وصرّح بجوازه المحقّق الأردبيلي، (2) وهو منقول عن التذكرة (3) والمعتبر، (4) وقال الآبي: بعض من استحبّه صرّح بكراهة رفع الصوت؛ لأنّه بدعة، واستحبّه بعضهم، وقال : هذا وإن كان بدعة لكنّه يجوز لمصلحة شهود الصلاة عليه والتبرّك بسائر ما يتعلّق به. وأمّا الإيذان بالصراخ والبكاء كما هو المتعارف في بعض البلدان فالظاهر أنّه بدعة من عادات الجاهليّة، والظاهر عدم اختصاص ذلك بأولياء الميّت، فيستحبّ لغيرهم، وأيضاً لعموم خبري..... (5) . نعم، هم أولى بذلك؛ للجمع بينهما وبين حسنتي أبي ولاّد وعبد اللّه بن سنان . (6)
.
ص: 189
. .
ص: 190
باب القول عند رؤية الجنازةيستحبّ أن يُقال عندها ما يدلّ على تصديق الموت والحشر ، كما يدلّ عليه خبر عنبسة ، (1) وما يتضمّن الشكر على البقاء والحياة ، كما يدلّ عليه الخبران الأوّلان ، وإن كان تمنّي الموت أيضاً مطلوباً شرعاً ؛ لوجوب شكر اللّه على كلّ حال . وقال الشهيد في الذكرى: ولا ينافي هذا حبّ لقاء اللّه ؛ لأنّه غير مقيّد بوقت، فيُحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحبّ، كما روينا عن الصادق عليه السلام ، (2) ورووه في الصحاح عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه». قيل له صلى الله عليه و آله : إنّا لنكره الموت . فقال : «ليس ذلك، ولكنّ المؤمن إذا حضره الموت بُشّر برضوان اللّه و كرامته، فليس شيء أحبّ إليه ممّا أمامه، فأحبّ لقاء اللّه وأحبّ اللّه لقاءه ، وأنّ الكافر إذا حُضر بشّر بعذاب اللّه ، فليس شي?أكره إليه ممّا أمامه، وكره لقاء اللّه [فكره اللّه لقاءه]» . (3) وبقيّة عمر المؤمن نفيسة ، كما أشار إليه النبيّ صلى الله عليه و آله في الصحاح : «لا يتمنّ أحدكم الموت، ولا يَدعُ به من قبل أن يأتيه ، إنّه إذا مات انقطع عمله، وإنّه لا يزيد المؤمن في عمره إلّا خيرا». (4) وقال عليّ عليه السلام : «بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها، يدرك بها ما فات، ويحيي بها ما مات» (5) . (6) قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة: (من السواد المخترم) . [ح 1 / 4441] يقال : اخترم فلان مبنيّاً للمفعول أي مات. وفي الذكرى: «ويجوز أن يُكنّى بالمخترم عن الكافر ؛ لأنّه الهالك على الإطلاق [بخلاف المؤمن]، أو يراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة ». (7) وقد قال في موضع آخر : وعن الباقر عليه السلام : «من مات دون الأربعين فقد اختُرم، ومن مات دون أربعة عشر يوماً فموته موت فجأة» . (8) فإن استند في المعنى الأخير بهذا الخبر ففيه تأمّل .
.
ص: 191
باب السنّة في حمل الجنازةيستحبّ حملها كيفما اتّفق على ما دلّ عليه ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد، عن الحسين، قال : كتبت إليه أسأله عن سرير الميّت يُحمل، ألهُ جانب يُبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما خفّ على الرجل، يحمل من أيّ الجوانب شاء ؟ فكتب : «من أيّها شاء». (1) ويتأكّد حملها من جوانبها الأربعة، ويقال له: التربيع، لمّا رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام قال : «من أخذ بجوانب السرير الأربعة غفر اللّه له أربعين كبيرة». (2) وعنه عليه السلام قال : «من أخذ بقوائم السرير غفر اللّه له خمساً وعشرين كبيرة، وإذا ربّع خرج من الذنوب». (3) وعنه عليه السلام أنّه قال لإسحاق بن عمّار : «إذا حملت جوانب سرير الميّت خرجت من الذنوب كما ولدتك اُمّك» . (4) وروى الجمهور عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال : إذا أتبع أحدكم الجنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربعة، ثمّ ليتطوّع بعد أو ليذر، فإنّه مِن السنّة. (5) وأفضل أنواع التربيع على ما قاله الشيخ في الخلاف: أن يبدأ بميسرة الجنازة ويأخذها بيمينه، ويتركها على عاتقه، ويرفع الجنازة ويمشي إلى رجليها، ويدور عليها دور الرحى إلى أن يرجع إلى ميمنة الجنازة، فيأخذ ميامنها بمياسره. (6) وحكاه عن سعيد بن جبير والثوري وإسحاق. (7) ويدلّ عليه خبر عليّ ين يقطين (8) وخبر الفضل بن يونس (9) أيضاً ، فإنّ الظاهر أنّ المراد باليد فيه يد الميّت. وقال في النهاية والمبسوط : «يبدأ بمقدّم السرير الأيمن، يمرّ عليه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر، ثمّ يمرّ عليه حتّى يرجع إلى المقدّم، كذلك دور الرحا». (10) ويدلّ عليه خبر العلاءبن سيابة: (11) وقال صاحب المدارك: «ومثله روى الفضل بن يونس عن الكاظم عليه السلام » (12) وهذه الرواية أظهر في المعنى الأوّل كما أشرنا إليه، والظاهر تسوية هاتين الطريقتين في الفضل، وهو المشهور بين المتأخّرين. وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة: أفضله يعني أفضل أنواع الترتيب (13) أن يبدأ [في الحمل] بجانب السرير الأيمن؛ وهو الّذي يلي يسار الميّت، فيحمله بكتفه الأيمن، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيمن، فيحمله بالأيمن كذلك، ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيسر، فيحمله بالكتف الأيسر ثمّ ينتقل إلى مؤخّره الأيسر، فيحمله بالكتف الأيسر كذلك. (14) فقد رجّح خبر العلاء بن سيابة ، لكنّ الظاهر أنّه على هذا الخبر يحمل السرير من جانبيه الأيمنين بكتفه الأيسر، ومن جانبيه الأيسرين بكتفه الأيمن في مطلق الجنائز كما هو المتعارف. وما ذكره إنّما يتصوّر في المَحَفّة والزنبل وشبههما من الجنائز ذوات العمودين مشياً من بينهما، وقد شاهدت ذلك من سبطه المحقّق الشيخ عليّ، (15) وهو خلاف المتعارف . وما ذكرناه من فضل التربيع محكيّ في الخلاف (16) عن أبي حنيفة (17) والثوري، (18) وحكى فيه عن الشافعي أنّه قال : «الأفضل أن يجمع بين التربيع والحمل بين العمودين، فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالأفضل الحمل بين العمودين». (19) وحكى مثله عن مالك أيضاً. (20) وعن أحمد أنّهما سواء . (21) ويظهر من خبر الفضل بن يونس أنّ الأفضل عندهم البدأة باليد اليمنى للميّت بأن يضع جانب السرير الأيسر على عاتقه الأيمن ثمّ بالرجل اليسرى له، ويرجع إلى مقدّم السرير، ويدور بين يديه إلى الجانب الأيمن للسرير واليد اليسرى للميّت لا من خلفه، ونقله في [فتح] العَزيز عن الشافعيّ، وحكى فيه عن نصّ الشافعيّ: أنّ من أراد التبرّك بحمل الجنازة من جوانبها الأربعة بدأ بعمود الأيسر من مقدّمها، فيحمله على عاتقه الأيمن، ثمّ يسلّمه إلى غيرها، ويأخذ العمود الأيسر من مؤخّرها فيحمله على عاتقه الأيمن أيضاً، ثمّ يتقدّم فيعرض بين يديها؛ لئلّا يكون ماشياً خلفها، فيأخذ العمود الأيمن من مقدّمها ويحمله على عاتقه الأيسر، ثمّ يأخذ العمود الأيمن من مؤخّرها. (22) ثمّ قال : وذكر للتربيع سوى هذا المعنى معنىً آخر، وهو: أن يحمل الجنازة أربعة نفر، وإنّما سُمّي هذا تربيعاً لأنّ الجنازة محمولة أربعة في مقابلة الحمل بين العمودين. وقال : الحمل بين العمودين أن يتقدّم رجل فيضع الخشبتين الشاخصتين وهما العمودان على عاتقيه، والخشبة المعترضة بينهما على كتفه، ويحمل مؤخّر الجنازة رجلان أحدهما من الجانب الأيمن والثاني من الأيسر، فيكون الجنازة محمولة [على ]ثلاثة، فإن لم يستقلّ المتقدّم بالحمل أعانه رجلان خارج العمودين، يضع كلّ واحدٍ منهما واحدا على عاتقه، فيكون الجنازة محمولة [على ]خمسة . (23)
.
ص: 192
. .
ص: 193
. .
ص: 194
. .
ص: 195
باب المشي مع الجنازةالمشهور بين الأصحاب استحباب المشي خلف الجنازة أو أحد جانبيها، وبه قال أبو حنيفة على ما حُكي عنه في العزيز. (1) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن السكوني، عن جفعر، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال : «سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب». (2) وما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري، قال : سألت عليّاً عليه السلام فقلت: أخبرني يا أبا الحسن عن المشي مع الجنازة، فقال : «فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على النافلة» . فقال : أتقول هذا برأيك أم سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال : «لا بل سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . (3) وعن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الجنازة متبوعة ولا تَتَبع، ليس منّا من تَقَدَّمها». (4) ولم يفرّق الأكثر في ذلك بين جنازة المؤمن والمخالف، ولا بين صاحب الجنازة وغيره. وذهب ابن أبي عقيل إلى وجوب ذلك خلف جنازة المعادي لذي القُربى وهو الظاهر في مطلق المخالف؛ معلِّلاً باستقبال ملائكة العذاب إيّاه على ما حكى عنه في الذكرى (5) بخبر السكوني، (6) وصحيحة أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة يمشى أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ قال : «إن كان مخالفاً فلا تمش أمامه، فإنّ ملائكة العذاب يستقبلونه بأنواع العذاب» . (7) وعن ابن الجنيد استحباب مشي صاحب الجنازة أمامها؛ محتجّاً بما رواه الحسين بن عثمان: أنّ الصادق عليه السلام تقدّم سرير ابنه إسماعيل، (8) وهو مع ضعفه بالجوهري (9) يحتمل التقيّة؛ لموافقته للمشهور بين العامّة، ففي العزيز: «المشي أمام الجنازة أفضل، وبه قال مالك، ويروى مثله عن أحمد.» (10) واحتجّ عليه بما روي عن ابن عمر، قال : «رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة.» (11) وردّه الشهيد في الذكرى بعدم ثبوت ذلك عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعدم حجّيّة فعل أبي بكر وعمر. (12) وحكي عن رواية عن أحمد أنّه إن كان راكباً سار خلفها، وإن كان راجلاً فقدّامها، (13) وقد نقلوا عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : «الراكب يمشي خلف الجنازة، والماشي خلفها وأمامها وعن جانبها قريباً منها .» (14) قوله في خبر إسحاق : (المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها) . [ح 1 / 4448] روى في التهذيب عن المصنّف بهذا السند بعينه، وفي آخره : «ولا بأس بأن يمشي بين يديها»، (15) وكأنّه سقط ذلك من نسّاخ الكتاب.
.
ص: 196
. .
ص: 197
باب كراهية الركوب مع الجنازةفي المنتهى: «يكره الركوب مع الجنائز، وهو قول العلماء كافّة». (1) وحكى طاب ثراه أيضاً عن القرطبي أنّه قال : «العلماء كرهوا الركوب في تشييعها، وذكروا فيه حديثاً». (2) ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه أبو داود من طرق العامّة، قال : واُتي يعني النبيّ صلى الله عليه و آله بدابّة وهو مع جنازة، فأبى أن يركبها، فلمّا انصرف اُتي بها، فركبها، فقيل له في ذلك: فقال : «إنّ الملائكة كانت تمشي معي، فلم أكن لأركب وهم يمشون». (3) وفي حديث ثوبان أيضاً على ما رواه الترمذي _: خرجنا معه في جنازة، فرأى ناساً ركباناً فقال : «ألا تستحيون أنّ الملائكة على أقدامها وأنتم على ظهور الدوّاب». (4) ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه قال : «لا يركب صاحب الجنازة ولا أهله ولا اخوان الميّت». (5) وظاهره تخصيص النهي عنه بهؤلاء كما هو ظاهر «الصاحب» في مرسلة ابن أبي عمير، (6) ولأنّ مشيهم من الأداب رعاية للمشيّعين المشاة، والأظهر عموم الكراهة وتأكّدها في هؤلاء، ولا ريب أنّ الكراهة إنّما هي في حال الاختيار دون العذر من المشي. قوله في صحيحة عبد الرحمن: (إنّي لأكره أن أركب والملائكة يمشون) . [ح 2 / 4456] قال طاب ثراه: استدلّ العلّامة في المنتهى بهذا الخبر على الكراهة، (7) وردّه الفاضل الأردبيلي بأنّه أخصّ من المدّعى، (8) ولعلّ وجه ذلك أنّه احتمل اختصاص الحكم بالنبيّ صلى الله عليه و آله بل بخصوص تلك الجنازة؛ لاحتمال اختصاص مشي الملائكة معها بها . والجواب: أنّ الاستدلال ظاهر، والظاهر عموم ما كرّهه النبيّ صلى الله عليه و آله على نفسه إلى أن يعلم الاختصاص، ومشي الملائكة غير مختصّ بتلك الجنازة كما هو ظاهر بعض ما ذكر من الأخبار.
.
ص: 198
. .
ص: 199
باب من يتبع جنازة ثمّ يرجعينبغي للمشيّع أن لا يرجع حتّى يُدفن الميّت وإن أذن له صاحب المصيبة؛ لخبر سهل، (1) أو صدر عن بعض المشيّعين معصية، لحسنة زرارة . (2)
ثواب من مشى مع جنازةغرضه قدّس سرّه بقرينة أخبار الباب بيان أفضليّة المشي عن الركوب، وبيان تفاوت مراتب التشييع. ويدلّ على الأوّل زائدا على ما ذكره هنا ما سبق في الباب السابق. وأمّا الثاني ففي المنتهى: أدنى مراتب تشييع الجنازة أن يتبعها إلى المصلّى، فيصلّى عليها، وأوسطها أن يتبعها إلى القبر ويقف حتّى يدفن، وأكمله الوقوف بعد الدفن ليستغفر له ويسأل اللّه تعالى له الثبات على الاعتقاد عند سؤال الملكين. (3) ويدلّ عليه أيضاً زائدا على ما رواه هنا ما سبق في بعض الأبواب السالفة، وقد ورد من طريق العامّة في حديث البراء : «من شهد حتّى يدفن كان له قيراطان». (4) وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان إذا دفن ميّتاً وقف وقال : «استغفر له وأسأل اللّه التثبّت، فإنّه الآن يُسأل». (5) وروى مسلم عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «من صلّى على جنازة فله قيراط، ومن تبعها حتّى يوضع في القبر فله قيراطان» قال : قلت: يا باهريرة، ما القيراط؟ قال : مثل اُحد . (6) قوله في خبر عمرو بن شمر (7) : (كان له قيراط من الأجر) . [ح 4 / 4463] قال طاب ثراه: قال الجوهري: القيراط نصف دانق، وأصله قِرّاط بالتشديد؛ لأنّ جمعه قراريط فاُبدل من أحد حرفي تضعيفه ياءً على ما ذكرناه في دينار، وأمّا القيراط الّذي في الحديث فقد جاء في تفسيره فيه أنّه مثل جبل اُحد. (8) وقال الآبي: القيراط جزء من الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين، (9) وتفسيره بجبل اُحد تفسير لما هو المقصود. وقال المازري: المراد من قوله : «قيراطان» تمام قيراطين، قيراط للصلاة، وقيراط للاتّباع، وهو مثل قوله تعالى «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ» ، ثمّ قال تعالى: «وَ قَدَّرَ فِيهَا أَقْوَ تَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ» (10) ، أي في تمام أربعة أيّام: اليومان الأوّلان اللذان فيهما خلق الأرض، واليومان الآخران اللذان فيهما تقدير الأقوات. والاقتصار هنا على قيراط وقيراطين للصلاة والدفن، فلا ينافي ما سيجيء في رواية الأصبغ بن نباتة : «أنّ له أربعة قراريط»؛ (11) لأنّ قيراطين فيها لأجل المتابعة إلى الدفن وللتعزية.
.
ص: 200
. .
ص: 201
باب ثواب من حمل الجنازةغرضه قدّس سرّه من وضع هذا الباب بيان ثواب أصل حملها، ومن باب السنّة في حمل الجنازة بيان كيفيّته، وقد روينا بعض ما يتعلّق بهذا الباب ثمّة؛ لكشفه عن ذلك أيضاً، ولو جمعهما في بابٍ واحدٍ لكان أحسن. قوله في مرسلة سليمان بن خالد: (من أخذ بقائمة السرير) ، إلخ. [ح 2 / 4469] فإن قيل: هذا الخبر ينافي مرسلة عيسى بن راشد (1) من وجهين، أحدهما: أنّه إذا غفر بأخذ قائمة خمساً وعشرين فينبغي أن يغفر بأخذ القوائم الأربع مئة كبيرة، وهي تدلّ على العفو عن أربعين. وثانيهما: أنّ هذا الخبر يدلّ على مغفرة جميع الذنوب بالتربيع، وهي إنّما تدلّ على العفو عن أربعين كبيرة به. قلنا: عن الأوّل أنّه قد يتخلّف حكم الكلّ عن حكم الأجزاء بناءً على ما هو المقرّر من عدم اقتضاء مجموع على مجموع ترتيب الأجزاء على الأجزاء. وعن الثاني أنّه يمكن حمل التربيع في هذا الخبر على أحد نوعيه المتقدّمين، وفي تلك المرسلة على أخذ القوائم الأربع على غير هذين النوعين، أو ابتناء التفاوت على تفاوت مراتب الأموات والحاملين في الصلاح والفضل والنيّات وغيرها ممّا يوجب التفاوت فيالأجر والثواب.
باب جنائز الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيدإذا حضرت جنائز متعدّدة تخيّر الإمام في الصلاة عليهم بين أن يصلّي على كلّ واحد بانفراده أو على الجميع، أو أن يجمع طائفة ويفرّق آخرين، كما فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بشهداء اُحد (2) إذا لم يوجد الخوف على أحدهم، ولو خيف على بعضهم قُدّم في الصلاة، ولو خيف على الجميع صلّى عليهم صلاة واحدة، واطلاق الأخبار جواز الجمع ولو كانوا جماعة يجب الصلاة على بعضهم ويستحبّ على آخرين، فيكتفي بنيّة القربة. وقال الشهيد في الذكرى: إنّه «حينئذٍ يمكن الاكتفاء بنيّة الوجوب؛ لزيادة الندب تأكيدا». (3) وهو كما ترى. وجوّز العلّامة في التذكرة نيّة الوجوب والندب معاً على التوزيع (4) معلّلاً بعدم التنافي، لاختلاف الاعتبارين. وبذلك يندفع الإشكال الّذي ذكره الشهيد من أنّه فعل واحد من مكلّفٍ واحد، فكيف يقع على وجهين؟! وإذا صلّى على رجل وامرأة فالمستحبّ عند أكثر الأصحاب وغيرهم أن يوضع الرجل ممّا يلي الإمام، والمرأة وراءه. ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة والحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : في الرجل والمرأة، كيف يُصلّى عليهما؟ فقال : «يجعل الرجل وراء المرأة، ويكون الرجل ممّا يلي الإمام». (5) وما رواه الجمهور عن عمّار بن أبي عمّار، قال : شهدت جنازة اُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام وابنها زيد بن عمر، فوضع الغلام بين يدي الإمام والمرأة خلفه، وفي الجماعة الحسن والحسين عليهماالسلاموابن عبّاس وابن عمر وثمانون نفساً من الصحابة، فقلت ما هذه؟ فقال : هذه السنّة. (6) وربّما استدلّ له بأنّ الرجل أشرف من المرأة، وما يلي الإمام أفضل فتناسبا. وقد ورد في بعض الأخبار عكسه، رواه الشيخ عن عبيد اللّه الحلبي، قال : سألته عن الرجل والمرأة يصلّى عليهما، قال : «يكون الرجل بين يدي المرأة يلي القبلة، فيكون رأس المرأه عند وركي الرجل ممّا يلي يساره، ويكون رأسها أيضاً ممّا يلي يسار الإمام ورأس الرجل ممّا يلي يمين الإمام». (7) ومثله خبر عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه (8) بناءً على ما هو الظاهر من أنّ المراد بالتقديم فيه تقديم ممّا يلي القبلة. والأوّل ضعيف؛ لاشتمال سنده على محمّد بن أحمد بن الصلت، وهو غير مذكور في كتب الرجال؛ (9) ولإضماره. والثاني غير صريح في المطلوب؛ لاحتمال التقديم فيه التقديم ممّا يلي الإمام. وجمع الشيخ في الاستبصار بينهما وبين ما سبق بالتخيير؛ مستندا بصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يقدّم الرجل وتؤخّر المرأة، ويؤخّر الرجل وتقدّم المرأة»، يعني في الصلاة على الميّت. (10) وأنت خبير بأنّ نفي البأس عن الأمرين لا ينافي استحباب أحدهما. ولو اجتمع معهما عبد وصبيّ وخنثى قدّم الحرّ، ثمّ العبد، ثمّ الصبيّ، ثمّ الخنثى، وتؤخّر المرأة ممّا يلي القبلة. ويستفاد حكم ما عدا الخنثى من خبري طلحة بن زيد (11) وابن بكير، (12) واستخرجوا حكم الخنثى من ترتيب الرجل والمرأة؛ لكونه واسطة بينهما. وظاهر أكثر هؤلاء عدم الفرق في الصبيّ بين كونه ممّن تجب الصلاة عليه وعدمه. والشيخ في الخلاف والمبسوط قدّم المرأة على من لا تجب الصلاة عليه منه، فقد قال في الخلاف: إذا اجتمع رجل وصبيّ وخنثى وامرأة، وكان الصبيّ ممّا يُصلّى عليه، قدّمت المرأة إلى القبلة، ثمّ الخنثى، ثمّ الصبيّ، ثمّ الرجل، ويقف الإمام عند الرجل. وإن كان الصبيّ لا يُصلّى عليه قدّم أوّلاً الصبيّ إلى القبلة، ثمّ المرأة، ثمّ الخنثى، ثمّ الرجل. (13) وقال نحوا منه في المبسوط. (14) وبه قال الشهيد أيضاً في الذكرى إلّا أنّه قدّمه على العبد أيضاً، فقد قال : «ويستحبّ أن يلي الرجل الإمام، ثمّ الصبيّ لستٍّ، ثمّ العبد، ثمّ الخنثى، ثمّ المرأة، ثمّ الطفل لدون ستّ، ثمّ الطفلة». (15) وقدّم الشيخ في النهاية المرأة على الصبيّ من غير تقييد عكس الأوّل، حيث قال : فإن كان رجل وامرأة وصبيّ فليقدّم الصبيّ، ثمّ المرأة، ثمّ الرجل، وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلاً الصبيّ، ثمّ المرأة، ثمّ العبد، ثمّ الرجل، ويقف الإمام عند الرجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. (16) ولعلّه تمسّك بخبر طلحة؛ إبقاء لتقديم الصغير على الكبير فيه على عمومه. وحكى الشيخ في الخلاف (17) عن الحسن أنّه يُقدّم الرجال إلى القبلة، ثمّ الصبيان، ثمّ الخناثى، ثمّ النساء، ويقف الإمام عند النساء. (18) وكأنّه راعى شرافة القبلة. ويردّه ما ذكر. ثمّ إنّه يستحبّ وضعها شبه المدرج بجعل رأس كلّ ثانٍ إلى إلية أوّله، ذكورا كانوا أو أناثي أو خناثى، أحرار أو عبيد أو مختلفين؛ لرواية عمّار، (19) وما رويناه عن الحلبي. (20) ولو اجتمع مع هؤلاء من لا يعرف مذهبه ومستضعف ومخالف، فيمكن تخريج حال وضعهم ممّا ذكر، ولم أجد هنا نصّاً من الأصحاب ولا أثرا. وإذا اقتصر على صلاة واحدة يجب التشريك بينهم في الدعوات أيضاً مع اتّحاد الصنف، مراعياً لتثنية الضمير وجمعه، وتذكيره وتأنيثه، أو يذكّره مطلقاً مُأوّلاً بالميّت، أو يؤنّث كذلك مأوّلاً بالجنازة، ومع اختلافه كالمؤمن والمخالف وأضرابهما يراعى وظيفة كلّ منهم مع ما ذكر. قوله: (عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : كان إذا صلّى) إلخ . [ح 3 / 4473] فاعل قال طلحة، والضمير في كان لأبي عبد اللّه عليه السلام ، وربّما قرئ صلّى في المواضع الثلاثة على البناء للمفعول، ففاعل قال هو عليه السلام، فيكون إخبارا بما رواه الصدوق في الفقيه، قال : «وكان على عليه السلام إذا صلّى على الرجل والمرأة»، إلى آخر الخبر بعينه . (21)
.
ص: 202
. .
ص: 203
. .
ص: 204
. .
ص: 205
. .
ص: 206
باب نادريذكر فيه مخالفة صلاة الجنازة مع الصلوات اليوميّة في أكثر الأحكام، وقد وقع الخلاف في أنّها صلاة حقيقيّة شرعاً ومجازا لغةً، أو بالعكس . وتظهر الفائدة في اعتبار شرائط اليوميّة فيها عدا ما استثني، أو عدم اعتبارها إلّا ما ثبت بالنصّ، ولا فائدة يُعتَدّ بها في تحقيق الحقّ منهما. قوله في خبر السكوني: (قيل يا رسول اللّه ، ولم؟ قال : [صار] سُترَةً للنساء) . [ح 3 / 4479] بيان التعليل أنّ الصلوات اليومية لمّا اشتملت على الركوع والسجود، والنسوان كنّ يستحيين فعلهما قدّام الرجال لا يتقدّمن عليهم ولو كان الصفّ المتقدّم راجحاً بالنسبة إليهنّ أيضاً، بخلاف صلاة الجنازة فإنّها لعدم اشتمالها عليهما ربّما يتقدّمن الرجال لو رأين الفضل في الصفّ المتقدّم، فجعل الصفّ الأخير أفضل ليتأخّرن، فصار ذلك سُترَةً لهنّ. واحتمل في شرح الفقيه إرادة صفوف الجنائز في هذا الخبر لا صفوف المصلّين. (1) على أن يكون الغرض أفضليّة تأخير جنائز النسوان إلى القبلة، فالتعليل واضح.
.
ص: 207
باب الموضع الّذي يقوم الإمام إذا صلّى على الجنازةالمشهور بين الأصحاب استحباب قيام الإمام محاذياً لوسط الرجل وصدر المرأة، وبه قال الشيخان في المقنعة (1) والتهذيب (2) والمبسوط، (3) وتبعهما المتأخّرون، (4) ونقل عن أبي الصلاح، (5) ومحكي عن مالك. (6) ويدلّ عليه مرسلة عبد اللّه بن المغيرة، (7) وما رواه الشيخ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقوم من الرجل بحيال السرّة، ومن النساء أدون من ذلك قِبَل الصدر». (8) وذهب الشيخ في الاستبصار إلى أنّه يقوم في المرأه فوق صدرها قريباً من رأسها، (9) وبذلك جمع بين ما ذكر وبين خبر موسى بن بكر، (10) ولعلّه قال في الرجل أيضاً أنّه يقوم فوق وسطه قريباً من صدره؛ لإشعار جمعه بذلك أيضاً. وحمل في التهذيب الرأس والصدر في خبر موسى على الصدر والوسط، (11) والأظهر حملهما على مراتب الفضيلة، فكلّما كان أبعد من العورة كان أفضل، لا سيما في المرأه، كما قال العلّامة في المنتهى: «الأولى اجتناب محارمها والتباعد عنها، فإنّه أنزه وأسلم وأبعد من وساوس النفس». (12) وفي الخلاف: «والسنّة أن يقف الإمام عند رأس الرجل وصدر المرأة». (13) واحتجّ عليه بالإجماع، وهو غريب، وكأنّه وقع التقديم والتأخير فيه في الرجل والمرأة من النسّاخ أو من قلمه، وحكى فيه عن الشافعي أنّه يقف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، (14) وعن أبي حنيفة أنّه يقف في الوسط. (15) وظاهره أنّه قال بذلك في الرجل والمرأة جميعاً كما نقله والدي عنه. وحكى في المنتهى عنه أنّه يقف عند صدر الرجل ووسط المرأة، (16) وكأنّه كان له قولان. وقال طاب ثراه: وقال أحمد: يقوم عند رأس الرجل ووسط المرأة، (17) وقال ابن مسعود بعكسه. (18) وقال الحسن: كلّ واسع. (19) وقال طائفة منهم: يقوم فيهما معاً حذو الصدر. (20) وقال بعضهم: الأحسن في الرجل الصدر، وكذا في المرأة إن كانت عليها قُبّة أو كان كفنها قطناً، وإلّافالوسط. ونقل مسلم في صحيحه روايات متكثّرة في أنّه صلى الله عليه و آله قام في وسط المرأة، منها: ما رواه عن سمرة بن جندب قال : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على امرأة ماتت في نفاسها، فقام في وسطها. (21) قوله في مرسلة عبد اللّه بن المغيرة: (فلا يقوم في وسطها) . [ح 1 / 4480] قال طاب ثراه: روي مثله في طرق العامّة أيضاً، وقال القاضي القرطبي: ضبطنا وسطها بالسكون، وقال ابن عصفور: هو بالفتح، وقال ابن دُرَيد: هو بالسكون والفتح معاً، وقال الآبيّ: قيل هو بالسكون فيما يتفرّق كالناس والدوابّ، وبالفتح فيما لا يتفرّق كالدار، وقيل: كلّما يصحّ فيه لفظة بَين فهو بالسكون، وإلّا فهو بالفتح، وقيل: يقع كلّ منهما موقع الآخر. (22) وفي المُغرِب: الوَسَط بالتحريك اسم لعين ما بين طرفي الشيء كمركز الدائرة، وبالسكون اسم مبهم لداخل الدائرة، [مثلاً] ولذا كان ظرفا، والأوّل يجعل مبتدأً وفاعلاً ومفعولاً [به ]وداخلاً عليه حرف الجرّ، ولا يصحّ شيء من هذه في الثاني، تقول : وَسَطُه خير من طرفه، واتّسع وسطُه، [و ضربت وسَطَه] ، وجلست في وسط الدار، وجلست وَسْطها بالسكون لا غير. (23) وفي الصحاح أيضاً: «جلست وسط القوم بالتسكين؛ لأنّه ظرف، وجلست [في]وسط الدار بالتحريك؛ لأنّه اسم». (24)
.
ص: 208
. .
ص: 209
. .
ص: 210
باب مَن أولى بالصلاة على الميّتفي المنتهى: الوليّ أحقّ بالصلاة على الميّت من الوالي، ذهب إليه علماؤنا، وبه قال الشافعي في الجديد، (1) وقال في القديم: الوالي أولى، (2) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق. (3) لنا: أنّها ولاية يعتبر فيها ترتيب العصبات. (4) ويؤيّده ما رواه الشيخ عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه الوليّ، وإلّا فهو غاصب» (5) . (6) واحتجّ أيضاً عليه بمرسلتي ابن أبي عمير (7) وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. (8) واحتجّ عليه الشيخ بإجماع الفرقة، وبقوله سبحانه : «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ» (9) . (10) وظاهر العلّامة في الإرشاد تقدّم الوالي مطلقاً أَذنَ الوليّ أم لا، (11) وبه صرّح الشهيد الثاني في شرحه، (12) ومراد الأصحاب من الوالي هنا إمام الأصل عليه السلام، لظاهر تقدّم الوالي؛ لعموم قوله تعالى : «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» (13) ، بضميمة ثبوت ماثبت له صلى الله عليه و آله للأئمّة عليهم السلام ، ولحسنة طلحة بن زيد. (14) ويؤيّدهما عموم ما رواه الجمهور عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا يؤمّ في سلطانه أحد». (15) وفي الخلاف: «أنّهم رووا ذلك عن عليّ عليه السلام وجماعة من التابعين». (16) وأمّا ما احتجّوا به على الأوّل فالآية الكريمة ظاهرة في الميراث، وخبر السكوني ضعيف واحد غير قابل للمعارضة لما ذكر، والمرسلتان مع عدم صحّتهما غير صريحتين في المطلوب، والإجماع المدّعى ممنوع. ولمّا كان الوالي عند العامّة شاملاً لغير المعصوم احتجّ أبو حنيفة وأضرابه على ما ذهبوا إليه برواية أبي حازم، قال : شهدت الحسين عليه السلام حين مات الحسن عليه السلام وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص أمير المدينة، ويقول : «تقدّم فلولا السنّة لمّا قدّمتك». (17) ودفعه عندنا واضح، وأجاب عنه الشافعي على مانقل عنه بأنّه عليه السلام إنّما أراد بذلك إطفاء الفتنة، وإنّ إطفاء الفتنة من السنّة، فأراد بالسنّة إيّاه. (18) ومع عدم إمام الأصل عليه السلام فقد صرّح أكثر الأصحاب بتقدّم الوليّ وهو أولى الناس به فيالميراث إلّا في الزوج؛ لروايتي أبي بصير، (19) وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الزوج أحقّ بامرأته حتّى يضعها في قبرها». (20) ونقل في المنتهى عن أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد؛ أنّه لا ولاية للزوج، (21) وقد روي تقديم أخيها عليه، رواه الشيخ عن أبان بن عثمان، عن عبدالرحمان بن أبي عبد اللّه ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة على المرأة، الزوج أحقّ بها أو الأخ ؟ قال : «الأخ». (22) وعن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها، أيّهما يصلّي عليها؟ فقال : «أخوها أحقّ بالصلاة عليها». (23) وحملهما على التقيّة؛ لموافقتهما لمذهب أبي حنيفة وجماعة اُخرى منهم كما عرفت .
.
ص: 211
. .
ص: 212
باب من يصلّي على الجنائز وهو على غير وضوءقال طاب ثراه: «الأخبار الدالّة على عدم اشتراط صلاة الجنازة بالطهارة عن الحدث متكاثرة متظافرة». ويدلّ أيضاً عليه إجماع الأصحاب كما صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد، (1) والعلّامة في المنتهى. (2) وفي تعليل خبر يونس بن يعقوب (3) دلالة على عدم اشتراطها بالطهارة عن الخبث أيضاً. وفي حسنة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تصلّي على الجنازة؟ قال : «نعم، ولا تقف معهم، تقف مفردة» (4) أيضاً دلالة عليه؛ لعدم انفكاك الحائض عن الخبث غالباً. ويؤيّده عدم الاستفصال، وأصالة البراءة. والظاهر أنّه لم يذهب إلى اشتراطها أحد من علمائنا، وهو المشهور بين العامّة، فقال محيي الدين البغوي: «لم يختلف في أنّ صلاة الجنازة لاتفتقر إلى الطهارة عن الحدث والخبث إلّا ما روي عن الشعبي في طهارة الحدث، (5) وهل يفتقر إلى قراءة الفاتحة؟ به قال الشافعي كالصلاة، (6) وأسقطها مالك (7) كالطواف، فهي فرع بين أصلين» . (8)
.
ص: 213
. .
ص: 214
باب صلاة النساء على الجنائزتجوز صلاتهنّ عليها مجتمعات ومنفردات، ولم ينقل خلاف فيه عن أحد من أهل العلم، وأجمع الأصحاب على استحباب إمامتهنّ لهنّ مع عدم الرجال، (1) لكن مع كراهة بروز الإمام منهنّ عن الصفّ. ويدلّ عليه خبر الصيقل، (2) ورواية جابر، (3) وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت: المرأة تؤمّ النساء؟ قال : «لا إلّا على الميّت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهنّ فتكبّر ويكبّرن». (4) وهو منقول عن أبي حنيفة وأحمد، (5) وظاهر الشافعي استحباب انفرادهنّ، حيث قال على ما حُكي عنه _ : «يصلّين منفردات وإن جمعن جاز». (6) وأمّا مع الرجال فلا يجوز إمامتهنّ بل يقتدين ووقفن آخر الصفوف على ما مرّ. والحائض منهنّ انفردت بصفّ بارزة عن الصفوف مطلقاً، على ما صرّح به جماعة منهم العلّامة في المنتهى، (7) ولم أجد نصّاً عليه سوى موثّقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، (8) وحسنة محمّد بن مسلم. (9) وفي دلالتهما على انفرادهنّ عن النسوان تأمّل.
.
ص: 215
باب وقت الصلاة على الجنائزأجمع الأصحاب على عدم كراهة تلك الصلاة في الأوقات الّتي تكره النوافل المبتدأة فيها ولا في غيرها من الأوقات. ويدلّ عليه مرسلة محمّد بن مسلم، (1) و صحيحته، (2) وصحيحة عبيداللّه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع، إنّما هو استغفار». (3) ويؤيّدها ما رواه العامّة: أنّ أبا هريرة صلّى على عقيل حين اصفرّت الشمس (4) ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، وأنّه صلّى على الجنائز والشمس على أطراف الجدر؛ (5) ولأنّها ذات سبب موجب، فليست محلّاً لتوهّم كراهتها فيها. وهو منقول عن الشافعي، (6) وفي إحدى الروايتين عن أحمد. (7) وفي رواية اُخرى عنه وعن أبي حنيفة وابن عمر وعطاء والنخعي والثوري وإسحاق كراهتها عند طلوع الشمس وغروبها، وفي نصف النهار. (8) واحتجّوا عليه على ما حكى عنهم في المنتهى (9) بما رواه مسلم عن عقبة بن عامر الجهني أنّه يقول : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع، وحين تقوم قائم الظهيرة حتّى تميل الشمس، وحين تصيف الشمس، أي تميل إلى الغروب. (10) وأجاب عنه بأنّه محمول على أنّه نهى أن يتحرّى لها هذه الأوقات، والأظهر حمل الصلاة فيه على النافلة، بل هو الأظهر كما لا يخفى. فإن تمسّكوا بالنهي عن الصلاة فيها كما هو ظاهر استدلالهم فهو لا يدلّ على مدّعاهم. وإن تمسّكوا بالنهي عن دفن الموتى في هذه الساعات؛ حملاً للنهي عن الصلاة عليه كما فعله بعضهم فهو في غاية البعد؛ لعدم جامع بينهما، فكيف الاستدلال به؟! قال طاب ثراه: قال القرطبي: يُحتمل أن يريد بالنهي عن قبرهم في هذه الأوقات النهي عن الصلاة عليهم فيها، ويُحتمل حمله على ظاهره، وهو النهي عن دفنهم فيها؛ لأنّه لمّا منعت العبادة احتيط للمسلم أن لا يدفن فيها. وقال المارزي: احتمال الصلاة ضعيف؛ إذ لا خلاف في جواز الصلاة عند قائم الظهيرة وهو وقت الاستواء. وأمّا ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس وحين تطلع»، (11) فهو مع شذوذه ومخالفته للأخبار الصحيحة، محمولة على التقيّة.
.
ص: 216
. .
ص: 217
باب علّة تكبير الخمس على الجنازةأجمع الأصحاب على ماذكر في المنتهى (1) والانتصار (2) على وجوب خمس تكبيرات فيها، وهو محكي عن زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وابن أبي ليلى من العامّة. (3) ويدلّ عليه مرفوعة إبراهيم بن هاشم، (4) ومرسلة سليمان بن جعفر، (5) خبر أبي بكر الحضرمي، (6) وقوله صلى الله عليه و آله : «ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، وجعل لموتاكم من كلّ صلاة تكبيرة» فيما يرويه المصنّف في باب [غسل ]الأطفال والصبيان والصلاة عليهم عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، (7) وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «التكبير على الميّت خمس تكبيرات». (8) وعن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله خمساً». (9) وفي الحسن عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «التكبير على الميّت خمس تكبيرات». (10) وعن قدامة بن زائدة، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على ابنه إبراهيم فكبّر عليه خمساً». (11) وعن أبي ولّاد، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير على الميّت، فقال : «خمساً». (12) وفي الحسن عن كليب الأسدي، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير على الميّت، فقال بيده: خمساً. (13) وعن عقبة عن جعفر، قال : سئل جعفر عليه السلام عن التكبير على الجنائز، فقال : «ذاك إلى أهل الميّت ما شاؤوا كبّروا»، فقيل: إنّهم يكبّرون أربعاً، فقال : «ذاك إليهم»، ثمّ قال : «أما بلغكم أنّ رجلاً صلّى عليه عليّ عليه السلام فكبّر عليه خمساً، حتّى صلّى عليه خمس صلوات يكبّر في كلّ صلاة خمس تكبيرات»، قال : ثمّ قال : «إنّه بدريّ عَقبيّ اُحديّ، وكان من النقباء الّذين اختارهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من الاثني عشر، فكانت له خمس مناقب، فصلّى لكلّ منقبة صلاة». (14) وعن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال : «الصلاة على الجنائز: التكبيرة الاُولى استفتاح الصلاة، والثانية يشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه ، والثالثة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى أهل بيته والثناء على اللّه ، والرابعة له، والخامسة يسلّم ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتّى يُحمل السرير من بين يديه». (15) وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن الصادق عليه السلام قال : «لمّا مات آدم فبلغ الصلاة عليه قال هبة اللّه لجبرئيل عليه السلام : تقدّم يا رسول اللّه فصلّ على نبيّ اللّه ، فقال جبرئيل: إنّ اللّه عزّ وجلّ أمرنا بالسجود لأبيك، فلسنا نتقدّم أبرار ولده، وأنت من أبرّهم، فتقدّم وكبّر عليه خمساً عدّة الصلوات الّتي فرضها اللّه عزّ وجلّ على اُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، وهي السنّة الجارية في ولده إلى يوم القيامة». (16) ويؤيّدها: ما رواه مسلم عن زيد بن أرقم: أنّه كبّر على جنازة خمساً وقال : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يكبّرها. (17) وما رواه في المنتهى (18) عن الجمهور، عن سعيد بن منصور، عن زيد بن أرقم؛ أنّه كبّر خمساً فسئل عن ذلك، فقال : سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (19) وعن عيسى مولى حذيفة: أنّه كبّر على جنازة خمساً فقيل له، فقال : مولاي وليّ نعمتي صلّى على جنازة وكبّر عليها خمساً. (20) وعن حذيفة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله فعل ذلك. (21) وعن عليّ عليه السلام أنّه صلّى على سهل بن حنيف وكبّر عليه خمساً. (22) وعنه: أنّ عليّاً عليه السلام كان يكبّر على أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير أهل بدر خمساً. (23) وكان أصحاب معاذ يكبّرون على الجنائز خمساً. (24) والمشهور بين العامّة أنّها أربع تكبيرات، حكاه العلّامة في المنتهى (25) عن الشافعي (26) وأبي حنيفة (27) ومالك (28) وأحمد في إحدى الروايات عنه، وفي رواية اُخرى عنه أنّه يكبّر أربعاً، وفي اُخرى أنّه يتابع الإمام إلى خمس، وفي اُخرى أنّه يتابعه إلى سبع، (29) وعن ابن عبّاس وابن سيرين وأبي الشعثاء جابر بن زيد أنّه يكبّر ثلاثاً. (30) وحكى طاب ثراه عن القرطبي (31) أنّه قال : اختلفت الآثار في ذلك ففي رواية ابن أبي خيثمة أنّه كان يكبّر أربعاً وخمساً وستّاً وسبعاً وثماني، حتّى مات النجاشي فكبّر عليه أربعاً، وثبت عليها حتّى توفّي صلى الله عليه و آله . وقال بعضهم: انعقد الإجماع على أربع ولا نعلم من قال بخمس إلّا ابن أبي ليلى. (32) وقال الآبي: إن زاد الخامسة الإمام لم تبطل الصلاة ولا يُتّبع فيها. واحتجّوا عليه بما رواه اُبيّ بن كعب أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ الملائكة صلّت على آدم فكبّرت عليه أربعاً وقالت: هذه سنّتكم يا بني آدم»، (33) وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على عثمان بن مظعون أربعاً، (34) وكبّر على النجاشي أربعاً. (35) والجواب منع هذه الأخبار؛ لما عرفت من الطريقين من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله والصحابة، لا سيّما خبر الصلاة على آدم عليه السلام . نعم، ثبت أنّه صلى الله عليه و آله كان يكبّر على المنافقين أربعاً، فنعم ما فعلوا حيث أدرجوا أنفسهم فيهم. ودلّ على ذلك ما رواه المصنّف في الحسن عن حمّاد بن عثمان وهشام بن سالم، (36) وقد رواه الشيخ في الصحيح عنهما، (37) وما رواه الشيخ عن إسماعيل بن همّام، عن الرضا عليه السلام قال : «قال أبو عبد اللّه عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كبّر على جنازة خمساً، وصلّى على جنازة وكبّر أربعاً، فالّتي كبّر عليها خمساً حمد اللّه (38) ومجّده في الاُولى، ودعا في الثانية للنبيّ صلى الله عليه و آله ، و [دعا] في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، و [دعا] في الرابعة للميّت، وانصرف في الخامسة، والّتي كبّر عليها أربعاً كبّر وحمد اللّه ومجّده، ودعا في الثانية لنفسه وأهله، (39) ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة، وانصرف في الرابعة ولم يدع له؛ لأنّه كان منافقاً». (40) وما رواه الصدوق في العيون عن الحسن بن النضر، قال : قالت للرضا عليه السلام : (41) ما العلّة في التكبير على الميّت خمس تكبيرات؟ قال : رووا أنّها اشتقّت من خمس صلوات»، فقال : «هذا ظاهر الحديث، أمّا في وجه آخر فإنّ اللّه عزّوجلّ قد فرض على العباد خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والولاية، فجعل للميّت من كلّ فريضة تكبيرة واحدة، فمن قبل الولاية كبّر خمساً، ومن لم يقبل الولاية كبّر أربعاً، فمن أجل ذلك تكبّرون خمساً، ومن خالفكم يكبّرون أربعاً». (42) وقال السيّد في الانتصار : وقد روى مخالفونا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كبّر خمساً، فإذا قيل بإزاء ذلك: أنّه عليه السلام كبّر أربعاً. (43) قلنا: هذه الرواية تحتمل أنّه كبّر أربعاً سُمِعن وجهر بهنّ وأخفى الخامسة، وخبر الخمس غير محتمل. على أنّه لا تنافي بين الخبرين؛ لأنّه من روى أنّه كبّر أربعاً لم يفصح بأنّه ما زاد عليها، ومن كبّر خمساً فقد كبّر أربعاً. (44) ولا يبعد حمل أخبار الأربع الواردة من طرقنا على التقيّة، وقد ظهر فيها خبر زرارة: أنّ الباقر عليه السلام كبّر على ابن ابنه أربعاً، إلى قوله عليه السلام : «إنّما صلّيت عليه من أجل أهل المدينة؛ كراهية أن يقولوا: لا يصلّون على أطفالهم». (45) ويجوز أيضاً حمل الأربع على الدعوات الّتي بين التكبيرات، ويؤيّده: ما رواه أبو بصير، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام جالساً، فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز، فقال : «خمس تكبيرات»، ثمّ دخله آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز، فقال : «أربع صلوات»، فقال الأوّل : جُعلت فداك، سألتك فقلت: خمساً، وسألك هذا فقلت: أربعاً؟! فقال : «إنّك سألتني عن التكبيرة وسألني هذا عن الصلاة»، ثمّ قال : «إنّهنّ خمس تكبيرات [بينهنّ أربع صلوات» ثمّ بسط كفّه فقال : «إنّهنّ خمس تكبيرات بينهنّ أربع صلوات]». (46) وقد حكى في المنتهى عن عبد اللّه بن مسعود أنّه قال : «يكبّر ما كبّر الإمام أربعاً وخمساً وسبعاً وتسعاً». (47) ولعلّ هذا المذهب كان رائجاً بين جماعة من العامّة في عهد الصادق عليه السلام ، وعليه ورد ما رواه عمرو بن شمر، عن جابر، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن التكبير على الجنازة، هل فيه شي?مؤقّت؟ فقال : «لا، كبّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إحدى عشرة، وتسعاً، وسبعاً، وخمساً، وستّاً، وأربعاً». (48) ويحمل الأربع فيه على ما تقدّم من الوجوه، وفي الاستبصار: «ما يتضمّن هذا الخبر من زيادة التكبير على الخمس متروك بالإجماع، ويجوز أن يكون عليه السلام أخبر عن فعل النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه كان يكبّر على جنازة واحدة واثنتين، فيجاء بجنازة اُخرى، فيبتدئ من حيث انتهى خمس تكبيرات، فإذا اُضيف ذلك إلى ما كثر زاد ذلك على الخمس تكبيرات». (49)
.
ص: 218
. .
ص: 219
. .
ص: 220
. .
ص: 221
. .
ص: 222
. .
ص: 223
باب الصلاة على الجنائز في المساجدأجمع أهل العلم على جواز هذه الصلاة في المساجد، وإنّما اختلفوا في كراهتها، فكرهها أكثر الأصحاب (1) وأبوحنفية (2) ومالك (3) وبعض أصحابه في المساجد مطلقاً عدا ما استثني ممّا سيأتي. وإنّما قالوا بها؛ للجمع بين خبر أبي بكر بن عيسى (4) وصحيحة الفضل بن عبد الملك، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل يصلّى على الميّت في المسجد؟ قال : «نعم». (5) وخبر محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام مثلها. (6) واحتجّ أبو حنيفة وأضرابه بخبر أبي داود: «من صلّى على جنازة في المسجد فلا شي?له» ، (7) وبخوف أن ينفجر منه شيء، (8) وبإنكار الصحابة على عائشة لمّا أمرت بالصلاة على سعد في المسجد على ما سيأتي . واستثنوا منها مساجد مكّة معلّلين بأنّ مكّة كلّها مسجد، فلو كرهت في بعض منها يلزم التعميم، وهو خلاف الإجماع. (9) واستثنى أبو حنيفة مسجدا أيضاً اتّخذ للصلاة على الميّت. (10) ونقل عن بعض المتأخّرين عدم كراهتها في مطلق المساجد؛ (11) عملاً بالصحيحة وخبر محمّد بن مسلم، واطّراحاً لخبر أبي بكر بن عيسى؛ لعدم قابليّته للمعارضة لهما؛ لضعفه بجهالة أبي بكر، وضعف موسى بن طلحة في طريقه. وذهب إليه الشافعي وجماعة من العامّة، (12) محتجّين بما رواه مسلم عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن الزبير: أنّ عائشة أمرت أن يمرّ بجنازة سعد بن أبي وقّاص في المسجد ليصلّى عليه، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس ، ما صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على سهيل بن البيضاء إلّا في المسجد. (13) وروى مثلها بسندين آخرين عن عائشة؛ (14) زعماً منهم أنّ عائشة كانت أبصر بذلك من الصحابة.
.
ص: 224
. .
ص: 225
باب الصلاة على المؤمن والتكبير والدعاءيجب فيها على المشهور خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية، بل يظهر من الذكرى كما ستعرف إجماع الأصحاب عليه. وقال المحقّق في الشرائع: «والدعاء بينهن غير لازم». (1) وقال صاحب المدارك: «وربّما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمّنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك». (2) وعلى الأوّل فالظاهر عدم تعيّن دعاء خاصّ؛ للأصل، ولقوله عليه السلام : «ليس في الصلاة على الميّت دعاء مؤقّت» فيما يرويه المصنّف في الباب الآتي، (3) ويؤيّده اختلاف الأدعية المأثورة في الأخبار، وهو خيرة أكثر قدماء الأصحاب. (4) وأوجب العلّامة في أكثر كتبه (5) الشهادتين عقيب الاُولى، والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام عقيب الثانية، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقيب الثالثة، والدعاء للميّت عقيب الرابعة؛ تعويلاً على ما رواه المصنّف في باب علّة تكبير الخمس على الجنازة، عن محمّد بن مهاجر، (6) وما رويناه في ذلك الباب عن إسماعيل بن همّام، (7) وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى، حيث قال : الأقرب وجوب الأذكار الأربعة إلى قوله : والأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفيّة الصلاة كابني بابويه (8) والجعفي (9) والشيخين (10) وأتباعهما (11) وابن إدريس، (12) ولم يصرّح أحد منهم بندب الأذكار، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب. فإن قلت: قد روى زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام : «ليس في الصلاة على الميّت قراءة ولا دعاء مؤقّت إلّا أن تدعو بما بدا لك، وأحقّ الأموات أن يُدعى له أن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله »؛ (13) ولهذا قال ابن الجنيد: ليس بين التكبيرات شيء مؤقّت لا يجوز غيره». قلت: نحن لا نوقّت لفظاً بعينه، بل توجب مدلول ما اشتركت فيه الروايات بأيّة عبارة كانت، ولأنّ الغاية من الصلاة الدعاء للميّت فيجب تحصيلاً لها، فيجب الباقي؛ إذ لا قائل بالفرق. انتهى . (14) نعم، هي أفضل، وهي متعدّدة: منها ما سبق. ومنها: ما رواه المصنّف في الباب. ومنها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الصلاة على الميّت، فقال : «تكبّر، ثمّ تقول : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أئمّة المسلمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى إمام المسلمين، اللّهمّ عبدك فلان وأنت أعلم به، اللّهمّ ألحقه بنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، فافسح له في قبره، ونوّر له فيه، وصعّد روحه، ولقّنه حجّته، واجعل ما عندك خيرا له، وارجعه إلى خير ممّا كان فيه، اللّهمّ عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده، اللّهمّ عفوك، اللّهمّ عفوك، [تقول هذا كلّه في التكبيرة الأولى، ثمّ تكبّر الثانية و تقول : اللهمّ عبدك فلان، اللهمّ ألحِقه نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، وَ افسح له في قبره، و نوّر له فيه، و روحه، ولقِّنه حجّته، وَاجعل ما عندك خيرا له، و ارجعه إلى خير ممّا كان فيه، اللهمّ عندك نحتسبه، فلا تحرِمنا أجره، ولاتفتنا بعده، اللهمّ عفوك، اللهمّ عفوك.]تقول هذا في الثانية والثالثة والرابعة، فإذا كبّرت الخامسة فقل: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات وألّف (15) بين قلوبهم وتوفّني على ملّة رسولك، اللّهمّ اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللّهمّ عفوك، اللّهمّ عفوك؛ وتسلّم» . (16) وعن أبي ولاّد، قال : سألت أبا عبد اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عن التكبير على الميّت، فقال : «خمس تكبيرات، تقول إذا كبّرت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، ثمّ تقول : اللّهمّ إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك [و] ابن عبدك، وقد قبضت إليك روحه، (17) وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غنيّ عن عذابه، اللّهمّ ولا نعلم من ظاهره إلّا خيرا وأنت أعلم بسريرته، اللّهمّ إن كان محسناً فضاعف له إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن إساءته، ثمّ تكبّر الثانية، ثمّ تفعل ذلك في كلّ تكبيرة». (18) قوله في خبر يونس: (ارفع يدك في كلّ تكبيرة) . [ح 5 / 4509] يدلّ على رجحان رفع اليدين في التكبيرات الخمس أجمع. ومثله صحيحة عبد الرحمان العزرمي، قال : صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام على جنازة، فكبّر خمساً يرفع يده فيكلّ تكبيرة. ورواية محمّد بن خالد مولى بني الصيداء: أنّه صلّى خلف جعفر بن محمّد على جنازة، فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة. (19) وما رُوي في المنتهى (20) من طرق العامّة عن ابن عمر، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يرفع يديه في كلّ تكبيرة. (21) وأنّ ابن عمر وأنساً كانا يفعلان ذلك . (22) وإليه ذهب الشيخ في كتابي الأخبار (23) وتبعه المتأخّرون، (24) وعدّه العلّامة في المنتهى أقوى، (25) وهو محكي عن الشافعي (26) وإحدى الروايتين عن مالك، (27) وخصّ السيّد في الناصريات استحبابه بالتكبيرة الاُولى حيث قال : «يرفع يديه في الاُولى منها». (28) ونسبه إلى أبي حنيفة وأصحابه وابن حيّ والثوري، (29) وفي رواية اُخرى عن مالك، (30) وهو مذهب الشيخ في المبسوط والنهاية. (31) ويدلّ عليه خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه كان لا يرفع يده في الجنازة إلّا مرّة واحدة، يعني بالتكبير. (32) وخبر إسماعيل بن أبان الورّاق، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام قال : «كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يرفع يديه في أوّل التكبير على الجنازة، ثمّ لا يعود حتّى ينصرف». (33) وحملا في المشهور على التقيّة، مع ضعفهما بوجود غياث في الأوّل، (34) وسلمة بن الخطّاب في الثاني، (35) ولا يبعد القول بتأكّد الاستحباب في الاُولى وعدم تأكّده في البواقي . وفي المنتهى: «الرفع مستحبّ فجاز تركه في بعض الأوقات؛ لئلا يوهم المداومة عليه الوجوب». (36) وحكى والدي طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : لم يذكر في الحديث رفع الأيدي مع التكبير. واختلف فيه قول مالك، هل يرفع في الجميع أو يدع في الجميع أو يرفع في الاُولى خاصّة؟ وفيه قول رابع يرفع في الاُولى ويتخيّر في غيرها .
.
ص: 226
. .
ص: 227
. .
ص: 228
. .
ص: 229
. .
ص: 230
باب أنّه ليس في الصلاة دعاء مؤقّت وأنّه ليس فيها تسليمالنفي في قوله : «ليس في الصلاة دعاء مؤقّت» متوجّه إلى القيد، والغرض نفي تعيّن الدعاء وذلك، لا ينافي وجوبه على الإطلاق، وقد سبق القول فيه. وهل تجوز القراءة مقامه؟ الظاهر ذلك؛ لأصالة الجواز، وعدم دليل صالح على المنع عنها، ولما رواه عليّ بن سويد، عن الرضا عليه السلام . قال فيما أعلم: قال الرضا عليه السلام في الصلاة على الجنائز: (1) «تقرأ في الاُولى اُمّ الكتاب، وفي الثانية تصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله ، وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو في الرابعة لميّتك، والخامسة تنصرف بها». (2) وقد رواه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أيضاً مثله. (3) وما رواه الشهيد في الذكرى عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن الصادق، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام : «كان إذا صلّى على ميّت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلّي [على النبيّ و آله]». (4) ولا ينافي ذلك نفي القراءة في بعض ما سبق من الأخبار؛ لأنّ الظاهر منه نفي وجوبها، ثمّ إنّها ليست واجبة عند الأصحاب أجمع (5) وأبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وجماعة اُخرى من العامّة؛ (6) على ما حكى عنهم في الخلاف (7) والمنتهى. (8) ونقل في الخلاف وجوبها واشتراطها في صحّة الصلاة عن العبادلة (9) والشافعي وأحمد، (10) محتجّين بخبر جابر بن عبد اللّه : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كبّر على الميّت أربعاً، وقرأ بعد التكبيرة باُمّ القرآن. (11) وبقوله صلى الله عليه و آله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب». (12) وبأنّها صلاة تجب فيها القيام فوجب القراءة أيضاً كسائر الصلوات. (13) وفيه : أنّ الخبر الأوّل لو صحّ فإنّما يدلّ على الجواز، بل هو أظهر للجمع بينه وبين ما رواه عن ابن مسعود، قال : «لم يوقّت لنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صلاة الجنازة قولاً ولا قراءة، اختر من طيّب القول ما شئت». (14) والخبر الثاني مخصوص بغير صلاة الجنازة، للجمع، ودفع الأخير واضح. (15) وهل تكره؟ الظاهر لا؛ لما ذكر. ورجّحه الشهيد في الذكرى معلّلاً؛ «بأنّ القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهي عنه، والأخبار خالية عنه وغايتها النفي، وكذا كلام الأصحاب». (16) وصرّح الشيخ في الخلاف بكراهتها محتجّاً بإجماع الفرقة وأخبارهم، ونسبها إلى أبي حنيفة وأضرابه. (17) وأنت خبير بأنّ الأخبار لا تدلّ على النهي عنها، بل إنّما تدلّ على نفي وجوبها كما عرفت. وفي الذكرى: «ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة فضلاً عن الإجماع عليها». (18) ولقد بالغ في التهذيب وقال بحرمتها، حيث حمل ما تقدّم من الخبرين على الوهم من الراوي، وأيّده بأنّ الراوي في الخبر الأوّل لم يكن متيقّناً في نقله عن الرضا عليه السلام ، بل كان شاكّاً، وما يكون الراوي شاكّاً فيمن يخبر عنه يجوز أن يكون قد وهم في قوله يقرأ باُمّ الكتاب، ثمّ حمله على التقيّة، (19) فتأمّل. وأمّا التسليم ، فقد نفاه العلّامة في المنتهى مدّعياً عليه إجماع علمائنا، (20) وحكاه عن النخعي، وحكى عن أكثر الجمهور مشروعيّته، (21) ويفهم منه أنّه أراد بنفيه نفي مشروعيّته لا نفي وجوبه فقط. واحتجّوا عليه بما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي وزرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامقالا : «ليس في الصلاة على الميّت تسليم». (22) وعن إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميّت، فقال : أمّا المؤمن فخمس تكبيرات، وأمّا المنافق فأربع، ولا سلام فيها. (23) واحتجّ عليه في الانتصار بإجماع الطائفة، وبأنّ صلاة الجنازة مبنيّة على التخفيف؛ لأنّه قد حذف منها الركوع والسجود وهما أوكد من التسليم، فغير منكر أن يحذف التسليم. (24) وأنت خبير بأنّ هذه الأدلّة إنّما تدلّ على نفي وجوبه لا على عدم مشروعيّته. وإجماع الأصحاب أيضاً إنّما انعقد عليه على ما حكاه في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «أمّا شرعيّة التسليم استحباباً أو جوازا، فالكلام فيه كالقراءة؛ إذ الإجماع المعلوم فيه إنّما هو على عدم وجوبه». (25) وقال الشهيد في الذكرى: «أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها». (26) وهو أيضاً ظاهر في أنّ المجمع عليه هو نفي الوجوب كما لا يخفى. وقد صرّح بعض الأصحاب بجوازه، فقد قال ابن الجنيد على ما حكى عنه في الذكرى _ : «لا أستحبّ التسليم فيها، فإن سلّم الإمام فواحدة عن يمينه». (27) وهذا يدلّ على شرعيّته، فالقول بجوازه أظهر؛ للأصل، وعدم دليل يعتدّ به على المنع، بل لايبعد القول باستحبابه؛ للجمع بين ما ذكر، وبين قوله عليه السلام : «وتسلّم» وقوله عليه السلام : «فإذا فرغت [منها] سلّمت عن يمينك» فيما تقدّم من موثّقة عمّار، (28) ومضمرة سماعة، (29) وقوله عليه السلام : «والخامسة يسلّم» في خبر المنقري، (30) وقد تقدّم أيضاً. ويؤيّدها ما رواه المصنّف في باب جنائز الرجال والنساء والأحرار والعبيد في موثّق عمّار من قوله: «وسئل عن ميّت صلّي عليه، فلمّا سلّم الإمام فإذا الميّت مقلوب». (31) وعلى المشهور حملت هذه على التقيّة. وذكر الشيخ في الخلاف أنّ جميع الفقهاء من العامّة اتّفقوا على مشروعيّته، وأنّهم إنّما اختلفوا في وجوبه واستحبابه، وأنّ كيفيّة التسليم عندهم ككيفيّته في باقي الصلوات. (32) وفي الانتصار: أنّ أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنّه تسليم عن يمينه وعن يساره. (33) قال مالك: يسلّم الإمام واحدة ويُسمع من يليه، ويُسلّم مَن وراءه واحدة في أنفسهم، وإن أسمعوا من يليهم فلا بأس. (34) وقال الثوري: يسلّم عن يمينه تسليمة خفيفة. (35) وقال ابن حيّ: (36) يسلّم عن يمينه وعن شماله بخفية ولا يجهر به (37) وقال الشافعي مثل قول ابن حيّ في العدد والمنع من الجهر (38) . (39)
.
ص: 231
. .
ص: 232
. .
ص: 233
. .
ص: 234
. .
ص: 235
باب من زاد على خمس تكبيراتقال العلّامة في المختلف: «المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميّت»، (1) وخصّها ابن إدريس بالصلاة جماعة، (2) وقيّدها الشيخ في الخلاف بمن صلّى عليه. (3) والظاهر عدم الكراهة للإمام؛ لما ثبت من تكرير النبيّ صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام الصلاة على حمزة وعلى سهل بن حنيف، ودلّ عليه أخبار الباب. (4) ولا لمن لم يصلّ عليه؛ لما ثبت من تكرير الصحابة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله واحدا بعد واحد. (5) وما رواه الشيخ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج في جنازة امرأة من بني النجار، فصلّى عليها فوجد الحَفَرَة لم يمكّنوا، فوضعوا الجنازة، فلم يجيء قوم إلّا قال لهم: صلّوا عليها». (6) وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلّى عليه». (7) وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الجنازة لم أدركها للصلاة حتّى بلغت القبر، قال : «إن أدركتها قبل أن تُدفن، فإن شئت فصلّ عليها». (8) والأكثر إنّما قالوا بالكراهة؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة عليها، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الجنازة لا تصلّى عليها مرّتين، ادعوا له وقولوا خيرا». (9) ووهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاءه ناس فقالوا: لم ندرك الصلاة عليها، فقال : لا تصلّى على جنازة مرّتين، ولكن ادعوا له» . (10) والأظهر الجمع بعدم تأكّد الاستحباب، كما يشعر به قوله عليه السلام : «فإن شئت فصلّ عليها» في موثّق يونس بن يعقوب المتقدّم. هذا، والظاهر في المكررة نيّة الندب؛ لسقوط الفرض بالاُولى. وفي المدارك: «وجوّز المحقّق الشيخ عليّ إيقاعها بنيّة الوجوب اعتبارا بأصل الفعل، (11) ولا وجه له». (12) وهل يجب الصلاة على من دُفن بغير صلاة؟ الظاهر ذلك، وبه صرّح العلّامة في المختلف؛ (13) للروايات الدالّة على وجوب الصلاة على الميّت مطلقاً من غير تقييد بما قبل الدفن، كقوله صلى الله عليه و آله : «لا تَدَعُوا أحدا من اُمّتي بلا صلاة»، (14) وقوله عليه السلام : «صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على اللّه »، (15) وغيرهما. ويؤيّدها صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميّت بعدما يدفن». (16) وخبر مالك مولى الجهم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا فاتتك الصلاة على الميّت حتّى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن»، (17) وقريب منهما خبر اُخرى. (18) وما رواه مسلم عن ابن نمير، قال : انتهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى قبر رطب، فصلّى عليه وصلّوا خلفه وكبّر أربعاً. (19) وله في ذلك روايات اُخرى. وهو المشهور بين الأصحاب منهم العلّامة في المختلف، (20) ولكن اختلفوا في تحديده، فذهب الأكثر إلى يوم وليلة، وقالوا بعدم جوازها بعده، (21) وعن سلّار: «أنّه يصلّى عليه إلى ثلاثة أيّام»، (22) وعن ابن الجنيد: «أنّه يصلّى عليه ما لم يتغيّر صورته»، (23) ولم أجد مستندا لهذه التقديرات، وأطلقها الصدوق من غير تقدير وقت، (24) وهو أظهر. وقال المحقّق الأردبيلي: «والّذي يقتضيه النظر وجوب الصلاة [على قبر ميّت لم يصلّ عليه] ما دام الميّت باقياً ويصدق عليه الميّت، بحيث لو كان على تلك الحالة خارجاً عن القبر يصلّى عليه». (25) وفي المنتهى: «الأقوى عندي أنّها بعد الدفن ليست بواجبة؛ لأنّه بدفنه خرج عن أهل الدنيا، فساوى البالي في قبره». (26) وظاهره جوازها كما هو مذهب المحقّق في المعتبر، حيث جزم فيه بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن وقال : «ولا أمنع الجواز» (27) محتجّاً عليهما بما ذكر من دليل المنع والجواز، وهو ظاهر الشيخين (28) وابن إدريس (29) حيث عبّروا بالجواز وكأنّهم قالوا بذلك للجمع بين ما ذكر وبين ما يرويه المصنّف قدّس سرّه في باب من يموت في السفينة في الموثّق عن عمّار بن موسى، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر، فهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجلٍ ميّتٍ عريان قد لفظه البحر، وهم عراة ليس معهم إزار، كيف يصلّون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يلفّونه فيه؟ قال : «يحفر له ويوضع في لحده، ويوضع اللبن على عورته لستر عورته باللبن، ثمّ يصلّى عليه، ثمّ يُدفن». قال : قلت: فلا يصلّى عليه إذا دفن؟ قال : «لا، لا يصلّى على الميّت بعدما يدفن، ولا تصلّي عليه وهو عريان حتّى تواري عورته». (30) قال طاب ثراه: ومثله رواية محمّد بن أسلم أو مسلم (31) عن رجل من أهل الجزيرة، عن الرضا عليه السلام قال : «لا يصلّون عليه وهو مدفون». (32) ورواية محمّد بن مسلم أو زرارة، قال : «الصلاة على الميّت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء». قال : قلت: والنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لا، إنّما دعا له». (33) وبالجملة، فلم أجد تصريحاً بعدم الجواز على من لم يصلّ عليه قبل الدفن من أحد، بل ظاهر الأكثر جوازها لمن لم يصلّ على الميّت وإن كان الميّت قد صُلّي عليه قبل الدفن. نعم، منع في المختلف جوازها على من صلّى عليه قبل الدفن، (34) والأظهر والأحوط هو الأوّل؛ لأنّ عمّارا مع عدم صحّته ما كان ضابطاً، فلا يعتمد على ما تفرّد بروايته لاسيّما مع معارضته لغيره. على أنّه قابل للتأويل بإرادة عدم جواز الصلاة عليه بعد الدفن فيما إذا أمكن الصلاة عليه قبله بستر العورة باللبن، بل هو ظاهر الخبر، ورواية ابن أسلم ضعيفة باشتراكه بين الغالي والمجهول، (35) وبالإرسال. وأمّا خبر محمّد بن مسلم فالترديد بينه وبين زرارة ممّا يوجب القدح فيه؛ لأنّه مناف للضبط وموجب لضعف الخبر، وقطعه أيضاً موجب لعدم الاعتماد عليه ، مع أنّه معارض بما هو ظاهر في أنّه عليه السلام صلّى على النجاشي الصلاة المتعارفة على الموتي. واحتمل المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه حمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة بالمعنى المشهور، يعني في العبادات، بمعنى أقلّ ثواباً، وقال : «فلا يدلّ على نفي الوجوب أيضاً». واحتمل أيضاً اختصاصه بمن صلّى عليه ثمّ قال : «وبالجملة، شغل الذمّة ظاهر ، والخروج عن العهدة والبراءة غير ظاهر، والاحتياط يقتضي الوجوب». (36) وقال طاب ثراه: واختلف علماء العامّة فيه، فقال محي الدين البغوي: إن دفن الميّت بغير صلاة فالمشهور أنّه يصلّى عليه، وأمّا الصلاة على قبر من صلّي عليه فالمشهور أنّه لا يصلّى عليه، وبه قال أبو حنيفة، قال : إلّا أن يكون وليّ الميّت. وعن مالك أيضاً والشافعي جوازه، كذا نقل عنه الآبي في كتاب إكمال الإكمال . (37)
.
ص: 236
. .
ص: 237
. .
ص: 238
. .
ص: 239
. .
ص: 240
باب الصلاة على المستضعف وعلى من لا يُعرفالمراد بالمستضعف على ما ذكره جماعة منهم الشهيد في الذكرى: «من لا يعرف الحقّ، ولا يعاند أهل الحقّ، ولا يوالي أحدا بعينه». (1) ونقل عن المفيد أنّه فسّره في الغَريّة بالّذي يعترف بالولاء ويتوقّف عن البراء. (2) وفسّره ابن إدريس بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب، ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقادهم. (3) وقال صاحب المدارك: «والتفسيرات متقاربة». (4) والمراد بمن لا يُعرف على البناء للمفعول من لايُعرف دينه ومذهبه، ولا خلاف بين الأصحاب في وجوب الصلاة عليهما، ولا في سائر أحكام الأموات، وإنّما الخلاف بينهم في المخالف المعتقد لغير الحقّ، وسيأتي. لكن في الصلاة على الأوّل يدعا له دعاء المستضعفين، وعلى الثاني يدعا له مشروطاً بمحبّته للخير وأهله، كما يدلّ عليه حسنة الحلبي (5) واشتهر بين الأصحاب، أو بدعاء المستضعفين؛ لحسنة محمّد بن مسلم. (6) وقال الصدوق في دعائه: «اللّهمّ إنّ هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتّها، اللّهمّ ولّها ما تولّت واحشرها مع من أحبّت». (7) وكأنّه تمسّك بخبر ثابت بن أبي المقدام (8) حملاً للميّت فيه على المجهول .
.
ص: 241
باب الصلاة على الناصبالمراد بالناصب في هذا المقام مطلق المخالف للحقّ وإن كان محبّاً لأهل البيت عليهم السلام كما اختاره جماعة منهم الشهيد في الدروس، (1) ويشعر به قوله عليه السلام : «إن كان جاحدا للحقّ» في حسنة محمّد بن مسلم. (2) ويحتمل إرادة مبغض أهل البيت عليهم السلام كما اختاره في الذكرى؛ (3) لقوله عليه السلام : «ويبغض أهل بيت نبيّك». في أخبار عامر بن السمط (4) والجمّال (5) والبزنطي. (6) ويؤيّدها صحيحة حمّاد بن عثمان الناب أو مرسلته. (7) وظاهر الأكثر وجوب الدعاء على المخالف مطلقاً في الصلاة عليه، وهو ظاهر الأمر. وفي الذكرى: «أنّ الدعاء على هذا القسم يعني المخالف غير واجب؛ لأنّ التكبير عليه أربع وبها يخرج عن الصلاة». (8) ولا يخفى أنّ عدم وجوب التكبيرة الخامسة لا ينافي وجوبه؛ لإمكانه في باقي التكبيرات، وظاهر بعض الأخبار المشار إليها كونه عقيب [الاولى] . (9) وقد حكى فيه عن الشيخ (10) وابن البرّاج (11) أنّهما لم يصرّحا بلعن غير الناصب في الصلاة عليه. (12) وأمّا الصلاة عليه فهل هي واجبة في غير التقيّة؟ فالمشهور بين الأصحاب العدم في النواصب والخوارج والغلاة، (13) بل لم أجد مخالفاً منهم إلّا ما نقله الشهيد في الذكرى عن الشيخ أنّه أوجبها على الباغي في باب قتال أهل البغي من الخلاف؛ محتجّاً بالعمومات، (14) وهو غريب؛ لأنّه ينافي الحكم بكفرهم ظاهرا أيضاً. واختلفوا في غير هؤلاء، فاشتهر بين المتأخّرين وجوبها؛ (15) لإطلاق الأخبار الواردة في الصلاة عليه من غير تقييد بحال الخوف والتقيّة، وذهب جماعة منهم الشيخان في المقنعة (16) والتهذيب (17) وابن إدريس في السرائر (18) إلى عدم جوازها. واحتجّ عليه في التهذيب والسرائر بتظافر الأخبار على كفرهم، وتواترها والإجماع على عدم جوازها على الكافر، وهو ظاهر السيّد المرتضى، حيث حكم بكفرهم مطلقاً، (19) وظاهر سلّار أيضاً، حيث اشترط في الغسل على ما حكي عنه اعتقاد الحقّ، (20) ولا قائل بالفصل، فتدبّر. قوله في حسنة حمّاد بن عثمان: (فسكت) إلخ. (21) [ح 1 / 4523] لعلّ منشأ السكوت أنّه صلى الله عليه و آله كره إفشاء سرّ المنافقين، ثمّ لمّا ألحّ عمر في السؤال ولَجَّ فيه أجابه صلى الله عليه و آله على وجه الضجر بأنّ النهي إنّما وقع عن الدعاء له لا عن الدعاء عليه، وهذا هو السرّ في قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «فابدأ من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يكره»، أي من إبداء أثر الغضب في وجهه وقد كان صلى الله عليه و آله كارهاً لذلك أبدا. ويؤيّده قوله صلى الله عليه و آله : «ويلك وما يدريك ما قلت». قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (وذلك قاله أبو جعفر عليه السلام لامرأة سوء من بني اُميّة صلّى عليها أبي فقال هذه المقالة: واجعل الشيطان لها قريناً) . [ح 5 / 4527] قوله: «لامرأة سوء» متعلّق «بقاله»، وفاعل قال في قوله: «فقال» أبوه صلوات اللّه عليه، و «هذه» إشارة إلى قوله: «واجعل الشيطان لها قريناً»، وذلك إلى آخره جملة معترضة من المصنّف قدّس سرّه، يعني أنّه قد ورد بسندٍ آخر عن غير محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «صلّى أبي على امرأة من بني اُميّة فقال بعد ما دعا عليها: واجعل الشيطان لها قريناً» .
.
ص: 242
. .
ص: 243
. .
ص: 244
باب الجنازة توضع وقد كبّر على الأوّلةإذا حضرت جنازة في أثناء الصلاة على جنازة فالأفضل مع عدم الخوف على الثانية إتمام الصلاة على الاُولى واستئناف صلاة اُخرى على الثانية، ويجوز التشريك بينهما فيما بقي، فينوي بقلبه الصلاة على الثانية أيضاً ويكبّر تكبيرا مشتركاً بينهما، كما لو حضرتا ابتداءً، ويدعو لكلّ واحدة بوظيفتها من الدعاء مخيّرا في التقديم إلى أن يكمل الاُولى، ثمّ يكمل ما بقي من الثانية. وبعد الفراغ من الاُولى يتخيّر أولياؤها بين تركها بحالها حتّى تكمل الصلاة على الثانية وبين رفعها. ويدلّ على ذلك صحيحة عليّ بن جعفر. (1) وذهب إليه جماعة منهم الشهيدان، (2) وذهب الصدوق إلى التخيير بين قطع الصلاة الاُولى واستئناف صلاة عليهما، وبين ترك الثانية حتّى يفرغ من هذه الصلاة، فيستأنف صلاة عليها. (3) وإليه ذهب جماعة منهم (4) العلّامة؛ (5) محتجّين بتلك الصحيحة. وأورد عليه الشهيد في الذكرى بقصورها عن الدلالة عليه، مع أنّه يحرم قطع الصلاة الواجبة، ثمّ قال : «نعم لو خيف على الجنازة الثانية قطع الصلاة ثمّ استأنف عليهما؛ لأنّه قطع لضرورة»، (6) فتأمّل.
.
ص: 245
باب في وضع الجنازة دون القبراشتهر بين الأصحاب استحباب نقل الرجل الميّت إلى القبر من قبل رجليه بثلاث دفعات، (1) ولم أجد شاهدا عليه، والأخبار الواردة فيه إنّما دلّ على نقله إليه مرّتين، (2) وعمل بمضمونها المحقّق في المعتبر، (3) وهو ظاهر المصنّف قدّس سرّه، ومنقول في الذكرى (4) عن ابن الجنيد. وأمّا الأخبار فمنها: ما رواه المصنّف في الباب. ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «ينبغي أن يوضع الميّت دون القبر هنيئة ثمّ واره». (5) وعن ابن سنان، عن محمّد بن عطيّة، قال : «إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تفدحه (6) ، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتّى يأخذ اُهبته، ثمّ ضعه في لحده، والصق خدّه بالأرض، وتحسر عن وجهه، ويكون أولى الناس به ممّا يلي رأسه، ثمّ ليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد والمعوّذتين وآية الكرسي، ثمّ ليقل ما يعلم حتّى ينتهي إلى صاحبه». (7) وعن محمّد بن سنان، عن محمّد بن عجلان، قال سمعت صادقاً يصدق على اللّه يعني أبا عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا جئت بالميّت إلى قبره فلا تفدحه بقبره، ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع، ودعه حتّى يتأهّب القبر، ولا تفدحه به، فإذا أدخلته فليكن أولى الناس به عند رأسه، وليحسر عن خدّه وليلصق خدّه بالأرض، وليذكر اسم اللّه ، وليتعوّذ من الشيطان، وليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو اللّه والمعوّذتين وآية الكرسي، ثمّ ليقل ما يعلم، ويسمعه تلقينه: شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، ويذكر ما يعلم واحدا واحدا» . (8)
.
ص: 246
باب نادريذكر فيه ما يدلّ على فضيلة القيام عند مرور جنازة يهودي عليه، والعلّة فيه كراهة أن يعلو رأسه جنازته. ويؤيّده ما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه ، قال : قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله لجنازة مرّت به حتّى توارت. (1) وعن عليّ بن أبي طالب أنّه قال : «رأينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قام ثمّ قعد» (2) يعني في الجنازة. وقال طاب ثراه: ذكر مسلم في صحيحه ثمانية أحاديث دلّ بعضها على الأمر بالقيام لها، وبعضها على قيامه صلى الله عليه و آله لها، وأربعة أحاديث على أنّه قام لها ثمّ قعد، (3) واختلف فقهاؤهم، فقال القاضي القرطبي: الأمر بالقيام منسوخ بأنّه قام ثمّ قعد، وأنّه إنّما أمر بذلك تأسيّاً بأهل الكتاب على أصله فيما لم ينزل عليه فيه شي? ثمّ أمر بالقعود؛ لأنّه سمع يهوديّاً يقول كذلك نفعل، فأمر بالقعود، وقال : «خالفوهم». (4) وقال ابن الماجشون: ليس هذا الأمر بنسخ وإنّما هو على التوسعة والتخيير. وقال المارزي: المشهور عندنا أنّه منسوخ، فالقيام ليس بمستحبّ، والقعود لبيان جواز الترك. ولمّا عمّموا الحكم قال بعضهم: إنّ العلّة فيه تهويل الموت ولفظيعة التنبيه على أنّه ممّا ينبغي أن يُقلق منه ويُضطرب ولا يثبت على حال. وقيل: إنّه تعظيم للميّت، وهذه العلّة مختصّة بجنازة المؤمن، (5) فكأنّ هؤلاء خصّصوه بجنازته .
.
ص: 247
باب دخول القبر والخروج منهأراد قدّس سرّه بيان استحباب دخول القبر حافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة، محلول الإزرار، لإنزال الميّت إليه والخروج من قبل رجليه مطلقاً، وهو المشهور بين الأصحاب. (1) وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه استحبّ في قبر المرأة الخروج من قبل الرأس؛ معلّلاً بأنّه أبعد من العورة. (2) ويردّه إطلاق الأخبار، وإنّما استحبّ الخروج من قبل الرجلين رعاية لحرمة الميّت، فلا يستحبّ الدخول من ذلك الجانب؛ لأنّ الدخول إنّما يكون قبل إدخال الميّت فيه؛ ولإطلاق الأخبار في الدخول، بل مرفوعة سهل بن زياد (3) صريحة في ذلك. واستحبّه أيضاً العلّامة (4) محتجّاً بقوله عليه السلام : «إنّ لكلّ بيت باباً وإنّ باب القبر من قبل الرجلين» في الرواية الاُخرى الّتي رواها المصنّف قدس سره. (5) وفيه : أنّ القبر إنّما يصير بيتاً للميّت بعد وضعه فيه، فقبله لا تفاوت بين جهاته. ويردّه أيضاً ما ذكر. نعم، لو دخل داخل بعد وضعه فيه للتلقين ونحوه كان استحباب ذلك وجيهاً .
.
ص: 248
باب من يدخل القبر ومن لا يدخلاشتهر بين الأصحاب كراهة نزول ذي الرحم في القبر مطلقاً إلّا في المرأة، فإنّه يستحبّ نزوله معها؛ لكونها عورة. (1) أمّا الأوّل فلم أجد لعمومه مستندا، بل ظاهر أخبار عبد اللّه بن راشد (2) عدم كراهة نزول الولد في قبر والده فغيره أولى بعدم الكراهة. والأقوى الاقتصار على مورد النصّ، وهو نزول الوالد في قبر ولده. وأمّا الثاني فيدلّ عليه خبر السكوني. (3) والزوج أولى من كلّ أحد لخبر إسحاق بن عمّار، (4) والمشهور أنّ الرجال المحارم بل مطلقاً أولى بذلك في المرأة من النسوان، لاحتياج وضع الميّت في القبر إلى البطش والقوّة، ولأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا ماتت ابنته أمر أبا طلحة فنزل في قبرها. (5) وحكى في المنتهى عن أحمد في إحدى الروايتين عنه أنّ النسوان أولى بذلك فيها محتجّين بأنّهنّ أولى بالغسل فكذا في الدفن. (6) وأجاب عنه بالفرق بأنّ الغسل يمكنهنّ فعله؛ لعدم احتياجه إلى قوّة وبطش، واحتياجه إلى رؤية عورة المرأة، بخلاف محلّ النزاع. (7) ولا يبعد القول بأولويّتها من الأجانب إذا كانت ذات بطش وقوّة. قوله في صحيحة زرارة: (ذاك إلى الوليّ) إلخ. [ح 4 / 4544] في المنتهى: لا توقيت في عدد من ينزل القبر، وبه قال أحمد، (8) وقال الشافعيّ: يستحبّ أن يكون العدد وترا. (9) لنا: أنّ الاستحباب حكم شرعيّ فيقف عليه، ولم يثبت، بل المعتبر ما يحتاج الميّت إليه باعتبار ثقله وخفّته، وقوّة الحامل وضعفه. وأيّده بهذه الصحيحة، ثمّ قال : واحتجّ الشافعي بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أنزله في القبر عليّ والعبّاس، واختلف في الثالث، فقيل: الفضل بن [العبّاس، و قيل: ]اُسامة بن زيد. (10) والجواب لعلّ ذلك وقع اتّفاقاً، ومع ذلك فقد روى أبو مرحب بن عبد الرحمان بن عوف، قال : فكأنّي أنظر إليهم أربعة (11) . (12)
.
ص: 249
. .
ص: 250
باب سلّ الميّت وما يقال عند دخول القبرفي المُغرِب: السلّ: انتزاع (1) الشيء من الشيء بجذبٍ [و نَزعٍ]، كسلّ السيف من الغمد، والشعرة من العجين، يقال : سلّه فانسلّ، ومنه: سُلّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قِبَل رأسه، أي نُزع من الجنازة إلى القبر. (2) والمشهور بين الأصحاب استحباب سلّ الرجل من قبل رجلي القبر، وإنزال المرأة إليه عرضاً من جهة القبلة، (3) وهو منقول عن عبد اللّه بن عمر وأنس والنخعي والشعبي والشافعي وأهل الظاهر من العامّة. (4) ويدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب وفي بعض ما سبق، وما رواه الجمهور عن عبد اللّه بن سديد الأنصاري: أنّ الحارث أوصى أن يليه عند موته، فأدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال : هذه السنّة. (5) وما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن هارون رفعه، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا أدخل الميّت القبر إن كان رجلاً سُلّ سلّاً، والمرأة تؤخذ عرضاً، فإنّه أستر». (6) وعن زيد بن عليّ، عن آبائه عليهم السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : «يُسَلّ الرجل سلّاً، وتستقبل المرأة استقبالاً». (7) وعن أبي حنيفة وأصحاب الرأي من العامّة استحباب إنزال المرأة عرضاً من جهة القبلة مطلقاً محتجّين بما نقلوه عن إبراهيم النخعي، قال : «حدّثني من رأى أهل المدينة في الزمان الأوّل يدخلون موتاهم من قبل القبلة، وأنّ السلّ شي?أحدثه أهل المدينة». (8) واُجيب بضعف الحكاية، بدليل أنّ النخعي ذهب إلى خلافه على ما نقلناه عنه. على أنّ ذلك خبر واحد لا يعارض ما اتّفق عليه أهل الحرمين وروي من الطريقين . قوله في خبر الإسكاف : (وليكشف خدّه الأيمن حتّى يفضي به الأرض) . [ح 5 / 4553] قال طاب ثراه: فيه دلالة على وجوب إضجاعه على جانبه الأيمن كما هو مذهب أكثر الأصحاب؛ إذ لا يتصوّر وضع خدّه الأيمن على الأرض بدون ذلك. وكأنّ الفاضل الأردبيلي لم يتفطّن به أو لم يعتبره، حيث قال : «ولعلّ دليل وجوب الاضجاع المذكور فعلهم عليهم السلام والتأسّي بهم، وفعل الصحابة والتابعين والعلماء، وفي إفادة ذلك الوجوب تأمّل واضح وما رأيت غيره دليلاً، فقول ابن حمزة بالاستحباب غير بعيد، إلّا أن يعلم الإجماع أو دليل آخر». (9) انتهى. أقول : ويدلّ أيضاً عليه قوله عليه السلام في خبر عجلان الّذي رواه المصنّف قبل ذلك الخبر : «وإن قدر أن يحسر عن خدّه ويلزقه بالأرض فعل». (10) ومثله فيما رواه في باب دخول القبر قبل هذا الباب في الحسن عن عليّ بن يقطين ، (11) وهو ظاهر. وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، والظاهر أنّه عبد اللّه وفضالة، عن أبان جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «البُرد لا يُلَفّ ولكن يطرح عليه طرحاً، فإذا اُدخل القبر وضع تحت جنبه». (12) وحكى في المنتهى عن الشافعي استحبابه. (13) قوله في حسنة محمّد بن مسلم: (واخلف على عقبه في الغابرين) . [ح 6 / 4554] يقال : خلفه يخلفه، إذا قام مقامه في رعاية اُمور أولاده ومن يحذو حذوهم. والغابر من الأضداد، (14) والمراد هنا الباقي، أي كن خليفته فيمن بقى بعده من ورثته ولا تكلهم إلى غيرك فتذلّهم .
.
ص: 251
. .
ص: 252
. .
ص: 253
باب ما يُبسط في اللحد ووضع اللبن والآجر والساجاللحد: الشقّ الّذي يُعمل في جانب القبر لموضع الميّت، وإنّما سُمّي به لأنّه قد اُميل عن وسط القبر إلى جانبه، (1) من الإلحاد: الميل والعدوان عن الشيء. ويستحبّ ذلك؛ لقوله عليه السلام : «اللحد لنا، والشقّ لغيرنا». (2) ولرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحّد له أبو طلحة الأنصاري». (3) ويشعر به بعض الأخبار الّتي في الباب الآتي. ولو كانت الأرض رخوة يعمل له شبه اللحد من بناء، صرّح به جماعة منهم المحقّق في المعتبر. (4) واعلم أنّه اشتهر بين الأصحاب كراهة فرش القبر بالساج ونحوه، إلّا عند الضرورة لنداوة الأرض وشبهها؛ (5) محتجّين بمكاتبة عليّ بن بلال، (6) وفي دلالتها على الكراهة في غير الضرورة تأمّل؛ لأنّ التقييد بنداوة الأرض إنّما يكون في كلام السائل، فمفهومه ليس بحجّة ولو قلنا بحجّيّة المفهوم، بل ظاهر خبر يحيى بن أبي العلاء (7) استحباب افتراشه بثوب. ويؤيّده ما ثبت من قوله عليه السلام : «حرمة المسلم ميّتاً كحرمته حيّاً». (8) ولا معارض لذلك من الأخبار، وهو ظاهر المصنّف قدّس سرّه. ولقد بالغ من قال بحرمته؛ معلّلاً بأنّه إسراف على ماحكى طاب ثراه عن بعض الأصحاب وفيه منع كونه إسرافاً؛ لرعاية حرمة المىّ. وفي الذكرى: ويستحبّ وضع التربة معه، قاله الشيخان (9) ولم يعلم مأخذه، والتبرّك بها كاف في ذلك، والأحسن جعلها تحت خدّه كما قاله المفيد في المقنعة، (10) وفي العزية: «في وجهه». وكذا في اقتصاد الشيخ. (11) وقيل: «تلقاء وجهه». (12) وقيل: «في الكفن». وفي المختلف: «الكلّ [عندى ]جائز». (13) وقد نقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لفاحشة كانت تصنع، فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها، فاستقرّت. قال الشيخ نجيب الدين بن يحيى (14) في درسه: «يصلح أن يكون هذا مستمسكاً». إلى هنا كلام الذكرى. (15) وقال العلّامة: ويستحبّ أن يجعل معه شيئاً من تربة الحسين عليه السلام طلباً للبركة والاحتراز من العذاب والستر من العقاب، فقد روي أنّ امرأة كانت تزني وتضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفاً من أهلها، ولم يعلم به غير اُمّها، فلمّا ماتت ودفنت فاُكشف (16) التراب عنها ولم تقبلها الأرض، فنُقلت عن ذلك الموضع إلى غيره، فجرى بها ذلك، فجاء أهلها إلى الصادق عليه السلام وحكوا له القصّة، فقال لاُمّها : «ما كانت تصنع في حياتها [من المعاصي]؟» فأخبرته بباطن أمرها، فقال عليه السلام : «إنّ الأرض لا تقبل هذه؛ لأنّها كانت تعذّب خلق اللّه بعذاب اللّه ، اجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين عليه السلام »، ففُعل ذلك، فسترها اللّه تعالى. (17) أقول : لم أجد هذا الخبر في شي?من الاُصول، قد روى الشيخ في باب حدّ حرم الحسين عليه السلام من التهذيب عن محمّد بن أحمد بن داوود، عن أبيه، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال : كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن طين قبر الحسين عليه السلام يوضع مع الميّت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نَسَختُ : «يوضع مع الميّت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء اللّه ». (18) وهو دليل شاف، فإنّ ظاهر الخبر فيه الأمر. قوله في خبر يحيى بن أبي العلاء : (ألقى شقران) ، إلخ. [ح 2 / 4561] في التقريب: «هو بضمّ المعجمة وسكون القاف مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله قيل: اسمه صالح، شهد بدرا وهو مملوك، ثمّ اُعتق، أظنّه مات في خلافة عثمان». (19) قوله في صحيحة أبان بن تغلب: (جعل عليّ عليه السلام على قبر النبيّ صلى الله عليه و آله لبناً) . [ح 3 / 4562] قل طاب ثراه عن المازري عن بعضهم: «أنّ عدد لبناته تسع». (20) ويستحبّ شرج اللبن ونحوه من الحجر والقصب والخشب ونضده بالطين وشبهه على وجه يمنع وصول التراب إلى جسد الميّت . (21) قال بعض العامّة: «أفضل ما يلحد به الميّت اللبن، ثمّ الألواح، ثمّ القراميذ (22) ، ثمّ القصب، ثمّ شنّ التراب، وهو خير من التابوت». (23) وكره بعضهم التابوت. وقيل: إنّه مكروه عند العلماء أجمع. (24) ويكره وضع ما مسّته النار كالآجرّ والخزف ونحوهما على المشهور، وعلّله في المنتهى بأنّه من بناء المترفين، وبأنّ فيه تطيّرا. (25) و يشكل إثبات حكم شرعيّ بهما .
.
ص: 254
. .
ص: 255
. .
ص: 256
باب من حثى على الميّت وكيف يُحثىيكره الحثو، يعني إهالة ذي الرحم؛ لأنّها تورث قساوة القلب كما هو مدلول بعض الأخبار. (1) والمشهور في كيفيّته أنّه بظهور الأكفّ؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن أصبغ، عن بعض أصحابنا، قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام وهو في جنازة، فحثا التراب على القبر بظهر كفّيه. (2) وبملأ كفّ ثلاثاً، كما هو ظاهر حسنة داود بن النعمان، (3) ومرسلة محمّد بن مسلم، (4) وحسنة عمر بن أذينة. (5) وبملأ الكفّين ثلاثاً؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم، قال : كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة رجل من أصحابنا، فلمّا أن دفنوه قام عليه السلام إلى قبره فحثا عليه ممّا يلي رأسه ثلاثاً بكفّيه . (6) قوله في صحيحة عبيد بن زرارة: (أتنهانا عن هذا وحده) . [ح 5 / 4567] يعني من غير بيان علّته؟ فأجاب عليه السلام ببيان علّته وهي أنّه بالخاصّية مورث لقساوة القلب، وهي مورثة للبعد عن الرحمة.
.
ص: 257
باب تربيع القبر وما يقال عند ذلك وقدر ما يرفع من الأرضفيه اُمور من مستحبّات القبر: الأوّل : تربيعه، وأجمع الأصحاب عليه (1) وفاقاً لبعض العامّة، وأنكره أبو حنيفة ومالك وأحمد، واستحبّوا تسنيمه. (2) لنا زائدا على ما رواه المصنّف في الباب من خبر قدامة (3) على نسخة «ربّع» (4) : ما سيأتي في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام من قوله : «ويربّع قبره». وعن الأصبغ بن نباتة، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من حدّد قبرا و مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام» (5) على ما حكى الصدوق عن سعد بن عبد اللّه : أنّ حدّد بالحاء المهملة بمعنى سنّم. ومن طريق العامّة ما روى في المنتهى عن جمهورهم: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سطّح قبر ابنه إبراهيم. (6) وما رواه مسلم: أنّ فضالة بن عبيد أمر بتسوية قبر صاحب له فسوّي، ثمّ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بتسويتها. (7) ويؤيّدها ما روى في المنتهى من طريقهم عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر، قال : رأيت قبر النبيّ وقبر أبي بكر وعمر مُنبَطِحةً. (8) وعنه قال : قلت لعائشة: يا اُمّه، اكشفي لي عن قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصاحبيه، فكشف لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطية، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. (9) فإنّ معنى منبطحة ومبطوحة ملقىً فيها البطحاء وهي الحصا الصغار وهو يناسب التسطيح، ولا يجوز أن يراد بهما اللّازقة بالأرض وإن جاءا بهذا المعنى أيضاً؛ لقوله: لا مشرفة ولا لاطئة. وحكى طاب ثراه عن القرطبي أنّه قال : «جاء في تسوية القبور آثار عنه وعن أصحابه وعن العلماء، وجاء أنّها صفة قبره وقبر صاحبه». واحتجّ أبو حنيفة وأضرابه بما نقلوه عن إبراهيم النخعي، قال : أخبرني من رأى قبر النبيّ صلى الله عليه و آله وصاحبيه مسنّمة. (10) وما رواه البخاري عن سفيان أنّه رأى قبره مسنّماً. (11) والجواب: أنّهما (12) معارضان بما ذكر. وقد حكى في المنتهى عن ابن أبي هريرة (13) أنّه قال : «السنّة التسطيح، إلّا أنّ الشيعة لمّا استعملته فعدلنا إلى التسنيم، وكذلك الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم» . (14) الثاني: رشّه بالماء. ويدلّ عليه زائدا على ما في الباب مارواه الشيخ في الحسن عن عبيد اللّه الحلبي ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات (15) وذكر أنّ الرشّ بالماء حسن، وقال : توضّأ إذا أدخلت الميّت القبر». (16) وروى جمهور العامّة عن أبي رافع، قال : سلّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سعدا، ورشّ على قبره ماء. (17) وعن جابر: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رشّ على قبر[ه] ماءً. (18) وظاهر مرسلة ابن أبي عمير؛ أنّه يرفع العذاب ما دام الندى في التراب، (19) كما أنّ الجريدتين يرفعانه ما دامتا رطبتين. وعلّل أيضاً بأنّه يفيد استمساك التراب عن التشتّت بهبوب الرياح. قال طاب ثراه: وكيفيّته ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «السنّة في رشّ الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند الرأس إلى الرجل، ثمّ تدور على القبر من الجانب الآخر، ثمّ ترشّ على وسط القبر (20) [فكذلك السنّة فيه]». وأمّا كون الابتداء من جانب القبلة كما ذكره الأكثر فلا يدلّ عليه شيء، ولا يبعد أفضليّته للتيمّن. وفي شرح الفقيه: «والظاهر أنّه مخيّر في الابتداء من الجانبين بعد أن يكون [الابتداء]من الرأس مستقبل القبلة» . (21) الثالث : رفعه عن الأرض، والمشهور استحبابه مقدار أربع أصابع مفرّجات؛ (22) لما سبق في حسنة الحلبي ومحمّد بن مسلم، ويؤيّده صحيحة محمّد بن مسلم. (23) ثمّ إنّهما صريحان في اعتبار الأصابع المفرّجات، وخبر سماعة (24) صريح في اعتبارها مضمومة، ولا يبعد حملهما على مراتب الفضل، فكلّما كان أقلّ كان أفضل. ويؤيّدها إطلاق الأصابع في حسنة حمّاد بن عثمان، (25) وخبر أبان عن محمّد بن مسلم، (26) ويحتمل أن يكون الفضل في الأكثر؛ لما ورد في بعض أخبار العامّة عن ارتفاع قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله قيد شبر . (27) الرابع : تلقين الميّت بعد وضعه في القبر سرّا، وبعد طمّه جهرا. ويدلّ على الثاني خبر يحيى بن عبداللّه ، (28) ومثله من طريق العامّة رواه سعيد بن عبد اللّه الأزدي، قال : شهدت أبا إمامة وهو في النزع، فقال إذا متّ اصنعوا بي كما أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره، ثمّ ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنّه يسمع ولا يجيب، ثمّ ليقل: يا فلان بن فلانة الثانية، فإنّه يستوي قاعدا ثمّ ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنّه يقول : ارشدني يرحمك اللّه ، ولكن لا تسمعون، فيقول له: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلّا اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّك رضيت باللّه ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد صلى الله عليه و آله نبيّاً، وبالقرآن إماماً، فإنّ منكرا و نكيرا يتأخّران عنه كلّ واحد منهما يقول : انطلق ما يقعدنا عند هذا وقد لُقِّن حجّته، فقيل: يا رسول اللّه ، فإن لم يعرف اُمّه؟ قال : فلينسبه إلى حوّاء». (29) نقله طاب ثراه عن الآبي عن القرطبي في كتاب إكمال الاكمال. (30) وعلى الأوّل خبر الإسكاف المذكور في باب سلّ الميّت من الكتاب. (31) وظاهر خبر يحيى ونظيره سقوط سؤال القبر بذلك، ولا بُعدّ فيه. وباستحباب الأخير قالت الشافعية أيضاً محتجّين بخبر سعيد بن عبد اللّه المتقدّم . الخامس: وضع الكفّ على القبر بعد الرشّ وغمزها فيه بحيث يبقى أثرها فيه، وهو مستحبّ في نفسه كما هو ظاهر أكثر أخباره. والدعاءُ عليه وقراءةُ سورة إنّا أنزلناه سبع مرّات، أو التوحيد إحدى عشر مرّة كما يدلّ عليه بعض الأخبار مستحبّ آخر زائد عليه، بل لا اختصاص لهما بوقت الدفن، بل يستحبّان مطلقاً، كما يأتي في باب زيارة القبور. قوله في خبر قدامة: (ورفع قبره) . [ح 1 / 4568] أي بمقدار أربع أصابع مضمومات أو مفرّجات (32) أو إلى شبر على ماسبق، وفي بعض «ربّع» بدلاً عن «رفع»، وهو الظاهر بالنظر إلى عنوان الباب، وإلّا لزم عدم ذكر ما يدلّ على التربيع فيه مع أنّه معنون به، وهو بعيد. و«قدامة»، بالضمّ والتخفيف مجهول الحال. قوله في حسنة حمّاد بن عثمان: (أردت أن لا تنازَع) . [ح 5 / 4572] الظاهر أنّ المراد بالتنازع تنازع الشيعة معه في إمامته؛ إذ من علاماتها الوصيّة الظاهرة. ويحتمل نزاع العامّة معه عليه السلام في رشّ القبر؛ لأنّه منفي عند أكثرهم. وأمّا جعل وجه النزاع تربيع القبر دون تسنيمه، ففيه أنّ هذه الوصية خالية عن ذكره . قوله في خبر يحيى بن عبد اللّه : (فيضع فمه عند رأسه) إلخ. [ح 11 / 4578] قال طاب ثراه: «ليس هذا هو التلقين في القبر قبل وضع اللبن عليه، بل هو الّذي بعد طمّه بالتراب كما يشعر به قوله: «إذا أفرد الميّت»، ويدلّ أيضاً عليه عنوان الباب». وأقول أيضاً: ينادي بذلك بأعلى صوته قوله عليه السلام : «ثمّ ينادي بأعلى صوته ».
.
ص: 258
. .
ص: 259
. .
ص: 260
. .
ص: 261
. .
ص: 262
. .
ص: 263
باب تطيين القبر وتجصيصهالمشهور بين الأصحاب كراهة تطيين القبر من غير طينه، ومنه تطيينه بالطين المخلوط بالتبن وتجصيصه، ظاهره وباطنه ابتداء وبعد مرور الأيّام، (1) مستثنى منه مرمّته عند إصلاح قبر جديد في جواره. (2) وظاهر النهي في خبر السكوني (3) التحريم، لكن حمل على الكراهة؛ للإجماع على عدم تحريمه، ولتحصيب قبر الرسول صلى الله عليه و آله . (4) ولظاهر ما رواه الشيخ في الحسن عن عليّ بن جعفر، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه، هل يصلح؟ قال : «لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تطيينه». (5) وربّما احتجّ على كراهته بعد الاندراس بما رويناه سابقاً عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام بناءً على ما نقله الصدوق عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد أنّه صحّح «جدّد» فيه بالجيم، وقال : «لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيّام وبعد ماطُيّن في الأوّل، ولكن إذا مات بسبب فطيّن قبره فجاز أن يُرَمّ سائر القبور من غير أن يجدّد». (6) وقال الشيخ قدّس سرّه: لا بأس بالتجصيص ابتداءً وإنّما المكروه إعادته بعدالاندراس محتجّاً بخبر يونس بن يعقوب، (7) وهو على المشهور محمول على بيان الجواز. وربّما حمل التجصيص فيه على التطيين من طينه، وهو بعيد. وقد قيل بتخصيص جواز التجصيص بقبور الأولياء والعلماء؛ (8) لئلّا يندرس، محتجّاً بهذا الخبر، وهو غير بعيد . قوله في مرسلة أبان: (محصّب حصباء حمراء) . [ح 2 / 4580] قال الجوهري: «الحصباء: الحصى، وأرض حَصبة وَمحصَبَة بالفتح : ذات حصباء، و حصّبت المسجد تحصيباً، إذا فرشته بها» . (9) قوله في خبر يونس: (بفيد) . [ح 3 / 4581] هو منزل بطريق مكّة من المدينة . (10)
.
ص: 264
. .
ص: 265
باب التربة الّتي يدفن فيها الميّتأي الأرض الّتي يدفن الميّت فيها، وعبّر عنها بالتربة لامتزاج تربة من تلك الأرض بنطفة الميّت حين كانت في رحم أمّه . قوله في خبر الحارث بن المغيرة: (فماثها في النطفة) . [ح 2 / 4584] أي مازجها بها وخلطها بها يقال : مثت الشي?في الماء أموثه موثاً، إذا دفنته. (1) ومثت الشيء في الماء أميثه، لغة . (2)
باب التعزية وما يجب على صاحب المصيبةفي الذكرى: «التعزية تفعلة من العزاء، أي الصبر، يقال : عزّيته فتعزّى، أي صبّرته فتصبّر، والمراد بها طلب التسلّي عن المصاب والتصبّر عن الحزن». انتهى. (3) وأحسن ما يقال فيها: ما رواه المصنّف عن رفاعة، (4) وعن ابن مهزيار، (5) وما رواه الصدوق أنّه أتى أبو عبد اللّه عليه السلام قوماً قد اُصيبوا بمصيبة، فقال : «جبر اللّه وهنكم، وأحسن عزاكم، ورحم متوفّاكم» ثمّ انصرف. (6) وكفاك أن يراك صاحب المصيبة، رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام . (7) ولا فرق بين صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم واُنثاهم؛ عملاً بالعموم. وينبغي أن يخصّ أهل العلم بمزيّة على ما ذكره بعض الأصحاب، (8) وأن يمسح رأس اليتيم، فقد روى الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «ما من عبد يمسح يده على رأس يتيم ترحّماً له إلّا أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ شعرة نورا يوم القيامة». (9) وعنه عليه السلام قال : «إذا بكى اليتيم اهتزّ له العرش، فيقول اللّه تبارك وتعالى: من هذا الّذي يبكي عبدي الّذي سلبته أبويه في صغره؟! فوعزّتي وجلالي وارتفاعي في مكاني، لا يسكّنه عبد إلّا وجبت له الجنّة». (10) وأجمع العلماء ما عدا الثوري على استحبابها على الرجال بعد الدفن أيضاً؛ 11 لأخبار متعدّدة من الطريقين، وكفاك منها ما رواه المصنّف في الباب، (11) ولإشراكه مع قبل الدفن في العلّة وهي تسلية أهل الميّت، بل ظاهر مرسلة ابن أبي عمير (12) الأوّلة اختصاصها بما بعد الموت، إلّا أن تحمل على المؤكّدة منها. ويؤيّده هذا التأويل مرسلة أحمد بن محمّد بن خالد. (13) ونفاها الثوري؛ محتجّاً بأنّ الدفن آخر أمره. وهو كما ترى. وأمّا النساء فقد اختلف الأخبار فيهنّ، ففي الفقيه: وقال عليه السلام : «من أطاع امرأته أكبّه اللّه على منخريه في النار». فقيل: وما تلك الطاعة؟ فقال : «تدعوه إلى النياحات والعرسات والحمّامات، فيجيبها». (14) وروى عن الكاهلي أنّه قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : إنّ امرأتي واُختي وهي امرأة محمّد بن ماردتخرجان في المواتم فأنهاهما، فقالتا لي: إن كان حراماً فانتهينا عنه، وإن لم يكن حراماً فلم تمنعنا فيمتنع الناس من قضاء حقوقنا؟ فقال عليه السلام : «عن الحقوق تسألني؟ كان أبي عليه السلام يبعث اُمّى واُمّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة». (15) وقال عليه السلام : «لمّا قتل جعفر بن أبي أبي طالب عليه السلام أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فاطمة عليهاالسلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونساءها، أو أن تصنع لهم طعاماً ثلاثة أيّام، فجرت بذلك السنّة». (16) وقال عليه السلام لفاطمة عليها السلام حين قُتل جعفر بن أبي طالب: لا تدعي بذلّ ولا ثكل ولا حرب وما قلت فيه فصدقت». (17) والظاهر أنّ هذا الاختلاف على حسب اختلاف النسوان من أهل الرتبة والعصمة. هذا، ويظهر من بعض ما ذكر من الأخبار كون أيّام التعزية ثلاثة ولا يبعد القول باستحبابه. وقال صاحب المدارك: (18) ذكر الشيخ في المبسوط أنّه يكره الجلوس للتعزية يومين وثلاثة إجماعاً، ومنعه ابن إدريس وقال : «أيّ كراهة في جلوس الإنسان في داره للقاء إخوانه والتسليم عليهم واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه»، (19) وهو حسن إلّا أن يتضمّن ذلك الجزع وترك الصبر، فيكره لذلك . (20) قوله في مرسلة رفاعة: (إنّه كان مرهّقاً) . [ح 7 / 4591] على صيغة المفعول من باب التفعيل، في النهاية: «الرهق السفه وغشيان المحارم، وفلان مرهّق، أي متّهم بسوء وسفه». (21)
.
ص: 266
. .
ص: 267
. .
ص: 268
باب ثواب من عزّى حزيناًكأنّه قدس سره أراد بالحزين من أصابه مصيبة غير موت قريبه؛ بقرينة أنّه وضع باباً فيما بعد لثواب التعزية، وذكر هذين الخبرين فيه، لكنّ الأوّل بسند آخر، وقد ذكر فيه خبرا آخر أيضاً، ويحتمل أن يكون غفلة منه عن هذا. قوله في خبر السكوني: (كُسي في الموقف حُلّة يُحبر بها) . [ح 1 / 4595] في القاموس: «الحُلّة بالضمّ إزار ورداء بُرد أو غيره، ولا تكون حُلّة إلّا من ثوبين، أو ثوب له بطانة». (1) وفيه: «الحَبر بالفتح: السرور كالحبور». (2) وفي المصباح: «حَبَرتُ [الشيء] حَبرا من باب قتل زَيّنته، أو فرّحته، والاسم الحِبر بالكسر» . (3)
.
ص: 269
باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرّكقد مرّ هذا الباب بهذا العنوان بعينه، إلّا أنّ فيه الصبيّ بدلاً عن الولد، والخبران مذكوران فيه مع خبرين آخرين، وهذا غفلة منه عن ذكره هناك، وقد شرحنا ما يتعلّق به هناك فلا نعيده.
باب غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهمقد سبق وجوب تغسيل الصغير (1) ولو كان سقطاً إذا كان تامّاً له أربعة أشهر وما يدلّ عليه. ويدلّ عليه أيضاً بعض أخبار الباب. (2) وأمّا مكاتبة محمّد بن الفضيل (3) فهي محمولة على السقط الّذي لم يتمّ له أربعة أشهر، مع ضعفها وندرتها. وأمّا الصلاة فالمشهور وجوبها على من كمل له ستّ سنين دون من دونها، ذهب إليه السيّد المرتضى (4) والشيخ (5) وعامّة المتأخّرين. (6) وحكاه في الذكرى (7) عن ابن البرّاج (8) وابن زهرة (9) وابن حمزة (10) وسلاّر (11) والبصروي، (12) وهو ظاهر صحيحة ابن مسكان عن زرارة. (13) واحتجّ عليه السيّد في الانتصار بإجماع الطائفة، وبأنّ الصلاة حكم شرعي يحتاج إلى دليل يوجب اليقين، ولا يقين فيما دون ذلك. (14) وربّما احتجّ عليه بقوله عليه السلام : «إذا كان ابن ستّ سنين» في جواب قول السائل: متى تجب الصلاة عليه؟ في حسنة الحلبي وزرارة (15) بناءً على تعلّق الجارّ بالصلاة. وفيه: أنّ الظاهر منها تعلّقه بالوجوب على إرادة الصلوات اليوميّة؛ حملاً للوجوب على معناه اللغوي، أو على تأكّد الاستحباب؛ بقرينة قوله: «والصيام إذا أطاقه»، على حذو ما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام في الصبيّ: متى يصلّي؟ فقال : «إذا عقل الصلاة»، فقلت: متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ قال : «لِستّ سنين». (16) واعتبر المفيد في المقنعة في وجوب الصلاة عليه أن يعقل الصلاة، فقال : «وإن كان الميّت طفلاً قد عقل الصلاة فصلّ عليه». (17) وهو محكي في الذكرى (18) عن مقنع الصدوق (19) وعن الجعفي، وذلك إنّما يكون في الستّ، كما دلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة، فيتّحد القولان. ونقل فيه عن ابن الجنيد وجوبها على المستهلّ؛ (20) محتجّاً بصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يصلّي على المنفوس، وهو المولود الّذي لم يستهلّ ولم يصحّ، ولم يورّث من الديّة ولا من غيرها، وإذا استهلّ صلّي عليه وورثه». (21) وخبر السكوني، عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه عليهم السلام : «يورث الصبيّ ويصلّى عليه إذا سقط من بطن اُمّه فاستهلّ صارخاً، وإذا لم يستهلّ صارخاً لم يورّث ولم يصلّ عليه». (22) ومرسلة أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : قلت: لِكَم يُصلّى على الصبيّ إذا بلغ من السنين؟ قال : «يصلّى عليه على كلّ حال، إلّا أن يسقط لغير تمام». (23) ومثلها صحيحة عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام لِكَم يُصلّى على الصبيّ إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال : «يُصلّى عليه على كلّ حال، إلّا أن يسقط لغير تمام». (24) وحملها الشيخ في الاستبصار على التقيّة؛ لاتّفاق العامّة عدا سعيد بن جبير على وجوبها على المستهلّ. 25 ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «أما أنّه لم يكن يصلّى عليه»، إلى آخره في صحيحة ابن مسكان. (25) وحملها العلّامة في المنتهى على الاستحباب، وقال متفرّعاً عليه: لو خرج بعضه واستهلّ ثمّ مات استحبّ الصلاة عليه ولو خرج أقلّه. وقال أبو حنيفة: «لا يصلّى عليه حتّى يكون أكثره خارجاً». (26) لنا: أنّ المقتضي هو الاستهلال فلا اعتبار بكثرة الخارج ولا قلّته. (27) والتقيّة أظهر؛ لما ذكر. عن ابن أبي عقيل أنّه قال بسقوطها قبل البلوغ رأساً، حكاه الشهيد في الذكري. (28) وهو محكي في المنتهى عن سعيد بن جبير. (29) ويدلّ عليه موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه سئل عن المولود ما لم يجرِ عليه القلم، هل يصلّى عليه؟ قال : «لا، إنّما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم»، (30) لكنّه لعدم صحّته، وعدم ضبط عمّار كما مرّ مرارا غير قابل للمعارضة لما ذكر. وقال الشهيد في الذكرى: «ويمكن أن يراد بجري القلم مطلق الخطاب الشرعي، والتمرين خطاب شرعي». (31) وربّما احتجّ عليه على ما نقل عنه بأنّ الصلاة استغفار للميّت ودعاء له، ومن لم يبلغ لا حاجة له إلى ذلك. وفيه: أنّه غير موجّه في مقابل النصّ، وربّما عورض بوجوبها على النبيّ والأئمّة عليهم السلام ولا حاجة لهم إلى شفاعتنا، (32) فتأمّل. ولا فرق عندنا وعند أكثر العامّة في الميّت بين كونه رجلاً أو امرأة، مات حتف أنفه أو شهيد. وقال الحسن البصري: «لا تصلّى على المرأه» على ما حكى عنه في المنتهى، 34 وسيأتي أقوالهم في الشهيد. قوله في حسنة عمر بن اُذينة (33) : (فطيم قد درج) ، إلخ. [ح 3 / 4601] الفطيم: مَن فُطم عن الارتضاع. (34) ودرج: أي مشى مَشي الأطفال على إستهم، (35) وحكى في الذكرى عن الصدوق أنّه ذكر أنّ الصبيّ في سنّ أبناء ثلاث سنين. (36) قوله: (فطعن في جنازة الغلام) [ح 3 / 4601]، أي مات فجأة، ولعلّ موته كان من إصابة عين من عيون الحاضرين، فقد قال ابن الأثير في النهاية: يقال : «طعن في نيطه وفي جنازته، إذا مات». (37) وفي موضع آخر: فيه أي في الحديث : أنّ رجلاً كان له امرأتان، فُرميت إحداهما فيجنازتها، أي ماتت، تقول العرب إذا أخبرت عن موت إنسان: رُمي في جنازته؛ لأنّ الجنازة تصير مرمياً فيها، والمراد بالرمي الحمل والوضع. (38) وفي التهذيب: «في جنان الغلام»، (39) أي قلبه، ولعلّه تصحيف. والسَفَط محرّكة كالجوالق وكالقُفه، (40) أي الصندوق . قوله: (عن يحيى بن عمران) . [ح 4 / 4602] هو الحلبي الكوفي وكان ثقة، (41) لا الهمداني المجهول بقرينة رواية ابن سويد عنه، فإنّه الّذي يروي هذا عنه، فالخبر صحيح بالسند الثاني. وقوله: (فما تقول في الولدان) ، إلى آخره، [ح 4 / 4602] سؤال عن حالهم في القيامة وعن ثوابهم وعقابهم، وملخّص الجواب: أنّهم يعاملون بما علم اللّه تعالى أنّهم كانوا عاملين في الدنيا لو لم يمتهم من الإيمان والكفر، ويكشف عنهما ائتمارهم لأمره تعالى إيّاهم بدخول النار المؤجّج لتكليفهم يوم القيامة وانتهائهم عنه، على ما يظهر من حسنة زرارة الّتي يأتي في باب الأطفال وتحقيق القول فيه يجيء إن شاء اللّه تعالى. قوله في خبر عليّ بن عبد اللّه : (لمّا قبض إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) . [ح 7 / 4605] قال طاب ثراه: اُمّه مارية، وهي من جدّة قرية من (42) قرى صعيد معروفة، قال المازري: توفّي وهو ابن ستّة عشر شهرا أو سبعة عشر، (43) ومن طريق العامّة أنّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ إبراهيم ابني مات وإنّ له ظئرين تكملان رضاعه في الجنّة» . (44)
.
ص: 270
. .
ص: 271
. .
ص: 272
. .
ص: 273
. .
ص: 274
. .
ص: 275
باب الغريق والمصعوقذهب الأصحاب إلى تحريم تجهيز الغريق والمبطون والمصعوق والمدّخن والمهدوم عليه، ووجوب تأخيره ثلاثة أيّام، إلّا أن يتيقّن موتهم قبلها بظهور علاماته، ومنها: انخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعه، واسترخاء قدميه. ولا يجب الانتظار أكثر منها؛ لحصول العلم بالموت إذا لم يصدر منه أفعال الأحياء من الحسّ والحركة فيها، ولا تكون السكتة أكثر منها. ويدلّ عليه الأخبار، وقول الحذّاق من الأطباء. (1) والظاهر جريان الحكم في كلّ من اشتبه موته، وصرّح به العلّامة في المنتهى . (2)
.
ص: 276
باب القتلى (1)فيه مسائل: الاُولى : المشهور بين الأصحاب عدم جواز غسل الشهيد إذا مات في المعركة بين يدي الإمام عليه السلام أو نائبه مطلقاً وإن كان جنباً أو صبيّاً، (2) وفاقاً لأكثر العامّة. (3) واحتجّوا عليه بما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ عن أبي خالد، قال : «اغسل كلّ الموتى الغريق وأكيل السبع وكلّ شيء، إلّا ما قتل بين الصفّين، فإن كان به رمق، وإلّا فلا». (4) وفي الموثّق عن عمّار، عن جعفر، عن أبيه : «أنّ عليّاً عليه السلام لم يغسّل عمّار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال، قال : ودفنهما في ثيابهما، ولم يصلّ عليهما». (5) وما رواه العلّامة في المنتهى عن جمهور العامّة عن جابر عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الشهيد يدفن في دمائه ولا يغسّل». (6) وحكى في الذكرى عن السيّد المرتضى في شرح الرسالة وعن ابن الجنيد وجوب غسل الجنب منهم، محتجّين بأخبار النبيّ صلى الله عليه و آله بتغسيل الملائكة حنظلة بن الراهب؛ (7) لمكان خروجه جنباً، وبخبر عيص عن الصادق عليه السلام في الجنب يموت : «يغسّل من الجنابة، ثمّ يغسّل بعد غسل الميّت». (8) وأجاب عن الأوّل بأنّ تكليف الملائكة بذلك لا يوجب تكليفنا به، وعن الثاني بأنّه ظاهر في غير الشهيد، ومع هذا هو معارض بخبر زرارة عن الباقر عليه السلام في الميّت جنباً : «يغسل غسلاً واحدا يجزي عن الجنابة وتغسيل الميّت»، (9) فيجب أن يحمل على الندب؛ للجمع. (10) وذهب إلى ما ذهبا إليه أبو حنيفة وأحمد (11) لخبر قصّة حنظلة. وحكى في العزيز عن أبي حنيفة أنّ الصبيّ منهم يغسل كسائر الموتي، (12) وردّه بما روي من أنّه كان في قتلى بدر واُحد أطفال كحارثة (13) بن النعمان وعمر بن أبي وقّاص (14) وقتل مع الحسين عليه السلام ولده الرضيع، ولم ينقل في ذلك كلّه غسل. ولو اُخرج من المعركة وبه رمق ثمّ مات، فالمشهور بين الأصحاب أنّه كسائر الموتى يغسل ويكفّن، تقضّى الحرب أو طالت مدّة حياته أو قصرت، أكل وشرب أو لا. (15) وقال الشيخ في الخلاف: «إذا خرج من المعركة ثمّ مات بعد ساعة أو ساعتين قبل تقضّي الحرب حكمه حكم الشهيد». (16) واحتجّ عليه بالأخبار العامّة فيمن قتل بين الصفّين. (17) ورجّحه في المنتهى، (18) معلّلاً بما سنرويه عن النبيّ صلى الله عليه و آله . وفي دلالته على ذلك تأمّ. وبه قال الشافعي، (19) وعن مالك: «أنّه إن أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسّل، وإلّا فلا». (20) وعن أصحاب أبي حنيفة: «إن أكل أو شرب أو أوصى غسّل» . (21) وقد روى الشيخ عن زيد، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه، وإن بقى أيّاماً حتّى تتغيّر جراحته غسّل». (22) وحملت على التقيّة. واعلم أنّ الظاهر من الأخبار أنّ المعتبر في إجراء حكم الشهيد عليه وعدمه إدراك المسلمين إيّاه من غير رمق ومعه، ولم أجد خبرا دالّاً على اعتبار عدم الخروج من المعركة وخروجه. نعم، روى في المنتهى من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال يوم اُحد : «مَن ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟» فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول اللّه ، فنظر فوجده به رمق، فقال له: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات، فقال : أنا في الأموات، فأبلغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنّي السلام. قال : ثمّ لم أبرح أن مات، ولم يأمر النبيّ صلى الله عليه و آله بتغسيل أحد منهم. (23) وهي تدلّ على عدم تغسيله إذا مات في المعركة ولو اُدرك وبه رمق، فكأنّهم لذلك حملوا ما دلّ على عدم تغسيله إذا وجد وبه رمق على ما إذا اُخرج من المعركة معه؛ للجمع، وفيه تأمّل. هذا، وتقييد الشهيد بكونه مع الإمام عليه السلام أو نائبه، ممّا صرّح به الأكثر، منهم: الشيخان، (24) والمحقّق في الشرائع، (25) والعلّامة في المنتهى، (26) والشهيد في الدروس . (27) والظاهر من الأخبار عدم اشتراط ذلك وثبوت الحكم لكلّ قتيل في جهاد واجب، وهو الظاهر من إطلاق العلّامة في الإرشاد، (28) ورجّحه المحقّق في المعتبر حيث قال : «والأقرب اشتراط الجهاد السائغ حسب، فقد يجب الجهاد وإن لم يكن الإمام عليه السلام موجودا، واشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم يعلم من النصّ». (29) وعدّه الشهيد في الذكرى أولى . (30) الثانية تكفينه: قد أجمع أهل العلم على عدم جواز نزع شيء منه، وأنّه لا يجوز تكفينه بكفن جديد إلّا إذا جرّد، واستثنوا من ذلك أسلحة الحرب الحديديّة وغيرها؛ إذ ليست كفناً ولا شبيهاً به، فكان تركها بحالها إضاعة للمال وإسرافاً، ولعدم دخولها في الثياب، فإنّ المعهود منها المنسوج. (31) ولما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أمر بقتلى اُحد أن ينزع عنهم الجلود والحديد. (32) وفي الذكرى: «رواها رجال الزيدية، فهي ضعيفة». (33) واختلفوا في استثناء أشياء غيرها، فذهب المفيد في المقنعة إلى جواز نزع السراويل والفراء والقلنسوة إن لم تصبها الدم؛ (34) محتجّاً برواية زيد بن عليّ، (35) وهي تدلّ على استثناء العمامة والمنطقة والخفّ أيضاً، وكأنّه قال بذلك. وهو ظاهر الشيخ في الخلاف. (36) والأظهر عدم استثناء شيء من هذه؛ لدخولها تحت الثياب فتدخل في عمومها الواردة في الأخبار المتكثّرة، فتخصيصها بخبر واحد ضعيف، ضعيف . الثالثة الصلاة عليه: قد أجمع الأصحاب على أنّ الشهيد كغيره في وجوب الصلاة عليه وعدمه، (37) وقد تظافرت أخبارهم عليه. وروى العامّة أيضاً عن عقبة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله خرج يوماً فصلّى على أهل اُحد صلاته على الميّت، ثمّ انصرف. (38) وعن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى على قتلى اُحد. (39) وعنه صلى الله عليه و آله قال : «صلّوا على من قال لا إله إلّا اللّه ». (40) وهو بعمومه يتناول الشهيد. وبه قال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وفي رواية ثانية عنه ذهب إلى استحبابها، وفي اُخرى إلى سقوطها رأساً. وبه قال مالك والشافعي وإسحاق. (41) واحتجّ عليه في العزيز بما رواه جابر وأنس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يصلّ على قتلى اُحد ولم يغسّلهم. (42) وربّما احتجّوا عليه بالقياس على الغسل. واُجيب عن الأوّل بمعارضته لما ثبت من الطريقين أنّه صلى الله عليه و آله صلّى على شهداء اُحد. والجواب عن الثاني أنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ الغسل موجب لإزالة الدم عنه بخلاف الصلاة عليه، وهو باطل عندهم أيضاً. لا يقال : قد ورد من طريق الأصحاب أيضاً سقوط الصلاة عليه، فقد سبق في موثّق عمّار: أنّ عليّاً عليه السلام لم يغسل عمّار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال ولم يصلّ عليهما. (43) لأنّا نقول : وروده من باب التقيّة، وربّما احتمل وقوع سهو من الراوي. وفي حكم الشهيد أعضاؤه كما سيأتي في الباب الآتي. وأمّا الموتى الّذين لهم ثواب الشهداء كالغريق والمبطون والمنفوس وأمثالهم ففى المنتهى: أنّهم يغسّلون ويكفّنون ويُصلّى عليهم بلا خلاف، إلّا ما حكي عن الحسن البصري أنّه قال : «النفساء لا يُصلّى عليها». (44) لنا: عموم الأمر بذلك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى على امرأة ماتت في نفاسها. (45) قوله في حسنة (46) إسماعيل بن جابر وزرارة: (كيف رأيت الشهيد) . [ح 2 / 4614] قال طاب ثراه: قيل: أصل الشهادة التبيين، ومنه قوله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ» ، (47) أي بيّن اللّه ، وشهود الحقّ، إذ بهم يتبيّن. وسُمّي الشهيد بذلك؛ لأنّ اللّه تعالى شهد له بالجنّة، أو لأنّه يشهد يوم القيامة على الاُمم، ويكون على الأوّل بمعنى المشهود له على الحذف والإيصال، وعلى الثاني بمعنى الشاهد. وقيل: هو من الشهود [و] الحضور؛ لأنّه يحضر دار السلام عند زهاق روحه، أو بعد البعث. وقيل: من المشاهدة؛ لأنّه يشاهد عند موته ما أعدّ اللّه سبحانه له من الكرامة، كما قال سبحانه : «فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَ_اهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» (48) . قوله في صحيحة أبان بن تغلب: (فقصر عن رجليه فدعا بإذخر فطرحه عليه) (49) . [ح 2 / 4614] لعلّ تقديم الرأس على الرجلين في الستر بالكفن شرافة الرأس من وجوه، منها: كونه محلّ الحواس الظاهرة والباطنة، وقيل: لأنّ تغيّر الوجه أكثر. قال طاب ثراه: قد وجد مثل ذلك الخبر من طرق العامّة، روى مسلم عن خبّاب بن الأرَت 50 أنّه قال : قتل مصعب بن عمير يوم اُحد، فلم يوجد له شيء يكفّن به إلّا نمرة، وهي نوع من الأكسية تعلّم ، فكنّا إذا وضعناها على رأسه بدت له رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ضعوها ممّا يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر» . (50)
.
ص: 277
. .
ص: 278
. .
ص: 279
. .
ص: 280
. .
ص: 281
. .
ص: 282
. .
ص: 283
. .
ص: 284
باب أكيل السبع والطير والقتيل يوجد بعض جسده والحريققد فصّل الشيخان في المقنعة والخلاف القطعة المبانة من الميّت، سواء كان أكيلاً للسبع والطير أو قتيلاً في غير المعركة، فقالا: «إن كان فيه عظم يجب غسله وكفنه ودفنه، ثمّ إن كان صدرا أو مشتملاً عليه تجب الصلاة عليه أيضاً». (1) وتبعهما على ذلك من تأخّر عنهما. (2) واحتجّ عليه في الخلاف بإجماع الفرقة المحقّة، وأخبارهم، وبما روي: أنّ طائرا ألقت يدا بمكّة من وقعة الجمل، فعُرفت بالخاتم، فكانت يد عبد الرحمان بن عتّاب بن أسيد، فغسّلها أهل مكّة وصلّوا عليها. (3) وقال الشهيد الثاني في شرح الإرشاد: «ولم نقف لها على نصّ بالخصوص، ولكن نَقْل الإجماع من الشيخ كافٍ في ثبوت الحكم، بل ربّما كان أقوى من النصّ». (4) وفي الذكرى: «ويلوح ما ذكره الشيخان من خبر عليّ بن جعفر؛ لصدق العظام على التامّة والناقصة». (5) وهذا التعليل إنّما هو لتطبيق الخبر على الجزء الأوّل ممّا ذكره الشيخان، وهو مبنيّ على ما ذكره أكثر المحقّقين من الاُدباء من إفادة الجمع المضاف عموم كلّ فرد لا عموم المجموع من حيث هو، كما ذهب إليه بعضهم. وفيه تأمّل؛ إذ المتبادر منه في الخبر هو المعنى الثاني ولو مجازا، وأمّا ما ذكراه من وجوب الصلاة على الصدر أو المشتمل عليه، فهذه الصحيحة صريحة فيه. ويدلّ أيضاً عليه مرسلة عبد اللّه بن الحسين، (6) وخبر أحمد بن محمّد بن عيسى رفعه، قال : «المقتول إذا قطّع أعضاؤه يصلّى على العضو الّذي فيه القلب خاصّة». (7) ويؤيّده خبر الفضل بن عثمان الأعور. عن أبي عبد اللّه عليه السلام ؛ في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة، قال : «ديته على من يوجد في قبيلته صدره ويداه، والصلاة عليه». (8) فإنّ الظاهر عود الضمير في «عليه» إلى الصدر، وخصّ العظم والعضو التامّ في حسنة جميل بن درّاج، (9) ومرسلة محمّد بن خالد (10) بالصدر. وظهر ممّا ذكروا دوران وجوب الصلاة مع القلب وجودا وعدماً، فلا يبعد وجوبها عليه مجرّدا عن الصدر أيضاً، ولكن لم أجد به تصريحاً من الأصحاب، وكأنّهم لم يتعرّضوا له؛ لضعف الدوران، وعذرهم واضح. وأمّا وجوب غسل العظم المجرّد عن اللحم فقد استندوا فيه إلى دوران الغسل معه وجودا وعدماً كما ذكره الشهيد الثاني وضعّفه. (11) وأقول : يكفي فيه صحيحة عليّ بن جعفر (12) المشار إليه، ولا حاجة له إلى الاستناد بالدوران. وهل الغسل والتكفين الواجبان في الأعضاء هما الواجبان في الميّت؟ ظاهر أكثر الأصحاب ذلك، حيث صرّحوا بأنّ صدر الميّت كالميّت في جميع أحكامه، (13) بل يلزم منه ثبوت التحنيط أيضاً، وهو مشكل؛ لإطلاق الغسل والتكفين في أخبارهما الشاملان لغسل واحد بالقراح وتكفينه بثوبٍ واحد، ويؤيّده أصالة البراءة. وأمّا اللحم المجرّد عن العظم فلا إشكال في عدم وجوب الصلاة عليه. ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم، (14) وصرّح به الأكثر. (15) وهل يجب تغسيله وتكفينه؟ ظاهر الأكثر العدم؛ (16) للأصل. وأفتى في الذكرى بعدم وجوب الغسل ساكتاً عن التكفين، (17) وابن إدريس أفتى بنفي الكفن أيضاً. (18) والظاهر أنّ حكمه حكم السقط الغير التامّ من وجوب لفّه في خرقة ودفنه، و هو منقول عن السلاّر. (19) وأمّا العضو المبان من حيٍّ فالمشهور وجوب غسله وكفنه إن اشتمل على العظم؛ محتجّين عليه بمرفوعة أيّوب بن نوح؛ (20) لأنّ الرجل ظاهره الحيّ. ويدلّ أيضاً عليه حسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الأقطع اليد والرجل، قال : «يغسلهما». (21) وموثّقة الحسن بن عليّ، عن رفاعة، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأقطع، قال : «يغسّل ما قطع منه» . (22) بناءً على إرادة تغسيل العضو المقطوع كما هو الظاهر منهما، وصرّح به جماعة منهم جدّي من اُمّي قدّس سرّه في شرح الفقيه، (23) وحملهما الأكثر على غسل ما بقي من المرفق من رأس العضد في الوضوء وجوباً، أو غسل العضد استحباباً على المشهور، ووجوباً على قولٍ استقربه الشهيد في الذكرى (24) . وظاهر بعض قصر الحكم على المبان من الميّت، وبه صرّح في المعتبر، وقطع بدفن المشتمل على العظم المبان من الحيّ بغير غسل محتجّاً بأنّه من جملة لا يغسل ولا يصلّى عليها. (25) واُجيب عنه في الذكرى بأنّ الجملة لم يحصل فيه الموت بخلاف القطعة. (26) وإن لم يكن فيه عظم يقتصر على لفّه في خرقة ودفنه على ما ذكره جماعة منهم المحقّق في الشرائع. (27) وفي المدارك: «والأظهر عدم وجوب اللفّ، كما اختاره في المعتبر؛ (28) لانتفاء الدليل عليه رأساً». (29) وأمّا السقط فالمشهور وجوب غسله وكفنه ودفنه إن تمّت خلقته وولجته الروح. (30) ويدلّ عليه موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال : «نعم». (31) ومرفوعة أحمد بن محمّد، قال : «إذا تمّ للسقط أربعة أشهر غسّل». (32) ومع عدم تمام الخلقة يلفّ في خرقة ويدفن على ما ذكروه. وأمّا الحريق والمجدور وأمثالهما ممّن يخاف من غسلهم سقوط عضو، فإن أمكن صبّ الماء عليهم بغير دلكٍ وجب، وإلّا يُمِّموا. ويدلّ عليه خبر زيد بن عليّ، (33) وما رواه الشيخ عن ضريس، عن عليّ بن الحسين أو عن أبي جعفر عليه السلام قال : «المجدور والكسير والّذي به القروح يُصَبّ عليه الماء صبّاً». (34) وعن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال : «إنّ قوماً أتوا رسول اللّه عليه السلام فقالوا: يا رسول اللّه ، مات صاحب لنا وهو مجدور، فإن غسّلناه انسلخ، قال : يمّموه» . (35)
.
ص: 285
. .
ص: 286
. .
ص: 287
. .
ص: 288
. .
ص: 289
باب من يموت في السفينة ولا يُقدر على الشطّ، (1) أو يصاب وهو عريانفيه مسألتان: الاُولى: إذا تعسّر نقل الميّت في السفينة إلى الساحل، غسّل وكفّن وحنّط ويصلّى عليه، ثمّ يوضع في خابية ويُوكى رأسها ويطرح في البحر؛ لصحيحة أيّوب بن الحرّ، (2) أو يُثَقّل في رجليه ويُرمى به فيه؛ لمرسلة أبان، (3) وخبر سهل بن زياد، (4) وهو وإن كان مطلقاً إلّا أنّه لابدّ فيه من التقييد بالتثقيل؛ للجمع. وخبر وهب (5) بن وهب القرشي، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلامقال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إذا مات الميّت في البحر غُسِّل وكفّن وحنّط وثقّل في رجليه حجر ويرمى به في الماء». (6) وفي المنتهى: «لا فرق في ذلك بين الأنهار الكبار والجداول الضيّقة والبحار إذا لم يتمكّن من الشطّ للدفن، وكذا لو خاف اللصوص والسباع لو دُفن في الشطّ». (7) ووافقنا في ذلك أكثر العامّة، (8) وقال بعضهم يُترك يوماً أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد، ثمّ يثقّل ويُرمى به في البحر، وإنّما قال بذلك مع رجاء الساحل في هذه المدّة. (9) وحسّنه في المنتهى. (10) وعن الشافعي أنّه يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل، فربّما وقع إلى قوم يدفنونه. (11) واُورد عليه بأنّ فيه تعريضاً للميّت بالتغيير والهتك، فإنّه ربّما بقى عرياناً على الساحل غير مدفون، وربّما ظفر به المشركون. (12) ثمّ المشهور استحباب أن يستقبل به القبلة حال الإلقاء، وذهب الشهيدان إلى وجوبه؛ لأنّه دفنه، (13) وهو محكي عن ابن الجنيد . (14) الثانية: العاري يجب أن يستر عورته ثمّ يصلّى عليه، فإن لم يوجد له ساتر حفر له ووضع في لحده، فيستر عورته باللبن والحجر وشبههما، ثمّ يصلّى عليه، ولا يدفن قبل الصلاة عليه. ويدلّ عليه موثّقة عمّار. (15) ولا يجب على المسلمين بذل كفن له من غير مخالف؛ للأصل، وانتفاء دليل على الوجوب. نعم، يستحبّ، للأخبار الواردة في فضل تكفينه الشامل لبذل الكفن له، منها: حسنة سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من كفّن مؤمناً كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة». (16) والظاهر جواز تكفينه وسائر ما يحتاج تجهيزه، من الزكاة؛ لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الفضل بن يونس الكاتب، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام فقلت له: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفّن به، أشتري له كفنه من الزكاة؟ فقال : «أعط عياله من الزكاة قدر ما يُجهّزونه فيكونون هم الّذين يجهّزونه». قلت: فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره، فاُجهّزه أنا من الزكاة ؟ قال : «إنّ أبي كان يقول إنّ حرمة بدن المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً، فوار بدنه وعورته وجهّزه وكفّنه وحنّطه، واحتسب ذلك من الزكاة». (17) والظاهر استحبابه؛ حملاً للأمر فيه على الندب، بناءً على ما نصّ عليه الشيخ من أنّ الفضل بن يونس كان واقفياً؛ (18) لما اشتهر من حمل الأوامر في الأخبار الضعيفة على الندب، ولا يبعد القول بوجوبه كما نقل عن بعض الأصحاب؛ (19) لتأيّد الخبر بما هو المشهور من عموم سهم سبيل اللّه ، فتأمّل . قوله في موثّقة عمّار: (لا يصلّى على الميّت بعد ما يدفن) . [ح 4 / 4628] ظاهره عدم جواز الصلاة بعد الدفن مطلقاً وإن لم يكن الميّت ممّن صلّى عليه، وقد سبق القول فيه. (20)
.
ص: 290
. .
ص: 291
. .
ص: 292
باب الصلاة على المصلوب والمرجوم والمرجومة والمقتصّ منهظاهر بعض الأصحاب أنّ كلّ من وجب قتله يُؤمر بالاغتسال ويكفّن ويحنّط قبل القتل، ثمّ لا يُغسل بعد موته إلّا أن يكون موته بغير ذلك السبب الّذي اغتسل له، سواء في ذلك المصلوب والمرجوم والمقتصّ منه. (1) ويدلّ عليه صريحاً في الأخيرين خبر مسمع، (2) ورواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام . (3) وأمّا المصلوب فهو ملحق بهما على المشهور، ولا يبعد الاحتجاج له بصحيحة أبي هاشم الجعفري أو حسنته على اختلاف النسخ على ما سيجيء حيث بيّن فيها الصلاة عليه مصلوباً، ولا تجوز الصلاة على الميّت قبل تغسيله وتكفينه. ويؤيّده خبر السكوني؛ (4) حيث لم يتعرّض فيه لتغسيله وتكفينه بعد إنزاله. وفي المنتهى: من وجب قتله بغير القود (5) هل يؤمر بالاغتسال ؟ الأقرب أنّه ليس كذلك؛ لعدم ورود نصّ بذلك، والقياس باطل، فيدخل تحت عموم الأمر بالتغسيل بعد الموت، وقد أطلق بعض الأصحاب ذلك، (6) وعندي فيه نظر. (7) وفيه تأمّل. (8) وأمّا وجوب الصلاة على هؤلاء فهو مذهب أهل العلم لا مخالف له، (9) إلّا ما حكى طاب ثراه عن بعض من العامّة من أنّه لا يصلّى على المرجوم والمرجومة. (10) هذا، والغسل الواجب على هؤلاء لابدّ فيه من ثلاثة أغسال مشتملة على الخليطين كالغسل بعد الموت على المشهور؛ لكونه بدلاً عنه. (11) وقد قيل: بكفاية غسل واحد بالقراح؛ (12) لإطلاق الأمر به. وهل يتحتّم ذلك، أو يتخيّر بينه وبين غسلهم بعد الموت؟ ظاهر الأخبار وأكثر الفتاوى الأوّل، وربّما قيل بالثاني . (13) قوله: (عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن أبي هاشم الجعفري) . [ح 2 / 4630] وفي بعض النسخ: «عليّ بن إبراهيم، عن أبي هاشم الجعفري» موافقاً لنسخ التهذيب، (14) فالخبر على الأوّل حسن كالصحيح، وعلى الثاني صحيح. والّذي خطر ببالي البالي في حلّ هذا الخبر أنّ المعنى: أنّه إن كان وجه المصلوب إلى القبلة قم في الصلاة عليه مواجهاً للقبلة متجنّباً عمّا بين كتفيه مائلاً عنه إلى منكبه الأيمن، وإن كان ظهره إلى القبلة تجنّب عن وسط صدره ووجهه إلى منكبه الأيسر مواجهاً للقبلة، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن (15) من طرف صدره، وإن كان بالعكس فقم بالعكس مواجهاً للقبلة في الحالين أيضاً. والمراد ممّا بين المشرق والمغرب سمت الكعبة المعروف بالعلامات المقرّرة شرعاً في العراق وما والاها، فالأوامر للاستحباب على حذو ما ورد في الصلاة على الجنازة من استحباب القيام عند رأس الميّت أو صدره متجنّباً عن وسطه، فتأمّل .
.
ص: 293
. .
ص: 294
باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة من إطعام ثلاثة أيّام وتعزيتهموالمراد من الوجوب هو الاستحباب المؤكّد، والمصيبة في الأصل: ما أصاب الإنسان من خيرٍ أو شرٍّ (1) وخصّت في الاستعمال بالثاني . قوله في حسنة هشام بن سالم : (لمّا قتل جعفر بن أبي طالب) إلخ. [ح 1 / 4632] قال القرطبي (2) شارح [صحيح] مسلم: جعفر يكنّى أبا عبد اللّه رضي اللّه عنه، وكان أكبر من عليّ بعشر سنين، وكان من المهاجرين الأوّلين، هاجر إلى الحبشة وقدم منها على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعانقه، وقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» (3) ؟! وكان قدومه من حبشة في السنة السابعة من الهجرة، واختطّ له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بجنب المسجد، وقال له: «أشبهت خَلقي وخُلُقي». (4) ثمّ غزا غزوة مؤتة بأرض الشام سنة ثمان فقُتل فيها بعد أن قاتل حتّى قُطعت يداه معاً. فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه تعالى أبدله من يديه جناحين يطير بهما في الجنّة حيث شاء»، (5) فمن ثمّ قيل له: ذو الجناحين. ولمّا بلغ النبيّ صلى الله عليه و آله نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزّاها فيه، فدخلت فاطمة تبكي وتقول : «واعمّاه!» فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه تعالى أبدله من يديه جناحين يطير بهما في الجنّة، على مثل جعفر فلتبك البواكي. (6) وأمّا أسماء فهي بنت عميس بن مُعَدّ الخثعمية من خثعم أنمار، وهي اُخت ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله ، واُخت لُبابة اُمّ الفضل زوج العبّاس، واُخت أخواتها وهنّ تسع، وقيل: عشر. هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة، فولدت له محمّدا وعبد اللّه وعوناً، ثمّ هاجرت إلى المدينة، فلمّا قُتل جعفر رضي اللّه عنه تزوّجها أبو بكر وولدت له محمّد بن أبي بكر ثمّ مات عنها فتزوّجها عليّ، فولدت له يحيى بن عليّ، لا خلاف في ذلك. وقيل: كانت أسماء تحت حمزة بن عبد المطّلب، فولدت له ابنة تسمّى أمة اللّه ، وقيل: أمامة، ثمّ خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي، فولدت له عبد اللّه وعبد الرحمان، ثمّ خلف عليها بعده جعفر، ثمّ كان الأمر على ما ذكر. (7) هذا كلام القرطبي. ثمّ قال طاب ثراه: جريان السنّة بما ذكر في الحديث من باب التأسّي والاقتداء به صلى الله عليه و آله وقد اختلفت الاُمّة في حكم الاقتداء به صلى الله عليه و آله فجعله مالك وأكثر أصحابه وبعض الشافعية واجباً، وقال أكثر الشافعية : ندب، وقال طائفة منهم: هو على الإباحة، وقال حذّاق من المتكلّمين: إن كان الفعل في محلّ القربة فاتّباعه واجب، والحقّ التفصيل الّذي ذكرناه في الاُصول . (8) قوله في حسنة الكاهلي: (كان أبي) . [ح 5 / 4636] يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ؛ فإنّ أبا الحسن فيه هو موسى بن جعفر عليهماالسلام بقرينة رواية الكاهلي عنه، وقد وقع التصريح باسمه عليه السلام في الفقيه. (9) والظاهر أنّ اُمّ فروة فيها هي اُمّ أبي عبد اللّه عليه السلام بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. ويحتمل بنت فاطمة بنت الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما. فقد قيل: إنّها كنيته لهما . (10) قوله في خبر المفضّل: (اتركن التعداد) . [ح 6 / 4637] يعني عدّ مدائحة صلى الله عليه و آله لتحريص الحاضرين على البكاء، وإنّما اُمرت صلوات اللّه عليها بذلك مع أنّ عدّ مدائحه صلى الله عليه و آله عبادة؛ لإشعاره بعدم التصبّر، كما سيأتي أنّ «من أقام النوّاحة فقد ترك الصبر». (11) على أنّ مدائحه صلى الله عليه و آله لم تكن مخفيّة محتاجة إلى العدّ .
.
ص: 295
. .
ص: 296
. .
ص: 297
باب المصيبة بالولدالولد بالتحريك يعمّ الذكر والاُنثى، والصغير والكبير، والواحد والمتعدّد، وبالضمّ جمع . قوله: (عن أبي إسماعيل السرّاج) . [ح 1 / 4638] هو عبد اللّه بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري أخو حمّاد بن عثمان، ووثّقه النجاشي (1) والعلّامة في الخلاصة، (2) فالخبر صحيح . قوله في خبر جابر: (درّت دريرة فبكيت) . [ح 2 / 4639] يقال : دَرَّ اللبنُ: إذا جرى من الضرع، (3) يعني درّ اللبن من ضرعي فتذكرت بذلك للقاسم، فبكيت عليه . قوله في خبر السكوني: (إذا قبض روح (4) ولد المؤمن) ، إلخ. [ح 4 / 4641] قال طاب ثراه: في طريق العامّة، ففي صحيح الترمذي : «أنّ الملائكة إذا قبضت روح العبد صعدت بها، فيسألهم اللّه وهو أعلم يقول : أقبضتم ثمرة فؤاد عبدي؟ فيقولون: يا ربّنا وأنت أعلم أجل. فيقول : ماذا قال أبوه؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول : ابنوا له بيتاً وسمّوه بيت الحمد». (5) وقال القرطبي: هذا السؤال تنبيه للملائكة على قولهم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ» ، وإظهار لصدق قوله تعالى: «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» . (6) قوله في خبر سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر، عن جابر: (من قدّم من المسلمين ولدين يحتسبهما عند اللّه حجباه من النار) إلخ. [ح 6 / 4643] قال طاب ثراه: معنى يحتسبهما يحتسب أجرهما على اللّه ويطلبه عند اللّه ، يعنى يصبر عليه مخلصاً للّه تعالى، ثمّ الظاهر أنّه كلّما ازداد ازداد الأجر، فالثلاثة أجرهم أزيد من الاثنين، وهكذا. وقال القرطبي فيما رواه في شرح [صحيح] مسلم عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال لنسوة من الأنصار : «لا يموت لإحداكنّ ثلاثة من الولد إلّا دخلت الجنّة»: (7) إنّما خصّ الحكم بالثلاثة؛ لأنّها أوّل مراتب الكثرة، فالأجر يكثر بكثرة المصائب، وأوّل الكثرة الثلاث، فإذا زاد على الثلاث فقد تخفّ المصيبة؛ لأنّها صارت عادةً، قال المتنبّي: (8) أنكرتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرَّةًثُمَّ اغتَرَفتُ بها فَصارَت دَيدَنا ويحتمل أنّه لم يذكر ما زاد على الثلاثة؛ لأنّه من باب اُخري. هذا كلامه . قوله في خبر إسماعيل بن مهران، عن عمرو بن شمر، عن جابر: (لمّا توفّى طاهر بن رسول اللّه ) إلخ. [ح 7 / 4644] الجمع بين هذا الخبر وخبر جابر الأوّل يقتضي كون الطاهر لقباً لقاسم ابنه صلى الله عليه و آله ؛ بناءً على ما اشتهر من أنّه والطيّب لقبان لقاسم وإبراهيم ابنه صلى الله عليه و آله ، وأنّ أولاده عليه السلام منحصرة في ستّة: هما وأربع أناث، فالنشر على خلاف اللفّ في قول أبي نصر الفراهي (9) في بيان أولاده عليه السلام : فرزند نبى قاسم و ابراهيم استپس طيّب وطاهر از سر تعظيم است با فاطمه ورقيّه اُمّ كلثومزينب شمرارترا سر تعليم است وقيل: إنّهم كانوا ثمانية: أربعة منهم كانوا ذكورا: عبد اللّه والقاسم والطيّب والطاهر، (10) ولم يثبت، وقد ادّعي أنّهم أربعة، وأنّ اللتين كانتا في بيت عثمان كانتا ربيبتين له عليه السلام من خديجة . (11) قوله في خبر عبد اللّه بن بكير: (صبر أو لم يصبر) . [ح 8 / 4645] أي ما لم يصدر عنه الجزع الّذي يخالف الرضا بقضاء اللّه تعالى، ولو صبر تكون له الدرجات العالية المعدّة للصابرين .
.
ص: 298
. .
ص: 299
. .
ص: 300
باب التعزّييعنى التسلّي والتصبّر على المصاب، (1) وحكى طاب ثراه عن الغزالي أنّه قال : «وممّا يتسلّى به عن موت الولد أن يقدّر أنّه أراد النقلة إلى بلد يسكنها، وبعث ولده ذلك ليرتاد له المسكن».
باب الصبر والجزع والاسترجاعالصبر على المصائب: هو الرضا بقضاء اللّه والوقوف معها بحسن الأدب وعدم الشكاية عنها إلى غيره تعالى. ولا ينافيه إظهارها إليه تعالى استدعاءا لرفعها، ومنه قول أيّوب عليه السلام : «رَبِّ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَ أَنتَ أَرْحَمُ الرَّ حِمِينَ» (2) ، وقد قال سبحانه فيه : «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (3) . والجزع منها نقيضه، وقد جزع من الشيء وأجزعه غيره. (4) والاسترجاع: هو قول : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» عند نزول مصيبة. وكفاك في فضل الصبر والاسترجاع قوله سبحانه : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّ_آ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَ تٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (5) . قوله في خبر جابر: (الصراخ بالويل والعويل) إلخ. [ح 1 / 4656] الويل: كلمة عذاب. (6) وقيل: هو وادٍ في جهنّم. (7) والصراخ به هو قول : واويلاه، ونحوه. والعويل عطف على الصراخ، وهو: اسم بمعنى البكاء والصراخ من أعول إعوالاً، إذا بكى وصرخ. (8) ويدلّ الخبر على تحريم لطم الوجه والصدر وجزّ الشعر ونحوها في المصائب، وادّعى الإجماع عليه في المبسوط، (9) بل له كفّارة تجيء في محلّه. ومعنى قوله: (ومن لم يفعل ذلك) ، إلى آخره [ح 1 / 4656]: أنّه إذا صدر عنه ما يخالف الشريعة فقد جرى عليه القضاء وحبط أجره. ولا ينافي ذلك ما سبق من ثبوت الأجر له صبرا ولم يصبر؛ لما عرفت من أنّ ذلك إذا لم يصدر عنه أمر يخالف الشريع. وقال طاب ثراه: «وقيل: أي من لم يصبر وجزع لا يكون له ثواب وإن كان له عوض، فيحبط عدم الصبر أجره الّذي هو الثواب دون العوض، بخلاف من صبر فإنّ له الثواب والعوض جميعاً». وكذا الكلام في قوله: «ضرب المسلم يده على فخذه إحباط لأجره» في الخبر الآتي. (10) قوله: (غفر [اللّه ] له كلّ ذنب اكتسب فيما بينهما) . [ح 4 / 4659] أي فيما بين حدوث المصيبة وذكرها، والذنب بعمومه يشمل الكبائر، فتدبّر . قوله: (عن داوود بن رزين) . [ح 5 / 4660] هو غير مذكور فيكتب الرجال، وفي بعض النسخ داوود بن زُربي، وصُحّح في الخلاصة بضمّ الزاي المعجمة والراء الساكنة بعدها والباء الموحّدة، وربّما اُعرب بكسر الزاء، وقد نقل هذا عن ضبط الشهيد الثاني على الخلاصة، (11) ووثّقه الشيخ المفيد في الإرشاد (12) على ما حكى عنه الفاضل الاسترآبادي في رجاله، ووثّقه النجاشي على ما نقل عن الخلاصة (13) ورجال ابن داوود، (14) ولم أجد نصّاً عليه من النجاشي وإنّما قال : «داود بن زربي أبو سليمان الخندقيّ البندار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ذكره ابن عقدة» ثمّ ذكر أنّ راوي كتابه عليّ بن خالد العاقولي. انتهى. (15) ولا من الروايات ما يدلّ عليه، وإنّما يدلّ بعض الأخبار على مدحه، رواه الشيخ الكشّي عليه الرحمة عن حمدويه وإبراهيم بإسنادهما إلى داوود الرقّي في قصّة أمر أبي عبد اللّه عليه السلام داوود بن زربي بغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً ثلاثاً؛ صيانة له عن أبي جعفر المنصور، وفيه دعاؤه عليه السلام له ولإخوانه المؤمنين بدخول الجنّة، (16) وقد سبق في محلّه. وهو أحد ممّن روى النصّ على الرضا عليه السلام عن أبيه، روى الكشّي عن حمدويه بإسناده عن الضحّاك بن الأشعث، قال : أخبرني داود بن زربي، قال : حملت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام مالاً فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت له: لِمَ لا تأخذ الباقي؟ قال : إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك»، فلمّا مضى بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام فأخذه منّي. (17) وقال طاب ثراه: تقول آجَره اللّه يَأجُره ويَأجِره من باب نصر وضرب، وأجَرَه إيجارا: أعطاه ثواب عمله. وهمزة الأمر في : «اللّهمّ أجرني على مصيبتي» على الأوّل ساكنة؛ لسقوط همزة الوصل وعود المنقلبة بحالها، والجيم إمّا مضمومة أو مكسورة، وعلى الثاني همزة قطع ممدودة كما في أمِن. وقال المازري: أخلِف بقطع الهمزة وكسر اللّام، يقال لمن ذهب منه ما يتوقّع حصول مثله كالمال والولد: أخلَفَ اللّه عليك، ولمن ذهب منه ما لا يتوقّع مثله كالوالد: خَلَف اللّه عليك بغير همزة، أي كان اللّه عزّ وجلّ خليفة منه عليك. (18) وقوله عليه السلام : «كان له من الأجر مثل ما كان عند أوّل صدمة» بالنظر إلى استجابة قوله : «اللّهمّ أجرني على مصيبتي»، فلا يبعد أن يقال : يخلف اللّه تعالى عليه أفضل منها بالنظر إلى استجابة ما بعده أيضاً؛ لبعد استجابة بعض الدعاء دون بعض، وإنّما لم يذكره عليه السلام اكتفاءً عنه بما ذكره للدلالة عليه. ويؤيّده ما رواه مسلم عن اُمّ سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره اللّه عزّ وجلّ: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، اللّهمّ أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف اللّه له خيرا منها». (19) وأصل الصدم الضرب الشديد في الشيء الصلب، ثمّ استعير للأمر المكروه الّذي يأتي فجأة. (20) والمساواة بين الصدمة الاُولى وما بعدها من ذكر المصيبة في الأجر تفضّل من اللّه سبحانه، وإلّا فمشقّة الصبر إنّما هو عند هجوم المصيبة وفي أوّل صدمتها؛ ومنه قيل: «يجب على العاقل أن يلتزم عند مصابه ما لابدّ للأحقّ منه بعد ثلاث أو أزيد» . قوله في خبر عليّ بن عقبة: (ولا شقّ الثياب) . [ح 7 / 4662] لا خلاف بين الأصحاب في تحريم شقّ الثوب على غير الأب والأخ، (21) وإن اختلفوا في وجوب الكفّارة له على ما يأتي في محلّه . قوله في مرسلة يونس بن يعقوب: (وجعل لا يقرّ) . [ح 13 / 4668] من القرار، يعني أنّه عليه السلام كان مضطرباً شديدا حتّى إنّا نتخوّف منه ما نكره من موته عليه السلام فجأة ونحوه، وإنّما كان عليه السلام مضطرباً كذلك لشفقته على صبيّه، واستدعاؤه من اللّه تعالى شفاءه، وهو ممدوح قبل عروض الموت، وربّما فسّر «ما نكره» بالويل والثبور والصياح وشقّ الثوب وأمثالها ممّا يوجب حبط الأجر .
.
ص: 301
. .
ص: 302
. .
ص: 303
. .
ص: 304
باب ثواب التعزيةأي تسلية حزين، سواء كان حزنه لموت حبيب له أو لسببٍ آخر، وقد مرّ بعض أخبار الباب في باب ثواب من عزّى حزيناً. ونعم ما قال طاب ثراه: «الأولى أن يذكر أحاديث هذا الباب في ذيل ذلك الباب»، فتأمّل .
.
ص: 305
باب في السَّلْوةهو طيب النفس والرضا بقضاء اللّه تعالى، يقال : سلوت عنه سلوا من باب قعد، والسلوة اسم منه. (1) والغرض بيان علّة رضاء النفس بموت الأحبّاء القليل ونسيان ما يشاهد مع غاية الحزن حاله . قوله في خبر مهران: (فأنساه لوعة الحزن) . [ح 1 / 4673] اللوعة: حرقة القلب وحزنه، (2) والإضافة على الأوّل من باب إضافة المسبّب إلى السبب، وعلى الثاني بيانيّة .
باب زيارة القبوريستحبّ زيارتها على الرجال، وبه قال أهل العلم من الفريقين، (3) والأخبار متظافرة عليه من الطريقين. في المنتهى: ويجوز للنساء، وعن أحمد روايتان إحداهما الكراهة. (4) لنا: ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «كنت نهيتكم (5) [عن] زيارة القبور فزوروها». (6) وهو بعمومه يتناول النساء. وعن ابن أبي مليكة أنّه قال لعائشة: يا اُمّ المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمان، فقلت لها: قد نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن زيارة القبور. قالت: قد نهى عنها ثمّ أمر بزيارتها. (7) ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن يونس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كلّ غداة سبت، فتأتي قبر حمزة وتترحّم عليه وتستغفر له». (8) انتهى. (9) ويدلّ عليه حسنة هشام بن سالم (10) أيضاً. وقال طاب ثراه: لا يبعد تقييده بما إذا كانت مأمونة، وقد صرّح بذلك التقييد الفاضل الأردبيلي، واحتمل أيضاً اختصاص فاطمة صلوات اللّه عليها بذلك لعصمتها وغاية سترها وعفافها. (11) ثمّ قال : وللعامّة فيه ثلاثة أقوال، والأشهر عندهم التحريم، وهو الأظهر من روايتهم: لعن [رسول] اللّه زوّارات القبور . 12 قوله في موثقة سماعة: (ولا تُبنى عندها المساجد) . [ح 2 / 4677] قال طاب ثراه: النهي محمول على الكراهة، ولعلّ الوجه فيه أنّه يوهم السجود على القبر، كما ورد التعليل بذلك في النهي عن اتّخاذ قبور الأنبياء مساجد، (12) ويستفاد منه كراهة الصلاة والقبر بين يدي المصلّي . قوله في حسنة هشام بن سالم: (لم تُر كاشرة) إلخ. [ح 3 / 4678] الكشر: التبسّم، (13) ولا ينافي هذا الخبر خبر يونس المتقدّم؛ لأنّ الظاهر أنّها عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء كلّ جمعة مرّة غداة السبت في حياة أبيها صلى الله عليه و آله وبعده كلّ جمعة مرّتين لغاية حزنها . قوله في حسنة عبد اللّه بن المغيرة: (أنتم لنا فرط ونحن إن شاء اللّه بكم لاحقون) . [ح 5 / 4680] قال طاب ثراه: الفرط بالتحريك: الّذي يتقدّم الواردة، فيهيأ لهم الارسان والأرسية والدلاء، ويمدر الحياض (14) ، ويستقي لهم، وهو فعل بمعنى فاعل كتَبَعٍ وتابع، يقال : رجل فرط وقوم فرط، ومنه قيل للطفل الميّت: اللّهمّ اجعله لنا فرطاً، وأنتم لنا فرط. (15) ثمّ قال : والاستثناء يرجع إلى الحصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور، أي إنّا لاحقون بكم أيّها المؤمنون لا بغيركم، فالشرط على حقيقته؛ لأنّ اللحوق بهم لا بغيرهم أمر غيبي موكول إلى مشيئته سبحانه، هذا ما سنح لي. وقيل: أن يرجع الاستثناء إلى اللحوق، أي الموت وهو لا يشكّ فيه، فيحمل على أنّه تفويض كقوله تعالى : «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ» (16) ؛ لأنّه خبر صدق، أو على أنّه تبرّك وامتثال لقوله تعالى : «وَ لَا تَقُولَنَّ لِشَْىْ ءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذلِكَ غَدًا إِلَا أَن يَشَآءَ اللَّهُ» (17) ، وغلب عليه ذلك حتّى صار تستعمل في المعلوم وإن رجع إلى الموتى المخاطبين، أي إنّا بكم أيّها المؤمنون إن شاء اللّه لاحقون، فيحمل على حقيقته؛ لأنّ إيمانهم أمر غيبيّ لا يعلمه إلّا اللّه تعالى، وقيل: «إن» هنا بمعنى إذ . (18) قوله في صحيحة منصور بن حازم: (السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين) . [ح 7 / 4682] قال طاب ثراه: «من بيان لضمير المخاطبين، والغرض منه تخصيص الدعاء بالمؤمنين، والمضاف إلى ديار محذوف وهو الأهل، وإضافة الديار إلى القوم لاميّة ». قوله: (محمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد) إلخ. [ح 9 / 4684] محمّد بن يحيى هو العطّار، ومحمّد بن أحمد هو محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، وعليّ بن بلال هو أبو الحسن البغدادي من أصحاب الهادي عليه السلام ، وهو ممدوح، ولذا حكم في المنتقى بحسن الرواية، (19) والأكثر حكموا بصحّتها؛ لتوثيق ابن داوود إيّاه، (20) ولكون مدحه مدحاً عظيماً ليس بأقلّ من التوثيق، رواه الكشّي، قال : وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد، حدّثني محمّد بن عيسى اليقطيني، قال : كتب (21) عليه السلام إلى عليّ بن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومئتين : «بسم اللّه الرحمن الرحيم، أحمد اللّه إليك وأشكر طَوله وعَوده، واُصلّي على النبيّ محمّد وآله صلوات اللّه ورحمته عليهم، ثمّ إنّي أقمت أبا عليّ مقام الحسين (22) بن عبد ربّه، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده، و (23) الّذي لا يتقدّمه أحد، وقد أعلم أنّك شيخ ناحيتك، فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك، فعليك بالطاعة والتسليم إليه جميع الحقّ قِبلك، وأن تحُضّ مواليّ على ذلك، وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته، فذلك توقير علينا ومحبوب لدينا، ولك به جزاء من اللّه وأجر، فإنّ اللّه يعطي من يشاء [ذ ]والإعطاء والجزاء برحمته، وأنت في وديعة اللّه ، وكتبت بخطي». (24) ثمّ الظاهر وقوع سهو من أحد من الرواة في هذا الكتاب وفي التهذيب (25) في قوله: «عليّ بن بلال» وفي قوله: «عن الرضا عليه السلام »، أو من أحد من الرواة في الكشّي والنجاشي في قوله: «محمّد بن علي بن بلال»، وقوله: «عن أبي جعفر عليه السلام ، لوحدة القصّة ظاهرا، فقد روى الكشّي في الصحيح، قال : قال : وجدت في كتاب محمّد بن الحسين بن بندار القمّي بخطّه: حدّثني محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، قال : كنت بفيد، فقال لي محمّد بن عليّ بن بلال : مُرَّ بنا إلى قبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع لنزوره، فلمّا أتيناه جلس عند رأسه مستقبل القبلة والقبر أمامه، ثمّ قال أخبرني صاحب [هذا ]القبر أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول : «من زار قبر أخيه المؤمن، فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر، فقرأ «إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» سبع مرّات، أمن من الفزع الأكبر». (26) وقال النجاشي: قال محمّد بن يحيى العطّار: أخبرنا محمّد بن أحمد بن يحيى، قال : كنت بفيد، فقال لي محمّد بن عليّ بن بلال، إلى آخر ما ذكره الكشّي بعينه. (27) وأبو جعفر في روايتهما هو الجواد عليه السلام ؛ لأنّ ابن بزيع إنّما كان من رجال موسى والرضا والجواد عليهم السلام على ما يظهر من الأخبار وأقوال علماء الرجال. (28) وقال طاب ثراه: «الترديد في «يوم الفزع الأكبر» أو «يوم الفزع» من الراوي». وقال الفاضل الأردبيلي: «الظاهر أنّ المراد أمن القائل، ويحتمل المزور، ويحتملهما أيضاً». (29) أقول : يؤيّد الأخير ما رواه الصدوق عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرّات إلّا غفر اللّه له ولصاحب القبر» . (30)
.
ص: 306
. .
ص: 307
. .
ص: 308
. .
ص: 309
. .
ص: 310
باب أنّ الميّت يزور أهلهالأخبار متظافرة في ذلك، ويظهر منها أنّها يزور بعضهم في كلّ يوم، وبعضهم غبّاً، وبعضهم في كلّ جمعة، وهكذا على اختلاف مراتبها . (1) قوله في خبر عبد الرحيم: (فيأتيهم في بعض صور الطير) . [ح 4 / 4689] قال طاب ثراه: في بعض أخبار العامّة: «أنّ أرواح الشهداء كطير»، (2) وفي بعضها : «هي صورة طير»، (3) وفي بعضها : «نسمة المؤمن طير»، (4) وفي بعضها : «في جوف طير أخضر»، (5) و في بعضها: «في حواصل طير يسرح في الجنّة حيث يشاء». (6) وبالجملة، الأخبار من الطريقين دالّة على تصوّر الأرواح بصور الطيور، واللّه سبحانه قادر على تصويرها بتلك الصور، وهي للطافتها قابلة لذلك، فلا وجه لما ذكره الآبي عن بعضهم من أنّه يبعد حمل تلك الأخبار على ظاهرها؛ لأنّه إذا تغيّرت الأرواح عن صفاتها إلى صفات الطير فليست بأرواح، فلابدّ من تأويلها، إمّا بأنّ التعبير عن الأرواح بالطيور على سبيل التشبيه بسرعة حركتها، أو بأنّ تلك الصور مراكب ممهّدة لها، فتركبها وتسرح حيث شاءت بسير تلك المراكب، واللّه أعلم بحقيقة تلك المراكب، كما هو أعلم بحقيقة راكبها. ويحتمل أن يكون تلك المراكب طيورا من ذهب أو ياقوت، كما جاء في صفة خيل الجنّة، وأنّها مراكب ومجالس لأهل الجنّة في الجنّة. (7) وقد جاء في سدرة المنتهى أنّه إليها تنتهي أرواح الشهداء، (8) وأنّه غشيها فراش من ذهب، (9) والفراش الطيور الصغار، فلعلّ ذلك الفراش من تلك الطيور الّتي تسرح بها أرواح الشهداء والمؤمنين كلّهم الّتي تأوي إليها، وكلّ محتمل غير مستحيل .
.
ص: 311
. .
ص: 312
باب أنّ الميّت يمثّل له ما له وولده وعمله قبل موتهظاهره تجسّم الأعمال، ولا استبعاد بالنظر إلى قدرة اللّه تعالى تقليب الأعراض جواهر، ويحتمل أن يكون تمثيلاً، واللّه أعلم بحقيقة الحال . قوله في خبر سويد: (وأحسنهم رياشاً) إلخ. [ح 1 / 4691] الرياش كالريش: اللباس الفاخر، (1) والخدّ: الشقّ، (2) والمخدّة، حديدة تُخدّ به الأرض، أي تشقّ. (3) والمراد بها هنا إقدامهما على الاستعارة. والقصف: الكسر، وريح قاصف: شديد الصوت، يقال : قصف الرعد وغيره قصفاً، والقصيف: هشيم الشجر. (4) واليافوخ: هو الموضع الّذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد من الولادة. (5) والمِرزبة بالتخفيف: المطرقة الكبيرة، ويقال لها: إرزَبَّة بالهمزة والتشديد أيضاً. (6) والذعر: الخوف. (7) والقنا: جمع القناة، وهي الرمح. (8) والزجّ بالضمّ والشدّ: الحديدة الّتي في أسفله . (9) قال طاب ثراه: عذاب القبر واقع إجماعاً من أهل العلم، إلّا من شذّ من طائفة من متأخّري المعتزلة حيث أنكروه (10) وقالوا كون الميّت يقام ويقعد ولا يرى، ويخاطب ويصيح ولا يسمع خلاف الحسّ، وهذا مثل أن يقال في هذا المقام: أعمدة وفساطيط مغنّيات، ولا يرى ولا يسمع، فإنّ الحسّ يكذّبها. ولو وضع الميّت في القبر على وضع مخصوص وطرح عليه شيء من التراب ونحوه، ثمّ يكشف عنه يرى على ذلك الوضع بعينه والتراب باقٍ بحاله، فدلّ ذلك على أنّه لم يتحرّك، ولم يقم، ولم يقعد، ولم يخاطب، ولم يعاتب، والقول بخلاف ذلك ممّا يكذّبه الرؤية ولا يقبله الرؤية. والجواب عنه: أنّ الحكمة الإلهية مقتضية لاختفاء أحوالات البرزخ عن العيون والأبصار؛ إبقاءً لأساس الاختيار وعدم هدمه بشأئبة الإجبار. وبالجملة، هذه الأبصار الفاترة والعيون الباترة لا تعلّق لهما بما في النشأة الآخرة، كما أنّه لا تعلّق لهما بما هو في عالم الملكوت، ولذلك قيل: ليس عدم إدراك الشيء إدراكاً لعدمه، فإذا أخبر به المخبر الصادق جزمنا به وقلنا سمعاً وطاعة . قوله في خبر أبي جميلة: (حميت عنهم) إلخ. [ح 2 / 4692] يقال : حميته وحميت عنه حماية، أي دفعت الضرّ عنه. (11) وحريبة الرجل: ماله الّذي يعيش به. (12) وفي القاموس: «ثوى بالمكان: أطال الإقامة به، أو نزل». (13) ويؤيّد الثاني إضافة الطول إلى الثواء. وقوله: «ينادي» حال عن القبر . قوله في خبر عمرو بن شمر، عن جابر: (اللّهمّ إن كان ضمرة هزأ) إلخ. [ح 4 / 4694] قال طاب ثراه: «الأسِف بفتح الهمزة وكسر السين : الغضبان». (14) والظاهر من استجابة دعائه عليه السلام أنّ ضمرة قال ذلك على سبيل الإنكار والاستهزاء. وفي تعليق الدعاء بالشرط لا دلالة على جواز مثل هذا القول من باب الملاحة الظرافة. نعم، فيه دلالة على عدم استحقاق الدعاء عليه، والفرق بينهما ظاهر.
.
ص: 313
. .
ص: 314
باب المسألة في القبر ومن يُسأل ومن لا يُسألأجمع أهل العلم بل أهل الملل على سؤال منكر ونكير في القبر، (1) والأخبار متظافرة عليه من الطريقين، والظاهر من الأخبار والأقوال أنّ السؤال فيه إنّما هو عن الإيمان والكفر فقط، والثواب والعقاب فيه لهما حسب، والسؤال عن باقي الواجبات والمحرّمات موكول إلى يوم الجزاء، وكذا ثوابها وعقابها، وقد سمعت ذلك من عالم نصراني مشهور عند النصارى بالفضل، معتمد عليه عندهم يقال له: رفائيل. والمواقف للحساب خمسون في كلّ موقف يسأل عن طاعة، فقد . (2) قوله في خبر أبي بكر الحضرمي: (لا يُسئل في القبر إلّا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً) . [ح 1 / 4695] مَن موصولة، ومحض على صيغة الماضي صلته، وربما قرئ على لفظ من الجارّة والمصدر، و على التقديرين محضاً مصدر للتوكيد . ويؤيّد الأوّل ضمير العاقل في الباقون، و رواية عبد اللّه بن القاسم عن أبي بكر الحضرمي، (3) وما سنرويه عن الصادق عليه السلام ، فالمعنى أنّه لا يُسأل في القبر إلّا المؤمن الخالص والكافر الخالص، فالباقون الملهوّ عنهم المستضعفون والمُرجَون لأمر اللّه أظهرا الإسلام أو الكفر أو لا، ولا ينافيه عموم الأمر بالتلقين بحيث يشملهما؛ إذ ذلك لعدم علمنا بحال الموتى وتجويزنا كون كلّ ميّت مؤمن من ماحضي الإيمان. والمعنى على الثاني انحصار السؤال في القبر عن أصل الإيمان والكفر، فالباقون هي ما عدا الإيمان والكفر من الأعمال، وعبّر عنها بضمير العاقل باعتبار أنّ حقيقة السؤال إنّما يتعلّق بفاعليها، فاُعطيت حكمهم. والاحتمال الأوّل لا ينافي هذا الانحصار، بل يحتمل اختصاص السؤال عن المؤمن الخالص والكافر الخالص بالإيمان والكفر، بل هو أظهر لاقتضاء التعليق على الوصف إيّاه، فلا ينافي ما سبق، لكن يظهر من بعض الأخبار المجازات في القبر بالأعمال أيضاً لماحضي الإيمان والكفر، (4) فليوكل علمه إلى اللّه تعالى. قال طاب ثراه: نقل بعض المحقّقين عن الشيخ المفيد قدّس اللّه روحه أنّه قال في شرح كتاب الاعتقادات لابن بابويه: الّذي ثبت من الأخبار في هذا الباب أنّ الأرواح بعد موت الأجساد على ضربين: منها: ما ينقل إلى الثواب والعقاب، ومنها: ما يعطّل فلا يشعر بثواب ولا عقاب، وقد روى عن الصادق عليه السلام ما ذكرناه في هذا المعنى، فسئل عمّن مات في هذه الدار أين تذهب روحه؟ فقال : «من مات وهو ماحض الإيمان محضاً أو ماحض الكفر محضاً (5) نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة، وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة، فإذا بعث اللّه من في القبور أنشأ جسمه وردّ روحه إلى جسده وحشره ليوفّيه أعماله»، فالمؤمن ينزل روحه من جسده إلى مثل جسده (6) في الصورة، فيجعل في جنّة من جنان اللّه [يتنعّم فيها] إلى يوم المآب، والكافر ينتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه في الصورة ويجعل في النار، فيعذّب بها إلى يوم القيام. وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى : «قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى» (7) ، و [شاهد ما ذكرناه] في الكافر قوله تعالى : «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ» (8) . والضرب الآخر ممن يُلهى عنه وتُعدم نفسه عند فساد جسده فلا يشعر بشيء حتّى يُبعث وهو من لم يمحض الإيمان محضاً ولم يمحض الكفر محضاً. واستدلّ على انعدام نفوس هذا الضرب بعد الموت بأنّه قد بيّن اللّه ذلك عند قوله : «إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَا يَوْمًا» (9) ، فبيّن أنّ القوم عند الحشر لا يعلمون مقدار لبثهم في القبور حتّى يظنّ ذلك بعضهم عشرا، (10) وبعضهم يوماً. ولا يجوز ذلك ممّن أُنعِم أو عُذِّب إلى بعثه؛ لأنّ من لم يزل منعماً أو معذَّباً لا يجهل [له] حاله فيما عومل به ولا يلتبس عليه الأمر في بقائه بعد وفاته. (11) انتهى . أقول : الظاهر من سياق كلامه قدس سره أنّه أراد بانعدام الضرب الثاني عدم إدراكه لشيء لا انعدامه عن ظرف الوجود، وأنّ حالهم كحال أصحاب الكهف حيث قالوا : «لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» (12) ، فلا يرد عليه ما أورده من أنّ انعدام النفوس العاميّة بعد الموت مذهب جمع من متقدّمي الحكماء، وقد دلّت البراهين العقليّة والنقليّة على بقائها، وما استدلّ به رحمه الله على فنائها لا يدلّ عليه، بل إنّما يدلّ على كونهم غير منعّمين ولا معذّبين تعذيباً وتنعيماً لابدّ من بقائه في الذكر. (13) وعدم بقاء شعورها لا يدلّ على انعدامها كما تشهد عليه المنامات والأحلام الّتي يراها الإنسان ثمّ يمحوا عن ذاكرته بحيث لا يمكنه استرجاعها مع بقاء النفس عند النوم اتّفاقاً، أوَليس الأمر في أصحاب الكهف كحال الّذين ذكرهم اللّه سبحانه في هذه الآية، حيث قالوا: «لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» ؟ قوله في خبر أبي بصير: (في جنازة سعد) إلخ. [ح 6 / 4700] قال طاب ثراه: هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الخزرجي، أسلم بالمدينة، وشهد العقبتين وبدرا وأحدا، ورُمي يوم الخندق بسهمٍ فعاش شهرا، ثمّ انتقص جرحه فمات منه (14) سنة خمس، وكان فاضلاً عابدا متديّناً. وعن ابن عبّاس، قال : قال سعد : ثلاث أنا فيهنّ رجل كما ينبغي، وما سواهنّ أنا رجل من المسلمين: ما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله حديثاً قطّ إلّا علمت أنّه حقّ من اللّه ، ولا كنت في صلاة قطّ فشغلت نفسي بغيرها، ولا كنت في جنازة قطّ إلّا حدّثت نفسي بما تقول ويقال لها حتّى انصرف عنها. (15) ومن طريق العامّة عن جابر، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم : «اهتزّ لها عرش الرحمان عزّ وجلّ». (16) وقال بعضهم: العرب تقول فلان يهتزّ للمكارم ولا يعنون أنّ جسمه يضطرب، وإنّما يعنون أنّه يرتاح لها، وذلك مشهور في أشعارهم. (17) والزعارّة بتشديد الراء: شراسة الخلق . (18) قوله: (عن غالب بن عثمان) . [ح 7 / 4701] هو مشترك بين المنقري وكان واقفياً غير موثّق، (19) والهمداني الزيدي، (20) والمراد به هنا هو الأوّل؛ بقرينة رواية ابن فضّال عنه. وفي القاموس: «هو بين ظهريّهم وظهرانيهم ولا تكسر النون وبين أظهرهم، أي وسطهم وفي معظمهم». (21) وقال طاب ثراه: في هذا الخبر وخبر أبي بصير (22) تسعة أذرع، وفي خبر عمرو بن الأشعث (23) سبعة أذرع، وفي آخر مدّ البصر، (24) وقد روى مسلم عن قتادة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «يُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعاً»، (25) ولا تنافي بينها؛ لاختلاف ذلك باختلاف أحوال الموتى. ثمّ إنّ هذا التوسيع محمول على ظاهره، وإنّه يرفع عن بصره ما يجاوره من الحجب الكثيفة بحيث لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه. وقال بعض العامّة: إنّه ضرب مثلٍ واستعارة للرحمة والتنعيم، كما يُقال : برّد اللّه مضجعه. والتنّين كسكّين : حيّة عظيمة . (26) قوله في خبر عمرو بن الأشعث : (يُسأل الرجل في قبره) . [ح 9 / 4703] قال طاب ثراه: «خرج ذكر القبر مخرج الغالب، وإلّا فالغريق والمصلوب وغيرهما أيضاً يُسألون». والخبر ضعيف لضعف عليّ بن حديد، (27) وجهالة عمرو بن الأشعث . (28) قوله في خبر عاصم بن حميد، عن أبي بصير: (وهو قول اللّه عزّ وجلّ: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» ) إلخ. [ح 10 / 4704] قال طاب ثراه: روى مسلم بإسناده عن البراء بن عاذب. عن النبى صلى الله عليه و آله قال : « «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربّك؟ (29) فيقول : ربّي اللّه ، ومحمّد نبيّي، (30) فذلك قوله عزّ وجلّ : «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فِى الْأَخِرَةِ» (31) . (32) وقال القرطبي: «يثبّتهم في الدنيا على الإيمان حتّى يموتوا، وفي الآخرة عن المسائلة ». قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبى بصير: (فيلقيان فيه الروح إلى حقويه) . [ح 12 / 4706] حكى طاب ثراه عن عياض (33) أنّه قال : المعذّب عند أهل الحقّ الجسد بعينه أو جزء منه بعد ردّ الروح إليه أو إلى ذلك الجزء، وخالف في ذلك محمّد بن جرير (34) وعبد اللّه بن كرام (35) وقالا: لا يشترط إعادة الروح في تعذيب الميّت، وهو فاسد؛ لأنّ الألم والإحساس إنّما يكونان في الحيّ. (36) وأقول : ما ذكر من وجه الفساد فاسد، وإلّا لزم أن لا يُعذّب الكافر بعد خروج روحه من جسده بعد السؤال، أو بقاء روحه في جسده إلى يوم القيامة، وتبطلهما الأخبار المتكاثرة والإجماع. والأولى أن يردّد ويقال : إن أرادا بعدم اشتراط إعادة الروح في تعذيبه منع إعادتها وقت السؤال، فيدفعه تظافر الأخبار في ذلك الردّ ، وانعقاد الإجماع عليه قبلهما وبعدهما، ويسلّم ما ذكراه إن أرادا عدم اشتراطها مطلقاً، ولا ينافي هذا إعادتها في خصوص وقت السؤال بالدليل . والجوانح: الأضلاع الّتي تحت الترائب، وهي ممّا يلي الصدر كالضلوع ممّا يلي الظهر والواحدة جانحةَ. (37) واللجلجة: التردّد في الكلام. (38) وقال طاب ثراه : هذا الخبر متّفق عليه بين الخاصّة والعامّة، روى مسلم عن زيد بن ثابت، قال : بينما النبيّ صلى الله عليه و آله في حائط لبني النجّار على بغلة له إذ حادت به، فكادت تلقيه وإذا أقبُر ستّة أو خمسة أو أربعة، فقال : «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟» فقال رجل: أنا، قال : «فمتى مات هؤلاء؟» فقال : ماتوا في الإشراك، فقال : «إنّ هذه الاُمّة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت اللّه أن يسمعكم [من ]عذاب القبر الّذي أسمع منه» . (39)
.
ص: 315
. .
ص: 316
. .
ص: 317
. .
ص: 318
. .
ص: 319
. .
ص: 320
. .
ص: 321
[باب ما ينطق به موضع القبر] (باب) وفي بعض النسخ: «باب ما ينطق به موضع القبر» نطقه يحتمل المقالي، والحالي أظهر . قوله: (عن عبد الرحمان بن أبي هاشم) إلخ. [ح 1 / 4713] عبد الرحمان هذا هو أبو عبد اللّه عبد الرحمان بن محمّد بن أبي هاشم، جليل من أصحابنا، ثقة . (1) لكن سالم مشترك بين ضعيف (2) ومجهول (3) وثقة . (4)
.
ص: 322
باب في أرواح المؤمنينأي في بيان مقاماته الرفيعة بعد المفارقة عن الأبدان . قوله: (عن عبادة الأسدي) . [ح 1 / 4716] هو عبادة بن زياد الأسدي الكوفي، زيدي موثّق. (1) وفي بعض النسخ عباية الأسدي، وهو عباية بن ربعى الأسدي، وهو مجهول الحال. (2) وكذا الحسين بن راشد (3) والمرتجل بن معمر، (4) والحبّة العرني. (5) وقال طاب ثراه: قال المازري: الحلقة بسكون اللّام: حلقة القوم وحلقة الباب، (6) وحكى الجوهري فيهما الفتح عن أبي عمرو بن أبي العلا، (7) وهي لغة رديّة . وفي المغرب : «الفتح ضرورة، وقيل: لغة» . (8) وقال الشيباني: «ليس في الكلام فَعَلة بفتح العين إلّا في قولهم: هؤلاء حلقة جمع حالق الشعر» (9) وجمع حلقة بسكون اللّام حِلَق بكسر الحاء وفتح اللّام، مثل بَدرَة وبِدَر. وبه قال الأصمعي. (10) وقيل: حَلَق بفتحهما على غير قياس، (11) وجمعها على اللغة الردية حَلَق بفتحهما. والاحتباء: هو جمع الساقين والفخذين إلى الصدر بعمامة ونحوها. (12) ثمّ قال طاب ثراه: في الحديث دلالة واضحة على بقاءالروح بعد خراب البدن، ولا خلاف فيه بين أصحاب الشرائع، وما قاله طائفة من المبتدعة إنّها تفنى بفنائه، لا اعتداد به ولا دليل عليه، وهي ما يشير الإنسان إليه بقوله: أنا، يعني النفس الناطقة الّتي هي جوهر مجرّد عن المادّة الجسمانيّة وعوارضها، لها تعلّق بالبدن تعلّق التدبير والتصرّف لا تعلّق الجزئيّة والحلول. والموت هو قطع هذا التعلّق وبقاؤها في حدّ ذاتها، وهو مختار أعاظم الحكماء الإلهيّين، وأكابر الصوفية والإشراقيّين، وأكثر المتكلّمين، وأكثر الأشاعرة كالراغب والغزالي والرازي، وإليه مثل بهمينار في التحصيل. وقد تحيّر العقلاء في حقيقتها، واعترف الأكثر بالعجز عن معرفتها حتّى قال بعض الأكابر: إنّ قول أمير المؤمنين عليه السلام : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (13) معناه أنّه كما لايمكن معرفة النفس لا يمكن معرفة الربّ. ويؤيّده قوله تعالى : «وَ يَسْ_?لُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَ مَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» (14) ، ففي الحديث دلالة واضحة على بطلان مذاهب من قال : هي هذا الهيكل المحسوس المعبّر عنه بالبدن. ومن قال : إنّها العضو الصنوبري المعبّر عنه بالقلب. ومن قال : إنّها الدماغ. ومن قال : إنّها الأعضاء الأصليّة المتولّدة من المني. ومن قال : إنّها الماء. ومن قال : إنّها جسم لطيف مشكّل بصورة الإنسان سارٍ فيه كسريان ماء الورد في الورد. ومن قال : إنّها النار والحرارة الغريزيّة. ومن قال : إنّها الأركان الأربعة. ومن قال : إنّها صورة نوعيّة قائمة بمادّة البدن، وهو مذهب الطبيعيّين. ومن قال : إنّها الواجب تعالى شأنه. انتهى. (15) وأقول : بل الظاهر من جلوسهم في واد السلم حلقاً حلقاً مخبتين متحادثين إنّها أجسام لطيفة غير مجرّدة، ولا ينافيه قوله عليه السلام : «أرواح» في جواب قول السائل: أجسام أم أرواح؛ لشيوع إطلاق الروح في الحديث على الجسم اللطيف، ولم يثبت الدليل على تجرّدها .
.
ص: 323
. .
ص: 324
[باب آخر في أرواح المؤمنين]وفي بعض النسخ : «باب آخر في أرواح المؤمنين» قوله في حسنة أبي ولّاد: (يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش) . [ح 1 / 4718] قال طاب ثراه: وذلك مثل ما رواه مسلم عن مسروق، قال : سألنا عبد اللّه عن هذه الآية : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَ تَا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ» (1) ، قال : أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال : «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوى إلى تلك القناديل، فيطلع عليهم ربّهم اطّلاعةً، فقال : هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنّة حيث شئنا؟! ففعل بهم ذلك ثلاث مرّات، فلمّا رأوا أنّهم لم يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا ربّ، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتّى نُقتل في سبيلك مرّةً اُخرى، فلمّا رأى أن ليس لهم حاجة تركهم». (2) وفي غير صحيح مسلم : «في حواصل طير». (3) وفي آخر : «كطير». (4) وفي آخر : «صورة طير» . (5) وفي المُوطّا: «إنّما نسمة المؤمن طير». (6) وقال القرطبي: المراد بنسمة المؤمن الشهداء، والنسمة تُطلق على الذات مع الروح، وعلى الروح وحدها، وهو المراد هنا؛ لعلمنا أنّ الجسد يفنى ويأكله التراب. وقيل: المراد بها سائر المسلمين الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب؛ بدليل عموم نسمة المؤمن. ثمّ قال طاب ثراه: أقول : في بعض رواياتنا دلالة واضحة على أنّ أرواح المؤمنين يصوّرون على شكل الطيور كما مرّ في باب أنّ الميّت يزور أهله، وفي هذا الخبر دلالة على أنّهم في أبدان مثاليّة، ولا تنافي بينهما؛ لأنّهم للطافتهم يتشكّلون بأيّ شكل أراد اللّه سبحانه، كما تتشكّل الملائكة والأجنّة والشياطين. وقال بعض مشايخنا قدّس اللّه أرواحهم: (7) قد يتوهّم أنّ القول بتعلّق الأرواح بعد مفارقتهم عن الأبدان العنصريّة بأشباح اُخر قول بالتناسخ. وهذا توهّم سخيف؛ لأنّ التناسخ الّذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلّق الأرواح بعد خراب الأبدان بأبدان اُخر في هذا العالم، إمّا عنصريّة كما يزعمه بعض الناس ويقسّمونه إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ، أو ملكيّة، إمّا ابتداء أو بعد تردّدها في الأبدان العنصرية على اختلاف آرائهم الواهية المفصّلة في محلّها. وأمّا القول بتعلّقها في عالم البرزخ بأبدان مثاليّة إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانهاالأوّليّة، إمّا بجمع أجزائها المشتّتة، أو بإيجاده من كتم العدم كما أنشأها أوّل مرّة، فليس من التناسخ في شيء، وإن سمّيته تناسخاً فلا مشاحّة في التسمية. قال الفخر الرازي في نهاية العقول : إنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردّها إلى الأبدان لا في هذا العالم، والتناسخية يقولون بقدمها وردّها إليها في هذا العالم، وينكرون الآخرة والجنّة والنار، وإنّما كفروا من جهة هذا الإنكار. وقال الآبي في كتاب إكمال الإكمال : قال بعض الفقهاء المتكلّمين: على الحديث الأشبه صحّة أنّها طير أو كطير أو في صورة طير، و بعّده بعضهم، وأنكر أنّها في جوف طير أو في حواصل طير، وليس فيه ما ينكر؛ إذ لا فرق بين كونها طيرا أو في حواصل طير، فإنّ للّه سبحانه أن يجعل أرواح المؤمنين إذا قبضها حيث شاء. نعم، يبعد أن يحمل رواية طير على ظاهرها؛ لأنّه إذا تغيّرت الأرواح عن صفاتها إلى صفات الطير فليست بأرواح. وكذلك استبعد بعضهم أن يكون رواية في جوف طير أيضاً على ظاهرها؛ لأنّ الجوف والحواصل على ما عهد في الدنيا دم ولحم، فيؤول الأمر بذلك إلى القول بالتناسخ. وأيضاً لو كانت في جوف طير لكانت مسجونة معذّبة، فلا يبعد أن يكون أجواف الطيور وحواصلها كناية عن مراكب ممتدّة لاستقرار الأرواح عليها، واللّه سبحانه أعلم بتلك المراكب كما قال : «ما لا عين رأت»، (8) فتنتقل تلك المراكب وتسرح حيث شاءت الأرواح، فعبّر عن الأرواح تارةً بأنّها طير؛ لسرعة حركتها، ولعلّ هذه المراكب طيور حقيقيّة من ذهب أو فضّة أو ياقوت كما في صفة خيل الجنّة، وإن كان كلّها مراكب ومجالس لأهل الجنّة في الجنّة ولأرواح الشهداء والمؤمنين كلّهم قبل البعث. وقد جاء في سدرة المنتهى أنّها إليها تنتهي أرواح الشهداء، وأنّها غشيها فراش من ذهب، والفراش الطيور الصغار، فلعلّ ذلك الفراش من تلك الطيور الّتي تسرح بها أرواح الشهداء، وكلٌّ محتمل غير مستحيل. انتهى. (9) وقال عياض: إنّما جعل الأرواح في جوف طير صيانة لها ومبالغة في إكرامها؛ لتطّلع على ما في الجنّة من المحاسن والنعم كما يطّلع الراكب المظلّل عليه بهودج شفّاف، ويدركون في تلك الحال من روائح الجنّة ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح، وأمّا اللذات الجسمانيّة، فإذا اُعيدت إلى أبدانها استوفت منها ما أعدّ اللّه سبحانه لها، ثمّ إنّ تلك الأرواح ترجع بها تلك الطيور إلى مواضعها المكرّمة المشرّفة المنوّرة الّتي عبّر عنها بالقناديل؛ لكثرة نورها وإشراقها . (10) قوله: (عن الحسين بن أحمد) . [ح 6 / 4723] هو الحسين بن أحمد بن ظبيان؛ بقرينة روايته عن يونس بن ظبيان، وهو مجهول الحال. (11) ونظير الخبر ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بناءً على ما هو ظاهره من أنّه عليّ بن مهزيار عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين، فقال : «في الجنّة على صورة أبدانهم لو رأيتهم لقلت فلان ». (12)
.
ص: 325
. .
ص: 326
. .
ص: 327
. .
ص: 328
باب في أرواح الكفّارأي في ذكر محالّها بعد مفارقتها عن الأبدان في البرزخ، وبيان تعذيبها بالنار، وهي نار خلقها اللّه سبحانه لتعذيبها من غير جهنّم، كما يفهم من بعض أخبار الباب وباب جنّة الدنيا . قوله في حسنة القدّاح: (شرّ ماء بئر على وجه الأرض ماء برهوت) إلخ. [ح 4 / 4728] المراد بالماء هنا البئر، وإلّا فهذه البئر الّتي ببرهوت مملوّة نارا، وقد شاع إطلاقه عليها، ويؤيّده ما ذكره ابن الأثير في نهايته: أنّ في الحديث: شرّ بئر في الأرض برهوت، ثمّ قال : برهوت بفتح الباء والراء: بئر عميقة بحضرموت لا يستطاع النزول إلى قعرها، ويقال : برهوت بضمّ الباء وسكون الراء، فتكون تاؤها على الأوّل زائدة، وعلى الثاني أصليّة، أخرجه الهروي عن عليّ عليه السلام ، (1) وأخرجه الطبراني في المعجم عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله . (2) والهام: جمع هامة مخفّفتي الميم، والمراد منها الأرواح، أرواح الكفّار. وقال ابن الأثير: الهامّة: الرأس، واسم طائر، وهيمن طير الليل، وقيل: هي البومة، وقيل: كانت العرب تزعم أنّ روح القتيل الّذي لا يُدرَك بثأره تصير هامة، فيقول : اسقوني، فإذا أدركت بثأره طارت، وقيل: كانوا يزعمون أنّ عظام الميّت وقيل: روحه تصير هامة، فتطير، ويسمّونه الصدى، فنفاه الإسلام ونهاهم عنه، وذكره الهروي في الهاء والواو، (3) فذكره الجوهري في الهاء والياء. (4) انتهى. (5) وهذا الخبر ظاهره جواز إطلاق هذا اللفظ على الروح، وخبر السكوني يدلّ على جواز إطلاق الصدا أيضاً عليها، ولم يثبت ما ذكره ابن الأثير من المنع، وحمل الهام على الرؤوس والصدا على الأجساد محتمل، فإنّ الهام أصلها الرؤوس كما عرفت، والصدا أيضاً جاء بمعنى الأجساد، ففي القاموس: «الصدا: الرجل اللطيف الجسد، والجسد بعد الموت». (6) لكنّه بعيد جدّا؛ إذ لم يستعملا في التعبير عن الأرواح قطّ . قوله في خبر السكوني: (شرّ اليهود يهود بَيُسان) . [ح 5 / 4729] في القاموس: «بَيُسان: قرية بالشام، وقرية بمرو، وموضع باليمامة»، (7) والكلّ هنا محتمل.
.
ص: 329
[باب جنّة الدنيا]باب وفي بعض النسخ : «باب جنّة الدنيا» يبيّن فيه أنّ الجنّة الّتي فيها أرواح المؤمنين في البرزخ من جنّات الدنيا لا جنّة الخلد، وأنّ النار الّتي فيها أرواح الكفّار هي النار المخلوقة في هذا العالم لا الجحيم، ولا ينافي هذا ما سبق من أنّ أرواح المؤمنين في دار السلام وأرواح الكفّار في بئر برهوت؛ لأنّ الاُولى جنّة عالية، بل ليست بأقلّ من جنّة الآخرة، والثانية مملؤة نارا . قوله : (وسهل بن زياد) [ح 1 / 4730 ]عطف على أحمد بن محمّد، وعليّ بن إبراهيم معطوف على عدّة، وضُرَيس كزبيرهو ضريس بن عبد الواحد بن المختار الكناسي على الظاهر، (1) فالخبر صحيح. وقوله: «ما حال الموحّدين المقرّين بنبوّة محمّد» إلى قوله: «فهؤلاء موقوفون»، يعنى بهم من لم يكن من شأنهم تمييز الحقّ من الباطل، ولا يعاندون أئمّة الحقّ، ولا يعتقدون أئمّة الجور، وهم كالمستضعفين والبله مرجون لأمر اللّه ، موقوفون في البرزخ، وللّه فيهم المشيّة كما يظهر من روايات اُخر. وأمّا الأطفال وأولاد المسلمين الّذين لم يبلغوا الحلم، فلعلّ المراد منهم أطفال غير المؤمنين من سائر فرق الإسلام؛ لما سيأتي من أنّ أطفال المؤمنين مع آبائهم فيالجنّة البتّة .
.
ص: 330
باب الأطفالأي كيفيّة أحوال أرواحهم، والّذي يظهر من الآيات والأخبار أنّ أطفال المؤمنين يتنعّمون معهم، بل يربّيهم من يشاء اللّه تعالى، ربّما يربّي بعضهم أهل العصمة والطهارة على ما روى الصدوق في الفقيه عن عليّ عليه السلام قال : «أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنّة». (1) وعن أبي بكر الحضرمي، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» (2) ، (3) قال : «قصرت الأبناء عن أعمال الآباء فألحق اللّه الأبناء بالآباء؛ لتقرّ بذلك أعينهم». (4) وعن أبي بصير قال، [قال أبو عبداللّه عليه السلام ] : «إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرضين ألا أنّ فلان بن فلان قد مات، فإن كان مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دُفع إليه يغذوه، وإلّا دُفع إلى فاطمة عليهاالسلامتغذوه حتّى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته، فتدفعه إليه». (5) وعن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «[إنّ] اللّه [تبارك و] تعالى يدفع إلى إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذوانهم بشجرة في الجنّة لها أخلاف كأخلاف البقرة في قصر من درّة، فإذا كان يوم القيامة اُلبسو وطُيّبوا واُهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنّة مع آبائهم، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : «وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» ». (6) بل يظهر من بعض الأخبار أنّهم يشفعون آباءهم، ففي الفقيه: وقال الصادق عليه السلام : «من قدّم أولادا يحتسبهم عند اللّه حجبوه من النار بإذن اللّه عزّ وجلّ». (7) فعموم الأولاد يشمل الصغار. وفي بعض الأخبار: أنّهم يقومون على باب الجنّة لا يدخلونها حتّى يدخلونها آباؤهم ، (8) رواه... (9) . ونقل طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : لا خلاف لأحد في أنّ أولاد المؤمنين مع آبائهم في الجنّة. وعن محيي الدين البغوي أنّه قال : أجمعوا على ذلك في أولاد الأنبياء عليهم السلام وكذا أولاد المؤمنين عند الجمهور، وبعضهم ينكر وجود الخلاف في ذلك. وقال : توقّف بعض المتكلّمين فيه؛ إذ لم يرد عنده قاطع، ولم يثبت عنده الإجماع، وقال : المسألة ليست من العمليّات، فلا يكتفي فيها بالآحاد ولا غلبة الظنون. وقال الآبي: الصواب إنكار الخلاف في ذلك وصحّة الاكتفاء فيه بالآحاد؛ لأنّ المسائل العملية الّتي لا ترجع إلى الذات ولا إلى الصفات يصحّ التمسّك فيها بالآحاد. ثمّ القاطع في ذلك التواتر المعنوي، فمن استقرأ جميع ظواهر القرآن والسنّة يحصل التواتر المذكور. وأمّا أطفال غيرهم، فالأصوب السكوت عنهم والتوقّف فيهم حتّى يظهر حالهم في يوم النشور؛ لعدم قاطع على شيء من الأقوال الآتية فيهم. ولو عدلنا عن ذلك، فالأظهر القول بأنّهم يتنعّمون مع المؤمنين كأطفالهم؛ لتولّدهم أيضاً على الإسلام؛ لقوله تعالى : «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (10) ، وللأخبار المتواترة معنى في أنّ الناس (11) مولود على فطرة الإسلام، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه. (12) ويؤيّدهما ما ورد من أنّهم خدمة أهل الجنّة ، رواه. (13) وروى البخاري أنّه عليه السلام رأى إبراهيم عليه السلام ليلة الإسراء في الجنّة ومعه جملة أولاد المسلمين، قالوا: وأولاد المشركين يا رسول اللّه ؟ قال : «وأولاد المشركين». (14) ونسبه والدي إلى المشهور، ونقله القرطبي عن بعضهم. وأمّا ما سبق عن عليّ عليه السلام من أنّهم مع آبائهم في النار، فمع ضعفه؛ لإرساله، وندرته، وعدم قابليّته للمعارضه لما ذُكر، فيمكن حمله على التقيّة؛ لموافقته لمذهب بعض العامّة على ما حكى عنهم القرطبي. (15) وقال طاب ثراه : «وقيل: يحتمل أنّهم يدخلون النار؛ لتذهب بخبثهم كما تذهب بخبث الحديد، ثمّ بعد ذلك يُخرَجون منها ويدخلون الجنّة». (16) وقال الصدوق: «إنّهم بعد الموت مع آبائهم في النار، لكن لا يصيبهم حرّها كما يصيب آبائهم، فما هم معذّبين بعد الموت إلى إمضاء الحجّة عليهم بالتأجيج». (17) وكذا أحاديث التأجيج ظاهرها التقيّة؛ لموافقتها لمذهب أكثر العامّة. وقال طاب ثراه: ونقل عن عقيل بن أبي طالب (18) أنّه قال : يدلّ على ضعفه أنّ الآخرة ليست دار تكليف؛ لأنّ المطلوب منه إنّما هو الإيمان بالغيب، والآخرة دار عيان، ولذا لا تنفع التوبة عند الاحتضار، ولا عند طلوع الشمس من مغربها؛ (19) لأنّها ساعة معاينة، وإذا لم ينفع الإيمان عندها فكيف ينفع في الآخرة؟ اُوّل على أنّها إنّما تدلّ على فسقهم بمخالفتهم لأمر خالقهم لا على كفرهم، فكيف يستحقّون به الخلود في الجحيم؟ وقد نقل عن بعض الأصحاب موافقاً لبعض العامّة القول بأنّهم يدخلون النار مع آبائهم بعد الموت من غير تكليف آخر؛ محتجّين بخبر عليّ عليه السلام المذكور، وبأنّه تعالى يعلم من حالهم أنّهم على تقدير البلوغ والتكليف يكفرون؛ متمسّكاً في ذلك بقوله عليه السلام : «اللّه أعلم بما كانوا عاملين» (20) مفسّرين إيّاه بذلك. وقد عرفت حال الأوّل، ويرد الثاني أنّه قد ثبت في الشريعة أنّه لا يعاقب أحد على قصد المعصية قبل فعلها، فكيف يعاقب من شأنه فعلها ؟ قوله في حسنة زرارة: (اللّه أعلم بما كانوا عاملين) إلخ.[ح 1 / 4732] قال طاب ثراه: مثل هذا الخبر مذكور في طرق العامّة بأسانيد متكثّرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه، قال[وا]: يا رسول اللّه ، أفرأيت من يموت صغيرا؟ قال : «اللّه أعلم بما كانوا عاملين». (21) وقال القرطبي: هذا السؤال إنّما كان عن أولاد المشركين، ومعناه: اللّه أعلم بما جبلهم وطبعهم عليه، فمن خلقه على جبلة المطيع دخل الجنّة، ومن خلقه على جبلة الكفر والفسق دخل النار، وهذا الثواب والعقاب ليس مرتّباً على التكليف، وإنّما هو بحكم علمه ومشيّته. ويحتمل أن يراد: اللّه أعلم أنّهم على تقدير الحياة أيّ شيء يعملون، فيُجزون بذلك، كما دلّ عليه بعض الآثار. ويحتمل أن يراد: أنّه تعالى أعلم بحالهم في الطاعة والعصيان عند التأجيح. أقول : الظاهر من هذه الحسنة هو التفسير الأخير، وليس المراد من المشية في قوله : «للّه فيهم المشية» أنّه إن شاء عذّبهم، وإن شاء غفر لهم، بل المشية التكليفيّة كما هو ظاهر ما بعده. وقال طاب ثراه: أهل الفترة هم الاُمم الّذين كانوا بين رسولين، كالفترة الّتي بين إدريس ونوح، وبين نوح وهود عليهم السلام وكانت ثمانمئة سنة، والّتي بين صالح وإبراهيم عليهماالسلاموكانت ستمئة وثلاثين سنة، ولكنّ الفقهاء إذا تكلّموا في الفترة فإنّما يعنون الّتي بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله وكانت خمسمئة سنة عندنا كما هو المنقول عن الباقر عليه السلام في كتاب الروضة. (22) وذكر البخاري عن سلمان أنّها ستمئة سنة، 23 وهو الّذي أخبر عليه السلام في ذلك الخبر نافع مولى عمر أنّه عقيدته. ثمّ قال : ومثل هذا الخبر ورد في طريق العامّة أيضاً، ذكر ابن ماجه (23) وأبو عمر (24) في التمهيد من أحاديث النبيّ صلى الله عليه و آله : «أنّه يُعرض على اللّه الأصمّ الّذي لا يسمع شيئاً والأحمق والهَرِم ورجل مات في الفترة، فيقول الأصمّ: يا ربّ، جاء الإسلام ولا أسمع شيئاً، ويقول الأحمق: يا ربّ، جاء الإسلام ولا أعقل شيئاً، ويقول الّذي مات في الفترة: ياربّ، ما جاءني من رسول. قال الراوي: وذهب عنّي ما قال الرابع، فيرسل اللّه إليهم أن ادخلوا النار، فوالّذي نفسي بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاماً». (25) وقال بعض فضلائهم: «هذا الحديث ضعيف». وقال بعض آخر منهم: «إنّه ليس من أحاديث الأئمّة وإنّما هو من أحاديث الشيوخ». ونقل عن عقيل بن أبي طالب ما تقدّم، وقال : الحقّ أنّهم غير معذّبين؛ لأنّه لم تقم عليهم الحجّة .
.
ص: 331
. .
ص: 332
. .
ص: 333
. .
ص: 334
. .
ص: 335
. .
ص: 336
باب النوادريذكر فيه أخبار متفرّقة متعلّقة بالأبواب السابقة من أحكام الموتى . قوله في خبر منصور الصيقل: (وجدا وجدته على ابن لي) . [ح 3 / 4742] الوجد: الحزن، (1) وفي التعبير عن الحزن به هنا لطيفة . قوله في مرسلة عليّ بن إبراهيم: (ولولا هول المطّلع لسرّني أن أكون مكانك) . [ح 4 / 4743] المُطّلع بفتح اللّام: مكان الاطّلاع من موضع عال، يقال : مُطّلع هذا الجبل من مكان كذا، أي مأتاه ومَصعده، (2) والمراد منه يوم القيامة، أو ما يُشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الآخرة، فشبّهه بالمُطّلع الّذي يُشرف عليه من موضعٍ عال . قوله في موثّقة عمّار: (لا يبقى له لحم ولا عظم إلّا طينته الّتي خلق منها) إلخ. [ح 7 / 4746] قال طاب ثراه: مثل ذلك موجود في طرق العامّة، روى مسلم عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «كلّ ابن آدم يأكله التراب إلّا عجب الذنب، منه خُلق ومنه يركب». (3) وعنه عليه السلام قال : «إنّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبدا، فيه يركب يوم القيامة». قالوا: أي عظم هو يا رسول اللّه ؟ قال : «عجب الذنب». (4) وقال عياض: العجب بفتح العين وإسكان الجيم: هو العظم الّذي أسفل الصُّلب، وهو رأس العُصعُص، ثمّ قال : قال الباجي (5) : هو أوّل ما خلق من بني آدم، وهو الّذي يبقى ليعاد تركيب الخلق عليه . (6) قوله في خبر يزيد بن خليفة: (فجعله بين مِشجَب له) . [ح 8 / 4747] المِشجب بكسر الميم وسكون السين المعجمة وفتح الجيم والباء الموحّدة : خشبات توضع عليها الثياب والقِرَب وأشباهها. (7) ويقال : آمنتُ الأسير بالمد ، أي أعطيته الأمان. والأمنة بفتح الهمزة وسكون الميم: اسم منه، والظاهر أنّ قوله : «آمنته» بصيغة الخطاب، وأنّ الخبر بمعنى الأمر عبّر عنه به رعاية للأدب، وحرصاً على صدور الأمن عنه صلى الله عليه و آله ، والضمير في «أبي» له عليه السلام ، وفي «آمنته» على صيغة المصدر للمغيرة، وضمير المفعول في «أعادها» لهذه الكلمة المذكورة بعده، أعني قوله: «أني آمنته»: وقد «جعلت لك ثلاثاً»، أي أمهلتك ثلاث ليال لتخرجه من المدينة. وضمير الفاعل في قوله: «وهو يعدهنّ» لأبي عبد اللّه عليه السلام ، فهو من كلام الراوي. ويحتمل عوده إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، فيكون من كلام أبي عبد اللّه عليه السلام . وعن الفاضل الأمين الاسترآبادي أنّه قال : من محتملات هذا الحديث أن يكون «آمنته» بصيغة المتكلّم، فيدّعي عثمان أنّه أعطى عمّه الأمان الشرعي حتّى يخلّصه من القتل، ويكون «أنّي آمنته» بدلاً عن الضمير المؤنّث المذكور في الموضعين، ويكون «إلّا إنّه يأتيه» متعلّقاً بقوله عليه السلام «ما آمنه»، وضمير «أنّه» لعثمان، وضمير «يأتيه» للنبيّ صلى الله عليه و آله . انتهى . والمراد بالجهاز في قوله: «وأثقله جهازه» ما هيّأه له عثمان، والوجس كالوعد الفزع في القلب، أو السمع من صوت، أو غيره. (8) والمراد أنّه أعيا عن المشي بسبب ثقل ما جهّز عثمان له على ظهره. والسُّمر بضم الميم: شجر معروف يقال له بالفارسية : (خار مغيلان) واحده سَمُرَة. (9) والبُهر: التعجّب. (10) و «أقني» بالقاف على صيغة الأمر المؤنّث، أي احفظي حياك. وفي بعض النسخ : «أفني» بالفاء على صيغة الماضي من الفناء مقروناً بهمزة الاستفهام للتقريع . قوله في خبر عمر بن يزيد: (إذا حضر الميّت أربعون رجلاً) إلخ. (11) [ح 14 / 4753] قال طاب ثراه: الظاهر أنّ الحكم مترتّب على هذا العدد، وقد ورد مثل ذلك في روايات العامّة أيضاً إلّا أنّ في بعضها : «مئة رجل»، (12) وفي بعضها : «صفوف»، (13) وفي بعضها : «اُمّة»، (14) وفي بعضها : «أربعون رجلاً». (15) وفي بعضها لم يذكر العدد، وهو ما رواه مسلم عن أنس بن مالك في حديث طويل أنّه صلى الله عليه و آله مرّ بجنازة فأثنى عليه خيرا، وقال : «من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنّة، ومن أثنيتم عليه شرّا وجبت له النار». (16) وقال بعضهم: يرجع الأمر في ذلك إلى قبول شهادة جمع من المسلمين مع استحباب الكثرة، والظاهر عدم قبول شهادتهم على الشرّ إلّا أن تكون شهادتهم مطابقة للواقع بأن يكون الميّت منافقاً ومخالفاً للحقّ كما قال القاضي القرطبي: أنّ ذلك في المنافق وأخبارنا خالية عنه . قوله في خبر عامر بن عبد اللّه : (عذق) . [ح 15 / 4754] العَذق بالفتح : النخلة بحملها، وبالكسر العنقود منها . (17) قوله في حسنة هشام بن سالم: (فإنّه لم يكثر ذكره إنسان إلّا زهد في الدنيا) . (18) [ح 18 / 4757] قال طاب ثراه: ولذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أكثروا ذكر هادم اللذّات». (19) وقال عليّ عليه السلام : «اُوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة [عنه]» . (20) قوله في خبر داود: (لِد للموت، واجمع للفناء، وابن للخراب) . [ح 19 / 4758] اللّام في المواضع الثلاثة للعاقبة، كما في قوله تعالى : «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَنًا» (21) . قوله في خبر جابر: (فتعتّب عليه) إلخ. [ح 26 / 4765] يقال : عتب عليه، أي وجد عليه وغضب، والتعتّب مثله. (22) قال طاب ثراه: قيل: إدريس عليه السلام هو الجدّ الأعلى لنوح عليه السلام ، واختلفت روايات العامّة في أنّه مرسل أم لا بعد الاتّفاق على نبوّته عليه السلام ، ففي بعضها دلالة على أنّه كان مرسلاً أيضاً، وأكثرهم عملوا به، واستدلّوا له بقوله تعالى : «وَ إِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» (23) زعماً منهم أنّ الياس هو إدريس، وقد قُرئ (وأنّ إدريس) (24) وعلى هذا لم يكن جدّا لنوح عليه السلام ؛ لأنّ الياس من ذرّيّته، بل من ذرّيّة إبراهيم؛ لقوله تعالى : «وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَاهَآ إِبْرَ هِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَ هَارُونَ وَكَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ» (25) ، فقد قيل: إنّ الضمير في ذرّيته لنوح بناءً على أنّه أقرب، (26) ولأنّ يونس ولوطاً من جملة الذرّيّة، ليسا من ذرّيّة إبراهيم عليه السلام ، فإنّ يونس هو ابن متّى من بني أعمامه، ولوطاً هو ابن هاران الأصغر (27) ابن أخيه عليه السلام . وفي بعضها دلالة على أنّه ليس بمُرسل، وإليه مال ابن بطّال. (28) وقال ابن عطيّة: 29 إنّه الأشهر. وامتغص بالغين المعجمة والصاد المهملة من المغص بالسكون: وهو وجع في الأمعاء. (29) وفي بعض النسخ بالعين المهملة والضاد المعجمة، يقال : امتعضت، إذا غضبت وشقّ عليك أمر . (30) قوله في خبر زرارة: (الحياة والموت خلقان من خلق اللّه تعالى) . [ح 34 / 4773] الخلق هنا بمعنى التقدير كما قيل في قوله تعالى : «خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ» (31) ، فلا ينافي كون الموت عدمياً على ما هو الحقّ من أنّه عدم الحياة عمّا من شأنّه أن يكون حيّاً. (32) وقيل: إنّه وجودي؛ محتجّاً بهذا الحديث، وبالكلام المجيد المُشار إليه، وبحديث ذبحه يوم القيامة في صورة كبش، المنقول من الطريقين. (33) وهؤلاء قد اختلفوا فيجوهريّته وعرضيّته، ذهب بعضهم إلى الثاني بناءً على أنّه نقلة من دار إلى دار، فيكون من مقولة الحركة. وربّما قيل بالأوّل؛ لقوله عليه السلام : «فإذا جاء الموت فدخل في الإنسان لم يدخل في شيء، إلّا وخرجت منه الحياة»؛ بناءً على أنّ الدخول والخروج من سمات الجواهر . قوله في خبر بريد الكناسي: (قد سُفي عليه) إلخ. (34) [ح 38 / 4777] يقال : سَفَتِ الريح، إذا ذرته. (35) وقوله: «مُهطِعاً إلى صوت الداعي»، أي مادّا عنقي مُصَوّباً رأسي متوجّهاً إلى صوت الداعي. قال الجوهري: يقال : هطع الرجل يهطع هطوعاً، إذا أقبل ببصره على الشيء ولا يقلع عنه، وهو مهطع، إذا مدّ عنقه وصوّب رأسه . (36) قوله في خبر السكوني: (من أشراط الساعة) . [ح 39 / 4778] الشَرَط بالتحريك: العلامة ، وجمعه أشراط . (37) قوله في مرفوعة محمّد بن يحيى: (مَوتٌ دَفيفٌ) . [ح 41 / 4780] دَفَّت عليه الاُمور: تتابعت، ودَفَّف تدفيفاً: أسرع. (38) وفي بعض النسخ: «دفيق» بالقاف أخيرا، يقال : دفق اللّه روحه، إذا مات . (39) قوله في خبر القدّاح: (هَمَلَت عين رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالدموع) . [ح 45 / 4784] أي سال دمعه، وهذا الخبر يدلّ على عدم كراهية البكاء في المصاب، بل يدلّ بعض الأخبار على رجحانه؛ معلّلاً بأنّه يزيل حزن القلب، وهذا إذا لم يصدر عنه ما يوجب سخط الربّ من قول أو فعل أو يشعر بعدم الرضا بقضائه تعالى شأنه. وقال طاب ثراه: ونظير ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن عمر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بكى لسعد بن عبادة وبكى أصحابه، فقال : «ألا تسمعون أنّ اللّه لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم» . (40) قد فرغت من شرح كتاب الطهارة والجنائز بحمد اللّه وحسن توفيقه في يوم الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل من شهور ستّة وتسعين بعد الألف قائلاً: ربّ صلّي على محمّد وأهل بيته الطاهرين المعصومين، وأحينا على ملّتهم ما أحييتنا، وتوفّنا على ملّتهم إذا توفّيتنا، واحشرنا في زمرتهم، وارزقنا شفاعتهم، وأوردنا حوضهم، واسقنا بكأسهم، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على خير خلقه محمّدٍ وآله المعصومين . وأنا العبد محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني . ثمّ فرغت من تحرير هذه النسخة بعد المراجعة والإصلاح في شهر محرّم الحرام سنة 1114 .
.
ص: 337
. .
ص: 338
. .
ص: 339
. .
ص: 340
. .
ص: 341
. .
ص: 342
. .
ص: 343
. .
ص: 344
. .
ص: 345
كتاب الصلاة
.
ص: 346
. .
ص: 347
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله البررة المعصومين ، صلاة دائمة بدوام السماوات والأرضين ، وسلاماً كثيرا مؤبّدا أبد الآبدين .
كتاب الصلاةالواجبة والمندوبة ، اليوميّة وغيرها . والصلاة في اللغة : الدعاء (1) ، وشرعاً : أفعال مخصوصة مبدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم .
باب فضل الصلاةقد أجمع أهل العلم على أنّها أفضل العبادات ، وأنّها معراج المؤمن (2) ، وقربان كلّ تقي 3 ، وأنّه لا شيء بعد المعرفة أفضل منها (3) ، لا سيما الفرائض اليوميّة . قوله : (حدّثني محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب) . [ح 1 / 4786] محمّد بن يحيى هذا هو أبو جعفر العطّار . وأحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّه بن سعد بن مالك بن أحوص الأشعري أبو جعفر شيخ القمّيّين ، لقى الرضا والجواد والهادي عليهم السلام (4) . والحسن بن محبوب السرّاد ، ويُقال له : الزرّاد، كوفي (5) . معاوية بن وهب البجلي أبو الحسن الكوفي (6) ، وكلّهم ثقاة جلائل ، وينابيع العلوم وعيونها . وابن محبوب على ما ذكر الشيخ أبو عمرو الكشّي رحمه الله ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالعلم والفقه (7) . قوله في صحيحة زيد الشحّام : (فيسبغ الوضوء) . [ح 2 / 4787] قال طاب ثراه : المراد بإسباغ الوضوء فعله بجميع الشرائط والأركان المعتبرة في الصحّة وفي كماله . قوله : (ياويلاه) إلخ . [ح 2 / 4787] قال طاب ثراه : الويل : كلمة يقال عند الوقوع في المهلكة، وتلحقه الألف للندبة، والهاء للسكت (8) . وفي قول إبليس هذا دلالة على أنّه كان مأمورا بالسجود للّه تعالى ؛ تعظيماً لآدم وشكرا لإيجاده تعالى إيّاه ؛ لأنّه وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار . قوله في خبر يزيد بن خليفة : (نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض) . [ح 4 / 4789] الظاهر أنّ الظرف لغو متعلّق بنزلت ، وإدراج الأعنان في الطرفين لبيان كثرتها . ويحتمل أن يكون مستقرّا من الرحمة ، فيكون أتمّ في ذلك البيان ، وأوفق لما ورد في ثواب كلمة لا إله إلّا اللّه وأمثالها من أنّه يملأ ما بين السماء والأرض (9) . وأيّده طاب ثراه بقوله عليه السلام في الخبر الّذي بعده : «وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى اُفق السماء» ، والأعنان من السماء : نواحيها ، وعنانها بالكسر : ما بدا لك إذا نظرت إليها (10) . والاُفق على مثال عسر وعسر ورجل : الناحية، والطرف ، وجمعه الآفاق (11) . قوله في خبر أبي حمزة : (ونظر اللّه إليه. أو قال. أقبل اللّه عليه) . [ح 5 / 4790] أمثال هذه الأفعال إذا نُسبت إليه تعالى يُراد بها آثارها وما يترتّب عليها . قوله : (عن ابن مسكان، عن إسماعيل بن عمّار) . [ح 7 / 4792] في بعض النسخ: «ابن سنان» بدلاً من «آبن مسكان» ، وهو محتمل لعبد اللّه ومحمّد المشترك بين المجهول والثقة 13 . وإسماعيل هو أخو إسحاق بن عمّار ، ولقد ورد مدحه فقد روى المصنّف قدس سره في باب البرّ بالوالدين في الصحيح عن عمّار بن حنّان ، قال : خبّرت أبا عبد اللّه عليه السلام ببرّ إسماعيل ابني بي ، فقال : «لقد كنت اُحبّه ، وقد ازددت له حبّاً» (12) . وروى الكشّي رحمه الله بإسناده عن زياد القندي ، قال : كان أبو عبد اللّه عليه السلام إذا رأى إسحاق بن عمّار وإسماعيل بن عمّار قال : «وقد يجمعهما لأقوام»، يعني الدنيا والآخرة (13) . وقد ثبت فطحيّة عمّار (14) ، وأمّا إسماعيل فلم ينقل عنه أحد هذه ، فالخبر على نسخة الأصل حسن . ثمّ الظاهر أنّ المراد بالصلاة الفريضة اليومية ، ولا بُعد فيكونها أفضل من الحجّ مع اشتماله على صلاة فريضة . ويحتمل تعميم الفريضة ، فيخصّ أفعال الحجّ بما عدا صلاته . لا يقال : هذا ينافي ما ثبت من أنّ أفضل الأعمال أحمزها (15) ؛ لزيادة مشقّة في الحجّ ليست في الصلاة . لأنّا نقول : هذا مخصّص بأفراد نوع واحد من العمل كالوضوء والصوم في الشتاء والصيف ، ولا يعدو إلى ما تعدّد، فربّما يكون الأخفّ معه أفضل ، كما يظهر من تتبّع أخبار ثواب الأعمال . قوله : (جماعة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى) . [ح 8 / 4793] لفظ جماعة قائمة مقام عدّة ، وقد سبق أنّ العدّة الّتي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى منهم محمّد بن يحيى العطّار ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن إدريس ، وهم ثقات ، فالخبر صحيح . ولعلّ إطراقه صلى الله عليه و آله لانتظار الوحي . وقال طاب ثراه : ويحتمل أن يكون للتفكّر في إجابة المسؤول ؛ لأنّه أمر عظيم ، أو للتنشيط . والسجود محتمل لمعناه الحقيقي، وللصلاة ، فعلى الأوّل يدلّ على أنّ طول السجود أفضل من كثرته بلا تطويل ومن طول القيام، والشافعي فضّل طول القيام في الصلاة؛ معلّلاً بأنّ ذكر القيام إنّما هو القرآن ، وهو أفضل الأذكار (16) . قوله في مرسلة إبراهيم بن عمر : (صلاة المؤمن بالليل) إلخ. [ح 10 / 4795] قال طاب ثراه : يحتمل أن يكون تفسير الحسنات بصلاة الليل باعتبار أنّها فرد من الحسنات ، أنّ الحسنات منحصرة فيها ؛ لاحتمالها الصلوات الخمس أيضاً بدليل صدر الآية . وقد جاء في روايات العامّة تفسيرها بالصلوات الخمس (17) . وقال بعضهم نقلاً عن مجاهد : إنّها سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر (18) ، ولعلّه أيضا باعتبار أنّها فرد من الحسنات .
.
ص: 348
. .
ص: 349
. .
ص: 350
. .
ص: 351
. .
ص: 352
باب من حافظ على صلاته أو ضيّعهامحافظتها أداؤها في أوقات فضيلتها والشرائط المعتبرة في صحّتها وفي كمالها ، وتضييعها فعلها لا كذلك وإن كانت مجزية مسقطة للقضاء . قوله في خبر يونس بن عمّار : (الرجل يكون في صلاته خالياً) إلخ. [ح 3 / 4801] أي من العجب ، ويقال : خسأت الكلب ، أي طردتها (1) . ودلّ الخبر على أنّ حدوث العجب في أثناء الصلاة غير مخلّ بصحّتها ، لكنّه مجهول (2) ، فلا اعتماد عليه . قوله : (عن فضالة عن حسين بن عثمان) . [ح 4 / 4802] فضالة هذا هو ابن أيّوب الأزدي ، وكان ثقة (3) ، وقد ادّعى بعض الأصحاب إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (4) . والحسين مشترك بين ثقات هم : حسين بن عثمان الأحمسي الكوفي ، والحسين بن عثمان بن زياد الرؤاسي أخو حمّاد بن عثمان الملقّب بالناب ، والحسين بن عثمان بن شريك العامري الوحيدي. (5) والخبر موثّق بسماعة بن مهران ، والقول المنسوب إلى الصلاة إمّا بلسان المقال ، وذلك إمّا بحياة يخلقها اللّه تعالى فيها ، أو بخلق كلام فيها كما خلق في الهواء المحيط بموسى عليه السلام ، أو بلسان الحال ، أو الإسناد مجازي ، والمراد إسناده بخفضه؟ وقد قيل : هذه الوجوه في شهادة الأعمال كلّها . قوله : (عن عمر بن اذينة) . [ح 6 / 4804] هو عمر بن محمّد بن اُذينة نسب إلى جدّه (6) ، وقيل : اسمه محمّد بن عمر بن اُذينة غلب عليه اسم أبيه (7) ، وكان ثقة (8) . وقال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره أنّ ابن اُذينة كوفي هرب من المهدي ومات باليمن، ولذلك لم يرو عنه كثير (9) . والظاهر أنّ التشبيه في قوله عليه السلام : «كنقر الغراب» متعلّق بالسجود فقط ، ووجه الشبه الهيئة المنتزعة منهما . وقال طاب ثراه : النقر كناية عن سرعة حركته وعدم طمأنينته وخشوعه تشبيهاً بنقر الغراب ثمّ قال _ : ويمكن أن يستنبط منه وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود ، ولا خلاف فيه بين أصحابنا ، بل قال الشيخ رحمه الله في الخلاف : إنّها ركن (10) . ولا دليل عليه . ووافقنا في الوجوب أكثر أهل الخلاف (11) ، وقال بعضهم بعدمه محتجّاً بقوله : «اركعوا واسجدوا» (12) حيث لم يوجب زائدا على مسمّاهما (13) . والجواب : أنّ عدم ذكرها فيه لا يدلّ على عدم وجوبها، وقد ثبت من أخبار مذكورة في كتبهم أيضاً كقوله صلى الله عليه و آله : «اركع حتّى تطمئنّ راكعاً» ، ومثله في السجود (14) . قوله في حسنة حريز : (لا تتهاون بصلاتك) إلخ. (15) [ح 7 / 4805] التهاون : أعمّ من الترك ومن الإخلال بالشرائط ، والمراد من قوله عليه السلام : «ليس منّي» في الموضعين نفي غاية الارتباط ، كما قال عليه السلام لبيان تحقّقها في سلمان : «سلمان منّا أهل البيت» (16) . اللّهمّ إلّا أن يُراد بالاستخفاف بالصلاة، وبالشرب اعتقاد حلّيّة ترك الصلاة وشرب الخمر ، فالمراد حينئذٍ نفي الدين عنهما وإثبات الكفر لهما ، والمراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة ، وعلى الأوّل فالصلاة عامّة ، ويظهر من بعض الأخبار كفر التارك للصلاة من غير عذر مطلقاً وإن لم يستحلّ تركها (17) . روى المصنّف قدس سره في باب الكفر من اُصول الكتاب : «أنّ الزاني لا يُسمّى كافرا ؛ لغلبة الشهوة عليه ، فلا يكون مستخفّاً ، وتارك الصلاة يُسمّى كافرا ؛ لأنّه لا يكون له لذّة ، وإذا نفيت اللّذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» (18) . وقد دلّ قوله تعالى في تارك الحجّ : «وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (19) على كفر تاركه أيضاً مطلقاً ، ولا يبعد استثناؤهما من سائر ضروريّات الدين ، لكنّ الأصحاب أوّلوهما (20) ، فتدبّر .
.
ص: 353
. .
ص: 354
. .
ص: 355
باب فرض الصلاةالفرض يطلق على معنيين : أحدهما وهو الأكثر _ : الواجب مطلقاً ، سواء ثبت وجوبه بالقرآن أم بالسنّة . وثانيهما : ما ثبت وجوبه بالقرآن ، وأكثر أخبار الباب يدلّ على إرادة هذا المعنى . وتطلق السنّة أيضاً على معنيين متقابلين لما ذكر : أحدهما : المندوب ، وثانيهما : ما ثبت وجوبه بالسنّة ، وربّما تطلق على السنّة النبويّة والطريقة الشرعيّة مطلقاً . قوله في صحيحة زرارة : «قال اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله : «أَقِمِ الصَّلَوةَ ...» ) إلخ. [ح 1 / 4815] قد بيّن عليه السلام في الخبر دلائل وجوب الصلوات الخمس من القرآن المجيد ، وذكر منها ثلاث آيات: إحداها: قوله جلّ ذكره : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا» (1) ، والمراد بإقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في أفعالها من قولهم : أقام العود ، إذا قوّمه وأزال اعوجاجه ، أو المواظبة عليها من قامت السوق ، إذا نفقت ، وأقمتها إذا جعلتها نافقة ومنه قوله : أقامت غزالة سوق الضرابلأهل العراقين حولاً قميطاً . (2) فإنّه إذا حوفظ عليها كانت كالنافق الّذي يرغب فيه ، وإذا ضيّعت كانت كالكاسد الّذي يرغب عنه . وقيل : هو التشمير لأدائها والتهيّؤ له من غير توان من قولهم : قام بالأمر وأقامه ، إذا جدّ فيه وتجلّد ، ضدّ قعد عنه وتقاعد . وقيل : هو أداؤها عبّر عنه بالإقامة ، لاشتمالها على القيام ، كما يعبّر عنها بالركوع والسجود (3) . واللّام في «لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» للتوقيت ، مثلها في قولهم في التواريخ : لثلاث خلون من شهر كذا ، وقد اختلف أهل العلم في تفسير الدلوك ، والمشهور بينهم أنّه الزوال ، ودلّ عليه هذا الخبر ، وما يرويه المصنّف قدس سرهفي باب وقت الظهر والعصر عن يزيد بن خليفة (4) ، وصحيحة عبيد بن زرارة (5) عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ» قال : «إنّ اللّه فرض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل هذه» . (6) وما روي من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «أتاني جبرئيل لدلوك الشمس فصلّى بي الظهر» (7) ، وفسّره الجوهري أيضاً بذلك مستشهدا بهذه الآية (8) . ويؤيّده اشتقاقه من الدلك ، لأنّ الإنسان يدلك عينيه عند النظر إليها في ذلك الوقت ليدفع شعاعها . وبه قال أكثر الأصحاب (9) ، وهو المشهور من مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ومنقول عن ابن عبّاس وأبي هريرة والشافعي وأصحابه (10) . وعلى هذا فيُستفاد منه الفرائض اليومية كلّها . وعن ابن مسعود : أنّه الغروب (11) ، ونقله بعض العامّة عن عليّ عليه السلام (12) ، ولم يثبت . ونقله الجوهري قولاً (13) ، ورجّحه صاحب الكشّاف حيث قال : «دلكت الشمس : غربت ، وقيل : زالت» (14) . ونقل الشيخ أبو عليّ الطبرسي في مجمع البيان عن الشيخ أبي جعفر الطوسي أنّه فسّره بغروب الشفق (15) . والغسق محرّكة _ : الظلمة الشديدة (16) ، وهو نصف الليل على ما يظهر من هذا الخبر، وفي الكشّاف : «الغسق : الظلمة ، وهو وقت صلاة العشاء» (17) . وفسّر في القاموس بظلمة أوّل الليل (18) . وقرآن الفجر : صلاته (19) ، قال الزجّاج في قوله : «وَ قُرْءَانَ الْفَجْرِ» فائدة عظيمة هي أنّها تدلّ على أنّ الصلاة لا تكون إلّا بقراءة» (20) . وفي كنز العرفان : وقال بعض الحنفيّة: فيه دلالة على ركنيّة القراءة كما دلّ تسميتهما ركوعاً وسجودا على كونهما ركنين، وليس بشيء؛ لأنّ التسمية لغوية ، وكونها ركناً أو غيره شرعيّة ، فإنّ القراءة ، جزء سواء كانت ركناً أو غير ركن ، فالركنيّة مستفادة من دليل خارج . وسمّاه مشهودا لأنّه تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، ويكتب في الديوانين (21) ، وظاهر الآية توسعة وقت الظهرين والعشائين ، ويجيء القول فيها في الباب الآتي إن شاء اللّه تعالى . الثانية: قوله تعالى : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَ زُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّ_?اتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ كِرِينَ» (22) ، وفيه دلالة على وجوب ثلاث صلوات بناءً على ما دلّ عليه الخبر . حيث فسّر عليه السلام «طرفي النهار» بوقت المغرب والغداة ، و «زلفاً من الليل» بوقت العشاء الآخرة ، وهو منقول عن ابن العبّاس والجبائي والحسن (23) . وربّما يستخرج منه الخَمس بأجمعها ، فقد حكى في مجمع البيان عن مجاهد أنّه فسّر طرفي النهار بوقت صلاة الغداة والظهر والعصر، بناءً على أنّ ما بعد الزوال أحد طرفي النهار وطرفه الآخر من طلوع الفجر إلى الزوال ، فأراد بالطرف النصف ، وفسّر زلفاً بوقت العشائين (24) . وفي كنز العرفان : ويحتمل قولاً ثالثاً بناءً على أنّ النهار اسم لما بين الصبح الثاني وذهاب الشفق المغربي ، وأنّ المراد بطرفي النهار نصفا النهار ، فصلاة الفجر في النصف الأوّل وباقي الصلوات الفرائض في النصف الثاني ، وحمل زلفاً من الليل على نوافل الليل وعلى هذا يكون زلفاً عطفا على الصلاة لا على طرفي النهار، وعلى الأوّلين يكون عطفاً على طرفي النهار (25) . والزلفى بمعنى القربي (26) ، أي ما يتقرّب بها إلى اللّه عزّ وجل ، فسّره به أكثر المفسّرين (27) . وفي القاموس : «الزلفة : الطائفة من الليل جمعها كغرف وغُرَفات [و غُرُفات و غُرْفات]، أو الزلف : ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل» (28) . وظاهر هذه الآية أيضاً توسعة أوقات الصلوات المستنبطة منها . الثالثة: قوله تعالى : «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» (29) باب المفاعلة قد يجيء لبيان كثرة الفعل وإن لم يكن بين فاعلين . وقال طاب ثراه : المحافظة يقتضي طرفين، فقيل : هو بين العبد والربّ ، فكأنّه قيل : احفظ الصلاة حفظك اللّه الّذي هو الآمر بها كقوله تعالى : «فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ» (30) . وقيل : هو بين العبد والصلاة ، فإنّ مَن حفظ الصلاة حفظته عن المحرّمات : «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ» (31) ، بل عن الفتن والمحن أيضاً: «وَاستَعينُوا بِالصَبرِ وَالصَّلاة» (32) . انتهى . ولا يخفى ما في هذه التكلّفات البعيدة ، فإنّ المحافظة إنّما يقتضي مشاركة فاعلين في فعل واحد ، وهو حفظ الصلوات . واختلفوا في تفسير الوسطى ، فقال طائفة من الخاصّة والعامّة : هي الظهر (33) ، وبه ينطق هذا الخبر . وربّما علّل ذلك بوجوه ثلاثة : الأوّل : أنّها أوّل صلاة صلّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله (34) ، وذلك يدلّ على زيادة شرافتها . الثاني : أنّها في وسط النهار ، وهو ساعة زيادة الحرّ واشتداده ، فكانت أشقّ وأحمز ، فكانت أفضل . وأيضاً في هذه الساعة تُفتح أبواب السماء ، ويُستجاب فيها الدعاء (35) . والثالث : أنّها في وسط صلاتين بالنهار صلاة الصبح وصلاة العصر ، وهذا الوجه مبنيّ على أخذ الوسطى من التوسّط ، والأوّل على أنّها بمعنى الفضلى من الوسط بمعنى الخيار (36) ، والأوسط يحتمل الأمرين ، بل المعنى العامّ الشامل لهما . وقال طائفة : هي العصر (37) ، لأنّها بين صلاتين بالنهار وصلاتين بالليل ، ولأنّها في وقت يشتغل الناس بمعاشهم ، فمن ترك شغله واشتغل بها كان أكثر ثواباً، ولاحتمال مظنّة الترك، فلذلك بالغ فيها ، ولقوله عليه السلام : «الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر»، وهو مذكور في الفقيه (38) ، وفي صحيح مسلم أيضاً بطرق متعدّدة . ويؤيّده ما ورد في القراءة الشاذّة : (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى صلاة العصر) . (39) هذا إذا كانت صلاة العصر في تلك القراءة بدون الواو وكما في خبر الكتاب ، وأمّا إذا كانت معها كما في التهذيب فلا . (40) تأييد فيها ، ورواها مسلم أيضاً في صحيحهمعها ، فقد روى بإسناده عن أبي يونس مولى عائشة أنّها أمرت أن أكتب لها مصحفاً وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذنّي «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» قال : فلمّا بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ : «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَ_نِتِينَ» ، وقالت : سمعتها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله (41) . وعن البراء بن عازب ، قال : نزلت هذه الآية : «حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى وصلوة العصر» فقرأناها ما شاء اللّه ، ثمّ نسخها اللّه ، فنزلت «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» فقال رجل كان جالساً : هي إذن صلاة العصر ، فقال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها [اللّه ] (42) . ويؤيّده أيضاً ما روته العامّة أنّه صلى الله عليه و آله قال يوم الخندق : «لعن اللّه المشركين شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» (43) . وقالت طائفة : هي المغرب ؛ لأنّ الثلاث بين الاثنتين والأربع (44) . وقال طائفة : هي العشاء ؛ لتوسّطها بين ليليّة ونهاريّة (45) . وقال طائفة : هي الصبح (46) ؛ لتوسّطها بين ليلتين ونهاريّتين وبين الضياء والظلام ، ولشهادة ملائكة الليل وملائكة النهار وكتابتهما في العملين وثبتهما في الدفترين، ولزيادة المشقّة فيها ؛ لأنّها تفعل وقت طيب النوم في الشتاء للدثار وفي الصيف لطيب الهواء . وعن بعض الزيديّة : أنّها الجمعة (47) . وقال بعض المحقّقين : هي مبهمة أبهمها اللّه سبحانه ؛ ليحافظ على كلّ الصلوات طمعا (48) في إدراك فضيلتها (49) . وقال طائفة : هي الصلوات الخمس كلّها على أن يكون اسم التفضيل بمعنى أصل الفعل ، أو إرادة تفضيلها على غير الفرائض اليوميّة (50) . ثمّ إنّ هذه الآية مجملة في الصلوات الخمس ولا دلالة فيها على عددها ، وربّما استدلّ بها عليه بأنّ الصلوات أقلّها ثلاث ، والصلاة الوسطى تدلّ على شيء زائد تحرّزا عن لزوم التكرار ، وذلك الزائد إمّا رابعة أو خامسة ، والأوّل باطل لاستلزامه أن لا يكون للمجموع وسطى ، هذا خلف ، والثاني هو المطلوب ، وهو كماترى. وقد وردت آيات اُخرى في الباب : الاُولى: قوله تعالى في سورة طه : «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهَا وَ مِنْ ءَانَآىءِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى» (51) بناءً على ما ذكره الأصحاب وغيرهم ، ففي مجمع البيانفسّر : «قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ» بصلاة الفجر ، و «قَبْلَ غُرُوبِهَا» بصلاة العصر، و «ءَانَآىءِ الَّيْلِ» على قول بأوّل الليل المغرب والعشاء الآخرة ، و «أَطْرَافَ النَّهَارِ» بالظهر ، وقال : «سمّي وقت الظهر أطراف النهار ، لأنّ وقتها عند الزوال (52) ، وهو طرف النصف الأوّل وطرف النصف الثاني»، نقله عن قتادة والجبائي (53) . وقال المحقّق الأردبيلي : قبل طلوع الشمس إشارة إلى صلاة الفجر ، وقبل غروبها إلى صلاتي الظهر والعصر ، لأنّهما واقعتان في النصف الأخير من النهار [...]. وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة ، وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار في صلاة الفجر إرادة الاختصاص كما اختصّت في قوله سبحانه: «حَ_فِظُوا عَلَى الصَّلَوَ تِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى» عند بعض المفسّرين . ويحتمل إرادة صلاة الليل المشهورة من آناء الليل، أو مطلق الصلاة ليلاً ، فإنّها عبادة مطلوبة جدّا ، وإرادة نافلة الفجر أيضاً ، وكذا من أطراف النهار أيضاً بحمل الأمر على الرجحان المطلق (54) . وفي كنز العرفان : قال المفسّرون ، المراد من الآية إقامة الصلوات الخمس في هذه الأوقات ، فقبل طلوع الشمس إشارة إلى الفجر ، وقبل غروبها إشارة إلى الظهرين ؛ لكونهما في النصف الأخير من النهار ، ومن آناء الليل إشارة إلى العشائين . وقال ابن عبّاس : المراد من آناء الليل صلاة الليل كلّه ، واختلف في أطراف النهار ، فقيل: الفجر والمغرب (55) . وفيه نظر ؛ لأنّ طرف الشيء. منه غير خارج عنه (56) . وكأنّه بناه على الاحتمال المتقدّم . ثمّ قال : وقيل : الظهر لأنّ وقته عند الزوال وهو طرف النصف الأوّل نهاية وطرف النصف الثاني بداية، وقيل : العصر أعادها لأنّها الوسطى كما تقدّم ، وإنّما قال أطراف النهار لأنّ أوقات العصر تقع في النصف الأخير من النهار ، فيصدق على كلّ ساعة أنّها طرف ، أو أنّه جمعه للأمن من الالتباس نحو «صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» (57) ، وقول الشاعر : ظهراهما مثل ظهور الترسين (58) . الثانية : قوله تعالى في سورة الروم : «فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِى السَّمَاوَ تِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ» (59) . ذكر المفسّرون أنّ الخبر فيه بمعنى الأمر ، وحكى في كنز العرفان : أنّه سئل ابن عبّاس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؟ قال : نعم ، وقرأ هذه الآية ؛ «تُمْسُونَ» : صلاتا المغرب والعشاء ، و «تُصْبِحُونَ» : صلاة الفجر ، و «عَشِيًّا» : صلاة العصر ، و «تُظْهِرُونَ» (60) : صلاة الظهر (61) . وقال المحقّق الأردبيلي : ويحتمل أن يراد بالأوّل المغرب ، وبعشيّاً : العشاء ، وبتظهرون: الظهرين . وغير ذلك ، مثل : أن يراد بعشيّا : المغرب والعشاء ، وبتمسون : العصر ، وبتظهرون: الظهر فقط (62) . الثالثة: قوله سبحانه في سورة ق : «وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبَارَ السُّجُودِ» (63) بناءً على ما ذكر في مجمع البيان من أنّ «قَبْلَ طُ_لُوعِ الشَّمْسِ» إشارة إلى صلاة الفجر ، و «قَبْلَ الْغُرُوبِ» إلى الظهر والعصر ، ونقله عن قتادة وابن زيد، و «مِنَ الَّيْلِ» إلى المغرب والعشاء الآخرة . ونقل عن مجاهد؛ أنّه عمّمه بحيث يشمل صلاة الليل المندوبة أيضاً . وحكى في أدبار السجود أقوالاً ، فقد قيل : إنّها الركعتان قبل الفجر، نقله عن أمير المؤمنين وابنه الحسن عليهماالسلام ، ورواه عن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النبيّ صلى الله عليه و آله وعن الحسن والشعبي (64) . وعلى هذا فالمراد بالسجود صلاة الليل والشفع والوتر . ويؤيّده ما ورد من فعل نافلة الفجر قبله بعد الفراغ من هذه الصلوات حتّى قيل : إنّ وقتها اختيارا ذلك ، وإنّما وسعت إلى طلوع الحمرة المشرقيّة رخصة ، وقيل: إنّها الوتر من آخر الليل، وهو مروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام (65) . وقيل : إنّها النوافل بعد الفرائض ، نقله عن ابن زيد والجبائي ، وعن ابن عبّاس ومجاهد أنّها التسبيح بعد كلّ صلاة (66) . الرابعة: قوله سبحانه في سورة الطور : «وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ إِدْبَارَ النُّجُومِ» (67) ، فقد نقل في مجمع البيانعن أبي زيد أنّ معناه: صلّ بأمر ربّك حين تقوم من منامك . وعن ابن عبّاس والحسن (68) أنّ المراد من هذه الصلاة الركعتان قبل الفجر . وعن زيد بن أسلم: أنّ معناه حين تقوم من نوم القائلة ، وهي صلاة الظهر . ونقل عن مقاتل أنّ قوله : «مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ» صلاة المغرب والعشاء الآخرة . وقد فسّره هو بصلاة الليل ، وأيّده بما رواه زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامفي هذه الآية ، قالا : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقوم من الليل ثلاث مرّات ، فينظر في آفاق السماء ويقرأ الخمس من آل عمران الّتي آخرها : «إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» (69) ، ثمّ يفتتح صلاة الليل». ونقل عن ابن عبّاس والضحّاك (70) أنّ قوله: «وَ إِدْبَارَ النُّجُومِ» إشارة إلى صلاة الفجر . وقال : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام (71) . فالمراد بالتسبيح في هذه الأوقات الصلاة كما ظهر . ويؤيّده أنّ وجوب التسبيح في هذه الأوقات منفي في غير الصلاة إجماعاً . هذا ، وقوله عليه السلام في هذه الصحيحة : «وأنزلت هذه الآية في تفسير قوله تعالى : «وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ» (72) » صريح في أنّ المراد بالقنوت فيه هو المعنى المصطلح . وفي مجمع البيان أيضاً : «القنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام» (73) . وقد فسّره به صاحب الكشّاف والبيضاوي ، حيث قال الأوّل : «أي «وَقُومُواْ لِلَّهِ» في الصلاة، [ «قَانِتِينَ» ] ذاكرين اللّه في قيامكم ، والقنوت أن يذكر اللّه قائماً» (74) . وقال الثاني : «وَقُومُواْ [لِلَّهِ]» في الصلاة [ «قَانِتِينَ» ] ذاكرين [له] في القيام ، والقنوت الذكر فيه (75) و هو ظاهر ابن عبّاس ، فإنّه قال على ما نقل عنه _ : إنّ معناه داعين (76) . وعن ابن المسيّب : أنّ المراد به القنوت في الصبح (77) . والتخصيص من غير مخصّص . واختلف الأصحاب في وجوبه واستحبابه ، فذهب ابن أبي عقيل إلى الأوّل فقد نقل عنه في المختلف أنّه قال : «من ترك القنوت متعمّدا بطلت صلاته وعليه الإعادة ، ومن تركه ساهياً لا شيء عليه» (78) . وهو المحتمل من كلام الصدوق ، حيث قال : «القنوت سنّة واجبة من تركها متعمّدا في كلّ صلاة فلا صلاة له» (79) . بناءً على إرادة أيّ صلاة من قوله: «كلّ صلاة» ردّا على ما ذهب إليه بعض العامّة من ثبوته في صلاة الصبح فقط (80) . ويحتمل أن يريد به الاستحباب المؤكّد بناءً على ما هو الظاهر من لفظ الكلّ ، فيكون غرضه بطلان صلاة من لا يقنت في شيء من الصلوات عمدا (81) ، فتأمّل . والمشهور هو الاستحباب (82) حملاً للأمر في الآية عليه ؛ للجمع بينه وبين الأخبار الدالّة على عدم وجوبه المؤيّدة بالأصل . ونفاه أكثر العامّة في الفرائض مطلقاً (83) ، وقال بعضهم بثبوته في الصبح فقط على ما مرّت الإشارة إليه ، وذهب أكثرهم إلى استحبابه في خصوص الوتر، وهؤلاء فسّروا القنوت في الآية بمعان اُخر ، فإنّ القنوت قد جاء بمعنى طول القيام (84) ، والخشوع (85) ، والإخلاص (86) ، والسكوت (87) ، فقد نقل طاب ثراه عن أبي عبد اللّه الوساني (88) من عظماء علمائهم أنّه قال : أي طائعين ، وقيل : ساكتين (89) . وفي الكشّاف حكى من عكرمة أنّه قال : كانوا يتكلّمون في الصلاة فنهوا عنه (90) . وروى مسلم بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : كنّا نتكلّم في الصلاة ، يكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتّى (91) نزلت : «وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ» ، فاُمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (92) . ولذلك قال المحقّق الأردبيلي : «حمله على القنوت المتعارف محلّ تأمّل» (93) . قوله : (وبإسناده عن حمّاد) . [ح 2 / 4816] قد مرّ في أوّل الباب للمصنّف ثلاثة أسانيد إلى حمّاد ، والظاهر أنّ سنده إليه في هذا الخبر وفي الأخبار التي بعده تلك الأسانيد بأجمعها . وقوله : (والصلاة على الميّت) [ح 3 / 4817] عطف على «عشرة أوجه» ، وإنّما لم يجعل الصلاة على إحدى عشر وجهاً تنبيهاً على أنّ الصلاة على الميّت ليست على حدّ باقي الصلوات ، بل إنّما هي دعاء على معناها اللغوي (94) ، كما هو المشهور بين الأصحاب . ويؤيّده صحّتها من غير طهارة من الحدثين . وربّما قيل : إنّها صلاة بالمعنى الشرعي ، فيعتبر فيها ما يعتبر في باقي الصلوات إلّا ما استثني ، وعدّ صلاة كسوف الشمس والقمر أو صلاة العيدين واحدة ، ووجوه صلاة الخوف صلاة ذات الرقاع وصلاة بطن النخلة وصلاة المطاردة ، ويجيء تفاصيلها في محلّها . قوله في صحيحة زرارة : (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض) إلخ . [ح 5 / 4819] المراد بالفرض هنا ما ثبت وجوبه من القرآن ، وبالتوجّه تكبيرة الافتتاح ، ويستفاد وجوبها من قوله تعالى : «وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ» (95) ، واستفادة البواقي سوى الدعاء من قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (96) ، و «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ» (97) وقوله : «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (98) ، «وَ ارْكَعُواْ مَعَ الرَّ كِعِينَ» (99) ، «وَ اسْجُدُواْ لِلَّهِ» (100) . وأمّا الدعاء فلا يبعد أن يراد به القنوت ، وهو مستفاد من قوله سبحانه : «وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ» (101) ، فهذا الحديث يؤيّد وجوبه . قوله في حسنة حمّاد بن عيسى : (للصلاة أربعة آلاف حدّ) . [ح 6 / 4820] لقد حملوا الحدّ في هذا الخبر والباب في الرواية الاُخرى على واجبات الصلاة ومندوباتها ، ولذا ألّف الشهيد قدس سرهالألفيّة والنفليّة ، وذكر في الاُولى ألف مسألة في واجبات الصلاة ، وفي الثانية ثلاثة آلاف في مندوباتها .
.
ص: 356
. .
ص: 357
. .
ص: 358
. .
ص: 359
. .
ص: 360
. .
ص: 361
. .
ص: 362
. .
ص: 363
. .
ص: 364
. .
ص: 365
. .
ص: 366
. .
ص: 367
. .
ص: 368
. .
ص: 369
. .
ص: 370
. .
ص: 371
. .
ص: 372
باب المواقيت أوّلها وآخرها وأفضلهاأجمع أهل العلم على أنّ لكلّ من الصلوات الخمس وقتاً محدودا لا يجوز تقديمها عليه ، ولا تأخيرها عنه، إلّا ما حكاه الشيخ في الخلاف عن ابن عبّاس من جواز استفتاح صلاة الظهر قبل الزوال بقليل (1) ، وحكاه في المنتهى عنه في خصوص المسافر ، ونسبه إلى الحسن والشعبي أيضاً (2) ، وأنّ ذلك الوقت في الظهرين من الزوال إلى الغروب . ويدلّ عليه ما تقدّم في الباب السابق ، وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن البرقي ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ثمّ أنت في وقت منهما جميعا حتّى تغيب الشمس» (3) . وعن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقي والعبّاس بن معروف جميعاً ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر والعصر ، فقال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس» (4) . وعن موسى بن بكر، عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «أحبّ الوقت إلى اللّه عزّ وجل أوّله، حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة ، فإنّ لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشمس» (5) . وعن داوود بن أبي يزيد ، وهو داوود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس» (6) . وسيأتي بعض آخر من الأخبار فيه . وفي العشائين من غروب الشمس إلى نصف الليل ؛ لما تقدّم في الباب السابق، وما يأتي في باب وقتهما . وفي الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ؛ لما تقدّم وما يأتي في بابه . وحكى في الخلاف (7) عن ابن جرير وأبي ثور والمزني القول بدخول وقت العصر بعد أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله (8) . وعن أبي حنيفة في رواية : أنّ آخر وقت الظهر إذا صار ظلّ كلّ شيء مثله ، ثمّ ما بعد ذلك وقت للعصر . وعن أبي يوسف في رواية شاذّة : أنّ وقت الظهر إلى المثل ، ووقت العصر بعد أن يصير ظلّ كلّ شي، مثليه ، وما بين المثل والمثلين ليس بوقت لواحدة من الصلاتين (9) . واختلفوا في توسعتها وتضيقها في الاختبار، فالأشهر والأظهر هو الأوّل، وبه قال ابن إدريس (10) ، وهو محكي في المختلف عن ابن الجنيد (11) ؛ لأخبار متكثّرة دلّت على تعلّق وجوبها بجميع أجزاء الوقت من غير تقييد ، وقد تقدّم بعضها وسيأتي بعض آخر . وقال الشيخ في المبسوط : لكلّ صلاة وقتان أوّل وآخر ، فأوّل الوقت وقت من لا عذر له ولا ضرورة تمنعه ، والوقت الآخر وقت من له عذر أو به ضرورة ، والأعذار أربعة أقسام : السفر ، والمطر، والمرض، وأشغال يضرّ به تركها في باب الدين أو الدنيا . والضرورات خمسة : الكافر إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت ، والمجنون إذا أفاق ، وكذلك المغمي عليه (12) . وبه قال الشيخ المفيد أيضاً ففي المقنعة : «ولكلّ صلاة من الفرائض الخمس وقتان : أوّل وآخر ، فالأوّل وقت لمن لا عذر له (13) ، والثاني لأصحاب الأعذار» ، وحكاه في المختلف عن ابن أبي عقيل وابن البرّاج (14) وأبي الصلاح (15) أيضاً (16) . وحكاه في الخلاف عن الشافعي والأوزاعي والليث بن سعد والثوري والحسن بن صالح بن حي وأبي يوسف ومحمّد وأحمد بن حنبل ، إلّا أنّهم قالوا : «لا يدخل وقت العصر إلّا بعد أن يخرج وقت الظهر الّذي هو أن يصير ظلّ كلّ شيء مثله» (17) . واحتجّ من قال من الأصحاب بذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان (18) ، وخبر إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر؟ قال : «إذا زالت الشمس» فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال : «من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره» . قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال : «إنّ آخر وقت الظهر أوّل وقت العصر». فقلت : فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : «وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علّة ، وهو تضييع» . فقلت له : لو أنّ رجلاً صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : «إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم تقبل منه ، كما لو (19) أنّ رجلاً أخّر العصر إلى وقت أن تغرب الشمس متعمّدا من غير علّة لم تقبل منه ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً ، وحدّد حدودا في سنّته للناس، فمن رغب عن سنّة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض اللّه » (20) . باب المواقيت أوّلها وآخرها وأفضلها
.
ص: 373
. .
ص: 374
. .
ص: 375
ومثلهما خبر يزيد بن خليفة الّذي يأتي في الباب الآتي (1) . وهذه الأخبار مع عدم كونها نصّاً في المدّعى بتمامه، يحتمل حملها على أنّ فعلها في أوّل الوقت فضل كما هو المشهور ؛ للجمع بينها وبين ما تقدّم . ويؤيّده صحيحة معاوية بن عمّار أو معاوية بن وهب (2) ، وحسنة عمر بن اُذينة عن زرارة ، أو صحيحته (3) ، وروايتي قتيبة الأعشى (4) ، وبكر بن محمّد الأزدي (5) ، وصحيحة حريز عن زرارة (6) ، ورواية منصور بن حازم (7) ، وما رواه الشيخ عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «الصلوات المفروضات في أوّل وقتها إذا اُقيم حدودها أطيب ريحاً من قضيب الآس حين يُؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته، فعليكم بالوقت الأوّل» (8) . وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «إذا دخل وقت صلاة فُتحت أبواب السماء لصعود الأعمال، فما أحبّ أن يصعد عمل أوّل من عملي، ولا يكتب في الصحيفة أحد (9) أوّل منّي» (10) . وعن سعيد بن الحسن ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «أوّل الوقت زوال الشمس، وهو وقت اللّه الأوّل وهو أفضلهما» (11) . وقد ورد في بعض الأخبار التصريح بعدم اختصاص آخر الوقت بحال الاضطرار ، رواه حمّاد، عن ربعي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّا لنقدّم ونؤخّر ، وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنّما الرخصة للناسي والمريض والمدنف (12) والمسافر والنائم [في تأخيرها] (13) » بناءً على ما هو الظاهر من أنّ قوله : «وإنّما الرخصة» إلى آخره من تتمّة المقول . ويؤيّده خبر داوود الصرمي ، قال : كنت عند أبي الحسن[الثالث] عليه السلام [يوما فجلس يحدّث حتّى غابت الشمس ، ثمّ دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت و قد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ، ثمّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى] . (14) بل أكثر ما ذكروه من الأخبار ظاهرة في أفضليّة أوّل الوقتين . واعلم أنّهم ما أرادوا باختصاص الوجوب في الاختيار بأوّل الوقت أنّ الصلاة بتركها فيه يصير قضاء ، بل يكون مؤدّياً فيما بعده أيضاً ، ولكن يكون آثماً بتأخيره ، ولو فعلها في آخر الوقت لعفي عنه إثم التأخير . صرّح بذلك الشيخ المفيد في المقنعة (15) . وتظهر فائدة الخلاف فيما لو اخترم مع التأخير قبل فعلها في الوقت الثاني ، فيُعاقب على تركها ، وفسّره الشيخ في التهذيب بمعنى يرجع إلى تأكّد الاستحباب ، فقال في ذيل الجمع بين الأخبار : إذا ثبت أنّها في أوّل الوقت أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنّه يجب أن يفعل ، ومتى لم يفعل والحال على ما وصفناه استحقّ اللوم والتعنيف . ولم نرد بالوجوب ما يستحقّ بتركه العقاب ؛ لأنّ الوجوب على ضروب عندنا : منها ما يستحقّ بتركه العقاب ، ومنها ما يكون الأولى فعله ، ولا يستحقّ بالإخلال به العقاب وإن كان يستحقّ به ضرب من اللوم والعنف (16) . هذا ، وينبغي أن يستثنى من تلك الفضيلة صلاة العشاء ، فإنّه يظهر من بعض الأخبار أفضليّة تأخيرها إلى ثلث الليل ، وكذا صلاة العصر ، فإنّ الأفضل تأخيرها إلى أن يصير الفيء مثل الشاخص ، على ما يظهر من الأخبار، ومن فعل الرسول صلى الله عليه و آله والصحابة ، حيث كانوا يفصلون بين الصلاتين فيهما بما ذكر ولا يصلّونهما في وقتٍ واحد إلّا نادرا ، بل يستحبّ تأخير الظهر أيضاً عن أوّل الوقت في الصيف لا سيّما في البلاد الحارّة ؛ لما سيأتي في ذيل حديث : «أبرِد أبرِد» (17) . إلّا أن يقال : حرارة الهواء أيضاً من الأعذار . قوله في حسنة زرارة: (قلت: إنّ جبرئيل أتاه في اليوم الأوّل بالوقت الأوّل) إلخ. [ح 1 / 4824] ظاهر هذا الخبر أنّ المراد بالوقتين ما سبق من وقت الفضيلة ووقت الإجزاء، ويحتمل أن يكونا أوّل وقت الفضيلة وآخر ذلك الوقت، على حذو ما رواه الشيخ في الاستبصارمن أخبار نزول جبرئيل عليه السلام بالوقتين. فقد روى عن الحسن بن محمّد ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أتى جبرئيل عليه السلام النبيّ صلى الله عليه و آله بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح، ثمّ أتاه من الغد حين زاد [في] الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ [قامتان ]فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه من (18) حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال : ما بينهما وقت» (19) . وعنه عن أحمد بن أبي بشر ، عن معاوية بن مسيرة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أتى جبرئيل عليه السلام » ، وذكر مثله، إلّا أنّه قال بدل القامة والقامتين: ذراع كذا وذراعين (20) . وعنه عن ابن رباط ، عن مفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «نزل جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله » وساق الحديث، لكن ذكر بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة أقدام (21) . وفي الموثّق عن ذريح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أتى جبرئيل عليه السلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال : صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر، وصلّ الاُولى إذا زالت الشمس، وصلّ العصر بُعَيدها، وصلّ المغرب إذا سقط القرص، وصلّ العتمة إذا غاب الشفق. ثمّ أتاه جبرئيل عليه السلام من الغد فقال : اسفِر بالفجر فأسفر، ثمّ أخّر الظهر حين كان الوقت الّذي صلّى فيه العصر ، وصلّى العصر بعيدها ، وصلّى المغرب قبل سقوط الشفق وصلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل» ، ثمّ قال : «ما بين هذين الوقتين وقت، وأوّل الوقت أفضله» ، ثمّ قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لولا أنّي أكره أن أشقّ على اُمّتي لأخّرتها إلى نصف الليل» (22) . وخبر بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال : «إن اللّه يقول في كتابه [لإبراهيم] : «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا» (23) ، فهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل يعني نصف الليل» (24) . قوله في صحيحة الفضيل: (والجمعة ممّا ضيق فيها ، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول) . [ح 2 / 4825] والسرّ في ذلك استحباب تقديم نوافل الظهرين فيه على الزوال كما يأتي في محلّه .
.
ص: 376
. .
ص: 377
. .
ص: 378
. .
ص: 379
باب وقت الظهر والعصرأجمع أهل العلم على أنّ ما بين زوال الشمس إلى غروبها وقت لمجموع صلاتي الظهر والعصر (1) . ويدلّ عليه أخبار متظافرة: منها: ما رواه المصنّف في الباب. ومنها: ما تقدّم في ذيل الباب السابق. ومنها: خبر عبيد بن زرارة المتقدّم في تفسير قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (2) . (3) ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة» (4) . ومنها: ما روي في الاستبصار عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين» (5) . وعن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (6) . وعن منصور بن يونس، عن العبد الصالح عليه السلام قال : سمعته يقول : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (7) . وعن مالك الجهني ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر ، فقال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (8) . والمشهور بين الأصحاب اختصاص أوّل الوقت بمقدار الطهارة وأداء الظهر بها ، وآخر الوقت بمقدار صلاة العصر بها ، واشتراك ما بينهما بينهما ؛ لما تقدّم عن داود بن فرقد (9) ، ولما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ، ثمّ يخرج في سفر ، قال : «يبدأ بالزوال فيصلّيها ، ثمّ يصلّي الاُولى بتقصير ركعتين ؛ لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضر الاُولى» . وسُئل: فإن خرج بعدما حضرت الاُولى؟ قال : «يصلّي الاُولى أربع ركعات ، ثمّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات ؛ لأنّه خرج من منزله بعدما حضرت الاُولى ، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير وهي ركعتان ؛ لأنّه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر» (10) . وفي الصحيح عن ابن سنان والظاهر أنّه عبد اللّه ، [عن ابن مسكان]، عن الحلبي قال : سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاُولى حتّى صلّى العصر ، قال : «فليجعل صلاته الّتي صلّى الاُولى ، ثمّ ليستأنف العصر». قال : قلت: فإن نسي الاُولى والعصر جميعاً ثمّ ذكر عند غروب الشمس؟ فقال : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ، ثمّ ليصلّ الاُولى بعد ذلك على أثرها» (11) . وفي الصحيح عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر» (12) . وما رواه المصنّف في أبواب الحيض في الصحيح عن الفضل بن يونس ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام قلت: المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس ، كيف تصنع بالصلاة؟ قال : «إذا رأت الطهر بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّي إلّا العصر ؛ لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم، فلم يجب عليها أن تصلّي الظهر ، وما طرح اللّه عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر» . قال : «وإذا رأت المرأة الدم بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة ، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر ، لأنّ وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر وهي طاهر ، فضيّعت صلاة الظهر ، فوجب عليها قضاؤها» (13) . وفي الصحيح عن معمّر بن عمر ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند العصر الاُولى. قال : «لا، إنّما تصلّي الصلاة الّتي تطهر عندها» (14) . واحتجّ العلّامة في المختلف على اختصاص أوّل الوقت بالصلاة الاُولى بقوله: لنا أنّ القول باشتراك الوقت من حين الزوال بين الصلاتين مستلزم للمحال فيكون محالاً، والملازمة ظاهرة ، وبيان صدق المقدّمة الاُولى أنّه مستلزم لأحد محالين ، إمّا تكليف ما لا يطاق أو خرق الإجماع ، واللّازم بقسميه باطل اتّفاقاً فالملزوم مثله. بيان استلزامه لأحدهما : أنّ التكليف حين الزوال إمّا أن يقع بالعبادتين معاً أو بإحداهما ، إمّا لا بعينها أو بواحدة معيّنة ، والأوّل يستلزم تكليف ما لا يطاق ؛ إذ لا يتمكّن المكلّف من إيقاع فعلين متضادّين في وقت واحد. والثاني مستلزم خرق الإجماع ؛ إذ لا خلاف في أنّ الظهر مرادة بعينها حين الزوال لا لأنّها إحدى الفعلين. والثالث يستلزم إمّا المطلوب أو خرق الإجماع ؛ لأنّ تلك المعيّنة إن كانت هي الظهر ثبت الأوّل ، وإن كانت هي العصر ثبت الثاني (15) . وكذا المشهور هذا التفصيل من الاختصاص والاشتراك في العشائين ؛ لما رواه الشيخ عن داوود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل» (16) . وعن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن نام الرجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء» (17) . وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن نام الرجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة» (18) . وقال طاب ثراه: وذهب الصدوق إلى اشتراك الظهر والعصر في أوّل الوقت (19) ، وهو الظاهر من كلام الفاضل الأردبيلي حيث قال : وذلك غير بعيد (20) . والظاهر قولهما بذلك في العشائين أيضاً (21) . والدليل عليه الأخبار الّتي أشرنا إليها ممّا دلّ على دخول وقت الصلاتين بالزوال والغروب ، والتفصيل طريق الجمع. وتظهر فائدة الاختصاص والاشتراك في مواضع: منها: ما إذا صلّى العصر نسياناً قبل الظهر ظنّاً منه أنّه صلّاها ، فعلى المشهور يجب إعادة العصر لو وقعت أوّل الزوال المختصّ بالظهر، واجزاؤها لو وقعت في المشترك ، فيصلّي الظهر بعدها. ويؤيّده ما رواه صفوان بن يحيى في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر، فقال : «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول : إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها ، وإلّا صلّى المغرب ثمّ صلّاها» (22) . وهو وإن كان شاملاً لما لو صلّى العصر نسياناً في أوّل الزوال أيضاً إلّا أنّهم خصّوه بما لو صلّيت في الوقت المشترك بناءً على اقتضاء اختصاص أوّل الوقت بالظهر عدم إجزاء العصر فيه مطلقاً. فأمّا ما تقدّم في خبر الحلبي المتقدّم من قوله عليه السلام : «فليجعل صلاتة التي صلّى الاُولى ثمّ ليستأنف العصر» ، فهو وإن كان شاملاً لما لو صلّى العصر نسياناً قبل الظهر في الوقت المشترك بل يكون ظاهرا فيه ، إلّا أنّه حمل على ما إذا تذكّر الاُولى في أثناء العصر ، فإنّه يعدل حينئذٍ إلى الظهر ويستأنف العصر. ومنها: ما إذا لم يصلّ الظهرين إلى أن يبقى من الوقت مقدار أربع ركعات ، فيصلّي العصر ويقضى الظهر. ودلّت عليه الأخبار المتقدّمة ، وحمل عليه في التهذيب صحيحة إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال في الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر: «إنّه يبدأ بالعصر ثمّ يصلّي الظهر» (23) . ولو بقي من الوقت مقدار خمس ركعات فاتّفقوا على أنّه يصلّيهما معاً ، واختلفوا في كونهما أداءً وقضاءً على أقوال : أشهرها الأوّل (24) ، وهو أظهر ؛ لقوله عليه السلام : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» (25) . وفي خبر آخر: «من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت» (26) . وعن السيّد المرتضى أنّه اختار الثاني معلّلاً بأنّ آخر الوقت الركعة الأخيرة ، فإذا وقعت فيه الاُولى وقعت في غير وقتها (27) . وثالثها : التوزيع على معنى أنّ ما وقع في الوقت يكون أداءً ، وما وقع في خارجه يكون قضاءً. واختلفوا أيضاً في أنّه حينئذٍ يصير مقدار أربع ركعات منه وقتاً للظهر ويبقى مقدار ركعة منه للعصر ، أم تقع ركعة من الظهر في وقتها وثلاث ركعات في خارج وقتها كما في العصر؟ وتظهر فائدة الخلاف في المغرب والعشاء إذا لم تُصلّيا إلى أن يبقى إلى آخر الوقت مقدار أربع ركعات ، فعلى الأوّل يجب فعلهما فيهما ؛ لصيرورة مقدار ثلاث ركعات من ذلك الزمان وقتاً للمغرب ؛ للضيق ، ويبقى ركعة للعشاء ، فيؤدّي بقيتها خارج الوقت. وعلى الثاني تُصلّى العشاء خاصّة ، وتُقضى المغرب ؛ لخروج وقتها أجمع. وقال السيّد عميد الدين (28) : إنّ هذه الفائدة ليست بشيء؛ لأنّ المقتضى لصيرورة مقدار ثلاث ركعات من وقت العصر وقتاً للظهر في الفرض المذكور ليس مجرّد ضيق الوقت ، بل الضيق مع إدراك مقدار ركعة من الظهر في الوقت المشترك ، وتلك العلّة منتفية في الفرض المفروض في العشائين (29) . أقول : يؤيّد ما ذكره قدس سره ما تقدّم في مرسلة داود بن فرقد من أنّه إذا بقي إلى انتصاف الليل مقدار أربع ركعات يخرج وقت المغرب ، فإنّه ظاهر في أنّه يصلّي العشاء حينئذٍ ، وهذا الوقت الأوّل في الظهر لغير المتنفّل ، فأمّا المتنفّل فأوّل الزوال بمقدار أداء نافلة الظهر مختصّ بها، ثمّ يدخل وقت الظهر ، وبعدها بمقدار أداء نافلة العصر وقت لها ، ثمّ يدخل وقت العصر ، ويتفاوت وقت النافلتين باختلافهما طولاً وقصرا ؛ لخبري عمر بن حنظلة (30) وصحيحي ذريح (31) وعبد اللّه بن مسكان (32) ، وخبر مسمع بن عبد الملك (33) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة بن مهران ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا زالت الشمس فصلّ ثماني ركعات ، ثمّ صلّ الفريضة أربعاً ، فإذا فرغت من سبحتك قصّرت أو طوّلت فصلّ العصر» (34) . وفي الموثّق عن عمر بن حنظلة ، قال : كنت أقيس الشمس عن أبي عبد اللّه عليه السلام فقال : «يا عمر ، ألا اُنبّئك بأبين من هذا؟» قال : قلت: بلى جُعلت فداك. قال : «إذا زالت الشمس فقد وقع الظهر ، إلّا أنّ بين يديها سبحة وذلك إليك ، فإن أنت خفّفت فحين تفرغ من سبحتك ، وإن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك» (35) . وفي الموثّق عن ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأل أبا عبد اللّه عليه السلام اُناسٌ وأنا حاضر ، فقال : «إذا زالت الشمس فهو وقت لا تحبسك منها إلّا سبحتك تطيلها أو تقصّرها». فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الاُولى إذا كانت على قدمين ، والعصر على أربعة أقدام. فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «النصف من ذلك أحبّ إليّ» (36) . وفي الصحيح عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام : روي عن آبائك : القدم والقدمين ، والأربع ، والقامة والقامتين ، وظلّ مثلك ، والذراع والذراعين؟ فكتب عليه السلام : «لا ، القدم والقدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة ، وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ الظهر ، فإذا فرغت كانت بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ العصر» (37) . وعلى ذلك حُمل ما ورد من أنّ وقت الظهر والعصر بعد الزوال بقدم وقدمين وذراع وذراعين ، رواه الشيخ في الصحيح عن فضيل بن يسار وزرارة وبكير ابني أعين ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام، أنّهما قالا: «وقت الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلك قدمان ، وهذا أوّل الوقت إلى أن يمضي أربعة أقدام للعصر» (38) . وعن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : «ذلك من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس». وقال زرارة: قال لي أبو جعفر عليه السلام حين سألته عن ذلك _ : «إنّ حائط مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان قامة ، فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر». ثمّ قال : «أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟» فقلت: لِمَ جعل ذلك؟ قال : «لمكان الفريضة، فإنّ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفيء ذراعاً ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة». قال ابن مسكان: وحدّثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المراد وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا أحصيه منها (39) . وفي الموثّق عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر؟ فقال : «إذا كان الفيء ذراعاً» (40) . وعن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «وقت الظهر على ذراع» (41) . وعن إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : قد سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر، قال : «بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك ، إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها حين تزول الشمس» (42) . وفي الموثّق عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي الظهر على ذراع ، والعصر على نحو ذلك» (43) . وفي الموثّق عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : «بعد الزوال بقدم ونحو ذلك ، إلّا في السفر أو يوم الجمعة ، فإنّ وقتها إذا زالت» (44) . وفي موثّق عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت: لم؟ قال : «لمكان الفريضة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يبلغ ذراعاً ، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (45) . وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قال : قلت: لم؟ قال : «لمكان الفريضة ، قال : لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه» (46) . وعن عبد اللّه بن محمّد ، قال : كتبت إليه: جُعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام أنّهما قالا: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ، إلّا أنّ بين يديها سبحة إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت». وروى بعض مواليك عنهما : «أنّ وقت الظهر على قدمين، ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صلّيت قبل ذلك لم يجزيك»، وبعضهم يقول : «يجزي ، ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام»، وقد أحببت جُعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت. فكتب: «القدمان والأربعة أقدام صواب جميعاً» (47) . وعن زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كان حائط مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراعاً صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر» ، ثمّ قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟» قلت: لا. قال : «من أجل الفريضة ، إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (48) . وعن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كان الفيء في الجدار ذراعاً صلّى الظهر ، وإذا كان ذراعين صلّى العصر» . قلت : الجُدران تختلف ، منها قصير، ومنها طويل. قال : «إنّ جدار مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يومئذٍ قامة ، وإنّما جعل الذراع والذراعان لئلّا يكون تطوّع في وقت فريضة» (49) . وأمّا ما دلّ على دخول وقت العصر إذا صار الفى ء قامة، فمحمول على أوّل وقت الفضيلة ؛ لما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس» (50) . واختلفت الأخبار والأقوال في تحديد الوقت ، فالمشهور أنّه للظهر من الزوال إلى أن يصير الفيء للشاخص مثله، وللعصر إلى أن يصير مثليه ؛ لخبر يزيد بن خليفة (51) ، ومرسلة يونس (52) ، وصحيحة أحمد بن محمّد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر، فكتب: «قامة للظهر وقامة للعصر» (53) . وحسنة (54) أحمد بن عمر، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر والعصر، فقال : «وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين» (55) . وموثّق زرارة ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام لعمرو بن سعيد بن هلال : «إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (56) . والأفضل فيالحَرّ تأخيرهما إلى آخر وقت فضيلتها ليكون الهواء أبرد ؛ لموثّق عبد اللّه بن بكير، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت صلاة الظهر بالقيظ، فلم يجبني ، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال : «إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره ، فخرجت من ذلك فاقرأه منّي السلام وقلّ له : إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (57) . ولما روى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «كان المؤذّن يأتي النبيّ صلى الله عليه و آله في الحرّ في صلاة الظهر ، فيقول له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أبرِد أبرِد» (58) . وما رواه البخاري بإسناده عن أبي هريرة ونافع مولى عبد اللّه بن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا اشتدّ الحرّ فابردوا بالصلاة ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم» (59) . وعن أبي ذرّ ، قال : أذّن مؤذّن النبيّ صلى الله عليه و آله الظهر فقال : «أبرد أبرد ، [أ] و [قال]: انتظر انتظر» . وقال : «شدّة الحرّ من فيح جهنّم ، فإذا اشتدّ الحرّ فابردوا عن الصلاة» حتّى رأينا فيء التلول (60) . وعن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم ، فاشتكت النار إلى ربّها ، فقالت : ياربّ ، أكل بعضي بعضاً ، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف، أشدّ ما تجدون من الحرّ وأشدّ ما تجدون من الزمهرير» (61) . وعن أبي سعيد ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أبردوا بالظهر ، فإنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم» (62) . وعن أبيذرّ ، قال : كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و آله فأراد المؤذّن أن يؤذّن فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أبرد» ، ثمّ أراد أن يؤذّن فقال : «أبرد» حتّى رأينا فيء التلول ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ شدّة الحرّ من فيح جهنّم، فإذا اشتدّ الحرّ فأبرد بالصلاة» (63) . ورواها مسلم أيضاً في صحيحه مع أخبار اُخرى بهذا المعنى (64) ، وهي ظاهرة في أنّ المراد بالإبراد التأخير إلى أن يبرد الهواء . وقال الصدوق رضى الله عنه: يعني عجّل عجّل . وأخذ ذلك من البريد (65) . وقد ورد في بعض الأخبار أنّ آخر ذلك الوقت في العصر ستّة أقدام ونصف من الزوال، رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر ، قال : قال الفقيه عليه السلام : «آخر وقت العصر ستّة أقدام ونصف» (66) ، وهو محمول على تأكّد الاستحباب ، فإنّ الصلاة في أوّل وقت فضيلتها أفضل ، وهكذا كلّما قرب من أوّل وقتها إلى آخره ؛ لخبر محمّد بن الفرج ، قال : كتبت أسأل عن أوقات الصلاة ، فأجاب: «إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك ، واُحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ، ثمّ صلّ سبحتك، واُحبّ أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام ، فإن عجّل بك أمر فابدأ بالفريضتين واقض النافلة بعدهما ، فإذا طلع الفجر فصلّ الفريضة ثمّ اقض بعد ما شئت» (67) . وخبر محمّد بن حكيم، عن العبد الصالح عليه السلام قال : سمعته وهو يقول : «إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامتان»، قلت : في الشتاء والصيف؟ قال : «نعم» (68) . محمول على ذلك. وذهب الشيخ المفيد في المقنعة إلى امتداد ذلك الوقت في الظهر إلى أن يصير الفيء قدمين (69) ، وكأنّه تمسّك في ذلك بما سيأتي عن إبراهيم الكرخي ، وسيأتي جوابه أيضاً. و قيل: احتجّ عليه بأخبار الذراع والذراعين ونظائرها ، وهو بعيد ؛ لصراحة أكثرها في أنّ المراد بها أوّل وقت فضيلتهما كما عرفت . على أنّه قال بذلك في الظهر ولم يقل في العصر بالأربعة الأقدام ، وتلك الأخبار دالّة على ذلك أيضاً . وذهب الشيخ في التهذيب إلى انتهاء وقت الاختيار للظهر ؛ إذا صار الفئ أربعة أقدام محتجّاً برواية إبراهيم الكرخي ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام متى يدخل وقت الظهر؟ قال : «إذا زالت الشمس»، فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال : «من بعدما يمضي من زوالها أربعة أقدام ، إنّ وقت الظهر ضيّق ليس كغيره»، قلت: فمتى يدخل وقت العصر؟ قال : «إنّ آخر وقت الظهر هو أوّل وقت العصر»، قلت: فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال : «وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علّة وهو تضييع»، فقلت له: لو أنّ رجلاً صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام ، كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : «إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم تقبل منه ، كما لو أنّ رجلاً أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمّدا من غير علّة لم يقبل منه، إنّ رسول اللّه وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً وحدّ لها حدودا في سنّته للناس ، فمن رغب عن سنّةٍ من سننه الموجبات مثل من رغب عن فرائض اللّه [تعالى]» (70) . والظاهر أنّه من باب تأكّد الاستحباب. واعلم أنّ زوال الشمس ميلها عن دائرة نصف النهار ، والضابط في معرفة ذلك الدائرة الهنديّة، وصفتها على ما في المنتهي : أن يسوّي موضعاً من الأرض خالياً من ارتفاع وانخفاض، و تدير عليه دائرة بأيّ بُعد شئت ، وتنصب على مركزها مقياساً مخروطاً محدّد الرأس ، يكون ذلك المقياس بقدر ربع (71) قطر الدائرة بحيث يحصل عند المركز زوايا قوائم ، ويعرف ذلك بأن يقدّر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة من ثلاث مواضع ، فإن تساوت الأبعاد فهو عمود ، ثمّ ترصد ظلّ المقياس قبل الزوال حين يكون خارجاً من محيط الدائرة نحو المغرب ، فإذا انتهى رأس الظلّ محيط الدائرة يريد الدخول فيها تعلم عليه علامة ، ثمّ ترصده بعد الزوال قبل خروج الظلّ من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنها تعلم عليه علامة، وتصل ما بين العلامتين بخطٍّ مستقيم ، وتنصّف ذلك الخطّ ، وتصل بين مركز الدائرة ومنتصف الخط [بخطّ] ، فهو خطّ نصف النهار ، وإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الّذي قلنا إنّه خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء ، لم تزل (72) ، وإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه فقد زالت الشمس (73) . وهذه الضابطة مأخوذة من قول الصادق عليه السلام المروي في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن عيسى مرفوعاً عن سماعة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جُعلت فداك ، متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً وشمالاً كأنّه يطلب شيئاً ، فلمّا رأيت ذلك تناولت عودا ، فقلت : هذا تطلب؟ قال : «نعم»، فأخذ العود فنصب بحيال الشمس ، ثمّ قال : «إنّ الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول الشمس فإذا زالت زادت ، فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ، ثمّ تمهّل قدر ذراع وصلّ العصر» (74) . وعن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن سليمان بن داوود ، عن عليّ بن أبي حمزة ، قال : ذُكر عند أبي عبد اللّه عليه السلام زوال الشمس ، قال : فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيُقام فما دام ترى الظلّ ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالت» (75) . والظلّ قد ينعدم عند الوصول إلى خطّ نصف النهار المذكور في بعض البلاد ، كما إذا كان عرض البلد مساويا لميل الشمس عن معدّل النهار، فإنّ الشمس حينئذٍ يكون مسامتاً للرأس عند الوصول إلى دائرة نصف النهار ، فينعدم الظلّ عند الوصول إلى ذلك الخطّ رأساً ، وحينئذٍ يعتبر حدوثه بعد الانعدام ، وفي غير ذلك الموضع يبقى الظلّ ويختلف باختلاف عروض البلاد ، فكلّما كان عرضها أكثر كان هو أطول وباختلاف الأزمان. ففي الشتاء يكثر ، وفي الصيف يقلّ (76) . وقد ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام الإرشاد إلى هذا الاختلاف . روى عبداللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تمّوز على قدم ونصف ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف، وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف ، وفي النصف من تشرين الأوّل على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من آيار على قدم ونصف، [و في النصف من حريزان على نصف قدم]» (77) . فالظاهر أنّ الغرض بيان اختلاف الظلّ في الشهور وأنّه يزداد الظلّ في النصف من حزيران إلى النصف من كانون الأوّل يوماً فيوماً وشهرا فشهرا ، وبنسبة تلك الزيادة ينقص من النصف الآخر من كانون الأوّل إلى النصف من حزيران يوماً يوماً وشهرا شهرا بعينها من غير تفاوت، وإلّا فما ذكر فيه لا يستقيم في موضع من المواضع ؛ إذ الموضع الّذي يكون الظلّ فيه في النصف من حزيران على نصف قدم كما في الكوفة وحواليها لا يكون في النصف الأوّل من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، بل أقلّ منه بكثير ، وكذا باقي الشهور . والنصف من حزيران هو أوائل السرطان ، والنصف من تموز أوائل أسد ، والنصف من آب أوائل السنبلة ، والنصف من أيلول أوائل الميزان ، والنصف من تشرين الأوّل أوائل العقرب، والنصف من تشرين الآخر أوائل القوس ، والنصف من كانون الأوّل أوائل الجدي ، والنصف من كانون الآخر أوّل الدلو ، والنصف من شباط أوّل الحوت تقريباً ، والنصف من آذار أوائل الحمل ، والنصف من نيسان أوائل الثور ، والنصف من آيار أوائل الجوزا . قوله في خبر يزيد بن خليفة : (إنّ عمربن حنظلة إلى قوله _ : إذا لا يكذب علينا) . [ح 1 / 4833] فيه توثيق عمر بن حنظلة ، لكنّه ضعيف بيزيد (78) . وعن الشهيد الثاني أنّه قال في شرح الدراية: «إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل ، لكنّ أمره عندي سهل ؛ لأنّي حقّقت توثيقه في محلٍّ آخر» (79) . وعن ولده المبرور الشيخ حسن أنّه قال : ومن عجيب ما اتّفق له أنّه قال في شرح بداية الدراية: إنّ عمر بن حنظلة لم ينصّ الأصحاب عليه بجرح ولا تعديل ، ولكنّه حقّق توثيقه من محلٍّ آخر. ووجدت بخطّه في بعض فوائده ما صورته : عمر بن حنظلة غير مذكور بجرحٍ ولا تعديل ، ولكن الأقوى عندي أنّه ثقة لقول الصادق عليه السلام في حديث الوقت : «إذا لا يكذب علينا» . والحال أنّ الحديث الّذي أشار إليه ضعيف الطريق ، فتعلّقه به [في هذا الحكم] مع ما علم من انفراده [به] غريب ، ولولا الوقوف في الكلام الأخير لم يختلج في الخاطر أنّ الاعتماد في (80) ذلك على هذه الحجّة (81) . والسبحة : خرزات التسبيح يعدّ بها الدعاء. وصلاة التطوّع (82) . قوله في مرسلة يونس : (سألته عمّا جاء في الحديث : أن صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعاً وذراعين وقدماً وقدمين من هذا ، ومن هذا، فمتى هذا ، وكيف هذا؟) إلخ. [ح 7 / 4839] في التهذيب (83) : «العصر» بدل «الظهر» ، والظاهر هو الجمع بينهما بدليل أنّ هذه الأخبار في الظهرين وقد سبقت ، والظاهر تعلّق الجارّين بقوله : «جاء» وأنّ مجروريهما إشارتان إلى الرواة . وتوهّم السائل أنّ المراد بالقامة الّتي جعلت مقياساً في تلك الأخبار قامة الشاخص، وبالظلّ الظلّ الباقي عند الزوال، وأنّ المراد بيان أنّ أوّل الزوال الّذي هو أوّل الوقت للظهر إذا صار الظلّ الباقي عند الزوال بقدر قامة الشاخص ، وأوّل وقت العصر إذا صار الظلّ الباقي مع الفئ الزائد قامتين . وكذا حال الذراع والذراعين والقدم والقدمين ، فزعم أنّ هذه الأخبار متناقضة وغير مطّردة ؛ إذ قد يبقى عند الزوال أقلّ ممّا ذكر ، فأجاب عليه السلام : بأنّ المراد بيان أوّل وقت الفضيلة للصلاتين للمتنفّل، وأنّ القامة في خبر القامة والقامتين ليست هي قامة الشاخص الّذي له الظلّ ، بل المراد بها الظلّ الباقي عند الزوال ، والمماثلة معتبرة بين الفيء الزائد والظلّ الباقي، وهو يختلف بحسب اختلاف الفصول ، فقد يبقى الظلّ عند الزوال بقدر ذراع وهو سبعا الشاخص ، وقد يبقى أقلّ وأكثر . والخبر الّذي اعتبر فيه المماثلة بين الفيء الزائد وقامة الظلّ الباقي إنّما وردت عنهم عليهم السلام في زمان كان الظلّ الباقي فيه ذراعات ، فصارت القامة والقامتان والذراع والذراعان متّحدين في ذلك الزمان ، وكانت القامة الّتي اعتبر المماثلة بين الفيء الزائد وبينها أيضاً ذراعاً . وأمّا في زمان يكون الظلّ الباقي المعبّر عنه بالقامة فيه أقلّ من ذراع أو أكثر، فحينئذٍ لا تعتبر المماثلة بين الفيء الزائد والظلّ الباقي ، بل الوقت حينئذٍ محصور بالذراع والذراعين، فتتوافق أخبار القامة والقامتين وأخبار الذراع والذراعين ، ويبقى خبر القدم والقدمين ، ولم يتعرّض عليه السلام للجواب عنه ، والظاهر أنّه مبنيّ على ما إذا قلّ زمان النافلة. وقوله عليه السلام في صدر الجواب : (إنّما قال الظلّ قامة) إلخ [ح 7 / 4839] ، يعني إنّما أراد بالقامة الّتي هي المقياس الظلّ الباقي ، ولم يرد قامة الظلّ ، يعني قامة الشاخص الّذي له الظلّ . وفي بعض النسخ : «إنّما قال ظلّ القامة»، فالمعنى أيضاً أنّه إنّما اُريد بالقامة الّتي هي المقياس الظلّ الباقي من قامة الشاخص ولم يرد القامة الّتي له الظلّ ، واللّه أعلم بحقيقة كلام وليّه. وقد جمع الشيخ في التهذيب بين الأخبار المختلفة المشار إليها بتأويلات اُخرى قال : وليس لأحد أن يقول كيف يمكنكم العمل على هذه الأحاديث مع اختلاف لفظها (84) وتضادّ معانيها ؛ لأنّ بعضها يتضمّن ذكر القامة ، وبعضها يتضمّن ذكر الذراع ، وبعضها يتضمّن ذكر القدم ، وهذه مقادير مختلفة؛ لأنّ اللفظ وإن اختلف فإنّ المعاني ليست مختلفة من وجوه: أحدها: إنّا بيّنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، إلّا لمن يصلّي السبحة، والسبحة تختلف باختلاف المصلّين ، فمن صلّى بقدر ما تصير الشمس على قدم فذاك (85) وقته ، ومن صلّى على ذراع فذاك [حينئذ] وقته ، ومن صلّى إلى أن تصير الشمس على قامة فذاك وقته. وقد صرّح بهذا أبو عبد اللّه عليه السلام في الخبر الّذي قدّمناه عن منصور بن حازم بقوله: «ألا اُنبّئكم بأبين من هذا؟» ثمّ قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر ، إلّا أن بين يديها سبحة ، فإن أنت خفّفت فحين تفرغ منها ، وإن أنت طوّلت فحين تفرغ منها» (86) . والثاني: أن يكون جميع ما تضمّنت هذه الأخبار من ذكر القامة المراد به الذراع وقد بيّنوا عليهم السلام ، روى ذلك عليّ بن الحسن الطاطري، عن محمّد بن زياد ، عن عليّ بن حنظلة ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «القامة والقامتان : الذراع والذراعان في كتاب عليّ عليه السلام » (87) . وعنه عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «القامة هي الذراع» (88) . وعنه عن محمّد بن زياد ، عن عليّ بن أبيحمزة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال له أبو بصير: كم القامة؟ قال : فقال : «ذراع، إنّ قامة رحل رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت ذراعاً» (89) . والثالث: أنّ الشخص القائم الّذي يعتبر به الزوال يختلف ظلّه بحسب اختلاف الأوقات، فتارةً ينتهي الظلّ منه في القصور حتّى لا يبقى بينه وبين أصل العمود المنصوب أكثر من قدم، وتارةً ينتهي إلى حدّ يكون بينه وبينه ذراع، وتارةً يكون مقداره مقدار الخشب المنصوب، فإذا رجع الظلّ إلى الزيادة وزاد مثل ما كان قد انتهى إليه من الحدّ فقد دخل الوقت ، سواء كان قدماً أو ذراعاً ، أو مثل الجسم المنصوب ، فالاعتبار بالظلّ في جميع الأحوال لا بالجسم المنصوب. والّذي يدلّ على هذا المعنى ما رواه محمّد بن يعقوب عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن سعيد ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عمّا جاء في الحديث : أن صلّ العصر إذا كانت الشمس قامة و قامتين وذراعاً وذراعين» إلى آخر الخبر المذكور (90) . وأورد على الوجه الأخير الشيخ بهاء الملّة والدين في الحبل المتين: بأنّ الظلّ الّذي يبقى عند الزوال مختلف في البلدان بل ففي البلد الواحد باختلاف الفصول. ففي الصيف قد تكون الأفياء يسيرا أقلّ من عشر الشاخص ، بل قد تعدم، وفي الشتاء قد تكون مساوية للشاخص، بل قد يكون أزيد منه بكثير على ما يقتضيه اختلاف البلدان في العرض ، فلا يستقيم التحديد المذكور ؛ لأنّه يقتضي اختلافاً فاحشاً في الوقت ، بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنه الوقت ، كما إذا كان الباقي شيئاً يسيرا حدّا ، بل يستلزم الخلوّ عن التوقيت في اليوم الّذي تسامت الشمس فيه رأس الشخص ؛ لانعدام الظلّ الأوّل حينئذٍ . وأمّا الرواية المذكورة فضعيفة السند ، متهافتة المتن ، قاصرة الدلالة ، ولا تعويل عليها أصلاً (91) .
.
ص: 380
. .
ص: 381
. .
ص: 382
. .
ص: 383
. .
ص: 384
. .
ص: 385
. .
ص: 386
. .
ص: 387
. .
ص: 388
. .
ص: 389
. .
ص: 390
. .
ص: 391
. .
ص: 392
. .
ص: 393
. .
ص: 394
. .
ص: 395
. .
ص: 396
. .
ص: 397
. .
ص: 398
. .
ص: 399
. .
ص: 400
. .
ص: 401
باب وقت المغرب والعشاء الآخرةفيه مسائل : الاُولى : اختلف الأصحاب في أوّل وقت المغرب، فقال الشيخ المفيد في المقنعة : عندنا أنّ أوّل وقت المغرب مغيب الشمس . وعلامة مغيبها عدم الحمرة من المشرق المقابل للمغرب في السماء ، وذلك أنّ المشرق مطلّ على المغرب ، فما دامت الشمس ظاهرة فوق أرضنا هذه فهي تلقي ضوئ [ها] على المشرق في السماء ، فترى حمرتها فيه ، فإذا ذهبت الحمرة فيه علم أنّ القرص قد سقط وغاب . وبه قال الشيخ في النهاية (1) والتهذيب (2) ، وهو أحد وجهي الجمع بين الأخبار له في الاستبصار ، والمشهور بين المتأخّرين. ويدلّ عليه ما رواه في الاستبصار عن عبد اللّه بن صباح (3) ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام : يتوارى القرص ويقبل الليل ، ثمّ يزيد الليل ارتفاعاً ، وتستر عنّا الشمس ، وترتفع فوق الليل حمرة ، ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فاُصلّي حينئذٍ وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتّى تذهب الحمرة الّتي فوق الليل؟ فكتب إليّ: «أرى أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك» (4) . وعن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّما أمرت أبا الخطّاب أن يصلّي المغرب حين تغيب الحمرة من مطلع الشمس ، فجعله هو الحمرة الّتي من قبل المغرب ، فكان يصلّي حين يغيب الشفق» (5) . وعن محمّد بن شريح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن وقت المغرب؟ فقال : «إذا تغيّرت الحمرة في الاُفق وذهبت الصفرة [و قبل أن تشتبك النجوم]» (6) . ويؤيّدها خبر بريد بن معاوية (7) ، وقد رواها الشيخ في الاستبصار عن المصنّف بهذين السندين، وبسند آخر أيضاً وهو : أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن عروة (8) . وما رواه في الصحيح عن أبي اُسامة أو غيره ، قال : صعدت حَرَّةَ جبل أبي قبيس والناس يصلّون المغرب ، فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد اللّه عليه السلام فأخبرته بذلك ، فقال لي: «ولِمَ فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت! إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها ، وإنّما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا» (9) ، فإنّ الظاهر من قوله عليه السلام : «إنّما عليك مشرقك ومغربك» : أنّه انظر إلى مشرقك ، فإذا لم تر حمرة فصلّ المغرب ، وانظر إلى مغربك ، فإذا لم تر الشفق فصلّ العشاء. ومثله في هذا المعنى خبر سماعة بن مهران ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام [في المغرب]: إنّا ربّما صلّينا ونحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل ، وقد سترنا منها الجبل. قال : فقال : «ليس عليك صعود الجبل» (10) . ويؤيّده أيضاً ما رواه عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال لي: «مسّوا بالمغرب قليلاً ، فإنّ الشمس تغيب عندكم قبل أن تغيب من عندنا» (11) . وعن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سأله سائل عن وقت المغرب؟ قال : «إن اللّه يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام : «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا» (12) فهذا أوّل الوقت ، وآخر ذلك غيبوبة الشفق ، وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل» (13) . ولمّا لم تكن هذه الأخبار صحيحة ولا بعضها صريحاً في المطلوب ، وكانت معارضة بأخبار غير عديدة ، مشتملة على الصحيح والحسن ، دالّة على دخول وقتها بغيبوبة القرص ، ذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط (14) ، والصدوق في علل الشرائع (15) إلى كفاية غيبوبة القرص. ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب من حسنة زرارة (16) ، وخبر يزيد بن خليفة (17) ، وصحيحتي عبد اللّه بن سنان وزيد الشحّام (18) ، ورواية زرارة والفضيل (19) ، وخبري عبيد بن زرارة (20) وإسماعيل بن مهران (21) ، وما سبق من قولهم عليهم السلام : «وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة» (22) . وخبر داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت العشاء الآخرة» ، إلى آخر الخبر (23) ، وقد مضى. وخبر عليّ بن الحكم، عمّن حدّثه، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه سُئل عن وقت المغرب ، فقال : «إذا غاب كرسيّها» ، قلت : وما كرسيّها؟ قال : «قرصها» ، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال : «إذا نظرت إليه فلم تره» (24) . وخبر زيد الشحّام ، قال : قال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام : اُؤخّر المغرب حتّى تستبين النجوم؟ قال : فقال : «خطّابيّة؟! إنّ جبرئيل نزل بها على محمّد صلى الله عليه و آله حين سقط القرص» (25) . ورواية محمّد بن أبي حمزة، عن جارود ، قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «يا جارود ، ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشيء نادَوا به ، أو حدّثوا بشيء أذاعوه ، قلت لهم : مسّوا بالمغرب قليلاً فتركوها حتّى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن اُصلّيها إذا سقط القرص» (26) . وعن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الصباح بن سيابة، وأبي اُسامة ، قالا: سألوا الشيخ عن المغرب ، فقال بعضهم: جعلني اللّه فداك ، ننتظر حتّى يطلع كوكب؟ فقال : «خطّابية؟! إن جبرئيل نزل بها على محمّد صلى الله عليه و آله حين سقط القرص» (27) . وعن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس» (28) . وصحيحة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل» ، الخبر (29) . وخبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا توارى القرص وكان وقت الصلاتين»، الخبر (30) . وقد تقدّما. وخبر عبد اللّه بن سنان، عن عمرو بن أبي نصر ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في المغرب: «إذا توارى القرص كان وقت الصلاة وافطر» (31) . وموثّق أبان، عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي المغرب حين تغيب الشمس حتّى تغيب حاجبها» (32) . وخبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس» (33) . وخبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وقت المغرب من حين تغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم» (34) . وموثّق إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب، قال : «ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق» (35) . والأوّلون تارةً حملوا غيبوبة القرص في هذه الأخبار على غيبوبته عن الاُفق الحقيقي ، وقالوا : علامته ذهاب الحمرة المشرقيّة ، وبذلك جمعوا بينها وبين ما سبق من الأخبار الأوّلة، ويشعر به بعض تلك الأخبار ، لكن يأبى عنه مرسلة عليّ بن الحكم من هذه الأخبار. واُورد عليه بأنّ هذا الجمع إنّما يكون جيدا لو تكافأت الأخبار من الطرفين ، وهذه الأخبار أكثر ، ومشتملة على الصحيح والحسن ، بخلاف الأوّلة فإنّه ليس فيها حسن فضلاً عن صحيح. وربما حملوا الأخيرة على التقيّة . ويظهر جوابه ممّا ذكر . والأولى حمل الأوّلة على الفضيلة كما يشعر به قوله عليه السلام : «خذ بالحائطة لدينك». فإن قيل: الأمر فيه للوجوب. قلت: لا نسلّم وجوب الأخذ بالاحتياط؛ لانتفاء دليل يعتدّ به عليه بل كونه للاستحباب هنا أظهر وإن قيل: إنّ الأمر حقيقته الوجوب ؛ لما يستفاد من خبر جارود . وحكى في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «أوّل وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامته أن يسودّ اُفق السماء من جانب المشرق ، وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجوّ واشتباك النجوم» (36) . ويردّه بعض ما تقدّم من الأخبار ، وصحيحة ذريح ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ اُناساً من أصحاب أبي الخطّاب يمسون بالمغرب حتّى تشتبك النجوم، قال : «أبرأ إلى اللّه ممّن فعل ذلك متعمّدا» (37) . ويؤيّدها خبر محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «قال ملعون ملعون من أخّر المغرب طلب فضلها» (38) . وكأنّه تمسّك بما رواه الشيخ عن محمّد بن عليّ ، قال : صحبت الرضا عليه السلام في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق ، يعني السواد (39) . وعن أبي همام إسماعيل بن همام ، قال : رأيت الرضا عليه السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتّى ظهرت النجوم، ثمّ قال : «فصلّى بنا على باب دار ابن أبي محمود» (40) . وعن داوود الصرمي ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام يوماً فجلس يحدّث حتّى غابت الشمس ، ثمّ دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلّي المغرب ، ثمّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى (41) . وفي الموثّق عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب ، قال : قال لي: «مسّوا بالمغرب قليلاً ، فإنّ الشمس تغيب عندكم من قبل أن تغيب عندنا» (42) . وفيه: أنّ تأخير المعصوم إيّاها لا يدلّ على عدم دخول وقتها قبل فعله عليه السلام وإنّما يدلّ على جواز التأخير ، وأمّا الأمر بالتأخير قليلاً فليتحقّق [ب]ذهاب الحمرة المشرقية. وعن ابن البرّاج أنّه حكى عن بعض الأصحاب أنّه لا وقت لها إلّا واحدا ، وهو سقوط القرص (43) ، وهو ظاهر ما تقدّم من الأخبار الّتي دلّت على أنّ جبرئيل عليه السلام أتى النبيّ عليه السلام لكلّ صلاة بوقتين غير صلاة المغرب ، فإنّ وقتها واحد وهو سقوط القرص (44) ، وقد عرفت أنّها محمولة على تأكّد الاستحباب . الثانية: اختلفوا في آخره (45) أيضاً ، فقد حكى العلّامة في المختلف (46) عن السيّد المرتضى أنّه قال في الجمل بامتداد وقتها إلى أن يبقى إلى نصف الليل مقدار أربع ركعات (47) ، ونقله عن ابن الجنيد وابن زهرة (48) وابن إدريس (49) ، وهو قول عامّة المتأخّرين (50) . ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وغسق الليل انتصافه» (51) فيما تقدّم في باب فرض الصلاة، وما رويناه من مرسلة داود بن فرقد، وصحيحة عبيد بن زرارة. وقال المفيد في المقنعة: «آخره أوّل وقت العشاء» (52) ، وقد فسّره بذهاب الحمرة المغربية . وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، فقد قال فيه: «أوّل وقت المغرب إذا غابت الشمس وآخره إذا غاب الشفق وهو الحمرة» (53) . ومنقول في المختلف (54) عن ابن البرّاج (55) ، ومحكي في الخلاف عن أبي حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي بكر بن المنذر ، إلّا أنّ أبا حنيفة فسّر الشفق بالبياض (56) ، قال : «وحكى أبو ثور هذا المذهب [عن الشافعي] ولم يصحّحه أصحابه» (57) ، ولعلّهم أرادوا بذلك وقت الاختيار . وقد صرّح بذلك الشيخ في المبسوط (58) وستعرفه ، وهو المشهور من مذهبه . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن زرارة والفضيل (59) ، وما رواه أيضاً أنّ لها وقتين ، آخر وقتها سقوط الشفق (60) ، وما تقدّم من مكاتبة إسماعيل بن مهران (61) ، وعن بكر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السلام (62) ، وعن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام (63) . وحملت في المشهور على وقت الفضيلة ؛ لعموم بعض ما تقدّم من الأخبار ، وخصوص ما تقدّم عن داود والصرمي (64) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن جميل بن درّاج ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ماتقول في الرجل يصلّي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّه لا بأس»، قلت: فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال : «لعلّه لا بأس» (65) . وقال الشيخ في المبسوط والنهاية: «آخره غيبوبة الشفق للمختار ، وربع الليل للمضطرّ» (66) ، وهو منقول في المختلف (67) عن أبي الصلاح (68) وابن حمزة (69) . وبه قال الصدوق في الفقيه (70) . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن عمر بن يزيد (71) ، والشيخ في الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال : سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق ، أيؤخّرها أءلى أن يغيب الشفق؟ قال : «لا بأس بذلك في السفر ، وأمّا في الحضر فدون ذلك شيئاً» (72) . وعن سعيد بن جناح، عن بعض أصحابنا، عن الرضا عليه السلام قال : «إنّ أبا الخطّاب قد كان أفسد عامّة أهل الكوفة ، وكانوا لا يصلّون المغرب حتّى يغيب الشفق ، وإنّما ذلك للمسافر والخائف أو لصاحب الحاجة» (73) . وعن محمّد بن عذافر، عن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت المغرب؟ فقال : «إذا كان أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل». قال : قال لي هذا وهو شاهد في بلده (74) . وعن عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمرُّ بالمساجد فاُقيمت الصلاة ، فإن أنا نزلت اُصلّي معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة. فقال : «ائت منزلك وانزع ثيابك ، وإن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلّ ، فإنّك في وقت إلى ربع الليل» (75) . والأظهر حمل هذه أيضاً على الفضيلة ؛ لما عرفت ، ولئلّا تطرح أخبار النصف. الثالثة: أوّل وقت العشاء على المشهور بعد صلاة المغرب وإن لم يذهب الشفق ، ذهب إليه السيّد المرتضى في الناصريّات (76) ، وحكاه عن مالك (77) . ونسب في المختلف (78) إلى ابن الجنيد (79) وأبي الصلاح (80) وابن البرّاج (81) وابن زهرة (82) وابن حمزة (83) وابن إدريس (84) ، وهو مذهب عامّة المتأخّرين (85) . وقال المفيد في المقنعة : إنّه مغيب الشفق (86) ، وبه قال الشيخ في الخلاف (87) والمبسوط (88) والنهاية (89) وكتابي الأخبار (90) ، ونسب في المختلف (91) إلى ابن أبي عقيل وسلاّر (92) . لنا ما رواه المصنّف عن عبيد بن زرارة (93) ، وما تقدّم من صحيحة عبيد بن زرارة (94) وخبر آخر عنه (95) ، وخبر داود بن فرقد (96) ، وموثقة جميل (97) . وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة» (98) . وما رواه الشيخ عن عبد اللّه وعمران بن عليّ الحلبيين ، قالا: كنّا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وكان منّا من يضيق بذلك صدره ، فدخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقال : «لا بأس بذلك»، قلنا: وأيّ شيء الشفق؟ فقال : «الحمرة» (99) . وعن إسحاق البطيخي ، قال : رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، ثمّ ارتحل (100) . احتجّ الشيخ على ما ذهب إليه بصحيحة عمران بن عليّ الحلبي (101) . ويدلّ أيضاً عليه خبر يزيد بن خليفة (102) ، ومكاتبة عليّ بن الريّان (103) ، وما تقدّم عن بكر بن محمّد (104) ، وحملت في المشهور على الفضيلة ؛ للجمع إبقاء للأخبار الأوّلة على ظاهرها لكثرتها وشهرتها. وقد أوّل قدس سرهم الأخبار الأوّلة ، فقال في التهذيب: هذه الأخبار يحتمل وجهين : أحدهما: أن تكون مخصوصة بحال الاضطرار ، وهو لمن يعلم أو يظنّ أنّه إن لم يصلّ في هذا الوقت وانتظر سقوط الشفق لم يتمكّن من ذلك ، ولحائل يحول بينه وبين الصلاة أو مانع يمنعه منه (105) . واستند فيه بحسنة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بأن تعجّل العشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (106) . وصحيحة محمّد بن عليّ الحلبي، [عن عبيداللّه الحلبي]، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن تؤخّر المغرب في السفر حتّى يغيب الشفق، ولا بأس بأن تعجّل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق» (107) . وصحيحة ابن مسكان، عن أبي عبيدة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ، ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ، ثمّ أقام مؤذّنه ، ثمّ صلّى العشاء ، ثمّ انصرفوا» (108) . والثاني: أن يكون رخصة [للدخول في الصلاة] لمن يعلم أنّه يسقط الشفق قبل فراغه من الصلاة (109) . واستدلّ له بخبر إسماعيل بن أبي رباح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (110) . الرابعة: آخره ، واختلف فيه أيضاً ، فالمشهور أنّه انتصاف الليل ، وحكاه في المختلف (111) عن السيّد المرتضى (112) وابن الجنيد (113) وابن زهرة (114) وسلاّر (115) ، وبه قال ابن إدريس (116) ، ونسبه الشيخ في الخلاف (117) إلى الرواية . وقال المفيد: «آخره ثلث الليل» (118) ، وهو قول الشيخ في النهاية (119) والخلاف (120) ، وحكاه في المختلف (121) عن جمله (122) واقتصاده (123) أيضاً وعن ابن البرّاج (124) . وقال في المبسوط: إنّه ثلث الليل للمختار ، ونصفها للمضطرّ (125) ، واختاره في كتابي الأخبار (126) ، وحكى في المختلف (127) عن ابن أبي عقيل أنّه ربع الليل ، وحكى في المبسوط عن بعض أصحابنا من غير أن يعيّن قائله أنّ آخره للمضطرّ طلوع الفجر (128) . ويدلّ على الأوّل ما تقدّم من صحيحة أبي عبيدة وأمثالها ، وما رواه الشيخ عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لولا أنّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل، فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه» (129) . وفي الموثّق عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «آخر وقت العتمة نصف الليل» (130) . وعن الحسين بن هاشم ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل أو ذلك التضييع» (131) . واحتجّ الشيخ على ما ذهب إليه في المبسوط بالاحتياط ، وبما رواه المصنّف عن يزيد بن خليفة (132) ، وبقوله عليه السلام في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : «وآخر وقت العشاء ثلث الليل» (133) ؛ حملاً لهما على وقت الاختيار للجمع . والأوّلون حملوهما على وقت فضيلتها ، وهو أظهر ؛ لكون أخبار النصف أكثر وأشهر . ويشعر بذلك خبر ابن مسكان عن الحلبي الّذي مرّ قبيل هذا . وحكى في المختلف (134) عن ابن أبي عقيل أنّه احتجّ على ما ذهب إليه بمكاتبة إسماعيل بن مهران (135) . وأنت خبير بعدم دلالته على مدّعاه أصلاً ؛ إذ لا تعرّض فيها بآخر وقت العشاء رأساً . وفي المختلف (136) : «واحتجّ من قال ببقاء الوقت في الاضطرار إلى طلوع الفجر بما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس» (137) . وهو أحد وجهي الجمع للشيخ في كتابي الأخبار ، وفي الوجه الآخر حمله على وقت النوافل (138) . ولولا ضعف الخبر لكان القول به قويّاً ، والاحتياط في الضرورة الأداء والقضاء معاً بعد نصف الليل . قوله في مرسلة ابن أبي عمير: (فإذا جازت قمّة الرأس) . [ح 4 / 4844] القمّة : أعلى الرأس وأعلى كلّ شيء (139) . قوله : (عن عبد اللّه بن عامر) . [ح 8 / 4848] هو أبو محمّد عبد اللّه بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري ، عمّ الحسين بن محمّد بن عامر بن عمران الأشعري، وثّقه النجاشي (140) والعلّامة في الخلاصة (141) ، فالخبر صحيح . قوله في موثّقة عليّ بن فضال : (فقال : الحمرة) . [ح 10 / 4850] قال طاب ثراه : دلّ هذا الخبر والّذي بعده على أنّ الشفق هو الحمرة ، وهو مذهب علمائنا والشافعي (142) ومحدّثيهم ، والمشهور عن مالك (143) ، وفي رواية عنه : أنّه البياض (144) . وبه قال أبو حنيفة (145) والأوزاعي (146) . وقال بعض اللغويين منهم : أنّه يطلق عليهما (147) . وقوله عليه السلام : (لو كان البياض كان إلى ثلث الليل) [ح 10 / 4850] إمّا محمول على المبالغة، أو بالنظر إلى بعض البلاد والأزمان ، وإلّا فقد لا يبقى إلى ثلث الليل ، وقد يبقى زائدا عليه . وقد ذكر أرباب الهيئة أنّ انتهاء غروبه إذا كان انحطاط الشمس عن الاُفق بثماني عشرة درجة . وظاهر أنّ ذلك القدر قد يكون ثلث قوس الليل ، وقد يكون زائدا عليه ، وقد يكون أقلّ منه بحسب اختلاف العروض والفصول . قوله في صحيحة عمران بن عليّ الحلبي : (متى تجب العتمة؟) . [ح 11 / 4851] قد شاع إطلاق العتمة على العشاء الآخرة في رواياتنا ، وفي بعض روايات العامّة أيضاً : «لو يعلمون (148) ما في العتمة» ، الخبر (149) . وقال طاب ثراه : كره الشيخ هذه التسمية وتسميته صلاة الصبح بالفجر ، ولا أعلم دليله . نعم، ورد في بعض روايات العامّة النهي عن التسمية الاُولى ، وصرّح بعض أفاضلهم بكراهتها (150) . وقال بعضهم: الأعراب كانوا يسمّونها عتمة لأنّهم كانوا يعتمون بحلاب الإبل ، فإنّهم إنّما يحلبونها بعد الشفق وبدو الظلام (151) ، وهذا الوقت يسمّى عتمة ، فأطلقته العرب على هذه الصلاة ، فجاء النهي عن اتّباعهم في ذلك . قوله في خبر أبي بصير: (لولا أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العشاء إلى ثلث الليل) . [ح 13 / 4853] قال طاب ثراه : روى مسلم نظيره عن عائشة ، قال : اعتمّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات ليلة حتّى عامّة الليل ، فقال : «إنّه لوقتها لولا أن أشقّ على اُمّتي» (152) . وقيل: معنى اعتمّ أخّرها إلى أن دخلت العتمة ، وهي الظلمة (153) ، وقيل: معناه دخل في العتمة (154) كما يقال : أصبح ، إذا دخل في الصبح. والمراد بعامّة الليل كثير منها لا أكثرها ، وقال الخطّابي : «إنّما اختار التأخير ليقلّ حظّ النوم، وليطول الانتظار للصلاة» (155) . قوله في مكاتبة عليّ بن الريّان : (ووقت صلاة العشاء الآخرة) . [ح 15 / 4855] هي في مقابلة العشاء الاُولى ، وهي صلاة المغرب ، وقد يسمّى وقت المغرب أيضاً عشاء ، بل من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، ففي القاموس : «والعشاء أوّل الظلام ، أو من المغرب إلى العتمة ، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر» (156) . واندفع بذلك ما نقله أبو عبد اللّه الآبي عن الأصمعي من عدم جواز هذه التسمية حقيقةً ؛ معلّلاً بأنّه ليس هناك عشاء اُولى وإن قوي العشاءان من باب التغليب كالقمرين (157) . والظاهر أنّ قوله : «وقصرة النجوم» من باب التغليب ، فإنّ الشيخ قد روى هذا الخبر بعينه (158) وليس هو فيه .
.
ص: 402
. .
ص: 403
. .
ص: 404
. .
ص: 405
. .
ص: 406
. .
ص: 407
. .
ص: 408
. .
ص: 409
. .
ص: 410
. .
ص: 411
. .
ص: 412
. .
ص: 413
. .
ص: 414
. .
ص: 415
. .
ص: 416
. .
ص: 417
. .
ص: 418
. .
ص: 419
. .
ص: 420
باب وقت الفجرأجمع أهل العلم على أنّ وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني (1) . ويدلّ عليه أخبار كثيرة قد تقدّم بعضها في الأبواب السابقة ، ومنها : ما ذكره المصنّف في الباب. ومنها : ما رواه الشيخ عن هشام بن الهذيل، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام ، قال : سألته عن وقت صلاة الفجر؟ فقال : «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء» (2) . وفي الحسن عن عليّ بن عطيّة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الصبح هو الّذي إذا رأيته معترضاً كأنّه بياض [نهر] سوراء» (3) . ثمّ المشهور امتداد وقتها إلى طلوع الشمس اختيارا ، وأنّ الأفضل فعلها قبل الشفق ، ذهب إليه المفيد في المقنعة (4) وابن إدريس (5) وعامّة المتأخّرين ، ونقل في المختلف (6) عن جمل (7) الشيخ واقتصاده (8) وعن السيّد المرتضى (9) وسلاّر (10) وابن الجنيد (11) وابن البرّاج (12) وابن زهرة (13) ، ونقل في الخلاف (14) عن أبي حنيفة (15) ، وحكاه طاب ثراه عن أكثر العامّة (16) . ويدلّ على الأوّل قول الصادق عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة المتقدّم : «ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس» (17) . وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (18) . وعن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة» (19) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلّي [المكتوبة من] الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس ، وذلك في المكتوبة خاصّة ، فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة ، وقد جازت صلاته (20) . وإن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلّي حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها . و [يدلّ] على الثاني ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبي بصير المكفوف ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال : «إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء»، قلت: فمتى تحلّ الصلاة؟ فقال : «إذا كان كذلك». فقلت: ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : «لا إنّما نعدّها صلاة الصبيان». ثمّ قال : «لم يكن يحمد الرجل أن يصلّي في المسجد ثمّ يرجع فينبّه أهله وصبيانه» (21) . وذهب الشيخ في الخلاف (22) والمبسوط (23) إلى أنّ وقتها للمختار إلى طلوع الشفق ، وللمضطرّ إلى طلوع الشمس ، وهو ظاهره في النهاية حيث خصّ امتداد وقتها إلى طلوع الشمس بذوي الأعذار (24) ، وبذلك جمع في التهذيب بين الأخبار. ونقل في المختلف (25) عن ابن أبي عقيل (26) وابن حمزة (27) ومنقول عن الشافعي ، وهو ظاهر حسنة الحلبي (28) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما : وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنّه وقت من شغل ونسى أو سها أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر أو علّة» (29) . ويؤيّدهما قوله عليه السلام : «وقت الفجر حين يبدو حتّى يضيء» في خبر يزيد بن خليفة (30) ، وحملت هذه في المشهور على وقت الفضيلة ؛ للجمع . ويشعر به كلمة «لا ينبغي» في خبر ابن سنان. وهل الأفضل فعلها عند طلوع الفجر، أو تأخيرها إلى إسفار الصبح وتجلّل الضوء السماء؟ اختلفت الأخبار في ذلك ، فيدلّ على الأوّل عموم ما رواه الشيخ عن زرارة، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «اعلم أنّ أوّل الوقت أبدا أفضل ، فتعجّل الخير ما استطعت ، وأحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ ما دام العبد عليه وإن قلّ» (31) . وخصوص ما رواه المصنّف عن إسحاق بن عمّار (32) . ويؤيّده ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ، قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم ربّهم وهو أعلم بهم ، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلّون ، وآتيناهم وهم يصلّون» (33) . وفي بعض الأخبار ترجيح رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي ركعتي الصبح هي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً» (34) ، فإنّ الظاهر من الإضاءة الحسنة الإسفار. والظاهر أنّ الأوّل للمنفرد ، والثاني لإمام القوم ، فإنّ الأفضل له التأخير لاجتماعهم .
.
ص: 421
. .
ص: 422
. .
ص: 423
. .
ص: 424
باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلّى لغير القبلةفيه مسألتان: الاُولى: قد سبق أنّهم أجمعوا على وجوب فعل الصلوات في أوقاتها المحدودة الّتي تقدّمت ، وعلى أنّه لا يجوز تقديمها على تلك الأوقات ولا تأخيرها عنها ، سوى ما حكي عن ابن عبّاس من تجويزه الاستفتاح بصلاة الظهر قبل الزوال بقليل بحيث يدخل الوقت فيها (1) . وهل يقوم الظنّ بدخول الوقت مقام العلم به مع تعذّره ؟ اختلفوا فيه ، فقد قال الشهيد في الذكرى: إنّه يبني حينئذٍ على الأمارات المفيدة للظنّ الغالب أو يصبر حتّى يتيقّن (2) . واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «اجتهد رأيك» في خبر سماعة (3) ، بناءً على شمول ذلك الاجتهاد في الوقت والقبلة جميعاً. وفيه: أنّ الظاهر أنّ قوله: «وتعمّد القبلة جهدك» تفسير لذلك ، وقد عدّ من تلك الأمارات ارتفاع أصوات الديك وتجاوبها وصياحها ثلاثة أصوات ولاء ، وتمسّك في ذلك بخبر عبد اللّه الفرّإ (4) ، ومرسل الحسين بن المختار (5) . ولا يعدّ فيه إذا علم من عادتها مصادفة الوقت كما حكي عن بعض العامّة (6) . وعن العلّامة أنّه نفى ذلك من الأمارات مطلقاً وإن علم من عادتها ذلك ، وهو محجوج بالخبرين ، وعدّ منها ما لو كان له أوراد من صلاة أو درس علم أو قراءة قرآن أو صنعة استفيد بها الظنّ (7) . وعن ابن الجنيد أنّه قال : «ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلّا عند تيقّنه بالوقت» (8) ، وكأنّه تمسّك بالاحتياط . ويؤيّده موثّق سماعة ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «إيّاك أن تصلّي قبل أن تزول ، فإنّك تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول» (9) ، فإنّ ظاهر التعليل يشعر بأنّ النهي إنّما هو مع الشكّ في دخول الوقت. وعلى الأوّل لو ظهر خلاف ظنّه وتبيّن وقوع الصلاة بأجمعها قبل الوقت، فلا ريب في وجوب الإعادة عليه؛ لخبر أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (10) ، وعموم رواية أبي بصير (11) . وإذا تبيّن دخول الوقت في أثنائها فالمشهور إجزاء تلك الصلاة ولو كان ذلك في التشهّد الثاني. واحتجّوا عليه بخبر إسماعيل بن أبي رباح (12) ، وبأنّه متعبّد بظنّه ، خرج منه إذا لم يدرك شيئاً من الوقت وبقي الباقي . وحكى في الذكرى (13) عن السيّد المرتضى أنّه قال : «لابدّ من وقوع جميع الصلاة في الوقت ، ومتى صادف شيء من أجزائها خارج الوقت بطلت عند محقّقي الأصحاب ومحصّيلهم ، وقد وردت به روايات» (14) . وقد أشار بالروايات إلى ما أشرنا إليه من خبري زرارة وأبي بصير ، والأوّل ظاهر في وقوع جميع الصلاة في الليل ، والثاني لابدّ من حمله على ذلك ؛ للجمع . وعلى مذهب ابن الجنيد لاريب في وجوب الإعادة عليه حينئذٍ ، بل إن طابق ظنّه الواقع؛ لعدم تجويزه الدخول في الصلاة بمجرّد ذلك الظنّ ، لكن يفهم من كلامه عدم وجوبها مع المطابقة حيث قال على ما حكى عنه في الذكرى: «ومن صلّى أوّل صلاته أو جميعها قبل الوقت ، ثمّ أيقن ذلك استأنفها» (15) . الثانية: قد أجمع أهل العلم على وجوب الاستقبال في الصلوات الواجبة ، يوميّة كانت أو غيرها مع الإمكان ، قال اللّه سبحانه : «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» (16) . وقال : «وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (17) . وقال : «وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ» (18) . وقال : «سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (19) . والمراد بالشطر الجانب والناحية (20) ، قال هُذَيل (21) : أقولُ لاُمّ زِنباعٍ أقرّيصُدورَ العيس نحو بَني تميم وقال لقيط الأيادي (22) : فقد أظَلّكُمُ مِن شطر ثَغرِكُمُهول [ له ] (23) ظُلمٌ تَغشاكم قِطَعا وروى الشيخ عن محمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا» (24) ، قال : «أمره أن يقيم وجهه للقبلة ، ليس فيه شيء من عبادة الأوثان خالصاً مخلصاً» (25) . وبهذا السند عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» (26) ، قال : «هذه القبلة أيضا» (27) . وبالسند عن ابن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : متى صرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الكعبة؟ فقال : «عند رجوعه من بدر» (28) . وفي الموثّق عن أبي جميلة ، عن محمّد بن عليّ الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله : «وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» ، قال : «مساجد محدَثة فاُمروا (29) أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام» (30) . وعن الطاطري عن محمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن قوله تعالى : «وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ» (31) ، أمره به؟ قال : «نعم ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقلّب وجهه في السماء، فعلم اللّه عزّ وجلّ ما في نفسه ، فقال «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا» (32) . (33) وعنه عن وهيب، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهماالسلام في قوله تعالى : «سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (34) ، فقلت: اللّه أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس ؟ قال : «نعم ، ألا ترى أنّ اللّه تعالى يقول : «وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَ إِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» ؟» (35) ثمّ قال : إن بني عبد الأشهل (36) أتوهم (37) وهم في الصلاة قد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس ، فقيل لهم : إنّ نبيّكم قد صرف إلى الكعبة ، فتحوّل النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين» (38) . وبسندين أحدهما صحيح عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : ما فرض اللّه من الصلوات؟ فقال : «الوقت والطهور والركوع والسجود والقبلة والدعاء والتوجّه» ، قلت: فما سوى ذلك؟ فقال : «سنّة في فريضة» (39) . ثمّ المشهور بين الأصحاب لا سيّما المتأخّرين أنّ القبلة هي الكعبة عينها لمن يتمكّن من العلم بها من دون مشقّة عاديّة كالمصلّي في بيوت مكّة لغيره. وذهب إليه السيّد المرتضى (40) ، والعلّامة في أكثر كتبه (41) ، والمحقّق في المعتبروالنافع (42) . والأظهر اعتبار جهة المسجد الحرام للافاقي ، وكأنّهم أرادوا بجهة الكعبة هذه ، أمّا الأوّل، فلأنّ القبلة حقيقة هيالكعبة ؛ لأنّها كانت قبلة إبراهيم عليه السلام وكان تقلّب وجهه عليه السلام في السماء انتظارا لنزول الوحي بتغيير القبلة عن بيت المقدس إلى هذه ، فمع إمكان التوجّه إليها ينبغي تعيّنها. وأمّا الثاني، فلما سبق من الآيات والأخبار ، فإنّها صريحة في وجوب التوجّه إلى جهة المسجد الحرام ؛ ولتعذّر التوجّه إلى عينها فيهم ، ولأنّ الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا كانوا يصلّون جماعة في الآفاق ، وربّما كان صفوفهم أطول من طول المسجد الحرام ، لا سيما الكعبة . والمراد بالجهة السمت الّذي تكون فيه الكعبة يقيناً بحيث يكون كلّ جزء منه محتملاً لأن يكون الكعبة فيه ، ويقطع بأنّ الكعبة ليست خارجة عن مجموع تلك الأجزاء ، وذلك يكون متّسعاً كثيرا ، وهو السرّ فيما ورد من الأمر بجعل الجدي على قفاه من غير تقييد بموضع خاصّ ، ولذلك عدّوا جعل الجدي خلف المنكب الأيمن علامة للقبلة للكوفة وما والاها من البلاد إلى خراسان (43) مع اختلاف درجات تلك البلاد طولاً ، المستلزم لاختلاف الخطوط المخرجة من مواضع قيامهم إلى الكعبة. وقال الشيخان في المقنعة (44) والنهاية (45) والمبسوط (46) والخلاف (47) : الكعبة قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة للافاقي، وقد ادّعى في الخلافإجماع الفرقة عليه ، محتجّين بما رواه عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ اللّه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا» (48) . وعن أبي العبّاس بن عقدة، عن الحسين بن محمّد بن حازم ، قال : حدّثنا تغلب بن الضحّاك ، قال : حدّثنا بشر بن جعفر الجعفي أبو الوليد ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليهماالسلام يقول : «البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة للناس جميعاً» (49) . ويؤيّدهما ما رواه الشيخ عن محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمّد رفعه ، قال : قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام : لِمَ صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال : «لأنّ للكعبة ستّة حدود ، أربعة منها على يسارك ، واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار» (50) . وعن المفضّل بن عمر أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه؟ فقال : «إنّ الحجر الأسود لمّا اُنزل به من الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور ، نور الحجر ، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال ، وعن يسارها ثمانية أميال ، كلّه اثنا عشر ميلاً ، فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة [لقلّة] أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجاً عن حدّ القبلة» (51) . وهذه الأخبار مع عدم صحّة سندها مخالفة لظاهر الآيات والأخبار المتكثّرة المقدّمة المشتملة على الصحيح، فلا يعتمد عليها . على أنّ العلّامة والمحقّق قد فسرّاها في المنتهى (52) والمعتبر (53) باتّحاد قبلة الكوفة وخراسان ، وإنّا نقطع بخروج بعضهم عن حدّ الحرم إذا صلّوا على خطوط محاذية . وحمل الشهيد في الذكرى الأوّلين على أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتاهما ، وقال : «وإنّما ذكرهما على سبيل التقريب إلى إفهام المكلّفين إظهارا لسعة الجهه» (54) . فإن قيل: قد ورد في بعض الأخبار : أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة ، رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «لا صلاة إلّا إلى القبلة» قلت له: أين حدّ القبلة؟ قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة [كلّه]» (55) . قلنا : ذلك في قبلة المتحيّر إذا صلّى بالتحرّي ثمّ بان أنّه صلّى بغير القبلة ، لموثّقة عمّار (56) وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ ، فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً وشمالاً، قال : «قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة» (57) . وقد عرفت أنّ أهل مكّة أمكنهم القطع بالقبلة ، وأمّا الآفاقي فإنّما يعتبر له الظنّ بأمارة شرعيّة كقبلة المعصوم مشاهدة ، والنجوم «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (58) . وقد اعتبر الجدي في بعض الأخبار في بعض البلاد ، رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن القبلة؟ قال : «ضع الجدي قفاك وصلّ» (59) . وفي بعض النسخ : «وصلّه» بهاء السكت. ومع فقد تلك الأمارات لغيم ونحوه، فالمشهور اعتبار التحرّي ، كما يدلّ عليه خبر سماعة (60) وصحيحة زرارة (61) وسليمان بن خالد (62) . والظاهر جواز الاعتماد حينئذٍ على اعتبار طول البلاد وعرضها المستفادين من الزيج، وعلى الآلتين المعروفتين بقطب نما وقبلة نما و إن كانت هذه كلّها مبنية على قول الفلاسفة الذين لم يثبت إيمانهم ، لاسيّما عدالتهم ، فإنّ المعتمد إنّما هو الظنّ الحاصل من مطابقتها للأمارات الشرعيّة لا أقوالهم . ولو صلّى بالتحرّي ثمّ ظهر خلاف ما ظنّه في أثناء الصلاة فقد قال الشيخ في المبسوط مدّعياً عدم الخلاف فيه _ : يحوّل وجهه إلى القبلة إن كان ما ظنّه فيما بين المشرق والمغرب، وإن كان مشرّقاً أو مغرّباً أو مستدبرا يقطع الصلاة ويستأنفها (63) . واحتجّ عليه بموثّقة عمّار (64) حملاً لدبر القبلة على ما يشمل المشرق والمغرب بقرينة المقابلة ، ولقوله عليه السلام : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» ، فإنّه يفهم منه كون المشرق والمغرب مصلّيا إلى غير جهة القبلة. وحملوا عليه ما رواه الشيخ عن القاسم بن الوليد ، قال : سألته عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال : «يستقبلها إذا أثبت ذلك ، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها» (65) . أقول : واستظهر في المقابلة تخصيص المستدبر بما عدا المشرّق والمغرّب وجعلهما من أفراد الشقّ الأوّل ؛ لشيِوع استعمال نظائره بين المشرق والمغرب فيما إذا كان الجهتين أيضاً داخلاً في الحكم ، كما قيل في قوله تعالى : «لَهُ مَا فِى السَّمَاوَ تِ وَ الْأَرْضِ» (66) إنّ معناه : له السماوات والأرض وما فيهما ، وفي قوله عزّ وجلّ : «خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا» (67) إنّ معناه : خلق لانتفاعكم الأرض وما فيها ، إلى غير ذلك. وإن تبيّن ذلك بعد الفراغ منها، فقال الشيخ في النهاية: إن كان الوقت باقياً وجب عليه إعادة الصلاة ، وإن كان الوقت خارجاً لم تجب عليه إعادتها، وقد رويت رواية : أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ، وهذا هو الأحوط وعليه العمل (68) . وظاهره ترجيح الرواية والقول بها فتوى أيضاً كما نسب إليه في المختلف (69) ، وهو ظاهره في كتابي الأخبار أيضاً (70) . وذهب إليه المفيد في المقنعة (71) ، ونقل عن سلاّر (72) وأبي الصلاح (73) وابن البرّاج (74) . وذهب ابن إدريس إلى الأوّل (75) ، وهو ظاهر الصدوق (76) ، ومنقول عن السيّد المرتضى (77) وابن الجنيد (78) ورجّحه العلّامة في المنتهى (79) والمختلف (80) . ويدلّ عليه ، صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (81) ، وصحيحة سليمان بن خالد (82) . وما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين ، قال : سألت عبدا صالحا عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة ، ثمّ طلعت الشمس وهو في وقت ، أيعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ وإن كان قد تحرّى القبلة بجهد ، أتجزيه صلاته؟ فقال : «يعيد ما كان في وقت ، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة [عليه]» (83) . وعن محمّد بن الحصين ، قال : كتبت إلى عبد صالح: الرجل يصلّي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة ، فيصلّي حتّى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس ، فإذا هو قد صلّى لغير القبلة أيعتدّ بصلاته أم يعيدها؟ فكتب عليه السلام : «يعيدها ما لم يفته الوقت ، أوَ لَم يعلم أنّ اللّه يقول وقوله الحقّ: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (84) . (85) وعن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك» (86) . فإن قيل : قد روى الشيخ في الموثّق عن عمرو بن يحيى ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل في وقت صلاة اُخرى، قال : «يعيدها قبل أن تُصلّى هذه الّتي قد دخل وقتها» (87) . وفي الموثّق عن معمر بن يحيى ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّن القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى، قال : «يصلّيها قبل أن يصلّي هذه الّتي دخل وقتها إلّا أن يخاف فوت الّتي دخل وقتها» (88) . وهما يدلّان على وجوب الإعادة في خارج الوقت أيضاً. قلنا : المراد بالّتي صلّاها على غير القبلة الاُولى من المشتركتين في الوقت كالظهرين والعشائين، وبوقت صلاة اُخرى وقت فضيلتها ، فيكون وقت إجزاء الّتي صلّاها على غير القبلة . والآخرون تمسّكوا برواية عمّار (89) على ما يظهر من الخلاف (90) . وفيه: إنّها إنّما وردت فيما إذا تبيّن الخطأ في أثناء الصلاة ، وحمل ما إذا فرغ منها عليه قياس صرف ، بل مع الفارق . وإطلاق القولين يقتضي شمول الحكمين للمشرق والمغرب أيضاً ، ووجوب الإعادة عليه في الوقت ، والمشهور عدمه ، بل ادّعي الإجماع عليه في التنقيح (91) ، ونسبه في المنتهى (92) إلى أهل العلم ، واحتجّ عليه بقوله عليه السلام «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (93) . وبصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له : الرجل يقوم من الصلاة ، الخبر (94) ، وقد تقدّم فلابدّ من تخصيص القولين بغيره من المستدبر على ما ذكرنا ، أو المشرّق والمغرّب أيضاً من المشرق والمغرب على المشهور ، وقد صرّح بذلك العلّامة في المنتهى (95) والمختلف (96) ، بل يظهر من المنتهى إجماع الأصحاب على ذلك التفصيل في المشرّق والمغرّب ، فقد قال : إنّه يعيد في الوقت ولا يعيد خارج الوقت ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال مالك وأحمد والشافعي في أحد القولين وأبو حنيفة: لا يعيد مطلقاً. وقال الشافعي في القول الآخر : تلزمه الإعادة مطلقاً (97) . ومع تعذّر التحري فقد قال الشيخان : «متى أطبقت السماء بالغيم ولم يتمكّن الإنسان من استعلام القبلة أو كان محبوساً في بيت أو بحيث لا يجد دليلاً على القبلة فليصلّ إلى أربع جهات مع الاختيار ، ومع الضرورة إلى أيّ جهة شاء» (98) . وبه قال ابن إدريس (99) ، وحكى عن ظاهر ابن الجنيد (100) وعن أبي الصلاح (101) وابن حمزة (102) وابن البرّاج (103) ورجّحه العلّامة في المختلف (104) . ويدلّ عليه ما رواه الشيخ بسندين عن إسماعيل بن عبادة ، عن خداش ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: جعلت فداك ، إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : «ليس كما يقولون إذا كان كذلك فليصلّ إلى أربع وجوه» (105) . وإليه أشار المصنّف بقوله : «و روي أنّه يصلّي إلى أربع جوانب» (106) . وربّما استدلّ له بتوقّف الاستقبال الواجب عليه . والظاهر وجوب كون الجهات الأربع على خطّين مستقيمين متقاطعين على زوايا قوائم ، وقد صرّح بذلك جماعة ؛ لأنّ الغرض من ذلك وقوع صلاة منها إلى القبلة أو ما يقرب منها . ونقل في المدارك قولاً بالاجتزاء بالأربع كيفما اتّفق ، واستبعده جدّا (107) . وعن ابن أبي عقيل أنّه يستقبل حينئذٍ أيّ جهة شاء ، ونفى في المختلف عنه البعد (108) ، وهو ظاهر الصدوق (109) ، وإليه مال الشهيد في الذكرى (110) ، وقوّاه المحقّق الأردبيلي (111) ؛ لمرسلة ابن أبي عمير (112) . وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «يجزي المتحيّر أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (113) . وربما احتجّ عليه بقوله تعالى: «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (114) زعماً منهم أنّه في قبلة المتحيّر ، مستندين بما روي عن جابر أنّه قال : بعث النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمسريّة كنت فيها وأصابتنا ظلمة ، فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة منّا : قد عرفنا القبلة ، هي هنا قبل الشمال فصلّوا وخطّوا خطوطاً ، وقال بعضنا : القبلة هنا قبل الجنوب فخطّوا خطوطاً ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلمّا رجعنا من سفرنا سألنا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمعن ذلك فسكت ، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية (115) . واُجيب بأنّ المقصود من الآية الكريمة بضميمة ما قبلها قوله تعالى: «وَ مَنْ أَظْ_لَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَ_جِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعَى فِى خَرَابِهَآ أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَا خَآئِفِينَ» أنّ الأرض المنقسمة إلى المشرق والمغرب ، أي النصف الّذي فيه محلّ طلوع الشمس والنصف الّذي فيه محلّ غروبها كلّها ملك للّه تعالى ، ففي أيّ مكان صلّيتم وتولّيتم فيه شطر المسجد الحرام ، ثمّ جهة اللّه الّتي جعلها قبلة لكم وأمركم أن تجعلوا وجوهكم إليها حيث ما كنتم. والغرض أنّكم إن منعتم عن الصلاة في المسجد الحرام فصلّوا في أيّ بقعة من الأرض كنتم ، فقد جعلت لكم الأرض مسجدا ، وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطر المسجد الحرام ، وقد فسّر بذلك في الكشّاف (116) . وقيل : إنّها نزلت في صدر الإسلام ثمّ نسخت (117) . وفي مجمع البيان : «أنّها نزلت في التطوّع على الراحلة حيث توجّهت حال السفر» ، وقال : [«و أمّا الفرائض فقوله: «وَ حَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» ، يعني أنّ الفرائض لا تصلّيها إلّا إلى القبلة، و هذا] هو مروي عن أئمّتنا صلوات اللّه عليهم (118) . قوله في خبر [أبي] عبد اللّه الفراء : (وقال فصّله) . [ح 2 / 4864] الها للسكت ، وفي بعض نسخ التهذيب بغير هاء (119) . قوله في صحيحة سليمان بن خالد : (ثمّ يضحى) . [ح 9 / 4871] يقال : ضحى بالضاد المعجمة كسعى ورضي ضحوا وضحياً، إذا أصابته الشمس (120) . وأضحت السماء ، إذا انقشع عنها الغيم . وفي بعض النسخ بالمهملة ، والصحو : ذهاب الغيم ، يقال : يوم وسماء صحو (121) . وصحا السكران واليوم كرضى وأصحيا (122) . قوله في حسنة الحلبي : (أمّا إذا كان بمكّة فلا) [ح 12 / 4874] بل كان يتوجّه فيها إلى الكعبة وبيت المقدس جميعاً ؛ إذ التوجّه إليهما معاً كان متصوّرا فيها ، بخلاف المدينة فإنّ من توجّه إلى بيت المقدس فيها كان مستدبرا للكعبة.
.
ص: 425
. .
ص: 426
. .
ص: 427
. .
ص: 428
. .
ص: 429
. .
ص: 430
. .
ص: 431
. .
ص: 432
. .
ص: 433
. .
ص: 434
. .
ص: 435
. .
ص: 436
. .
ص: 437
. .
ص: 438
. .
ص: 439
باب الجمع بين الصلاتينالظاهر أنّ المراد بالجمع بينهما مقابل التفريق الشائع بين العامّة وهو فعلهما في وقت واحد، سواء كان مع فصل النافلة أو بدونه ، وسواء كان ذلك الوقت وقت إجزائهما أم وقت فضيلتهما جميعاً بأن يصلّي الاُولى آخر وقت فضيلتها ، والثانية أوّله ، ويظهر من الشهيد أنّ الثالثة لا تسمّى جمعا كما سيأتي ، ويظهر من خبري محمّد بن حكيم (1) تخصيصه بما إذا لم يتطوّع بينهما . والمشهور بين الأصحاب جوازه اختيارا (2) ، وحكاه في الذكرى (3) عن ابن عبّاس وابن عمر وأبي موسى وجابر وسعد بن أبي وقّاص وابن المنذر وعائشة، وقال : ورواه العامّة عن عليّ عليه السلام (4) . وعن معظم العامّة عدم جوازه لغير عذر (5) . ويدلّ على المذهب المنصور أخبار متظافرة من الطريقين ، فمن طريق الأصحاب موثّق عبد اللّه بن بكير ، وما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع باسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى الظهر والعصر مكانه من غير علّة ولا سبب، فقال له عمر وكان أجرأ القوم عليه _ : أَحَدَثَ في الصلاة شيء؟ قال : لا ، ولكن أردت أن اُوسّع على اُمّتي» (6) . وعن عبد الملك القمّي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت: أجمع بين الصلاتين من غير علّة؟ قال : «قد فعل ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أراد التخفيف عن اُمّته» (7) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علّة؟ قال : «لا بأس» (8) . ومن طريق العامّة ماروى في الذكرى (9) . عن ابن عبّاس : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم جمع بين الظهرين والعشائين من غير خوف ولا سفر» (10) ، وفي لفظ آخر: «من غير خوف ولا مطر» (11) . وقال : كلاهما في الصحاح. وعن عبد اللّه بن شقيق العقيلي ، قال : قال : دخل رجل على ابن عبّاس للصلاة فسكت ثلاثاً، ثمّ قال في الثالثة لا اُمّ لك ، أتعلّمنا بالصلاة؟ ! كنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم (12) . ومنها : ماروى في العلل عن صالح عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير مطر ولا سفر ، قال : فقيل لابن عبّاس: ما أراد به؟ قال : التوسّع لاُمّته (13) . وعن طاووس، عن ابن عبّاس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر والحضر (14) . وعن عكرمة عن ابن عبّاس ، وعن نافع عن عبداللّه بن عمر: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمصلّى بالمدينة مقيماً غير مسافرجميعاً وتماماً جمعاً (15) . ومنها: ما رواه طاب ثراه عن مسلم ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس ، قال : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر (16) . وبإسناد آخر عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عنه ، قال : صلّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالظهر والعصر جميعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير : فسألت سعيد بن جبير لِمَ فعل ذلك؟ فقال : سألت ابن عبّاس كما سألتنى، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من اُمّته (17) . عن عبد اللّه بن شقيق ، قال : خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة، قال : فجاء رجل من بني تميم لا يعبّر ولا يثني: الصلاة الصلاة، فقال ابن عبّاس : أتعلّمني السنّة لا اُمّ لك؟ ! ثم قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد اللّه بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته (18) . وبإسناد آخر عنه ، قال : جمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر (19) . وقال : وله روايات اُخر بهذا المضمون ، ومنها : ما رواه البخاري عن ابن أمامة ، قال : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز ، ثمّ دخلنا على أنس وهو يصلّى العصر ، فقلنا : ما هذه الصلاة؟ فقال : العصر ، وهذه صلاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالّتي كنّا نصلّي معه (20) . وحكى في الذكرى عن معظم العامّة الغير المجوّزين له من غير عذر أنّهم احتجّوا بأنّ المواقيت ثبتت تواترا من قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وفعله (21) . وأجاب عنه بأنّكم قائلون بجواز الجمع في السفر والعذر ، فلو كان الوقت غير مضروب للفريضة الثانية لاستحال فعلها كما استحال جمع الصبح والظهر والعصر والمغرب في وقت أحدها (22) . وفيه تأمّل. نعم ، يعارضون بما ذكر من الأخبار المنقولة عنهم ، وجمهورهم قد طرحوا هذه الأخبار وأوّلوها بتأويلات فاسدة ، فقد قال طاب ثراه: نقل المازري عن الترمذي أنّه قال في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الاُمّة على ترك العمل به إلّا حديث ابن عبّاس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر ، وحديث قتل شارب الخمر (23) . ثمّ قال المازري: وهو كما قال في حديث شارب الخمر ، فإنّه حديث دلّ الإجماع على نسخه ، وأمّا حديث ابن عبّاس فلم يجمعوا على ترك العمل ، بل لهم فيه تأويلات ولم يفسّروها . وقال محيي الدين البغوي: فمنهم من يؤوّل على أنّ هذا الجمع كان لعذر المطر . ويردّه ما في بعض رواياته من غير خوف ولا مطر . وقيل : إنّه كان في غيم صلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم ، فتبيّن أنّ وقت العصر دخل فصلّاها. وفيه : أنّه لا يجزي ذلك في المغرب والعشاء (24) . وأقول : فيه تأمّل . نعم ، يردّه حديث خطبة ابن عبّاس ، ولعلّه أراد محيي الدين أيضا . هذا ، ثمّ قال : و قيل : إنّ هذا الجمع كان من مرض ونحوه . ويردّه : اشتغال ابن عبّاس بالخطبة وصبره عليها . ثمّ قال : والّذي ينبغي أن يحمل عليه أنّه صلّى الاُولى في آخر وقتها ، والثانية في أوّل وقتها، فصارت صورته صورة الجمع . وهذا أيضاً ضعيف ؛ لأنّه خلاف الظاهر من استدلال ابن عبّاس بالحديث وتصديق أبي هريرة له . وقول ابن الشقيق : «فحاك صدري منه شيء» كالصريح في ضدّه. أقول : وقد ردّه في الذكرى بأنّ هذا لا يسمّى جمعاً (25) ، وفيه تأمّل . هذا ، والظاهر أنّ الجمع من باب الرخصة وإن كان ذلك مع فعل النوافل بين الصلاتين ، إلّا فيما استثني بدليل من ظهري الجمعة وعرفة وعشائي المزدلفة. قال الشهيد في الذكرى: الأقرب استحباب تأخير العصر إلى أن يخرج وقت فضيلة الظهر ، إمّا المقدّر بالنافلتين والظهر ، وإمّا المقدّر بما سلف من المثل والأقدام وغيرهما ؛ لأنّه معلوم من حال النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى أنّ رواية الجمع تشهد بذلك ، وقد صرّح به المفيد في باب عمل الجمعة ، قال : «وعدم الجمع في سائر الأيّام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل ، وقد ثبتت السنّة به إلّا في يوم الجمعة ، فإنّ الجمع بينهما أفضل ، وكذا في ظهري عرفة وعشائي المزدلفة». وعن ابن الجنيد أنّه قال : لا نختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر الّتي صلّاها مع الزوال إلّا مسافرا أو عليلاً أو خائفاً ما يقطعه عنها ، بل الاستحباب للحاضر أن يقدّم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئاً من التطوّع إلى أن تزول الشمس قدمين أو ذراعاً من وقت زوالها ، ثمّ يأتي بالظهر ويعقّبها بالتطوّع من التسبيح أو الصلاة ليصير الفيء أربعة أقدام أو ذراعين ، ثمّ يصلّي العصر. بل نسب الشهيد ذلك إلى علمائنا أجمع حيث قال بعد ما نقلنا عنه _ : والأصحاب في المعنى قائلون باستحباب التأخير ، وإنّما لم يصرّح بعضهم به اعتمادا على صلاة النافلة بين الفريضتين ، وقد رووا ذلك في أحاديثهم كثيرا ، مثل : حديث إتيان جبرئيل عليه السلام بمواقيت الصلاة. وأشار ببعض هذه الاخبار ، ثمّ قال : ولم أقف على ما ينافي استحباب التفريق من رواية الأصحاب ، سوى ما رواه عبّاس الناقد (26) . مشيرا إلى ما رواه المصنف إلى قوله _ : وهو إن صحّ أمكن تأويله بجمع لا يقتضي طول التفريق ، لامتناع أن يكون ترك النافلة بينهما مستحبّاً ، أو يحمل على ظهري الجمعة ، وأمّا باقي الأخبار فمقصورة على جواز الجمع ، وهو لا ينافي استحباب التفريق . وبالجملة ، كما علم من مذهب الإماميّة جواز الجمع بين الصلاتين مطلقاً علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنّفات بذلك، انتهى (27) . ولم أجد مصرّحاً باستحباب الجمع من غير عذر إلّا ماروى في الذكرى عن المحقّق من استحبابه مع فعل النوافل بين الفرضين حيث قال : وأورد على المحقّق تلميذه جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري وكان أيضاً تلميذ ابن طاوس (28) _ : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إن كان يجمع بين الصلاتين ولا حاجه إلى أذان للثانية ؛ إذ هو للإعلام ، وللخبر المتضمّن أنّه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان ، وإن كان يفرّق فلم ندبتم إلى الجمع وجعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقّق: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يجمع تارةً ويفرّق اُخرى، ثمّ ذكر الروايات المذكورة ، ثمّ قال : وإنّما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا أتى بالنوافل والفرضين فيه ؛ لأنّه مبادرة إلى تفريغ الذمّة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين . انتهى (29) . هذا حكم الجمع للمختار ، وأمّا مع العذر من السفر والمطر ونحوهما فجوازه أظهر ، واتّفقوا عليه ، وهو المشهور بين العامّة (30) . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن عبد اللّه بن سنان (31) ، وعن صفوان الجمّال (32) . وخبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان في الليلة المطيرة يؤخّر من المغرب ويعجّل من العشاء ، فيصلّيهما جميعاً ويقول : من لا يَرْحم لا يُرْحم» (33) . وصحيحة أبي عبيدة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ، ثمّ مكث قدر مايتنفّل الناس ، ثمّ أقام مؤذّنه ثمّ صلّى العشاء» (34) . وقال طاب ثراه: روى مسلم ثمانية أخبار كلّها صريحة فيه ، منها: ما رواه عن سالم بن عبد اللّه : أنّ أباه قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إذا عجّله السير في السفر يؤخّر صلاة المغرب حتّى يجمع بينها وبين صلاة العشاء (35) . ومنها: مارواه عن أنس ، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخّر الظهر حتّى يدخل أوّل وقت صلاة العصر ، فيجمع بينهما ، ويؤخّر المغرب حتّى يجمع بينها وبين العشاء حتّى يغيب الشفق (36) . وحكى الشيخ في الخلاف جوازه في السفر عن الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (37) ، وفي الحضر للمطر عن الشافعي مطلقاً ، وعن مالك في خصوص المغرب والعشاء، (38) وكأنّه جعل السبب فيه الظلمة والطين معاً ، إلّا أنّه حكى عن الشافعي أنّه اختلف قولاه في الإملاء والجديد فيما إذا صلّى في بيته ، فجوّزه في الأوّل ولم يجوّزه في الثاني ، وفيما إذا كان الطريق إلى المسجد تحت ساباط لا يناله المطر إذا خرج إلى المسجد على قولين ، وعن أبي حنيفة عدم جوازه أصلاً ، إلّا الحاجّ يوم عرفة وليلة مزدلفة ، وأوجبه فيهما ، سواء كان الحاجّ مقيماً من أهل مكّة أو مسافرا من غيرها ، فعنده لا جمع إلّا لحقّ النسك (39) . وحكى صاحب العزيز أيضا عنهم مثل ذلك ، إلّا أنّه حكى عن الشافعي قولاً بعدم جواز الجمع بين السفر القصير ، والظاهر أنّه أراد بالسفر القصير ما كان أقلّ من ثمانية فراسخ ، حيث تعرّض للخلاف في أنّ سبب الجمع يوم عرفة وليلة مزدلفة هل هو السفر والنسك ؛ لاشتغال الحاجّ في الأوّل بالدعاء وفي الثانية بالإفاضة ، ثمّ قال : فإن قلنا بالمعنى الأوّل فهل يجمع المكّي؟ فيه قولان ؛ لأنّ سفره قصير ، ولا يجمع العرفي بعرفة ولا المزدلفي بالمزدلفة ، فإنّهما في وطنهما . وهل يجمع كلّ واحد منهما بالبقعة الاُخرى؟ فيه القولان ، وإن قلنا بالثاني جاز لجميعهم الجمع (40) . وقال طاب ثراه : ولا فرق في الجمع للمطر بين الأمكنة عندنا وعند بعض العامّة ، وقال بعضهم ؛ يختصّ ذلك بمساجد المدينة ، وخصّه بعضهم بمسجده صلى الله عليه و آله ، وبعضم بالمسجدين الحرمين ، وبعضهم بالبلاد المطيرة الباردة . ولا وجه لهذه التخصيصات لا عقلاً ولا نقلاً . ثمّ إنّهم اختلفوا في أنّ الجمع مع الجماعة أفضل أو التفريق مع الانفراد؟ فقيل بالأوّل ؛ ترجيحاً لفضل الجماعة، وقيل بالثاني ؛ ترجيحاً لفضل الوقت. قوله : (محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد اللّه بن بكير) . [ح 1 / 4875] الظاهر أنّ أحمد بن محمّد هذا هو أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ لأنّه الّذي يروي كثيرا عن عليّ بن الحكم، منها : ما رواه الشيخ في التهذيب (41) والصدوق في الفقيه في صفة تيمّم عمّار وتمعّكه حيث صرّحا بابن عيسى. ويحتمل أحمد بن محمّد بن خالد البرقي بن أبي عبد اللّه ؛ لأنّه أيضاً قد يروي عن عليّ بن الحكم على ما ذكره النجاشي حيث قال : عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي أبو الحسن الضرير مولى، له ابن عمّ يُعرف بعليّ بن جعفر بن الزبير [روى عنه] ، له كتاب ، أخبرنا أبو عبد اللّه بن شاذان ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا سعد عن محمّد بن إسماعيل وأحمد بن أبي عبد اللّه (42) ، عن عليّ بن الحكم بكتابه (43) . وعليّ بن الحكم هو عليّ بن الحكم بن الزبير الكوفي بقرينة رواية أحمد بن محمّد عنه ، وهو ثقه جليل القدر ، فلا يضرّ إشراك بينه وبين عليّ بن الحكم الأنباري الّذي لم يتعرّض أرباب الرجال لحاله ، بل قيل باتّحادهما ، وهو ظاهر النجاشي حيث قال في ترجمة أبي شعيب المحاملي : «إنّه كوفي ثقة، من رجال أبي الحسن موسى عليه السلام ، مولى عليّ بن الحكم بن الزبير الأنباري» (44) . حكي ذلك عن الخلاصة أيضا (45) . وقد عدّ العلّامة بعض الأخبار المشتمل سنده عليه صحيحاً (46) . واندفع بذلك اعتراض الشهيد الثاني عليه بأنّ عليّ بن الحكم مشترك (47) ، فكيف يكون الخبر صحيحاً؟! ونقل طاب ثراه عن المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه أنّه قال في بعض حواشيه : هذا الاعتراض غير وارد ؛ لاحتمال علم القائل مثل العلّامة بكونه الثقة. والظاهر أنّه ثقة لثبوت نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عن الثقة دون غيره (48) . وعلى ما ذكر فالخبر موثّق بعبد اللّه بن بكير (49) . قوله : (عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد) . [ح 2 / 4876] قال طاب ثراه: عليّ بن محمّد هذا هو عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني ؛ لنقل المصنّف عنه كثيرا ونقله عن سهل بن زياد. قوله في خبر محمّد بن حكيم : (إذا جمعت بين الصلاتين ولا تطوّع بينهما) . [ح 3 / 4877] يظهر منه اختصاص الجمع بما إذا لم تفصل النافلة بين الصلاتين. ومثله قوله في خبره الآخر : (الجمع بين الصلاتين إذا لم تكن بينهما تطوّع) . [ح 4 / 4878] ولعلّ المراد بالتطوّع النوافل المقرّرة مع الأدعية المستحبّة المنقولة فيها ، وبعد كلّ ركعتين منها ، بحيث إذا فرغ منها دخل وقت فضيلة الثانية ، فإنّه حينئذٍ لا يسمّى جمعاً قطعا ، فلا ينافي ما سبق من شمول الجمع لما إذا فصلت النافلة بينهما. ويؤيّده خبر عبد اللّه بن سنان (50) ، [و] ما يأتي في كتاب الحجّ من أنّ الإمام عليه السلام جمع بين العشائين في جمع في سنة بغير نافلة بينهما ، وفي سنة اُخرى مع فصل أربع ركعات بينهما (51) ، مع كون الجمع مستحبّاً فيه، بل واجباً على ما قيل. وقال طاب ثراه: لو صلّاهما في وقت واحدة منهما مع الفصل بزمان كثير ، لكن لا بحيث يخرج وقت تلك الواحدة ، هل يؤذّن للثانية أم لا؟ يفهم من كلام الفاضل الأردبيلي أنّ الأذان لو كان للإعلام بدخول الوقت لايؤذّن، وإن كان للإعلام بالصلاة نفسها يؤذّن ، إلّا أن يقال : إنّ هذا داخل في قاعدة الجمع فيسقط ، ولكنّه غير معلوم ؛ إذ لا يطلق عليه الجمع لغةً وشرعاً على ما هو الظاهر (52) .
.
ص: 440
. .
ص: 441
. .
ص: 442
. .
ص: 443
. .
ص: 444
. .
ص: 445
. .
ص: 446
. .
ص: 447
. .
ص: 448
. .
ص: 449
. .
ص: 450
باب الصلوات الّتي تُصلّى في كلّ وقتأراد قدّس سرّه بيان أنّ بعض الصلوات غير موقّتة بوقت محدود ، بل لها أسباب خاصّة تصلّى عند عروض تلك الأسباب وإن كان في الأوقات المكروهة الخمسة الآتية في الباب الآتي ، وعدّ منها خمس صلوات ولا اختصاص لتلك الخمس بهذا الحكم ، بل هو جار فيما عداها أيضا من الصلوات سوى النوافل المبتدأة على المشهور . لكن تفسير كلّ وقت في خبر أبي بصير (1) ما بين الفجر إلى طلوع الشمس و ما بعد العصر يقتضي الفرق بين الأوقات الخمسة في ذلك ، كما هو مذهب الشيخ في الخلاف (2) ، حيث أفتى بعدم كراهية غير النافلة المبتدأة في الوقتين ، وكراهية مطلق الصلوات عند طلوع الشمس وعند غروبها وقيامها في غير يوم الجمعة ، وسنحكي عبارته في الباب الآتي ، وهو ضعيف لا سيّما في الصلوات الخمس ؛ لصحيحة معاوية بن عمّار (3) وحسنة زرارة (4) من غير معارض صريح ، وعموم النهي عن الصلاة في تلك الأوقات مخصّص بالنوافل المبتدأة. وقد نقل إجماع أهل العلم على عدم كراهة صلاة الكسوف (5) . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق الأخبار الواردة في وجوبها عند حدوثه والصلاة على الميّت . وقد ورد في الأخبار الأمر بتعجيل تجهيزه وهو مستتبع لوقوعها في هذه الأوقات ، وذهب إليه الشافعي وأحمد (6) في إحدى الروايتين عنه محتجّين بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمأنّه قال : «إنّي لأرى طلحة (7) قد حدث فيه الموت ، فأذنوني به وعجّلوا ، فإنّه لا ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله» (8) . والمشهور بين العامّة أنّها لا تجوز عند طلوع الشمس وقيامها وغروبها (9) ، وهو رواية اُخرى عن أحمد (10) . واحتجّوا عليه بما نقلوه عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتّى تميل الشمس ، وحين تضيّفت الشمس للغروب حتّى تغرب (11) . وفي المنتهى : «معنى قوله : تضيّفت ، أي مالت ، يقال : تضيّفت فلاناً ، إذا ملت إليه ونزلت به» (12) . وفيه : أنّ الصلاة فيه ليست صريحة في صلاة الميّت ، فلو صحّ الخبر ينبغي أن تحمل على النافلة المبتدأة . ويدلّ على عدم كراهة صلاة الإحرام فيها زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق أخبارها ، وهو المشهور بين العامّة خلافا لأبي حنيفة ، وكذا صلاة الطواف وإن كانت نغلاً (13) . وفي المنتهى: يصلّي صلاة الطواف في أوقات النهي وإن كانت نفلاً ، ذهب إليه علماؤنا وفعله الحسن والحسين عليهماالسلام وابن عمر وابن الزبير وعطا وطاوس وابن عبّاس ومجاهد والقاسم بن محمّد بعد الصبح والعصر ، وفعله عروة بعد الصبح ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبو ثور (14) . وأنكر ذلك أبو حنيفة ومالك (15) ، ونقل طاب ثراه عن الترمذي أنّه روى عن جبير بن مطعم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : «يا بني عبد مناف ، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلّى في أيّ ساعة من ليل أو نهار» (16) . وكذا قضاء الفرائض ، بل يجب عند الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة . ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف عموم ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسى صلوات لم يصلّها أو نام عنها؟ فقال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلوات الّتي قد حضرت ، وهذه أحقّ فليقضها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» (17) . وعن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار ، كلّ ذلك سواء» (18) . وعن ابن أبي يعفور ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «صلاة النهار يجوز قضاؤها أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار» (19) . وخصوص ما رواه في الصحيح عن أحمد بن النضر ، قال : سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر؟ قال : «نعم فاقضه ، فإنّه من سرّ آل محمّد عليهم السلام » (20) . وعن سليمان بن هارون ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قضاء الصلاة بعد العصر ، قال : «[نعم] إنّما هي النوافل فاقضها متى ما شئت» (21) . والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «هي» راجع إلى الصلاة المشهور كراهتها في هذا الوقت ، و«النوافل»: النوافل المبتدأة. وما روته العامّة عنه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ما لم يتضيّق وقت حاضرة» (22) . وعن أبي حنيفة كراهته عند طلوع الشمس (23) ؛ محتجّاً بعموم أخبار النهي في ذلك الوقت ، وبما رواه مسلم : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلملمّا نام عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس أخّرها حتّى انتصف النهار (24) . واُجيب عن الأوّل بتخصيص العمومات ؛ لما عرفت. وعن الثاني بمنع الخبر ؛ لعدم استقامته على طريقة أهل العدل. وفي المنتهى: وقال أصحاب الرأي: «لا تقضى فوائت الفرائض في الأوقات الثلاثة المنهي عنها للوقت» (25) . وأمّا قضاء النوافل فالمشهور بين الأصحاب أنّه أيضا كقضاء الفرائض ؛ لعموم ما ذكر من الأخبار ، وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن يغيب الشفق. فكتب إليّ: «لا يجوز إلّا للمقتضي ، فأمّا لغيره فلا» (26) . وفي الحسن عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، قال : «نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد صلى الله عليه و آله وسلم المخزون» (27) . وعن عبد اللّه بن عون الشامي ، قال : حدّثني عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل ، يقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ قال : «لا بأس بذلك» (28) . وكرهه الشيخان في المقنعة (29) والنهاية (30) عند طلوع الشمس وغروبها ، وكأنّهما تمسّكا بعموم النهي في ذينك الوقتين ، وقد عرفت ما فيه.
.
ص: 451
. .
ص: 452
. .
ص: 453
. .
ص: 454
. .
ص: 455
باب التطوّع في وقت الفريضة، والساعات الّتي لا يُصلّى فيهافيه مسألتان : الاُولى: النافلة الغير الراتبة وقضاء الرواتب منها ، هل يجوز فعلهما قبل الفريضة في وقتها؟ اختلف الأصحاب فيه ، فقد قطع الشيخان (1) وأتباعهم بالمنع منه ، وبه قال المحقّق ، وأسنده في المعتبر إلى علمائنا (2) . واحتجّوا عليه بصحيحة زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : اُصلّي نافلة وعليّ فريضة أو في وقت فريضة؟ قال : «لا ، إنّه لا تصلّى نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوّع حتّى تقضيه؟» قال : قلت: لا. قال : «فكذلك الصلاة». قال : فقايسني وما كان يقايسني (3) . وخبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ، مالي لا أراك تطوّع بين الأذان والإقامة كما يصنع الناس؟ قال : فقلت : إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة ، فإذا دخلت الفريضه فلا تطوّع» (4) . ورواية سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : «إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع» (5) . وخبر أديم بن الحرّ ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة» . قال : وقال : «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها» (6) . وبقوله عليه السلام : «ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» فيما رويناه في الباب السابق في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، ويرويه المصنّف في الباب الآتي. (7) وبقولهم عليهم السلام : «لا صلاة لمن عليه صلاة» (8) . وذهب الشيخ في التهذيب إلى جواز ركعتين للإمام إذا انتظر حضور جماعة ، وأسنده إلى فعل النبيّ صلى الله عليه و آله (9) . وبذلك جمع بين ما ذكر من الأخبار وبين خبر عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «لكلّ صلاة مكتوبة ركعتان نافلة (10) إلّا العصر ، فإنّه تقدّم نافلتها وهي الركعتان اللّتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر ، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من صلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة الّتي حضرت ركعتين نافلة لها ، ثمّ اقض ما شئت» (11) . ويظهر من خبر إسحاق بن عمّار (12) جوازها مطلقاً للمأموم إذا انتظر الإمام ، والأظهر القول بالكراهة مطلقاً كما هو ظاهر الشهيد في الذكرى (13) ، للجمع بين ما ذكر وبين خبر سماعة (14) ، وهو أحسن من جمع الشيخ ؛ للتصريح في هذا الخبر بجوازها للمنفرد. ويؤيّده حسنتا محمّد بن مسلم (15) . ولا ينافي الكراهة ورود الأمر به في خبر عمّار المتقدّم ، بناءً على ما تقرّر من أنّ الكراهة في العبادات بمعنى كونها أقلّ ثواباً . ويظهر من ابن أبي عقيل تخصيص المنع بالصبح والمغرب والجمعة ، فإنّه قال على ما حكى عنه في الذكرى _: قد تواترت الأخبار عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا : «ثلاث صلوات إذا دخل وقتهنّ لا يصلّى بين إحداهنّ نافلة : الصبح ، والمغرب ، والجمعة إذا زالت الشمس» . وحكى فيه عن الجعفي أيضاً مثله ، ثمّ قال : «فإن صحّ هذا صلح للحجّة» (16) ؛ إشعارا بتمريضه . وعن المحقّق أنّه نقل جوازها قبل المغرب عن جماعة من الأخباريّين من العامّة محتجّين بما روي في الصحيحين عن عبد اللّه بن مغفل، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «صلّوا قبل المغرب ركعتين» ، قاله ثلاثاً ، وفي الثالثة : «لمن شاء» كراهة أن يتّخذها الناس سنّة (17) . وما روي عن أنس ، قال : صلّيت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله (18) . وعورضوا بما روي عن ابن عمر ، قال : ما رأيت أحدا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّيهما (19) . وعن عمر أنّه كان يضرب عليهما (20) ، ثمّ قال : «والإثبات أصحّ استنادا ، وشهادة ابن عمر على النفي وفعل عمر جاز أن يستند إلى اجتهاده» (21) . وأمّا النوافل اليومية الّتي تُصلّى بعد دخول وقت الفرائض قبل فعلها فلا تظننّ أنّها وقعت في أوقات الفرائض ، لما سبق من أنّ وقت فريضة الصبح بعد الفراغ من نافلته ، ووقت فريضة الظهر والعصر بعد قدم وقدمين أو ذراع وذراعين ، ووقت فريضة العشاء بعد الفراغ من المغرب ونافلتها وبعد ذهاب الشفق . نعم ، لو لم تصلّ حتّى دخل وقت الفرائض ربّما تزاحم بها الفرائض ، كما يأتي في محلّه أنّه لو خرج الوقت وقد تلبّس من النافلة بركعة زاحم بالركعة الاُخرى بالفريضة مطلقاً ، إلّا أنّه ذكر المحقّق أنّه يتمّها مخفّفة . (22) وقال ابن إدريس: إنّه يتمّ الأربع بعد المغرب إذا ذهبت الحمرة بعد التلبّس بها (23) ، ومتى صلّى أربع ركعات من صلاة الليل تزاحم بها فريضة يصحّ بما بقى منها ، بل بالشفع والوتر أيضاً. الثانية: الأوقات الّتي تكره الصلاة فيها في الجملة ، والمشهور بين الأصحاب كراهة النوافل المبتدأة وعدم كراهة غيرها من الفرائض والنوافل المسبّبة (24) . وفي العزيز : قولهم : صلاة لها سبب ، ما أرادوا به مطلق السبب ؛ إذ ما من صلاة إلّا ولها سبب ، ولكن أرادوا به أنّ لها سبباً متقدّماً على هذه الأوقات أو مقارناً لها. وبقولهم: صلاة لا سبب لها أنّه ليس لها سبب متقدّم أو مقارن (25) ، فعبّروا بالمطلق عن المقيّد . وقد يفسّر قولهم: لا سبب لها بأنّ الشارع لم يخصّها بوضع وشرعيّة ، بل هي الّتي يأتي بها الإنسان ابتداءً ، وهي النوافل المطلقة . (26) وهذا المعنى هو المشهور عندنا . وقد اختلفوا في الأوقات المكروهة ، فقال العلّامة في المنتهى: «يكره ابتداء النوافل في خمسة أوقات: ثلاثة للوقت عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها نصف النهار ، إلّا يوم الجمعة، واثنان للفعل بعد الصبح ، وبعد العصر» (27) . وبه قال الشيخ في المبسوط (28) ، ونقل في المختلف (29) عن اقتصاده (30) أيضاً ، وهو المشهور . وفي العزيز : الأوقات المكروهة خمسة: وقتان تعلّق النهي فيهما بالفعل ، وهما : بعد صلاة الصبح حتّى تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر حتّى تغرب الشمس ، ووجه تعلّق النهي فيهما بالفعل أنّ صلاة التطوّع فيهما مكروهة لمن صلّى الصبح والعصر دون من لم يصلّهما ، ومن صلّاهما فإن عجّلهما في أوّل الوقت طال في حقّه وقت الكراهة وإن أخّرهما قصّر . وثلاثة أوقات يتعلّق النهي فيها بالزمان ، وهي : من طلوع الشمس حتّى ترتفع قيد رمح ، ويستولي سلطانها بظهور شعاعها ، فإنّ الشعاع يكون ضعيفاً في الابتداء ، وعند استواء الشمس حتّى تزول ، وعند اصفرار الشمس حتّى يتمّ غروبها. (31) واستفاد الكراهة في هذ الأوقات من مجموع أخبار متعدّدة: منها: مرفوعة إبراهيم بن هاشم (32) وخبر الحسين بن مسلم (33) . ومنها: ما رواه الشيخ عن محمّد الحلبي، عن أبي عبداللّه قال : «لا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس ، فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، وتغرب بين قرني شيطان» . وقال : «لا صلاة بعد العصر حتّى تصلّي المغرب» (34) . وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا صلاة بعد العصر حتّى المغرب، ولا صلاة بعد الفجر حتّى تطلع الشمس» (35) . ومنها: أخبار النهي عن صلاة الصبح ، وهو عند قيام الشمس إلى الزوال ، ويجى ء في محلّها. وأخبار العامّة أيضاً خالية عن هذا الجمع ، بل يستفاد الجميع من مجموع أخبار ، ففي بعضها : «أن تطلع الشمس بين قرني الشيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفّار ، فاقصر عن الصلاة حين تطلع ، وأنّ الشمس تغرب بين قرني الشيطان ، فحينئذٍ يسجد لها الكفّار ، فاقصر عن الصلاة حين تغرب» (36) . وفي بعضها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إنّ الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان ، فإذا ارتفعت فارقها ، ثمّ إذا استقرّت قارنها، وإذا زالت فارقها ، وإذا دنت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها» . ونهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الصلاة في تلك الأوقات (37) . وعن عقبة بن عامر ، قال : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع ، وإذا تضيّفت للغروب ، ونصف النهار (38) . وقد سبق . وروي أنّ [ابن] عبّاس قال : شهد لي رجال مرضيّون أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن الصلاة بعد الصبح حتّى تشرق الشمس ، وبعد العصر حتّى تغرب الشمس (39) . وأبو سعيد قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا صلاة بعد الصبح حتّى ترتفع الشمس ، لا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشمس» (40) . وعن عبد اللّه بن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا بدا حاجب الشمس فأخّروا الصلاة حتّى يبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخّروا الصلاة حتّى تغيب» (41) . وروى مسلم عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهى عن الصلاة بعد العصر حتّى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتّى تطلع الشمس (42) . وإنّما حمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة ؛ لما رواه الشيخ عن محمّد بن الفرج ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام أسأله عن مسائل ، فكتب إليّ: «وصلّ بعد العصر من النوافل ما شئت ، وصلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت» (43) . والصدوق قال : روى لي جماعة من مشايخنا عن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي رضى الله عنه أنّه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه: «وأمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني شيطان، فما اُرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة ، فصلّ» (44) . وما رواه مسلم بإسناده عن عليّ عليه السلام أنّه دخل فسطاطه فصلّى ركعتين بعد العصر (45) . ونقلوا عن عبد اللّه بن الزبير وأبيه والنعمان بن بشير وأبي أيّوب وعائشة : أنّ عليّاً عليه السلام صلّى بعد العصر ركعتين (46) . وعن اُمّ سلمة ، قالت: دخل عليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد العصر فصلّى ركعتين (47) . وعن عائشة ، قالت: واللّه ، ما ترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ركعتين عندي بعد العصر (48) . وقال السيّد المرتضى في الناصريّات : «عندنا أنّه يجوز أن يصلّى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها كلّ صلاة لها سبب متقدّم ، وإنّما لا يجوز أن يبتدأ بالنوافل» (49) . والظاهر أنّه أراد بعدم الجواز الكراهة ، وخصّها في الجمل على ما نُقل عنه بثلاثة أوقات ، قال : «الأوقات المكروهة للصلاة : ابتداءً عند طلوع الشمس ، وعند قيامها نصف النهار قبل الزوال إلّا في يوم الجمعة خاصّة ، وعند غروبها» (50) . وهو ظاهر ابن الجنيد أيضاً على ما نقل عنه أنّه قال : «ورد النهي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها» ، وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط (51) . وخصّ الشيخ في النهاية طلوع الشمس وغروبها بالذكر ، وعمّم النافلة بحيث يشمل قضاءها أيضاً ، فقد قال : ومن فاتته شيء من صلاة النوافل فليقضها أيّ وقت شاء من ليلٍ أو نهارٍ ، ما لم يكن وقت فريضة أو عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، فإنّه يكره له صلاة النوافل وقضاؤها في هذين الوقتين (52) . وقد صرّح قبل ذلك بقضاء صلاة ركعتي الإحرام وركعتي الطواف في جميع الأحوال . وعن المفيد أيضاً كراهية قضاء النوافل في الوقتين (53) . وفرّق الشيخ في الخلاف بين ما تُكره الصلاة فيه لأجل الوقت ، وما تُكره لأجل الفعل ، فقد قال : الأوقات الّتي تكره فيها الصلاة خمسة : وقتان تكره الصلاة فيهما لأجل الفعل : بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وبعد العصر إلى غروبها، وثلاثة لأجل الوقت : عند طلوع الشمس، وعند قيامها ، وعند غروبها . والأوّل إنّما تُكره ابتداء الصلاة فيه نافلة ، فأمّا كلّ صلاة لها سبب من قضاء فريضة أو نافلة أو صلاة زيارة أو تحيّة مسجد أو صلاة إحرام أو صلاة طواف أو نذر أو صلاة كسوف أو جنازة ، فإنّه لا بأس به ولا تكره . وأمّا ما نهي فيه لأجل الوقت فالأيّام والبلاد والصلوات فيه سواء ، إلّا يوم الجمعة، فإنّ له أن يصلّي عند قيامها النوافل (54) . وحكى فيه عن الشافعي أنّه استثنى من البلدان مكّة وأجاز الصلوات فيها أيّ وقت شاء (55) . وعن مالك أنّه منع في الموطّأ النوافل المستحبّة أيضاً في هذه الأوقات ، وأنّه جوّزها في المدوّنة. ونقل طاب ثراه عن المازري أنّه قال : أجمعت الاُمّة على كراهية التنفّل لغير سبب في الوقتين : عند طلوع الشمس ، وعند غروبها، وقال : بالغ أبو حنيفة في المنع عن الصلاة عند الطلوع حتّى أنّه قال : لو صلّى ركعة من فرض اليوم عنده فسدت ، لا لأنّ الصلاة لا تدرك بإدراك ركعة في الوقت، بل للنهي عن فعلها عند الطلوع. (56) وأورد عليه الآبي بورود الخبر الصحيح في أنّ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح (57) . وأقول : الأولى التوقّف في غير صلاة الضحى ، لا سيما في الوقتين : طلوع الشمس وغروبها، فإنّ أكثر الأخبار والواردة فيهما ظاهرها التقيّة ، وهو ظاهر الصدوق حيث قال في الفقيه: وقد روي نهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ؛ لأنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، إلّا أنّه روى لي جماعة من مشايخنا رحمهم اللّه عن محمّد بن جعفر الأسدي رضي اللّه عنه. وذكر ما روينا عنه (58) . ورجع الشيخ المفيد (59) عمّا نقلنا عنه ، وقال بجوازها في الوفتين من غير كراهية على ما نقل عنه صاحب المدارك أنّه قال : وقد أكثر (60) الثقة الجليل أبو جعفر محمّد بن النعمان في كتابه المسمّى بافعل ولاتفعلمن التشنيع على العامّة في روايتهم ذلك عن النبيّ صلى الله عليه و آله وقال : إنّهم كثيرا مّا يخبرون عن النبيّ صلى الله عليه و آله بتحريم شيء وبعلّة تحريمه ذلك ، وتلك العلّة خطأ لا يجوز أن يتكلّم بها النبيّ صلى الله عليه و آله ولا يحرّم اللّه من قبلها شيئاً، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين: عند طلوع الشمس حتّى يلتئم طلوعها ، وعند غروبها ، فلولا أنّ علّة النهي عنها أنّها تطلع بين قرني شيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر الحديث موصولاً بأوّله وآخره فاسد فسد الجميع ، وهذا جهل من قائله ، والأنبياء عليهم السلام لا يجهلون ، فلمّا فسدت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت أنّ التطوّع فيهما جائز (61) . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . نعم صلاة الضحى كراهتها كالشمس في رابعة النهار ، ويأتي القول فيها في محلّها . قوله في مرفوعة إبراهيم بن هاشم : (أنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان) . [ح 7 / 4890] قال طاب ثراه: القرنان : جانبا الرأس . قيل : إنّ الشيطان ينتصب قائماً عند طلوع الشمس ؛ لتطلع بين قرنيه ليوهم عساكره أنّه يسجد الساجدون لها . والقرن أيضاً : الجماعة ، كأنّ الشمس تطلع بين فريقين من أصحاب يمينه وأصحاب يساره . قوله في خبر الحسين بن مسلم : (إذا ذرّت وإذا كُبّدت) . [ح 8 / 4891] قال الجوهري : ذرّت الشمس تذرّ ذرورا : طلعت . ويقال : ذرّ البقل ، إذا طلع من الأرض (62) . وفي القاموس : كبد السماء : وسطها كالكبيداء ، وتكبّدت الشمس: صارت في كبيدائها (63) . والمراد هنا وقت قيام الشمس إلى الزوال ، وهو لعلّه وقت صلاة الضحى ، ولعلّ المراد بقوله عليه السلام : «فإنّ الشيطان يريد أن يوقعك» (64) بالعين المهملة أو بالفاء على اختلاف النسخ _ : أنّه يريد أن يوسوسك ، ويجعلك بحيث يقطع السبل عنك دون سبيل طاعتك إيّاه ، فيكون تعليلاً لعدم حسن فعل الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة وحسن فعلها بعد الزوال .
.
ص: 456
. .
ص: 457
. .
ص: 458
. .
ص: 459
. .
ص: 460
. .
ص: 461
. .
ص: 462
. .
ص: 463
. .
ص: 464
. .
ص: 465
. .
ص: 466
. .
ص: 467
باب من نام عن الصلاة أو سها عنهاأراد قدّس سرّه بيان وجوب القضاء إذا تركت الصلاة الواجبة عمدا أو نسياناً أو بالنوم ، أو صلّيت بغير طهارة من الحدث وإن تكثّرت ؛ ردّا على بعض العامّة ، فقد نقل طاب ثراه عن بعضهم أنّ الناسي لا يقضي ما كثر للمشقّة ، كما أنّ الحائض لا تقضيها لهذه العلّة ، وحكى عن مالك وأبي عبد الرحمان الشافعي أنّ المتعمّد لترك الصلاة أو ترك شرط من شرائطها لا تقضى (1) ؛ محتجّاً بقوله عليه السلام : «من نام عن الصلاة أو نسيها فليقضها» (2) ، ثمّ قال : والجواب عنه : أنّ دليل الخطاب ليس بحجّة ، لا سيما إذا تصوّر له فائدة اُخرى كالتنبيه من الأدنى إلى الأعلى ؛ لأنّه إذا قضى الناسي مع عدم الإثم فالمتعمّد أحرى به . ولو قاسوا ذلك على قتل الصيد عمدا، فالجواب أنّ هذا القياس ليس بأولى من القياس بالأولويّة المذكورة ، والأخبار من الطريقين شاهدة على الأوّل ، ذكر في الباب بعضها ، وقد سبق بعض آخر . ثمّ رتّب المصنّف عليه أحكاماً: الأوّل : استحباب الأذان والإقامة لأوّل الورد ، ثمّ الإقامة وحدها للبواقي مع تعدّده . ويدلّ عليه حسنة حريز عن زرارة (3) ، ويأتي تمام القول فيه في باب الأذان والإقامة . الثاني: ترتّب الفائتة على الحاضرة في السعة ، وقد اختلف الأصحاب فيه ، وهذا الخلاف مبنيّ على الخلاف في تضيّق وقت الفائتة عند الذكر وتوسعته ، فذهب الشيخان (4) وابن إدريس (5) إلى الأوّل ، وحكاه في المختلف (6) عن السيّد المرتضى في الجمل (7) وفي المسائل الرسّيّة (8) ، وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلاّر (9) وابن البرّاج (10) وأبي الصلاح (11) حتّى أنّ السيّد (12) وابن إدريس (13) منعا من الاشتغال بغيرها من المباحات عند الذكر ، بل عن أكل ما يزيد عن سدّ الرمق وغيره من المندوبات والواجبات الموسّعة . وهو منقول عن أبي حنيفة ومالك وأحمد (14) . وعلى ما ذهبوا وجب تقديم الفائتة على الحاضرة مع السعة ، تعدّدت أم اتحدّدت ، ليوم الذكر كانت أو لغيرها . وقد صرّح جماعة منهم بذلك (15) . ولو صلّى الحاضرة بعد الذكر في سعة قبل القضاء وجب إعادتها ؛ لكونها منهيّاً عنها ، والنهي في العبادات يوجب الفساد . وقد صرّح بذلك السيّد (16) على ما نقل عنه في المختلف (17) . واحتجّ هؤلاء على ما ذهبو إليه بقوله تعالى : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (18) بناءً على أنّ المراد بالصلاة الفائتة وبالذكر ذكر فواتها ، وأنّ اللّام للتوقيت كما يشعر به رواية عبيد بن زرارة (19) ، [عن أبيه]. ومثلها ما رواه مسلم عن أنس ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلّها إذا ذكرها ، فإن اللّه عزّ وجلّ يقول : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (20) . واحتجّوا أيضاً بحسنتي زرارة (21) وخبر أبي بصير (22) ورواية صفوان بن يحيى (23) ، وقد عدّها العلّامة صحيحاً (24) ، وفيه نظر . ويؤيّدها بعض آخر من أخبار الباب ، وبما سبق ممّا رويناه عن الشيخ عن زرارة وغيره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال : «يصلّيها إذا ذكرها في أيّة ساعة ذكرها ليلاً أو نهارا». (25) وعن نعمان الرازي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها، قال : «فليصلّ حين ذكره» (26) . وأيّدوها بالاحتياط . وذهب بعض الأصحاب إلى الثاني ، وهو مختار الصدوقين (27) ، ونسبه العلّامة في المختلف (28) اءلى والده وأكثر معاصريه من المشايخ ، بل عدّ الصدوق تقديم الحاضرة (29) أولى . والمشهور عند هؤلاء استحباب تقديم الحاضره ؛ لعموم ما دلّ على أفضليّة فعل الفرائض في أوّل أوقاتها ، على ما سبق . وخصوص ما رواه الشيخ في كتابي الأخبار في الصحيح عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن نام رجل ونسى أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصلّيهما كليهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ، ثمّ المغرب ، ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس» (30) . وروى مثله في الصحيح عن أبي بصير عنه عليه السلام (31) . وعن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: يفوت الرجل الاُولى والعصر والمغرب ، وذكر ذلك عند العشاء الآخرة. قال : «يبدأ بالوقت الّذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخل ، ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل» (32) . ويؤيّدها أصالة البراءة . وربّما احتجّ عليه بعموم قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (33) بناءً على دلالته على التخيير بين كلّ جزء من أجزاء الوقت ، فيكون تخصيص أحد الأجزاء به ترجيحاً من غير مرجّح ، وبقوله سبحانه : «أَقِيمُوا الصَّلَوةَ» (34) بالتقريب المذكور. وفيه: أنّ الظاهر أنّهما على ما سبق . وقد أجاب العلّامة عن احتجاج الأوّلين بمنع كون اللّام في الآية للتوقيت ؛ لاحتمال إرادة أقم الصلاة لطلب ذكري لا غير ، بل عدّه أرجح ؛ لإشعاره بأنّها عبادة لابدّ من كونها خالصة له سبحانه ، ثمّ بالمنع من حملها على الفائتة ، وجوّز حملها على الحاضرة ، بل عدّه أولى؛ لندرة الفائتة ، وبمنع دلالتها على التضيّق لو سلم إرادة الفائتة منها ؛ مستندا بأن وجوبها عند الذكر أعمّ من كونه مضيّقا أو موسّعاً . وقال : «هذا الأخير هو الجواب عن الروايات» . وعن الاحتياط بأنّه معارض بأصالة البراءة، والاحتياط في الحاضرة ؛ لجواز تجدّد العذر عن أدائها لو قدّم الفائتة ، وبالأمر بالمسارعة إلى تقديم الصلاة في أوّل وقتها ، وبأنّ الاحتياط لا يقتضي الوجوب ، وإنّما يقتضي الأولويّة ، ونحن نقول بها ؛ إذ عندنا الأفضل تقديم الفوائت (35) . وقال في المختلف (36) بمضايقة وقت فائتة اليوم واحدة كانت أو متعدّدة ، وجواز تقديم الحاضرة على فائتة غيره ، وأراد باليوم النهار والليلة المستقبلة . واحتجّ على الأوّل بما رواه المصنّف من حسنة حريز عن زرارة (37) ، وخبر صفوان بن يحيى (38) ، وعدّهما صحيحين ؛ بناءً على ما ستعرفه وتعرف ما فيه . ويردّه عموم ما ذكر من الأخبار ، وخصوص خبر جميل بن درّاج المتقدّم (39) . وعلى الثاني بعموم قوله سبحانه : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ...» (40) ، الآية، وبصحيحتي عبد اللّه بن سنان (41) وأبي بصير (42) المتقدّمتين . وبرواية عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل تفوته المغرب حتّى تحضره العتمة ، فقال «إن حضرت العتمة وذكر أنّ عليه صلاة المغرب ، فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ ، وإن أحبّ بدأ بالعتمة ، ثمّ صلّى المغرب بعدها» (43) ، بناءً على أنّ المراد بالمغرب مغرب غير ذلك اليوم ، وعدم جواز إرادة مغرب ذلك اليوم ؛ لأنّ وقت العتمة إن كان مضيّقاً وجب تقديمها ، وإلّا وجب تقديم المغرب ، فلا يتأتّى التخيير أصلاً. وحمل عليه صحيحة سعد بن سعد ، قال : قال الرضا عليه السلام : «يا فلان ، إذا دخل الوقت عليك فصلّها ، فإنّك لا تدري ما يكون» (44) . وذهب المحقّق إلى وجوب تقديم الفائتة المتّحدة دون المتعدّدة (45) . وربّما استدلّ لكلّ من هذه الأقوال بأدلّة عقليّة ضعيفة لا طائل تحتها ، وأنت خبير برجحان قول الصدوقين ؛ لدلالة أخبار كثيرة مشتملة على الصحاح عليه . وما عارضها من الأخبار أكثرها غير نقي السند ، ومع ذلك طريق الجمع يقتضي حمل هذه على الاستحباب ، فهو أظهر لا سيما في فائتة اليوم والفائتة الواحدة مع سعة وقت الحاضرة. وأمّا مع تضيّقه فلا ريب في عدم جواز تقديم الفائتة . ولو ظنّ سعة وقت الحاضرة ودخل في الفائتة فظهر التضيّق، فقد نقل طاب ثراه أنّه قال في النهاية : «عدل إلى الحاضرة مع الإمكان ، فإن تعذّر قطعها وصلّى الحاضرة إن بقي من الوقت مقدار ركعة ، ولو كان أقلّ أتمّ وقضى الحاضرة» (46) . الثالثة: ترتّب الفوائت بعضها على بعض ، وقد أجمع الأصحاب على وجوبه إذا علم الترتيب (47) ، ونسبه في المنتهى (48) إلى أحمد وأبي حنيفة (49) . ويدلّ عليه حسنة حريز عن زرارة (50) ، وما رويناه من صحيحتي ابن سنان (51) وأبي بصير (52) ، وخبر جميل (53) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء ، وكان عليك قضاء صلوات ، فابدأ بأوّلهنّ ، فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة» (54) . وبأنّها فاتت مرتبة، فوجب قضاؤها كذلك ، لقوله عليه السلام : «من فاتته صلاة فريضة فليقضها» (55) . وفيه تأمّل . واستدلّ أحمد بما نقلوه عنه صلى الله عليه و آله أنّه فاتته أربع صلوات فقضاهنّ مرتّبات ، وقد قال : «صلّوا كما رأيتموني» (56) ، فقد نقلوا عن أبي عبيدة بن عبد اللّه عن أبيه: أنّ المشركين شغلوا النبيّ صلى الله عليه و آله عن أربع صلوات يوم الخندق حتّى ذهب من الليل ما شاء اللّه ، قال : فأمر بلالاً فأذّن وأقام وصلّى الظهر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى العصر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى المغرب ، ثمّ أمره فأقام فصلّى العشاء (57) . وهذا الخبر مردود ؛ لأنّ ما اشتهر بينهم أنّه صلى الله عليه و آله قال : «لعن اللّه المشركين شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر» (58) . وقد سبق ، وظاهره اشتغالهم عن صلاة العصر فقط ، فتأمّل. وأمّا مع جهل الترتيب، فقد ذهب جماعة منهم العلّامة في التحرير (59) والقواعد (60) حيث جعل التكرير أحوط ، والشهيد في أكثر كتبه إلى سقوط الترتيب (61) ، وهو منقول عن أبي حنيفة (62) . وأوجب في الذكرى تقديم ما ظنّ سبقه معلّلاً بأنّه راجح ، فلا يعمل بالمرجوح (63) . وزاد في الدروس : الوهم (64) . وذهب الأكثر إلى وجوبه محتجّين بعموم خبري زرارة المتقدّمين ، وبما تقدّم من قوله عليه السلام : «فليقضها كما فاتته» ، فقالوا بوجوب تكرير الفوائت إلى أن يحصل الترتيب بيقين . وصرّحوا بأنّه يصلّي ظهرا بين عصرين أو بالعكس لو فاتتا من يومين ، وصلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها لو فاتت أيضاً من ثالث ، والسبع قبل العشاء وبعدها لو فاتت أيضاً من رابع، والخمس عشرة قبل الصبح وبعدها لو فاتت أيضاً من رابع ، والخمس عشرة قبل الصبح وبعدها لوفاتت ايضا من خامس، وهكذا (65) . والأظهر الأوّل ؛ للزوم الحرج والعسر المنفيّين إذا تكثّرت . وأمّا الخبران فعمومهما ممنوع ، بل ظاهرهما في صورة العلم بالترتيب . والمتبادر من قوله : «فليقضها كما فاتته» قضاؤها تماماً وقصرا لا من كلّ جهة ، وإلّا لوجب قضاء ما فات عن المريض جالساً ومضطجعاً ، ولم يقل به أحد . وذهب الشافعي إلى سقوطه مطلقاً وإن علمه؛ قياساً على قضاء رمضان (66) ، وهو كما ترى. وهل يترتّب الفائتة غير اليوميّة من الفرائض كالمنذورة وصلاة الآيات وغيرهما على اليوميّة؟ نسبه طاب ثراه إلى بعض الأصحاب ، وقال العلّامة في القواعد : «لا ترتيب بين الفرائض اليوميّة وغيرها من الواجبات ، ولا بين الواجبات أنفسها» (67) . وهو الأظهر لانتفاء دليل على الترتيب فيها ، فإنّ الأخبار الواردة في الترتيب ظاهرها اليوميّة ، والأصل العدم . قوله في حسنة زرارة (68) : (لأنّهما جميعاً قضاء) . [ح 1 / 4892] تعليل للأمر بالابتداء بالاُولى ، والغرض أنّه ليس تقديم الاُولى موجباً لفوات الثانية كما في تقديم المغرب على الغداة . وقوله عليه السلام : «فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس» لبيان جواز تأخير القضاء للاشتغال بتعقيب صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ، فإنّه أفضل من القضاء ، فلا ينافي ما سبق من عدم كراهية القضاء في الأوقات المكروهة . قوله في خبر عبيد بن زرارة : (فإنّ اللّه تعالى يقول : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (69) ) . [ح 4 / 4895] قال طاب ثراه: المصدر إمّا مضاف إلى الفاعل، فقيل : معناه لذكري إيّاها في الكتب السالفة وأمري بها . وقيل : لذكري لك بالمدح والثناء. أو إلى المفعول، فقيل : معناه لذكرك إيّاي خاصّة ، لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري . وقيل : لأوقات ذكري ، وهي مواقيت الصلاة ، واللّام للتوقيت كما في قوله تعالى : «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ...» (70) . وقيل : لذكر صلاتي (71) ، وهذا أنسب بسياق الحديث . ثمّ قال : قيل : فيه دلالة على حجّيّة شرع مَن قبلنا ؛ لأنّ الآية إنّما خوطب بها موسى عليه السلام ، واُجيب بأنّ الخلاف فيها إنّما يكون في احتجاج غير الشارع به ، أمّا احتجاجه به فهو إدخال في شريعته . قوله في خبر سماعة : (فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رقد عن صلاة الفجر) إلخ. [ح 8 / 4899] قال طاب ثراه: هذه الحكاية مذكورة في طرق العامّة بطرق متعدّدة : منها : ما رواه مسلم عن أبي هريرة ، قال : عرّسنا مع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلم نستيقظ حتّى طلعت الشمس ، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم : «ليأخذ كلّ رجل برأس راحلته ، فإنّ هذا منزل حضرنا فيه الشيطان». قال : ففعلنا ، ثمّ دعا بماء فتوضّأ ثمّ سجد سجدتين . قال يعقوب _ وهو من رجال السند _ : ثمّ صلّى سجدتين ، ثمّ اُقيمت الصلاة فصلّى الغداة (72) . واختلفوا في توجيه الانتقال والتنحّي ، فقيل : لأنّ الشمس كانت طلعت فأمرهم بالانتقال حتّى ترتفع . وقيل : الوجه ما أشار إليه بقوله: «هذا منزل حضرنا فيه الشيطان» (73) . وقيل : إنّه أثقل كراهية للموضع الّذي أصابتهم فيه الغفلة كما نهى عن الصلاة بأرض بابل ؛ معلّلاً بأنّها ملعونة (74) . وقيل : لتقوم بحركة الرحيل من غمرة النوم ، ويأخذ في اُهبة الصلاة . وقيل : الأمر بذلك منسوخ بقوله تعالى : «وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى» (75) . واعترض عليه بأنّ الآية مكيّة والقضيّة بعد الهجرة بأعوام (76) . ثمّ قال : بقى هنا شيء، وهو : أنّ هذا ينافي ما ورد من طرق العامّة والخاصّة من قوله عليه السلام : «تنام عيني ولا ينام قلبي» (77) ، فقيل : المعنى : ولا ينام قلبي في الأكثر ، ولا ينافي منامه نادرا لمصلحة لما أراد اللّه عزّ وجلّ من بيان القضاء ، قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «فصارت اُسوة وسنّة» (78) . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ما ذكر في كتب العامّة: «ولو شاء اللّه لأيقظنا ، ولكن أراد اللّه أن يكون سنّة لمن بعدكم» (79) . وقيل : المعنى لا يستغرقه النوم حتّى يحدث منه حدث . وقال محيي الدين : وعندي أنّه لا تعارض بينهما ، لأنّه أخبر أنّ عينيه تنامان وهما اللّتان نامتا هنا ؛ لأنّ طلوع الفجر إنّما يُدرك بالعين لا بالقلب . وقال المازري: إنّه يريد بذلك الجواب أنّ القلب إنّما يُدرك به الحسّيّات المتعلّقة به كالآلام ، والفجر لا يُدرك به وإنّما يُدرك بالعين (80) . قوله في خبر سعيد الأعرج : (وقالوا : لا تفرغ بصلاة (81) ) . [ح 9 / 4900] قال طاب ثراه : هذا استفهام للتوبيخ والتقريع ، أي تفرغ لفوات صلاتك خوفاً من الإثم بالتفريط .
.
ص: 468
. .
ص: 469
. .
ص: 470
. .
ص: 471
. .
ص: 472
. .
ص: 473
. .
ص: 474
. .
ص: 475
. .
ص: 476
. .
ص: 477
. .
ص: 478
باب بناء مسجد النبيّ صلى الله عليه و آلهأي بيان كميّة ساحته وارتفاع جدرانه ، وكيفيّة وضع اللبن في بنائها والتغييرات الواقعة فيه. قال طاب ثراه: كان مسجد رسول اللّه عليه السلام على هيئته الّتي كان في عهده صلى الله عليه و آله إلى أن تقلّد عثمان أمر الخلافة فغيّره . قال بعض العامّة : كسره وزاد فيه حتّى أدخل فيه بيوت أزواجه ، ومن جملتها البيت الّذي دفن فيه صلى الله عليه و آله ، واُدير على القبر المشرّف حائط مرتفع ؛ لئلّا يظهر في المسجد فيتّخذ مسجدا ، ثمّ بنوا جدارين من ركني القبر الشماليّين ووضعوهما على زواية مثلّثة من جهة الشمال حتّى لا يتصوّر استقبال القبر في الصلاة (1) . قوله في حسنة عبد اللّه بن سنان : (فاُقيمت فيه سواري) إلخ. [ح 1 / 4903] السواري : جمع سارية ، وهي الاسطوانة (2) . والعوارض : جمع العارضة ، وهي سعفة (3) النخل مع ورقها (4) . والخصف : جمع الخصفة محرّكة ، وهي حصير من خوص (5) . ويقال : وكف البيت يكفّ وكيفا ووكفا وتوكافا: قطر (6) . والعريش : البيت الّذي يستظلّ به من خشب ونبات (7) . وكلمة «لا» الداخلة عليه نفي لما سأله السائل.
.
ص: 479
باب ما يستر به المصلّي ممّن يمرّ بين يديهاتّفق أهل العلم إلّا ما سيحكى على استحباب السترة بين المصلّي والمارّة ؛ لأخبار متظافرة من الطريقين : منها : ما رواه المصنّف قدس سره من صحيحة معاوية بن وهب (1) وخبري أبي بصير (2) . ومنها : خبر عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وضع قلنسوة وصلّى إليها» (3) . ومن طريق العامّة ما رواه في المنتهى عن أبي جحيفة (4) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ركزت له العنزة ، فتقدّم وصلّى الظهر ركعتين ، يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يمنع (5) . وعن طلحة بن عبيد اللّه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذ وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخّرة الرحل فليصلّ ولا يبال من وراء ذلك» (6) . وحُملت تلك الأخبار على الاستحباب ؛ استنادا إلى الإجماع على عدم الوجوب . ويدلّ عليه مرفوعة محمّد بن مسلم (7) ، وما روته العامّة من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى بمكّة وليس بينه وبين المطاف سترة (8) . وعن ابن عبّاس ، قال : أقبلت على حمار أتان والنبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي بالناس بمنى إلى غير جدار (9) . وعنه أنّه قال صلّى النّبي صلى الله عليه و آله في فضاء ليس بين يديه شيء (10) . وعن الفضل بن العبّاس، قال : كنّا ببادية فأتانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه العبّاس ، فصلّى في صحراء وليس بين يديه سترة ، وكلب وحمار لنا يعبثان بين يديه ما يأبى ذلك (11) . وإطلاق الأخبار والفتاوى يقتضي عدم الفرق في ذلك بين مكّة وغيرها . وحكى في المنتهى (12) عدم استحباب السترة بمكّة محتجّاً بما ذكر من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله فيها . ودفعه واضح. ونقل الشهيد في الذكرى (13) عن العلّامة أنّه قال في التذكرة : لا بأس أن يصلّي في مكّة إلى غير سترة ؛ معلّلاً بما ذكر ، وبأنّ الناس يكثرون هناك لأجل المناسك ويزدحمون به ، وبه سمّيت بكّة ؛ لتباكّ الناس ، فلو منع المصلّي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس. قال : وقال : «وحكم الحرم كلّه كذلك». واحتجّ عليه بما تقدّم من فعل النبيّ صلى الله عليه و آله بمنى ، وبأنّ الحرم محلّ المشاعر والمناسك (14) . أقول : على ذلك لا يختصّ الحكم بالحرم بل يجري في عرفات ، بل في غيرها أيضاً من مواضع اجتماع الناس للعبادة . والظاهر أنّ مراده نفي تأكّد الاستحباب لا نفيه رأساً ؛ للجمع بين ما ذكر وما روى في الذكرى عن صحاح العامّة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بالأبطح ، فركّزت له عنزة، وعن أنس وأبي جُحَيْفَة (15) . ونعم ما قال الشهيد : «ولو قيل : السترة مستحبّة مطلقاً ، ولكن لا يمنع المارّ في مثل هذه الأماكن لما ذكر ، كان وجهاً» (16) . ونقل طاب ثراه عن ابن عبد السلام القول بوجوبها، وعن بعض علمائهم أنّه قال : إنّما أخذ الوجوب من التأثيم بمرور المارّة بين يديه . وردّه بعضهم بأنّهم اتّفقوا على أنّه لا يأثم بتركها إن لم يمرّ بين يديه أحد ، فلو كانت واجبة لأثم بتركها مطلقاً. انتهى . واتّفقوا على أنّه لا يقطع صلاته مرور المارّة بين يديه ؛ لأصالة عدم القطع، وانتفاء دليل عليه، بل قد ورد التصريح بعدمه في خبر ابن يعفور ، وخبر أبي بصير (17) الّذي بعده . وما رواه الصدوق من أنّه صلى الله عليه و آله كان يصلّي وعائشة معترضة بين يديه (18) . وما رواه جمهور العامّة عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لا يقطع الصلاة شيء ، وادرأوا ما استطعتم فإنّما هو شيطان» (19) . وعن زينب بنت اُمّ سلمة (20) ، قالت : مررت بين يدي النبيّ صلى الله عليه و آله فلم يقطع صلاته (21) . وما نقلوه أنّه صلى الله عليه و آله صلّى إلى ميمونة واُمّ سلمة (22) . وفي المنتهى عن عائشة ، قالت : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي صلاته من الليل كلّها وأنا معترضة بينه وبين القبلة (23) . وحكى في المنتهى (24) عن أحمد في أحد الروايتين عنه : أنّه يقطعها الكلب الأسود ، وفي رواية اُخرى : والمرأة والحمار أيضاً (25) ؛ متمسّكاً بما رواه أبو هريرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخّرة الرحل» (26) . وهو مع ضعفه معارض بالأخبار المتكثّرة المتقدّمة ، وقد حمله أكثرهم على المبالغة وخوف إفساد الصلاة بالشغل بها ، وعلى أنّ معنى قطع الصلاة قطع الإقبال عليها والشغل بها ، فإنّ المرأة تفتن، والحمار يزلزل بقبح صوته ولجاجته وقلّة تأنّيه عند دفعه ، والكلب يشوّش بقبح صوته وخوف عاديته . فروع: الأوّل : قال العلّامة في المنتهى: «يستحبّ أن يدنو من سترته» (27) . واحتجّ عليه بما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز ، وأكثر ما يكون مربط فرس» (28) . وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها ، لا يقطع الشيطان عليه [صلاتَه]» (29) . وبأنّ قربه من السترة أصون لصلاته ، وأبعد من أن يمرّ بينه وبينها شيء يتشاغل به عن العبادة (30) . وأظنّ أنّي رأيت في بعض الكتب المبسوطة نقلاً عن شاذّ من العامّة أنّه قدّر رمي سهم زاعماً أنّه لو رمى سهماً على المارّة في البين وقتل كان دمه هدرا (31) . وقال طاب ثراه : واختلفت العامّة في تحديده ، فقيل بما ذكر ، وقيل : قدر رمي الحجر ، وقيل : قيد رمح ، وقيل : قدر المطارد له بالسيف ، وأخذت كلّها من الأمر بمقاتلة المارّ كما ورد في بعض أخبارهم (32) ، وقيل: ما لا يشوّش المرور فيه على المصلّي ، وحدّه بنحو من عشرين ذراعاً ، وأخذ ذلك من تحديد مالك حريم البئر بما لا يضرّ البئر الآخر (33) ، وقال ابن العربي : «والجميع غلط ؛ لأنّ المصلّي إنّما يستحقّ قدر ركوعه وسجوده» (34) . الثاني : هل يجوز دفع المارّة بغير الإشارة من المشي إليه والضرب والرمي ونحوهما ؟ الظاهر لا ؛ لأنّ الغرض من السترة صيانة الصلاة عمّا ينقصها ، فكيف يجوز ما عسى أن ينقصها؟! والمراد بقوله عليه السلام : «ولكن ادرأوا ما استطعتم» في موثّق ابن أبي يعفور (35) وأضرابه: الدفع بالإشارة ونحوها. ويظهر من العلّامة في المنتهى جواز ذلك في الفلاة ، بل استحبابه ، ففيه : لو مرّ إنسان بين يدي المصلّي فالّذي يقتضيه المذهب أنّه إن كان يصلّي في طريق مسلوك فليس له أن يردّه ؛ لأنّ المكروه قد صدر عنه لا من المارّ ، وإن لم يكن كذلك بأن يكون في فلاة يمكنه السلوك بغير ذلك الطريق ، فهل يستحبّ له أن يردّه أم لا ؟ أقربه الاستحباب ؛ لأنّه يكون أمرا بمعروف مندوب (36) . ونسبه إلى الجمهور (37) . واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «ولكن ادرأوا ما استطعتم» . وبما رواه الجمهور عن أبي سعيد ، قال سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول : «إذا كان أحدكم يصلّي إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ، فإن أبي فليقاتله ، فإنّما هو شيطان» (38) . وعن اُمّ سلمة قالت : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي في حجرتها ، فمرّ بين يديه عبد اللّه أو عمر بن أبي سلمة ، فقال بيده فرجع ، فمرّت زينب بنت اُمّ سلمة ، فقال بيده هكذا فمضت (39) . ويفهم من قوله : «يمكنه السلوك بغير ذلك الطريق» ، عدم جواز ردّه مع عدم الإمكان ، وقد صرّح بذلك في نهايته على ما قيل : إنّه قال : لو لم يجد المارّ طريقاً سواه جاز المرور ولا يدفعه المصلّي [عنه] (40) . وإطلاق كلامه يشمل ما إذا لم يضع سترة . وحكى طاب ثراه عنه أنّه قال في نهايته : «لو لم يجعل بين يديه سترة لم يكن له دفع المارّ على إشكال» (41) . وعن بعض العامّة أنّه قال : واتّفقوا على أنّ هذه المدافعة إنّما هي لمن صلّى إلى سترة أو حيث يأمن المرور . والظاهر استحباب الدفع وعدم وجوبه ، لم أجد مخالفاً له من الأصحاب ، للأصل ، ولمرفوعة محمّد بن مسلم (42) . وعن بعض العامّة أنّه قال : لو قيل بوجوب الدفع لو لم يكن إجماع على استحبابه ما بعد ، والردّ مخصوص بالمارّ، فبعد العبور لا يجوز ردّه ؛ لأنّه أمر بمرور ثان ، وبه يشعر بعض ما ذكر من الأخبار ، حيث ورد فيه : «فأراد أحد أن يجتاز أو يمرّ بين يديه فليدفعه» (43) ، وبعد العبور ليس مريدا للاجتياز ولا للمرور بين يديه . وحكاه في المنتهى (44) عن الشعبي وإسحاق (45) . وعن ابن مسعود أنّه قال : يردّه من حيث جاء؛ معلّلاً بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بردّه (46) ، ولم تثبت. وهل يضمن بالدفع بالجائز لما يوجبه من القود والديّة، أو هدر؟ لم أجد فيه تصريحاً من الأصحاب ، وظاهر بعض العامّة أنّه هدر على ما تقدّم . الثالث : يستحبّ أن تكون السترة مقدار ذراع ارتفاعاً ؛ لخبري أبي بصير (47) . وحكى في المنتهى (48) عن الثوري وأصحاب الرأي من العامّة (49) وعن الشافعي ومالك وأحمد استحباب قدر عظم الذراع (50) ، وأمّا حجمها فليس له حدّ ، بل يكفي ما يظهر به حريم صلاته ولو كان خطّاً. قال طاب ثراه: اكتفى به العلّامة في النهاية (51) ؛ معلّلاً بأنّ القصد بالسترة إظهار حريم لصلاته ، وهو يظهر بذلك . أقول : ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن محمّد بن إسماعيل، عن الرضا عليه السلام في الرجل يصلّي قال : «يكون بين يديه كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ» (52) . وعن السكوني، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا صلّى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرحل، فإن لم يجد حجرا، فإن لم يجد فسهماً، فإن لم يجد فليختطّ في الأرض بين يديه» (53) . ومن طريق العامّة عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا صلّى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً ، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً فليخطّ خطّاً ، ثمّ لا يضرّ من مرّ أمامه» (54) . وبه قال جمع من العامّة . وقال الشافعي في الجديد: «يخطّ بالعراق ولا يخطّ بمصر ، إلّا أن تكون فيه سنّة تُتّبع» (55) . ولم أجد له وجهاً ، وأنكره أبو حنيفة مطلقاً (56) محتجّاً بما حكى بعضهم عن ابن جريج: خطّ في الحصباء خطّاً ، وصلّى إليه ، فرأته اُمّه فقالت : واعجباً بجهل هذا الشيخ بالسنّة ، فقال : وما رأيت من جهلي ؟ قالت : صلاتك إلى الخطّ ، حدّثتني مولاتي عن أسماء، عن اُمّ سلمة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «الخطّ باطل» ، فذهب بها إلى مولاتها فأخبرته بذلك ، فقال : اعتقيها ، فقالت: إن أحبّت. قالت: لا ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا اتّقى العبد ربّه ونصح مواليه فله أجران» ، ولا أحبّ أن أنقص أجرا (57) . واختلف في صفة الخطّ ، فقيل : يجعل كالمحراب ، وقيل : قائماً إلى القبلة ، وقيل : من المشرق إلى المغرب (58) ، وهو موافق لمذاهب العامّة . وأمّا البعير والفرس ونحوهما من الحيوانات فقال العامّة : يجوز أن يستتر بها إجماعاً. ورواياتنا خالية عن ذكرها ، ولهم روايات في ذلك ، فمنها : ما رواه مسلم عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يعرّض راحلته ويصلّي إليها (59) . وعن ابن نمير أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صلّى إلى بعير (60) . ومنهم من اعتبر أن يكون على غلظ الرمح (61) . قوله في مرفوعة محمّد بن مسلم : (وفيه ما فيه) . [ح 5 / 4910] من كلام أبي حنيفة للاعتراض على موسى عليه السلام بناءً على ما زعمه من لزوم دفع المارّ. قال طاب ثراه: محصّل جواب موسى عليه السلام : أنّ ضرر المرور إمّا توهّم كون العبادة للمارّ ، وإمّا توهّم توسّطه بين المصلّي وربّه ، وإمّا توهّم شغل المصلّي عن ربّه ، والكلّ مندفع بما ذكر . أمّا الأوّل فواضح فإنّ العبادة للأقرب ، وأمّا الثاني فلأنّ حريم القرب لا تقبل الواسطة . وأمّا الثالث فلأنّ الانفصال ينافي كمال الاتّصال فلا معنى للشغل عنه ، وفيه إشارة إلى أنّ المصلّي لابدّ أن يكون مستغرقاً في بحار المراقبة والمشاهدة بحيث لا يخطر بباله غيره سبحانه فضلاً من أن يشغله عنه. انتهى . وقوله : (وهذا تأديب منه صلوات اللّه عليه ، لا أنّه ترك الفضل) . [ح 5 / 4910] من كلام محمّد بن مسلم أو المصنّف ، والأخير أظهر ؛ لعدم ذكره في الخبر في الذكرى (62) . والظاهر أنّ كلمة : (هذا) إشارة إلى دعاء موسى عليه السلام المستفاد من قوله عليه السلام : «ادعوا لي موسى» ، والضمير في : (منه) عائدا إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، وفي : (أنّه) لموسى عليه السلام إن قُرئ«ترك» بصيغة الماضي ؛ ولعدم النهي المستفاد من قوله : «لم تنههم» إن قُرئ الترك مصدرا . والمعنى أنّه عليه السلام إنّما دعا موسى عليه السلام وحكى له ما اعترضه عليه أبو حنيفة ليجيبه جواباً شافياً يسكته تأديباً منه عليه السلام أبا حنيفة وأضرابه ، ممّن جوّز المشي إلى المارّ وضربه، بل قتله على ما سبق من مذاهبهم ، لا لأنّ موسى عليه السلام ترك الفضل بعدم نهيه بتلك الأنواع من النهي ؛ إذ لا فضيلة في ذلك وإنّما الفضل في وضع الأنواع من النهي ، إذ لا فضيلة في ذلك، وإنّما الفضل في وضع السترة ولعلّه وضعها عليه السلام .
.
ص: 480
. .
ص: 481
. .
ص: 482
. .
ص: 483
. .
ص: 484
. .
ص: 485
. .
ص: 486
. .
ص: 487
. .
ص: 488
. .
ص: 489
باب المرأة تصلّي بحيال الرجل والرجل يصلّي والمرأة بحيالهذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنّه يحرم أن يصلّي الرجل والمرأة في مكانٍ واحد ، إلّا أن يتقدّم الرجل أو يكون بينهما حائل أو عشرة أذرع (1) ، وهو محكيّ في التنقيح (2) عن ابن حمزة (3) ، وفي المهذّب (4) عنهم وعن أبي الصلاح (5) وعن مقنع الصدوق (6) وهو ظاهر أكثر ما رواه المصنّف . ورواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل ، يصلّيان جميعاً؟ فقال : «لا ، ولكن يصلّي الرجل ، فإذا فرغ صلّت المرأة» (7) . وفي الموثّق عن عبد اللّه بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : اُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال : «لا، إلّا أن تتقدّم هي أو أنت ، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة» (8) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه سئل عن الرجل ، يستقيم أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال : لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس» (9) . واحتجّ عليه الشيخ بإجماع الفرقة ، وبالاحتياط؛ معلّلاً باشتغال الذمّة بالصلاة بيقين ولا يتحقّق البراءة يقيناً بهذه الصلاة. وفيه: منع الإجماع ؛ لما سيجيء ، وأنّ الاحتياط إنّما يقتضى الأولويّة لا الوجوب . وأمّا كفاية الحائل؛ فلأنّهما حينئذٍ لم يصلّيان في مكانٍ واحد ، ولذلك اعتبر الأكثر وجوب كون الحائل ساترا بحيث يمنع رؤية أحدهما للآخر في جميع أحوال الصلاة. وقال الصدوق في الفقيه : «ولا بأس بأن يكون بين يدي الرجل والمرأة وهما يصلّيان مرفقة أو شيء» (10) . وقد صرّح جماعة منهم بفساد صلاتهما مع المقارنة ، وفساد صلاة من تأخّر في تكبيرة الافتتاح بناءً على اقتضاء النهي في العبادة ذلك . ويؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن إمام كان في الظهر، فقامت امرأة بحياله تصلّي معه ، وهي تحسب أنّها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال : «لا يفسد ذلك على القوم ، وتعيد المرأة صلاتها» (11) ؛ بناءً على كون العلّة في إعادة المرأة محاذاتها للرجل كما هو ظاهر السؤال، وعدم فساد صلاة القوم فهو مبني على ما هو ظاهر الخبر من تقدّمهم في الشروع فيها. واحتمل بعيدا أن تكون العلّة اقتداءها صلاة العصر بصلاة الظهر كما هو مذهب بعض الأصحاب (12) . والمشهور بين الأصحاب منهم المحقّق (13) وابن إدريس (14) ، والشهيد في الذكرى (15) واللمعة (16) ، والعلّامة في المنتهى (17) والمختلف (18) _ كراهية ذلك ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (19) ، ومنقول في المختلف (20) عن مصباح السيّد المرتضى (21) ، وفي المنتهى (22) عن الشافعي (23) وأحمد. ولو صلّى أحدهما مع كون الآخر بحياله قائماً أو قاعدا أو مستلقياً أو مضطجعاً فلا كراهة عندنا وعند أكثر العامّة ، إلّا إذا كان ذلك الآخر مواجها على ما اشتهر ، لمرسلة ابن رباط (24) ، ومثلها ما رواه الصدوق من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يصلّي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها حتّى يسجد (25) . وما رواه مسلم عن عروة، عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله يصلّي صلاته من اللّيل كلّها وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة (26) . ونقل طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال : يقطع الصلاة؛ معلّلاً بأنّ المرأة خوف الفتنة ، وباشتغال المصلّي بها ، واعتذر عن الخبر بالفارق بينه صلى الله عليه و آله وبين غيره؛ بأنّ استيلاءه صلى الله عليه و آله على نفسه ومالكيّته لرأيه يمنع الاشتغال ويزيل الخوف ، وهي في موقعه لو كان هناك دليل قاطع على القطع ، وليس فليس.
.
ص: 490
. .
ص: 491
. .
ص: 492
باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبثأي استحباب خشوع القلب والتوجّه إلى اللّه تعالي بشراشره حتّى كأنّه يره ، ولا يلتفت في الصلاة بكليّته بحضور البال وتدبّر ما يقول فيها ، والإعراض عمّا سوى اللّه وعن عبادته ، وخضوع الأعضاء والجوارح بصرفهما فيما امر به فيها من النظر في القيام إلى موضع السجود ، وفي الركوع إلى بين يديه ، وفي السجود إلى طرف أنفه ، ووضع اليد في القيام على فخذيه بحذاء ركبتيه ، وفي الركوع على ركبتيه ، وفي السجود على الأرض بكفيّه ، ووضع الرجلين قائماً بحيث يحاذي أصابعه القبلة ، ويكون بينهما أربع أصابع إلى شبر ، ووضع وركه الأيسر على الأرض بين السجدتين وفي التشهّدين ، وغير ذلك ممّا يدلّ عليه ما رواه المصنّف في الباب ويرويه في باب القيام والقعود في الصلاة ، وكراهية العبث في الصلاة باليد والرأس ولحيته ونظائرها ممّا ينافي ما ذكر ، وترك الخشوع وفعل العبث وإن لم يكونا موجبين لنقض الصلاة وعدم إجزائها ، إلّا أنّهما موجبان لنقصها وعدم قبولها . وقوله عليه السلام : (فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه) [ح 1 / 4918] بمعنى أنّه لا يكتب في ديوان أعمالك المقبولة إلّا ما كان مع الخشوع ، ولذلك جعلت النوافل اليوميّة ضعف فرائضها ؛ لأنّ الإنسان يكون غافلاً غالباً عن ثلثي صلاته ، فيقوم ثلث النافلة المقبول مقام ثلثي الفريضة الغير المقبولين. قوله في حسنة زرارة : (فعليك بالإكباب) إلخ. (1) [ح 1 / 4918] قال طاب ثراه : في الصحاح : «أكبّ فلان على الأمر يفعله» (2) ، والمقصود هنا فعلها مع حضور القلب . وفي نسخة : «فعليك بالإقبال». وفيه أيضاً : «التكفير : أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفّر العلج للدهاقين ، يضع يده على صدره ويتطأمن له» (3) ، والمراد به هنا وضع اليمنى على اليسرى على الصدر . وهو حرام عند أكثر علمائنا (4) ؛ لوقوع النهي عنه في هذا الخبر (5) ، وفي مرسلة حريز الّتي يرويها المصنّف في باب القيام والقعود . (6) وقال أبو الصلاح (7) والمحقّق في المعتبر (8) : إنّه مكروه ، والأوّل أظهر ؛ لعدم معارض للنهي المذكور . واتّفقت العامّة على عدم وجوبه (9) ، واختلفوا في استحبابه وكراهته ، فقال مالك في قول وجمهورهم بالأوّل ؛ معلّلين بأنّه صفة الخاشع ، وقد بالغوا في ذلك حتّى أنّهم عدّوا تركه من علامات الرفض . وقال مالك في قوله الآخر وجماعة منهم بالثاني (10) ؛ لما سيأتي . وربّما علّلوه بأنّ من فعله يخاف أن يعتقد وجوبه . وقيل : لئلّا يظهر من خشوعه خلاف الباطن . وخيّر جماعة منهم الأوزاعي بينه وبين الإرسال. (11) واختلف رواياتهم في صفته ، ففي بعضها : «وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى» (12) ، وفي بعضها: «إن شاء أمسك بالكفّ وبالرسغ» (13) . واختار بعض مشايخهم أن تكون السبّابة والوسطى ممتدّتين على الذراع ، واختلفوا في محلّ وضعهما، فقيل : على الصدر ، وقيل : على النحر . وقال مالك : فوق السرّة ، وقيل : تحتها، وقيل : ليس لوضعها محلّ معروف (14) . انتهى. وقد ورد ذكرها من طرق العامّة أيضاً إلّا أنّهم أوّلوه بمعنى آخر ، ففي نهاية ابن الأثير : التكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه ، ومنه حديث أبي معشر : أنّه كان يكره التكفير في الصلاة ، وهو الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع . انتهى. (15) وأوّله طائفة من فقهائهم بضمّ اليدين ووضعها في حال الركوع بين الركبتين . وواضعه عمر بن الخطّاب في عهده حيث ما رأى علجا فعل ذلك عنده لتعظيمه ، فاستحسنه وابتدعه في الصلاة لتعظيم الربّ تعالى شأنه. (16) وتفسير السكر بسكر النوم يدلّ على استحباب النوم قبل الصلاة إذا غلبه ، وذلك في السعة ، وقد ورد ذلك في طرق العامّة . قال طاب ثراه : روى مسلم بإسناده عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتّى يذهب عنه النوم ، فإنّ أحدكم إذا صلّى وهو ناعس لعلّه يذهب ليستغفر فيسبّ نفسه» (17) . ولا اختصاص لذلك بالصلاة ، بل جار في تلاوة القرآن وغيرها من العبادات اللسانيّة؛ للاشتراك في العلّة. وعن أبي هريرة أنّه قال [قال] رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدرِ ما يقول فليضطجع» (18) . وقيل : المراد بقوله «استعجم» : «أنّه استغلق ولم ينطق به بلسانه ؛ لغلبة النعاس ، فلابدّ له من أن يترك ويضطجع ؛ لئلّا تبدّل القرآن» (19) . قوله في مرسلة الحسن بن أبي الحسن الفارسى : (إنّ اللّه تعالى كره لكم أيّتها الاُمّة أربعاً وعشرين خصلة) . [ح 2 / 4919] روى الصدوق في الخصال عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه عزّ وجلّ كره لكم أيّتها الاُمّة أربعاً وعشرين خصلة ، ونهاكم عنها: كره لكم العبث في الصلاة ، وكره المنّ في الصدقة ، وكره الضحك بين القبور ، وكره التطلّع في الدور ، وكره النظر إلى فروج النساء وقال : يورث العمى ، وكره الكلام عند الجماع وقال : يورث الخرس يعني في الولد _ ، وكره النوم قبل العشاء الآخرة ، وكره الحديث بعد العشاء الآخرة ، وكره الغسل تحت السماء بغير مئزر ، وكره المجامعة تحت السماء ، وكره دخول الأنهار إلّا بمئزر ، وقال : في الأنهار عمّار وسكّان من الملائكة ، وكره دخول الحمّامات إلّا بمئزر ، وكره الكلام بين الأذان والإقامة في الصلاة الغداة حتّى تنقضى الصلاة، وكره ركوب البحر [في هيجانه] ، وكره النوم فوق سطح ليس بمحجّر وقال : من نام على سطح ليس بمحجّر فقد برئت منه الذمّة ، وكره أن ينام الرجل في بيت وحده ، وكره للرجل أن يغشى امرأته وهي حائض ، فإن غشاها فخرج الرجل مجذوماً أو أبرص فلا يلومنّ إلّا نفسه ، وكره أن يغشى الرجل امرأته وقد احتلم حتّى يغتسل من احتلامه الّذي رأى ، فإن فعل فخرج الرجل مجنوناً فلا يلومنّ إلّا نفسه ، وكره أن يكلّم مجذوماً إلّا أن يكون بينه وبين المجذوم قدر ذراع ، وقال : فرّ من المجذوم كفرارك (20) من الأسد ، وكره البول على شطّ نهر جار ، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة وقد أينعت يعني أثمرت _ وكره أن يتنعّل الرجل وهو قائم ، وكره أن يدخل الرجل البيت المظلم إلّا أن يكون بين يديه نار ، وكره النفخ في الصلاة.» (21) قوله في الحسنة الثانية عن حريز ، عن زرارة : (قال : إذا استقبلت بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة) ، [ح 6 / 4923 ]أي إذا دخلت في الصلاة المفروضة ؛ بقرينة قوله عليه السلام : «فإنّ اللّه تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه و آله في الفريضة «فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (22) » والإنصراف عن القبلة إمّا بكلّ البدن أو بالوجه ، وكلّ منهما إمّا يسير ، وهو أن لا يبلغ حدّ اليمين واليسار ، وإمّا كثير ، وهو أن يبلغ الاستدبار ، وإمّا متوسّط ، وهو أن يبلغ اليمين واليسار. وقد صرّح بعض أصحابنا : أنّ الانصراف بكلّ البدن مبطل مطلقاً ولم ينقل خلافاً فيه ، منهم الشيخ عليّ في شرح القواعد (23) ، ولهم أدلّة وظواهر ليس هذا موضع ذكرها. وأمّا الانصراف بالوجه فظاهر هذا الخبر أنّه أيضاً كذلك ، وكذا ظاهر خبر الحلبي الآتي في باب ما يقطع الصلاة عن أبي عبد اللّه عليه السلام من قوله : «وإن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (24) . وظاهر خبر أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام : «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد [الصلاة] (25) »، لكن الأظهر تخصيصه بإخراج اليسير والمتوسّط ؛ لأنّ اليسير لم يقل أحد من الأصحاب بإبطاله ، وكذا المتوسّط إلّا قليل منهم فخر المحقّقين ، والأكثر على أنّه مكروه . وممّا يدلّ على ذلك مؤيّدا بما ذكرنا صحيحة عليّ بن جعفر في زيادات التهذيبعن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته ، فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء ، هل يصلح أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال : «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس ، وإن كان في مؤخّره فلا يلتفت ، فإنّه لا يصلح» (26) ، فإنّ قوله : «لا يصلح» لا يصلح أن يكون محمولاً على الكراهة ؛ لثبوتها في الجانبين أيضاً بالاتّفاق ، بل هو محمول على التحريم . وحسنة الحلبي المذكورة في باب ما يقطع الصلاة عن أبي عبد اللّه عليه السلام من قوله : «فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً» (27) ، فإنّ ظاهر التفاحش الاستدبار. وأمّا رفع النظر إلى السماء فمكروه اتّفاقاً ، فينبغي حمل النهي الوارد فيه على الكراهة . وقال طاب ثراه: قد ورد مثله من طرق العامّة ، روى مسلم بإسناده عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لينتهينّ أقوام يرفعون أبصارهم إلى السّماء في الصلاة» (28) . وفي خبر آخر: «لينتهينّ أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء» (29) . وقال بعضهم : إذا رفعه للاعتبار فلا بأس ، وهو تحكّم ؛ لعدم دلالة أثر عليه.
.
ص: 493
. .
ص: 494
. .
ص: 495
. .
ص: 496
. .
ص: 497
. .
ص: 498
باب البكاء والدعاء في الصلاةالبكاء لأمر اُخروي من أفضل العبادات لاسيّما في الصلاة ؛ لما رواه المصنّف عن بيّاع السابري (1) ، وما رواه الشيخ في الاستبصار عن النعمان ، عن عبد السلام ، عن أبي حنيفة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصلاة ، أيقطع الصلاة؟ قال : «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميّتاً فصلاته فاسدة» (2) . وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس بزرج أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي ، قال : «قرّة عين واللّه ». وقال : «إذا كان ذلك فاذكرني عنده» (3) . ويؤيّدها عموم البكاء فيما وصّى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «كثرة البكاء للّه يبني لك بكلّ دمعة ألف بيت في الجنّة» (4) . وما روي من أنّه : «ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا البكاء من خشية اللّه عزّ وجلّ ، فإنّ القطرة منه تطفئ بحارا من النيران ، ولو أنّ باكياً بكى في اُمّة لرحموا ، وكلّ عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث أعين : عين بكت من خشية اللّه ، وعين غضّت عن محارم اللّه ، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه » (5) . وأمّا البكاء للاُمور الدنيويّة فهو مكروه مطلقاً خصوصاً في الصلاة ، بل قد يحرم فيها وذلك إذا اشتمل على صوت وعويل ، بل قالوا : إنّه حينئذٍ يفسد الصلاة . واستدلّ عليه بأنّه فعل خارج عن الصلاة فيكون قاطعاً كالكلام ، وظاهر خبر أبي حنيفة المتقدّم بطلان الصلاة به مطلقاً وإن لم يشتمل على صوت وعويل . ولكن الخبر ضعيف ؛ لاشتماله على عدّة من الضعفاء . وحمل المشتمل منه على الصوت على الكلام قياس محض ، فالأظهر الكراهة مطلقاً ؛ حملاً للرواية عليها. وأمّا الدعاء فيجوز ، بل يستحبّ في الصلاة . واحتجّ عليه السيّد المرتضى في الانتصار (6) بإجماع الطائفة ، وبعموم الأمر في قوله سبحانه: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَ_نَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» (7) . وقوله تعالى: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (8) . و يدلّ عليه خصوص أكثر ما رواه المصنّف في الباب . ويتأكّد عند تلاوة آية رحمة سؤالها وعند قراءة آية غضب الاستعاذة منه ؛ لخبر سماعة في مرسلة البرقي: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو ذكر النار سأل اللّه الجنّة وتعوّذ باللّه من النار». (9) ويستحبّ ذلك للمأموم أيضاً عند سماع الآيتين من الإمام ؛ لحسنة الحلبي (10) . ويظهر من الانتصار وفاق غير مالك من العامّة على عدم جوازه، حيث قال : وممّا يظنّ انفراد الإماميّة به وهو مذهب مالك عدم جواز الدعاء في الصلاة المكتوبة أين شاء المصلّى منها ، وحكى ابن وهب عن مالك أنّه قال : لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في أوّلها وأوسطها وآخرها (11) ، وقال ابن القاسم : كان مالك يكره الدعاء في الركوع ولا يرى به بأساً في السجود (12) . انتهى (13) . ويجوز الدعاء بغير العربية من اللغات أيضاً فيها ؛ لعموم قوله عليه السلام : «كلّما كلّمت اللّه به في الصلاة الفريضة فلا بأس» (14) ، فإنّه كما شمل المطالب يشمل اللغات أيضاً ، ومثله قول أبي جعفر الثاني عليه السلام : «لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجى ربّه عزّ وجلّ». (15) وبه قال الصدوق في الفقيه ، واحتجّ عليه بهذا الخبر ، ثمّ قال : ولو لم يرد هذا الخبر لكنت اُجيزه بالخبر الّذي روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (16) ، والنهي عن الدعاء بالفارسيّة غير موجود . وحكاه عن شيخه محمّد بن حسن الصفّار ، ونقل عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن سعد بن عبد اللّه أنّه كان يقول : «لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة» (17) . وفي المنتهى : «ولا نعرف حجّة سعد في ذلك» (18) .
.
ص: 499
. .
ص: 500
. .
ص: 501
باب بدو الأذان والإقامة وفضلهما وثوابهماالأذان لغةً : الإعلام (1) ، قال تعالى شأنه: «وَأَذَ انٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ» . (2) وشرعاً : أذكار مخصوصة شرّعت للإعلام بأوقات الصلاة الخمس اليوميّة ، وقد يكون الغرض منه اجتماع الناس لها كأذان الجماعة ، وربما يكون لمجرّد الذكر وإعظام الصلاة ، ومنه أذان المنفرد والقاضي ، وكلّ ذلك يستفاد من الأخبار الّتي تأتي متفرّقة. والإقامة في الأصل مصدر أقام بالمكان ، إذا ثوى به . وأقام الشيء ، إذا أدامه . ومنه قوله سبحانه: «يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ» (3) . ونقل شرعاً إلى أذكار معهودة عند القيام إلى تلك الصلاة ؛ لإعظامها. (4) واختلف أهل العلم في مبدأ وضعهما، فذهب الأصحاب إلى أنّهما إنّما ثبتا بوحي إلهي وتعليم نبوى، خلافاً لأهل الخلاف حيث زعموا أنّهما ثبتا برؤيا عبد اللّه بن زيد الأنصاري، وربّما نسبوا تلك الرؤيا إلى اُبي بن كعب وعمر بن الخطّاب أيضاً، فقد حكى السيّد المرتضى في الناصريّات: أنّ عبد اللّه بن زيد الأنصاري (5) كان بين النائم واليقظان إذ أتاه آت وعليه ثوبان أخضران ، فقام على جذم الحائط (6) فقال : اللّه أكبر اللّه أكبر، إلى قوله: قال عبد اللّه : ثمّ مكث هنيئة فأقام مثل ذلك ، إلّا أنّه زاد في آخره: قد قامت الصلاة. فأتى عبد اللّه النبيّ صلى الله عليه و آله فأخبره بذلك فقال له: «لقّنها بلالاً». (7) ونقل طاب ثراه عن أبيّ عبد اللّه الآبي أنّه قال : لمّا بنى رسول اللّه صلى الله عليه و آله المسجد وكانت الصحابة يتحيّنون الصلاة (8) ، أي يقدّرون حينا يأتون فيه للصلاة ، وصار ضبط الوقت مشكلاً عليهم ، شاورهم صلى الله عليه و آله فيما يجعل علماً على الوقت، فذكروا أشياء ، يعني النار والبوق والناقوس. فقال بعضهم: النار والبوق شعار اليهود، والناقوس شعار النصارى ، فإن اتّخذنا أحدها التبس أوقاتنا وأوقاتهم. فقال عبد اللّه بن زيد: إنّي رأيت الأذان في المنام. ثمّ قال : وفي مراسيل أبي داود : أنّ عمر رأى مثل ذلك فقال : والّذي بعثك بالحقّ ، لقد رأيت مثل الّذي [رأى]. (9) وقد قيل : إنّ اُبي بن كعب قال : إنّي رأيته في النوم، فعند ذلك قال عمر لمّا رأى قبول الرؤيا: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بألفاظ الأذان؟ فقال صلى الله عليه و آله قم يا بلال وناد بالصلاة. (10) وحكى العلّامة في المنتهى عن عبد اللّه بن زيد أنّه قال : لمّا أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالناقوس ليجمع به الناس طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت: يا عبد اللّه ، أتبيع الناقوس؟ فقال : وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة. فقال : ألا أدلّك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى. قال : تقول : اللّه أكبر ، إلى آخر الأذان. ثمّ استأخر غير بعيد ، ثمّ قال : تقول : إذا قمت إلى الصلاة : اللّه أكبر ، إلى آخر الإقامة، فلمّا أصبحت أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبرته بما رأيت ، فقال : «إنّها رؤيا حقّ إن شاء اللّه ، فقم مع بلال ، فألق عليه ما رأيت ، فليؤذّن به ، فإنّه أندى (11) صوتاً منك ، فقمت مع بلال ، فجعلت ألقي عليه ويؤذّن ، فسمع ذلك عمر بن الخطّاب وهو في بيته ، فخرج يجرّ رداءه ، فقال : يا رسول اللّه ، والّذي بعثك بالحقّ لقد رأيت مثل الّذي رأى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلله الحمد.» (12) ونقل عن بعض الأصحاب الإجماع على لعن من ادّعى أنّ ثبوت الأذان بالرؤيا. وعن ابن أبي عقيل أنّه قال : أجمعت الشيعة على أنّ الصّادق عليه السلام لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخذ الأذان عن عبد اللّه بن زيد. (13) وعن كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهم : «أنّه سئل عن قول الناس في الأذان . إنّ السبب فيه رؤيا عبد اللّه بن زيد، فأخبر النبيّ صلى الله عليه و آله فأمر بالأذان. فقال : «الوحي ينزل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد اللّه بن زيد؟! والأذان وجه دينكم»، وغضب وقال : «بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : أهبط اللّه عزّ وجلّ ملكاً حتّى عرج برسول اللّه صلى الله عليه و آله »، وساق الحديث ، إلى أن قال : «فبعث اللّه ملكاً لم يُر في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده ، فأذّن مثنى ، وأقام مثني ، ثمّ قال : جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى الله عليه و آله : يا محمّد ، هكذا أذّن للصلاة». (14) وفي العلل في الصحيح عن أبي الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمّد بن النعمان الأحول وعمر بن اُذينة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّهم حضروه ، فقال : «يا عمر بن اُذينة ، ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم؟» فقلت: جعلت فداك ، إنّهم يقولون : إنّ اُبي بن كعب الأنصاري رآه في النوم. فقال : «كذبوا واللّه ، إنّ دين اللّه عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم»، الخبر. (15) وقد اعترف عبد اللّه بن زيد بأنّ الأذان كان بتعليم الرسول صلى الله عليه و آله على ما روي من طريقهم أنّه قال : علّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً الأذان والتكبير في أوّله أربع مرّات. (16) والّذي يظهر من أخبار أهل البيت عليهم السلام أنّهما شرّعا في المعراج ، فقد عرفت خبر دعائم الإسلام . ويدلّ أيضاً عليه حسنة عمر بن اُذينة ، وما يرويه المصنّف في باب النوادر في الحسن عن عمر بن اُذينة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث طويل (17) . وقد رواه الصدوق في العلل (18) في الصحيح الّذي ذكرنا صدره . وما يرويه في كتاب الروضة عن أبي الربيع الشامي ، قال : حججت مع أبي جعفر عليه السلام في السنة الّتي كان حجّ فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع: يا أمير المؤمنين ، مَن هذا الّذي قد تداكّ الناس عليه؟ فقال : هذا نبيّ أهل الكوفة ، هذا محمّد بن عليّ. فقال : أشهد لآتينّه ولأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ. قال : فاذهب إليه واسأله لعلّك تخجله، فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ، ثمّ أشرف على أبي جعفر عليه السلام فقال : يا محمّد بن عليّ ، إنّي قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ. قال فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال : «سل عمّا بدا لك». فقال : أخبرني كم بين عيسى وبين محمّد صلى الله عليه و آله من سنة؟ قال : «أخبرك بقولي أو بقولك؟». قال : أخبرني بالقولين جميعاً. فقال : أمّا في قولي فخمسمئة سنة، وأمّا في قولك فستمئة سنة». قال : فأخبرني عن قول اللّه تعالى لنبيّه: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَ_نِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ » (19) مَن الّذي سأله؟ وكان بينه وبين عيسى خمسمئة سنة؟ قال : فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية: «سُبْحَ_نَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِى بَ_رَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَ_تِنَآ» (20) ، فكان من الآيات الّتي أراها اللّه تعالى محمّدا صلى الله عليه و آله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر اللّه تعالى الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ أمر جبرئيل عليه السلام فأذّن شفعاً وأقام شفعاً ، وقال في أذانه : حيّ على خير العمل ، ثمّ تقدّم محمّد صلى الله عليه و آله فصلّى بالقوم ، فلمّا انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا له نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، وأنّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا». فقال نافع: صدقت يابا جعفر. الحديث. (21) وروي عن عليّ بن السندي ، عن ابن أبي عمير ، عن زرارة والفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل عليه السلام وأقام ، فتقدّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله » [وصّف الملائكة والنبيّون خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ]. قال : فقلنا له: كيف أذّن؟ فقال : «اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه . والإقامة مثلها إلّا أنّ فيها: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة بين حيّ على خير العمل وبين اللّه أكبر، فأمر بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً فلم يزل يؤذّن بها حتّى قبض اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ». (22) وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «لمّا اُسري برسول اللّه صلى الله عليه و آله حضرت الصلاة ، فأذّن جبرئيل عليه السلام فلمّا قال : اللّه أكبر قالت الملائكة: اللّه أكبر اللّه أكبر ، فلمّا قال صلى الله عليه و آله : أشهد أن لا إله إلّا اللّه قالت الملائكة : خلع الأنداد، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه قالت الملائكة: [نبيّ] بعث ، فلمّا قال : حيّ على الصلاة قالت الملائكة: حثّ على عبادة ربّه ، فلمّا قال : حيّ على الفلاح قالت الملائكة: أفلح من اتّبعه». (23) وفي كتاب العلل عن أبي الصلت الهروي ، عن الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لمّا عرج بي إلى السّماء أذّن جبرئيل عليه السلام مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى» ، الحديث. (24) وعن ابن طاوس أنّه نقل عن تفسير محمّد بن عبّاس بن مروان (25) : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله في حديث المعراج قال : «ثمّ قام جبرئيل عليه السلام فوضع سبّابته اليمنى في اُذنه اليمنى ، فأذّن مثنى مثنى حتّى إذا قضى أذانه أقام مثنى مثنى» (26) . ثمّ نزل الوحي بهما في هذا العالم كما يدلّ عليه حسنة منصور بن حازم. (27) وأمّا فضلهما فدلّت عليه الأخبار من الطريقين ، فمن طريق العامّة منها ما نقلوه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «المؤذّنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة» (28) . وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأوّلون والآخرون : رجل نادى بالصلاة الخمس في كلّ يوم وليلة ، ورجل يؤمّ قوماً وهم به راضون ، وعبد أدّى حقّ اللّه وحقّ مواليه». (29) وما رواه مسلم في صحيحه عن طلحة بن يحيى ، عن عمّه ، قال : كنت عند معاوية بن أبي سفيان فجاءه المؤذّنون يدعوه إلى الصلاة ، فقال معاوية: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : [المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» . (30) عن جابر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول :] «إنّ الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتّى يكون مكان الروحاء». قال سليمان : فسألته عن الروحاء ، فقال : هي من المدينة ستّة وثلاثون ميلاً. (31) ومن طريق الأصحاب ، منها : ما رواه المصنّف من حسنة الحلبي (32) ، وهو يحيى على ما صرّح به في التهذيب (33) ، وقد رواه فيه بسندٍ صحيح عن محمّد بن مسلم عنه عليه السلام إلّا أنّه ذكر : «صفّ واحد» بدلاً عن «صفّ من الملائكة» في السندين جميعاً . (34) ومرسلة ابن أبي نجران (35) ، وخبرى محمّد بن مروان (36) وعبد اللّه بن سنان (37) ، ورواية هشام بن إبراهيم (38) ، وخبر سليمان الجعفري (39) . وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من أذّن في مصر من أمصار المسلمين [سنة] وجبت له الجنّة». (40) وعن سعد الأسكاف ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «من أذّن سبع سنين احتساباً جاء يوم القيامة ولا ذنب له». (41) وعن عيسى بن عبد اللّه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للمؤذّن فيما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحّط بدمّه في سبيل اللّه . قال : قلت يا رسول اللّه ، إنّهم يجتلدون على الأذان، قال : كلّا إنّه سيأتي زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم ، وتلك لحوم حرّمها اللّه على النار». (42) وعن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مَن أذّن عشر سنين محتسباً يغفر اللّه له مدّ بصره وصوته في السّماء ، ويصدّقه كلّ رطب ويابس سمعه ، وله بكلّ من يصلّي بصوته حسنة». (43) وعن سليمان بن جعفر ، عن أبيه ، قال : دخل رجل من أهل الشام على أبي عبد اللّه عليه السلام قال له: «إنّ أوّل من دخل الجنّة بلال». قال : ولم؟ قال : «لأنّه كان أوّل من أذّن». (44) وما رواه في المنتهى عن سلمان الفارسي أنّه قال : إذا كان الرجل بأرض قي (45) فأقام الصلاة صلّى خلفه ملكا[ن] ، فإذا أذّن وأقام صلّى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه ، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده ، ويؤمّنون على دعائه. (46) وما رواه الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة لا يُرى طرفاهما، ومن صلّى بإقامة صلّى خلفه ملك». (47) وعن العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال : «من أذّن وأقام صلّى وراءه صفّان من الملائكة ، وإن أقام بغير أذان صلّى عن يمينه واحد وعن شماله واحد». ثمّ قال : «اغتنم الصفّين». (48) وقال : وروي: «من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلّى بإقامة بغير أذان صلّى خلفه صفّ واحد من الملائكة ، والصفّ ما بين المشرق والمغرب». (49) وعن عبد اللّه بن عليّ ، قال : حملت متاعى من البصرة إلى مصر فقدمتها ، فبينا أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طوال شديد الأدمة (50) ، أبيض الرأس واللحية ، عليه طمران (51) أسود والآخر أبيض ، قلت: من هذا؟ قالوا: بلال مولى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخذت ألواحي (52) فأتيته ، فسلّمت عليه ، فقلت: السلام عليك أيّها الشيخ. فقال : [و] عليك السلام يرحمك اللّه . قلت: حدّثني بما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : وما يدريك من أنا؟ فقلت: أنت بلال مؤذّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . قال : فبكى وبكيت حتّى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي. قال : ثمّ قال : يا غلام من أيّ البلاد أنت؟ قلت من أهل العراق. قال : بخ بخ، فمكث ساعة (53) ، ثمّ قال : اكتب يا أخا أهل العراق: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «المؤذّنون اُمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم ، لا يسألون اللّه [عزّوجلّ] شيئاً إلّا أعطاهم ، ولا يشفعون في شيء إلّا شفّعوا». قلت: زدني رحمك اللّه . (54) قال : اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن أربعين عاماً [محتسبا] بعثه اللّه يوم القيامة آمناً وله عمل أربعين صدّيقاً عملاً مبرورا متقبّلاً». قلت: زدني رحمك اللّه . قال : اكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن عشرين عاماً بعثه اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء». (55) قلت: زدني يرحمك اللّه . قال : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن عشر سنين أسكنه اللّه عزّ وجلّ مع إبراهيم [الخليل] عليه السلام في قبّته أو في درجته _». قلت: زدني رحمك اللّه . (56) قال : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن سنة واحدة بعثه اللّه يوم القيامة وقد غفرت ذنوبه كلّها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد». قلت: زدني رحمك اللّه . (57) قال : نعم فاحفظ واعمل واحتسب ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «من أذّن في سبيل اللّه صلاةً واحدة إيماناً واحتساباً وتقرّباً إلى اللّه عزّ وجلّ غفر اللّه ما سلف من ذنوبه ، ومنّ عليه بالعصمة فيما بقي من عمره ، وجمع بينه وبين الشهداء في الجنّة». قلت: زدني رحمك اللّه [حدّثني] بأحسن ما سمعت. قال : ويحك يا غلام ، قطّعت أنياط (58) قلبي ، وبكى وبكيت حتّى أنّي واللّه لرحمته ، ثمّ قال : اكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم ، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه عزّ وجلّ الناس في صعيد واحد بعث اللّه عزّ وجلّ إلى المؤذّنين بملائكة من نور ، معهم ألوية وأعلام من نور ، يقودون جنائب (59) ، أزمّتها (60) زبرجد أخضر ، وحقائبها (61) المسك الأذفر ، يركبها المؤذّنون ، فيقومون عليها قياماً ، يقودهم الملائكة ينادون بأعلى صوتهم بالأذان». ثمّ بكى بكاءً شديدا حتّى انتحب (62) وبكيت ، فلمّا سكت قلت : ممّ بكاؤك؟ قال : ذكّرتني أشياء سمعت حبيبي وصفيّي عليه السلام يقول : «والذي بعثني بالحق نبيّا ، إنّهم ليمرّون على الخلق قياماً على النجائب ، فيقولون : اللّه أكبر اللّه أكبر ، فإذا قالوا ذلك سمعت لاُمّتي ضجيجاً» ، فسأله اُسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟ قال : «التسبيح والتحميد والتهليل ، فإذا قالوا أشهد أن لا إله إلّا اللّه قالت اُمّتي : إيّاك نعبد (63) في الدنيا ، فيقال لهم (64) : صدقتم . فإذا قالوا : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه قالت اُمّتي : هذا الّذي أتانا برسالة ربّنا جلّ جلاله وآمنّا به ولم نره . فيقال : لهم صدقتم ، هذا الّذي أدّى إليكم الرسالة من ربّكم وكنتم به مؤمنين ، فحقيق على اللّه أن يجمع بينكم وبين نبيّكم ، فينتهى بهم إلى منازلهم ، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ». ثمّ نظر إليّ فقال : إن استطعت ولا قوّة إلّا باللّه أن لا تموت إلّا مؤذّناً فافعل. الحديث في صفة الجنّة. (65) قوله في خبر إسماعيل الجعفي : (الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً) إلخ . [ح 3 / 4934] هو موثّق ليس بصحيح بأبان بن عثمان (66) ، وربّما ظنّ ضعفه بمحمّد بن عيسى عن يونس (67) ، وقد سبق جوابه . والمراد بالحرف الكلمة ، وعدّ الأذان ثمانية عشر حرفاً مبنيّ على زيادة التكبير مرّتين على المرّتين المزبورتين فيما سبق . وقد وقع التصريح بذلك في خبر حريز ، عن زرارة (68) ، وخبر إسحاق بن عمّار عن المعلّى بن خنيس ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يؤذّن فقال : «اللّه أكبر أللّه أكبر اللّه أكبر أللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه » (69) . وما رواه الصدوق في الفقيه عن الفضل بن شاذان من العلل عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «إنّما اُمر الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيرا للناس ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، ويكون المؤذّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق ومرغّباً فيها ، مقرّا له بالتوحيد ، مجاهرا بالإيمان ، معلناً بالإسلام ، مؤذّناً لمن ينساها ، وإنّما يقال له مؤذّن لأنّه يؤذن بالصلاة ، وإنّما بدأ [فيه] بالتكبير وختم بالتهليل ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه ، واسم اللّه في التكبير في أوّل الحرف ، وفي التهليل في آخره ، وإنّما جعل مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين مؤكّدا عليهم ، إن سها عن الأوّل لم يسه عن الثاني؛ ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان ، فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً ؛ لأنّ الأذان إنّما يبدو غفلة ليس من قبله كلام ينبّه المستمع له ، فجعل الأوّلتان تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الأذان ، وجعل بعد التكبير الشهادتان لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد، والإقرار للّه تعالى بالوحدانيّة ، والثاني الإقرار للرسول صلى الله عليه و آله بالرسالة وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ؛ ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتين شهادتين ، كما جعل في سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ للّه عزّ وجلّ بالوحدانيّة وأقرّ للرسول صلى الله عليه و آله بالرسالة فقد أقرّ بجملة الإيمان ؛ لأنّ أصل الإيمان ؛ إنّما هو [الإقرار] باللّه وبرسوله ، وإنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ، ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما هو فتح باسمه». (70) وما رواه العامّة عن عبد اللّه بن زيد ، قال : علّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً الأذان والتكبير في أوّله أربع مرّات (71) ، وقد تقدّم . وعدّ الإقامة سبعة عشر حرفاً بناه على نقص تهليل من آخرها عمّا سبق ، وقوله مرّة واحدة. ويؤيّده ما دلّ على توحيد التهليل في آخرها ظاهرا من صحيحة معاذ بن كثير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتمّ بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان ، فخشى إن هو أذّن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، اللّه أكبر اللّه أكبر ، لا إله إلّا اللّه ، وليدخل في الصلاة» . (72) وهذه الطريقة فيهما هو المشهور بين الأصحاب لا سيّما المتأخّرين منهم ، ونسبت في الناصريات (73) والمنتهى (74) إلى علمائنا وإجماعهم ، وقد أجمعوا على تثنية باقي فصولهما. وقال الشيخ في النهاية مشيرا إلى الخبر المذكور في العنوان: هذا هو المعمول عليه (75) ، وقد نقل ذلك عن فقه الرضا عليه السلام لكن مع تربيع التكبير في أوّل الإقامة أيضاً (76) . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «التهليل في آخر الإقامة مرّة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد أذان، فإن كان قد أتى بها بغير أذان ثنّاه» . (77) والظاهر أنّه أراد بالأذان أذاناً يربّع التكبير في أوّله ، وأنّه بذلك جمع بين خبر الجعفي (78) وما دلّ على أنّ الإقامة مثنى مثنى. ومن الأخبار ما دلّ على تربيع التكبير في أوّل الأذان والإقامة وتثنية التهليل في آخرهما جميعاً ، رواه الشيخ والصدوق عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه حكى لهما الأذان ، فقال : «اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه ». والإقامة كذلك. (79) فبضميمة قد قامت الصلاة مرّتين المعتبرة فيها إجماعاً تصير فصول الإقامة عشرين ، ومع الأذان ثمانية وثلاثين فصلاً . ونسبه الشيخ في المبسوط إلى بعض علمائنا من غير أن يعيّن قائله . (80) وعلى المشهور حمل التشبيه فيه على مشاركتهما في أكثر الفصول . ويؤيّده اعتبار قد قامت الصلاة مرّتين في المشبّه ، وهو غير مذكور فيه . ومنها ما دلّ على تثنية الفصول كلّها في الأذان والإقامة جميعاً ، ففي صحيحة أبي همّام الآتية عن قريب: «الأذان والإقامة مثنى مثنى» . (81) وفي صحيحة صفوان بن مهران ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى» ، الحديث (82) وسيأتي تتمّته ، بل أصل وضعه على ذلك على ما ظهر من أحاديث المعراج. ومنها: ما دلّ على تثنيتها كلّها في الأذان وتوحيدها في الإقامه ، ففي الصحيح عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة واحدة» ، (83) ولعلّه ورد تقيّة ؛ لموافقته لمذهب بعض العامّة ، أو في حال الضرورة ، أو عذر ، ولا يبعد الجمع بتخصيصه بما إذا أذّن معها لصحيحة أبي همّام ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى»، وقال : «إذا أقام مثنى مثنى ولم يؤذّن أجزأ في الصلاة المكتوبة ، ومن أقام الصلاة واحدة واحدة ولم يؤذّن لم يجزه إلّا بأذان». (84) ومنها: ما يفهم منه جواز توحيد فصولهما ، رواه يزيد (85) مولى الحكم ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لئن أقمتم مثنى مثنى أحبّ إليّ من أن اُؤذّن واحدة واحدة». (86) ومنها : ما دلّ على توحيد أكثر فصول الإقامة ، رواه الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الإقامة مرّة مرّة ، إلّا قوله اللّه أكبر فإنّه مرّتان» (87) ، وحمله على التقيّة ، وعلى ما إذا كان المصلّى مستعجلاً . وأيّد الباقي بما دلّ على جواز ذلك في الأذان حال الاستعجال من صحيحة أبي عبيدة الحذّاء ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له: لِمَ تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : «لا بأس به إذا كنت مستعجلاً». (88) ومنها: [ما دلّ] على تثنية فصولهما ، لكن بتوحيد التهليل في آخر الإقامة ، فقد نقل عن كتاب دعائم الإسلام أنّه روى فيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة، تقول : لا إله إلّا اللّه مرّة واحدة» . (89) وقال الشيخ في النهاية بعدما أفتى بالقول المشهور _ : وقد روي سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات ، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً ، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلاً. فأمّا من روى سبعة وثلاثين فصلاً [فإنّه يقول في أوّل الإقامة أربع مرّات اللّه اكبر ، ويقول في الباقى كما قدّمناه ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلاً] يضيف إلى ما قدّمناه من قول لا إله إلّا اللّه مرّة اُخرى في آخر الإقامة ، ومن روى اثنين وأربعين فصلاً فإنّه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرّات ، وفي أوّل الإقامة أربع مرّات ، وفي آخرها أيضاً مثل ذلك أربع مرّات ، ويقول : لا إله إلّا اللّه مرّتين في آخر الإقامة . ثمّ قال : «فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً» . (90) ونقل ذلك عن المحقّق (91) والشهيد أيضاً . أقول : قد ظهر من أحاديث المعراج أنّهما كانا موضوعين مثنى مثنى . ويدلّ أيضاً على تثنية فصولهما صحيحا أبي همام وصفوان المتقدّمين . وفي خصوص الأذان صحيحة عبد اللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان فقال : «تقول : اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه لا إله إلّا اللّه ». (92) ويؤيّدها ما روي في الفقيه أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله امتنع بلال من الأذان ، وقال : لا اُؤذّن لأحد بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ فاطمة عليهاالسلامقالت ذات يوم: «إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي عليه السلام بالأذان» ، فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان ، فلمّا قال : اللّه أكبر اللّه أكبر ذكرت أباها عليه السلام وأيّامه ، فلم تتمالك من البكاء ، فلمّا بلغ إلى قوله : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه شهقت فاطمة شهقة وسقطت لوجهها وغشي عليها، فقال الناس لبلال : أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله الدنيا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ، فقطع أذانه ولم يتمّه ، فأفاقت فاطمة عليهاالسلاموسألته أن يتمّ الأذان فلم يفعل ، وقال : يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان ، فأعفته عن ذلك. (93) بل دلّ خبر ابن أبي عمير [عن عمر بن أذينة] ، عن زرارة والفضيل المتقدّم (94) على أنّهما كانا مثنى مثنى حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فالظاهر رجحان هذه الطريقة . وحمل جماعة منهم بهاء الملة والدين هذه الأخبار على تثنية أغلب فصولهما (95) بناءً على ترجيحهم خبر إسماعيل الجعفي (96) ، وهو مع بعده لا يجري في صحيحة عبد اللّه بن سنان وأكثر أخبار المعراج. وأبعد منه ما ذكره الشيخ في التهذيب (97) والعلّامة في المنتهى (98) من أنّ المقصود منها إنّما كان تفهيم السائل كيفيّة التلفّظ لا تعريف العدد . هذا ، ويظهر من بعض الأخبار قصر فصولهما في السفر ، والظاهر أنّه من باب التخفيف ، رواه الشيخ عن القاسم بن عروة ، عن بريد (99) بن معاوية ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة واحدة». (100) وعن عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة» . (101) فإن قيل : تشبيهه بقصر الصلاة يؤذن بوجوبه. قلنا : التشبيه إنّما هو في كمّيّته لا في كيفيّته . وأيضاً يشعر بذلك تفسيره عليه السلام ذلك بقوله: «الأذان واحدا واحدا ، والإقامة واحدة واحدة». ويؤيّده لفظ الإجزاء في خبر نعمان الرازي ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر» (102) ، ولم أجد تصريحاً من الأصحاب بهذا التقصير. وفي بعض الأخبار ترك الأذان فيه ، وهو أيضاً لنفي تأكّد الاستحباب ، رواه محمّد بن مسلم والفضيل بن يسار في الموثّق عن أحدهما عليهماالسلام قال : «يجزيك إقامة في السفر» (103) ؛ بقرينة لفظ الإجزاء . وما روته العامّة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يؤذّن له في السفر والحضر . (104) وصرّح بذلك العلّامة في المنتهى حيث قال : «ورخّص للمسافر في ترك الأذان والاجتزاء بالإقامة ، وحكاه عن أهل العلم» (105) ، وعلّله أيضاً بأنّ السفر مظنّة المشقّة ، وخفّف فيه بعض الواجب فبعض النفل أولى . وظاهره ذلك في مطلق الصلوات ، ولا يبعد تخصيص الرخصة في المسألتين بالصلوات المقصورة ؛ للجمع بين ما ذكر وبين صحيحة صفوان بن مهران المتقدّم صدرها : «الأذان مثنى مثنى [والإقامة مثنى مثنى] ، ولابدّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر ؛ لأنّه لا يقصّر فيهما في حضر ولا سفر ، ويجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل» . (106) وخبر ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يجزيك في السفر إقامة واحدة ، إلّا الغداة والمغرب» . (107) وظاهر (108) التشبيه في خبرى بريد بن معاوية وعبد الرحمان بن أبي عبد اللّه المتقدّمين. واختلف العامّة في كمّيّة فصولهما ، ففي الوجيز : «الأذان مثنى [مثنى] والإقامة فرادى» . (109) وفي فتح العزيز : الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى ، إلّا أنّ المؤذّن كان يقول قد قامت الصلاة مرّتين ، وقولنا : الأذان مثنى مثنى ليس المراد أنّ جميع كلماته مثنّاة ، لأنّ كلمة لا إله إلّا اللّه في آخره لا يؤتى بها إلّا مرّة واحدة ، وكلمة التكبير يؤتى في أوّله أربع مرّات ، خلافاً لمالك حيث قال : لا يؤتى بالتكبير في أوّله إلّا مرّتين . لنا: أنّ أبا محذورة كذلك حكاه عن تلقين رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاه ، وكذلك هو في قصّة رؤيا عبد اللّه بن زيد في الأذان ، وهي مشهورة . وقولنا : الإقامة فرادى لا نعني به أنّ جميع كلماته موحّدة ، بل كلمة التكبير مثنّاه في الابتداء والانتهاء ، وكذلك كلمة الإقامة. هذا قوله في الجديد ، وفي القديم : لا يقولون (110) هذه الكلمات أيضاً إلّا مرّة واحدة ، وقال مالك : لما روي أنّه أمر بلالاً أن يشفّع الأذان ويوتر الإقامة . وحجّة الجديد ما قدّمناه من خبر ابن عمر ، ومنهم من يقتصر في حكاية القديم على إفراد كلمة الإقامة دون التكبير . وحكي عن محمّد بن إسحاق [بن خزيمة] من الشافعيّة أنّه قال : «إن رجّع في الأوّل ثنّى الإقامة ، وإلّا إفردها ؛ جمعاً بين الأخبار [في الباب] ». وذكر في التهذيب أنّه قول للشافعي ؛ لما روي عن أبي محذورة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله علّمه [الأذان] تسع عشر كلمة . هذا كلامه (111) . وسيأتي معنى الترجيع في الأذان . واعلم أنّه أجمع الأصحاب على وجوب حيّ على خير العمل في الأذان والإقامة في أصل وضعهما وعدم نسخه (112) ، وإنّما أسقطها الثاني معتذرا بأنّ الناس إذا سمعوا أنّ الصلاة خير الأعمال اشتغلوا بها ويدعوا الجهاد . وفي الذكرى : روي عن سهل بن حنيف وعبد اللّه بن عمر والباقر والصادق عليهماالسلام أنّهم كانوا يؤذّنون بحيّ على خير العمل . وفي حديث ابن عمر أنّه سمع أبا محذورة (113) ينادى بحيّ على خير العمل في أذانه عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وعليه شاهدنا آل الرسول صلى الله عليه و آله . وعليه العمل بطربستان واليمن والكوفة ونواحيها وبعض بغداد . وقال ابن أبي عبيد : إنّما أسقط حيّ على خير العمل مَن نهى عن المتعتين وعن بيع اُمّهات الأولاد خشية أن يتّكل الناس بزعمه على الصلاة ويدعوا الجهاد. (114) وفي الانتصار : «قد روت العامّة في ذلك ممّا كان يقال في بعض أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله ، وإنّما ادّعى أنّ ذلك نُسخ ورُفع ، وعلى من ادّعى ذلك الدلالة ، وما يجدها». (115) وكان ابن النّباح يقول في أذانه: حيّ على خير العمل ، فإذا رآه عليّ عليه السلام قال : مرحباً بالقائلين عدلاً و بالصلاة مرحبا وأهلاً. (116) وفي كتاب العلل عن محمّد بن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن حيّ على خير العمل لم تُركت من الأذان؟ فقال : «تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟» قال : أريدهما جميعاً. فقال : «أمّا العلّة الظاهرة فلئلّا يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة ، وأمّا الباطنة فلأنّ خير العمل الولاية ، فأراد من أمر بترك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثّ عليها ودعاء إليها». (117) وعن محمّد بن مروان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أتدري ما تفسير حيّ على خير العمل؟» قال : قلت: لا. قال : «دعاؤك إلى البرّ، أتدري برّ من؟» قلت: لا. قال : «دعاؤك إلى برّ فاطمة وولدها عليهم السلام ». (118) وهل تجوز شهادة الولاية فيهما بعد الشهادتين ؟ الظاهر ذلك إذا لم يقصد جزئيّتها منهما ؛ لأنّها من أركان الإيمان ، راجح ذكرها في جميع الأحوال حتّى في الصلاة . ولا دليل على المنع عنها فيما إذا لم يقصد هذه ، ولذا قال الشيخ في المبسوط: «لا يأثم بها»، ومثلها شهادة أنّ محمّدا وآله خير البريّة. (119) وقطع الشيخ في النهاية بتخطئة قائل الاُولى ساكتاً عن الثانية. (120) ونسبهما الصدوق في الفقيه إلى وضع المفوّضة ، فقد قال : المفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا وزادوا بها في الأذان : «محمّد وآل محمّد خير البريّة»، مرّتين . وفي بعض رواياتهم [بعد أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ] : «أشهد أنّ عليّاً وليّ اللّه » مرّتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : «أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً» مرّتين ، ولاشكّ في أنّ عليّاً وليّ اللّه وأنّه أمير المؤمنين حقّاً ، وأنّ محمّدا وآله صلوات اللّه عليهم خير البريّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ، وإنّما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض المدلّسون أنفسهم في جملتنا. (121) أقول : لا ريب فيما ذكره من أنّ هذه الأخبار موضوعة وأنّ واضعها ملعون ، وإنّما نجوّزها بقصد التبرّك ولا مانع منه ، إلّا إذا اشترط تتابع الفصول وتواليها ، ولا دليل عليه. قوله في صحيحة معاوية بن وهب : (قال : ما نعرفه) . [ح 6 / 4937] أجمع الأصحاب على أنّ التثويب والترجيع غير مسنونين في الأذان ، واختلفوا في جوازهما ، فالمشهور ذلك مع الكراهة ، وبه قال السيّد في الانتصار . (122) وظاهر الشيخ في النهاية (123) والخلاف (124) التحريم ، لكن في الخلاف اقتصر على ذكر التثويب ، وقد قال به السيّد أيضاً في الناصريّات ؛ محتجّاً بأنّ الأذان عبادة متلّقاة من الشارع ، فالزيادة عليها بدعة كالنقصان ، وكلّ بدعة حرام . (125) وهو ظاهر العلّامة أيضاً في المنتهى ، حيث قال : «التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع» ، (126) ونسبه إلى أكثر علمائنا وإلى الشافعي. (127) واحتجّ عليه بخلوّ أخبار الأذان الّتي عندنا ، وما روته العامّة عن عبد اللّه بن زيد في أصل وضع الأذان عنه (128) ، وحكى عن أكثر العامّة استحبابه محتجّين بما نقلوه عن أبي محذورة ، قال : قلت: يا رسول اللّه ، علّمني سنّة الأذان. فقال : قوله بعد حيّ على خير العمل: «فإن كان في صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم». (129) وأجاب عنه: بأنّ أبا محذورة ضعيف عند أهل الحديث منهم ، وقال : «والعجب أنّ أبا حنيفة لا يعمل بخبر الواحد فيما يعمّ به البلوى ، وعمل برواية أبي محذورة مع ما فيها من المطاعن ومعارضتها لروايات صحاح ». ونقل عن جماعة منهم إنكار هذه الرواية ، (130) ونسب بعض الأصحاب استحباب الترجيع أيضاً إلى أكثر العامّة . (131) واختلف في تفسيرهما ، فقال الشيخ في المبسوط: الترجيع بتكرير التكبير والشهادة في أوّل الأذان ، يعني قولهما زائدين على المقرّر. والتثويب يقول : الصلاة خير من النوم ، (132) وهذا التفسير منقول عن ابن حمزة . (133) وقال ابن إدريس : التثويب : تكرير الشهادتين دفعتين . (134) وفي المنتهى : قول : الصلاة خير من النوم ، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وفي الاُخرى : أنّه قول المؤذّن بين أذان الفجر وإقامته حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح مثنى مثنى . (135) وحكى في الخلاف عن بعض أصحابه أنّه قول المؤذّن بعد الأذان : حيّ على الفلاح . (136) ويظهر من الخلاف أنّ أصل وضع التثويب عندهم كان على قول الصلاة خير من النوم مرّتين فيما بين الأذان والإقامة (137) . ولعلّهم تمسّكوا في ذلك بما روى في المنتهى عنهم عن بلال أنّه أذّن ، ثمّ جاء إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يؤذنه بالصلاة ، فقيل له : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله نائم ، فقال بلال : الصلاة خير من النوم ، مرّتين . (138) والظاهر جواز الترجيع بالتفسير الّذي في المبسوط ؛ لزيادة التنبيه والإعلام ؛ أو لانتظار الجماعة عنه ، بل يجوز تكرير الحيّعلات أيضاً لذلك ؛ لما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «لو أنّ مؤذّناً أعاد في الشهادة وفي حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرّتين والثلاث ، وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد جماعة القوم ، لم يكن به بأس» (139) . وكأنّه لذلك اقتصر السيّد في الناصريات (140) والشيخ في الخلاف (141) على المنع من التثويب . وأمّا التثويب أعني: قول الصلاة خير من النوم ، فالظاهر تحريمه مطلقاً، وتكريره بدعة ؛ لما عرفت . ويؤيّده هذه الصحيحة . وقد ورد في بعض الأخبار جوازه ، بل استحبابه أيضاً ، فقد روى الشيخ عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام : «قال كان أبي ينادي في بيته بالصلاة خيرٌ من النوم ، ولو ردّدت ذلك لم يكن به بأس». (142) وعن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «النداء والتثويب في الإقامة من السنّة» ، (143) وحملهما على التقية ؛ مستندا بإجماع الطائفة على ترك العمل بهما ، وبهذه الصحيحة ، وبصحيحة زرارة ، قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : «يا زرارة ، تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين ، وإن شئت زدت على التثويب حيّ على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم» . قال : فلو كان ذكر الصلاة خيرٌ من النوم من السنّة لما سوّغ له العدول عمّا هو السنّة إلى تكرار اللفظ، وتكرار اللفظ ، إنّما يجوز إذا اُريد به تنبيه إنسان على الصلاة أو انتظار آخر وما أشبه ذلك . (144) على أنّهما غير صريحين في هذه الدعوى ، أمّا الأوّل ؛ فلاحتمال أن يكون قوله عليه السلام ذلك في غير الأذان والإقامة لتنبيه النائمين. وأمّا الثاني، فلأنّ التثويب فيه محتمل لتكرير الفصول زائدا على المقرّر كما عرفت أنّه أحد تفسيره . وقال طاب ثراه : يحتمل أن يكون التثويب هنا بمعنى حيّ على خير العمل ، فإنّه ورد بهذا الإسم كما صرّح به الفاضل الأردبيلي (145) . ويحتمل أن يكون بمعنى قد قامت الصلاة ، ويؤيّده أنّه فسّره عيسى بن دينار (146) بالإقامة فيما رواه مسلم عنه صلى الله عليه و آله : «إذا ثوّب بالصلاة أدبر الشيطان» (147) ، حيث قال : ثوّب بالصلاة ، أي اُقيمت (148) . ويحتمل أن يكون بمعنى تشبيه فصوله بفصول الإقامة. ويؤيّده قول الطبري في تفسير هذا الحديث : ثوّب ، أي صرّح بالإقامة مرّة بعد مرّة ، وكلّ مردّد صوته بشيء مثوّب ، ومنه قيل للمنزل مثابة ؛ لأنّ الناس يرجعون إليه مرّة بعد مرّة. (149) وهذه التأويلات تجري فيما رواه المحقّق مثل الخبرين على ما نقل عنه أنّه قال في كتاب أحمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : حدّثني عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : «الأذان : اللّه أكبر اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا اللّه أشهد أن لا إله إلّا اللّه » ، وقال في آخره : «لا إله إلّا اللّه » مرّة ، ثمّ قال : «إذا كنت في أذان الفجر فقل : الصلاة خيرٌ من النوم بعد حيّ على خير العمل ، وقل بعده اللّه أكبر اللّه أكبر : لا إله إلّا اللّه ، ولا تقل في الإقامة : الصلاة خيرٌ من النوم، إنّما هو في الأذان (150) . وقد عمل بمضمون هذه الأخبار جماعة ، فعن الجعفي أنّه يقول في أذان الصبح بعد حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل : الصلاة خيرٌ من النوم مرّتين ، وليستا من أصل الأذان. (151) وعن ابن الجنيد أنّه قال : «لا بأس به في صلاة الصبح» (152) ، وقال السيّد في الانتصار (153) والشيخ في المبسوط (154) بكراهتها على خلاف ما ذهب إليه في الناصريات (155) والنهاية (156) والخلاف (157) ، فأنّهما حرّماها فيها على ما سبق . قوله في حسنة زرارة : «إذا أذّنت فافصح بالألف والهاء»، إلخ . (158) المراد كلّ ألف وهاء فيه كالألف والهاء في الجلالة والهاء في أشهد ، والألف في الفلاح ، وإفصاحهما : إظهار الحرفين وحركتهما وسكونهما ، ففي التهذيب عن خالد بن نجيح ، عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف» . (159) وعن زرارة في الحسن ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : «الأذان جزمه بإفصاح الألف والهاء، والإقامة حدر». (160) وروى في المنتهى عن الرّسول صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا يؤذّن لكم من يدغم الهاء» قلنا : كيف يقول؟ قال : «يقول أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه » . (161) وربّما توهّم أنّ المراد بالإفصاح إظهار الحركة فقط ، فقال : المراد بالهاء هاء إله لا هاء أشهد ولاهاء اللّه ؛ لأنّهما مبنيّتان ، وهو منقول عن ابن إدريس . (162) ولا اختصاص لاستحباب الإفصاح بالحرفين ، بل ينبغي إفصاح كلّ حرف منه ، لأنّه جود والجودة مطلوب للشارع في القراءات والأدعية والأذكار ، ولذا رغّب في الأذان بالترتيل في خبر الحسن بن السري (163) ، وهو حفظ الوقوف وأداء الحروف عن مخارجها. قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة : (أيجزي أذان واحد؟) (164) [ح 9 / 4940] . المشهور استحبابهما في الفرائض اليوميّة أداءً وقضاءً ، سفرا وحضرا على كلّ مكلّف ، وتأكّده على الرجال لا سيما في الصبح والمغرب والجمعة والجماعة ، ذهب إليه الشيخ في أكثر كتبه ، (165) والسيّد في الناصريّات (166) وابن إدريس (167) وعامّة المتأخّرين (168) ، وهو منقول عن سلّار (169) ، ومحكى عن أبي حنيفة وأكثر الشافعيّة. (170) وقال المفيد في المقنعة: وإذا كانت صلاة جماعة كان الأذان والإقامة [لهما] واجبين ، ولا يجوز تركهما في تلك الحال ، ولا بأس أن يقتصر الإنسان إذا صلّى وحده بغير إمام على الإقامة ويترك الأذان في ثلاث صلوات ، وهي : الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، ولا يترك الأذان والإقامة في المغرب والفجر ؛ لأنّهما صلاتان لا تقصران في السفر (171) . وعن ابن أبي عقيل وجوبهما في الصبح والمغرب والجمعة ، ووجوب الإقامة في الجميع على الرجال ، ووجوب التكبير والشهادتين فقط على النسوان وبطلان الصلاة بتركهما في مواضع الوجوب (172) . وعن السيّد المرتضى أنّه قال في جمله تجب الإقامة على الرجال في كلّ فريضة والأذان على الرجال والنساء في الصبح والمغرب ، وعلى الرجال خاصّة في الجمعة والجماعة . (173) وذهب الشيخ في المبسوط والنهاية إلى وجوبهما في الجماعة (174) ، وهو منقول عن أبي الصلاح (175) وابن البرّاج (176) وابن حمزة (177) ، ومحكي في المنتهى (178) عن بعض كتب السيّد المرتضى (179) . والظاهر أنّ هؤلاء ما عدا ابن أبي عقيل أرادوا بذلك فوات فضيلة الصلوات المذكورة وفضيلة الجماعة بتركهما لا عدم إجزاء الصلاة ، وظاهرٌ في ذلك كلام الشيخ في النهاية حيث قال : «ولا يجوز ترك الأذان والإقامة معاً في صلاة الجماعة ، فمن تركهما فلا جماعة له». (180) وصرّح به في المبسوط فقد قال : «متى صلّى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية». (181) وفي المهذّب: «المراد بالوجوب في الجماعة الشرطيّة في فضيلة الجماعة لا في صحّة الصلاة» (182) . واحتجّوا على ما ذهبوا إليه في المواضع المذكورة بهذا الخبر ، وصحيحة صفوان بن مهران (183) المتقدّمة في عدد فصولهما ، وخبر صباح بن سيابة ، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تدع الأذان والإقامة في الصلاة كلّها ، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنّه ليس فيهما تقصير» . (184) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : «إنّ أدنى ما يجزي من الأذان تفتتح الليل بأذان وإقامة وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان. وجمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الظهر والعصر بعرفة بأذانٍ واحد وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بجمع (185) بأذانٍ واحد وإقامتين» (186) . وموثّق سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا تصلّي الغداة والمغرب إلّا بأذان وإقامة، ورخّص في سائر الصلوات [بالإقامة] ، والأذانُ أفضلُ» (187) . وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن. (188) وموثّق عبداللّه بن بكير ، عن الحسن بن زياد ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة». (189) وصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان». (190) وحُملت هذه الأخبار في المشهور على تأكّد استحبابهما في هذه الصلوات بخصوصها ، أمّا في الأذان فالجمع بينها وبين صحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : «ليس به بأس» . (191) ويؤيّدها عموم صحيحة عبيداللّه بن عليّ الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ، هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : «نعم لا بأس به». (192) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة، قال : «فليمض على صلاته ، فإنّما الأذان سنّة». (193) وأمّا في جانب الإقامة أيضاً فلصحيحة حمّاد بن عثمان في تعليم الصلاة حيث قام عليه السلام مستقبل القبلة وكبّر من غير أن يؤذّن ويقيم (194) ؛ إذ لو وجبا لما تركهما عليه السلام في ذلك المقام . وقد روى الجمهور أيضاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال للّذي علّمه الصلاة: «إذا أردت الصلاة فاحسن الوضوء ثمّ استقبل القبلة فكبّر» (195) ، ولم يأمره بالأذان والإقامة . وربّما يظهر من بعض الأخبار وجوبهما في مطلق اليوميّة ، وهو أيضاً محمول على ضرب من التأكّد ؛ لما ذكر [وما ]رواه عمّار الساباطي ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «لابدّ للمريض أن يؤذّن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم [به]» . سُئل: فإن كان شديد الوجع؟ قال : «لابدّ من أن يؤذّن ويقيم لأنّه لا صلاة إلّا بأذان وإقامة». (196) ويُفهم من خبر جميل بن درّاج (197) وموثّق أبي مريم الأنصاري (198) عدم استحبابهما على النساء وأنّها تكتفي بالتكبير والشهادتين من الإقامة . ويؤكّدهما ما ورد في الفقيه من قول الصادق عليه السلام : «ليس على النساء أذان ولا إقامة ، [ولاجمعة] ، ولا استلام الحجر ، ولا دخول الكعبة ، ولا الهرولة بين الصفا والمروة ، ولا الحلق ، إنّما يقصرن من شعورهنّ». (199) والظاهر أنّ المراد منها نفي تأكّد استحبابهما عليها ؛ لإطلاق أكثر الأخبار المذكورة ، و لما قال الصدوق بعد ما نقلت عنه: وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام : «ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة، وتكفيها الشهادتان ، ولكن إن أذّنت وأقامت فهو أفضل». (200) ولصحيحة عبد اللّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : «حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ». (201) ويؤيّدهما صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : النساء ليس عليهنّ أذان؟ فقال : «إذا شهدت الشهادتين فحسبها» . (202) وربّما حمل الأذان المنفي عنهنّ على الإعلامي. وفيه : أنّه لا يتأتّى ذلك في الإقامة وقد ورد نفيها أيضا ، أو أن تحمل الإقامة على الإقامة لجماعة الرجال . وهذا الجمع لابدّ منه في كلامي العلّامة أيضاً في المنتهى حيث تناقضا ظاهرا ، فإنّه قال : «ليس على النساء أذان ولا إقامة ، ولا نعرف فيه خلافاً ؛ لأنّها عبادة شرعيّة يتوقّف توجّه التكليف بها على الشرع ، و لم يرد» (203) . وأيّده بخبر جميل ، وعدّه صحيحاً بناءً على ما عرفت مرارا في محمّد بن إسماعيل الّذي يروى المصنّف عنه ، ثمّ قال بلا فصل : فروع: الأوّل : يجوز ان تؤذّن المرأة للنساء ويعتدّون به ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال الشافعي : إن أذّنّ وأقمن فلا بأس (204) . وقال عطا ومجاهد والأوزاعي : إنّهنّ يقمن . (205) لنا : ما رواه الجمهور عن عائشة أنّها كانت تؤذّن وتقيم (206) ، وعن اُمّ ورقة (207) أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أذن لها أن تؤذّن وتؤمّ لنساء أهل دارها (208) ، وصحيحة عبد اللّه بن سنان مشيرا إلى ما رويناه _ (209) ولأنّه تصحّ إمامتها مع أنّ منصب الإمامة أعظم من التأذين. (210) الثاني: قال علماؤنا : إذا أذّنت المرأة أسرّت بصوتها ، لئلّا تسمعه الرجال ، وهو عورة. الثالث: قال الشيخ : إنّه يعتدّ بأذانهنّ للرجال ، وهو ضعيف ، لأنّها إن جهرت ارتكبت معصية، والنهي يدلّ على الفساد ، وإلّا فلا اجتزاء ؛ لعدم السماع . انتهى . والجمع بحمل النفي على نفي التأكّد؟ كلامه الأوّل صريح في نفي المشروعيّة ، وظاهر فروعه استحبابه لهنّ مطلقاً على ما يظهر من استدلالاته . وتخصيص الأوّل بالمنفردة والثانية بالإمام منهنّ أيضاً بعيد ؛ لما عرفت . وحمل الأوّل على الأذان الإعلامي أيضاً بعيد ؛ لضميمة نفي الإقامة أيضاً ، فتدبّر لعلّه يظهر لك تأويل حسن. واختلفت العامّة أيضاً في المسألة ، وقد عرفت بعض أقوالهم . وفي المنتهى (211) عن عطا ومجاهد وجوبهما على الأعيان (212) ؛ لما رواه مالك بن الحويرث ، قال : أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله أنا ورجل نودّعه ، فقال : «إذا حضرت الصلاة فليؤذّن أحدكما ، وليؤمّكما أكبركما» (213) بناءً على دلالة الأمر على الوجوب وظهوره في العيني . وأجاب عنه بمنع ذلك مؤيّدا بما سيأتي ، وبورود الأمر فيه بالإمامة أيضاً ، وهي مندوبة اتّفاقاً . وأقول : لو سلّم الدلالة على الوجوب فهو يدلّ على وجوبهما في الجماعة خاصّة ، وكونه كفائيّاً على الإمام والمأموم . وفي العزيز : واختلفوا في الأذان والإقامة ، أهما سنّتان أم فرضا كفاية على ثلاثة أوجه ، أصحّها أنّهما سنّتان ؛ لأنّهما للإعلام والدعاء إلى الصلاة ، فصار كقوله : الصلاة جامعة في العيدين ، ولأنّه صلى الله عليه و آله جمع بين الصلاتين وأسقط الأذان عن الثانية ، فلو كان الأذان واجباً لما تركه لسنّة. و[الوجه] الثاني : أنّهما فرضا كفاية ، لما روي أنّه صلى الله عليه و آله قال : «صلّوا كما رأيتموني اُصلّي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذّن لكم أحدكم» (214) ، وظاهر الأمر الوجوب ، ولأنّه من شعائر الإسلام فليؤكّد بالفريضة. والثالث: أنّهما مسنونان في غير الجمعة وفرضا كفاية فيها ؛ لأنّها اختصّت بوجوب الجماعة فيها ، فاختصّت بوجوب الدعاء إليها. وبالوجه الثالث قال ابن خيران (215) ، ونسبه القاضي ابن كج (216) والشيخ أبوحامد (217) إلى أبي سعيد الاصطخري (218) ، ونسب آخرون إلى أبي سعيد الوجه الثاني دون الثالث . (219) وحكى فيه القول الثاني عن بعض أصحاب أحمد ، ومن تعليق الشيخ أبي حامد : أنّ مالكاً يقول بوجوب الأذان وبلزوم الإعادة ما بقي الوقت . (220) [وقال أيضا:] وفي جماعة النساء ثلاثة أقوال حكاها في النهاية أصحّها وهو نصّه في الاُمّ والمختصر _ : أنّه يستحبّ لهنّ الإقامة دون الأذان ، أمّا أنّ الأذان لا يستحبّ فإنّه للإبلاغ والإعلام ، ولا يحصل ذلك إلّا برفع الصوت ، وفي النساء رفع الصوت خوف الافتتان ، وقد روي عن ابن عمر أنّه قال : ليس على النساء أذان . (221) وأمّا أنّ الإقامة تستحبّ فلأنّها لاستفتاح الصلاة واستنهاض الحاضرين ، فيستوي فيها الرجال والنساء. ولو أذّنت على هذا القول من غير رفع الصوت لم يكره وكان ذكر اللّه تعالى. والثاني : أنّه لا أذان ولا إقامة ، أمّا الأذان فلما سبق ، وأمّا الإقامة فلأنّها تبع للأذان. والثالث : إنّه يستحبّ الأذان والإقامة ؛ لما روي عن عائشة أنّها كانت تؤذّن وتقيم ، ثمّ لا يختصّ هذا الخلاف بما إذا صلّين جماعة ، بل هو جار في المرأة المنفردة لكن بالترتيب على الرجال ، فإن قلنا لا يؤذّن الرجل المنفرد فالمرأة أولى ، وإن قلنا يؤذّن ففي المرأة هذا الخلاف. وفيه في مواضع اُخر : المنفرد في الصحراء أو في المصر هل يؤذّن؟ الجديد أنّه يؤذّن ؛ لما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لأبي سعيد الخدري: «إنّك رجل تحبّ الغنم والبادية ، فإذا دخل عليك وقت الصلاة فأذّن وارفع صوتك ، فإنّه لا يسمع صوتك حجر ولا شجر ولا مدر إلّا شهد لك يوم القيامة» . (222) وحكي عن القديم أنّه لا يؤذّن ؛ لأنّ المقصود من الأذان الإبلاغ والإعلام ، وهذا لا ينتظم في المنفرد . وقال بعض أصحابنا: إن كان يرجو حضور جمع أذّن ، وإلّا فلا. وحمل حديث أبي سعيد على أنّه كان ينتظر حضور غلمانه ومن معه في البادية. فإن قلنا : لا يؤذّن المنفرد ، فهل يقيم؟ فيه وجهان: أحدهما : لا ، كالأذان ، وأصحّهما : نعم ؛ لأنّها للحاضرين فيقيم لنفسه. (223) قوله في صحيحة عمرو بن أبي نصر : (قلت: في الإقامة قال : لا) . [ح 10 / 4941] ظاهره تحريم التكلّم فيها ، ومثله خبر أبي هارون (224) ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «لا تتكلّم إذا أقمت للصلاة ، فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» . (225) بل الخبران يدلّان على تحريمه بعد الإقامة أيضاً ، وظاهر بعض الأخبار تحريمه على الحاضرين بعد قول : قد قامت الصلاة، رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرّم الكلام على أهل المسجد ، إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شيء وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان» . (226) وفي الموثّق عن سماعة ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «إذا أقام المؤذّن فقد حرم الكلام ، إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم [إمام (227) ]» . وهو ظاهر الشيخين في المقنعة (228) والنهاية (229) ، ومنقول في المختلف (230) عن جمل السيّد المرتضى (231) ومحكي عن ابن الجنيد (232) ، واستثنوا من ذلك ما يتعلّق بالصلاة . والباقون حملوا هذه الأخبار على الكراهة جمعاً بينها وبين خبر محمّد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم في أذانه وفي إقامته ، فقال : «لا بأس به». (233) وخبر الحسن بن شهاب ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «لا بأس بأن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء». (234) وصحيحة حمّاد بن عثمان ، قال : «سألت أبا عبداللّه عن الرجل يتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : «نعم». (235) ويؤيّده ورود النهي عن الإيماء باليد أيضاً في خبر أبي هارون (236) فيها ، وهو ليس بحرام اتّفاقا في الصلاة أيضاً. قوله في حسنة الحلبي: (لا بأس أن يؤذّن الرجل من غير وضوء ولا يقيم إلّا وهو على وضوء) . [ح 11 / 4942] ومثلها ما رواه الشيخ بسند صحيح عن ابن سنان ، قال : «لا بأس أن تؤذّن وأنت على غير طهور ، ولا تقيم إلّا وأنت على وضوء». (237) وعن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن محمّد الحلبي ، قال : «لا بأس أن يؤذّن وهو على غير وضوء ، ولا يقيم إلّا وهو على وضوء». (238) وعن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلامأنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «لا بأس بأن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا بأس بأن يؤذّن الرجل وهو جنب ، ولا يقيم حتّى يغتسل» (239) . أمّا الأوّل فلم نجد له مخالفا . وما حكى في المنتهى (240) عن السيّد المرتضى أنّه قال : «يجوز الأذان بغير وضوء ومن غير استقبال للقبلة إلّا في الشهادتين» (241) ، فالظاهر تعلّق الاستثناء بالجملة الأخيرة على ما هو المشهور في الاستثناء المتعقّب بجمل متعدّدة. وكذا فيما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد وهو ابن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرّجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته أوعلى غير طهور، فقال : «نعم ، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس». (242) ولو سلّم تعلّقه بالجميع فالظاهر إرادة تأكّد استحباب الطهارة في الشهادتين. وأمّا الثاني فيه قال السيّد المرتضى في الجمل والمصباح على ما نقل عنه في المختلف (243) والمنتهى (244) أنّه قال فيهما: «لا تجوز الإقامة إلّا على وضوء واستقبال» (245) . والمشهور خلافه ، والأوّل أقوى دليلاً ؛ لظهور الأخبار المذكورة من غير معارض ، ولموافقته للاحتياط . وظاهر ما رواه المصنّف من خبري أحمد بن محمّد بن أبي نصر (246) وسليمان بن صالح (247) وجوب القيام والاستقبال فيها. ويؤكّد الأوّل ما رواه الشيخ عن يونس الشيباني ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له : اُؤذّن وأنا راكب؟ قال : «نعم». قلت: فاُقيم وأنا راكب؟ قال : «لا». قلت: فاُقيم ورجلى في الركاب؟ قال : «لا». قلت: فاُقيم وأنا قاعد؟ قال : «لا». قلت: فاُقيم وأنا ماشٍ؟ قال : «نعم ، ماش إلى الصلاة». قال : ثمّ قال : «إذا قمت إلى الصلاة فأقم مترسّلاً فإنّك في الصلاة». قال : قلت: قد سألتك اُقيم وأنا ماشٍ قلت: نعم ، فيجوز أن أمشي في الصلاة؟ قال : «نعم ، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت وأنت مع إمامٍ عادل ، ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ، وإذا [كان] الإمام كبّر [للركوع] كنت معه في الركعة ؛ لأنّه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معهم في الركوع». (248) وعن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذّن وهو راكب ويقيم وهو على الأرض قائم» (249) . وعن أحمد بن محمّد ، عن عبد صالح ، قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ، ولا يقيم إلّا وهو قائم». وقال : «وتؤذّن وأنت راكب ، ولا تقيم إلّا وأنت على الأرض» (250) . وعن أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : لابأس أن تؤذّن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولاتقيم وأنت راكب أو جالس ، إلّا من علّة أو تكون في أرض ملصة». (251) ويُفهم من نفي البأس عن الجلوس والركوب في الأذان استحباب القيام فيه أيضاً ضرباً من الاستحباب ، ولم أجد مخالفاً. وبذلك جمع بين ما ذكر وما رواه الشيخ عن حمران ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان جالساً، قال : «لا يؤذّن جالساً إلّا راكب أو مريض». (252) ويؤكّد الثاني بعض ما تقدّم من الأخبار ، ووجوب هذه الاُمور الثلاثة فيها ظاهر الشيخين في المقنعة (253) والنهاية (254) ، ووجوب الطهارة والاستقبال فيها محكي عن السيّد المرتضى (255) ، وقد سبق، وحكى في الدروس (256) عنه وجوب القيام فيها ، ووجوب القيام والاستقبال أيضاً أقوى دليلاً؛ لظهور ما ذكر من الأخبار فيه من غير معارض . وكأنّهم حملوا تلك الأخبار في المشهور على الكراهية ؛ معتمدين على قول الأكثر ، أو لاستبعاد وجوب التكبير مع استحباب ذي الكيفيّة ، كما اعترض العلّامة في المختلف على القائلين بالوجوب بأنّ ذلك الاستحباب لا يجامع ذلك الوجوب . ويرد على الأوّل أنّ الشهرة لا تخصّص الأخبار المتعدّدة إلّا إذا بلغت حدّ الإجماع . وعلى الثاني ما قاله المحقّق الشيخ عليّ في مسألة وجوب الاستقبال في النافلة ، من: أنّ المراد بالوجوب هنا أحد أمرين : إمّا كونه شرطا للشرعيّة مجازا لمشاركته الواجب في كونه لابدّ منه ، فمع المخالفة يأثم بفعل النافلة إلى غير القبلة ، أو كون وجوبه مشروطا بفعل النافلة ، بمعنى أنّه إن فعل النافلة وجب الاستقبال ، فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها إلى غير القبلة معا . (257) وفرّع في المنتهى على استحباب الاستقبال في الأذان استحباب الاستمرار عليه ، وكراهة الالتفات يميناً وشمالاً في أثنائه ؛ معلّلاً بالإجماع على استحباب الاستقبال فيه ، فيستحبّ في أبعاضه ، وبما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ مؤذّنيه كانوا يؤذّنون مستقبلي القبلة (258) ، وحكى عن أبي حنيفة أنّه قال : يستحبّ له أن [يدور بالأذان في المأذنة. (259) وعن الشافعي أنّه قال : يستحبّ أن] يلتفت يميناً عند قوله : حيّ على الصلاة ، وعن يساره عند قوله : حيّ على الفلاح (260) ؛ محتجّاً بأنّ بلالاً أذّن كذلك . (261) وأجاب بأنّه معارض بما ذكرنا ، وباحتمال أن يكون غالطاً في اعتقاده ذلك ، ويجوز أن يكون التفاته لأسباب اُخرى. (262) قوله في خبر ابن مسكان عن أبي بصير : (فليدخل معهم في أذانهم) إلخ . [ح 12 / 4943] كما يسقط الأذان حينئذٍ يسقط الإقامة أيضاً ؛ لما رواه الشيخ عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت : الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم ، أيؤذّن ويقيم؟ قال : «إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام» (263) . ولا اختصاص له بالمنفرد ، بل جاز في الجماعة الثانية أيضاً ؛ لإطلاق الخبرين . بل هو ظاهر ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد ، عن أبي عليّ ، قال : كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فأتاه رجل ، فقال : جعلت فداك ، صلّينا في المسجد الفجر ، وانصرف بعضنا وبقي بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن ، فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «أحسنت ادفعه عن ذلك ، وامنعه أشدّ المنع» . فقلت : فإن دخلوا وأرادوا أن يصلّوا جماعة؟ قال : «يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم إمام» (264) . وقد وقع التصريح بذلك في خبر عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم السلام قال : «دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس ، فقال عليّ عليه السلام : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ، ولا يؤذّن ولا يقيم» . (265) وسقوط الأذان والإقامة حينئذٍ هو المشهور ، لكنّ الأكثر قيّدوه بالجماعة الثانية ، وهو ضعيف ؛ لظهور أكثر ما ذكر من الأخبار في المنفرد . والمراد بتفرّق الصفّ تفرّق الجميع وانصرافهم عن مواضعهم ، ويدلّ عليه إطلاق البعض الباقي في خبر الحسين بن سعيد . ثمّ الظاهر أنّ هذا الترك من باب الاستحباب وإن كان ظاهر خبر أبي عليّ الوجوب ؛ لأنّه قائل بحمل الأمر فيه على الندب بناءً على إطلاق استحبابه في أخبار متكثّرة لا تقبل هذه معارضتها . والسرّ في الحكم رعاية حرمة الجماعة الاُولى ؛ لتقدّمهم ومسارعتهم إلى العبادة ، فالظاهر اختصاصه بمن أراد أن يصلّي صلاتهم ، وقد صرّح به الشيخ في المبسوط (266) . وهل غير المسجد في ذلك كالمسجد؟ يحتمل ذا ؛ نظرا إلى عدم الفرق بينهما في ذلك في الاعتبار ، ويؤيّده إطلاق خبر الكتاب . وقيّده جماعة منهم العلّامة في المنتهى (267) بالمسجد ، وهو ظاهر المحقّق (268) ، وهو أظهر ؛ لتقييد أكثر الأخبار بالمسجد ، ولما روى في المهذّب عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن رجل نسي الأذان حتّى أقام الصلاة ، قال : «لا يضرّه ، ولا تقام الصلاة في المسجد الواحد مرّتين ، فإن كان في غير مسجد وأتى قوم قد صلّوا ، فأرادوا أن يجمعوا الصلاة فعلوا » (269) . واعلم أنّه يسقط الأذان والإقامة في مواضع اُخرى : منها: أذان الإمام إذا سمع أذان المنفرد ، على ما ذكره جماعة ، بل ذكر صاحب المداركأنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (270) . واحتجّوا عليه بفعل النبيّ والأئمّة عليهم السلام ومن بعدهم ، وبخبر صالح بن عقبة ، عن أبي مريم الأنصاري ، قال : صلّى بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا أزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلمّا انصرف قلت له : عافاك اللّه ، صلّيت بنا في قميص بلا أزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال له : «إنّ قميصي كثيف ، فهو يجزي على أن لا يكون عليّ أزار ولا رداء» ، وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم ، فلم أتكلّم أجزأني ذلك . (271) والظاهر سقوط الإقامة هنا أيضاً ؛ لصراحة الخبر فيه . وكذا ظاهره اشتراط سقوطهما بعدم تكلّم الإمام ، ولكن أطلقه الأصحاب ، وإطلاق كلامهم يقتضي عدم اشتراط اتّخاذ موضع الصلاة ، وقد ظهر في ذلك . ورواه الشيخ عن عمرو بن أبي خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال : كنّا معه فسمع أذان جار له بالصلاة فقال : قوموا ، فقمنا معه ، فصلّينا بغير أذان ولا إقامة ، قال : «يجزيكم أذان جاركم» (272) . لكنّه مروي عن جماعة من الزيديّة . (273) وأمّا المنفرد إذا تجدّد إمامته فالظاهر عدم سقوطهما عنه ؛ لأصالة عدمه ، وانتفاء دليل عليه. ولا يجوز حمله على ما إذا سمع أذان المنفرد ؛ لما ذكر في الذكرى من «أنّ الاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نيّة السامع للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد» (274) . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف بعد ذلك الخبر في الموثّق عن عمّار الساباطي (275) ، وهو ظاهر الشهيد (276) ، وصرّح به الشيخ في النهاية حيث قال : «ومن أذّن وأقام ليصلّي وحده ، ثمّ جاء قوم أرادوا أن يصلّوا جماعة فعليه إعادة الأذان والإقامة معاً ، ولا يدخل بما تقدّم منهما في الصلاة» (277) . وبه قال في المبسوط أيضاً (278) . واستقرب المحقّق السقوط ، معلّلاً بأنّه «إذا اجتزأ بأذان غيره فبأذانه أولى» (279) . ويظهر ضعفه ممّا ذكر . ومنها : أذان الثانية إذا جمع بين الصلاتين ؛ لما تقدّم في باب الجمع بين الصلاتين . ومن الجمع المسقط له الظهران بعرفة ، [و] العشاءان بمزدلفة ، والصلاتان يوم الجمعة ؛ لاستحباب الجمع بينهما فيه بناءً على استحباب تقديم نوافل الظهرين في ذلك اليوم على ما تقرّر في محلّه . ونسبه في التهذيب (280) إلى المقنعة ، وهو مخالف لما وجدته فيها حيث قال في فصل صلاة الجمعة بعد أن أورد تعقيب الصلاة الاُولى _ : «ثمّ قم ، فأذّن للعصر وأقم للصلاة (281) . وقال بعد ما يفصّل وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس ، ووقت صلاة العصر فيه وقت الظهر في سائر الأيّام ، وذلك لما جاء عن الصادقين عليهم السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يخطب أصحابه في الفئ الأوّل ، فلمّا زالت الشمس نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له : يا محمّد ، قد زالت الشمس فصلّ ، ولا يلبث أن يصلّي بالناس ، فإذا فرغ من صلاته أذّن بلال للعصر ، فجمع بهم العصر وانصرف أهل البوادي والأطراف والأباعد ممّن كان يحضر المدينة للجمعة إلى منازلهم ، فأدركوها قبل الليل فلزم بذلك [الفرض] ، وتأكّدت به السنّة» . (282) والظاهر أنّه عمل بهذه الرواية ، ونقل عنه أنّه قال في الأركان باستحباب الأذان لها ، وهو منقول عن ابن البرّاج . (283) وفصّل ابن إدريس ، فذهب إلى سقوطه عمّن صلّى الجمعة ومن صلّى الظهر محتجّاً بانعقاد الإجماع على استحباب الأذان لكلّ صلاة من الخمس ، خرج عنه المجمع عليه ، وهو من صلّى الجمعة ، فيبقى الباقي في العموم (284) . وفيه تأمّل . ومستند المشهور عموم ما سبق ممّا دلّ على سقوط الأذان الثاني للجمع ، وخصوص ما ثبت من مداومة مؤذّن النبيّ صلى الله عليه و آله على الاقتصار على الإقامة للعصر في ذلك اليوم (285) . وما رواه حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليهماالسلام قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة» (286) ؛ بناءً على أنّ المراد منه أذان العصر ، فقد ذكر في الذكرى : أنّه سمّى ثالثاً بالنظر إلى الأذان والإقامة للاُولى . (287) وفي المنتهى : «إنّما سمّي ثالثاً باعتبار الإقامة» (288) ، يعنى الإقامة للاُولى ، فهو راجع إلى ما ذكر في الذكرى ، فأطلق الأذان على الإقامة تغليباً . وقد ورد ذلك الإطلاق في بعض الأخبار . فإن قلت : لِمَ لم يعدّ ثالثاً بالنظر إلى الأذان الإعلامي وأذان الجماعة للاُولى قلت : لسقوط الأذان الإعلامي في ذلك اليوم ، فقد ذكر جماعة منهم والدي طاب ثراه أنّه إنّما كان أذان يوم الجمعة في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله عند جلوسه على المنبر للخطبة ، وهو أذان الجماعة ، ثمّ ينزل بعد الخطبة ويقيم المؤذّن ، فيصلّي الجمعة ، ثمّ يصلّي العصر بإقامة من غير أذان ، ولم يكن أذان للإعلام في ذلك اليوم ، وكان ذلك مستمرّا في عهد الأوّل والثاني ، فلمّا قام الثالث زاد أذاناً آخر بالزوراء للإعلام بالوقت ، وأبقى الأذان عند الجلوس على المنبر بحاله كما كان . (289) وروى البخاري عن السّائب بن يزيد ، قال : كان النداء يوم الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبي بكر وعمر ، فلمّا كان عهد عثمان و كثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء . (290) وفي المنتهى (291) : قال الشيخ (292) : «روي أنّ أوّل من فعل ذلك عثمان» (293) ، وقال عطا : «إنّ أوّل من فعل ذلك معاوية» (294) ، وقال الشافعي : ما فعله النبيّ صلى الله عليه و آله وأبو بكر وعمر أحبّ إليّ وهو السنّة (295) . وأقول : لعلّ السرّ في هذا السقوط أنّه لم يكن حاجة إلى الإعلام في ذلك اليوم ؛ لأنّ النّاس يتبكّرون إلى المسجد كما هو المستحبّ في الشريعة ، والظاهر أنّ هذا الأذان للصلاة الاُولى وإن كان الجمع في وقت فضيلة الثانية كما هو المستفاد من خبر ابن سنان المتقدّم ، ولا يستبعد ذلك لأنّ الأذان قد يكون للذكر والإعظام لا لإعلام الوقت . وفي المنتهى : فإذا صلّى في وقت الاُولى أذّن لها ثمّ أقام للاُخرى ؛ لأنّه لم يدخل وقت يحتاج فيه إلى الإعلام ، وإن جمع بينهما في وقت الثانية أذّن للثانية ، ثمّ صلّى الاُولى ؛ لأنّها مترتّبة عليها ، ولايعاد الأذان للثانية (296) . وفي شرح اللمعة : «الأذان لصاحبة الوقت ، فإن جمع في وقت الاُولى أذّن لها وأقام ، ثمّ أقام للثانية ، وإن جمع في وقت الثانية أذّن أوّلاً بنية الثانية ، ثمّ أقام للاُولى ، ثمّ أقام للثانية (297) ، فتأمّل . وظاهر بعض الأخبار أنّ الجمع المسقط للأذان الثاني إنّما هو في ما إذا لم يقع بين الصلاتين نافلة ولو ركعتين ، رواه المصنّف في الجمع بين الصلاتين عن محمّد بن حكيم بسندين (298) ، وقد سبق القول فيه . ومنها أذان الثانية وما بعدها إذا قضى صلوات متعدّدة في وقت واحد . ودلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى الصلوات [وهو جنب] اليوم واليومين والثلاثة ، ثمّ ذكر بعد ذلك ، قال : «يتطهّر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ ، ثمّ يصلّي ويقيم بعد ذلك في كلّ صلاة ، فيصلّي بغير أذان حتّى يقضي صلاته» (299) . وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا نسيت صلاة أوصلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلاة فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها و أقم ، ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة» ، الحديث (300) . وقد تقدّم من المصنّف في باب من نام عن الصلاة (301) . وربّما احتجّ عليه بما روته العامّة عن أبي عبيدة بن عبد اللّه ، عن أبيه : أنّ المشركين شغلوا النبيّ صلى الله عليه و آله عن أربع صلوات يوم الخندق حتّى ذهب من الليل ما شاء اللّه ، قال فأمر بلالاً فأذّن وأقام فصلّى الظهر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى العصر ، ثمّ أمره فأقام وصلّى المغرب ، ثمّ أمره فأقام فصلّى العشاء (302) . وهو غير مستقيم عند من هو على الصراط المستقيم ، وهل سقوط الأذان في هذه المواضع من باب الرخصة أو الوجوب؟ الظاهر الثاني؛ لأنّه عبادة توقيفيّة ، ولا نصّ على جوازه فيها ، مع ظهور الأخبار المذكورة في تحريمه . وعدّه في المنتهى أظهر في مسألة الجمع بين الصلاتين في غير يوم الجمعة ، وفيه عدّه أقوى . وقيل بالأوّل وأنّ التأذين هو أفضل ، ونسبه العلّامة في المنتهى إلى أحمد (303) ، وإلى أحد أقوال الشافعي (304) . واحتجّ به بقوله عليه السلام : «من فاتتهُ صلاة فليقضها كما فاتته» (305) ، وبموثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة ، هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : «نعم». (306) وفيه نظر ؛ إذ الظاهر أنّ التشبيه في الأوّل في مجرّد القصر والتمام على ما مرّ مرارا . والمتبادر من الإعادة في الثاني الإعادة في الوقت . على أنّ الظاهر من الصلاة فيه الواحدة . وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الأصحاب القول بأنّ الأولى تركه في البواقي (307) . واختلفت العامّة فيه ، فنسب المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (308) إلى بعضهم القول بأنّ تركه أولى في البواقي ، وعن بعضهم أنّ تركه أفضل مطلقا (309) . وفي العزيز : في الفائتة ثلاثة أقوال : الجديد : أنّه لا يؤذّن لها ؛ لما روي عن أبي سعيد الخدري ، قال : حبسنا عن الصلاة يوم الخندق حتّى كان بعد المغرب هويّاً من الليل ، فدعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلالاً ، فأقام للظهر فصلّاها ، ثمّ أقام للعصر فصلّاها ، ثمّ أقام للمغرب فصلّاها ، ثمّ أقام للعشاء فصلّاها ، ولم يؤذّن لها مع الإقامة . (310) والقديم : أنّه يؤذّن [لها] ، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد ؛ لما روي أنّه صلى الله عليه و آله كان في سفر ، فقال : «احفظوا علينا صلاتنا»، يعني الفجر ، فضرب على آذانهم ، فما أيقظهم إلّا حرّ الشمس ، فقاموا فساروا هنيئة ، ثمّ نزلوا فتوضّأوا وأذّن بلال فصلّوا ركعتي الفجر وركبوا (311) . وقال في الإملاء : إنّ أمل اجتماع قوم يصلّون معه أذّن ، وإلّا فلا . قال الأئمّة : الأذان في الجديد حقّ الوقت ، وفي القديم حقّ الفريضة ، وفي الإملاء حقّ الجماعة ، وهذا الخلاف في الأذان . وأمّا الإقامة فنأتي بها على الأقوال . هذا كلامه (312) . قوله في موثّقة عمّار الساباطي : (ولا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل عارف) . [ح 13 / 4944] الظاهر أنّ المراد بالأذان أذان الجماعة ، بقرينة قوله عليه السلام : «فإن علم الأذان فأذّن به ، وإن لم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به» على ما في الكتاب وفي بعض نسخ التهذيب (313) ، وفي الأصل فيه : «ولا يعتدّ به» بدلاً عن قوله : «ولا يقتدى به» فلا تأييد فيه . ويدلّ أيضاً على عدم جواز الاعتداد بأذانهم للصلاة ما رواه المصنّف عن معاذ بن كثير (314) ، فلا ينافي ما دلّ على جواز الاعتماد في دخول الوقت على الأذان الإعلامي من أهل الخلاف إذا كانوا موثوقين ، رواه ذريح المحاربي في الصحيح قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء ، فإنّهم أشدّ شيء مواظبة على الوقت» . (315) وأمّا الفاسق منّا فالمشهور جواز الاعتداد به ، والظاهر أنّهم قالوا بذلك في أذان الجماعة والصلاة ، لا الإعلامي ، حيث علّلوه بأنّه مؤمن مكلّف يصحّ منه الأذان لنفسه ، فيصحّ الاعتداد به لغيره . ولا ينافي ذلك عدم الاعتماد على أذانه في الوقت ، لما ورد في الاعلامي من أنّ المؤذّن أمين، والفاسق ليس محلّاً للأمانة. روى ذلك عيسى بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه السلام قال : «المؤذّن مؤتمن والإمام ضامن» (316) . ولا يبعد الاعتماد على أذانه في الوقت أيضاً إذا كان موثوقاً به ، فإنّه ليس بأقلّ من المخالف اعتمادا ، وعن ابن الجنيد أنّه منع الاعتداد بأذان الفاسق مطلقاً؛ محتجّاً بما ذكر من أنّ المؤذّنين اُمناء . (317) وأمّا الصبيّ ، فالمشهور جواز الاعتداد بأذانه إذا كان مميّزا ، و نسبه في المنتهى إلى علمائنا (318) . ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «ولا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم» في خبر إسحاق بن عمّار المتقدّم (319) في ذيل حسنة الحلبي . وقوله عليه السلام : «ولا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم» في صحيحة عبد اللّه بن سنان (320) الآتية في ذيل خبر معاذ بن كثير ، وهو محكي في المنتهى (321) عن الشافعي (322) وعن إحدى الروايتين عن أحمد (323) ، وحكي عن أبي حنيفة اعتبار البلوغ فيه أذان أذّن للرجال (324) ، وإنّما قيّدوا الصبي بالمميّز ؛ لأنّه لا أثر لعبادة غير المميّز. قوله في خبر محمّد بن مسلم : (إن كان ذكر قبل أن يقرأ) إلخ . [ح 14 / 4945] ظاهره جواز قطع الصلاة لناسي الأذان قبل أن يقرأ ، ويحتمل أن يكون المراد منه قبل الفراغ من القراءة كما هو المشهور حيث قيّدوه بما قبل الركوع . ويؤيّده صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثمّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف ، فأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك» (325) . واُلحق به الإقامة لهذه الصحيحة ، بل ذهب الشيخ في المبسوط إلى استحباب القطع والاستئناف لتدارك الإقامة إذا ذكرها قبل الفراغ من الصلاة (326) ؛ محتجّاً بصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : «إن كان فرغ من صلاته فقد تمّت صلاته ، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد» (327) . ويحتمل أن يكون المراد منه قبل الشروع في القراءة ، لرواية الحسين بن أبي العلاء في الصحيح بناءً على ما نقل عن السيّد جمال الدين من تزكيته إيّاه في البشرى (328) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاة المكتوبة ، ثمّ ذكر أنّه لم يقم ، قال : «فإن ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلّم على النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ يقيم ويصلّي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ على صلاته» (329) . وكأنّه لذلك قال ابن الجنيد على ما نقل عنه بجواز الرجوع ما لم يقرأ عامّة السورة (330) ، لكنّه لا يدلّ على اشتراط عامّة السورة يعني أكثرها بل ظاهره كفاية قراءة شيء منها في ذلك . وإنّما حملوا الأمر في هذه الأخبار على الاستحباب ؛ للجمع بينها وبين ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة ، قال : «ليس عليه شيء» (331) . وعن نعمان الرازي ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام وسأله أبو عبيدة الحذّاء عن حديث رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتّى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : «إن كان دخل المسجد ومن نيّته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف» (332) . وعن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: رجل ينسى الأذان والإقامة حتّى يكبّر، قال : «يمضي على صلاته ولا يعيد» (333) . وعن زكريّا بن آدم ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : جُعلت فداك ، كنت في الصلاة فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنّي لم أقم، فكيف أصنع؟ قال : «اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، ثمّ امض في قراءتك وصلاتك وقد تمّت صلاتك». (334) واختلاف مواضع القطع في الأخبار المتقدّمة مبني على مراتب الاستحباب . وأمّا العامد لتركهما ، فعلى المشهور لا يجوز له قطع الصلاة الواجبة ، خرج منه قطعها بالمنسي منهما بالنصّ ، فيبقى الباقي على عدم الجواز. وأطلق الشيخ في المبسوط استحباب الإعادة ما لم يركع من غير تقييد بالناسي (335) ، وهو ظاهر ابن أبي عقيل على ما حكي عنه في الدروس (336) ، وهو بعيد . وأبعد منه ما ذهب إليه في النهاية من عكس الأوّل فقد قال : من ترك الأذان والإقامة متعمّدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذّن وليقم ما لم يركع ، ثمّ يستأنف الصلاة ، وإن تركهما ناسيا حتّى دخل في الصلاة ثمّ ذكر مضى في صلاته ولا إعادة عليه (337) . وتبعه ابن إدريس في ذلك (338) ، وكأنّهما تمسّكا في النسيان بالأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم القطع فيه ، وأمّا ما ذكراه في العمد فلم أجد مستندا له ، فتأمّل. قوله في صحيحة زرارة : (أعاد على الأوّل الّذي أخّره) . [ح 15 / 4946] يعني يبنيه على المقدّم الّذي قاله أخيرا ، ويتمّ ما بعده ولا حاجة إلى إعادة ذلك المقدّم ، وهو يدلّ على وجوب الترتيب في الأذان كما هو المشهور ، ومثله الإقامة ، بل هو فيها آكد ؛ لما ورد في خبر عمّار الساباطي ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إن نسي الرجل من الأذان حرفاً حتّى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة ، فليس عليه شيء ، وإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الّذي نسيه ، ثمّ يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة». (339) قوله في خبر معاذ بن كثير : (فليقل قد قامت الصلاة) إلخ . [ح 22 / 4953] أيّده في المنتهى بأنّ ذلك أهمّ فصول الإقامة (340) ، وهو المشهور. وقال الشيخ: «وروى إنّه يقول : حيّ على خير العمل دفعتين» (341) . وعلّله في المنتهى بأنّ فيه تحصيلاً لكمال السنّة (342) ، وأيّده بصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وإذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (343) . ولا بأس أن يؤذّن الغلام الّذي لم يحتلم ، والظاهر التخيير بين الأمرين ، والجمع مع سعة الوقت أفضل. قوله في صحيحة عمران بن عليّ : (سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان قبل الفجر) إلخ . [ح 23 / 4954] يدلّ على جواز التأذين للصلاة قبل الفجر للمنفرد . وظاهره الاكتفاء به للصلاة ، وهو جيّد لأنّ الأذان للوقت على ما هو المستفاد من الأخبار المتكثّرة . وفي الفقيه : وسأل معاوية بن وهب أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان فقال : «اجهر وارفع به صوتك ، وإذ أقمت فدون ذلك ، ولا تنتظر بأذانك وإقامتك إلّا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا (344) » (345) . ولم أجد تصريحاً من أحد من الأصحاب به . نعم ، صرّح جماعة منهم الشيخ في الخلاف والنهاية بجوازه للإعلام ؛ لينتبه النائمون ، ويتأهّب السامعون ، لكن مع إعادته بعده (346) ؛ لصحيحة ابن سنان وهو عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قلت له: إنّ لنا مؤذّناً يؤذّن بليل ، فقال : «أما إنّ ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة ، فأمّا السنّة فإنّها ينادي مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلّا الركعتان» (347) . ومضمر ابن سنان ، قال : سألت عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : « لا بأس ، فأمّا السنة مع الفجر ، وأنّ ذلك لينفع الجيران» ، يعني قبل الفجر (348) . وعن ابن أبي عقيل أنّه ادّعى تواتر الأخبار عليه (349) . وعنه أنّه كان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله مؤذّنان ، أحدهما : بلال والآخر ابن اُمّ مكتوم، وكان أعمى ، وكان يؤذّن قبل الفجر ، ويؤذّن بلال إذا طلع الفجر ، وكان عليه السلام يقول : « إذا سمعتم أذان بلال فكفّوا عن الطعام والشراب » (350) . وهو محكي في الناصريات (351) والخلاف (352) عن جماعة من العامّة منهم الشافعي وأبو يوسف ومالك (353) . ومنعه السيّد في ذلك الكتاب وابن إدريس (354) ، وهو منقول في الخلاف (355) عن أبي حنيفة (356) ، وعلّل ذلك بأنّ الأذان إنّما يكون للإعلام بدخول الوقت . واُورد عليه بمنع الحصر مستندا بما ذكر ، وربّما احتجّ عليه بما رواه الجمهور من أنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبيّ صلى الله عليه و آله أن يعيد (357) . وعن عياض بن عامر ، عن بلال أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «لا تؤذّن حتّى يستبين لك الفجر هكذا» ومدّ يده عرضاً (358) . واُجيب عن الأوّل بأنّا نقول بموجبه ؛ إذ يستحبّ الإعادة على ما عرفت ، وليس فيه نهي عن التأذين قبل الفجر . وعن الثاني بأنّه عليه السلام إنّما نهى بلالاً عن ذلك لأنّه كان وظيفته الأذان الإعلامي ، وكان الناس يعتمدون على أذانه في الوقت ، ولا ينافي ذلك استحبابه من غيره . ويؤيّده أنّ ابن اُمّ مكتوم كان يداوم عليه ولم يمنعه رسول اللّه صلى الله عليه و آله قطّ (359) . وفي المنتهى: «وينبغي لمن يؤذّن قبل الفجر أن يجعل لنفسه ضابطاً ، فيؤذّن في الليالي كلّها في وقتٍ واحد ؛ لئلّا تنتفي الفائدتان» (360) . قوله في خبر أحمد بن أبي نصر : (القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلّها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصلّيها) . [ح 24 / 4955] ظاهره اختصاص استحباب الفصل بينهما بالنافله بما إذا كان الأذان والإقامة للصلاة الّتي تتقدّم نافلة موظّفة عليها . ويدلّ على استحباب الفصل بالموظّفة في الفجر صحيحة عبد اللّه بن سنان (361) المتقدّمة قبيل هذا . ويؤيّده صحيحة عمران الحلبي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما، فقال : «إذا كنت إماماً تنتظر جماعة فالأذان قبلهما ، وإن كنت وحدك فلا يضرّك أقبلهما أذّنت أو بعدهما» (362) . وفي الظهرين خبر أبي علي صاحب الأنماط ، عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن عليهم السلام ، قال : قال : «تؤذّن للظهر على ستّ ركعات ، وتؤذّن للعصر على ستّ ركعات بعد الظهر» (363) . وعلى عدم استحبابه بنافلة مبتدأة ما تقدّم من كراهيتها في وقت الفريضة ، فينبغي أن يخصّ عموم الركعتين فيما سيأتي عن سليمان بن جعفر ، فلا وجه لما ذكره جماعة من استحباب الفصل بركعتين من غير تقييد . ويظهر من مرفوعه جعفر بن محمّد بن يقظان (364) استحباب الجمع بينهما ، عموماً . ويؤكّدها عموم صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : سمعته يقول : «اُفرّق بين الأذان والإقامة بجلوس أو بركعتين» (365) . فإن قلت : يفهم من بعض الأخبار عدم استحبابه في صلاة المغرب ، رواه سيف بن عميرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «بين كلّ أذانين قعدة ، إلّا المغرب فإنّ بينهما نفساً» (366) . قلنا: الخبر لعدم صحّته ؛ لاشتماله على سيف (367) وعلى الإرسال لا يقبل المعارضة لما ذكر من العموم ، وخصوص خبر سعدان بن مسلم ، عن أبي إسحاق الحريري ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «من جلس فيما بين الأذان والإقامة كان كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه » (368) . على أنّه يمكن حمله على عدم تأكّد الاستحباب ؛ لضيق وقت المغرب . ويدلّ بعض الأخبار على استحباب الذكر بينهما ، رواه عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ... يقول : إلى قوله _ : سئل ما الّذي يجزي من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال : «يقول : الحمد للّه » (369) . وفي الذكرى عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «الدعاء بين الأذان والإقامة لا يردّ» (370) . وفي بعضها استحباب الدعاء مع الجلوس ، وهو خبر محمّد بن يقظان ، وقد رواه الشيخ في التهذيب عن المصنّف بهذا السند بعينه هكذا : قال : «يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس: اللّهمّ اجعل قلبي بارّا ، وعمل سارّا ، ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرارا ومستقرّا» (371) . وفي نهايته : «وإذا سجد الإنسان بين الأذان والإقامة يقول في سجوده : اللّهمّ اجعل قلبي بارّا، وعملى سارّا ، ورزقي دارّا ، واجعل لي عند قبر نبيّك صلى الله عليه و آله مستقرّا وقرارا» (372) . وفي الذكرى بعد ما ذكر استحباب هذا الدعاء في الجلوس بينهما : «ويستحبّ قوله ساجدا» (373) . وفي المصباح الصغير للشيخ: وإذا سجد بين الأذان والإقامة قال فيها : لا إله إلّا أنت ، ربّي سجدت لك خاضعاً خاشعاً ذليلاً ، فإذا جلس قال : سبحان من لا تبيد معالمه ، سبحان من لا ينسى من ذكره، سبحان من لا يخيب سائله ، سبحان من ليس له حاجب يغشى ولا بوّاب يرشى ولا ترجمان يناجى ، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء ، سبحان من فلق البحر لموسى ، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلّا كرماً وجودا ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره. وإن قال في سجدة بين الأذان والإقامة: اللّهمّ اجعل قلبي بارّا ، وعملى سارّا ، ورزقي دارّا، واجعل لي عند قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله مستقرّا وقرارا، أجزأه ، والكلّ حسن (374) . قوله في خبر إسماعيل بن جابر : (إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام كان يؤذّن ويقيم غيره) . [ح 25 / 4956] لم أجد مخالفاً لذلك من الأصحاب ، وهو المشهور بين العامّة ، وعن بعضهم عدم جوازه، (375) ، محتجّاً بما نقلوه عن أبان بن الحارث الصيداوي ، قال : أمرني النبيّ صلى الله عليه و آله فأذّنت فجعلت أقول : أقيم يا رسول اللّه ، وهو ينظر ناحية المشرق ويقول : «لا» حتّى طلع الفجر ، ثمّ انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه ، فتوضّأ فأراد بلال أن يقيم ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ أخا صيدا قد أذّن ومن أذّن فهو يقيم»، قال : فأقمت (376) . وفيه: منع صحّة الخبر ؛ لاشتماله على التأذين للجماعة قبل طلوع الفجر ، ولم أجد قولاً بذلك من أحد من العلماء. نعم ، ورد خبر في ذلك منفرد ، وقد سبق . ولو سلّمت فيحتمل الحمل على الأفضليّة. قوله في خبر الحسن بن السرّي: (الأذان ترتيل والإقامة حدر) . [ح 26 / 4957] في بعض نسخ التهذيب (377) : «ترسيل» بدل «ترتيل»، وهما بمعنى واحد، ففي نهاية ابن الأثير : «ترسّل الرجل في كلامه ومشيه ، إذا لم يعجل ، وهو والترتيل واحد» (378) . والإسراع في الإقامة يتحقّق بتقصير الوقف على الفصول لا تركه ؛ لكراهة إعرابها حتّى لو ترك الوقف فالتسكين أولى على ما صرّح به جماعة منهم الشهيد الثاني في شرح اللمعة (379) ، وقد سبق حدر الإقامة في خبر متعدّد ، وقال الشهيد في الذكرى : ولا ينافي حدر الإقامة قوله : «وأقم مترسّلاً» ؛ لإمكان حمله على ترسّل لا تبلغ ترسّل الأذان ، أو على ترسّل لا حركة فيه ولا ميلاً عن القبلة كما في حديث سليمان بن صالح عن الصادق عليه السلام : «وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة» (380) . قوله في مرفوعة ابن أبي نجران : (على كثبان المسك) . [ح 27 / 4958] الكثبان بضمّ الكاف : جمع كثيب كرغفان ورغيف . وقال الجوهري : انكثب الرمل : اجتمع ، ومنه سُمّي الكثيب وهي تلال الرّمل (381) . قوله في خبر ربعي بن عبد اللّه : (قال : مثل ما يقول في كلّ شيء) . [ح 29 / 4960] و[مثله] من طريق العامّة (382) . يستحبّ حكاية الأذان عندنا وعند أكثر العامّة (383) ؛ تأسيّاً بالنبيّ صلى الله عليه و آله . وفي الذكرى: وروى محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام أنّه قال : «لابدّ من ذكر اللّه على كلّ حال ، ولو سمعت المنادى بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر اللّه تعالى وقل كما يقول المؤذّن» (384) . وروى أبو سعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذّن» (385) . وروى ابن بابويه أنّ حكايته تزيد في الرزق (386) . انتهى (387) . وعن بعض العامّة وجوبها (388) ، وكأنّهم تمسّكوا بظاهر الأمر في خبر الخدري. واقتصر بعضهم على استحبابها إلى آخر الشهادتين (389) ؛ معلّلاً بأنّ القصد من الحكاية تحصيل ثواب ذكر الأذان، وهو كماتري. وإطلاق الأخبار يقتضي استحبابها ولو في القراءة والصلاة. ونقل طاب ثراه عن بعض الأصحاب التخيير في الصلاة والحكاية والمضي فيها، وهو مذهب الشيخ في الخلاف حيث قال بعدم استحبابها فيها ، فريضةً كانت أو نافلةً، ولو حكاها لا تبطل الصلاة ؛ معلّلاً بأنّه يجوز الدعاء فيها عندنا (390) . وعن بعض العامّة : أنّ الأولى تركها في مطلق الصلاة (391) . وعن الحنفيّة عدم جوازها فيها مطلقاً (392) ، وعن بعضهم تركها في الفريضة دون النافلة (393) . ومنع الشهيدان في الذكرى (394) وشرح اللّمعة (395) حكاية الحيّعلات بناءً على أنّها ليست ذكرا فتلحق بكلام الآدميّين، وقالا: يبدّلها بالحوقلة ، وهو منسوب في المبسوط إلى الرواية (396) ، ولم أجدها من طريق الأصحاب. نعم روى مسلم في صحيحه عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب ، عن أبيه ، عن جدّه عمر بن الخطّاب ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا قال المؤذّن اللّه أكبر [اللّه اكبر ]فقال أحدكم : اللّه أكبر [اللّه اكبر] ، ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه قال : أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، ثمّ قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه قال : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، ثمّ قال : حيّ على الصلاة قال : لا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، ثمّ قال حيّ على الفلاح قال : لا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، ثمّ قال : اللّه أكبر اللّه أكبر قال : اللّه أكبر اللّه أكبر، ثمّ قال : لا إله إلّا اللّه قال : لا إله إلّا اللّه من قلبه دخل الجنّة» (397) . وهو منقول عن الشافعي مع القول بإفسادها للصلاة (398) . والمتبادر من الحكاية هو قول كلّ فصل بعد المؤذّن أو معه، و هو مذهب الأصحاب وأكثر العامّة ، وعن بعضهم تجويزها قبل المؤذّن (399) ، وهو ضعيف جدّا. قوله في خبر عبد اللّه بن سنان: (يا بلال أعل فوق الجدار) . [ح 31 / 4962] في المنتهى : يستحبّ أن يؤذّن على مرتفع؛ لأنّه أبلغ في رفع الصوت ، فيكون النفع به أتمّ. وفي المبسوط : «يكره الأذان في الصومعة». وفيه أيضاً : «لا فرق بين أن يكون الأذان على المنارة أو على الأرض» (400) . والأولى ما اخترناه من استحباب العلوّ. انتهى (401) وقد روي عن عليّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الأذان في المنارة ، أسنّة هو؟ فقال : «إنّما كان يؤذّن للنبيّ صلى الله عليه و آله في الأرض ولم يكن يومئذٍ منارة» (402) ، وهو لا يناسب استحباب العلوّ . والأمر برفع الصوت في هذا الخبر وفي الأخبار المتعدّدة المتقدّمة يقتضي استحباب كون المؤذّن صيّتاً. ويستحبّ كون المؤذّن صيّتا، وعلّل في المنتهى بأنّ القصد به الإعلام والنفع بالصّيت فيه أبلغ ، ثمّ قال : ولا نعرف فيه خلافاً ، روى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال لعبد اللّه بن زيد : «ألقه على بلال ، فإنّه أندى صوتاً منك» (403) . واختار عليه السلام أبا محذورة للأذان ؛ لكونه صيّتا (404) . ومن طريق الخاصّة ما رواه الشيخ عن محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «المؤذّن يغفر له مدّ صوته بشهادة كلّ شيء سمعه» (405) . وعن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من أذّن عشر سنين محتسباً يغفر له مدّ بصره وصوته في السماء ، ويصدّقه كلّ رطب ويابس سمعه ، وله من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم ، وله من كلّ من يصلّي بصوته حسنة» (406) . وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (407) ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا أذّنت فلاتخفينّ صوتك ، فإنّ اللّه يأجرك مدّ صوتك». انتهى (408) . والظاهر عدم اختصاصه بالأذان الإعلامي ولا بأذان الجماعة ؛ لعموم بعض الأخبار ، وقد سبق في خبر محمّد بن راشد ، عن هشام بن إبراهيم ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام : أنّ رفع الصوت بالأذان في البيت يوجب رفع العلل والأمراض ، ويورث كثرة الولد (409) ، وظاهره في المنفرد. قوله في خبر جعفر بن محمّد بن يقطان: (اللّهمّ اجعل قلبي بارّا) إلخ. [ح 32 / 4963] البارّ بتشديد الرّاء : اسم فاعل من البرّ يعني محسناً مطيعاً (410) ، والدارّ أيضاً بتشديد الرّاء من درّ اللّبن ، إذا زاد وكثر جريانه من الضّرع (411) ، والقارّ أيضا بالتشديد من القرار ، أي مستمرّا غير منقطع ، أو من القرّ بمعنى الهنيء المريء الّذي فيه قرّة العين (412) . والمستقرّ والقرار قيل : هما مترادفان على أن يكون المستقرّ مصدرا ميميّاً ، والظاهر أنّه اسم مكان هو محلّ القرار (413) . ونقل عن الشهيد (414) : أنّ المستقرّ في الدنيا والقرار في الآخرة ؛ محتجّاً بقوله سبحانه: «وَ لَكُمْ فِى الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» (415) ، «وَ إِنَّ الْأَخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ» (416) ، والمراد أن يكون مسكنه في الحياة ومدفنه بعد الممات في المدينة المقدّسة (417) . قوله في خبر سليمان الجعفري: (ويستحبّ من أجل الشيطان) . [ح 35 / 4966] أي الشيطان الّذي يعبث بالصبيان. وعن الصادق عليه السلام قال : «إذا تغوّلت لكم الغول فأذّنوا» (418) ، وفي القاموس : ساحرة الجن وشيطان يأكل الناس (419) ، وفي بعض النسخ : «الصبيان» بدل «الشيطان».
.
ص: 502
. .
ص: 503
. .
ص: 504
. .
ص: 505
. .
ص: 506
. .
ص: 507
. .
ص: 508
. .
ص: 509
. .
ص: 510
. .
ص: 511
. .
ص: 512
. .
ص: 513
. .
ص: 514
. .
ص: 515
. .
ص: 516
. .
ص: 517
. .
ص: 518
. .
ص: 519
. .
ص: 520
. .
ص: 521
. .
ص: 522
. .
ص: 523
. .
ص: 524
. .
ص: 525
. .
ص: 526
. .
ص: 527
. .
ص: 528
. .
ص: 529
. .
ص: 530
. .
ص: 531
. .
ص: 532
. .
ص: 533
. .
ص: 534
. .
ص: 535
. .
ص: 536
. .
ص: 537
. .
ص: 538
. .
ص: 539
. .
ص: 540
. .
ص: 541
. .
ص: 542
. .
ص: 543
. .
ص: 544
. .
ص: 545
. .
ص: 546
. .
ص: 547
. .
ص: 548
. .
ص: 549
. .
ص: 550
. .
ص: 551
. .
ص: 552
. .
ص: 553
. .
ص: 554
. .
ص: 555
. .
ص: 556
. .
ص: 557
. .
ص: 558
. .
ص: 559
. .
ص: 560
. .
ص: 561
. .
ص: 562
. .
ص: 563
. .
ص: 564
. .
ص: 565
. .
ص: 566
. .
ص: 567
. .
ص: 568
باب القول عند دخول المسجد والخروج منهأي عند إرادة الدخول فيه والخروج عنه ، كما في قوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ» (1) ، ومنه قوله عليه السلام في خبر يونس (2) ، وحسنة عبد اللّه بن سنان: «إذا دخلت وإذا خرجت» (3) ، وفي حسنة معاوية بن وهب: «إذا قمت إلى الصلاة» (4) .
.
ص: 569
فهرس المطالب .
ص: 570
. .
ص: 571
. .
ص: 572
. .
ص: 573
. .
ص: 574
. .
ص: 575
. .