شرح فروع الکافی المجلد 1

اشارة

سرشناسه : مازندرانی، محمدهادی بن محمدصالح، - 1120ق.

عنوان و نام پديدآور : شرح فروع الکافی/محمدهادی بن محمد صالح المازندرانی ؛ تحقیق محمدجواد المحمودی، محمدحسین درایتی.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحدیث العلمیه والثقافیه، مرکز للطباعه والنشر،1430ق.= 1388.

مشخصات ظاهری : 5ج.

فروست : مرکز بحوث دارالحدیث؛157

الشروح والحواشی علی الکافی؛13

مجموعه آثارالموتمرالدولی الذکری ثقه الاسلام الکلینی(ره)؛ 19؛ 22

شابک : دوره: 978-964-493-328-8 ؛ 60000 ریال: ج.1: 978-964-493-318-9 ؛ ج.4: 978-964-493-392-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : کتاب حاضر به مناسبت کنگره بین المللی بزرگداشت ثقه الاسلام کلینی تحقیق و تصحیح شده است.

مندرجات : ج.1. کتاب الطهاره.-ج.2. کتاب الحیض والجنائز والصلاه.-ج.3. کتاب الصلاة و کتاب الزکاه.-ج.4.کتاب الصیام والحج.-ج.5. کتاب الحج.

موضوع : کلینی، محمد بن یعقوب - 329ق. . الکافی. فروع. - نقدو تفسیر.

موضوع : احادیث شیعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : محمودی، محمدجواد، 1340 -

شناسه افزوده : درایتی، محمدحسین، 1343 -

شناسه افزوده : کلینی، محمدبن یعقوب،239ق. الکافی. فروع. شرح.

شماره کتابشناسی ملی : 1852894

ص: 1

تصدير

تصديرلا يزال الكافي يحتلّ الصدارة الاُولى من بين الكتب الحديثية عند الشيعة الإمامية ، وهو المصدر الأساس الذي لا تنضب مناهله ولا يملّ منه طالبه ، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه ، ولا العالم ، ولا المعلّم ، ولا المتعلّم ، ولا الخطيب ، ولا الأديب . فقد جمع بين دفّتيه جميع الفنون والعلوم الإلهيّة ، واحتوى على الاُصول والفروع . فمنذ أحد عشر قرنا وإلى الآن اتّكأ الفقه الشيعي الإمامي على هذا المصدر لما فيه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، وهو أوّل كتاب جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب . وبعد ظهور الكافي اضمحلّت حاجة الشيعة إلى الاُصول الأربعمائة ، لوجود مادّتها مرتّبة ، مبوّبة في ذلك الكتاب . ولقد أثنى على ذلك الكتاب القيّم المنيف والسفر الشريف كبار علماء الشيعة ثناءً كثيرا ؛ قال الشيخ المفيد في حقّه : «هو أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة» وتابعه على ذلك من تأخّر عنه . ومن عناية الشيعة الإمامية بهذا الكتاب واهتمامهم به أنّهم شرحوه أكثر من عشرين مرّة ، وتركوا ثلاثين حاشية عليه ، ودرسوا بعض اُموره ، وترجموه إلى غير العربية ، ووضعوا لأحاديثه من الفهارس ما يزيد على عشرات الكتب ، وبلغت مخطوطاته في المكتبات ما يبلغ على ألف وخمسمائة نسخة خطيّة ، وطبعوه ما يزيد على العشرين طبعة . ومن المؤسف أنّ الكافي وشروحه وحواشيه لم تحقّق تحقيقا جامعا لائقا به ، مبتنيا على اُسلوب التحقيق الجديد ، على أنّ كثيرا من شروحه وحواشيه لم تطبع إلى الآن وبقيت مخطوطات على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة ، بعيدة عن أيدي الباحثين والطالبين. هذا ، وقد تصدّى قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث تحقيق كتاب الكافي ،

.

ص: 2

وأيضا تصدّى في جنبه تحقيق جميع شروحه وحواشيه _ وفي مقدّمها ما لم يطبع _ على نحو التسلسل. و من هذه الشروح ، الشرح الذي بين يديك ، لمؤلّفه المولى محمّد هادي بن محمّد صالح بن أحمد المازندراني الإصفهاني ، وقد ولد و نشأ في أصفهان، وتربّي في حجر والدين عالمين فقيهين ، فكان نجما من نجوم العلم المتألّقة في سماء الإنسانيّة ، فهو عالم فقيه ، إضافةً إلى أنّه مترجم خطّاط ، وقد عبّر عنه بعض الأعاظم ب «فقيه الزمان» ، كما و أطلق عليه تلميذه الحزين اللاهيجي : «مجتهد الزمان» . وما الشرح الذي بين يديك _ عزيزي القارئ _ إلاّ نفحة من تلك النفحات السامية ؛ فإنّه يحكي عمق نظره، وسعة اطّلاعه، وغور فكره . وكان الباعث لتأليف هذا السفر أنّ والده المولى محمّد صالح المازندراني شرح قسمي الاُصول والروضة من الكافي ، ولم يتسنّى له شرح الفروع منه ، فواصل قدس سره عمل والده ، فشرح قسم الفروع من الكافي ، وما وصل و عثرنا عليه منها اشتمل على الكتب التالية : الطهارة ، الحيض ، الجنائز ، الصلاة _ إلاّ أنّه ناقص _ الزكاة ، الصوم ، الحجّ . وكان اُسلوبه في شرح الأحاديث كاُسلوب الكتب اللفقهيّة ، فكان بعد ذكر عنوان كلّ باب يذكر الأقوال المختلفة فيه ، وينقل أدلّتها و مناقشاتها ، ثمّ يذكر بعض الروايات التي يراها بحاجة إلى توضيح، ويبيّن المراد بها بأحسن بيان ، و عليه فيعدّ هذا الكتاب كتابا فقهيّا قبل أن يكون حديثيّا ، فهو موسوعة فقهيّة ميسّرة اشتملت الكتب التي شرحها . وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل والامتنان الجميل لجميع الإخوة الذين ساهموا في تحقيق هذا الأثر القيّم ، وأخصّ منهم بالذكر الشيخ محمّد جواد المحمودي و الشيخ عليّ الأنصاري الحميداوي ، ونسأل اللّه لهم مزيد التوفيق . قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث محمّد حسين الدرايتي

.

ص: 3

مقدّمة التحقيق

اشاره

بسم اللّه الرحمن الرحيممقدمة التحقيقالحمد للّه ربّ العالمين ، و صلّى اللّه على سيّد الأنبياء وخاتم المرسلين محمّد ، و على آله الطيّبين الطاهرين المعصومين ، الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، أمّا بعد : فإنّ كتاب الكافي من أحسن الكتب المصنّفة في فنون علوم الإسلام ، وأحسنها ضبطا ، وأضبطها لفظا ، وأتقنها معنى ، و أكثرها فائدة ، و أعظمها عائدة . وقد تصدّى جماعة من أعاظم العلماء لشرحه ، خصوصا لقسم الاُصول منه ، ومن جملتها شرح المولى محمّد صالح المازندراني قدس سره ، وهو شرح مزجي ، حسن العبارة ، خال من التكلّف ، خارج عن الحدّين : الإفراط والتفريط ، وهو من أحسن الشروح ، لكنّه اكتفى على شرح الاُصول والروضة ولم يشرح الفروع منه ، قال الاُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني قدس سره في آخر الفصل الثالث من رسالة الاجتهاد : يا أخي ، حال المجتهدين المحتاطين حال جدّي العالم الربّاني ، والفاضل الصمداني ، مولانا محمّد صالح المازندراني ، فإنّي سمعت أبي رحمه الله : أنّه بعد فراغه من شرح اُصول الكافي أراد أن يشرح فروعه أيضا ، فقيل له : يحتمل أن لايكون لك رتبة الاجتهاد! فترك لأجل ذلك شرح الفروع ، ومن لاحظ شرح اُصوله عرف أنّه كان في غاية مرتبة من العلم والفقه ، وفي صغر سنّه شرح معالم الاُصول ، ومن لاحظ شرح معالم الاُصول علم مهارته في قواعد المجتهدين في ذلك السنّ. (1) لكن حكى المحدّث النوري قدس سره عن العالم الجليل السيّد حامد حسين الهندي قدس سرهأنّه

.


1- .رسالة الاجتهاد ، ص 11 ؛ خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 195 ؛ روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 .

ص: 4

الفصل الأول : المؤلف

ذكر في بعض مكاتباته إليه : عثر على مجلّد من مجلّدات شرحه على الفروع ، وعزم على استنساخه وإرساله ، فلم يمهله الأجل . (1) والظاهر عدم تماميّة هذه النسبة ، فإنّها لم تثبت ، ولم تنقل عن أحد غيره بأنّ له شرح على قسم الفروع ، بل كلام الوحيد البهبهاني قدس سره صريح في النفي ، و صرّح به أيضا الأفندي حيث قال : «قرأت عليه شطرا من اُصول الكافي و سمعته منه ، ... وشرح الكافي لم يتمّ منه سوى شرح الاُصول والروضة ، وأمّا على الباقي فليس إلّا تعليقات على هامش الكتاب ...» . (2) فيحتمل أن يكون ما نقله المحدّث النوري عن السيّد حامد حسين _ قدس سرّهما _ مرتبطا بهذه التعليقات ، وأن يكون التعبير بالشرح مسامحة أو سهوا منه . وأراد المولى محمّد هادي بن المولى محمّد صالح أن يشرح قسم الفروع من الكافي ، و بذلك يكمّل ما شرعه أبوه ، و أذكر هنا ما يرتبط بالمؤلّف وبالكتاب في فصلين ، ثمّ أذكر العمل في تحقيق هذا الكتاب في فصل .

الفصل الأوّلالمؤلّف :هو محمّد هادي بن محمّد صالح بن أحمد المازندراني الإصفهاني ، و هذا هو الصحيح في اسمه وقد صرّح به في ختام كثير من كتبه منها شرحه هذا على الكافي ، وسيأتي في نهاية الفصل الثاني عند التعريف بنسخ الكتاب ، وقد يقال في اسمه : «هادي» ، واشتهر ب «آقا هادي» وب «هادي المترجم» ، وهذا النوع من التلخيص والاختصار في الأسماء أمر رائج بين الناس حيث يحذفون في الأسامي المركّبة القسمَ الأوّل منها ويكتفون بالثاني منها ، فيقال لمحمّد جواد و محمّد كاظم و محمّد

.


1- .خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 196 .
2- .رياض العلماء ، ج 5 ، ص 110 ، ترجمة محمّد صالح المازندراني .

ص: 5

تقي و محمّد مهدي : «جواد» و «كاظم» و «تقي» و «مهدي» . ولد في مدينة إصفهان و بها نشأ ، و تربّي في حجر والدين عالمين فقيهين وسأذكر ترجمتها، ولم أعثر على سنة ولادته.

شهرته بالمترجم:بعد تأسيس الدولة الصفويّة في إيران زادت سرعة حركة الترجمة فيها ، مضافا إلى تأليف الكتب الأخلاقيّة و الدينيّة باللغة الفارسيّة، و لذا نَرى المجلسيّين و الخليل و الفيض و أمثالهم يحاول كلّ منهم ترجمة قسما من التراث، و المترجم له أشدّ حماسا في ذلك من غيره، و ترجم القرآن الكريم و الصحيفة السجّاديّة و كثيرا من الكتب المذكورة بعضها في آثاره، فلقّب بالمترجم. (1)

فقاهته:كان المترجم له عالما فقيها، يظهر ذلك من كتابه شرح المعالم بوضوح، و قد صرّح بذلك بعض من ترجم له، و قد عبّر عنه سبط الوحيد البهبهاني ب «فقيه الزمان» (2) ، و تلميذه الحزين اللاهيجي ب «مجتهد الزمان» (3) ، والميرزا محمّد علي المدرّس بأنّه من مشاهير الفضلاء الفقهاء (4) ، و يدلّ على ذلك كتابه هذا في شرح الفروع من الكافي، فإنّه أقوى شاهد على فقاهته.

خطّه الجميل:كان للمترجم له خطّ جميل بحيث يعدّ من أساتذة هذا الفنّ، و يشهد له ما وجدنا من شرح الكافي بخطّه الشريف.

.


1- .انظر: روضات الجنّات، ج 4، ص 121؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 148.
2- .مرآة الأحوال، ج 1، ص 106.
3- .نجوم السماء، ص 202.
4- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 148 .

ص: 6

قال الخوانساري : «لايبعد كونه أحدا من المشهورين في الخطّ المنكسر ، وكذلك النستعليق» . (1) و قال السيّد حسن الأمين : محمّد هادي الإصفهاني و هو ابن الملّا محمّد صالح المازندراني ، ويعدّ من ألمع خطّاطي الخطّ النسخي ، وقد كان من معاصري إبراهيم آقا القمّي ومن أتباعه في منهجه وقواعده . (2) وقال الفضائلي: محمّد هادى اصفهاني فرزند ملّا محمّد صالح مازندرانى، در زمره علما و زهّاد، و در خط نسخ به خوشنويسى معروف، و از معاصرين و پيروان شيوه آقا ابراهيم قمّى بوده است، زندگانى وى در اصفهان گذشته و در اين شهر به هنگام فتنه افغان در سال 1135 رخت به دار آخرت برده است. (3) و يظهر من بعض كتب التراجم أنّه كتب روضة المتّقين للمولى محمّد تقي المجلسي، قال العلّامة الطهراني: قطعة منه من كتاب القضايا والأحكام إلى آخر الأيمان و النذر بخطّ الآقا هادي المترجم بن المولى محمّد صالح المازندراني، فرغ من الكتابة في ع 1/1089، كانت عند الشيخ عبّاس القمّي. (4) وكتب أيضا بعض أجزاء شرح الكافي لوالده المولى محمّد صالح المازندراني ، منها : كتاب التوحيد ، تاريخ كتابتها سنه 1073 ه ق (5) ، وكتاب العقل وفضل العلم ، تاريخ كتابتها سنة 1074 ه ق . (6)

.


1- .روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 ، ترجمة محمّد صالح المازندراني برقم 355 .
2- .مستدركات أعيان الشيعة ، ج 1 ، ص 45 .
3- .اطلس خطّ، ص 355.
4- .الذريعة، ج 11، ص 303، الرقم 1063.
5- .نسخة منه موجودة في مكتبة جامعة طهران برقم 3784 . الفهرس ، ج 12 ، ص 2772 ؛ فهرستگان نسخه هاى خطّى ، ج 4 ، ص 415-416 ، الرقم 10556 .
6- .نسخة منه في مكتبة جامعة طهران برقم 3784 . الفهرس ، ج 12 ، ص 2772 ؛ فهرستگان نسخه هاى خطى ، ج 4 ، ص 416 ، الرقم 10558 .

ص: 7

وأيضا جزء منه في 212 ورقة عليها حواش مختصرة منه ، تاريخ كتابتها 1088 ه ق (1) .

عصره:كان بداية عصر المؤلّف عصر حضارة العلم و الإيمان، حضارة الكتابة و القلم و المدرسة، و كانت مدينة إصفهان مركزا علميّا من كبريات مراكز العلم في العالم الاسلامي، و ازدهرت هذه المدينة من بداية الحكومة الصفويّة بالفقهاء و المحدّثين و المفسّرين و الحكماء و الاُدباء و الشعراء، منهم: المحقّق الكركي، و حسين بن عبدالصمد، و عبدالعالي بن عليّ بن عبدالعالي الكركي، و بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي ، و المير داماد، و المجلسيّان، و المولى محمّد صالح المازندراني، و الشيخ لطف اللّه الميسي و غيرهم، و بالمدارس العلميّة، و حفلت هذه المدارس بأعداد كبيرة من شباب الطلبة الوافدين إلى إصفهان، و قد ولد المولى محمّد هادي في هذا العصر و في بيت العلم و الفقاهة ؛ إذ كان والده محمّد صالح عالما فقيها مدرّسا، و والدته عالمة فقيهة، وجدّه الشيخ محمّد تقي المجلسي و خاله الشيخ محمّد باقر المجلسي من أعاظم علماء الإماميّة، و المترجم له عاش في تلك الحقبة من ذلك الزمن الزاهر، الزاخر بالعلوم و المعارف و الآداب، و بلغ مرتبة الكمال في عدّة علوم ، و شرع في التدريس و التأليف. لكن هذه الفترة انقطعت بفتنة محمود الأفغان الّتي تستقطب طلبة العلم و الفقهاء و العلماء و المدرّسين ، و قد قتل فيها كثير من الناس و منهم ابنه محمّد مهدي بن محمّد هادي المازندراني و كثير من العلماء، و بقي المترجم إلى ذلك الزمان ، و قد شرح هذا الواقعة في بعض كتبه، على ما نقل عنه العالم المتتبّع الميرزا محمّد باقر

.


1- .نسخة منها في مكتبة ملّي في طهران ، برقم 2620 / ع . الفهرس ، ج 13 ، ص 34 ؛ فهرستگان نسخه هاى خطّى ، ج 4 ، ص 417 ، الرقم 10574 .

ص: 8

الموسوي الخوانساري. قال الخوانساري _ بعد أن نقل بعض ما وقع بإصفهان في فتنة محمود الأفغان _ : و ممّن أشار إلى نبذة من تلك الوقعات و شرح عن جملة منها على وجوه الألواح... المولى الفاضل الأديب النجيب الآقاهادي بن مولانا محمّد صالح المازندراني في بعض مجاميعه...، قال في ذيل ما نقله عن بعض التواريخ المعتمدة من أنّ الأسعار غلت بمصر سنة 465، و كثر الموت، و بلغ الغلاء إلى أنّ امرأة تقوّم عليها رغيف بألف دينار، و سبب ذلك أنّها باعت عروضا لها قيمتها ألف ألف دينار بثلاثمئة دينار، و اشترت عشرين رطلاً حنطة، فنهبت من ظهر الحمّال و نهبت هي أيضا مع الناس فأصابها ممّا خبزته رغيف واحد. و أقول: إنّ من حضر وقعة إصفهان من مخاذلة أفغان و محاضرة هذا العام، و هو سنة أربع و ثلاثين و مئة بعد الألف، و شاهد ماجرى في ثمانية أشهر من شدّة الغلاء حتّى أنّ منّا من الحنطة _ و هو ثمانية عشر أرطال بالعراقي _ بيع بخمسة توامين _ و هو ألف درهم _ ثمّ نفدت الحنظة و الاُرز و سائر الحبوبات، و انتهى الأمر إلى اللحوم، فمن الغنم إلى البقر، و منه إلى الفرس و البغل، ثمّ الحمير، ثمّ الكلاب و السنّور، ثمّ لحوم الأموات، ثمّ قتل بعضهم بعضا _ ابتغاء لحمه _ و ما وقع في طيّ ذلك من الموت و القتل حتّى أنّه كان يموت في كلّ يوم ألف ألف نفس! و كان يباع الضياع و الفراش و الأثاث بربع العشر و دونه، ولا يحصل منه شيء أصلاً، و بالجملة فوربّ البيت ما بولغ من ذلك فما كان جزافا _ أعاذنا اللّه من مثله _ لم يتعجّب ممّا في ذلك التاريخ، بل يجزم بتّا قطعا أنّه ما وقعت شدّة عظيمة و بليّة مرزية من يوم خلق السماوات و الأرضون ولا يقع مثلها إلى الساعة، و مع ذلك كان في خارج البلد في غاية الرخص و الوفور، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، انتهى. (1)

والده:محمّد صالح بن أحمد السروي المازندراني، كان قدس سره من أعاظم العلماء، جامعا للمعقول و المنقول، ماهرا في الاُصول و الفروع، أزهد أهل زمانه و أعبدهم، كان والده أحمد

.


1- .روضات الجنّات، ج 1، ص 117 _ 118، ترجمة إسماعيل بن محمّد المازندراني الخاجوئي.

ص: 9

في غاية من الفقر و الفاقه، فقال يوما لولده محمّد صالح: إنّي عاجز عن تحمّل مؤنتك، ولا بدّ لك من السعي للمعاش، فاطلب لنفسك ما تريد. فهاجر إلي إصفهان و سكن بعض مدارسه، و كان لأهله وظائف معيّنة يعطى كلّ على حسب رتبته في العلم، و حيث أنّ محمّد صالح كان مبتدئا في التحصيل كان سهمه منها في كلّ يوم غازين، و هي غير وافية لضروري أكله فضلاً عن سائر مصارفه، فكان يستعين في مدّة طويلة بضوء بيت الخلاء للمطالعة، و هو فيها واقف على قدميه إلى أن صار قابلاً للتلقّي من المحقّق محمّد تقي المجلسي قدس سره، فحضر في محفل إفادته في عداد العلماء الأعلام إلى أن فاق عليهم و صار معتمدا عند اُستاذه في الجرح و التعديل في المسائل، ذا منزلة عظيمة لديه، و تلمّذ أيضا عند المولى عبداللّه التستري و ولده المولى حسنعلي، و تزوّج بابنة المحقّق المجلسي. و كان رحمه الله يقول: أنا حجّة على الطلّاب من جانب ربّ الأرباب؛ لأنّه لم يكن في الفقر أحد أفقر منّي، و قد مضى علَيّ برهة لم أقدر على ضوء غير ضوء المستراح. و أمّا في الحافظة و الذهن فلم يكن أسوأ منّي، إذا خرجت من الدار كنت أضلّ عنها و أنسى أسامي أولادي، و ابتدأت بتعلّم حروف التهجّي بعد الثلاثين من عمري، فبذلت مجهودي حتّى مَنّ اللّه تعالى عَلىّ بما قسمه لي. (1) توفّى المولى محمّد صالح في سنة 1081 أو 1086، و دفن في مقبرة اُستاذه العلّامة المجلسي جنب المسجد الجامع بإصفهان، ممّا يلي رجليه، و هو مزار معروف يزار، والاختلاف في سنة وفاته ناش ممّا كتب على لوح قبره من الشعر بالفارسيّة، و هو: هاتفى گفت به تاريخ كه آهصالح دين محمّد شده فوت فإن حسبنا التاريخ من لفظة «آه» و ما بعده يكون تاريخ و فاته سنة 1086، والّا يكون سنة 1081 ه ق. (2)

.


1- .خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 197 ؛ الفيض القدسي (بحارالأنوار ، ج 2 ، ص 125) .
2- .خاتمة المستدرك، ج 2 ، ص 196 _ 197؛ الفيض القدسي (بحارالأنوار، ج 102، ص 124 _ 125) . و اختار ف الخوانسارى في روضات الجنّات، ج 4، ص 120 سنة 1081.

ص: 10

من آثاره:1 _ حاشية شرح اللمعة. (1) 2 _ شرح معالم الاُصول. (2) 3 _ شرح اُصول الكافي. (3) 4 _ شرح روضة الكافي. (4) 5 _ شرح زبدة الاُصول للشيخ البهائي. (5) 6 _ شرح قصيدة البردة المعروفة. (6) 7 _ شرح من لايحضره الفقيه. (7) 8 - حاشية شرح مختصر الاُصول للعضدي . (8)

والدته:وهي العالمة الفاضلة المجتهدة آمنة بنت العلّامة الشيخ محمّد تقي المجلسي،درست الفقه والحديث والتفسير عند والدها و أخيها العلّامة محمّد باقر المجلسي، ثمّ تصدّت

.


1- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 176 ، الرقم 888 ؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 131 ، الرقم 702 ؛ طبقات أعلام الشيعة ، ج 5 ، ص 288 .
2- .روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 188 ، الرقم 971 ؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 207 ، الرقم 1150 : «الحاشية على المعالم» ؛ وذكره في ج 14 ، ص 71 ، الرقم1787 وقال : «وهو غير حاشية عليه الّتي مرّت في الحواشي كما صرّح به في فهرس تصانيفه» .
3- .روضات الجنّات وغيرها من مصادر ترجمته ، وقد طبعت .
4- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 .
5- .روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 ؛ ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ كشف الحجب والأستار ، ص 336 ، الرقم 1853 .
6- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ روضات الجنّات ، ج 4 ، ص 119 . وانظر : مجلة «تراثنا» ج 41 ، ص 194 .
7- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ كشف الحجب والأستار، ص 356 ، الرقم 1999 ؛ طبقات أعلام الشيعة ، ج 5 ، ص 288 .
8- .ريحانة الأدب ، ج 5 ، ص 147 ؛ الذريعة ، ج 14 ، ص 94 ، الرقم 1877 .

ص: 11

للتدريس والإرشاد ، توفّيت في إصفهان ، ودفنت بمقبرة تخت فولاد ، من آثارها : 1 . ديوان شعر بالفارسيّة . 2 . شرح شواهد البهجة المرضيّة . 3 . شرح ألفيّة ابن مالك . 4 . مجموعة المسائل الفقهيّة . (1) و لزواجها مع المولى محمّد صالح قصّة لطيفة يعجبني ذكرها، قال المحدّث النوري: و لمّا حصل له رغبة في التزويج عرف ذلك منه المولى الاستاذ [تقى المجلسي]، فاستأذن منه يوما أن يتزوّج منه امرأة، فاستحيى، ثمّ أذن له ، فدخل المولى بيته فطلب بنته آمنة الفاضلة المقدّسة البالغة في العلوم حدّ الكمال، فقال لها: عيّنت لك زوجا في غاية من الفقر و منتهى من الفضل و الصلاح و الكمال، و هو موقوف على رضاك، فقالت الصالحة: ليس الفقر عيبا في الرجال. فهيّأ والدها المعظّم مجلسا و زوّجها منه، فلمّا كانت ليلة الزفاف و دخل عليها و رفع البرقع عن وجهها و نظر إلى جمالها عمد إلى زاوية و حمداللّه تعالى و اشتغل بالمطالعة، و اتّفق أنّه ورد على مسألة عويصة لم يقدر على حلّها، و عرفت ذلك منه الفاضلة آمنة بيكم بحسن فراستها، فلمّا خرج المولى من الدار للبحث و التدريس عمدت إلى تلك المسألة و كتبتها مشروحة مبسوطة، و وضعتها في مقامه، فلمّا دخل الليل و صار وقت المطالعة و عثر المولى على المكتوب و حلّ له ما أشكل عليه سجد للّه شكرا، و اشتغل بالعبادة إلى الفجر، و طالت مقدّمة الزفاف إلى ثلاثة أيّام، و اطّلع على ذلك والدها المعظّم، فقال له: إن لم تكن هذه الزوجة مرضيّة لك اُزوّجك غيرها . فقال: ليس الأمر كما توهّم، بل كان همّي أداء الشكر، و كلّما أجهد في العبادة أراني أبلغ شكر أقلّ قليل من هذه العناية. فقال رحمه الله : الإقرار بالعجز غاية شكر العباد. (2)

.


1- .موسوعة مؤلّفي الإماميّة، ج 1 ، ص 104 .
2- .خاتمة المستدرك، ج 2، ص 196 _ 197؛ الفيض القدسي (بحارالأنوار، ج 102، ص 124 _ 125).

ص: 12

وفي رياض العلماء : آمنه خاتون بنت المولى محمّد تقي المجلسي، فاضلة، صالحة متّقية، وكانت تحت المولى محمّد الصالح المازندراني ، وسمعنا أنّ زوجها مع غاية فضله قد يستفسر عنها في حلّ بعض عبارات قواعد العلّامة . (1) و كثيرا ما يعبّر الشارح عن العلّامة الشيخ محمّد تقي المجلسي بالجدّ، و قد يصرّح بأنّه جدّ لاُمّه، و يعبّر عن العلّامة محمّد باقر المجلسي بالخال، و سيأتي ذلك عند التعرّض للنكت المستفادة من الكتاب في الفصل الثاني.

إخوته و اُخته:و ممّا منّ اللّه تعالى على المولى صالح و على زوجته الفاضلة الذرّيّة الطيّبة ، وأذكرهم هنا باختصار: 1 _ آقا محمّد هادي بن محمّد صالح، شارح فروع الكافي، و الذي نحن بصدد ترجمته. 2 _ العالم الربّاني، و الفقيه الذي لم يكن له عديل، آقا نور الدين محمّد بن محمّد صالح (2) ، فإنّه خلّف ابنا اسمه آقا رحيم، و بنتا تزوّجها الميرزا محمّد تقي النجف آبادي (3) ، و بنتا اُخرى تزوّجها المولى محمّد أكمل ، و هي اُمّ الاستاذ الأكبر محمّد باقر الوحيد البهبهاني (4) ، و لهذا يعبّر الاستاذ الوحيد البهبهاني عن المولى صالح بالجدّ، و قد تقدّم بعض كلامه في بداية المقدّمة. 3 _ العالم الأديب و الفاضل اللبيب محمّد سعيد بن محمّد صالح المتخلّص

.


1- .رياض العلماء ، ج 5 ، ص 407 .
2- .نجوم السماء، ص 109، الرقم 132.
3- .مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 97 ؛ اَنساب خاندان مجلسي للمولى حيدر على المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 270 .
4- .الفيض القدسى (بحارالأنوار، ج 102، ص 126)؛ انساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 270 .

ص: 13

بأشرف، و كان شاعرا بليغا و متكلّما فصيحا، حسن الخطّ و الخلق و البيان و العطاء، و كان متبحّرا في التصوير ، وصرّح به و بحسن خطّه وباهى بهما في بعض أشعاره ، منها : اشرف تو كميت نكته دانى رانىاسرار رموز جاودانى دانى هر چند كه مانند ندارى در خطّدر شيوه تصوير به مانى مانى (1) و قال أيضا: گاهى چون خطّ سخن زمعنى گويمگه چون قلم مو ره صورت پويم گر زانكه شبيه خلق تصوير كنمزين راه تشبّهى به مبدأ جويم (2) وقد تلمّذ في الشعر على صائب ، وفي الخطّ على عبد الرشيد الديلمي (3) . هاجر إلى الهند في عهد السلطان محمّد أورنگ زيب، فقرّبه السلطان و ألطف به، و جعله معلّما لبنته زيب النساء، و بعد سنوات أراد الرجوع إلى إصفهان فأنشد في قصيدة له: يكباره از وطن نتوان برگرفت دلدر غربتم اگر چه فزونست اعتبار پيش تو قرب و بعد تفاوت نمى كندگر خدمت حضور نباشد مرا شعار نسبت چو باطنى است چه دهلى چه اصفهاندل پيش توست تن چه به كابل چه قندهار فرجع في سنة 1083 ه ق. إلى إصفهان، لكن بعد مدّة رجع إلى الهند و استقرّ في عظيم آباد پنته عند عظيم بن عالم بن عالمگير، و كان مقرّبا عنده، و أراد في أواخر عمره زيارة بيت اللّه الحرام، فلمّا وصل مونگير مات في سنة 1116 ه ق، و دفن بها، و له من الأولاد:

.


1- .نجوم السماء ، ص 202-203 .
2- .الفيض القدسي (بحار الأنوار، ج 102) ؛ احوال و آثار خوشنويسان لمهدي بياني ، ص 743-745 .
3- .الذريعة ، ج 9 ، ص 78 ، الرقم 451.

ص: 14

أ. محمّد علي المتخلّص بدانا، وكان شاعرا. ب. محمّد أمين، و له شرح مبسوط على قِسم الكلام من تهذيب التفتازاني (1) ، و رسالة في الإمامة بالفارسيّة. (2) ج . زينب، و تزوّجها الملّا محمّد تقي بن ملاّ عبداللّه بن محمّد تقي المجلسي. ولمحمّد سعيد بن محمّد صالح ديوان شعر و قد طبع ، و له شرح الأحاديث المستصعبة (3) . 4. الفاضل الأديب و العالم الأريب حسنعلي بن محمّد صالح، هاجر إلى الهند في عنفوان شبابه، و كان معزّزا عند الحكّام، و اشتهر في تلك البلاد ب «حسنعليخان». خلّف ابنا اسمه ميرزا على أشرف، و عقبه في إصفهان، و بنتا تزوّجها الفاضل حسنعلي بن محمّد هادي الثاني، و سائر ولده بالهند. (4) 5. المقدّس الصالح عبد الباقيبن محمّد صالح، كان جامعا للفضائل، عالما، فقيها. خلّف ابنا و هو المولى محمّد صالح الشهير بآغا بزرگ، هاجر إلى الهند في أوائل عمره، و كان معزّزا مبجّلاً فيه، خلّف ابنا باسم علاء الدين محمّد، (5) و بنات . (6) 6. العالم الورع محمّد حسين بن محمّد صالح، و كان له خطّ جميل، و له حواشي على الفقيه.

.


1- .كشف الحجب والأستار ، ص 330 ، الرقم 1804 ؛ الذريعة ، ج 13 ، ص 160 و قال رأيت منه نسخة في مكتبة مدرسة اليزدي في النجف ، بخطّ ملّا آغا رضا بن المشهدي جاني بيك ، وقد وهبها لولده محمّد إبراهيم في سنة 1289 ه .
2- .الذريعة ، ج 2 ، ص 321-322 ، الرقم 1272 .
3- .الذريعة ، ج 13 ، ص 65 : نسخة منه في مكتبة السيد حسن الصدر في الكاظميّة .
4- .الفيض القدسي: (بحارالأنوار، ج 102، ص 129)، أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 271 ؛ مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 271 .
5- .المصادر المتقدّمة، ص 129 _ 130. وانظر ما تقدّم من كلام التنكابني في التعريف بترجمة القرآن الكريم من آثار المولى محمّد هادي .
6- .أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 271 .

ص: 15

قال المحدّث النوري: «رأيت نسخة منه بخطّه ، و هو في غاية الحسن و الجودة ، و تدلّ على فضله و كماله». (1) وكان شاعرا ، و له ديوان شعر ، و له مثنوي «قضا و قدر» . (2) وكان له ابن باسم محمّد رضا ، ولم يذكر له عقب . (3) 7 . علي نقي بن محمّد صالح ، وكان شاعرا ، ذهب إلى الهند و مدح أورنك زيب ، و توفّي هناك حدود سنة 1083 ، و كان متخلّصا ب «سابق» ، و له ديوان شعر . (4) 8 . بنت كانت تحت العالم النحرير الأمير أبوالمعالى الكبير جدّ صاحب الرياض، ولها منه أربعة أولاد ذكور وبنتان ، (5) ومن أولادها أبوطالب بن أبي المعالي ، وله بنت هي اُم السيّد المرتضى والد السيّد العلّامة بحر العلوم ، فيكون السيّد من أحفاد المولى صالح والمجلسي .

أولاده:1. محمّد مهدي بن محمّد هادي، و كان عالما فاضلاً، له حاشية شرح مختصر الاُصول للعضدي، بشارة الشيعة في مسائل الشريعة من العبادات والمعاملات، وسيلة السعادة و ذريعة الشفاعة ترجمة لمهج الدعوات بالفارسيّة، قُتل في فتنة محمود الأفغان بإصفهان، قاله صاحب تذكرة العلماء. (6) وكان صهرا لابن عمّه آقا رحيم بن نورالدين محمّد بن محمّد صالح المازندراني ،

.


1- .المصدر ؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 223 ، الرقم 1252 .
2- .الذريعة ، ج 9 ، ص 248 ، الرقم 1505 ؛ و ج 17 ، ص 145 ، الرقم 760 .
3- .أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 272 .
4- .الذريعة ، ج 9 ، ص 414 و 764 ، الرقم 2406 و 5173 ، ولم أعثر على هذا الاسم في غير الذريعة .
5- .المصدر؛ أعيان الشعية ، ج 2 ، ص 433 .
6- .نجوم السماء، ص 286؛ كشف الحجب والأستار، ص 180، الرقم 913، الذريعة؛ ج 6، ص 132، الرقم 712؛ و ج 3، ص 116، الرقم 394؛ و ج 25، ص 79، الرقم 428.

ص: 16

ولم يذكر له خلف من الذكور (1) ، و له بنتان ، إحداهما التي تزوّجها محمّد تقي بن محمّد قاسم الدماوندي الذي استنسخ نسخة مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني (2) ، و هي والدة الحاج مهدي الشهير به «كفن نويس»، و الحاج محمّد عليّ. (3) والاُخرى تزوّجها الحاج محمّد ابن أخي محمّد تقي، خلّفت ابنا اسمه حاجى ميرزا، و بنتا. (4) 2. محمّد رضا بن محمّد هادي، قال السيّد عبداللّه سبط المحدّث الجزائري في الإجازة الكبيرة: آغا محمّد رضا بن المولى محمّد هادي بن المولى محمّد صالح الطبرسي المازندراني، كان فاضلاً محقّقا متكلّما ، رفيع المنزلة، مدرّسا في مدرسة خير آباد من أعمال بهبهان، قدم إلينا و هو متوجّه إلى العراق للزيارة، ثمّ اجتمعت به في بهبهان ، و حضرت درسه بشرح اللمعة، توفّي عشر الخميس، رحمة اللّه عليه. (5) 3. علي أصغر بن محمّد هادي. (6) و له بنت . (7) 4. محمّد تقي بن محمّد هادي . (8) له مجموعة باسم «جُنگ» نقل عنه «دانشمندان» ترجمة شاه قلي الخلخالي (9) ، و توجد نسخة من كتاب مناقب أهل البيت للمولى حيدر الشيرواني بخطّه في مكتبة

.


1- .مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص96-97 ، ترجمة محمّد هادي و نور الدين محمّد ابني محمّد صالح المازندراني ؛ أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ص 269 .
2- .نسخة منها موجودة في مكتبة الشيخ على الفاضل القائيني ، تاريخ كتابتها سنة 1096 في المدرسة الفيضيّة بقم . مجلّة تراثنا ، ج 52 ، ص 128 ، الرقم 1095.
3- .الفيض القدسي (بحار الأنوار ، ج 102 ، ص 125 ؛ مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 96 ؛ أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخره مرآة الأحوال ، ص 269 و 272-273.
4- .المصادر المتقدّمة.
5- .الفيض القدسى (بحارالأنوار، ج 102، ص 126).
6- .المصدر، ص 125.
7- .أنساب خاندان مجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 269 .
8- .المصدر .
9- .الذريعة، ج 26 ص 256، الرقم 1288، و راجع: آخر كتاب مناقب أهل البيت، للمولى حيدر الشيروانى.

ص: 17

السيّد المرعشي برقم 592، فرغ من كتابتها سنة 1133 ه ق. 5. محمّد عليّ بن محمّد هادي خلّف هو بنتا وابنا، و هو محمّد هادي، و خلّف محمّد هادي بنتا ، وهي زوجة الميرزا حيدر عليّ المجلسي (1) ، و ابنين أحدهما ميرزا محمّد عليّ ، و الآخر ميرزا حسن، و لكلّ منهما عقب و بنات. (2)

أساتذته:لم أعثر على تصريح باسم أحد من أساتيذه، لكنّه من المعلوم أنّه تلمّذ عند جمع من فحول العلماء في مدينة إصفهان، و يمكن أن يستفاد من بعض كلماته أنّه تلّمذ عند جدهّ لاُمّه المحقّق المجلسي قدس سره، حيث قال في شرح حديث الحلبي في باب تلقين الميّت: و قال هذا الشارح، و هو المحقّق المدقّق مولانا محمّد تقي المجلسي، جدّي من اُمّي، عند قرائتي عليه هذا الحديث من الفقيه لإيضاح هذه المقالة: «مثلى است مشهور كه پاى چراغ تاريك است». و من أساتذته، والده المحقّق المولى محمّد صالح المازندراني، فإنّه ينقل عنه في هذا الشرح كثيرا، و المنقول عنه ليس في شرح الكافي، و الظاهر أنّه أخذ منه شفاها، أو من بعض كتبه الاُخرى ، فقرأ عليه و أخذ منه.

تلاميذه و المجازون عنه:1. محمّد المازندراني الملقّب بنور الدين قرأ على المولى محمّد هادي المازندراني كتاب قواعد الأحكام للعلّامة الحلّي، و

.


1- .أنساب خاندان مجلسي للمولى حيدر علي المجلسي المطبوع في آخر مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 269 .
2- .نجوم السماء (بحارالأنوار، ج 102، ص 125) ؛ مرآة الأحوال ، ج 1 ، ص 96 .

ص: 18

أجازه في سنة 1118 ه ق. (1) 2. محمّد إبراهيم بن إسماعيل السوركي الكندياني ، أجازه المولى محمّد هادي المازندراني في آخر نسخة من كتاب «من لا يحضره الفقيه» في أواخر شوّال سنة 1101 ه ق، و وصفة بالأخ الأعزّ الأمجد، المولى العالم العامل، الصالح التقي النقي، ذوالمفاخر و المآثر. (2) 3. محمّد صالح الشهير بآقا بزرگ الإصفهاني، نزيل بنگالة الهند، بن عبد الباقي بن محمّد صالح المازندراني، مذكور في طريق رواية عبدالغني بن أبي طالب الكشميري، فإنّه بدَأ في كتابه «الجامع الرضوي» بخمس قواعد، منها طريق روايته عن اُستاذه محمّد صالح الشهير بآقا بزرگ الإصفهاني، عن عمّه الآقا هادي بن محمّد صالح، عن أبيه المولى محمّد صالح، عن المولى المجلسي. (3) 4. محمّد عليّ بن أبي طالب اللاهيجي المعروف بالحزين ، فإنّه قرأ على المولى محمّد هادي كتاب تهذيب الأحكام، قال الحزين: «بسيارى از كتاب تهذيب الأحكام شيخ طوسى عليه الرحمة را در مدرس مجتهد الزمان آقا هادى خلف مولانا محمّد صالح مازندرانى استفاده نمودم». (4) 5. محمّد بن محمّد زمان بن الحسين المنجّم الكاشاني ، عالم كبير و فاضل، كان عالما بالفلسفة الإلهيّة و العلوم النقليّة و العقليّة ، و المسائل الرياضيّة و الفلكيّة، و المعارف الاسلاميّة كالتفسير و الفقه و الاُصول و الحديث و غيرها، توفّي بعد سنة 1172 ، و دفن في النجف الأشرف. (5)

.


1- .تراجم الرجال، ج 1، ص 478.
2- .تراجم الرجال، ج 2، ص 575.
3- .الذريعة، ج 5، ص 54، الرقم 212.
4- .نجوم السماء، ص 202.
5- .تراجم الرجال، ج 2، ص 556 _ 558.

ص: 19

آثاره و مصنّفاته:1. أنوار البلاغة في علم المعاني و البيان. (1) صنّفه حسب التماس حسين عليّ خان من اُمراء الدولة الصفويّة ، و قد طبع. 2. ترجمة الصحيفة الكاملة السجّاديّة. فرغ منها في ذي الحجّة سنة ثلاث و ثمانين بعد الألف، أوّله: ابتدا مى كنم به نام خداى بخشاينده مهربان. (2) 3. ترجمة معالم الدين في اُصول الفقه بالفارسيّة. (3) هذه الترجمة أيضا حسب التماس حسين علي خان، على ما صرّح به في المقدّمة، و أذكرهنا ما كتبه في بداية الترجمة: ثنا و سپاس فرمانفرمائى را در خور است كه به يك امر آباى علوى وامّهات سفلى را بى واسطه قابله مادّه از بطن عدم به فضاى وجود كشانيد، و ستايش بى قياس دانايى را سزاست كه فروعات كائنات را بى فكر و رويت از اصول اربعه عناصر استنباط و استخراج نموده و به فحواى كلام بشارت نظام «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (4) خلاع فاخر عليّت غائيّه ايجاد عالم كون و فساد را بر اشخاص بنى آدم پوشانيده، و براى اقامت ايشان بسط بساط زمين نموده، خيام افلاك را بى عمود بر پاى داشته، از اشعه كواكب ذوى الاَنوار طناب در طناب كشيده، و به مقتضاى كلام صداقت نظام «لولاك

.


1- .كشف الحجب و الاستار، ص 66، الرقم 317؛ الذريعة، ج 2، ص 20، الرقم 1660. نسخه منه في مكتبة وزيري في يزد برقم 1839 ، و نسخة بعضه في مكتبة السيد الگلپايگاني في قم برقم 822 ، و نسخة منه في المكتبة العامّة في إصفهان برقم 3265 .
2- .كشف الحجب و الاستار، ص 116، الرقم 549؛ الذريعة، ج 4، ص 112، الرقم 528؛ و ج 13، ص 395، الرقم 1327: شرح الصحيفة.
3- .كشف الحجب و الاستار، ص 121، الرقم 573؛ الذريعة، ج 4، ص 137، الرقم 661. و هذه الترجمة مطبوعة توجد في المكتبات.
4- .البقرة (2) : 29 .

ص: 20

لما خلقت الأفلاك» حلقه غلامى خواجه كائنات را از ثوابت و سيّار در گوش ساكنان عالم بالا كشيده، و به فرمان واجب الاذعان «أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1) طوق ملازمت و فرمانبردارى او و عترت معصومين او را بر گردن خلائق پيچيده، اعنى محمّد مصطفى و ائمه هدى صلوات اللّه عليهم ، پيغمبرى كه دين مبين ايشان را ناسخ اديان انبياى ماضيه و شرايع امم سابقه گردانيده، و به منطوق كريمه «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (2) جامه عصمت و طهارت را به اندازه قامت ايشان بريده، و به مفهوم خطاب «لواجتمع الناس على حبّ علي بن أبي طالب لما خلق اللّه النار»، اعداى آن ولايت مآب را از عموم خلايق استحقاق جحيم اختصاص فرموده، صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، «إِنَّ اللّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» . (3) و بعد چنين گويد ذرّه بى مقدار، تراب اقدام شيعيان ائمه اطهار عليهم السلام ، الفقير الطالح الجاني محمّد هادى بن محمّد صالح المازندرانى، كه اين كمينه بى بضاعت به اشارت نوّاب مستطاب معلّى القاب، مبادى آداب، مجموعه منتخبات ملكات ملكيّه سنيّه محامد صفات نفسيّه نوباوه بوستان فضل و كمال... حسين على خان... . 4. ترجمة القرآن الكريم . ذكره العلّامة الطهراني قدس سره و قال: «توجد نسخة منه عند الحاج محمّد عليّ التاجر الإصفهاني في كرمانشاهان، و هي بخطّ محمّد صالح بن توكّل المشهدي، فرغ من الكتابة سنة 1115 ه ق» (4) . و ذكر بعض في سبب ترجمته للقرآن قصّة شبيهة بما ذكر للطبرسي في علّة كتابته

.


1- .النساء (4) : 59 .
2- .الأحزاب (33) : 33 .
3- .الأحزاب (33) : 56 .
4- .الذريعة، ج 4، ص 128، الرقم 606، وانظر: أعيان الشيعة، ج 10، ص 234؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149.

ص: 21

لتفسير مجمع البيان ، فقد جاء في في تذكرة القبور _ عند ذكره لمقبرة المجلسي في مسجد الجمعة بإصفهان _ : ديگر قبر آقا هادى ولد آخوند محمّد صالح است كه صندوق چوبى دارد، در كنار ايوانچه كه درگاه مقبره است كه روبه قبر مجلسى بايستى، طرف چپ است، و مردى عالم و فاضل بوده، غالب كتابهاى او فارسى و ترجمه عربى، و او را هادى مترجم مى گويند، شرح فارسى بر معالم، و بر شرح شمسيّه، و بر شافيه صرف كه متن شرح نظّام معروف است نوشته، و حاشيه عربى بر تفسير بيضاوى نوشته، و ترجمه قرآن با شأن نزول و نيك و بد استخاره نوشته، و گويند به جهت نذر توى قبر اين را نوشته، چون به جهت ناخوشى صرع يا سكته، وقتى اعتقاد فوت او شده دفنش نموده در قبرستانى و سوراخى به بالاى قبر براى نفس احتياطا گذارده[اند]، او در قبر به هوش آمده نذرِ نوشتن ترجمه قرآن هرگاه بيرون آيد، كرده، اتّفاقا شترى آنجا مى چريده، از صداى توى قبر رم كرده، ساربان فهميده خبر به اهل شهر داده، بيرونش آورده اند. (1) و هذه القصّة أوردها أيضا التنكابني في ترجمته من قصص العلماء، (2) و قال: قرآن را شأن نزول و ترجمه نوشت و فى الحقيقة مختصر مفيد نوشته، و اين فقير نيز در بعضى آن مقامات بر شأن نزول او و دقايق او حاشيه نوشته و در مقام ايراد برآمدم ، و از جمله كرامات اين بزرگوار چيزى است كه او در آيه «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ» (3) نوشته به اين عبارت: «مترجم گويد كه هر كه مرا شناسد، شناسد و هر كه مرا نمى شناسد بگويم تا بشناسد، منم هادى بن محمّد صالح مازندرانى، هر دو چشمم كور و هر دو گوشم كر باد كه اگر دروغ گويم، شبى از شبهاى گذشته ايّام جوانى در خواب ديدم كه به عمارت رفيع كه در آن قبر و صندوقى بود و مرد پيرى نشسته بود، و برادر اعزّ ارجمند مولانا عبدالباقى كتاب بزرگى در دست داشت و مى خواند با فصاحت و بلاغت قرآنى امّا قرآن نبود، پس گفتم اين چه كتابى است؟ آن مرد پير گفت كه اين

.


1- .تذكرة القبور، ص 72 _ 73.
2- .قصص العلماء، ص 230.
3- .المائدة (5) : 55 .

ص: 22

مصحف على است. پس من مصحف را گشودم اتّفاقا در صفحه دست راست آيه «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ» بود و سطرهاى طولانى داشت، دو سطر از آن در وصف خانواده رسالت بود، بيدار شدم، از آن كلمات هيچ به خاطرم نماند. باز همان لحظه خوابم ربود، ناگاه همان مكان شريف و همان مصحف را ديدم، با خود گفتم: مكرّر بخوانم اين آيه را شايد به خاطرم بماند، پس از تكرار باز بيدار شدم، همه از خاطرم محو شده بود به جز كلمه زوج البتول در وصف حضرت اميرالمؤمنين عليه السلام . و غريب تر اينكه بعد از چندى به آن برادرم اظهار نمودم كه مصحف اميرالمؤمنين عليه السلام را در خواب ديدم، پيش از ذكر تفصيلى از خواب گفت كه پيش از اين من اين مصحف را در خواب ديدم و در آن اسم مبارك حسنين عليهماالسلامرا مشاهده كردم. (1) 5. ترجمة الكافية في النحو لابن الحاجب. (2) طبع في إيران . 6. حاشية أنوار التنزيل للبيضاوي. (3) 7. حاشية مواريث القواعد للعلّامة الحلّي، و لعلّه جزء من شرحه على القواعد. (4) 8. الحدود و الديات. كتبه بالفارسيّة ، أوّله: «الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ»، مرتّب على ثلاث مقدّمات و خاتمة و عدّة فصول، نسخة مخرومة الأوّل منه في مكتبة الطهراني بسامرّاء، و النسخة التامّة بالكاظميّة في كتب المرحوم السيّد محمّد الواعظ الإصفهاني. (5)

.


1- .قصص العلماء، ص 230 _ 231، و مثله في الفوائد الرضويّة للمحدّث القمّي، ج 2، ص 703.
2- .الذريعة، ج 4، ص 129، الرقم 612؛ و ج 14، ص 31، الرقم 1602؛ أعيان الشيعة، ج 10، ص 434؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149.
3- .كشف الحجب و الأستار، ص 170، الرقم 850؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149؛ الذريعة ، ج 6 ، ص 44 ، الرقم 215 .
4- .ريحانة الأدب، ج 5، ص 149. نسخة منه في مكتبة السيّد الگلپايگاني بقم برقم 4528 ، والمذكور في الفهرس : «حاشية قواعد الأحكام» .
5- .الذريعة، ج 6، ص 298، الرقم 1595؛ ريحانة الأدب، ج 5، ص 149. نسخة منه في مكتبة السيّد المرعشي برقم 10135 ، ونسخة في مكتبة السيّد الگلپايگاني برقم 2113 باسم : «شرح ارث القواعد» .

ص: 23

9 . رسالة في الأذان . (1) 10 . رسالة في تعيين غرّة رمضان فيما إذا غمّت شهور السنة كلّها . (2) 11. رسالة فيه تفسير بعض الآيات والأحاديث . (3) 12. الرسالة الرضاعيّة. قال العلّامة الطهراني قدس سره رأيت نسخة منها عند السيّد محمّد رضا التبريزي في النجف، أوّلها: «الحمد للّه ربّ... فهذه رسالة في معرفة أحكام الرضاع، لا سيّما المحرّم منه...»، مشتملة على مقدّمة و فصول و خاتمة و عليها حواش منه، المقدّمة في بيان مدّة الرضاع شرعا، و الخاتمة في المستحبّات فيه. و نسخة عند الشيخ محمّد على الاُردوبادي في النجف، بخطّ محمّد فاضل بن محمّد جعفر المشهدي، كتبها لنفسه [في سنة] 1148، و نسخة التبريزي في آخرها: كتب بيمناه الداثرة مؤلّفها العبد الذليل تراب أقدام طلبة علوم سيّد المرسلين _ إلى قوله _ محمّد هادي _ إلى قوله _ فرغ من تأليفها في شهر ربيع الثاني، في السنة السابعة بعد الألف و المائة. (4) 13. رسالة في المواريث. كتبها بالفارسيّة ، وهي مبسوطة، ذكر في أوّلها فهرسا مفصّلاً لمباحثها ، نسخة منها ضمن مجموعة مع «الرضاعية» للمولى محمّد تقي المجلسي بخط محمّد باقر الدهدشتي، فرغ مِن كتابتِها _ أو كتابة بعضها _ في سنة 1222 ه ق. في مكتبة

.


1- .نسخة منها في مكتبة مدرسه نوّاب ضمن مجموعة رقم 271 (الفهرس ، ص 474) بخطّ مير محمّد هاشم ميرطالب تاريخ كتابتها سنة 1108 .
2- .نسخة منها في مكتبة مؤسسة إسماعيلي برقم 801 . الفهرس ، ج 2 ، ص 1144 .
3- .نسخة منها في مكتبة جامعة تهران برقم 7387. الفهرس ، ج 16 ، ص 536 .
4- .الذريعة، ج 11، ص 194، الرقم 1193. أقول : وهذه الرسالة تحت الطبع ، وسيصدر قريبا في «تراث الشيعة الفقهي والاُصولي» .

ص: 24

الطهراني بكربلا. (1) 14 . رسالة في النحو . (2) 15 . شرح دعاء الصباح ، (3) كتبه بالفارسيّة . 16. شرح الشافية في الصرف. صنّفهُ بالفارسيّة للنوّاب حسين عليّ خان، أوّله: الحمد للّه ربّ العالمين، والسلام على خير خلقه محمّد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين... (4) 17. شرح شرح الشمسيّة، كتبه بالفارسيّة. (5) 18. شرح تلخيص المفتاح، (6) كتبه بالفارسيّة. 19. شرح فروع الكافي. و هو هذا الكتاب الذي بين يديك، و سيأتي التعريف به. 20 . شرح النظّام في الصرف . (7) 21. شرح قواعد الأحكام.

.


1- .الذريعة، ج 23، ص 219، الرقم 8700.
2- .الكواكب المنتثرة ، ص 806 .
3- .نسخ منه موجودة في المكتبات ، منها : مكتبة مسجد الأعظم في قم ، برقم 1377 ؛ مكتبة كليّة الإلهيّات في تهران برقم 254 و 1246 ؛ مكتبة مدرسه الغرب في همدان برقم 4821 ، مكتبة السيّد المرعشي في قم برقم 4702 ؛ مكتبة ملك برقم 2993 . ونسخة منه ناقصة في مكتبة كليّة الالهيّات في مشهد ضمن مجموعة رقم 1/1246 .
4- .كشف الحجب و الأستار، ص 338، الرقم 1865؛ الذريعة، ج 13، ص 314، الرقم 1160؛ و ج 4، ص 108، الرقم 504 و فيه: ترجمة الشافية. نسخه منه في مكتبة كلّيّة الإلهيّات في تهران برقم 110 ، ونسختان في مكتبة السيّد المرعشي برقم 4833 و 6750 ، ونسخة في مكتبة السيّد گلپايگاني برقم 386 ، ونسخه منه في مكتبة السيّد معصومة عليهاالسلام في قم برقم 207 ، ونسخة في مكتبة مدرسه الحجّيّة في قم برقم 316 ، ونسخة منه في مكتبة مدرسة الشهيد المطهّري في تهران برقم 3618 .
5- .ريحانة الأدب، ج 5، ص 149؛ الكواكب المنتثرة ، ص 806 .
6- .الذريعة، ج 13، ص 152، الرقم 518، و قال: رأيت منه قطعة في خصوص شرح قسم التشبيه من أقسام علم البيان.
7- .نسخة منه في مكتبة مدرسة خاتم الأنبياء في بابل برقم 1/174 .

ص: 25

و هو شرح مبسوط، مذكور في إجازة المولى حيدر عليّ المجلسي. (1) 22. منتخب مغنى اللبيب. أوّله: «يا من تبارك من الوصف اسمه» ، نسخة منه بخطّ المولى نصرت كتبه في سنّة 1119 ه ق، وقفه لمدرسة فاضل خان في سنة 1133. (2) 23 . الموائد في علم الكلام . (3) نقل فيه عن حدائق الحقائق ، والشيخ البهائي والزمشخري. (4)

و ذكر في آثاره:1 _ رسم الخطّ. ذكره العلّامة الطهراني قدس سره و قال: عند المولى النهاوندي بمشهد خراسان، ثمّ قال: هو من أجزاء شرح الفارسي على الشافية، انتزعها منه الكاتب. (5) فليس هذا كتابا مستقلاًّ . 2. شرح مفاتيح الشرائع. عدّه في كشف الحجب والأستار من آثاره (6) ، ولكن قال العلّامة الطهراني قدس سره: إنّه للمولى محمّد هادي بن المولى المرتضى بن المولى محمّد مؤمن الذى هو أخ المولى محمّد حسن الفيض، صرّح بذلك في المتن. (7)

كلمات العلماء في حقّه:قال العلّامة الطهراني:

.


1- .كشف الحجب والأستار، ص 346، الرقم 1929؛ الذريعة، ج 14، ص 23، الرقم 1575.
2- .الذريعة، ج 22، ص 436، الرقم 7773؛ الكرام البررة ، ج 1 ، 162 ، ترجمة محمّد باقر الدهدشتي (335).
3- .نسخة منها ناقصة في مكتبة جامعة تهران برقم 1839 بخطّ المؤلف .
4- .الكواكب المنتثره ، ص 806.
5- .الذريعة، ج 11، ص 231،الرقم 1409.
6- .كشف الحجب والأستار، ص 354، الرقم 1987.
7- .الذريعة، ج 14، ص 80، الرقم 1816.

ص: 26

هادي المترجم بن محمّد صالح المازندراني صهر التقي المجلسي، تربّى المترجم له في حجر اُمّه آمنة بنت التقي المجلسي التي كانت عالمة فاضلة، فصار الولد خطّاطا فنّانا مشهورا كما في الروضات، طبع نماذج من خطّه في نمونه خطوط خوش للدكتور مهدي بياني، و في أطلس خطّ لحبيب اللّه فضائلي، و اشتهر بما ترجمه من الكتب الدينيّة من العربيّة بالفارسيّة، و له اهتمام باللغة الفارسيّة، إنشاءً و إملاءً، و لكثرة ما ترجمه بالفارسيّة عرف بآقا هادي المترجم، و له تصانيف كثيرة. (1) و قال أحمد بن محمّد عليّ البهبهاني الكرمانشاهي سبط العلّامة الوحيد البهبهاني: فاضل نحرير، و مقدّس بى عديل و نظير، جناب مستطاب، مستغني الألقاب، فقيه الزمان آقا محمّد هادى را تصانيف بسيار و فضايل بى شمار است، و علاوه بسيار خوش مزاج و لطيفه گو و ظريف بوده اند. (2) و قال السيّد الأمين: الآقا هادي بن المولى محمّد صالح المازندراني، عالم، فاضل، جليل، كان ظريفا حسن الجواب، اُمّه آمنه بيگم بنت محمّد تقي المجلسي، كانت عالمة فاضلة . (3) و قال الخوانساري في ترجمة المولى محمّد صالح المازندراني بعد أن حسّن خطّه: إلّا أنّ خطّ ولده المولى الفاضل الكامل الآقا هادي المترجم للقرآن المجيد و الصحيفة الكاملة و معالم الاُصول و الكافية و الشافية و المصنّف بغير ذلك كان أحسن منه بمراتب ، ولا يبعد كونه أحدا من المشهورين في الخطّ المنكسر، و كذلك النستعليق. (4) و قال الميرزا محمّد عليّ المدرّس: آقا هادى فرزند ملاّ صالح نيز عالمى است اديب، فاضل، مقدّس، جليل، از مشاهير فضلاى فقها، و مادرش آمنه بيگم مزبوره بود، و به جهت ترجمه قرآن مجيد لقب

.


1- .طبقات أعلام الشيعة، القرن الثاني عشر، ص 805.
2- .مرآة الاحوال، ج 1، ص 106.
3- .أعيان الشيعة، ج 10، ص 234.
4- .روضات الجنّات، ج 4، ص 119، الرقم 355.

ص: 27

مترجم را نيز داشته. (1) و قال المحدّث القمّي: هادي بن محمّد صالح المازندراني، معروف به آقا هادي، عالم، فاضل، مقدّس، جليل، صاحب ترجمه قرآن و شرح كافيه و غيرهما، او مردى ظريف و حسن الجواب بود، والده اش عالمه جليله معظّمه آمنه بيگم دختر مولانا محمّد تقى مجلسى رحمه الله بود. (2)

وفاته:في تاريخ وفاته قولان: الأوّل: سنة 1120 ه ق، و به قال الزنوزي (3) و الميرزا محمّد علي المدرّس (4) ، و العلّامة الطهراني في بعض آثاره (5) ، و هذا التاريخ مكتوب على لوح قبره (6) . الثاني: بعد سنة 1134 ه ق، و هذا هو الحقّ عندي؛ لأنّه نقل ما وقع في هذه السنة في فتنة محمود الأفغان كما تقدّم نقله _ و اختار هذا القول _ من غير إشارة إلى السنة _ الخوانساري ، حيث قال: «بقي إلى زمان فتنة أفغان المشهورة، و كان موته في عين تلك النائرة العظمى». (7) و اختار هذا التاريخ الفضائلي في كتابه (8) ، والعلّامة الطهراني في بعض مواضيع الذريعة . (9) والسيّد حسن الأمين في مستدركات الأعيان . (10)

.


1- .ريحانة الأدب، ج 5، ص 148 (مازندراني).
2- .الفوائد الرضويّه، ج 2، ص 703، أوّل باب الهاء.
3- .رياض الجنّة، ج 3، ص 328.
4- .ريحانه الأدب، ج 5، ص 149.
5- .طبقات أعلام الشيعة، ج 6، ص 805، لكنّه حكى في آخر ترجمته عن الروضات انّه مات في فتنة الأفغان.
6- .نفس المصدر.
7- .روضات الجنّات، ج 4، ص 120.
8- .اطلس خط، ص 355.
9- .منها في ج 3 ، ص 116 ، الرقم 394 : بشارة الشيعة لمحمّد مهدي بن محمّد هادي المازندراني ، وفيه : «توفّي أوان تلك الفتنة» ؛ و ج 13 ، ص 359 : «شرح الصحيفة» ، وفيه : «في حدود سنة 1134» .
10- .مستدركات أعيان الشيعة ، ج 1 ، ص 45 وفيه : «أمضى حياته في إصفهان وانتهت حياته في المدينة المذكورة في أثناء فتنة الأفغان في سنة 1135» .

ص: 28

الفصل الثاني : الكتاب

و أمّا مدفنه، ففي مقبرة المجلسي في قبّته المشهورة عند المسجد الجامع في إصفهان، ولا خلاف في ذلك. قال الكَزي الإصفهاني : ديگر قبر آقا هادى ولد آخوند محمّد صالح است كه صندوق چوبى دارد در كنار ايوانچه كه درگاه مقبره است كه رو به مجلسى بايستى ، طرف چپ است . (1)

الفصل الثانيالكتابو الكتاب الذي بين يديك شرح لقسم من فروع الكافي، و كما قلنا في بداية المقدّمة إنّه تكميل لما كتبه والده المولى محمّد صالح المازندراني من شرح الاُصول و الروضة من الكافي، جلّ من ذكر ترجمة المؤلّف ذكر هذا الكتاب في آثاره، و قد صرّح بذلك في آخر النسخ بلفظ: «لقد وقع الفراغ من إتمام هذا المجلّد... على يد مؤلّفه محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني». و أمّا اُسلوبه في الشرح فاُسلوب الكتب الفقهيّة، و هذا الكتاب قبل أن يكون كتابا حديثيّا، يكون كتابا فقهيّا، وقد سلك طريقة الفقهاء كالمحقّق و العلّامة و الشهيدين، فإنّه بعد كتابة عنوان الباب ينقل الأقوال المختلفة فيه، ثمّ يذكر أدّلتها، و بعد البحث التامّ عن ذلك و إتمام ما يرتبط بالجهات الفقهيّة يذكر بعض الروايات بعبارة: «قوله في رواية...» و يذكر فقرة من الحديث بحاجة إلى بيان وشرح ، فيشرحها مستعينا بكتب اللغة كالصحاح و النهاية و القاموس و المغرِب، و قد يشرح من دون إشارة إلى مصدر، و يذكر أيضا بعض المباحث الرجاليّة المرتبطة بأسناد الأحاديث. و ما وصل إلينا من الكتاب شرح كتاب: الطهارة، الحيض، الجنائز، الصلاة، الزكاة، الصيام، و الحجّ، و لم أعثر على غيرها، و لم يتبيّن لي هل كتب شرحَ سائر الكتب أو لا؟

.


1- .تذكرة القبور ، ص 72 عند ذكره لمقبرة المجلسي في مسجد الجمعة بإصفهان والقبور الّتي فيها. وانظر : الكنى والألقاب، ج 3 ، ص 150 .

ص: 29

نكات مستفادة من مطاوي الكتاب:1. قد ينقل عن المجلسي الأوّل و يعبّر عنه بالمحقّق المجلسي ، و يصرّح بأنّه جدّه، و قد يطلق اسم الجدّ، و قد يصرّح بأنّه جدّه من اُمه، و المنقول عنه من كتابه روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، و الجملة الدعائيّة المذكورة بعد اسمه تدلّ على أنّ هذا الشرح كتبه بعد وفاة جدّه ، حيث يقول: «جدّي قدس سره». 2. و ينقل أيضا عن العلّامة المجلسي قدس سره و يعبّر عنه بالخال، قال في مورد: «و قد قال خالي المحقّق المجلسي شيخ الاسلام و المسلمين، محمّد المدعوّ باقرَ العلوم مدّ ظلّه السامي»، و هذه الجملة الدعائيّة ناظرة إلى أنّ هذا الشرح كتبه في حياة العلّامة المجلسي قدس سره. 3. ينقل عن والده قدس سره كثيرا، و قد يقول: «قال والدي طاب ثراه»، و الغالب عدم التصريح بالوالد والاكتفاء بقوله: «قال طاب ثراه». ولم أعثر على مصدر لكلام والده، نعم بعضه موجود في شرح اُصول الكافي، و الغالب مغايرة عباراتهما. 4. يستفاد من اتّحاد عبارات هذا الشرح في كثير من الموارد من كتاب الطهارة لعبارات مشرق الشمسين للشيخ البهائي قدس سره أنّه أخذ منه كثيرا، ولم يصرّح باسم الكتاب. 5. كثير من المطالب و العبارات مأخوذ من كتب العلّامة الحلّي قدس سره لا سيّما منتهى المطلب، و قد أشرنا إليه في مواضعه، كما أنّه ينقل عن كتب الشهيد لا سيّما الذكرى، و كثير من عباراته و مطالبه متّخذ منه. 6. الظاهر من بعض العبارات أنّه استفاد من بيانات العلّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار، و إن لم يصرّح بذلك، فإنّا نجد موارد تنطبق عباراته مع عبارات البحار، و ليست في غيرها، منها : كلامه في شرح الحديث الأوّل من باب أنّ الميّت يمثّل له ماله و ولده و عمله قبل موته، في معنى كلمة اليافوخ: «هو الموضع الذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد من الولادة» ، و هذه الألفاظ موجودة في بحار الأنوار. نعم ، صدر المعنى موجود في صحاح اللغة، لكنها بتمامها ليس إلّا في بحار الأنوار. و منها قوله: «القنا: جمع القناة و هي الرمح» ، و هذه العبارة من البحار.

.

ص: 30

7. قال في باب المساءلة في القبر...: «أجمع أهل العلم بل أهل الملل على سؤال منكر و نكير في القبر...، و قد سمعت ذلك من عالم نصراني مشهور عند النصارى بالفضل، معتمد عليه عندهم يقال له : وفائيل». يستفاد منه مراودته أو مجالسته بعض أهل الكتاب.

نسخ الكتاب:1. نسخة مكتبة جامعة طهران برقم 1840. هذه النسخة بخطّ المؤلّف، تشتمل على كتابي الطهارة و الجنائز، و هي التحرير الثاني لهذا القسم من الكتاب، فإنّه كتب أوّلاً شرح هذين الكتابين و جعل فيه تغييرات و حذف و إضافات، بدايتها بعد البسملة: «كتاب الطهارة، الكتاب فعال من الكتب، و هو الجمع...». نهايتها: «و اسقنا بكأسهم، و الحمد للّه ربّ العالمين، و أنا العبد محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني، ثمّ فرغت من تحرير هذه النسخة بعد المراجعة بالأصل في شهر محرم الحرام 1114». و توجد في بعض الصفحات حواشٍ من المؤلّف في آخرها: «منه عفي عنه». و قد رمزنا لهذه النسخه ب «أ». و توجد في بعض الصفحات حواش في آخرها : «مهدي غفرله» ، و لعلّه لابنه محمّد مهدي بن محمّد هادي المازندراني. 2. نسخه مكتبة إحياء التراث برقم 4451. هذه النسخه أيضا بخطّ المؤلّف، من بداية كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الجنائز، و هي الكتابة الاُولى من الكتاب، و جعل فيها تغييرات و زيادات، و حذف بعضها، ثمّ كتبها مرّة اُخرى كما قلنا في تعريف نسخة «أ». و قد رمزنا لها ب «ب». 3. نسخة مكتبة مسجد گوهر شاد برقم 942.

.

ص: 31

هذه النسخة بخط محمّد جعفر بن حاجي محمّد قلي، كتبها في ربيع الثاني سنة 1131 ه ق عدد أوراقها 291 ورقة ، في كلّ ورقة 19 سطرا ، و تشتمل على كتابي الطهارة و الجنائز. بدايتها بعد البسملة : «المخصوصة لاشتمالها على المسائل المتكثّرة ، وهو أيضا مصدر مزيد ...» . نهايتها : «فقال : ألا تسمعون أنّ اللّه لايعذّب بدمع العين ولابحزن القلب ولكن يعذّب ...» . و في حواشي هذه النسخة توضيحات و شروح ، مثل ما فى نسخه «أ» ، و خطّهما أيضا واحد، والظاهر من ذلك أنّها لبعض تلامذته؛ لأنّ الغالب في الأوّل بعد ذكر الحاشية: «منه عفي عنه»، و في الثاني «منه طاب ثراه»، و كأنّه استنسخت عن الأوّل بعد وفاة الشارح. وقدرمزنا لها ب «ج» . 4. نسخة مكتبة ملك برقم 1352 . هذه النسخة تشتمل على كتاب الطهارة و الجنائز و قسما من الصلاة، و فيه ترجمة للمؤلّف من عبدالحسين بن محمّد رحيم، تاريخ كتابتها جمادى الثانية سنة 1329 ه ق، عدد أوراقها : 245 ورقة ، في كلّ ورقة 26 سطرا . بداية النسخة: «كتاب الطهارة، الكتاب فعال من الكتب، و هو الجمع، سمِّي به المكتوبات المخصوصة...» نهايتها: «قال: لا يؤمّ الحضري المسافر، ولا المسافر الحضري، فإن ابتلى بشيء من ذلك أقام قوما حاضرين، فإذا أتمّ ركعتين سلّم، ثمّ أخذ بيد بعضهم فقدّمه، فافهم». و قدر مزنا لها ب «د». 5. نسخة مكتبة إحياء التراث الاسلامي، برقم 969. عدد أوراق هذه النسخة 264 ورقة ، في كلّ ورقة 31 سطرا ، وتشتمل على كتاب

.

ص: 32

الفصل الثالث : منهج التحقيق

الزكاة و الصوم و الحجّ، و هي بخطّ ناصر بن أحمد بن عليّ بن جعفر البحراني، تاريخ الفراغ من كتابتها الجمعة 13 جمادى الثانية سنة 1134، كتبها لعمّه الشيخ يوسف بن عليّ بن جعفر البحراني، في شاه جهان آباد، و في أوّلها ترجمة مختصرة للمؤلف عن العلّامة الطهراني قدس سره. و هي نسخة مصوّرة من نسخة مكتبة الفاضل الخوانساري بخوانسار، برقم 165 ، و قد رمزنا لها ب «ه». 6. نسخة المكتبة المركزيّة لجامعة طهران برقم 5230. هذه النسخة بخطّ المؤلّف تشتمل على كتاب الحجّ و الزيارات، تاريخ الفراغ من كتابتها الثلاثاء 12 رمضان المبارك 1106 ه ق، و في بدايتها ترجمة المؤلّف بخطّ مالك النسخة يحيى بن محمّد شفيع الإصفهاني، تاريخها 1303 ه ق. بداية النسخة بعد البسملة: «الحجّ بفتح الحاء و كسرها، و كذا الحجّة في اللغة القصد، و شرعا قصد بيت اللّه الحرام لأداء مناسك مخصوصة، و قيل: هو القصد إلى مشاعر مخصوصة لأداء مناسك مخصوصة». نهايتها: «و في الروضة كرامات عجيبة، بل معجزات غريبة، لقد وقع الفراغ من إتمام هذا المجلّد في يوم الثلثاء الثاني عشر من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 1106، على يد مؤلّفة محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني». و قد رمزنا لها ب «و». الفصل الثالث منهج التحقيق 1. في الموارد الّتي كان الأصل فيها بخطّ المؤلّف جعلت أصلاً ، و لم يرجع إلى سائر النسخ إلّا نادرا فيما كانت كلمة غير مقروءة أو شطب عليها، و في الموارد الّتي لم تكن إلّا نسخة واحدة اعتمد عليها ولم يغيّر شيء ، إلّا إذا كان التصحيف واضحا مع الإشارة

.

ص: 33

إليه، أو كان النسخ متعدّدا، فاختير الأصحّ مع الإشارة إلى اختلاف النسخ في الهامش. 2. مقابلة نصّ الأحاديث و كلمات المؤلّفين مع مصادرها. 3. تخريج الأحاديث، ولم يكتفَ بالمصدر الذي أشار إليه الشارح، بل ذكرت مصادر عديدة لكلّ حديث جهد الإمكان . 4. ضبط الأعلام و الأسماء الواردة في الكتاب، مع ذِكر ترجمة مختصرة لهم في الهامش إذا كانت هناك حاجة إليه ، و ذلك عند أوّل مورد من موارد ذِكره في الكتاب. 5. شرح بعض الكلمات و اللغات النادرة، الذى لم يشرحه المؤلّف. 6. ربّما زيد شيء في ألفاظ الكتاب لتقويم العبارة و إكمالها، والزيادة إمّا من المصادر التي أخذ عنها الشارح، أو ممّا اقتضته الضرورة وإن لم يرد في مصدر، إلّا أنّه قد وضع ذلك كلّه بين معقوفتين : [ ] 7. إعداد فهارس متنوّعة للكتاب، تيسيرا للمراجع. و في الختام ينبغي تقديم الشكر الجزيل إلى مؤسّسة دارالحديث وجميع الإخوة العاملين في قسم إحياء التراث والذين بذلوا جهدهم في إتمام العمل ، وساهموا في تقويم النصّ والمراجعة النهائيّة والمقابلة مع النسخ الخطّية والمقابلة المطبعيّة، و أخصّ منهم بالذكر الأخ الفاضل الشيخ محمّد حسين درايتي مسؤول قسم إحياء التراث، حيث أشرف على التحقيق وهيّأ لي النسخ الخطّيّة، والإخوة الفضلاء : الشيخ نعمة اللّه الجليلي والشيخ علي الحميداوي الأنصاري لمشاركتهم في تقويم النصّ والمراجعة النهائية ، وأسأل اللّه الكريم أن يتقبّل من الجميع هذا العمل. و وافق الفراغ من كتابة هذه المقدّمة في اليوم الرابع و العشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1428 ه ق، و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين. قم المقدّسة محمّد جواد المحمودي

.

ص: 34

. .

ص: 35

M833_T1_File_5058831

صورة الصفحة الأولي من نسخة «أ»

.

ص: 36

M833_T1_File_5058833

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «أ»

.

ص: 37

M833_T1_File_5058835

صورة الصفحة الأولي من نسخة «ب»

.

ص: 38

M833_T1_File_5058837

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الجنائز من نسخة «د»

.

ص: 39

M833_T1_File_5058839

صورة الصفحة الأولي من كتاب الصلاة من نسخة «د»

.

ص: 40

M833_T1_File_5058841

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «د»

.

ص: 41

M833_T1_File_5058843

صورة الصفحة الأولي من نسخة «ه»

.

ص: 42

M833_T1_File_5058845

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «ه»

.

ص: 43

M833_T1_File_5058847

صورة الصفحة الأولي من نسخة «و»

.

ص: 44

M833_T1_File_5058849

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة «و»

.

ص: 45

شرح فروع الكافي

اشاره

شرح فروع الكافيكتاب الطهارة

.

ص: 46

. .

ص: 47

كتاب الطهارة

اشاره

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

كتاب الطهارةالكتاب فِعال من الكَتْب وهو الجمع، سمّي به المكتوبات المخصوصة؛ لاشتمالها على المسائل المتكثّرة ، وهو أيضا مصدر مزيد مشتقّ من المجرّد ؛ لموافقته له في الحروف الأصليّة والمعنى . 1 والطهارة مصدر طَهُرَ بالضمّ ، وهي لغةً : النظافة والنزاهة ، وشرعا _ على ما هو المستفاد من الأخبار ، وكلام جمع من العلماء الأخيار _ : استعمال طهور ؛ لإزالة الخبث والحدث مطلقا . وقيل : إنّها استعمال طهور مشروطٌ بالنيّة (1) ، فيخرج إزالة الخبث . وقيل : استعمال طهور مشروطٌ بالنيّة ، مبيح للعبادة (2) ، فيخرج الغير المبيحة لها من الطهارات الثلاث أيضا . وهل هي حقيقةٌ شرعيّة في هذه المعاني ، أو مجاز فيها ، أو باقية على معناها

.


1- .. قاله الشهيد في اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ، والدروس ، ج 1، ص 24 . ومثله في الدرّ المنضود لابن طي ، ص 3 .
2- .. قاله الشهيد في الدروس ، ج 1 ، ص 86 إلّا أنّ فيه : «لإباحة الصلاة» بدل «مبيح للعبادة» .

ص: 48

اللغوي ؟ بناء على الخلاف الواقع في مطلق الألفاظ المستعملة في غير معانيها اللغويّة ظاهرا ، أشهر الأقوال أوسطها وأظهرها الأخير على ما حقّقه بعض المحقّقين ، قال : «طهور الماء ، الطهور مبالغة من طَهُرَ _ بضمّ العين _ والمراد منه الطاهر في نفسه المطهّر لغيره» (1) . وهو في أصل الوضع لازم على ما هو شأن صيغ المبالغة ، جُعل في الاستعمال متعدّيا (2) ، والسرّ في ذلك أنّ الطهارة الشرعيّة غير مختلفة بالشدّة والضعف ، فحملت المبالغة فيها على التعدّي إلى الغير ، وقد نصّ الجوهري على أنّه ما يتطهّر به (3) ، والظاهر أنّه أراد أنّه اسم لذلك كالوَضوء والوَقود _ بفتح الواو فيهما _ اسمين لما يتوضّأ به ويوقد به من غير اعتبار الوصفيّة ، وبضمّ الطاء مصدر كالوُضوء والوُقود بضمّ الواو فيهما . وعن الخليل (4) : «أنّه ليس فيهما إلّا الفتح ، وأنّه لايعرف الضمّ» (5) ، فقوله تعالى : «وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا » (6) مطابق لقوله جلّ وعلا : «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ » (7) .

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1، ص 246 ؛ مجمع البحرين، ج 3، ص 65 (طهر) .
2- .. لم أجد هذه العبارة ، وهذا المعنى مذكور في شرح اللمعة ، 1 ، 246 بلفظ : «الطاهر في نفسه المطهّر لغيره ، جعل بحسب الاستعمال متعدّيا وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما» . وراجع: الحدائق ، ج 1 ، ص 174 ؛ والجواهر ، ج 1 ، ص 64 .
3- .. صحاح اللغة ، ج 2، ص 727 (طهر) .
4- .. خليل بن أحمد الفراهيدي البصري من أئمّة اللغة والأدب ، وأوّل من استخرج علم العروض ، ولد سنة (100 ه ق) بالبصرة ، وأخذ عنه سيبويه والأصمعي وآخرون ، كان ديّنا ، ورعا ، قانعا ، من تصنيفاته : العين ، معاني الحروف ، تفسير حروف اللغة ، النقط والشكل ، توفّي سنة 170 بالبصرة . اُنظر : الأنساب للسمعاني، ج 4 ، ص 575 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 7 ، ص 429 _ 460 ، الرقم 161 ؛ إكمال الكمال لابن ماكولا ، ج 3 ، ص 173 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 112 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 314 .
5- .. قال الخليل : «الوَضوء : اسم الماء الذي يُتوضّأ به ، فأمّا من ضمّ الواو فلا أعرفه ؛ لأنّ الفُعول اشتقاقه من الفعل بالتخفيف نحو الوَقود والوُقود، وكلاهما حَسَن في معناهما ، ولأنّه ليس فَعَلَ يَفعَلُ ، فلاتقول : وَضَأَ يَوْضَأُ، وإنّما يكون الفُعُول مصدر فَعَل . ونحوه طَهُور ولايجوز طُهُور» . كتاب العين ، ج 7، ص 76 (وضأ) .
6- .. الفرقان (25) : 48 .
7- .. الأنفال (8) : 11 .

ص: 49

واعلم أنّ الماء المطلق ما لم تعرض له النجاسة طاهر ، وأنّه مطهّر مطلقا (1) ، _ ولو كان ماء البحر _ وفاقا من أهل العلم إلّا ما سيحكى عن شاذّ من العامّة ، ودلّت عليه الأخبار ، أمّا من طريق الأصحاب : فمنها ما ذكره المصنّف قدس سره (2) . ومنها ما رواه الصدوق رضى الله عنه عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «كلّ ماء طاهر إلّا ما علمت أنّه قذر» (3) . وأمّا من طرق العامّة ، فقد روى في [ فتح ] العزيز شرح الوجيز عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «خلق الماء طهورا» (4) . وهذه الأخبار وإن كانت دائرة بين المجهول والضعيف على ما قيل ، إلّا أنّ عمل العلماء الأعلام بها يجبر ضعفها ، على أنّ خبر عبداللّه بن سنان صحيح على ما سنحقّقه . واحتجّ أيضا على ذلك بالآيتين ، وهو إنّما يتمّ إن كان كلّ ماء في هذا العالم من السماء ، وربما يدّعى ذلك بمعونة مقام الامتنان . وهذه الدعوى بيّنة في غير البحر الأعظم ، «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَ_بِيعَ فِى الْأَرْضِ » (5) ، ويشهد له دوران رحى الآبار والأنهار بتقاطر الأمطار في الأقطار ، وأمّا البحر الأعظم فالظاهر أنّه كان قبل خلق السماء بل نشأ منه مادّته على ما دلّ عليه قوله تعالى : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ » (6) ، وقوله سبحانه : «وَ[ جَعَلْنَا ] مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ » (7) في وجه ما رواه المصنّف قدس سرهفي الروضة بإسناده عن محمّد بن عطيّة قال : جاء

.


1- .. المثبَت من الهامش و عليه علامة (صح) . وفي المتن : «طاهر مطهّر مطلقا».
2- .. رواه المصنّف في الحديث الثاني من كتاب الطهارة عن محمّد بن يحيى وغيره ، عن محمّد بن أحمد ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، بإسناده قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر» .
3- .. الفقيه ، ج 1، ص 5، ح 1 .
4- .. فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي ، ج 1، ص 199 . والوجيز لأبيحامد الغزالي .
5- .. الزمر (39) : 21 .
6- .. هود (11) : 7 .
7- .. الأنبياء (21) : 30 .

ص: 50

رجل من أهل الشام من علمائهم إلى أبيجعفر عليه السلام فقال : يا باجعفر ، جئت أسألك عن مسألة قد أَعيَيتُ على أن أجد أحدا يفسّرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف منهم غير الذي قال الصنف الآخر . فقال له أبوجعفر عليه السلام : «ما ذاك ؟» قال : فإنّي أسألك عن أوّل ما خلق اللّه من خلقه ، فإنّ بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح . فقال أبوجعفر عليه السلام : «ما قالوا شيئا ، اُخبرك أنّ اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل غيره ، وذلك قوله: «سُبْحَ_نَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ » (1) ، وكان الخالق قبل المخلوق، ولو كان أوّل ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل اللّه إذا ومعه شيء ليس هو يتقدّمه ، ولكنّه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه ، فجعل نسب كلّ شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ، ثمّ سلّط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتّى ثار من الماء زبدٌ على قدر ما شاء اللّه أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صَدعٌ ولا نقبٌ ، ولا صعود ولا هبوط ، ولا شجرة ، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء ، ثمّ خلق اللّه النار من الماء فشققت النار متن الماء حتّى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللّه أن يثور ، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقيّة ليس فيها صدع ولا نقب ، وذلك قوله : «[ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ ]السَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَ أَغْطَشَ لَيْلَهَا وَ أَخْرَجَ ضُحَاهَا » (2) ، قال : ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء (3) ، ثمّ نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض، فذلك قوله عزّ وجلّ: «وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَ لِكَ دَحَاهَآ » (4) »، الحديث (5) .

.


1- .. الصافّات (37) : 180 .
2- .. النازعات (79) : 27 _ 29 . وكان في الأصل والمصدر : «والسماء بناها» .
3- .. كذا في الأصل ، وفي المصدر : «فوق الأرض» .
4- .. النازعات (79) : 30 .
5- .. الكافي ، ج 8، ص 94 _ 95، ح 67 ، حديث أهل الشام . ورواه الصدوق في التوحيد ، ص 66 _ 67، باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 20 بسند آخر عن أبيجعفر عليه السلام .

ص: 51

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم قال : قال لي أبوجعفر عليه السلام : «كان كلّ شيء ماءا ، وكان عرشه على الماء ، فأمر اللّه عزّ وجلّ الماء فاضطرم نارا ، ثمّ أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان ، فخلق اللّه عزّ وجلّ السماوات من ذلك الدخان ، وخلق الأرض من الرماد ، ثمّ اختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء : أنا جند اللّه الأكبر، وقالت الريح: أنا جند اللّه الأكبر، وقالت النار: أنا جند اللّه الأكبر، فأوحى اللّه إلى الريح : أنت جندي الأكبر» . (1) وفي السِفْر الأوّل من التوراة في بيان خلق السماء والعالم _ على ما ذكر في ترجمتها _ : «إنّه كانت الظلمة وجه الغمر ، وكان نور اللّه يرفرف على المياه» ، ثمّ ذكر فيه خلق السماوات بنحو ممّا ذكر . والغَمر : الماء الكثير ، ومعنى نور اللّه يرفرف على المياه ؛ معنى قوله تعالى : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ » (2) . ومن طريق العامّة : «أوّل ما خلق اللّه جوهرة ، _ وفي رواية اُخرى : ياقوتة _ خضراء ، ونظر إليها بالهيبة فصارت (3) ماء ، فوضع عرشه على الماء» . (4) ولايبعد أن يراد بالسماء في الآيتين جهة العلوّ كما صرّح به الشهيد الثاني قدس سرهفي شرح اللمعة (5) ، فيشمل الماء المطر الذي ينزل من البحر الذي تحت العرش ، والذي تجذبه السحاب من البحر المحيط ، والذي يحدث في الجوّ من البخارات الصاعدة ، والمطر يكون بكلّ من الوجوه الثلاثة .

.


1- .. هود (11) : 7 .
2- .. الكافي ، ج 8، ص 95، ح 68 ؛ وص 153، ح 142 .
3- .. في ب : «فأنارت» . وفي البحار : «فذابت» .
4- .. مفاتيح الغيب ، ج 8 ، ص 260 . وأورده المجلسي في بحار الأنوار ، ج 61، ص 13 بلفظ «روي» ؛ وفي ج 54، ص 363 نقلاً عن مفاتيح الغيب . وانظر: تفسير الميزان ، ج 1، ص 121 .
5- .. شرح اللمعة ، ج 1، ص 249 .

ص: 52

ويظهر الأوّل ممّا رواه المصنّف قدس سره في الروضة عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «كان عليّ عليه السلام يقوم في المطر أوّل ما يمطر حتّى يبتلّ رأسه ولحيته وثيابه ، فقيل [ له ] : يا أميرالمؤمنين ، الكِنّ الكِنّ (1) ، فقال : إنّ هذا [ ماء ]قريب العهد بالعرش ، ثمّ أنشأ يحدّث فقال : إنّ تحت العرش بحرا فيه ماء ينبت أرزاق الحيوانات ، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ (2) أن ينبت به ما يشاء رحمة منه لهم ، أوحى اللّه إليه فمطر ما شاء من سماء إلى سماء حتّى يصير إلى سماء الدنيا ، فيلقيه إلى السحاب ، والسحاب بمنزلة الغربال ، ثمّ يوحي [ اللّه ]إلى الريح أن اطحنيه وأذيبيه ذوبان الماء ، ثمّ انطلقي به إلى موضع كذا وكذا فأمطري عليهم فيكون كذا وكذا عبابا (3) » . (4) و[ يظهر ] الثاني ممّا نقله الشيخ بهاء الملّة والدين قدس سره في مفتاح الفلاح عن العامّة والخاصّة : أنّ المأمون ركب يوما للصيد ، فمرّ ببعض أزقّة بغداد على جماعة من الأطفال كانوا مجتمعين ، فغابوا وهربوا وبقي واحد منهم ، فتقدّم إليه المأمون وقال له : كيف لم تهرب كما هرب أصحابك ؟ فقال : «لأنّ الطريق ليس ضيّقا فيتّسع بذهابي، ولا لي عندك ذنبا فأخافك لأجله ، فلأيّ شيء أهرب ؟» فأعجب كلامه المأمون ، فلمّا خرج إلى خارج بغداد أرسل صقرة فارتفع ولم يسقط على الأرض حتّى رجع وفي منقاره سمكة صغيرة ، فتعجّب المأمون ، فلمّا رجع ووصل ذلك الموضع تفرّق الأطفال وهربوا إلّا ذلك الطفل ، فبقي في مكانه كما في المرّة الاُولى ، فتقدّم إليه المأمون وهو ضامّ كفّه على السمك وقال له : قُل أيّ شيء في يدي ؟ فقال عليه السلام : «إنّ الغيم حين يأخذ من ماء البحر تداخله سمكة صغار فتسقط منها فتصطادها صقور الملك فيمتحنون

.


1- .. الكِنّ : الكِنان ، وهو الغطاء ، وكلّ ما يردّ الحرّ والبرد من الأبنية والغيران ونحوها ، جمعه أكنان وأكِنّة ، وفي التنزيل العزيز : «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِ_لَ_لاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَ_نًا » . اُنظر : لسان العرب ، ح 13 ، ص 360 (كنن) .
2- .. في المصدر : «أراد اللّه عزّ ذكره» .
3- .. العباب : معظم الماء وكثرته وارتفاعه : مجمع البحرين ، ج 3 ص 105 (عبب)
4- .. الكافي ، ج 8 ، ص 239 ، ح 326 . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ص 463 ، باب النوادر ، ح 8 .

ص: 53

بها سلالة النبوّة» . فأدهش ذلك المأمون وقال له : مَن أنت ؟ فقال : «أنا محمّد بن عليّ الرضا» . وكان ذلك بعد واقعة الرضا عليه السلام ، وكان عمره عليه السلام في ذلك الوقت أحد عشر سنة ، وقيل : عشرا ، فنزل المأمون عن فرسه وقبّل رأسه وتذلّل له ، ثمّ زوّجه ابنته . (1) وقد سمعت عن بعض الثقات أنّه شاهد في البحر خروج شيء من الماء كخرطوم الفيل ، فارتفع وانبسط وصار سحابا ماطرة . و[ يظهر ] الثالث ممّا ادّعته الحكماء وشهدت له المشاهدة ، ولقد شاهدت ذلك في جبال طبرستان ، فحين هبطت إليها من جبل يقال له: «فيروز كوه» إذا أنا بأبخرة كثيفة رطبة من بين جبلين تصاعدت وأحاطت بنا بحيث لم أر مَن كان معي وخفيت عنّا الأرض والسماء حتّى ارتفعت وصارت سحابا ماطرة . وعلى هذا فيمكن استفادة طهوريّة ماء البحر أيضا بأدنى عناية . وحكى العلّامة في المنتهى عن سعيد بن المسيّب وعبداللّه بن عمرو بن العاص عدم جواز التوضّي بماء البحر مع وجود غيره ، محتجّين بأنّه نار ! وأجاب عنه بأنّه إن أرادا أنّه في الحال كذلك ، فهو تكذيب للحسّ ، وإن أرادا صيرورته كذلك بعد ذلك ، فلايمنع الطهوريّة (2) . أقول : ولعلّ ما ذكره إشارة إلى ما نقل عن كعب الأحبار من أنّه تصير السماوات يوم القيامة جنانا ، ويصير مكان البحر النار (3) . وعن ابن مسعود أنّه قال : تبدّل الأرض بنار ، فتصير الأرض كلّها نارا يوم القيامة

.


1- .. مفتاح الفلاح ، ص 171 _ 172 . وأورده الإربلي في ترجمة الإمام الجواد عليه السلام من كشف الغمّة ، ج 3، ص 135 _ 136 ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ، ج 50 ص 91 _ 92؛ وج 56، ص 339 _ 340 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 19 _ 20 .
3- .. تفسير الطبري ، ج 13 ص 331 ، في تفسير قوله تعالى : «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ » ؛ تفسير ابن كثير ، ج 2 ص 564 ؛ التخويف من النار لابن رجب الحنبلي ، ص 47 .

ص: 54

والجنّة من ورائها . (1) إذ الظاهر أنّه أراد بالأرض ما يعمّ الماء . ونقل الشيخ في الخلاف عن عبداللّه بن عمرو بن العاص وابن عمر أنّهما قالا : التيمّم أحبّ إلينا منه . (2) ويردّ هذين القولين ما روي في [ فتح ] العزيز عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «البحر هو الطهور ماؤه» . 3 وعموم ما ذكر من الأدلّة . ثمّ المشهور بين أهل العلم اختصاص الطهوريّة بالماء المطلق وانتفاؤها عن المضاف ، واحتجّوا عليه بنزول الآيتين المذكورتين في معرض الامتنان ، قائلين : لولا الانحصار لكان المناسب الامتنان بالأعم ويتوقّف الطهوريّة على نصّ ، ولم يرد فيه . ويدلّ أيضا عليه قولهم عليهم السلام : «إنّما هو الماء والصعيد» ، إذ المتبادر من الماء المطلقُ ، والتصريح بنفيها عن بعض المضافات معلّلاً بأنّها إنّما تكون بالماء والصعيد . رواه أبوبصير عن أبيعبداللّه عليه السلام : عن الرجل يكون معه اللبن ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا ، إنّما هو الماء والصعيد» . (3) وعبداللّه بن المغيرة في الصحيح عن بعض الصادقين قال : «إذا كان الرجل لايقدر على الماء وهو يقدر على اللبن فلايتوضّأ باللبن ، إنّما هو الماء والتيمّم» (4) .

.


1- .. تفسير الطبري ، ج 13، ص 329 ؛ المعجم الكبير ، ج 9 ، ص 154 ؛ تفسير ابن كثير ، ج 2، ص 564 ؛ مجمع البيان ، ج 6، ص 94 ؛ بحار الأنوار ، ج 7، ص 72 .
2- .. الخلاف ، ج 1 ص 51 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 188، ح 540 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 14، ح 26 ؛ وص 155، ح 534؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 201 ، ح 518 ؛ وج 3 ، ص 351 ، ح 3843 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219، ح 628 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 15، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 201 ، ح 519 ؛ وص 202 ، ح 521 . وفي الجميع : «هو الماء أو التيمّم» ، نعم في نسخة من الاستبصار على ما في هامشه : «والتيمّم» .

ص: 55

وربما احتجّ عليه بإجماع أهل البيت والفرقة المحقّة ، وبقوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (1) ، حيث أوجب علينا التيمّم عند عوز الماء من غير أن يجعل بينهما واسطة . وخالف في ذلك الصدوق قدس سره فجوّز الوضوء والغُسل بماء الوَرد (2) ، مستندا بما رواه محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبيالحسن عليه السلام قال : الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة ؟ قال : «لا بأس بذلك» . (3) وهو مع ضعفه _ لوجود سهل بن زياد في طريقه _ محمول على الماء الذي طرح فيه الورد ، فإنّ ذلك يسمّى ماء الورد وإن لم يكن معتصرا منه ، والإضافة إنّما هي من إضافات المجاورة ، كماء البئر ، وماء النهر، وماء الجبّ ونظائرها (4) . وذهب بعض الأصحاب إلى أنّه يرفع الخبث ، وهو محكيّ عن الشيخ المفيد قدس سرهفي المسائل الخلافيّة ، وعن السيّد المرتضى أيضا في شرح الرسالة . وحكى في الذكرى نقلاً عن المحقّق احتجاج السيّد بإطلاق قوله تعالى : «وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » (5) ، وقول النبيّ صلى الله عليه و آله في المستيقظ : «لايغمس يده في الإناء حتّى يغسلها» (6) ، وقولهم عليهم السلام : «إنّما يغسل الثوب من المنيّ والدم» . (7)

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. الهداية ، ص 65 _ 66 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 6 ، ذيل ح 3 .
3- .. الكافي ، ج 3، ص 72، ح 12 . ورواه عنه الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 218، ح 628؛ وفي الاستبصار ، ج 1 ، ص 14 ، ح 27 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 204 ، ح 526 .
4- .. قاله الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219، ح 627 ؛ والاستبصار ، ج 1، ص 15 .
5- .. المدّثّر (74) : 4 .
6- .. ورد الحديث من طريق أبيهريرة في: مسند الشافعي ، ص 10؛ مسند أحمد ، ج 2، ص 241 و259 و455 و471 ؛ صحيح مسلم ، ج 1، ص 160 ؛ سنن النسائي ، ج 1، ص 706؛ والسنن الكبرى ، ج 1، ص 163 ؛ سنن الترمذي ، ج 1، ص 19_ 20 ، ح 24 ؛ سنن أبيداود ، ج 1، ص 30 _ 31، ح 103 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1، ص 45 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1، ص 121 . وورد أيضا من طريق عائشة في : مسند الطيالسي ، ص 208 .
7- .. الذكرى ، ص 7 ؛ الناصريّات ، ص 106 . وحكاه أيضاً الشهيد الثاني في روض الجنان ، ج 1، ص 434 . ف والحديث أورده العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1، ص 224 . وورد أيضا بزيادة «والبول» في المعتبر ، ج 1، ص 415 ؛ منتهى المطلب ، ج 1، ص 161 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1، ص 53، المسألة 16 . ورواه الجصّاص في أحكام القرآن ، ج 3، ص 630 بلفظ : «. . . من الدم والبول والمنيّ» . ورواه الدارقطني في سننه ، ج 1، ص 134 بلفظ : «إنّما يغسل الثوب من خمس» وعدّ منها المنيّ والدم .

ص: 56

ودفعه يظهر ممّا ذكر . وخالف فيه أبوحنيفة أيضا فإنّ نبيذ التمر عنده طهور في السفر عند إعواز الماء ، على ما حكى عنه في [ فتح ] العزيز . (1) وفي الناصريات : «وأجاز أبوحنيفة التوضّأ بنبيذ التمر المطبوخ الشديد عند عدم الماء (2) ، وقال محمّد بن الحسن (3) : يتوضّأ به ويتيمّم مع فقد الماء . فأوجب الجمع بينهما» (4) . وقد ورد في بعض أخبارنا ما يوهم ذلك ، ففي صحيح عبداللّه بن المغيرة عن بعض الصادقين في الخبر المتقدّم بعد ما روينا عنه : «فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذا فإنّي سمعت حريزا يذكر في حديث أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد توضّأ بنبيذ ولم يقدر على الماء» . وقال الشيخ قدس سره في كتابَي الأخبار : «أوّل ما فيه أنّ عبداللّه بن المغيرة قال عن بعض الصادقين ، ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام وإن كان اعتقد فيه أنّه صادق على الظاهر» (5) .

.


1- .. فتح العزيز ، ج 1 ص 81 _ 82 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 93 ؛ الفصول للجصّاص ، ج 4 ، ص 265 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 88 .
3- .. أبوعبداللّه محمّد بن الحسن بن فرقد الشيباني ، أصله من دمشق ، قدم أبوه العراق ، فولد بواسط سنة 132 ، ونشأ بالكوفة ، وسكن بغداد ، وتفقّه على أبيحنيفة ، وسمع الحديث من سفيان الثوري وأبيعمرو الأوزاعي ومسعر بن كدام ومالك بن أنس ، وأخذ عنه الشافعي والجوزجاني وأبوعبيد القاسم بن سلام ، له كتاب الجامع الصغير والكبير ، والحجّة على أهل المدينة. خرج مع هارون إلى الريّ، فمات بها سنة 189 وهو ابن ثمان وخمسين سنة . راجع : الأنساب للسمعاني ، ج 3 ، ص 483 (الشيباني) ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 393 _ 394 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 9 ، ص 207 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 2 ، ص 1163 .
4- .. الناصريّات ، ص 75 . الأصل للشيباني ، ج 1 ، ص 74 _ 75 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 93 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 88 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219 ذيل الحديث 628 ، الاستبصار ، ج 1 ص 128 ذيل الحديث 15 .

ص: 57

وأقول : يؤيّد ذلك أنّه لم يعهد رواية الإمام عليه السلام عن حريز . ثمّ قال : والثاني أنّه أجمعت العصابة على أنّه لايجوز الوضوء بالنبيذ فقط أيضا الاحتجاج به من هذا الوجه ، ولو سلّم من هذا كلّه كان محمولاً على الماء الذي طيّب بتميرات طُرحنَ فيه إذا كان الماء مرّا ولم يبلغ حدّا يسلبه إطلاق الاسم ، لأنّ النبيذ في اللغة هو ما نُبذ فيه الشيء ، واستند في ذلك بخبر الكلبي النسّابة أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن النبيذ ؟ فقال : «حلال» . فقال : إنّا ننبذه فنطرح فيه العَكَر (1) وما سوى ذلك ؟ فقال : «شُه شُه (2) تلك الخمرة المنتنة» . قال : قلت : جُعلتُ فداك ، فأيّ نبيذ تعني ؟ فقال : «إنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تغيّر الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا ، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كفّ من تمر فيقذف به في الشّن ، فمنه شربه ومنه طهوره» . قلت : وكَم عدد التمر الذي في الكفّ ؟ فقال : «ما حمل الكفّ» . قلت : واحدة أو ثنتين ؟ فقال : «ربما كانت واحدة وربما كانت ثنتين» . فقلت : وكم كان يسع الشنّ ؟ فقال : «مابين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك» . فقلت : بأيّ الأرطال ؟ فقال : «أرطال مكيال العراق» (3) . وأمّا المطلق الممتزج بالمضاف ، فيكون مطهّرا ما لم يسلبه الإطلاق عرفا ، فالشمول المطلق له ، وقد صرّح بذلك جماعة ، منهم السيّد المرتضى في الناصريّات، فقد قال بعد ما اعتبر الاسم : «ولااعتبار الاعتبار في الغلبة بظهور تغيير في اللون أو الطعم أو الرائحة ، بل بغلبة الأجزاء على حدّ يسلبه إطلاق اسم الماء» . قال :

.


1- .. العَكَر _ بفتحتين _ : دُردي الزيت ودُردي النبيذ ونحوه ممّا خثر ورسب . يقال : عكر الشيء عَكرا من باب تعب ، إذا لم يرسب خاثره . مجمع البحرين ج 3 ، ص 411 (عكر).
2- .. «شه شه» : كلمة استقذار واستقباح . مجمع البحرين، ج 6، ص 351 (شوه).
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1، ص 219 _ 220، ح 628 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 15 _ 16، ح 29 ، بإسناده عن الكليني ، وهذا هو الحديث 6 من باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة من كتاب الحجّة ؛ وح 3 من باب النبيذ من كتاب الأشربة ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 203 _ 204 ، ح 521 .

ص: 58

ووافقنا على ذلك أبوحنيفة ، وراعى الشافعي ومالك في ذلك تغيير الأوصاف من لون أو طعم أو رائحة ، وزعما أنّ أحد أوصاف الماء متى تغيّر ولو باليسير من الطاهر المضاف لم يجز الوضوء ، دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقّة ، قوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ » (1) ، فنقلنا من الماء إلى التراب من غير واسطة ، والماء الذي خالطه يسير من زعفران يطلق عليه اسم الماء ولا ينتقل مع وجوده إلى التراب . وأيضا قوله تعالى : «فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (2) عامّ في كلّ مائع يتأتّى الاغتسال به إلى أن يقوم دليل على إخراج بعضها ، وليس لأحد أن يدّعي أنّ يسير الزعفران إذا خالطه سلبه إطلاق اسم الماء ، وذلك أنّ إطلاق الاسم هو الأصل ، والتقييد داخل عليه وطارٍ بعده كالحقيقة والمجاز ، فمن ادّعى زوال الإطلاق في الماء فعليه الدليل . وبعد ، فإنّهم يقولون في ذلك إنّه ماء وقع فيه زعفران ولايضيفونه إليه كما يضيفون المعتصر من الزعفران إليه. وممّا يدلّ على أنّ تغيير أحد الأوصاف لايعتبر به أنّ الماء الذي يجاوره الطيب الكثير كالمسك وغيره قد تتغيّر رائحته بمجاورة الطيب ومع هذا لاخلاف في جواز الوضوء به ؛ هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . (3) واعتبار الاسم واضح في الخليط الذي له أوصاف مخالفة للأوصاف الخلقيّة للماء ، وأمّا في المسلوب الوصف ، فهل يعتبر التقدير ؟ قال به جماعة منهم الشهيد في الدروس (4) والمحقّق الشيخ عليّ ، والأكثر لم يعتبروه بل جعلوا مناط الحكم الاسم العرفي . واعتبر الشيخ في المبسوط في المنع غلبة المضاف ، فقال : وإن اختلط الماء بماء الورد المنقطع الرائحة حكم للأكثر ، فإن كان الأكثر ماء الورد لم يجز استعماله في الوضوء ، وإن كان الماء أكثر جاز ، وإن تساويا ينبغي أن نقول بجواز استعماله؛ لأنّ الأصل الإباحة . (5)

.


1- .. النساء (4) : 43 ، والمائدة (5) : 6 .
2- .. المائدة (5) : 6 .
3- .. الناصريّات ، ص 73 _ 74 .
4- .. الدروس ، ج 1، ص 122، الدرس 18 .
5- .. المبسوط ، ج 1، ص 8 .

ص: 59

[ باب طهور الماء ]

[ باب طهور الماء ][قوله] في خبر السكوني : (الماء يطهِّر ولا يُطَهَّر) .[ ح1/3802 ] أي يطهّر كلّ جسم يقبل الطهارة ماء كان أو غيره ، ولا يطهّره جسم آخر غيره ، فلايرد أنّ الماء النجس يطهَّر بالكثير وبالجاري ، ولاينتقض بتطهير ماء البئر بالنزح ؛ فإنّ المطهّر له إنّما هو الماء النابع بنزح المنزوح ، ولا بالماء المستحيل ملحا أو بولاً في جوف الحيوان المأكول لحمه ؛ لانعدام المائيّة بانقلاب الماهيّة . نعم ، يشكل ذلك على قول من قال بتطهير الماء القليل النجس بإكماله من المضاف ما لم يسلبه الإطلاق ، فإنّ المطهّر فيه إنّما هو المضاف ؛ فلايبعد الاحتجاج بهذا الخبر على نفي ذلك القول . وربما اُجيب عنه بأنّ المطهّر هنا إنّما هو مجموع البالغ كرّا لا المضاف . وفيه نظر . هذا ، والخبر غير صحيح ؛ لاشتماله على النوفلي ، وهو هنا الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبدالملك النوفلي ، بقرينة روايته عن السكوني ، وهو مجهول الحال ، بل قيل بضعفه لما حكاه النجاشي عن قوم من القمّيّين أنّه غلا في آخر عمره (1) ، ولم يثبت ذلك عنهم ، ولو ثبت لما أمكن الاستدلال به على غلوّه ، فإنّهم ربما نسبوا الغلوّ إلى بعض فحول علماء الشيعة بأدنى شيء ، وإن أبيت فعليك بنسبة الصدوق التفويض والغلوّ إلى من أنكر سهو النبيّ صلى الله عليه و آله . (2)

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 28، الرقم 77 .
2- .. قال الصدوق في الفقيه ، ج 1، ص 359 _ 360 ، ذيل الحديث 1031 : «إنّ الغلاة والمفوّضة _ لعنهم اللّه _ ينكرون سهو النبيّ صلى الله عليه و آله . . . وليس سهو النبيّ صلى الله عليه و آله كسهونا ، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلايتّخذ ربّا معبودا دونه ، وليعلم النّاس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا من الشيطان ، وليس للشيطان على النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة _ صلوات اللّه عليهم _ سلطان . . .» .

ص: 60

و[ لاشتمال الخبر ] على السكوني ، وهو إسماعيل بن مسلم أبيزياد بقرينة رواية النوفلي عنه ، على ما يظهر من فهرست الشيخ ومن رجال النجاشي (1) ، وهو مضعَّف . (2) وأمّا إبراهيم بن هاشم ، فهو أبوإسحاق الكوفي ، انتقل إلى قُمّ وسكن فيه على ما ذكره النجاشي (3) والشيخ في الفهرست (4) ، وحكي عن العلّامة رحمه الله أنّه قال في الخلاصة: «ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص ، والروايات عنه كثيرة ، والأرجح قبول قوله» . (5) وعن الشهيد الثاني قدس سره أنّه قال : «لم يذكر _ يعني العلّامة _ سندا للقبول مع اعترافه بأنّه لم يقف على تعديله بالتنصيص ، فكأنّه اطّلع على ما يفيده ظاهرا ، إذ لايلزم كون الدليل بطريق التنصيص» . وأقول : الظاهر أنّ منشأ القبول ما ذكره الشيخ قدس سره في الفهرست من أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقمّ ، (6) بضميمة ما اشتهر من أنّ القمّيين كانوا يخرجون من قمّ بعض رواة الأخبار بمجرّد توهّم شائبة من القدح فيهم ، فإقبالهم إليه واجتماعهم عليه واستفادتهم منه وقبولهم رواياته أدلّ دليل على حسنه ، بل لايبعد أن يكون شاهدا على توثيقه ، وكأنّه لذلك اشتهر بين الأصحاب كون السند المشتمل عليه حسنا كالصحيح ، بل ربما عدّ صحيحا .

.


1- .. الفهرست ، ص 50 _ 51، الرقم 38 ؛ رجال النجاشي ، ص 26، الرقم 47 .
2- .. التضعيف راجع إلى مذهبه لكونه عاميّا ، وأمّا في روايته فهو موثوق به ويعمل برواياته . نعم ، حكى العلّامة في القسم الأوّل من الخلاصة ، الباب الأوّل من فصل الجيم ، في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي عن ابن الغضائري تضعيف السكوني ، إلّا أنّه لايوجب التوقّف في روايته ؛ لعدم وجود هذا التضعيف في نسخة القهبائي ، ولاحتمال أنّ التضعيف لأجل مذهبه لا في روايته ، ولاحتمال أن يكون المراد بالسكوني غير إسماعيل بن أبيزياد ، فلعلّ المراد به إسماعيل بن مهران الذي ضعّفه ابن الغضائري أو غيره ، ولعدم ثبوت نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري . معجم رجال الحديث ، ج 3، ص 107 ، الرقم 1283 .
3- .. رجال النجاشي ، ص 16 ، الرقم 18 .
4- .. الفهرست ، ص 35 _ 36 ، الرقم 6 .
5- .. خلاصة الأقوال ، ص 49، الرقم 9 .
6- .. الفهرست ، ص 36، الرقم 6 .

ص: 61

[قوله] : (عن أبيداود المنشد) . [ ح 3/3804 ] هو سليمان بن سفيان بن السمط ، وكان ثقة راوية لشعر السيّد إسماعيل بن محمّد الحميري ، 1 وإنّما سمّي بالمنشد لإنشاده أشعار ذلك السيّد، ويسمّى مسترّقا أيضا. وعن ابن داود انّه سمّي بذلك لأنّه كان يسترقّ الناس بشعر السيّد (1) . (2) وقال الفاضل الاسترآبادي : «وإنّما سمّي المسترقّ ، لأنّه كان راوية لشعر السيّد وكان يستخفّه الناس لإنشاده . يسترقّ ، أي يرقّ على أفئدتهم» . (3) [قوله] : (عن محمّد بن عيسى ، عن يونس) . [ ح 4/3805 ] لقد حكم العلّامة رحمه الله في المنتهى بصحّة هذا الخبر (4) ، واعترض عليه بأنّه قد وقع الخلاف في محمّد بن عيسى ، فما صرّح هو في الخلاصة بتوثيقه وإن كان قد رجّح قبول روايته (5) ، وقد ضعّفه الشيخ قدس سره في الفهرست وقال : «قد استثناه أبوجعفر بن بابويه من رجال كتاب نوادر الحكمة (6) ، وقال : لا أروي ما يختصّ بروايته ، وقيل : إنّه كان يذهب

.


1- .. رجال ابن داود، ص 106، الرقم 725.
2- .. خلاصة الأقوال ، ص 154 _ 155 ، الرقم 4 ؛ إيضاح الاشتباه ، ص 195 ، الرقم 310 ؛ رجال ابن داود ، ص 106 ، الرقم 725 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 254 ، الرقم 181 .
3- .. هذا القسم من كتابه منهج المقال ، غير مطبوع .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 19 .
5- .. خلاصة الأقوال ، ص 241 _ 242 ، الرقم 23 .
6- .. في الهامش بخطّ الأصل : «هو تصنيف محمّد بن أحمد بن يحيى ، منه عفي عنه» .

ص: 62

مذهب الغلاة» . (1) وفي يونس بن عبدالرحمان أيضا ، فما صرّح الأكثر بتوثيقه ، وإن وثّقه ابن داود ، وقد ضعّفه القمّيون . (2) ثمّ في «محمّد بن عيسى عن يونس» ، ففي الفهرست عن الصدوق ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد أنّ كتب يونس بن عبدالرحمان التي في الروايات كلّها صحيحة يعتمد عليها إلّا ما يتفرّد به محمّد بن عيسى بن عبيد عن يونس ، ولم يروه غيره ، فإنّه لايعتمد عليه ولا يفتى به . (3) وأقول : الأقوى الصحّة ؛ لأنّ محمّد بن عيسى وإن ضعّفه الشيخ ، لكن وثّقه أبوالعبّاس بن نوح (4) ، وقال النجاشي أيضا : «محمّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى مولى أسد خزيمة أبوجعفر ، جليل في أصحاب ، ثقة ، عين ، كثير الرواية، حسن التصانيف ، روى عن أبيجعفر الثاني مكاتبة ومشافهة» . (5) وروى الكشّي في ترجمته عن القتيبي أنّه قال : «كان الفضل بن شاذان رحمه اللهيحبّ العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويقول : ليس في أقرانه مثله» . (6) وأمّا تضعيف الشيخ إيّاه ، فالظاهر ممّا ذكر أنّه إنّما كان تبعا للصدوق على ما فهمه من كلامه ، وليس هذا مفاده ؛ لأنّه إنّما استثنى من رجال كتب نوادر الحكمة ما رواه عن محمّد بن عيسى مرسلاً لا مطلقا ، والظاهر أنّ ذلك لإرسال السند وانقطاعه ، لا لضعف محمّد بن عيسى ، فقد قال : تعتبر كتاب (7) نوادر الحكمة ورواياتها بأجمعها إلّا ما كان فيه من تخليط ، وهو الذي

.


1- .. الفهرست ، ص 216، الرقم 611 ، ترجمة محمّد بن عيسى بن عبيد .
2- .. رجال ابن داوود ، ص 207، الرقم 1743 ؛ رجال الطوسي ، ص 346 ، الرقم 5167 ترجمة يونس بن عبدالرحمان .
3- .. الفهرست ، ص 266 ، الرقم 813 ، ترجمة يونس بن عبدالرحمان .
4- .. حكاه عنه النجاشي في رجاله ، ص 348 ، في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، الرقم 939 .
5- .. رجال النجاشي ، ص 333 ، الرقم 896 .
6- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 817 ، ح 1021 .
7- .. هذا هو الظاهر، وفي الأصل : «كتب».

ص: 63

يكون في طريقه محمّد بن موسى الهمداني أو يرويه عن رجل أو عن بعض أصحابنا ، إلى قوله : أو عن محمّد بن عيسى بإسناد منقطع ينفرد به (1) . وإنّما استثناه الصدوق تبعا لمحمّد بن الحسن بن الوليد كما صرّح به أبوالعبّاس بن نوح ؛ حيث قال : «وكان محمّد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى ما رواه محمّد بن موسى الهمداني ، _ إلى قوله _ : أو عن محمّد بن عيسى بإسناد منقطع» . ثمّ قال (2) : «وقد أصاب شيخنا أبوجعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبوجعفر بن بابويه رحمه الله على ذلك كلّه إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد ، فلا أدري ما رأيا فيه ، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة» ، انتهى . (3) وأنت تعلم أنّ ما ذكره الصدوق ومحمّد بن الحسن بن الوليد إنّما يدلّ على ما ذكرناه ، ولا يدلّ على تضعيفهما لمحمّد بن عيسى أصلاً ، فلاوجه لتضعيف الشيخ إيّاه ، ولا يرد على الصدوق وابن الوليد اعتراض أبيالعبّاس بن نوح أيضا . وأمّا القول بغلوّه ، فغير منقول عن معيّن يعرف ، فلايوثق به . وممّا ذكرنا يندفع ما قيل من أنّ الجارح مقدَّم على المعدّل ، لأنّ ذلك مختصّ بما إذا كان الجرح والتعديل بالشهادة فقط ، أو يكون الجرح مستندا إلى أصل يعتمد عليه ، وهنا إنّما جرحوه بالتقليد ، وفي الحقيقة الجارح هنا شاهد فرع قد غلط في فهم كلام الأصل ، ولمّا لم يكن تضعيفه مستندا إلى أصل لايعارض توثيق النجاشي وابن نوح إيّاه ، ومدحا من الفضل بن شاذان له ليس بأقلّ من التوثيق . وأمّا يونس بن عبدالرحمان ، فإنّه وإن ضعّفه القمّيّون لأخبار ضعيفة وردت في

.


1- .. الفهرست ، ص 222، ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، الرقم 622.
2- .. في الهامش بخطّ الأصل : «أي أبوالعبّاس بن نوح. منه» .
3- .. حكى ذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري بلفظ : «. . . إلّا أنّ أصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ولايبالي عمّن أخذ وما عليه في نفسه مطعن في شيء ، وكان محمّد بن الحسن بن الوليد . . .» ، ثمّ قال : «قال أبوالعبّاس بن نوح : وقد أصاب . . .» .

ص: 64

ذمّه ، لكنّ الأصحّ والأشهر توثيقه وجلالة قدره ورفعة شأنه كما يدلّ عليه أخبار كثيرة ، كثير منها صحيح ، بل قال الكشّي رحمه الله : «إنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» (1) . ولا بأس بذكر الأخبار لتحقيق الحال وإن كان موجبا للإطناب وإكثار المقال ، فنقول : قال الكشّي رحمه الله : حدّثني عليّ بن محمّد القتيبي ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي _ وكان خير قمّي رأيته ، وكان وكيل الرضا وخاصّته _ قال : سألت الرضا عليه السلام فقلت : إنّي لا ألقاك في كلّ وقت ، فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال : «خذ عن يونس بن عبدالرحمان» . (2) والخبر حسن بالقتيبي . وعن محمّد بن مسعود قال : حدّثني محمّد بن نصير ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي ، [ قال محمّد بن نصير : ] قال محمّد بن عيسى : وحدّث الحسن بن عليّ بن يقطين أيضا ، قال : قلت لأبيالحسن الرضا عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي لا أكاد أَصِلُ إليك أسألك عن كلّ ما أحتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبدالرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ [ فقال : «نعم» ] . (3) والظاهر صحّة الخبر بناء على أنّ محمّد بن مسعود هذا هو ابن مسعود بن عيّاش السلمي السمرقندي أبوالنضر المعروف بالعيّاشي ؛ لما صرّح به بعض أصحاب الرجال من أنّ محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي من غلمان العيّاشي . وقال بعضهم : إنّه صحب العيّاشي وأخذ عنه وتخرّج عليه . وعن جبرئيل بن أحمد قال : سمعت محمّد بن عيسى، عن عبدالعزيز بن المهتدي ،

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 830 ، ح 1050 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 ، ح 910 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 784 ، ح 935 .

ص: 65

قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّ شقّتي بعيدة ولست أصِلُ إليك في كلّ وقت ، فآخذ معالم ديني من يونس مولى آل يقطين ؟ قال : «نعم» . (1) وبإسناده عن سهل بن بحر ، قال : سمعت الفضل بن شاذان يقول : ما نشأ في الإسلام رجل من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي ، ولا نشأ بعده رجل أفقه من يونس بن عبدالرحمان رحمهما اللّه . (2) أقول : كان هذا المدح نشأ من الفضل؛ لأنّه سمعه عن الإمام عليه السلام أو استنبطه من قوله عليه السلام كما رواه الكشّي رحمه الله في ترجمة أبيحمزة الثمالي ، قال : وقال الفضل بن شاذان : سمعت الثقة يقول : سمعت الرضا عليه السلام يقول : «أبوحمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه ، وذلك أنّه خدم أربعة منّا : عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وبُرهةً من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام ، ويونس في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه» . (3) ووجه تشبيه أبيحمزة بسلمان من حيث إنّ سلمان أيضا خدم أربعة من المعصومين : رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعليّا ، والحسنين عليهم السلام ، وتشبيه يونس أيضا من ذلك الوجه ، فإنّه أدرك أباعبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام وخدمه وإن لم يسمع منه كما صرّح به حمدويه (4) ، وأبا إبراهيم موسى بن جعفر ، وأباالحسن عليّ بن موسى الرضا ، وأباجعفر محمّد بن عليّ الجواد عليهم السلام وخدمهم وروى عنهم ، كما يظهر من تتبّع الآثار . ثمّ قال الكشّي رحمه الله :

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 938 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 780 ، ح 914 ، رواه جعفر بن معروف عن سهل بن بحر .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 458 ، ح 357 ، ترجمة أبيحمزة الثمالي ، وص 781 ، ح 919 ، ترجمة يونس بن عبدالرحمان . وفي المورد الأوّل : «وجدت بخطّ أبيعبداللّه محمّد بن نعيم الشاذاني ، قال : سمعت الفضل بن شاذان . . .» .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 ، ذيل ح 932 . قال حمدويه : «قال محمّد بن عيسى : وكان يونس أدرك أباعبداللّه عليه السلام ، ولم يسمع منه» .

ص: 66

وجدت بخطّ محمّد بن شاذان بن نعيم في كتابه : سمعت أبامحمّد القماصي الحسن بن علويّة الثقة يقول : سمعت الفضل بن شاذان يقول : حجّ يونس بن عبدالرحمان أربعا وخمسين حجّة وأربعين عمرة ، وألّف ألف جلد ردّا على المخالفين ، ويقال : انتهى علم الأئمّة عليهم السلام إلى أربعة نفر : أوّلهم سلمان الفارسي، والثاني جابر، والثالث السيّد (1) ، والرابع يونس بن عبدالرحمان. (2) وقال الفضل : ولقد حجّ يونس إحدى وخمسين حجّة آخرها عن الرضا عليه السلام . (3) وبإسناده عن جعفر بن عيسى (4) ومحمّد بن يونس ، أنّ الرضا عليه السلام ضمن ليونس الجنّة ثلاث مرّات . (5) وعن جعفر بن عيسى اليقطيني ومحمّد بن الحسن جميعا : أنّ أباجعفر عليه السلام (6) ضمن ليونس بن عبدالرحمان الجنّة على نفسه وآبائه عليهم السلام . (7) وعن محمّد بن عيسى ، قال : أخبرني يونس : أنّ أباالحسن عليه السلام ضمن لي الجُنّة من النار . (8) وعن أحمد بن أبيخلف ظئر (9) أبيجعفر عليه السلام قال : كنت مريضا فدخل عَلَيّ أبوجعفر عليه السلام يعودني في مرضي ، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة ، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتّى أتى عليه من أوّله إلى آخره ، وجعل يقول : «رحم اللّه يونس ، رحم اللّه

.


1- .. في الهامش بخطّ الأصل : «قيل : يعني السيّد إسماعيل الحميري . منه» .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 780 ، ح 917 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 782 ، ذيل ح 926 عن عليّ بن محمّد القتيبي ، عن الفضل بن شاذان .
4- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «محمّد بن عيسى» .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 ، ح 911 .
6- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يعني الجواد عليه السلام . منه» .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 ، ح 912 .
8- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 784 ، ح 936 .
9- .المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «أحمد بن أبيخالد ظئير . . .» . والظِّئر سواء للذكر والاُنثى من الناس . ويقال : ظاءَرَت فلانةٌ ، بوزن فاعلت ، إذا أخَذَت ولدا تُرضِعه ، وكلُّ مشتركَتين في وَلَدٍ ترضعانه فهما ظَئران . راجع : كتاب العين ، ج 8 ، ص 167 (ظأر) .

ص: 67

يونس ، رحم اللّه يونس» . (1) وعن أبيبصير حمّاد بن عبداللّه بن اُسيد الهروي ، عن داوود بن القاسم : أنّ أباجعفر الجعفري (2) قال : أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبدالرحمان على أبيالحسن العسكري عليه السلام ، فنظر فيه وتصفّحه كلّه ثمّ قال : «هذا ديني ودين آبائي ، وهو الحقّ كلّه» . (3) وقيل مثله في كتاب مصابيح النور للشيخ المفيد رحمه الله : عن أبيالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسين بن بابويه ، قال : حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري ، قال : قال أبوهاشم داوود بن القاسم الجعفري رحمه الله : عرضت على أبيمحمّد صاحب العسكر كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال لي : «تصنيف مَن هذا ؟» فقلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين ، فقال : «أعطاه اللّه بكلّ حرف نورا يوم القيامة» . (4) ثمّ روى الكشّي عن حمدويه ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى ، قال : روى أبوهاشم داوود بن القاسم الجعفري ، عن أبيجعفر ابن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن يونس ، فقال : «مولى آل يقطين ؟» قلت : نعم ، فقال لي : «رحمه اللّه ، كان عبدا صالحا» . (5) وعنه قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل الرازي ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي ، قال : كتبت إلى أبيجعفر عليه السلام : ما تقول في يونس بن عبدالرحمان ؟ فكتب إلَيّ بخطّه : «لاُحبّه وأترحّم عليه وإن كان يخالف (6) أهل بلدك» . (7)

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 779 _ 780 ، ح 913 .
2- .. كذا في الأصل ، ومثله في النسخ المطبوعة من رجال الكشّي ، والظاهر الصحيح : «عن داود بن القاسم أبيجعفر الجعفري» .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 780 ، ح 915 .
4- .. حكاه عنه النجاشي في رجاله ، ص 447 ، في ترجمة يونس بن عبدالرحمان ، الرقم 1208 : «وقال شيخنا أبوعبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب مصابيح النور : أخبرني الشيخ الصدوق أبوالقاسم جعفر بن محمّد بن قولويه . . .» .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 ، ح 932 .
6- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يخالفك _ خ ل» ، وهو المثبت في رجال الكشّي .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 ، ح 931 .

ص: 68

وعن القتيبي قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن أبيهاشم الجعفري ، قال : سألت أباجعفر محمّد بن عليّ الرضا عن يونس ؟ فقال : «مَن يونس ؟» قلت : مولى عليّ بن يقطين ، فقال : «لعلّك تريد يونس بن عبدالرحمان ؟» فقلت : لا واللّه ، ما أدري ابن مَن هو؟ قال : «بل هو ابن عبدالرحمان» . ثمّ قال : «رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، رحم اللّه يونس ، نعم العبد كان للّه جلّ وعلا» . (1) وعن محمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد قال : حدّثني أبوالعبّاس الحميري عبداللّه بن جعفر ، عن أبيهاشم الجعفري قال : سألت أباجعفر عليه السلام (2) عن يونس ، قال : «رحمه اللّه » . (3) وعنه قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني العمركي ، قال : حدّثني الحسن بن أبيقتادة ، عن داوود بن القاسم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : ما تقول في يونس ؟ فقال : «مَن يونس ؟» قلت : يونس ابن عبدالرحمان . قال : «لعلّك تريد مولى بني يقطين ؟» فقلت : نعم . فقال : «رحمه اللّه ، فإنّه كان على ما نحبّ» . (4) وعن جعفر بن أحمد ، عن يونس ، قال : قلت له _ يعني الرضا عليه السلام _ : قد عرفت انقطاعي إليك وإلى أبيك ، وحلّفته بحقّ اللّه وحقّ رسوله وحقّ أهل بيته ، وسمّيتهم حتّى انتهيت إليه أن لا يُخرَجَ ما تخبرني به إلى أحد من الناس ، وإنّي أرجو أن يقول : أبي حيّ ، ثمّ سألته عن أبيه ، أحَيّ هو أو ميّت ؟ فقال : «قد واللّه مات» . قلت: جُعلتُ فداك ، إنّ شيعتك _ أو قلت : مواليك _ يروون أنّ فيه شبه أربعة أنبياء ؟ قال : «قد واللّه الذي لا إله إلّا هو ، هلك» . قلت : هلاك غيبة أو هلاك موت ؟ فقال : «هلاك موت واللّه » . قلت :

.


1- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يعني الجواد عليه السلام . منه» .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 782 ، ح 925 . وفي المطبوعة من رجال الكشّي كرّرت جملة «رحم اللّه يونس» مرّتين ، وفي الطبعة الحديثة منه لم تتكرّر هذه الجملة ، بل ذكرت مرّة واحدة . وفي جميع النسخ : «نعم العبد كان للّه عزّ وجلّ» .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 781 ، ح 923 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ص 781 ، ح 922 .

ص: 69

جُعِلتُ فداك ، فلعلّك منّي في تقيّة ؟ ! قال : فقال : «سبحان اللّه ! قد واللّه مات» . قلت : فمِن أين علمتَ موتَه ؟ قال : «جاءني منه ما علمت أنّه قد مات» . قلت : فأوصى إليك ؟ قال : «نعم» . قلت : فما شرك أحد فيها معك ؟ قال : «لا» . قلت : فعليك من إخوانك إمام ؟ فقال : «لا ». قلت: فأنت إمام ؟ قال : «نعم» . 1 وبإسناده عن أحمد بن الفضل ، عن يونس بن عبدالرحمان ، قال : مات أبوالحسن عليه السلام وليس من قوّامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقفهم (1) وجحودهم موته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عليّ بن أبي حمزة (2) ثلاثون ألف دينار ، [ قال : ] فلمّا رأيت ذلك وتبيّن عَلَيّ الحقّ وعرفت من أمر أبيالحسن الرضا عليه السلام ما علمتُ ، تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال : فبعَثا إليّ وقالا : ما تدعو إلى هذا ، إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي : كفّ . قال يونس : فقلت لهما : إنّا روينا عن الصادقين عليهم السلام أنّهم قالوا : «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب عنه نور الإيمان» ، وماكنت لأدع الجهاد (3) وأمر اللّه على كلّ حال . فناصباني وأظهرا لي العداوة . (4) وقال (5) : وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد في كتابه : حدّثني أبوسعيد الآدمي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن الربيع الأقرع ، عن محمّد بن الحسن البصري ، عن عثمان بن رشيد البصري . قال أحمد بن محمّد بن الأقرع : ثمّ لقيت محمّد بن الحسن

.


1- .. في بعض نسخ المصدر : «وقوفهم» .
2- .. في الهامش بخطّ الأصل : «يعني البطائني . منه» .
3- .. المثبت من المصدر، و صحّف في الأصل ب «الجهّال».
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 786 ، ح 946 .
5- .. في الهامش بخطّ الأصل : «أي الكشّي . منه» .

ص: 70

فحدّثني بهذا الحديث ، قال : كنّا في مجلس عيسى بن سليمان ببغداد ، فجاء رجل إلى عيسى فقال : أردت أن أكتب إلى أبيالحسن الأوّل في مسألة أسأله عنها ، فكتب : جُعلتُ فداك ، عندنا قوم [ يقولون ] بمقالة يونس ، فاُعطيهم من الزكاة شيئا ؟ قال : «نعم ، فإنّ يونس أوّل من يجيب عليّا إذا دَعا» . قال : وكنّا جلوسا بعد ذلك فدخل علينا رجل فقال : قد مات أبوالحسن عليه السلام ، وكان يونس في المجلس ، فقال يونس : يا معشر أهل المجلس ، إنّه ليس بيني وبين اللّه إمام إلّا عليّ بن بن موسى عليهماالسلام ، فهو إمامي . (1) وعن عليّ بن محمّد القتيبي قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، قال : قال لي ياسر الخادم : إنّ أباالحسن الثاني عليه السلام أصبح في بعض الأيّام قال : فقال [ لي ] : «رأيت البارحة يونس (2) مولى لعليّ بن يقطين وبين جبهته غرّة بيضاء ، فتأوّلت ذلك على الدين» . (3) وعن عليّ بن محمّد القتيبي : قال : حدّثني الفضل بن شاذان : قال : كان أحمد بن محمّد بن عيسى تاب واستغفر اللّه من وقيعته في يونس لرؤيا رآها . (4) وعن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أخيه جعفر بن عيسى ، قال : كنّا عند أبيالحسن الرضا عليه السلام وعنده يونس بن عبدالرحمان ، إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة ، فأومى أبوالحسن عليه السلام : «اُدخُل البيت» ، فإذا بيت مسبّل عليه ستر ، ثمّ قال : «وإيّاك أن تحرّك حتّى يؤذَن لك» ، فدخل البصريّون وأكثروا من الوقيعة في يونس ؛ وأبوالحسن عليه السلام مطرق حتّى لمّا أكثروا وقاموا فودّعوا وخرجوا أذن ليونس بالخروج ، فخرج باكيا ، فقال : جعلني اللّه فداك ، إنّي اُحامي عن هذه المقالة وهذه حالي عند أصحابي ، فقال

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 783 _ 784 ، ح 933 .
2- .. كلمة «يونس» غير موجودة في المطبوعة من رجال الكشّي .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 939 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 951 .

ص: 71

له أبوالحسن : «يا يونس ، وما عليك ممّا يقولون إذا كان إمامك عنك راضيا، يا يونس، حدّث الناس بما يعرفون، واتركهم ممّا لايعرفون كأنّك تريد أن لايُكذب على اللّه في عرشه . يا يونس ، وما عليك أن لو كان في يدك اليُمنى دُرّة ثمّ قال الناس : بَعرة ، هل يضرّك ذلك شيئا ؟ ولو كان فيها بعرة فقال الناس دُرّة ، هل ينفعك ذلك شيئا ؟» فقلت : لا . فقال : «هكذا أنت يا يونس ، إذا كنت على الصواب وكان إمامك عنك راضيا لم يضرّك ما قال الناس» . (1) وعن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، قال : قال العبد الصالح : «يا يونس ، ارفق بهم ، فإنّ كلامك يدقّ عليهم» . قال : قلت : إنّهم يقولون لي : زنديق . قال : «وما يضرّك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول النّاس هي حصاة ، وما ينفعك أن تكون في يدك حصاة فيقول الناس هي لؤلؤة» . (2) وقال النجاشي رحمه الله : إنّه كان ممّن بذل له على الوقف مال جزيل وامتنع من أخذه وثبت على الحَقّ . (3) قال : وكان الرضا عليه السلام يشير إليه في العلم والفُتيا . (4) وأمّا الأخبار التي وردت في ذمّه : فمنها ما هو شاهد على نفسه بالكذب : رواه الكشّي عن آدم بن محمّد ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد القمّي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال ، قال : كنت عند أبيالحسن الرضا عليه السلام إذ ورد عليه كتاب يقرؤه ، فقرأه فضرب به الأرض فقال : «هذا كتاب ابن زان لزانية ، هذا كتاب زنديق لغير رِشْدة» . فنظرت فإذا

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 781 _ 782 ، ح 924 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 782 _ 783 ، ح 928 . وفي بعض نسخ رجال الكشّي _ على ما في طبعته الحديثة _ : «عليّ بن حسن الدقّاق النيسابوري» بدل «عليّ بن محمّد الدقّاق النيسابوري» .
3- .. رجال النجاشي ، ص 446 ، الرقم 1208 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 446 _ 447 ، الرقم 1208 .

ص: 72

كتاب يونس . (1) وعن عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن محمّد بن عيسى ، عن عبداللّه بن محمّد الحجّال ، قال : كنت عند الرضا عليه السلام ومعه كتاب يقرؤه في بابه حتّى ضرب به الأرض ، فقال : «كتاب ولد زنا لزانية» . وكان كتاب يونس . (2) فقد قال الكشّي رحمه الله _ ونعم ما قال _ : إنّ أباالحسن عليه السلام أجلّ خطرا وأعظم قدرا من أن يسبّ أحدا صراحا ، وكذلك آباؤه عليهم السلام من قبله وولده عليهم السلام من بعده ، لأنّ الرواية عنهم عليهم السلام بخلاف هذا إذ كانوا قد نَهَوا عن مثله وحثّوا على غيره . وروي عن عليّ بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليهم السلام ، إنّه كان يقول لبنيه : «جالِسوا أهل الدين والمعرفة ، فإن لم تقدروا فالوحده آنَس وأسلَم ، فإن أبيتم إلّا مجالسة الناس فجالِسوا أهل المروّات ، فإنّهم لايرفثون (3) في مجالسهم» . فما رواه (4) هذا الرجل عن الإمام عليه السلام في باب الكتاب لا يليق به ، إذ كانوا عليهم السلام منزّهين عن البذاء والرفث والسفه . (5) ومنها ما لايدلّ إلّا على جهله ببعض المسائل الكلاميّة واستفساره عنها ، ولا عيب في ذلك : رواه الكشّي رحمه الله عن يونس بن بهمن ، قال : قال يونس بن عبدالرحمان : كتبت إلى أبيالحسن الرضا عليه السلام سألته عن آدم عليه السلام : هل كان فيه من جوهريّة الربّ شيء ؟ قال :

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 788 ، ح 953 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 948 .
3- .. المثبت من المصدر، وفي الأصل : «لايرفسون» بالسين. يقال: فلانٌ يرفُثُ ، أي يقول الفُحش . كتاب العين ، ج 8 ، ص 220 (رفث) .
4- .. في المصدر : «فما حكاه» .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 788 .

ص: 73

فكتب إلَيّ جواب كتابي : «ليس صاحب هذه المسألة على شيء من السنّة ، زنديق» . (1) وعنه (2) قال : قال لي يونس : اُكتُب إلى أبيالحسن عليه السلام فاسأله عن آدم : هل فيه من جوهريّة اللّه شيء ؟ قال : فكتبت إليه فأجابه : «هذه مسألة رجل على غير السنّة» . فقلت ليونس ، فقال : لايسمع ذا أصحابنا فيبرأون منك . قال : فقلت ليونس : يبرأون منّي أو منك ؟ ! (3) وعن مروك (4) بن عبيد ، عن محمّد بن عيسى القمّي قال : توجّهت إلى أبيالحسن الرضا عليه السلام فاستقبلني يونس مولى آل يقطين (5) ، قال : فقال : أين تذهب ؟ فقلت : اُريد أباالحسن عليه السلام ، [ قال : ]فقال [ لي ] : اسأله عن هذه المسألة ، قُل [ له ] : خُلِقَت الجنّة بَعدُ ، فإنّي أزعم أنّها لم تُخلَق . قال : فدخلت على ابيالحسن عليه السلام فجلست عنده وقلت له : إنّ يونس مولى آل يقطين (6) أودَعَني إليك مسألة (7) . قال : «[ و ]ما هي ؟» قال : قلت : قال : أخبِرني عن الجنّة خُلِقَت بعد ، فإنّي أزعم أنّها لم تُخلَق . قال : «كذب ، فأين جنّة آدم ؟» 8 فإن قيل : قد نسب عليه السلام في الخبرين الأوّلين الزندقة إلى يونس وكونه على غير السنّة النبويّة صلى الله عليه و آله ، وفي الخبر الأخير الكذب . قلنا : نمنع الأوّل ، فإنّه إنّما يلزم لو كان المسألة مصدرا ميميا ، وهو غير مسلّم ، بل الظاهر أنّه اسم ، والمراد نسبة الزندقة والخروج عن السنّة إلى من اعتقد ذلك ورسخت في قلبه تلك العقيدة ، لا إلى من يسأل عنه ليعرف ما هو الحقّ فيها .

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 949 .
2- .. أي عن يونس بن بهمن .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ص 785 _ 786 ، ح 942 .
4- .. في الأصل : «متروك» .
5- .. في المصدر : «مولى ابن يقطين» .
6- .. في المصدر : «رسالة» بدل «مسألة» .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 937 .

ص: 74

وأمّا نسبة الكذب إليه ، فهو حقّ ، ولكن لايقدح فيه ، لكون تلك الشبهة زالت بالسؤال والعلم بخلافه بالجواب ، على أنّ هذه الأخبار ضعيفة جدّا لا يعتمد عليها أصلاً ، لاسيّما إذا عارضت الأخبار المتكثّرة ؛ لأنّ يونس بن بهمن كما ذكره [ ابن ]الغضائري والعلّامة في الخلاصة _ على ما نقل عنهما _ كان غاليا وضّاعا للحديث ومتروكا ، كان مجهول الحال، متروك الذكر في كتب الرجال . (1) ومنها ما هو مشتمل على لعنه ، لكنّه ضعيف؛ لما ذكر ، فلا يقبل المعارضة لما نقل : رواه الكشّي عن مروك (2) بن عبيد ، عن يزيد بن حمّاد ، عن ابن سنان ، قال : قلت لأبيالحسن عليه السلام : إنّ يونس يقول : إنّ الجنّة والنّار لم تُخلَقا ؟ قال : فقال له : «ما له لعنه اللّه ، فأين جنّة آدم ؟» . (3) وأمّا ابن سنان ، فهو الزاهري ، والظاهر أنّه كان ثقة لا عبداللّه الثقة ولا أخوه المجهول ، بقرينة روايته عن أبيالحسن الرضا عليه السلام ، فإنّ ابن سنان الذي يروي عنه إنّما هو الزاهري كما يعرف عن قريب . (4) ومنها ما هو منقول عمّن كان عدوّا ليونس معلنا لعداوته مع جهالته بابن فيروزان : رواه الكشّي عن آدم بن محمّد القلانسي، عن عليّ بن محمّد بن فيروزان القمّي ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أبيه يزيد بن حمّاد ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : قلت له : اُصلّي خلف من لا أعرف فقال : «لا تُصَلِّ إلّا خلف

.


1- .. خلاصة الأقوال ، ص 419 ؛ رجال ابن الغضائري ، ص 101 ، الرقم 153 . وحكى عنه ابن داوود الحلّي في رجاله ، ص 285 ، الرقم 561 ؛ والشيخ حسن صاحب المعالم في التحرير الطاووسي ، ص 627 ؛ والتفرشي في نقد الرجال ، ص 106 (8593) .
2- .. في الأصل : «متروك»، والتصويب من المصدر.
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 785 ، ح 940 .
4- .. قال النجاشي في رجاله ، ص 328 ، الرقم 888 : «محمّد بن سنان أبوجعفر الزاهري من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي . . . وقال أبوالعبّاس أحمد بن سعيد أنّه روى عن الرضا عليه السلام ، قال : وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّاً لايعوّل عليه، ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وقد ذكر أبوعمرو في رجاله قال أبوالحسن عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : قال أبومحمّد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان» .

ص: 75

من تثق بدينه» . فقلت له : اُصلّي خلف يونس وأصحابه ؟ فقال : «يأبى ذلك عليكم عليّ بن حديد» . فقلت : آخُذ بقوله في ذلك ؟ فقال : «نعم» . قال: فسألت عليّ بن حديد عن ذلك، فقال: لاتصلّ خلفه ولا خلف أصحابه. (1) لظهور عداوة أحمد بن محمّد بن عيسى ليونس على ما مرّت الإشارة إليه من استغفاره عن وقيعته في يونس لرؤيا رآها . قال الكشّي رحمه الله : «ولعلّ هذه الرواية من أحمد كان قبل رجوعه واستغفاره» (2) . وحيث ثبت توثيق محمّد بن عيسى ويونس كليهما ، فلا وجه لتضعيف روايته عنه . وقول محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك غير مسموع ؛ لعدم استناده إلى مستند ، وعليه الإثبات ، ودونه خرط القتاد . [قوله] : (عن أبيبكر الحضرمي) . [ ح 5/3806 ] هو عبداللّه بن محمّد ، وله مدح ، روى الكشّي رحمه اللهبإسناده عن عمرو بن إلياس ، قال : دخلت أنا وأبي إلياس بن عمرو على أبيبكر الحضرمي وهو يجود بنفسه ، فقال : يا عمرو ، ليست هذه بساعة الكذب ، أشهد على جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنّي سمعته يقول : «لايمسّ النار [ من مات ]وهو يقول بهذا الأمر» . (3) وبسند آخر عنه أنّه قال : دخلت على أبيبكر الحضرمي وهو يجود بنفسه ، فقال لي : أشهد على جعفر بن محمّد أنّه قال : «لايدخل النّار منكم [ أحد ] » . (4) لكن خبر الكتاب ضعيف بعثمان بن عيسى ، فإنّه أبوعمرو الكلابي الرواسي ،

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 787 ، ح 950 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 788 ، ح 954 ، ولفظه هكذا : «ولعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه» .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 716 ، ح 789 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 716 ، ح 790 : «أبوجعفر محمّد بن عليّ بن القاسم بن أبيحمزة القمّي ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن الصفّار المعروف بممولة ، قال : حدّثني عبداللّه بن محمّد بن خالد ، قال : حدّثني الحسن بن بنت إلياس ، قال : دخلت على أبيبكر الحضرمي . . .» .

ص: 76

وكان شيخ الواقفة ووجهها وأحد المستندين بمال موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وقد وقعت واقعته عليه السلام وكان كثير من ماله عليه السلام في يده ، فقال بالوقف وسخط الرضا عليه السلام عليه . (1) وعن العلّامة رحمه الله أنّه جزم بضعفه في كتب الاستدلال . (2) لايقال : قد خالف ذلك العلّامة رحمه الله في المنتهى ، فتارة توقّف فيه (3) ، وتارة حسّن سند الصدوق إلى سماعة وهو فيه ، ونقل الكشّي قولاً بأنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه . (4) وروى عن نصر بن الصباح أنّه تاب من الوقف وبعث بالمال إلى الرضا عليه السلام . (5) وعن حمدويه عن محمّد بن عيسى : أنّ عثمان بن عيسى رأى في منامه أنّه يموت بالحائر (6) ويدفن فيه ، فرفض الكوفة ومنزله ، فخرج إلى الحائر وابناه معه ، فقال : لا أبرح حتّى تمضي مقاديره وأقام به يعبد ربّه عزّ وجلّ حتّى مات ودفن فيه . (7) لأنّا نقول : العلّامة لم يسند قوله ذلك إلى مستند ، فإن اعتمد فيه على ذلك الإجماع وهذين الخبرين ، ففيه أنّ الإجماع غيرثابت ، وأنّ الخبر الأوّل لم يروه إلّا نصر ولايعتمد على قوله لغلوّه ، وعدم دلالة الرؤيا على شيء .

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ح 1117 ؛ رجال النجاشي ، ص 300 (817) .
2- .. راجع: مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 183 و429 ؛ وج 2 ، ص 203 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 39 و93 و173 و213 ؛ وج 2 ، ص 36 و249 و. . . .
3- .. لاحظ الهامش المتقدّم .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 831 ، ح 1050 .
5- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ذيل ح 1117 .
6- .. في المصدر : «بالحير» .
7- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 860 ، ح 1118 . وعنه النجاشي في رجاله ، ص 300 ، الرقم 817 .

ص: 77

باب الماء الذي لا ينجّسه شيء

باب الماء الذي لا ينجّسه شيءفيه مسائل : الاُولى : الماء ينجس بالتغيّر بالنجاسة مطلقا إجماعا ، ويدلّ عليه حسنة زرارة (1) ، وما رواه الشيخ عنه ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة ، قال : «إذا تفسّخ فيها فلاتشرب من مائها ولا تتوضّأ منها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء» . قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء ، تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ ، إلّا أن يجيء ريح يغلب على ريح الماء» (2) . وبسند صحيح عن أبيخالد القمّاط ، _ لكن فيه كلام سيأتي _ أنّه سمع أباعبداللّه عليه السلام يقول في الماء الذي يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «إن كان الماء قد تغيّر ريحه وطعمه فلاتشرب ولاتتوضّأ منه ، وإن لم تتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ» (3) . وعن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء وفيه دابّة ميّتة قد أنتنت ؟ قال : «إن كان النتن الغالب على الماء فلاتتوضّأ ولاتشرب» (4) . وعن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدوابّ ؟ فقال : «إن تغيّر الماء فلاتتوضّأ منه ، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه ، وكذلك الدم إذا سال في

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 412 ، ح 1298 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 _ 9 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 _ 140 ، ح 343 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 _ 41 ، ح 112 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 9 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 138 _ 139 ، ح 339 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 216 ، ح 624 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 12 ، ح 18 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 ، ح 341 .

ص: 78

الماء وأشباهه» . (1) وعن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن الفضيل ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الحياض يُبال فيها ، فقال : «لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» . (2) وعليه حُمل ما رواه أبوبصير ، قال : سألته عن كرّ ماء مررت به وأنا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان ؟ قال : «لاتتوضّأ منه ولا تشرب» . (3) ثمّ المشهور عند الأصحاب اعتبار التغيّر في أحد الأوصاف الثلاثة من اللون والطعم والريح ؛ لإطلاق التغيّر في بعض الأخبار ، ودلالة بعضها على تغيّر الريح أو الطعم ، وبعضها على تغيّر اللون ، وظاهر المنتهى إجماع أهل العلم عليه ؛ حيث قال : إذا تغيّر أوصاف الماء المطلق اللون أو الطعم أو الرائحة فإن كان تغيّره بالنجاسة ، نجس ، سواء كان قليلاً أو كثيرا ، جاريا أو راكدا ، وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم، [ ويدلّ عليه الإجماع ، فإنّي لا أعرف فيه مخالفا ]. (4) ويفهم من [ فتح ] العزيز قول ما عدا الشافعيّة بعدم اعتبار التغيّر في اللون ؛ حيث احتجّ على المسألة بقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «خُلق الماء طهورا لاينجّسه شيء إلّا ما غيّر طعمه أو ريحه» . (5) ثمّ قال : «وقاس الشافعي اللون عليهما» . (6) والخبر على ما ذكر في المنتهى مشتمل على اللون أيضا (7) ، وكأنّ نظر الشافعي إليه . وحكى في الذكرى عن الجعفي (8) والصدوقين أنّهم لم يعتبروا الأوصاف بل

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 9 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 138 ، ح 338 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1311 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 53 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 ، ح 342 .
3- .هذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 110 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 ، ح 341 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 20 .
5- .. مختصر المزني ، ص 9 . وورد بزيادة «أو لونه» في : المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 52 ؛ وج 24 ، ص 28 ؛ بدائع الصنائع للكاشاني ، ج 1 ، ص 71 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 76 ، ح 154 ؛ وج 2 ، ص 15 ، ح 29 .
6- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 199 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 21 .
8- .. الجعفي على الإطلاق عند الفقهاء هو محمّد بن أحمد بن إبراهيم أبوالفضل الجعفي الكوفي ثمّ المصري ، كان من قدماء أصحابنا الإماميّة ممّن أدرك الغيبتين ، له كتب كثيرة في موضوعات شتّى، منها : الفاخر ، تحبير الأحكام ، التخيير ، كتاب الشفعة ، كتاب الحجّ، معاني القرآن ، كتاب التوحيد والإيمان ، إلى غير ذلك . يروي عنه الشيخ والنجاشي بواسطتين ، وابن قولويه بلاواسطة ، ومعروف أيضا بين الفقهاء ب «صاحب الفاخر» . راجع : الفهرست للشيخ الطوسي ، ص 281 ، الرقم 901 ؛ الفوائد الرجاليّة للسيّد بحر العلوم ، ج 3 ، ص 199 ؛ طرائف المقال للبروجردي ، ج 1 ، ص 199 ؛ الكنى والألقاب للمحدّث القمّي ، ج 2 ، ص 401 _ 402 ؛ الذريعة ، ج 1 ، ص 121 ، الرقم 584 ؛ وج 3 ، ص 375 ؛ وج 4 ص 15 ، الرقم 42 ؛ وج 6 ، ص 252 ، الرقم 1327 ؛ و. . . .

ص: 79

الأغلبيّة (1) ، وهو غير مستند إلى أصل ؛ لأنّ مناط الحكم في النصوص الوصف دون الغلبة . واعلم أنّ ذلك التغيّر ينقسم إلى المحقّق والمقدّر ، وأجمعوا على نجاسته به في الأوّل ، واختلفوا فيها في الثاني ، فجزم الشهيد بعدمها ، فقال في الدروس : «ولاينجس إلّا بالتغيّر تغيّرا محقّقا لا مقدّرا» (2) . واحتجّ عليه في الذكرى بعدم حصول التغيّر الذي هو مناط التنجيس (3) ، واعتبره آخرون ، منهم المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد . (4) ويمكن الاحتجاج عليه على القول بأنّ المضاف المسلوب الأوصاف لو وقع في الماء وجب اعتبار تقديره مخالفا له في الأوصاف ، وإذا وجب تقدير المخالفة في المضاف فتقديرها في النجس أولى . وبأنّ عدم وجوب التقدير يفضي إلى جواز الاستعمال وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا ، وهو معلوم البطلان ، إلّا أن يعتبروا الأغلبيّة . واستقواه فخر المحقّقين محتجّا بالاحتياط ، وبوجود المقتضي لنجاسة الماء وهو صيرورته مقهورا ؛ لأنّه كلّما لم يصر مقهورا لم يتغيّر بها على تقدير المخالفة ، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : «كلّما تغيّر على تقدير المخالفة كان مقهورا ،

.


1- .. الذكرى ، ج 1، ص 76 .
2- .. الدروس ، ج 1 ، ص 118؛ ولفظه هكذا : «ولا ينجّس إلّا بتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة تغيّرا محقّقا لا مقدّرا» .
3- .. الذكرى ، ج 1، ص 76.
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 113 _ 114 .

ص: 80

ولايلزم من عدم أمارة الشيء عدمه» . (1) وتردّد فيه في المنتهى ، وكلام الأكثر مجمل في التغيّر المقدّر ، ولابدّ من تحقيقه . فنقول : التغيّر إمّا مدرك بالحسّ كما إذا كان الماء على أوصاف الخلقيّة وكانت أوصاف النجاسة مخالفة لها ، وإمّا غير مدرك به ، وذلك على وجهين : أحدهما : ما إذا تغيّر أوصاف الماء عن أصل خلقته قبل ورود النجاسة عليه بما يوافق أوصاف النجاسة ، وثانيهما : عكسه ، وهو أن تكون النجاسة فقط مسلوبة الأوصاف ، والظاهر وفاق الأصحاب على اعتبار التقدير في الوجه الأوّل بمعنى أنّه إن حكم العقل بتغيّره على تقدير بقاء الماء على أوصافه فيحكم بنجاسته وإلّا فلا ، وإنّهم إنّما اختلفوا في اعتباره في الوجه الثاني فارقين بينهما بأنّ مناط الحكم التغيّر في الواقع وهو واقع في الأوّل ، لكنّه مستور على الحسّ لمانع ، وفي الثاني غير واقع أصلاً . وبهذا الفرق صرّح جماعة وأدرجوا الوجه الأوّل في الحسّي وخصّوا التقدير في الثاني ، ففي شرح اللمعة للشيخ زين الملّة والدين قدس سره : «والمعتبر من التغيّر الحسّي لا التقديري» . (2) وقال سبطه المحقّق الشيخ عليّ _ دام ظلّه _ في شرحه : المراد بالتغيّر الحسّي ما أمكن أن يدرك بالحسّ ، سواء حصل مانع عن إدراكه كما إذا كان لون الماء متغيّرا بطاهر يوافق لونه لون الدم كالمشق مثلاً ، والمراد بالتقديري ما لو كانت النجاسة مسلوبة الصفات (3) . وفي القواعد : «لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات فالوجه عندي الحكم بنجاسته إن كان يتغيّر بمثلها على تقدير المخالفة» . (4) وقال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرحه :

.


1- .. إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 16 .
2- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 251 .
3- .. لم أعثر عليه .
4- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 183 .

ص: 81

حقّ العبارة أن يقول : «لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات في الجاري والكثير» ؛ لأنّ موافقة النجاسة الماء في الصفات صادق على نحو الماء المتغيّر بطاهرٍ أحمر إذا وقع فيه دم ، فيقضي ثبوت التردّد في تقدير المخالفة ، وينبغي القطع بوجوب تقدير خلوّ الماء عن ذلك الوصف ، لأنّ التغيّر هنا على تقدير حصوله تحقيقي ، غاية ما في الباب أنّه مستور على الحسّ ، وقد نبّه عليه شيخنا في البيان . (1) الثانية : هل ينجّس الماء بمجرّد ملاقاته النجاسة ؟ فينقسم الماء بحسب ذلك إلى مضاف ومطلق ، وهو إلى ماء البئر والجاري والراكد ، وهو إلى القليل والكثير . أمّا المضاف ؛ فقد اشتهر أنّه ينجّس بالملاقاة مطلقا ولو كان كرّا فصاعدا ، ولم أجد خبرا عامّا فيه ، واحتجّ عليه في الذكرى بقول النبيّ صلى الله عليه و آله في الفأرة تموت في السمن : «إن كان مائعا فلاتقربوه» (2) . وقال : «فيحرم استعماله إلّا لضرورة ؛ للحرج لقوله تعالى : «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ » (3) » . (4) ومثله مارواه الشيخ في الصحيح عن جابر ، عن أبيجعفر عليه السلام قال : أتاه رجل فقال : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت ، فماترى في أكله ؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : «لا تأكله» . فقال الرجل : [ الفأرة ] أهون علَيّ من أن أترك طعامي من أجلها ! قال : فقال أبوجعفر عليه السلام : «إنّك لاتسخفّ بالفأرة ، إنّما استخففت بدينك ، إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء» . (5) وعن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ؛ «أنّ عليّا عليه السلام سُئِلَ عن قِدر طُبخت وإذا في القِدر فأرة ؟ قال : يُهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل» (6)

.


1- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 113 _ 114 ؛ البيان ، ص 44 .
2- .. رواه أحمد في مسنده ، ج 2 ، ص 265 ، عن عبدالرزّاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبيهريرة ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
3- .. المدّثّر (74) : 5 .
4- .. الذكرى ، ج 1، ص 74، وفيه : + «إلّا لضرورة للحرج».
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1327 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 24 ، ح 60 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 206 ، ح 528 .
6- .. الكافي ، ج 6 ، ص 261 ، كتاب الأطعمة ، باب الفأرة تموت في الطعام والشراب ، ح 3 . ورواه عنه الشيخ ف في تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 86 _ 87 ، ح 365 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 25 ، ح 62 بسند آخر ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 206 ، ح 529 .

ص: 82

ويؤيّدها مفهوم صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : سألته عن فأرة وقعت في حُبّ دُهن فاُخرجت قبل أن تموت ، أنبيعه من مسلم ؟ قال : «نعم ، وتُدَّهَن» (1) . وإن كان مفهوم كلام السائل، فإنّه يشعر بأنّ نجاسته إذا ماتت الفأرة فيه كان معروفا في عهده . وسيأتي حكم ماء البئر في بابه . وأمّا الجاري _ وهو النابع من الأرض غير البئر _ فهو لايتنجّس بذلك وإن قلّ على المشهور ؛ لوجود مادّة له في أعماق الأرض ، ولقول الصادق عليه السلام في خبر عبداللّه بن أبييعفور : «ماء الحمّام كماء النهر ؛ يطهّر بعضه بعضا» (2) واحتجّ عليه في التهذيب بعموم الأخبار الدالّة على عدم تنجّس الماء إلّا بالتغيّر . (3) ويؤيّده خبر سماعة قال : سألته عن الماء الجاري يبال فيه ؟ قال : «لا بأس». (4) ورواية عنبسة بن مصعب قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يبول في الماء الجاري ؟ قال : «لابأس به إذا كان الماء جاريا» . (5) وصحيحة الفضيل بن يسار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الماء الراكد» . (6)

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 24 ، ح 61 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 419 ، ح 1326 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 238 _ 239 ، ح 615 .
2- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، باب ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمس ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 ، ح 373 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 216 ، باب المياه وأحكامه وما يجوز التطهّر به وما لايجوز .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 34 ، ح 89 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 21 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 355 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 43 ، ح 120 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 22؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 353 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 43 ، ح 121 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 23 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 352 .

ص: 83

وموثّقة عبداللّه بن بكير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «لابأس بالبول في الماء الجاري» . (1) وربّما احتجّ عليه بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن الرضا عليه السلام قال : «ماء البئر واسع لايفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتّى تذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادّة» (2) . بناء على حجّيّة القياس المنصوص العلّة ، وفيه تأمّل . وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، منهم العلّامة في أكثر كتبه ، بل ادّعى في المنتهى وفاقهم عليه (3) ، ونسب الشهيد الثاني قدس سره إليه في شرح اللمعة القول باشتراط الكرّيّة فيه كالراكد (4) ، وهو ظاهر بعض عباراته في القواعد ، فإنّه قال : «الجاري إنّما يتنجّس بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة : أعني اللون والطعم والرائحة التي هي مدار الطهوريّة وزوالها لا مطلق الصفات كالحرارة بالنجاسة إذا كان كرّا فصاعدا» (5) . وقال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرحه : أفاد بذلك اشتراط الكرّيّة في الجاري ، فينجس بالملاقاة لو كان دون الكرّ عنده ، ومستنده عموم اشتراط الكرّيّة لعدم قبول النجاسة بالملاقاة ، وهو ضعيف مع مخالفته لمذهب الأصحاب ، فإنّه ممّا تفرّد (6) به ، وما احتجّ به من العموم معارض بعموم نفي البأس عن البول في الماء الجاري من غير تقييد ، والترجيح معنا؛ للأصل ، والشهرة ، والعلّيّة (7) المستفادة من تعليق الحكم على وصف الجريان . انتهى (8) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 43 ، ح 122 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 13 ، ح 24 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 196 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 143 ، ح 354 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، ص 5 ، باب البئر وما يقع فيها ، ح 2 ، إلى قوله: «إلّا أن يتغيّر» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 32 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 252 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 181 ، المقصد الثاني في المياه ، الفصل الأوّل .
6- .. المثبت من جامع المقاصد ، وفي الأصل : «ينفرد» .
7- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «والغلبة» .
8- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 111 .

ص: 84

ولايبعد أن يقال : إنّ قوله : «إذا كان كرّا» شرط لمدار الطهوريّة وزوالها ، لا لقوله : «إنّما يتنجّس بالتغيّر» على أن يكون اسم كان هو العائد إلى الراكد ، ويكون قوله : «لا مطلق الصفات» عطفا على قوله : «التي هي مدار الطهوريّة» لا على اللون والطعم والرائحة ؛ لئلّا يلزم الفصل من الشرط والجزاء بالأجنبيّ . ويتعلّق الجارّ في قوله : «بالنجاسة» بقوله : «وزوالها» لا بالتغيّر ، وهذا التأويل وإن كان تكلّفا إلّا أنّه لابدّ منه ، وكيف لا ؟ وكلامه في ذلك الكتاب في غير موضع ينادي بأعلى صوت بالمعنى المشهور ، فقد قال بعد ما ذكر : «ولو تغيّر بعضه نجس دون ما قبله وما بعده» (1) ، من غير تقييد بالكثير . وقال : «ماء المطر [ حال تقاطره ] كالجاري ، فإن لاقته نجاسة بعد انقطاع تقاطره فكالواقف» . وقال: «وماء الحمّام كالجاري إن كانت له مادّة هي كرّ فصاعدا، وإلّا فكالواقف». وقال : «ولو اتّصل الواقف القليل بالجاري لم ينجس بالملاقاة ، ولو تغيّر بعضه [ بها ]اختصّ المتغيّر بالتنجيس» (2) . وأيضا لو كان كالراكد لابدّ في تطهيره مع زوال التغيّر اتّصاله بالكرّ ، وقد اكتفى هو فيه بزوال التغيّر ، قال : «والجاري يطهّر بتكاثر الماء وتدافعه حتّى يزول التغيّر» (3) . وأنّى له القول بذلك مع أنّه اعترف في المنتهى باتّفاق علمائنا على المذهب المشهور (4) ، وبالجملة فكلامه في ذلك الكتاب مشوّش بحيث لايتصوّر إسناد ذلك القول المخالف للإجماع إليه ، فتأمّل . هذا ، والظاهر من إطلاق الجري في الأخبار والتعليل الذي فيها عدم اشتراط دوام

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 32 .
2- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 181 .
3- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 182 . وما بين المعقوفات منه .
4- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 187 .

ص: 85

النبع فيه في المياه التي تنبع في الشتاء وتجفّ في الصيف لاتنجّس بالملاقاة ، وهو المشهور . وفي الدروس : «يشترط دوام النبع» (1) . وفي المدارك : «كلامه يحتمل أمرين : أحدهما _ وهو الظاهر _ أن يريد بدوام النبع استمراره حال ملاقاته للنجاسة ، ومرجعه إلى حصول المادّة حينئذٍ ، وهو لايزيد على اعتبار أصل النبع . والثاني أن يريد به عدم انقطاعه في أثناء الزمان [ ككثير من المياه التي تخرج في زمن الشتاء وتجفّ في الصيف ] ، وقد حمل جُلّ من تأخّر عنه كلامه على هذا المعنى ، وهو ممّا يقطع بفساده ؛ لأنّه مخالف للنصّ والإجماع ، فيجب تنزيه كلام مثل هذا المحقّق عنه» . انتهى (2) . وأمّا الماء الراكد ، فقد ذكر المصنّف قدس سره حكم القليل منه في باب آخر ، وينبغي القول في الكثير منه ، فنقول : أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكى على أنّه لاينجّس بمجرّد ملاقاة النجاسة مطلقا وإن كان في الحياض والأواني ، وإنّما ينجّس بالتغيّر بها ، لكن اختلفوا في حدّ الكثرة ، فأجمع الأصحاب على تقديرها بالكرّ ، وحكي ذلك عن الحسن بن صالح (3) من العامّة ؛ لكنّه قدّر الكرّ بثلاثة آلاف رطلٍ (4) .

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 33 .
3- .. الحسن بن صالح بن حيّ أبوعبداللّه الثوري الهمداني الكوفي ، من زعماء الفرقة الزيديّة ، وكان فقيها مجتهدا متكلّما ، توفّي سنة (168 ه ) مختفيا في الكوفة ، وكان اختفاؤه مع عيسى بن زيد بن عليّ بن الحسين في موضع واحد سبع سنين ، وهو من أقران سفيان الثوري ومن رجال الحديث ، له كتب ، منها : التوحيد ، إمامة ولد عليّ من فاطمة ، الجامع في الفقه . راجع : تهذيب الكمال ، ج 7 ، ص 177 _ 191 ، الرقم 1238 ؛ معرفة الثقات للعجلي ، ج 1 ، ص 204 _ 205 ، الرقم 296 ؛ تقريب التهذيب لابن حجر ، ج 1 ، ص 205 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 193 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 231 .
4- .. حكاه عنه السيّد المرتضى في الانتصار ، ص 85 ؛ والناصريّات ، ص 69 _ 70 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 40 .

ص: 86

وذهب الشافعي وجماعة منهم إلى تقديره بالقُلّتين (1) ؛ محتجّين بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذابلغ الماء قُلّتين لم يحمل خبثا» 2 . وفي [ فتح ] العزيز : في تقدير ذلك يعني القلّتين بالوزن على ثلاثة أوجه : أحدها: ذهب أبوعبداللّه الزبيري 3 إلى أنّه ثلاثمائة مَنٍّ يعني بالبغدادي ؛ لأنّ القُلّة مايُقِلّه بعير ، ولا يُقلّ الواحد من بعران العرب غالبا أكثر من وسق ، والوسق ستّون صاعا ؛ وذلك مائة وستّون منّا ، فالقُلّتان ثلاثمائة وعشرون منّا يُحَطّ منها عشرون للظروف والحبال ، يبقى ثلاثمائة . وهذا اختيار القفّال 4 ، والأشبه عند صاحب الكتاب .

.


1- .. حكاه عنه الجصّاص في أحكام القرآن ، ج 3 ، ص 441 ؛ والسرخسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 71 ؛ والشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 191 .

ص: 87

والثاني : أنّ القُلّتين ألف رطل ، ويحكى هذا عن أبيزيد (1) . والثالث _ وهو المذهب _ : أنّ القُلّتين خمسائة رطل : مائتان وخمسون منّا بالبغدادي ، ويحكى هذا عن نصّ الشافعي . ثمّ قال : وعند أبيحنيفة لا اعتبار بالقلال ، وإنّما الكثير هو الذي إذا حُرِّك جانب منه لم يتحرّك الثاني ، وهذه رواية ، ولهم روايات سواها ، وقد نسب إلى بعض الروايات عنه في موضع آخر أنّه مايعلم أنّ النجاسة لاتنتشر إليه (2) . وفي المنتهى : «قال أبوحنيفة : إن كان الماء يصل بعضه إلى بعض فهو قليل ينجس بالملاقاة ، وإلّا فهو كثير لاينجس بالتغيّر» (3) ، وأراد بذلك _ على ما فسّره تلميذه أبويوسف _ تحرّك أحد الجانبين عند تحريك الآخر وعدمه (4) . لنا حسنة معاوية بن عمّار (5) ، وصحيحة أبيأيّوب ، عن محمّد بن مسلم (6) .

.


1- .. أبوزيد سعيد بن أوس بن مالك بن بشير الأنصاري البصري النحوي ، أخذ العلم عن أبيعمرو بن العلاء وعوف بن أبيجميلة وابن عون ، وأخذ عنه أبوحاتم الرازي وخلف بن هشام وعمر بن شبّة والقاسم بن سلّام . من كتبه : الشجر ، الغرائز ، غريب الأسماء ، اللبأ واللبن ، لغات القرآن ، المطر ، النوادر ، الهمز ، مات سنة 215 ، وجاوز عمره مائة . تاريخ بغداد ، ج 9 ، ص 78 _ 81 ؛ الرقم 4660 ؛ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ، ص 136 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 92 .
2- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 206 _ 207 .
3- .. عنه الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 192 ، مسألة 147 . وانظر : عمدة القاري ، ج 3 ، ص 159 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 70 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 71 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 24 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 33 . والعبارة هنا نقلٌ بالمعنى .
5- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 و3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 158 ، ح 392 .
6- .. هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .

ص: 88

ورواها الشيخ بسند آخر صحيح بأدنى تغيير (1) . وخبر الحسن بن صالح (2) ، وصحيحة إسماعيل بن جابر (3) على ما هو الظاهر من أنّ ابن سنان فيها هو عبداللّه . وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء قدر كُرّ لم ينجّسه شيء» (4) . وفي الحسن عنه قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» . (5) وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : الغدير ماء مجتمع تبول فيه الدوابّ، وتلغ فيه الكلاب، ويغتسل فيه الجُنُب ، قال : «إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء ، والكرّ ستّمائة رطل» (6) . وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههنّ تطأ العذرة، ثمّ تدخل في الماء ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا ، إلّا أن يكون الماء كثيرا قدر كرّ من ماء» (7) . ويؤكّدها ما يرويه المصنّف في الباب الآتي عن صفوان (8) ، ورواه الشيخ في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 39 _ 40 ، ح 107 ؛ وص 226 ، ح 651 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 158 ، ح 391 .
2- .. هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
3- .. هو الحديث السابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 37 ، ح 101 ؛ وص 41 ، ص 115 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 10 ، ح 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 159 _ 160 ، ح 397 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 109 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 159 ، ح 396 .
5- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 ؛ وص 20 ، ح 45 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 158 ، ح 392 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 414 _ 415 ، ح 1308 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 11 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 168 ، ح 418 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 419 ، ح 1326 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 49 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 155 ، ح 367 وص 159 ، ح 394 .
8- .. هوالحديث السابع من ذاك الباب من الكافي .

ص: 89

الاستبصار (1) عنه في الصحيح . وما رواه جمهور العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» . وفي رواية : «لم يحمل خبثا» (2) . ويؤيّدها الأخبار الواردة في تحديد الكرّ ، وستأتي . وربما استدلّ عليه بأنّ الإجماع واقع على التقدير ، والقول بالقُلّتين باطل ؛ لعدم صحّة الحديث الذي استدلّ به ، فإنّ الحنفيّة طعنوا فيه وقالوا : «إنّه مدني ، فلو كان صحيحا لعرفه مالك» (3) ، وعلى تقدير الصحّة أمكن حمل القلّتين فيه على الكرّ ، وقد حمل عليه ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال : «إذا كان الماء قدر قُلّتين لم ينجّسه شيء ، والقلّتان جرّتان» (4) . ويؤيّده ما نقل عن ابن دريد (5) من أنّه قال : «القُلّة من قُلل الجرّ عظيمة تسع خمس قرب» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1317 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 22 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 162 ، ح 402 .
2- .. عوالي اللآلي ، ج 2 ، ص 15 ، ح 30 . ولم أجد بهذا اللفظ في مصادر العامّة ، نعم ورد بلفظ : «إذا كان الماء قدر قلّتين لم يحمل خبثا» في : صحيح الترمذي ، ج 1 ، ص 97 ، ح 67 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 12 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 46 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 17 ، ح 63 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 14 و15 ، ح 2 و3 ؛ وص 16 ، ح 7 و8 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 261 .
3- .. حكاه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 28 . ولاحظ : بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 72 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، 71 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 159 ؛ تفسير القرطبي ، ج 13 ، ص 42 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 6 ، ح 3 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 7 ، ح 6 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1309 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 166 ، ح 415 .
5- .. أبوبكر محمّد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري من أئمّة اللغة والأدب ، قيل فيه : إنّه أشعر العلماء وأعلم الشعراء ، ولد بالبصرة سنة (223 ه ق) وقرأ على علمائها ، وانتقل إلى عمّان ، وأقام بها اثني عشر عاما ، وعاد إلى البصرة ، ثمّ رحل إلى نواحي فارس ، فسكنها مدّة ، ثمّ قدم بغداد، فأقام بها إلى أن مات بها في سنة (321 ه ق) . من تصانيفه : الاشتقاق ، الأمالي ، تقويم اللسان ، الجمهرة في اللغة ، ذخائر الحكمة ، المقصور والممدود ، المجتنى ، الوشّاح . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 96 _ 98 ؛ الرقم 56 ؛ وفيّات الأعيان ، ج 4 ، ص 323 ، الرقم 637 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 284 _ 285 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 6 ، ص 80 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 9 ، ص 189 .
6- .. جمهرة اللغة ، ج 3 ، ص 165 .

ص: 90

وما سبق من أنّ القلّة ما يقلّه بعير ، وكأنّه لذلك سمّيت الحياض التي في الحمّامات بالقلّتين ، وربما حمل على التقيّة ، وكذا الأقوال الباقية ممّا عدا الكرّ ضعيفة ؛ لعدم استنادها إلى مستند يعتدّ به ، فيبقى الكرّ معتمدا عليه ؛ لثبوت روايته من الطريقين ، هذا . وذهب شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة والسلّار على ما حكي عنه من مياه الحياض والأواني وغيرهما ، وذهبا إلى أنّ الكرّ منهما كالقليل ينجّس بالملاقاة (1) . وحكى في المختلف أنّهما احتجّا بعموم النهي عن استعمال ماء الأواني مع نجاستها (2) . وهو كماترى ، ولبُعد ذلك . قيل : مرادهما بالكثرة الإضافيّة العرفيّة ، وبالحياض والأواني التي تتّخذ من الجلود لسقي الدوابّ ممّا لم تسع الكرّ (3) ، وكلام المقنعة آبٍ عنه . واعتبر أبوحنيفة في نجاسة الكثير تيقّن حصول النجاسة أو غلبة الظنّ بذلك تغيّر أو لا ، على ما حكى عنه في الناصريّات (4) ، وكأنّ هذا كان قولاً ثانيا ، وإلّا فقد سبق أنّه قد فرّق بين القليل والكثير . ثمّ إنّ النصوصَ الدالّة على اعتبار الكثرة وكلامَ الأكثر خاليةٌ عن التقييد بتساوي السطوح ، بل ظاهرهما تقوّي كلّ من العالي والسافل بالآخر مع صدق الوحدة عرفا ، واعتبر بعضهم التساوي ، وقيل : الأسفل يتقوّى بالأعلى ، وإلّا لزم أن ينجّس كلّ ماء يكون تحت النجاسة من الماء المنحدر وإن كان نهرا عظيما ، وهذا ممّا لم يقل به أحد ، ولا عكس ؛ لأنّ الأعلى والأسفل لو اتّحدا في الحكم، لزم تنجّس كلّ أعلى قليلٍ متّصلٍ

.


1- .. المقنعة ، ص 64 ؛ المراسم ، ص 36 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 176 ، آخر الفصل الثاني من كتاب الطهارة .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 53 ؛ مشرق الشمسين ، ص 383 .
4- .. الناصريّات ، ص 68 _ 69 .

ص: 91

بأسفل نجس ، وهو معلوم البطلان . ويرد على الأوّل أنّ اللازم من عدم تقوّي الأسفل بالأعلى إنّما هو تنجّس ما تحت النجاسة إذا كان قليلاً ؛ لاستثناء الكثير منه بالنصّ والإجماع ، وفساد ذلك ليس مجمعا عليه ، بل هو المتنازع فيه . وعلى الثاني أنّه قد انعقد الإجماع على عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى ، فهو أيضا مستثنى ممّا هو لازم من الاتّحاد المذكور . ولتطهير المتنجّس من كلّ من هذه المياه أقوال مختلفة ، أمّا المضاف ، فحكى الشهيد قدس سره فيه في الذكرى ثلاثة أقوال : أحدها ما حكاه عن الشيخ أنّه قال في المبسوط (1) بطهره بالامتزاج بالكثير المطلق بحيث يزول اسم المضاف ووصفه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، معلِّلين بأنّ المضاف إنّما يطهّر بوصول الكثير إلى كلّ جزء من أجزائه ، وحينئذٍ يُسلَب عنه اسمه ووصفه . وثانيها : ما حكاه عن العلّامة (2) من أنّه يطهر بالامتزاج بالكثير المطلق بحيث يزول عنه الاسم وإن بقي الوصف بناء على أنّ بقاء الوصف لاينافي الإطلاق ، كما أنّ حدوثه لاينافي هذا ، فإنّه إذا طرح قليل من ماء الورد في كثير مطلق يطيّبه ويشمّ منه رائحة ماء الورد ، ولايسمّى بذلك . وثالثها : ما حكاه أيضا عن العلّامة ، وهو طهره بمجرّد الاتّصال بالكثير المطلق أو الجاري وإن بقي الاسم والوصف كالقليل من المطلق (3) . وبه قال في المنتهى والقواعد ، بل ظاهره فيهما ذلك ، وإن صار الكثير أيضا مضافا ، فقد قال في المنتهى :

.


1- .. المبسوط، ج 1، ص 5.
2- .. تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 34؛ مختلف الشيعة، ج 1، ص 240.
3- .. الذكرى ، ج 1، ص 74-75 .

ص: 92

والطريق إلى تطهيره يعنى المضاف إلقاء كرّ فما زاد عليه من الماء المطلق ، لأنّ بلوغ الكرّيّة سبب لعدم الانفعال عن الملاقي وقد مازجه المضاف فاستهلكه فلم يكن مؤثّرا في تنجيسه؛ [ لوجود السبب ] ، ولا يمكن الإشارة إلى عين (1) نجسة ، فوجب الجزم بطهارة الجميع (2) . ثمّ قال : «ولو سلبه المضاف إطلاق الاسم ؛ فالأقوى حصول الطهارة وارتفاع الطهوريّة» (3) . وفي القواعد في فصل المضاف : «لو نجس المضاف ثمّ امتزج بالمطلق الكثير ، فتغيّر أحد أوصافه ، فالمطلق على طهارته ، فإن سلبه الإطلاق خرج عن كونه مطهّرا لا طاهرا» (4) . وفي فصل تطهير المياه النجسة : «والمضاف بإلقاء كرّ دفعة وإن بقي التغيّر ما لم يسلبه الإطلاق ، فيخرج عن الطهوريّة ، أو يكن التغيّر بالنجاسة فيخرج عن الطهارة» (5) . وحكى الشهيد الثاني في شرح اللمعة عنه في بحث الأطعمة والأشربة ؛ أنّه قال : «في قول بطهارة الدهن النجس إذا صُبّ في الكثير وضُرب فيه حتّى اختلطت أجزاؤه به واجتمعت بعد ذلك على وجهه ، ولبعض أنواع المضاف مطهّر غير ما ذكر» (6) . ففي الذكرى : أمّا الخمر ومشتدّ العصير فبالخليّة ، ويختصّ العصير بذهاب الثلثين ؛ للخبر ، والأقرب في النبيذ المساواة لثبوت تسميته خمرا ولو قلنا بنجاسة عصير التمر بالاشتداد ، فالأشبه أنّه كالعنب ، أمّا غليان القدر فغير مطهّر ، وإن كانت النجاسة دما في الأحوط ،

.


1- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 187 .
2- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «غير» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 127 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 128 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 185 .
6- .. شرح اللمعة ، ج 7 ، ص 333 .

ص: 93

والمشهور الطهارة مع قلّة الدم ؛ للخبر عن الصادق (1) والرضا عليهماالسلام (2) صحّحه بعض الأصحاب ، وطعن فيه الفاضل رحمه اللهفي المختلف لجهالة بعض رواته (3) ، ويندفع بالمقبوليّة ، ونسبه ابن إدريس إلى الشذوذ مع اشتهاره ، وإلى مخالفة الأصل من طهارة غير العصير بالغليان (4) ، وهي مصادرة . والخبر معلّل بأنّ النار تأكل الدم [ ففيه إيماء إلى مساواة العصير في الطهارة بالغليان ] ، ولجريانه مجرى دم اللحم الذي لايكاد ينفكّ [ منه ] ، والحمل على دم طاهر بعيد. انتهى (5) . وأمّا الجاري ، فالمشهور طهره بزوال التغيّر كيفما اتّفق ؛ لأنّ الموجب لنجاسته إنّما هو التغيّر ، فتزول بزواله ، ونسب في شرح اللمعة إيجاب ملاقاته الكرّ مع ذلك إلى العلّامة ، كما نسب إليه انفعاله بمجرّد الملاقاة (6) . وأمّا الراكد ، فالمشهور أنّه إنّما يطهّر بلقاء الكرّ إن كان قليلاً غير متغيّر بالنجاسة ، أو مع زوال التغيّر إن كان متغيّرا ، قليلاً كان أو كثيرا ، واكتفوا في اللقاء باتّصاله به ولو باُنبوبة ؛ محتجّين عليه بعموم قوله عليه السلام : «إذا كان الماء كرّا لم يحمل خبثا» . وفيه نظر ، فإنّ المتبادر منه أنّه يدفع الخبث عن نفسه إذا ورد عليه ذلك الخبث بعد بلوغ الكرّيّة ، وحكاه ابن الأثير في النهاية عن قول ، فقد قال : «وقيل : معنى لم يحمل خبثا أنّه يدفعه عن نفسه كما يقال : فلان لايحمل الضيم ، إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه» (7) .

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 252 .
2- .. الكافي ، ج 6 ، ص 235 ، باب الدم يقع في القدر ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 3 ، ص 342 ، ح 4211 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 196 _ 197 ، ح 30331 .
3- .. الكافي ، ج 6 ، ص 422 ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 119 ، ح 512 ؛ وج 1 ، ص 279 ، ح 820 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 94 ، ح 393 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 470 ، ح 4204 ؛ وج 25 ، ص 358 ، ح 32119 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 8 ، ص 330 .
5- .. السرائر ، ج 3 ، ص 120 _ 121 .
6- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 75 .
7- .. النهاية ، ج 1 ، ص 426 (حمل) .

ص: 94

ويؤيّد هذا المعنى قولهم عليهم السلام : «لم ينجّسه شيء» . وكأنّ احتجاجهم بذلك مبنيّ على ما ذكره صاحب القاموس من قوله : «وحمل الخَبَث : أظهره» (1) . وصاحب النهاية ؛ حيث قال : «إذا كان الماء قُلّتين لم يحمل خبثا ، أي لم يظهره ولم يغلب الخبث عليه ، من قولهم : فلان لايحمل غضبه ؛ أي لايظهره» (2) . و[ أيضا احتجاجهم مبنيّ ] [ على ] ما نقل عن مجمل اللغة أنّه قال : «وحكى ناس أنّ قوله صلى الله عليه و آله : إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا ، إنّما أراد : لم يظهر فيه [ الخبث ] » (3) . فإنّ عدم ظهور النجاسة فيه شامل لما كان ورود النجاسة قبل بلوغ الكرّيّة ، بل ظاهره ذلك ، ولذلك بالغ ؛ حيث قال بطهره بإتمامه كرّا من طاهرٍ ، حكاه في المختلف (4) عن السيّد المرتضى (5) والسلّار (6) وابن البرّاج (7) وابن إدريس (8) وعن الشافعي (9) . ففيه : وهل يطهّر بإتمامه كرّا بماء طاهر ؟ ثمّ حكى القول بتطهيره بذلك عنهم ، وأفرط مَن قال بطهره بإتمامه كرّا ولو من نجس ، حكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب ، قال : «وإن كان مقدار الكرّ في موضعين [ طاهرا ]ونجسا، ثمّ جمع بينهما ؛ لم يزل عنهما حكم النجاسة ؛ لأنّه لا دليل عليه ، وفي أصحابنا مَن يقول : يزول ذلك للخبر » (10) . بل ظاهر العلّامة في المنتهى أنّ هذا هو قول السيّد ونظرائه ، فإنّه قال فيه :

.


1- .. النهاية ، ج 1 ، ص 426 (حمل) .
2- .. القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 362 (حمل) .
3- .. مجمل اللغة ، ج 1 ، ص 253 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 180 .
5- .. رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الثانية ، ص 361 .
6- .. المراسم ، ص 36 .
7- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 23 .
8- .. السرائر ، ج 1 ، ص 63 .
9- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 7 .
10- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 7 .

ص: 95

وهل يطهّر بالإتمام ؟ الوجه أنّه لايطهّر ، سواء تمّم بنجس أو طاهر ، وتردّد في المبسوط ، وجزم المرتضى في المسائل الرسّيّة وابن البرّاج وابن إدريس بالتطهير ، وللشافعي في اجتماع القُلّتين من الماء النجس وجهان (1) . وهذا هو ظاهر استدلالاتهم أيضا على ما حكاها العلّامة رحمه الله في الكتابين من : أنّ السيّد المرتضى استدلّ بوجهين : الأوّل أنّ بلوغ الكرّيّة يوجب استهلاك النجاسة ، ولا فارق بين وقوعها فيه قبل البلوغ وبعده . والثاني : أنّه لو لم نحكم بالطهارة حينئذٍ لما حكم بطهارة الكثير إن اشتبه أنّ وقوع النجاسة فيه قبل البلوغ أو بعده ، والتالي باطل اتّفاقا ، فالمقدّم مثله (2) . وأنّ ابن إدريس احتجّ بوجوه : أحدها قوله عليه السلام : «إذا بلغ الماء كرّا لم يحمل خبثا» 3 ، وادّعى التواتر فيه ، الثاني : عموم الماء في قوله تعالى : «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ » (3) ، والثالث : الإجماع (4) . والجواب عن الأوّل : وجود الفارق ، وهو القلّة والكثرة ، والنصوص الدالّة على أنّ القليل ينجّس بالملاقاة للنجاسة ، والكثير لاينجّس بها ، فإنّ ذلك يقتضي استهلاك النجاسة بالكثير دون القليل . وعن الثاني : منع الملازمة ؛ لأصالة الطهارة في الكثير الذي اشتبه وقوع النجاسة فيه ، ولما دلّ عموما على طهارة كلّ شيء حتّى يعلم أنّه نجس ، بخلاف المقدّم ، فإنّ الأصل فيما علم نجاسته والاستصحاب يقتضي بقاء نجاسته حتّى يعلم زوالها . وعن الثالث : ما ذكر من أنّ المتبادر في المتعارفات من قوله عليه السلام : «إذا بلغ الماء كرّا

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 180 .
2- .. رسائل الشريف المرتضى ، ج 2 ، ص 361 _ 362 ، والمذكور هنا نقلٌ بالمعنى .
3- .. الأنفال (8) : 11 .
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 63 _ 66 . وفي المذكور هنا تلخيص ونقل بالمعنى .

ص: 96

لم يحمل خبثا» ، عدم قبول الماء إيّاه بعد ما اتّصف بكونه كرّا . وعن الخامس : أنّ دعوى الإجماع لايسمع في محلّ النزاع ، فهو دعوى غير محرّر (1) . وبالجملة ؛ استصحاب بقاء النجاسة إنّما يزول بدليل قطعي على زوالها ، وإذ ليس فليس ، بل الظاهر عدم كفاية مجرّد اتّصاله بالكرّ ونحوه ، بل وجوب امتزاجه بالكرّ أو الجاري أو ماء المطر بحيث يستهلك الماء النجس ، ولايتميّز عن ماء الكرّ ونظيرَيه ؛ لما عرفت من اقتضاء استصحاب النجاسة دليلاً قطعيا على زوالها ، وقد انعقد إجماع أهل العلم على طُهره بما ذكرناه ، بخلاف ما عداه من مجرّد الاتّصال ، وإليه ذهب الشهيد في الذكرى حيث اعتبر الممازجة (2) . ولايرد أنّ ممازجة جميع الأجزاء لايتّفق ، واعتبار ممازجة بعضها دون بعض ، تحكّم . لإمكان الامتزاج بالمعنى الذي ذكرناه ، وغلبة وقوعه . ولعلّه قدس سره أراد ذلك المعنى من إلقاء الكرّ عليه دفعة ؛ حيث اعتبره في الدروس (3) ، فلايرد عليه ما اُورد من أنّه لامعنى للدفعة ؛ إذ لايتصوّر الحقيقة منها ، ولا دليل على العرفيّة . وأمّا ماء البئر ، فسيأتي طريق تطهيرها في بابها . الثالثة : في تحديد الكرّ ، وله طريقان في النصوص وكلام الأصحاب ، واختلفوا في كلّ منهما على مذاهب : الأوّل : تحديده بحسب المساحة ، والمشهور اعتبار ثلاثة أشبار ونصف في كلّ من الجهات الثلاث ، واستُدلّ عليه برواية الحسن بن صالح (4) ؛ بناء على أنّ المراد

.


1- .. هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 180 _ 181 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 66 _ 67 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 78 .
4- .. الدروس ، ج 1 ، ص 118 ، الدرس 17 .

ص: 97

بالعَرض فيها السعة الشاملة للطول أيضا كما ذُكر في مجمع البيان (1) في تفسير قوله تعالى : «عَرْضُهَا السَّمَ_وَ تُ وَالْأَرْضُ » (2) ، أو على أنّ تحديد العرض بما ذكر مستلزم لكون الطول أيضا كذلك ، ولايجوز أن يكون أقلّ منه ؛ وإلّا لم يكن العرض عرضا كما وجّهه بعض المحقّقين . أو على سقوط حدّ الطول من سهو النسّاخ أو بعض الرواة ، وهو أظهر كما يدلّ عليه ما روي في هذا الخبر في الاستبصار : عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن صالح الثوري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء في الرّكيّ كرّا لم ينجّسه شيء» . قلت : وكم الكُرّ ؟ قال : «ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها» (3) . وبخبر أبيبصير (4) ؛ بناء على كون قوله عليه السلام : «في عمقه في الأَرض» خبرا آخر ل_«كان» ، فالمذكوران أوّلاً لبيان الطول والعرض ، وهذا لبيان العمق ، وأنّ السكوت عن قدره للحوالة على الأوّلين . والخبران وإن كانا ضعيفين بالحسن بن صالح الثوري ؛ فإنّه زيدي وإليه تُنسب الصالحيّة من الزيديّة ، والثاني بعثمان بن عيسى أيضا ؛ لما عرفت من حاله ، لكن الشهرة بين الأصحاب يُجبر ضعفهما . ثمّ المشهور حمل لفظة «في» (5) في الخبرين على الضرب ، وأنّه يعتبر المضروب من أشبار الجهات بعضها في بعض ؛ وهو اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر .

.


1- .. مجمع البيان ، ج 2 ، ص 391 ، القول الثالث في معنى العرض .
2- .. آل عمران (3) : 133 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ وهذا هو الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
4- .. هوالحديث الخامس من هذا الباب من الكافي هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الكرّ من الماء كم يكون قدره ؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذلك الكرّ من الماء» .
5- .. كلمة «في» سقطت من نسخة «أ» ، وموجودة في «ب».

ص: 98

وعن القطب الراوندي رحمه الله : «أنّه ما بلغت أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا» (1) ؛ حملاً للفظة «في» على الجمع دون الضرب ، وهو قد يطابق المشهور إذا كان كلّ من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ، ويقرب منه تارة ويبعد عنه اُخرى ، وأبعد فروضه ما لو كان طوله عشرة ونصفا وكلّ من الباقين شبرا . واكتفى الصدوق رضى الله عنه (2) وأتباعه القمّيون بالثلاثة في الثلاث ؛ لخبر إسماعيل بن جابر ، وعدّه في المختلف أقوى (3) ، وكأنّ ذلك لصحّة مستنده بناء على إرادة عبداللّه من ابن سنان ، ويؤيّده أنّه رواه الشيخ في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة ؛ عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن عبداللّه بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، أولما ذكره قُبَيل ذلك من أنّ اعتبار الأرطال يقدّر به . وفيهما مناقشة ؛ أمّا الأوّل : فلما ذكره جدّي المحقّق المجلسي قدس سره في شرح الفقيه : «أنّه رواه أيضا الشيخ عن كتاب سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر» ، وقال : هذا هو الظاهر ؛ لكثرة رواية البرقي عنه ، والظاهر أنّ ذكر عبداللّه في السند الأوّل من سهو الشيخ أو محمّد بن أحمد ؛ بأن كان في النسخة «ابن سنان» فتوهّم أنّه عبداللّه ، فذكره بعنوان عبداللّه بقرينة رواية الكليني إيّاه بعنوان ابن سنان . (4) أقول : ويؤيّد كونه «محمّدا» ما ذكره ابن الغضائري في ترجمة محمّد بن خالد البرقي من أنّه يروي عن الضعفاء كثيرا (5) .

.


1- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 184 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 6 ؛ المقنع ، ص 10 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 184 .
4- .. روضة المتّقين ، ج 1 ، ص 37 ، أحكام المياه ، وفي المذكور هنا تلخيص.
5- .. حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 237 ، الرقم 15 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 171 ، الرقم 369 . وحكاه السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 72 ، الرقم 10715 .

ص: 99

وأمّا الثاني : فلما سيأتي عن قريب من أنّ ذلك القول في غاية البُعد عن اعتبارالأرطال ، وإن اعتبرت عراقيّة ، وأنّ القول المشهور أقرب إليه . وهناك خبر آخر صحيح بلا ريب يدلّ تكسيره على اعتبار ستّة وثلاثين شبرا ، وهو أقرب إلى الاعتبار أيضا ، فالقول به أظهر ، لكنّه لم ينقل عن أحد ، رواه الشيخ عن صفوان بن يحيى ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الماء الذي لاينجّسه شيء ؟ قال : «ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته» (1) . وفي شرح الفقيه : والأظهر في الجمع بين الأخبار أن نقول بقول القمّيين ، ونحمل الزيادة على الاستحباب لو لم نقل في الجميع به (2) ، ويمكن حمل خبر الذراعين على خبر القمّيين ، بأن يقال : المراد بالسعة القُطر ، ولهذا اكتفى بها عن العرض والطول ، فإنّه بالنسبة إلى الجميع على السواء ، وإذا كان القطر ذراعا ونصفا فنضرب نصف الثلاثة الأشبار (3) في نصف الدائرة ، وإذا كان القطر ثلاثة أشبار تكون الدائرة تسعة أشبار تقريبا (4) ، فإذا ضرب نصف القطر شبرا ونصفا في نصف الدائرة أربعة ونصف ، كان الحاصل ستّة أشبار وثلاثة أرباع شبر ، فإذا ضرب الحاصل في أربعة أشبار يصير سبعة وعشرين شبرا ، وهو [ حاصل ]مضروب الثلاثة في الثلاثة في الثلاثة ، فيحمل الخبر المشتمل على النصف الذي يحصل منه اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر على الاستحباب ، وهو أحسن من ردّ الخبرين . انتهى (5) . وعن ابن الجنيد : أنّه اعتبر تكسيره بنحو من مائة شبر (6) ، مع أنّه وافق المشهور في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 41 ، ح 114 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 10 ، ح 12 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 164 _ 165 ، ح 408 .
2- .. في المصدر : «بالاستحباب» .
3- .. في المصدر : «فيضرب نصف الثلاثة أشبار».
4- .. المصدر _ «تقريبا» .
5- .. روضة المتّقين ، ج 1 ، ص 40.
6- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ؛ والمعتبر ، ج 1 ، ص 45 .

ص: 100

اعتباره بالوزن من ألف ومائتي رطل ، وهما متضادّان كما ستعرف ، مع عدم استناده إلى مستند يوثق به ، واحتجّ له في المختلف بالاحتياط (1) ، وفيه أنّه معارض باحتياط آخر كما لايخفى . والثاني : تحديده بالوزن ، واتّفق الأصحاب على أنّه ألف ومائتا رطل ، لمرسلة ابن أبيعمير ، لكن اختلفوا في تفسير الرطل ؛ ففسّره الشيخان وأتباعهما بالعراقي ، وهو مائة وثلاثون درهما ، للجمع بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : «الكرّ ستّمائة رطل» . حملاًّ للستّمائة في هذه على الأرطال المكّيّة ؛ لأنّ الرطل المكّي ضِعف العراقي ، زاعمين أنّه عليه السلام أفتى بذلك في «مكّة» على اصطلاح أهلها ، ولأنّ الراوي أو المرسِل عراقي ، فأفتاه عليه السلام على لغته وعادة أهل بلده ، فإنّهم عليهم السلام كانوا يفتون الناس ويتكلّمونهم على قدر عقولهم وأفهامهم على ما يظهر من بعض الأخبار . أقول : وقد ورد في خصوص الأرطال ذلك فيما سبق من حديث الكلبي النسّابة ، وهو كان كوفيّا حيث أطلق عليه السلام أرطال الشنّ أوّلاً ، فلمّا استفسر الكلبي عنها فسّرها بالعراقي . وبذلك يندفع ما اُورد عليه من أنّ ابن أبيعمير ليس هو الراوي عن الإمام ، وإنّما روى عن بعض أصحابنا ، فإن كان «بعض أصحابنا» كلام الراوي السابق على ابن أبيعمير فظاهرٌ عدم دلالته على كون ذلك البعض عراقيا ، وإن كان كلام ابن أبيعمير أيضا لايدلّ عليه ؛ لأنّ صاحب الرجل أعمّ من أهل بلده ، بل الظاهر منه الموافق في المذهب مطلقا ، على أنّ الظاهر أنّهم عليهم السلام كانوا يفتون على اصطلاح بلدهم ، فتأمّل . وفسّره السيّد المرتضى (2) والصدوق (3) _ رضي اللّه عنهما _ بالمدني ، وهو مائة وخمسة وتسعون درهما ؛ لما ذكر من ظهور كون فتواهم عليهم السلام على اصطلاح بلدهم ، وقد عرفت

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 184 .
2- .. رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 ، ص 22 .
3- .. راجع : الفقيه ، ج 1 ، ص 6 .

ص: 101

ما فيه . وعن السيّد ، أنّه احتجّ عليه بالاحتياط أيضا (1) . واُورد عليه بأنّ الاحتياط ليس دليلاً شرعيا ، مع أنّه معارَض بمثله . واعلم : أنّ بين التحديدين تفاضلاً كثيرا إلّا إذا حملت الأرطال على العراقيّة، واُضيف النصف إلى الثلاثة أشبار في الثلاثة ؛ لأنّه حينئذٍ على اعتبار الأرطال يكون وزن الكرّ ثمانية وستّين منّا وربع منٍّ بالمنّ الشاهي الجديد الذي وُضع على ألف ومائتي مثقال صَيرَفي هي ألف وستّمائة مثقال شرعي . بيان ذلك : أنّ الرطل العراقي على المشهور مئة وثلاثون درهما ، وقد ثبت أنّ عشرة دراهم في عهدهم عليهم السلام كانت على وزن سبعة من المثاقيل الشرعيّة وخمسة وربع من المثاقيل الصيرفيّة ؛ لأنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، فمجموع دراهم الأرطال _ أعني مائة وخمسين وستّة آلاف درهم _ يكون موازنا لمائة وتسعة آلاف ومائتي مثقال شرعي ، ولواحد وثمانين ألفا وتسعمائة مثقال صيرفي ، فإذا قسمت الأوّل على ألف وستّمائة عدد المثاقيل الشرعيّة (2) للمنّ الشاهي ، والثاني على ألف ومائتين عدد المثاقيل الصَيرفيّة له ؛ خرج ما ذكرناه . وإن حملت الأرطال على المدنيّة وكلّ رطل منها مائة وخمسة وتسعون درهما ؛ يصير وزن الكرّ مائة منٍّ ومَنّين وثلاثة أثمان مَنٍّ بالمنّ المذكور ؛ لأنّ كلّ رطل من أرطال الكرّ على ذلك مائة وستّة وثلاثون مثقالاً ونصف مثقال شرعي ومائة واثنان وثلاثة أثمان مثقال صيرفي ، فإذا حسبتَ مجموع دراهم الأرطال على الوجهين وقسمتَه على الوجه الأوّل على ألف وستّمائة (3) . وعلى الوجه الثاني على ألف ومائتين (4) يخرج ما ذكر .

.


1- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 185 .
2- .. قوله : «عدد المثاقيل الشرعيّة» مكرّرٌ في الأصل.
3- .. في الهامش : «عدد المثاقيل الشرعيّة للمنّ . منه» .
4- .. في الهامش : «عدد المثاقيل الصيرفيّة للمنّ . منه» .

ص: 102

وبوجهٍ أخصر نسبة عدد المثاقيل الصيرفيّة للمنّ الشاهي إلى المنّ كنسبة عدد أرطال الكرّ إلى الكرّ ، والرطل العراقي ثمانية وستّون مثقالاً وربع مثقال صيرفي ، والمدني منه مائة واثنان وثلاثة أثمان مثقال صيرفي ، فحينئذٍ يكون الكرّ على الأرطال العراقيّة ثمانية وستّين مَنّا وربع منّ شاهي ، وعلى المدنيّة مائة منّ ومنّين وثلاثة أثمان منّ . وقد قال خالي المحقّق المجلسي شيخ الإسلام والمسلمين محمّد المدعوّ باقِرَ العلوم _ مدّ ظله السامي _ في رسالته في الأوزان والمقادير : «إنّ الماء الذي يكون شبرا في شبر في شبر بشبر أوساط الناس في زماننا هذا على وزن ألفين وثلاثمائة وثلاثة وأربعين مثقالاً صيرفيا» (1) . وعلى ما ذكره يكون الكرّ على مذهب القمّيين ثلاثة وستّين ألفا ومائتين وواحدا وستّين مثقالاً صيرفيا ، وبالمنّ الشاهي اثنين وخمسين منّا ونصف منّ وواحدا ومئتين وستّين مثقالاً صيرفيا ، وهذا في غاية النقص عن تحديده بالأرطال المدنيّة ، وينقص عنه على اعتبار العراقيّة بنحو من اثني عشر منّا ، وعلى القول المشهور مائة ألف وأربعمائة وثمانية وخمسين مثقالاً وثُمن مثقال صيرفي ، وبالمنّ الشاهي ثلاثة وثمانين منّا ونصف منّ وثمانية وخمسين مثقالاً وثمن مثقال ، وهو زائد بكثير عن حدّه بالأرطال العراقيّة ، وناقص عنه كذلك على اعتبار المدنيّة . وعلى ما مرّ من خبر صفوان ، عن إسماعيل بن جابر سبعين منّا وربع منٍّ وثمانية وأربعين مثقالاً صيرفيا ، وهو أربعة وثمانون ألفا وثلاثمائة وثمانية وأربعون مثقالاً صيرفيا ، وهو أقرب الاعتبارات لغاية قربه من اعتبار الأرطال العراقيّة ، وصحّة سنده . والظاهر أنّ التفاوت القليل الذي بينهما باعتبار اختلاف أوزان المياه . ثمّ الأرجح بعده قول القمّيين ؛ لظهور صحّة مستنده ، وإمكان تطبيقه على العراقيّة

.


1- .. لم أعثر عليها ، وهذا القول حكاه الشيخ البهائي قدس سره في مشرق الشمسين، ص 385 عن بعض المحقّقين .

ص: 103

بجعل التفاوت المذكور بينهما ناشئا عن تفاوت الأشبار قديما وحديثا ، أو عن اختلاف أوزان المياه أيضا . [قوله] : (محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان) . [ ح 1/3807 ] لقد اشتهر بين الأصحاب صحّة هذا الخبر وأمثاله ، وكأنّهم زعموا أنّ محمّد بن إسماعيل فيه هو ابن بزيع الذي صرّحوا جميعا بتوثيقه (1) . أو محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة الذي وثّقه النجاشي (2) ، ورجّح توثيقه في الخلاصة (3) ، وإن ضعّفه [ ابن ]الغضائري (4) . أو محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني الموثّق عند الجميع (5) . وكلّ ذلك في غاية البُعد ، أمّا الأوّل ؛ فلأنّ المصنّف كثيرا ما يروي عنه بواسطتين إمّا عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، أو عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عنه . وقد يروي عنه بوسائط ، فقد روى في باب الركوع عن الحسين بن [ محمّد، عن ] عبداللّه بن عامر ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : رأيت أباالحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كلّ من رأيته ، كان إذا ركع جَنَّح بيديه (6) . وبهذا السند في باب السجود أيضا (7) . ولأنّه من أصحاب موسى بن جعفر وعليّ بن موسى عليهم السلام ، لما ذكره الكشّي رحمه اللهمن أنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع من رجال موسى عليه السلام ، وأدرك أباجعفر الثاني عليه السلام (8) ،

.


1- .. اُنظر: رجال النجاشي ، ص 330 _ 332 ، الرقم 893 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 15 ، ص 95 _102 ، الرقم 10246 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 341 ، الرقم 915 .
3- .. خلاصة الأقوال ، ص 257 _ 258 ، الرقم 89 .
4- .. حكاه عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 258 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 165 ، الرقم 1313 .
5- .. اُنظر: رجال النجاشي ، ص 345 _ 346 ، الرقم 933 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 15 ، ص 107 ، الرقم 10260 .
6- .. الكافي ، ج 3 ، ص 330 ، ح 5 .
7- .. الكافي ، ج 3 ، ص 322 ، ح 3 .
8- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 836 ، ح 1066 ، وفيه : «أدرك موسى بن جعفر عليهماالسلام» ، وذكر له رواية عن أبيجعفر عليه السلام .

ص: 104

ولروايته عن الرضا عليه السلام فيما رواه الصدوق في العيون [ عن أبيه ، ]عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن موسى بن عمر ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : رأيت على أبيالحسن الرضا عليه السلام وهو مُحرِم خاتما (1) . فيبعد رواية المصنّف عنه بغير واسطة، ويبعد أيضا روايته عن أبيعبداللّه عليه السلام بتلك الوسائط المذكورة في الكتاب . ولأنّ الفضل بن شاذان كثيرا ما يروي عن ابن بزيع ، فيبعد التعاكس . وكذا الأخيران ، للقائهما أصحاب أبيعبداللّه عليه السلام ، وبُعد المصنّف عنهم بمراتب . والظاهر أنّه محمّد بن إسماعيل البندقي النيشابوري ، فإنّ الفضل بن شاذان كان نيشابوريا ، ويؤيّده أنّ الكشّي رحمه الله حكى أحوال الفضل عنه ، قال في ترجمة الفضل : ذكر أبوالحسن محمّد بن إسماعيل البندقي أنّ الفضل بن شاذان نفاه عبداللّه بن طاهر من نيشابور (2) ، الخبر . وهو مجهول . [قوله] : (عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى) . [ ح 2/3808 ] هذه العدّة مشتملة على الصحيح ، وكذا كلّ ما روت عن أحمد بن محمّد بن خالد ، أو عن سهل بن زياد ؛ لما حكى بعضُ أصحاب الرجال عن المصنّف قدس سره أنّه قال : كلّما قلت في كتابي الكافي : «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى» ؛ فالمراد بقولي «عدّة» : محمّد بن يحيى العطّار ، وعليّ بن موسى الكمنداني ، وداوود بن كورة ، وأحمد بن إدريس ، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم ، وكلّما قلت في كتابي المشار إليه : «عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد» ؛ فهم : عليّ بن إبراهيم ، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة ، وأحمد بن عبداللّه بن اُذينة ، وعليّ بن الحسن ، وكلّما ذكرت في كتابي المشار إليه : «عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد» ، فهم : عليّ بن محمّد بن علاّن ، ومحمّد بن أبيعبداللّه ، ومحمّد بن الحسن ، ومحمّد بن عقيل الكليني ،

.


1- .. عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 20 ، الباب 30 ، ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار المنثورة ، ح 41 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 818 ، الرقم 1024 .

ص: 105

ومحمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس ، وعليّ بن إبراهيم 1 . في الاُولى ثقات ، ولايضرّ دخول عليّ بن موسى وداوود المجهولين 2 . وكذا الثانية صحيحة بعليّ بن إبراهيم ، ولايضرّ دخول عليّ بن محمّد بن عبداللّه [ بن ]اُذينة وعمّه المجهولين ، ولاشتراك عليّ بن الحسين بين ثقة غير إمامي ومجهول . والظاهر أنّ محمّد بن أبيعبداللّه في الثالثة هو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي الكوفي ساكن الريّ ، وهو ثقة كما صرّح به الشيخ في الفهرست (1) ، وكذا الظاهر أنّ محمّد بن الحسن فيها هو محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد أبوجعفر شيخ القمّيّين الثقة ، ويقال : إنّه كان نزيل قُمَّ وما كان أصله منها (2) ، فلايضرّ جهالة الآخرين . [قوله] : (عن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا) . [ ح 6/3812 ] قد اشتهر أنّ مراسيل ابن أبيعمير كالصحيح ، وأنّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ؛ زعما منهم أنّه لغاية ديانته لايرسل عن غير ثقة إمامي . واُورد عليه بأنّ ديانته إنّما يقتضي الإرسال عمّن هو ثقة بزعمه ، وربما كان غالطا في ذلك ، وعلى أيّ حال فالخبر مجهول لوجود محمّد بن أحمد في طريقه ، وهو محمّد

.


1- .. الفهرست ، ص 229 _ 230 ، الرقم 660 ، ولم يذكر له توثيق ، نعم وثّقه النجاشي في رجاله ، ج 1 ، ص 373 ، الرقم 1020 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 383 ، الرقم 1042 .

ص: 106

بن أحمد العلوي على ما ذكره المحقّق الاسترآبادي في رجاله ، وقيّد _ طاب ثراه _ أباه أحمد بابن إسماعيل ولم يذكر حاله . (1) [قوله] : (عن ابن سنان) . [ ح 7/3813 ] يحتمل عبداللّه ؛ وهو من أجلّة الثقات من الأصحاب ، فالخبر صحيح ، ويحتمل أخاه محمّدا ؛ وهو مجهول الحال ، وقد يقال : إنّه من الغلاة والكذّابين محتجّا بما قاله [ ابن ]الغضائري : «إنّه ضعيف غالٍ» (2) ، وبما قاله الفضل بن شاذان : «إنّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان ، وليس بعبداللّه » (3) . وربما نسب توثيقه إلى الشيخ المفيد قدس سره وأنّه قال في الإرشاد : «إنّ محمّد بن سنان ممّن روى النصّ على الرضا من أبيه عليهماالسلام ، وإنّه من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته » (4) . وأظنّ أنّ التضعيف الصادر عن الغضائري والفضل ، والتوثيق الوارد عن الشيخ المفيد إنّما هو في شأن محمّد بن سنان آخر وهو الزاهري من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام على ما ذكره [ ابن ] الغضائري ، وهو محمّد بن الحسن بن سنان على ما ذكره النجاشي ، قال : محمّد بن سنان أبوجعفر الزاهري من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي ، كان أبوعبداللّه بن عيّاش يقول : حدّثنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان ، قال : هو محمّد بن الحسن بن سنان مولى زاهر ، توفّي أبوه الحسن وهو طفل ، وكفّله جدّه سنان فنُسب إليه (5) .

.


1- .. هذا القسم من رجاله منهج المقال غير مطبوع .
2- .. عنه العلّامة الحلّي في خلاصة الأقوال ، ص 394 ، الرقم 17 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 174 ، الرقم 1405 ؛ والقهبائي في مجمع الرجال ، ج 5 ، ص 229 .
3- .. عنه الكشّي في اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 ، الرقم 978 ؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 394 ، الرقم 17 .
4- .. الإرشاد ، ج 2 ، ص 247 _ 248 .
5- .. رجال النجاشي ، ص 328 ، الرقم 888 .

ص: 107

وقد اختلفت الأخبار والأقوال فيه ، وضعّفه الأكثر ، فقال النجاشي : «قال أبوالعبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد : إنّه روى عن الرضا عليه السلام » . قال : «وله عنه مسائل معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّا لايُعوَّل عليه ، ولايُلتفت إلى ما تفرّد به » (1) . وقال [ ابن ]الغضائري : «محمّد بن سنان أبوجعفر الهمداني ، هذا أصحّ ما ينتسب إليه ، ضعيفٌ غالٍ ، لايُلتفت إليه » (2) . وقال الكشّي : «قال أبوالحسن عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري : قال أبومحمّد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان [ عنّي ما دمتُ حيّا ] » (3) . وذكر : أنّه وجد بخط أبيعبداللّه الشاذاني : أنّي سمعت العاصمي يقول : إنّ عبداللّه بن محمّد بن عيسى الملقّب بِبَنان قال : كنت مع صفوان بن يحيى في الكوفة في منزلٍ ، إذ دخل علينا محمّد بن سنان ، فقال صفوان : إنّ هذا ابن سنان لقد هَمَّ أن يطير غير مرّة ، فقصصناه حتّى ثبت معنا (4) . وإنّما وثّقه المفيد ؛ لما رواه الكشّي بإسناده عن محمّد بن سنان ، قال : دخلت على أبيالحسن موسى عليه السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسَنَة ، وعليّ عليه السلام ابنه بين يديه ، فقال لي : «يا محمّد» ، قلت : لبّيك . قال : «إنّه سيكون في هذه السنة حركة ، ولانخرج منها» . ثمّ أطرق ونكت في الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إلَيَّ ويقول : «ويُضِلُّ اللّهُ الظالِمينَ وَيَفعَلُ اللّهُ ما يَشاء» . قلت : وما ذاك جُعلتُ فداك ؟ قال : «مَن ظلَم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 328 ، الرقم 888 .
2- .. عنه القهبائي في مجمع الرجال ، ج 5 ، ص 229 ؛ والتفرشي في نقد الرجال ، ج 4 ، ص 224 . وانظر: معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 168 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 ، ح 979 .
4- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 ، ح 980 .

ص: 108

كان كمن ظلم عليّ بن أبيطالب حقّه وجحد إمامته من بعد محمّد صلى الله عليه و آله » . فعلمت أنّه قد نَعى إليَّ نفسَه ، ودَلّ على ابنه ، فقلت : واللّه لئن مدّ اللّه في عمري لاُسلّمنّ إليه حقّه ، ولَاُقِرَّنَّ له بالإمامة ، وأشهد أنّه من بعدك حجّة اللّه على خلقه والداعي إلى دينه . فقال : «يا محمّد ، يمدّ اللّه في عمرك وتدعو إلى إمامته وإمامة من يقوم مقامه من بعده» . فقلت : ومَن ذاك ؟ قال : «محمّد ابنه» . قلت: بالرضا والتسليم. فقال: «نعم، كذلك وجدتك في صحيفة أميرالمؤمنين عليه السلام ، أما إنّك في شيعتنا أبيَن من البرق في الليلة الظَلماء» . ثمّ قال : «يا محمّد ، إنّ المفضّل اُنسي ومستراحي ، وأنت اُنسهما ومستراحهما ، حرام على النار أن تمسّك أبدا» . يعني أباالحسن وأباجعفر عليهماالسلام . (1) وروى في ترجمة صفوان بن يحيى بإسناده عن رجل ، عن عليّ بن الحسين بن داوود القمّي ، قال : سمعت أباجعفر الثاني عليه السلام يذكر صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان بخير ، وقال : «رضي اللّه عنهما برضاي عنهما ، فما خالفاني قطّ ، وما خالفا أبي عليه السلام قطّ» ، هذا بعد ما جاء عنه فيهما ما قد سمعته من أصحابنا . (2) وبسند آخر عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن رجل ، عن عليّ بن الحسين بن داوود القمّي ، مثله ، إلّا أنّه قال في آخره : «هذا بعد ما جاء فيهما ما قد سمعه غير واحد» . (3) وفي ترجمة زكريّا بن آدم : عن أبيطالب عبداللّه بن الصلت ، قال : دخلت على أبيجعفر الثاني عليه السلام في آخر عمره ، فسمعته يقول : «جزى اللّه صفوان بن يحيى

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 796 _ 797 ، ح 981 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 792 ، ح 962 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 793 ، ح 966 .

ص: 109

[ باب ] الماء الذي [ تكون ] فيه قلّة ، والماء الذي فيه الجيف و

ومحمّد بن سنان وزكريّا بن آدم عنّي خيرا ، فقد وافوا لي» ، ولم يذكر سعد بن سعد ، قال : فخرجت فلقيت موفّقا وقلت له : إنّ مولاي ذكر صفوان ومحمّد بن سنان وزكريّا بن آدم وجزّاهم خيرا ولم يذكر سعد بن سعد ، قال : فعدت إليه فقال : «جزى اللّه صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريّا بن آدم وسعد بن سعد عنّي خيرا ، فقد وافوا لي» . (1) ويظهر من بعض الأخبار ذَمُّه في وقت ومدحُه في وقت آخر بعده ، رواه الكشّي عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع _ وفي الطريق أحمد بن هلال _ : أنّ أباجعفر عليه السلام لعن صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان ، فقال : «إنّهما خالفا أمري» . قال : فلمّا كان من قابلٍ قال أبوجعفر عليه السلام لمحمّد بن سهل البحراني : «تولّ صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان ، فقد رضيت عنهما» . (2) ونعم ما قال المحقّق الإسترآبادي : «طرق المدح غير نقيّة ، فالأولى عدم الاعتماد عليه» . (3)

[ باب ] الماء الذي [ تكون ] فيه قلّة ، والماء الذي فيه الجيف ، والرجل يأتي الماء ويده قذرةاتّفق الأصحاب _ عدا الحسن بن أبيعقيل (4) وبعض المتأخّرين _ على أنّ الماء القليل ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة ، ونسبه في المنتهى إلى ابن عمر (5) وسعيد بن جبير

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 792 ، ح 963 .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 793 ، ح 964 .
3- .. هذا القسم من كتابه منهج المقال غير مطبوع .
4- .. أبومحمّد الحسن بن أبيعقيل العمّاني الحذّاء ، فقيه ، متكلّم ، شيخ جعفر بن قولويه ، وللفقهاء مزيد اعتبار بنقل أقواله وضبط فتاواه ، وهو أوّل من هذّب الفقه ، واستعمل النظر ، وفتق البحث عن الاُصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى ، وكتابه «المستمسك بحبل آل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم» . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ص 199 ؛ الذريعة ، ج 2 ، ص 400 ، الرقم 1607 ؛ وج 17 ، ص 280 ، الرقم 287 .
5- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 70 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 71 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 36 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 113 .

ص: 110

ومجاهد وإسحاق (1) وأبيحنيفة وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ، ولم يفرّق ابن أبيعقيل ومن قال بقوله بينه وبين الكثير في عدم التأثّر بالنجاسة إلّا بالتغيّر بها ، وهو محكيّ في المنتهى عن قول آخر للشافعي ، ورواية اُخرى عن أحمد ، وعن مالك وابن عبّاس وسعيد بن المسيّب وابن أبيليلى وجماعة اُخرى منهم (2) . ويدلّ على الأوّل مفهوم الأخبار الواردة في اعتبار الكرّ ، وقد سبقت . وما دلّ على نجاسة سؤر نجس العين ويأتي في محلّه . وما رواه المصنّف عن صفوان بن مهران الجمّال (3) . (4) وما رواه الشيخ عن عمّار بن موسى الساباطي أنّه سأل أباعبدا للّه عليه السلام عن الرجل يجد في إنائه فأرة وقد توضّأ من ذلك الإناء مرارا وغسل منه ثيابه واغتسل منه ، وقد كانت الفأرة متسلّخة (5) . فقال : «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة ، وإن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك وفعله ، فلا يمسّ من الماء شيئا ، وليس عليه شيء ؛ لأنّه لايعلم متى سقطت فيه» . ثمّ قال : «لعلّه إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» . (6)

.


1- .. إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي ، نزيل نيسابور وعالمها ، المعروف بابن راهويه ، سمع من ابن المبارك وفضيل بن عياض ، وأخذ عنه أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي ، ولد سنة 166 ، وقيل : سنة 161 ، وتوفّي سنة 238 . راجع : تاريخ بغداد ، ج 1 ، ص 343 ، الرقم 3381 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 8 ، ص 119 ، الرقم 617 ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 3 ، ص 34 (الراهويي) ؛ تهذيب الكمال ، ج 2 ، ص 372 ، الرقم 332 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 11 ، ص 358 ، الرقم 79 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 43 _ 46 .
3- .. وهو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي .
4- .. كتب في الهامش : «حيث استفسر عليه السلام عن مقدار الماء ، ولو كان المعتبر هو التغيّر وعدمه ، لاستفسر عنهما . منه» .
5- .. في الاستبصار : «متفسّخة» .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 20 ، ح 26 ؛ تهذيب الأحكام، ج 1 ، ص 418 _ 419 ، ح 1322 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 _ 33 ، ح 86 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 142 ، ح 350 .

ص: 111

وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ ، فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصحّ الوضوء منه ؟ قال : «لا» (1) . وفي الصحيح عن ابن سنان _ بناء على أنّه عبداللّه _ عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الرجل يجعل الركوة (2) أو التَور (3) فيدخل إصبعه فيه ، قال : «إن كانت يده قذرة فليهرقه ، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه ، هذا ممّا قال اللّه عزّ وجلّ : «وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (4) » . (5) وعن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن جرّة وجد فيها خنفساء (6) قد مات ، قال : «ألقه وتوضّأ منه ، وإن كان عقربا فأرِق الماء وتوضّأ من ماء غيره» . وعن رجل معه إناءان فيهما ماء ، فوقع في أحدهما قذر لايدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره ، قال : «يهريقهما ويتيمّم» . (7) وفي الموثّق عن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في رجل معه إناءان [ فيهما ماء ]، فوقع في أحدهما قذر ولايدري أيّهما هو ، [ وليس يقدر على ماء غيره ] . قال : «يهريقهما [ جميعا ]ويتيمّم» . (8)

.


1- .. هو الحديث 16 من باب النوادر من كتاب الطهارة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 _ 151 ، ح 375 ؛ وج 3 ، ص 527 _ 528 ، ح 4367 .
2- .. الركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء ، والجمع ركاء . النهاية ، ج 2 ، ص 261 (ركا) .
3- .. التَور : إناء صغير من صُفر أو حجارة ، كالإجّانة تشرب العرب فيه ، وقد تتوضّأ منه . لسان العرب ، ج 4 ، ص 96 (تور) .
4- .. الحج (22) : 78 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 37 ، ح 100 ؛ وص 229 ، ح 661 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 20 ، ح 46 .
6- .. الخُنْفَساء : دُويبّة سوداء وهي أصغر من الجعل ، منتنة الريح ، يضرب بها المثل في اللجاجة . مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 707 (خنفس) .
7- .. هو الحديث 6 من باب الوضوء من سؤر الدوابّ من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 48 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 229 ، ح 662 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 240 ، ح 620 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 248 ، ح 712 ؛ وص 407 ، ح 1281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 155 ، ح 388 .

ص: 112

وفي الحسن عن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ، قال : «يكفَأ الإناء» . (1) وعن سعيد الأعرج ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الجرّة تسعمائة رطل ، تقع فيها أوقية من دم ، أشرب منه وأتوضّأ ؟ قال : «لا» . (2) وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «إذا أصابت الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إن لم يكن أصاب يده شيء من المنيّ» . (3) وفي موثّق آخر عنه (4) مضمرا ، قال : سألته عن الرجل يمسّ الطست أو الركوة ، ثمّ يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه ، قال : «يهريق من الماء ثلاث جفنات ، وإن لم يفعل فلا بأس ، وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شيء من المنيّ ، وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفّيه ، فليهرق الماء كلّه» . (5) وفي الصحيح عن أبيالعبّاس الفضل بن عبدالملك ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه سأله عن فضل الهرّة والشاة والبقرة وغيرها حتّى انتهى إلى الكلب ، فقال : «رجس نجس لايتوضّأ بفضله ، واجتنب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء» (6) . ويؤيّد تلك الأخبار ما يأتي في محلّه ممّا دلّ على الأمر بغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء للمستيقظ ؛ معلّلاً بأنّه لايدري أين باتت يده . ثمّ المشهور أنّ القليل إنّما ينجس بورود النجاسة عليه مطلقا ، كما يستفاد من

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 39 ، ح 105 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 381 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 418 ، ح 1320 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 23 ، ح 56 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 382 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 37 ، ح 99 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 20 ، ح 47 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 383 .
4- .. كتب في الهامش : «أي عن سماعة . منه» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 38 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 154 ، ح 384 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 .

ص: 113

بعض ما ذكر من الأخبار لا بوروده على النجاسة ، وإلّا لما يتطهّر متنجّس بالقليل ، وبه قال الشافعي (1) . ونسب السيّد في الناصريّات إلى ما عدا الشافعيّة من العامّة القول بعدم الفرق وتأثّره بالنجاسة مطلقا (2) . والفرق قويّ ، وكفاك شاهدا عليه النهي عن إدخال اليد القذرة في الإناء ، والأمر بإفراغ الماء عليه ، ويتفرّع على ذلك طهارة الغسالة ، فإنّه إذا لم ينجس الماء بوروده على النجس لم ينجس بخروجه عنه بالطريق الأولى ، كما ادّعاه الشهيد في الذكرى 3 . ويؤكّد ذلك ما دلّ على طهارة ماء الاستنجاء ما لم يتغيّر أو يكن عين النجاسة معه من غير حاجة إلى استثناء ، وكذا المشهور تأثّره عن كلّ نجاسة ورد عليه ؛ لعموم ما ذكر من الأدلّة . وظاهر الشيخ قدس سره في الاستبصار عدم تأثّره عمّا لايدركه الطرف من الدم كرؤوس الإبر ؛ محتجّا عليه بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا ، فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : «إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلابأس ، وإن كان شيئا بيّنا فلايتوضّأ منه» (3) . وقد حكم العلّامة بصحّته في المنتهى (4) والمختلف (5) .

.


1- .. حكاه عنه الشيرازي في المهذّب ، ج 1 ، ص 49 ؛ وابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ، ص 24 ؛ وابن عبدالبرّ في الاستذكار ، ج 1 ، ص 196 ؛ والنووي في المجموع، ج 1 ، ص 138 .
2- .. الناصريّات ، ص 72 ، كتاب الطهارة ، المسألة الثالثة .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 23 ، ح 57 . ورواه أيضا في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 412 _ 413 ، ح 1299 . وهذا هو الحديث 16 من باب النوادر من كتاب الطهارة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 _ 151 ، ح 375 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 52 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 182 .

ص: 114

وفيه نظر ؛ لأنّ في طريقه محمّد بن أحمد العلوي ، وهو مجهول الحال . وقد بالغ في المبسوط حيث أضاف مثل رؤوس الإبر من غير الدم أيضا إليه ، محتجّا بعدم إمكان التحرّز منه (1) . واُجيب عن الأوّل بعدم صراحة الخبر في محلّ النزاع ؛ لعدم دلالته على إصابة الدم الماء على القطع ، بل ظاهره إصابته الإناء مع الشكّ في وصوله إلى الماء . وأجاب عنه العلّامة في الكتابين بذلك ، وبمعارضته لصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ ، فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصحّ الوضوء منه ؟ قال : «لا» (2) . وعن الثاني بالمنع من حصول المشقّة المسقطة ، وإن اعتبر مطلق المشقّة انتقض بجيمع التكاليف ؛ لعدم خلوّها عن مشقّة (3) . هذا ، ونسبة هذا القول إلى الشيخ هو المشهور ، وكلامه في المبسوط والاستبصار غير صريح في ذلك ، بل ظاهره العفو عنه كالعفو عمّا دون الدرهم منه في الصلاة ، فقد قال في الاستبصار بعد ما ذكر الخبر المذكور أوّلاً : «الوجه في هذا الخبر أن نحمله على أنّه إذا كان ذلك الدم مثل رؤوس الإبر التي لاتُحَسّ ولاتُدرك ، فإنّ مثل ذلك معفوّ عنه» . (4) وفي المبسوط : وذلك _ يعني القليل من الماء _ ينجس بكلّ نجاسة فيها قليلة كانت النجاسة أو كثيرة ، تغيّرت أوصافه أو لم تتغيّر ، إلّا ما لا يمكن التحرّز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغيره ، فإنّه معفوّ عنه ؛ لأنّه لايمكن التحرّز منه . 5

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 7 .
2- .. هوالحديث 16 من باب النوادر من كتاب الطهارة من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 _ 151 ، ح 375 ؛ وج 3 ، ص 527 _ 528 ، ح 4367 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 52 _ 53 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1؛ ص 182 ، واللفظ منه .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 23 ، ذيل الحديث 57 .

ص: 115

ولعلّ الفائدة تظهر في ما إذا وقع ما لايدركه الطرف منها في المضاف . وفي الوجيز : ما لايدركه الطرف من النجاسة اضطرب فيه نصّ الشافعي ، والأقرب أنّ ما إنّما انتهت قلّته إلى حدّ لايدركه الطرف مع مخالفة لونه للون مايتّصل به ، فلايدخل تحت التكليف التحفّظ عنه ، ومايدرك عند مخالفة اللون فينبغي أن لايعفى عنه ، لا في الثوب ولا في الماء . وفي [ فتح ] العزيز : النجاسة التي لايدركها الطرف كنقطة الخمر والبول التي لاتبصر ، والذبابة تقع على النجاسة ثمّ تطير عنها ، هل تؤثّر كالنجاسة المدركة ، أم يعفى عنها ؟ اختلف الأصحاب على سبعة طرق : أحدها : أنّ في تأثيرها في الماء والثوب قولين . والثاني : أنّها تؤثّر فيهما بلاخلاف . والثالث : لاتؤثّر فيهما بلاخلاف . والرابع : تؤثّر في الماء ، وفي الثوب قولان . والخامس : تؤثّر في الثوب ، وفي الماء قولان . والسادس : تؤثّر في الماء دون الثوب بلا خلاف . والسابع : تؤثّر في الثوب دون الماء بلا خلاف . فهذا هو اضطراب النصّ ومقالات الأصحاب . ثمّ حكى احتجاج الفرق كلّهم بما يؤول إلى تعذّر الاحتراز وقوّة الماء على رفع النجاسات بخلاف غيره . (1) واحتجّ ابن أبيعقيل _ على ما حكى عنه في المنتهى _ بقوله عليه السلام : «الماء طاهر لاينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» . وبما رواه الشيخ عن عليّ بن حديد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيه فأرة أو جرذ (2) أو صعوة (3) ميتة ؟ قال : «إذا تفسّخ فيها فلاتشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ

.


1- .. فتح العزيز لعبدالكريم الرافعي ، ج 2 ، ص 208 _ 210 . والوجيز للغزالي ، ونصّ عبارته منقول في فتح العزيز .
2- .. جُرَذ : نوع من الفأر ، وقال الطريحي : «يكون في الفلوات ، وعن الجاحظ : الفرق بين الجرذ والفأر كالفرق بين الجواميس والبقر» . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 179 (جرذ) .
3- .. الصعو : صغار العصافير ، والاُنثى : صَعوة ، وهو أحمر الرأس . كتاب العين ، ج 2 ، ص 199 (صعو) .

ص: 116

فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة (1) وحبّ الماء (2) والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء» . قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شيء تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ [ فيه ] ، إلّا أن يجيء له ريح يغلب على ريح الماء» (3) . و[ بما روي ] عنه ، عن بعض أصحابنا ، قال : كنت مع أبيعبداللّه عليه السلام في طريق مكّة، فصرنا إلى بئر ، فاستقى غلام أبيعبداللّه عليه السلام دلوا ، فخرج فيه فأرتان (4) ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شيء ، فقال : «صُبَّه في الإناء» ، فتوضّأ وشرب (5) . و[ بما روي ] عن ياسين الضرير ، عن حريز بن عبداللّه ، عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، أنّه سُئِل عن الماء النقيع تبول فيه الدوابّ ، فقال : «إن تغيّر الماء فلاتتوضّأ منه ، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه ، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه» . (6) وأجاب عن الأوّل بحمله على الكثير للجمع [ بين المطلق والمقيّد ] ، ويجري مثله في خبر أبيبصير أيضا . وعن الثاني والثالث بضعف السند بعليّ بن حديد (7) ، مع إرسال الثاني منهما .

.


1- .. الجَرَّة : إناء معروف من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع . وفي الوافي ، ج 3 ، ص 33 : «ما يقال له بالفارسيّة : سبو» .
2- .. الحُبّ : الجرّة الضخمة ، والجمع حببة وحباب كعنبة وكتاب . مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 443 (حبب) .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 412 ، ح 1298 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 _ 9 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 139 _ 140 ، ح 343 .
4- .. المثبت من التهذيب والاستبصار ، وفي الأصل : «فأرة» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 _ 240 ، ح 693 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 435 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 8 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 138 ، ح 338 .
7- .. عليّ بن حديد بن حكيم الأزدي الكوفي ثمّ الساباطي المدائني ، من أصحاب الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام ، روى الكشّي في رجاله ، ج 2 ، ص 840 ، الرقم 1078 عن نصر بن الحجّاج أنّه قال : «عليّ بن حكيم فطحي من أهل الكوفة » ، وذكره النجاشي في رجاله ، ص 274 ، الرقم 717 ولم يقل فيه شيئا ، وكذا الشيخ في الفهرست ، ص 153 ، الرقم 382 ، وفي رجاله ، ص 360 ، الرقم 5338 . وضعّفه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 101 ، ذيل ح 435 ؛ وفي الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ذيل ح 112 ، وقال : «لايعوّل على ما ينفرد بنقله» .

ص: 117

وعن الرابع بأنّ راويه ياسين الضرير (1) ، ولا اُحقّق حاله ، فهو مدفوع [ ومعارَض بما ذكرناه ] . (2) أقول : على أنّ مرسل عليّ بن حديد يدلّ على نجاسته بالملاقاة ؛ حيث أمر عليه السلام بصبّ الماء في السقي الأوّل والثاني ، وأمّا توضّؤه عليه السلام في الثالث ؛ فلعلّه مبنيّ على عدم تنجّس البئر بالملاقاة والإناء بملاقاة الماء النجس في السابقين ؛ لعدم دليل على السراية ، وقد ادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع على عدمها . وربما احتجّ له بخبر محمّد بن الميسّر (3) ، والقذر فيه محمول في المشهور على الكثيف ، مع ضعفه ؛ لاشتراك محمّد بن ميسّر فيه محمّد بن ميسّر بن عبدالعزيز النخعي بيّاع الزُطّي الثقة ، ومحمّد بن ميسّر بن عبداللّه ، وهو مجهول الحال . واستدلّ له أيضا بما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضّأ من ذلك الماء ؟ قال : «لا بأس » . (4) والجواب عنه ظاهر على مذهب السيّد المرتضى من طهارة ما لاتحلّه الحياة من

.


1- .. ياسين الضرير الزيّات البصري ، لقي أباالحسن موسى عليه السلام بالبصرة وروى عنه ، ذكره النجاشي في رجاله ، ص 453 ، الرقم 1227 ، والشيخ في الفهرست ، ص 267 ، الرقم 819 ، ولم يذكرا فيه شيئا ، واستظهر المامقاني في رجاله ، ج 2 ، ص 307 كونه إماميّا موثوقا به .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 49 _ 50 .
3- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . رواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 ، ح 425 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 128 ، ح 436 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 152 ، ح 379 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1289 . وهذا هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 170 ، ح 423 .

ص: 118

نجس العين (1) ، وأمّا على المشهور ، فهو محمول على التقيّة ؛ لموافقة العامّة لما ذهب إليه السيّد ، أو على استقاء الماء لسقي الحيوانات والزراعة . وبخبر أبيمريم الأنصاري قال : كنت مع أبيعبداللّه عليه السلام في حائط له ، فنزح دلوا للوضوء من ركَيّ له ، فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة ، فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي (2) . وحمل في المشهور على عذرة ما لايؤكل لحمه ، مع جهالته ؛ لوجود عبدالرحمان بن حمّاد في طريقه . وفي بعض نسخ الاستبصار : «عبدالرحمان بن أبيحمّاد» (3) ، وضعّفه [ ابن ]الغضائري (4) والعلّامة في الخلاصة ورمياه بالغلوّ (5) ، ووجود «بشير» فيه وهو مشترك بين مجاهيل . وظاهر المصنّف قدس سره أنّه ذاهب إلى هذا القول ، حيث عَنوَنَ الباب بالماء الذي فيه قلّة ، ولم يذكر فيه ما يتعلّق به إلّا ما دلّ ظاهرا عليه . فرعان : الأوّل : الماء الراكد الذي وقعت فيه الجيفة ممّا له نفس سائلة ، لايجوز استعمال القليل منه ، ويجوز استعمال الكثير منه ولو ممّا جاور الجيفة إن لم تغيّر شيئا منه ، واستعمال غير المتغيّر منه إن كان كرّا فصاعدا ؛ لما سلف .

.


1- .. المسائل الناصريّات في ضمن الجوامع الفقهيّة ، ص 218 ، المسألة 19 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1313 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 119 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 154 ، ح 386 .
3- .. قال السيّد الخوئي في ترجمة عبدالرحمان بن أبيحمّاد من معجم رجال الحديث ، ج 9 ، ص 293 : «ثمّ الظاهر من ترجمة النجاشي أنّه متّحد مع عبدالرحمان بن حمّاد . . . ، وكلمة أبي في كلام النجاشي من سهو القلم ، وعلى ذلك جرى العلّامة وابن داود» .
4- .. عنه في مجمع الرجال ، ج 4 ، ص 71 .
5- .. خلاصة الأقوال ، ص 375 ، الرقم 6 . وقال النجاشي في ترجمته في رجاله ، ص 238 _ 239 ، الرقم 633 : «رمي بالضعف والغلوّ» .

ص: 119

ويدلّ أيضا عليه إطلاق ما رواه المصنّف قدس سره من مرسل حريز (1) ، وصحيح عبداللّه بن سنان (2) ، وخبر صفوان (3) . وقوله عليه السلام في خبر عليّ بن أبيحمزة : _ «توَضَّ من الجانب الآخر ، ولا توضّ من جانب الجيفة» (4) _ محمول على ما إذا تغيّر جانب الجيفة ولم يتغيّر الجانب الآخر ، ويكون ذلك الجانب كرّا فصاعدا ، أو على الاستحباب والتنزيه ، وهذا هو المشهور بين العامّة ، منهم الشافعي في القديم ، وخالفه في الجديد فلم يجوّز فيه الاغتراف من حوالي النجاسة ، وأوجب التباعد عنها بقدر قلّتين مطلقا (5) . الثاني : الرجل يأتي الماء القليل ويده نجسة ، هل يجوز إدخالها إليه أم لا ؟ مبنيّ على القولين في نجاسة القليل بالملاقاة . في حسنة عبداللّه بن يحيى الكاهلي : «إذا أتيت ماء وفيه قلّة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ، وتوضّأ» (6) . الظاهر أنّ المراد بالتوضّؤ هنا المعنى الاصطلاحي منه ، وقد ورد مثله في الغسل وفيهما جميعا ، فقد روى الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، قال : حدّثني صاحب لي ثقة أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 216 _ 217 ، ح 625 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 12 ، ح 19 ، وفيهما : «حريز ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، فلا إرسال في الحديث ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 137 ، ح 336 .
2- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 142 ، ح 346 . وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1، ص 16، ح 22 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 142 ، ح 348.
3- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1317 ؛ الاستبصار ، ج 1، ص 22 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 162 ، ح 402 .
4- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1284 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 21 ، ح 50 ؛ وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 16 ، ح 21 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 161 ، ح 399 و403 .
5- .. حكاهما عنه الشيرازي في المهذّب ، ج 1 ، ص 8 ، والنووي في المجموع ، ج 1 ، ص 158 .
6- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1283 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 ، ح 555 .

ص: 120

الماء القليل في الطريق ، فيريد أن يغتسل وليس معه إناء والماء في وهدة (1) ، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء ، كيف يصنع ؟ قال : «ينضح بكفّ بين يديه وكفّا من خلفه وكفّا عن يمينه ، وكفّا عن شماله ، ثمّ يغتسل» . (2) وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أبيالحسن الأوّل عليه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع ، أيغتسل منه (3) للجنابة ، أو يتوضّأ منه للصلاة إذا كان لايجد غيره ، والماء لايبلغ صاعا للجنابة ولا مدّا للوضوء وهو متفرّق ، فكيف يصنع (4) وهو يتخوّف أن يكون السباع قد شربت (5) منه ؟ فقال : «إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفّا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه ، وكفّا أمامه ، وكفّا عن يمينه ، وكفّا عن شماله ، فإن خشي أن لايكفيه ، غسل رأسه ثلاث مرّات ، ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يجزيه ، وإن كان الوضوء (6) غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه ، وإن كان الماء متفرّقا فقدر أن يجمعه ، وإلّا اغتسل من هذا ومن هذا (7) ، فإن كان في مكان واحد وهو قليل لايكفيه لغُسله ، فلا عليه أن يغتسل ، ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه» . (8) وقد اختلف فيما ينضح عليه وفي علّة النضح ، فقيل : الأوّل هو الأرض التي في حوالي ذلك الماء القليل ، والثاني هو المنع من انحدار الغسالة إلى الماء الذي يغتسل

.


1- .. الوَهد : المكان المنخفض كأنّه حُفرة ، تقول : أرض وَهدَة ، ومكان وَهد ، ويكون الوهد اسما للحُفرة . كتاب العين ، ج 4 ، ص 77 (وهد) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 _ 418 ، ح 1318 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 28 ، ح 72 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1، ص 217 _ 218 ، ح 554 .
3- .. كذا في الأصل . وفي تهذيب الأحكام : «فيه» . وفي الاستبصار : «به» .
4- .. في تهذيب الأحكام : «يصنع به» .
5- .. المثبت من المصدرين ، وفي الأصل : «شرب» .
6- .. المثبت من المصدرين ، وفي الأصل : «للوضوء» .
7- .. في تهذيب الأحكام : «من هذا وهذا» .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 _ 417 ، ح 1315 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 28 _ 29 ، ح 73 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 216 ، ح 553 .

ص: 121

منه ، ولعلّه اُريد بذلك التنزّه ، وإلّا فلا دليل على عدم جواز الغسل بذلك الماء لو ترشّح فيه شيء من الغسالة ، وإن قلنا إنّها لاتطهّر من الحدث ؛ لأنّ ذلك الماء بذلك لايسمّى غسالة . ولصحيحة عليّ بن جعفر المذكورة . ولما سيَرويه المصنّف في الصحيح عن الفضيل بن يسار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الأرض في الإناء (1) ، فقال : «لا بأس ، ما جعل عليكم في الدين من حرج» (2) . وعن شهاب بن عبد ربّه ، عنه عليه السلام ، أنّه قال في الجنب يغتسل فيقطر الماء عن جسده في الإناء وينتضح الماء من الأرض فيصير في الإناء : «أنّه لابأس بهذا كلّه» (3) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أصاب الرجل جنابة ، فأراد الغسل ، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه ثمّ يغسل فرجه ، ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات ملأ كفّيه ، ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره وكفٍّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه ، فما انتضح من مائه في إنائه بعد [ ما صنع ] ما وصفت فلا بأس» (4) . واعترض عليه بأنّ رشّ الأرض بالماء يوجب سرعة جريان الغسالة عليها ؛ لقلّة جذبها حينئذٍ لتلك الغسالة لتشربها بذلك الماء وتروّيها به ، فبذلك يحصل نقيض ما هو المطلوب منه . والحقّ أنّه إنّما يرد ذلك لو كانت الأرض صلبة حجريّة ، وأمّا في الرخوة ؛ فالمشاهدة شاهدة بأنّك إذا رششت أرضا جافّة منحدرة كذلك تلبس كلّ قطرة غلافا

.


1- .. في المصدر : «فينتضح من الماء في الإناء» .
2- .. هو الحديث 7 من باب اختلاط ماء المطر بالبول من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 543 .
3- .. هو الحديث 6 من باب اختلاط ماء المطر بالبول من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 _ 213 ، ح 544 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 542 .

ص: 122

ترابيا وتتدحرج منحدرة ، بخلاف ما إذا كانت فيها نداوة قليلة ، فإنّ تلك القطرات تغوص في أعماقها ولاتتحرّك على سطحها كتحرّكها على سطح الجافّة (1) . وإطلاق الخبر مبنيّ على ما هو الغالب في الأراضي من السهولة والرخاوة . وقيل : «المنضوح عليه هو الأرض ، لكنّ العلّة إزالة النجاسة المتوهّمة فيها لرفع كراهة الغسل بالماء المنحدر عنها» . وقيل : «المنضوح عليه هو البدن ، والفائدة سرعة جريان الماء عند الغسل بحيث لاتنزل الغسالة إلى الماء الذي يغترف منه ، ولعلّ هذا أيضا من باب الاستحباب ؛ لما ذكر» (2) . واُورد عليه بأنّ سرعة جريان ماء الغسل على البدن يقتضي سرعة تلاحق أجزاء الغسالة وتواصلها ، وهو يوجب سرعة وصولها إلى ذلك الماء . وأقول : لايبعد أن يقال : المنضوح عليه قبل الغسل والعلّة هو جريان الماء عليه عند الغسل إذا كان في غاية القلّة ، فإنّ البدن إذا كان نديّا يجري أدنى الماء عليه ، بخلاف ما إذا كان جافّا كما هو المجرّب ، أوالمنضوح عليه هو البدن للغسل ، والعلّة بيان أنّه على تقدير قلّة الماء يغتسل بما تيسّر من أقلّ الجريان ولو بالدَلك ، وكذا في الوضوء ، والغرض أنّ استحباب الصاع في الغسل والمدّ في الوضوء إنّما هو مع الإمكان . ويشعر بذلك صحيح عليّ بن جعفر ، وموثّق سماعة ، وينطبق عليه خبر ابن مسكان بأ?نى تكلّف ، فتأمّل . قوله : (جميعا ، عن حمّاد) . [ ح 3/3817 ] قال الفاضل الإسترآبادي في فوائد رجاله نقلاً عن ابن داوود (3) والخلاصة (4) : «إذا ورد

.


1- .. مشرق الشمسين ، ص 355 .
2- .. حكاه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 136 _ 137 . وراجع: المعتبر ، ج 1 ص 88 _ 89 .
3- .. رجال ابن داود ، ص 307 ، التنبيه الثالث .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 443 _ 444 .

ص: 123

باب البئر وما يقع فيها

عليك الإسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حمّاد ، فلاتتوهّم أنّه حمّاد بن عثمان ؛ فإنّ إبراهيم لم يلقه ، بل هو حمّاد بن عيسى» . وقد نقل في ترجمتها عن الكشّي توثيقهما ، وأنّهما ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1) . [قوله] في خبر صفوان : (وتلغ فيها الكلاب) . [ ح 7/3821 ] قال والدي _ طاب ثراه _ : «يقال : وَلَغ يَلَغ _ بفتح اللام فيهما _ وُلوغا _ بضمّ الواو _ : إذا شرب ممّا في الإناء بطَرف لسانه (2) ، وهو يتعدّى بفي ومِن والباء (3) » . وقال ابن العربي : «يستعمل الولوغ في الكلب والسباع ، ولايستعمل في الآدمي ، ويستعمل الشرب في الجميع» . (4) وقيل : «ليس شيء من الطير يلغ إلّا الذباب» . (5)

باب البئر وما يقع فيهاقال [ والدي ] طاب ثراه : البئر جمعها في القلّة أبؤُر وأبأر بهمزة بعد الباء ، ومن العرب من يقلب الهمزة ألفا ويقلب مكاني الفاء والعين ، فيقول : آبار ، وإذا كثرت فهي البِئار ، وقد بأرتُ بِئرا : حفرتها ، والبُؤرة : الحُفرة . (6) وهي على ما عرّفها الشهيد الثاني : «مجمع ماء نابع من الأرض لايتعدّاها غالبا ولا

.


1- .. هذا القسم من رجاله منهج المقال غير مطبوع . وانظر: اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 673 ، الرقم 705 .
2- .. وهذا المعنى مذكور في صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1329 (ولغ) .
3- .. القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 115 (ولغ) .
4- .. حكاه عنه أيضا الخطّاب الرعيني في مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 257 .
5- .. القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 115 (ولغ).
6- .. قاله الجوهري في صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 583 (بأر) .

ص: 124

يخرج عن مسمّاها عرفا» . (1) فالحكم تابع للاسم ، والاسم تابع للعرف . واعلم أنّ أهل العلم اختلفوا في نجاسة ماء البئر بالملاقاة ، فذهب السيّد المرتضى في الانتصار (2) وشيخنا المفيد (3) والشهيد في اللمعة (4) إلى ذلك ، ونسبه إلى الأشهر في الذكرى (5) والدروس (6) مائلاً إليه ، وهو أحد قولي الشيخ ذهب إليه في المبسوط (7) والنهاية (8) ، ومحكيّ عن السلّار (9) وابن إدريس (10) ، وقال آخرون بعدم تأثّرها بها ، وهو القول الثاني للشيخ ، اختاره في كتابي الأخبار (11) ، وذهب إليه العلّامة في التحرير (12) والمنتهى (13) والمختلف (14) وسائر كتبه (15) ، وهو محكيّ عن ابن أبيعقيل (16) . وفصّل ثالث ، فقد حكى في الذكرى عن البصروي (17) أنّه اعتبر فيها الكرّيّة ، وعن

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 257 _ 258 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 14 ، الروض الجنان ، ج 1 ، ص 383 . وقد سبقه في هذا المعنى الصيمري في غاية المرام ، ص 65 .
2- .. الانتصار ، ص 89 _ 90 .
3- .. المقنعة ، ص 64 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 257 _ 258 .
5- .. الذكرى ، ص 9 ، وفيه : «المشهور نجاسته» .
6- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
8- .. النهاية ، ص 6 .
9- .. المراسم ، ص 34 .
10- .. السرائر ، ج 1 ، ص 69 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ؛ وص 234 ، ح 676 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 ، ذيل ح 85 .
12- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 46 .
13- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 56 .
14- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 187 .
15- .. اُنظر : النهاية ، ج 1 ، ص 235 .
16- .. عنه العلّامة في المختلف ، ج 1 ، ص 187 .
17- .. كتب في الهامش : «وهو الشيخ أبوالحسن محمّد بن محمّد البصروي . منه عفي عنه» .

ص: 125

الجعفي (1) أنّه اعتبر فيها ذراعين في الأبعاد (2) ، وكأنّه مبنيّ على اعتباره ذلك في الكرّ . وأجمع العامّة على اعتبار الكثرة على اختلافهم في مقدار الكثير على ما يظهر من [ فتح ]العزيز (3) وغيره (4) ، وقد تقدّم . وأقوى الأقوال أوسطها ؛ للأصل ، ولصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المعنون في الباب بقوله : وبهذا الإسناد (5) . وفي الاستبصار ، وفي أبواب الزيادات من التهذيب بعد قوله : «إلّا أن يتغيّر» قوله : «ريحه أو طعمه» (6) . وفي التهذيب في باب البئر رواها هكذا : [ محمّد بن إسماعيل بن بزيع ] ، قال : كتبت إلى رجل أن يسأل أباالحسن الرضا عليه السلام ، فقال : «ماء البئر واسع لايفسده شيء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح منه حتّى تذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادّة» (7) . ولصحيحة زرارة (8) ، ورواية أبيبصير (9) . ولصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن بئر ماء وقع فيه زنبيل

.


1- .. الجعفي على الإطلاق عند الفقهاء هو محمّد بن أحمد بن إبراهيم أبوالفضل الجعفي الكوفي ثمّ المصري ، وتقدّمت ترجمته .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 88 .
3- .. فتح العزيز للرافعي ، ج 1 ، ص 221 _ 223 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 148 _ 149 .
5- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1287 ، ومتن الحديث فيه مثل متن الكافي ، والزيادة موجودة في الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 ؛ ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
8- .. هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1289 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 170 ، ح 423 .
9- .. هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 677 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 ، ح 85 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 171 _ 172 ، ح 426 .

ص: 126

من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين، أيصلح الوضوء منها ؟ قال: «لا بأس» (1) . وصحيحة حمّاد ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لايغسل الثوب ولاتعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلّا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ، ونزحت البئر» (2) . وإنّما حكمنا بصحّة الخبر مع اشتراك حمّاد بين الثقة وغيره ؛ فإنّ حمّادا الذي يروي عن معاوية بن عمّار ؛ إنّما هو ابن عيسى كما نقله بعض أرباب الرجال (3) ، وهو كان ثقة صدوقا جليل القدر . وخبر عليّ بن حديد ، عن بعض أصحابنا ، قال : كنت مع أبيعبداللّه عليه السلام في طريق مكّة ، فصرنا إلى بئر ، فاستقى غلام أبيعبداللّه عليه السلام دلوا ، فخرج فيه فأرتان (4) ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «أرقه» ، فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شيء ، فقال : «صُبَّه في الإناء» ، فتوضّأ وشرب (5) . وقد سبق الخبر . وصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الفأرة تقع في البئر فيتوضّأ الرجل منها ويصلّي وهو لايعلم ، أيعيد الصلاة ، ويغسل ثوبه ؟ فقال : «لايعيد الصلاة ، ولايغسل ثوبه» . (6)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 246 ، ح 709 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 172 ، ح 429 ؛ وص 192 ، ح 496 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 431 .
3- .. صرّح بذلك صاحب الوسائل ، والشيخ حسن في منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 47 و57 و70 و مواضع اُخر .
4- .. المثبت من التهذيب والاستبصار ، وفي الأصل : «فأرة» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 _ 240 ، ح 693 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 435 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 81 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 671 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 430 .

ص: 127

وخبر أبان بن عثمان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر لايعلم بها إلّا بعد ما يتوضّأ منها ، أيعاد الوضوء ؟ فقال : «لا» . (1) وما رواه الصدوق ، عن الصادق عليه السلام ، قال : «كانت في المدينة بئر في وسط مزبلة ، فكانت الريح تهبّ فتلقي فيها القذرة ، وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يتوضّأ منها» . (2) ولما سيأتي عن أبياُسامة ، ويعقوب بن عثيم . واحتج الأوّلون بأخبار ، منها ما هو صحيح ؛ لكنّه غير صريح في مدّعاهم ، بل قابل للتأويل ، فمنه مكاتبة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (3) ، فقد قالوا : أمره عليه السلام بنزح الدلاء في قوّة قولنا : طُهرها بأن ينزح منها دلاء ؛ ليطابق قول السائل : ما الذي يطهّرها ؟ ورُدّ بمنع ذلك ، بل غايته إيجاب النزح ، ويجوز أن يكون وجوبه تعبّدا ، كما ذهب إليه طائفة من القائلين بعدم نجاستها بالملاقاة . وأقول : ويؤيّد ذلك خبر أبياُسامة ويعقوب بن عثيم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة ، فانزح منها سبع دلاء» . قلنا : فما تقول في صلاتنا ووضوئنا ، وما أصاب ثيابنا ؟ فقال : «لا بأس [ به ]» (4) . حيث أمر عليه السلام بالنزح ، مع أنّه حكم بصحّة الوضوء منها وطهارة الثياب التي أصابتها ماؤها وصحّة الصلاة التي صلاّها بذلك الوضوء في تلك الثياب ، على أنّه يجوز أن يكون الأمر به للاستحباب كما ذهب إليه طائفة اُخرى منهم ؛ لما ذكر . ولو سلّم أنّ الأمر به لأجل التطهير ، فلعلّ المراد بالطهارة النزاهة والنظافة على وفق

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 ؛ ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 672 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 82 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 432 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 176 ، ح 441 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 674 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 84 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 _ 174 ، ح 433 .

ص: 128

قول من قال باستحبابه . فإن قيل : قول السائل : حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة ، وتقريره عليه السلام له يدلّ على أنّ المراد بالطهارة مقابل النجاسة . قلنا : دلالة التقرير ضعيفة ، لاسيّما مع معارضتها للمنطوق . ويؤيّد ذلك اشتمال السؤال على البعرة ونحوها ، مع أنّها لاتنجّس البئر إجماعا . ومنه صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أباالحسن موسى عليه السلام عن البئر ، تقع فيها الحمامة والدجاجة أوالفأرة أو الكلب أو الهرّة ؟ فقال : «يجزيك أن تنزح منها دلاء ، فإنّ ذلك يطهّرها إنشاء اللّه » (1) . قالوا : إنّ تطهيرها بذلك يدلّ على نجاستها بدونه . والجواب ما مرّ من أنّ المراد بالطهارة : النظافة ، ويؤّيده ترك الاستفصال في الجواب بين الميّت وغيره من المذكورات ، مع أنّ غير الميّت من أكثرها لاينجّس الماء اتّفاقا . ومنه : صحيحة عبداللّه بن أبييعفور ، عن الصادق عليه السلام ، قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به ، فتيمّم بالصعيد الطيّب ، فإنّ ربّ الماء رَبّ الصعيد ، ولاتقع في البئر ، ولاتفسد على القوم ماءَهم» . (2) حيث أوجب عليه السلام التيمّم ، وهو مشروط بفقد الماء الطاهر ، فيلزم أن لايكون الماء طاهرا لو وقع في البئر . والجواب : لانسلّم أنّ إيجاب التيمّم فيها لذلك ، بل هو إمّا لعدم انتفاعهم بها إلّا بعد

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 686 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 182 _ 183 ، ح 458 .
2- .. هو الحديث 9 من باب الوقت الذي يجب فيه التيمّم من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 426 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 _ 128 ، ح 435 ، إلّا أنّ فيه : «فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» ؛ وج 1 ، ص 185 ، ح 535 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 177 ، ح 443 .

ص: 129

النزح وإن كانت طاهرة قبله كما هو مذهب من أوجب النزح تعبّدا ، وإمّا لاستلزام الوقوع فيها ظهور أجزاء الحَمأة فيها وخلطها بمائها ، ويكون ذلك إضرارا بالقوم . ومنه أخبار النزح ، معلّلين بأنّها لو لم تنجّس لما كان للنزح فائدة . واُجيب بمنع الملازمة ؛ إذ لايلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها مطلقا ، ولايلزم من عدم العلم بها العلم بعدمها . واستدلّ المفصّل بعموم ما دلّ على تأثّر القليل بملاقاة النجاسة وعدم تأثّر الكرّ بها . وخصوص خبر الحسن بن صالح الثوري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الماء في الرَكيّ كرّا لم ينجّسه شيء» ، الحديث (1) . وموثّقة عمّار ، قال : سُئِلَ أبوعبداللّه عليه السلام عن البئر تقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : «لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» (2) . واُجيب بأنّ العمومات ظاهرة في الراكد ، أو مخصّصة به ؛ للجمع ، ودلالة الخبرين إنّما هي بالمفهوم ، وهي ليست بحجّة لاسيّما مع معارضة دلالة المنطوق لها ، مع احتمال ورودهما على التقيّة ، على أنّ الرِكيّ في الأوّل يحتمل المِصنَع الذي لا مادّة له ، وقد حمل عليه في الاستبصار . (3) ثمّ القائلون بعدم تأثّرها بالملاقاة اختلفوا في وجوب نزح المقدّرات تعبّدا واستحبابه ، اختار الأوّل الشيخ في كتابي الأخبار (4) ، والثاني العلّامة في كتبه ، وهو المشهور بين المتأخّرين ، وبه يجمع بين الأخبار المتعارضة في مقدّرات أكثر

.


1- .. هو الحديث 4 من باب الماء الذي لاينجّسه شيء من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1282 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 160 ، ح 398 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1312 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 192 ، ح 495 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ذيل الحديث 88 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، باب تطهير المياه من النجاسات ؛ وص 409 ، باب المياه وأحكامها ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 32 ، ذيل الحديث 85 .

ص: 130

النجاسات ؛ حملاً لها على مراتب الاستحباب . وأمّا ما لانصّ فيه بخصوصه فلايجب فيه شيء عندهم اتّفاقا . والقائلون بتأثّرها بها أوجبوا نزح المقدّرات على ما سيجيء ، وأجمعوا على وجوب نزح شيء فيما لانصّ فيه واختلفوا في مقداره ، فقيل يجب نزح الجميع (1) ؛ لأنّه ماء نجس طريق تطهيره النزح ، والتخصيص ببعض المقادير من غير مخصّص ، وعدّه الشيخ في المبسوط أحوط (2) ، وبعضهم أوجبوا نزح أربعين دلوا (3) ، وجوّزه الشيخ في المبسوط وعدّ نزح الجميع أحوط (4) . واحتجوّا عليه برواية كردويه ، وهو غريب ؛ إذ الموجود في هذا الباب من رواية كردويه إنّما هو رواية الشيخ قدس سره عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن زياد _ وهو ابن أبيعمير_ ، عن كردويه ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن البئر يقطر فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر، قال: «ينزح منها ثلاثون دلوا» . (5) وفي حديث آخر عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبيعمير ، عن كردويه ، أنّه سأل أباالحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المعبر فيه البول والعذرة وخرء الكلاب ، قال : «ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مُبخِرة» (6) ، بالباء الموحّدة والخاء المعجمة على صيغة الفاعل ، ومعناها المُنتِنَة ، وروي بفتح الميمم والخاء ؛ بمعنى موضع النَتن . ولاتناسب بين هذين الخبرين ومدّعاهم أصلاً .

.


1- .. قاله السلّار في المراسم ، ص 35 ، وابن زهرة في غنية النزوع ، ص 48 ، وابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 71 ، وابن البرّاج في المهذّب ، ص 21 .
2- .. وانظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 11 _ 12 .
3- .. قال بذلك العلّامة في إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 237 ؛ وابن حمزة في الوسيلة ، ص 75 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 _ 242 ، ح 698 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ح 95 ؛ وص 45 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 445 ؛ وص 181 ، ح 454 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 43 ، ح 120 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1300 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 22 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 452 .

ص: 131

وفي المنتهى : «وبعضهم أوجب نزح أربعين لرواية كردويه ، وهي إنّما تدلّ على نزح ثلاثين ، ومع ذلك فالاستدلال بها لايخلو عن تعسّف» . (1) على أنّ كردويه مجهول الحال غير مذكور في كتب الرجال . وفي المختلف : «كردويه ، لا أعرف حاله ، فإن كان ثقة فالحديث صحيح». (2) وفي حاشية بعض كتب الرجال بخطّ بعض المعتبرين في هذا الفنّ : «أنّ اسمه أحمد بن محمّد العسكري» (3) ، وحاله أيضا غير معلومة . وقيل : «وجد بخطّ الشهيد رحمه الله نقلاً عن يحيى بن سعيد : أنّ كردويه وكردون اسمان لمسمع بن عبدالملك المعروف بكردين ، وهو ممدوح» ، ولم يثبت . وجوّزه الشيخ قدس سره في المبسوط محتجّا عليه بقولهم عليهم السلام : «ينزح منها أربعون دَلوا وإن صارت مُبخرة» 4 . وقال الشهيد الثاني قدس سره : هذه الحجّة منظور فيها من حيث عدم العلم بأسناد الحديث ، وعدم وجوده في شيء من الاُصول فضلاً عن مسنده ، حتّى نشأ منه عدم العلم بصدره المتضمّن لبيان متعلّق الأربعين ، وقال بعض الأصحاب : إنّ الشيخ رحمه الله حُجّة ثَبت ، فإرساله غير ضائر ؛ لأنّ مثل الشيخ لايرسل إلّا عمّن علمه ثقة ، خصوصا وليس هناك نصّ آخر ، فالظاهر من احتجاجه به دلالة صدره المحذوف على محلّ النزاع . وأورد [ الشهيد ] عليه : بأنّ الشيخ لم يفت بمضمونه ، وإنّما أوجب في المبسوط نزح الجميع ، وجعل نزح

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 104 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 217 .

ص: 132

الأربعين احتمالاً ، والمنقول عن غير الثقة وإن لم يكن حجّة ، فلا أقلّ من إفادته الاحتمال ، بل هو دليل على عدم ثبوته عنده ، وإلّا لما عدل عن مدلوله ، ولو عمل بخبره ذلك لمكان قدره وجلالته وثبته ؛ لزم العمل بجميع مراسيله ، ولم يجوّز ذلك أحد ، واحتجاجه بذلك وإن كان مثيرا للظنّ بأنّ صدره في محلّ النزاع ، لكن غير موجب للعمل ؛ لضعفه . (1) وذهب بعض إلى وجوب نزح ثلاثين ، ونفى عنه الشهيد الأوّل في شرح الإرشاد البأس (2) ، وكأنّهم استندوا في ذلك برواية كردويه . وفيه ما عرفت . واختلفوا أيضا في طريق تطهيرها إذا تغيّرت بالنجاسة ، فذهب المفيد رحمه اللهوجماعة إلى أنّها تطهر بزوال التغيّر بالنزح (3) ؛ لحسنة أبياُسامة (4) ، وخبر أبيبصير (5) ، ولقوله عليه السلام : «فينزح منه حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه» في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدّمة (6) . ولما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطير ، قال : «إن اُدرك (7) قبل أن ينتن (8) نزحت منها سبع دلاء ، وإن كانت سنّورا أو أكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا ، وإن أنتن حتّى يوجد ريح النتن في الماء

.


1- .. روض الجنان ، ج 1 ، ص 404 .
2- .. غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، ج 1 ، ص 78 .
3- .. المقنعة ، ص 66 .
4- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 675 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 ، ح 463 .
5- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 230 ، ح 333 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
6- .. هو الحديث 2 من باب البئر وما يقع فيها من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 ، ح 676 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 141 ، ح 347 .
7- .. في التهذيب وبعض نسخ الاستبصار : «أدركته» .
8- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «تنتن».

ص: 133

نزحت البئر حتّى يذهب النتن من الماء» (1) . وعن زرارة قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ؛ ينزح منه عشرون دلوا ، فإن غلبت الريح نزحت حتّى تطيب» (2) . وعلّله العلّامة في المختلف بأنّ سبب التنجيس هو التغيّر ، فيزول الحكم بزواله (3) ، وهو مبنيّ على قوله بعدم تنجّسها بالملاقاة ، وعلى هذا لو زال التغيّر بغير النزح ؛ لطهرت أيضا . وأكثر ما ذكر من الأخبار تدلّ على كفاية زوال التغيّر ولو حصل قبل نزح المقدّر فيما له مقدّر . ويؤيّده أنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، فلابدّ من تخصيص أخبار المقدّرات بما إذا لم يتغيّر ماؤها ، بل هو ظاهر تلك الأخبار أيضا . وينحلّ بذلك الإشكال الذي أورده بعض الأصحاب ؛ حيث قال : «ويشكل ذلك فيما له مقدّر نصّا إذا زال التغيّر قبل استيفاء المقدّر ، فإنّ وجوب المقدّر لو لم يتغيّر يقتضي وجوبه معه بطريق أولى» . (4) وأوجب الشيخ في المبسوط (5) والنهاية (6) نزح الجميع مع الإمكان ، ومع التعذّر اكتفى بزوال التغيّر ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما مرّ في صحيحة معاوية بن عماّر من قول

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ، ح 681 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 98 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ، ح 460 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 697 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ح 96 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 446 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 191 .
5- .. قاله الشهيد الثاني في روض الجنان ، ج 1 ، ص 384 .
6- .. النهاية ، ص 7 .

ص: 134

الصادق عليه السلام : «فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ، ونزحت البئر» (1) . وما رواه أبوخديجة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر ، قال : «إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا ، فإذا انتفخت فيه وأنتنت نزح الماء كلّه» (2) . والأوّل أظهر ؛ لكثرة أخباره ، وصحّة بعضها وصراحتها فيه . وخبر معاوية بن عمّار وإن كان صحيحا ؛ إلّا أنّه غير صريح في نزح الجميع ، بل قابل للتأويل ، والصريح فيه غير صحيح ، فلايقبلان المعارضة ؛ لما ذكر . على أنّ الجمع بما ذكر إنّما يقبل لو كان في ذلك خبر مفصّل ، كما لايخفى . وأوجب الصدوق في الفقيه نزح الجميع ، ومع التعسّر التراوح (3) . وبه قال الشيخ في التهذيب ؛ لموثّقة عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام _ في حديث طويل _ قال : وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ؟ قال : «ينزف كلّها ، فإن غلب عليه [ الماء ]فلينزف يوما إلى الليل» (4) ، حملاً لها على ما إذا تغيّرت البئر بهذه النجاسات ، وإلّا لكان المقدّر لها أربعون دلوا (5) . وهو محكيّ عن السيّد المرتضى والسلّار (6) . واختار ابن إدريس نزح أكثر الأمرين من المقدّر وما يزيل التغيّر لو كان هناك مقدّر ، وإلّا فنزح الجميع ، ومع العذر التراوح . (7) واختار المحقّق نحوا من هذا التفصيل ، لكن قال في المنصوص المقدّر يجب إزاله

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 431 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ، ح 692 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 188 ، ح 479 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 19 ، ذيل الحديث 24 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 196 ، ح 509 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 242 ، ذيل الحديث 698 .
6- .. المراسم ، ص 34 _ 35 .
7- .. السرائر ، ج 1 ، ص 69 _ 70 .

ص: 135

التغيّر أوّلاً ثمّ استيفاء المقدّر . (1) واختار الشهيد في الدروس في المنصوص المقدّر نزح الجميع ، ومع التعذّر أكثر الأمرين من زوال التغيّر والمقدّر . (2) وفي الذكرى : «وطهرها متغيّرة بنزح الأكثر من زواله والمقدّر» . (3) وتظهر أدلّة هذه الأقوال وأجوبتها ممّا ذكر . [قوله] في مكاتبة محمّد بن إسماعيل بن بزيع : (تنزح دلاء منها) . [ ح1/3822 ] المشهور في بول الرجل أربعون دلوا ، مسلما كان أو كافرا ، وفي بول الصبيّ سبع دلاء إذا اغتذى بالطعام ، وإلّا فواحد ، أمّا الأوّل ؛ فلِما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن أبيحمزة _ ويحتمل كونه الثمالي _ عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن بول الصبيّ الفطيم يقع في البئر ؟ قال : «دلو واحد» . قلت : بول الرجل ؟ قال : «ينزح منها أربعون دلوا» (4) . وأمّا الثاني ، فلم أجد للتفصيل المذكور فيه خبرا دالّاً عليه ، واستدلّ له الشيخ بالجمع بين هذه المكاتبة ، وما ذكر عن عليّ بن أبيحمزة ، وبين صحيحة منصور بن حازم ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبيّ ، أو وقعت فيها فأرة أو نحوها» (5) ، حملاً للصبيّ في الأخيرة على المغتذي بالطعام والأوّلين على من لم يغتذ به ، وتوصيفه بالفطيم يأبى عنه ، والأَولى حمل الدلو الواحد في مطلق الدلو الواحد في مطلق الصبيّ على الوجوب ، والسبع

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 88 .
2- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 14 ، كتاب الطهارة .
3- .. الدروس ، ج 1 ، ص 120 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 243 ، ح 700 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 34 ، ح 90 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 451 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 243 ، ح 701 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 33 _ 34 ، ح 89 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 450 .

ص: 136

على الاستحباب لو قيل بوجوب النزح ، وحملهما على مراتب الاستحباب على القول باستحبابه . وألحقوا بول الاُنثى والخُنثى بما لانصّ فيه ؛ لعدم نصّ فيهما ، ولولا شهرة ذلك بين الأصحاب لأمكن القول بإجزاء دلاء لهما ؛ لإطلاق البول في هذه المكاتبة الصحيحة . وفي البول أقوال اُخرى غير مستندة إلى ما يعتمد عليه بعد اتّفاقهم على أربعين في بول الرجل ، ففي المختلف : في بول الرجل أربعون دلوا ، فإن كان صبيّا قد أكل الطعام قال الشيخان (1) وأبوالصلاح (2) وابن زهرة (3) وابن البرّاج (4) : ينزح منها سبع دلاء . وقال ابنا بابويه : ثلاث دلاء (5) ، وهو اختيار السيّد المرتضى (6) ، فإن كان رضيعا لم يأكل الطعام فدلو واحد ، اختاره الشيخان (7) وابن البرّاج (8) ، وقال أبوالصلاح (9) وابن زهرة 10 : لبول الصبيّ الرضيع ثلاث دلاء ، فإن أكل الطعام فسبع ، وقال سلاّر 11 : لبول الصبيّ سبع دلاء ولم يفصّل ، وأمّا ابن إدريس 12 ؛ فقد فصّل وقال : إن كان بول الرجل فأربعون سواء كان مؤمنا أو كافرا أو مستضعفا ، وإن كان ذكرا غير بالغ قد أكل الطعام واستغنى به عن اللبن والرضاع فسبع دلاء ، وإن كان رضيعا لم يستغن بالطعام عن اللبن والرضاع ، وحدّه من كان له من العمر

.


1- .. النهاية ، ص 7 ؛ المقنعة ، ص 67 .
2- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
3- .. الغنية (ضمن الجوامع الفقهية)، ص 490 .
4- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 13 .
6- .. حكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 72 .
7- .. الغنية (ضمن الجوامع الفقهيّة)، ص 490 .
8- .. المراسم ، ص 36 .
9- .. السرائر ، ج 1 ، ص 78 .

ص: 137

دون الحولين سواء أكل في الحولين أو لا ، وسواء فطم فيهما أو لم يفطم ؛ فدلو واحد ، وإن جاز الحولين فسبع سواء فطم أو لا ، وأمّا بول النساء فينزح له أربعون سواء كنّ كبائر أو صغائر ، رضائع أو فطائم . انتهى . (1) وأمّا الدم ؛ ففيه أيضا أقوال مختلفة غير مستندة أكثرها إلى ما يعتمد عليه ، أحدها_ وهو أجودها _ : ما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار (2) من وجوب نزح ثلاثين إلى أربعين للكثير منه ، ونزح دلاء للقليل منه ، وهو ظاهر المصنّف والصدوق (3) ، وحسّنه الشهيد في الذكرى في جانب الكثير منه (4) . ويدلّ على الجزءين صحيحة عليّ بن جعفر ، وعلى الجزء الثاني هذه المكاتبة ؛ بناء على ما هو الأقرب من عطف الدم على البول لا على قطرات . وموّثق عمّار ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدَمه في البئر ، فقال : «ينزح منها دلاء» ، الحديث (5) . والظاهر أنّهم أرادوا بالدلاء ما هو أقلّ مراتب الجمع لغة ، وهو الثلاث ؛ لأصالة البراءة عن الزائد ، وانتفاء دليل عليه . وثانيها : ما ذهب إليه الشيخ في النهاية (6) والمبسوط (7) ، والشهيد في الدروس (8) واللمعة (9) ؛ من أنّه للكثير خمسون، وللقليل عشر دلاء، وهو منقول في المختلف (10) عن ابن

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 205 _ 206 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 44 _ 45 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 20 ، ح 28 و29 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
7- .. النهاية ، ص 7 ، في مياه الآبار .
8- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 _ 120 .
9- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ، أوائل كتاب الطهارة ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 262 و268 .
10- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 198 .

ص: 138

إدريس (1) والسلّار (2) وابن البرّاج (3) ، ولم أجد مستندا للجزء الأوّل منه أصلاً ، وأمّا الجزء الثاني فكأنّهم اعتمدوا فيه على هذه المكاتبة بتأويل يأتي عن قريب . وثالثها : قول السيّد المرتضى على ما حكي عنه أنّه قال في مصباحه : «ينزح للدم ما بين دلو واحد إلى عشرين من غير تفصيل» (4) ، واحتجّ عليه في المختلف (5) بقوله عليه السلام : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ينزح منه عشرون دلوا» فيما سبق عن زرارة . (6) ورابعها : ما حكي عن بعض من غير تعيين قائله ، وهو وجوب ثلاثين دلوا مطلقا ؛ محتجّا عليه بخبر كردويه المتقدّم ، وهو كماترى . وخامسها : ما حكي أيضا عن بعض من غير تعيين ؛ من وجوب عشرة للقليل وثلاثين للكثير ، ولم أعثر على مستند له ، بل يردّه بعض ما تقدّم من الأخبار . وسادسها: قول المفيد رحمه الله في المقنعة بوجوب عشرة للكثير وخمسة للقليل (7) ، واحتجّ عليه الشيخ في التهذيب بهذه المكاتبة ، وقال : وجه الاستدلال هو أنّه قال : «ينزح منها دلاء» ، وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة (8) . وفيه مع ما سيأتي أنّها لاتدلّ على التفصيل المدّعى ، بل يناقضه ؛ لأنّ ظاهرها عطف الدم فيها على البول ، فيكون حكما للقليل ، ولو جعل عطفا على القطرات لأفهم وجوب العشر مطلقا .

.


1- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
2- .. السرائر ، ج 1 ص 79 .
3- .. المراسم ، ص 35 _ 36 .
4- .. حكاه في المعتبر ، ج 1 ، ص 65 عن المصباح للسيّد المرتضى .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 199 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ح 96 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 697 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 446 .
7- .. المقنعة ، ص 67 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 _ 245 .

ص: 139

واعلم أنّه احتجّ بهذا الخبر كلّ من قال بوجوب عشرة للقليل ، واختلفوا في توجيهه ، فقيل : «لأنّ الدلاء جمع قلّة والعشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع» كما فعله الشيخ في التهذيب . وقيل : «لأنّه أقلّ مراتب جمع الكثرة» . وقال الشهيد الثاني : «فيهما نظر» . (1) أمّا الأوّل ؛ فلأنّ الدلاء جمع كثرة كما هو المعلوم من قواعد العربيّة 2 ، وعلى تقدير تسليم كونه جمع قلّة فلابدّ من حمله على الأقلّ كما هو المعلوم من حال الشارع في جميع أبواب الفقه ، فحمله على الثلاث أولى . وأمّا الثاني ، فلأنّ أقلّ جمع الكثرة أحد عشرة ، والعشر إنّما هو أكثر مراتب جمع القلّة ، على أنّ الفرق بين الجمعين اصطلاح جديد يأباه العرف ، والحكم الشرعي منوط به ، كما يعلم ذلك من أبواب الأقارير والوصايا وغيرهما .وقيل : «مبنى الاحتجاج على أنّ الدلاء جمع كثرة حملت على المعنى المجازي ، وإنّما حملت على العشر ترجيحا لأقرب المجازات إلى الحقيقة» . وفيه ما فيه .ثمّ الظاهر من الأخبار أنّ الاعتبار في كثرة الدم وقلّته بحال الدم نفسه ، ونقل عن القطب الراوندي أنّه اعتبر حال ماء البئر في الغزارة والنزارة ، فربّ دم يكون كثيرا في بئر [ يكون ]قليلاً في اُخرى . (2) وإطلاق الأخبار وكلام جماعة من العلماء الأخيار منهم المفيد والصدوقان يعطي عدم الفرق في ذلك بين الدماء الثلاثة وغيرها ، ورجّحه المحقّق في المعتبر (3) ، ونسب

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 268 .
2- .. نقله عنه الشهيد الأوّل في الذكرى ، ج 1 ، ص 100 ؛ والشهيد الثاني في روض الجنان ، ج 1 ، ص 400 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 59 .

ص: 140

في الذكرى إلى مذهب جماعة ، والشيخ في النهاية (1) فرّق بينها فأوجب في دم الحيض نزح الجميع قليلاً كان أو كثيرا ، وفي المبسوط (2) ألحق به دم النفاس والاستحاضة ، وتبعه على ذلك الأكثر منهم الشهيد في سائر كتبه ، والعلّامة كذلك ، وابن البرّاج (3) ، وابن إدريس (4) ، والسلّار (5) ، وعامّة المتأخّرين ، ولم أجد لهم شاهدا من النصوص .وفي المعتبر : «ولعلّ الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله وكثيره عن الثوب ، فغلّظ حكمه في البئر ، وألحق به الدمين الآخرين ، لكن هذا التعلّق ضعيف» انتهى . (6) وربما ألحق به دم نجس العين ، وهو ضعف في ضعف .[قوله] في حسنة أبياُسامة : (في الفأرة والسنّور والدجاجة) إلخ . [ ح 3/3824 ] رواها الشيخ في الصحيح (7) .واختلفت الأخبار والفتاوى في الفأرة ، فقال الشيخ في المبسوط والنهاية : «فإن مات فيها فأرة نزح منها ثلاث دلاء إذا لم تتفسّخ ، وإن تفسّخت نزح منها سبع دلاء» . (8) وبه قال الشهيد في الذكرى (9) ،واعتبر في اللمعة (10) الانتفاخ بدل التفسّخ، وفي الدروس (11)

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
2- .. النهاية ، ص 6 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 59 .
4- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 21 .
5- .. السرائر ، ص 72 ، في مياه الآبار .
6- .. المراسم ، ص 35 ، ذكر ما يتطهّر به المياه .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 684 ؛ وص 233 ، ح 675 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 ، ح 463 .
8- .. المبسوط ،ج 1 ، ص 12 ؛ النهاية ، ص 7 .
9- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 98 .
10- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 274 .
11- .. الدروس ، ج 1 ، ص 120 ، الدرس 17 .

ص: 141

أحد الأمرين ، وبه قال المفيد في المقنعة (1) ، والعلّامة في المنتهى (2) والتحرير (3) ، وحكاه عن أبيالصلاح (4) والسلّار (5) ، وعن المرتضى رضى الله عنه أنّه قال في المصباح : «في الفأرة سبع ، وقد روي ثلاث» (6) . وأطلق .وقال الصدوق : «وإن وقع فيها فأرة ولم تتفسّخ نزح منها دلو واحد ، وإن تفسّخت فسبع دلاء» . (7) وحكي مثله عن أبيه (8) .وأمّا الأخبار ، فمنها ما يدلّ على عدم وجوب نزح شيء بعد إخراجها من البئر ، وهو مرسل عليّ بن حديد من حكاية الفأرتين والفأرة (9) ، وصحيح معاوية بن عمّار المتقدّمان (10) .ومنها ما هو مطلق في نزح ثلاث ، رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد وفضالة ، عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ؟ قال : «ينزح منها ثلاث دلاء» (11) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 232 ، ح 670 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، ح 80 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 ، ح 431 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 _ 240 ، ح 693 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 435 .
3- .. المقنعة ، ص 66 .
4- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 90 .
6- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 47 .
7- .. المراسم ، ج 1 ، ص 35 .
8- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 71 .
9- .. الهداية ، ص 70 _ 71 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .
10- .. حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 91 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 688 ؛ وص 245 ، ح 706 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ح 477 .

ص: 142

وعن حمّاد ، عن فضالة ، عن ابن سنان ، مثله . (1) ومنها ما يدلّ على وجوب دلاء من غير تعيين لعددها ، وظاهرها الثلاثة ، وهو صحيحة الفضلاء : زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبيعبداللّه وأبيجعفر عليهماالسلام ؛ في البئر تقع فيها الدابّة والفأرة والكلب والطير ، فيموت ؟ قال : «يخرج ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ اشرب وتوضّأ» (2) .وخبر البقباق ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام في البئر تقع فيها الفأرة أو الدابّة أو الكلب أو الطير فيموت ، قال : «يخرج ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ» (3) .ومثله صحيحة عليّ بن يقطين (4) المتقدّمة في شرح عنوان الباب . ويؤيّدها قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي : «إذا سقط في البئر شيء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء» (5) .ومنها ما يدلّ على الخمس مقيّدا بعدم التفسّخ ، وهو هذه الحسنة . ومنها ما يدلّ على السبع مقيّدا بعدم تغيّر الماء ، وهو ما رواه المصنّف عن أبيبصير (6) ، وخبر سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطير؟ قال : «إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء» ، الحديث (7) ، وقد تقدّم.

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 686 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 101 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 182 _ 183 ، ح 458 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 688 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ذيل ح 477 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 _ 237 ، ح 682 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 283 _ 284 ، ح 461 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 685 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 100 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 284 ، ح 462 .
5- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ج 34 ، ح 92 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 240 ، ح 694 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 180 ، ح 449 .
6- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ، ح 681 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 98 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، فص 183 ، ح 460 .

ص: 143

ومنها ما يدلّ على السبع من غير تقييد بقيد ، وهو ما تقدّم من خبر أبيعيينة (1) ، ورواية أبياُسامة ويعقوب بن عثيم (2) .وخبر عليّ بن أبيحمزة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر ؟ قال : «سبع دلاء» ، قال : وسألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر ؟ قال : «سبع دلاء ، والسنّور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا ، والكلب وشبهه» (3) .وما سيأتي عن عمرو بن سعيد بن هلال . ومنها ما يدلّ على السبع مقيّدا بالتسلّخ ، رواه أبوسعيد المكاري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلّخت ، فانزح منها سبع دلاء» (4) .ومنها ما يدلّ على نزح أربعين إذا لم يتغيّر الماء ، وقد تقدّم في خبر أبيخديجة (5) . ومنها ما يدلّ على نزح الجميع من غيير تقييد ، رواه عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال: سئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ؟ قال: «ينزف كلّها» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 674 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 84 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 173 _ 174 ، ح 433 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ، ح 692 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 40 ، ح 111 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 188 ، ح 479 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 233 ، ح 673 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 31 ، ح 83 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 174 ، ح 434 . والخبر هكذا: سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن أبيعيينة ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر ، فقال : «إذا خرجت فلابأس ، وإن تفسّخت فسبع دلاء» . وهذه الرواية من الطائفة التالية الدالّة على السبع مقيّدا بالتفسّخ ، وإنّما ذكرناها لعدم ذكرها سابقا .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 235 _ 236 ، ح 680 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ، ح 459 . ثمّ قال الشيخ : «قوله عليه السلام : والكلب وشبهه ؛ يريد به في قدر جسمه ، وهذا يدخل فيه الشاة والغزال والثعلب والخنزير وكلُّ ما ذكر» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ، ح 691 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 110 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ح 476 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 242 ، ح 699 ؛ وص 284 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 _ 185 ، ح 464 .

ص: 144

وعهدة التأويل في الجمع بين تلك الأخبار على القائل بوجوب النزح ، وأمّا القائل باستحبابه ، فالأمر عليه هيّن كما أشرنا إليه .وأمّا السنّور والكلب وما ناسبه في الجثّة ؛ ففي المقنعة : «ينزح منها إذا مات فيها شاة أو كلب أو خنزير أو سنّور أو غزال أو ثعلب وشبهه في قدر جسمه أربعون دلوا» . (1) ومثله قال الشيخ في النهاية (2) ، وبه قال الشهيد في سائر كتبه ، وإليه ذهب عامّة المتأخّرين .ولم أجد خبرا في خصوص أربعين فيه ، نعم في بعضها : «نزح ثلاثين أو أربعين» وفي بعض آخر : «عشرون أو ثلاثون أو أربعون» وقد رويناهما عن سماعة (3) ، وعن عليّ بن أبيحمزة (4) .وفي بعضها : «نزح سبع له ولشبهه» ، رواه عمرو بن سعيد بن هلال ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر بين الفأرة والسنّور إلى الشاة ، فقال : كلَّ ذلك يقول : «سبع دلاء» قال : حتّى بلغت الحمار والجمل ، فقال : «كرّ من ماء» . (5) وفي بعضها التخيير بين التسعة والعشرة في الشاة وما أشبهها ، رواه إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «الدجاجة [ ومثلها ]تموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة ، فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة» (6) .

.


1- .. النهاية ، ص 6 .
2- .. المقنعة ، ص 66 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ، ح 681 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 98 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1، ص 183 ، ح 460 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 235 _ 236 ، ح 680 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 183 ، ح 459 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 235 ، ح 679 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 34 ، ح 91 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 180 ، ح 448 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 683 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 105 ؛ وص 43 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 186 ، ح 470 .

ص: 145

وفي بعضها : «الخمسة» كهذه الحسنة وفي بعضها : «الدلاء» كصحيحة الفضلاء ، وخبر البقباق ، وصحيحة عليّ بن يقطين المتقدّمة .وإنّما عيّنوا الأربعين للاحتياط على ما صرّح به الشيخ في كتابَي الأخبار (1) ، والشهيد في الذكرى (2) ، ويشكل ذلك في الفتوى ، نعم هو أحوط في العمل .على أنّه قد ورد في عدّة من الأخبار نزح الجميع في الكلب ، فلايتمّ الاحتياط أيضا ، رواه عبداللّه بن المغيرة في الصحيح عن أبيمريم ، قال : كان أبوجعفر عليه السلام يقول : «إذا مات الكلب في البئر نزحت» . [ قال : ] وقال جعفر [ عليه السلام ] : «إذا وقع فيها ثمّ اُخرج منها حيّا نزح منها سبع دلاء» (3) .و[ رواية ] عمّار بن موسى الساباطي ، وقد تقدّم . وفي خبر أبيبصير : «فإن سقط فيها كلب فقدرت أن تنزح ماءها فافعل» (4) .وجوّز في الاستبصار إرادة الأربعين من الدلاء معلّلاً بقوله : فإنّه جمع الكثرة ، وهو ما زاد على العشرة ، ولايمتنع أن يكون المراد به أربعين دلوا حسب ما تضمّنه الأخبار الأوّلة ، ولو كان المراد بها دون العشرة لكان جمعه يأتي على أفعِلة دون فِعال . (5) وجوّز في أخبار العشر وما دونها أن يكون عليه السلام أجاب عن حكم بعض ما تضمّنه السؤال من الفأرة والطير ، وعوّل في الباقي على ما هو المعروف من مذهبه أو غيره من الأخبار التي شاعت عنهم عليهم السلام . وفصّل الصدوق في الفقيه بين هذه الميتات ، فقال في السنّور بسبعة (6) ، وفي الشاة

.


1- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 95 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 _ 238 ، ح 687 ؛ وص 415 ، ح 1310 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 103 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 182 ، ح 457 .
5- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ذيل الحديث 101 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .

ص: 146

وما أشبهها غير الكلب بتسعة أو عشرة (1) ، وفيه بثلاثين إلى أربعين . (2) هذا ، ولو خرج الكلب حيّا ؛ فالمشهور نزح سبع ؛ لصحيحة أبيمريم المتقدّمة ، ونسبه الشيخ في النهاية إلى الرواية (3) . وحكى في المنتهى عن ابن إدريس (4) أنّه طرحها ؛ استضعافا لها ، وقال : «ينزح منها أربعون دلوا . ثمّ قال : ولا أعرف من أين هذا الاستضعفاف ، وكأنّ استضعافه لقول الشيخ في النهاية : «وروي» ، فهو خيال فاسد» انتهى . (5) وقيل : إنّما أوجب نزح أربعين مع أنّه يوجب نزح الجميع لما لانصّ فيه ؛ لأنّه أوجب نزح أربعين لميتة ولايزيد نجاسته حيّا على نجاسته ميّتا ، فوجب أن لايزيد حكمه أيضا . ويردّه ما اشتهر من أنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات وتفريق المتّفات.وأمّا الدجاجة والحمامة وما أشبهها ؛ فالمشهور فيها نزح سبع ، ولم أجد له مخالفا ، ويدلّ عليه خبر عليّ بن أبيحمزة المتقدّم ، وفي خبر البقباق وصحيح الفضلاء المتقدّمَين : «دلاء» ، ولعلّ المراد منها السبعة للجمع ، وفي هذه الحسنة : «خمس» ، وفي خبر إسحاق بن عمّار المتقدّم : «دلوان أو ثلاثة» ، والجمع بين الأخبار بحمل السبعة على الأفضل هو أحد الوجهين للشيخ ، وفي وجه آخر حمل الزائد على ما إذا تفسّخ والناقص على غيره . (6)

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 90 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 .
4- .. النهاية ، ص 6 _ 7 .
5- .. السرائر ، ج 1 ، ص 77 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 44 ، ذيل الحديث 122 .

ص: 147

[قوله] في مرفوعة محمّد بن يحيى : (لايفسد الماء إلّا ما كان له نفس سائلة) . [ ح 4/3825 ]يدلّ على عدم وجوب نزح لما لانفس له إذا مات في البئر، ومثله خبر جابر (1) .وما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي ، قال : سُئِل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ؟ قال : «كلّ ما ليس له دم فلابأس به» . (2) وعن حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، قال : «لايفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» . (3) وعن ابن مسكان ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس» . (4) ويؤيّدها أنّ ميّتها طاهرة إجماعا ، فما دلّ على نزح شيء لأصناف منه وسنرويها ؛ يمكن حمله على التنزّه والاستحباب . ويمكن حمل بعض منه على رفع وهم السمّيّة ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.وقد وقع الخلاف في بعض أنواعه ، منها الوزغة ، فقال الشيخان (5) : «ينزح منها ثلاث دلاء» . وظاهرهما الوجوب .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 31 مرسلاً؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 708 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 115 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 189 ، ح 483 . والمراد بمثليّة خبر جابر عدم فساد الماء بالسام أبرص من جهة أنّه ليس له نفس سائلة .
2- .. تهذيب الأخبار ، ج 1 ، ص 230 ، ح 665 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 ، ح 66 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 363 _ 364 ، ح 4183 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 231 ، ح 669 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 ، ح 67 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 241 ، ح 624 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 230 ، ح 666 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 _ 27 ، ح 68 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 185 ، ح 467 .
5- .. قاله الشيخ الطوسي في النهاية ، ص 7 ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 12 ؛ والشيخ المفيد في المقنعة ، ص 67 .

ص: 148

واحتجّ عليه في كتابَي الأخبار (1) بصحيح معاوية بن عمّار ، وخبر ابن سنان المتقدّمَين في شرح الخبر السابق ، وبه قال الصدوق (2) ، وهو محكيّ عن ابن البرّاج (3) وابن حمزة (4) .وعن سلّار (5) وأبيالصلاح (6) : دلوٌ ؛ لمرسل عبداللّه بن المغيرة . (7) وقال الصدوق : وسأل يعقوب بن عثيم أباعبداللّه عليه السلام ، فقال له : بئر في مائها ريح يخرج منها قطع جلود ، فقال : «ليس بشيء ، لأنّ الوزغ ربما طرح جلده ، إنّما يكفيك من ذلك دلو واحد» . (8) ومنها سام أبرص ، وهو نوع من الوزغة ، فقال الشهيد في الذكرى : «فيه سبع» وأطلق ، وبه قال الشيخ في الاستبصار ، لكن صرّح باستحبابها ، وبذلك جمع بين خبر جابر (9) وخبر يعقوب بن عثيم ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : سام أبرص وجدناه قد تفسّخ في البئر ؟ قال : «إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء» . (10) وفصّل في التهذيب فقال بوجوب سبع مع التفسّخ وعدم وجوب شيء مع عدمه ؛ للجمع بين الخبرين (11) ، وهو ظاهر الصدوق حيث نقل الخبرين في الفقيه من غير تأويل لأحدهما . (12)

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
2- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 706 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 20 ، ح 28 .
5- .. الوسيلة ، ص 75 .
6- .. المراسم ، ص 35 و36 .
7- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 189 ، ح 484 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 484 .
9- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 115 .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 32 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 707 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 114 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 176 ، ح 440 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 707 و708 .
12- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 30 و31 .

ص: 149

ومنها الحيّة ، ففي المختلف :قال الشيخان (1) : ينزح لها ثلاث دلاء ، وهو قول أبيالصلاح (2) وسلاّر (3) وابن البرّاج (4) وابن إدريس (5) ، وقال عليّ بن بابويه : ينزح منها سبع دلاء (6) ، واحتجّ الأوّلون (7) برواية عمّار الساباطي عن أبيعبداللّه عليه السلام «فيما يقع في بئر الماء فيموت ، فأكثره الإنسان ؛ ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد» (8) ، فالحيّة يجب فيها أكثر من العصفور ، وإلّا لم تخصّ القلّة بالعصفور ، وإنّما أوجبنا نزح ثلاث ؛ لمساواتها الفأرة في قدر الجسم تقريبا ، وبما رواه إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام :أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان [ أو ]ثلاثة» (9) . ولاريب أنّ الحيّة لاتزيد عن قدر الدجاجة في الجسم ، واحتجّ عليّ بن بابويه بأنّها في قدر الفأرة أو أكثر ، وقد بيّنّا أنّ في الفأرة سبع دلاء ، فلاتزيد الحيّة عنها ؛ للبراءة ، ولاينقص عنها ؛ للأولويّة انتهى . (10) ولا يخفى ما في الاحتجاجين من الضعف ، على أنّ الميتة ممّا لانفس له سائلة طاهرة إجماعا ، وإذ لا نصّ عليه شيء لها ، وإن وردت في نظائرها ينبغي عدم النزح رأسا . وإن قيل : إنّ النزح هنا لرفع توهّم السمّيّة ، ينبغي إلحاقها بالسام أبرص أو العقرب ، والأظهر القول بسبعة دلاء ، والاحتجاج لها بعموم الشيء الصغير لها في صحيحة

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
2- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
3- .. المراسم ، ص 36 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 683 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 105 ؛ وص 43 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 186 ، ح 470 .
6- .. النهاية ، ص 7 ، المقنعة ، ص 67 .
7- .. السرائر ، ج 1 ، ص 83 .
8- .. وحكى المحقّق الحلّي في المعتبر ، ج 1 ، ص 74 عن رسالة ابن بابويه أنّه اكتفى في الحيّة بدلو واحد .
9- .. في المصدر : «الأكثرون» .
10- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 213 _ 214 .

ص: 150

الحلبي (1) ، والدابّة الصغيرة أيضا فيما سيأتي من صحيحة عبداللّه بن سنان ، فتأمّل . ومنها العقرب ، فقال الشيخ في النهاية (2) والمبسوط (3) : «ينزح لها ثلاث دلاء» . وكأنّه احتجّ بقول الصادق عليه السلام : «يسكب ثلاث مرّات» فيما مرّ من خبر هارون بن حمزة الغنوي وقد سأله عن الفأرة والعقرب (4) .وفيه : أنّه ظاهر في الراكد ، ولو قيل بالعشرة كان وجها ؛ لرواية منهال ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : العقرب تخرج من البئر ميّتة ، قال : «استق عشر دلاء» . قلت : فغيرها من الجيف ؟ قال : «الجيف كلّها سواء إلّا جيفة قد أجيَفَت ، وإن كانت جيفة قد أجيَفَت فاستقِ منها مائة دلو ، فإن غلب عليها الريح بعد مائة فانزحها كلّها» . (5) وفيه أيضا تأمّل ؛ لاشتمال الخبر على تساوي الميّتات كلّها في حكم العشر ، وعلى نزح مائة دلو إذا تغيّر الماء ولو زال التغيّر قبلها ، وهما مخالفان للإجماع والأخبار ، إلّا أن تخصّ الجَيف بما لانفس له سائلة ، ونزح المائة بما إذا لم يزل التغيّر إلّا بها ، مع أنّ ذلك لايرفع الإشكال رأسا .[قوله] في صحيح الحلبي : (إذا سقط في البئر شيء صغير فمات فيها) . [ ح 7/3828 ] المراد بالشيء الصغير نحو الفأرة والحيّةوفيه مسائل: الاُولى: يدلّ الخبر على أنّه ينزح سبع دلاء لوقوع الجنب في البئر، ومثله صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام في البئر يقع فيها الميتة ، قال : «إذا كان له

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. النهاية ، ص 7 .
3- .. تقدّمت آنفا .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 690 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 ، ح 113 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 188 ، ح 480 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 231 ، ح 667 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 70 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 196 ، ح 508 .

ص: 151

ريح ، نزح منها عشرون دلوا» . وقال : «إذا دخل الجنب البئر ، نزح منها سبع دلاء» . (1) وصحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب ، نزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها ثور أو صُبّ فيها خمر ، نزح الماء كلّه» (2) . وهذه الأخبار مطلقة في ذلك ، وبه قال المفيد في المقنعة (3) ، والأكثر قيّدوها بما إذا اغتسل فيها ؛ لرواية عبداللّه بن بحر ، عن ابن مسكان ، قال : حدّثني أبوبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل فيها ؟ قال : «ينزح منها سبع دلاء» ، الحديث (4) ، وسيأتي .ولموافقة الاعتبار ؛ إذ المفروض خلوّ بدنه عن المنيّ ، وإلّا لوجب نزح الجميع ، فلاينبغي النزح لمطلق وقوعه فيها ومباشرة بدنه للماء ، بخلاف ما إذا اغتسل فيها ؛ فإنّه يوهم حدوث نجاسة فيها ، وهو وجيه على القول بوجوب النزح .وأمّا على استحبابه ، فلايبعد القول به مطلقا ؛ لما ذكر من إطلاق الأخبار الصحيحة ، وعدم قابليّة المقيّد لتقييدها ؛ لعدم صحّته ، ولكون القيد في كلام السائل وهو ليس بحجّة ، والاعتبار يوافق هذا أيضا ، وإن كان الأوّل أوفق .ثمّ الغسل في الخبر وفي كلام بعض الأصحاب شامل للترتيبي والارتماسي ، وظاهر ابن إدريس اختصاصه بالارتماسي ؛ حيث قال : «ولارتماس الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينيّة سبع دلاء ، وحدّ ارتماسه أن يغطّى الماء رأسه ، فأمّا إن نزل فيها

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 ، ح 703 . وفي الفقيه ، ج 1 ، ص 21 ، ح 24 مقتصرا على الفقرة الاُولى ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ح 502 و503 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 695 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 34 _ 35 ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 444 .
3- .. كتب في الهامش : «وقد قال فيها [ ص 67 ] : فإن ارتمس فيها جنب أو لاقاها بجسمه وإن لم يرتمس فيها ؛ أفسدها ولم يطهّر بذلك ، ووجب تطهيرها بنزح سبع دلاء . منه ».
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 ، ح 702 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ح 505 .

ص: 152

ولم يغطّ رأسه ماؤها ؛ فلاينجس ماؤها» . (1) وهو ظاهر الشيخ أيضا في التهذيب ، فإنّه قال : «وإن ارتمس فيها جنب ، وجب تطهيرها بنزح سبع دلاء» (2) .وهو تخصيص من غير مخصّص ، والظاهر صحّة الغسل وإن قيل بنجاسة الماء؛ لترتّب النجاسة على الغسل كاملاً ، ولعدم تعرّضه عليه السلام لفساده ، فلو فسد لزم تأخير البيان . وفي شرح اللمعة :وعلى هذا فإن اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتّبا ففي نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل مع اتّصاله به أو وصول الماء إليه ، أو توقّفه على إكمال الغسل؟ وجهان . (3) الثانية : قال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة :وإن مات فيها بعير نزح جميع مائها ، فإن صعب ذلك لغزارة الماء وكثرته تراوح على نزحها أربعة رجال يستقون منها على التراوح من أوّل النهار إلى آخره وقد طهرت بذلك ، فإن وقع فيها خمر وهو الشراب المسكر من أيّ الأصناف ، كان نزح جميع ما فيها إن كان قليلاً وإن كان كثيرا تراوح على نزحها أربعة رجال من أوّل النهار إلى آخره ، على ما ذكرناه . (4) وفي المنتهى : «لم أعرف فيه مخالفا من القائلين بالتنجيس» . (5) واحتجّ الشيخ (6) على نزح الجميع بأنّه «قد نجس الماء بذلك بلاخلاف ، فيجب أن

.


1- .. المقنعة ، ص 67 .
2- .. السرائر ، ج 1 ، ص 79 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 243 ، قُبَيل الحديث 701 . ولايخفى أنّ هذه العبارة حكاها عن المقنعة للشيخ المفيد ، نعم نحوه للشيخ الطوسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 12 ؛ والنهاية ، ص 7 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 271 _ 272 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 73 .
6- .. تهذيب الأخبار ، ج 1 ، ص 240 _ 242 .

ص: 153

لايحكم عليه بالطهارة إلّا بدليل قاطع ، ولادليل يقطع به في الشريعة على شيء مقدّر ، فيجب أن ينزح جميعها» ، وأكّد حكم الجزءين بهذه الصحيحة وحكم الخمر بقوله عليه السلام في صحيح عبداللّه بن سنان المتقدّم : «أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه» .وفي صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم أيضا : «ينزح الماء كلّه» في الجواب عن صبّ الخمر فيها . وعلى التراوح بما تقدّم من خبر عمرو بن سعيد بن هلال ؛ لدلالته على نزح كرّ في الجَمَل ، فيكون التراوح أولى ؛ لأنّه يزيد على كرّ ، وبأنّ التراوح معتبر فيما إذا تغيّر ماؤها وتصعب نزح جميعه على ما دلّ عليه ما سبق من موثّق عمّار عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ؟ قال : «ينزف كلّها ، فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل ، ثمّ يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت» (1) .فيجب أن يكون مجزيا في كلّ ما وجب نزح الجميع له وصعب ذلك . ولايخفى ما في وجهَي التراوح من الضعف ، أمّا الأوّل ، فلأنّه إنّما يدلّ على إجزاء التراوح للجمل وفي حكمه مطلق البعير ، ولاريب فيه ، وهو معنى آخر غير وجوبه المدّعى .وأمّا الثاني ، فلعدم صحّة الخبر ؛ لكون أكثر رواتها فطحيّة وإن وثّقوهم ، ولاشتماله على نزح جميع الماء للكلب والخنزير والفأرة وهو مخالف للنقل والاعتبار ، وحمله على ما إذا تغيّر الماء بعيد في الفأرة ، والظاهر وقوع سهو من عمّار في النقل ، وقد اشتهر عدم ضبطه .ويدلّ عليه عدم خلوّ أكثر الأخبار التي هو راويها عن تشويش واضطراب . ثمّ الظاهر شمول البعير للجمل ، ففي شرح اللمعة : «هو _ يعني البعير _ من الإبل بمنزلة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 242 ، ح 699 ؛ وص 284 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 38 ، ح 104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 _ 185 ، ح 464 .

ص: 154

الإنسان يشمل الذكر والاُنثى الصغير والكبير» . (1) فظاهر هذه الصحيحة نزح الجميع للجمل أيضا . فأمّا ما ورد في خبر عمرو بن سعيد بن هلال المتقدّم من نزح كرّ وقد سأله السائل عن الحمار والجمل ؛ فمع ضعفه ، خصّ الشيخ في الاستبصار الجواب فيه بالحمار وقال : «وأحال عليه السلام جواب السؤال عن الجمل على ما هو المعروف من مذهبه» . (2) وكذا الظاهر في الخمر عدم الفرق في ذلك بين قليلها وكثيرها كما هو المشهور بين الأصحاب ؛ لأنّ العلّة في ذلك تأكّد حرمتها لا تأكّد نجاستها ؛ لما تقرّر من عدم تماميّة دليل نجاستها فضلاً عن تأكّدها ، والقطرة منها مشاركة للكثير منها في تأكّد الحرمة ، واستلزام الصبّ لكثرتها ممنوع .وخصّ الصدوق في المقنع الحكم بالكثير منها ، فإنّه قال _ على ما حكى عنه في المختلف (3) _ : ينزح للقطرة من الخمر عشرون دلوا (4) ، محتجّا بما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبيإسحاق ، عن نوح بن شعيب الخراساني ، عن بشير ، عن ياسين ، عن حريز ، عن زرارة ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد (5) ؛ ينزح منه عشرون دلوا» (6) . وقد سبق الخبر بتمامه .

.


1- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 258 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 ، ذيل الحديث 93 ، ولفظه هكذا : «لأنّه لايمتنع أن يكون عليه السلام أجاب بما يختصّ حكم الحمار ، وعوّل في حكم الجمل على ما سمع منه من وجوب نزح الماء كلّه» .
3- .. المختلف ، ج 1 ، ص 195 ؛ وص 196 _ 197 .
4- .. المقنع ، ص 34 ، ولفظه هكذا : «فإن وقعت في البئر قطرة دم أو خمر أو ميتة أو لحم خنزير ، فانزح منها عشرين دلوا» .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «كلّه سواء».
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 697 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 35 _ 36 ، ح 96 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 446 . ولم يصرّح الصدوق بالرواية ولا سنده ، نعم لفظه قريب من هذه الرواية .

ص: 155

وهو ضعيف لوجود مجاهيل فيه ، «أبيإسحاق» وهو مشترك بل الظاهر أنّه الخراساني بقرينة روايته عن الخراساني ، وحاله غير معلوم ، ونوح بن شعيب الخراساني وهو غير مذكور في كتب الرجال ، وبشير وهو مشترك بين مجاهيل ، وياسين وهو ضرير للجهالة .وقد سبق في خبر محمّد بن زياد ، عن كردويه : «نزح ثلاثين لها» ، وهو أيضا مجهول لجهالة كردويه ، واشتراك محمّد بن زياد بين العطّار الثقة ومجاهيل متعدّدة . واحتمل الشيخ أن يكون ذكر الخمر في هذين الخبرين من سهو الرواة (1) .[قوله] في صحيحة زرارة : (قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر) إلخ . [ ح 10/3831 ] ظاهره طهارة ما لاتحلّه الحياة من نجس العين اُبين من حيّ أو ميّت ، ومثلها ما رواه الشيخ في باب الذبائح والأطعمة من التهذيب عن الحسين بن زرارة ، قال : كنت عند أبيعبداللّه عليه السلام وأبي يسأله عن السِنّ من الميتة واللبن من الميتة والبيضة من الميتة ؟ (2) فقال : «كلّ هذا ذكيّ» . قال : فقلت : شعر الخنزير يعمل به حبلاً يُستَقى به من البئر الذي يشرب منها ويتوضّأ منها ؟ فقال : «لابأس به» .وزاد فيه عليّ بن عقبة وعليّ بن الحسن بن رباط ، قال : «والشعر والصوف كلّه ذكيّ» . (3) ويؤيّدها تقييد تحريم الخنزير بلحمه في قوله سبحانه : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ » . (4)

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 .
2- .. في المصدر : «وأبي يسأله عن اللبن من الميتة والإنفحة من الميتة والبيضة من الميتة» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 750 ، ح 320 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 6 ، ص 258 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 180 ، ح 30289 .
4- .. المائدة (5) : 3 .

ص: 156

وما رواه الشيخ في الباب المذكور عن برد الإسكاف، قال: قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّي رجل خزّاز لايستقيم عملُنا إلّا بشَعر الخنزير يُخرَزُ (1) به ؟ قال : «خُذ منه وَبرة فاجعلها في فخارة ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمه ثمّ اعمل به» (2) .وما هو المشهور بين الأصحاب من الطهارة فيما لاتحلّه الحياة من الميتة التي تكون حيّها طاهرا ، بل لم أجد مخالفا له ، ويدلّ عليه خبر الحسين بن زرارة المتقدّم ، وهو ظاهر المصنّف ، ونسبه إلى أصحابنا وإلى أبيحنيفة وأصحابه والصدوق ، وبه صرّح السيّد المرتضى في الانتصار (3) ؛ محتجّا بأنّه لعدم حلول الحياة فيه لايكون جزءا من الحيوان ، وقد احتجّ عليه بحمله على ما لاتحلّه الحياة من الميتة .وردّ الأوّل بالمنع ، والثاني بالفرق بأنّ المقتضي للنجاسة في الميتة إنّما هو صفة الموت ، وهي غير حاصلة فيما لاتحلّه الحياة منها ، بخلاف نجس العين ، فإنّ المقتضي لنجاسته هو ذاته ، وهي شاملة لما لاتحلّه الحياة منه (4) ، فتأمّل .والمشهور بين الأصحاب نجاسته ، وهو منسوب في الانتصار (5) إلى الشافعي ، واحتجوّا عليه بقوله تعالى : «فَإِنَّهُ رِجْسٌ » (6) بناء على عود الضمير إلى الخنزير ؛ لكونه أقرب ، وقوله عزّ وجل : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (7) ، وبقول الصادق عليه السلام في الكلب : «رجس نجس» (8) ، فإنّ تلك الأدلّة تقتضي أن يكون عين هذه وذاتها نجسة ، فتدخل

.


1- .. خَرَزَ الخُفَّ يَخرِزُه ويخرُزُه : كَتَبَه ، والخَزّار _ كشدّاد _ : هو الذي يقال له بالفارسية : موزه دوز .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 84 _ 85 ، ح 355 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 3 ، ص 348 _ 349 ، ح 4224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 228 ، ح 22396 ؛ وج 24 ، ص 237 ، ح 30427 .
3- .. قاله في الناصريّات ، ص 100 ، المسألة 19 ، ولم أعثر عليه في الانتصار .
4- .. الاحتجاج والردّ موجودان في مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 276 _ 277 .
5- .. الناصريّات ، ص 100 ، ولم أعثر عليه في الانتصار .
6- .. الأنعام (6) : 145 .
7- .. التوبة (9) : 28 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 .

ص: 157

فيها جميع أجزائها ، ولم يعتبر في نجاستها حياتها حتّى يخرج ما لاتحلّه الحياة منها عن الحكم ، وبإطلاق الأمر بالغسل بإصابة نجس العين الثوب أو البدن في أخبار متعدّدة بحيث شمل إصابة شعره ووبره ونحوهما . وبما رواه الشيخ في الباب المشار إليه من التهذيب عن بُرد الإسكاف قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : جعلت فداك ، إنّا نعمل بشعر الخنزير ، فربما نسي الرجل فصلّى وفي يده شيء منه ، قال : [ لاينبغي أن يصلّي وفي يده منه شيءٌ . وقال : ] «خذوه فاغسلوه ، فما كان له دسم فلاتعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه» (1) .وعن سليمان الإسكاف ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخزر به ، قال : «لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي» . (2) وفي كتاب المكاسب عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحبائل بشعر الخنزير ، قال : «إذا فرغ فليغسل يده» . (3) وعن برد الإسكاف ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به ؟ قال : «خذ منه فاغسله بالماء حتّى يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ، ثمّ اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة ، فإن جمد فلاتعمل به ، وإن لم يجمد فليس عليه دسم فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة» . قلت : ووضوئي ؟ قال : «لا، اغسل اليد كما تمسّ الكلب» . (4) وربما نوقش في عود الضمير في الكريمة الاُولى إلى الخنزير ، وجوّز عوده إلى اللحم ؛ منعا لأولويّة الأقرب بهذا المقدار ، وفي كون تلك الأجزاء من حملة المحكوم بنجاستها من الكافر وأخويه .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 85 ، ح 356 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 228-229 ، ح 22397 ؛ وج 24 ، ص 237 ، ح 30428 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 85 ، ح 357 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 418 ، ح 4038 ؛ وج 24 ، ص 238 ، ح 30429 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 382 ، ح 1129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 227 _ 228 ، ح 22394 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 382 _ 383 ، ح 1130 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 228 ، ح 22395 .

ص: 158

ولايبعد المناقشة في الأخبار الأخيرة أيضا بحمل الأمر بغسل اليد فيها على الاستحباب ؛ للجمع ، والفريقان لم يفرّقوا بين الكافر ونظيريه .وصاحب المدارك بعد ما حكم بنجاسة ما لاتحلّه الحياة من الكلب والخنزير قال : «وأمّا الكافر ، فلم أقف على نصّ يقتضي نجاسة ما لاتحلّه الحياة منه» . (1) فلو قيل بطهارته كان حسنا ، وفي الفرق نظر يظهر ممّا ذكرناه ، فتأمّل . [قوله] في خبر عليّ بن أبيحمزة: (قال : ينزح منها عشرة دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا) . [ ح 11/3832 ]ومثله خبر أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها ؟ قال : «ينزح منها سبع دلاء» ، وسألته عن العذرة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها عشرة دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا» (2) .وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الصدوق في الفقيه ، إلّا أنّه على تقدير الذوبان قال : «استقى منها أربعون دلوا إلى خمسين» . (3) وعيّن بعض الأصحاب الخمسين في الذائبة ، وهو محكيّ عن أبيالصلاح (4) وابن البرّاج (5) وابن حمزة (6) وابن إدريس (7) والسلّار (8) ، وإليه مال الشهيد في الذكرى (9) معلّلاً بالاحتياط ، وبه قال الشيخ إلّا أنّه اعتبر الرطوبة واليبوسة بدلاً عن الذوبان وعدمه ، فقال في المبسوط : «وإن وقعت فيها عذرة وكانت رطبة ، نزح منها خمسون دلوا ، وإن كانت

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 130 .
2- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 22 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
4- .. الوسيلة ، ص 75 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 244 ، ح 702 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ح 505 .
6- .. السرائر ، ج 1 ، ص 79 .
7- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 276 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 18 . ومثله في الهداية ، ص 71 ؛ والمقنع ، ص 29 .
9- .. المراسم ، ص 35 .

ص: 159

يابسة ، نزح منها عشر دلاء» (1) .ومثله في النهاية (2) والاستبصار . (3) والأولى التعبير بما في النصّ ، وقد ورد في بعض الأخبار نفي البأس عن وقوع زبيل من عذرة في البئر مطلقا ، رواه عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، في الصحيح أنّه سأله عن بئر ماء وقع فيها زنبيل (4) من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها ؟ قال : «لا بأس» (5) .وفي بعضها مثله مقيّدا بكثرة الماء ، رواه عمّار في الموثّق ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : «لابأس إذا كان فيها ماء كثير» (6) . وقد سبق الخبران .وحملهما الشيخ في الاستبصار على نفي البأس بعد نزح المقدّر . (7) وربما خُصّ الزِبّيل المقيَّد بحيث لايخرج منه شيء في البئر ، وإليه أشار الصدوق بقوله : «هذا إذا كانت في زِبّيل لم ينزل شيء منه في البئر» . (8) وفي خبر أبيمريم الأنصاري المتقدّم أنّه عليه السلام نزح دلوا للوضوء من ركيّ له ، فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة ، فأكفأ رأسه وتوضّأ بالباقي (9) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1312 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 192 ، ح 495 .
2- .. النهاية ، ص 7 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 7 .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 41 .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «زبيل» ، وكذا في المورد التالي ، والمعنى واحد .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 246 ، ح 709 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 172 ، ح 429 ، وص 192 ، ح 496 .
7- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، واحتمل أيضا أن يكون المراد بالبئر المصنع الذي يكون فيه الماء أكثر من كرّ .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 _ 18 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 ، ح 1313 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 ، ح 119 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 154 ، ح 386 .

ص: 160

وحمل الشيخ تارة الرَّكيّ فيه على المصنع الذي فيه ماء كثير وهو لاينفع إلّا على القول بعدم تأثّر القليل بالملاقاة ، وعليه يجوز إبقاؤه على ظاهره (1) ، وتارة العذرة على عذرة مايؤكل لحمه (2) ، وهو بعيد .وفي خبر الحسين بن سعيد ، عن ابن أبيعمير ، عن كردويه ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدوابّ وأرواثها وخرء الكلاب ؟ قال : «ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مُبخرة» (3) ، وقد سبق .وفيه إشكال آخر أيضا منافاته لما سبق في البول من أربعين لبول الرجل ودلو واحد أو ثلاث دلاء لبول الصبيّ ، وما يجب لما لانصّ فيه لبول الخنثى ولخرء الكلاب . واُجيب عن هذا بأنّ ما ذكر لكّل من هذه النجاسات بانفرادها لاينافي نزح ثلاثين للجميع إذا خالطت ماء المطر ؛ لجواز أضعاف ماء المطر نجاستها ، على أنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، وقد عرفت حال الخبر .واعلم أنّ المصنّف قدس سره لم يتعرّض لبعض النجاسات الواردة في البئر ممّا ورد فيه نصّ ، فلنذكرها استتماما للمبحث : فمنها ما ورد فيه نزح الجميع وهو الثور ، فأوجبه فيه الصدوق في الفقيه (4) والشهيد في الذكرى (5) والدروس (6) واللمعة (7) ، ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وإن مات فيها ثور أو صُبّ فيها خَمر نزح الماء كلّه» في صحيحة عبداللّه بن سنان (8) المتقدّمة .

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 17 .
3- .. كتب في الهامش : «إلّا أن يقال بعدم تأثّر القليل بالملاقاة وتأثّر البئر بها ، ولم يقل به أحد . منه» .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 42 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1300 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 43 ، ح 120 ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 22 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 181 ، ح 452 .
6- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 93 .
7- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 695 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 34 _ 35 ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، فص 179 ، ح 444 .

ص: 161

وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار حيث ذكر شبه البعير والحمار في عنوان الباب (1) وذكر في ذيله هذه الصحيحة ، وكلامه في المبسوط والنهاية خال عن ذكره ، وكذا المقنعة وكتب الأكثر خالية عنه ، وكأنّهم أدخلوه في البقرة بناء على ما يظهر من صحاح الجوهري (2) ومن القاموس (3) من شمول البقرة للذكر . ومنها ما ورد فيه نزح كرّ وهو موت الحمار والبقرة وما أشبههما في قدر جثّتهما ، على ما ذكره الشيخ في المبسوط (4) ، فيشمل الفرس والبغل ، واقتصر الشهيد في اللمعة على ذكر الفرس والحمار والبقرة (5) ، ومثله العلّامة في التحرير (6) ،إلّا أنّه عبّر عن الفرس بالدابّة .وفي الدروس (7) أضاف البغل ، وفي الذكرى : «للحمار والبغل في الأظهر عن الباقر عليه السلام ، وليس البغل في بعض الروايات ، وفي الفرس والبقرة وشبههما للشهرة» . (8) وفي المعتبر : «هما ممّا لا نصّ فيه» . (9) وفي المقنعة : «للحمار والبقرة والفرس وأشباهها من الدوابّ» . (10) ومثله في المنتهى (11) .

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
3- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 47 .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 34 ، الباب 19 .
5- .. في صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 594 (بقر) : «البقر اسم جنس ، والبقرة تقع على الذكر والاُنثى ، وإنّما دخلته الهاء على أنّه واحد من جنس ، والجمع بقرات» .
6- .. القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 375 .
7- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 15 ، وفيه بدل الفرس : «الدابّة» .
8- .. الدروس ، ج 1 ، ص 119 ، الدرس 17 .
9- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 62 .
10- .. المقنعة ، ص 66 ، باب تطهير المياه من النجاسات . وكان في الأصل : «أشباههما» ، فصوّبناه من المصدر.
11- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 65 مع زيادة «البغل» .

ص: 162

وفي شرح اللمعة : «والمنصوص منها مع ضعف طريقه الحمار والبغل ، وغايته أن ينجبر ضعفه بعمل الأصحاب ، فيبقى إلحاق الدابّة والبقرة بما لانصّ فيه أولى» . (1) ولم أجد خبرا في نزح الكرّ فيما ذكر إلّا ما سبق عن عمرو بن سعيد بن هلال ، وهو _ مع ضعفه كما مرّ _ إنّما يدلّ على ذلك في الحمار والجمل .ويظهر من المنتهى (2) أنّ الأصحاب لم يعملوا في الجمل بذلك ، بل أدخلوه في البعير وأوجبوا له نزح أربعين دلوا ؛ لما عرفت من شمول البعير للذكر والاُنثى ، وقصروا حكم الخبر على الحمار ، والأظهر تخصيص الكرّ بالحمار أو به وبالجمل وإيجاب دلاء للفرس والبغل والبقرة ؛ للأمر بنزحها للدابّة فيما مرّ من صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبيجعفر وأبيعبداللّه عليهماالسلام : في البئر تقع فيها الدابّة والفأرة _ إلى قوله _ : «ينزح منها دلاء» (3) .ومثله في خبر البقباق المتقدّم (4) . وتوجيهه أنّ الدابّة _ على ما ذكره أرباب اللغة _ اسم لكلّ ما يدبّ على وجه الأرض (5) ، وبوضع ثان لكلّ ما يركب ، وإنّما خصّت بالفرس في عرف جديد ، والأوّل ليس بمراد في الخبرين إجماعا ، فبقي الثاني ، وخرج منه البعير والثور والحمار بالدليل ، وبقي الفرس والبغل مرادين ، بل البقرة أيضا ؛ إذ قد شاع ركوبها .وممّا ذكرنا يظهر وقوع سهو في موضعين ممّا حكيناه عن شرح اللمعة ، فتأمّل . ومنها ما ورد فيه نزح سبعين دلوا وهو موت الإنسان فيها ، وهو مذهب الأصحاب ؛

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 236 _ 237 ، ح 682 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 36 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 283 _ 284 ، ح 461 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 237 ، ح 685 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 37 ، ح 100 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 284 ، ح 462 .
3- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 261 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 74 .
5- .. اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 124 (دبب) .

ص: 163

محتجّين عليه بالإجماع ، وبموثّق عمّار ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر ، فقال : «ينزح منها دلاء ، [ هذا إذا كان ذكيّا فهو هكذا ] وما سوى ذلك ممّا يقع في البئر فأكثره الإنسان ؛ ينزح منها سبعون دلوا ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك فيما بين هذين» (1) .والمشهور بينهم مساواة الذكر والاُنثى ، والصغير والكبير ، والمسلم والكافر في ذلك ، وإن قيل بوجوب نزح الجميع فيما إذا خرج الكافر منها حيّا بناء على القول بذلك فيما لانصّ فيه ؛ لإطلاق النصّ ، ولا ينافي ذلك لزوم زيادة حكمه حيّا عن حكمه ميّتا مع أنّ الموت يزيده نجاسة ، لما عرفت من أنّ حكم البئر مبنيّ على جمع المختلفات وتفريق المتّفقات ، على أنّا نمنع زيادة نجاسته بالموت ؛ فإنّ نجاسته حيّا إنّما هو بسبب اعتقاده الفاسد وقد زال بالموت ؛ على ماذكره العلّامة في المختلف (2) .وربما ادّعي أنّ ذلك في الكافر لنجاسته المستندة إلى الموت ، وأنّ نجاسة كفره ممّا لانصّ فيه ، وعلى ذلك يجب (3) نزح ذلك للموت ، ونزح ما هو المقرّر لما لانصّ فيه ؛ لوقوعه فيه حيّا جميعا لو قيل بنزح الثلاثين أو الأربعين له ، وبعدم تداخل النجاسات ، وهو بعيد عن النصّ .وخصّه ابن إدريس بالمسلم وأوجب في الكافر نزح الجميع . (4) ونسبه في الذكرى (5) إلى أبي عليّ أيضا، وإليه مال الشهيد الثاني في شرح اللمعة؛ حيث قال : «سواء في ذلك الذكر والاُنثى ، والصغير والكبير ، والمسلم والكافر إن لم نوجب الجميع لما لانصّ فيه ، وإلّا اختصّ بالمسلم» . (6)

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 94 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
3- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 261 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 195 ، ونحوه فيه، ج 1 ، ص 79 .
5- .. الكلمة غير واضحة في النسخ ، ويمكن أن يقرأ : «فيجب».
6- .. السرائر ، ج 1 ، ص 73 .

ص: 164

ومنها ذرق الدجاج ، فقد ذهب الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) إلى وجوب خمس دلاءله مطلقا جلّالاً كان أم لا ، ولمّا كان ذرق غير الجلاّل منه ظاهرا تبعا للجمّة عند الأكثر قيّدوه بالجلاّل ، منهم المفيد في المقنعة (3) والشيخ في كتابَي الأخبار (4) ، وهومذهب عامّة المتأخّرين . وفي المنتهى : «ولم أقف على حديث يدلّ على شيء منهما» . (5) فالأظهر إلحاق ذرق الجلاّل منه بما لا نصّ فيه وعدم وجوب شيء لذرق غير الجلاّل منه ؛ لطهارته . وربما احتجّ على نجاسته بما رواه فارس ، قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : «لا» . (6) وهو مع ضعفه _ فإنّ فارسا وهو ابن حاتم القزويني قد وردت في ذمّه أخبار متظافرة عنهم عليهم السلام في كتب الرجال اشتمل بعضها على لعنه وطرده (7) ، ومضمر أيضا _ فلايعارض الأصل والعمومات الدالّة على طهارة ذرق الطيور لاسيّما ما يؤكل لحمه ، وتأتي في محلّه .وخصوص ما رواه وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب» . (8)

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 12 .
2- .. النهاية ، ص 7 .
3- .. المقنعة ، ص 68 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 95 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 782 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 619 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4017 .
7- .. يأتي بعض الأخبار في شرح أحاديث باب أبوال الدوابّ .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 _ 284 ، ح 831 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 177 ، ح 618 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4016 .

ص: 165

ولو سلّم عن ذلك كلّه ، فلايدلّ على المدّعى ، بل لابدّ من إلحاقه حينئذٍ بما لانصّ فيه ، فتأمّل .ومنها ما حكم له بنزح دلو ، وهو موت العصفور لموثّق عمّار المتقدّم (1) ، وألحق به ما هو في جثّته ممّا دون الحمامة ، وهو قياس ، والأظهر القول بالدلاء فيه ؛ لشمول الشيءالصغير والدابّة الصغيرة له في صحيحتي الحلبي (2) وعبداللّه بن سنان (3) المتقدّمتين .وفي المنتهى : «وألحق الصهرشتي (4) بالعصفور كلّ طائر في حال صغره ، وفيه إشكال ، والأقرب إلحاقه بنوعه» (5) ، هذا .وقد اختلفت العامّة في كمّيّة النزوح بعد ما اتّفقوا على تأثّر القليل وعدم تأثّر الكثير من مائها على ما سبق ، ففي [ فتح ] العزيز : ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها ، [ لكن ضرورة التدرّج إلى الاستقاء منها قد يخصّه لضرب من العسر ، ] فإن كان قليلاً وقد تنجّس بوقوع نجاسة فيه ، فليس من الرأي أن ينزح لينبع بعده الماء الطهور ؛ لأنّه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجسا ، وقد يفضي النزح إلى تنجّس جدران البئر أيضا ، بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حدّ الكثرة ، فإن كانت قليلة الماء لايتوقّع كثرته صبّ فيها ماء من خارج حتّى يكثر ، وينبغي أن يزول التغيّر أيضا لو كان متغيّرا ، وإن كان ماؤها كثيرا وقد تنجّس بالتغيّر فيكاثر إلى زوال التغيّر ، أو يترك بحاله حتّى يزول التغيّر بطول المكث أو بازدياد الماء . (6)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 234 _ 235 ، ح 678 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 194 ، ح 498 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 695 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 34 _ 35 ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 179 ، ح 444 .
3- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 240 ، ح 694 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ج 34 ، ح 92 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 180 ، ح 449 .
4- .. أبوالحسن سليمان بن الحسن بن سلمان الصهرشتي ، من تلاميذ السيّد المرتضى وأبيجعفر الطوسي وأبيالعبّاس النجاشي ، كان حيّا قبل سنة 460 ، من مصنّفاته : قبس المصباح (مختصر مصباح المتهجّد) ، النفيس ، التنبيه ، المتعة ، النوادر . راجع : الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 434 _ 435 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 298 ؛ الذريعة ، ج 2 ، ص 119 ، الرقم 475 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 98 _ 99 .
6- .. فتح العزيز للرافعي ، ج 1 ، ص 221 _ 222 .

ص: 166

وقال العلّامة رحمه الله في المنتهى :وللحنفيّة تقسيم آخر للنجاسة الواقعة في البئر، قالوا: إمّا أن يكون ذا روح أو لا، والثاني يوجب نزح الجميع كالبول والدم والخمر قلّت أو كثرت، والأوّل لايخلو إمّا أن يكون فأرة ونحوها كالعصفور وشبهه، أو دجاجة ونحوها كالسنّور، أو شاة ونحوها كالإنسان ، فلايخلو إمّا أن يخرج حيّا أو ميّتا ، وبعد الموت لايخلو إمّا أن يكون منتفخة أو متفسّخة تمعّط (1) شعرها ، أو غير منتفخة وغير متفسّخة ولم يتمعّط شعرها ، فإن خرج حيّا فلايوجب النزح شيء منها إلّا الكلب والخنزير ، ذكره القاضي الشهيد في نكته وقال : إنّ الفأرة إذا وقعت في البئر هاربة من الهرّ فإنّها توجب تنجيّس ماء البئر وإن خرجت حيّة ؛ لأنّها تبول من فزعها ، وكذا الهرّة إذا وقعت فيها هاربة من الكلب وغير الكلب ، والخنزير إذا خرج حيّا لم ينزح له شيء إذا لم يصب الماء فمه ، فإن أصاب فمه فإن كان سؤره طاهرا فالماء طاهر ، وإن كان نجسا فالماء نجس ، وإن كان مكروها فالماء مكروه ، ويستحبّ أن ينزح منها عشر دلاء ، وإن كان سؤره مشكوكا كالبغل والحمار نزح الماء كلّه ، كذا ذكر في الفتاوى عن أبييوسف (2) ، وإن استخرج بعد التفسّخ وتمعّط الشعر نزح الماء كلّه ، وإن استخرج قبله بعد الموت ؛ فإن كان فأرة ونحوها نزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون بعد إخراجها ، وإن كان سنّورا أو شبهه نزح منها أربعون أو خمسون ، وإن كان شاة وشبهها نزح الماء كلّه حتّى يغلبهم الماء ، وفي الإوَّزة والسخلة والجدي روايتان عن أبيحنيفة ؛ إحداهما أنّها كالشاة ، والاُخرى أنّها كالدجاجة .ثمّ اختلفوا في نزح الماء كلّه ، فقال محمّد (3) في النوادر : إذا نزح ثلاثمائة دلوا ومائتا دلو (4) فإن لم ينزف فقد غلبهم الماء ، وروي عن أبي حنيفة أنّه قال : ينزح منها مائتا دلو ، وفي رواية مائة دلو ، وعن أبييوسف روايتان ، إحداهما : يحفر جانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه فتُجَصَّص وينزح ماؤها فيصبّ فيها حتّى تملأ ، فإذا امتلأت

.


1- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «تمغط» ، وكذا في الموردين التاليين . وامتعط شعره وتمعط : تساقط .
2- .. حكاه عنه أبوبكر الكاشاني في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 74 _ 75 .
3- .. هو محمّد بن الحسن الشيباني ، تقدّمت ترجمته .
4- .. حكاه عنه الكاشاني في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 86 ؛ والسرخسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 59 .

ص: 167

[ باب ] البئر تكون إلى جنب البالوعة

حكم بطهارتها ، والاُخرى يُرصَد فيها قصبة أو خشبة فيجعل لمبلغ الماء علامة ثمّ ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون فينظر كم شبرا انتقص ، فينزح لكلّ شبر ذلك المقدار إلى آخره . (1) وقيل : يؤتى برجُلَين عارفين بأمر الماء فيحكمان فيه فينزح مقدار ما حكما به .وقال الكرخي (2) : يحكم بالاجتهاد ، فإن سكن قلبه أنّه طهر حكم به .قالوا : وهذا كلّه استحسان ، والقياس إمّا أن لايحكم بنجاسة الماء كما قال الشافعي ، أو إذا حكم بالنجاسة لايحكم بالطهارة كما قال بشر (3) تُطمّ البئر طَمّا (4) . (5)

[ باب ] البئر تكون إلى جنب البالوعةالمشهور بين الأصحاب أنّه لاينجس الماء لقرب البالوعة ما لم يعلم تعدّي نجاستها إليها ، ويدلّ عليه خبر محمّد بن القاسم ؛ وهو إن كان ضعيفا ؛ لاشتراك محمّد بن القاسم بين البوشجي بالباء الموحّدة أو النون أو النوشجاني بالنونين وهو مجهول الحال (6) ، ومحّمد بن القاسم بن الفضيل وهو ثقة ، وكلاهما من أصحاب الرضا عليه السلام ،

.


1- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 86 ؛ المبسوط للسرخي ، ج 1 ، ص 59 .
2- .. أبوالحسن عبيداللّه بن الحسين بن دلّال الكرخي شيخ الحنفيّة بالعراق ، وصاحب الاُصول التي عليها مدار فروع الحنفيّة ، روى عن إسماعيل القاضي و محمّد بن عبداللّه الحضرمي وغيرهما ، انتشرت تلامذته في البلاد واشتهر اسمه وبعد صِيتُه ، عاش ثمانين سنة ، من تصانيفه : المختصر ، شرح الجامع الكبير ، شرح الجامع الصغير ، مات سنة 340 . راجع : تاريخ بغداد ، ج 10 ، ص 352 ، الرقم 5507 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 426 ، الرقم 238 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ، ص 235 ؛ الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 111 .
3- .. بشر بن غياث المريسي ، الفقيه المتكلّم ، تفقّه على أبييوسف ، وكان داعية بخلق القرآن ، وإليه تنسب طائفة المريسيّة المرجئة ، مات أواخر سنة 218 أو 219 ، ولم يشيّعه أحد من العلماء بعد ما حكموا بكفره ، والمريسي نسبة إلى مريسة قرية بمصر . راجع : تاريخ بغداد ، ج 7 ، ص 61 _ 71 ، الرقم 3516 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 199 _ 202 ، الرقم 45 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 3 ، ص 46 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 55 .
4- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 75 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 58 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 99 _ 101 .
6- .. اُنظر : رجال الطوسي ، ص 367 ، الرقم (5467) ؛ جامع الرواة ، ج 2 ، ص 176 ؛ طرائف المقال ، ج 1 ، ص 355 ، الرقم 2681 و 2682 .

ص: 168

واشتماله على عبّاد بن سليمان وهو الديلمي المجهول ، لكنّه مؤيَّد بالأصل ، وبعمل معظم الأصحاب .وربما اكتفي بنجاستها بغلبة ظنّ التعدّي على ما نقل في الدروس (1) عن بعض . ويستحبّ تباعدهما خمسة أذرع إن كانت الأرض صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة ، وإلّا فسبعة ، والمراد بالفوقيّة والتحتيّة فوقيّة القرار وتحتيّته على الأشهر ، أو المردّد بين ما ذكر وبين الوقوع في جانب الشمال على قول جماعة .وفي شرح الإرشاد للشهيد الثاني : ويتحصّل من جميع ذلك أربع وعشرون مسألة ، لأنّ أرضهما إمّا رخوة أو صلبة ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون قرار البئر فوق البالوعة أو أسفل أو يتساوى القراران ، فالصور ستّة ، ثمّ إمّا أن تكون البئر في جهة الشمال والبالوعة في جهة الجنوب أو بالعكس ، أو تكون البئر في جهة المشرق والبالوعة في جهة المغرب أو بالعكس ، ومضروب الأربعة في الستّة يبلغ أربعة وعشرين ، ولكن لا فرق بين كون البئر في جهة المشرق والبالوعة في جهة المغرب وبين العكس، فترجع المسائل إلى ثمانية عشر ، فالتباعد بخمس في كلّ صورة يوجد فيها أحد الاُمور : صلابة الأرض أو فوقيّة البئر بأحد المعنيين، وبسبع في الباقي ، وهو كلّ صورة ينتفى فيها الأمران فيصير التباعد بخمس في سبع عشرة صورة وبسبع في سبع (2) . انتهى. (3) ويدلّ على اعتبار الصلابة والرخاوة «مرسلة قدامة» (4) ، وعلى اعتبار الفوقيّة والتحتيّة بحسب القرار «رواية الحسن بن رباط» (5) و«حسنة حريز» (6) على احتمال يأتي ، لكن

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 121 ، الدرس 17 .
2- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي الأصل : «في أربع» .
3- .. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 418 .
4- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 410 ، ح 1291 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 45 _ 46 ، ح 127 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 198 ، ح 551 .
5- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 410 ، ح 1290 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 45 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 199 ، ح 512 .
6- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 410 _ 411 ، ح 1293 ؛ الاستبصار ، فج 1 ، ص 46 ، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 197 ، ح 510 .

ص: 169

لاتدلّ على تباعد ثلاثة أذرع أو أربعة مع علوّ قرار البئر ، وتسعة في عكسه ، ولايبعد حمل الزيادة على ضرب من الاستحباب .واحتجّ على اعتبارهما بحسب الجهة بما رواه الشيخ عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمّد بن إسحاق الديلمي ، عن أبيه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف ، فقال : «إنّ مجرى العيون كلّها مع مهبّ الشمال ، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّ إذا كانت بينهما أذرع ، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر ذراعا ، وإن كانت تجاهها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهبّ الشمال فسبعة أذرع» .وهو لايدلّ على مدّعاهم ، بل يدلّ على اعتبار بُعد اثني عشر ذراعا وسبعة أذرع ، وكأنّه بذلك تمسّك ابن الجنيد ؛ حيث قال _ على ما حكي عنه في المختلف _ : «إن كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعا ، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع» (1) . وفيه أيضا تأمّل ونظر ، والأكثر تركوا العمل به ؛ لغاية ضعفه ؛ لاشتراك إبراهيم بن إسحاق ، ولأنّ محمّد بن سليمان وأباه كانا غاليَين كذّابَين ، وهو محمّد بن سليمان بن زكريّا أو ابن عبداللّه على الخلاف في اسم أبي سليمان ، هذا .فلقد قال [ ابن ] الغضائري: «سليمان بن زكريّا الديلمي روى عن أبيعبداللّه عليه السلام ،

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 247 . وفي الحدائق الناضرة ، ج 1 ، ص 285 : «خطّأ هذا النقل في المعالم ، ونقل عنه أنّه قال في المختصر ما صورته : لا أستحبّ الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقرّ فيها من أعلاها في مجرى الوادي إلّا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنا عشر ذراعا وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلابأس ، وإن كانت محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع فلا بأس ؛ تسليما لما رواه ابن يحيى عن سليمان الديلمي عن أبيعبداللّه عليه السلام ، انتهى . ثمّ قال في المعالم : والذي يستفاد من هذه العبارة أنّه يرى التقدير بالاثني عشر بشرطين : رخاوة الأرض ، وتحتيّة البئر ، ومع انتفاء الشرط الأوّل بسبع ، وكذا مع استواء القرار إذا كانت المحاذاة في سمت القبلة» . وحكاه أيضا في مفتاح الكرامة ، ج 1 ، ص 564 عن صاحب المعالم والفاضل الهندي باختصار .

ص: 170

كذّاب». (1) قال : وقال النجاشي : سليمان بن عبداللّه الديلمي أبو محمّد ، قيل : إنّ أصله من بُجيلةالكوفة ، وكان يتحرّك إلى خراسان ويكثر شراء سبي الديلم ويحملهم إلى الكوفة ، فقيل : الديلمي غمز عليه ، وقيل : كان غاليا كذّابا ، وكذلك ابنه محمّد ، لايُعمل بما انفردا به من الرواية . (2) ولايبعد القول به حملاً له على ضرب من الاستحباب ، ولايجعل ضعفه مانعا عنه ؛ لاشتهار التسامح في أدلّة الاستحباب ، على أنّ سائر الأخبار الواردة في الباب ضعيفة ؛ لاشتراك قُدامة بين مجاهيل ، وإرسال خبره .واشتمال خبر الحسن بن رباط على محمّد بن سنان ، والظاهر أنّه أخو عبداللّه ، وهو مجهول الحال ، ولو كان هو الزاهري ففيه أيضا ما عرفت. وإضمار حسنة حريز ، ومع ما ذكر فهي مختلفة في عدد الذراع ، فتأمّل .[قوله:] في حسنة حريز : (إن كانت البئر في أعلى الوادي والوادي يجري فيه البول) إلخ . [ ح 2 / 3835 ] قال _ طاب ثراه _ : «يحتمل كون الأعلائيّة باعتبار المَقَرّ وباعتبار الممرّ ، والثاني هو أظهر» .وفي بعض نسخ التهذيب : «سبعة أذرع» بدل قوله : «تسعة أذرع» ، فالزائد في الأصل محمول على ضرب من الاستحباب . واللِزق _ بالكسر _ : الجَنب ، يقال : هو لِزقي ولَزيقي وبلِزقي ، أي بجنبي (3) .

.


1- .. عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 351 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 182 ، الرقم 482 .
3- .. صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1549 (لزق).

ص: 171

[باب] الوضوء من سؤر الدوابّ والسباع والطير

[باب] الوضوء من سؤر الدوابّ والسباع والطيرالمشهور طهارة أسآر الحيوانات والطيور ممّا عدا نجس العين من الكلب والخنزير والكافر ، ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف (1) صحيحة الفضل بن عبدالملك أبيالعبّاس البقباق ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن فضل الشاة والهرّة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه ، فقال : «لا بأس» ، حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : «رِجس نجس لايتوضّأ بفضله» الحديث (2) ، وقد سبق .وخبر معاوية بن شريح قال : سأل عذافر أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده عن سؤر السنّور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع يشرب منه أو يتوضّأ منه ؟ فقال : «نعم اشرب وتوضّأ» . قال : قلت له : الكلب ؟ قال : «لا» . قال : قلت : أليس هو سبع ؟ قال : «لا واللّه ، إنّه نجس ، لا واللّه إنّه نجس» (3) .وخبره الآخر مثله 4 .وصحيح معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الهرّة «أنّها من أهل البيت ، ويتوضّأ من سؤرها» (4) . وخبر [ أبي ]الصبّاح عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : كان عليّ عليه السلام يقول : «لا تدع فضل

.


1- .. راجع : الحديثين 9 و 10 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 647 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 41 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 576 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 226 ، ح 652 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 227 ، ح 579 .

ص: 172

السنّور أن يتوضّأ منه ، إنّما هي سَبُع» (1) .وموثّق سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، أنّ عليّا عليه السلام قال : «إنّما هي من أهل البيت» (2) . وخبر أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «ليس بفضل السنّور بأس أن يتوضّأ منه ويشرب ، ولاتشرب سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضا كبيرا يستقى منه» (3) .وصحيح حريز ، عن محمّد _ وهو ابن مسلم (4) _ عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ؟ قال : «اغسل الإناء» ، وعن السنّور ؟ قال : «لابأس أن يتوضّأ من فضلها ؛ إنّما هي من السباع» (5) . وصحيح فضالة بن أيّوب ومحمّد بن أبيعمير ، عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن سؤر الدوابّ والغنم والبقر : أيتوضّأ منه ويشرب ؟ فقال : «لابأس به» (6) .وإليه ذهب الشيخ في الخلاف (7) مدّعيا عليه إجماع الفرقة ، وحكاه عن الشافعي (8) ، وخالفه في المبسوط (9) والنهاية (10) ، فحرّم فيهما استعمال سؤر ما لايؤكل لحمه من

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 ، ح 653 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 228 ، ح 582 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 ، ح 654 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 228 ، ح 583 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 226 ، ح 650 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 20 ، ح 44 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 _ 227 ، ح 577 .
4- .. في المصدرين : «عن محمّد بن مسلم» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 644 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 18 _ 19 ، ح 39 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 227 _ 228 ، ح 581 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 _ 228 ، ح 657 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 596 .
7- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 203 _ 204 ، المسألة 167 ، والمذكور فيها «الهرّة» .
8- .. حكاه عن بعض أصحاب الشافعي .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 10 .
10- .. النهاية ، ص 4 ، ولفظه مغاير لما نسب إليه هنا ، حيث ورد فيها : «لابأس باستعمال سؤر البغال والحمير والدوابّ والهرّ وغير ذلك إلّا الكلب خاصّة والخنزير ، وكذلك لا بأس بأسئار الطيور كلّها إلّا ما أكل الجيف ، أو كان في منقاره أثر دم» .

ص: 173

الحيوان الحضري من غير الطيور إلّا ما لايمكن التحرّز منه كالهرّة والفأرة والحيّة ونحوها ، وبه قال في كتابي الأخبار (1) أيضا ، محتجّا بمفهوم موثّق عمّار الساباطي (2) . ومثله صحيحة عبداللّه بن سنان (3) .وبموثّق سماعة ، قال : سألته : هل يشرب سؤر شيء من الدوابّ ويتوضّأ منه ؟ قال : «أمّا الإبل والبقر فلابأس» (4) . وخبر عبداللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبيطالب ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : كلّ شيء يجترّ فسؤره حلال ولعابه حلال» (5) .وهي محمولة على ضرب من الكراهة ، كما يدلّ عليه مرسلة الوشّاء (6) ، مع ضعف دلالة المفهوم لاسيّما مع معارضة المنطوق . وحكى في المختلف (7) عن ابن إدريس (8) أنّه حكم بنجاسة سؤر هذه الحيوانات ، ولم أجد له مستندا ، وما ذكر من الأخبار إنّما تدلّ على عدم جواز استعماله وهو أعمّ من النجاسة ، مع ما ذكر فيها .ومنع الشيخ في المبسوط (9) من استعمال سؤر الجلاّل وآكل الجيف . وعن ابن الجنيد أنّه منع من استعمال سؤر الجلاّل والمسوخ (10) ، وظاهرهما

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 10 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 224 ، ذيل الحديث 642 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 26 .
3- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 224 ، ح 642 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 25 ، ح 64 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 230 ، ح 590 .
4- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 593 .
5- .. هو الحديث 3 من الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 227 ، ح 656 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 595 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 8 ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 228 ، ح 658 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 _ 233 ، ح 597 ؛ وج 3 ، ص 414 ، ح 4023 .
7- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 232 ، ح 594 .
8- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 229 .
9- .. السرائر ، ج 1 ، ص 85 .
10- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 229 .

ص: 174

التحريم ، وهو في سؤر الجلاّل وآكل الجيف إنّما يتمّ مع وجود عين النجاسة في موضع الملاقاة ، وأمّا مع عدمه فلا ؛ للأصل ، والعمومات ، وانتفاء ما يعارضهما ، بل صرّح بذلك التفصيل في آكل الجيف ما رواه المصنّف من موثّق عمّار (1) ، وفي الجلاّل ما رواه الصدوق قال : وسئل الصادق عليه السلام عن ماء شربت دجاجة ؟ فقال : «إن كان في منقارها قذر لم يتوضّأ منه ولم يشرب ، وإن لم يعلم في منقارها قذر توضّأ منه واشرب» . (2) وقد اشتهر بين الأصحاب كراهته مع الخلوّ ، ولايبعد نفيها أيضا ، لأنّ الكراهة حكم شرعي لابدّ لها من مستند شرعي ؛ ولا مستند لها . وأمّا المسوخ فقد نقل عن الشيخ أنّه حكم في الخلاف بنجاستها ؛ محتجّا بتحريم بيعها (3) ، وكأنّ ابن الجنيد اعتمد عليه ، واُجيب عنه بمنع التحريم ، ويأتي القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى .ثمّ بمنع الملازمة ، والأكثر حكموا بالكراهة ، وهي أيضا غير معتمد على شيء . واشتهر كراهة سؤر البغال والحُمُر الأهليّة ؛ بناء على كراهية لحمهما ، وفيه تأمّل ، والأظهر الإباحة فيما عدا نجس العين إلّا ما ورد عليه نصّ من التوضّي من سؤر الجنب والحائض المتّهمتين ، ويأتي في الباب الآتي .وبه قال الشافعي على ما نقل عنه في الخلاف 4 .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 13 ، ح 18 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 832 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 25 ، ح 64 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 380 .
3- .. الخلاف ، ج 3 ، ص 183 _ 184 ، كتاب البيوع ، المسألة 306 ؛ حيث قال : «القرد لايجوز بيعه . . . دليلنا إجماع الفرقة على أنّه مسخ نجس ، وما كان كذلك لايجوز بيعه بالاتّفاق» .

ص: 175

وقال أبوحنيفة :الحيوان على أربعة أضرب : حيوان نجس كالكلب والخنزير والسباع ، لايجوز استعمال شيء من أسآرها ، ووجب إراقته وغسل الإناء حتّى يغلب على الظنّ طهارته ، وحيوان طاهر وسؤره طاهر ، وهو مايؤكل لحمه إلّا الدجاج ، فإنّه يكره سؤرها ، وحيوان يكره سؤره وهو جوارح الطير ، والهرّ من جملة ذلك ، قال : والقياس أنّها نجسة ، ولكن يجوز التوضّي به استحسانا ؛ لتعذّر الاحتراز منه ، والرابع حيوان مشكوك فيه كالبغل والحمار ، فهو مشكوك في طهارة سؤره (1) .[قوله] في خبر سماعة : (يهريقهما ويتيمّم) . [ ح 6/3843 ] ومثله ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام _ في حديث طويل _ قال : سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر لايدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيره . قال : «يهريقهما جميعا ويتيمّم» . (2) وظاهرهما وجوب الإهراق ، وصرّح به الشيخان في المقنعة (3) والنهاية (4) ، والصدوق في الفقيه (5) ، وكأنّه تعبّد . وقيل : «ليتحقّق فقد الماء الطاهر» ، وفيه نظر ؛ إذ المشتبه بالنجس كالمعدوم ، وذهب ابن إدريس (6) والأكثر إلى عدمه ؛ حاملين للأمر به على الإباحة ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (7) والخلاف (8) حيث لم يتعرّض فيهما للإهراق ، ورجّحه في

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 85 .
2- .. حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 187 ، المسألة 144 ، واللفظ له ؛ وابن حزم في المحلّى ، ج 1 ، ص 133 ؛ وابن رشد الحفيد في بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 27 ؛ والسرخسي في المبسوط ، ج 1 ، ص 47 _ 50 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 248 ، ح 712 ؛ وص 407 ، ح 1281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 251 ، ح 376 ؛ وج 3 ، ص 345 ، ح 3823 .
4- .. المقنعة ، ص 69 .
5- .. النهاية ، ص 6 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 7 ، باب المياه وطهرها ونجاستها .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 8 .
8- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 198 ، المسألة 155 .

ص: 176

المنتهى (1) ، وفي القواعد (2) جزم به ، وقال : «بل قد يحرم عند خوف العطش» ، ومثله الشهيد في الذكرى ، قال :والحديث يحمل على الكناية عن النجاسة أو استحقاق الإهراق ، وربما قيل بجواز التوضّي من أحد الإناءين وصلاة ، ثمّ وضوء آخر من الآخر وصلاة اُخرى ، وهو محلّ تأمّل . (3) وقد ألحقوا بذلك الزائد على الإناءين ، وهو جيّد ، ولم أر مخالفا له .وألحق بعضهم به كلّ مشتبه ، فحكموا بحرمة الشرب من أحدها وحرمة الأكل من الجُلّة التي وقعت فيها تمرة نجسة مع عدم العلم بعينها ، وعدم جواز اللبث في المسجد لرجلين كان أحدهما جنبا مع الاشتباه ، وعدم جواز اقتداء أحدهما بالآخر ، وأمثال ذلك .وبه صرّح في المبسوط ، وهو قياس ، ويتأبّى عنه الأصل والعمومات . وقال المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في شرح القواعد :ولا يجوز عندنا التحرّي (4) وإن انقلب أحدهما . والمراد به الاجتهاد في طلب الأحرى ؛ وهو الظاهر ؛ لقرينة ثبوت النهي (5) عن استعمالها ، فالقرينة التي لاتثمر اليقين غير كافية في الخروج عنه ، ولأنّه لا يأمن أن يكون استعماله للنجس فينجس به مع بقائه على حدثه ، وليس هذا كالاجتهاد في القبلة، وجوّزه الشافعي [ هنا، و ] مع انقلاب أحدهما [ فالتحرّي عند بعض الشافعيّة ثابت _ كما إذا لم ينقلب _ ] ، وعند بعضهم يتعيّن حينئذٍ استعمال الباقي ؛ لعدم القطع بوجود النجس ، وقد كان [ الأصل ] الطهارة ، وليس بشيء. انتهى . (6)

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 175 .
2- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 189 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 105 .
4- .. كذا في النسخ ، وفي المصدر : «ولايجوز له التحرّي» .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «بقرينة لثبوت النهي» .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 151 ، وما بين المعقوفات منه .

ص: 177

[باب] الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصب

ولو اشتبه المطلق بالمضاف لايجوز التيمّم حينئذٍ (1) بل يتوضّأ من كلّ منهما وضوءً ويصلّي صلاة واحدة ، كذا في الخلاف (2) والذكرى (3) والقواعد (4) ، ولم أجد مخالفا لهم .ولو أهرق أو انقلب أحدهما ، قيل : لايبعد وجوب الوضوء بالآخر ، وفي القواعد : «الوجه الوضوء والتيمّم ، وهو واضح» . (5) وفي شرح المحقّق الشيخ عليّ :ويحتمل ضعيفا عدم وجوب الوضوء فيتمّم خاصّة ، لأنّ التكليف بالوضوء إنّما هو مع وجود المطلق [ وهو منتف ] ، ولأصالة البراءة من وجوب طهارتين . (6)

[باب] الوضوء من سؤر الحائض والجنب واليهودي والنصراني والناصبأراد قدس سره بالجنب المرأة الجنب ، وهذا اللفظ ممّا يستوي فيه المذكّر والمؤنّث ، والمفرد والتثنية والجمع (7) ، وحكى _ طاب ثراه _ عن الأزهري (8) أنّه قال : «يسمّى جنبا لتجنّبه الصلاة» . (9)

.


1- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 189 .
2- .. كتب في الهامش : «لعدم شمول النصّ له وإمكان الوضوء بالماء يقينا . منه عفي عنه» .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 199 ، المسألة 158 .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 105-106 . ومثله في الدروس ، ج 1 ، ص 122 ، الدرس 18 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، الفصل الخامس في الأحكام .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 152 .
7- .. صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 103 ؛ النهاية ، ج 1 ، ص 291 (جنب) .
8- .. محمّد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي الشافعي ، أحد الأئمّة في اللغة والأدب ، ولد في هراة بخراسان سنة 282 ، عنى بالفقه ، فاشتهر به أوّلاً ، ثمّ غلب عليه التبحّر في العربيّة ، فرحل في طلبها وقصد القبائل وتوسّع في أخبارهم ، ومات بهراة سنة (370 ه ). له من الكتب : الأسماء الحُسنى ، تفسير إصلاح المنطق ، تفسير القرآن ، تهذيب اللغة ، شرح ديوان أبيتمام ، علل القراءات ، غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء ، فوائد منقولة من تفسير المزني ، كتاب الروح . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 16 ، ص 315 _ 317 ، رقم 222 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 311 .
9- .. تهذيب اللغة ، ج 11 ، ص 118 (جنب) . والمذكور هنا نقل بالمعنى، ولفظه هكذا : «وقيل للجنب جنب ؛ لأنّه فنُهي أن يَقرب مواضعَ الصلاة ما لم يتطهّر».

ص: 178

وعن القتيبي (1) أنّه قال : «سمّي بذلك لتجنّبه الناس حتّى يغتسل» .وعن الشافعي أنّه قال : «هو من المخالطة ، يقال : أجنب الرجل إذا خالط امرأته» . وهو ضدّ الأوّل ؛ لأنّه من القرب . وفيه مسائل :الاُولى : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط (2) كراهة التوضّي من سؤر الحائض مطلقا ، وهو ظاهر إطلاق أكثر الأخبار التي ذكرها المصنّف في الباب ، وما رواه الشيخ عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته : هل يتوضّأ من فضل وضوء الحائض ؟ قال : «لا» . (3) وعن أبيهلال ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «المرأة الطامث أشرب من فضل شرابها ، ولا اُحبّ أن أتوضّأ منه» . (4) وعن الحسين بن أبيالعلاء ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الحائض : «يشرب من سؤرها ولايتوضّأ» . (5) وعن يعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته: هليتوضّأ من فضل وضوء الحائض ؟ قال : «لا» . (6) وخصّها الأكثر بغير المأمونة ؛ جمعا بينها وبين ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام في الرجل : يتوضّأ بفضل الحائض ؟ قال : «إذا كانت مأمونة فلابأس» . (7) وعن عيص بن القاسم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن سؤر الحائض ؟ قال : «توضّأ به ، وتوضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء ، وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يغتسل هو وعائشة في إناء واحد ، ويغتسلان جميعا» . (8) وربّما احتمل الحرمة مع الاتّهام ، وهو أحد وجهي الجمع للشيخ في الاستبصار (9) ، وظاهر الأخبار اختصاص الكراهة بالوضوء منه دون سائر استعمالاته ، فتعبير الأكثر في عنوان المسألة بكراهة سؤرها من غير تقييد بالوضوء غير جيّد .وكذا المشهور في المرأة الجنب كراهة سؤرها مع الاتّهام ، والظاهر تقييدها بالتوضّي منه ، كما هو ظاهر ما رواه المصنّف عن عيص (10) ، وما رويناه عنه . الثانية : سؤر اليهود والنصارىوقد اختلف الأصحاب فيه ، ونجاسته هو المشهور ، بل ادّعى السيّد المرتضى في الانتصار (11) والناصريّات (12) ، وابن إدريس _ على ما حكي عنه _ إجماع الفرقة المحقّة عليها ،

.


1- .. عبداللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري القتيبي ، النحوي ، اللغوي ، صاحب مؤلّفات كثيرة في اللغة والنحو والحديث وغيرها ، وكان رأسا في علم اللسان العربي والأخبار وأيّام الناس ، ولد ببغداد ، وولي قضاء دينور فنسب إليها ، حدّث عن إسحاق بن راهويه وطبقته ، وحدّث عنه الهيثم بن كليب الشاشي وطبقته ، من تصانيفه الكثيرة : أدب الكاتب ، طبقات الشعراء ، عيون الأخبار ، غريب الحديث ، غريب القرآن ، المعارف ، توفّي سنة 276 . راجع : الأنساب للسمعاني ، ج 4 ، ص 451 «القتيبي» ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 13 ، ص 296 _ 302 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ، ص 150 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 10 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 ، ح 636 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ح 34 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 237 _ 238 ، ح 612 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 _ 223 ، ح 637 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 18 ، ح 35 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 238 ، ح 613 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 ، ح 636 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ح 33 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 236 ، ح 607 . وهو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
6- .. مكرّر لما تقدّم آنفا .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 _ 222 ، ح 632 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 16 _ 17 ، ح 30 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 237 ، ح 610 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 222 ، ح 633 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ح 31 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 234 ، ح 600 . وهو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
9- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 17 ، ذيل ح 34 .
10- .. وهو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
11- .. الانتصار ، ص 88 .
12- .. الناصريّات ، ص 84 .

ص: 179

ويدلّ عليها ظاهر حسنة الأعرج ، ومثلها مرسلة الوشّاء ؛ لأنّ الكراهة فيها بمعنى الحرمة بقرينة ذكر المشرك .وما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : قال لي أبوعبداللّه عليه السلام : «لاتأكل ذبائحهم ، ولاتأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب . (1) واحتجّ أيضا عليها بقوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (2) ، بضميمة قوله سبحانه فيهما : «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ » إلى قوله عزّ وجلّ : «سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » (3) .وقوله تعالى : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَ_رَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ » إلى قوله : «سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » (4) . وعن ابن أبيعقيل وابن الجنيد طهارته ؛ لقوله تعالى : «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَ_بَحِلٌّ لَّكُمْ » (5) ، ويؤكّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم ، أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني ؟ قال : «لا بأس إذا كان من طعامك» . (6) وفي الصحيح عن إبراهيم بن أبيمحمود ، قال : قلت للرضا عليه السلام : الجارية النصرانيّة تخدمك وأنت تعلم أنّها نصرانيّة لاتتوضّأ ولاتغسل من جنابة ؟ قال : «لا بأس ، تغسل يديها» (7) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 63 _ 64 ، ح 269 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 81 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 518 ، ح 4338 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 6 ، ص 240 ، ح 12 .
2- .. التوبة (9) : 28 .
3- .. التوبة (9) : 31 .
4- .. التوبة (9) : 30 .
5- .. المائدة (5) : 5 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 88 ، ح 373 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 209 ، ح 30361 . وقريبه في الكافي ، ج 6 ، ص 263 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 497 ، ح 4277 ؛ وج 24 ، ص 208 ، ح 30358 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 399 ، ح 1245 ؛ وج 6 ، ص 385 ، ح 1143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 422 ، ح 4050 .

ص: 180

وفي الموثّق عن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل : هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب على أنّه يهودي ؟ فقال : «نعم» . قلت : فمن ذاك الماء الذي شرب منه ؟ قال : «نعم» . (1) وعن أبييحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبيالحسن الهاشمي ، قال : سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمّام لاأعرف اليهودي من النصراني ، ولا الجنب من غير الجنب ؟ قال : «تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر ؛ فإنّه طهور» الحديث . (2) وعن يونس بن بهمن ، قال : قلت لأبيالحسن عليه السلام : أهدى إلَيَّ قرابة لي نصراني دجاجا وفراخا قد شواها ، وعمل لي فالوذجة فآكله ؟ قال : «لا بأس» . (3) وعن سعد بن إسماعيل ، عن أبيه إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن ذبائح اليهود والنصارى وطعامهم ؟ قال : «نعم» . (4) وعلى المشهور أجابوا عن الاحتجاج بالآية الكريمة بأنّ الطعام فيها مختصّ بالحبوبات ؛ مستندين في ذلك بما رواه المصنّف في باب ذبائح أهل الكتاب عن محمّد بن سنان ، عن قتيبة الأعشى ، قال : سأل رجل أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال له : الغنم نرسل فيها اليهودي والنصراني ، فتعرّض فيها العارضة فيذبح ، أنأكل ذبيحته ؟ فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «لا ، تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ولايؤمن عليها إلّا مسلم» . فقال له الرجل : قال اللّه تعالى : «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَ_تُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 223 _ 224 ، ح 641 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 81 ، ح 38 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 229 ، ح 588 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 ، ح 372 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 69 ، ح 296 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 86 ، ح 328 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 64 ، ح 30006 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 70 ، ح 297 ؛ الاستبصار ، ج 4 ، ص 86 ، ح 329 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 64 ، ح 30007 .

ص: 181

الْكِتَ_بَ حِلٌّ لَّكُمْ » (1) ، فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «كان أبي عليه السلام يقول : إنّما هو الحبوب وأشباهها» . (2) وعن الأخبار بالمعارضة . وأقول : خبر الأعشى مع ضعفه بمحمّد بن سنان ، لايدلّ على نجاسة أهل الكتاب ، وإنّما يدلّ على تحريم ذبيحتهم إذا لم يسمع منهم التسمية عند الذبح ؛ لظهور قوله عليه السلام : «فإنّما هو الاسم ولايؤمن عليها إلّا مسلم» ، وهو معنى آخر غير النجاسة يأتي القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى .وأمّا قوله عليه السلام : «إنّما هو الحبوب» ، فالظاهر المتبادر أنّ تفسيره عليه السلام الطعام بها إنّما هو في مقابلة ذبائحهم ، ويؤيّد ذلك ذكر أشباهها معها ، وعموم الحبوب وشمولها للرطب منها أيضا . وبذلك ينحلّ الإشكال الذي ذكر في كنز العرفان (3) في الحديث بقوله :وفيه إشكال ، وهو أنّ الحبوب وغيرها من الجامدات داخلة في الطيّبات في قوله : «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَ_تُ » 4 ، وعطف الخاصّ على العامّ لايجوز إلّا لنكتة أو فضيلة كعطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة ، وأيّ نكتة هنا اقتضت الإخراج والعطف .وأمّا المعارضة فضعيفة ؛ لأنّ الآية التي استدلّوا بها على نجاسة أهل الكتاب لاتدلّ على مدّعاهم ؛ فإنّ المشركين إنّما استعملوا في كلام المجيد في مقابل المؤمنين وأهل الكتاب جميعا ، كيف لا وقد جرت عادة اللّه سبحانه فيه بعطف اليهود والنصارى

.


1- .. المائدة (5) : 5 .
2- .. الكافي ، ج 6 ، ص 240 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 48 ، ح 29956 .
3- .. كنز العرفان في فقه القرآن ، للشيخ مقداد بن عبداللّه السيوري الأسدي الحلّي المعروف بالفاضل المقداد ، من تلاميذ الشهيد الأوّل ، عالم ، فاضل ، فقيه ، متكلّم ، مفسّر ، محقّق ، وله أيضا : شرح نهج المسترشدين في اُصول الدين ؛ والتنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع ؛ وشرح مبادئ الاُصول ، توفّي في النجف الأشرف في سنة 826 ه ق . راجع : كشف الحجب والأستار ، ص 475 ، الرقم 2681 ؛ هديّة العارفين ، ج 2 ، ص 470 ، الرقم 792 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 318 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 282 .

ص: 182

عليهم في كلّ حكم للمشركين يعمّهما ، والمراد بالأرباب في قوله سبحانه : «اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَ_نَهُمْ أَرْبَابًا » (1) المطاعون في الأوامر والنواهي لا المشاركون للّه تعالى في المعبوديّة ؛ إذ لم ينسب ذلك إلى أحد من القبيلين .وأمّا إثبات الولد له سبحانه ، فإنّما يكون كفرا لا شركا ، نعم قد يطلق الشرك على مطلق الكفر ، ومنه قوله : «سُبْحَ_نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ » . لايقال : إنّ النصارى قد أشركوا المسيح واُمّه للّه تعالى في العبادة ؛ لقوله تعالى فيهم : «لَا تَقُولُواْ ثَلَ_ثَةٌ » (2) .لأنّا نقول : إنّما شرّكوا بينهما وبينه تعالى في التعظيم لا في الربوبيّة . وقولهم بالتثليث وبالأقانيم الثلاثة ، مرجعه التنزّلات التي زعمتها الصوفيّة ، والقول بذلك أيضا إنّما يكون كفرا لا شركا .وأمّا معارضة الأخبار التي ادّعوها ، فهي أيضا ضعيفة ؛ لكثرة الأخبار الاُولى واشتمالها على صحيحين ، بخلاف الثانية ؛ لقلّتها وعدم صحّة شيء منها . والأظهر القول بنجاستهما لكن لا بالعين بل بالعرض ؛ لعدم اجتنابهما عن النجاسات ؛ بدليل صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : «لاتأكله» (3) ، فسكت هنيئة ثمّ قال : «لاتأكله» ، ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال : «لاتأكله ولاتتركه تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه (4) عنه ؛ إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير» . (5) وبذلك يجمع بين الأدلّة ، وعلى هذا فلو ارتمسا في ماء كثير أو جار حكمنا عليهما

.


1- .. التوبة (9) : 31 .
2- .. النساء (4) : 171 .
3- .. في الأصل : «لاتأكل» ، والتصويب من مصادر الحديث.
4- .. كذا في الأصل ، و مثله في تهذيب الأحكام و وسائل الشيعة، وفي الكافي : «تنزّها» .
5- .. الكافي ، ج 6 ، ص 264 ، ص 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 87 ، ح 368 ؛ وسائل الشيعة ، ج 24 ، ص 210 _ 211 ، ح 30366 .

ص: 183

بالطهارة .وبذلك ينحلّ الإشكال الذي اُورد على الأمر باغتسال النصراني والنصرانيّة في موثّقة عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : فإن مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهنّ قرابة ؟ قال : «يغتسل النصارى ثمّ يغسّلونه فقد اضطرّ» . وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل من ذوي قرابتها ومعها نصرانيّة ورجال مسلمون ؟ قال : «تغتسل النصرانيّة ثمّ تغسلها» . (1) ولا حاجة لدفعه إلى ارتكاب التكلّف بحمل الأمر فيه على التعبّد ، والظاهر وفاق أهل الخلاف على طهارتهما ظاهرا وباطنا ، وحكى السيّد في الناصريّات (2) عن الطحاوي (3) ، عن مالك في سؤر النصراني : أنّه لايتوضّأ به (4) ، ونقله في الانتصار أيضا عنه ، إلّا أنّه قال بعد ذلك : «ووجدت المحصّلين من أصحاب مالك يقولون : إنّ ذلك على سبيل الكراهية لا التحريم ؛ لأجل استحلالهم الخمر والخنزير» . (5) وأمّا غير أهل الكتاب من أصناف الكفّار ، فسؤرهم نجس عند أهل العلم ، إلّا ما حكي عن أبيحنيفة من أنّه حكم بطهارة سؤر الآدمي مطلقا مسلما كان أو كافرا ، صغيرا كان

.


1- .. الانتصار ، ص 88 .
2- .. الناصريّات ، ص 84 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 159 ، ح 12 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 340 _ 341 ، ح 997 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 515 ، ح 2788 .
4- .. أبوجعفر أحمد بن محمّد بن سلمة الأزدي الطحاوي المصري ، ولد سنة (239 ه ق) ببطحا قرية من صعيد مصر ، وسمع الحديث من إبراهيم بن أبيداود وبكّار القاضي وهارون بن سعد ويونس بن عبدالأعلى وغيرهم ، وسمع منه ابنه عليّ وخاله إسماعيل المزني وسليمان بن أحمد الطبراني وعبدالعزيز الجوهري وآخرون ، تفقّه على مذهب الشافعي ، ثمّ تحوّل إلى مذهب الحنفيّة ، ورحل إلى الشام سنة 268 ، فاتّصل بأحمد بن طولون وكان من خاصّته ، توفّي بالقاهرة سنة (321 ه ق) ، له من الكتب : أحكام القرآن ، اختلاف الفقهاء ، شرح مشكل الآثار ، شرح معاني الآثار ، وغيرها . راجع : معجم البلدان ، ج 4 ، ص 22 (طحا) ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 1 ، ص 120 (الأزدي) ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 27 _ 33 ، الرقم 15 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 206 .
5- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 14 .

ص: 184

أو كبيرا . (1) وقد استشكل بعض الأصحاب الحكم بنجاسة أطفالهم وقال : «الدليل لو تمّ إنّما يدلّ على نجاسة من يسمّى كافرا ، وهم قبل البلوغ كما لايصدق عليهم اسم المسلم لايصدق عليهم اسم الكافر أيضا ، ومقتضى الأصل طهارتهم» .وأقول : بل الظاهر إسلامهم ؛ لأنّ الإسلام هو فطرة اللّه التي فطر الناس عليها، وقد ثبت من الأخبار المتظافرة عن أهل البيت عليهم السلام أيضا أنّ الناس مولودون على فطرة الإسلام ، وأنّ أبويه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه (2) ، والسرّ في ذلك هو إيمانهم فيعالم الذرّ على ما دلّ عليه قوله عزّ من قائل في ذلك العالم خطابا للناس جميعا : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » ، وقولهم : «بَلَى » (3) في جوابه ، فالظاهر طهارة هؤلاء بالذات قبل البلوغ ، ونجاستهم بالعرض ، وإن قيل بنجاسة أهل الكتاب بأعيانهم ، فتأمّل .وفي حكم المشرك الناصب ، والمراد به هنا على المشهور هو المظهر لعداوة أهل البيت عليهم السلام ، ومنهم الخوارج ، ويدلّ عليه مرسلة الوشّاء (4) .وخبر ابن أبييعفور عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لاتغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام ؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزني ، وهو لايطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب ، وهو أهون على اللّه من الكلب» الحديث . (5) وخبر حمزة بن أحمد ، عن أبيالحسن الأوّل عليه السلام ، قال : سألته أو سأله غيري عن

.


1- .. حكاه عنه الكاشاني في بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 63 و64 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 149 .
2- .. الفقيه ، ج 2 ، ص 49 ، ح 1668 ؛ وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 125 ، ح 20130 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 2047 ، ح 2658 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 11 ، ص 119 ، ح 20087 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 1 ص 282 ، _ 283 ، ح 823 ؛ كنز العمّال ، ج 1 ، ص 261 ، ح 1306 ؛ وص 266 ، ح 1337 ؛ وج 4 ، ص 591 ، ح 11730 . وراجع: الكافي ، ج 2 ، ص 12 ، باب فطرة الخلق على التوحيد ؛ والتوحيد للصدوق ، ص 328 _ 331 .
3- .. الأعراف (7) : 172 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، ص 11 ، ح 26 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 223 ، ح 639 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 18 ، ح 37 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 229 ، ح 587 .
5- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 219 ، ح 559 .

ص: 185

الحمّام ؟ قال : «ادخله بمئزر ، وغُضّ بصرك ، ولاتغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزني والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم» . (1) ورواية عليّ بن الحكم ، عن رجل من بني هاشم ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : قلت : ما تقول في الحمّام ؟ قال : «لاتدخل الحمّام إلّا بمئزر ، وغُضَّ بصرك ، ولاتغتسل من غسالة الحمّام ؛ فإنّه يُغتَسَل فيه من الزني ، ويغتسل فيه ولد الزني والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم» . (2) وخبر محمّد بن عليّ بن جعفر ، عن أبيالحسن الرضا عليه السلام ، قال : «من أخذ من الحمّام خزفة فحكّ بها جسده فأصابه البرص ، فلايلومنّ إلّا نفسه ، ومن اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام ، فلايلومنّ إلّا نفسه» .قال محمّد بن عليّ : فقلت لأبيالحسن عليه السلام : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّ فيه شفاء من العين ؟ ! فقال : «كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي شرّهم ، وكلّ من خلق اللّه ثمّ يكون فيه شفاء من العين ؟ إنّما شفاء العين قراءة الحمد والمعوِّذتين ، والبخور بالقسط (3) والمرّ (4) واللبان (5) » . (6) وكان الأنسب أن يذكر المصنّف في عنوان الباب ولد الزني أيضا ؛ لتعرّضه لخبره ، وقد اختلف الأصحاب في سؤره ، فظاهر مرسلة الوشّاء وأكثر ما ذكر من الأخبار نجاسته ، وهو منقول عن ابن إدريس (7) ، وظاهر الصدوق ؛ حيث قال : «لايجوز الوضوء

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 _ 219، ح 559 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 _ 219 ، ح 556 .
3- .. القُسطُ : عُودٌ هِندي يُجعَل في البخور والدواء . كتاب العين ، ج 5 ، ص 71 (قسط) .
4- .. المرّ : صمغ شجرة تكون ببلاد المغرب .
5- .. اللُبان : الكُندُر . كتاب العين ، ج 8 ، ص 327 (لبن) .
6- .. الكافي ، ج 6 ، ص 503 ، ح 38 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 219 ، ح 557 .
7- .. حكم ابن إدريس بكفر ولد الزني في : السرائر ، ج 1 ، ص 357 ؛ ج 2 ، ص 122 ، 353 ، 526 ؛ ج 3 ، ص 10 .

ص: 186

بسؤر ولد الزني» (1) ، والمشهور كراهته (2) إلّا أن يظهر الكفر ، وحملت تلك الأخبار عليها .وفي شرح الفقيه للمحقّق المجلسي قدس سره : «واستدلّ ابن إدريس على نجاسته بالإجماع ، مع أنّه يمكن دعوى الإجماع على خلافه ؛ لأنّه معروف النسب ، فلايضرّ خروجه ، وربما يستدلّ عليها بأنّه كافر ؛ لأنّه يموت على الكفر ، والمسلم لايكفر كما هو طريقأصحاب الموافاة ، وفيه ما لايخفى» . واعلم أنّه قد شرّك في حسنة الوشّاء بين المشرك والناصب وولد الزني واليهودي والنصراني وكلّ من خالف الإسلام في كراهة سؤرهم ، ولا ريب في نجاسة سؤر المشرك والناصب ومن خالف الإسلام ، فعلى القول بنجاسة البواقي ، تكون الكراهة فيها بمعنى الحرمة ، وقد شاع ذلك في الأخبار ، وأمّا على القول بطهارتهم ، فهي مستعملة في معناها المصطلح والحرمة معا ولو من باب عموم المجاز .[قوله] في خبر العيص : (يفرغان على أيديهما) . [ ح 2/3846 ] فرغ الماء يفرَغ فراغا مثل سمع سماعا : انصبّ ، وأفرغته أنا .[قوله] : (عن الحسين بن أبيالعلاء) . [ ح 3/3847 ] كتب الرجال التي رأيتها خالية عن مدحه وذمّه ، إلّا أنّه نقل السيّد المصطفى والفاضل الإسترآبادي عن ابن داوود (3) تزكيته نقلاً عن السيّد جمال الدين في كتاب البُشرى (4) .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 9 ، ذيل ح 11 ؛ الهداية ، ص 68 .
2- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 98 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 160 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 50 ؛ نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 239 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 281 ؛ كشف اللثام ، ج 1 ، ص 219 .
3- .. رجال ابن داود ، ص 79 ، الرقم 468 .
4- .. بشرى المحقّقين في الفقه ، كتاب كبير مبسوط ، للسيّد جمال الدين أبيالفضائل أحمد بن موسى بن جعفر بن طاووس العلوي الحسني ، فقيه أهل البيت ، وكان أورع أهل زمانه ، له أيضا من الكتب : الاختيار في أدعية الليل والنهار ، الأزهار في شرح لاميّة مهيار ، بناء المقالة العلويّة في نقض الرسالة العثمانيّة ، الثاقب المسخّر على نقض المشجّر في اُصول الدين ، زهرة الرياض في المواعظ ، السهم السريع ، شواهد القرآن ، عمل اليوم والليلة ، عين العبرة في غبن العترة ، الفوائد العدّة ، المسائل في اُصول الدين ، الملاذ في الفقه ، كتاب الكرّ ، توفّي سنة 673 في حلّة ودفن بها . راجع : رجال ابن داود ، ص 45 _ 46 ، الرقم 140 ؛ الذريعة ، ج 3 ، ص 120 ، الرقم 407 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 261 .

ص: 187

[قوله] : (عن معلّى بن محمّد) . [ ح 4/3848 ]هو أبوالحسن البصري ، مضطرب الحديث والمذهب على ما ذكره النجاشي (1) والعلّامة في الخلاصة (2) ، ولعلّ هذا الحديث من أحاديثه المضطربة حيث دلّ على اشتراط معرفة المرأة بالوضوء لطهارة سؤرها ، وليس كذلك .وقال _ طاب ثراه _ : المراد بالوضوء فيه المعنى اللغوي ، ويفهم منه أنّه لايتطهّر من فضلها إذا لم تكن عارفة للطهارة ، فليحمل ذلك على الكراهة ، ويكون مخصِّصا لخبر العيص ، وقوله : «ولاتتوضّ من سؤر الحائض» دلّ بإطلاقه على كراهة اغتسالهما من إناء واحد مطلقا ، فهو أيضا مخصِّص له من وجه آخر ، كما لايخفى .

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 418 ، الرقم 1118 .
2- .. خلاصة الأقوال ، ص 409 ، الرقم 2 .

ص: 188

[باب] الرجل يدخل يده في الماء

[باب] الرجل يدخل يده في الماء (1) إلخ .أجمع الأصحاب على استحباب غسل اليد قبل إدخالهما الإناء الذي أمكن الاغتراف منه من حدث النوم والبول والغائط والجنابة ، ويدلّ عليه أكثر أخبار الباب وما سيأتي ، وما رواه الشيخ عن عبدالكريم بن عتبة الكوفي الهاشمي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يبول ولم يمسّ يده اليمنى شيء ، أيدخلها في وَضوئه قبل أن يغسلها ؟ قال : «لا حتّى يغسلها» . قلت : فإنّه استيقظ من نومه ولم يَبُل ، أيدخل يده في

.


1- .. كذا في النسخ ، وفي الأصل : «في الإناء» .

ص: 189

وَضوئه قبل أن يغسلها ؟ قال : «لا ؛ لأنّه لايدري حيث باتت يده ، فليغسلها» . (1) ووافقنا في ذلك أكثر العامّة ، وأوجبه أحمد من نوم الليل (2) ، وابن جرير الطبري وداوود من كلّ نوم (3) على ما حكاه عنهم والدي _ طاب ثراه _ وذلك إمّا لدفع النجاسةالوهميّة كما يشعر به بعض الأخبار ، أو للنظافة ، أو تعبّدا كما قيل . وقال والدي : «ولايستحبّ غسل اليد من غير هذه الأحداث كالريح والاستحاضة ونحوهما ؛ لأصالة البراءة ، وعدم دليل شرعي عليه» . وقد صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد (4) .فروع : الأوّل : قال المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد : «غسل (5) اليد للوضوء من الزند وللجنابة من المرفق على الأظهر» . (6) وقال الشهيد في شرح الإرشاد : «وتغسل لهما من الزند» .وفي المنتهى : لم يحدّ الأصحاب اليد هاهنا ، والأولى أنّ المراد منها العضو من الكوع (7) ؛ لأنّه هو الواجب في مسح التيمّم ؛ ولأنّ الغمس لها ، ولايستحبّ الزيادة ؛ لأنّ اليد من المرفق هو الواجب للوضوء ؛ ولأنّه غير مغموس . (8)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 428 ، ح 1119 .
2- .. بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 9 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 395 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 349 ؛ الخلاف للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 73 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 291 .
3- .. لم أجد هذه النسبة في كتاب ، بل الموجود في المجموع ، ج 1 ، ص 350 : «من نوم الليل» .
4- .. روض الجنان ، ج 1 ، ص 124 .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «تغسل» .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 229 .
7- .. الكُوع والكاع ، زعم أبو الدَقَيش أنّهما طرفا الزندين في الذراع ممّا يلي الرسغ ، والكوع منهما طرف الزند الذي يلي الإبهام وهو أخفاهما ، والكاع : طرف الزند الذي يلي الخنصر ، وهو الكرسوع . كتاب العين ، ج 2 ، ص 181 (كوع) .
8- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 294 .

ص: 190

وأقول : التحديد إلى الزند أقوى في الوضوء والغسل جميعا ، لكن للجنابة من المرفق أفضل ، أمّا أنّه للوضوء من الزند ؛ فلإطلاق «إليه» في أكثر الأخبار المتبادر منها الكفّ إلى الزند ، ولخصوص ما رواه الشيخ في التهذيب عن بكير وزرارة ابني أعين أنّهما سألا أباجعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فدعا بطشت أو بتَور (1) فيه ماء ، فغسل كفّيه ، ثمّ غمس كفّه اليُمنى في التَور» ، الحديث . (2) وأمّا حكم الجنابة ، فيستفاد ممّا رواه الشيخ في الصحيح عن العلاء بن الفضيل ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تبدأ بكفّيك ثمّ تغسل فرجك» ، الخبر . (3) وعن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ، ثمّ تدخل يدك» إلى آخره . (4) وعن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك» ، الحديث . (5) وعن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك ، وتبول إن قدرت على البول ، ثمّ تدخل يدك في الإناء» (6) .

.


1- .. التور : إناء يشرب فيه . صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 602 (تور) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 56 ، ح 158 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1030 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 365 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 420 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 223 ، ح 2013 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، ص 43 ، ح 1 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 362 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 398 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 و231 ، ح 2000 و2021 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، ح 422 ؛ وص 370 ، ح 1131 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 و230 ، ح 1999 و2017 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 _ 132 ، ح 363 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، فج 2 ، ص 230 ، ح 2018 .

ص: 191

وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل ، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه» . (1) وإنّما حملت تلك الأخبار على الندب للجمع بينها وبين ما رواه المصنّف عن أبيبصير ، عنهم عليهم السلام (2) ، وعن شهاب بن عبد ربّه (3) ، وعن محمّد بن مسلم (4) ، وقولِه عليه السلام : «لا بأس» في جواب السائل عن الرجل يدخل الحمّام وهو جنب فيمسّ الماء من غير أن يغسل يديه . (5) وقولِه عليه السلام : «وإن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شيء من المنيّ» . (6) ونظيره فيما سبق في الماء القليل من مرسلة أبييحيى الواسطي . وموثّق عمّار ، وخبر أبيبصير .الثاني : المغسول اليدان جميعا ؛ لصراحة أكثر ما ذكر من الأخبار في ذلك ، والاقتصار على غسل اليد اليُمنى في خبر أحمد بن محمّد بن أبينصر المتقدّم ؛ كأنّه لتأكّد الاستحباب فيها . الثالث : اختلفوا في كمّيّة الغسل بعد اتّفاقهم على ثلاث غسلات في الجنابة ، فقيل : مرّة في البواقي ، وكأنّه تمسّك بإطلاق الغسل في أكثر الأخبار . وقيل : مرّة في البول والنوم ومرّتين في الغائط ، وبه قطع في الذكرى ، (7) ويدلّ عليه حسنة الحلبي في غير النوم (8) ، وروى الشيخ عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «يغسل الرجل يده من النوم مرّة ومن

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 542 .
2- .. وهو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 11 .
3- .. و هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 13 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 _ 213 ، ح 544 .
4- .. وهو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 12 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 150 ، ح 372 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 38 ، ح 102 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 153 ، ح 384 .
7- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 175 .
8- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ، ج 3 ، ص 11 .

ص: 192

الغائط والبول مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا» (1) ، والاختلاف في الأخبار مبنيّ على مراتب الفضل ، وربما قيل : إنّ المرّتين في الأخير للبول والغائط جميعا باعتبار الغائط .[قوله] في خبر عبدالكريم بن عتبة : (لأنّه لايدري أين كانت يده) . [ ح 2/3852 ] وفي التهذيب : «باتت» بدلاً عن «كانت» (2) .قال _ طاب ثراه _ : حاصل التعليل أنّه لا علم له بطهارة اليد ونظافتها ؛ إذ لعلّه تعلّق بها دم في حكّة بثرة أو مسّ بها شيئا من مغابن البدن أو فضوله أو شيئا من نجاسة تخرج من البدن مثل الدم والبول وغيرهما . وقيل : إنّهم كانوا يستجمرون بالأحجار فإذا نام أحدهم فقد يعرق ويمسّ المحلّ . انتهى .وظاهر التعليل يشعر بعدم استحباب غسل اليد لو لم تكن مظنّة النجاسة ، وظاهر ما ذكر من الأخبار استحبابه حينئذٍ أيضا ، وهو ظاهر المنتهى ؛ حيث قال : «ولافرق بين أن يكون يد النائم مشدودة أو مطلقة ، أو في جراب ، أو يكون النائم عليه سراويله ، أو لم يكن ؛ عملاً بالعموم» (3) .والمتبادر من التعليل اعتبار النوم الغالب على الحواسّ وإن قلّ . وفي المنتهى :وقال بعض الفقهاء من الجمهور هو ما زاد على نصف الليل ؛ لأنّه لايكون بائتا بالنصف ، فإنّ من خرج من جمع قبل نصف الليل لايكون بائتا ، ويجب عليه الدم ، وهو ضعيف ؛ لأنّه لو جاء بعد الانتصاف المزدلفة فإنّه يكون بائتا بها إجماعا ولا دم ، وقد بات دون النصف . (4) .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 294 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 36 ، ح 97 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 50 ، ح 142 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 427 ، ح 1118 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 . ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 ، ح 145 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 428 ، ح 1119 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 295 .

ص: 193

[باب] اختلاط ماء المطر بالبول ، و

[قوله] في خبر بكّار : (ثمّ يدخل الحبّ) . [ ح 6/3856 ]أي يريد أن يدخله ، وذكر الفعل الذي يصدر عن المختار ، وإرادة إرادته شائع ، كقوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » (1) .

[باب] اختلاط ماء المطر بالبول ، إلخ .هنا مسائل :الاُولى : لاريب في أنّ ماء المطر حال نزوله مطهّر لما أصابه من النجس إذا استهلكت النجاسة ما لم يتغيّر ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا » (2) ونظائره وقد سبقت (3) .والأخبار بذلك متظافرة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب . ومنها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، قال : سألت أباالحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام عن البيت يبال على ظهره ويغتسل فيه من الجنابة ، ثمّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة ؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس به» . (4) ومنها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن سالم ، أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام عن السطح ، يبال عليه فتصيبه السماء ، فيَكِفُ فيصيب الثوب ؟ فقال : «لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه» . (5) ثمّ ظاهر الآيات وأكثر الأخبار الواردة فيه أنّه يكفي فيه صوب المطر عرفا وهو تقاطره ، وهو المشهور بين الأصحاب ، واعتبر فيه بعض الأصحاب فيه الجريان ؛

.


1- .. المائدة (5) : 6 . وفي النسخ : «وإذا قمتم . . .» .
2- .. الفرقان (25) : 48 .
3- .. أي سبقت في أوّل الكتاب .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 411 _ 412 ، ح 1297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 145 ، ح 359) . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 5 ، ح 6 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 7 _ ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 144 _ 145 ، ح 385 .

ص: 194

محتجّا بصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة ، والظاهر أنّهم أرادوا به الجريان من الميزاب ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط ، فقد قال : «ومياه الميازيب (1) الجارية من المطر حكمه حكم الماء الجاري سواء» . (2) والظاهر أنّ اعتبار الجريان في تلك الصحيحة إنّما هو في ذلك السطح الذي يبال عليه ويغتسل فيه من الجنابة ؛ لنفوذ البول والمياه النجسة في أعماق السطح غالبا ، فيجب أن يستولي المطر عليها حتّى يزيلها . إذا عرفت هذا فنقول : الشوارع والمشارع والمواضع التي تتردّد فيها المشركون والكلاب والخنازير ، ويرد عليها النجاسات غالبا إذا طهرت بالمطر ، هل تبقى طهارتها إلى أن تعلم نجاستها كسائر الأشياء الطاهرة ؟ أو يحكم بنجاستها بعد ذلك بثلاثة أيّام ؟ الأشهر والأظهر هو الأوّل ؛ للأصل والعمومات ، وعدم مخصّص يعتدّ به .وقيل بالثاني ؛ لمرسلة محمّد بن إسماعيل (3) ، المؤيّدة بظهور النجاسة . وفيه : أنّ الخبر مع إرساله يحتمل الحمل على الاستحباب ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «فإن كان الطريق نظيفا لم تغسله» .وأمّا ظهور النجاسة ، فليس مستندا شرعيا لها كما يظهر من الأخبار . الثانية : الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهّر من الخبث والحدث مطلقا عندنا ؛ لإطلاق الماء الطهور في الآية والأخبار ، وانتفاء دليل يعتدّ به على تقييده .ولخصوص ما رواه عبداللّه بن سنان عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لابأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل» . وقال (4) : «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من

.


1- .. المئزاب : المثعب ، فارسي معرّب ، وقد عرّب بالهمز وربّما لم يهمز ، والجمع : مآزيب إذا همزت، والميازيب إذا لم تهمز . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 232 (وزب) .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 6 .
3- .. وهي الرواية 4 من هذا الباب من الكافي .
4- .. من المصدر ، وفي النسخ : «فقال» .

ص: 195

الجنابة لايجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه ، وأمّا الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف ، فلابأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به» (1) .وما رواه زرارة عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : «كان النبيّ صلى الله عليه و آله إذا توضّأ اُخِذ ما يسقط من وضوئه فيتوضّأُونَ به» . (2) والخبران وإن كانا ضعيفين ؛ لوجود أحمد بن هلال في سندهما وهو من الغلاة ، وقد ذمّه مولانا أبومحمّد العسكري عليه السلام (3) ، لكن عمل الأصحاب جبر ضعفهما .واختلفت العامّة فيه ، فوافقنا الحسن البصري 4 والزهري ، وحكاه في [ فتح ]العزيز (4) عن رواية عن جديد الشافعي، وقال: «ومنهم من لم يثبت هذا القول عنه»، وهو إحدى

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 631 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 209 ، ح 535 .
3- .. رجال النجاشي ، ص 83 ، الرقم 199 .
4- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 105 .

ص: 196

الروايتين عن مالك وأحمد ، وقال الشافعي في الجديد في رواية اُخرى : إنّه طاهر غير مطهّر ، وبه قال الأوزاعي (1) ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى عنهما ، وزعم أبوحنيفة في رواية الحسن عنه أنّه نجس نجاسة غليظة كالدم والبول والخمر حتّى أنّه إذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منه منع أداء الصلاة . وقال أبويوسف : إنّه نجس نجاسة خفيفة ، فإذا أصاب الثوب أكثر من قدر الدرهم منه لم يكن مانعا من الصلاة ما لم يكن كثيرا فاحشا . وقال زُفَر (2) : إن كان المتوضّي محدثا فهو طاهر غير طهور ، وإن كان غير محدث فهو طاهر وطهور ، وهو قول آخر الشافعي . (3) واستدلّوا بوجوه عقليّة يأباها العقل السليم ، وقد وردت من طرقهم أيضا ما يدلّ على طهارته ، فقد نقلوا أنّ بلالاً أخرج وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتبادر إليه الصحابة ومسحوا به وجوههم (4) .وفي خبر آخر أنّه صبّ على جابر من وضوئه . (5)

.


1- .. عبدالرحمان بن عمرو بن محمّد الدمشقي أبوعمرو الأوزاعي ، أعلم أهل الشام ومن فقائهم وقرّائهم، ولد سنة ثمان وثمانين ببعلبك ، وأصله من سبي سند ، روى عن ربيعة بن يزيد والزهري وشدّاد بن أبيعمّار وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن مخيمرة وجماعة ، وروى عنه شعبة والفريابي وابن المبارك والوليد بن مسلم ويحيى القطّان وغيرهم ، وكان المنصور يكرمه ويعظّمه ، سكن آخر عمره بيروت مرابطا ، وبها توفّي في سنة 157 . راجع : الأنساب للسمعاني ، ج 1 ، ص 227 «الأوزاعي» ؛ تذكرة الحفّاظ ، ج 1 ، ص 178 ، الرقم177 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 59 .
2- .. زفر بن الهذيل بن قيس العنبري أبوالهذيل ، من بني تميم ، من فقهاء أصحاب أبيحنيفة ، أصله من إصبهان ، أقام بالبصرة وولي قضاءها ، وتوفّي بها في سنة (158 ه ق) ، وكانت ولادته سنة (110 ه ق ). راجع : تاريخ الإسلام ، ج 9 ، ص 389 _ 390 ؛ الأعلام للزركلي، ج 3 ، ص 45 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 4 ، ص 181 .
3- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 66 .
4- .. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 308 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 87 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 93 ، ح 136 ؛ المعجم الكبير ، ج 22 ، ص 121 ؛ وأيضا ص 114 و121 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ص 55 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 57 ؛ مسند ابن الجعد، ص 40 ؛ مسند أبييعلى ، ج 2 ، ص 190 _ 191، ح 891. كلّهم عن أبيجحيفة ، وفي الأربعة الأخيرة لم يصرّح باسم بلال .
5- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 56 _ 57 ؛ صحيح مسلم ، ج 5 ، ص 60 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 187 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 235 .

ص: 197

وعن ربيع (1) : أنّه صلى الله عليه و آله مسح بفضل ما كان في يده . (2) وأمّا غسالة الحدث الأكبر ، فقد اتّفق الأصحاب على جواز رفع الخبث بها ، واختلفوا في أنّها مطهّرة للحدث أم لا ؟ ذهب السيّد المرتضى (3) والعلّامة (4) إلى الأوّل ، والشيخان إلى الثاني (5) ، واختلفت العامّة فيها كاختلافهم في غسالة الوضوء .ويدلّ على الأوّل الأصل والعمومات من غير مخصّص يعتدّ به ، وخصوص صحيحة شهاب (6) ، وخبر عمر بن يزيد (7) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل (8) ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الجنب يغتسل فينتضح الماء من الأرض في الإناء ؟ فقال : «لا بأس ، هذا ممّا قال اللّه تعالى : «وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (9) » . (10) وفي الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل من الجنابة وثوبه قريب منه ، فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه ؟ قال : «نعم ، لا بأس به» . (11)

.


1- .. الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصاريّة ، شهدت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وصحبت النبيّ صلى الله عليه و آله في غزواته ، وكانت تداوي الجرحي وتردّ القتلى إلى المدينة ، ولها روايات عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . راجع : اُسد الغابة ، ج 5 ، ص 451 _ 452 .
2- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 32 ، ح 130 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 87 ؛ المعجم الكبير ، ج 24 ، ص 268 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 59 .
3- .. جمل العلم والعمل ، ص 49 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 133 .
5- .. ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة ، ص 9 ، والشيخ الطوسي في الخلاف ، ج 1 ، ص 179 ؛ والمبسوط، ج 1 ، ص 11 . وكلمتا «إلى الثاني» ساقطتان من النسخ ، نعم مذكورتان في هامش نسخة وعليه علامة «ظ» .
6- .. الكافي ، ج 3 ، ص 13 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 12 ، ح 554 .
7- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 8 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 213 ، ح 545 .
8- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصدر ، وفي النسخ : «عن أبيجعفر الأحول» بدل : «عن الفضيل» ، وهذه الرواية عن الفضيل ، ولم أجد هذه الرواية لأبيجعفر الأحول .
9- .. الحجّ (22) : 78 .
10- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 225 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 211 ، ح 539 .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 214 ، ح 549 .

ص: 198

وعن بريد بن معاوية ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : أغتسل من الجنابة ، فيقع الماء على الصفا فينزو فيقع على الثوب ؟ فقال : «لا بأس به» . (1) وما سبق في صحيحة عليّ بن جعفر من قول أبيالحسن الأوّل عليه السلام : «فإن كان في مكان واحد وهو قليل لايكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه» . (2) ويدلّ على طهوريّته أيضا الأصل والعمومات . وربّما احتجّ أيضا عليه بما ذكر من الأخبار التي تدلّ على جواز الغسل بماء يترشّح فيه غسالته .وفيه تأمّل ؛ إذ ذلك الماء لايسمّى بذلك غسالةً . واحتجّ الشيخ على عدم طهوريّتها بخبر عبداللّه بن سنان المتقدّم (3) .وهو مع ضعفه ، محمول على استحباب التنزّه عنها مع وجود غيرها . واحتجّ أيضا عليه بأنّه مأخوذ على الإنسان أن لايتوضّأ إلّا بما تيقّن طهارته ويقطع على استباحته الصلاة باستعماله ، والمستعمل في الجنابة مشكوك فيه (4) .وفيه نظرتين . وإذا بلغ غسالة الغسل كرّا ، قال الشيخ في المبسوط : «يزول عنه حكم المنع» (5) . وتردّد فيه (6) في الخلاف (7) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 87 ، ح 229 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 214 _ 215 ، ح 550 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 416 _ 417 ، ح 1315 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 28 _ 29 ، ح 73 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 216 ، ح 553 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 11 ، وفيه : «أزال عنه حكم المنع» .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 46 ، المسألة 127 .
7- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 173 ، المسألة 127 .

ص: 199

وفي المنتهى : «والذي اختاره تفريعا على القول زوال المنع هنا ؛ لأنّ بلوغ الكرّيّة موجب لعدم انفعال الماء عن الملاقي ، وما ذلك إلّا لقوّته ، فكيف يبقى انفعاله عن ارتفاع الحدث الذي لو كان نجاسة لكانت تقديريّة ، ولأنّه لو اغتسل في كرّ لما ينفعل ، فكذا المجتمع .لايقال : يرد ذلك في النجاسة العينيّة . لأنّا نقول : هناك إنّما حكمنا بعدم الزوال ؛ لارتفاع (1) قوّة الطهارة ، بخلاف المتنازع [ فيه ]» (2) انتهى .وفيه تأمّل . ولو اغتسل في كرّ فلا يمنعه ذلك الغسل من الطهوريّة ؛ لعدم صدق اسم الغسالة عليه عرفا .ولصحيحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الحياض التي بين مكّة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحُمُر ، ويغتسل فيها الجُنُب ، أيتوضّأ منه ؟ فقال : «وكَم قدر الماء؟» فقلت : إلى نصف الساق أو إلى الركبة . قال : «توضّأوا منه» (3) .الثالثة : في غسالة الخبث أمّا ماء الاستنجاء ، فقد عفي عنه إذا سقط منه شيء على ثوب المستنجي أو بدنه إنلم يتغيّر بالنجاسة ولم يكن معه عينها ولا وصل إليه نجاسة خارجة عن محلّه ، وهل هو نجس معفوّ كقليل الدم ، أم طاهر ؟ قال المحقّق في المعتبر بالأوّل (4) ، وقرّبه الشهيد في

.


1- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «لارتفاق» .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 138 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 4 ، ح 7 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 417 ، ح 1317 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 22 ، ح 54 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 162 ، ح 402 .
4- .. حكاه عنه الشهيد في الذكرى ، ص 9 ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 129 _ 130 ؛ والشهيد فالثاني في روض الجنان ، ج 1 ، ص 427 . وقال السيّد محمّد العاملي في مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 125 بعد نقل ما نسب إلى المعتبر : «ولم أقف على ما نقلوه في الكتاب المذكور ، بل كلامه فيه كالصريح في الطهارة ، فإنّه قال : وأمّا طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين ، وقال علم الهدى في المصباح : لابأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن [ المعتبر ، ج 1 ، ص 91 ]وكلامه صريح في العفو ، وليس بصريح في الطهارة» .

ص: 200

الذكرى (1) ؛ لما دلّ على نجاسة الماء القليل بالملاقاة ، وصرّح الشيخان بطهارته (2) ، وتبعهما الأكثر ، بل ربّما ادّعي الإجماع عليها ، وهو أظهر ؛ لظهور حسنة محمّد بن النعمان الأحول (3) فيه .وكذا ما رواه الشيخ عنه عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : أستنجي ثمّ يقع ثوبي فيه وأنا جُنُب ؟ فقال : «لا بأس» . (4) وصراحة ما رواه عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي فيه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجّس ذلك ثوبه ؟ قال : «لا» . (5) ولا فرق في ذلك بين الاستنجاء من البول ومن الغائط ، ولا بين المتعدّي وغير المتعدّي من الغائط ، ولا بين ما يخرج من المخرج الطبيعي مطلقا وغيره ، ولا بين أن يزيد وزن الماء زائدا بمباشرة النجاسة أو لا ؛ لإطلاق الأخبار .وخصّه بعض الأصحاب بما إذا خرجت النجاسة من المخرج الطبيعي أو من غيره مع الاعتياد أو مع انسداد الطبيعي . واشترط الشهيد في الذكرى عدم زيادة الوزن (6) .وأمّا غسالة سائر النجاسات ، فلو تغيّرت بالنجاسة ، فلا خلاف في نجاستها ، وإن

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 82 .
2- .. قاله المفيد في المقنعة ، ص 47 باب صفة الوضوء والفرض منه ، والطوسي في النهاية ، ص 16 ، باب آداب الحدث وكيفيّة الطهارة ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 16 ، في ذكر مقدّمات الوضوء .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 13 ، ح 5 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 70 ، ح 162 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 85 _ 86 ، ح 223 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 221 _ 222 ، ح 565 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 ، ح 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 222 _ 223 ، ح 568 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 86 _ 87 ، ح 228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 223 ، ح 569 .
6- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 83 .

ص: 201

لم تتغيّر فقد اختلف الأصحاب فيه على أقوال :أحدها : أنّها طاهرة مطلقا سواء كانت من الغسلة الاُولى أو من غيرها من الغسلات ، حكي ذلك عن السيّد المرتضى (1) ، وصرّح به الشيخ في المبسوط في غسالة الولوغ (2) ، وتبعه ابن إدريس (3) وجماعة .ويظهر من الشهيد الميل إليه ؛ لاستضعافه أدلّة نجاستها ، واعترافه بأنّه لا دليل عليها سوى الاحتياط (4) . وربّما استدلّ له بأنّه لو حكم بنجاستها لما طهر المحلّ بالغسل بالقليل أبدا ، والتالي باطل إجماعا .ولايبعد أن يقال : حكم الشارع بطهارة ماء الاستنجاء مبنيّ على عدم نجاسة القليل بوروده على النجاسة وإن انفصل عنها كما ذهب إليه السيّد في الناصريّات (5) ، فيلزم منه طهارة مطلق الغسالات .وهذا القول هو منقول عن الشافعي (6) في قولٍ ، ولا يخلو عن قوّة . وثانيها : أنّها نجسة مطلقا ، وهو منقول عن أبيحنيفة (7) ، وعن قول آخر للشافعي (8) .واحتجّ عليه بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فينجس بها ، كما لو وردت النجاسة عليه . وبرواية العيص بن القاسم ، قال : سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وَضوء ؟ فقال : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» . (9)

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 83 .
2- .. المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) ، ص 179 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 15 ؛ ومثله في الخلاف ، ج 1 ، ص 181 ، م 137 .
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 61 .
5- .. الناصريّات ، ص 72 _ 73 ؛ المسائل الناصريّة (الجوامع الفقهيّة) ، ص 179 .
6- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 8 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 158 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 26 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 270 .
7- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 78 .
8- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 8 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 158 .
9- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 179 _ 180 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 552 .

ص: 202

واحتجّ عليها العلّامة في المختلف (1) بخبر عبداللّه بن سنان المتقدّم (2) .وهو مع ضعفه ، إنّما يدلّ على عدم جواز الوضوء منها لا على نجاستها . وظاهر أكثر هؤلاء منهم العلّامة في الإرشاد (3) أنّ الغسالة عندهم كسائر النجاسات غير البول والولوغ ، وإن كانت منهما فإنّها لاتسمّى بولاً ولا ولوغا .وقال بعضهم : إنّها كالمحلّ قبل خروجها ، ففي غسالة البول إذا أصاب إنّما يجب على الأوّل غسله مرّة مطلقا ، سواء كانت من الغسلة الاُولى أو من الثانية ، وعلى الثاني يجب غسل ما أصابه غسالة الغسلة الاُولى مرّتين ، وهو اختيار الشهيد (4) ومن تأخّر عنه (5) .واحتجّوا عليه بأنّه لاقت النجاسة الضعيفة لأضعاف الغسلة حكم نجاسة المحلّ . وثالثها : القول بالفصل ، وهو أنّها نجسة لو احتاج محلّها بعد خروجها إلى غسل آخر ، وطاهرة لو لم تحتج إليه ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف . (6) وهؤلاء قالوا : إنّها كالأصل بعد خروجها ، ففي المثال يجب غسل ما أصابته الغسلة الاُولى مرّة ، واحتجّ عليه بأنّ المحلّ بعد الغسلة الأخيرة طاهر مع بقاء بعض مائها فيه ، والماء الواحد لاتختلف أجزاؤه في الطهارة والنجاسة ، فيجب أن يكون الخارج أيضا طاهرا .واُجيب بجواز اختصاص ما في المحلّ بالطهارة ؛ للضرورة ، أو لغيرها . وفيه تأمّل . وفائدة الخلاف إنّما تظهر عند الأصحاب في جواز رفع الخبث بها وطهارة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 237 نقلاً عن الشيخ الطوسي .
3- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 238 ؛ ومثله في نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 244 .
4- .. الألفيّة والنفليّة ، ص 50 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 16 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 310 .
5- .. رسائل الكركي ، ج 3 ، ص 229 ؛ كشف اللثام ، ج 1 ، ص 297 .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 179 ، المسألة 135 ؛ فإنّه فصّل بين الغسلة الاُولى والثانية ، وقال بنجاسة غسالة الغسلة الاُولى وبطهارة الثانية إلّا أن يكون متغيّرا بالنجاسة .

ص: 203

ما وصلت إليه وعدمهما ، وأمّا رفع الحدث بها فلايجوز وفاقا للكلّ عندنا ، ويدلّ عليه رواية عبداللّه بن سنان المتقدّمة (1) .ولولا دعوى الإجماع على ذلك لأمكن القدح فيه . وأمّا القائلون بطهارتها من العامّة ، فقال بعضهم : ترفع الحدث الأصغر ولاتزيل الخبث ، والمشهور بينهم أنّها غير مطهّرة مطلقا (2) .وأمّا غسالة الحمّام ، فستأتي . [قوله] : (عن شهاب بن عبدربّه) . [ ح 6/3862 ]وثّقه العلّامة في الخلاصة (3) ، وقال النجاشي في ترجمة إسماعيل بن عبدالخالق : إسماعيل بن عبدالخالق بن عبدربّه بن أبيميمونة بن يسار ، مولى بني أسد ، وجه من وجوه أصحابنا ، وفقيه من فقهائنا ، وهو من بيت الشيعة ، عمومته : شهاب ، وعبدالرحيم ، ووهب ، وأبوه عبدالخالق كلّهم ثقات . (4) وحكى الشيخ الكشّي مدحه عن حمدويه عن بعض المشايخ ، وأنّه خَيِّرٌ فاضل (5) . وروي في ذمّه أخبار ضعيفة السند ، فعن محمّد بن مسعود ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسمع كردين أبيسيّار ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «وأمّا شهاب ، فإنّه شرّ من الميتة والدم ولحم الخنزير» . 6 وعن محمّد بن مسعود ، عن عليّ بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام ، عن شهاب بن عبدربّه ، قال : قال لي أبوعبداللّه عليه السلام :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 221 ، ح 630 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 27 ، ح 71 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 215 ، ح 551 .
2- .. المجموع للنووي، ج 1 ، ص 158 _ 159 .
3- .. خلاصة الأقوال ، ص 168 ، الرقم 2 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 27 ، الرقم 50 .
5- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 712 ، الرقم 780 .

ص: 204

«يا شهاب ، يكثر القتل (1) في أهل بيت من قريش حتّى يُدعى الرجل منهم إلى الخلافة فيأباها» . ثمّ قال : «يا شهاب ، لاتقل إنّي عنيتُ بني عمّي هؤلاء» . فقال شهاب : أشهد أنّه عناهُم . (2) وعن محمّد بن مسعود ، عن عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسين بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن بشّار الواسطي ، عن داوود الرقّي ، قال : كنت عند أبيعبداللّه عليه السلام فذكر شهاب بن عبدربّه فقال : «واللّه الذي لا إله إلّا هو لأقتُلَنَّه (3) ، واللّه الذي لا إله إلّا هو لأضربنّه (4) » . (5) ففي طريق الأوّل جبرئيل بن أحمد ، وهو مجهول الحال . وعليّ بن محمّد في الثاني مشترك بين الثقة والمجهول والضعيف ، وإن كان الظاهر أنّه عليّ بن محمّد الخلفي من أهل سمرقند بقرينة رواية محمّد بن مسعود السمرقندي عنه ، ووثّقه العلّامة في الخلاصة (6) .والحسين بن الحسين في الثالث مجهول الحال غير مذكور في كتب الرجال . على أنّ الخبرين الأوّل والثالث شاهدان على أنّهما فِرية بلا مِرية .وعن الشهيد الثاني أنّه قال _ مشيرا إلى ما ذكرناه من الأخبار _ : «طرق الذمّ ضعيفة ، والاعتماد على مدحه الموجب لإدخاله في الحسن. وقيل : «الحقّ مع ضعف طرق الذمّ الحكمُ بالتوثيق وهو أظهر ؛ لتوثيق عدلين إيّاه» . (7)

.


1- .. كذا في النسخ ، وفي المصدر : «يكثر المقيل» .
2- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 713 ، الرقم 785 .
3- .. في المصدر : «لأصلبنّه» .
4- .. في المصدر : «لاُخبرنّه» .
5- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 713 _ 714 ، الرقم 786 .
6- .. خلاصة الأقوال ، ص 177 ، الرقم 17 . ومثله في رجال الطوسي ، ص 429 ، الرقم 6161 .
7- .. حكاه عنه الأردبيلي في جامع الرواة ، ج 1 ، ص 402 .

ص: 205

[باب] ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمس

[باب] ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمسفيه مسألتان :الاُولى : ماء الحمّام والمراد به الغسالة المنفصلة عن الناس المستنقعة في الحمّام أو الخارجة منه المجتمعة في البئر ، والمياه الّتي في الحياض الصغار فيه، فأمّا الغسالة ، فقد اختلفوا في طهارتها ونجاستها إذا لم تعلم واحدة منهما ، فذهب جماعة إلى الثاني ، منهم الشيخ في النهاية (1) ، والعلّامة (2) ، وادعّى ابن إدريس عليه الإجماع ، ودلالة الأخبار الكثيرة (3) ، وكأنّه أشار بذلك إلى خبر ابن أبييعفور (4) ، والأخبار الواردة في النهي عن الاغتسال منها معلّلة أكثرها بأنّ فيها غسالة اليهودي والنصراني والناصب وأضرابهم ، وقد سبقت . (5) وتلك الأخبار لو تمّت دلالتها على نجاستها فإنّما هي إذا علم اغتسال هذه الأصناف في الحمّام لا مع الجهل به . وربّما يستدلّ عليه بخبر حنّان (6) ، وهو ضعيف سندا ؛ لكون حنّان واقفيّا غير موثّق ، ودلالةً ؛ لكونها بالمفهوم .والأظهر الأوّل ؛ للأصل والعمومات ، وخصوص ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «من غسل رجليه بعد خروجه من الحمّام فلا بأس ، وإن لم يغسلهما فلا بأس» (7) .

.


1- .. النهاية ، ص 5 .
2- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 38 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 54 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 18 .
3- .. السرائر ، ج 1 ، ص 90 _ 91 . وحكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 147 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 219 ، ح 559 .
5- .. الكافي ، ج 6 ، ص 503 ، ح 38 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1143؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 218 _ 219 ، ح 556 و557 .
6- .. الكافي ، ج 3 ، ص 14 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 213 ، ح 549 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 125 ، ح 296 . وهذه الفقرات مذكورة بعد رواية عن الإمام الصادق عليه السلام ، والظاهر أنّها ليست من الرواية ، بل من كلام الصدوق ، نعم وردت في مكارم الأخلاق للطبرسي ، ص 54 عن الإمام الرضا عليه السلام .

ص: 206

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : رأيت أباجعفر عليه السلام جائيا من الحمّام وبينه وبين داره قذر ، فقال : «لولا ما بيني وبين داري ، ما غسلت رجلي ولا نحيت ماء الحمّام» . (1) وفي صحيح آخر عنه قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الحمّام يغتسل فيه الجنب ، أغتسل من مائه ؟ قال : «نعم ، لا بأس أن يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه ثمّ جئت فغسلت رجلَيّ ، وما غسلتهما إلّا ممّا لزق بهما من التراب» . (2) وفي الموثّق عن زرارة ، قال : رأيت أباجعفر عليه السلام يخرج من الحمّام فيمضي كما هو لايغسل رجليه حتّى يصلّي . (3) وأمّا الماء القليل الذي في الحياض ، فهو ينجس بالملاقاة ما لم يتّصل بالمادّة كسائر المياه القليلة ؛ لعموم الأدلّة ، وعدم معارض .ومع الاتّصال بها لاينجس ما لم يتغيّر اتّفاقا ، ويدلّ عليه خبرا ابن أبييعفور وحنّان بن سدير ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : ما تقول في ماء الحمّام ؟ قال : «هو بمنزلة الماء الجاري» . (4) وعن بكر بن حبيب ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة» . (5) وحمل عليه خبر أبييحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبيالحسن الهاشمي _ يعني موسى بن جعفر عليهماالسلام _ قال : سُئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمّام لاأعرف اليهودي من النصراني، ولا الجنب من غير الجُنُب ؟ قال : «تغتسل منه

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 _ 149 ، ح 369 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 _ 379 ، ح 1172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 ، ح 368 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1174 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 211 ، ح 540 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1170 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 ، ح 367 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 149 ، ح 370 .

ص: 207

ولاتغتسل من ماء آخر ؛ فإنّه طهور» . وعن الرجل يدخل الحمّام وهو جنب ، فيمسّ الماء من غير أن يغسلهما ؟ قال : «لا بأس» . وقال : أدخل الحمّام فأغتسل فيصيب جسدي بعد الغسل جنبا أو غير جنب ؟ قال : «لا بأس» . (1) فأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن ماء الحمّام ؟ فقال : «اُدخله بإزار ولاتغتسل بماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلاتدري فيهم جنب أم لا» (2) ، فمحمولة على الاستحباب ، أو على ما إذا لم تكن له مادّة .الثانية : يكره التطهير بالماء المسخّن بالشمس عند الأصحاب ، وهو أحد قولي الشافعي (3) ، وإحدى الروايتين عن أحمد .ويدلّ عليه خبر السكوني (4) ، وما رواه الشيخ قدس سره عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : «دخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على عائشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس ، فقال : يا حميراء ، ما هذا ؟ قالت : أغسل رأسي وجسدي . قال : لاتعودي ؛ فإنّه يورث البرص» . (5) وفي [ فتح ] العزيز : روي عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله نهاها عن التشميس وقال : «إنّه يورث البرص» (6) . وعن ابن عبّاس ، أنّه صلى الله عليه و آله قال : «من اغتسل بماء مشمّس فأصابه وضخ فلايلومنّ إلّا نفسه» . (7)

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 378 ، ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 372 مقتصرا على الفقرة الاُولى من الرواية ؛ وص 236 ، ح 406 مقتصرا على الفقرتين الأخيرتين منها .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 148 ، ح 371 .
3- .. الاُمّ ، ص 16 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 221 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 17 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 87 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 135 .
4- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1113 ؛ الاستبصار، ج 1 ، ص 30 ، ح 79 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 280 ، الباب 193، ح 1؛ المقنع، ص 22 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 207 ، ح 530 .
6- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 130 .
7- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 131 _ 132 ؛ تلخيص الحبير ، ج 1 ، ص 131 .

ص: 208

وكره عمر المشمّس وقال : إنّه يورث البرص (1) .وحمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة ؛ للجمع بينها وبين ما رواه الشيخ عن محمّد بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا بأس بأن يتوضّأ من الماء الذي يوضع في الشمس» (2) . وظاهر التعليل أيضا أنّ النهي للإرشاد .فإن قلت : إذا كان استعماله موجبا للبرص ، فلابدّ أن يكون حراما ؛ لوجوب التحرّز عن الضرر . قلنا : لانسلّم كون استعماله موجبا للبرص ، ولا دلّت الأخبار عليه ، وإنّما دلّت على إمكان كونه كذلك ، فالضرر ليس بمعلوم الوقوع ولا بمظنونه ، فليس محلاًّ لوجوب التحرّز ، بل إنّما هو موهم له ، فيكون موجبا لرجحان التحرّز ، كذا قيل .ونفى الكراهة أبوحنيفة ومالك ، وهو قول آخر للشافعي ، ورواية عن أحمد . (3) ويردّ قولهم ما رويناه عنهم ، والكراهة على ما ذكره الأصحاب مختصّة بالطهارة به ، كما هو ظاهر أكثر الأخبار .ولايبعد القول بكراهة استعماله في الأكل والشرب أيضا كما يشعر به خبر إسماعيل بن أبيزياد ، وهو السكوني (4) . وإطلاق بعض الأخبار وإن كان موهما لكراهة المشمّس وإن كان في الحياض والغدران ، لكن خصّه أهل العلم من الفريقين بالمشمّس في الأواني ؛ بقرينة العرف ، ولأنّ قوّة التأثير في غير الأواني ليست على حدّ يتولّد منه المحذور ، بل احتمل في المنتهى اختصاصها بما يشبه آنية الحديد

.


1- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 133 . والرواية تجدها في السنن للدارقطني ، ج 1 ، ص 34 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 6 ؛ وكنز العمّال ، ج 9 ، ص 572 ، ح 27475 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 366 _ 367 ، ح 1114 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 30 ، ح 78 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 208 ، ح 532 . وفي الجميع : «بالماء الذي» .
3- .. المجموع للنووي، ج 1 ، ص 88 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 129 عن مالك وأبيحنيفة وأحمد .
4- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ج 1 ، ص 281 ، الباب 193 ، ح 2 ؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 379 ، ح 1177 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 207 ، ح 531 .

ص: 209

[باب] الموضع الذي يكره أن يتغوّط فيه أو يبال

والرصاص دون الذهب والفضّة ؛ لصفاء جوهرهما (1) ، والظاهر عموم البلاد والفصول ، واحتمل في المنتهى اختصاصها بالبلاد الحارّة ؛ لاختصاص خوف المحذور بها دون المعتدلة (2) ، والعلّة جارية في الفصول أيضا .وحكى في [ فتح ]العزيز عنهم القول بكلّ من هذه الاحتمالات . (3)

[باب] الموضع الذي يكره أن يتغوّط فيه أو يبالالظاهر أنّه قدس سره أراد بالكراهة المعنى المصطلح ، فيكون استقبال القبلة واستدبارها عند البول والغائط مكروها عنده كغيرهما ممّا ذكره في الباب ، وهو أحد الأقوال ، وسيجيء .ويحتمل أن يريد الأعمّ منها ومن الحرمة ، ولو من باب عموم المجاز . قوله في خبر السكوني : (من فقه الرجل أن يرتاد موضعا لبوله) . [ ح 1/3870 ]يعني أن يتخيّر موضعا مناسبا له مرتفعا أو كثير التراب ونحوه بحيث لايوهم الترشّح . وروى الشيخ مرسلاً عن سليمان الجعفري ، قال : بتّ مع الرضا عليه السلام في سفح جبل ، فلمّا كان آخر الليل قام فتنحّى وصار على موضع مرتفع ، فبال وتوضّأ وقال : «من فقه الرجل أن يرتاد لموضع بوله» ، وبسط سراويله وقام عليه وصلّى صلاة الليل (4) .وعن عبداللّه بن مسكان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أشدّ الناس توقّيا عن البول ، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير ؛ كراهية أن ينضح عليه البول» 5 .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 25 .
2- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 133 _ 135 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 33 ، ح 86 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 338 _ 339 ، ح 891 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 33 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 338 ، ح 890 .

ص: 210

قوله في صحيحة عاصم بن حميد: (وتحت الأشجار المثمرة) . [ ح 2/3871 ]الظاهر اعتبار وجود الثمرة حال التغوّط في الكراهة ؛ لأنّ الصفة إنّما تكون مجازا فيما لم يوجد مبدء الاشتقاق بعدُ إجماعا ، وفيما مضى على الأظهر ، وإذ لاقرينة عليهما فلتحمل على الحقيقة . ويؤيّده خبر السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يتغوّط على شفير بئر يستعذب منها ، أو نهر يستعذب ، أو تحت شجرة فيها ثمرتها» . (1) ويؤيّده أيضا الاعتبار ، والأكثر لم يعتبروا هذا ؛ حملاً للمثمرة على ما من شأنها ذلك ، كما قيل في شاة لبون ونحوها ، وهو كماترى . والكراهة إنّما تكون في المملوك والمباح ، وأمّا في ملك الغير فيحرم قطعا ، ويضمن ما يتلف من الثمرة بفعله ، إلّا إذا كان مأذونا فيه .قوله في مرفوعة محمّد بن يحيى : (سئل ما حدّ الغائط ؟ قال : لايستقبل القبلة ولا يستدبرها) . [ ح 3/3872 ] الغائط في الأصل هو المطمئنّ من الأرض (2) ، صار كناية عن موضع التخلّي ؛ لارتياده الناس عند الحدث ، ثمّ في الحدث استعمالاً للمحلّ في الحالّ .وإطلاق النهي عن استقبال القبلة واستدبارها يقتضي تحريمهما مطلقا في الصحاري والبنيان . ومثلها في هذا المعنى مرفوعة عليّ بن إبراهيم (3) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1048 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 228 _ 229 ، ح 584 .
2- .. غريب الحديث لأبيعبيد ، ج 1 ، ص 156 وج 2 ، ص 126 ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج 1 ، ص 11 ، غريب الحديث للحربي ، ج 2 ، ص 641 ؛ الفائق للزمخشري ، ج 2 ، ص 340 .
3- .. وهي الرواية 5 من هذا الباب من الكافي . ورواها الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 30 ، ح 79 ؛ فوسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 301 ، ح 790 .

ص: 211

وما رواه الشيخ عن عيسى بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبيطالب ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ _ صلوات اللّه عليه _ قال : «قال لي النبيّ صلى الله عليه و آله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولاتستدبرها ، ولكن شرّقوا أو غرّبوا» (1) .وعن عبدالحميد بن أبيالعلاء أو غيره رفعه ، قال : سئل الحسن بن عليّ عليهماالسلام : ما حدّ الغائط ؟ قال : «لاتستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولاتستقبل الريح ولا تستدبرها» . (2) وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا تستقبل القبلة ولاتستدبرها» (3) .وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّما أنا لكم مثل الوالد ، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلاتستقبل القبلة ولا تستدبرها بغائط ولا بول» (4) .وذهب إليه الشيخ (5) والمحقّق (6) والعلّامة (7) ، وهو المنقول عن السيّد المرتضى وابن إدريس (8) وابن البرّاج (9) وأبيالصلاح (10) ، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى 11 وصريحه في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 25 ، ح 64 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 47 ، ح 130 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 302 ، ح 794 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 26 ، ح 47 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 33 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 301 ، ح 791 .
3- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 155 . وقريبه في المسند لأحمد بن حنبل ، ج 5 ، ص 414 و421 ؛ والسنن لأبيداود ، ج 1 ، ص 11 ، ح 8 ، والموطّأ لمالك ، ج 1 ، ص 193 ، كتاب القبلة ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 352 ، ح 26402 .
4- .. مسند الشافعي ، ص 13 ؛ السنن للنسائي ، ج 1 ، ص 38 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 91 ؛ مسند الحميدي ، ج 2 ، ص 434 _ 435 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 288 . ونحوه في المسند لأحمد بن حنبل ، ج 2 ، ص 50 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 43 _ 44 ؛ السنن لابن ماجة ، ج 1 ، ص 114 ، ح 313 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 279 و288 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 16 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 101 .
6- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 122 ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 14 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 266 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 239 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 .
8- .. السرائر ، ج 1 ، ص 95 .
9- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 41 . 10 . الكافي في الفقه ، ص 127 .
10- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 163 .

ص: 212

الدروس (1) ) ، لكنّ الشيخ في النهاية (2) ) والمبسوط (3) ) استثنى منه ما إذا كان الموضع مبنيّا على القبلة على وجه لايتمكّن من الانحراف عنها ، وكأنّه أراد بذلك الجمع بين ما ذكر وبين حسنة الهيثم بن أبيمسروق ، عن محمّد بن إسماعيل ، وهو ابن بزيع ، قال : دخلت على أبيالحسن الرضا عليه السلام وفي منزله كنيف مستقبل القبلة ، وسمعته يقول : «من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالاً للكعبة وتعظيما لها ، لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر [ اللّه له ]» (4) ). حملاً لهذا على أنّ الكنيف كان مستقبلاً للقبلة قبل انتقال البيت إليه عليه السلام ولايقدر على الانحراف .وهو محمل بعيد ، وحمله على أنّه عليه السلام كان ينحرف أقرب ، وإليه أشار العلّامة بقوله : «وينحرف في المبنّي عليها» (5) ) . وخصّ سلاّر _ على ما حكي عنه _ التحريم بالصحاري وقال بالكراهة في البنيان ؛ للجمع . (6) )وحمل جماعة النهي في الأخبار على الكراهة ؛ لذلك ، وهو المنقول عن أبيعليّ ، وإليه ذهب الشهيد في اللمعة (7) ) ، وبه قال المفيد ، لكن استثنى دارا قد بنى فيها مقعدة للغائط عليها . (8) )

.


1- .. الدروس ، ج 1 ، ص 88 ، الدرس 2 ؛ وبه قال في البيان ، ص 6 .
2- .. النهاية ، ص 9 _ 10 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 16 ، فصل في ذكر مقدّمات الوضوء .
4- .. رواه الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1043 بتمامه ، ومابين المعقوفين منه ، وصدره في ص 26 ، ح 66 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 47 ، ح 32 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 303 ، ح 797 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 .
6- .. المراسم ، ص 32 ، ولفظه هكذا : «وقد رخّص ذلك في الدور ، وتجنّبه أفضل» .
7- .. لكن عبارته في اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 صريح في الحرمة ، حيث قال : «يجب على المتخلّي ستر العورة ، وترك استقبال القبلة ودبرها» .
8- .المقنعة، ص 39، وظاهر كلامه الحرمة حيث قال: «ولايستقبل القبلة بوجهه ولايستدبرها». ولكن قال في ص 41 : «وإذا دخل الإنسان دارا قد بني فيها مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها ، لم يضرّ الجلوس عليه ، وإنّما يكره ذلك في الصحاري والمواضع التي يتمكّن فيها من الانحراف عن القبلة» . وقال العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 265 بعد نقل هذه العبارة : «وهذا الكلام يعطي الكراهة في الصحاري والإباحة في البنيان» .

ص: 213

وعن ابن الجنيد أنّه قال بالكراهة مخصّصا إيّاها بالصحاري (1) ) ، فتدبّر .والظاهر جريان الحكم في حال الاستنجاء أيضا ، كما يدلّ عليه خبر عمّار (2) ) . وقال _ طاب ثراه _ : «المراد بالاستقبال والاستدبار استقبال الرجل واستدباره بمقاديم بدنه ومواخيره كما في الصلاة ، لا استقبال العورة واستدبارها وحدها». وقد صرّح به الشهيد في شرح الإرشاد . (3) ) وأمّا النهي عن استقبال الريح واستدبارها ، فهو للإرشاد والتنزيه اتّفاقا ، ومنشؤه كونهما مظنّة للترشّح ، وهو السرّ في تقييد الأصحاب النهي هنا بالبول ، وظاهر الخبر كراهية استدبار الريح بالبول أيضا كاستقبالها ، وبه قال الشهيد في الذكرى (4) ) والدروس (5) ) ، وخصّها غيره ممّن رأيت كلامه بالاستقبال ، منهم الشيخ في النهاية (6) ) ، وعُلِّل ذلك بأنّ استدبار الريح بالبول ليس مظنّة للرشّ ، وهو ممنوع ؛ لأنّه قد يرشّ بهبّ الريح من تحت الرجلين .قوله : وروي في حديث آخر : لاتستقبل الشمس ولا القمر) . [ ح 3/3872 ] وقال الصدوق أيضا بعد ما رويناه عنه عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام : وفي خبر آخر : «ولاتستقبل الهلال ولاتستدبره» (7) ) ، وظاهرهما ورود الروايتين في البول والغائط

.


1- .. عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 122 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 265 _ 266 ، ولم يرد في عبارته الكراهة ، بل الموجود فيها استحباب التجنّب عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحاري .
2- .. الكافي ، ج 3 ، ص 18 ، ح 11 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 28 ، ح 54 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 355 ، ح 1061 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 359 _ 360 ، ح 954 و955 .
3- .. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 74 ، حيث قال : «على حدّ ما يعتبر في الصلاة ؛ لاتّحاد المعنى والدليل» . وصرّح به أيضا في شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 337 .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 164 .
5- .. الدروس ، ج 1 ، ص 89 ، الدرس 2 .
6- .. النهاية ، ص 10 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 26 ، ح 48 .

ص: 214

جميعا ، ولم أجدهما ، وما وجدت إلّا روايتان في البول خاصّة ، رواهما الشيخ عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بقرجه وهو يبول» . (1) ) وفي الحسن عن محمّد بن يحيى الكاهلي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لايبولنّ أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل به» . (2) ) وصرّح الأكثر بكراهتهما مطلقا (3) ) ، بل ظاهر المفيد حرمتهما كذلك ؛ حيث قال : «ولايجوز لأحد أن يستقبل بفرجه قرصي الشمس والقمر في بول ولا غائط» (4) ) .والأولى الاقتصار على مورد النصّ ، وفي كلام الصدوق حزازة اُخرى كما لايخفى . قوله في خبر السكوني : نهى النبيّ صلى الله عليه و آله أن يطمح الرجل ببوله من السطح ، أو من الشيء المرتفع في الهواء) . [ ح 4/3873 ]ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «قال أميرالمؤمنين عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يكره للرجل _ أو ينهى الرجل _ أن يَطمَحَ ببَوله من السطح في الهواء» . (5) )قوله : «في الهواء» في الخبرين متعلّق ب_«يطمح» ، وفي القاموس : «طمح ببوله : رماه في الهواء» (6) ) . فيكون قيدُ «في الهواء» فيهما مبنيّا على التجريد ، ولعلّ السرّ في ذلك النهي تأذّي الجنّ منه ؛ لأنّ مسكنهم في الهواء على ما رواه المصنّف قدس سرهفي باب تشييد البناء من أبواب الزيّ والتجمّل من هذا الكتاب عن الصادق عليه السلام : «إنّ الشيطان ليس في

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 34 ، ح 91 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 342 ، ح 902 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 34 _ 35 ، ح 92 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 342 ، ح 903 .
3- .. اُنظر : شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 15 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 180 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 242 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 119 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ؛ إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 14 ؛ جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 101 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 32 ؛ روض الجنان ، ج 1 ، ص 84 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 177 .
4- .. المقنعة ، ص 42 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 352 ، ح 1045 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 351 _ 352 ، ح 932 .
6- .. القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 238 طمح) .

ص: 215

[باب ] القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ، والاستنجاء و

السماء ولا في الأرض ، وإنّما يسكن في الهواء» (1) ) .قوله في مرفوعة عليّ بن إبراهيم : وارفع ثوبك) . [ ح 5/3874 ] الظاهر أنّ هذا الأمر للإرشاد ، ويحتمل الندب بعيدا . قوله في خبر إبراهيم الكرخي : ثلاثة ملعون من فعلهنّ)إلخ . [ ح 6/3875 ] في تفسير الثلاثة بالمتغوّط والمانع والسادّ مسامحة ، وكون التفسير للموصول في مَن فعلهنّ محتمل بعيد ، والمنع خلاف الإعطاء ، وهو يتعدّى إلى مفعولين : إلى الأوّل بنفسه وإلى الثاني بعَن وبنفسه أيضا .والانتياب افتعال من النوبة ، يقال : انتاب فلان القوم ؛ إذا أتاهم مرّة بعد اُخرى (2) ) ، والمنتاب اسم مفعول وصفة للماء ، أي الماء الذي وقعت عليه النوبة (3) ) ، والمفعول الثاني للمنع محذوف .ويجوز أن يكون اسم فاعل بمعنى صاحب النوبة ، فهو أحد مفعولي المانع . ولعن المانع والسادّ ؛ لتحريم ذينك المنع والسدّ ، فالظاهر أنّ لعن المتغوّط في فيء النزّال (4) ) أيضا لتحريم ذلك التغوّط ، لكنّ الأصحاب حملوا هذا على الكراهة .

[باب ] القول عند دخول الخلاء وعند الخروج ، والاستنجاء ومن نسيه ، والتسمية عند الوضوءقال _ طاب ثراه _ : قيل : الخلاء بفتح الخاء والمدّ : الموضع الخالي ، سمّي به موضع الحاجة ؛ لخلائه في غير

.


1- .. الكافي ، ج 6 ، ص 529 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة ، ج 5 ، 311 ، ح 6636 ، وفيهما : «إنّ الشياطين ليست في السماء ولا في الأرض ، وإنّما تسكن الهواء» .
2- .. اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 228 _ 229 نوب) .
3- .. مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 387 نوب) .
4- .. أي موضع الظلّ المعدّ لنزول الناس ، أو ما هو أعمّ كالمحلّ الذي يرجعون إليه وينزلون به . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 441 فيأ) .

ص: 216

وقتها ، وإن كسرتَ الخاء فهو عيب في الإبل كالحران (1) ) في الخيل ، وبفتح الخاء والقصر : الحشيش الرطب ، وهو أيضا الكلام ، يقال : هو حسن الخلا ، أي حسن الكلام ، ذكره الفارسي (2) ) في الإيضاح في باب المقصور والممدود .والاستنجاء : إزالة ما بالمحلّ من النجاسة ، مأخوذ من النجوة ، وهو ما ارتفع من الأرض (3) ) ؛ لأنّهم يقصدونها عند الحدث والتطهير للتستّر . أو من النجو بمعنى الحدث (4) ) ، واستنجى أي طلب موضع النجو . أو من نجوتُ جلد البعير ، إذا سلخته (5) ) ؛ لأنّ فيه سلخ النجاسة . أو من نجوت غصون الشجرة إذا قطعتها (6) ) ؛ لأنّ فيه قلغ النجاسة .قوله في صحيحة معاوية بن عمّار : اللهمّ إنّي أعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم) . [ ح 1/3876 ] نقل _ طاب ثراه _ عن أبيالهيثم ، أنّه قال : «الخبيث ذَكَر الشيطان ، يُجمَع على خُبُث بضمّتين ، والخبيثة اُنثاه تُجمع على خبائث» .

.


1- .. الحران: أن يقف فلايتحرّك وإن ضرب. غريب الحديث للحربي، ج 2 ، ص 446 حرن).
2- .. أبوعليّ الحسن بن أحمد بن عبدالغفّار بن سليمان الفارسيّ الفسوي ، إمام النحو ، ولد بفسا ، وقدم بغداد في سنة 307 واستوطنها ، وأخذ العلم عن المبرّد وأبيبكر السرّاج ، وعلت منزلته في النحو حتّى قال قوم من تلامذته : هو فوق المبرّد ، وسكن مدّة طرابلس ثمّ حلب ، وأقام مدّة عند سيف الدولة ، ثمّ رجع إلى فارس ، وصحب عضد الدولة ابن بويه وتقدّم عنده ، فعلّمه النحو وصنّف له كتاب الإيضاح ، ثمّ رجع إلى بغداد ، وأقام بها إلى أن توفّي سنة 377 . من تلامذته : أبوالفتح ابن جنّي، وعليّ بن عيسى الربعي ، وله مصنّفاف كثيرة ، منها : الإيضاح في النحو ، جواهر النحو ، الحجّة في القراءات ، العوامل في النحو المقصور والممدود . وسئل في حلب وشيراز وبغداد والبصرة وغيرها أسئلة كثيرة ، فصنّف في أسئلة كلّ بلد كتابا ، منها : المسائل الشيرازيّة ، المسائل العسكريّة ، المسائل البصريّات ، الحلبيّات ، والبغداديّات . راجع : تاريخ بغداد ، ج 7 ، ص 285 _ 286 ، الرقم 3763 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 16 ، ص 379 _ 380 ؛ الأعلام للزركلي، ج 2 ، ص 179 .
3- .. كتاب العين ، ج 6 ، ص 186 نجو) .
4- .. النهاية ، ج 2 ، ص 218 رزأ) ؛ وج 5 ، ص 215 وقع) .
5- .. صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2502 نجا) .
6- .. تاج العروس ، ج 10 ، 357 نجا) .

ص: 217

وقال الخطّابي (1) ) : «الخبيث من مردة الشياطين ذكرهم واُنثاهم» (2) ) . وعن ابن الأعرابي (3) ) ، أنّه قال : «أصل الخبث في لسان العرب المكروه» (4) ) ، واُطلق على الشيطان ؛ لأنّه مكروه أو سبب للمكروه .والنجس يُقرأ بكسر النون وسكون الجيم تبعا للرِجس . قوله في مرسلة ابن أبيعمير : إذا سمّيت في الوضوء طهِّر جسدك كلّه) . [ ح 2/3877 ]يعني أنّه حينئذٍ كالغُسل في الفضل . وقال _ طاب ثراه _ : «كأنّه أراد بالطهارة ؛ الطهارة من الذنوب ؛ لأنّ الطهارة من الحدث لاتتجزّأ» (5) ) .قوله في مرسلة يونس : نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يستنجي الرجل بيمينه) . [ ح 5/3880 ] وروى العامّة أيضا عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا بال أحدكم فلايمسّ ذكره بيمينه ، وإذا خلا

.


1- .. أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن الخطّاب أبوسليمان الخطّابي البُستي ، من وُلد زيد بن الخطّاب أخي عمر بن الخطّاب ، محدّث ، لغوي ، فقيه ، أديب ، ولد سنة 319 ببُست ، وتوفّي بها في سنة 388 ، من تصانيفه : معالم السنن في شرح كتاب السنن لأبيداود ، غريب الحديث ، شرح البخاري ، أعلام الحديث ، إصلاح غلط المحدّثين . راجع : معجم الاُدباء ، ج 4 ، ص 246 _ 260 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 6 ، ص 124 _ 125 ؛ مرآة الجنان ، ج 2 ، ص 432 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 61 .
2- .. إصلاح غلط المحدّثين ، ص 49 .
3- .. أبوعبداللّه محمّد بن زياد المعروف بابن الأعرابي ، راوية ، نسّابة ، علّامة باللغة ، من أهل الكوفة ، ولد بها سنة 150 ، وكان أحول ، أخذ العلم عن المفضّل والكسائي وابن السكّيت ، وأخذ عنه ثعلب وحكى عنه كثيرا ، كان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان ، وكان يسأل عنه فيجيب من غير كتاب ، مات بسامرّاء سنة 231 ، وله تصانيف كثيرة ، منها : أبيات المعاني ، أسماء الخيل وفرسانها ، الأنوار ، البئر ، تاريخ القبائل ، تفسير الأمثال ، الفاضل ، معاني الشعر ، النوادر . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 687 _ 688 ؛ الأعلام للزركلي، ج 6 ، ص 131 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 1 ، ص 11 .
4- .. عنه في إصلاح غلط المحدّثين للخطّابي البُستي ، ص 49 _ 50 ؛ ولسان العرب ، ج 2 ، ص 144 ؛ وتاج العروس ، ج 1 ، ص 618 خبث) .
5- .. ورد نحو هذه العبارة في تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلّي ، ج 1 ، ص 192 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 297 .

ص: 218

فلايستنج بيمينه» (1) ) .وعن عائشة ، أنّها قالت : كانت يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله اليُمنى لعطعامه وطهوره ، ويده اليسرى للاستنجاء (2) ) .وكان صلى الله عليه و آله يستحبّ أن يجعل اليُمنى لما علا من الاُمور ، واليُسرى لما دنا (3) ) . هذا إذا لم يكن باليسار علّة ، وإلّا فلاكراهة في الاستنجاء باليمين ؛ يدلّ عليه خبر السكوني (4) ) .قوله في خبر السكوني : الاستنجاء باليمين من الجفاء) . [ ح 7/3882 ] قال _ طاب ثراه _ : «الجفاء بالمدّ : هو البعد عن الآداب ؛ لأنّ الجفاء خلاف البرّ ، ومَن لم يتأدّب بآداب الشرع فهو ليس بارّا» .ولو استنجى بيمينه أجزأ وترك الأَولى ، وفي المنتهى : «وحكي عن بعض الظاهريّة عدم الإجزاء ؛ للنهي (5) ) ، وهو غلط ؛ لأنّ النهي فيه للتنزيه» (6) ) .قوله في حسنة جميل : إذا انقطعت دِرّة البول فصُبّ الماء) . [ ح8/3883 ] ومثلها خبر روح بن عبدالرحيم الذي رواه المصنّف في الباب الآتي (7) ) ، والغرض من هذا الأمر بيان كفاية انقطاع الدِرّة عن الاستبراء ، ولايبعد قيامه مقامه .فلو رأى بللاً مشتبها بالبول بعده ، لايعيد الوضوء ولا الاستنجاء كما إذا استبرأ ، فتأمّل .

.


1- .. السنن لأبيداود السجستاني ، ج 1 ، ص 16 ، ح 31 ، إلّا أنّ فيه : «وإذا أتى الخلاء» . ورواه أحمد في مسنده ، ج 5 ، ص 300 ، وابن ماجة في السنن ، ج 1 ، ص 113 ، ح 1310 ، وليس فيهما : «وإذا خلا» .
2- .. السنن لأبيداود السجستاني ، ج 1 ، ص 16 ، ح 33 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 113 ، إلّا أنّ فيهما : «. . . وكانت يده اليسرى لخلائه وماكان من أذى» .
3- .. حكاه العيني في عمدة القاري ، ج 2 ، ص 269 ؛ والعلّامة الحلّي في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 249 _ 250 .
4- .. وهو الخبر التالي .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 145 ؛ المحلّى لابن حزم ، ج 1 ، ص 95 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 109 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 250 .
7- .. وهو الحديث 8 منه .

ص: 219

قوله في حسنة عبداللّه بن المغيرة : الريح لاينظر إليها) . [ ح 9/3884 ] قد ذكر جماعة من الأصحاب أنّه يكفي في الاستنجاء بالماء من الغائط زوال العين والأثر أعني الأجزاء اللطيفة منه (1) ) ، ولايشترط زوال الرائحة ، ولم أجد مخالفا له .وقال _ طاب ثراه _ : ربّما يتوهّم أنّ بقاء الريح مستلزم لبقاء جزء من النجاسة في المحلّ ؛ لأنّ العرض لايقوم بنفسه .والجواب منع الاستلزام ؛ لجواز كون الريح قائما بمحلّ النجاسة بالمجاورة . قوله في خبر الحسن بن زياد : قال : يغسله ويعيد صلاته) . [ ح 10/3885 ]يدلّ بإطلاقه على وجوب إعادة الصلاة على ناسي النجاسة مطلقا كالمتعمّد . ومثله حسنة زرارة (2) ) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح (3) ) .وصحيحة عليّ بن يقطين على نسخة (4) ) ، ومرسلة عبداللّه بن بكير (5) ) ، وموثّقة سماعة (6) ) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن أبينصر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : أبول وأتوضّأ وأنسى استنجائي ، ثمّ أذكر بعد ما صلّيت ؟ قال : «اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولاتعد وضوءك» (7) ) .وهو ظاهر المصنّف قدس سره . وفي المنتهى : «وهو مذهب أكثر علمائنا» (8) ) .وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال باستحباب الإعادة إذا ذكرها بعد الوقت 9 ).

.


1- .. لاحظ: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 272 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 131 .
2- .. وهي الرواية 14 من الباب .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 51 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 295 _ 296 ، ح 777 .
4- .. وهي الرواية 16 من الباب .
5- .. وهي الرواية 17 من الباب .
6- .هذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 46 _ 47 ، ح 133 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 294 ، ح 773 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 260 . وانظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 24 ؛ النهاية ، ص 17 .
8- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ، وفيه : «ترك غسل البول ناسيا . . .» .

ص: 220

وكأنّه جمع بذلك بين ما ذكر وبين موثّقة عمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : فيالرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء حتّى صلّى إلّا أنّه قد تمسّح بثلاثة أحجار ، قال : «إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد الصلاة ، وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلّى فقد جازت صلاته وليتوضّأ لما يستقبل من الصلاة» الحديث (1) ) .وقد عارض هذه الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام بن سالم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ؟ فقال : «يغسل ذكره ولايعيد الصلاة» (2) ) .وعن عمّار بن موسى ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي ، لم يعد الصلاة» (3) ) .وعن عمرو بن أبينصر ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صلّيت ، أفاُعيد ؟ قال : «لا» (4) ) .وأَوَّلها بحمل أوّلِها على من استنجى من البول بالأحجار لفقد الماء ، وتخصيص ثانيها بمن نسي الاستنجاء بالماء في غير المتعدّي من الغائط وقد استنجى بالأحجار ، وحمل ثالثها على الاستحباب .والأظهر الجمع بينها ؛ بحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب مطلقا ، ولو ذكر في الوقت لما ثبت من قوله صلى الله عليه و آله : «رفع عن اُمّتي السهو والخطأ والنسيان» (5) ).

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 ، ح 835 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 140 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 154 ، ح 157 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 _ 318 ، ح 836 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 ، ح 143 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 _ 55 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 318 ، ح 837 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 51 ، ح 148 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 56 ، ح 163 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 295 ، ح 776 .
5- .. الخصال ، ص 417 ، الباب 9 ، ح 9 ؛ التوحيد ، ص 353 ؛ ح 24 ؛ تحف العقول ، ص 50 ، وفي الجميع : «رفع عن اُمّتي تسعة . . .» ، ولم يرد فيهم السهو .

ص: 221

ولصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجلذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ولا إعادة عليه» (1) ) .ويؤيدّهما الأصل . وأمّا في العمد ، فلاريب في وجوب الإعادة مطلقا ، ويدلّ عليه صحيحة عمر بن اُذينة ، قال : ذكر أبومريم الأنصاري أنّ الحكم بن عتيبة بال يوما ولم يغسل ذَكَره متعمّدا ، فذكرت ذلك لأبيعبداللّه عليه السلام ، فقال : «بئس ما صنع ، عليه أن يغسل ذَكَره ويعيد صلاته ولايعيد وضوءه» (2) ) .ثمّ إنّه قد وقع التصريح في بعض ما ذكر من الأخبار بعدم إعادة الوضوء ، ويؤكّده خبر محمّد بن أبيحمزة ، عن عليّ بن يقطين ، عن أبيالحسن موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يبول فلايغسل ذكَرَه حتّى يتوضّأ وضوء الصلاة ؟ فقال : «يغسل ذكره ولايعيد وضوءه» (3) ) .وصحيحة عمرو بن أبينصر ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يبول فينسى أن يغسل ذكره ويتوضّأ ؟ قال : «يغسل ذكره ولايعيد وضوءه» (4) ) .وعدم وجوبها هو مذهب الأصحاب ، لم أجد قائلاً بخلافه ، نعم ذهب الشيخ في كتابَي الأخبار إلى استحبابها ؛ للجمع بين ما ذكر وبين موثّقة عمّار المتقدّمة ، وما رواه في الصحيح عن سليمان بن خالد ، عن أبيجعفر عليه السلام في الرجل يتوضّأ فينسى غَسل

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 50 ، ح 145 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 55 ، ح 161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 318 ، ح 838 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 137 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 53 ، 154 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 294 _ 295 ، ح 774 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 138 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 53 _ 54 ، ح 155 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 208 ، ح 1 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 48 ، ح 139 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 ، ح 156 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 295 ، ح 775 .

ص: 222

ذَكَره ؟ قال : «يغسل ذكره ثمّ يعيد الوضوء» (1) ) . ومثله موثّق سماعة بن مهران ، عن أبيبصير ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «إن أهرقت الماء ونسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء وغَسل ذكرك» (2) ) .وهذه الأخبار وإن وردت في نجاسة البدن من البول والغائط ، إلّا أنّه يستفاد منها حكم سائر النجاسات في البدن وفي الثوب أيضا ، بضميمة عدم القول بالفصل ، وإن فصّل الصدوق بين البول والغائط ، فقال في الفقيه : «ومن صلّى فذكر بعد ما صلّى أنّه لم يغسل ذكره ، فعليه أن يغسل ذكره ويعيد الوضوء والصلاة ، ومَن نسي أن يستنجي من الغائط حتّى صلّى لم يعد الصلاة» (3) ) .وكأنّه قال بذلك لما رواه المصنّف من موثّق سماعة على نسخة : «لأنّ البول ليس مثل البراز» (4) ) ، ولدلالة ما رويناه عن عمّار على عدم وجوب إعادة الصلاة من نسيان الاستنجاء من الغائط (5) ) ، فتأمّل .قوله في حسنة جميل بن درّاج : كان الناس يستنجون بالكرسف (6) ) والأحجار ، ثمّ اُحدث الوَضوء) . [ ح 13/3888 ] المراد بالوضوء الاستنجاء بالماء ، قال الصدوق :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 ، ح 143 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 _ 55 ، ح 159 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 318 ، ح 837 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 ، ح 142 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 54 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ، ح 779 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 47 ، ح 136 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 53 ، ح 136 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ، ح 778 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 31 ، ذيل الحديث 59 .
5- .. وهو الحديث 17 من هذا الباب من الكافي . قال العلّامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول ، ج 13، ص 61 : «البَراز _ بالفتح _ : كناية عن الغائط ، وليس في بعض النسخ «ليس» ، فقوله عليه السلام : «فعليك الإعادة» أي إعادة الوضوء والصلاة معا ، وعلى النسخة الاُخرى إعادة الصلاة حسب ، وإعادة الوضوء في الموضعين ، أو في الثاني محمولة على الاستحباب أو التقيّة» .
6- .. الكُرسُف : القُطن ، ومنه كرسف الدواة . صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1421 كرسف) .

ص: 223

وكان الناس يستنجون بالأحجار ، فأكل رجل من الأنصار طعاما فلان بطنه، فاستنجى بالماء، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيه : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّ بِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » (1) ) ، فدعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فخشي الرجل أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه ، فلمّا دخل قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «هل عملت في يومك هذا شيئا؟» قال : نعم يا رسول اللّه ، أكلت طعاما فلان بطني ، فاستنجيت بالماء . فقال له : «ابشر ، فإنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ قد أنزل فيك : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّ بِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » ، فكنتَ أوّل التوّابين وأوّل المتطهّرين» .ويقال : إنّ هذا الرجل كان البراء بن معرور الأنصاري (2) ) .واشتهر بين الأصحاب أنّ الاستنجاء من الغائط إنّما يكون بالماء مع التعدّي بأن تجاوز حواشي المخرج وإن لم تبلغ الإلية ، وإلّا فتكفي ثلاثة أحجار جافّة أبكار قالعة للنجاسة ، أو شبهها من ثلاث خرق أو خرقات أو أعواد ونحو ذلك من الأجسام القالعة للنجاسة غير المحترمة ، والظاهر أنّه لاخلاف فيه بينهم .وبذلك التفصيل جمع بين الأخبار التي دلّت على وجوب الاستنجاء بالماء . منها : هذا الخبر ، وموثّق عمّار (3) ) .ومنها : ما سبق في ذيل الحديث السابق . ومنها : صحيحة هشام بن الحكم، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا معشر الأنصار ، إنّ اللّه قد أحسن عليكم الثناء ، فما ذا تصنعون ؟ قالوا : نستنجي

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 ، ح 835 .
2- .. البقرة 2) : 222 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 30 ، ح 59 . ونحوه في الخصال ، ص 192 _ 193 ، ح 267 . والبراء بن معرور ، أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار الذين بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليلة العقبة ، وهو أوّل من تكلّم مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأوّل من بايع حين لقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله السبعون من الأنصار فبايعوه ، وأجمع المورّخون أنّه مات بالمدينة قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه و آله بشهر ، فلمّا قدم انطلق رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأصحابه ، فصلّى على قبره ، ففي الفقرة الأخيرة من كلامه نظر . راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ، ج 3 ، ص 318 ؛ العلل لأحمد بن حنبل ، ج 3 ، ص 182 _ 183 ، رقم 5788 ؛ اُسد الغابة ، ج 1 ، ص 173 _ 174 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 1 ، ص 267 _ 268 ، رقم 55 .

ص: 224

بالماء» (1) ) . وصحيحة إبراهيم بن أبيمحمود ، عن الرضا عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «في الاستنجاء يغسل ما ظهر على الشرج (2) ) ولا يدخل فيه الأنملة» (3) ) .وصحيحة مسعدة بن زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لبعض نسائه : «مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن ؛ فإنّه مطهرة للحواشي ، ومذهبة للبواسير» (4) ) .وموثّقة عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل ينسى أن يغسل دبره بالماء _ إلى قوله _ : وعن الرجل يخرج منه الريح عليه أن يستنجي ؟ قال : «لا» . وقال : «إذا بال الرجل ولم يخرج منه شيء غيره فإنّما عليه أن يغسل إحليله وَحده ولا يغسل مقعدته ، وإن خرج من مقعدته شيء ولم يبل ، فإنّما عليه أن يغسل المقعدة وحدها ، ولايغسل الإحليل» . وقال : «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منها وليس عليه أن يغسل باطنها» (5) ) . وقد سبق صدر الحديث .والتي وردت فيها الاستنجاء بالأحجار وشبهها ، منها : صحيحة زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «لا صلاة إلّا بطهور ، ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، وبذلك

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 ، ح 149 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 317 ، ح 835 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1052 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 354 ، ح 940 .
3- .. الشَرج _ بالشين المعجمة والجيم بعد الراء المهملة _ : حلقة الدبر ، وهو في الأصل انشقاق في القوس . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 495 شرج) .
4- .. هذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 31 ، ح 60 ؛ والشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 ، ح 146 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 128 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 437 ، ح 4094 .
5- .. هذا هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي . ورواه الصدوق في علل الشرائع ، ص 286 ، الباب 205 ، ح 2 ؛ والفقيه ، ج 1 ، ص 32 ، ح 62 ؛ والشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 51 _ 52 ، ح 147 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 44 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 316 ، ح 831 .

ص: 225

جرت السنّة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأمّا البول ف_[ إنّه ]لابدّ من غَسله» (1) ) .وخبره أيضا عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان (2) ) ولايغسله» (3) ) .وخبر بريد بن معاوية ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : «يجزي من الغائط المسح بالأحجار ، ولايجزي من البول إلّا الماء» (4) ) . ومضمرة حريز ، عن زرارة ، قال : «كان يستنجي من البول ثلاث مرّات ، ومن الغائط بالمدر والخرق» (5) ) . وصحيحة زرارة الاُخرى ، قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يقول : «كان الحسين بن عليّ عليهماالسلاميتمسّح من الغائط بالكرسف ولايغسل» (6) ) .وما روى في المنتهى عن الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليُذهب معه ثلاثة أحجار ؛ فإنّها تجزي عنه» (7) ) .وفيه : وقال عليه السلام : «لايستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» ، رواه مسلم (8) ) .وفي لفظٍ : «لقد نهانا أن نستنجي بدون ثلاثة» (9) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 49 _ 50 ، ح 144 ؛ وص 209 ، ح 605 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 55 ، ح 160 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 315 ، ح 829 .
2- .. العجان : الدُبُر ، وقيل : ما بين القُبُل والدُبُر . النهاية ، ج 3 ، ص 188 عجن) .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 46 ، ح 129 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 348 _ 349 ، ح 924 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 50 _ 51 ، ح 147 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 166 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 348 ، ح 923 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 209 ، ح 606 ؛ وص 354 ، ح 1054 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 344 ، ح 612 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 354 ، ح 1055 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 358 ، ح 949 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 266 . سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 18 ، ح 40 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 171 _ 172 ؛ المسند لأحمد بن حنبل ، ج 6 ، ص 133 ، السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 72 ، ح 42 ؛ والسنن له أيضا ، ج 1 ، ص 41 _ 42 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 103 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 352 ، ح 26403 .
8- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 266 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 224 ، ذيل الحديث 262 ؛ المسند لأحمد بن حنبل ، ج 5 ، ص 437 _ 438 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 44 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 51 .
9- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 266 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 223 ، ح 262 .

ص: 226

والتي دلّت على نقاء المخرج من غير تقييد لا بالماء ولا بالأحجار ، رواه الشيخ عن عبداللّه بن المغيرة ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : «ينقى ما ثمّة» (1) ) .وعن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : «يغسل ذكره ويذهب الغائط ، ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين» (2) ) .وهذا الجمع إنّما يحسن لو كان خبر دالّ على ذلك التفصيل ، ولم أجده ، فلولا الإجماع عليه ، لكان الجمع بحمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب مطلقا أَولى ، فتأمّل . وقد ورد في بعض الأخبار الجمع بينهما ، روي مرسلاً عن الصادق عليه السلام أنّه قال :«جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ، ويُتبع بالماء» (3) ) ، رواه في المدارك (4) ) . وقد اختلفت العامّة فيه ، فحكى في المنتهى (5) ) عن أبيحنيفة أنّه حكم باستحباب الاستنجاء بالماء من الغائط مطلقا (6) ) ، ونقله عن الزُهري ، وعن رواية عن مالك (7) ) .وقال _ طاب ثراه _ : والعامّة جوّزوا الطهارة بالأحجار مطلقا في المتعدّي وغيره ، وفي البول أيضا ، واختلفوا في الأفضل منهما ، فاستحبّ بعضهم الماء مطلقا ؛ محتجّين بأنّه صلى الله عليه و آله كان يصنعه ، وإنّما

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 _ 29 ، ح 75 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 439 ، ح 4102 . وهذا هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 47 ، ح 134 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 52 _ 53 ، ح 152 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 316 ، ح 833 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 46 ، ح 130 ؛ وص 209 ، ح 607 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 349 ، ح 625 .
4- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 172 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 265 .
6- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ؛ ص 19 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 95 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 300 . والمذكور هنا هو الموافق للمصدر وسائر المصادر ، وفي النسخ : «باستحباب الاستنجاء بالماء» ، فكلمة «بالماء» زائدة .
7- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 95 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 300 . والمذكور هنا هو الموافق للمصدر وسائر المصادر ، وفي النسخ : «باستحباب الاستنجاء بالماء» ، فكلمة «بالماء» زائدة .

ص: 227

كان يفعل الأفضل ، ولثنائه تعالى على الأنصاري المستنجي به . وكرهه بعضهم واستحبّوا الأحجار مطلقا ؛ محتجّين بأنّ الماء طعام واستعمال الطعام في الاستنجاء مكروه . وفيه : أنّ الماء ليس من الطعام الذي يكره استعماله في الاستنجاء ؛ لأنّ التطهير إحدى الفوائد الكُبَر منه كما يشعر به قوله تعالى : وَ أَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا » (1) ) ، والثناء على الأنصاري .واستحبّ بعضهم الجمع ؛ لأنّه أنقى ؛ لأنّ الحجر يزيل العين والماء يزيل الأثر ، ولأنّه لو باشرت النجاسة بالماء انتشرت فيحتاج إلى كثرة الماء . قوله في موثّق سماعة : لأنّ البول مثل البراز) . [ ح 17/3892 ]في القاموس : البراز ككتاب : الغائط (2) ) . وقال الجوهري : البراز كناية عن ثقل الغذاء وهو الغائط (3) ) .والمماثلة تعطي وجوب إعادة الوضوء فيما إذا نسي الاستنجاء من الغائط أيضا ، ولم ينقل ذلك عن أحد ، ولم يرد به نصّ صريح إلّا أن يخصّص وجه التشبيه بإعادة الصلاة فقط . وفي بعض النسخ : «لأنّ البول ليس مثل البراز» . وهو الظاهر ، فيكون التعليل للفرق بين البول والغائط في إيجاب إعادة الصلاة فقط للغائط وإيجاب إعادة الوضوء أيضا للبول ، ومنشأ الفرق شدّة نجاسة البول بالنسبة إلى الغائط ، ولذلك كان استعمال الأحجار مطهّرا للغائط دونه ، وصار الواجب على بني إسرائيل قرض لحومهم إذا أصابها البول دون الغائط (4) ) .

.


1- .. الفرقان 25) : 48 .
2- .. القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 166 برز) .
3- .. صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 864 برز) .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ح 13 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1064 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 134 ، ح 325 .

ص: 228

[باب] الاستبراء من البول [وغسله] ، ومن لم يجد الماء

[باب] الاستبراء من البول [وغسله] ، ومن لم يجد الماءالمشهور استحباب الاستبراء من البول، ونقل في المنتهى وجوبه عن بعض الأصحاب، (1) ) وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار (2) ) .ثمّ المشهور في كيفيّته أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا ، ثمّ من أصل القضيب إلى رأسه ثلاثا . وفي المقنعة :فليمسح بإصبعة الوسطى تحت اُنثييه إلى أصل القضيب مرّتين أو ثلاثا ، ثمّ يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرّهما عليه باعتماد قويّ من أصله إلى رأس الحشفة مرّة أو مرّتين أو ثلاثا ؛ ليخرج ما فيه من بقيّة البول (3) ) .وعن السيّد المرتضى أنّ المستحبّ عصر القضيب من الاُنثيين إلى رأس الذكر ثلاثا (4) ) . واحتجّوا على القول المشهور بحسنة محمّد بن مسلم (5) ) ، وكأنّهم حملوا أصل الذكر فيها على ما بين المقعدة والاُنثيين والطرف على القضيب ، ويؤيّده ورودها في بعض نسخ التهذيب هكذا : «يعصر أصل ذكره إلى [ رأس ] ذكره ثلاث عصرات وينتر طرفه» ، لكن لايدلّ على ما هو المشهور من تثليث نتر القضيب وإن حمل أصل الذكر على ما عند المقعدة وطرفه على رأس الحشفة ، فلايفهم الترتيب المشهور .وبما رواه الشيخ عن عبدالملك بن عمرو ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 48 ، باب وجوب الاستبراء قبل الاستنجاء من البول . وهو ظاهر كلامه في النهاية ، ص 10 ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 17 و29 .
3- .. المقنعة ، ص 40 ، كتاب الطهارة ، الباب 3 .
4- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 134 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 ، ح 71 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 137 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 320 ، ح 841 .

ص: 229

يستنجي ثمّ يجد بللاً ؟ قال : «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ، ثمّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق فلايبالي» (1) ) .وهو إنّما يدلّ على أحد جزءي المدّعى ؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله : «وغمز ما بينهما» تفسير لخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ، وحمله على غمز ما بين الاُنثيين إلى رأس القضيب في غاية البعد ، على أنّه لايفهم منه التثليث ، فيشكل الاستدلال بهذين الخبرين ، إلّا أن يقال : الظاهر من الثاني استحباب غمز ما بين المقعدة إلى الاُنثيين ثلاثا ، ومن الأوّل استحباب الغمز من الاُنثيين إلى رأس الحشفة ثلاث مرّات ، ومنهما يتمّ المدّعى .واحتجّ السيّد _ على ما حكى عنه في المنتهى _ بما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يبول ؟ قال : «ينتره ثلاثا ، ثمّ إن سال حتّى يبلغ السوق فلايبالي» (2) ) . فإنّ الظاهر أنّ ضمير ينتره راجع إلى القضيب .وقال العلّامة في المنتهى : «ولاتنافي بين الخبرين ؛ لأنّ المستحبّ الاستظهار بحيث لايتخلّف شيئا من أجزاء البول في القضيب ، وذلك قابل للشدّة والضعف ، ومتفاوت بقوّة المثانة وضعفها» . انتهى (3) ) .وتظهر فائدة الاستبراء فيما إذا خرج بعده بلل مشتبه بالبول ؛ فإنّه يحكم بأنّه من الحبائل (4) ) ، ولايجب به إعادة الوضوء ولا الاستنجاء ، بخلاف ما لو خرج بدونه ؛ فإنّه يجب إعادتهما على المشهور ، ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ، وصحيحة حفص .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 50 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 _ 283 ، ح 745 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 27 ، ح 70 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 48 _ 49 ، ح 136 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 283 ، ح 746 .
4- .. صرّح بذلك في رواية محمّد بن مسلم ، حيث ورد فيها : «فإن خرج بعد ذلك شيء فليس من البول، ولكنّه من الحبائل» . وقال العلّامة في المنتهى ، ج 1 ، ص 42 : «والمراد هاهنا عروق الظهر» .

ص: 230

ونقل عن الصدوق أنّه مع عدم الاستبراء أيضا لايوجب الوضوء ؛ لعموم صحيحة عبداللّه بن أبييعفور (1) ) ، وحملت في المشهور على ما إذا استبرأ ، وقد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوب الإعادة مع الاستبراء أيضا ، رواه الشيخ عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه رجل : هل يجب الوضوء ممّا خرج من الذَكَر بعد الاستبراء ، فكتب : «نعم» (2) ) .وحمله في الاستبصار على الاستحباب ، أو التقيّة ؛ لموافقته لمذهب العامّة (3) ) ، وحمل في المنتهى (4) ) على ما إذا علم كون الخارج بولاً ، على أنّ الخبر مضمر محتمل، لأن يكون القائل هو الصفّار والذي كتب إليه محمّد بن عيسى ، وقوله ليس بحجّة .قوله في خبر صفوان : أفاُعيد الوضوء؟) . [ ح 3/3895 ] قال _ طاب ثراه _ : «أراد السائل على الظاهر من إعادة الوضوء الاستنجاء مرّة ثانية ، ويمكن حمل الوضوء على المعنى المعروف ، فكأنّه توهّم أنّ ما ظهر بعد الوضوء من النداوة والصفرة مبطل له» .قوله في خبر حنّان بن سدير : فقال : إذا بلت وتمسّحت) . [ ح 4/3896 ] قال _ طاب ثراه _ : «كأنّ المراد : تمسّحت بالأحجار والخرق وجفّفته ، وليس المقصود من هذا تطهيره بل تعديتها» .أقول : ولايبعد كثيرا أن يراد بالتمسّح التمسّح باليد للاستبراء ، ويكون الأمر بالتجفيف مُحالاً على الظهور .

.


1- .. وهي الرواية 2 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 ، ح 744 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 ، ح 72 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 138 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 572 .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 138 ، وفيه : «لموافقته لمذهب أكثر العامّة» .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 256 .

ص: 231

قوله في حسنة منصور بن حازم : يجعل خريطة (1) ) ) إلخ . [ ح 5/3897 ] يدلّ على وجوب جعل خريطة للسلس وعدم اقتناعه بغسل الثوب الواحد في اليوم مرّة كاقتناع المربّية ذات الثوب الواحد بذلك .ومثلها صحيحة الحلبي عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن تقطير البول ؟ قال : «يجعل خريطة إذا صلّى» (2) ) . وما سيأتي من صحيحة حريز .وما رواه عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجل أخذه تقطير من (3) ) فرجه إمّا دم وإمّا غيره ؟ قال : «فليصنع (4) ) خريطة وليتوضّأ وليصلّ قائما ، ذلك بلاء ابتلي به ، ولايعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» (5) ) .وبه صرّح الشيخ في المبسوط (6) ) إلّا أنّه ذكر الخرقة بدل الخريطة ، والأكثر سكتوا عنه ، لكنّه مطابق لاُصولهم ، فإنّه قد ثبت وجوب تطهير الثوب الساتر للعورة للصلاة مهما أمكن بالنصّ والإجماع إلّا ما استثني ، ولا دليل على استثناء السلس ، فيبقى تحت العموم .وأمّا الخريطة فلكونها ممّا لاتتمّ فيها الصلاة لاتكون نجاستها ضائرة ، كذا قيل . وهذه الأخبار غير شاملة لمن كان علّة السلس فيه انقطاع الذكر ، أو يتعذّر منه جعل الخريطة كما ذكر إلّا أن يجعل بدلها كخرقة المستحاضة ، والظاهر إلحاق ذي الثوب الواحد منه بالمربّية ، فيغسله في اليوم والليلة مرّة ثمّ يصلّي فيه الصلوات كلّها ؛ للحرج

.


1- .. الخريطة: وعاء من أدم وغيره يشرج على ما فيها. صحاح اللغة، ج 3، ص 1123 خرط).
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 351 ، ح 1037 ؛ وج 3 ، ص 306 ، ح 943 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 298 ، ح 784 .
3- .. في بعض النسخ : «في» .
4- .. في بعض نسخ المصدر : «فليضع» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1027 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 695 .
6- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 130 .

ص: 232

المنفيّ ، ولخبر سعدان (1) ) .وبه صرّح الشهيد ، فقال في الذكرى : «وعفي عن خصيّ يتواتر بوله إذا غسل ثوبه في النهار مرّة» (2) ) . ومثله في الدروس (3) ) .واختلفوا في نقض بول السلس للطهارة ، فأوجب الشهيد (4) ) عليه تجديد الوضوء لكلّ صلاة كالمستحاضة ، واختاره الشيخ في الخلاف (5) ) ؛ مدّعيا عليه الإجماع ، والعلّامة في المختلف (6) ) محتجّا بعموم قوله تعالى : إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (7) ) .وقيل : يجوز له الجمع بين الظهرين بوضوء واحد ، وكذا بين العشاءين ، كما أنّ المستحاضة تجمع بين كلّ صلاتين من تلك الصلوات بغسل واحد ، ذهب إليه العلّامة في المنتهى (8) ) ، وهو ظاهر الصدوق (9) ) ، واحتجّوا عليه بصحيحة حريز عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة ، اتّخذ كيسا وجعل فيه قطنا ، ثمّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ، ثمّ صلّى يجمع بين الصلاتين : الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح» (10) ) .

.


1- .. وهو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1051 ؛ وص 424 _ 425 ؛ ح 1349 بإسناده عن سعدان بن مسلم ، عن عبدالرحيم القصير ؛ ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 75 ، ح 168 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 751 .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 139 .
3- .. الدروس ، ص 127 ، الدرس 20 .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 201 .
5- .. الخلاف ، ص 249 _ 250 ، المسألة 221 .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 309 .
7- .. المائدة 5) : 6 . وفي النسخ : «وإذا قمتم . . .» .
8- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 137 .
9- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 146 .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 146 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1021 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 297 ، فح 780 .

ص: 233

وفيه تأمّل ؛ إذ لعلّ الجمع بين الصلاتين في تعليق كيس واحد لا في وضوء واحد ، بل هو الأظهر من الخبر . وأوجب عليه الشيخ في المبسوط الوضوء والبناء كلّما وجد فيها الحدث كالمبطون ؛ حيث قال في فصل صلاة صاحب الأعذار :والمبطون إذا صلّى ثمّ حدث ما ينقض صلاته أعاد الوضوء وبنى على صلاته ، ومن به سلس البول كذلك بعد أن يستبرئ ، ويستحبّ له أن يلفّ خرقة على ذكره ؛ لئلّا تتعدّى النجاسة إلى ثيابه وبدنه (1) ) . وفي الذكرى : «وجوّز في المبسوط أن يصلّي بوضوء صلوات كثيرة ؛ لأنّه لا دليل على تجديد الوضوء عليه ، وحمله على الاستحاضة قياس لانقول به» (2) ) .وحكى في المختلف (3) ) أيضا عنه أنّه قال في المبسوط بذلك ؛ محتجّا بما ذكر بأصالة البراءة . أقول : ولم أجد فيه سوى ما نقلنا عنه بعد التفحّص عن المواضع المناسبة لهذا المطلب من أبواب الطهارة والصلاة (4) ) .ثمّ أقول : والأظهر إعادة الوضوء والصلاة كلّما قطر منه البول إلّا إذا انجرّ إلى الحرج كعدم فراغه عنه في وقت يسع الصلاة ؛ لثبوت كونه موجبا للوضوء ومبطلاً للصلاة ، ولانصّ . ويدلّ أيضا عليه قوله عليه السلام : «ولا يعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» فيما تقدّم من مضمرة سماعة (5) ) ، فتأمّل .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1027 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 695 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 130 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 201 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 68 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 310 .
5- .. ذكره في باب الاستحاضة من المبسوط ، ج 1 ، ص 67 .

ص: 234

وأمّا المبطون ؛ فالمشهور فيه ما نقل عن المبسوط (1) ) ، ويدلّ عليه ما رواه الشيخ في الموثّق عن محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته ، فيتمّ ما بقي» (2) ) .واحتجّ أيضا عليه في المختلف (3) ) بما رواه الصدوق عن الفضيل بن يسار ، أنّه قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : أكون في الصلاة فأجد غَمزا في بطني وأزّا وضربانا فقال : «انصرف ثمّ توضّ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا ، فإن تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك وهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا» . قلت : وإن قلّب وجهه عن القبلة ؟ قال : «نعم ، وإن قلّب وجهه عن القبلة» (4) ) .فهذا الحدث ناقض للطهارة ، لكنّه بهذين الخبرين مستثنى من قاعدة اشتراط استمرار الطهارة في صحّة الصلاة ، فلايرد عليه ما ذكر في المختلف (5) ) من أنّ الحدث المتكرّر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ؛ لأنّ شرط صحّة الصلاة استمرار الطهارة ، والظاهر اختصاص الحكم بغير من استمرّ حدثه ؛ إذ ايجاب ذلك في المستمرّ حدثه مستلزم للحرج ، بل للتكليف بما لايطاق ، فلابدّ حينئذٍ من إجراء حكم المستحاضة عليه ، بل قال العلّامة في المنتهى به مطلقا ؛ حيث قال : «وأمّا المبطون ، فإنّه يجدّد الوضوء لكلّ صلاة ولايجمع بين صلاتي فرض ؛ لأنّ الغائط حدث ، فلايستباح معه الصلاة إلّا مع الضرورة» (6) ) . والخبران حجّتان عليه .واعلم أنّ إطلاق الخبرين يقتضي شمول الحكم لما إذا تخلّص له من الوقت مقدار

.


1- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 130 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 306 ، ح 1043 ؛ وص 350 _ 351 ، ح 1036 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 298 ، ح 783 .
3- .. مختلف الشيعة، ج 1 ، ص 311 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1060 . ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1533 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 332 ، ح 1370 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 235 ، ح 9209 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 311 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 138 .

ص: 235

أداء الصلاة فارغا عن الحدث ، والأحوط فعلها حنيئذٍ في ذلك الوقت .وأمّا المربّية ذات الثوب الواحد فأجمعوا على أنّها تغسله كلّ يوم وليلة مرّة ثمّ تصلّي فيه صلواتها كلّها (1) ) .ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن حفص ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها إلّا قميص ولها مولود فيبول عليها كيف تصنع ؟ قال : «تغسل القميص في اليوم مرّة» (2) ) .نعم، خصّ الأكثر ذلك الحكم بالمربّية للصبي، وأوجبوا على المربّية للصبيّة (3) ) والخنثى إزالة النجاسة عن ثوبها مهما أمكن ، وهو تخصيص للرواية من غير مخصّص .قوله : عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن عبدالرحمان) . [ ح 6/3898 ] قيل : الظاهر زيادة «عن» ؛ فإنّ سعدان اسمه عبدالرحمان .أقول : توضيحه أنّ سعدان هذا هو سعدان بن مسلم الكوفي بقرينة رواية أحمد بن إسحاق عنه ، وذكر الشيخ في الفهرست : «أنّ اسمه عبدالرحمان وسعدان لقبه وأنّ له أصلاً ، عنه محمّد بن عذافر وصفوان بن يحيى والعبّاس بن معروف وعبداللّه بن الصلت القمّي وأحمد بن إسحاق» (4) ) .وقال النجاشي :

.


1- .. اُنظر : المبسوط ، ج 1 ، ص 39 ؛ النهاية ، ص 55 ؛ المختصر النافع ، ص 19 ؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 444 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 239 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 115 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 34 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 161 ، تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 493 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 194 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 271 ، نهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 387 ؛ إيضاح الفوائد ، ج 1 ، ص 30 ؛ الألفيّة والنفليّة ، ص 50 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 25 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 139 ؛ المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 249 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 304 و526 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ، ح 719 . ورواه الصدوق مرسلاً في الفقيه ، ج 1 ، ص 70 ، ح 161 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 400 ، ح 3971 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 39 ؛ النهاية ، ص 55 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 494 ؛ روض الجنان ، ص 167 .
4- .. الفهرست ، ص 140 ، الرقم 336 .

ص: 236

سعدان بن مسلم _ واسمه عبدالرحمان بن مسلم أبوالحسن العامري مولى أبيالعلاء كرز بن جُعيد العامري من عامر ربيعة _ روى عن أبيعبداللّه وأبيالحسن عليهماالسلام ، وعُمّر عمرا طويلاً (1) ) . ثمّ أقول : ما توهّمه القائل سهو منه ؛ فإنّ عبدالرحمان هذا هو ابن عبدربّه بن أبي ميمونة بن يسار الكوفي الأسدي الذي يقال له كثيرا : عبدالرحيم ؛ لأنّ الشيخ روى هذا الخبر بعينه في باب الأحداث الموجبة للطهارة من أبواب الزيادات من كتاب الطهارة من التهذيب عن محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن سعدان بن مسلم ، عن عبدالرحيم (2) ) .وتوجيهه أنّه اختلف أصحاب الرجال في أنّ اسم ابن عبدربّه هذا هل هو عبدالرحمان أو عبدالرحيم ؛ لاختلاف ما ورد فيه كما يظهر من تتبّع الآثار الواردة فيه في ترجمة كلّ من بني عبدربّه ، فقد نقل الكشّي في ترجمة إسماعيل بن عبدالخالق ، عن حمدويه ، قال : «سمعت بعض المشايخ وسألته عن وهب وشهاب وعبدالرحمان بني عبدربّه وإسماعيل بن عبدالخالق بن عبدربّه ؟ يقول : كلّهم خيار فاضلون كوفيّون» (3) ) .وقال النجاشي : عبدالخالق بن عبدربّه بن أبيميمونة بن يسار مولى بني أسد ، وجه من وجوه أصحابنا وفقيه من فقائهم ، وهو من بيت الشيعة ، وعمومته : شهاب وعبدالرحيم ووهب ، وأبوه عبدالخالق كلّهم ثقات ، روى عن أبيعبداللّه وأبيالحسن عليهماالسلام (4) ) .لايقال : عبدالرحمان هذا قد روى هذا الخبر عن أبيالحسن عليه السلام ، وعبدالرحمان بن عبدربّه من أصحاب أميرالمؤمنين والحسين عليهماالسلام على ما يفهم من رجال الكشّي ؛ حيث قال : «عبدالرحمان بن عبدربّه تقدّم في إسماعيل بن عبدالخالق عدّه من أصحاب

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 192 ، الرقم 515 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 353 ، ح 1051 ؛ وص 424 _ 425 ، ح 1349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 751 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 713 ، الرقم 783 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 25 ، الرقم 50 .

ص: 237

عليّ عليه السلام »، وذكر في أصحاب الحسين عليه السلام أيضا عبدالرحمان بن عبدربّه الخزرجي (1) ) .لأنّا نقول : عبدالرحمان هذا غير ما نحن بصدده ؛ لأنّ عبدربّه _ وهو أبوعبدالرحمان الذي كلامنا فيه _ من أصحاب الصادق عليه السلام ، فأنّى يكون ابنه من أصحاب أميرالمؤمنين والحسين عليهماالسلام ؟ ! ويشعر به تقييد من هو أصحاب الحسين عليه السلام بالخزرجي ، ويكون حكم الكشّي باتّحادهما توهّما منه .على أنّه يمكن أن يكون عبدربّه أيضا معمّرا عمرا طويلاً كعبدالرحمان ، فتأمّل . ثمّ الأظهر وقوع سهو في عبدالرحمان ، والأصوب عبدالرحيم على أن يراد به عبدالرحيم بن عتيك القصير فيه وفيما رويناه عن الشيخ ، لا عبدالرحيم بن عبدربّه ؛ فإنّه قدس سره روى هذا الخبر بعينه في باب تطهير الثياب والبدن من النجاسات من التهذيب : عن سعد ، عن أحمد ، عن العبّاس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن عبدالرحيم القصير (2) ) ، وهو ابن عتيك ؛ لتقييد عبدالرحيم الموصوف بالقصير بابن عتيك في طرق الأخبار كثيرا (3) ) .وفي بعض نسخ الكتاب : عن سعدان بن عبدالرحمان ، وهو سهو بيّن . والانتضاح في الخبر بمعنى الاغتسال .قوله في صحيحة الحسين بن أبيالعلاء : صُبّ عليه الماء مرّتين) . [ ح 7/3899 ] وقد روى الشيخ لها تتمّة هي قوله : «فإنّما هو ماء» . وسألته عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : «اغسله مرّتين» (4) ) .قال _ طاب ثراه _ :

.


1- .. لم أجده في رجال الكشّي ، نعم ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ، ص 74 ، الرقم 608 في أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ وفي ص 103 ، الرقم 1007 في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 424 _ 425 ؛ ح 1349 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 285 ، ح 751 .
3- .. منها الحديث الأوّل من باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى من الكافي ، ج 1 ، ص 100 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ، ح 714 ؛ وص 269 ، ح 790 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 395 _ 396 ، ح 3962 . وهذه التتمّة مذكورة في الحديث الأوّل من باب البول يصبّ الجسد من الكافي .

ص: 238

دلّ الخبر على أنّ النجاسة المائعة الغير اللزجة يكفي في تطهير البدن منها صبّ الماء من غير دَلكٍ وإمرار يدٍ ؛ وذلك لأنّ الصبّ لايقتضي الدلك بخلاف الغسل ، والمقصود ذهاب عين النجاسة ، فإذا زالت بالصبّ طهر المحلّ ، وفي قوله : وروي أنّه ليس بوسخ فيحتاج أن يدلك ، إشارة إلى ذلك . انتهى .والخبر وإن ورد في تطهير البدن من البول ، لكنّ الظاهر جريان الحكم في غير الجسد من الأجسام التي لاينفذ البول فيها ، وفي غير البول أيضا من النجاسات التي لايرى عينها ولا جوهريّتها كالمتنجّس بالدم الذي قد فرك جسم الدم عنه ؛ للاشتراك في العلّة وللأصل السالم عن معارض .وأمّا ما ينفذ فيه البول أو غيره من النجاسات ، فلابدّ في تطهيره من الدَلك ؛ للأمر بالغسل فيه في التتمّة التي رويناها عن الشيخ ، ولم يظهر لي قول بخلاف ما ذكر . نعم ، قال العلّامة في المنتهى : «والأقرب عندي أنّ الدلك في الجسد مستحبّ» (1) ) .وعلى ما ذكر فيكفي الصبّ في إزالة النجاسة عن أواني الخمر المغضورة (2) ) بحيث لاينفذ الخمر فيها ، ووجب الغسل بالدلك في غير المغضورة منها ، ولكنّ الأظهر وجوب الدلك فيها مطلقا ؛ لإطلاق موثّقة عمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن قدح أو إناء يشرب منه الخمر ؟ قال : «يغسله ثلاث مرّات» . وسئل : أيُجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لايجزيه حتّى يدلك بيده ويغسله ثلاث مرّات» (3) ) .وقيل : غير المغضور منها لايطهّر مطلقا ، وضعّفه المحقّق الشيخ عليّ في شرح القواعد (4) ) ؛ لما دلّ على طهارته عموما ، وخصوص الإبريق وهو غير مغضور في أخبار

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 266 _ 267 .
2- .. في هامش نسخة «ب» بخطّ المؤلّف : «الغضر ، بالغين والضاد المعجمتين : طينة خضراء يدّهن الأواني بها . منه» . وفي جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 195 : «المراد بالمغضور : المدهون بشيء يقوّيه ويمنع نفوذ المائع في مسامّه ، كالدهن الأخضر الذي تدهن به الأواني غالبا» .
3- .. الكافي ، ج 6 ، ص 427 ، باب الأواني يكون فيها الخمر ثمّ يجعل فيها الخلّ ويشرب منها ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 ، ح 830 .
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 195 .

ص: 239

عمّار المشار إليها (1) ) . وقوله عليه السلام في الخبر : «مرّتين» ظاهره وجوب هذا العدد في نجاسة البول ، ويؤكّده صحيحة ابن أبييعفور ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن البول يصيب الثوب ؟ قال : «اغسله مرّتين» (2) ) .وعليه حمل قوله عليه السلام : «مثلا ما على الحشفة» في الخبر الآتي ، وبه قال أكثر الأصحاب . وقال الصدوق والشيخان : «أقلّ ما يجزي من الماء في البول مثلا ما على الحشفة» (3) ) ؛ محتجّين بخبر نشيط بن صالح ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: «مثلا ما على الحشفة من البلل» (4) ).وظاهرهم إجزاء ذلك ولو بصبّ واحد . وقيل : إنّه لايتقدّر بقدر ، بل يجب إزالة النجاسة بما يسمّى غَسلاً كما في الاستنجاء من الغائط ، وحكي ذلك عن أبيالصلاح (5) ) ، وابن إدريس (6) ) ، وعن ظاهر ابن البرّاج ؛ محتجّين بأنّ الأصل عدم وجوب الزائد على المزيل وإن قلّ عن مِثلَي ما على الحشفة ، ووجوب المزيل وإن زاد عنهما .ويؤيّده الخبر الذي بعد هذا الخبر ؛ حيث حُدّ أقلّه بمثل ما على الحشفة . وقال بعض العامّة : «يجب أن يكون الماء سبعة أمثال البول» (7) ) ، يعني الذي على

.


1- .. حيث ورد فيها : «وعن الإبريق يكون فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : إذا غسل فلابأس» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 251 ، ح 722 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 395 ، ح 3960 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 31 ، ذيل الحديث 59 ؛ الهداية للصدوق ، ج 1 ، ص 76 ؛ المقنعة للمفيد ، ص 42 ، كتاب الطهارة ، الباب 3 ؛ النهاية للشيخ الطوسي ، ص 11 ؛ والمبسوط له أيضا ، ج 1 ، ص 17 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 35 ، ح 93 ، وفيه : «بمثلي . . .» ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 49 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 344 ، ح 911 .
5- .. الكافي في الفقه ، ص 27 .
6- .. السرائر ، ج 1 ، ص 97 .
7- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 248 ؛ المجموع للنووي، ج 2 ، ص 592 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 139 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 230 .

ص: 240

الحشفة . وأمّا في الاستنجاء من الغائط وغسل نحوه من النجاسات التي لها جرم وجسم ، فالأظهر والأشهر اعتبار النقاء بالغسل من غيرتحديد ، كما يدلّ عليه ما سبق من أخبار الاستنجاء ، وإطلاق الأمر بالغسل في غيره .وأمّا في غيرها ، فالمشهور الاكتفاء بالمرّة إلّا فيما استثني بالنصّ ؛ لإطلاق الأمر بالغَسل في الأخبار المتحقّق بها ، وقيل : بالمرّتين ، وهؤلاء الفريقان لم يفرّقوا بين الإناء وغيره . وربّما فرّق بينهما ، ففي المختلف :وقال الشيخ في الخلاف : يغسل الإناء من سائر النجاسات [ سوى الولوغ ]ثلاث مرّات (1) ) . وقال في المبسوط : يغسل من سائر النجاسات ثلاث مرّات ، وروي غسله مرّة واحدة ، والأوّل أحوط ، ويغسل من الخمر والأشربة المسكرة سبع مرّات ، وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الإناء (2) ) .وقال في النهاية : يغسل من سائر النجاسات ثلاث مرّات وجوبا ، ومن الخمر والمسكر والفأرة سبع مرّات وجوبا أيضا (3) ) . وقال سلاّر : يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات أوّلهنّ بالتراب ، ومن غير ذلك مرّة إلّا آنية الخمر خاصّة ، فإنّها تغسل سبع مرّات (4) ) .وقال ابن إدريس : الواجب في غسل الإناء من سائر النجاسات مرّة إلّا الولوغ والمسكر (5) ) .

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 182 ، كتاب الطهارة ، المسألة 138 ، وما بين المعقوفين منه .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 15 .
3- .. النهاية ، ص 5 _ 6 .
4- .. المراسم ، ص 36 .
5- .. السرائر ، ج 1 ، ص 92 ، وعبارته هكذا : «ولايراعى العدد في غسل الأواني إلّا في آنية الولوغ والخمر والمسكر فحسب» .

ص: 241

وقال المفيد رحمه الله : يغسل من الولوغ ثلاث مرّات الوسطى بالتراب ، وليس حكم غير الكلب كذلك ، بل يهريق ما فيه ويغسل مرّة واحدة بالماء ، وأواني الخمر والأشربة المسكرة كلّها نجسة لاتستعمل حتّى يهريق ما فيها منه وتغسل سبع مرّات (1) ) .والأقرب عندي أنّ الواجب بعد إزالة غسلة مرّة واحدة في الجميع إلّا الولوغ، لكن يستحبّ السبع في الخمر والأشربة [ المسكرة ]وفي الجرذ (2) ) والفأرة .لنا : أنّ المقتضي للمنع حصول النجاسة في الإناء ، وبعد غسلها المتعقّب لإزالة العين ينتفي المانع ، فيثبت حكم الأصل ، وهو تسويغ الاستعمال . وما رواه عمّار الساباطي عن الصادق عليه السلام ، قال: سألته عن الدنّ (3) ) يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه الخلّ وماء كامخ (4) ) أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» ، علّق نفي البأس على مطلق الغسل الحاصل بالمرّة الواحدة» . قال : وسألته عن الإبريق تكون فيه خمر أَوَ يصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلابأس» (5) ) . والتقريب ما تقدّم .واحتجّ الشيخ على وجوب السبع في الخمر بما تقدّم في حديث عمّار ، وعلى وجوبها بموت الجرذ بما رواه عمّار ، قال الصادق عليه السلام : «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميّتا سبع مرّات» (6) ) .واحتجّ على ما ذكره في الخلاف من وجوب الثلاث بطريقة الاحتياط ؛ إذ مع غسله ثلاث مرّات يحصل الإجماع على طهارته ، وبما رواه عمّار الساباطي عن الصادق عليه السلام ، قال : سئل عن الكوز والإناء تكون قذرا كيف يغسل ؟ وكم مرّة يغسل ؟ قال : «ثلاث مرّات يصبّ فيه ماء فيحرّك ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّكه فيه ثمّ يفرغ منه ثمّ يصبّ فيه

.


1- .. المقنعة ، ص 68 و73 .
2- .. جُرَذ : نوع من الفأر ، وقال الطريحي : «يكون في الفلوات ، وعن الجاحظ : الفرق بين الجرذ والفأر كالفرق بين الجواميس والبقر» . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 179 جرذ) .
3- .. الدَنّ : واحد الدنان وهي الحباب . صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2114 دنن) .
4- .. الكامخ : الذي يؤتدم به ، معرّب . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 430 كمخ) .
5- .. الكافي ، ج 6 ، ص 427 ، باب الأواني يكون فيها الخمر . . . ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 ، ح 830 ؛ وج 9 ، ص 116 ، ح 502 ؛ وسائل الشيعة ، ج 25 ، ص 368 ، ص 32142 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ضمن الحديث 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ص 4276 .

ص: 242

[باب] مقدار الماء الذي يجزي للوضوء و

ماء آخر فيحرّك ، ثمّ يفرغ منه وقد طهر» . قال : وسألته عن الإبريق تكون فيه خَمر أَوَ يصلح أن يكون فيه ماء؟ : قال : إذا غسل فلا بأس» . وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ؟ قال : «يغسله ثلاث مرّات» . قال : سئل أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لايجزيه حتّى يدلكه ويغسله ثلاث مرّات» (1) ) ، ولأنّ المرّة الواحدة غير مزيلة غالبا ، فلابدّ من الزائد ، فيجب المتعدّد ، فإن لم يكن معيّنا لزم تكليف ما لايطاق ، فتعيّنت الثلاث .والجواب أنّ ما قدّمناه من الحديث لايعطي مطلوبه في وجوب السبع ، وحديث عمّار في وجوبها في موت الجرذ ضعيف ؛ لضعف سنده ، مع احتمال الاستحباب ، وطريقة الاحتياط لايدلّ على الوجوب ، ومعارضة بالبراءة الأصليّة . وحديث عمّار الثاني ضعيف السند أيضا ، مع جواز حمله على الاستحباب ؛ جمعا بين الأدلّة ، وكون الواحد غير مزيلة ممنوع ؛ إذ البحث على تقدير الإزالة ، وإيجاب العدد المطلق لم يقل به أحد ، وإنّما الواجب الإزالة وهي المناط دون العدد ؛ إذ لو لم يحصل معه الإزالة لم يكن مجزيا ، هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . (2) )قوله في خبر روح بن عبدالرحيم : فلمّا انقطع شَخب البول) . [ ح 8/3900 ] أي درّه ، وجاء الفتح والضمّ في شينه ، وأصله ما خرج من الضرع من اللبن (3) ) .

[باب] مقدار الماء الذي يجزي للوضوء والغسل ومَن تعدّى في الوضوءأجمع الأصحاب على إجزاء مسمّى الغسل ولو بالدلك وإن كان كالدهن في الوضوء والغسل جميعا ، وعلى استحباب استعمال مدّ للوضوء وصاع للغسل ؛ وهو

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 182 _ 183 ، ذيل المسألة 138 من كتاب الطهارة ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ضمن الحديث 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 495 ، ذيل الحديث 4272 المرويّة عن الكليني .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 498 _ 501 .
3- .. اُنظر : كتاب العين ، ج 4 ، ص 173 ؛ صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 152 ؛ معجم مقاييس اللغة ، ج 3 ، ص 255 ؛ النهاية ، ج 2 ، ص 450 شخب) .

ص: 243

تسعة أرطال بالعراقي وستّة بالمدني ، وبعبارة اُخرى : أربعة أمداد . ويدلّ على الأوّل _ زائدا على ما رواه المصنّف في الباب _ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «أسبغ الوضوء إن وجدت ماء ، وإلّا فإنّه يكفيك اليسير» (1) ) .وبسندين أحدهما موثّق عن زرارة ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن غسل الجنابة ؟ فقال : «أفِض على رأسك ثلاث أَكُفّ ، وعن يمينك وعن يسارك ، إنّما يكفيك مثل الدهن» (2) ) .وعن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : «الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجرى من الدهن الذي يبلّ الجسد» (3) ).وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبيبصير ومحمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّهما سمعاه يقول : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يغتسل بصاع من ماء ويتوضّأ بمدّ من ماء» (4) ) .وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمدّ من ماء ويغتسل بصاع ، والمدّ رِطل ونصف والصاع ستّة أرطال» (5) ) .وعن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الوضوء ، فقال : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يتوضّأ بمدّ من ماء ويغتسل بصاع» (6) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 138 ، ح 388 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 418 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 485 ، ح 1285 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 137 _ 138 ، ح 384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 241 ، ح 2048 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 138 ، ح 385 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 122 ، ح 414 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 485 ، ح 1286 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 136 ، ح 377 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 ، ح 1276 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 121 ، ح 409 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 136 _ 137 ، ح 379 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 ، ح 1275 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 136 ، ح 378 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 120 _ 121 ، ح 408 ؛ وسائل الشيعة ، ف ج 1 ، ص 482 ، ح 1379 .

ص: 244

وفي الفقيه : وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «الوضوء مدّ والغسل صاع» (1) ) .وعن سليمان بن حفص المروزي ، قال : قال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : «الغسل بصاع من ماء والوضوء بمدّ من ماء ، وصاع النبيّ خمسة أمداد ، والمُدّ وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم وزن ستّة دوانيق ، والدانق وزن ستّ حبّات، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوساط الحَبّ لا من صغاره ولا من كباره» (2) ).وفي الموثّق عن سماعة ، قال : سألته عن الذي يجزي من الماء للغُسل ؟ فقال : «اغتسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بصاع وتوضّأ بمدّ ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد ، وكان المدّ قدر رِطل وثلاث أواق» (3) ) .وحملت هذه الأخبار على الندب . وأقول : بل الأظهر أنّ المراد من هذه الأخبار أنّ غاية الماء الذي ينبغي أن يستعمل في الطهارتين هو الصاع والمدّ ، وأنّ استعمال الزائد منهما يكون إسرافا ووسواسا من فعل الشيطان ، ويدلّ عليه ما روي في الفقيه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «الوضوء مدّ والغسل صاع ، وسيأتي أقوام بعدي يستقلّون ذلك ، فاُولئك على خلاف سنّتي ، والثابت على سنّتي معي في حظيره القدس» (4) ) ، لا أنّ هذا المقدار هو المستحبّ استعماله ، بل كلّما كان الماء أقلّ كان أفضل ، ومن ذلك اغتسال رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو وعائشة جميعا بخمسة أمداد على ما دلّ عليه ما رواه المصنّف 5 ) من صحيحة محمّد بن

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 34 _ 35 ، ح 70 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 483 ، ح 1280 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 135 _ 136 ، ح 374 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 121 ، ح 410 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 481 _ 482 ، ح 1277 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 136 ، ح 376 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 121 ، ح 411 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 482 ، ح 1278 .
4- .. المثبت من «أ» ، وفي «ب» : «وحملت هذه الأخبار على الندب ، للجمع ، وظاهر هذه الأخبار أنّ الصاع الذي يستحبّ في الغسل إنّما هو صاع النبيّ صلى الله عليه و آله وهو خمسة أمداد لا المعبّر عنه بأربعة أمداد ، ويشعر بذلك رواية سليمان بن حفص ، ولاينافي ذلك تحقّق الفضيلة باغتساله صلى الله عليه و آله هو وزوجته من خمسة أمداد على ما دلّ عليه ما رواه المصنّف . . .» .

ص: 245

مسلم (1) ) ، وما رواه الصدوق ، قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : [ اغتسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ] هو وزوجته من خمسة أمداد من إناء واحد» ، فقال له زرارة : كيف صنع ؟ فقال : بدأ هو فضرب يده في الماء قبلها فأنقى فرجه ، ثمّ ضربت هي فأنقت فرجها ، ثمّ أفاض هو على نفسه وأفاضت هي على نفسها حتّى فرغا ، وكان الذي اغتسل به النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثة أمداد ، والذي اغتسلت به مدّين» (2) ) .هذا ، ولا ريب في دخول الماء الذي يستعمل لتطهير البدن من النجاسة العينيّة من جملة الصاع ؛ لإطلاق الأخبار ، ولصراحة ما رويناه عن الصدوق في ذلك ، والظاهر دخول ماء الاستنجاء أيضا ولو من الغائط في المدّ ، واحتمله في الذكرى (3) ) ، ويؤيّده (4) ) أنّ المدّ زائد عمّا يصرف في الوضوء وإن أسرف فيه غالبا .وأراد قدس سره بالتعدّي في الوضوء مسح كلّ الرأس وغسل الرجلين كما هو دأب العامّة ، ويشعر به صحيحة داوود بن فرقد (5) ) . ويؤيّدها ما رواه الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إنّ الرجل يعبد اللّه أربعين سنة ما يطيعه في الوضوء ؛ لأنّه يغسل ما أمر اللّه بمسحه» (6) ) .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 35 ، ح 72 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 243 ، ح 2052 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 188 .
4- .. في «ب» بعد الرواية : «ثمّ قال الصدوق : وإنّما أجزأ عنهما لأنّهما اشتركا فيه جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلابدّ له من صاع ، ولكنّ المشهور تفسير الصاع في المنفرد بالعكس بأربعة أمداد ، ولم يظهر لي مستنده ، هذا ولقد أجمعوا على دخول الماء المستعمل لتطهير البدن من النجاسة العينيّة داخلة في الصاع ؛ لإطلاق الأخبار ، ولصراحة ما رويناه عن الصدوق ، في ذلك ، وقد اختلفوا في دخول ماء الاستنجاء في المدّ في جانب ، ظاهر الأكثر عدمه ، واحتمل الذكرى دخوله فيه ، ويؤيّده . . . » .
5- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
6- .. الفقيه، ج 1، ص 36، ح 73؛ علل الشرائع، ج 1، ص 289، الباب 212، ح 1 إلى قوله عليه السلام : «في الوضوء» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 422 ، ح 1103 .

ص: 246

[باب] السواك

وحمله على الإسراف بعيد يأباه تخصيص التعدّي بالوضوء ، فتأمّل . قوله في حسنة زرارة ومحمّد بن مسلم : إنّما يكفيه مثل الدهن) . [ ح 2/3902 ]في القاموس: الدهن ويضمّ: قدر ما يَبلّ وجه الأرض من المطر ، والجمع دهان، وقد دهن المطر الأرض . انتهى (1) ) . وربّما يقال : إنّه بالفتح بمعنى استعمال الدهن والادّهان به ، ويشعر به صحيحة محمّد بن مسلم التي قبل هذه .قوله في صحيحة أبيداوود يعني المسترقّ : وكان أبي يقول : إنّما يتلدّد) . [ ح 3/3903 ] يقال: لدّه: إذا خصمه (2) )، ولعلّ المعنى : مَن تعدّاه إنّما يكون غرضه الخصومة واللجاج مع الحقّ وأهله لا التديّن والتعبّد بما هو الحقّ ، وإلّا فأمر الوضوء الشرعي أبين من أن يتطرّق إليه شبهة .

[باب] السواكقال _ طاب ثراه _ : السواك _ بالكسر _ : يطلق على المعنى المصدري ، وعلى ما يستاك به ، ويجمع على سُوُك ، ككتاب وكتب ، وهو مذكّر ، وقال الليث : والعرب تؤنّثه . وقال الأزهري (3) ) : هذا من أغاليط الليث ، القبيحة (4) ) ، وحكى صاحب المحكم (5) ) فيه التذكير والتأنيث . انتهى .

.


1- .. القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 244 دهن) .
2- .. اللدد : الخصومة الشديدة . النهاية ، ج 4 ، ص 244 لدد) .
3- .. تقدّمت ترجمته .
4- .. لم أعثر على كلام الأزهري بهذه العبارة ، والموجود في تهذيب اللغة ، ج 10 ، ص 316 هكذا : «والسواك تؤنّثه العرب ، وفي الحديث : السواك مَطهرةٌ للفَم . أي يطهِّر الفَم . قلت : ما علمت أحدا من اللغويّين جعل السواك مؤنّثا، وهو مذكّر عندي» .
5- .. صاحب المحكم هو عليّ بن إسماعيل المرسي الأندلسي المعروف بابن سيدة ، أحد مَن يُضرب بذكائه المَثَل ، عالم بالنحو واللغة والأشعار وأيّام العرب ، وُلد بمرسية في شرق الأندلس ، وانتقل إلى دانية ، فتوفّي بها سنة 456 ه ، وكان ضريرا وكذلك أبوه ، له من الكتب : الأنيق في شرح حماسة أبيتمام ، شرح ما أشكل من شعر المتنبّي ، شرح إطلاق المنطق ، شواذّ اللغة ، العالم في اللغة ، المحكم والمحيط الأعظم ، المخصّص ، الوافي في علم القوافي . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 144 _ 146 ، رقم 78 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 7 ، ص 36 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 263 .

ص: 247

واستحبابه هو مذهب الأصحاب وأكثر العامّة ، ويدلّ عليه) (1) ) أكثر أخبار الباب وما رواه الصدوق ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما زال جبرئيل عليه السلام يوصيني بالسواك حتّى خشيت أن اُحفى أو اُدْرَد » الخبر (2) ) .وقال : وقال الصادق عليه السلام : «أربع من سنن المرسلين : التعطّر ، والسواك ، والنساء ، والحنّاء» (3) ) . وقال الصادق عليه السلام : «لمّا دخل الناس في الدين أفواجا أتتهم الأزد أرقّها قلوبا وأعذبها أفواها ، فقيل : يا رسول اللّه ، هذا أرقّها قلوبا عرفناه ، فلِمَ صارت أعذبها أفواها ؟ فقال : إنّها كانت تستاك في الجاهليّة» (4) ) .وقال عليه السلام : «لكلّ شيء طهور ، وطهور الفم السواك» (5) ) . وقال [ أبوجعفر عليه السلام ] : «والسواك من الحنيفيّة ، وهي عشر سنن ، خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ، فأمّا التي في الرأس : فالمضمضة والاستنشاق والسواك وقصّ الشارب والفرق لمن طوّل شعر رأسه ، ومَن لم يفرق شعر رأسه فرّقه اللّه يوم القيامة بمنشار من نار ، وأمّا التي في الجسد : فالاستنجاء والختان وحلق العانة وقصّ الأظفار ونتف الإبطين» (6) ) .

.


1- .. سقط من «أ» .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 52 ، ح 108 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 5 ، ح 1300 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 52 ، ح 111 ؛ الخصال ، ص 242 ، باب الأربعة ، ح 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1317 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 115 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 295 ، الباب 227 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1318 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 116 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 294 ، الباب 227 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1319 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 _ 54، ح 117 .

ص: 248

وروي أنّ الكعبة شكت إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ ما تلقى من أنفاس المشركين ، فأوحى اللّه _ تبارك وتعالى _ إليها : قَرّي يا كعبة ، فإنّي مبدّلك بهم قوما يتنظّفون بقضبان الشجر . فلمّا بعث اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله نزل عليه الروح الأمين بالسواك» (1) ) .والدليل على أنّ الأمر به فيما ذكر من الأخبار الندب والاستحباب دون الفرض والإيجاب ؛ ظهور بعضها في ذلك ، وخبر القدّاح (2) ) ، وما رواه الصدوق ، قال : وقال أبوجعفر عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [ وآله ] كان يكثر السواك وليس بواجب ، فلايضرّك تركه في فرط الأيّام» (3) ) .وحكى في المنتهى (4) ) عن إسحاق وداوود وجوبه ، وحكى _ طاب ثراه _ عنهما إنّما أوجباه للصلاة ، وأنّه بالغ إسحاق فيه فحكم ببطلان الصلاة بتركه (5) ) .وينفي قولهما ما نقلوه أيضا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لولا أن أشقّ على اُمّتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (6) ) .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 125 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 23 ، ح 1370 .
2- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 57 ، ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 11 ، ح 1321 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 285 .
5- .. المغني ، ج 1 ، ص 78 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 271 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 126 .
6- .. ورد الحديث عن أبيهريرة بلفظ «عند كلّ صلاة» في : مسند أحمد ، ج 1 ، ص 80 و120 ؛ وج 2 ، ص 245 و287 و399 و429 و509 و531 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 348 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 151 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 5 ، ح 287 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 18 ، ح 22 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 35 . وبلفظ «مع كلّ صلاة» في : صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 214 ، كتاب الجمعة ؛ وج 2 ، ص 234 ، كتاب الصوم ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 35 . وبلفظ «مع الوضوء» في : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 400 . وبلفظ «مع كلّ وضوء» في : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 460 . وعن اُمّ حبيبة بلفظ «عند كلّ صلاة كما يتوضّؤون» في : مسند أحمد ، ج 6 ، ص 325 . وعن زينب بنت جحش في : مسند أحمد ، ج 6 ، ص 429 . وعن زيد بن خالد الجهني بلفظ «عند كلّ صلاة» في : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 116 و193 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 19 ، ح 23 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 19 ، ح 47 . وأمّا اللفظ المذكور في المتن ، فلم أجده في كتب العامّة ، ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 113 ؛ وص 55 ، ح 123 ؛ وسائل الشيعة ، ج 6 ، ص 17 ، ح 1346 و1347 .

ص: 249

وهو مستحبّ في جميع الأحوال وتؤكّد في مواضع :أحدها : عند الوضوء ؛ لما ذكر ، ولحسنة المعلّى (1) ) . وفي الفقيه : وقال النبيّ صلى الله عليه و آله في وصيّته لعليّ عليه السلام : «يا عليّ ، عليك بالسواك عند وضوء كلّ صلاة» (2) ) .وقال عليه السلام : «السواك شطر الوضوء» (3) ) . وثانيها : عند الصلاة ؛ لخبر عبداللّه بن ميمون القدّاح (4) ) .وفي الفقيه : وقال الباقر والصادق عليهماالسلام : «صلاة ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغيرسواك» (5) ) . وثالثها : في الأسحار عند القيام من المنام ؛ لخبر أبيبكر بن سمّاك (6) ) .وفي الفقيه : «ولو علم الناس ما في السواك لأباتوه معهم في لحافهم» (7) ) . وسأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهماالسلام عن الرجل يستاك مَرّة بيده إذا قام إلى صلاة الليل ، وهو يقدر على السواك ؟ قال : «إذا خاف الصبح فلا بأس به» (8) ) .ورابعها : عند تلاوة القرآن ، ففي الفقيه : وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «إنّ أفواهكم طرق القرآن (9) ) فطهّروها بالسواك» (10) ) .

.


1- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
2- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 113 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 16 ، ح 1344 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 114 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 17 ، ح 1345 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 54 ، ح 118 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 19 ، ح 1354 .
6- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 10 ، ح 1320 ؛ وص 13 ، ح 1327 بلفظ «لو يعلم . . .» .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 24 ، ح 1372 .
9- .. صحّف في نسخة «أ» القرآن ب «الحمّام» .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ، ح 112 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 23 ، ح 1368 .

ص: 250

ويكره في مواضع ، ففي الفقيه : وقال موسى بن جعفر عليهماالسلام : «أكل الأشنان يذيب البدن ، والتدلّك بالخزف يبلي الجسد ، والسواك في الخلاء يورث البخر» (1) ) .قال : وفي حديث أبيجعفر المتقدّم : «ويكره السواك في الحمّام ؛ لأنّه يورث وباء الأسنان» (2) ) . قال : «وترك الصادق عليه السلام السواك قبل أن يقبض بسنتين ؛ وذلك أنّ أسنانه ضعفت» (3) ) .وله خصال جمّة ، فقد روى الصدوق عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «في السواك اثنتا عشر خصلة : هو من السنّة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمان ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب بالجَفَر ، ويشدّ اللثة ، ويشتهي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة» (4) ) .والأفضل فيه شجر الأراك ؛ للتأسّي ، ثمّ كلّ عود ليّن أخضر ؛ لعموم القضبان في بعض ما ذكر من الأخبار ، ثمّ بالإصبع ؛ لما سبق عن عليّ بن جعفر (5) ) . ولما رواه المصنّف عن عليّ (6) ) .ولما رواه الشيخ عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : «التسويك بالإبهام والمسبّحة عند الوضوء سواك» (7) ) . واعلم أنّ المصنّف قدس سره وضع للسواك بابين : أحدهما هذا ، والآخر في كتاب الزيّ والتجمّل .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 122 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 24 ، ح 1372 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 52 ، ح 110 ؛ ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 32 ، ح 85 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 337 ، ح 888 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 53 ح 117 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 25 ، ح 1378 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 121 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 295 ، الباب 228 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 25 ، ح 1376 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 55 ، ح 126 ؛ الخصال ، ص 481 ، الباب 12 ، ح 253 ؛ ثواب الأعمال ، ص 18 ، ثواب من تطهّر ثمّ آوى إلى فراشه ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 7 _ 8 ، ح 1311 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 6 ، ص 495 ، باب السواك من كتاب الزيّ والتجمّل ، ح 6 .
6- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 357 ، ح 888 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 24 ، ح 1375 .

ص: 251

وذكر بعض الأحاديث المتعلّقة به هنا ، وبعضا آخر منها ثمّة ، والأولى عقد باب واحد وذكر جميع أخباره فيه .فإن قلت : غرضه هنا ما يتعلّق منه بالوضوء والصلاة ، وثمّة ما تعلّق منه بغيرهما . قلت : قد ذكر هنا ما لاتعلّق له بخصوصهما ، وفي الباب الآتي ما له تعلّق بهما ، فتأمّل .قوله في خبر عبداللّه بن ميمون : لولا أن أشقّ على اُمّتي لأمرتهم بالسواك) . [ ح 1/3910 ] ربّما استدلّ به على دلالة الأمر على الإيجاب ، ولا دلالة فيه عليه ؛ إذ النزاع إنّما هو في صيغة افعل وما في معناه لا في لفظ الأمر ؛ فإنّه للوجوب اتّفاقا .قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : اُحفى أو اُدرَد) . [ ح 3/3912 ] الحفا : رقّة الأسنان ، وفي الأصل هو رقّة القدم .والدَرَد _ محرّكة _ : ذهابها (1) ) . قوله في مرسلة ابن بكير : لا تدعه في كلّ ثلاث ولو أن تمرّه مرّة) . [ ح 4/3913 ]تخصيص الليالي بالذكر ؛ لتأكّد استحبابه في الأسحار عند القيام من المنام كما عرفت . وقال _ طاب ثراه _ : «المراد بالثلاث : ثلاث صلوات» .ويرجّح ما ذكرناه ما روى في الفقيه من قول الباقر عليه السلام : «لا تَدَعه ثلاثة أيّام ولو أن تمرّه مرّة واحدة» (2) ) . والضمير في قوله : «تمرّه» على صيغة الخطاب من باب الإفعال يعود إلى السواك بمعنى المسواك على طريقة الاستخدام .

.


1- .. قال الخليل : «الدُردُر : موضع منابت الأسنان قبل نباتها وبعد سقوطها . ويقال : دَرِدَ الرجل فهو أدرَدُ : إذا سقطت أسنانه وظهرت دَرادِرُها ، وجمعه الدُرد . كتاب العين ، ج 3 ، ص 166 درد).
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 54 ، ح 119 ؛ ومثله ح 4 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 15 ، ح 1340 .

ص: 252

[باب] المضمضة والاستنشاق

قوله : عليّ بإسناده) . [ ح 5/3914 ]أراد به عليّ بن إبراهيم ، وبإسناده : الإسناد المذكور . قوله : عن المعلّى بن خنيس) . [ ح 6/3915 ]قد ضعّف الأكثر هذا الخبر بناء على تضعيف النجاشي (1) ) وابن الغضائري (2) ) المعلّى ، وأظنّ حسنه ؛ لأنّه يظهر من الأخبار الواردة في ابن خنيس وتأتي في مقتله أنّه كان فائزا في المدح بالقدح المعلّى (3) ) ، فلايقدح فيه قدح الشيخين ؛ لعدم استنادهما فيه إلى مستند يعتمد عليه .وقال الشيخ في كتاب الغيبة _ على ما حكي عنه _ : «إنّه كان من قوّام أبيعبداللّه عليه السلام ، وكان محمودا عنده ، ومضى على منهاجه» (4) ) ، فأقلّ هذا يتقضي عدالته .

[باب] المضمضة والاستنشاققال _ طاب ثراه _ : «المضمضمة : تحريك الماء في الفم وأطراف اللثة ، والاستنشاق : جذب الماء إلى الأنف ثمّ طرحه» . انتهى .وهما مستحبّان مطلقا لاسيّما عند الوضوء والغسل لدى الأصحاب كلّهم إلّا ابن [ أبي ] عقيل ؛ حيث قال _ على ما حكي عنه _ : إنّهما ليسا بفرض ولا سنّة» (5) ) .ويدلّ على المشهور صحيحة أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عنهما ؟ فقال : «هما من الوضوء ، فإن نسيتهما فلاتعد» (6) ) .

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 417 ، الرقم 1114 .
2- .. عنه العلّامة في خلاصة الأقوال ، ص 352 ؛ وابن داود في رجاله ، ص 279 ، الرقم 505 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 675 _ 679 ، الرقم 708 ، 709 ، 711 ، 714 .
4- .. الغيبة ، ص 347 ، ح 300 .
5- .. نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 278 _ 279 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 200 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 200 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1127 .

ص: 253

وخبر سماعة ، قال : سألته عنهما ؟ قال : «هما من السنّة ، فإن نسيتهما لم يكن عليك إعادة» (1) ) .ورواية مالك بن أعين ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عمّن توضّأ ونسي المضمضة والاستنشاق ثمّ ذكر بعد ما دخل في صلاته ؟ قال : «لا بأس» (2) ) .وقد روي في صفة وضوء أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه تمضمض قبله (3) ) .وعن عبداللّه بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «المضمضمة والاستنشاق ممّا سنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (4) ) . وتمسّك ابن أبيعقيل بأخبار الباب ، وبما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء» (5) ) .وعن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة ، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (6) ) . وعن الحسن بن راشد ، قال : قال الفقيه العسكري : «ليس في الغسل ولا في الوضوء مضمضة ولا استنشاق» (7) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 197 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 66 ، ح 197 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1125 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 198 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 66 ، ح 198 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1126 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، ص 69 آخر كتاب الطهارة ، باب النوادر ، ح 6 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 41 _ 42 ، ح 84 ؛ المقنع ، ص 9 _ 10 ؛ ثواب الأعمال ، ج 1 ، ص 16 ثواب من توضّأ مثل وضوء أميرالمؤمنين عليه السلام وقال مثل قوله ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 53 ، ح 153 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 401 ، ح 1046 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 79 ، ح 203 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 202 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1124 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 199 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 66 ، ح 199 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1128 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 ، ح 202 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1129 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 361 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 397 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 432 _ 433 ، ح 1130 .

ص: 254

[باب]صفة الوضوء

وعن عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «لايجنب الأنف (1) ) والفم ؛ لأنّهما سائلان» (2) ) .وربّما اُيدّت بخلوّ أكثر أخبار الوضوء البياني عنهما . واُجيب بأنّ المراد من نفيهما في هذه الأخبار نفي وجوبهما ، ردّا لقول بعض العامّة ، فإنّ ابن أبيليلى أوجبهما في الوضوء والغُسل (3) ) ، وأوجبهما بعضهم في الغسل (4) ) ، وأوجب أحمد الاستنشاق فيهما (5) ) .ويحتمل أن يراد به نفي جزئيّتهما عنهما ، وحملت الفريضة والسنّة في خبر زرارة على ما وجب بالقرآن والسنّة، فتأمّل .

[باب]صفة الوضوءأجمع أهل العلم على وجوب غسل الوجه واليدين ومسح الرأس في الوضوء وإن اختلفوا في كيفيّة الغسل والمسح ، ويأتي كلّ في بابه ، وإنّما اختلفوا في مسح الرجلين ثمّ في كيفيّته ، وهو المطلوب هنا ، فنقول :قد أجمع الأصحاب على وجوب مسحهما وعدم إجزاء الغسل عنه ، ولا المسح على الخفّين إلّا لضرورة كتقيّة وبرد ونحوهما ؛ لقوله تعالى : يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى

.


1- .. المثبت من التهذيب والاستبصار والوسائل ، وفي النسخ : «لايجب غسل الأنف . . .» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 358 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 394 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 226 ، ح 2003 .
3- .. بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 12 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 102 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 126 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 363 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 172 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 363 ، ونسبه إلى أبيحنيفة وأصحابه وسفيان الثوري .
5- .. هذا أحد الأقوال المنقولة عن أحمد في : المغني ، ج 1 ، ص 102 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 126 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 363 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 172 . والقول الثاني وجوب المضمضة والاستنشاق معا في الطهارتين . راجع: المصادر المتقدّمة ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 21 .

ص: 255

الْكَعْبَيْنِ » (1) ) ، فإنّ قوله تعالى : أَرْجُلَكُمْ » إنّما نزل بالجرّ على ما ذكره الشيخ قدس سرهفي التهذيب ، محتجّا عليه بما رواه عن غالب بن الهذيل ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام ، عن قول اللّه عزّ وجلّ : وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » على الخفض هي أم على النصب ؟ قال : «بل هي على الخفض» (2) ) .ويؤيّده ما سيأتي من احتجاجه عليه السلام على مسح بعض الرِجل بالباء التبعيضيّة ؛ فهي لامحالة معطوفة على لفظ «رؤسكم» ، ولايجوز عطفها على وجوهكم ؛ لتغاير الإعرابَين ، وجَرّ الجوار والتقدير سيظهر فسادهما . تنزّلنا عن ذلك وتبعنا القرّاء ، فنقول :افترقوا هم في ذلك فرقتين متساويتين في العدد ؛ حيث إنّه قرأ بالجرّ من السبعة ابن كثير (3) ) وأبوعمرو (4) ) وحمزة (5) ) وأحد الراويين عن عاصم (6) ) وهو

.


1- .. المائدة 5) : 6 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 70 ، ح 188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1097 .
3- .. أبومعبد عبداللّه بن كثير بن عمرو بن عبداللّه الكناني الداري مولاهم المكّي ، فارسي الأصل ، مقرئ أهل مكّة ، كان شيخا كبيرا أبيض الرأس واللحية ، طويلاً جسيما ، أسمر ، يغيّر شيبته بالحنّاء أو بالصفرة ، ولد سنة 48 بمكّة ، وقرأ على عبداللّه بن السائب المخزومي ، وتلا على مجاهد ، وتلا عليه أبوعمرو بن العلاء وعدّة ، وكان فصيحا مفوّها ، مات سنة 120 ، وله 75 سنة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 5 ، ص 318 _ 322 ، الرقم 155 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 386 .
4- .. أبوعمرو بن العلاء بن عمّار التميمي المازني البصري ، اختلف في اسمه ، مولده نحو سنة سبعين ، قرأ القرآن على سعيد بن جبير وعبداللّه بن كثير وحميد بن قيس الأعرج وعكرمة مولى ابن عبّاس ومجاهد بن جبر ويحيى بن يعمر ، وأخذ عنه جماعة ، مات سنة 154 أو 157 . وقيل : سنة 146 ، وعاش ست وثمانين سنة . راجع : تهذيب الكمال ، ج 34 ، ص 120 _ 129 ، الرقم 7533 ؛ مشاهير علماء الأمصار ، ص 242 ، الرقم 1210 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 6 ، ص 407 _ 410 ، الرقم 167.
5- .. حمزة بن حبيب بن عمارة الزيّات ، أبوعمارة التيمي مولاهم الكوفي التابعي ، روى عن حبيب بن أبيثابت والحكم بن عتيبة وحمّاد بن أبيسليمان ، وتلا عليه حمران بن أعين والأعمش وابن أبيليلى وطائفة ، وعنه أخذ الكسائي وجماعة ، وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ، ثمّ يجلب منها الجبن والجوز ، أصله فارسي ، مات سنة 156 ، وله ثمان وسبعون سنة . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 266 ، الرقم 1341 ؛ تهذيب الكمال ، ج 7 ، ص 314 _ 322 ، الرقم 1501 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 7 ، ص 90 _ 92 .
6- .. عاصم بن أبيالنجود بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي ، قارئ أهل الكوفة ، وقال بعض أنّ بهدلة اُمّه ، قرأ على أبيعبدالرحمان السلمي ، وهو أخذ القراءة عن أميرالمؤمنين عليّ بن أبيطالب عليه السلام ، وكان نحويّا فصيحا إذا تكلّم ، وتصدّر القراءة بالكوفة ، فتلا عليه أبوبكر بن عيّاش وحفص بن سليمان والمفضّل بن محمّد الضبّي وسليمان الأعمش وآخرون ، وكان من أحسن الناس صوتا في القراءة ، مات سنة 127 أو 128 . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 261 ، الرقم 1306 ؛ تهذيب الكمال ، ج 13 ، ص 473 _ 479 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 5 ، ص 256 _ 261 ، الرقم 119 .

ص: 256

أبوبكر (1) ) ، وقرأ بالنصب نافع (2) ) وابن عامر (3) ) والكسائي (4) ) ورواه حفص (5) ) عن عاصم على ما حكى عنهم المفسّرون وأرباب فنّ القراءة (6) ) ، والأمر على قراءة الجرّ واضح .وعلى قراءة النصب لابدّ أن تكون معطوفة على محلّ «رؤسكم» وهو شائع ذائع ،

.


1- .. أبوبكر بن عيّاش بن سالم الحنّاط الأسدي مولاهم الكوفي ، شيخ الكوفة في القراءة ، اختلف في اسمه والمشهور أنّ اسمه كنيته ، وهو من أجلّ أصحاب عاصم وقراءته عنه مشهورة ، تلا عليه الكسائي ومات قبله ، مولده سنة 94 أو 95 ، ومات سنة 193 أو 194 . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 272 ، الرقم 1373 ؛ تهذيب الكمال ، ج 33 ، ص 129 _ 135 ، الرقم 7252 ؛ تذكرة الحفّاظ ، ج 1 ، ص 265 ، الرقم 250 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 495 _ 508 ، الرقم 131 .
2- .. نافع بن عبدالرحمان بن أبينعيم القارئ ، مولى جعونة بن شعوبة الليثي حليف بني هاشم ، قرأ على عبدالرحمان بن هرمز ومحمّد بن شهاب الزهري ويزيد بن القعقاع ، مات سنة 169 . راجع : مشاهير علماء الأمصار ، ص 224 ، الرقم 1113 ؛ الجرح والتعديل ، ج 8 ، ص 456 ، ح 2089 .
3- .. عبداللّه بن عامر بن يزيد بن تميم الدمشقي أبوعمران اليحصبي ، مقرئ أهل الشام ، قرأ على أبيالدرداء وفضالة بن عبيد ، وتوفّي يوم عاشوراء بدمشق سنة 118 ، وله سبع وتسعون سنة . راجع : تاريخ الإسلام ، ج 7 ، ص 399 _ 401 ؛ تقريب التهذيب ، ج 1 ، ص 504 ، الرقم 3416 ؛ تهذيب التهذيب ، ج 5 ، ص 240 _ 241 ، الرقم 470 ؛ البرهان للزركشي ، ج 1 ، ص 328 .
4- .. أبوالحسن عليّ بن حمزة الكسائي الكوفي ، اللغوي ، النحوي ، الشاعر ، مؤدّب هارون الرشيد وابنه محمّد الأمين ، ولد بالكوفة ونشأ بها ، وتنقّل في البلدان ، واستوطن بغداد ، ومات بالريّ في سنة 180 في سفر كان مع الرشيد ، من تصانيفه : المختصر في النحو ، كتاب القراءات ، معاني القرآن ، مقطوع القرآن وموصوله ، المتشابه في القرآن . راجع : تاريخ بغداد ، ج 11 ، ص 402 _ 412 ، الرقم 6289 ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 5 ، ص 65 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 7 ، ص 84 ؛ الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 113 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 283 .
5- .. حفص بن سليمان أبيداود أبوعمر الأسدي مولاهم الكوفي ، ابن امرأة عاصم ، نزل بغداد وجاور بمكّة ، وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءته ، وقراءته عنه أشهر القراءات ، ولد سنة 90 ، ومات سنة 180 ه . راجع : تاريخ الإسلام ، ج 11 ، ص 85 _ 88 ؛ تقريب التهذيب ، ج 1 ، ص 226 ، الرقم 1411 ؛ تهذيب التهذيب ، ج 2 ، ص 345 ، الرقم 700 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 13 ، ص 62 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 264 .
6- .. التبيان للشيخ الطوسي ، ج 3 ، ص 455 ، في تفسير آية الوضوء ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 27 ؛ تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ولم يذكر الكسائي .

ص: 257

ومنه قوله تعالى : مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ » (1) ) ، على قراءة الجزم عطفا على موضع «لا هادي له» ؛ لأنّه في محلّ الجزم على الجزاء ، ومنه قول الشاعر (2) ) : مُعاوِيَ إِنَّنا بَشَرٌ فَاسجِحفَلَسنا بالجِبالِ ولا الحَديدا فنصب الحديد على موضع «بالجبال» . وقول الآخر (3) ) : هل أنت باعثُ دينارٍ لحاجتناأو عبدَ ربٍّ أخا عون بن مِخراق حيث نصب «عبد ربّ» على ما هو المرويّ عطفا على محلّ «دينارٍ» ؛ لأنّ من حقّ الكلام أن يقول : «باعثٌ دينارا» ، أو أن يجعل مفعولاً معه (4) ) . ولايجوز أن تجعل عطفا على وجوهكم، أو مفعولاً لفعل مقدّر وهو «اغسلوا» ؛ لما ستعرف ، وللأخبار المتواترة معنىً عن أهل البيت عليهم السلام ، بل عُدّ ذلك من ضروريّات المذهب ، وكفاك في ذلك ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب وفي باب مسح الرأ

.


1- .. الأعراف 7) : 186 .
2- .. البيت لعقبة بن هبيرة الأسدي ، من أبيات يخاطب بها معاوية ، وصرّح باسمه سيبويه في الكتاب ، ج 1 ، ص 34 على ما في هامش ترتيب كتاب العين لخليل ، ج 1 ، ص 164 بشر) ، وصرّح باسمه أيضا ابن منظور في لسان العرب ، ج 10 ، ص 120 غمز) . وأمّا البيت من دون انتسابه إلى قائل معيّن ، فمنقول في مصادر عديدة ، منها : الانتصار للسيّد المرتضى ، ص 109 ، والناصريّات له أيضا ، ص 124 ؛ التبيان للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 328 ، وج 3 ، ص 455 ، في تفسير آية الوضوء ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 8 ؛ تفسير الرازي ، ج 7 ، ص 70 ، شرح الرضيّ على الكافية ، ج 1 ، ص 380 ، مغني اللبيب لابن هشام ، ج 2 ، ص 477 .
3- .. نسبه الرضيّ في شرح الكافية ، ج 3 ، ص 427 ، الرقم 595 ؛ والقرطبي في تفسيره ، ج 5 ، ص 259 إلى سيبوبه ، ونسبه البيضاوي في تفسيره ، ج 4 ، ص 237 ؛ والزمخشري في الكشّاف ، ج 2 ، ص 674 ؛ والآلوسي في تفسيره ، ج 19 ، ص 77 ، والسيّد الأمين في أعيان الشيعة ، ج 8 ، ص 319 إلى تأبّط شرّا . وللبيت من دون نسبة إلى قائل معيّن مصادر ، منها : الناصريّات ، ص 124 ، كتاب الطهارة ، المسح على الرجلين ؛ التبيان ، ج 1 ، ص 207 ، في تفسير الآية 46 من سورة البقرة ؛ وج 2 ، ص 524 ، في تفسير الآية 88 من سورة آل عمران ؛ وج 3 ، ص 555 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ شرح ابن عقيل ، ج 2 ، ص 120 .
4- .. جميع ما ذكره بعد نقل الرواية إلى هنا مأخوذة من تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 71 _ 72 ، ذيل الحديث 188 ، مع مغايرة جزئيّة .

ص: 258

س والقدمين . ويؤكّدها ما روته العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه مسح الرِجلين (1) ) وقال : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» (2) ) . وعن أميرالمؤمنين عليه السلام ، عنه صلى الله عليه و آله : «أنّه توضّأ ومسح على قدميه ونعليه» (3) ) . ومثله عن ابن عبّاس ، عنه صلى الله عليه و آله (4) ) . وعن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال : «ما نزل القرآن إلّا بالمسح» (5) ) . وعن ابن عبّاس ، أنّه وصف وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمسح على رِجليه (6) ) . وعنه أنّه قال : «في كتاب اللّه المسح ويأبى الناس إلّا الغسل» (7) ) . وعنه : «إنّ الوضوء غسلتان ومسحتان» 8 ) .

.


1- .. المغني ، ج 1 ، ص 121 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 117 ؛ ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين ، ص 221 ، ح 121 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 476 ، ح 27042 .
2- .. المسائل الصاغانيّة للشيخ المفيد ، ص 117 ؛ المسح على الرجلين ، ص 17 . ولم أجد في الجوامع الحديثيّة هذا الذيل بعد مسحه صلى الله عليه و آله على الرجلين ، بل الموجود في مصادر العامّة أنّه قال ذلك بعد أن توضّأ مرّة مرّة . راجع : مسند أبييعلى ، ج 9 ، ص 448 ، ح 5598 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 78 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 423 .
3- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 435 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 63 ، ح 175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1095 . ولم أعثر عليها في مصادر العامّة .
5- .. اُنظر : سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 37 _ 38 ، ح 137 .
6- .. المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 37 _ 38 ، ح 119 ، باب كم الوضوء من غسلة ؛ مسند ابن راهويه ، ج 5 ، ص 141 ، ح 2264 ، وفيهما : «يأبى الناس إلّا الغسل ونجد في كتاب اللّه المسح على القدمين» ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 156 ، ح 458 ، وفيه : «إنّ الناس أبوا إلّا الغسل ، ولا أجد في كتاب اللّه إلّا المسح» .
7- .. جامع البيان للطبري ، ج 6 ، ص 175 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ تفسير البغوي ، ج 2 ، ص 16 ؛ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة ، ص 163 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 43 ، ح 26840 ، وكلمة «إنّ» في بداية الحديث غير موجودة فيهم . وفي سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 96 ، باب وجوب غسل القدمين والعقبين ، ضمن الحديث 5 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 72 هكذا : «ما أجد في الكتاب إلّا غسلتين ومسحتين» .

ص: 259

وعن الشعبي (1) ) : «أنّ الوضوء مغسولان وممسوحان» (2) ) . وعن أنس بن مالك ، أنّه ذكر له قول الحجّاج (3) ) : «اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما وخلّلوا بين الأصابع» ، فقال : «صدق اللّه وكذب الحجّاج» ، وتلا قوله تعالى : فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » (4) ) . (5) ) وعن قتادة [ عن جابر بن يزيد _ أو عن عكرمة _ عن ابن عبّاس ] ، أنّه قال : «افترض اللّه غسلتين ومسحتين» (6) ) . وعن الشعبي ، أنّه قال : «نزل جبرئيل بالمسح» ، ثمّ قال : «إنّ في التيمّم يمسح ما كان غسلاً ويلغى ما كان مسحا» (7) ) .

.


1- .. المائدة 5) : 6 .
2- .. كان في النسخ : «الكعبي» ، فصوّبته حسب مصادر هذا القول ، والشعبي هو عامر بن شراحيل أبوعمرو الكوفي رواية من التابعين ، يضرب المثل بحفظه ، ولد سنة 19 بالكوفة ونشأ بها ، واتّصل بعبدالملك بن مروان ، وكان نديمه وسفيره ورسوله إلى ملك الروم ، استقضاه عمر بن عبدالعزيز ، وكان فقيها شاعرا ، مات سنة 103 أو 104 ه ق بالكوفة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 295 _ 319 ، الرقم113 ؛ تهذيب الكمال ، ج 14 ، ص 28 ، الرقم 3042 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 361 _ 362 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 251 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 5 ، ص 54 .
3- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 121 ، مسح الاُذنين وغسل الرجلين ومسحهما ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 116 _ 117 ، مسح الرأس والرجلين وغسلهما ، وفيه : «. . . ممسوحان ومغسولان» ؛ المعتبر ، ج 1 ، ص 149 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 169 ، منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 61 .
4- .. حجّاج بن يوسف الثقفي الأمير السفّاك الظالم المبير ، ولي امرة عراق عشرين سنة ، ومات سنة 95 ه . راجع : تقريب التهذيب ، ج 1 ، ص 190 ، الرقم 1144 .
5- .. جامع البيان ، ج 6 ، ص 175 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 71 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 28 ؛ أحكام القرآن لابن عربي ، ج 2 ، ص 71 ؛ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة ، ص 163 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 120 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 117 .
6- .. المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 19، باب غسل الرجلين، ح 54، ومابين المعقوفين منه ؛ مسند الشاميين للطبراني ، ج 4 ، ص 25 ، ح 2633 ، وفيه : «افترض اللّه » ؛ كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 433 ، ح 26842 .
7- .. جامع البيان ، ج 6 ، ص 175 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 29 ؛ تفسير البغوي ، ج 2 ، ص 16 ؛ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطيّة ، ص 163 ؛ تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 92 . وانظر في خصوص صدره : المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 19 ، باب غسل الرجلين ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 31 ، ح 7 ، في المسح على القدمين ؛ كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 436 ، ح 26851 ، وفي بعضها : «نزل القرآن بالمسح» .

ص: 260

وقال يونس : حدّثني من صحب عكرمة إلى واسط ، قال : «فما رأيته غسل رجليه ، إنّما كان يمسح عليهما» (1) ) . فإن قيل : يدلّ على التخيير بين المسح والغَسل ما رواه الشيخ في الصحيح عن أيّوب بن نوح ، قال : كتبت إلى أبيالحسن عليه السلام أسأله عن المسح على القدمين ؟ فقال : «الوضوء بالمسح ، ولايجب فيه إلّا ذلك ، ومن غسل فلا بأس» (2) ) . وصحيحة أبيهمّام إسماعيل بن همّام ، عن أبيالحسن الرضا عليه السلام : «في وضوء الفريضة في كتاب اللّه تعالى المسح ، والغَسل في الوضوء للتنظيف» (3) ) . قلت : والظاهر أنّهما وردتا على التقيّة ؛ لأنّ ذلك هو مذهب الحسن البصري كما ستعرف ، وكان مدار عمل العامّة في وقته على فتواه . وربّما حمل الغسل فيهما على غسل الرجلين قبل الوضوء للتنظيف ، ويأبى عنه الثانية ، نعم يمكن تأويلها بأنّ الغسل الذي أمر النبيّ صلى الله عليه و آله به في الوضوء وصار سببا للاشتباه إنّما كان للتنظيف كما سيجيء في تأويل قوله صلى الله عليه و آله : «ويل للأعقاب من النار» . وأمّا العامّة ، فقد اختلفوا في تلك المسألة ، فوافقنا أعاظم الصحابة عندهم على ما عرفت ، وحكى في المنتهى عن أبيالعالية (4) ) أيضا (5) ) .

.


1- .. جامع البيان ، ج 6 ، ص 176 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 28 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 64 ، ح 180 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 65 ، ح 195 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 421 ، ح 1100 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 64 ، ح 181 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 65 ، ح 192 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 420 ، ح 1098 .
4- .. أبوالعالية رفيع بن مهران البصري، أدرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأسلم بعد سنتين من وفاته صلى الله عليه و آله ، وروى عن الصحابة ، كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع ثمّ من بني تميم ، مات سنة 93 . وقيل : سنة 90 . وقيل : سنة 92 . وقيل : سنة 106 . وقيل : سنة 111 . راجع : تذكرة الحفّاظ ، ج 1 ، ص 61 ، الرقم 50 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 6 ، ص 530 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 207 ؛ الرقم 85 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 18 ، ص 159 _ 191 ، الرقم 2189 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 61 .

ص: 261

وقال بعضهم بذلك لكن مع استيعاب الرِجل ، على ما حكى عنهم في الاستبصار (1) ) . وحكى في المنتهى عن أبيالحسن البصري وأبيعليّ الجبائي (2) ) التخيير بين المسح والغَسل (3) ) . وعن الفقهاء الأربعة التخيير بين غسل الرجلين والمسح على الخُفّين (4) ) . وعن بعضهم وجوب الجمع بين المسح والغَسل (5) ) . وقيل : إنّ مالكا رجع في آخر أيّامه وقال بتعيين الغَسل . وهم أيضا تمسّكوا في الغَسل بالآية المذكورة ؛ زَعما منهم أنّ قوله: أَرْجُلَكُمْ » على قراءة النصب معطوف على وُجُوهَكُمْ » ، أو بتقدير «اغسلوا» عطفا للجملة على الجملة . وعلى قراءة الجَرّ أيضا عطف على وُجُوهَكُمْ » ، وجرّه للجوار ؛ مستشهدين له

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 61 ، ذيل ح 181 ، والقائل به الحسن البصري على ما في أحكام القرآن للجصّاص ، ج 1 ، ص 433 ، وحكي عنه القول بالتخيير كما سيأتي .
2- .أبوعليّ الجبائي هو محمّد بن عبد الوهّاب شيخ المعتزلة ، ولد ب «جبا» بخوزستان في جنوب إيران ، وتوفّي بالبصرة سنة 303 ه ، ودفن ب «جبا» . اُنظر : سير أعلام النبلاء ، ج 15 ، ص 183 ، الرقم 102 ؛ الفرق بين الفِرَق ، ص 167 _ 169 ؛ المنتظم ، وفيّات سنة 303 ؛ وفيّات الأعيان ، ج 4 ، ص 267 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 4 ، ص 74 _ 75 ؛ شذرات الذهب ، ج 2 ، ص 241 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 61 . بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 5 ؛ وتحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 11 ، عن الحسن البصري؛ تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة عن الحسن البصري والطبري ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 417 ، عن أبيعليّ الجبائي والطبري ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 209 عن الثلاثة . ونقله أيضا عن ابن جرير الطبري ابن العربي في أحكام القرآن ، ج 2 ، ص 71 ؛ والقرطبي في تفسيره ، ج 6 ، ص 92 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ والشوكاني في فتح القدير ، ج 2 ، ص 18 .
4- .. والموجود في منتهى المطلب : «وقال الفقهاء الأربعة وباقي الجمهور : الواجب الغَسل دون المسح» . وتجد تصريح القوم باتفّاقهم في لزوم الغَسل في : المغني ، ج 1 ، ص 120 ؛ تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ؛ المجموع للنووي : ج 1 ، ص 417 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 208 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 16 .
5- .. تفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 صرّح بأنّ القائل به داود ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 417 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 11 عن بعضهم ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 209 نقلاً عن بعض أهل الظاهر ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 5 عن بعض المتأخّرين .

ص: 262

بقولهم : «جُحر ضبٍّ خربٍ» (1) ) ، وبقول الشاعر (2) ) : كأنّ ثَبيرا في عَرانينَ ويلهكبيرُ اُناسٍ في بِجادٍ مَزمّلٍ وبقول الأعشى 3 ) : لقد كان في حولٍ ثَواءٍ ثَويتُهتَقَضّي لُباناتٍ وَيَسأم سائِمٌ (3) ) حيث جُرّ خَرِبٌ مع أنّه من صفات جُحرٍ ، ومزمّل وهو من صفات كبير ، وثَواءٌ مع أنّه مفعول مطلق لثويته ؛ لمجاورة المجرورات التي قبلها . أو معطوف على رُءُوسِكُمْ » ، ولكنّ المسح على الخُفّين . وبما نقلوه من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا توضّا في الوضوء البياني غَسَل رِجليه . وبما رواه البخاري عن عبداللّه بن عمر[ و ] ، قال : تخلّف النبيّ صلى الله عليه و آله عنّا في سفر ، فأدركنا وقد أرهَقَنا العصر ، فجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته :

.


1- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 8 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 122 _ 123 ؛ التمهيد لابن عبدالبرّ ، ج 24 ، ص 254 _ 255 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 27 ؛ تفسير السمعاني ، ج 2 ، ص 17 _ 18 ؛ زاد المسير ، ج 2 ، ص 246 _ 247 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 6 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 419 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 238 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 307 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 1 ، ص 287 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 210 . وفي الثلاثة الأخيرة لم يذكر الاستشهاد .
2- .. وهو امرئ القيس ، على ما في غريب الحديث للحربي ، ج 2 ، ص 456 رعن) ؛ ومغني اللبيب ، ج 2 ، ص 516 ، الرقم 759 ؛ ولسان العرب ، ج 9 ، ص 322 عقق) ، والمصرع الأوّل فيه هكذا : «كأنّ أبانا في أفانين ودقه» ؛ وتفسير الثعلبي ، ج 10 ، ص 58 في تفسير سورة المزّمّل ، وفي كثير من المصادر المتقدّمة آنفا . والاستشهاد بالبيت مذكور في الاستذكار لابن عبدالبرّ ، ج 1 ، ص 138 _ 139 ؛ والتمهيد له أيضا ، ج 24 ، ص 254 ؛ وتفسير الفخر الرازي ، ج 11 ، ص 161 .
3- .. هذا البيت من قصيدة طويلة للأعشى يهجو بها يزيد بن مسهر الشيباني ، أوّلها : «هريرة ودِّعها وإن لام لائمغداة غد أم أنت للبين واجم» اُنظر : ديوانه ، ص 77 ، القصيدة 9 ؛ مغني اللبيب ، ج 2 ، ص 506 ، الرقم 749 .

ص: 263

«ويل للأعقاب من النار» مرّتين أو ثلاثا (1) ) . وبروايات اُخر روى أكثرها عثمان بن عفّان (2) ) على ما حكى عنهم طاب ثراه . وروى في [ فتح ] العزيز عنه صلى الله عليه و آله : «أنّه لايقبل اللّه صلاة امرئحتّى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثمّ يغسل يديه ثمّ يمسح برأسه ثمّ يغسل رجليه» . والجواب أمّا عن احتجاجهم بالآية ، فبلزوم اختلال نظمها على الأوّل ؛ فإنّه كقولك : «أهنتُ زيدا وأكرمتُ عمرا وبَكرا» إذا جعل بكرٌ مهانا لا مكرما ، والتقدير خلاف الأصل لايرتكب إلّا لضرورة ودليل . على أنّ تقدير «اغسلوا» يعارض بتقدير «امسحوا» ، والترجيح معنا ؛ لتناسب النظم . على أنّه يحتمل أن يكون عطفا على محلّ بِرُءُوسِكُمْ » ، والعطف على المحلّ شائع ذائع ، بل هو أقرب إلى الصواب ؛ لأنّه أقرب . وقال الشيخ في التهذيب (3) ) : «نصّ أهل الأدب على أولويّة إعمال الفعل الثاني فيما إذا حصل في الكلام [ عاملان ] أحدهما قريب والآخر بعيد ، فإعمال الأقرب أولى من إعمال الأبعد» . وأراد بذلك ما ذكرناه لا تنازع الفعلين المصطلح حتّى يردان المتنازع فيه ليس منه ، لكنّه ذكر أمثلة المصطلح ؛ لاشتراكهما في علّة إعمال الثاني وهي أقربيّة العامل ، فقد عدّ منه قول كثير 4 ) : قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمهوعزّة ممطول معنّى غريمها فأعمل الثاني في غريمه ؛ لأنّه لو أعمل الأوّل لقال : «فوفّاه» . ومنه قول الآخر : وكُمتا مَدَمّاةٌ كأنّ مُتونهاجرى فوقها واستشعرت لون مذهب (4) ) بنصب «لونٍ» على المرويّ . ومنه قول الفرزدق 6 ) : ولكنّ نِصفا لو سببت وسبّنيبنو عبد شمس من مَناف وهاشم ومنه قوله تعالى : وَ أَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا » (5) ) ؛ حيث لم يقل :

.


1- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 21 و32 ، كتاب العلم ؛ وص 49 ، كتاب الوضوء .
2- .. كنز العمّال ، ج 9 ، ص 439 _ 444 ، ح 26873 _ 26890 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 73 ، ذيل الحديث 188 .
4- .. البيت لطفيل بن عوف بن خلف بن ضبيس الغنوي من قصيدة طويلة يصف فيها الخيل والخباء ، أوّلها : «وبيت تحبّ الريح في حجراتهبأرض فضاء بابه لم يحجب» والبيت المذكور في المتن عطف على قوله : «وفينا رباط الخيل كلّ مطهمرجيل كسرحان الغضى المتأوّب» راجع : هامش تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 74 . والمصرع الثاني من الشاهد مذكور في فقه القرآن للراوندي ، ج 1 ، ص 23 : «موضع العطف في أرجلهم» ، والبيت الأخير مذكور في لسان العرب ، ج 8 ، ص 213 «طهم» ؛ وتاج العروس ، ج 17 ، ص 446 .
5- .. الجنّ 72) : 7 .

ص: 264

«ظننتموه» ، وقال : ءَاتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا » (1) ) ، و هَآؤُمُ اقْرَءُواْ كِتَ_بِيَهْ » (2) ) ؛ إذ لو أعمل الأوّل لقال : «اقرؤُوه كتابيه» . ثمّ اعتذر عن إعمال امرئالقيس (3) ) الأوّل في قوله : فلو إنّما ما أسعى لأدنى معيشةكفاني ولم أطلب قليلٌ من المال بالشذوذ ، وبأنّه إنّما رفع القليل ؛ لأنّ غرضه إنّما كان نفي طلبه للملك والسلطنة لا نفي القليل من المال ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، وبمنع جرّ الجوار على الثاني ، فقد قال السيّد المرتضى رضى الله عنه في الانتصار : «إنّ محصّلي أهل النحو ومحقّقيهم يمنعون أن يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع ، وقالوا : جرّ خرب في «جُحر ضبّ خرب» على أنّه أراد خرب جحره ، و«كبيرُ اُناسٍ في بِجادٍ مَزمّلٍ » كبيره ، ويجري ذلك مجرى «مررت برجل حسنٍ وَجهُه» (4) ) . وأجاب الشيخ قدس سره في التهذيب (5) ) عن جرّ «ثواءٍ» بأنّه على البدليّة من «حولٍ» ، والمعنى : لقد كان في ثواء ثَويتُه تقضي لبانات . قال : «وهذا القسم من البدل هو بدل الاشتمال ، كما قال تعالى : قُتِلَ أَصْحَ_بُ

.


1- .. الكهف 18) : 96 .
2- .. الحاقّة 69) : 19 .
3- .. امرئ القيس بن حجر بن الحارث الكندي من بنيآكل المرار ، أشهر شعراء العرب على الإطلاق ، يماني الأصل ، اشتهر بلقبه واختلف في اسمه ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، واُمّه اُخت مهلهل الشاعر ، فأخذ منه الشعر ، ثمّ ثار بنوأسد على أبيه فقتلوه ، وقد كان طرد ابنه امرئ القيس لتشبّبه في النساء في شعره وتنقّله في أحياء العرب يستتبع صعاليكهم وذؤبانهم ، وثأر لأبيه على بني أسد وقال في ذلك شعرا كثيرا ، وكانت حكومة فارس ساخطة على بني آكل المرار ، فأوعزت إلى المنذر ملك العراق بطلب امرئالقيس ، فطلبه ، فابتعد وانتهى إلى السموأل ، فأجاره ، ثمّ استعان بقيصر الروم في القسطنطنيّة ، فوعده وماطله ، ثمّ ولاّه امرة فلسطين ، فرحل يريدها ، فوافاه أجله بأنقرة ، ومات على جاهليّته . راجع : تاريخ مدينة دمشق ، ج 9 ، ص 222 _ 245 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 56 _ 57 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 2 ، ص 11 _ 12 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 320 .
4- .. الانتصار ، ص 107 ، والمنقول هنا نقلٌ له بالمعنى .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 67 ، ذيل ح 187 .

ص: 265

الْأُخْدُودِ النَّارِ » (1) ) ، وقال : يَسْ_?لُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ » (2) )» ، على أنّ من جوّزه مع فقد العاطف كما في الأمثلة المذكورة . وفي الانتصار : «وأيّ مجاورة يكون مع وجود الحائل» (3) ) . وإذا لم يقع اشتباه والتباس في المقصود كما في الأمثلة ، بخلاف الآية الكريمة ؛ فإنّها حينئذٍ موهمة لكون الرجلين ممسوحتين على خلاف ما هو المقصود ، وهم قد استشهدوا لجواز الجرّ بالمجاورة مع العاطف بقوله : لم يبق إلّا أسير غير مُنفَلِتٍوموثَقٍ في عقال الأسر مَكبول (4) ) حيث جرّ «موثق» وهو عطف على «أسير» بمجاورة «منفلت» . وقوله _ عزّ من قائل _ : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَ نٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَ أَبَارِيقَ وَ كَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَ فَ_كِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَ حُورٌ عِينٌ كَأَمْثَ_لِ اللُّؤْلُوءِ الْمَكْنُونِ » (5) ) على قراءة حمزة والكسائي (6) ) ورواية المفضّل (7) ) عن عاصم (8) ) ؛ فإنّهم قرأُوا بجرّ «حورٍ عينٍ» مع كونها معطوفة على «ولدان» ، ولا وجه

.


1- .. البروج 85) : 4 _ 5 .
2- .. البقرة 2) : 217 .
3- .. الانتصار ، ص 107 .
4- .. هذا البيت لنابغة على ما صرّح به في إملاء ما منّ به الرحمان ، ج 1 ، ص 209 ؛ وتفسير الآلوسي ، ج 6 ، ص 76 ، واستشهد به من غير ذِكر قائله في : التبيان ، ج 3 ، ص 453 ؛ وتهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 68 ؛ والمجموع للنووي ، ج 1 ، ص 420 .
5- .. الواقعة 56) : 17 _ 23 .
6- .. مجمع البيان ، ج 9 ، ص 359 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 281 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 3 ، ص 371 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 9 ، ص 204 ؛ زادالمسير ، ج 7 ، ص 281 .
7- .. المفضّل بن محمّد بن يعلى بن عامر الضبّي أبوالعبّاس ، راوية علاّمة بالشعر والأدب وأيّام العرب ، من أهل الكوفة ، خرج على المنصور العبّاسي مع بني الحسن ، فظفر به المنصور وعفا عنه ، ولزم المهديّ وصنّف له الأشعار المختارة المسمّاة بالمفضّليّات ، قرأ على عاصم ، وله من الكتب : الأمثال ، الألفاظ ، العروض ، معاني الشعر ، المفضّليّات ، توفّي سنة 168 ه ق . راجع : تاريخ بغداد ، ج 13 ، ص 122 _ 123 ، الرقم 7105 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 10 ، ص 470 _ 471 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 280 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 316 .
8- .. زادالمسير ، ج 7 ، ص 281 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 9 ، ص 204 ، ولم يقل : «عن عاصم» .

ص: 266

لهذا الجرّ إلّا مجاورة «لحم طير» . وقوله : فهل أنت إن ماتت اُتانك راحلٌإلى آل بسطام بن قيس فخاطب (1) ) بجرّ «خاطبٍ» لمجاورة «قيس» ، مع أنّ القياس رفعه ؛ لأنّه عطف على «راحل» . وأجاب الشيخ في التهذيب عن الأوّل بأنّ جرّ «موثق» للعطف على محلّ «أسير» وهو الجرّ بإضافة «إلّا» ؛ لكونها بمعنى غير ؛ لأنّ معنى قوله : «لم يبق إلّا أسير» : لم يبق غير أسير (2) ) . وبيّنه المحقّق الشوشتري قدس سره (3) ) بقوله : «مقصود الشاعر أنّه لم يبق منهم غير أسير واستوصلوا بأجمعهم ولم يبق منهم حيّ إلّا أن يكون أسيرا في تحت قيدهم ، ولو جعل بمعنى الاستثناء لكان المعنى : أنّه لم يبق جماعة مستثنى منهم أسير ، ولم يدلّ على أنّه لم يبق منهم جماعة لايستثنى منهم أسير ، فيصير وزانه وزان : لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَا اللَّهُ لَفَسَدَتَا » (4) ) . وعن الثاني بأنّ أكثر القرّاء السبعة على الرفع ، قرأه به نافع وابن كثير وعاصم في رواية وأبوعمرو وابن عامر . وعلى الجرّ معطوف على «جنّات النعيم» على حذف مضاف ، فكأنّه قال : «هم في

.


1- .. البيت للفرزدق على ما في بدائع الصنائع لأبيبكر الكاشاني ، ج 1 ، ص 6 . وورد من غير نسبة إلى شاعر معيّن في عدّة من المصادر ، منها : الاستذكار لابن عبدالبرّ ، ج 1 ، ص 139 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 434 ، التبيان للشيخ الطوسي ، ج 3 ، ص 453 ؛ تهذيب الأحكام له أيضا ، ج 1 ، ص 68 ؛ فقه القرآن للراوندي ، ج 1 ، ص 20 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 68 .
3- .. المولى عبداللّه بن الحسين التستري من تلامذة المحقّق الأردبيلي ، ومن تلاميذه المجلسي الأوّل وصاحب نقد الرجال ، له حواشٍ على التهذيب والاستبصار ، وجمع بعض الفضلاء حواشيه مع حواشي عدّة اُخرى من العلماء عليهما وعلى الفقيه في مجموعة ، وسمّاه «جامع الحواشي» ، وله أيضا من الكتب : جامع الفوائد في شرح القواعد ؛ وشرح الإرشاد ، وكتاب الرجال ، توفّي في محرّم سنة 1021 ه ق . رياض العلماء ، ج 3 ، ص 195 _ 205 ؛ الذريعة ، ج 5 ، ص 50 ، الرقم 199 ، معجم المؤلّفين ، 6 ، ص 44 .
4- .. الأنبياء 21) : 22 .

ص: 267

جنّات النعيم وفي [ مقارنة أو ] معاشرة حور عين» ، وحكاه عن أبيعليّ الفارسي (1) ) في كتاب الحجّة (2) ) . وهو أحد توجيهي صاحب الكشّاف (3) ) ، ووجّهه في توجيه آخر بالعطف على الأكواب (4) ) . وعن الثالث تارة بأنّ الجرّ في «خاطبٍ» وَهمٌ من الراوي ، والصواب الرفع ، وتارة بقراءة «خاطب» على صيغة الأمر ، وإنّما جُرّ للإطلاق [ في الشعر ] 5 ) . وربّما تمسّكوا بالآية من وجه آخر على ما حكى عنهم في الانتصار ، وهو أولويّة عطف المحدود على المحدود ؛ وذلك أنّه سبحانه حدّد الأيدي بقوله : إِلَى الْمَرَافِقِ » وأطلق الرُؤوس ، وكذلك حدّد الأرجل بقوله : إِلَى الْكَعْبَيْنِ » ، فلو عطفت الأرجل على الرؤوس يلزم عطف محدود على غير محدود ، بخلاف ما لو عطفت على الأيدي . وأجاب عنه بأنّ هذه المناسبة ليست مناسبة معتمدة ؛ لأنّ الأيدي _ وهي محدودة _ معطوفة اتّفاقا على الوجوه وهي غير محدودة ، بل ما ذهبنا إليه أشبه بترتيب الكلام ؛ لأنّ لآية تضمّنت حينئذ عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود ، وعطف

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 68 .
2- .. تقدّمت ترجمته .
3- .. صاحب الكشّاف هو محمود بن عمر بن محمّد الزمخشري الخوارزمي المعتزلي ، محدّث ، متكلّم ، نحوي ، لغوي ، بياني ، أديب ، ناظم ، ناثر ، مشارك في عدّة علوم ، ولد في زمخشر من قرى خوارزم وإليه ينسب ، وسافر إلى مكّة ، وجاور بها زمانا ولقّب جاراللّه ، ثمّ رجع إلى جرجانيّة خوارزم وتوفّي بها سنة 538 ، من مصنّفاته الكثيرة : أساس البلاغة ، الاُنموذج ، أطواق الذهب ، أعجب العجب في شرح لاميّة العرب ، ربيع الأبرار ، الكشّاف عن حقائق التأويل ، المفصّل في صنعة الإعراب . راجع : الأنساب للسمعاني : ج 3 ، ص 163 _ 164 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 20 ، ص 151 _ 156 ، الرقم 91 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 186 ؛ الكنى والألقاب : ج 2 ، ص 298 _ 300 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 178 .
4- .. الكشّاف ، ج 4 ، ص 54 .

ص: 268

ممسوح محدود على ممسوح غير محدود ، فتقابل الجملتان (1) ) . وأمّا الجواب عن احتجاجهم بما ذكروه من الأخبار ؛ فبأنّ الخبر الأوّل مردود لإرساله ، ومعارضته لما نقلناعنهم عنه صلّى اللّه عليه [ وآله ] في الوضوء البياني ، وهو مؤيّد بما نقلنا عنهم عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، عنه صلى الله عليه و آله ، وعن ابن عبّاس ، عنهما عليهماالسلام ، وعن معظم الصحابة ، وكذا الحال في باقيما ذكروه من الأخبار . على أنّ خبر البخاري ليس صريحا في أنّ الغسل المأمور به بدل عن المسح ، بل ظاهره أنّ الأمر به إنّما كان زائدا على المسح ؛ لنجاسة أعقابهم لكونها مشقوقة مدماة غالبا . وقيل : إنّهم كانوا يبولون على شقاق أعقابهم ؛ لظنّهم أنّ البول نافع . وأمّا تجويزهم المسح على الخفّين ، فسيأتي دليلهم في محلّه . ولمّا رأى صاحب الكشّاف القائل بغسل الرِجلَين جرّ الجوار منكرا وحمل مسح الأرجل على مسح الخفّين مستقبحا ، حكم بأنّ جرّ «أرجلكم» للعطف على «رؤوسكم» ، لكن لا لتُمسح بل لتُقصَد في صبّ الماء عليها وتُغسَل غَسلاً خفيفا شبيها بالمسح ؛ زجرا عن إسراف الماء (2) ) . ولايخفى سخافة هذا أيضا ؛ لأنّ المعطوف في حكم المعطوف عليه ، وحكم المعطوف عليه هو المسح ، فلابدّ أن تكون هي أيضا ممسوحة ، ومن أين فهم الفسل !والخفّة ؟ على أنّه يلزم حينئذٍ استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز كليهما ، وذلك غير جائز عنده ؛ بدليل أنّه منع حمل اغسلوا في الآية على الوجوب والندب جميعا ، وقال :

.


1- .. الانتصار ، ص 110 ، تعيين مسح الرجلين في الوضوء . وبعده في نسخة «ب» : «وأمّا حمل المسح على مسح الخفّين ، ففساده واضح ؛ إذ لم يجر لهما ذكر ولا دلّت عليهما قرينة ، ولبسهما في الحجاز كان نادرا ، على أنّه يردّ قولهم بذلك أخبار متعدّدة من طرقهم تأتي في باب مسح الخفّ» ، وهذه الفقرات مذكورة في نسخة «أ» أيضا ، لكنّه شطب عليها .
2- .. الكشّاف ، ج 1 ، ص 597 .

ص: 269

«إنّ تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب التعمية والإلغاز» (1) ) . وهو غير مجوّز لا سيّما في كلامه سبحانه . وهناك فائدة لابدّ من التنبيه عليها ، فنقول : الوضوء إنّما وجب بأصل الشرع للصلاة والطواف الواجبَين ، ويدلّ عليه وجوبه لهما أخبار متكثّرة تجيء في مواضعه ، ويستحبّ فيما عداهما في مواضع متعدّدة ، قال صاحب المدارك : والذي يجتمع من الأخبار وكلام الأصحاب أنّه يستحبّ للصلاة والطواف المندوبين ، ومسّ كتاب اللّه وقراءته وحمله ، ودخول المساجد ، واستدامة الطهارة ، وهو المراد بالكون عليها ، وللتأهّب لصلاة الفريضة قبل دخول وقتها ليوقعها في أوّل الوقت ، وللتجديد ، وصلاة الجنازة ، وطلب الحوائج ، وزيارة قبور المؤمنين ، وما لايشترط فيه الطهارة من مناسك الحجّ ، وللنوم ، ويتأكّد في الجُنُب وجماع المحتلم قبل الغُسل ، وذكر الحائض ، وجماع المرأة الحامل مخافة مجيء الولد أعمى القلب بخيل اليد بدونه ، وجماع غاسل الميّت ولمّا يغتسل إذا كان الغاسل جنبا ، ولمريد إدخال الميّت قبره ، ووضوء الميّت مضافا إلى غُسله على قول ، ولإرادة وطي جارية بعد وطي اُخرى ، وبالمذي في قول قويّ ، والرعاف ، والقيء ، والتخليل المخرج للدم إذا كرهها الطبع ، والخارج من الذَكَر بعد الاستبراء ، والزيادة على أبيات شعر باطل ، والقهقهة في الصلاة عمدا ، والتقبيل بشهوة ، ومسّ الفرج ، وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضّي قبله ولو كان قد استجمر ، وقد ورد بجميع ذلك الخبر . ثمّ استشكل بأنّ في كثير منها قصورا من حيث السند وقال : وما قيل من أنّ أدلّة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ، فمنظور فيه ؛ لأنّ الاستحباب حكم شرعي فيتوقّف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام الشرعيّة (2) ) . ونُقِل عن الشيخ بهاء الملّة والدين (3) ) أنّه قال في درايته :

.


1- .. الكشّاف ، ج 1 ، ص 596 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 12 _ 13 .
3- .. شيخ الإسلام والمسلمين علاّمة البشر ومجدّد دين الأئمّة عليهم السلام على رأس القرن الحاديعشر ، محمّد بن الحسين بن عبدالصمد الجبعي العاملي الحارثي ، من ولد الحارث بن عبداللّه الأعور من خواصّ أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ، إليه انتهت رئاسة المذهب والملّة ، وبه قامت قواطع البراهين والأدلّة ، ولد ببعلبك عند غروب الشمس يوم الأربعاء لثلاث عشر بقين من ذي الحجّة سنة 953 ، وانتقل به أبوه إلى بلاد العجم ، وأخذ عن والده وغيره من الجهابذة ، فلمّا اشتدّ كاهلاً صفت له من العلم مناهله ولي بها شيخة الإسلام ، ثمّ رغب في الفقر والسياحة ، فترك المناصب ومال لما هو لحاله مناسب ، فحجّ بيت اللّه الحرام وزار النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ، ثمّ أخذ في السياحة فساح ثلاثين سنة ، ثمّ عاد وقطن بأرض العجم ، فألّف وصنّف ، من تصنيفاته : الأربعين ، تشريح الأفلاك ، الجامع العبّاسي ، حبل المتين ، خلاصة الحساب ، الزبدة ، الصمديّة ، العروة الوثقى ، الكشكول ، المخلاة ، مشرق الشمسين ، الوجيزة في الدراية ، وغيرها من المصنّفات الكثيرة ، توفّي الشيخ البهائي في شهر شوّال سنة 1031 في إصفهان ، وانتقل جسده الشريف إلى المشهد الرضوي ودفن بها قريبا من الحضرة الرضويّة عليه السلام . راجع : خاتمة المستدرك ، ج 2 ، ص 218 وما بعده ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 100 _ 102 .

ص: 270

العامّة مضطربون في التفصّي عن ذلك ، وأمّا نحن معاشر الخاصّة فالعمل عندنا ليس بها في الحقيقة ، بل لحديث من سمع شيئا من الثواب ، وهو ممّا تفرّدنا بروايته» (1) ) . وقريب منه ما ذكره المحقّق الدواني 2 ) في اُنموذجه : من أنّ الاستدلال في المستحبّات بالأخبار الضعيفة إنّما يكون بضميمة العمومات الواردة في استحباب الأخذ بالأحوط ، وفائدة تلك الأخبار إنّما هي نفي الحرمة والكرامة في الحكم المستفاد منها ، وإذا انتفتا فالحكم إمّا واجب أو مندوب ، فيكون في

.


1- .. الوجيرة في الدراية ، ص 5 ، الفصل الثاني ؛ رسائل في دراية الحديث، ص 541 _ 542 .

ص: 271

فعله رجاء الثواب ، فالاحتياط في الدين تعيّن فعله . وأقول : ما حقّقه هذا المحقّق كلام دقيق ، وبالقبول حقيق ، إلّا أنّ فيه أدنى قصور ؛ فإنّ الحرمة والكراهة قد انتفتا بالأصل السالم عن المعارض ولو لم ترد تلك الأخبار ، على أنّه بعد انتفائهما لاينحصر الحكم في الواجب والمندوب بل تبقى الإباحة أيضا ، فالأحسن أن يقال : فائدة تلك الأخبار رجحان الوجوب والاستحباب على الإباحة الأصليّة ، ويصير ذلك سببا لقوّة رجاء الثواب ، ثمّ بضميمة العمومات المذكورة يصير العمل بها مستحبّا . ويجري مثل هذا القول في العمل بالأخبار الضعيفة الواردة في الكراهة ، وهذا هو السرّ في حمل الفقهاء _ رضوان اللّه عليهم _ الأخبار الضعيفة الواردة الظاهرة في وجوب حكم أو حرمته ، على الاستحباب أو الكراهة ، فتأمّل؟ . قوله في حسنة زرارة : فدعا بقعب) إلخ . [ ح 4/3924 ] القَعب: قدح صغير من خشب . (1) ) وحَسَرتُ [ كمّي ] عن ذراعي أحسره حَسرا : كَشَفتُ. (2) ) وسَدَلَه (3) ) وأَسدَلَه : أرخاه . وقال _ طاب ثراه _ : «في قوله : «فوضعها على جبينه» دلالة على أنّه لاينبغي ضرب الماء على الوجه ، ويدلّ صريحا قوله صلى الله عليه و آله في الباب الآتي : «لاتضربوا الماء بوجوهكم إذا توضّأتُم» . ثمّ أقول : وقد روى الشيخ مرسلاً عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «إذا توضّأ الرجل فليصفق وجهه بالماء ؛ فإنّه إن كان ناعسا فزع واستيقظ ، وإن كان البرد فزع ولم يجد البرد» (4) ) .

.


1- .. الموجود في كتب اللغة : «قدح من خشب معقّر» ولم أجد تقييده بالصغير . اُنظر : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 204 قعب) . نعم ورد في النهاية ، ج 1 ، ص 683 : «وقيل : هو قدح إلى الصغر» .
2- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 629 حسر) .
3- .. اُنظر : صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1778 سدل) .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 357 ، ح 1071 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 68 ، ح 207 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ف ص 434 ، ح 1138 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 51 ، ح 106.

ص: 272

وعلى المشهور جمع بينهما بحمل هذا على الإباحة ، والأوّل على الاستحباب ، ولايبعد القول بالاستحباب في صورة النعاس والبرد كما هو مدلول المرسلة ، والكراهية في غيرهما . وفي قوله : «بسم اللّه » دلالة على استحباب التسمية للوضوء . ومثله ما رواه الشيخ في الصحيح عن داوود العجلي مولى أبيالمعزا ، عن أبيبصير ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «يا بامحمّد ، مَن توضّأ فذكر اسم اللّه تعالى ، طهر جميع جسده ، ومَن لم يسمّ لم يطهر من جسده إلّا ما أصابه الماء» (1) ) . وعن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ رجلاً توضّأ و صلّى فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أعد صلاتك ووضوءك ، ففعل وتوضّأوصلّى ، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل وتوضّأ وصلّى . فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : أعد وضوءك وصلاتك ، فأتى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فشكا ذلك إليه ، فقال : هل سمّيت حيث توضّأتَ ؟ قال : لا ، قال : فسَمِّ على وضوئك ، فسمّى وتوضّأ وصلّى وأتى النبيّ صلى الله عليه و آله ، فلم يأمره أن يعيد» (2) ) . وفي الموثّق عن عيص بن القاسم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكأنّما اغتسل» (3) ) . وعن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا سمّيت في الوضوء طهر جسدك كلّه ، وإذا لم تسمّ لم يطهر من جسدك إلّا ما مرّ عليه الماء» (4) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 _ 359 ، ح 1076 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 68 ، ح 205 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 424 ، ح 1108 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 51 ، ح 106 مع زيادة .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1075 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 68 ، ح 206 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 424 ، ح 1109 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1073 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 203 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 424 ، ح 1106 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 358 ، ح 1074 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 204 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ف ص 424 ، ح 1108 .

ص: 273

والاستحباب يتأدّى بقول بسم اللّه ، ولكنّ الأفضل ما ورد في خبر زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا وضعتَ يدك في الماء فقل : بسم اللّه وباللّه ، اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين» (1) ) . وأفضل منه ما رواه الصدوق ، قال : «كان أميرالمؤمنين عليه السلام إذا توضّأ قال : بسم اللّه وباللّه وخير الأسماء وأكبر الأسماء ، وقاهرٌ لمَن في السماوات ، وقاهرٌ لمَن في الأرض اللّه (2) ) ، والحمد للّه الذي جعل من الماء كلّ شيء حيّ وأحيا قلبي بالإيمان ، اللهمّ تُب عَلَيّ وطهِّرني ، واقض لي بالحُسنى ، وأرِني كلّ الذي أحبّ ، وافتح لي الخيرات من عندك ، يا سميع الدعاء» (3) ) . وقوله : «مرّة واحدة» يحتمل تعلّقه بقوله : «ثمّ عرف» ، وبقوله : «ثمّ أمرّ يده على وجهه» . ويدلّ قوله : «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر» على أنّ الأفضل هو الاكتفاء بالمرّة. وإن جعل «قد» في قوله : «فقد يجزيك» للتحقيق كمايقتضيه السياق ، والتفريع يكون فيه مبالغة فى الاكتفاء بالمرّة ، وإن جعل للتقليل على ما هو الشائع فيه كان فيه تجويز للزيادة على الوتر ، ولكن كمّيّتها مستفادة من خبر آخر أو من الإجماع على عدم التجاوز عن مرّتين . [قوله] فيحسنة زرارة وبكير وقد رواها الشيخ في الصحيح : فدعا بطشت أو تَور) (4) ) . [ ح 5/3925 ] الطَست _ بفتح الطاء وكسرها ، مع التاء وبدونها في الوجهين ، ويقال أيضا :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 ، ح 192 ؛ وسائل الشيعة، ج 1 ، ص 423 ، ح 1105 .
2- .. لفظة الجلالة لم ترد في المصدر ، نعم موجودة في وسائل الشيعة.
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 43 _ 44 ، ح 87 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 425 - 426 ، ح 1110.
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 ، ح 191 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 388 ، ح 1022 .

ص: 274

الطسّة بالهاء وتشديد السين ، والأوّل أشهر الخمس ، وقد جاء الطشت بالسين المعجمة . والتَور : إناء يشرب فيه . قال _ طاب ثراه _ : قوله : «ولا يدخل أصابعه تحت الشراك ، يدلّ على أنّه لايجب اتّصال الماسح بكلّ الممسوح ، ولا إيصال الرطوبة من المبدأ إلى المنتهى كما زعمه بعض المتأخّرين». انتهى . وقوله عليه السلام : «يعني المفصل دون عظم الساق» ظاهره أنّ الكعب هو المفصل بين الساق والقدم ، وقال _ طاب ثراه _ : واختلفت الاُمّة في تفسير الكعب ، فقال أكثر العامّة : هما العظمان النابتان عن جنبي الساق ، وقال بعضهم : إنّهما النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك ، وهو ظاهر أكثر أصحابنا ، وذهب العلّامة إلى أنّهما المفصل بين الساق والقدم ، وقال : هذا مذهب أصحابنا ، ومن فهم غير هذا من كلامهم فهو ليس بمحصّل ، واستدلّ عليه بقول بهذا القول ، وبفعل الباقر عليه السلام في حكاية وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومسح مقدّم رأسه وظهر قدميه ، وذلك لأنّه يفيد وجوب المسح بجميع ظَهر القَدَم . أقول : يعني أنّ المستفاد منه وجوب استيعاب ظَهر القدم طولاً وعرضا ، واستيعاب العرض خرج بنصّ آخر من قوله عليه السلام : «فإذا مسح بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه» ، والدليل على ذلك أنّه لم يقل بوجوب استيعاب العرض هو ولا أحد من الأصحاب . ثمّ قال _ طاب ثراه _ : وقال شيخنا بهاء الملّة والدين (1) ) بعد ما حكى قول العلّامة : شنّع عليه المتأخّرون من أصحابنا منهم الشهيد الأوّل قدس سره ، وحاصل تشنيعه عليه في الذكرى (2) ) أنّ العلّامة قدس سره متفرّد

.


1- .. الحبل المتين ، ص 20 _ 22 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 150 .

ص: 275

فيما ذهب إليه لم يقل به أحد من الخاصّة والعامّة ، ومع ذلك مخالف لبعض الروايات ، مثل ما روى ميسّر عن الباقر عليه السلام أنّه وصف الكعب في ظهر القَدم ، وما رواه أيضا عنه عليه السلام أنّه وضع يده على ظهر القدم وقال : «هذا هو الكعب» . ومنهم الشيخ عليّ قدس سره ، قال في شرح القواعد : ما ذكره المصنّف من تفسير الكعبين خلاف ما أجمع عليه أصحابنا ، وهو من متفرّداته ، مع أنّه قدس سرهادّعى أنّه المراد من عبارات الأصحاب ، وأنّ من فهم غير هذا فهو ليس بمحصّل ، وهو عجيب ؛ فإنّ عبارات الأصحاب صريحة في غيرمراده ناطقة بأنّهما الناتيان في ظهر القدم أمام الساق (1) ) . ومنهم عميد الرؤساء (2) ) ، قال في كتاب الكعب : «القول بأنّ نفس المفصل هو الكعب ، لم يوافق مقالة أحد من الخاصّة والعامّة ، ولا كلام أهل اللغة ، ولم يساعد عليه الاشتقاق الذي ذكروه ؛ فإنّهم قالوا : اشتقاقه من كعب إذا ارتفع ، ولا ارتفاع للمفصل» . ومنهم الشهيد الثاني ، قال في شرح الإرشاد بعد ما نقل روايتين تدلاّن على أنّ الكعب في ظهر القدم : «لاريب أنّ الكعب الذي يدّعيه المصنّف ليس في ظهر القدم ، وإنّما هو المفصل بين الساق والقدم ، والمفصل بين الشيئين يمتنع كونه في أحدهما» (3) ) . وجميع هذه التشنيعات تدور على اُمور خمسة (4) ) : الأوّل : أنّ قوله خرق لما أجمع عليه الاُمّة وإحداث قول ثالث لم يقل به أحد ، فكيف يدّعي أنّه قول أصحابنا . الثاني : أنّه مخالف لكلام أهل اللغة ؛ إذ لم يقل أحد منهم أنّ المفصل كَعب . الثالث : أنّه مخالف للاشتقاق .

.


1- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 220 .
2- .. رضيّ الدين أبومنصور عميدالرؤساء هبة اللّه بن حامد بن أحمد بن أيّوب الحلّي ، أديب ، نحوي ، لغوي ، صاحب كتاب الكعب ، والمنقول قوله في بحث الوضوء ، والمعوّل عليه عند تحقيق المسألة ، كان من تلامذة ابن الخشّاب النحوي المعروف وابن العصّار اللغوي ، وكان الوزير ابن العلقمي المشهور من تلامذة عميدالرؤساء هذا ، يروي عنه والد ابن معيّة كتاب الصحيفة الكاملة ، كما يرويها عن ابن السكون ، وهو مشهور بين الخاصّة والعامّة ، وأقواله مذكورة في كتب كلتا الطائفتين ، مات في سنة 609 أو 610 . راجع : رياض العلماء ، ج 5 ، ص 307 _ 310 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 486 ؛ الذريعة ، ج 18 ، ص 85 ، الرقم 797 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 13 ، ص 136 .
3- .. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 109 .
4- .. في الحبل المتين : «اُمور سبعة» ، فذكر إشكالين آخرين أيضا مضافا على الخمسة المذكورة هنا وأجاب عنهما .

ص: 276

الرابع : أنّه مخالف لما ورد به النصوص عن أئمّتنا عليهم السلام . الخامس : أنّه زعم موافقة عبارات الأصحاب لما قاله ، مع أنّها ناطقة بأنّهما العظمان الناتئان في ظَهر القدم . ويرجّح قول العلّامة أنّ الرواية المذكورة صريحة في مطلوبه ، ولايرد عليه شيء من الاُمور المذكورة ، أمّا مخالفة أهل اللغة ؛ فلأنّهم صرّحوا بأنّ المفاصل والتي بين أنابيب القصب تسمّى كعابا ، قال في الصحاح : «كعوب الرمح : النواشز في أطراف الأنابيب» (1) ) . وفي المغرب : «الكعب : العقدة بين الاُنبوبتين في القصب» (2) ) . وقال أبوعبيدة (3) ) : «الكعب هو في أصل القدم ينتهي إليه الساق بمنزلة كعاب القناة» (4) ) . ونقل الفخر الرازي (5) ) في تفسيره الكبير : «أنّ المفصل يسمّى كعبا» (6) ) .

.


1- .. صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 213 كعب) .
2- .. المُغرِب ، ص 224 كعب).
3- .. أبوعبيدة معمر بن المثنّى البصري ، أديب ، لغوي ، نحوي ، أخذ عنه أبوعبيد وأبوحاتم والمازني ، وهو أوّل من صنّف غريب الحديث ، كان متبحّرا في علم اللغة وأيّام العرب وأخبارها ، من تأليفاته : معاني القرآن ، مقاتل الفرسان ، أخبار قضاة البصرة ، مات سنة 209 أو 211 . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 118 _ 120 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 309 _ 310 .
4- .. وعنه الشيخ البهائي في مشرق الشمسين ، ص 284 .
5- .أبوعبداللّه محمّد بن عمر بن حسين بن عليّ الرازي ، الأشعري الاُصول الشافعي الفروع ، المعروف بالإمام فخر الدين ، والملقّب بابن الخطيب ، أصله من طبرستان ، ولد في مدينة الريّ عام 542 أو 544 ، كان مبدأ اشتغاله على والده ، وتلمّذ عند أبي محمّد البغوي ، واتّصل بخوارزم شاه بخراسان واستوطن هراة ، وكان له في الوعظ بلسانَي العربيّة والفارسيّة مرتبة عالية ، وكان حادّ الذهن ، قويّ النظر ، عارفا بالأدب ، له شعر بالفارسي والعربي ، وله تأليفات منها : التفسير الكبير المسمّى بمفاتيح الغيب الذي أكمله نجم الدين القمولي وشهاب الدين الخوبي ، وأساس التقديس ، ولباب الإشارات ، والمحصّل ، والمحصول ، ونهاية العقول وغيرها . وكان يعاب بإيراد الشبهة الشديدة التي يقصّر في حلّها ، حتّى قيل في حقّه : «يورد الشبهة نقدا ويحلّها نسيئة» ، كان أكثر مقامه بالريّ ، وتوفّي في مدينة هراة سنة 606 ودفن بها . راجع : التكملة للمنذري ، ج 2 ، ص 1121 ؛ وفيّات الأعيان ، ج 4 ، ص 248 _ 252 ، الرقم 600 ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 4 ، ص 248 _ 259 ، الرقم 1787 ؛ التدوين ، ج 1 ، ص 457 ؛ مجمع الآداب الفخر) : 2403 ؛ تاريخ الإسلام ، وفيّات سنة 606 ، ص 204 ، الرقم 311 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 21 ، ص 500 ، الرقم 261 ؛ طبقات الشافعيّة للسبكي ، ج 8 ، ص 81 _ 96 ، الرقم 1089 ؛ الكنى والألقاب ، حرف الفاء ، ص 9 _ 12 .
6- .. تفسير الرازي ، ج 11 ، ص 162 .

ص: 277

وفي القاموس : «الكعب : كلّ مفصل للعظام ، والعظم الناشز فوق القدم» (1) ) . فظهر أنّ العلّامة لم يأت ببدعة في تسمية المفصل كعبا ، والمستفاد من كلام أهل (2) ) التشريح كجالينوس والشيخ (3) ) وشرّاح القانون كالقرشي وغيره ؛ أنّ الكعب عظم في ظهر القدم متوسّط بين الساق والعقب ، وعليه يتّصل الساق بالقدم ، فصار ما يطلق عليه اسم الكعب أربعة : قبّة القدم أمام الساق . والعظمان الناتئان عن يمين القدم وشِماله ، ونفس المفصل ، والعظم الناتي في القدم طرفاه في حفرتي عظم الساق ، وكثيرا ما يعبّر عنه بالمفصل ؛ لوقوعه فيه ، وهذا الأخير هو الكعب عند العلّامة . وأمّا خرق الإجماع ، فقد نقل إجماع علمائنا على ما ذهب إليه ، ويؤيّده أنّ كتب العامّة وتفاسيرهم مشحونة بأنّ الكعب عند القائلين بالمسح هو العظم الذيفي المفصل . قال الفخر الرازي : الكعب عند الإماميّة عبارة عن عظم مستدير مثل كعب الغنم والبقر موضوع تحت الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم ، وهو قول محمّد بن الحسن (4) ) ، وكان الأصمعي (5) ) يختار هذا القول . ثمّ قال : حجّة الإماميّة أنّ اسم الكعب يطلق على العظم المخصوص الموجود في أرجل الحيوانات ، فوجب أن يكون في حقّ الإنسان كذلك ، والمفصل يسمّى كعبا ، ومنه كعاب الرمح لمفاصله (6) ) .

.


1- .. تقدّمت ترجمته .
2- .. تفسير الرازي ، ج 11 ، ص 162 .
3- .. القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 124 كعب) .
4- .. «أ» : - «أهل» .
5- .. في هامش «أ» بخطّ الأصل : «يعني أبا عليّ بن سينا . منه».
6- .. عبدالملك بن قُرَيب بن عبدالملك بن عليّ بن أصمع الباهلي المعروف بالأصمعي ، أديب ، لغوي ، نحوي ، أخباري ، محدّث ، فقيه ، اُصولي ، من أهل البصرة ، سلك البراري والبوادي وصحب الأعراب وأخذ الأدب من معدنه ، قدم بغداد في أيّام هارون الرشيد ، وتوفّي بالبصرة سنة 216 هق . راجع : الأنساب للسمعاني : ج 1 ص 177 _ 178 ؛ الفهرست لابن النديم ، ص 60 _ 61 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 10 ، ص 175 _ 181 ، الرقم 32 ؛ لسان الميزان ، ج 7 ، ص 504 ، الرقم 7514 ؛ الكنى والألقاب، ج 2 ص 37 _ 40؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 162 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ، ص 187 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1 ، ص 456 .

ص: 278

ومثله وقع في تفسير النيشابوري (1) ) ، والكشف (2) ) . ومنه يظهر اندفاع الإيراد الخامس ؛ لأنّه فهم من ظاهر كلام أصحابنا أنّ الكعب هو المفصل عندهم ، وأنّهم أرادوا بالعظمين الناتئين في ظهر القدم العظمين اللذين في المفصل وإن كانا خفيّين كما فهمه هؤلاء المخالفون حتّى اعترضوا على أصحابنا بأنّ العظم الناتئ في المفصل شيء خفيّ لايعرفه إلّا أهل التشريح ، فلاينبغي أن يكون هو مناط التكليف ، بخلاف الناتئين من طرفي الساق . وأمّا مخالفة الاشتقاق ، فإنّك قد عرفت ممّا مرّ أنّ في العظم المستدير الموضوع في المفصل نُتُوّا أيضا ، وعدم إحساسه بالبصر لايقتضي نفيه . وأمّا مخالفة النصوص ، فقد عرفت أنّ ذلك العظم في ظَهر القدم . وممّا ذكر ظهر أنّ الاحتياط يقتضي العمل بما ذكره العلّامة رحمه الله انتهى . واحتجّ العامّة أيضا على ما ذهبوا إليه بهذه الآية ؛ زعمامنهم أنّ المعنى : «وأرجلكم» كلّ رجل إلى الكعبين ، وقالوا : لوكان المراد جميع كعاب الأرجل لقال : إلى الكعاب كالمرافق ، وبما رواه النعمان بن بشير أنّه قال : «لتستونّ صفوفكم ولتخافنّ اللّه بين قلوبكم ، فلقد رأيت الرجل منّا يُلصق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكبه» (3) ) ، فإنّه يدلّ على أنّ الكعب في جانب القدم . وبرواية أنس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان في سوق ذي المجاز (4) ) عليه جبّة حمراء وهو

.


1- .. النيسابوري هو نظام الدين الأعرج الحسن بن محمّد بن حسين القمّي النيسابوري ، أصله وموطن أهله وعشيرته مدينة قمّ ، وكان منشؤه وموطنه بديار نيسابور ، وأمره في الفضل والأدب والتبحّر والتحقيق وجودة القريحة أشهر من أن يذكر ، له من الكتب : رسالة في علم الحساب ، شرح الشافية المعروف بشرح النظّام ، شرح التذكرة النصيريّة ، غرائب القرآن ورغائب الفرقان المعروف بتفسير النيسابوري ، كتاب في أوقاف القرآن المجيد ، وغير ذلك . وكان النيسابوري من علماء رأس المائة التاسعة . الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 256 .
2- .. الكشف والبيان للثعلبي ، ج 1 ، ص 29 _ 30 .
3- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 77 باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمام ؛ المسند لأحمد ، ج 4 ، ص 276 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 82 _ 83 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 549 ؛ السنن للدارقطني ، ج 1 ، ص 287 ، ح 1082 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 76 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 141 ؛ التمهيد ، ج 24 ، ص 257 .
4- .. ذوالمجاز : موضع بعرفة على ناحية كبكب عن يمين الإمام على فرسخ من عرفة ، كانت تقوم في الجاهليّة ف ثمانية أيّام ، وقال الأصمعي : ذوالمجاز ماء من أصل كبكب وهو لهذيل وهو خلف عرفة . معجم البلدان ، ج 5 ، ص 55 ، باب الميم والجيم .

ص: 279

يقول : «يا أيّها الناس ، قولوا لا إله إلّا اللّه تفلحوا (1) ) . ورجل يتبعه يرميه بالحجارة حتّى أدمى عرقوبيه وكعبيه ، فقيل : مَن هو ؟ فقال : عمّه أبولهب» (2) ) . واُجيب عنه بأنّ التثنية في الآية يمكن أن يكون باعتبار رِجلَي كلّ متطهّر ، والخبران على تقدير صحّتهما إنّما يدلاّن على أنّ الكعب قد جاء بهذا المعنى لا على حصر معناه فيه ، فيمكن أن يكون مشتركا بينه وبين ما هو المراد هنا ، بل هو كذلك كما عرفت . وقوله عليه السلام : والثنتان تأتيان على ذلك كلّه) . [ ح 5/3925 ] يفيد استحباب تثنية الغرفة في كلّ من الغسلات كما هو المشهور بين المتأخّرين ، وبذلك جمعوا بين أخبار المرّة والتكرار كما ستعرف . قوله في خبر يونس بن عمّار : مرّة مرّة) . [ ح 6/3926 ] ظاهره عدم جواز تثنية) (3) ) الغسلات . قال العلّامة رحمه الله في المنتهى : الفرض في غسل أعضاء الوضوء مرّة مرّة ، وهو مذهب علماء الأمصار إلّا ما نقل عن الأوزاعي (4) ) وسعيد بن عبدالعزيز (5) ) ؛ فإنّهما قالا ثلاثا إلّا غَسل الرجلين (6) ) ، والثانية سنّة

.


1- .. تقدّمت ترجمته .
2- .. ما أثبتناه هو الصحيح ، وفي الأصل : «تصلحوا».
3- .. المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 8 ، ص 442 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 2 ، ص 82 ، المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص 612 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 76 ؛ وج 6 ، ص 21 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 14 ، ص 518 . كلّهم من طريق طارق بن عبداللّه المحاربي .
4- .. ما بين القوسين من نسخة «أ» و«د» .
5- .. سعيد بن عبدالعزيز التنّوخي أبومحمّد الدمشقي ، فقيه أهل الشام بعد الأوزاعي ، روى عن ربيعة بن يزيد وأبيالزبير المكّي والزهري وزيد بن أسلم ومكحول وغيرهم ، وروى عنه الثوري وشعبة عبدالرزّاق وابن المبارك وابن مهديّ ووكيع وغيرهم ، مات سنة 167 ه ق ، وقيل غيرها . الأنساب للسمعاني ، ج 1 ، ص 486 «التنّوخي» ؛ الوافي بالوفيّات ، ج 15 ، ص 149 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 97 .
6- .. المغني ، ج 1 ، ص 129 ، الموالاة في الوضوء والتثليث ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 145 .

ص: 280

في قول أكثر أهل العلم خلافا لمالك ؛ فإنّه لم يستحبّ مازاد على الفرض (1) ) ، ولابن بابويه ؛ فإنّه قال : «من توضّأ اثنتين لم يوجر» (2) ) . أمّا الثالث ، فقال الشيخ : «إنّها بدعة» (3) ) ، وكذا قال ابن بابويه (4) ) . وقال المفيد : «الثالثة كلفة» (5) ) ، ولم يصرّح بلفظ البدعة . وقال الشافعي وأبوحنيفة وأحمد : «الثالثة سُنّة» . فإذن اتّفق علماؤنا على أنّ الثالثة ليست مستحبّة (6) ) . وأقول : عبارة المفيد في المقنعة ظاهرة في أنّ الثالثة ليست بدعة ؛ حيث قال :«وغَسل الوجه والذراعين في الوضوء مرّة مرّة فريضة ، وتثنيته إسباغ وفضيلة ، وتثليثه تكلّف ، ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا» (7) ) . ويدلّ على كون الثلاث بدعة بعض ما سيأتي من الأخبار . [ ويدلّ ] على عدم وجوب الزيادة على المرّة ما رواه المصنّف قدس سرهفيالباب . وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «إنّ اللّه وتر يحبّ الوتر ، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين ، وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وبما بقي من بلّة يمناك ظهر قدمك اليُمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظَهر قدمك اليسرى» (8) ) . وعن يونس بن عمّار ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الوضوء للصلاة ؟ فقال : «ما كان وضوء عليّ عليه السلام إلّا مرّة مرّة» ( 9 ) .

.


1- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 2 ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 77 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 47 ؛ الهداية ، ص 80 ؛ المقنع ، ص 11 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 87 ، المسألة 38 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 23 ، كيفيّة الوضوء وأحكامه .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 47 ، ذيل ح 92 ؛ المقنع ، ص 11 ؛ الهداية ، ص 80 .
5- .. المقنعة ، ص 48 _ 49 ، كتاب الطهارة ، الباب الرابع .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 117 _ 118 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 360 ، ح 1083 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1142 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 80 ، ح 207 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 437 ، ح 1147 .

ص: 281

وفي الصحيح عن أبيعبيدة الحذّاء ، قال : وضّأت أباجعفر عليه السلام بجمع وقد بال ، فناولته ماء فاستنجى ، ثمّ أخذ كفّا فغسل به وجهه ، وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر ، ثمّ مسح بفضل الندى رأسه ورجليه» ( (1) ) . وقال الصدوق : وقال الصادق عليه السلام : «واللّه ما كان وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا مرّة مرّة» ( (2) ) . (فَقال : [ «وتوضّأ النبيّ مرّة مرّة وقال : ] (3) ) هذا وضوء لم يقبل اللّه الصلاة إلّا به» ( (4) ) . وما رواه البخاريعن ابن عبّاس ، قال : توضّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّة مرّة ( (5) ) )( (6) ) . وتمسّك العلّامة رحمه الله ( (7) ) في استحباب التثنية بحسنة زرارة وبكير ابني أعين ، وقد رواها الشيخ في الصحيح ( (8) ) . وصحيحة معاوية بن وهب ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الوضوء ؟ فقال : «مثنى مثنى» ( (9) ) . وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الوضوء مثنى مثنى» ( (10) ) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 79 ، ح 204 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 58 ، ح 172 ؛ وص 69 ، ح 209 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 389 _ 390 ، ح 1023 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 38 ، ح 76 ؛ ورواه الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 70 ، ح 212 إلى قوله : «مرّة مرّة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 438 ، ح 1150 .
3- .. ما بين المعقوفتين من الفقيه .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 38 ، ح 76 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 438 ، ح 1151 .
5- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 47 _ 48 . ورواه أحمد في مسنده ، ص 219 و233 و332 ، وج 2 ، ص 39 ؛ والدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 177 و180 ؛ والترمذي في سننه ، ج 1 ، ص 30 _ 31 ، الباب 32 من أبواب الطهارة ، ح 42 .
6- .. ما بين القوسين ليس في «ب» .
7- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 119 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 81 ، ح 211 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 216 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 389 ، ح 1023 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 80 ، ح 208 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 70 ، ح 213 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 441 ، ح 1168 .
10- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 80 ، ح 209 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 70 ، ح 214 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 442 ، ح 1169 .

ص: 282

وإنّما قالوا باستحباب ذلك مع ظهور هذه الأخبار في الوجوب ؛ للجمع بينها وبين الأخبار الأوّلة . ولمّا كان هذا الجمع بعيدا ؛ لأنّه قد تركها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأميرالمؤمنين عليه السلام أبدا كما يدلّ عليه بعض ما رويناه ، وما رواه المصنّف في الموثّق عن عبدالكريم ( (1) ) ، وكان ترك المستحبّ أبدا منهما بعيدا ، فحمل المصنّف هذه الأخبار على الجواز لمن يقنعه مرّة مرّة . (ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة لضعف الناس» فيما رواه الشيخ أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي رحمه الله عن حمدويه وإبراهيم ، بإسنادهما عن داوود الرقّي ، قال : دخلت على أبيعبداللّه عليه السلام فقلت : جُعِلتُ فداك ، كم عدّة الطهارة ؟ فقال : «أمّا ما أوجبه اللّه تعالى فواحدة ، فأضاف إليها رسول اللّه صلى الله عليه و آله واحدة ؛ لضعف الناس ، ومن توضّأ ثلاثا فلا صلاة له» . وأنا معه في ذا حتّى جاء داوود بن زربي فأخذ زاوية من البيت فسأله عمّا سألت في عدّة الطهارة ، فقال له : «ثلاثا ثلاثا ، من نقص عنه فلا صلاة له» ، قال : فارتعدت فرائصي وكاد أن يدخلني الشيطان ، فأبصر أبوعبداللّه عليه السلام إلَيّ وقد تغيّر لوني ، فقال : «اسكن يا داوود ، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق» . قال : فخرجنا من عنده وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبيجعفر المنصور ، وكان قد اُلقي إلى أبيجعفر أَمْرُ داوود بن زربي وأنّه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمّد ، فقال أبوجعفر : إنّي مطلع إلى طهارته ، فإن هو توضّا وضوء جعفر بن محمّد فإنّي لأعرف طهارته حقّقت عليه القول وقتلته . فأطلع وداوود يتهيّأ للصلاة من حيث لايراه ، فأسبغ داوود بن زربيالوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبوعبداللّه عليه السلام ، فما تمّ وضوؤه حتّى بعث إليه أبوجعفر فدعاه .

.


1- .. وهو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .

ص: 283

قال : فقال داوود : فلمّا دخلت عليه رحّب بي وقال : يا داوود ، قيل فيك شيء باطل ، وما أنت كذلك ، قد أطلعت على طهارتك وليست طهارتك طهارة الرافضيّة ، فاجعلني في حلّ . وأمر له بمائة ألف درهم . قال : فقال داوود الرقّي : التقيت أنا وداوود بن زربي عند أبيعبداللّه عليه السلام ، فقال له داوود بن زربي : جعلني اللّه فداك ، حقنت دماءنا فيدار الدنيا ، ونرجو أن ندخل بيمنك وبركتك الجنّة . فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «فعل اللّه ذلك بك وبإخوانك من جميع المؤمنين » . فقال أبوعبداللّه عليه السلام لداوود بن زربي : «حدّث داوود الرقّي بما مرّ عليك حتّى تسكن روعته» . قال : فحدّثه بالأمر كلّه . قال : فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «لهذا أفتيته ؛ لأنّه كان أشرف على القتل من يد هذا العدوّ» . ثمّ قال : «يا داوود بن زربي ، توضّأ مثنى ولاتزيدنّ عليه ، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك» ( (1) ) ) ( (2) ) . وحملها الصدوق على التجديد، وحمل ما روي _ من أنّ من زاد على ذلك لم يوجر _ على التجديد بعد التجديد ( (3) ) ، وأيّد هذا التأويل بما روى من «أنّ تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا واللّه وبلى واللّه » ( (4) ) . وروى في خبر آخر : «إنّ الوضوء على الوضوء نور على نور ، ومن جدّد وضوءه لغير حدث آخر جدّد اللّه _ عزّ وجلّ _ توبته من غير استغفار» ( (5) ) . والأظهر حملها على التقيّة ؛ لموافقتها لمذاهب العامّة ، ثمّ على غسلة بغرفتين كما

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 600 _ 601 ، الرقم 564 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 443 _ 444 ، ح 1172 .
2- .. ما بين القوسين _ أي من قوله : «ويدلّ عليه قوله عليه السلام » إلى هنا _ من «أ» و «د» .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 39 ، ذيل ح 80 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 39 ، ح 81 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 377 ، ح 996 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 39 ، ح 81 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 377 ، ح 997 .

ص: 284

هو المشهور ، ودلّت عليه حسنة زرارة وبكير ( (1) ) ، ثمّ على أنّ الوضوء غسلتان ومسحتان . واحتجّ أيضا على عدم استحباب الثانية بما رواه محمّد بن بشير ، عن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لايوجر عليه ، والثالثة بدعة» ( (2) ) . وأجاب عنه العلّامة ( (3) ) بأنّ محمّد بن بشير وإن وثّقه النجاشي ( (4) ) ، إلّا أنّ الشيخ قال : «إنّه غال ملعون» ( (5) ) ، على أنّه يحتمل أن يكون ذلك بالنسبة إلى من اعتقد وجوبها ؛ لما روي عن عبداللّه بن بكير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «من لم يستيقن أنّ واحدة [ من الوضوء ] تجزيه لم يوجر على الثنتين» ( (6) ) . والدليل على كون الثالثة بدعة _ زائدا على ما ذكر _ [ أنّها ] غير واردة في الشريعة ، فكان اعتقاد شرعيّتها إدخالاً لما ليس من الدين فيه ، وذلك هو معنى البدعة . وأمّا حسنة داوود بن زربي _ قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الوضوء ، فقال لي : «توضّأ ثلاثا ثلاثا» _ فمحمول على حال التقيّة ، ويدلّ عليه ما بعده : قال : قال لي : «أليس تشهد بغداد وعساكرهم ؟» قلت : بلى . قال : كنت يوما أتوضّأ في دار المهديّ ، فرآني بعضهم وأنا لا أعلم ، فقال : كذب من زعم أنّك فلاني وأنت تتوضّأ هذا الوضوء . فقلت : لهذا واللّه أمرني بهذا ( (7) ) .

.


1- .. في «ج» : «ويدلّ عليه آخر هذه الحسنة» .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 217 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 81 ، ح 212 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1143 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 120 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 344 ، الرقم 527 .
5- .. الفهرست ، ص 344 ، الرقم 5137 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 81 _ 82 ، ح 213 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 218 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 436 ، ح 1144 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 82 ، ح 214 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 71 ، ح 219 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ف ص 443 ، ح 1171 .

ص: 285

واحتجوّا على استحباب الثلاث بما رواه [ ابن ]عمر ، قال : توضّأ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرّة وقال : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» . ثمّ توضّأ مرّتين وقال : «هذا وضوء من ضاعف اللّه له الأجر» . ثمّ توضّأ بثلاثة وقال : «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء خليلي عليه السلام » ( (1) ) . وروى البخاري عن حمران مولى عثمان أنّه رأى عثمان بن عفّان دعا بإناء فأفرغ على كفّيه ثلاث مرار فغسلها به ، ثمّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق ، ثمّ غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرّات ، ثمّ مسح برأسه ، ثمّ غسل الرجلين ثلاث مرّات إلى الكعبين ، ثمّ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن توضّأنحو وضوئي هذا ثمّ صلّى ركعتين لايحدّث فيهما نفسه ، غفر له ما تقدّم من ذنبه» ( (2) ) . واُجيب عن الأوّل بأنّه مدني وقد ردّها مالك ، فلو كان أصيلاً لعرفه ، على أنّه يحتمل أن يكون ذلك من خصائصه كما يشعر به آخر الخبر . وأمّا الثاني ، فيرد عليه أيضا بعض ما ذكر على أنّه يردّهما بعض ما ذكرنا من الأخبار . قوله : (عن عليّ بن المغيرة ، عن ميسرة ، عن أبيجعفر عليه السلام ) . [ ح 7/3927 ] عليّ بن المغيرة هو الزبيدي ، وكان مجهول الحال ( (3) ) . وميسرة مشترك بين أربعة مجهولين : اثنان من أصحاب أبيعبداللّه عليه السلام ( (4) ) واثنان من

.


1- .. سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 145 ، ح 419 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 803 ، ح 257 ؛ سنن أبييعلى ، ج 1 ، ص 448 ، ح 5598 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1 ، ص 150 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 80 .
2- .. صحيح البخاري ، ج1 ، ص 49 ؛ وج 2 ، ص 235 . ورواه مسلم في صحيحه ، ج1 ، ص 141 ؛ وأحمد في مسنده ، ج 1 ، ص 59 ؛ والنسائي في سننه ، ج 1 ، ص 64 و80 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 48 .
3- .. رجال الطوسي ، ص 142 ، الرقم1530 في أصحاب الباقر عليه السلام ؛ وص 267 ، الرقم3831 في أصحاب الصادق عليه السلام .
4- .. ورد في رجال الطوسي ، ص 310 ، الرقم 4588 و4589 و4590 ثلاثة باسم ميسرة كلّهم من أصحاب الصادق عليه السلام ، وفي أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام رجل آخر باسم ميسرة في : ص 81 و83 ، الرقم 806 و833 .

ص: 286

أصحاب الهادي عليه السلام ( (1) ) ، ولم أر في كتب الرجال بهذا الاسم في أصحاب أبيجعفر عليه السلام ، والظاهر أنّ التاء فيه زائدة من سهو النسّاخ ، وأنّه ميسّر بفتح الميم وسكون الياء المنقّطة تحتها نقطتين ، أو بضمّ الميم وفتح الياء وكسر السين المشدّدة على الخلاف في تصحيحه ، وهو ميسّر بن عبدالعزيز النخعي المدائني بيّاع الزطّيّ من أصحاب الباقرين عليهماالسلام ، وقد حكى الكشّي رحمه الله عن عليّ بن الحسن توثيقه ، وروي في مدحه أخبار متعدّدة لاتنقص عن التوثيق ( (2) ) . وكذا الظاهر عليّ بن أبي المغيرة ، فإنّ الشيخ روى هذا الخبر بهذا السند عن عليّ بن أبيالمغيرة ، عن ميسّر ( (3) ) ، ووثّقه العلّامة في الخلاصة ( (4) ) ، وابن داوود ( (5) ) على ما حكى

.


1- .. لم أجد في أصحاب الإمام الهادي عليه السلام رجل بهذا الاسم .
2- .. في هامش النسخ ومتن «ب» مع التصريح في هامشه بأنّه يكتب في الهامش : منها ما رواه في الصحيح عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «رأيت كأنّي على رأس جبل والناس يصعدون عليه من كلّ جانب حتّى إذا كثروا تطاول بهم في السماء، وجعل الناس يتساقطون عنه من كلّ جانب حتّى لم يبق منهم إلّا عصابة يسيرة ، يفعل ذلك خمس مرّات ، وفي كلّ ذلك يتساقط الناس عنه ، وتبقى تلك العصابة عليه ، أما إنّ ميسر بن عبدالعزيز وعبداللّه بن عجلان في تلك العصابة» ، فما مكث بعد ذلك إلّا نحوا من سنتين حتّى هلك صلوات اللّه عليه . [ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 512 ، الرقم444 ] . وعن ميسّر ، قال : قال لي أبوعبداللّه عليه السلام : «رأيت كأنّي على جبل فجيء الناس فيركمونه ، فإذا كثروا تصاعد بهم الجبل فتنتشرون عنه ويسقطون ، لم يبق إلّا عصابة يسيرة أنت منهم وصاحبك الأحمر؛ يعني عبداللّه بن عجلان» . [ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 512 ، الرقم444 ] . وعنه ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : قال لي : «يا ميسّر ، إنّي لأظنّك وصولاً لقرابتك ؟» قلت : نعم ، جعلت فداك ، لقد كنت في السوق وأنا غلام واُجرتي درهمان ، وكنت اُعطي واحدا عمّتي ، وواحدا خالتي . فقال : «أما واللّه لقد حضر أجلك مرّتين في كلّ ذلك يؤخّر» . [ اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 513 ، الرقم447 ] .
3- .. في هامش «أ» : «رواه في ذيل تحقيق الكعبين بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عليّ بن أبيالمغيرة ، عن ميسّر ، عن أبيجعفر عليه السلام . ورواه في ذيل غسل الوجه والذراعين مرّة مرّة أيضا ، إلّا أنّ ميسّر هنا في أكثر نسخه مع الهاء وفي بعضها بدونها . منه عفي عنه» . وانظر: تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 75 ، ح 189 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 69 ، ح 210 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 435 ، ح 1141 .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 106 ، الفصل 6 ، الباب 1 ، ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة .
5- .. رجال ابن داود ، ص 75 ، الرقم 436 ، ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة .

ص: 287

عنهما الفاضل الإسترآبادي ، فالخبر صحيح . قوله في صحيحة حمّاد بن عثمان : (يعني به التعدّي في الوضوء ) . [ ح8/3928 ] هو من كلام المصنّف أو بعض الرواة تفسيرا للحدث ، وقد مرّ معنى التعدّي في الوضوء . ويحتمل أن يعني به معناه المشهور ، فإنّ للمحدث حكما آخر أيضا وهو غسل اليدين قبل الاغتراف ، على ما سبق . وقيل : يحتمل أن يراد به الذنب مطلقا صغيرة كان أو كبيرة ، فالمراد بالموصول النبيّ وأهل بيته عليهم السلام . قوله : (عن عبدالكريم) . [ ح 9 / 3929 ] هوعبدالكريم بن عمرو الملقّب بكرّام ؛ بقرينة رواية البزنطي ، وهو واقفي إجماعا ( (1) ) ، موثّق عند النجاشي ( (2) ) ، وخبيث على قول الكشّي رحمه الله ( (3) ) ، وتوقّف بعض فيروايته ( (4) ) . وقوله : «هذا» دليل من المصنّف ، و«أنّه قال» بيان للذي جاء ، و«إن هو لم يقنعه» خبر إنّ في «إنّ الّذي جاء» ، والظاهر زيادة كلمة «إنّ» هنا من قلم النسّاخ ، فتأمّل .

.


1- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 830 ، الرقم 1049 ؛ رجال الطوسي ، ص 339 ، الرقم 5051 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 381 ، الباب 12 ، الرقم 5 ؛ رجال ابن داود ، ص 257 ، الرقم 310 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 448 ، الرقم 327 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 245 ، الرقم 645 .
3- .. لم أجده في رجال الكشّي ، نعم هذا التعبير موجود في رجال الطوسي ، ص 339 ، الرقم 5051 .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 381 ، الباب 12 ، الرقم 5 .

ص: 288

[باب] حدّ الوجه الذي يغسل والذراعين ، وكيف يغسل

[باب] حدّ الوجه الذي يغسل والذراعين ، وكيف يغسلفيه مسائل : الاُولى : الوجه الواجب غسله في الوضوء عند أهل البيت عليهم السلام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن طولاً وما دارت عليه الإبهام والوسطى عَرضا ، وبه قال مالك ( (1) ) ،

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 150 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 21 ؛ تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 83 ؛ بداية المجتهد ، ف ج 1 ، ص 13 ؛ بلغة السالك ، ج1 ، ص 41 .

ص: 289

ويدلّ عليه حسنة حريز ، ويؤيّدها بعض آخر من أخبار الباب ، وما سبق . والظاهر أنّ المراد بالإدارة الإرسال والإسدال كما ورد فيخبر حكاية وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسَدله على أطراف لحيته ، وتفسيرها بوضع وسط الكفّ على مارن الأنف وإدارة الإبهام والوُسطى على الوجه على شكل الدائرة بعيد ومناف للاحتياط ؛ لخروج مثلّثين من جانبي الصُدغين . وفي المنتهى : ولا يجب غسل ما خرج عنه ولا يستحبّ كالعذار _ وهو النابت على العظم الناتئ الذي هو سمت الصماخ ، وما انحطّ عنه إلى وتد الاُذُن وما بينه وبين الاُذُن من البياض لا على الأمرد ولا على الملتحي ، وبه قال مالك ( (1) ) ، وقال الشافعي : يجب غسله عليهما ( (2) ) ، وقال أبو يوسف : يجب على الأمرد خاصّة ( (3) ) ، ولا العارض وهو ما نزل عن حدّ العذار وهو النابت على اللحيين ، ولا الصدغ وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الاُذُن ، وينزل عن رأسها قليلاً ، ولا النزعَتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس في جانبي الرأس ، ولا التحذيف وهو الشعر الداخل في الوجه ما بين انتهاء العذار والنزعة المتّصلة بشعر الرأس ، وليس دليل شرعي عليها . انتهى ( (4) ) . أقول: أمّا الصدغ فحسنة زرارة ( (5) ) تدلّ على خروجه، ويؤيّدها التحديد بما دارت عليه الإبهام والوُسطى ، والشهرة ، بل ادّعي إجماع أهل العلم عليه ، نعم حكى في الذكرى عن ظاهر الراوندي دخوله في حدّ الوجه ( (6) ) ، وحكى في [ فتح ]العزيز عن بعضهم وجها بأنّه من الوجه ( (7) ) ؛ وكأنّه مبنيّ على تفسير الصدغ بما بين العين إلى شحمة الاُذُن

.


1- .. بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 13 ، المسألة الرابعة ؛ بلغة السالك ، ج 1 ، ص 41 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 373 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 373 .
3- .. نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 188 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 373 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 24 .
5- .. وهو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي .
6- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 123 ؛ فقه القرآن ، ج 1 ، ص 13 .
7- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 339 .

ص: 290

كما فُسِّرَ به في نهاية ابن الأثير ( (1) ) . وأمّا العذار فخروجه عنه ظاهر الأصحاب ، ولم ينقل عن أحد منهم فيه خلاف ؛ وكأنّ مستندهم عليه ما ذكر من التحديد . وأمّا العارض فقد قطع الشهيدان بوجوب غسله ( (2) ) ، واختاره المحقّق الشيخ عليّ ( (3) ) ، ويدلّ عليه التحديد المذكور . وأمّا مواضع التحذيف فالمشهور بين الأصحاب خروجها أجمع ، وقيل بدخولها كذلك ؛ لتحديد أعلى الوجه بمنابت شعر الرأس وهي تحتها . وفي الذكرى : «والأحوط أنّها من الوجه ؛ لاشتمال الإصبعين على طرفها ، ولوقوعها في التسطيح والمواجهة» ( (4) ) ، ولايبعد القول بالفصل بدخول طرفها ذلك وخروج طرفها الآخر ؛ لما عرفت . وفي [ فتح ]العزيز : «وأمّا مواضع التحذيف فهل هو من الوجه أو الرأس ؟ فيه وجهان ، قال ابن شريح وغيره : هو من الوجه ؛ لمحاذاته بياض الوجه ، ولذلك يعتاد النساء والأشراف( (5) ) إزالة الشعر عنه ولهذا سمّي مواضع التحذيف ، وقال أبوإسحاق وغيره : هو من الوجه ؛ لنبات الشعر عليه متّصلاً بسائر شعر الرأس ، والأوّل هو الأظهر عند المصنّف ، والذي عليه الأكثرون هو الثاني» ( (6) ) . وقد بقي حكم الاُذنين ، فقد أجمع الأصحاب على خروجهما عن الوجه رأسا وعمّا يجب مسحه من الرأس ، ويدلّ عليه زائدا على التحديد موثّق زرارة ( (7) ) ، وما يأتي

.


1- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 339 .
2- .. النهاية ، ج 3 ، ص 17 (صدغ) .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 122 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 36 .
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 213 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 123 .
6- .. «أ» : «والأسراف».
7- .. وهو الحديث 1 من الباب ، فإنّه يدلّ على أنّهما ليسا من الوجه ، ويدلّ أيضا ح 10 من الباب الذي رواه ف أيضا زرارة على أنّهما ليسا من الوجه ولا من الرأس .

ص: 291

في الباب الآتي من حسنة محمّد بن مسلم ( (1) ) ، والأخبار الواردة في المسح على مقدم الرأس . نعم ، روى الشيخ عن عليّ بن رئاب ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : الاُذنان من الرأس ؟ قال : «نعم» . قلت : وإذا مسحت رأسي مسحت اُذني ؟ فقال : «نعم ، كأنّي أنظر إلى أبي في عنقه عُكنة ( (2) ) وكان يُحفي رأسه إذا جزّه ، كأنّي أنظر والماء ينحدر على عاتقه» ( (3) ) . وحملت على التقيّة . وأمّا العامّة ، فقد قال _ طاب ثراه _ : لا خلاف عندهم في أنّ طهارة الاُذنين مشروعة لكن اختلفوا ، فقال مالك والكافّة : «هما من الرأس ، ومسحهما بماء جديد سنّة» ( (4) ) ، وقال ابن حبيب : «ومن لم يجدّده فكمن لم يمسح» ( (5) ) ، وفي بعض كتبهم : «تجديده مستحبّ» ، وقال بعض شيوخهم : «مسحهما معه بدون تجديد ماء يجزي» ، وقال عبدالوهّاب ( (6) ) : «مسح داخلهما سنّة ، واختلف في ظاهرهما ، فقيل : سنّة ، وقيل : فرض» ( (7) ) ، وقال ابن القصّار ( (8) ) : «لا خلاف

.


1- .. وهي الحديث 2 من الباب الآتي .
2- .. العُكنة : في الأصل الطي الذي في البطن من السمن ، والمراد به هنا ما كان في العنق . راجع : منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 152 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 169 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 64 ، ح 188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1052 .
4- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 433 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 413 . وفي الأخير : «قال الأكثرون : هما من الرأس» .
5- .. راجع: مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 375 .
6- .. أبومحمّد عبدالوهّاب بن عليّ بن نصر أبومحمّد الفقيه المالكي ، له نظم ومعرفة بالأدب ، صنّف في مذهب المالكي كتبا ، منها : الأشراف على مسائل الأعلام ، التلقين ، الخلاف ، شرح المدوّنة ، غرر المحاضرة ، مسائل المناظرة ، النصرة لمذهب مالك . ولي قضاء بادرايا وباكسايا بالعراق ، وخرج في آخر عمره إلى مصر فمات بها في شهر صفر سنة 422 ه ق ، وله ستّون سنة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 429 _ 432 ، الرقم287 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 4 ، ص 184 .
7- .. مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 375 .
8- .. القاضي أبوالحسن عليّ بن عمر بن أحمد ابن القصّار البغدادي شيخ المالكيّة بها ، ولي قضاء بغداد وكان أفقه المالكيّين بها ، له كتاب في مسائل الخلاف كبير ، مات في ثامن ذي القعدة سنة 397 ه ق . راجع : تاريخ بغداد ، ج 12 ، ص 40 _ 41 ، الرقم 6406 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 17 ، ص 107 _ 108 ، الرقم 67 .

ص: 292

أنّ من اقتصر على مسحهما ولم يمسح الرأس لايجزيه عن مسح الرأس» . وقال الزهري ( (1) ) : «هما من الوجه يغسل ظاهرهما وباطنهما ؛ لما رواه مسلم عن النبيّ صلّى اللّه عليه [ وآله ] أنّه سجد فقال : «سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره» ( (2) ) ، وقال الشعبي والحسن بن صالح وإسحاق [ بن راهويه ] ( (3) ) : «ما أقبل فمن الوجه يغسل ، وما أدبر فمن الرأس يمسح» ( (4) ) ، وقال الشافعي : «مسحهما على حيالهما سنّة» ( (5) ) . ثمّ الظاهر أنّه لايجب تخليل شعر اللحية ولا الشارب ولا العنفقة ( (6) ) والأهداب والحواجب وإن كانت خفيفة أو كانت اللحية للمرأة ، وقد صرّح بذلك العلّامة في المنتهى ( (7) ) والتحرير ( (8) ) ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط ( (9) ) والسيّد في الناصريّات ( (10) ) والشهيد في الذكرى ( (11) ) ، ورجّحه الشهيد الثاني في شرح اللمعة ( (12) ) ، ويدلّ عليه صحيحة العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، وما رواه الشيخ عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال :

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 24 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 413 (وفيه : هما من الوجه يغسلهما) ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6 ، ص 60 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 199 ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 69 ، المحرّر الوجيز لابن عطيّة ، ج 2، ص 61 .
3- .. صحيح مسلم ، ج 2 ، ص 185 ، باب الدعاء في صلاة الليل . ورواه أحمد في المسند ، ج 1 ، ص 95 و102 ، وج 6 ، ص 217 ؛ وابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 335 ، ح 1054 ؛ والنسائي في سننه ، ج 2 ، ص 221 .
4- .. تقدّمت ترجمته .
5- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 199 ؛ أحكام القرآن لابن العربي ، ج 2 ، ص 69 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 414، ولم يذكر فيهما قول إسحاق ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 443 عن الحسن بن صالح وحده .
6- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 443 ؛ التمهيد ، ج 4 ، ص 40 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 6 ، ص 60 .
7- .. العنفقة : الشعر الذي في الشفة السفلى ، وقيل : هي الشعر الذي بينها وبين الذقن ، وأصل العنفقة خفّة الشيء وقلّته . النهاية ، ج 3 ، ص 309 (عنفق) .
8- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 77 (142) .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 20 .
10- .. الناصريّات ، ص 114 _ 115 ، وظاهر كلامه اختصاص حكم عدم وجوب التخليل باللحية الكثيفة .
11- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 124 .
12- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 324 .

ص: 293

«إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» ( (1) ) ، وقد روى الشيخ فيالصحيح ما رواه المصنّف في صدر الباب عن زرارة وزاد في آخره : قال زرارة : قلت له : أرأيت ما أحاط به الشعر ؟ فقال : «كلّ ما أحاط اللّه به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ، ولكن يجري عليه الماء» ( (2) ) . ورواه الصدوق أيضا بهذه الزيادة ( (3) ) ، ويؤيّدها قوله عليه السلام : «وسدله على أطراف لحيته» في حسنة زرارة في الباب السابق ( (4) ) ، وما رواه الجمهور من وصف وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث لم يذكر التخليل فيهما ، وما رواه ابن عبّاس عنه صلى الله عليه و آله أنّه توضّأ فغرف غرفة غسل بها وجهه ( (5) ) ، فقد ذكر في المنتهى «من المستحيل إمكان غسل الوجه وإيصال الماء إلى ما تحت الشعر بكفّ واحدة» ( (6) ) ، واستثنى بعض الأصحاب الشعر الخفيف فأوجب تخليله وهو ماترى البشرة منه في مجلس التخاطب ، ذهب إليه الشهيد في اللمعة ( (7) ) والعلّامة في القواعد ( (8) ) ، وحكاه في المختلف ( (9) ) عن ابن الجنيد ورجّحه ؛ محتجّا بأنّ الأمر قد تعلّق بغسل الوجه وإنّما يصار إلى غسل اللحية لانتقال اسم الوجه إليها ، وإنّما يحصل لها ذلك الاسم مع الستر ، وأمّا مع عدمه فالمواجه هو الوجه دون اللحية . وهو محكيّ عن أبيحنيفة والشافعي ( (10) ) ، والظاهر أنّ هؤلاء في صورة خفّة بعض وكثافة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 78 _ 19 ، ح 202 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 67 ، ح 201 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ح 1129 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 364 _ 365 ، ح 1106 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 476 ، ح 1264 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 44 _ 45 ، ح 88 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 476 ، ح 1265 .
4- .. وهي ح 4 من الباب السابق .
5- .. السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 86 ، ح 105 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 74 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 37 _ 38 ، ح 137 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 25 .
7- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 324 .
8- .. القواعد ،ج 1 ، ص 202 .
9- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 280 و281 .
10- .. المغني ، ج 1 ، ص 101 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 427 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 80 .

ص: 294

بعض آخر منها كانوا يقولون بوجوب تخليل ذلك البعض الخفيف دون الكثيف إلّا جزء منه من باب المقدّمة ، ولم أر تصريحا من الأصحاب باستثناء لحية المرأة ، نعم يوهمه عبارة القواعد حيث قال : «لايجب غسل مسترسل اللحية ولا تخليلها ، وإن خفّت وجب ، وكذا لو كانت للمرأة» ( (1) ) ، فإنّ الظاهر عطف قوله : «وكذا لو كانت للمرأة» على قوله : «خفّت» ، لكنّ الأظهر أنّه عطفه على الجملة السابقة لبيان اشتراكها مع لحية الرجل في الحكم ، وقد قال به بعض العامّة ، واستثنى أكثر العامّة غير اللحية مطلقا خفيفا كان أو كثيرا ؛ محتجّين بأنّ كثافتها على خلاف الغالب . وقوله عليه السلام : «من قصاص شعر الرأس إلى الذقن» ظاهره وجوب الابتداء من القصاص ، ويؤيّده أخبار حكاية وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأميرالمؤمنين عليه السلام ، وفي بعضها : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» ، وهو المشهور ، وحكى الشهيد في الذكرى عن السيّد المرتضى ( (2) ) وابن إدريس ( (3) ) جواز النكس ؛ مستندين بعموم بعض ما ذكر من الأخبار ، وبصحيح حمّاد بن عثمان عن الصادق عليه السلام : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبرا» ( (4) ) ، وأجاب عن العموم بأنّه مخصوص بالدليل ، وعن الصحيح بعدم الدلالة ؛ إذ المسح غير الغسل ( (5) ) . الثانية : وجوب البدأة في غسل اليد من المرفقين ؛ لما سبق في حكايات وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله من قوله عليه السلام : «ولا يردّ الماء إلى المرفقين» ( (6) ) ، هذا وضوء لايقبل اللّه

.


1- .. القواعد ،ج 1 ، ص 202 .
2- .. الانتصار ، ص 16 .
3- .. السرائر ، ص 17 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 58 ، ح 161 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1054 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 121 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 168 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 56 ، ح 158 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1030 ، والمذكور في الجميع حكاية فعل الإمام عليه السلام حين أراد عليه السلام بيان فعل النبيّ صلى الله عليه و آله .

ص: 295

الصلاة إلّا به» ، ويؤكّدها خبر الهيثم بن عروة( (1) ) . وذهب السيّد في الانتصار ( (2) ) والناصريّات ( (3) ) إلى استحباب ذلك وأحال احتجاجه على كتبه الاُخرى . فإن قيل ( (4) ) : كلا القولين على خلاف ما دلّ عليه الدليل القطعي ؛ وهو الآية الكريمة ؛ فإنّها دلّت على وجوب البدأة من الأصابع والانتهاء إلى المرافق ، وما ذكر من أدلّتهما ظنّيّة لاتعارض القطعي . لأنّا نقول : ليس الأمر كذلك ؛ فإنّ الابتداء والانتهاء يحتمل أن يكونا للمغسول ، على أنّ «إلى» قد جاء بمعنى «مع» على ما صرّح به في [ فتح ] العزيز ، قال : قال اللّه تعالى : «وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ » ( (5) ) ، وكلمة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى : «وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَ لَهُمْ إِلَى أَمْوَ لِكُمْ » ( (6) ) ، وقوله [ عزّ اسمه ] : «مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ » ( (7) ) ، وهو المراد هنا ؛ لما روي من أنّه صلى الله عليه و آله كان إذا توضّأ أمرّ الماء على مرفقيه ، وروي أنّه أدار الماء على مرفقيه ثمّ قال : «هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلّا به» ( (8) ) . فهي وإن كانت قطعيّة المتن لكنّها ظنّيّة الدلالة ، فيصحّ تأويلها بأدلّة دلالتها قطعيّة بل متنها أيضا ؛ لإجماع أهل العلم من الفريقين على روايتها ، ولذا قال صاحب كنز العرفان ( (9) ) : «الآية لا تدلّ على الابتداء بالمرافق ولا الأصابع» ، ويؤيّد ذلك أنّ أحدا من العلماء لم يقل بوجوب البدأة من الأصابع بل أجمعوا على مشروعيّة البدأة بالمرافق

.


1- .. وهو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الانتصار ، ص 99 كيفيّة غسل اليدين .
3- .. الناصريّات ، ص 118 غسل اليدين .
4- .. في هامش «ج» : «لا يقال _ ظ» .
5- .. المائدة (5) : 6 .
6- .. النساء (4) : 2 .
7- .. آل عمران (3) : 52 .
8- .. فتح العزيز ، ج 1 ، ص 347 .
9- .. صاحب كنز العرفان هو الشيخ مقداد بن عبداللّه السيوري الأسدي الحلّي المعروف بالفاضل المقداد ، من تلاميذ الشهيد الأوّل ، توفّي في سنة 826 ه ق ، وتقدّمت ترجمته .

ص: 296

وإنّما اختلفوا فيتعيين هذه ، فاشتهر هو بين الأصحاب ، وذهب جماعة منهم إلى استحبابه كما عرفت ، وأجمع العامّة على استحباب عكسها ، فتأمّل . وهل يجب غسل المرفق أصالة ؟ نفاه جماعة ( (1) ) ؛ نظرا إلى خروج الغاية عن المُغيّا ، وقيل به بناء على أنّ إلى بمعنى مع ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل لا أعرف مخالفا له منهم سوى العلّامة في المنتهى ( (2) ) حيث أوجبه من باب المقدّمة . وفي كنز العرفان : والحقّ أنّها للغاية ولايقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها ولا خروجه عنه ؛ لوروده معهما ، أمّا الدخول فكقولك : حفظت القرآن من أوّله إلى آخره ، ومنه : «سُبْحَ_نَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا » ( (3) ) ، وأمّا الخروج فك_ «أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ » ( (4) ) ، و «فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ » ( (5) )، والدخول مستفاد من بيان النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ فإنّه ابتدأ بالمرفقين وأدخلهما وقد قال : «هذا وضوء لا يقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به. انتهى . والظاهر الدخول هنا ألبتّة ؛ لأنّ الحدّ فيه من جنس المحدود ، وقد نقل عن سيبويه ( (6) ) أنّه قال : «إن كان الحدّ من جنس المحدود دخل الغاية كقولك : بعتك هذا الثوب من

.


1- .. نسبه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 33 _ 34 إلى بعض أصحاب مالك وابن داود وزفر ، فانظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 13 ، فإنّه نسب الخلاف إلى بعض متأخّري أصحاب مالك وبعض أهل الظاهر والطبري ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 4 ، فإنّه حكى الخلاف عن زفر ؛ المغني ، ج 1 ، ص 107 ، فإنّه نسب الخلاف إلى بعض أصحاب مالك وابن داوود وحكى عن زفر ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 385 ، فإنّه حكى الخلاف عن زفر وأبيبكر بن داوود .
2- .. راجع: منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 35 ، والظاهر من كلامه أنّه موافق لمذهب الأصحاب .
3- .. الإسراء (17) : 1 .
4- .. البقرة (2) : 187 .
5- .. البقرة (2) : 280 .
6- .. عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي أبوبشر أو أبوالحسن البيضاوي الشيرازي ، الملقّب بسيبويه ، إمام النحاة وأوّل من بسط علم النحو ، ولد في بيضاء شيراز ، وقدم البصرة فلزم الخليل وأخذ عنه ، وصنّف كتابه المسمّى «كتاب سيبويه» في النحو ، وقد كثرت كلمات علماء النحو في مدح كتابه ، ولهم عليه شروح وتعليقات ، وكان شابّا أنيقا جميلاً كأنّ في خدوده لون التفّاح ، ورحل إلى بغداد فناظر الكسائي ثمّ رجع إلى فارس ، توفّي حدود سنة 180 ه ق وهو شابّ ، وقبره بشيراز ، وقيل في محلّ وفاته ودفنه غير ذلك . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 8 ، ص 351 _ 352 ، الرقم 97 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 329 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 81 .

ص: 297

هذا الطرف إلى ذلك الطرف ، وإلّا فلا كما في آية الصوم ( (1) )» ( (2) ) . قوله في خبر السكوني : (ولكن شنّوا الماء شنّاً) . [ ح 3/3933 ] في نهاية ابن الأثير : وفيه : إذا حمّ أحدكم فليشنّ عليه الماء ، أي فليرشّه عليه رشّا متفرّقا ، الشنّ : الصبّ المنقطع ، والسنّ : الصبّ المتّصل ، ومنه حديث ابن عمر : كان يسنّ الماء على وجهه ولا يشنّه ، أي يجريه عليه ولا يفرّقه ( (3) ) . قوله في خبر محمّد بن إسماعيل بن بزيع : (فرض اللّه تعالى على النساء) إلخ . [ ح 6/3936 ] المراد بالفرض هنا تأكّد الاستحباب ، وظاهره استحباب ما قرّره على النساء والرجال من غير فرق بين الغسلتين ، وهو ظاهر المفيد ( (4) ) والشيخ في التهذيب ( (5) ) والنهاية ( (6) ) والمحقّق في النافع ( (7) ) ، وحكاه الشهيد عن الأكثر ( (8) ) ، وفرّق في المبسوط ( (9) ) بينهما ، فقال باستحباب ما ذكر في الغسلة الاُولى وباستحباب عكسه في الثانية ، وتبعه أكثر المتأخّرين منهم الشهيد في اللمعة ( (10) ) وابن إدريس وابن زهرة ( (11) )

.


1- .. البقرة (2) : 187 .
2- .. لم أعثر على مصدر لكلام سيبويه ، نعم أورده العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 386 ، ولم يذكر له قائل معيّن ، ونسبه ابنا قدامة في المغني ، ج 1 ، ص 108 ؛ والشرح الكبير ، ج 1 ، ص 132 إلى المبرّد .
3- .. النهاية ، ج 2 ، ص 507 (شنن) .
4- .. المقنعة ، ص 43 _ 44 ، كتاب الطهارة ، الباب 4 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 _ 77 .
6- .. النهاية ، ص 13 ، وعبارته تدلّ على الفرق بين الغسلتين حيث قال : «. . . ثمّ يغسله دفعة اُخرى بكفّ من الماء يضعه على باطن ذراعه فيغسلها من المرفق إلى أطراف الأصابع» .
7- .. المختصر النافع ، ص 6 .
8- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 185 .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 20 _ 21 .
10- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 ؛ ومثله في الدروس ، ج 1 ، ص 93 .
11- .. الغنية ، ص 61 ، فرائض الوضوء .

ص: 298

والفاضلان ( (1) ) والكيدري ( (2) ) على ما حكي عنهم في الذكرى ( (3) ) . قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (قال : سألته عن الأقطع اليد والرجل ؟ قال : يغسلهما) . [ ح 7/3937 ] قال _ طاب ثراه _ : «يعني موضع القطع أو ما بقي» . أقول : لا ريب في أنّ من قطعت يده من دون المرفق وجب عليه غسل ما بقي ، وكذا لو اقطعت يده من مفصل المرفق وجب غسل الباقي منه ؛ لأنّه مجموع عظم العضد وعظم الذراع ، وصرّح به الشيخ في المبسوط ( (4) ) ، وعدّ في الذكرى أقرب ( (5) ) ، وهو واضح على ما ذهب إليه الأكثر من وجوب غسل المرفق أصالة ، وإن قطعت من فوق المرفق فالمشهور أنّه لايجب عليه شيء ، ويستحبّ له غسل ما بقي من العضد ، ويدلّ عليه هذه الحسنة ، وحسنة رفاعة ( (6) ) ، وصحيحة عليّ بن جعفر ( (7) ) ، وإنّما حملت على الاستحباب ؛ لخروج العضد عن محلّ الفرض ، وأصالة البراءة . وفي المبسوط :«ويستحبّ له أن يمسحه بالماء» ( 8 ) . وحكى في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : «إذا كان أقطع من مرفقه غسل ما بقي من

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 185 .
2- .. شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي ، ج 1 ، ص 24 ؛ المعتبر له أيضا ، ج 1 ، ص 167 ؛ تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلّي ، ج 1 ، ص 202 ؛ النهاية له أيضا ، ج 1 ، ص 57 .
3- .. إصباح الشيعة ، ص 30 . والكيدري هذا هو الشيخ الفقيه ، قطب الدين أبوالحسن محمّد بن الحسين بن الحسين الكيدري البيهقي ، تلميذ ابن حمزة الطوسي ، كان معاصرا للقطب الدين الراوندي ، وأقواله في الفقه مشهورة منقولة في كتب الفقه ، وله من التصانيف : الإصباح في الفقه ، أنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول ، شرح نهج البلاغة ، وغير ذلك . فرغ من شرح نهج البلاغة في سنة 576 ، والكيدر من قرى بيهق . راجع : الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 74 ؛ أعيان الشيعة ، ج 9 ، ص 250 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 21 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 134 .
6- .. وهي الرواية 8 من هذا الباب من الكافي .
7- .. وهي الرواية 9 من هذا الباب من الكافي .

ص: 299

باب مسح الرأس والقدمين

عضده» ( (1) ) . وظاهره الوجوب ، وهو بعيد . وأمّا مقطوع الرِجل ، فلا نصّ صريح في لزوم مسح ما خرج عن محلّ الفرض ولا على استحبابه ، نعم قال الصدوق بعد ما حكى صحيحة عليّ بن جعفر : «وكذلك روي في قطع الرجل» ( (2) ) ، وكأنّه أشار بها إلى هذه الحسنة . والتمسّك بها في ذلك الحكم المخالف للأصل مشكل ؛ لاشتمالها على غسل الرجل وهو خلاف المذهب ، إلّا أن يحمل على التقيّة ، والظاهر أنّ المراد منها غسل ما أبين من اليد والرجل ؛ لاشتمالهما على العظم ، وهذا القول جار في حسنة رفاعة أيضا ، وقد حملهما على ذلك جدّي المحقّق من اُمّي قدس سره في شرح الفقيه . وأمّا أقطع اليدين جميعا ، فالظاهر سقوط مسح الرأس والرجلين عنه إلّا أن يجد من يمسحهما متبرّعا ، أو باُجرة يقدر عليها على احتمال . وأمّا غسل الوجه ، فلا يسقط عنه على حال ؛ لإمكان وضعه وجهه في الماء .

باب مسح الرأس والقدمينأجمع الأصحاب على وجوب مسح بشرة مقدّم الرأس وشعره المختصّ به( (3) ) وعدم إجزاء المسح على اُمّ الرأس أو خلفه أو على أحد جانبيه ، واختلفوا في قدر الواجب منه ، فالمشهور إجزاء المسمّى واستحباب ثلاثة أصابع مضمومة طولاً وعرضا ، وبه قال الشيخ في المبسوط( (4) ) والخلاف( (5) ) ، والشهيد( (6) ) والعلّامة( (7) ) فيما رأيت من كتبهما ، والمفيد

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 287 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 84 ، ح 99 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 479 ، ح 1272 .
3- .. اُنظر : الخلاف ، ج 1 ، ص 83 ، المسألة 32 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 163 ، المسألة 47 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 22 .
5- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 79-80 ، المسألة 29 .
6- .. البيان ، ص 9 ؛ الذكرى ، ج 2 ، ص 137 .
7- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 79 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1 ، ص 161 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 203 .

ص: 300

في المقنعة( (1) ) ، واختاره الصدوق( (2) ) ، وحكي عن مصباح السيّد المرتضى( (3) ) ، واعتبر العلّامة في المختلف( (4) ) في جانب القلّة مقدار عرض الإصبع ، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى( (5) ) ، و به صرّح في الدروس( (6) ) ، وقال الشيخ في النهاية : «والمسح بالرأس لايجوز أقلّ من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار ، فإن خاف البرد من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة»( (7) ) . وهو متفرّد في هذا القول . وحكى في المنتهى( (8) ) عن السيّد المرتضى أنّه ذهب في خلافه إلى وجوب الثلاث من غير تفصيل ، وعن أبيحنيفة في إحدى الروايتين عنه وجوب مسح ربع الرأس( (9) ) ، وعن الشافعي إجزاء المسمّى( (10) ) ، وعن بعض الحنابلة وجوب مسح الناصية( (11) ) ، وعن أحمد في قولٍ وجوب مسح أكثر الرأس ، وفي قول آخر عنه وعن مالك وجوب مسح جميعه( (12) ) . وحكى _ طاب ثراه _ عن ابن مسلمة وجوب مسح ثلثيه( (13) ) ، وعن أبيالفرج إجزاء ثلثه .

.


1- .. المقنعة ، ص 44 ، و ظاهر عبارته وجوب ثلاث أصابع .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 45 ، ذيل ح 88.
3- .. حكاه العلّامة في المنتهى ، ج 2 ، ص 45 . وقاله أيضا المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 24) .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 289 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 135 .
6- .. الدروس ، ج 1 ، ص 92 ، الدرس 3 .
7- .. النهاية ، ج 2 ، ص 13 .
8- .. المنتهى ، ج 2 ، ص 45 .
9- .. عنه في الخلاف ، ج 1 ، ص 82 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 399 ؛ إعانة الطالبين ، ج 4 ، ص 252 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 63 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 354 .
10- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 41 ؛ مختصر المزني ، ص 3 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 353 .
11- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 63 .
12- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 399 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 354 .
13- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 399 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 63 عن سالك وحده .

ص: 301

لناعلى وجوب مسح مقدّم الرأس الأمر به في صحيحة محمّد بن مسلم ، والخبر الذي بمعناه فيما سيأتي عن حمّاد بن عيسى ، ويؤيّده قوله عليه السلام : «ومسح مقدّم رأسه» في حكايات وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله المتقدّمة . وصريح في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «مسح الرأس على مقدّمه» . فأمّا ما رواه الشيخ ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى مرفوعا ، عن أبيبصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في مسح الرأس ومسح القدمين ، قال : «مسح الرأس واحدة من مقدّم الرأس ومؤخّره ، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما»( (1) ) ، فمع ضعفه ، ظاهر في التقيّة ، وعلى إجزاء المسمّى قوله تعالى : «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ » ( (2) ) ؛ لأنّ الباء فيه للتبعيض ، فلقد روى المصنّف( (3) ) والصدوق( (4) ) والشيخ( (5) ) في الحسن عمّن جاز قصبات السبق في مضمار الفصاحة والبلاغة الإمام الهمام أبيجعفر باقر علوم الأنبياء والمرسلين أنّه استدلّ على إجزاء مسح بعض الرأس والرجلين في الوضوء وبعض الوجوه والأيدي في التيمّم بالباء التبعيضيّة في آيتيهما ، ويؤكّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين أنّهما سألا أباجعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى أن انتهى إلى قوله تعالى : «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ » ، قال عليه السلام : «فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من رجليه ما بين الكعبين إلى آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه»( (6) ) . وفي الصحيح عنهما ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : «في المسح تمسح على النعلين

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 82 ، ح 215 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 61 ، ح 181 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1079 .
2- .. المائدة (5) : 6 .
3- .. هو الحديث 5 من باب صفة الوضوء .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 103 ، ح 212 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 61 ، ح 168 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 76 ، ح 191 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 273 ، ح 1023 .

ص: 302

ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك»( (1) ) . وعن حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما عليهماالسلام ، في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة ، قال : «يرفع العمامة قدر ما يدخل إصبعه فيمرّه على مقدّم رأسه»( (2) ) . وفي الاستبصار : «فيمسح على مقدّم رأسه»( (3) ) . وعلى استحباب مقدار ثلاث أصابع ؛ الجمع بين ما ذكر وبين خبر معمّر بن عمر( (4) ) وحَسَن زرارة( (5) ) . واحتجّ من قال بالتبعيض من الجمهور على ما زعموا من التخيير بين مقدّم الرأس وغيره بإطلاق «الرؤوس» في الآية . والجواب أنّ التقييد بالمقدّم يستفاد من دليل آخر كفعله صلى الله عليه و آله ، وقد قال : «هذا وضوء لايقبل اللّه تعالى الصلاة إلّا به» . ومن قال منهم بوجوب مسح جميع الرأس زعم أنّ الباء في الآية للإلصاق يعني التعدية ، وأنكر كونها لتبعيض أحد معانيها ؛ مستندا بإنكار سيبويه ذلك في سبعة عشر موضعا من كتابه ، وهو مكابرة غير مقبول في مقابل أقوال فحول العلماء من اللغويين والاُدباء ، فقد عدّ ابن هشام ( (6) ) في المغني التبعيض من جملة معانيها وقال : «أثبت ذلك

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 90 ، ح 237 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 61 ، ح 182 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 414 ، ح 1076 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 90 ، ح 238 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 411 ، ح 1068 ، وفيهما : «فيمسح» بدل «فيمرّ» .
3- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 60 ، ح 178 .
4- .. هو الحديث الأوّل من باب مسح الرأس والقدمين .
5- .. هو الحديث الخامس من الباب .
6- .. عبداللّه بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي ، مشارك في النحو والمعاني والبيان والعروض واللغة ، ولد بمصر وأقام بمكّة وتوفّي بمصر في سنة 761 ، له من التصانيف : مغني اللبيب ، التحصيل ، أوضح المسالك إلى ألفيّة ابن مالك ، شذرات الذهب في معرفة كلام العرب ، قطر الندى ، شرح التسهيل ، شرح الجامع الصغير لمحمّد بن الحسن الشيباني . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 451 _ 452 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 6 ص 163 ؛ الأعلام للزركلي : ج 4 ص 147 .

ص: 303

الأصمعي والفارسي والقتيبي ( (1) ) وابن مالك ( (2) ) ، قيل : والكوفيّون أيضا» ( (3) ) . ومجيئها لذلك في كلام الفصحاء والبلغاء من العرب العرباء أكثر من أن يحصى ، ومنها قوله ( 4 ) : شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت[ متى لجج خضر لهنّ نئيج ] وقوله ( (4) ) : [ فلثمت فاها آخذا بقرونها ]شُرب النزيف بماء الحشرج ( (5) ) وعُدّ في القاموس منها هذه الآية ، وقوله تعالى : «عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ » ( (6) ) . وأظنّ أنّ إنكار سيبويه ذلك إنّما كان لنصبه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام لمّا اشتهر

.


1- .. تقدّمت ترجمتهم .
2- .. أبوعبداللّه محمّد بن عبداللّه بن مالك الجياني الأندلسي الشافعي ، ولد بجيان من بلاد الأندلس، وقدم دمشق وتصدّر بها ، ثمّ جاء حلب وتصدّر بها أيضا ، واشتغل بفقه الشافعي، توفّي سنة 672 بدمشق ، من تصانيفه : الألفيّة ، الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة ، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، مختصر الشاطبيّة في القراءات . راجع : الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 400 _ 401 ؛ كشف الظنون ، ج 1 ص 405 ؛ هديّة العارفين ، ج 2 ، ص 130 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 10 ، ص 234 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1 ، ص 232 _ 234 .
3- .. مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 105 ، حرف الباء ، الباء المفردة .
4- .. اختلف في اسم القائل ، فقال بعض هو عمر بن أبيربيعة . راجع : صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 306 (حشرج) ؛ لسان العرب ، ج 2 ، ص 237 . وقال بعض هو جميل بن معمر . راجع : كتاب العين ، ج 6 ، ص 33 (شرج) ؛ صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 2027 (لثم) ؛ لسان العرب ، ج 12 ، ص 533 . وفي غريب الحديث للحربي ، ج 1 ، ص 138 : «أنشد ابن الأعرابي لرجل من طيّ» ، وذكر هذا البيت من الشعر .
5- .. كلا البيتين مذكورة في مغني اللبيب ، وما بين المعقوفات منه ومن سائرالمصادر .
6- .. القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 408 .

ص: 304

عنهم عليهم السلام أنّها له في هذه الآية ، ويؤيّده ذلك مبالغته في هذا الأمر حيث ذكره في سبعة عشر موضعا مع أنّه لم يكن دأبه تكرار مسألة في كتابه ذلك التكرارَ . على أنّ الباء التي للإلصاق والتعدية تدلّ على تضمين الفعل معنى الإلصاق ، فكأنّه قيل : وألصقوا المسح برؤوسكم ، وذلك لايقتضي الاستيعاب ، بخلاف «وامسحوا رؤوسكم» ؛ فإنّه كقوله : «واغسلوا وجوهكم» كما ذكره البيضاوي في توجيه الباء التبعيضيّة ( (1) ) . ولمّا رأى بعضهم أنّه لا معنى للإلصاق هنا ؛ إذ «مسح» إنّما يتعدّى بنفسه ، قال : إنّها للاستعانة ، وأنّ في الكلام حذفا وقلبا ، والتقدير : امسحوا رؤوسكم بالماء كما في قوله : «[ كما ] طيّنت بالفدن السياعا» ( (2) ) ، ولمّا رأوا ذلك أيضا مستهجنا حكموا بزيادتها . لايقال : قد ورد من طريق الأصحاب ما يدلّ على وجوب مسح الرأس كلّه ، فقد روى الشيخ عن الحسين بن أبيالعلاء ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «امسح الرأس على مقدّمه ومؤخّره» ( (3) ) ، وهو صحيح بناء على تزكية السيّد جمال الدين ( (4) ) إيّاه في البُشرى على ما حكاه عنه ابن داوود ( (5) ) ، ويؤيّده خبر العكنة ( (6) ) المتقدّم . قلنا : الخبران غير قابلين للمعارضة لما ذكر ، أمّا الأوّل فلانحصار مزكّي الحسين في واحد ، وأمّا الثاني فلوجود يونس في طريقه ، وهو مشترك ، فلعلّه يونس بن أبيإسحاق السبيعي ، وهو كان عامّيا شديد التعصّب في مذهبه على ما حكاه النجاشي عن ابن نوح بإسناده عن شبابة بن سوار ، قال : قلت ليونس بن أبيإسحاق : ما لكَ

.


1- .. تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 299 _ 300 ، في تفسير آية الوضوء .
2- .. شاعره القطامي كما في الفائق للزمخشري ، ج 2 ، ص 407 ؛ وصحاح اللغة للجوهري ، ج 3 ، ص 1234 (سيع) ، ومصرعه الأوّل : «فلمّا أن جرى سمن عليها» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 170 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 411 ، ح 1071 .
4- .. تقدّمت ترجمته .
5- .. رجال ابن داود ، ص 79 ، الرقم 468 .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 64 ، ح 188 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1052 .

ص: 305

لا تروي عن ثوير يعني ابن أبي فاختة ، فإنّ إسرائيل يروي عنه ؟ فقال : ما أصنع به وكان رافضيا ( (1) ) . وفي رجال الفاضل الاسترآبادي والكشّي أيضا مايناسب ذلك . وفي الخلاصة : «نحن من المتوقّفين في روايته» . ويحتمل غيره أيضا من الضعفاء . وإن احتمل يونس بن يعقوب الذي صحّحناه آنفا ، وعلى تقدير صحّتهما فالظاهر ورودهما على التقيّة . ثمّ إنّ الأصحاب اختلفوا في جواز مسح الرأس مدبرا ، فمنعه الشيخان في المقنعة والخلاف والصدوق في الفقيه ( (2) ) ، وهو محكيّ في المختلف ( (3) ) عن السيّد المرتضى ( (4) ) وابن حمزة ( (5) ) ، وعن ابن إدريس كراهته ( (6) ) ، وإليها ذهب الشيخ في المبسوط( (7) ) ، وهو الأظهر ؛ لإطلاق أكثر الأخبار الواردة فيه . ولصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبرا» ( (8) ) . وأمّا مسح القدمين ، فالآية تدلّ على وجوب مسحهما طولاً من الأصابع إلى الكعبين . ويدلّ أيضا عليه صحيحتا أحمد بن محمّد بن أبينصر ويونس ( (9) ) ، وما رواه الشيخ

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 118 ، الرقم 303 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 45 ، ذيل ح 88 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 291 .
4- .. الانتصار ، ص 103 .
5- .. الوسيلة ، ص 50 .
6- .. اُنظر : السرائر ، ج 1 ، ص 100 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 21 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 58 ، ح 161 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 169 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1054 .
9- .. هما الحديثين 6 و7 من هذا الباب من الكافي .

ص: 306

عن عثمان بن عيسى ، عن ابن اُذينة ، عن بكير وزرارة ابنَي أعين ، أنّهما سألا أباجعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدعا بطست أو بتَور ( (1) ) فيه ماء ، فغسل كفّيه ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في التَور فغسل وجهه بها ، واستعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لايردّ الماء إلى المرفقين ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكفّ لايردّ الماء إلى المرفق كما صنع باليُمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه ، ولم يجدّد ماء ( (2) ) . واحتمل الشهيد في الذكرى ( (3) ) إجزاء مسمّى المسح فيما بين الأصابع والكعبين وقال : «ومنعه في المعتبر ( (4) ) بعد التردّد ؛ محتجّا بأنّه لابدّ من الإتيان بالغاية ، ولا ريب أنّه أحوط وعليه عمل الأصحاب» . انتهى ( (5) ) . وهل يجزي النكس ؟ فظاهر الأكثر وأكثر الأخبار المتقدّمة عدمه ، وإليه مال الشهيد في الدروس ( (6) ) ، ونسبه في الذكرى ( (7) ) إلى ظاهر كلام السيّد ( (8) ) والصدوق ( (9) ) ، وهو ظاهر المفيد والشيخ في المقنعة ( (10) ) ، وصرّح في النهاية ( )

.


1- .. التَور : إناء صغير من صُفر أو حجارة كالإجّانة تشرب العرب فيه وقد تتوضّأ منه . لسان العرب ، ج 4 ، ص 96 (تور) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 36 ، ح 158 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 168 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 392 ، ح 1030 .
3- .. الذكرى ،ج 2 ، ص 135 .
4- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 145 .
5- .. الذكرى ،ج 2 ، ص 153 .
6- .. الدروس ، ج 1 ، ص 92 .
7- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 155 .
8- .. الانتصار ، ص 29 .
9- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 28 . 10 . المقنعة ، ص 48 .
10- . ) والخلاف ( . الخلاف ، ج 1 ، ص 92 ، م 40 . 12 . النهاية ، ص 14 .

ص: 307

الأوّل ، وبذلك جمع في التهذيب (1) بين ما ذكر وبين صحيحة يونس وما مرّ من قوله عليه السلام : «لا بأس بمسح الوضوء مقبلاً ومدبرا» ، وهو منسوب في الذكرى إلى المشهور (2) . وفي المختلف : «الذي اخترناه في كتبنا مثل منتهى المطلب (3) والتحرير (4) وقواعد الأحكام (5) والتلخيص وغيرها (6) أنّه يجوز المسح على الرجلين منكوسا على كراهية» (7) . وحكاه عن ابن أبيعقيل وابن البرّاج (8) والسلّار (9) ، ثمّ صرّح بندبيّة البدأة بالأصابع (10) . ولايجب استيعاب ظهر القدم عرضا ، فقد صرّح جماعة منهم الشيخان (11) بجواز المسمّى ولو بإصبع واحدة وباستحباب الاستيعاب ، ولم أجد مخالفا صريحا له . وبذلك جمعوا بين الأدلّة الظاهرة في إجزاء المسمّى وبين صحيح أحمد بن محمّد بن أبينصر الظاهر في الاستيعاب . وقد ورد في بعض الأخبار مسح ظاهر القدمين وباطنهما جميعا ، وهو ما تقدّم من مرسلة أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبيبصير ، وقد سبق القول فيه . وما رواه الشيخ عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن محمّد بن عمران ، عن زرعة ، عن سماعة بن مهران ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا توضّأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما» ، ثمّ قال : «هكذا» ، فوضع يده على الكعبين وضرب الاُخرى على باطن

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 57 _ 58 ، ح 161 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 153 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 75 .
4- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 80 .
5- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 203 .
6- .. كنهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 164 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 294 .
8- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 44 .
9- .. المراسم ، ص 38 .
10- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 296 .
11- .. المقنعة ، ص 48 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 92 _ 93 ، م 40 .

ص: 308

قدميه ثمّ مسحهما إلى الأصابع (1) . وهو ضعيف جدّا ؛ لاشتماله على بكر بن صالح ، وقد ضعّفه النجاشي (2) ، وقال [ ابن ]الغضائري : «هو ضعيف جدّا كثير التفرّد بالغرائب» (3) . ونقل مثله عن الخلاصة (4) . وعلى الحسن بن محمّد بن عمران ، وعُدّ من المجاهيل (5) ، ويظهر من بعض الأخبار غاية ذمّه ، روى الكشّي رحمه الله في ترجمة زكريّا بن آدم عن محمّد بن إسحاق والحسن بن محمّد بن أبيطلحة ، قالا : خرجنا بعد وفاة زكريّا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحجّ ، فتلقّانا كتاب في بعض الطريق فإذا فيه : «ذكرت ما جرى من قضاء اللّه في الرجل المتوفّى ، رحمة اللّه عليه يوم وُلِد ويوم قُبض ويوم يُبعث حيّا ، فقد عاش أيّام حياته عارفا بالحقّ قائلاً به ، صابرا محتسبا للحقّ ، قائما بما يجب للّه عليه ولرسوله ، ومضى رحمة اللّه عليه غير ناكث ولا مبدّل ، جزاه اللّه أجر نيّته ، وأعطاه خيرا ينفعه ، وذكرت الرجل الموصى إليه ولم أجد فيه رأينا وعندنا من المعرفة به أكثر ممّا وصفت» يعني الحسن بن محمّد بن عمران (6) . وفي الاستبصار : «الوجه في هذا الخبر حمله على التقيّة ؛ لأنّه موافق لمذاهب بعض العامّة ممّن يرى المسح على الرِجلين ويقول باستيعاب الرجل» (7) . وفي المنتهى : «لو وجب مسح الجميع لزم خرق الإجماع ؛ لأنّ الناس قائلان : منهم من أوجب المسح ولم يوجب الاستيعاب ، ومنهم من لم يوجبه فقال بالاستيعاب ، فلو

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 245 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 62 ، ح 185 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 415 ، ح 1078 .
2- .. رجال النجاشي ، ص 109 ، الرقم 276 .
3- .. رجال ابن الغضائري، ص 44، الرقم 19؛ وعنه ابن داود في رجاله، ص 234، الرقم 80 .
4- .. خلاصة الأقوال ، ص 327 ، الرقم 2 .
5- .. اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 6 ، ص 39 ، الرقم 3123 .
6- .. إختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 858 ، الرقم 1114 .
7- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 62 ذيل الحديث 185 . ومثله في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 92 ، ذيل الحديث 245 .

ص: 309

قلنا بوجوب الاستيعاب مع وجوب المسح كان ذلك خرقا للإجماع» (1) . وفيه تأمّل . ثمّ المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الرأس والرجلين ببقيّة نداوة الوضوء ، والأخبار إنّما دلّت على كفايتها ، ولم أجد نهيا عن استيناف ماء له ، وكأنّهم تمسّكوا في ذلك بمداومتهم عليهم السلام على المسح بها . وبالوضوء البياني ، وقد قال صلى الله عليه و آله : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» . وفصّل ابن الجنيد فقال _ على ما حكي عنه في المختلف _ (2) : «إذا كان بيد المطهّر نداوة يستبقيها من غسل يديه مسح بيمينه رأسه ورجله اليُمنى ، وبيده اليسرى رجله اليسرى ، وإن لم يستبق أخذ ماء جديدا لرأسه ورجليه» ، واحتجّ عليه بما رواه معمّر بن خلاّد في الصحيح ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام : أيجوز للرجل يمسح قدميه بفضل رأسه ؟ فقال برأسه : لا ، فقلت : بماء جديد ؟ فقال برأسه: نعم (3) . وخبر شعيب العقرقوفي ، عن أبيبصير ، والظاهر أنّه يحيى بن القاسم ، وفيه كلام ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن مسح الرأس ، قلت : أمسَحُ بما في يدي من الندى رأسي ؟ قال : «لا ، بل تضع يدك في الماء ثمّ تمسح» (4) . وحملهما الأكثر على التقيّة ، والخبر الأوّل ظاهر فيها ، على أنّهما دلاّ على المسح بماء جديد مع وجود نداوة الوضوء في اليد ، وهو لايقول به . وظاهر المحقّق الأردبيلي في آيات الأحكام وجود قول نادر من الأصحاب بجواز

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 71 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 296 ؛ وحكاه أيضا في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 54 ؛ وعنه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 247 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 58 ، ح 163 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 58 _ 59 ، ح 173 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1061 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 59 ، ح 164 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 59 ، ح 174 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 408 _ 409 ، ح 1060 .

ص: 310

الاستيناف مطلقا ، ولم أجده . وفي المنتهى (1) : «أوجب الجمهور الاستيناف إلّا مالكا ؛ فإنّه أجاز المسح بالبقيّة ، وهو منقول عن الحسن وعروة والأوزاعي 2 » . وردّ عليهم بما نقلوه عن عثمان ، قال : «مسح رسول اللّه صلى الله عليه و آله مقدّم رأسه بيده مرّة واحدة ولم يستأنف له ماء جديدا» (2) . وعلى المشهور لو لم يبق نداوة في اليد يأخذها من أعضاء الوضوء ، ومع عدمها فيها يستأنف الوضوء إلّا مع الضرورة كالحرّ والريح الشديدين ، فيستأنف حينئذٍ ماء جديدا للمسح ، وبذلك جمعوا بين ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : ربّما توضّأت فنفد الماء ، فدعوت الجارية فأبطأت عَلَيّ بالماء فيجفّ وضوئي ؟ قال : «أعِد» (3) . وفي الموثّق عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك ، فأعِد وضوءك ؛ فإنّ الوضوء لايبعّض» (4) . وما رواه في الصحيح عن حريز في الوضوء يجفّ ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ؟ قال : «جفّ أو لم يجفّ اغسل ما بقي» . قلت : وكذلك غسل الجنابة ؟ قال : «هو بتلك المنزلة ، وابدأ بالرأس ثمّ أفض على سائر جسدك» . قلت :

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 53 .
2- .. كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 443 _ 444 ، ح 26890 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 138 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 112 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 88 ، ح 231 ؛ وص 98 ، ح 256 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 72 ، ح 221 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 447 ، ح 1177 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 87 ، ح 230 ؛ وص 98 ، ح 255 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 446 ، ح 1176 . ورواه الصدوق في الباب 214 من علل الشرائع ، ح 2 .

ص: 311

باب مسح الخفّ

وإن كان بعض يوم ؟ قال : «نعم» (1) . حملاً للأخير على ما إذا تتابع المتوضّئ أعضاءه من غير فصل لكن جفّفته الريح الشديدة أو الحرّ العظيم . فرع : الظاهر أنّه لايشترط فيالمسح ببقيّة البلل عدم تحقّق الغَسل كالدهن ؛ لأنّ التكليف بالمسح بحيث لايحصل معه ذلك ويظهر البلل عليه تكليف شاقّ يأبى عنه الملّة الحنيفيّة ، ولصدق المسح معه عرفا بل لغة أيضا . فإن قيل : التقابل بينه وبين الغسل في الآية والأخبار دليل على مغايرتهما وتحقّق مسمّى الغسل ينافيه . قلنا : الظاهر أنّ المقابلة باعتبار النيّة ، أو باعتبار عدم جواز المسح في المغسول ، أو باعتبار عدم وجوب الغسل في الممسوح ، ولعلّه على هذا المعنى ورد صحيحة زرارة عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قال لي : «لو أنّك توضّأت فجعلت مسح الرجلين غسلاً ثمّ أضمرت أنّ ذلك من المفروض ، لم يكن ذلك بوضوء» (2) . فما ذكر في المسالك من اشتراط ذلك بعيد ، نعم يمكن كونه أحوط لو أمكن تحقّقه ، فتأمّل .

باب مسح الخفّمن ضروريّات مذهب أهل البيت عليهم السلام وجوب المسح على بشرة القدمين وعدم جوازه على حائل خُفّا كان أو جوربا أو غيرهما ، سفرا وحضرا اختيارا ، وجوازه لضرورة للتقيّة والبرد ونحوهما (3) ، وهو عقيدة مالك في آخر عمره (4) ، وكان قائلاً

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 88 ، ح 232 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 72 ، ح 222 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 447 ، ح 1178 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 66 ، ح 186 ؛ وص93 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 220 ، ح 1099 .
3- .. اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 172 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 303 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 223 .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 204 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 78 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 484 هامشه ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 19 ، حكى عنه المنع مطلقا ؛ وفي بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 7 عن مالك : «يجوز للمسافر ولا يجوز للمقيم» ، وحكي في المجموع ، ج 1 ، ص 476 عن مالك ستّة أقوال : أحدها عدم الجواز مطلقا ، وخامسها جوازه للمسافر دون المقيم .

ص: 312

بالمسح على الخفّين ابتداء ، خلافا لباقي الفقهاء حيث قالوا بالتخيير بين غسل الرجلين والمسح على الخفّين (1) ، واحتجّوا على جوازه بما رواه أبوسعيد البدري (2) والمغيرة بن شعبة (3) أنّه صلى الله عليه و آله مسح على الخفّين ، ونعم [ ما ] قال الصدوق رضى الله عنه : «إنّه لم يعرف للنبيّ صلى الله عليه و آله خفّ إلّا خفّا أهداه له النجاشي وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقا ، فمسح النبيّ صلى الله عليه و آله على رجليه وعليه خفّاه ، فقال الناس : إنّه مسح على خفّيه» (4) . وقد نقلوا هم عن عائشة أنّه قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره» (5) . وعنها أنّها قالت : لئن أمسح على ظهر عَير (6) بالفلاة أحبّ إلِيّ من أن أمسح على خفّي (7) . وعنها أنّها قالت : لئن تسقط رجلاي بالمواسي أحبّ إلَيّ من أن أمسح على

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 173 ؛ التفسير الكبير ، ج 11 ، ص 163 ، المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 97 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 7 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 18 ؛ بلغة السالك ،ج 1 ، ص 58 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 283 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 148 .
2- .. كذا في جميع النسخ ، ومثله في منتهى المطلب للعلاّمة الحلّي ، ج 2 ، ص 80 . ولم أجد له ترجمة ، والظاهر أنّه مصحّف عن «أبيمسعود البدري» ، وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري ، نزل الكوفة ، واستخلفه أميرالمؤمنين عليه السلام عليها عند ما صار إلى صفّين ، مات سنة 40 ه ق ، وقيل: قبله وقيل : بعده . راجع : اُسد الغابة ، ج 3 ، ص 419 ؛ تهذيب الكمال ، ج 20 ، ص 215 _ 218 ، الرقم 3984 .
3- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 42 ، ح 156 ؛ المستدرك للحاكم، ج 1 ، ص 170 . وعنهما البيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 284 ؛ وص 58 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 92 ، ح 130 ؛ أمالي المحاملي ، ص 258 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 4 ، ص 64 ؛ المعجم الكبير له أيضا ، ج 20 ، ص 280 و414 و427 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 200 ، ح 728 ؛ وص 729 و730 ؛ مسند أبيحنيفة لأبينعيم ، ص 85 و86 و256 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 48 ، ذيل ح 97 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 461 ، ح 1221 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 98 ، ح 96 ؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 93 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 460 ، ح 1220 .
6- .. العير : الحمار الوحشي . وفي هامش «ج» : «يعني عير الفلاة ، ويحتمل أن يقرأ : عنزة بالعين المهملة والزاي المعجمة والتاء المنقّطة بنقطتين من فوق . منه ره» .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 98 ، ح 97 ؛ الأمالي للصدوق ، المجلس 93 .

ص: 313

الخفّين (1) . وقد نقلوا أيضا عنه صلى الله عليه و آله في الوضوء البياني أنّه مسح على الرجلين وقال : «هذا وضوء لايقبل اللّه الصلاة إلّا به» (2) ، وقد سبق . وعن عليّ عليه السلام ، أنّه قال : «ما اُبالي أمسحت على الخفّين أو على ظهر عَير بالفلاة» (3) . وعن ابن عبّاس ، أنّه قال : «سبق كتاب اللّه المسح على الخفّين» (4) . ومن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، وما رواه الشيخ عن رقبة بن مصقلة (5) ، قال : دخلت على أبيجعفر عليه السلام ، فسألته عن أشياء ، فقال : «إنّي أراك ممّن يفتي في مسجد العراق ؟» فقلت : نعم ، فقال : «مَن أنت ؟» فقلت : ابن عمّ لصعصعة . فقال : «مرحبا بك يابن عمّ صعصعة» . فقلت له : ما تقول في المسح على الخفّين؟ فقال : «عمر كان يراه ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ، وكان أبي لايراه في سفر ولا حضر» . فلمّا خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب فقال لي : «أقبل يابن عمّ صعصعة» . فأقبلت عليه فقال : «إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطئون ويصيبون ، وكان أبي لايقول برأيه» (6) .

.


1- .. الناصريّات ، ص 131 ؛ غنية النزوع ، ص 60 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 80 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 98 ؛ التفسير الكبير ، ج 11 ،6 ص 163 ، في تفسير الآية 6 من سورة المائدة ، وفي الأخيرين : «لأن تقطع قدماي أحبّ . . .» . ونحوه في المصنفّ لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 214 ، الباب 217 ، ح 10 .
2- .. المسائل الصاغانيّة للشيخ المفيد ، ص 117 ؛ المسح على الرجلين ، ص 17 ، وقد تقدّم .
3- .. المعتبر ، ص 153 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 173 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 80 ، ولم أجده في المصادر الحديثيّة . وفي النهاية لابن الأثير ، ج 3 ، ص 328 (عير) : «العير : الحمار الوحشي ، . . . [ ومنه ] حديث عليّ : لأن أمسح على ظهر عَير بالفلاة» ، ومثله في لسان العرب ، ج 4 ، ص 62 (عير) .
4- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 273 ، وفيه : «سبق الكتاب . . .» ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 213 ، ح 4 بلفظ : «سبق الكتاب الخفّين» . وروي نحوه عن عليّ عليه السلام في : تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1091 ؛ وص 362 ، ح 1092 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 16 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 458 ، ح 1212 .
5- .. رقبة بن مصقلة من رجال العامّة وثقاتهم ، وكان مفتيا بالكوفة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 6 ، ص 156 ، الرقم69 ؛ تاريخ الإسلام ، ج 2 ، ص 424 ، الرقم 4 ؛ تهذيب الكمال ، ج 9 ، ص 219 _ 221 ، الرقم 1923 ؛ تاريخ أسماء الثقات ، ص 88 ، الرقم 373 ؛ التعديل والتجريح ، ج 2 ، ص 606 ، الرقم377 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1089 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 459 _ 460 ، ح 1216 .

ص: 314

وفي الصحيح عن الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن المسح على الخفّين ؟ فقال : «لاتمسح» ، وقال : «إنّ جدّي قال : سبق الكتاب الخفّين» . وقال : «لاتمسح على خُفّ» (1) . وعن أبيالورد ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليّا عليه السلام أراق الماء ثمّ مسح الخفّين ! فقال : «كذب أبوظبيان ، أما بلغكم قول عليّ عليه السلام : فيكم سبق الكتاب الخفّين؟» فقلت : فهل فيها رخصة ؟ فقال : «لا ، إلّا من عدوّ تتّقيه ، أوثلج تخاف على رجليك» (2) . ومعنى قوله عليه السلام : «سبق الكتاب الخفّين» أنّه نسخ المسح عليهما ، وعبّر عن النسخ بالسبق ؛ فإنّ الناسخ مقدّم في الاعتبار على المنسوخ ، ويفهم منه أنّ المسح عليهما كان جائزا ثمّ نسخ ، ويدلّ عليه صحيح زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وفيهم عليّ عليه السلام ، فقال : ماتقولون في المسح على الخفّين ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمسح على الخفّين . فقال عليّ عليه السلام : قبل المائدة أو بعدها ؟ فقال : لا أدري . فقال عليّ عليه السلام : سبق الكتاب الخفّين ؛ إنّما اُنزلت المائدة قبل أن تقبض بشهرين أو ثلاثة» (3) . وعن عليّ عليه السلام : «أنّه نسخ الكتاب المسح على الخفّين» (4) . وروي أنّه لمّا روى أبوسعيد البدري أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مسح على الخفّين ، قال له عليّ عليه السلام :«قبل نزول المائدة أو بعده ؟» فسكت أبوسعيد (5) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1088 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 459 ، ح 1213 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 362 ، ح 1092 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 76 ، ح 36 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 458 ، ح 1211 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 361 ، ح 1091 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 458 ، ح 1212 .
4- .. الناصريّات ، ص 130 _ 131 . وورد بلفظ «سبق الكتاب . . . » في : الإرشاد للشيخ المفيد ، ج 2 ، ص 161 ؛ الجعفريّات ، ص 24 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 335 ، ح 768 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 272 ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 1 ، ص 339 _ 340 و346 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 80 ، وأورده في التذكرة ، ج 1 ، ص 172 _ 173 ، وفيه : «أبومسعود البدري» ، ومثله ف في الذكرى للشهيد ، ج 2 ، ص 156 _ 157 .

ص: 315

باب الجبائر والقروح والجراحات

وكان ذلك صار سببا لاختلاف الاُمّة ؛ لعدم اطّلاع أكثرهم على النسخ . ولايبعد أن يقال : إنّه عليه السلام إنّما قال ذلك على سبيل التنزّل ، وإلّا فقد ظهر من الأخبار تعيّنه رأسا . [قوله] في حسنة زرارة : (ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحدا) . [ ح 2/3954 ] استشكل ذلك لوجوب التقيّة مطلقا لا سيّما فيما عدا شرب المسكر . واُجيب بوجهين : أحدهما أنّه لايضطرّ إلى شيء من هذه الثلاثة ؛ أمّا شرب المسكر ؛ فلأنّ العامّة لايوجبونه مطلقا وإن جوّزه بعضهم في النبيذ (1) ، وكذا مسح الخفّين ؛ فإنّهم وإن أوجبوه لكن على التخيير بينه وبين غسل الرجلين ، فحين التقيّة يمكن غسلهما ، وأمّا متعة الحجّ ؛ فلأنّهم يحجّون قرانا بمعنى جمع العمرة والحجّ بنيّة واحدة وإحرام واحد وسياق هدي ، ولا فارق بينه وبين حجّ التمتّع إلّا بتقصير بعد الطواف والسعي ونيّة إحلال وإحرام جديد للحجّ ، والنيّة أمر قلبي لايُطّلع عليه ، والتقصير يمكن إخفاؤه ، وفي حجّ الإفراد يستحبّون قدوم مكّة وطوافا وسعيا له ، على أنّهم لايحرّمون التمتّع يل يجوّزونه إجماعا منهم وإن عدّوا القِرانَ أفضل منه . وثانيهما : ما فهمه زرارة وحاصله أنّه عليه السلام إنّما نفى التقيّة فيهنّ عن نفسه ، ولم يقل : «لا تتّقوا فيها» ، وإنّما نفاها عن نفسه ؛ لعلمه عليه السلام بأنّه لايضطرّ إليها وإن وجبت على غيره .

باب الجبائر والقروح والجراحاتمن كان على بعض أعضاء طهارته جبيرة من قرح أو جرح أو طلي دواء ونحوها ، ففيالغُسل وأعضاء الغَسل من الوضوء إن أمكن نزعها وغَسل البشرة يتخيّر المتطهّر بين نزعها وتكرير الماء عليها حتّى يصل إلى البشرة بشرط طهارة المحلّ ، وإن تعذّر

.


1- .. المجموع للنووي، ج 2 ، ص 564 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 24 ، ص 20 .

ص: 316

النزغ تعيّن التكرير ، وإن تعذّرا مسح على ظاهرها . وفي أعضاء المسح من الوضوء إن أمكن النزع والمسح على البشرة ، وإلّا مسح على الجبيرة ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب (1) ، وهو المستفاد من أخبار الباب الدائرة بين الصحيح والحسن . وممّا رواه الشيخ من حسنة كليب الأسدي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : «إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ» 2 . وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الجنب به الجرح فيتخوّف الماء إن أصابه . قال : فقال : «لايغسله إن خشي على نفسه» (2) . وحسنة الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام عن الداء إذا كان على يدي الرجل الخرقة يمسح على طلي الدواء ؟ (3) فقال : «نعم ، يجزيه أن يمسح عليه» (4) . وخبر محمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : في الرجل يحلق رأسه ثمّ يطليه بالحنّاء ويتوضّأ للصلاة ، فقال : «لا بأس بأن يمسح رأسه والحنّاء عليه» (5) . وصحيحة عمر بن يزيد ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحنّاء

.


1- .. اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 207 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 363 ، ح 1099 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 261 ، ح 2106 .
3- .. في المصدر : «سألت أباالحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يد الرجل أيجزيه أن يمسح على طلي الدواء ؟» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 364 ، ح 1105 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 465 _ 466 ، ح 1235 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1081 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 232 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 465 ، ح 1205 .

ص: 317

ثمّ يبدو له في الوضوء ، قال : «يمسح فوق الحنّاء» (1) . فقد حملهما الشيخ على ما إذا تعذّر نزع الحنّاء وإيصال الماء إلى البشرة ، وقال : وإذا لايمكن إيصال الماء إلى البشرة من غير مشقّة فلايجوز غيره ؛ مستندا بمارواه مرسلاً عن أبيعبداللّه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمّ يبدو له في الوضوء ، قال : «لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه الماء» (2) . وروى في الذكرى من طريق العامّة أنّ عليّا عليه السلام قال : «انكسر إحدى زَندَيَ فسألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأمرني أن أمسح على الجبائر» . وقال : الزند : عظم الذراع ، وتأنيثه بتأويل الذراع (3) . وقد روي في بعض الأخبار العدول إلى التيمّم في الجنب ، رواه الشيخ في الصحيح عن داوود بن سرحان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ؛ في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد ، قال : «لاتغتسل ويتيمّم» (4) . وفي الحسن عن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» (5) . وعن محمّد بن مسكين وغيره ، عن أبيعبد اللّه عليه السلام ، قال : قيل له : إنّ فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات ، فقال : «قتلوه ، ألاّ سألوا ؟ ألاّ يمّموه ؟ إنّ شفاء

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1079 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 232 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 455 _ 456 ، ح 1204 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 ، ح 1080 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 76 ، ح 234 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 196 _ 197 . والحديث في مسند زيد بن عليّ ، ص 83 ، ومن طريقه رواه ابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 215 ، ح 657 ؛ والدارقطني في سننه ، ج 1 ، ص 233 ، ح 867 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 228 ، كتاب الطهارة ؛ وفي معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 300 ، ح 343 ؛ وأورده الشافعي في الاُمّ ، ج 1 ، ص 60 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 409 ؛ والعلّامة في التذكرة ، ج 1 ، ص 207 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 ، ح 531 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 348 ، ح 3831 .
5- .. وهو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 ، ح 533 ، وفيه : «إذا أصابتهما الجنابة» ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 347 و348 ، ح 3827 و3833 .

ص: 318

العَيّ السؤال» (1) . قال : وروي ذلك في الكسير والمبطون : «يتيمّم ولايغتسل» (2) . وعن ابن أبيعمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يتيمّم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة» (3) . ولايبعد الجمع بالقول بالتخيير بين التيمّم والغسل فيه ، وبه يشعر ما يرويه المصنّف في باب الكسير والمجدور من صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن الجنب يكون به القروح ، قال : «لا بأس بأن لايغتسل ويتيمّم» (4) . وما رواه في الذكرى عن جابر أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال في المشجوج لمّا اغتسل من احتلامه فمات لدخول الماء شجّته : «إنّما كان يكفيه أن يتيمّم ويعصب على رأسه خرقة ثمّ يمسح عليها ويغسل سائر جسده» (5) . وهو أظهر في المراد ؛ فإنّ الواو في قوله عليه السلام : «ويعصب» بمعنى أو ، وحملها على الجَمع بعيد ؛ للأصل . وربما جمع بينها وبين ما تقدّمها بحمل هذه على ما إذا تضرّر بغسل ما حولها ، وهو أيضا جيّد ؛ فإنّ ما حولها حينئذٍ عضو مريض فيتعيّن التيمّم حينئذٍ ؛ لعموم قوله تعالى : «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى » إلى قوله : «فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (6) ، وقد صرّح بذلك المحقّق في المعتبر ، هذا في الغسل (7) .

.


1- .. هذا هو الحديث 5 من الباب الكافي . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 107 ، ح 219 ؛ والشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 184 ، ح 529 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 346 ، ح 3824 .
2- .. المصادر المتقدّمة غير الفقيه .
3- .. مكرّر لما تقدّم آنفا .
4- .. وهو الحديث الأوّل من الباب .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 199 . سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 85 ، ح 336 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص227 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 302 ، ح 346 .
6- .. النساء (4) : 43 ؛ والمائدة (5) : 6 .
7- .. «أ» : - «هذا في الغسل» .

ص: 319

وأمّا الوضوء ، فلم أجد خبرا دالاًّ على التيمّم فيه ، فالظاهر تحتّم الجبيرة فيه بمقتضى ما ذكر من الأخبار ، وإنّما التيمّم فيه في المريض فقط . واعلم أنّ ظاهر صحيحتي عبدالرحمان بن الحجّاج وعبداللّه بن سنان وحسنة الحلبي جواز الاكتفاء بغسل ما عدا موضع الجبيرة ، وبه قال الشهيد في الذكرى (1) ، مخصّصا إيّاه بما لو لم يكن على الجرح خرقة ، وكأنّه أراد بذلك ما لو يتمكّن من وضع الخرقة عليه وما يشبهه من طلي الدواء . وقال صاحب المدارك : «ولولا الإجماع المدّعى على وجوب المسح على الجبيرة لأمكن القول بالاستحباب والاكتفاء بغسل ما حولها» (2) . ثمّ اعلم أنّ ظاهر إطلاق الأخبار ثبوت حكم الجبيرة وإن استوعبت محلّ الفرض ، وصرّح به الشهيد في الذكرى (3) ، والعلّامة في المنتهى (4) ، وهل يجب استيعاب المسح على الجبيرة في مواضع الغسل ؟ حكى في الذكرى (5) عن الفاضلين (6) وجوبه وحسّنه ؛ عملاً بظاهر كلمة «عليها» ، ولأنّه بدل ممّا يجب إيعابه ، وعُدّ في المبسوط أحوط (7) . وأمّا في موضع المسح فالظاهر وفاقهم على عدم وجوبه كأصله ، وربما قيل بعدم وجوبه مطلقا ؛ لصدق المسح على الجبيرة بالمسح على أكثر أجزائها ، وهو الأظهر ؛ لتعذّر الإيعاب الحقيقي في المسح بخلاف الغسل . وظاهر الأخبار إجزاء الصلاة التي صلّيت بالجبائر وعدم وجوب إعادتها ، وقد أجمعت الاُمّة عليه إلّا ما حكاه في المنتهى (8) عن الشافعيّة من وجوب إعادتها مطلقا ،

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 197 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 238 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 198 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 130 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 199 .
6- .. المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 409 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 207 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
8- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 128 . بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 14 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، 324 ؛ مغني المحتاج ، ف ج 1 ، ص 107 .

ص: 320

أومع نجاسة المحلّ ، بل صرّح جماعة من الأصحاب بعدم وجوب إعادة الوضوء أيضا عند زوال العذر ؛ لأنّه قد ارتفع حدثه بذلك الوضوء (1) . وقال الشيخ في المبسوط بوجوب إعادته (2) ، وتبعه جماعة (3) ، وربما علّل ذلك بأنّه لايرفع الحدث ؛ قياسا على وضوء المستحاضة ، وهو ضعف في ضعف ، هذا . ولو كانت الجبيرة على موضع التيمّم فيمسح عليها كما في الطهارة المائيّة ، صرّح به جماعة منهم الشهيد في الذكرى (4) ، ولم أجد مخالفا لهم ، ووجهه ظاهر . [قوله] في صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج : (يغسل ما وصل إليه الغُسل) . [ ح 1/3955 ] في نهاية ابن الأثير : «الغُسل _ بالضمّ _ : الماء الذي يغتسل به كالاُكل لما يؤكل ، وهو الاسم أيضا من غسلته ، والغَسل بالفتح المصدر ، وبالكسر ما يُغسل به من خطميّ وغيره» (5) . وقوله : «يعبث» _بالجزم _ عطف على «ينزع» ، وفي التهذيب : «ولايعبث» (6) . وليس الخبر صريحا في عدم وجوب المسح على الجبيرة ، والاكتفاء بغسل ما حوله وإن احتمله ؛ لاحتمال أن يراد من قوله : «ويدع ما سوى ذلك» أنّه لايغسله ، لا أنّه يدعه مطلقا ؛ للجمع ، ولعلّ في الخبر إشعارا بذلك . وكذا قوله عليه السلام : «واغسل ما حوله» في حسنة الحلبي (7) .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 199 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 303 ؛ الذكرى ، ج 2 ، ص 201 ؛ المدارك ، ج 1 ، ص 240 .
4- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 18 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 82 ؛ الرسائل العشر لابن فهد ، ص 42 .
5- .. النهاية ، ج 3 ، ص 367 _ 368 (غسل) .
6- .. تهذيب الأخبار ، ج 1 ، ص 362 ، ح 1094 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 77 ، ح 238 .
7- .. وهو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .

ص: 321

باب الشكّ في الوضوء ومن نسيه أو قدّم أو أخّر

باب الشكّ في الوضوء ومن نسيه أو قدّم أو أخّرفيه مسائل : الاُولى : أجمع الأصحاب على أنّ من تيقّن الحدث وشكّ في الوضوء بعده ، فهو في حكم المحدث ، وعلى أنّه متطهّر في عكسه ؛ لأنّ اليقين لا يُرفع بالشكّ ، واحتجّ في التهذيب على الأوّل بأنّه مأخوذ على الإنسان ألاّ يدخل في الصلاة إلّا وهو على طهارة ، فإذا تيقّن أنّه قد أحدث فينبغي أن لاينصرف عن هذا اليقين إلّا بيقين مثله من حصول الطهارة (1) ، وهو راجع إلى ما ذكر ، وعلى الثاني بما رواه المصنّف من موثّق عبداللّه بن بكير (2) . الثانية : أجمعوا أيضا على أنّ من شكّ في شيء من أفعال الوضوء وهو على حاله أتى به وبما بعده ، وإن شكّ بعد الفراغ منه لايلتفت إليه ، ويدلّ عليهما حسنة زرارة (3) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره ، فليس شكّك في شيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تَجزه» (4) . وبسندين صحيحين عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة ، قال : «يمضي على صلاته ولا يعيد» (5) . وفي الموثّق عن بكير بن أعين ، قال : قلت : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ؟ قال : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 103 ، في آخر الباب 4 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 102 ، ح 268 .
3- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 101 ، ح 262 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 469 _ 470 ، ح 1244 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 101 ، ح 264 ؛ وص 102 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 469 _ 470 ، ح 1244 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 101 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 471 ، ح 1249 .

ص: 322

ويستفاد من قوله عليه السلام : «وإن شككت في مسح رأسك» إلخ في حسنة زرارة (1) إعادة المشكوك وما بعده لو شكّ بعد الوضوء في شيء من أعضاء المسح مع بقاء البلّة ، وحمل على الندب بقرينة صدر ذلك الخبر وغيره . الثالثة : أجمعوا أيضا على أنّ من نسي الوضوء كلاًّ أو بعضا وصلّى أو شرع في الصلاة ، يعيدها بعد الوضوء ؛ لاشتراطها بالطهارة ، ولخبر سماعة عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي ذكره اللّه في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة» (2) . وفي نسيان عضو يستأنف الوضوء إن جفّت أعضاؤه ، وإلّا فيتمّه ثمّ يستأنف الصلاة ؛ لتحقّق الموالاة المعتبرة فيه ؛ ويدلّ عليه مارواه المصنّف من حسنة الحلبي (3) . الرابعة : لو تيقّن الطهارة والحدث معا وشكّ في المتأخّر منهما ، فالمشهور بين الأصحاب أنّه محدث ، صرّح به الشيخان في المقنعة (4) والمبسوط (5) ، والشهيد في اللمعة (6) ، وعُلّل في التهذيب بأنّه مأخوذ على الإنسان أن لايدخل في الصلاة إلّا بطهارة ، فينبغي أن يكون مستيقنا بحصول الطهارة له ليسوغ له الدخول بها في الصلاة (7) . وإنّما علّل بذلك لعدم نصّ في المسألة في كتب الأخبار المتداولة ، وهذا الحكم يتمّ فيمن يعرف حاله قبل تصادم الاحتمالين أيضا ؛ لأنّها إن كانت طهارة فقد علم نقض تلك الطهارة وشكّ في مزيل الناقض ؛ لجواز تعاقب الطهارتين ،وإن كانت حدثا

.


1- .. هو الحديث 2 من الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 100 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 469 ، ح 1243 .
2- .. التهذيب ، ج 1 ، ص 102 ، ح 266 ؛ وج 2 ، ص 200 _ 201 ، ح 786 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 451 ، ح 1190 .
3- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
4- .. المقنعة ، ص 50 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 24 .
6- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 17 ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 334 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 102 .

ص: 323

فلا تقطع بالطهارة ؛ لجواز وقوع الطهارة بين الحدثين ، فيرجع في كلتا الحالين إلى صورة اليقين في الحدث والشكّ في الطهارة . وللأصحاب فيه مقالات ذكرها الشهيد في الذكرى ، فقد حكى القول المذكور واحتجاج الشيخ عليه بما ذكر ، ثمّ قال : والحكم ظاهر ، غير أنّ المحقّق في المعتبر قال : «عندي في ذلك تردّد ، ويمكن أن يقال : ينظر حاله قبل تصادم الاحتمالين : فإن كان حدثا بنى على الطهارة ؛ لأنّه تيقّن انتقاله عن تلك الحال إلى الطهارة ولم يعلم تجدّد الانتقاض ، فصار متيقّنا للطهارة وشاكّا في الحدث ، فيبني على الطهارة ، وإن كان [ قبل التصادم ]متطهّرا بنى على الحدث ؛ لعين ما ذكرناه من التنزيل» (1) ، هذا لفظه . والفاضل عكس ، وعبارته في المختلف هذه : «إذا تيقّن عند الزوال أنّه نقض طهارة (2) وتوضّأ عن حدث وشكّ في السابق ، فإنّه يستصحب حال السابق على الزوال ، فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته ؛ لأنّه تيقّن أنّه نقض تلك الطهارة ثمّ توضّأ ، ولا يمكن أن يتوضّأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ، ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه ، فلا يزول عن اليقين بالشكّ ، وإن كان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث ؛ لأنّه تيقّن أنّه انتقل عنه إلى طهارة ثمّ نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها» (3) . قلت : فهذان لو سلّما فليس فيهما منافاة لقول الأصحاب ؛ إذ مرجعهما إلى تيقّن أحدهما والشكّ في الآخر ، والأصحاب لاينازعون (4) في ذلك ، ويرد توجيه كلّ منهما (5) نقضا على الآخر . وأيضا يمكن تعقّب الطهارة للطهارة في التجديد وتعقّب الحدث للحدث . ولمّا استشعر في غير المختلف ذلك قيّدهما بكونهما متّحدين متعاقبين ، وحكم

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 170 _ 171 .
2- .. في المصدر : «الطهارة» .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 308 ، ومثله في منتهى المطلب ، في ج 2 ، ص 142 ؛ ونهاية الأحكام ، ج 1 ، ص 60 .
4- .. في المصدر : «لايتنازعون» .
5- .. في هامش «أ» : «يعني المحقّق والفاضل . منه» .

ص: 324

باستصحاب السابق (1) ، وهو إذا تمّ ليس من الشكّ في شيء الذي هو موضوع المسألة ؛ لأنّها اُمور مترتّبة علم ترتيبها ، غايته أنّه يلتبس السابق ؛ لعدم لحظ الذهن الترتيب ، فهو كالشاكّ في المبدأ في السعي وهو يعلم الزوجيّة والفرديّة ، فإنّه متى لحظ الذهن علم المبدأ ، ولايسمّى استصحابا عند العلماء» . وقد نقل عنه أراد به لازم الاستصحاب ، وهو البناء على السابق ، وإذا لم يعلم الحال قبل تصادم الاحتمالين فلا شكّ فيما قاله الأصحاب . وفي التذكرة حكى الوجوه الثلاثة من العامّة (2) ، وعلّل وجه البناء على الضدّ باحتمال تجديد الطهارة في صورة سبق الطهارة ، وباحتمال تعقّب الحدث على زمان تصادم الاحتمالين ، قال : «ولو لم يكن من عادته التجديد ، فالظاهر أنّه متطهّر بعد الحدث ، فيباح له الصلاة» ، وعلّل بالاستصحاب وأسقط حكم الحدث والطهارة الموجودين بعد التيقّن ؛ لتساوي الاحتمالين فيهما ، فتساقطا ويرجع إلى المعلوم أوّلاً (3) . ويضعّف بتيقّنه الخروج عن ذلك السابق إلى ضدّه ، فكيف يبنى على ما علم الخروج منه ؟ ! وبالجملة فإطلاق الإعادة لاينافيه هذان الفرضان ؛ لأنّ مورد كلامهم الشكّ ، وهما إن تمّا أفادا ظنّا ، وأمّا الاتّحاد والتعاقب فمن باب اليقين» انتهى (4) . وهذه الأحكام تجري في الغسل والحدث الموجب له أيضا ، إلّا أنّه في صورة نسيان عضو أتى به وبما بعده على ما هو المشهور من اعتبار الترتيب فيه وإن جفّت الأعضاء السابقة ؛ لعدم اشتراط التوالي فيه على الأظهر والأشهر . الخامسة : أجمعوا أيضا على وجوب الترتيب فيه فيما عدا الرجلين ، واستدلّ له بقوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (5) ؛ حيث أوجب غسل الوجه عقيب إرادة القيام إلى الصلاة ؛ لاقتضاء الفاء التعقيب وإن كانت جزائيّة ، وإذا ثبت

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 211 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 85 .
2- .. اُنظر : المجموع للنووي، ج 2 ، ص 64 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 81 _ 82 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 39 .
3- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 211 .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 205 _ 207 .
5- .. المائدة (5) : 6 .

ص: 325

تقديمه يلزم الترتيب في سائر الأعضاء بالإجماع المركّب ، وربّما قيل بإفادة الواو أيضا الترتيب ، نقلاً عن الفرّاء (1) وقطرب (2) وثعلب (3) وأبوعبيد القاسم بن سلاّم (4) ؛ محتجّا بما ثبت من الطريقين : أنّ الصحابة سألوا النبيّ صلى الله عليه و آله : بأيّهما نبدأ؟ حين نزل قوله تعالى : «إِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ » (5) ، فقال عليه السلام : «ابدأُوا بما بدأ اللّه به» 6 .

.


1- .. أبوزكريّا يحيى بن زياد بن عبداللّه بن منظور الأسلمي الديلمي الكوفي ، إمام النحويّين ، حكي عن ثعلب أنّه قال : لولا الفرّاء لما كانت عربيّة ؛ لأنّه خلّصها وضبطها . ولد بالكوفة وعهد إليه المأمون بتربية ابنيه ، فكان أكثر مقامه ببغداد ، توفّي سنة 207 في طريق مكّة ، من كتبه : كتاب البهاء ، معاني القرآن ، المقصور والممدود ، المذكّر والمؤنّث ، الفاخر ، مشكل اللغة . راجع : تاريخ بغداد ، ج 14 ، ص 154 _ 159 ، الرقم 7467 ؛ الأنساب للسمعاني ، ج 4 ، ص 352 _ 353 ؛ الكنى والألقاب ، ج 3 ، ص 18 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 8 ، ص 145 _ 146 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 13 ، ص 198 .
2- .. محمّد بن المستنير بن أحمد البصري أبوعليّ النحوي اللغوي المعروف بقطرب ، أخذ عن سيبويه وعن جماعة من علماء البصرة ، ويقال : إنّ سيبويه لقّبه قطربا ؛ لمباكرته إيّاه في الأسحار ، والقطرب دويبّة تدبّ ولا تفتر ، وكان قطرب معتزليّا وأخذ عن النظّام ، مات سنة 206 ه ق ، وله من الكتب : الأزمنة ، الأضداد ، العلل في النحو ، غريب الحديث ، ما خالف فيه الإنسان البهيمة ، المثلّثات ، معاني القرآن ، والنوادر في اللغة . راجع : تاريخ بغداد ، ج 4 ، ص 67 ، الرقم 1072 ؛ لسان الميزان ، ج 5 ، ص 378 _ 379 ، الرقم 1229 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 7 ، ص 95 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 12 ، ص 15 .
3- .. هذا هو الظاهر ؛ فإنّه قائل بدلالة الواو على الترتيب على ما في مغني اللبيب لابن هشام ، ج 2 ، ص 354 ، وفي الأصل : «تغلب» . وثعلب هو أبوالعبّاس أحمد بن يحيى بن زيد النحوي الشيباني مولاهم ، إمام الكوفيّين في اللغة والنحو ، قرأ على ابن الأعرابي ومحمّد بن سلّام والزبير بن بكّار ، وسمّي ثعلب ؛ لأنّه كان إذا سئل عن مسألة أجاب عن هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار ، من مصنّفاته : اختلاف النحويّين ، إعراب القرآن ، الفصيح ، ما ينصرف وما لاينصرف ، المصون في النحو ، معاني الشعر ، معاني القرآن . راجع : تاريخ بغداد ، ج 5 ، ص 414 _420 ، الرقم 2997 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 129 _ 130 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 203 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 267 .
4- .. أبوعبيد القاسم بن سلّام الهروي من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه ، وكان أبوه عبدا روميّا ، ولد أبوعبيد سنة 150 بهراة وتعلّم بها ، ثمّ رحل إلى بغداد ، وأخذ العلم عن جماعة ، وروى عن الأصمعي وابن الأعرابي وأبيزيد الأنصاري والفرّاء والكسائي ، حجّ في سنة 224 فتوفّي بمكّة ، من كتبه : أدب القاضي ، الأجناس من كلام العرب ، الأمثال ، الأموال ، غريب الحديث ، غريب القرآن ، فضائل القرآن ، المذكّر والمؤنّث ، المقصور والممدود . راجع : تاريخ بغداد ، ج 12 ، ص 401 _ 412 ، الرقم 6868 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 18 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 5 ، ص 176 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 8 ،ص 101.
5- .. البقرة (2) : 158 .

ص: 326

واُجيب عنه بأنّه لو كان الواو للترتيب ، لما احتاجوا إلى السؤال ؛ لأنّهم كانوا من أهل اللسان . على أنّ المستفاد من الخبر ترتّب الترتيب على مطلق الابتداء لا من حيث العطف ، وهو غير المتنازع مع أنّه ممّا لم يقل به أحد . وربّما احتجّ عليه بأنّ الصحابة أنكروا على ابن عبّاس حيث أمرهم بتقديم العمرة على الحجّ وقالوا : لِمَ تأمرنا بالعمرة قبل الحجّ واللّه تعالى يقول : «وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » ؟ . وما ذلك الإنكار إلّا لأنّهم فهموا الترتيب منها . واُجيب عنه بأنّ إنكارهم تقديم العمرة معارض بأمر ابن عبّاس بتقديمها ، فإنّه لو كانت الواو للترتيب لما أمرهم به ، بل هذا أدلّ على عدم كونها للترتيب من دلالة إنكارهم على كونها له ؛ لأنّ أمره بذلك يدلّ قطعا على عدم فهمه الترتيب منها . وأمّا إنكارهم ، فلا يدلّ على فهمهم الترتيب ؛ لجواز فهمهم منها الجمع المطلق الموجب لجواز تقديم كلّ منهما على الآخر ، وأن يكون إنكارهم على ابن عبّاس لقوله بتحتّم تقديمها (1) . والعمدة في المسألة ما سبق من أخبار الوضوء البياني ، وحسنتا الحلبي (2) وزرارة (3) ، وموثّقة سماعة (4) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، قال : سئل أحدهما عليهماالسلام عن رجل بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه ، قال : «يبدأ بما بدأ اللّه به وليعد ما كان» (5) .

.


1- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
2- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
3- .. الإحكام للآمدي ، ج 1 ، ص 67 ؛ وانظر : المحصول للرازي ، ج 1 ، ص 366 .
4- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 97 ، ح 252 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 76 ، ح 224 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 450 ، ح 1186 .

ص: 327

وعن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل ينسى مسح رأسه حتّى يدخل في الصلاة ، قال : «إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل» ، الحديث (1) . وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عمّن نسي أن يمسح رأسه حتّى قام في الصلاة ، قال : «ينصرف ويمسح رأسه ورجليه» (2) . وفي الصحيح عن منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين ، قال : «يغسل اليمين ويعيد اليسار» (3) . ووافقنا على ذلك جماعة من العامّة ، منهم : الشافعي (4) وأحمد (5) ، وزعم أبوحنيفة ومالك وأتباعهما عدم وجوبه ؛ محتجّين بأنّ الواو في الآية غير مقتضية للترتيب 6 ، فلو شرطناه كان نسخا . وهو عجيب ! وبما نقلوه عن عليّ عليه السلام ، أنّه قال : «ما اُبالي بأيّ أعضائي بدأت» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 89 ، ح 235 ؛ وص 99 ، ح 260 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 74 ، ح 229 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 408 ، ح 1059 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 88 ، ح 233 ؛ وص 98 ، ح 254 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 230 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 451 ، ح 1188 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 97 ، ح 253 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 73 ، ح 225 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 450 ، ح 1187 .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 126 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 119 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 55 .
5- .. المصادر ا لمتقدّمة.
6- .. المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 55 ، كتاب الطهارات ، الباب 45 ، ح 1 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 92 ، ح 289 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 87 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 184 ؛ العلل لأحمد ، ج 1 ، ص 206 ،ح 214 ؛ غريب الحديث لابن قتيبة ، ج2 ، ص 280 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 451 ، وفي الجميع بزيادة : «إذا أتممت وضوئي» ، لكن في الأربعة الاُولى هذه الزيادة بعد «لااُبالي» ، وفي البقيّة في آخره .

ص: 328

وعن ابن مسعود ، أنّه قال : «لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك» (1) . واُجيب عن الأوّل بأنّه معارض بما نقلوه أيضا عن عليّ عليه السلام أنّه سئل ، فقيل : أحدنا يستعجل شيئا قبل شيء ، فقال : «لا حتّى يكون كما أمر اللّه تعالى» (2) . وعن الثاني بأنّ أكثر علمائهم اعترفوا بأنّه لايعرف له أصل يعتمد عليه . لا يقال : قد ورد في بعض الأخبار ما يدلّ على عدم وجوبه ، رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل توضّأ ونسي غسل يساره ؟ قال : «يغسل يساره وحدها ولايعيد وضوء شيء غيرها» (3) . وفي الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل لايكون على وضوء فيصيبه المطر حتّى يبتلّ رأسه ولحيته وجسده ويداه ورجلاه ، أيجزيه ذلك عن الوضوء ؟ قال : «إن غسله فإنّ ذلك يجزيه» (4) . لأنّا نقول : الجمع يقتضي حمل هذين أيضا على الترتيب ، وذلك ظاهر في الثاني ، وأمّا في الأوّل فالمراد أنّه لايعيد شيئا ممّا تقدّم من أعضائه قبل يساره ، وإنّما يجب عليه إتمام ما يلي هذا العضو ، كما حمله في الاستبصار . ويؤيّده ذكر الوضوء في قوله عليه السلام : «ولايعيد وضوء شيء غيرها» ؛ فإنّ الظاهر منه الغَسل ، وإنّما أوّلوا هذين دون الأوّلة بحملهما على استحباب الترتيب ونحوه ؛ لما هو المعروف من مذهب أهل البيت من وجوبه . وأمّا الرجلان ، فالمشهور عدم وجوب الترتيب بينهما ؛ لإطلاق أكثر الأدلّة ، بل

.


1- .. المصنّف لابن أبي شيبة ، ج 1 ، ص 55 ، كتاب الطهارت ، الباب 45 ، ح 3 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 92 ، ح 292 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 184 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 87 .
2- .. المغني ، ج 1 ، ص 126 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 119 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 98 ، ح 257 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 73-74 ، ح 226 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 452 ، ح 1192 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 359 - 340 ، ح 1082 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 75 ، ح 231 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 454 ، ح 1201 .

ص: 329

قال الشهيد في الذكرى (1) عن ابن إدريس أنّه قال في الفتاوى : «لا أظنّ أحدا منّا يخالف ذلك ، نعم هو مستحبّ ؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه يحبّ التيامن» (2) ، وعليه قول الصدوقين» ، انتهى . وقد نقل فيه عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلاّر (3) وعن ظاهر الصدوقين وجوبه (4) ؛ عملاً بالوضوء البياني ، والاحتياط ، وعدّه أحوط ، وهو قويّ ؛ لما ذكر ، ولصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه ذكر المسح فقال : «امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين ، وابدأ بالشقّ الأيمن» (5) . السادسة : أجمعوا أيضا على وجوب الموالاة فيه ، لكنّهم اختلفوا في تفسيرها على قولين : أحدهما _ وهو أظهرهما _ اعتبار الجفاف اختيارا والتتابع في الحرّ والبرد الشديدين ، وهو ظاهر السيّد في الناصريّات (6) ، والصدوقين ، وبه صرّح الشهيد في الدروس (7) ، وحكاه في الذكرى (8) عن ابن إدريس (9) والسلّار (10) وابن الجنيد وابن البرّاج (11) وابن زهرة (12) وابن حمزة 13 ، ومنسوب في الناصريّات 14 إلى القول القديم للشافعى

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 163 .
2- .. عوالي اللآلي ، ج 2 ص 200 ، ح 101 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 330 ، ح 750 .
3- .. المراسم ، ص 38 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 45 ، ذيل ح 88 .
5- .. وهوالحديث 2 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 418 ، ح 1088 .
6- .. الناصريّات ، ص 126 .
7- .. الدروس ، ج 1 ، ص 93 ، درس 3 .
8- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 166-168 .
9- .. السرائر ، ج 1 ، ص 101 .
10- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 45 .
11- .. غنية النزوع ، ص 59 .
12- .. الوسيلة ، ص150.

ص: 330

وابن حنبل (1) وطائفة من العامّة ؛ لعدم دليل على التتابع ، وظهور بعض الأخبار المتقدّمة في رعاية الجفاف . ثمّ إنّ الجفاف المؤثّر في البطلان هو جفاف جميع الأعضاء السابقة ، كما هو المستفاد من بعض الأخبار ، وصرّح به العلّامة في المنتهى ، واكتفى السيّد في الناصريّات بجفاف العضو السابق ؛ حيث قال : ولايجوز التفريق ، ومن فرّق بين الوضوء مقدار ما يجفّ معه غَسل العضو الذي انتهى إليه وقطع الموالاة منه في الهواء المعتدل ، وجب عليه إعادة الوضوء (2) . ويظهر من الصدوقين اشتراط رطوبة جميع الأعضاء السابقة في حال الاختيار في الصحّة ، ففي الفقيه : قال أبي رضى الله عنه في رسالته إِلَيّ : إن فرغتَ من بعض وضوئك وانقطع بك الماء من قبل أن تتمّه فاُتيتَ بالماء ، فتمّم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا ، وإن كان قد جفّ فأعِد وضوءك ، وإن جفّ بعض وضوئك قبل أن تتمّ الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء ، فاغسل ما بقي جفّ وضوؤك أم لم يجفّ (3) . وهو منقول عن ابن الجنيد . وثانيهما : أنّها المتابعة في حال الاختيار ومراعاة الجفاف في الاضطرار كانتظار الماء وأمثاله ، وبه قال الشيخان في المقنعة (4) والمبسوط (5) والخلاف (6) والنهاية (7) ، والعلّامة في أكثر

.


1- .. الناصريّات ، ص 126 .
2- .. عنهما في فتح العزيز ، ج 1 ، ص 438 ؛ نيل الأوطار، ج 1 ، ص 218 ؛ المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 454 _455 عن أحمد ، وص 462 عن الشافعي؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 61 عن الشافعي؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 56 عن الشافعي .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 57 ، حكم جفاف بعض الوضوء قبل تمامه ؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص 68 . ومثله في المقنع ، ص 16 ولم ينسبه إلى أبيه .
4- .. المقنعة ، ص 47 .
5- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 93 ، المسألة 41 .
7- .. النهاية ، ص 15 .

ص: 331

كتبه (1) ، وهو منسوب في الناصريّات (2) إلى مالك (3) وابن أبيليلى (4) والليث بن سعد (5) . واحتجّ عليه في التهذيب (6) بقوله تعالى : «فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » (7) ، بمعونة اقتضاء الأمر الفوريّة ، وبقوله عليه السلام في خبر أبيبصير : «فعرضت لك حاجة» إلى قوله : «فأعد وضوءك» . وبخبر معاوية بن عمّار ، وقد رواه في الصحيح . وحُمِل صحيحة عبداللّه بن المغيرة ، عن حريز في الوضوء يجفّ ، قال : قلت : فإن جفّ الأوّل قبل أن أغسل الذي يليه ؟ قال : «جفّ أو لم يجفّ اغسل ما بقي» . قلت : وكذلك غسل الجنابة ؟ قال : «هو بتلك المنزلة ، وابدأ بالرأس ثمّ اقض على سائر جسدك» . قلت : وإن كان بعض يوم ؟ قال : «نعم» على ما إذا تابع بين الأعضاء وجفّفته الريح الشديدة والحرّ العظيم . واُيّد هذا القول بظهور أخبار الوضوء البياني في التتابع . وظاهر أكثر هؤلاء بطلان الوضوء بترك التتابع اختيارا ، وبه صرّح الشيخ في المبسوط (8) ، وصرّح العلّامة في المنتهى باشتراط البطلان بالجفاف ، مع أنّه اعتبر المتابعة ، فقد قال أوّلاً : «الموالاة هي المتابعة» ، ثمّ قال : «ولو أخلّ بالمتابعة اختيارا ، فعل محرّما ، وهل يبطل وضوءه أم لا ؟ الوجه اشتراط البطلان بالجفاف» (9) .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 .
3- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 223 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 20 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 81 ؛ تذكرة الفقهاء، ج 1 ، ص 189 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 204 .
4- .. الناصريّات ، ص 127 .
5- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 15 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 18 .
6- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 56.
7- .. فتح الباري ، ج 1 ، ص 245 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 87-88 ، ح 230 و 231 و 232 .
9- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 116 .

ص: 332

وكأنّه بذلك جمع بين الأخبار أجمع ، فتأمّل . قوله في موثّقة عبداللّه بن بكير : (إيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت) . [ ح 1/3959 ] قال _ طاب ثراه _ : «لعلّ المقصود التحذير عن إحداث وضوء آخر بنيّة الوجوب ، وإلّا فالتجديد بنيّة الندب مستحبّ» . وإنّما حكمنا بتوثيق الخبر مع اشتراك عبّاس بن عامر ؛ فإنّه هنا هو أبوالفضل العبّاس بن عامر بن رباح القصباني ؛ إذ هو الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن عليّ [ على ] ما صرّح به بعض أرباب الفنّ ، وهو كان ثقة صدوقا كثير الحديث ، على ما ذكره النجاشي (1) والعلّامة (2) . وربّما عدّ كالصحيح ؛ نظرا إلى عبداللّه بن بكير ، وقد سبق ما فيه . قوله في حسنة زرارة : (فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك) إلخ . [ ح 2/3960 ] قال _ طاب ثراه _ : الظاهر أنّ هذا الأمر للندب ؛ لأنّ ذلك الشكّ إنّما كان بعد الفراغ ، كما دلّ عليه اللاحق بل السابق أيضا ، وهو لايجب تداركه إلّا أنّ الشكّ هنا لمّا أمكن تداركه مع بقاء البلّة من غير احتياج إلى استيناف ماء جديد ، كان الأولى تداركه بحكم الاحتياط . وقوله عليه السلام : «فأعد على ما تركت يقينا» وجب تقييده بما إذا كان العضو السابق رطبا . وكذاقوله : «فانصرف وأتمّ» في حسنة الحلبي (3) .

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
2- .. رجال النجاشي ، ص 281 ، الرقم 744.
3- .. خلاصة الأقوال ، ص 210 ، الرقم 7 .

ص: 333

باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه

باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضهالناقض للوضوء فقط _ ويسمّى حدثا أصغر _ هو عندنا ستّة : البول ، والغائط ، والريح من الموضع المعتاد ، والنوم الغالب على الحاسّتين ، وما يزيل العقل من إغماء وجنون وسكر ومِرّة (1) ونحوها ، والاستحاضة القليلة . ووافقنا في الثلاثة الاُول أهل العلم أجمع (2) ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «أَوْجَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ » (3) . ومن الأخبار ما ذكره المصنّف من صحيحتي سالم وزكريّا بن آدم (4) ، وحسنتي معاوية بن عمّار (5) وزرارة (6) ، وخبر أبيبصير (7) . وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لايوجب الوضوء إلّا من الغائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها» (8) . وفي الصحيح عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : «لاينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم» (9) . وما رواه الصدوق في الفقيه ، قال : وقال عبدالرحمان بن أبيعبداللّه للصادق عليه السلام : أجد الريح في بطني حتّى أظنّ أنّها قد خرجت ، فقال : «ليس عليك وضوء حتّى تسمع

.


1- .. المِرَّة : مزاج من أمزجة الجسد ، وهو داء يهذي منه الإنسان . كتاب العين ، ج 8 ، ص 262 (مرّ) .
2- .. قاله العلّامة قدس سره في تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 99 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 83 .
3- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
4- .. هما الحديثان 1 و2 من الباب .
5- .. هو الحديث 3 من الباب .
6- .. هو الحديث 6 من الباب .
7- .. هو الحديث 13 من الباب .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 10 ، ح 16 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 245 _ 246 ، ح 632 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 244 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 248 _ 249 ، ح 641 .

ص: 334

الصوت أو تجد الريح» ، ثمّ قال : «إنّ إبليس يجلس بين إليتي الرجل فيحدّث ليشكّكه» (1) . وأمّا النوم ، فمذهب الأصحاب أنّه ينقض الوضوء إذا غلب على الحاسّتين مطلقا ، قائما كان أو قاعدا أو مضطجعا أو راكعا أو ساجدا أو منفرجا أو منضمّا ، في الصلاة أو في غيرها ، وأجمعوا على ذلك إلّا ما سيحكى عن الصدوق . والعامّة اختلفوا فيه اختلافا ، فوافقنا الشافعي في قول على ما حكى عنه في [ فتح ]العزيز أنّه في أحد قوليه عدّ النوم في نفسه حدثا ، وحكم بأنّه ينقض الطهارة مطلقا من غير استثناء (2) ، والمزني (3) أيضا على ما ذكره السيّد المرتضى في الناصريّات (4) ، وفيه : وقال أبوحنيفة وأصحابه : لا وضوء من النوم إلّا على من نام مضطجعا أو متوكّئا ، فأمّا من نام قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها ، فلا وضوء عليه (5) . وروي عن أبييوسف أنّه إن تعمّد النوم في السجود فعليه الوضوء (6) ، وقال ابن حيّ والثوري : لا وضوء إلّا على من نام مضطجعا (7) ، وهو مذهب داوود (8) . وقال مالك : «من نام ساجدا أو مضطجعا يتوضّأ ، ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلّا أن يطول» ، فيفرق بين القليل من النوم والكثير ، وهو مذهب ابن حنبل (9) .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 62 ، ح 139 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 246 ، ح 635 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 437 ، ح 1018 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 90 ، ح 288 .
2- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 25 . وحكاه أيضا النووي في المجموع ، ج 2 ، ص 14 و17 .
3- .. مختصر المزني ، ص 3 ، باب الاستطابة ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 150 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 17 .
4- .. الناصريّات ، ص 132 _ 133 . وكان في الأصل : «الانتصار» ، وهو سهو من القلم .
5- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 24 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 18 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 240 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 78 .
6- .. المحلّى ، ج 1 ، ص 225 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 79 .
7- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 .
8- .. نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 240 .
9- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 25 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 17 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 225 .

ص: 335

وقال الليث : «إذا تصنّع النوم جالسا فعليه الوضوء ، ولا وضوء على القائم والجالس إذا غلبهما النوم » (1) . وقال الشافعي : «من نام في غير حال القعود وجب عليه الوضوء ، وأمّا من نام قاعدا فإن كان زائلاً غير مستوي الجلوس لزمه الوضوء ، وإن كان متمكّنا من الأرض فلا وضوء عليه» (2) . وروي عن الأوزاعي أنّه قال : «لا وضوء من النوم ، فمن توضّأ منه ففَضلٌ أخذ به ، وإذا تركه فلا حرج» ، ولم يذكر عنه الفصل بين أحوال النائم (3) . وقد حكي عن قوم من السلف نفي الوضوء من النوم كأبيموسى الأشعري وعمرو بن دينار وحميد الأعرج (4) . ويدلّ على المذهب المنصور زائدا على ما رواه المصنّف في الباب، صحيحة زرارة المتقدّمة (5) . وصحيحة محمّد بن عبيد اللّه وعبداللّه بن المغيرة ، قالا : سألنا الرضا عليه السلام عن الرجل ينام على دابّته ، فقال : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء» (6) . وصحيحة عبد الحميد بن عوّاض ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحال فعليه الوضوء» (7) . وصحيحة زيد الشحّام ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الخفقة والخفقتين ، فقال : «ما أدري ما الخفقة والخفقتان ، إنّ اللّه تعالى يقول : «بَلِ الْاءِنسَ_نُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » (8) ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 2 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 244 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 248 _ 249 ، ح 641 .
2- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 148 .
3- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 149 .
4- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 149 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 225 .
5- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 17 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 4 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 245 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 252 _ 253 ، ح 652 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 3 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 247 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 653 .
8- .. القيامة (75) : 14 .

ص: 336

إنّ عليّا عليه السلام كان يقول : من وجد طعم النوم قائما ، اُوجب عليه الوضوء» (1) . وصحيحة زرارة ، قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان ، عليه الوضوء ؟ فقال : «يا زرارة ، قد تنام العين ولاينام القلب والاُذُن ، فإذا نامت العين والاُذُن والقلب وجب الوضوء» . قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء ولم يعلم به ؟ قال : «لا حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى تجيء من ذلك أمر بيّن وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ولكن تنقضه بيقين آخر» (2) . وخبر سماعة ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ينام وهو ساجد ، قال : «ينصرف ويتوضّأ» (3) . ومن طريق العامّة أنّه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «العينان وكاء السه (4) ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ، فمن نام فليتوضّأ» 5 . وأنّه صلى الله عليه و آله قال : «من استجمع نوما فعليه الوضوء» (5) . رواهما في [ فتح ] العزيز (6) . وقوله عليه السلام فيهما : «فمن نام فليتوضّأ» و«من استجمع نوما» عامّان في نقض النوم للوضوء ، وإن كان ظاهر الخبر الأوّل أنّ النوم ليس في نفسه حدثا ، بل باعتبار أنّه مظنّة وقوع الحدث فيه .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 8 ، ح 10 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 _ 81 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 254 ، ح 658 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 8 ، ح 11 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 245 ، ح 631 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 1 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 243 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 655 .
4- .. في الأصل : «السته» ، والتصويب من مصادر الحديث.
5- .. مختصر المزني ، ص 4 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 212 ، ذيل ح 168 .
6- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 19 و20 .

ص: 337

ومثلهما في العموم ما رواه السيّد في الناصريّات عنهم ؛ حيث قال : «وفي خبر آخر : وإذا استثقل أحدكم نوما فليتوضّأ» (1) . وروي عن صفوان بن عسّال (2) المرادي أنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرنا إذا كنّا سفراء أن لاننزع خفافنا ثلاثة أيّام ولياليهنّ من الجنابة لكن من بول وغائط ونوم (3) . وقد استدلّ له بقوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » الآية (4) بناء على ما نقله السيّد رضى الله عنه في الناصريّات من إجماع المفسّرين على أنّ المعنى إذا قمتم من النوم (5) . ورواه الشيخ في الموثّق عن عبداللّه بن بكير ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » ما يعني بذلك «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ » ؟ قال : «إذا قمتم من النوم» . قلت : ينقض النوم الوضوء ؟ فقال : «نعم إذا كان يغلب على السمع ولايسمع الصوت» (6) . وربّما احتجّ عليه بصحيحة إسحاق بن عبداللّه الأشعري ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا ينقض الوضوء إلّا حدث والنوم حدث» (7) ؛ على ما ذكر في المنتهى (8) وحُرّر في المنتقى (9) من :

.


1- .. الناصريّات ، ص 136 .
2- .. في الأصل : «صفوان بن غسّان» ، وهو تصحيف ، والتصويب من ترجمته ، وهو صفوان بن عسال المرادي ، ثمّ الربضي من بني الربض زاهر ، غزا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله اثنتي عشرة غزوة ، وسكن الكوفة . تهذيب الكمال ، ج 13 ، ص 200-201 ، الرقم 2887 .
3- .. الناصريّات ، ص 135 . الاُمّ ، ج 1 ، ص 50 ، المسند للشافعي ، ص 18 ؛ مختصر المزني ، ص 4 ؛ المسند لأحمد ، ج 4 ، ص 239 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 161 ، ح 478 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 65 ، ح 96 ؛ وج 5 ، ص 205 ، ح 3601 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 83 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 114 و118 و267 و289 .
4- .. المائدة (5) : 6 .
5- .. الناصريّات ، ص 134 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 9 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 251 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 _ 254 ، ح 657 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 6 ، ح 5 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 79 ، ح 246 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 654 .
8- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 197 .
9- .. منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 128 _ 129 .

ص: 338

أنّ لكّل واحد من الأحداث جهتي اشتراك وامتياز ، فجهة الاشتراك هي مطلق الحدث ، وجهة الامتياز هي خصوصيّة كلّ منها ، وهما متغايرتان قطعا ، ومن المعلوم أنّ تلك الخصوصيّات ليست أحداثا وإلّا لكان ما به الاشتراك داخلاً فيما به الامتياز ، فينجرّ إلى التسلسل ، وإذا انتفت الحدثيّة عن المميّزات لم يكن لها مدخل في النقض ، بل يكون النقض مستندا إلى المشترك ، وهو موجود فيالنوم بمقتضى قوله عليه السلام : «والنوم حدث» ، ووجود العلّة مستلزم لوجود المعلول . وفي المختلف : «هذا خلاصة ما أفدناه في هذا الحديث في كتاب استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار» 1 . ورُدّ ذلك في المنتقى : بأنّ الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالكلّيّات إنّما تتعلّق بهما في ضمن أفرادها الخارجيّة ، فلابدّ أن يكون للخصوصيّات أيضا مدخلٌ في النقض ، على أنّ الغرض ممّا ذكر بيان كون النوم ناقضا ، واللفظ غير واف ببيان هذا الغرض ؛ من حيث إنّ قوله عليه السلام : «لاينقض الوضوء إلّا حدث» مشتمل على حكمين : سلبي وإيجابي ، وانتظام كلّ منهما مع قوله : «والنوم حدث» لاينتج ؛ لعدم اتّحاد الوسط في مادّة السلب وعقم الموجبتين في الشكل الثاني (1) . ثمّ قال : الغرض من هذا الحديث نفي النقض عمّا لايصدق عليه اسم الحدث وانحصار الناقض

.


1- .. منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 129 ، وبعض العبارات المذكورة هنا نقل بالمعنى .

ص: 339

في الحدث ، وهذا الحصر يستفاد من قوله : «لاينقض الوضوء إلّا حدث» ، ثمّ لمّا كان يتوهّم من ذلك أن لايكون النوم ناقضا ؛ لاستبعاد كونه حدثا ، رفع ذلك التوهّم والاستبعاد بأنّ النوم أيضا حدث ، فهو أيضا ناقض (1) . وأقول : يمكن الجواب عنه بأنّ غرض العلّامة ليس بيان أنّ النقض مستند إلى طبيعة الحدث من حيث هي حدث حتّى يرد عليه أنّ الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالكلّيّات إنّما تتعلّق بأفرادها ، بل غرضه بيان استناده إلى أفراد الحدث من حيث إنّها حدث لا من حيث خصوصيّاتها ، وقول الرادّ : «فلابدّ أن يكون للخصوصيّات أيضا مدخلٌ فيه» ممنوع ، بل الظاهر عدم مدخليّتها . ونظير ذلك في الأحكام العقليّة : أنّ أفراد الحيوان من حيث إنّها حيوان تكون منشأ للحسّ والحركة من غير مدخليّة للانسانيّة والفرسيّة وأشباههما فيهما . وليس أيضا غرضه بيان استفادة كون النوم ناقضا من جزءي الخبر بشكل من الأشكال الأربعة حتّى يرد عليه عدم انطباقه على قاعدة الاستنتاج ، بل غرضه أيضا ما ذكر من بيان الحصر ورفع الاستبعاد ، وبذلك يشعركلامه في المختلف حيث قال : لايقال : لايصحّ التمسّك بهذا الحديث ؛ فإنّ الصغرى قد اشتملت على عقدي إيجاب وسلب ، وانتظام السالبة مع الكبرى لاينتج ؛ لعدم اتّحاد الوسط ، والموجبة أيضا كذلك ؛ فإنّ ا لموجبتين في الشكل الثاني عقيم ، وإن جعل سلبها (2) كبرى منعنا كلّيّتها . لأنّا نقول : إنّه عليه السلام في المقدّمة الاُولى نفى النقض عن غير الحدث ، وفي الثانية حكم بأنّ النوم حدث (3) . هذا ، والذي يظهر من أكثر ما ذكر من الأخبار كون النوم حدثا في نفسه ، لا لكونه مظنّة لحدثٍ ، وهو ظاهر أكثر الفتاوى .

.


1- .. منتقى الجمان ، ج 1 ، ص 128 ، والمنقول هنا نقل بالمعنى .
2- .. في المصدر : «عكسها» .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 256 _ 257 .

ص: 340

وظاهر الشيخ في التهذيب (1) والعلّامة في المنتهى _ على ما سيظهر _ أنّه إنّما ينقض لتجويز وقوع الحدث معه ، وعلى التقديرين فالحكم عندنا عامّ لجميع أنواعه إذا غلب على الحاسّتين ؛ لعموم ما ذكر من الأخبار ، وهو ظاهر على الأوّل ، وكذا على الثاني ؛ لجواز وقوع حدث معها لايطّلع عليه هو ولا أحد عنده . وفي بعض الأخبار ما يشعر بتخصيص الحكم ببعض أنواعه ، رواه الشيخ عن محمّد بن الفضيل ، عن أبيالصبّاح الكناني ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة ، فقال : «إن كان لايحفظ حدثا منه _ إن كان _ فعليه الوضوء وإعادة الصلاة ، وإن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة» (2) . وعن عمران بن حمران أنّه سمع عبدا صالحا يقول : «من نام وهو جالس لايتعمّد النوم فلا وضوء عليه» (3) . وعن بكر بن أبيبكر الحضرمي ، قال : سألت : هل ينام الرجل وهو جالس ؟ فقال : «كان أبي عليه السلام يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» (4) . وفي الفقيه : قال : وسأله سماعة بن مهران عن الرجل ، يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا ، قال : «ليس عليه وضوء» (5) . وسئل موسى بن جعفر عليهماالسلام عن الرجل يرقد وهو قاعد ؛ هل عليه وضوء ؟ فقال : «لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج» (6) . فنقول : أوّل ما في هذه الأخبار أنّها ضعيفة غير قابلة لأن تقيّد وتخصّص الأخبار

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ذيل الحديث 7 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 8 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 250 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 253 ، ح 656 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 6 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 248 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 256 ، ح 664 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ح 7 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 ، ح 249 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 256 ، ح 665 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 63 ، ح 143 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 255 ، ح 662 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 144 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 254 _ 255 ، ح 661 .

ص: 341

السابقة؛ لاشتراك محمّد بن الفضيل، وتصحيح العلّامة إيّاه في هذا الخبر في المنتهى (1) ، كأنّه مبنيّ على زعمه أنّه هو أبوعبدالرحمان محمّد بن الفضيل بن غزوان الضبّي من أصحاب الصادق عليه السلام ، ولم أر مستندا له . ولجهالة عمران بن حمران (2) ، وبكر بن أبي بكر (3) . وإضمار خبر سماعة مع عدم صحّة سنده . وإرسال الأخير ، على أنّه يمكن حملها على ما إذا لم يغلب النوم على الحاسّتين ، كما حملها عليه في التهذيب (4) ، ولا يبعد حملها على التقيّة ؛ لموافقتها لمذهب جمع من العامّة على ما عرفت . ويظهر من الصدوق (5) العمل بها ؛ حيث اقتصر في باب ما ينقض الوضوء من الأخبار المتعلّقة بالنوم على ما رواه المصنّف من حسنة زرارة من غير أن يذكر قوله عليه السلام : «وكلّ النوم يكره إلّا أن يكون يسمع الصوت» (6) . وما رويناه عنه من الخبرين ، وقد حكي عنه أنّه قال : «من يرقد قاعدا لا وضوء عليه» (7) . وأمّا صحيحة عبداللّه بن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل : هل ينقض وضوءه إذا نام وهو جالس ؟ قال : «إن كان يوم الجمعة فلا وضوء عليه ؛ لأنّه في حال

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 198 .
2- .. ذكروه في الرجال ولم يوثّقوه ولم يضعّفوه ، اُنظر : رجال النجاشي ، ص 292 ، الرقم 786 ؛ الفهرست ، ص 191 ، الرقم 538 ؛ رجال الطوسي ، ص 257 ، الرقم 363 .
3- .. رجال الطوسي ، ص 170 ، الرقم 1988 ؛ جامع الرواة ، ج 1 ، ص 26 ، نقد الرجال ، ج 1 ، ص 289 ، الرقم 767 ، ولم يذكر فيه شيء .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 7 ، ذيل ح 7 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 61 ، ح 137 .
6- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي .
7- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ص 109 ؛ والعلّامة في تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 103 ؛ وتحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 61 ؛ ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 194 .

ص: 342

ضرورة» (1) ، فإنّما نفى الوضوء فيها للانتقال إلى التيمّم للضرورة الناشئة من الزحام ، ولكن لايعتدّ بتلك الصلاة ، كما دلّ عليه خبرالسكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لايستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس يحدث ؟ قال : «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف» (2) . ويجيء القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . والعامّة ذهبوا إلى أنّ النوم إنّما ينقض لكونه مظنّة للحدث لا بنفسه ، وتمسّكوا فيه بما رويناه عن [ فتح ]العزيز ، وبما رووا عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «لا وضوء على من نام قاعدا ، إنّما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنّ من نام مضطجعا استرخت مفاصله» (3) . وأنّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا نام العبد في صلاته باهى اللّه به ملائكته ، يقول : انظروا ، عبدي روحه عندي وجسدي ساجد بين يديّ» (4) . وأنّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانوا ينتظرون العشاء وينامون قعودا ثمّ يصلّون ولا يتوضّأون (5) . وعن ابن عبّاس أنّه قال : رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله نام وهو ساجد ثمّ قام فصلّى ، فقلت : يا رسول اللّه صلّيت ولم تتوضّأ وقد نمت ؟ فقال : «إنّما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنّه إذا اضطجع استرخت مفاصله» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 9 ، ح 13 ؛ الاستبصار ، ح 1 ، ص 81 ، ح 253 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 256 ، ح 666 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 ، ح 534 ؛ الاستبصار ، ح 1 ، ص 81 ، ح 254 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 344 ، ح 3821 .
3- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 23 ؛ بدائع ا لصنائع ، ج 1 ، ص 31 .
4- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 206 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 25 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 13 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 241 .
5- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 26 _ 27 ؛ مسند الشافعي ، ص 11 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 207 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 434 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 22 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 22 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 12 .
6- .. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 256 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد ، ص 221 ، ح 659 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 52 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 51 ، ح 77 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 12 ، ص 122 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 121 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 209 ، المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 156 ؛ مسند أبييعلى ، ج 4 ، ص 369 ، ح 2487 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 167 ، ح 586 ، ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين ، ص 283 _ 284 ، ح 193 ، مع مغايرة في صدر بعض الروايات ، واكتفاء بعضهم بالمرفوع منه .

ص: 343

وعن حذيفة بن اليمان أنّه قال : بينما أنا جالس في صلاتي إذ رقدت فوضع إنسان يده على كتفي وإذا النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقلت : يا رسول اللّه عَلَيَّ من هذا وضوء ؟ قال : «لا حتّى تضع جنبيك» (1) . وفي الناصريّات : «فأمّا الأخبار التي رووها عن النبيّ صلى الله عليه و آله في نفي الوضوء على النوم ، فإنّا نحملها إذا تقبّلناها على نوم لا استثقال معه ، وإنّما هو [ تهويم و ] سِنة خفيفة » (2) . وأمّا الإغماء فهو ناقض للوضوء ، وكذا ما في حكمه من السُكر والأمراض المزيلة للعقل ، وادّعى العلّامة في المنتهى (3) أنّه لايعرف فيه خلافا من أهل العلم ، واستدلّ له بقوله عليه السلام في بعض أخبار النوم : «فإذا خفي عنه الصوت فقد وجب عليه الوضوء» (4) ؛ حيث علّق الحكم على خفاء الصوت فيطّرد ، وبأنّه إنّما يجب الوضوء للنوم ؛ لتجويز وقوع الحدث منه ، فالإغماء والسُكر أولى في ذلك . وبه احتجّ الشيخ أيضا في التهذيب (5) . وأجمع الجميع على عدم وجوب الغسل بالإغماء إلّا ما حكي عن شاذّ من العامّة أنّه قال : «ما جُنّ إنسان إلّا وقد أنزل» (6) . وأمّا الاستحاضة ، فالقليلة منها حدث موجب للوضوء لا أعرف فيه مخالفا من الأصحاب إلّا ما حكى في المنتهى عن ابن أبيعقيل من عدم وجوبه بها (7) .

.


1- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 120 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 244 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 25 .
2- .. الناصريّات ، ص 136 ، وما بين المعقّفتين منها .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 202 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 9 ، ح 14 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 9 ، ذيل ح 14 .
6- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 54 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 22 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 203 ؛ وحكاه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 111 .

ص: 344

وغير القليلة منها أيضا موجب للوضوء على المشهور بيننا ويجيء القول فيه في باب الأغسال ، وعن مالك أنّه ليس على المستحاضة مطلقا وضوء (1) . والمشهور بين الأصحاب أنّه لا ناقض للوضوء غير ما ذكر ، وافقنا في ذلك ابن مسعود ، وابن عبّاس ، وعطاء ، وطاووس ، والثوري ، على ما حكى عنهم في المنتهى (2) . وعدّ أكثر العامّة من نواقضه أشياء غير ما ذكر ، منها : المَذي (3) ، والوَذي (4) ، ويجيئان في بابهما . ومنها : مسّ القُبل والدُبُر من نفسه أو من غيره ، وبه قال الصدوق رضى الله عنه من أصحابنا ، لكن خصّه بمسّ باطن الدبر أو باطن الإحليل من نفسه ، وصرّح بأنّه إن كان ذلك في الصلاة قطعها وأعادها بعد الطهارة (5) . وينفيه الأصل ، وما رواه سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يمسّ ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلّي : يعيد وضوءه ؟ فقال : «لا بأس بذلك ؛ إنّما هو من جسده» (6) . ويؤيّده الحصر المستفاد من بعض الأخبار السالفة ، وما رواه في المنتهى (7) من طرق العامّة عن قيس بن طلق ، عن أبيه طلق بن عليّ ، أنّه قال : يا رسول اللّه ، ربّما أمسّ ذكري وأنا في الصلاة ، هل علَيّ فيه وضوء ؟ فقال عليه السلام : «لا ؛ هل هو إلّا بضعة منك ؟» (8) .

.


1- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 24 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 535 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 208 _ 209 .
3- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 39 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 76 ، ذيل ح 114 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 67 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 62 _ 64 ؛ عمدة القاري ، ج 2 ، ص 216 و217 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 552 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 37 .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 65 ، ذيل ح 148 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1015 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 283 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 272 ، ح 711 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 211 .
8- .. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 23 ، و22 ، سنن النسائي ، ج 1 ، ص 101 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 99 ، ح 160 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 46 ، ح 182 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 131 ، ح 85 ، مسند ابن الجعد ، ص 477 ؛ المنتقى من السنن لابن الجارود ، ص 18 ، ح 131 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 8 ، ص 330 ؛ شرح معاني الآثار ، ج1 ، ص 76 و77 و78 ؛ معرفة علوم الحديث ، ص 132 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 154 _ 155 ، ح 534 ، مع تفاوت يسير في بعضها .

ص: 345

ويدلّ على ما ذهب إليه موثّق عمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن الرجل يتوضّأ ثمّ يمسّ باطن دبره ، قال : «نقض وضوءه ، وإن مسّ باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضّأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة» (1) . وحمله الشيخ في الاستبصار (2) على ما إذا صادف هناك شيئا من النجاسة ، وبه قال ابن الجنيد أيضا ، إلّا أنّه خصّه بمسّ القبل والدبر من غيره ، حيث قال _ على ما حكي عنه _ : «من مسّ ما انضمّ عليه الثقبتان انتقض وضوءه ، ومن مسّ ظاهر الفرج من غير شهوة تطهّر إذا كان محرّما ، ومن مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرّم والمحلّل » (3) . ولم أقف على مستند له ، وينفيه الأصل ، وحسنة زرارة (4) ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه بتغيير يسير لفظي (5) . وخبر عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مسّ فرج امرأته ، قال : «ليس عليه شيء ، وإن شاء غسل يده ، والقُبلة لا يتوضّأ منها» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 45 ، ح 127 ؛ وص 148 ، ح 1023 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 _ 89 ، ح 284 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 272 ، ح 713 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 89 ، ذيل ح 284 .
3- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 113 _ 114 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 257 _ 258 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 107 _ 108 ؛ وتحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 60 ، ومنتهى المطلب ، ج 1 ، ص 218 .
4- .. هو الحديث 12 من الباب .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 _ 22 ، ح 54 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 87 ، ح 277 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 270 ، ح 706 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 64 ، ح 145 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 57 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 281 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 709 .

ص: 346

وخبر ابن أبيعمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الانعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مسّ الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ، ولا الجسد» (1) . واحتجوّا على إيجاب مسّ ا لذكر للوضوء _ على ما حكى عنهم في المنتهى _ بما رواه أبوهريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه حجاب (2) ولا ستر فليتوضّأ» (3) . ما رواه بسرة بنت صفوان ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ» (4) . وأجاب عن الأوّل بأنّ راويه يزيد بن عبدالملك النوفلي ، عن أبيموسى الحنّاط ، عن سعيد المقبري ، عن أبيهريرة ، ويزيد ضعيف عند أهل النقل (5) ، وأبوموسى مجهول (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 _ 20 ، ح 47 ؛ وص 253 ، ح734 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 300 ؛ وص 174 ، ح 605 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 270 ، ح 705 .
2- .. في الأصل : «لاحجاب» ، والتصويب من مصادر الحديث.
3- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 153 ، ح 526 ، وفيه بدل «ذكره» : «فرجه» والباقي سواء ؛ مسند الشافعي ، ص 13 ؛ الاُمّ ، ج 1 ، ص 34 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي ، ج 1 ، ص 220 ، ح 187 ؛ والسنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 131 مع اختصار في اللفظ ؛ كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 328 ، ح 26268 . في غير الأخير : «ليس بينه وبينه شيء فليتوضّأ».
4- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 34 ؛ مسند الشافعي ، ص 12 ؛ مختصر المزني ، ص 4 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 9 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 42 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 100 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 99 ، ح 159 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 22 ، ح 22 ؛ المنتقى ، ج 1 ، ص 17 ، ح 17 ؛ المعجم الكبير ، ج 24 ، ص 203 ؛ الآحاد والمثاني ، ج 6 ، ص 41 ، ح 3232 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 161 ، ح 479 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 152 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 128 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 219 ، ح 187 ؛ كنز العمّال ، ج 9، ص 337 ، ح 26316 .
5- .. الضعفاء الكبير للعقيلي ، ج 4 ، ص 384 ، الرقم 1998 ؛ الجرح والتعديل للرازي ، ج 9 ، ص 278 _ 279 ، الرقم 1171 ؛ المجروحين لابن حبّان ، ج 3 ، ص 102 ؛ الكامل لابن عديّ ، ج 7 ، ص 260 ؛ تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 53 _ 54 ؛ تنقيح التحقيق ، ج 1 ، ص 60 ؛ نيل الأوطار ، ج 2 ، ص 385 ؛ خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ، ص 433 ؛ مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 99 و245 و272 و315 ، وج 2 ، ص 87 و93 ، وج 3 ، ص 140 و151 ؛ وج 4 ، ص 11 و66 و91 و93 و278 و290 ؛ وج 5 ، ص 43 و71 و91 و93 ؛ وج 8 ، ص 195 ؛ وج 10 ؛ ص 128 و198 .
6- .. تلخيص الحبير ، ج 2 ، ص 54 ؛ الجوهر النقيّ ، ج 1 ، ص 130 .

ص: 347

وعن الثاني بأنّ راويه مروان بن الحكم ، وكان قد رواه لعروة فلم يرفع عروة لحديثه رأسا (1) ، ولأنّ إبراهيم الحربي يقول : حديث بسرة إنّما هو شرطي عن شرطي عن امرأة ، وردّه يحيى بن معين (2) فلم يقبله (3) . وفي [ فتح ] العزيز احتجّ لتسوية فرج المرأة للذكر بما روته عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ويل للذين يمسّون فروجهم ثمّ يصلّون ولا يتوضّأون» ، قالت عائشة : بأبي واُمّي ، هذا للرجال ، أفرأيت النساء ؟ قال : «إذا مسّت إحداكنّ فرجها فليتوضّأ [ للصلاة ]» ، انتهى (4) . ولايبعد حمل الوضوء في هذه الأخبار على المعنى اللغوي على إرادة غسل اليد استحبابا . ومنها القهقهة ، فقد نقل [ العلّامة ] عن أبيحنيفة أنّه قال : القهقهة إن حصلت في صلاة لها ركوع وسجود انتقضت طهارته وفسدت صلاته ، وإن كان بعد القعود مقدار التشهّد انتقض وضوءه ولم تفسد صلاته ، وإن وقعت في [ حرمة ]صلاة ليس لها ركوع ولاسجود كالجنازة وسجود التلاوة فسدت الصلاة والسجدة ولم ينقض الوضوء ، ولو كانت خارجة الصلاة لم تنقض الطهارة (5) . واحتجّ عليه بما رواه اُسامة ، قال : بينا نصلّي خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ أقبل ضرير (6) فتردّى في بئر ، فضحكنا منه ، فأمرنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بإعادة الوضوء وإعادة الصلاة» (7) .

.


1- .. صحيح ابن حبّان ، ج 3 ، ص 397 ؛ الدراية لابن حجر ، ج 1 ، ص 38 ؛ نصب الراية ، ج 1 ، ص 115 .
2- .. المثبت من المصدر ، وفي الأصل : «يحيى بن مضر» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 214 _ 215 . وراجع : تنقيح التحقيق للذهبي ، ج 1 ، ص 62 .
4- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 56 ، سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 153 ، ح 528 وما بين المعقّفتين منه ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 337 ، ح 26319 .
5- .. حكاه عنه في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 222 ، وما بين المعقّفتين منه ، وفيه بعد قوله : «ولم تفسد صلاته» : «وبه قال أبو يوسف ومحمّد ، وقال زفر : لا ينقض وضوؤه ، وإن وقعت في حرمة صلاته ليس لها . . .» . ولم أجد هذه العبارة بتمامها في مصدر غير منتهى المطلب . فراجع : تحفة الفقهاء للسمرقندي ، ج 1 ، ص 24 ؛ الثمر الداني ، ص 186 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 32 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 182 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 3 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 61 .
6- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «خنزير» !
7- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 169 ، ح 591 و 592 ؛ ونحوه في السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 146 ، مع مغايرة طفيفة في بعض الألفاظ.

ص: 348

وبه قال ابن الجنيد منّا لكن بتفصيل آخر ، فقد قال _ على ما حكي عنه _ : «من قهقه في صلاته متعمّدا لبطر أو سماع ما أضحكه ، قطع صلاته وأعاد وضوءه» (1) . وكأنّه تمسّك في ذلك بموثّق سماعة ، قال : سألته عمّا ينقض الوضوء ؟ قال : «الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلّا شيء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقيء» (2) ؛ حملاً للضحك فيه على القهقهة ؛ لما رواه ابن أبيعمير ، عن رهط سمعوه يقول : «إنّ التبسّم في الصلاة لاينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (3) . وفيه : أنّهما مع عدم صحّة الأوّل (4) وإضمار الثاني ، لابدّ من حملهما على الاستحباب ، أو على التقيّة ؛ للجمع . وربّما حمل الضحك فيهما على الضحك الذي لا يملك نفسه معه من الحدث، على أنّ الظاهر من القطع في الثاني قطع الصلاة فقط ؛ فإنّه إنّما يستعمل في الصلاة دون الوضوء ، والمستعمل فيه إنّما هو النقض ، والتقليب خلاف الأصل والظاهر ، ويؤيّده حسنة زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «القهقهة لاتنقض الوضوء وتنقض الصلاة» (5) . ومنها : ملامسة بشرة المرأة مطلقا ، ففي [ فتح ] العزيز : اللمس من نواقض الوضوء خلافا لأبيحنيفة إلّا في المباشرة الفاحشة ، وهي أن تضع

.


1- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 116 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 221 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 260 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 113 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 12 ، ح 23 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 و86 و90 ، ح 262 و273 و290 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 260 ، ح 673 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 12 ، ح 24 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 86 ، ح 274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 ، ح 683 .
4- .. لأنّ طريقه عامّي .
5- .. وهي الرواية 6 من باب ما يقطع الصلاة من الضحك من الكافي . ورواها الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 367 ، ح 1062 ، والشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 324 ، ح 1324 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 261 ، ح 677 .

ص: 349

الفرج على الفرج مع الانتشار ، ولمالك وأحمد ؛ فإنّهما اعتبرا الشهوة في كونه ناقضا ، وعن أحمد روايتان اُخريان إحداهما مثل مذهبنا والاُخرى مثل مذهب أبيحنيفة (1) . وتمسّك من حكم بالنقض بها بقوله تعالى : «أَوْ لَ_مَسْتُمُ النِّسَآءَ » (2) بمعنى لمستم ؛ لأنّ فاعَلَ قد يعاقب فَعَل كعاقَبَ ، وقد قرأ به الكسائي (3) » . ومذهب الأصحاب أنّه على القراءتين كناية عن الجماع ، وقد جاء المسّ أيضا كناية عنه في قوله تعالى : «لَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ » (4) ، وهو مأخوذ عن أهل البيت عليهم السلام وقد تواتر ذلك عنهم مذاكرة ، وإن كان الخبر المنقول عنهم في ذلك في كتب الأخبار واحدا غيرمتّصف بالصحّة والصراحة فيه ، رواه أبان بن عثمان، عن أبي مريم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : ما تقول في الرجل يتوضّأ ثمّ يدعو جاريته فتأخذ بيده حتّى ينتهي إلى المسجد ، فإنّ من عندنا يزعمون أنّها الملامسة ، فقال : «لا واللّه ما بذلك بأس ، وربّما فعلته ، ما يعني بهذا «أَوْ لَ_مَسْتُمُ النِّسَآءَ » (5) إلّا المواقعة دون الفرج» (6) . وهو منقول في كنز العرفان عن ابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة . ويتفرّع على نقض الملامسة عندهم كون القُبلة ناقضا له، وقد صرّحوا بذلك. ويردّه ما روي من طرقهم عن عائشة ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قبّلها وهو صائم وقال : «إنّ القُبلة لا تنقض الوضوء ولا تفطّر الصائم» ، [ وقال : ] «يا حميراء ، إنّ في ديننا لَسعَة» (7) . وعنها : أنّه عليه السلام كان يقبّل بعض نسائه وكان يخرج إلى الصلاة ولم يتوضّأ 8 .

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 29 .
3- .. التبيان ، ج 3 ، ص 205 ؛ فتح القدير ، ج 1 ، ص 470 ؛ حكياه عنه وعن حمزة . وفي مجمع البيان ، ج 3 ، ص 90 : «قرأ أهل الكوفة غير عاصم «أَوْ لَ_مَسْتُمُ » بغير ألف» .
4- .. آل عمران (3) : 47 ؛ مريم (19) : 20 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 55 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 87 _ 88 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 707 .
6- .. مسند ابن راهويه ، ج 2 ، ص 172 ، ح 673 ، وما بين المعقّفتين منه .
7- .. المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 66 ؛ مسند أحمد ، ج 6 ، ص 210 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 168 ، ح 502 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 142 ، ح 478 ؛ وص 43 _ 44 ، ح 484 ؛ وص 148 ، ح 501 ؛ حديث خيثمة ، ص 202 ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ .

ص: 350

وعن اُمّ سلمة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يقبّلها وهو صائم لايفطر ولا يحدث وضوءا (1) . ومن طريق الأصحاب بعض ما سبق من الأخبار ، وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن القُبلة . تنقض الوضوء ؟ قال : «لا بأس» (2) . وخبر عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة ، أو مسّ فرجها أعاد الوضوء» (3) ، مع ضعفه ، محمول على الاستحباب ؛ للجمع ، والأظهر حمله على التقيّة . ومنها القيء ، فقد حكي عن أبيحنيفة أنّه قال : إن كان قاء طعاما أو مِرّة أو صفراء أو سوداء أو دما لم يخالطه شيء بعد أن وصل الجوف ثمّ عاد نقض إن كان ملأ الفم ، وإلّا فلا . وعن زفر : أنّه ينقض مطلقا (4) . وأجمع الأصحاب على أنّه ليس بناقض له مطلقا (5) ، وإليه ذهب أكثر العامّة (6) . لنا خبر الحسين بن أبيالعلاء (7) ، وحسنة أبياُسامة (8) ، وموثّقة أبان ، عن عبيد بن

.


1- .. المعجم الأوسط ، ج 4 ، ص 136 ؛ وعنه في مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 247 ، ولفظه : «كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّل . . .» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 23 ، ح 58 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 279 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 708 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 56 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 88 ، ح 280 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 272 ، ح 712 .
4- .. حكاه عنهما العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 218 ، ولاحظ: المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 75 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 19 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 25 و26 و27 .
5- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 109 ؛ تذكرة الفقهاء ج 3 ، ص 302 ، المسألة 333 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 153 .
6- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 7 ؛ المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 18؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 25 ، ذيل ح 18 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 426 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 75 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 24 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 59 ، ذيل ح 87 .
7- .. وهو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي .
8- .. وهو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .

ص: 351

زرارة (1) . وما رواه الشيخ عن روح بن عبدالرحيم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن القيء ، قال : «ليس فيه وضوء وإن تقيّأت متعمّدا» (2) . وفى الموثّق عن سماعة ، قال : سألته عمّا ينقض الوضوء من القيء ، قال : «ليس فيه وضوء وإن تقيّأ متعمّدا» (3) . وعن أبيهلال ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : أينقض الرعاف والقيء أو نتف الإبط الوضوء ؟ فقال : «وما تصنع بهذا ، هذا قول المغيرة بن سعيد ، لعن اللّه المغيرة ، ويجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» (4) . وعن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : «ليس في القيء وضوء» (5) . وما سيأتي من خبر أبيبصير . وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قاء ولم يتوضّأ (6) . ويؤيّدها الأصل ، وهذان يردّان قول أبيحنيفة . فأمّا ما سبق في موثّق سماعة (7) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبيعبيدة الحذّاء ،

.


1- .. وهو ح 10 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 27 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 260 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 262 ، ح 681 .
3- .. لم أجده في مصدر ، واللفظ المذكور هنا في الجواب موافق لحديث روح بن عبدالرحيم برواية الشيخ في الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 260 ، وأمّا موثّقة سماعة فتقدّمت آنفا في عنوان القهقهة ، وعدّ فيها القيء من نواقض الوضوء .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 349 ، ح 1026 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 ، ح 694 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 27 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 261 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 ، ح 682 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 219 ؛ جامع الاُصول ، ج 8 ، ص 112 ؛ الهداية للمرغياني ، ج 1 ، ص 14 ؛ الجامع الصغير للشيباني ، ص 72 . وفي سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 166 ، ح 585 ؛ وج 2 ، ص 163 ، ح 2250 أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله توضّأ بعد القيء ، وقال في جواب من سأل عن وجوبه : «لو كان فريضة لوجدته في القرآن» .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 12 ، ح 23 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 و86 و90 ، ح 262 و273 و290 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 260 ، ح 673 ، وقد تقدّم .

ص: 352

عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الرعاف والقيء والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم تنقض الوضوء» (1) ، فحملها الشيخ تارة على التقيّة ، وتارة على ضرب من الاستحباب (2) . ومنها : أكل ما مسّته النار ، وهو لايوجب الوضوء إجماعا منّا (3) ، ووافقنا على ذلك أبوحنيفة (4) ومالك (5) والشافعي في قول (6) . وقال أحمد بن حنبل : «أكل لحم الإبل ناقض ، سواء كان نيّا أو مطبوخا ، عالما كان أو جاهلاً» (7) . وهو أحد قولي الشافعي (8) . وعن جماعة من أسلافهم كابن عمر وزيد بن ثابت وأبيموسى وأبيهريرة وجوب الوضوء لكلّ ما غيّرته النار (9) . لنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : هل يتوضّأ من الطعام أو شرب اللبن : ألبان الإبل والبقر والغنم وأبوالها ولحومها ؟ قال :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 26 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 _ 264 ، ح 685 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 _ 84 ، ذيل ح 263 .
3- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 141 ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 154 ؛ جواهر الكلام ، ج 1 ، ص 419 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 104 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 179 .
5- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 104 .
6- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 .
7- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 189 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 60 ؛ كشّاف القناع ، ج 1 ، ص 153 .
8- .. المغني ، ج 1 ، ص 179 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 189 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 253 .
9- .. المغني ، ج 1 ، ص 184 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 57 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 253 ؛ عمدة القاري ، ج 3 ، ص 104 ، وليس فيه قول ابن عمر .

ص: 353

«لا يتوضّأ منه» (1) . وعن بكير بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الوضوء ممّا غيّرت النار ؟ فقال : «ليس عليك وضوء ، إنّما الوضوء ممّا يخرج ليس ممّا يدخل» (2) . ويؤيّدها الأصل ، وموثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل توضّأ ثمّ أكل لحما أو سمنا ، هل له أن يصلّي من غير أن يغسل يده ؟ قال : «نعم ، وإن كان لبنا لم يصلّ حتّى يغسل يده ويتمضمض ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي وقد أكل اللحم من غير أن يغسل يده ، وإن كان لبنا لم يصلّ حتّى يغسل يده ويتمضمض» (3) ؛ حيث لم يتعرّض عليه السلام للوضوء . ويردّ قولهم ما رواه جابر ، قال : «كان آخر الأمر من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك الوضوء ممّا مسّت النار» (4) . وما رواه ابن عبّاس عنه عليه السلام ، أنّه قال : «الوضوء ممّا يخرج لا ممّا يدخل» (5) . ومنها : شرب اللبن ، ولم يخالف أحد من أهل العلم في أنّه ليس بناقض ، إلّا أحمد في إحدى الروايتين عنه (6) ؛ مستندا بما رواه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله سئل عن ألبان الإبل ؟ فقال :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1035 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 96 ، ح 312 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 290 ، ح 762 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1034 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 290 ، ح 763 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1033 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1033 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 290 ، ح 764 .
4- .. سنن النسائي ، ج 1 ، ص 108 ؛ السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 105 _ 106 ، ح 188 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 155 _ 156 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 28 ؛ المعجم الأوسط ، ج 5 ، ص 59 ؛ المعجم الصغير ، ج 1 ، ص 240 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 149 ، ح 2973 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 5 _ 6 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 67 ؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 19 ، ح 24 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 50 ، ح 192 ، وفيه : «ممّا غيّرت النار» . وفي جميع المصادر : «آخر الأمرين» .
5- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 58 ، ح 545 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 261 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 449 ، وفي الجميع : «الوضوء ممّا يخرج ، وليس ممّا يدخل» .
6- .. فيض القدير للمناوي ، ج 4 ، ص 264 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 60 .

ص: 354

«توضّأوا من ألبانها» (1) . وهو على تقدير صحّته ، فالظاهر أنّ المراد بالتوضّي فيه غَسل اليدين والفم على إرادة معناه اللغوي ؛ كما ورد في خبر عمّار المتقدّم . ومنها : ما يخرج من البدن من دم أو قيح أو نخامة أو رطوبة أو صديد ، ولاتنقض الطهارة منها إلّا من الدماء الثلاثة إجماعا منّا وفاقا لأكثر أهل الخلاف (2) ، وقال أبوحنيفة : «إذا خرج أحد من الاُمور المذكورة عن رأس الجرح وسال نقض ، وإن لم يسل فلا» (3) . وقال زفر : «تنقض سال أو لم يسل» (4) . وقال الشافعي : «تنقض الخارجة من القبل» (5) . لنا الأصل ، وخبرأبيبصير (6) ، وحسنة الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : سألت أباالحسن عليه السلام : يقال : كان أبوعبداللّه عليه السلام يقول في الرجل يدخل يده في أنفه فيصيب خمس أصابعه الدم ، قال : «ينقيه ولاينقض الوضوء» (7) . وصحيحة أحمد (8) ، عن إبراهيم بن أبيمحمود ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن القيء والرعاف والمدّة: أتنقض الوضوء أم لا ؟ قال : «لاتنقض شيئا» (9) .

.


1- .. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 352 ، مسند اُسيد بن حضير ؛ المعجم الكبير ، ج 1 ، ص 206 ، ح 559 ؛ كنز العمّال ، ج 7 ، ص 342 ، ح 19175 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 54 .
3- .. حكاه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 232 ، وكذا قول زفر والشافعي ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 76 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 176 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 256 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 25 .
4- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 25 .
5- .. لم أجد هذا التعبير في المصادر ، والمنتسب إلى الشافعي بطلان الوضوء بخروج النجاسة من المخرجين . اُنظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 31 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 54 .
6- .. وهو ح 13 من هذا الباب من الكافي .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 348 ، ح 1024 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 267 ، ح 697 .
8- .. في الهامش بخطّ الأصل : «أحمد هذا أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ فإنّه الذي يروي كتاب أبيمحمود ، على ما ذكره النجاشي [ في رجاله ، ص 25 ، الرقم 43 ] . منه عفي عنه» .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 16 ، ح 34 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 84 ، ح 266 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 262 ، ح 679 .

ص: 355

وخبر سماعة ، عن أبيبصير ، قال : سمعته يقول : «إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض ، وإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه ؛ فإنّ ذلك يجزيه ولايعيد وضوءه» (1) . ورواية جابر ، عن أبيجعفر عليه السلام ، يقول : «لو رعفت دَورقا (2) ما زدت أن أمسح منّي الدم واُصلّي» (3) . وروى الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله : أنّه احتجم ولم يتوضّأ (4) . فأمّا ما رواه أبوعبيدة الحذّاء في الخبر المتقدّم من قوله : «إذا استكره الدم نقض ، وإن لم يستكره لم ينقض» (5) ؛ وما رواه أيّوب بن الحرّ ، عن عبيد بن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل أصابه دم سائل ؟ قال : «يتوضّأ ويعيد» ، قال : وإن لم يكن سائلاً ؟ قال : «توضّأ وبنى» . قال : «ويصنع ذلك بين الصفا والمروة» (6) ؛ وما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس ، قال : سمعته يقول : «رأيت أبي عليه السلام وقد رعف بعد ما توضّأ دما سائلاً فتوضّأ» (7) ؛

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 15 ، ح 31 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 85 ، ح 270 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 265 ، ح 691 .
2- .. الدورق : مكيال للشُرب . كتاب العين ، ج 5 ، ص 115 (درق) . وفي هامش «ج» : «الدرق بالفتح فالسكون : مكيال معروف يسع على ما قيل أربعة ، والجرّة ذوات العروة تسمّى دورقا أيضا ، مجمع [ البحرين ، ج ، ص (درق) ] » .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 15 ، ح 32 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 84 ، ح 265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 265 ، ح 690 .
4- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 141 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 158 ، ح 546 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 2 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 26 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 83 ، ح 263 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 263 _ 264 ، ح 685 ، وكان لفظه هكذا : «إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء ، وإن لم تستكرهه لم تنقض الوضوء» .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 350 ، ح 1032 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 84 ، ح 267 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 267 ، ح 698 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 13 ، ح 29 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 85 ، ح 268 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 267 ، ح 699 .

ص: 356

فحملها الشيخ تارة على التقيّة ، وتارة على ضرب من الاستحباب ، واُخرى على غسل الموضع على إرادة ا لمعنى اللغوي من الوضوء ، واستند فى الأخير بما رويناه عن أبيبصير ، وبخبر أبيحبيب الأسدي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول في الرجل وهو على وضوء ، قال : «يغسل آثار الدم ويصلّي» (1) . ومنها : الارتداد ، فذهب الشافعي في قول إلى أنّه ينقض التيمّم (2) ، وبه قال زفر (3) . وعن أحمد : أنّه ينقض الوضوء أيضا ، وبه قال الأوزاعي وأبوثور (4) . وقال العلّامة في المنتهى : «أنّه لا يوجب الوضوء ولا ينقض التيمّم» (5) ، والظاهر وفاق الأصحاب عليه ، وحكاه عن أبيحنيفة وصاحبيه ومالك والشافعي في الوضوء وفي التيمّم أيضا في قوله الآخر (6) ، ويدلّ عليه الأصل المؤيّد بالحصر المستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة ، وانتفاء دليل يعتدّ به على كونه ناقضا . واحتجّ من حكم بنقضه لمطلق الطهارة بقوله تعالى : «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » (7) ، وبقوله عزّ وجلّ : «وَمَن يَكْفُرْ بِالْاءِيمَ_نِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ » (8) . وبما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : «الحدث حدثان : حدث اللسان وحدث الفرج ، وأشدّها حدث اللسان» .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 16 ، ح 30 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 85 ، ح 269 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 266 ، ح 693 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 168 .
3- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 117 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 61 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 168 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 192 ؛ ولم يذكروا قول صاحبَي أبي حنيفة . والأقوال المذكورة حكاها العلّامة في منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 228 _ 229 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 228 . وكان في الأصل : «ولاانتقض» ، والتصويب من المصدر .
6- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 168 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 192 ، ولم يذكرا قول صاحبَي أبي حنيفة .
7- .. الزمر (39) : 65 .
8- .. المائدة (5) : 5 .

ص: 357

وفي المنتهى : «والجواب عن الآيتين أنّهما مشروطتان بالموافاة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ » (1) . وعن الخبر بعدم صراحته في المدّعى ، وبعدم حجّيّة قول ابن عبّاس» (2) . وربمّا احتجّوا عليه بأنّ الطهارة عبادة لاتجامع الكفر . وفيه : ستعرفه . وعن زفر أنّه احتجّ بالآيتين ، وبأنّ الردّة لو قارنت التيمّم منعت صحّته ، فإذا طرأت عليه أبطلته . وهو قياس مع الفارق بين المقارنة والتأخّر ؛ لفقدان شرط صحّة التيمّم وهو مقارنة النيّة في الأوّل دون الثاني (3) . ومنها تخيّل الحدث والشكّ في حدوثه ، فقد دلّ حسنة معاوية بن عمّار على أنّه لاينقض إذا كان ريحا ، والظاهر جريان الحكم في غيره أيضا ؛ للأصل السالم عن المعارض ، وهو الصحيح على ما سبق . قال _ طاب ثراه _ : وعليه جمهور العامّة ، وقال مالك مرّة : الشكّ مؤثّر فيتوضّأ ويقطع إن كان في صلاة . وقال مرّة : يستحبّ له أن يتوضّأ . وقال بعضهم : إن شكّ وهو في الصلاة ألغى الشكّ ولم يقطع ، وإن لم يكن في صلاة أخذ بالشكّ . وقال بعضهم : إن كان الحدث الذي شكّ فيه ريحا لم يتوضّأ حتّى يسمع أو يشمّ ، وإن كان بولاً توضّأ . قوله : (عن محمّد بن سهل) . [ ح 2/3969 ] مشترك بين مجاهيل ، والظاهر أنّه هنا هو محمّد بن سهل بن اليسع الأشعري القمّي الذي يروي عن الرضا والجواد عليهماالسلام (4) ؛ فإنّ غيره ممّن يسمّى بهذا الاسم كلّهم كانوا من

.


1- .. البقرة (2) : 217 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 229 _ 230 .
3- .. كلام زفر وجوابه من منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 229 _ 230 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 367 ؛ الرقم 996 ؛ الفهرست ، ص 225 ، الرقم 631 ؛ نقد الرجال ، ج 4 ، ص 227 ، الرقم 6764 .

ص: 358

باب الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذر

أصحاب الصادق عليه السلام (1) ، فلا يتصوّر روايتهم عن الرضا عليه السلام لا سيّما بواسطة . قوله في صحيحة محمّد بن خلّاد : (فربّما اُغفي) . [ ح 14/3981 ] قال الجوهري : غَفا يَغفو غفوا : نام ، أو نعس (2) ، وأغفيتُ إغفاءً : نمت (3) . قوله في صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج : (عن الخفقة والخفقتين) . [ ح 15/3982 ] خفق الرجل : إذا حرّك رأسه وهو ناعس (4) ، والنعاس : مقدّمة النوم ، وهو يحصل من ريح لطيف يأتي من قبل الدماغ يغطّي العين ولا يصل إلى القلب ، فإذا وصل إليه صار نوما (5) .

باب الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذرقال شيخنا المفيد في المقنعة : «إذا داس الإنسان بنعله أو خُفّه نجاسة ثمّ مسحهما بالتراب طهرا بذلك» (6) . وفي المنتهى : «وقال بعض أصحابنا : إنّ أسفل القدم حكمه حكم الخفّ والنعل ، وعندي فيه توقّف» (7) . وجزم الشهيد في الذكرى (8) بجريان حكمهما فيه ، ومثله العلّامة في القواعد (9)

.


1- .. رجال الطوسي ، ص 284 ، الرقم 4123 ؛ نقد الرجال ، ج 4 ، ص 228 ، الرقم 4765 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 17 ، ص 176 _ 182 ، الرقم 10949 _ 10957 .
2- .. القاموس المحيط ، ج 4، ص 371 (غفو)، ولم أعثر على هذه العبارة في صحاح اللغة.
3- .. صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2448 (غفا) .
4- .. صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1469 ؛ لسان العرب ، ج 10 ، ص 80 (خفق) .
5- .. تاج العروس ، ج 17 ، ص 709 (نوم) .
6- .. المقنعة ، ص 72 ، كتاب الطهارة ، الباب 12 ، وفيه : «بخفّه أو نعله» .
7- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 285 .
8- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
9- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 194 .

ص: 359

والإرشاد (1) ، والمحقّق (2) ، وهو المشهور بين المتأخّرين (3) . وألحق بعض الأصحاب بالنعل والخفّ كلّ ما هو من وقاء الرِجل ، وحكي ذلك عن ابن الجنيد (4) . وفي الذكرى : «وحكم الصنادل حكم النعل ؛ لأنّها ممّا ينتعل» (5) . والتعميم هو الأظهر ؛ لعموم صحيحة الأحول (6) ، وحسنة محمّد بن مسلم (7) ، وخبر إسحاق بن عمّار ، عن محمّد الحلبي (8) ، وحسنة المعلّى (9) . وصحيحة زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه (10) ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : «لا يغسلها [ إلّا ] أن يقذرها ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ويصلّي» (11) . ويؤيّدها في خصوص الخفّ ما رواه حفص بن أبيعيسى ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّي وطئت عذرة بخُفّي ومسحته حتّى لم أر فيه شيئا ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ [ قال : «لا بأس» ] (12) . وإنّما لم نجعله دليلاً ؛ لأنّه يحتمل أن يكون نفي البأس عن الصلاة في ذلك الخفّ ؛ لكونه ممّا لايتمّ الصلاة فيه .

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 240 ، ومثله في تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 163 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 447 .
4- .. اُنظر : مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 372 .
5- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 447 .
6- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي .
7- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
8- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
9- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
10- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «أينقض ذلك فيها» .
11- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 275 ؛ ح 809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 458 _ 459 ، ح 4171 .
12- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 274 _ 275 ؛ ح 808 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 458 ، ح 4170 .

ص: 360

وروى في المنتهى عن أبيهريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب» (1) . وفي لفظ آخر : «إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور» . ومثله عن عائشة ، عنه صلى الله عليه و آله (2) . وعن أبيسعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر ، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصلّ فيهما» (3) . وألحق الشهيد الثاني في شرح اللمعة بالنعل خشبة الأقطع (4) ، والأحسن إلحاقها بالرِجل ، ولا يبعد إلحاق العصا وما يتوكّأ عليه الضعفاء حال القيام والمشي أيضا به ؛ لقيامه مقامه ، وصدق الوطئ على الأرض به عرفا . فروع : الأوّل : عموم أكثر الأخبار يقتضي عدم اختصاص الحكم بوطي التراب بل يقتضي شموله لما إذا وطأ الحجر والرمل وغيرهما ممّا يصدق عليه اسم الأرض ، فتخصيص المفيد ذلك بالتراب على ما يشعر به كلامه حيث قال : «وإذا داس الإنسان بخُفّه أو نعله (5) نجاسة ثمّ مسحهما بالتراب طهرا بذلك» (6) ، غير جيّد . وقال الشهيد في الدروس : «وتطهّر الأرض والحجر النعل والقدم» (7) . والظاهر أنّه أراد بالأرض ما يشمل الرمل وشبهه .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 283 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 95 ، ح 386 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 369 ، ح 26507 .
2- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 95 ، ح 387 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 369 ، ح 26507 .
3- .. سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 154 ، ح 650 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 92 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 388 ، ح 1516 و1517 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد ، ص 278 ، ح 880 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 384 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 511 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 402 ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 2 ، ص 225 ، ح 1229 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 5 ، ص 561 .
4- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 313 .
5- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «ونعله» .
6- .. المقنعة ، ص 72 ، كتاب الطهارة ، الباب 12 .
7- .. الدروس ، ج 1 ، ص 125 ، الدرس 20 .

ص: 361

الثاني : إطلاق الأخبار يقتضي عدم اشتراط كون الأرض طاهرا ، وهو ظاهر إطلاق أكثر الفتاوى ، واشترط الشهيد في الذكرى طهارتها (1) ، وهو محكيّ عن ابن الجنيد (2) ، وكأنّهما تمسّكا بصحيحة الأحول (3) فخصّصوا العمومات بها . وفيه أنّ التقييد بالنظيف في تلك الصحيحة إنّما هو في كلام السائل ، وهو ليس بحجّة ، على أنّ الظاهر من النظيف فيها بقرينة المقابلة المكان الذي لم يكن فيه نجاسة تسري إلى الرجل والخُفّ . الثالث : ظاهر حسنة المعلّى (4) اختصاص ذلك بالأرض الجافّة ، ولعلّ المراد بالجفاف فيها ما لايصدق عليه اسم الطين ، فلا ينافي إطلاق أكثر الأخبار ، وكأنّه لذلك قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة : «ولا فرق في الأرض بين الجافّة والرطبة ما لم يخرج (5) عن اسم الأرض» (6) . الرابع : هل يشترط المشي ؟ الأظهر لا بل يكفي الدلك والمسح ؛ لصحيحة زرارة المتقدّمة (7) المعتضدة بإطلاق بعض الأخبار السالفة . وحكى في الذكرى 8 عن ابن الجنيد أنّه شرط المشي نحوا من خمسة عشر ذراعا ، ويدلّ عليه صحيحة جميل [ عن الأحول ] 9 ، لكنّ الظاهر أنّ اعتباره إنّما هو لكونه مستلزما لإزالة النجاسة غالبا لا لقصر الحكم عليه ؛ للجمع . الخامس : قال الشهيد في الذكرى : «ولايشترط جفاف النجاسة ولا كونها ذات جرم ؛

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 275 ؛ ح 809 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 458 _ 459 ، ح 4171 .
4- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 447 ، والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 282 .
5- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
6- .. في المصدر : «ما لم تخرج» .
7- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 312 .

ص: 362

للعموم» (1) . وردّ بذلك على أبيحنيفة حيث قال _ على ما حكي عنه في المنتهى (2) _ : «النجاسة الجرميّة إذا أصابت الخفّ ونحوه وجفّت ودلكها بالأرض طهرت ، وإن كانت رطبة لم تطهر إلّا بالغسل» (3) ؛ محتجّا بأنّ الجلد صلب لايشرب النجاسة كثيرا ، فتبقي الرطوبة على ظاهرها ، فإذا جفّت النجاسة عادت الرطوبة إلى جرمها وتزول بزواله ، ولا كذلك الرطب . وهو كماترى . ولهم أقوال اُخر غير ما ذهب إليه أبوحنيفة ، ففي رواية عن أحمد موافقته لمذهب أصحابنا (4) ؛ لما دلّ عليه من أخبارهم المذكورة ، وهو منقول عن إسحاق والأوزاعي (5) . وفي رواية ثانية عنه طهره بما ذكر في غير البول والعذرة ووجوب الغسل منهما (6) . وفي رواية ثالثة عنه وجوب الغسل مطلقا كسائر المتنجّسات (7) ، وهو منقول عن الشافعي في الجديد (8) . قوله في حسنة محمّد بن مسلم : (أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا) . [ ح 2/3986 ] ظاهره أنّ كلّ أرض نجسة سواء كانت ملاصقة بالنعل ونحوه أو لا ، تطهر بأرض اُخرى ، الاُولى تطهر بالدلك بهذه ونحوه على ما ذكر ، والثانية تطهر باختلاطها بهذه الاُخرى بتهييج الرياح أو بمرور الخلائق عليهما وشبههما ، ولا بُعد في القول به مع

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 129 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 283 ، وجميع الأقوال المذكورة هنا منه .
3- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 70 _ 71 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 84 _ 85 .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 728 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 55 .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 728 _ 729 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 54 .
6- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 728 ؛ الإنصاف للمرداوي ، ج 1 ، ص 323 .
7- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 729 ؛ الإنصاف للمرداوي ، ج 1 ، ص 323 .
8- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 84 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 55 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 598 .

ص: 363

باب المذي والوذي

زوال عين النجاسة عنها ؛ لعدم معارض صريح له ، فيكون هذه المقدّمة الكلّيّة ككبرى لقياس . وقال صاحب المدارك : يمكن أن يكون معناه أنّ الأرض يطهّر بعضها ، وهو المماسّ لأسفل النعل والقدم ، والظاهر منها بعض الأشياء وهو النعل والقدم ، ويحتمل أن يكون المراد أنّ أسفل القدم والنعل إذا تنجّس بملاقاة بعض الأرض النجسة يطهّره البعض الآخر إذا مشى عليه ، فالمطهّر في الحقيقة ما ينجّس بالبعض الآخر ، وعلّقه بنفس البعض مجازا (1) .

باب المذي والوذي (2)المذي هو الماء الذي يخرج من الإحليل بعد الملاعبة ونحوها بشهوة من غير دفق ولا فتور للجسد ، والوذي بالذال المعجمة هو الماء الذي بعد البول من غير شهوة . وهناك ماء ثالث يخرج لا للانعاظ ولا بعد البول يقال له : الودي بالمهملة (3) ، وربّما وقع التعاكس في تفسير هذين كما يظهر من خبر ابن رباط الآتي ، وعلى أيّ حال فالمشهور بين الأصحاب أنّ هذه المياه طاهرة وغير ناقضة للوضوء ، بل الظاهر وفاقهم عليهما ، وقد ادّعاه في المنتهى في الأوّلَين ساكتا عن ذكر الثالث ، ونسب الخلاف فيهما إلى أهل الخلاف أجمع (4) . لنا زائدا على ما رواه المصنّف في الباب وفي باب المنيّ والمذي يصيبان الثوب ، ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحّام ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : المذي أينقض

.


1- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 373 _ 374 .
2- .. كذا في جميع النسخ ، وفي المصدر المطبوع : «الودي» بالدال المهملة .
3- .. اُنظر : الفروق اللغويّة لأبيهلال العسكري ، ص 491 ، الرقم 1985 ؛ النهاية ، ج 4 ، ص 312 (مذي) ؛ وج 5 ، ص 169 (ودي) ؛ مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 184 (مذي) ؛ وص 484 (ودي) ؛ وص 485 (وذي) . والمذكور فيهنّ وفي سائر المصادر أنّ الوذي يخرج عقيب المنيّ ، والودي عقيب البول .
4- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 190 .

ص: 364

الوضوء ؟ فقال : «لا ، ولايغسل منه الثوب ولا الجسد ، وإنّما هو بمنزلة البزاق والمخاط» (1) . [ و ] في الصحيح عن حريز ، قال : حدّثني زيد الشحّام وزرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه قال : «إن سال من ذكرك شيء من مذي أو وذي فلاتغسله ، ولاتقطع له الصلاة ، ولاتنقض له الوضوء ؛ إنّما هو بمنزلة النخامة ، كلّ شيء خرج منك بعد الوضوء فإنّه من الحبائل» (2) . وفي الصحيح عن ابن أبيعمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام قال : «ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القُبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولايغسل منه الثوب ولا الجسد» (3) . وفي الحسن عن عبدالملك بن عمرو ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللاً ، قال : «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات وغمز ما بينهما ، ثمّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق (4) فلايبالي» (5) . وفي الموثّق عن إسحاق بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المذي ؟ فقال : «إنّ عليّا عليه السلام كان رجلاً مذّاء فاستحيا أن يسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمكان فاطمة عليهاالسلام ، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس ، فسأله فقال النبيّ صلى الله عليه و آله له : ليس بشيء» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 17 ، ح 40 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 91 ، ح 293 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 _ 278 ، ح 729 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، ح 52 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 ، ذيل ح 726 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 _ 20 ، ح 47 ؛ و253 ، ح 734 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 300 ؛ و174 ، ح 605 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 270 ، ح 705 .
4- .. السوق : جمع ساق ، وهو ما بين الركبة والكعب .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 50 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 303 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 65 ، ح 148 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 _ 43 ، ح 745 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 17 ، ح 39 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 91 ، ح 292 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 278 ، ح 731 .

ص: 365

وعن عنبسة ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «كان عليّ عليه السلام لايرى في المذي وضوء ولا غسلاً ما أصاب الثوب منه إلّا في الماء الأكبر» (1) . وعن حريز ، عمّن أخبره عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الودي لاينقض الوضوء ، إنّما هو بمنزلة المخاط والبزاق» (2) . وعن ابن رباط ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يخرج من الإحليل المنيّ والمذي والودي ، فأمّا المنيّ فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر فيه الجسد ، وفيه الغسل ، وأمّا المذي فإنّه يخرج من الشهوة ولا شيء فيه ، وأمّا الودي فهو الذي يخرج من الإدواء فلا شيء فيه» (3) . وقد ورد الوضوء للمذي في خبر أبيبصير ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : المذي يخرج من الرجل ؟ قال : «أحدّ لك حدّا؟» قال قلت : نعم جعلت فداك . قال : فقال : «إن خرج منك بشهوة فتوضّأ ، وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء» (4) . وصحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي : أينقض الوضوء ؟ قال : «إن كان من شهوة نقض» (5) . وخبر الكاهلي ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي ؟ فقال : «ما كان منه بشهوة فتوضّأ منه» (6) .

.


1- .. الكافي ، باب المنيّ والوذي يصيبان الثوب ، ح 6 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 17 _ 18 ، ح 41 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 91 _92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 ، ح 728 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، ح 51 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 280 _ 281 ، ح 739 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 48 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 277 ، ح 730 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 ، ح 44 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 297 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 ، ح 734 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 ، ح 45 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 298 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 ، ح 735 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 19 ، ح 46 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 93 ، ح 299 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 _ 280 ، ح 736 .

ص: 366

وصحيحة يعقوب بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة ، قال : «المذي منه الوضوء» (1) . وعمل بها ابن الجنيد وقال بوجوب الوضوء له ، واحتمله الشيخ في التهذيب ، والأظهر في الجمع حمل هذه على الاستحباب كما فعله في الاستبصار ؛ لصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن المذي ، فأمرني بالوضوء منه ، ثمّ أعدت عليه سنة اُخرى فأمرني بالوضوء منه وقال : «إنّ عليّا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستحيا أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء» . قلت : فإن لم أتوضّأ ؟ قال : «لا بأس» (2) . وربّما حملت على التقيّة . وقد قال الشيخ في صحيحة يعقوب بن يقطين : قوله عليه السلام : «المذي منه الوضوء» محمول على التعجّب منه ؛ لا الإخبار . وفي بعض الأخبار أيضا ورد الوضوء للودي ، رواه ابن سنان ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «ثلاث يخرجن من الإحليل وهي : المنيّ فمنه الغسل ، والودي فمنه الوضوء ؛ لأنّه يخرج من دريرة البول» . قال : «والمذي ليس فيه وضوء إنّما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف» (3) . والظاهر كما يشعر به التعليل أنّه فيما اشتبه بالبول ولمّا يستبرأ ، ويشعر به حسنة عبدالملك بن عمرو المتقدّمة أيضا (4) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، ح 53 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 95 ، ح 306 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 281 ، ح 740 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 18 ، ح 43 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 92 ، ح 296 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 279 ، ح 733 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 49 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 280 ، ح 738 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 20 ، ح 50 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 94 ، ح 303 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 282 _ 283 ، ح 745 .

ص: 367

باب أنواع الغسل

ويحتمل أيضا الحمل على التقيّة . واعلم أنّ ظاهر المنتهى (1) على ما أشرنا إليه وفاق العامّة على نجاسة المذي ونقضه للوضوء ، وقال والدي _ طاب ثراه _ : «ومنهم من فصّل» ، وقال : التحقيق في هذه المسألة أنّ المعتاد خروجه إن قدر على رفعه بنكاح أو تسرّ وجب عليه الوضوء لكلّ صلاة ، وإن لم يقدر أو استنكح استحبّ له الوضوء ، وإن فارق وكانت ملازمته أكثر، سقط وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، وفي استحبابه قولان ، وإن كانت مفارقته أكثر أو ساوت مفارقته لزومه فقيل : يجب ، وقيل : يستحبّ . وقال : «ولم أقف لهؤلاء على رواية ، وإنّما رواياتهم مطلقة في النجاسة والنقض» .

باب أنواع الغسلقال _ طاب ثراه _ : قيل في غين الغسل الضمّ والفتح ، والمعروف أنّها بالضمّ الفعل وبالفتح ما يغتسل به من الماء ، وحكى الجوهري عكسه (2) ، وقال المازري (3) : «إن كان مصدرا لغسلت فهو بالفتح كضربت ضربا ، وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضمّ» انتهى (4) . وهو إمّا واجب بأصل الشرع أو مندوب ، والواجب على المشهور ستّة : غسل الجنابة ، والحيض ، والنفاس ، والاستحاضة ، ومسّ الميّت بعد برده بالموت وقبل غسله ، وغسل الميّت ، ومنه غسل من يغتسل قبل القتل حدّا ، ويأتي كلّ فيبابه .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 190 .
2- .. صحاح اللغة ، ج 5 ، ص 1781 (غسل) .
3- .. محمّد بن عليّبن عمر التميمي المازري أبوعبداللّه ، محدّث ، متكلّم ، أديب ،من فقهاء المالكيّة ، نسبته إلى مازر بجزيرة صقليّة ، ولد بها في سنة 453 ه ق ، له من الكتب : إيضاح المحصول ، التلقين ، الكشف والإنباء ، المعلم بفوائد مسلم . مات بمدينة المهديّة من إفريقيّة في سنة 536 ه ق ، وله ثلاث وثمانون سنة . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 20 ، ص 104 _ 106 ، الرقم 64 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 6 ، ص 277 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 11 ، ص 32 .
4- .. حكاه النووي في نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 274 ؛ وفي شرح صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 99 ، بلفظ : «بعضهم يقول» .

ص: 368

وأضاف الصدوق (1) وجماعة غسل الجمعة ، ويأتي القول فيه . والمندوب منه على ما يظهر من الأخبار وفتاوى أكثر العلماء الأخيار ثلاثة وثلاثون : أغسال أيّام الجمعة ، والعيدين ، وعرفة ، والمبعث ، والغدير ، والمباهلة ، ودحو الأرض ، وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان ، ونصفه ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، وليلتي نصف رجب وشعبان ، والإحرام ، ودخول الحرم ، ومكّة ، والمسجد الحرام ، والكعبة ، والطواف ، ودخول المدينة ، ومسجد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله ، والأئمّة عليهم السلام ، وقضاء صلاة الكسوف لتاركها عمدا مع استيعاب الاحتراق ، والمولود ، وللسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة ، وللتوبة ، وصلاة الحاجة ، والاستسقاء ، والاستخارة . وأضاف الشيخ في التهذيب غسل مَن مسّ ميّتا بعد الغُسل (2) ، وغُسل الجنابة لمن مات جنبا ، مقدّما على غسل الميّت (3) . وفي المصباح : «سائر فرادى رمضان» (4) . وحكى في الذكرى (5) عن محمّد بن [ أبي ] قرّة (6) : «أنّها ليلة أربع وعشرين وخمس وعشرين وسبعة وعشرين وتسعة وعشرين» . وعن ابن الجنيد : «أنّه يستحبّ لكلّ مشهد أو مكان شريف أو يوم شريف أو ليلة شريفة ، وعند ظهور الآثار في السماء ، وعندكلّ ما يتقرّب به إلى اللّه عزّ وجلّ ويلجأ فيه

.


1- .. المقنع ، ص 145 ؛ الهداية ، ص 90 و102 ؛ علل الشرائع ، ص 285 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 430 ، ذيل ح 1373 . ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 101 ، ذيل ح 328 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 433 ، ذيل ح 1389 _ 1388 . ومثله في الاستبصار ، ج 1 ، ص 195 _ 196 ، ذيل ح 682 _ 684 .
4- .. مصباح المتهجّد ، ص 636 ، ذيل الدعاء 716 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 199 .
6- .. قال النجاشي : «محمّد بن عليّ بن يعقوب بن إسحاق بن أبيقرّة أبوالفرج القنائي الكاتب ، كان ثقة ، وسمع كثيرا وكتب كثيرا ، وكان يورّق لأصحابنا ، ومعنا في المجالس ، له كتب ، منها : عمل يوم الجمعة ، كتاب عمل الشهور ، كتاب معجم رجال أبيالمفضّل ، كتاب التهجّد . أخبرني وأجازني جميع كتبه» . رجال النجاشي ، ص 398 ، الرقم 1066 .

ص: 369

إليه» . وعن المفيد أنّه قال في الغريّة : «يستحبّ لرمي الجمار» . وفي الأشراف : «لمن اُهرق عليه ماء غالب النجاسة» (1) . وعن الفاضل : «للإفاقة من الجنون» (2) . وعن ابن زهرة : «لصلاة الشكر» (3) . ويدلّ على الأغسال المشهورة زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ، ما رواه الصدوق مرسلاً ، قال : وقال أبوجعفر الباقر عليه السلام : «الغُسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبعة عشر من شهر رمضان ، وليلة تسعة عشر ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين وفيها ترجى ليلة القدر ، وغسل العيدين ، وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا غسلت ميّتا وكفّنته أو مسسته بعد ما يبرد ، ويوم الجمعة ، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كلّه فاستيقظت ولم تصلّ فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة ، وغسل الجنابة فريضة» (4) . وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان _ والظاهر أنّه عبداللّه _ عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الغُسل من الجنابة ، ويوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم عرفة عند زوال الشمس ، ومن غسل ميّتا ، وحين تحرم ، ودخول مكّة والمدينة ، ودخول الكعبة ، وغسل الزيارة ، والثلاث ليالي من شهر رمضان» (5) . وعن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه ذلك تخفيف من ربّكم» (6) .

.


1- .. الأشراف ، ص 5 ، باب فرض الغسل ؛ مصنّفات الشيخ المفيد ، ج 9 ، ص 18 .
2- .. نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 179 .
3- .. الغنية ، ص 62 ، الأغسال المندوبة .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 77 ، ح 172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 177 ، ذيل ح 1863 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 110 _ 111 ، ح 290 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 306 ، ح 3717 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 308 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 335 ، ح 3804 .

ص: 370

وفي الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : «سُنّة وليس بفريضة» (1) . وعن عليّ _ ولعلّه ابن أبيحمزة _ قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل العيدين، أواجب هو ؟ فقال : «هو سُنّة» . قلت : فالجمعة ؟ قال : «هو سنّة» (2) . وعن بكير بن أعين ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : في أيّ الليالي أغتسل في شهر رمضان ؟ قال : «في تسع عشرة ، وفي إحدى وعشرين ، وفي ثلاث وعشرين ، والغسل أوّل الليل» . قلت : فإن نام يعيد الغسل ؟ قال : «هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك» (3) . وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : «الغُسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقاء (4) الجمعان ، وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة ، وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي اُصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم عليهماالسلام وقبض موسى عليه السلام ، وليلة ثلاث وعشرين ترجى فيها ليلة القدر ، ويومَي العيدين ، وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وإذا غسلت ميّتا أوكفّنته أو مسسته بعد ما يبرد ، ويوم الجمعة ، وغسل الجنابة فريضة ، وغسل الكسوف إذا احترق للقرص كلّه فاغتسل» (5) . وعن سعد بن أبي خلف ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «الغُسل في أربعة عشر موطنا ، واحد فريضة والباقي سنّة» (6) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3736 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 ، ح 335 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3739 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1142 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 308 ، ح 3721 .
4- .. في الهامش : «التقى _ خ ل» ، ومثله في المصدر .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 114 _ 115 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 307 ، ح 3718 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 110 ، ح 289 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 98 _ 99 ، ح 319 ، وسائل الشيعة ، ج 2 ، ف ص 176 ، ح 1862 .

ص: 371

وعن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الغُسل في سبعة عشر موطنا ، منها الفرض ثلاثة» . فقلت : جعلت فداك ، ما الفرض منها ؟ قال : «غُسل الجنابة ، وغُسل من غسل ميّتا ، والغُسل للإحرام» (1) . (2) وعن محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «الغُسل من الجنابة ، وغسل الجمعة ، والعيدين ، ويوم عرفة ، وثلاث ليال في شهر رمضان ، وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت دخول البيت الحرام ، إذا أردت دخول مسجد الرسول صلى الله عليه و آله ، ومن غسل الميّت» (3) . وفي الصحيح عن محمّد الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «اغتسل يوم الأضحى ، والفطر ، والجمعة ، وإذا غسلت ميّتا ، ولا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر ، ولا إذا حملته» (4) . وعن الحسن بن راشد ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر ؟ فقال : «يا حسن ، إنّ القاريجار (5) إنّمايعطى أجره عند فراغه ، وكذلك العيد» . قلت : فما ينبغي لنا أن نعمل فيها ؟ قال : فقال : «إذا غربت الشمس فاغتسل» الحديث (6) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى صلّى ؟ قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ،

.


1- .. في الهامش : «انتهى الخبر . منه عفي عنه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 271 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 98 ، ح 316 ، وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 174 ، ح 1855 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 272 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 307 ، ح 3719 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 273 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 297 ، ح 3697 .
5- .. «القاريجار» معرّب كاريگر ، بمعنى العامل .
6- .. الكافي ، باب التكبير ليلة الفطر ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 115 ، ح 303 ؛ علل الشرائع ، ص 388 ، الباب 124 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 328 ، ح 3789 .

ص: 372

وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (1) . وفيباب صلاة يوم الغدير في حديث طويل عن عليّ بن الحسين العبدي : «ومن صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة» (2) . وفي باب صلوات الحوائج عن صفوان بن يحيى ومحمّد بن سهل ، عن أشياخهما ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا حضرت لك حاجة مهمّة إلى اللّه عزّ وجلّ فصُم ثلاثة أيّام متوالية : الأربعاء والخميس والجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة إن شاء اللّه فاغتسل والبس ثوبا جديدا» الخبر (3) . وعن مقاتل ، قال : قلت للرضا عليه السلام : جُعلتُ فداك ، علِّمني دعاء لقضاء الحوائج ، فقال : «إذا كانت لك حاجة إلى اللّه مهمّة فاغتسل والبس أنظف ثيابك» الحديث (4) . وعن عبدالرحيم القصير ، قال : دخلت على أبيعبداللّه عليه السلام فقلت له : جُعِلتُ فداك ، إنّي اخترعت دعاء ! فقال : «دعني من اختراعك ، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . قلت : كيف أصنع ؟ فقال : «تغتسل وتصلّي ركعتين» الحديث (5) . وفي الصحيح عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الأمر يطلبه الطالب من ربّه قال : «يتصدّق في يومه على ستّين مسكينا على كلّ مسكين صاعا بصاع النبيّ صلى الله عليه و آله ، فإذا كان

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 285 ، ح 850 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 451 ، ح 1747 ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 319 ، ح 3735 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 143 _ 147 ، ح 317 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 338 ، ح 3810 ، وج 8 ، ص 89 ، ح 10154 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 556 ، ح 1543 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 3 ، ص 183 ، ح 413 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 530 _ 531 ، الرقم 613 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 132 _ 133 ، ح 10239 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، باب صلاة الحوائج ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 306 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 532 ، الرقم 615 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 333 ، ح 3800 .
5- .. الكافي ، ج 3 ، باب صلاة الحوائج ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 559 _ 560 ، ح 1548 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 116 ، ح 305 ؛ وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 103 ، ح 10234 .

ص: 373

الليل فاغتسل في ثلث الليل الثاني وتلبس أدنى ما تلبس» الحديث (1) . وقال : وروي عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّ رجلاً جاء إليه فقال له : إنّ لي جيرانا ولهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود ، فربّما دخلت المخرج فاُطيل الجلوس استماعا منّي لهنّ ! فقال له عليه السلام : «لا تفعل» . فقال : واللّه ما هو شيء آتيه برجلي ، إنّما هو سماع أسمعه باُذني . فقال الصادق عليه السلام : «تاللّه أنت ، أما سمعت اللّه يقول : «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْ_?ولًا » (2) » . فقال الرجل : كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه عزّ وجلّ من عربي ولا من عجمي ، لاجرم أنّي قد تركتها ، وإنّي أستغفر اللّه . فقال له الصادق عليه السلام : «قم فاغتسل وصلّ ما بدا لك ، فلقد كنت مقيما على أمر عظيم لو متّ على ذلك ، استغفر اللّه وسَله التوبة من كلّ ما يكره ، فإنّه لا يكره إلّا القبيح ، والقبيح دعه لأهله ؛ فإنّ لكلٍّ أهلاً» (3) . وعن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصلّ ، فليغتسل من غد وليقض الصلاة» الحديث (4) . (5) وقد قيل في بعض هذه الأخبار بالوجوب : فمنها : غسل يوم الجمعة ، ومنها: غسل قاضي صلاة الكسوف ، ومنها : غسل الإحرام ، ويأتي كلّ في محلّه إن شاء اللّه تعالى . ومنها : غسل المولود ، فأوجبه ابن حمزة (6) على ما حكاه الشهيد عنه في الذكرى (7) ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 ، ح 307 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 334 ، ح 3801 .
2- .. الإسراء (17) : 36 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 115 ، ح 304 . وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 80 ، ح 177 ؛ ونحوه في الكافي ،ج 6 ، باب الغناء ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 331 ، ح 3795 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 117 _ 118 ، ح 309 ؛ وج 3 ، ص 157 ، ح 337 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 453 _ 454 ، ح 1758 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 336 ، ح 3806 ؛ وج 7 ، ص 500 ؛ ح 9964 .
5- .. في هامش النسخ : «وفي هذا الحديث شيء يأتي القول فيه في محلّها إن شاء اللّه تعالى . منه عفي عنه» . وفي هامش «ج» : «طاب ثراه» بدل «عفي عنه» .
6- .. الوسيلة ، ص 54 ، فصل في بيان الطهارة الكبرى .
7- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 204 .

ص: 374

وهو ظاهر الصدوق ، ويدلّ عليه قوله عليه السلام : «وغسل المولود واجب» فيما رواه المصنّف من خبر سماعة (1) ، وقد رواه الشيخ أيضا في التهذيب (2) . وفي المنتهى : «المراد به الاستحباب المؤكّد ؛ لما رواه الشيخ عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «وغُسل المولود مستحبّ» (3) . ومنها : غسل رؤية المصلوب ، أوجبه أبوالصلاح (4) على ما حكي عنه في الذكرى (5) والمختلف (6) ؛ لما رواه الصدوق من أنّه «من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب الغسل عليه عقوبة» (7) . وعلى المشهور حمل الوجوب فيه على تأكّد الاستحباب ؛ للأصل ، ولعدم صحّة ذلك الخبر ؛ للإرسال ، ولعدم استناده إلى معصوم ، إلّا أن يقال : إنّه من كلام الصدوق وهو لايفتي بما لا مستند له يعتدّ به ، فتأمّل . وظاهرالصدوق وجوبه ووجوب غسل الإحرام ، ويوم عرفة ، والزيارة ، ودخول الكعبة ، والمباهلة ، والاستسقاء ؛ حيث أطلق الوجوب في خبر سماعة المشار إليه في هذه الأغسال ، وفسّره في الغسل لدخول الحرم بالاستحباب (8) ، ونعم ما قال الشهيد في الذكرى : «بعض هذه الأغسال آكد من بعض ، كالجمعة والإحرام والمولود والسعي إلى المصلوب [ ممّا قيل فيه بالوجوب ] ، وكما اشتهر على ما لم يشتهر ، وكما علم مأخذه

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 204 .
2- .. الكافي ، ج 3 ، باب أنواع الغسل ، ح 2 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 104 ، ح 270 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 78 _ 79 ، ح 176 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 303 _ 304 ، ح 3710 ؛ وص 337 ، ح 3809 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 478 ، ولفظ الحديث فيه وفي جميع المصادر : «وغسل المولود واجب» ، ولم أجده بلفظ المستحبّ .
5- .. الكافي في الفقه ، ص 135 .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 317 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 78 ، ح 175 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 333 ، ح 3798 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 78 _ 79 ، ح 176 .

ص: 375

على ما لم يعلم» (1) . [قوله] في خبر سماعة : (وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان يستحبّ) إلى قوله : (فإنّه ترجى في إحداهنّ ليلة القدر) . [ ح 2/3995 ] ظاهره رجاء ليلة القدر في أوّل ليلة من شهر رمضان أيضا ، وهو خلاف ما ذهب إليه الأصحاب وما اشتهر بين أهل الخلاف ، وإنّما هو قول نادر منهم حكاه في مجمع البيان عن أبي رزين (2) العقيلي (3) ، وأظنّ وقوع سهو من بعض الرواة في جمعيّة الضمير ، ويؤيّده ورود التثنية في الفقيه (4) وفي بعض نسخ التهذيب ، ولمّا كان ذلك مخالفا لمذهب الأصحاب قال المصنّف قدس سره : «العمل في غسل الثلاث الليالي من شهر رمضان : ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين» (5) ، يعني أنّ المعمول به بين الأصحاب في غسل الليالي الثلاث من شهر رمضان التي ترجى فيها ليلة القدر إنّما هو الغسل في هذه الليالي لا فيما ذكر في الخبر . وغرضه أنّ الخبر مطروح متروك العمل بالنظر إلى هذا الخبر ، وأعني رجاء ليلة القدر في أوّل ليلة من شهر رمضان . ويدلّ عليه ما رواه المصنّف عن معاوية بن عمّار (6) ، وما رويناه عن الشيخ ، عن بكير بن أعين (7) ، وعن محمّد بن مسلم (8) . ويؤكّدها ما روى في مجمع البيان عن عبداللّه بن بكير ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 373 ، ح 1142 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 308 ، ح 3721 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 114 _ 115 ، ح 302 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 307 ، ح 3718 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 200 _ 201 .
4- .. المثبت هو الصواب الموافق للمصدر وسائر المصادر الذي نقل قوله ، وفي النسخ : «ابن رزين» .
5- .. مجمع البيان ، ج 10 ، ص 406 ، في تفسير سورة القدر . وحكاه أيضا البغوي في تفسيره ، ج 4 ، ص 510 ؛ والثعلبي في تفسيره ، ج 10 ، ص 250 ؛ وابن عطيّة في المحرّر الوجيز ، ج 5 ، ص 505 .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 79 ، ح 176 .
7- .. الكافي ، ج 3 ، ذيل الحديث 2 من باب أنواع الغسل .
8- .. الكافي ، ج 3 ، باب أنواع الغسل ، ح 1 .

ص: 376

باب ما يجزي الغسل منه إذا اجتمع

قال : سألته عن الليالي التي يستحبّ فيها الغسل في شهر رمضان ؟ فقال : «ليلة تسع عشرة ، وليلة إحدى وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين» . وقال : «ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة الجهني ، وحديثه أنّه قال لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ منزلي ناءٍ عن المدينة ، فمُرني بليلة أدخل فيها ، فأمره بليلة ثلاث وعشرين» (1) . هذا ما خطر ببالي في توجيه هذا الكلام ، وربّما توهّم أنّ قوله : «العمل» إلى آخره من تتمّة الحديث ، فيتكلّف لتصحيحه . ويؤيّد ما ذكرناه عدم ورود ذلك في الحديث في الفقيه ولا في التهذيب .

باب ما يجزي الغسل منه إذا اجتمعقد دلّت أخبار متكثّرة على إجزاء غسل واحد إذا اجتمعت أغسال متعدّدة ، واجبة كانت تلك الأغسال أو مندوبة أو مختلفة ، فمنها ما رواه المصنّف قدس سره . ومنها : خبر زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد» (2) . وخبر أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سئل عن رجل أصاب من امرأته ثمّ حاضت قبل أن تغتسل ؟ قال : «تجعله غسلاً واحدا» (3) . ورواية حجّاج الخشّاب ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل وقع على امرأته فطمثت بعد ما فرغ ، أتجعله غسلاً واحدا إذا طهرت ؟ أو تغتسل مرّتين ؟ قال : «تجعله غسلاً واحدا عند طهرها» (4) .

.


1- .. مجمع البيان ، ج 10 ، ص 408 ، في تفسير سورة القدر .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1225 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 146 ، ح 502 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 263 ، ح 2110 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1226 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 503 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 262 _ 263 ، ح 2111 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1227 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 504 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ف ص 263 ، ح 2112 .

ص: 377

وموثّق عمّار الساباطي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة يواقعها زوجها ثمّ تحيض قبل أن تغتسل ؟ قال : «إن شاءت أن تغسل فعلت ، وإن لم تفعل فليس عليها شيء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلاً واحدا للحيض والجنابة» (1) . ولاينافي ذلك خبر سماعة بن مهران ، عن أبيعبداللّه وأبيالحسن عليهماالسلام ، قالا في الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة ، قال : «غسل الجنابة عليها واجب» (2) . فإنّه إنّما يدلّ على وجوب غسل الجنابة عليها ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، والتداخل غير مناف له ، والشيخ في الاستبصار حمله تارة على الاستحباب ، وتارة على الإخبار عن أنّ كيفيّة غسل الحيض كغسل الجنابة ، وإطلاق هذه الأخبار شامل لما لو نوى الجيمع أو بعضها ، سواء كان المنويّ مندوبا أو واجبا ، جنابة أو غيرها . وهو إنّما يتمّ على القول بأنّ الأغسال كلّها رافعة للحدث الأصغر كما يستفاد من أخبار متكثّرة ، وستجيء ، فهذه تؤكّدها . وأمّا على القول بوجوب الوضوء مع غير غسل الجنابة ، فإجزاء غيرها عنها مشكل ، إلّا أن يقال بالاِجتزاء عنها بضميمة الوضوء ، فتأمّل . وقال الشيخ في المبسوط : إذا اجتمع غسل جنابة وغسل يوم الجمعة وغيرهما من الأغسال المفروضات والمسنونات ، أجزأ عنها غسل واحد إذا نوى ذلك ، فإن نوى به غسل الواجب دون المسنون أجزأ عن الجميع ، وإن نوى المسنون دون الواجب لم يجزه ، وإن لم ينو شيئا أصلاً لم يجزه عن شيء من ذلك (3) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 396 ، ح 1229 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 506 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 264 ، ح 2113 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 _ 396 ، ح 1228 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 147 ، ح 505 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 264 ، ح 2114 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 40 ، الأغسال المفروضة والمسنونة .

ص: 378

وحكى في الذكرى عنه أنّه قال : لو نوى المجنب _ وعليه غسل الجمعة _ الجميعَ أو الجنابة أجزأ عنهما ، ولو نوى الجمعة لم يجز عن أحدهما ؛ لعدم نيّة مايتضمّن رفع الحدث فلاترفع الجنابة ؛ ولأنّ الغرض منه التنظيف ولايصحّ مع وجود الحدث ، فلايحصل غسل الجمعة (1) . وعنه وعن المفيد _ قدّس سرّهما _ أنّهما قالا : «إذا ضمّ إليها واجب تداخلت إذا نوى الجميع أو نوى الجنابة» (2) . ثمّ استشكل إجزاء الواحد فيما لو اجتمع الواجب والندب من حيث تضادّ (3) وجهي الوجوب والندب إن نواهما ، ووقوع عمل بغير نيّة إن لم ينو المندوب . ثمّ قال : «إلّا أن يقال : إنّ نيّة الوجوب تستلزم نيّة الندب ؛ لاشتراكهما في ترجيح الفعل ، ولايضرّ اعتقاد منع الترك ؛ لأنّه مؤكّد للغاية» (4) . 5 والمشهور بين الأصحاب إجزاء غسل الجنابة عن غيره ، واجبا كان ذلك الغير أو مندوبا ، من غير عكس ؛ لما عرفت . وفي المدارك : إذا اجتمع على المكلّف غسلان فصاعدا ، فإمّا أن يكون كلّها واجبة ، أو مستحبّة ،

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 205 . المبسوط ، ج 1 ، ص 19 ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 138 ، المسألة 189 ؛ وص 222 ، المسألة 191 و192 .
2- .. الإشراف للشيخ المفيد ، ص 18 ، وفيه : «في رجل اجتمع عليه عشرون غسلاً فرضا وسنّة ومستحبّا ، أجزأه عن جميعها غسل واحد» . وانظر: الخلاف للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 138 ، المسألة 189 ؛ وص 222 ، المسألة 191 .
3- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «من حيث قضاء» .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 204 _ 205 .

ص: 379

باب وجوب الغسل يوم الجمعة

أو يجتمع الأمران ، الأوّل أن يكون كلّها واجبة ، فالأظهر التداخل مع الاقتصار على نيّة القربة ، وكذا مع ضمّ الرفع أو الاستباحة مطلقا ، ولو عيّن أحد الأحداث فإن كان المعيّن هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غيره ، بل قيل : إنّه متّفق عليه ، وإن كان غيره ففيه قولان ، أظهرهما أنّه كالأوّل . الثاني أن يكون كلّها مستحبّة ، والأظهر التداخل [ مطلقا ]مع تعيين الأسباب أو الاقتصار على القربة ؛ لفحوى الأخبار ، ومع تعيين البعض يتوجّه الإشكال السابق ، وإن كان القول بالإجزاء غير بعيد أيضا . الثالث : أن يكون بعضها واجبا وبعضها مستحبّا ، والأجود الاجتزاء بالغسل الواحد أيضا ؛ لما تقدّم (1) . (2)

باب وجوب الغسل يوم الجمعةظاهره قدس سره من الوجوب المعنى المصطلح ، وإليه ذهب الصدوقان (3) ، وهو محكيّ عن مالك (4) وأحمد ، ويدلّ عليه ظاهرا زائدا على ما رواه المصنّف في الباب وفي باب أنواع الغسل ، مايرويه في باب التزيّن يوم الجمعة في الصحيح عن عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن النساء ، أعليهنّ غسل الجمعة ؟ قال : «نعم» (5) . ويؤيّدها ما رواه مسلم بإسناده عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «غسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلم» (6) .

.


1- .. في المصدر : «والأجود التداخل لما تقدّم» .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 194 _ 196 ، وفي المذكور هنا تلخيص في القسم الأوّل .
3- .. المقنع ، ص 145 ؛ الهداية ، ص 102 ، باب غسل يوم الجمعة ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 78 ، ح 176 . ولم أعثر على كلام الصدوق الأوّل .
4- .. المجموع للنووي، ج 4 ، ص 535 رواية عن مالك .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 111 _ 112 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3735 .
6- .. صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 30 . ورواه الشافعي في مسنده ، ص 172 ؛ وأحمد في مسنده ، ج 3 ، ص 6 و60 ؛ والدارمي في سننه ، ج 1 ، ص 361 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 28 و212 و216 ؛ وج 3 ، ص 159 ؛ وابن ماجة في سننه ، ج 1 ، ص 346 ، ح 1089 ؛ وأبوداود في سننه ، ج 1 ، ص 86 ، ح 341 ؛ والنسائي في سننه ، ج 3 ، ص 89 و92 و93 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 294 .

ص: 380

وعنه عليه السلام أنّه قال وهو قائم على المنبر : «من جاء منكم الجمعة فليغتسل» (1) . وفى [ فتح ] العزيز عنه عليه السلام : «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل» (2) . وفي المنتهى : عن أبيهريرة ، عنه صلى الله عليه و آله ، قال : «حقّ (3) على كلّ مسلم أن يغتسل في كلّ سبعة أيّام يوما ويغسل رأسه وجسده» (4) . وعلى المشهور حملوا الوجوب وما يؤدّي معناه في هذه الأخبار على تأكّد الاستحباب؛ للجمع بينها وبين صحيحة عليّ بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : «سُنّة وليس بفريضة» (5) . وصحيحة زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن غسل الجمعة ؟ فقال : «سنّة في السفر والحضر ، إلّا أن يخاف المسافر على نفسه القرّ» (6) . وخبر عليّ _ وكأنّه ابن أبيحمزة _ قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل العيدين ، أواجب هو ؟ فقال : «سنّة» .قلت : فالجمعة ؟ قال : «هو سنّة» (7) . وأصرح في الاستحباب من هذه الأخبار خبر محمّد بن سهل ، عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك ؟ قال : «إن كان ناسيا فقد تمّت صلاته ، وإن كان متعمّدا فالغسل أحبّ إلَيّ ، وإن هو فعل فليستغفر اللّه ولا

.


1- .. صحيح مسلم ،ج3 ، ص 2 . ورواه النسائي في صحيحه ، ج 3 ، ص 105 ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 293 .
2- .. فتح العزيز ، ج 4 ، ص 614 . وبهذا اللفظ ورد في سنن أبيداود ، ج 1، ص 86، ح 340 .
3- .. في النسخ : «حقّا» ، والتصويب من المصدر .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 462 . صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 216 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 297 ؛ وج 3 ، ص 189 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3736 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 296 ؛ وج 3 ، ص 9 ، ح 27 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 102 ، ح 334 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3737 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 ، ح 295 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 ، ح 335 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 314 ، ح 3739 .

ص: 381

يعود» (1) . وخبر الحسين بن خالد ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام : كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال : «إنّ اللّه تعالى أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة ، وأتمّ صيام الفريضة بصيام النافلة ، وأتمّ وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أوتقصير أو نسيان» ، على ما رواه الشيخ في باب الأغسال من أبواب الزيادات من التهذيب (2) ، والصدوق في علل الشرائع (3) . وفي أبواب الأغسال المفترضات والمسنونات من التهذيب : «وأتمّ وضوء النافلة بغسل الجمعة» (4) ، وهو أصرح في المطلوب . ولكنّ الظاهر أنّه من سهو النسّاخ ، ولاينافي الاستحباب ورود الأمر بقضائه فيما سيأتي ؛ لأنّ المؤكّد من المستحبّ قد اُمرنا بقضائه كالنوافل اليوميّة . لا يقال : قد ورد الأمر بإعادة الصلاة أيضا مع قضائه ، فكيف يجب إعادتها مع استحباب القضاء ، رواه عمّار الساباطي في الموثّق ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتّى صلّى ، قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (5) . لأنّا نقول : الأمر بقضاء الصلاة أيضا من باب الندب دون الإيجاب ، وذهب إلى الاستحباب أكثر العامّة أيضا ، بل لم ينقل فيه خلاف ، في [ فتح ] العزيز : «إلّا عن مالك» ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 113 ، ح 299 ؛ وص 272 ، ح 1141 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 _ 104 ، ح 339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 318 ، ح 3752 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 366 ، ح 1111 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 313 ، ح 3734 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، باب وجوب غسل يوم الجمعة ، ح 4 .
3- .. علل الشرائع ، ص 285 ، باب علّة وجوب غسل الجمعة ، ح 1 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 111 ، ح 293 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 112 _ 113 ، ح 298 ؛ وج 3 ، ص 285 ، ح 850 ؛ الاستبصار ، ج 3 ، ص 103 ، ح 338 ؛ وص 451 ، ح 1747 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 319 ، ح 3753 .

ص: 382

واحتجّ عليه بما روى أنّه صلى الله عليه و آله قال : «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمَت (1) ، ومن اغتسل فالغسل أفضل» (2) ، وكأنّ مالكا تمسّك بما رويناه من طرقهم ، ولابدّ من حمل ذلك على الندب ؛ للجمع . فروع : الأوّل : ظاهر أكثر الأخبار وفتاوى الأصحاب استحباب هذا الغسل أو وجوبه لذلك اليوم مطلقا ، سواء حضر الجمعة أم لا ، ويؤيّده عموم استحبابه للمسافر والاُنثى على ما تقدّم في بعض الأخبار . ويؤيّده أيضا استحباب قضائه على ما سيأتي ، لكن ما رواه الصدوق في أصل شرعيّته يدلّ على أنّه لصلاة الجمعة ؛ حيث قال : وقال الصادق عليه السلام في علّة غسل يوم الجمعة : «إنّ الأنصار كانت تعمل في نواضحها وأموالها ، فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فتأذّى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم ، فأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالغسل ، فجرت بذلك السنّة» (3) . ويؤيّده جعل آخر وقته الزوال ، وخبر عمّار المتقدّم ، وهو ظاهر العلّامة في المنتهى كما ستعرفه . ولايبعد أن يقال : إنّ أصل وضعه كان خاصّا ثمّ شرّع عاما ؛ للجمع . الثاني : وقت هذا الغسل فيما بين طلوع الفجر إلى الزوال ، واحتجّ عليه في المنتهى بأنّ الغُسل مضاف إلى اليوم فيما أشرنا إليه من الأخبار ، وإنّما يتحقّق مبدؤه بطلوع الفجر ، وبأنّ هذا الغسل إنّما شرّع لحضور المسجد للصلاة (4) ؛ مستندا بخبر علّته المتقدّم ، وبما سيأتي من خبر سماعة ، وابن بكير ؛ حيث أمر عليه السلام فيهما بقضائه لمن فاته

.


1- .. في النسخ : «فنعمت» ، والتصويب من المصدر .
2- .. فتح العزيز ، ج 4 ، ص 614 . مسند أحمد ، ج 5 ، ص 15 و16 و22 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 347 ، ح 1091 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 89 ، ح 354 ؛ سنن الترمذي ، ج 2 ، ص 4 ، ح 495 ؛ سنن النسائي ، ج 3 ، ص 94 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 295 و295 _ 296 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 112 ، ح 230 ؛ الهداية ، ص 103 _ 104 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 315 ، ح 3742 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 464 _ 465 .

ص: 383

في ذلك الوقت ؛ فإنّ القضاء إنّما يكون بعد فوات الوقت . وفي الوجيز : «وأقربه إلى الرواح أحبّ» (1) . وهو المشهور بينهم لم يخالف فيه إلّا مالك حيث اشترط اتّصاله بالرواح ولم يُجوّز قبله على ما حكى عنه في [ فتح ]العزيز ، وحكى فيه وجها بجوازه قبل الفجر ، وعدّه بعيدا (2) . الثالث : يستحبّ تقديمه في يوم الخميس لمن خاف فقد الماء يوم الجمعة في السفر خاصّة ، وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الشيخ في المبسوط (3) ، لكنّه ألحق به المسافر الذي لايتمكّن من استعمال الماء ، وهو خلاف الظاهر ، ويدلّ عليه خبر الحسين بن موسى (4) ، وخبر محمّد بن الحسين ، عن بعض أصحابه ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قال لأصحابه : «إنّكم تأتون غدا منزلاً ليس فيه ماء ، فاغتسلوا اليوم لغد» ، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة (5) . وأطلق الشيخ في المبسوط (6) والعلّامة في المنتهى (7) خائف فقدان الماء من غير تقييد بالمسافر ، وتبعهما على ذلك جماعة (8) ، وكأنّهم أرادوا ذلك التقييد ، وإنّما أطلقوا ؛ لأنّ عوز الماء إنّما يكون في السفر غالبا . ووقت القضاء بعد الزوال إلى الغروب من ذلك اليوم ، أو في يوم السبت من طلوع الفجر إلى الغروب ؛ على ما دلّ عليه مرسلة حريز 9 ، وموثّقة عبداللّه بن بكير ، عن

.


1- .. فتح العزيز شرح الوجيز ، ج 4 ، ص 614 . والوجيز لأبيحامد الغزالي ، ونصّ عبارته موجود في شرحه .
2- .. فتح العزيز شرح الوجيز ، ج 4 ، ص 615 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 40 ، [باب] الأغسال المفروضة والمسنونة .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 365 _ 366 ، ح 1110 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 320 ، ح 3756 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 365 ، ح 1109 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 319 ، ح 3755 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 466 . ومثله في النهاية ، ج 1 ، ص 175 .
7- .. منهم الشهيد الثاني في المسالك ، ج 1 ، ص 105 _ 106 ؛ وفي روض الجنان ، [باب] الأغسال المسنونة ؛ج 1 ، ص 60 ، الأغسال المستحبّة .
8- .. هو الحديث 7 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 320 _ 321 ، ح 3757 .

ص: 384

أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل فاته الغُسل يوم الجمعة ، قال : «يغتسل ما بينه وبين الليل ، فإن فاته اغتسل يوم السبت» (1) . وخبرسماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، وقد سئل عن الرجل لايغتسل ليوم الجمعة في أوّل النهار ، قال : «يقضيه من آخر النهار ، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت» (2) . وظاهر جمع من الأصحاب استحباب قضائه ليلة السبت أيضا حيث أطلقوا القضاء فيما بعد الزوال من ذلك اليوم إلى آخر يوم السبت ، ولم أجد له شاهدا ، والظاهر عدم استحباب ذلك القضاء ؛ للجمع بين ما ذكر ، وخبر ذريح ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في الرجل هل يقضي غسل الجمعة ؟ قال : «لا» (3) . [قوله] في خبر الأصبغ (4) : (لأنت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة) . [ ح 5/4002 ] هذه الإضافة كالإضافة في قوله : «أنا ابن التارك البكري بشرا» (5) ، والخبر وإن كان في غاية الضعف سندا ؛ لإرساله ، واشتماله على الضعفاء والمجاهيل ، إلّا أنّ متنه شاهد على صدوره عن معدن الفصاحة والبلاغة . قال _ طاب ثراه _ : يمكن أن يراد بالطهارة فيه الطهارة من الذنوب ، وأن يراد بها الطهارة من الحدث ، ويؤيّد الأوّل ما في بعض أخبار العامّة من أنّه صلى الله عليه و آله قال: «من اغتسل للجمعة غفر له ما بينه

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 113 ، ح 301 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 321 ، ح 3760 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 113 ، ح 300 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 104 ، ح 304 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 321 ، ح 3759 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 241 ، ح 646 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 321 ، ح 3761 .
4- .. هو الحديث 5 من الباب .
5- .. هذا صدر بيت لمرار بن سعيد الفقعسي ، وتمامه : «عليه الطير ترقبه وقوعا» ، وبشر المذكور هو ابن عمرو بن مرثد ، قتله رجل من فقعس فافتخر المرار بذلك . اُنظر : شرح الرضيّ على الكافية ، ج 2 ، ص 234 ، [باب] الإضافة اللفظيّة معناها وفائدتها ؛ شرح ابن عقيل ، ج 2 ، ص 223 ؛ تاج العروس ، ج 11 ، ص 522 (وقع) ؛ خزانة الأدب ، ج 4 ، ص 256 .

ص: 385

باب صفة الغسل والوضوء قبله أو بعده و

وبين الجمعة الاُخرى وفضّل ثلاثة أيّام» (1) . قال محيي الدين : «ينقدح في نفسي أنّه إنّما فضّل بثلاثة أيّام على الجمعة ؛ ليكون من باب الحسنة بعشرة أيّام» .

باب صفة الغسل والوضوء قبله أو بعده إلخفيه مسائل : الاُولى : الغسل مطلقا _ على ما ذكره الأصحاب _ أصناف ، منها الذي يسمّونه الترتيبي ؛ لإيجابهم تقديم الرأس فيه على جانب اليمين وهو على اليسار ، وأجمع العامّة على عدم وجوب الترتيب فيه على ما يظهر من الانتصار (2) والذكرى (3) ، ولايظهر من الأخبار إلّا تقديم الرأس على سائر الجسد ، وهو أيضا معارض بما يدلّ على جواز عكسه ، ولم أجد نصّا على تقديم اليمين على اليسار ، نعم ، عطف في مقطوع زرارة (4) الأيسر على الأيمن بالواو ، وهو غير مفيد للترتيب مع انقطاع الخبر . والأخبار منها ما رواه المصنّف في الباب من صحيحة محمّد بن مسلم ، وخبرإبراهيم بن عمر اليماني ، وحسنة زرارة (5) . ومنها ما رواه الشيخ في الموثّق عن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ، ثمّ تدخل يدك فتغسل فرجك ، ثمّ تمضمض وتستنشق وتصبّ الماء على رأسك ثلاث مرّات ، وتغسل وجهك ، وتفيض على جسدك الماء» (6) .

.


1- .. لم أجده بهذه العبارة ، نعم ورد نحوه مع زيادات في : صحيح مسلم ، ج 3 ، ص 8 ، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 7 ، ص 19 ، باب 30 ، شروط الرواح إلى الجمعة .
2- .. الانتصار ، ص 120 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 218 .
4- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
5- .. هي الأحاديث 1 و8 و3 من هذا الباب من الكافي .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 ، ح 362 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، ح 398 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 ، ح 2000 .

ص: 386

وفي الموثّق عن سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل ، فليفرغ على كفّيه فليغسلهما دون المرفق ، ثمّ يدخل يده في إنائه ثمّ يغسل فرجه ، ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات مل ء كفّيه ، ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه ، فما انتضح من مائه فى إنائه بعد ما صنع ما وصفت ، فلا بأس» (1) . وفي الصحيح عن هشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، قال : دخلت على أبيعبداللّه عليه السلام فسطاطه وهو يكلّم امرأة ، فأبطأت عليه ، فقال : «ادنه ، هذه اُمّ إسماعيل جاءت وأنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل ، كنت أردت الإحرام فقلت : ضعوا لي الماء في الخباء ، فذهبت الجارية بالماء فوضعته ، فاستخففتها فأصبت منها ، فقلت لها (2) : اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لاتعلم به مولاتك ، فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولاتغسلي رأسك فتستريب مولاتك ، فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء ، فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها : هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّك» (3) . واستدلّ العلّامة في المنتهى لترتيب اليمين على اليسار بالإجماع ، وبما روته عائشة، قالت: كان النبيّ صلى الله عليه و آله إذا اغتسل من الجنابة بدأ بشقّه الأيمن ثمّ الأيسر (4) . واحتجّ الشهيد عليه في الذكرى بما دلّ على تقديم الرأس على الجسد بضميمة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 132 ، ح 364 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 212 ، ح 542 .
2- .. كلمة «لها» غير موجودة في المصدر .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 134 ، ح 371 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 124 _ 125 ، ح 423 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 237 ، ح 2036 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 196 . والحديث بهذا اللفظ رواه الإسماعيلي على ما في تلخيص الحبير لابن حجر ، ج 2 ، ص 183 . وورد الحديث في مصادر العامّة بلفظ : «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا اغتسل من الجنابة ، دعا بشيء نحو الحلاب ، فأخذ بكفّيه ، فبدأ بشقّ رأسه الأيمن ثمّ الأيسر ، ثمّ أخذ بكفّيه ، فقال بهما على رأسه» ، ورواه أبوداود في سننه ، ج 1 ، ص 62 ، ح 240 ؛ والبخاري في صحيحه ، ج 1 ، ص 69 ، كتاب الغسل .

ص: 387

عدم القول بالفصل ، فإنّ كلّ من أوجب تقديم الرأس أوجب تقديم اليمين على اليسار ، وباشتمال الغسل البياني عليه ؛ متمسّكا بما روي : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا اغتسل بدأ بميامنه» (1) . وكأنّه أشار بذلك إلى ما رويناه عن عائشة ، فكونه للبيان ممنوع ، ويجوز أن يكون ذلك الترتيب منه من باب الندب والاستحباب دون الفرض والإيجاب ، على أنّه معارض بما روى في الذكرى عنها : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه _ إلى قولها _ : ثمّ يصبّ على رأسه ثلاث غرفات بيديه ، ثمّ يفيض الماء على جلده» (2) . وعن ميمونة نحوه (3) ، وقال : «هما من الصحاح» (4) . وأمّا الإجماع المدّعى فممنوع ؛ فإنّ ابن الجنيد لم يوجب ذلك _ على ما حكى عنه في الذكرى _ إنّه قال : «ولو لم يضرب صدره وبين كتفيه بالماء إلّا أنّه أفاض ببقيّة مائه بعد الذي غسل به رأسه ولحيته ثلاثا على جسده ، وصبّ على جسده من الماء ما يعلم أنّه قد مرّ على سائر جسده أجزأه ، ونقل رجليه حتّى يعلم أنّ الماء الطاهر من النجاسة قد وصل إلى أسفلها» (5) . وهو ظاهر ابن أبيعقيل حيث عطف الأيسر على الأيمن بالواو .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 218 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 219 . والحديث رواه مسلم في صحيحه ، ج 1 ، ص 176 ، باب القدر المستحبّ من الماء . . . ؛ والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 172 ، باب غسل الجنب ما به الأذى بشماله ، وفيهما «بيمينه» بدل «بميامنه» .
3- .. الموطّأ لمالك ، ج 1 ، ص 44 ، ح 67 ؛ الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 56 ؛ مسند الشافعي ، ص 19 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 68 ، كتاب الغسل ؛ تفسير البغوي ، ج 2 ، ص 17 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 118 ، ح 246 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 175 ، باب تخليل اُصول الشعر بالماء وإيصاله إلى البشرة ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 1 ، ص 268 ، ح 270 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 3 ، ص 469 .
4- .. صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 69 ، كتاب الغسل ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 190 ، ح 573 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 191 ، باب في الغسل من الجنابة .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 220 . وكلام ابن الجنيد هذا مختصّ بصورة قلّة الماء على ما صرّح به الشهيد في بداية نقل كلامه ؛ حيث قال : «وابن الجنيد اجتزأ مع قلّة الماء . . . وقال . . .» .

ص: 388

وظاهر الصدوقين أيضا حيث ذكرا كيفيّة الغسل الواجبة والمندوبة ولم يذكرا الترتيب أصلاً (1) . ويؤيّده خبر اللمعة المنسيّة (2) حيث أوجب عليه السلام غسل تلك اللمعة ولم يأمر بإعادة الغسل ، من غير تفصيل بين لمعة اليمين واليسار ؛ إذ لو كان الترتيب واجبا لوجب إعادة اليسار إذا كانت اللمعة في اليمين ، كما صرّح به جماعة من القائلين به ، منهم الشهيد في الذكرى والعلّامة في التحرير والمنتهى ، بل لايبعد حمل ما دلّ على تقديم الرأس على الجسد أيضا على الاستحباب ؛ للجمع بين ما ذكر وبين أخبارٍ ظاهرها جواز غسل الرأس والجسد دفعة ، رواها الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك ، وتبول إن قدرت على البول ، ثمّ تدخل يدك في الإناء ، ثمّ اغسل ما أصابك منه ، ثمّ أفض على رأسك وجسدك ، ولا وضوء فيه» (3) . وفي الصحيح عن حكم بن حكيم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ، ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ، ثمّ اغسل فرجك وأفض على رأسك وجسدك فاغتسل ، فإن كنت في مكان نظيف فلايضرّك أن لاتغسل رجليك ، وإن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك» . قلت : إنّ الناس يقولون : نتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ! فضحك وقال : «أيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ؟» ! (4)

.


1- .. كلام ابن أبيعقيل والصدوقين حكاه الشهيد في الذكرى ، ج 2 ، ص 220 . وانظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 81 ؛ المقنع ، ص 38 _ 39 ؛ الهداية ، ص 93 .
2- .. مسند أحمد ، ج 3 ، ص 424 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 46 ، ح 175 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 83 ، باب تفريق الوضوء . ولا يخفى أنّ الحديث مربوط بالوضوء ؛ حيث ورد فيه أنّه صلى الله عليه و آله أمر بإعادة الوضوء .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 131 _ 132 ، ح 363 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 123 ، ح 419 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 230 ، ح 2018 ؛ وص 47 ، ح 2067 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 139 _ 140 ، ح 392 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 230 _ 234 ، ح 2029 .

ص: 389

وفي الصحيح عن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ، ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ تغسل جسدك من لدُن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولابعده وضوء ، وكلّ شيء أمسسته الماء فقد نقّيته ، ولو أنّ رجلاً جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده» (1) . وعن يعقوب بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة ، فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه السلام ؟ فقال : «الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الإناء ، ثمّ يغسل ما أصابه من أذى ، ثمّ يصبّ على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه ، ثمّ قد قضى الغسل ولا وضوء عليه» (2) . بل قد ورد في قصّة أبيعبداللّه عليه السلام واُمّ إسماعيل المتقدّمة تقديم الجسد على الرأس ، رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم ، قال : كان أبوعبداللّه عليه السلام فيما بين مكّة والمدينة ومعه اُمّ إسماعيل ، فأصاب من جارية له ، فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها ، وقال لها :« إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك» ، ففعلت ذلك ، فعلمت بذلك اُمّ إسماعيل ، فحلقت رأسها ، فلمّا كانت من قابل انتهى أبوعبداللّه عليه السلام إلى ذلك المكان ، فقالت له اُمّ إسماعيل : أيّ موضع هذا ؟ فقال لها : «هذا الموضع الذي اُحبط فيه حجّك عام أوّل» (3) . وربّما يتوهّم وقوع وهم من أحد من الرواة في هذا الخبر ؛ لصدور هذا النقل عن هشام بن سالم (4) بتقديم الرأس على الجسد عكس هذا ، وفيه تأمّل .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، ح 422 ؛ وص 370 ، ح 1131 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 225 ، ح 1999 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 143 ، ح 402 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 246 ، ح 2065 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 134 ، ح 370 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 124 ، ح 422 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 236 ، ح 2035 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 134 ، ح 371 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 124 _ 125 ، ح 423 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 237 ، ح 2036 . وتقدّم نقله .

ص: 390

ومنها الاِرتماسي ، وقد أجمعوا على جوازه ، واحتجوّا عليه بحسنة الحلبي (1) ، وبصحيحة زرارة المتقدّمة . وعلى المشهور لافرق في ذلك بين الراكد والبئر والجاري ، وقال شيخنا المفيد قدس سره : «لاينبغي للجنب أن يرتمس في الماء الراكد» . والظاهر أنّه أراد به التحريم ؛ حيث علّله بقوله : «فإنّه إن كان قليلاً أفسده ، وإن كان كثيرا خالف السنّة بالاغتسال فيه» (2) . وكلاهما ممنوع وليس عليهما دليل يعتدّ به . واستدلّ له الشيخ في التهذيب في صورة القلّة بأنّ الجنب حكمه حكم النجس إلى أن يغتسل ، فمتى لاقى الماء الذي يقبل النجاسة ينجّسه (3) . وهو أيضا في مرتبة الدعوى لابدّ له من دليل ، بل ينفيه العقل والنقل ، وبما روي عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به ، فتيمّم بالصعيد ، فإنّ ربّ الماء ورَبّ الصعيد واحد ، لاتقع في البئر ، ولاتفسد على القوم ماءَهم» (4) . وقد ظهر لك فيما سبق عدم دلالته على التنجيس (5) . وفي صورة الكثرة بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من بئر ، فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب، ما حدّه الذي لايجوز ؟ فكتب : «لاتتوضّأ (6) من [ مثل ] هذا إلّا

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي .
2- .. المقنعة ، ص 54 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 .
4- .. الكافي ، ج 3 ، ص 65 ، ح 9 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 426 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 _ 128 ، ح 435 ، إلّا أنّ فيه : «فإنّ ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» . ؛ وج 1 ، ص 185 ، ح 535 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 177 ، ح 443 .
5- .. تقدّم في باب البئر وما يقع فيها .
6- .. في النسخ : «لاتوضّأ» ، والتصويب من المصادر .

ص: 391

لضرورة» (1) . وفيه أنّه لو سلّم كون الكتابة عن الإمام عليه السلام ، فدلالته على مدّعاه ممنوع ، بل يستفاد منه نقيضه (2) ، فتأمّل . وقال _ طاب ثراه _ : الظاهر أنّ الغاسل لو كان قائما في الماء ثمّ ارتمس فيه ، لتحقّق ماهيّة الارتماس ولايتوقّف على كونه خارجا عنه بجميع بدنه وإن كان ذلك أحوط ، والمراد بالوحدة فيه الوحدة العرفيّة لا الحقيقيّة ؛ لامتناعها . انتهى . وهل يشترط فيه نيّة الترتيب ؟ نفاه الشهيد في الذكرى (3) ، وهو المشهور بين الأصحاب ، منهم الشيخ وأتباعه ، وهو الظاهر ؛ لأنّ تنزيله على الترتيب تعسّف من غير ضرورة . وحكى في المبسوط عن بعض الأصحاب أنّه يترتّب حكما (4) . واختلف في تفسيره ، فقيل : المراد أنّه ينوي الترتيب حال الارتماس (5) . وفسّره في الاستبصار بالترتيب حال الخروج عن الماء حيث قال بعد ذكر خبر الارتماس : لاينافي ذلك ما قدّمناه من وجوب الترتيب ؛ لأنّ المرتمس يرتّب حكما وإن لم يرتّب فعلاً ؛ لأنّه إذا خرج من الماء حكم له بطهارة رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ جانبه الأيسر ، فيكون على هذا التقدير مرتّبا» (6) . وعلى عدم اعتبار الترتيب فيه لو وجد لمعة لم يصل إليها الماء يحتمل أن يجب

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 150 ، ح 428 ؛ وص 418 ، ح 1319 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 9 ، ح 11 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 121 ، ح 405 . وفي الجميع : «لاتتوضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه» .
2- .. لأنّ الجواز في صورة الضرورة يدلّ على طهارة الماء .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 223 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 29 . وقال العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 336 بعد نقل كلام الشيخ : «وهو اختيار سلاّر» .
5- .. نسبه الشهيد في الذكرى ، ج 2 ، ص 224 إلى العلّامة .
6- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 125 ، ذيل ح 424 .

ص: 392

عليه إعادة الغُسل ؛ إذ الواجب عليه الارتماس بحيث يصل إلى جميع بشرته دفعة . وفي المنتهى : «ويمكن أن يقال بالإجزاء مع غسل تلك اللمعة ؛ لأنّ الترتيب سقط في حقّه ، وقد غسل أكثر بدنه ، فأجزأه ؛ لقول أبيعبداللّه عليه السلام : فما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (1) ، فتأمّل . وعلى اعتبار الترتيب الحكمي فهو كالمرتّب . ومنها : الغسل تحت المطر ، وقد ذهب إليه الأصحاب ؛ لما رواه المصنّف مرسلاً عن أبيعبداللّه عليه السلام ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الجنب : هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر (2) حتّى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على ماء سوى ذلك ؟ قال : «إن كان يغسله اغتساله في الماء أجزأه ذلك» (3) . وألحق به بعضهم الغسل تحت الميزاب والمجرى وصبّ الإناء الشامل للبدن ؛ للاشتراك في المعنى ، وهو واضح على ما ذكرناه ، وإلّا فالأولى الاقتصار على موضع النصّ . والظاهر عدم اعتبار الترتيب والارتماس فيه ؛ للأصل ، وانتفاء دليل يعتدّ به على اعتبارهما لاسيّما الارتماس ؛ لعدم تحقّق معناه فيه ؛ لأنّه من الرمس وهو الكتمان ، يقال : «رمست عليه الخبر» أي كتمته ، ومنه : «رمست الميّت» إذا دفنته (4) . على أنّ إيصال الماء إلى الأعضاء المختفية كتحت الحنك والإبطين وفروج الأصابع ونظائرها فيه يحتاج إلى زمان لايجامع الدفعة العرفيّة .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 202 .
2- .. في هامش النسخ : «المطر _ خ ل» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 ، ح 424 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 125 ، ح 425 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 231 _ 232 ، ح 2022 .
4- .. صحاح اللغة ، ج 3 ، ص 936 (رمس) .

ص: 393

وربّما نزّل على الترتيب الحكمي ، ونزّله الشهيد الثاني (1) تنزيلاً دائرا بينه وبين الارتماس ؛ معلّلاً بأنّه عليه السلام حكم بصحّة هذا الغسل على تقدير مساواته للغسل بالماء في غير المطر ، ومعلوم أنّ الغسل بغيره ينقسم إلى ترتيب وارتماس ، فيلحق ما أشبهه ، فإن كان المطر غزيرا بحيث يغسله دفعة عرفيّة كان كالارتماس في الحكم ، وإن تراخى وحصل معه الجريان على الأعضاء كان كغسل الترتيبي . وأنت تعلم أنّ المتبادر من التشبيه في الخبر وصول الماء إلى جميع الأعضاء الظاهرة والمختفية ، وهو لايستلزم الارتماس ولا الترتيب ، وأنت إذا تأمّلت الأخبار وجدت أنّ جميع هذه الأصناف ترجع إلى أمر واحد وهو غسل جميع البدن كيف ما اتّفق . ويؤيّده إطلاق الاطّهار في قوله تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » (2) ، ولكنّ الأفضل في الترتيبي تقديم الرأس على الجسد ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه المصنّف من حسنة زرارة (3) ، إلّا أن يحمل صحيحة هشام الثانية على وقوع سهو من الراوي في تقديم الجسد على الرأس ، فيجب ، فتأمّل في المقام فإنّه حقيق به . الثانية : اشتهر بين الأصحاب وجوب الوضوء للصلاة مع كلّ غسل ، واجبا كان أو مستحبّا ، قبله أو بعده ، وأفضليّته قبله ، إلّا غسل الجنابة فإنّه لا وضوء معه لا قبله ولا بعده ، لا وجوبا ولا استحبابا . واحتجّوا عليه بمرسلة ابن أبيعمير (4) ، وما رواه الشيخ عن ابن أبيعمير ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : «فى كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة» (5) .

.


1- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي .
2- .. روض الجنان ، ج 1 ، ص 156 ، وجوب غسل البشرة والترتيب .
3- .. المائدة (5) : 6 .
4- .. هو الحديث 13 من هذا الباب من الكافي .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 143 ، ح 403 ؛ وص 302 ، ح 881 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 209 ، ح 733 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 248 ، ح 2073 .

ص: 394

وبأخبار متكثّرة دلّت على حكم غير الجنابة ، وتأتي في مواضعها ، وقد سبق بعضها . وبما تقدّم في خصوص الجنابة عن أحمد بن محمّد بن أبينصر ، وعن حكم بن حكيم ، وزرارة ، ويعقوب بن يقطين . وما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ عليه السلام أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ؟ فقال : «كذبوا على عليّ عليه السلام ، أما وجدوا في كتاب عليّ عليه السلام : قال اللّه تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » (1) » (2) . وذهب الشيخ في كتابَي الأخبار إلى استحباب الوضوء مع غسل الجنابة ؛ جامعا بذلك بين ما ذكر وبين ما رواه بسند صحيح عن أبيبكر الحضرمي ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : سألته : كيف أصنع إذا أجنبت ؟ فقال : «اغسل [ كفّيك و ]فرجك وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل» (3) . وهو مع عدم صحّته ؛ لاشتراك أبيبكر الحضرمي بين عبداللّه بن محمّد الممدوح ، ومحمّد بن شريح المجهول (4) ، يحتمل الحمل على التقيّة ؛ لإطباق العامّة على استحباب ذلك الوضوء . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى وابن الجنيد عدم وجوبه مع الغسل

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 139 ، ح 389 ؛ وص 142 ، ح 400 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 125 _ 126 ، ح 426 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 247 ، ح 2069 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 104 ، ح 269 ؛ وص 140 ، ح 393 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 97 ، ح 314 ؛ وص 126 ، ح 429 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 247 ، ح 2070 .
4- .. الظاهر فيهما عكس ما قاله ؛ لأنّ محمّد بن شريح الحضرمي معلوم ثقة ، على ما في رجال النجاشي ، ص 366 ، الرقم 991 ؛ وإيضاح الاشتباه ، ص 283 ، الرقم 645 ؛ وخلاصة الأقوال ، ص 263 ، الرقم134 ؛ ورجال ابن داود الحلّي ، ص 174 ، الرقم 1148 ؛ ونقد الرجال ، ج 4 ، ص 229 ، الرقم 4770 . والمعروف في كنيته أبوعبداللّه ، نعم صرّح الشيخ في الفهرست بأنّه يكنّى أبابكر ، ولا تضايق بتكنيته بأبيبكر أحيانا ، لكنّ أبابكر الحضرمي المعروف هو عبداللّه بن محمّد الحضرمي ، ولم يرد فيه توثيق لا من النجاشي ولا من الكشّي ، نعم وثّقه السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ، ج 10 ، ص 299 ، الرقم 7091 .

ص: 395

مطلقا (1) ، وهو الأظهر ؛ للجمع بين ما ذكر وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «الغسل يجزي في الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» . وموثّقة عمّار الساباطي ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم عيد : هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده ؟ فقال : «لا ، ليس عليه قبل ولا بعد ، فقد أجزأه الغسل» (2) . وخبر محمّد بن عبدالرحمان الهمداني ، أنّه كتب إلى أبيالحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ؟ فكتب : «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره» (3) . وخبر حمّاد بن عثمان ، عن رجل ، عن أبيعبداللّه عليه السلام : في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء ؟ فقال أبوعبداللّه عليه السلام : «وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (4) . وإليه أشار المصنّف بقوله : «وروي» إلخ (5) . ومثله قوله عليه السلام : «وأيّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ» في صحيحة حكم بن حكيم المتقدّمة . وقال _ طاب ثراه _ : «ما ظهر لي بعد ملاحظة الأخبار أنّ الوضوء في غسل الجنابة بدعة ، وفي غيره من الأغسال واجبا كان أو مسنونا مسنون» .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 340 . ولم أعثر على كلامهما ، والظاهر عدم تماميّة النسبة إلى السيّد المرتضى ، فإنّه قال في جمل العلم والعمل (المجموعة الثالثة من رسائله ، ص 24) : «ويستبيح بغسل الواجب الصلاة من غير وضوء ، وإنّما الوضوء في غير الأغسال الواجبة» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 141 ، ح 398 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 ، ح 432 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 244 _ 245 ، ح 2057 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 141 ، ح 397 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 126 _ 127 ، ح 431 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 244 ، ح 2056 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 141 ، ح 399 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 127 ، ح 433 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 245 ، ح 2058 .
5- .. ذيل الحديث 13 من هذا الباب من الكافي .

ص: 396

الثالثة : تحويل الخاتم ونحوه ، ولا ريب في وجوبه إذا كان مانعا عن وصول الماء إلى البشرة ، ويدلّ عليه بعض أخبار الباب (1) . الرابعة : الدعاء عنده ، وهو مستحبّ بما هو المنقول في مرسلة عليّ بن الحكم (2) وغيره ممّا هو مذكور في كتب الأدعية . الخامسة : ظاهر الأخبار تحتّم كون الوضوء قبل الغسل ، وكونه بدعة بعده ، سواء قلنا بوجوبه أو استحبابه ، ويدلّ عليه صريحا قوله عليه السلام : «الوضوء بعد الغسل بدعة» في خبر عبداللّه بن سليمان (3) . وما رواه الشيخ عن محمّد بن يحيى مرسلاً : «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة» (4) . وهو ظاهر جماعة ، منهم : المفيد والصدوق ، ففي المقنعة : «وإن كان الغسل لغير جنابة فهو غير مجز في الطهارة من الحدث حتّى يتوضّأ معه الإنسان وضوء الصلاة قبل الغسل» (5) . وفي الفقيه : «ومن اغتسل لغير الجنابة فليبدأ بالوضوء ثمّ ليغتسل» (6) . وحكى مثله في المختلف (7) عن عليّ بن بابويه (8) وأبيالصلاح (9) أيضا .

.


1- .. منها : الحديث 6 من الباب عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه السلام ؛ و الحديث 14 عن الحسين بن أبيالعلاء ، عن أبيعبداللّه عليه السلام .
2- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
3- .. هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 140 ، ح 394 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 126 ، ح 430 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 245 ، ح 2059 .
5- .. المقنعة ، ص 53 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 81 ، باب الأغسال الواجبة ، ذيل ح 117 . ومثله في الهداية ، ص 92 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 343 .
8- .. لم أعثر عليه في غيره .
9- .. الكافي في الفقه ، ص 134 .

ص: 397

وخيّر الشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) بين تقديمه وتأخيره ، وعدّ التقديم أفضل ، وتبعه الأكثر . واستقربه العلّامة في المختلف محتجّا عليه بأصالة براءة الذمّة عن وجوب التقديم ، وبأنّ الوضوء إنّما يراد للصلاة ، فلاتجب قبله ، وبخروجه عن عهدة الغسل باغتساله قبل الوضوء (3) . وكلّ ذلك محلّ التأمّل ، فتأمّل . قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (ثمّ تصبّ على رأسك ثلاثا) إلخ . [ ح 1/4005 ] الظاهر أنّ المراد بالثلاث والمرّتين الحفنات والحفنتين ، والتكرير للمبالغة فى الغسل ، وإنّما أراد في الرأس لزيادة الاحتياج فيه لمكان الشعر . وقال _ طاب ثراه _ : لاخلاف في وجوب التخليل عندنا وعند بعض العامّة إذا منع الشعر من وصول الماء إلى البشرة ، وبعضهم لايوجبونه في ستر الرأس واللحية كما في الوضوء . ثمّ قال : وفي قوله عليه السلام : «فما جرى عليه الماء فقد طهر» ، حجّة لمن قال : غسل كلّ عضو يرفع الحدث عنه بانفراده ، وهو مذهب الشافعيّة أيضا ، وقيل : لايطهر عضو قبل الفراغ من الغسل وإلّا يلزم جواز مسّ المصحف على تقدير غسل العضو الماسّ وحده ، وذلك باطل اتّفاقا ، وهو ممنوع ، لا لما قيل من أنّ القائل بطهارة كلّ عضو بانفراده يقول : إنّما يعرف ذلك بإكمال الغسل ، فإكماله كاشف عنه ، فلايجوز مسّ المصحف قبل ظهور الكاشف ، فإنّه ليس كذلك ، بل القائل بها يرى أنّ العضو بنفس الفراغ منه يطهر بدون انتظار شيء آخر ، بل لمنع الملازمة ؛ إذ الشرط في جواز مسّ المصحف طهارة الشخص لا طهارة العضو الماسّ ، فإنّهم إنّما تمسّكوا في ذلك بقوله تعالى : «لَا يَمَسُّهُ إِلَا

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 343 .
2- .. النهاية ، ص 23 ، باب الجنابة وأحكامها وكيفيّة الطهارة منها .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 30 ، غسل الجنابة وأحكامها .

ص: 398

باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة

الْمُطَهَّرُونَ » (1) » . قوله في حسنة جميل : (في الشعر والقرون) . [ ح 17/4023 ] قال الجوهري : «القرن : الخصلة من الشعر» (2) .

باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأةالجنابة تحصل بأمرين : الجماع ، وإنزال المنيّ ، أمّا الجماع فإن كان في قبل المرأة _ وحدّه التقاء الختانين _ فهو موجب للغسل عليهما وإن لم ينزلا ، عندنا وعند أكثر العامّة ، وحكي عن داوود (3) وعن جمع من الصحابة اشتراط الإنزال ، وكأنّ هذا الجمع هم الأنصار كما يظهر من صحيحة زرارة ، وستأتي . وقال _ طاب ثراه _ : والمشهور عندهم أنّه لم يكن الغسل واجبا بذلك في صدر الإسلام ، ثمّ نسخ بالأخبار المستفيضة بوجوبه ، وبإجماع السابقين عليه ، وقال بعضهم : الإجماع غير متحقّق ، وكذا النسخ ؛ لأنّ الخلاف باق إلى الآن . انتهى . لنا قوله تعالى : «أَو لمَستُمُ النِساءَ » (4) ، إذ المراد بالملامسة الجماع على ما سبق . والأخبار المستفيضة من الطريقين ، فمنها ما رواها المصنّف في الصحاح عن محمّد بن مسلم ، وعن محمّد بن إسماعيل _ وهو ابن بزيع _ وعن عليّ بن يقطين (5) . ومنها صحيحة زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «جمع عمر بن الخطّاب أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهلها فيخالطها ولاينزل ؟ فقالت الأنصار :

.


1- .. الواقعة (56) : 79 .
2- .. صحاح اللغة ، ج 6 ، ص 2179 (قرن) .
3- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 203 ، باب ما يوجب الغسل ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 205 ؛ سبل السلام ، ج 1 ، ص 85 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 276 عن بعض أصحاب داود .
4- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
5- .. هو الأحاديث 1 _ 3 من هذا الباب من الكافي .

ص: 399

الماء من الماء . وقال المهاجرون : إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل . فقال عمر لعليّ عليه السلام : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال عليّ عليه السلام : «أتوجبون عليه الحدّ والرجم ، ولا توجبون عليه صاعا من ماء ؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل» . فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ، ودعوا ما قالت الأنصار» (1) . وما رواه الجمهور عن عائشة ، قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا التقى الختانان وجب الغسل» (2) . وعنها أنّها قالت : إذا التقى الختانان وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاغتسلنا 3 . وعنها أنّها قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إذا قعد بين شعبها الأربع فقد وجب عليها الغسل» 4 .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 119 ، ح 314 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 184 ، ح 1879 .
2- .. مسند أحمد ، ج 6 ، ص 239 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 247 ، ح 945 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 7 ، ص 147 ؛ التمهيد لابن عبدالبرّ ، ج 23 ، ص 100 .

ص: 400

وقال الأزهري (1) : «أراد بين شعبتي رجليها وشعبتي شفريها» (2) . واعلم أنّ التقاء الختانين ممّا لايتصوّر ؛ لأنّ ختان المرأة من أعلى الفرج ، ولذا قال العلّامة في المنتهى : «المراد به المحاذاة» (3) . نعم يتصوّر ذلك لو تماسّا من غير جماع ، وهو غير موجب للغسل إجماعا ، ولذا قيل : التقاء الختانين كناية عن مغيب الحشفة (4) . وأمّا وط ء دبرها بالإيقاب ، فالظاهر أنّه لايوجب الغسل ؛ لأصالة البراءة ، وعدم نصّ صريح فيه ، ولمرفوعة البرقي (5) ، وإليه ذهب الشيخ في النهاية (6) ، وتبعه جماعة ، وتوقّف فيه في المبسوط ؛ حيث قال : «لأصحابنا فيه روايتان : الوجوب ، وعدمه» (7) . وذهب السيّد المرتضى إلى وجوبه (8) ، واختاره العلّامة في المنتهى (9) ؛ مستدلاًّ بعموم قوله تعالى: «أَو لمَستُمُ النِساءَ » (10) ، وبصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام، قائلاً أنّه عليه السلام أشار بقول : «وأدخله» إلى الإدخال في الفرج ، وهو موضع الحدث قبلاً كان أو دبرا ، وبقول عليّ عليه السلام : «أتوجبون عليه الحدّ والرجم ، ولا توجبون عليه صاعا من

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. تقدّمت ترجمته .
3- .. تهذيب اللغة ، ج 1 ، ص 444 (شعب) ، ولفظه هكذا : «وقال بعضهم : شعبها الأربع : يداها و رجلاها ، كني به عن الإيلاج ، وقال غيره : شعبها الأربع : رجلاها وشفرا فرجها» . والعبارة المذكورة هنا حكاها عنه ابن قدامة في المغني ، ج 1 ، ص 204 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 182 . وكان في الأصل : «شعبتي» في الموردين ، فصوّبته حسب نقلهما.
4- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 181 .
5- .. حكاه في مفتاح الكرامة ، ج 3 ، ص 154 عن شرح المفاتيح .
6- .. هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي .
7- .. النهاية ، ص19 ، باب الجنابة وأحكامها وكيفيّة الطهارة منها ، ولم يصرّح فيها بذلك ، فإنّه قال : «فإن جامع امرأته فيما دون الفرج ، وأنزل وجب عليه الغسل ، ولا يجب عليها ، وإن لم ينزل فليس عليه أيضا الغسل» ، ويمكن حمل العبارة على التفخيذ .
8- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 28 ، ولفظه هكذا : «لأصحابنا فيه روايتان : أحدهما يجب الغسل عليهما ، والثانية : لايجب عليهما» . ونحوه في الخلاف ، ج 1 ، ص 116 .
9- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 180 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 183 .
10- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 183 _ 184 .

ص: 401

ماء؟» زاعما أنّ هذا يدلّ من حيث المفهوم على وجوبه بوطي الدبر . وفيه : أنّ المتبادر من الملامسة والإدخال الوط ء في القبل ، والمفهوم إنّما يكون حجّة إذا لم يعارضه منطوق ، وقد عرفت وجود المعارض . على أنّ ذلك إنّما يكون قياسا لاشتراك الوطيين في الحكم ، وهو باطل عندنا . وكذا الظاهر ذلك في وطي دبر الغلام ؛ لما ذكر ، وهو اختيار الشيخ؛ متمسّكا بما ذكر من أصالة البراءة ، وعدم دليلٍ صالح عليه (1) . وخالفه السيّد المرتضى (2) محتجّا بالإجماع المركّب ، يعني أنّ كلّ من أوجبه وطي دبر المرأة أوجبه بوطي دبر الغلام أيضا ، وكلّ من نفاه في الغلام نفاه في المرأة أيضا ، وقد ثبت وجوبه في المرأة ، فيثبت في الغلام أيضا ، وإلّا لكان قولاً ثالثا خارقا للإجماع المركّب ، وبه قال الشافعي (3) وأبوحنيفة (4) وأحمد (5) . وفيه ما فيه . وقد وقع ذلك الخلاف في الموطوءة دبرا ، وفي الموطوء أيضا . وأمّا إنزال المنيّ فهو موجب للغسل مطلقا عند أهل العلم من الفريقين ، والأخبار متظافرة عليه من الطريقين ، وكفاك ما ذكره المصنّف في الباب والباب الآتي . والمنيّ _ وربّما عبّر عنه في الأخبار بالماء الأكبر _ هو الماء الغليظ الدافق غالبا الخارج بالشهوة تشبه رائحته رائحة الطلع رطبا ورائحة البيض يابسا ، وقد يتخلّف عنه بعض الصفات لعلّة ، وإنّما سمّي منيّا لأنّه يراق ، كما سمّيت مِنى مِنى لإراقة الدماء بها (6) .

.


1- .. هذان الدليلان مذكوران في المبسوط ، ج 1 ، ص 28 ، ذيل الحكم بعدم وجوب الغسل في وطي البهيمة .
2- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 181 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 185 ؛ وفي تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 226 ، المسألة 67 .
3- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 132 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 192 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 69 .
4- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 27 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 36 .
5- .. المغني ، ج 1 ، ص 204 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 202 .
6- .. ما ذكره في معنى المنيّ وخصوصيّاته من منتهى المطلب للعلاّمة ، ج 2 ، ص 165 .

ص: 402

وإنزاله عبارة عن خروجه عن الحشفة ، فلو أحسّ بانتقاله عن محلّه فأمسك ذكره فلم يخرج أصلاً فلا غسل عليه عندنا ، وفاقا لأكثر المخالفين ، خلافا لأحمد (1) . لنا أنّ إيجابه للغسل علّق في الأخبار على خروجه ، والمتبادر منه ذلك ، ويؤيّده ما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، إنّه قال : «إذا رأت المرأة ذلك [ أو إحداكنّ ]فلتغتسل» (2) . وعنه صلى الله عليه و آله ، إنّه قال لعليّ عليه السلام : «إن فضحت الماء فاغتسل» 3 . والفضح خروجه على [ وجه ]الشدّة ، وقيل : على العجلة (3) . نعم ، لو خرج بعد ذلك الإمساك يجب الغسل وإن لم يكن بشهوة ودفق ، سواء بال قبله أو لا ، خلافا لبعض العامّة حيث فصّل وقال : «إن خرج قبل البول فعليه الغسل ، وإن خرج بعده فلا غسل» (4) .

.


1- .. الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 199 ؛ الإنصاف ، ج 1 ، ص 230 .
2- .. السنن الكبرى للنسائي ، ج 5 ، ص 340 ، ح 9077 ، وما بين المعقوفين منه . ومثل المتن بتقديم «ذلك» على «المرأة» في : صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 72 ؛ مسند أبييعلى ، ج 5 ، ص 426 ، ح 3116 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 14 ، ص 63 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 169 ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 90 ؛ مسند أبي يعلى ، ج 10 ، ص 33 ، ح 5759 ، بزيادة «وأنزلت» في الأخيرَين . وهذا الكلام صدر منه صلى الله عليه و آله في جواب اُمّ سليم حيث جاءت إليه صلى الله عليه و آله ، فسألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ؟ فقال لها : «نعم . . .» .
3- .. والمعنيان مذكوران في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 174 ؛ والمغني لعبداللّه بن قدامة ، ج 1 ، ص 198 ؛ والشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 198 ، وحكيا المعنى الثاني عن إبراهيم الحربي . وفي الفائق ، ج 3 ، ص 37 ؛ والنهاية ، ج 3 ، ص 453 ، (فضخ) : «فضخ الماء : دفقه» .
4- .. الناصريّات ، ص 140 ، عن أبيحنيفة ومحمّد ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 125 ، عن أبيحنيفة ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 126 ، عن أحمد وأبيحنيفة ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 201 ، عن الأوزاعي وأبيحنيفة .

ص: 403

قوله في صحيحة محمّد بن مسلم : (إذا أدخله فقد وجب الغسل) . [ ح 1/4024 ] وقال _ طاب ثراه _ : ظاهره وجوب غسل الجنابة لنفسه ، وهو ظاهر أكثر أخباره ، وبها تمسّك من قال به ، ومنهم العلّامة رحمه الله ، مضافا إلى قوله تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » (1) ، حيث لم يقيّد الغسل بالقيام إلى الصلاة كما قيّد الوضوء به ، والأكثر على أنّه واجب لغيره كغيره من الطهارات إلّا غسل مسّ الميّت ، فإنّه واجب لنفسه بالاتّفاق . واستدلّوا لذلك بصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه السلام ، قال : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (2) ، بناء على حجّيّة مفهوم الشرط . وبحسنة الكاهلي عن الصادق عليه السلام ؛ في المرأة يجامعها زوجها فتحيض وهي في المغتسل ، تغتسل أو لاتغتسل ؟ قال : «قد جاء ما يفسد الصلاة ، فلاتغتسل» (3) ؛ لأنّ تعليل عدم الغسل بمجيء ما يفسد الصلاة _ كما يشعر به فاء التفريع _ كالصريح في أنّ وجوبه لأجل الصلاة ؛ إذ لو كان واجبا لنفسه لكان حقّه أن يقال : «فقد جاء ما يفسد الطهارة» ، وليس إبطال الصلاة مستلزما لإبطال الطهارة حتّى يكون كناية عنه . وظهر ممّا ذكر أنّ ذكر الصلاة في الجواب نصّ في المطلوب ، فلايرد عليه ما أورده في المنتهى (4) من أنّ دلالة هذا الخبر على مطلوبهم إنّما هو بحسب المفهوم ، وهو ليس بحجّة ، وإذا ثبت ذلك وجب تخصيص الآية الكريمة والأخبار به ؛ جمعا ، كما وجب تخصيص الأوامر الدالّة على وجوب الوضوء وباقي الأغسال من غير تقييد مثل : «من نام فليتوضّأ» (5) ، و«من وجد طعم النوم وجب عليه الوضوء» (6) ، و«غسل الحيض واجب» ، و«غسل الاستحاضة واجب» ، إلى غير ذلك .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 33 ، ح 67 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 140 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 372 ، ح 981 .
3- .. الكافي ، ج 3 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 395 ، ح 1224 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 314 ، ح 2225 .
4- .. منتهى المطلب. ، ج 2 ، ص 258 .
5- .. تقدّم تخريجه .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 8 ، ح 10 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 80 _ 81 ، ح 252 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 254 ، ح 658 .

ص: 404

باب احتلام الرجل والمرأة

على أنّه يمكن أن يقال : قوله تعالى : «وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ » عطف على قوله سبحانه : «فَاغْسِلُواْ » (1) ، كما ذهب إليه بعض المفسّرين (2) ، وفي الحقيقة معطوف على مقدّر يكون قوله : «فاغسلوا» جزاء له ، والمعنى : «إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضّأوا ، وإن كنتم جنبا فاطّهّروا» (3) . وربّما يرجّح هذا بأربعة أوجه : الأوّل : لفظة «إن» دون «إذا» ؛ إذ لو كان عطفا على «إِذَا قُمْتُمْ » لكان الأنسب : «وإذا كنتم جنبا» . الثاني : قرب المعطوف عليه . الثالث : دلالة الآية الكريمة عليه ؛ لأنّ الظاهر أنّ قوله تعالى : «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ » إلى قوله : «فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » ، عطف على قوله : «فَاغْسِلُواْ » ؛ لأنّ التيمّم واجب للغير قطعا ، فالمقصود من الآية _ واللّه يعلم _ : إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضّأوا ، وإن كنتم جنبا فاطّهّروا إن كنتم أصحّاء حاضرين ، وإن كنتم مرضى أو على سفر فتيمّموا . الرابع : موافقته لقول الأكثر ، والشهرة تصلح أن تكون مرجّحة . انتهى . وعلى تقدير وجوبه لغيره تابع في التوسعة والتضييق لذلك الغير ، وأمّا على تقدير وجوبه لنفسه فإطلاق أدلّته يقتضي كونه موسّعا ، وصرّح به بعضهم ، نعم لو كان هناك مشروط بالطهارة مضيّق ، فهو أيضا يصير مضيّقا تبعا له .

باب احتلام الرجل والمرأةقال _ طالب ثراه _ : «الحُلم _ بالضمّ _ : ما يراه النائم ، تقول منه : حَلَمَ _ بالفتح _ واحتلم ، والاحتلام هو رؤية اللذّة في المنام أنزل أم لا ، وفي العرف اللذّة مع الإنزال ، وهو المراد هنا .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. تفسير الصافي ، ج 2 ، ص 18 ؛ الأصفى ، ج 1 ، ص 264 .
3- .. اُنظر : بحار الأنوار ، ج 77 ، ص 253 _ 254 .

ص: 405

قوله في صحيحة الحسين بن أبيالعلاء (1) : (إنّما الغسل من الماء الأكبر) . [ ح 1/4032 ] سواء اُنزل بشهوة أو بغير شهوة ، في النوم أو في اليقظة ، وعلى كلّ حال على ما هو ظاهر من «إذ» هي تفيد التعليل ، فأينما وجدت العلّة ثبت المعلول . ومثله ما رواه الشيخ ، عن عنبسة بن مصعب ، عن أبيعبد اللّه عليه السلام ، قال : «كان عليّ عليه السلام لايرى في شيء الغسل إلّا في الماء الأكبر» (2) ، والحصر إضافي بالنسبة إلى المذي والوذي وأمثالهما ، فلاينافي وجوب الغسل لالتقاء الختانين بأدلّة اُخرى . قوله في صحيحة الحلبي : (إن أنزلت فعليها الغسل) . [ ح 5/4036 ] قال _ طاب ثراه _ : اختلفوا في أنّ ماء المرأة هل يبرز كماء الرجل ؟ أو ينعكس إلى الرحم ؟ فذهب بعض من لايعتدّ به إلى الثاني وقال : يجب عليها الغسل إذا علمت أنّها أنزلت بالشهوة ، والأصحّ بحسب الرواية هو الأوّل ، وهو الأشهر ، والمراد ببروزه هو وصوله إلى المحلّ الذي تغسله في الاستنجاء ، وهو ما يظهر من الفرج في جلوسها لقضاء الحاجة ؛ لأنّه في حكم الظاهر ، هذا في غير البكر ، وأمّا فيها فلا يجب الغسل حتّى يبرز إلى شفرتي الفرج ؛ لأنّ ما دون ذلك من الجوف كداخل الإحليل . انتهى . وقد سمعت من بعض الأعلام في فنّ التشريح : أنّ للمرأة أيضا اُنثيين كالرجل لكن من داخل الفرج في اللحم قريبا من شفرته يتكوّن فيهما المنيّ ، وقضيبا ممتدّا منهما إلى فم الرحم ينزل منه المنيّ إلى الرحم ، وربّما تقذفه الانسداد رحمها بقبول نطفة الرجل قبله أو لعلّة اُخرى ، فيخرج من الفرج . فالظاهر أنّ إنزالها إنّما هو خروج المنيّ من قضيبها كالرجل ، ظهر على الفرج أم لا .

.


1- .. في هامش النسخ : «إنّما حكمنا بصحّة الخبر بناء على تزكية السيّد جمال الدين الحسين هذا في البشرى ، والأكثر ومنهم العلّامة في المنتهى حكموا بحسنه ؛ لأنّه ممدوح غير موثّق عندهم . منه عفي عنه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 119 ، ح 315 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 109 ، ح 361 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 188 ، ح 1894 .

ص: 406

باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثمّ يخرج

قوله : (وفي رواية اُخرى : قال : عليها غسل) إلخ . [ ح 6/4037 ] رواها الشيخ في الصحيح (1) عن اُديم بن الحرّ ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن المرأة ، ترى في منامها ما يرى الرجل ، عليها غسل ؟ قال : «نعم ، ولاتحدّثوهنّ فيتّخذنه علّة» (2) . قال _ طاب ثراه _ : دلّ هذا الخبر على جواز كتمان هذا العلم بل أولويّته عند خوف فتنة في إظهاره، فلو عملنا به خصّصنا الأدلّة الدالّة على حرمة كتمان العلم . على أنّ لقائل أن يقول : كتمان العلم إنّما يحرم على العالم عند السؤال عنه ، أو عند رؤية أحد في بدعة لا مطلقا ، ويؤيّده أنّه لو وجب إظهاره مطلقا لوجب على العالم أن يظهر جزئيّات المسائل لكلّ جاهل قبل المسألة ، ولاأظنّ قائلاً به .

باب الرجل والمرأة يغتسلان من الجنابة ثمّ يخرج منهما الشيء بعد الغسلإذا خرج بعد غسلهما من الجنابة من فرجهما شيء شبه المنيّ ، هل يجب عليهما إعادة الغسل أم لا ؟ وهذه المسألة في الرجل مبنيّة على استبرائه وعدمه . فاعلم أنّه اختلف الأصحاب في وجوب استبرائه واستحبابه ، فذهب الأكثر منهم السيّد المرتضى (3) وابن إدريس (4) والفاضلان (5) إلى استحبابه بالبول ثمّ باليد ، ومع عدم إمكان البول [ ف ]باليد خاصّة ، واحتجّوا عليه بما سيأتي .

.


1- .. في هامش النسخ : «إنّما حكمنا بصحّة الخبر مع أنّ في طريقه الحسين بن الحسن بن أبان وعدّه الأكثر ممدوحا ، بناء على توثيق ابن داوود إيّاه ، وعدّ العلّامة الخبر الذي هو في طريقه صحيحا . منه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 105 ، ح 344 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 121 ، ح 319 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 188 ، ح 1895 .
3- .. حكاه عنه الشهيد في الذكرى ، ج 2 ، ص 230 .
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 118 .
5- .. قاله المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 185 ، في آداب الغسل وسننه ؛ وشرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 23 ، في الجنابة ؛ والعلّامة في تبصرة المتعلّمين ، ص 22 ؛ وتذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 232 ؛ ونهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 109 .

ص: 407

وعلى عدم وجوبه بقوله تعالى : «وَلَاجُنُبًا إِلَا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ » (1) ، وبخلوّ أكثر أخبار الغسل عنه ، مع أنّه قد ذكر فيها أكثر المستحبّات ، فلو كان واجبا لكان أولى بالبيان . وذهب الشيخ في كتابي الأخبار (2) إلى وجوبه ، وهو ظاهره في النهاية (3) وظاهر الصدوقين (4) والمفيد (5) ؛ حيث أمروا به ، وإليه مال الشهيد في الذكرى حيث قال : «ولا بأس بالوجوب محافظة على الغسل من طريان مزيله ، ومصيرا إلى قول معظم الأصحاب ، وأخذا بالاحتياط» (6) . ونقله عن ابن حمزة (7) وابن زهرة (8) وابن البرّاج (9) وأبيالصلاح (10) والكيدري . وفي المختلف : «احتجّ الشيخ بالأحاديث الدالّة على وجوب إعادة الغسل مع وجود البلل ، وهو كماترى» (11) . إذا عرفت هذا ، فالمشهور عدم وجوب إعادة الغسل إذا وجد بللاً مشتبها بالمنيّ إن كان قد استبرأ بالبول ، سواء استبرأ بالاجتهاد أيضا أم لا ، أو استبرأ بالاجتهاد مع تعذّر البول ، ووجوبها مع عدمه ، وربّما ادّعي الإجماع على ذلك ، وبه قال المفيد في

.


1- .. النساء (4) : 43 .
2- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 118 ، وجوب الاستبراء من الجنابة بالبول قبل الغسل .
3- .. النهاية ، ص 21 ، باب الجنابة وأحكامها . وصرّح بوجوبه في الرسائل العشر ، ص 161 ، فصل في ذكر الجنابة ؛ والمبسوط ، ج 1 ، ص 29 ، وفيهما بزيادة : «أو الاستبراء» .
4- .. فقه الرضا عليه السلام ، ص 81 ، باب الغسل من الجنابة وغيرها ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 81 ، صفة غسل الجنابة ، حكاه عن أبيه في رسالته ؛ الهداية ، ص 92 ، باب غسل الجنابة .
5- .. المقنعة ، ص 52 ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ؛ أحكام النساء ، ص 18 .
6- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 230 .
7- .. الوسيلة ، ص 55 ، أحكام الجنابة .
8- .. غنية النزوع ، ص 61 ، الفصل الخامس في غسل الجنابة .
9- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 45 ، باب كيفيّة الغسل .
10- .. الكافي في الفقه ، ص 133 .
11- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 335 .

ص: 408

المقنعة (1) . وذهب المحقّق في الشرائع إلى عدم وجوب الإعادة مع الاستبراء باليد وإن تيسّر البول (2) ، واحتمله في التهذيب في صورة نسيان البول (3) ، وظاهر الصدوق في الفقيه استحبابها . ويدلّ على المشهور زائدا على ما رواه المصنّف ، خبر معاوية بن ميسرة ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا قال : «إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ ، وإن لم يبل حتّى اغتسل ثمّ وجد البلل فليعد الغسل» (4) . وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شيء ؟ قال : «يغتسل ويعيد الصلاة ، إلّا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل ، فإنّه لايعيد غسله» (5) . وقال محمّد : قال أبوجعفر عليه السلام : «من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثمّ يجد بللاً فقد انتقض غسله ، وإن كان بال ثمّ وجد بللاً فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء ؛ لأنّ البول لم يدع شيئا» (6) . قوله عليه السلام : «ويعيد الصلاة» فيما إذا صلّى بعد خروج البلل ، وأمّا التي صلاّها قبله فليس فيها إعادة ؛ لأنّ خروج ذلك البلل جنابة جديدة . وقوله عليه السلام : «ولكن عليه الوضوء» كقوله عليه السلام : «ولكن يتوضّأ ويستنجي» في موثّقة

.


1- .. المقنعة ، ص 53 ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 23 ، وعبارته هكذا : «. . . فإن كان قد بال أو استبرأ لم يعد ، وإلّا كان عليه الإعادة» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ذيل ح 410 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 144 ، ح 408 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 403 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 252 ، ح 2083 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 144 ، ح 407 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 402 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 251 ، ح 2080 .
6- .. المصدرين المتقدّمين ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 251 ، ح 2081 .

ص: 409

سماعة (1) . وقوله عليه السلام : «فليتوضّأ» في ما رويناه عن معاوية بن ميسرة محمول على ما إذا لم يستبرئ بالاجتهاد بعد البول على ما سبق في بحث الوضوء . وقد وردت روايات معارضة لما ذكر ، وهي الباعثة على القول المذكور في مقابل المشهور ، منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن السندي ، عن ابن أبيعمير ، عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة ، فينسى أن يبول حتّى يغتسل ، ثمّ يرى بعد الغسل شيئا : أيغتسل أيضا ؟ قال : «لا ، قد تعصّرت ونزل عن الحبائل» (2) . وعن عثمان بن عيسى ، عن أحمد بن هلال ، قال : سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول ؟ فكتب : «إنّ الغسل بعد البول ، إلّا أن يكون ناسيا ، فلايعيد منه الغسل» (3) . ولاختصاصهما بصورة النسيان احتمل الشيخ الفرق بين العامد والناسي على ما عرفت . ومنها : ما رواه عن عبداللّه بن هلال ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يجامع أهله ثمّ يغتسل قبل أن يبول ، ثمّ يخرج منه شيء بعد الغسل ؟ فقال : «لاشيء عليه ، إنّ ذلك ممّا وضعه اللّه عنه» (4) . وعن المفضّل بن صالح ، عن زيد الشحّام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن يبول ، ثمّ رأى شيئا ؟ قال : «لايعيد الغسل ، ليس ذلك الذي

.


1- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 409 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 120 ، ح 406 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 252 ، ح 2085 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 410 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 120 ، ح 407 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 252 ، ح 2086 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 411 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 404 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 252 _ 253 ، ح 2087 .

ص: 410

رأى شيئا» (1) . والشيخ حمل هذين الخبرين على ما إذا لم يتيسّر البول ، ولم أجد له مؤيّدا من الأخبار . وربّما حملهما على ما إذا نسي البول ، ويؤيّده الخبران المتقدّمان ، ومن قال بالاستحباب مطلقا فقد جمع بذلك بين هذه الأخبار والأخبار الأوّلة . ومن الأصحاب من جمع بينها بحمل الأوّلة على ما إذا اشتبه الحال ، والأخيرة على ما إذا علم أو ظنّ أنّ الخارج غير منيّ . ولايخفى عدم قابليّة الأخيرة للمعارضة مع الأوّلة ؛ لاشتمال الأوّلة على الصحيحة والحسنة والموثّقة ، بخلاف الأخيرة ؛ فإنّ كلّها ضعيفة ؛ لجهالة الأوّل منها بعليّ بن السندي (2) ، وضعف الثاني منها بعثمان بن عيسى ، وأحمد بن هلال ، فقد قال الشيخ في الفهرست : «هو غال» (3) ، وقال النجاشي : «ورد فيه ذموم من سيّدنا العسكري عليه السلام » (4) ، فلاتعويل على روايته ، على أنّه مضمر ، فلعلّ المسؤول هو من ليس قوله بحجّة ، وجهالة الثالث بعبداللّه بن هلال ، وضعف الرابع بمحمّد بن صالح . وأمّا المرأة ، فالمشهور عدم ثبوت الاستبراء لها مطلقا ، لا بالبول ، ولا بالاجتهاد ، لا وجوبا ولا استحبابا ، صرّح به جماعة ، منهم : العلّامة في أكثر كتبه (5) ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط (6) ، ونسبه في الذكرى (7) إلى كامل بن البرّاج، وهو الظاهر ؛ لعدم نصّ ،

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 145 ، ح 412 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 405 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 253 ، ح 2088 .
2- .. اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج 12 ، ص 46 ، الرقم 8181 .
3- .. الفهرست ، ص 83 ، الرقم 107 . وقال في رجاله ، ص 384 ، الرقم 5647 : «كان غاليا متّهما في دينه» .
4- .. رجال النجاشي ، ص 83 ، الرقم 199 .
5- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 232 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 109 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 336 .
6- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 29 ، غسل الجنابة وأحكامها .
7- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 234 .

ص: 411

مع انتفاء فائدته فيها ؛ لعدم اتّحاد مخرج البول والمنيّ فيها ، ولا مجاورتهما ، بخلاف الرجل ؛ فإنّ المخرجين له متجاوران لا حائل بينهما إلّا جلدة رقيقة يعصرها البول ويخرج ما في ممرّ المنيّ من أجزائه الباقية فيه . ولم يتعرّض جماعة منهم الصدوقان لاستبرائها نفيا ولا إثباتا . وعن أبيالصلاح (1) أنّه أطلق الاستبراء من غير تقييد بالرجل ، وظاهره ثبوته لها أيضا . والشيخ في النهاية ذهب إلى ثبوته فيها أيضا بالبول ، ثمّ الاجتهاد مع الإمكان كالرجل (2) . وذهب المفيد في المقنعة إلى استحبابه لها بالبول خاصّة مع الإمكان (3) . وحكى في الذكرى (4) عن ابن الجنيد أنّه قال : «إذا بالت تنحنحت بعد بولها» . ثمّ قال : «ولعلّ المخرجين وإن تغايرا يؤثّر خروج البول خروج ما تخلّف في المخرج الآخر إن كان ، وخصوصا مع الاجتهاد» . وهو كماترى ، وعلى ما ذكرنا إن رأت بللاً بعد الغسل يجب عليها إعادة الغسل إن علمت أنّه المنيّ منها ، وإلّا فلا ، سواء استبرأت أم لا ، لاسيّما إذا كان إنزالها من جماع ؛ لاحتمال أن يكون من ماء الرجل . وفي الذكرى : «لو رأت بللاً بعد الغسل أمكن تنزيله على استبراء الرجل لو قلنا باستبرائها ، ولو قلنا بالعدم أمكن أن تكون كرجل لم يستبرأ ، فتعيد حيث يعيد ، وأن يكون كمن استبرأ ؛ لأنّ اليقين لايرفع بالشكّ ، ولم يصدر منها تفريط» انتهى 5 .

.


1- .. الكافي في الفقه ، ص 133 .
2- .. النهاية ، ص 21 ، باب الجنابة وأحكامها .
3- .. المقنعة ، ص 54 ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 235 .

ص: 412

باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن و

وأوجبها ابن إدريس (1) ؛ محتجّا بعموم : «إنّما الماء من الماء» (2) على ما حكى عنه في الذكرى (3) ، وقد قوّاه ، وكأنّهما نظرا إلى اختلاط المنيّين غالبا ، فتأمّل . قوله : (أبوداوود) . [ ح 4/4042 ] الظاهر أنّه سليمان بن سفيان المنشد المسترقّ ، فكأنّه نقل عن كتابه ، وقال المحقّق المجلسي : «الظاهر أنّه روى عنه بواسطة ، والواسطة إمّا الحسين بن محمّد ، أو محمّد بن يحيى ، أو العدّة» (4) . وقال المحقّق الاسترآبادي في رجاله : «قد روى محمّد بن يعقوب عن أبيداوود ، عن الحسين بن سعيد ، وليس بالمسترقّ قطعا ، وإلى الآن لم يتبيّن لي من هو» . (5) والشيخ نقل الخبر بعينه عن الحسين بن سعيد بلاواسطة أبيداوود (6) ، وطريقه إليه صحيح ، فالخبر موثّق .

باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن إلخفيه مسائل : الاُولى : المشهور كراهة الأكل والشرب للجُنُب قبل المضمضة والاستنشاق ، وفي المنتهى : «ويكره له الأكل والشرب قبل المضمضة والاستنشاق والوضوء» (7) .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 235 .
2- .. السرائر ، ج 1 ، ص 122 .
3- .. مسند أحمد ، ج 3 ، ص 29 و36و47 ؛ ج 4 ، ص 143 و342 ؛ ج 5 ، ص 416 و421 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 194 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 85 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 199 ، ح 607 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 55 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 73 ، ح 112 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 115 .
4- .. حكاه العلّامة المجلسي في مرآة العقول ، ج 13 ، ص 148 عن والده.
5- .. هذا القسم من كتابه «منهج المقال» غير مطبوع.
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 144 ، ح 406 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 119 ، ح 401 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 252 ، ح 2082 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 232 .

ص: 413

وقال الصدوق : «إذا أراد أن يأكل ويشرب قبل الغسل لم يجز له إلّا أن يغسل يده أو يتمضمض ويستنشق ؛ فإنّه إذا أكل وشرب خيف عليه البرص» (1) . قال : «وروي أنّ الأكل على الجنابة يورث الفقر» (2) . والأظهر استحباب غسل اليد والوجه والمضمضة والوضوء ، كما يستفاد من مجموع أخبار : منها : حسنة زرارة ، وخبر السكوني (3) . ومنها : ما رواه الصدوق عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتّى يتوضّأ» (4) . ومنها : ما رواه الشيخ عن عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام : أيأكل الجنب قبل أن يتوضّأ ؟ قال : «إنّا لنكسل ، ولكن ليغسل يده والوضوء أفضل» 5 . ومن طريق العامّة عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضّأ 6 .

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 83 ، أحكام الجنب . ونحوه في أماليه ، المجلس 93 ، ح 1 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 83 ، ح 178 ؛ الخصال ، ص 505 ، أبواب الستّة عشر ، ح 2 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 220 ، ح 1980 ؛ وج 15 ، ص 347 ، ح 20704 .
3- .. هما الحديثان 1 و12 من هذا الباب من الكافي .
4- .. الفقيه ج 1 ، ص 83 _ 84 ، ح 181 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 219 ، ح 1978 .

ص: 414

وأمّا الاستنشاق ، فقد ذكره العلماء الأخيار (1) ، ولم أر له شاهدا من الأخبار . الثانية : المشهور بين الأصحاب تحريم قراءة العزائم الأربع على الجنب والحائض ، ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرآن القرآن ما شاءا إلّا السجدة ، ويدخلان المسجد مجتازين ولايقعدان فيه ، ولايقربان المسجدين الحرمين» (2) . وعن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت : الحائض والجنب يقرآن شيئا ؟ قال : «نعم ما شاءا إلّا السجدة ، ويذكران اللّه تعالى على كلّ حال» (3) . وعلّله المفيد في المقنعة بأنّ في هذه السور الأربع سجودا واجبا ، ولايجوز السجود إلّا لطاهر من النجاسات (4) ، وتبعه على ذلك الشيخ في التهذيب (5) . وهو تعليل عليل ؛ لعدم دليل على اشتراط الطهارة لهذا السجود ، بل يدلّ على عدمه ما يرويه المصنّف في أبواب الحيض في الصحيح عن أبيعبيدة ، قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة ؟ فقال : «إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها» (6) . وما رواه أبوبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، أنّه قال : «إذا قرئ شيء من العزائم الأربع

.


1- .. الجمل والعقود (الرسائل العشر ص 161) ؛ الوسيلة ، ص 55 ؛ غنية النزوع ، ص 37 ؛ الرسائل التسع للمحقّق الحلّي ، ص 336 ؛ جامع الخلاف والوفاق ، ص 21 ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 104 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 92 ؛ منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 232 ؛ إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 225 ؛ تبصرة المتعلّمين ، ص 23 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ؛ الدروس ، ج 1 ، ص 96 ، الدرس 5 ؛ الرسائل العشر لابن فهد ، ص 140 ؛ و . . . .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1132 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1970 صدره ، و209 ، ح 1947 ذيله .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 26 _ 27 ، ح 67 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 115 ، ح 384 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 312 ، ح 822 .
4- .. المقنعة ، ص 52 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ذيل ح 351 .
6- .. هو الحديث 3 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ح 353 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 115 ، ح 385 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 340 ، ح 2308 .

ص: 415

وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لاتصلّي» (1) . على أنّه لو تمّ إنّما يدلّ على [ عدم ] جواز قراءتهما آية السجدة لا تلك السور مطلقا ، مع إمكان منع هذا أيضا بأن تقرأها وتؤخّر السجدة إلى أن تطهر ؛ مستندا بقوله عليه السلام في خبر عبدالرحمان في الحائض : «تقرأ ولاتسجد» (2) ، وكأنّه لذلك ذهب جماعة إلى كراهتها مطلقا عليهما . وأمّا غير العزائم ، فالمشهور كراهة قراءة ما زاد على سبع آيات ، وشدّتها في مازاد على سبعين عليهما جميعا . وبذلك جمعوا بين موثّق ابن بكير (3) _ ومثله ما سيأتي عن الحلبي ، وزيد الشحّام ، والفضيل بن يسار _ وبين ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن الجنب : هل يقرأ القرآن ؟ قال : «ما بينه وبين سبع آيات» (4) . ثمّ قال : وفي رواية زرعة ، عن سماعة ، قال : «سبعين آية» (5) . ولمّا كان هذان الخبران لضعفهما وإرسالهما وتخالفهما مع اتّحاد الراوي غير قابلين لتخصيص الخبرين الأوّلين مع تأييدهما بالأصل وعموم قوله تعالى : «فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ » (6) ، أطلق جماعة من قدماء الأصحاب منهم السيّد المرتضى في الانتصار (7)

.


1- .. هو الحديث 2 من باب «عزائم السجود» من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 291 ح 1171 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 341 ، ح 2309 ؛ وج 6 ، ص 240 ، ح 7835 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 292 ، ح 1172 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 341 ، ح 2311 . ورواه أيضا في الاستبصار ، ج 1 ، ص 320 ، ح 1193 ، إلّا أنّ فيه : «لاتقرأ» .
3- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 350 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 583 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1972 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 28 ، ح 351 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 583 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1973 .
6- .. المزّمّل (73) : 20 .
7- .. الانتصار ، ص 121 .

ص: 416

والشيخ في النهاية (1) والصدوق (2) وابن إدريس (3) جواز قراءتها . وفي المبسوط أيضا قال كذلك ، إلّا أنّه قال : «والاحتياط أن لايزيد على سبع آيات أو سبعين آية» (4) . وحكى _ طاب ثراه _ عن ابن البرّاج أنّه يحرم على الجنب ما زاد على السبع (5) ، وهو طريق آخر للجمع . وعن السلّار في أحد قوليه أنّه يحرم عليه القراءة مطلقا (6) ؛ محتجّا بما روي من طرق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «لايقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن» (7) . وعن عليّ عليه السلام أنّه قال : «لم يكن يحجب النبيّ صلى الله عليه و آله [ شيء ] عن قراءة القرآن سوى الجنابة» (8) . وفي الذكرى : «وعن سلاّر في الأبواب تحريم القراءة مطلقا ، وابن البرّاج : لايجوز الزيادة على السبع ؛ لاشتهار النهي عن قراءة (9) القرآن للجنب والحائض في عهد

.


1- .. النهاية ، ص 20 ، وفيه : «ما بينه وبين سبع آيات» ، لكنّه في الخلاف ، ج 1 ، ص 100 ، ومصباح المتهجّد ، ص 10 أطلق الجواز .
2- .. المقنع ، ص 40 .
3- .. السرائر ، ج 1 ، ص 117 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 29 .
5- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 34 .
6- .. لكنّه قال في المراسم ، ص 41 _ 42 : «التروك فعلى ضربين أيضا : واجب ، وندب ، فالواجب بأن لايقرأ سور العزائم . . . ، والندب أن لايمسّ المصحف ، ولايقرأ القرآن ».
7- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 87 ، ح 131 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 125 ، باب من كره أن يقرأ الجنب من القرآن ، ح 8 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 124 ، ح 413 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 89 ؛ معرفة السنن والآثار له أيضا ، ج 1 ، ص 190 ، ح 116 ؛ ، شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 88 ؛ كنز العمّال ، ج 9 ، ص 407 ، ح 26720 .
8- .. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 84 و107 و124 ؛ مسند الطيالسي ، ص 17 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 144 ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 122 ، ح 262 ؛ مسند ابن الجعد ، ص 25 ، ح 59 ؛ مسند أبييعلى ، ج 1 ، ص 326 ، ح 406 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 89 ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 1 ، ص 104 ؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 34 ، ح 94 ؛ كنزالعمّال ، ج 2 ، ص 338 ، ح 4182 ، وفي الجميع بدل «سوى» : «ليس» أو «إلّا» .
9- .. في الأصل : «القراءة» ، والتصويب حسب المصدر.

ص: 417

النبيّ صلى الله عليه و آله بين الرجال والنساء ، ومن ثمّ تخلّص عبداللّه بن رواحة من تهمة امرأته بأمته موهما بالقراءة ، فقالت : صدق اللّه وكذب بصري ، فاُخبر النبيّ صلى الله عليه و آله فضحك حتّى بدت نواجذه (1) » . (2) وأقول : ما ذكر من القول المشهور هو وحيه في الجنب لما ذكر ، وأمّا الحائض والنفساء ، فالأخبار من طرقناناطقة بجواز قراءتهما من غير استثناء للسبع ولا للسبعين ، فمنها ما رواه المصنّف في أبواب الحيض في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الحائض تقرأ القرآن وتحمد اللّه » (3) . وفي الحسن عن زيد الشحّام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الحائض تقرأ القرآن والنفساء والجنب أيضا» (4) . وفي الحسن عن داوود بن فرقد ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض ؟ قال «نعم ، لابأس» ، قال : «وتقرأوه وتكتبه ولاتصيبه يدها» . (5) وعن فضالة عن داوود عن رجل عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن التعويذ يعلّق علي الحائض؟ قال : «لا بأس» ، وقال : «تقرأه وتكتبه ولاتمسّه» (6) . وفي باب ما يجب على الحائض في أوقات الصلوات في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «تتوضّأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل ، وإذا كان وقت الصلاة توضّأت واستقبلت القبلة وهلّلت وكبّرت وتلت القرآن وذكرت اللّه تعالى» (7) .

.


1- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 327 ، ح 426 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 209 ، في تفسير الآية 43 من سورة النساء .
2- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 269 .
3- .. هو الحديث الأوّل من باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن من الكافي ؛ وسائل الشيعة ،ج 2 ، ص 343 ، ح 2317 .
4- .. هو الحديث 2 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ،ج 2 ، ص 215 ، ح 1964 .
5- .. هو الحديث 5 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 342 ، ح 2313 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 183 ، ح 526 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 343 ، ح 2316 .
7- .. هو الحديث 2 من باب «ما يجب على الحائض في أوقات الصلاة» من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ف ص 346 ، ح 2326 .

ص: 418

ومنها مارواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته : أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوّط القرآن ؟ قال : «يقرأون ما شاؤوا» (1) . وفي الصحيح عن عبدالغفّار الجازي (2) ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قال : «الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن» (3) . وفي الموثّق عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن» (4) . ولم أجد من طرقنا نهيا عن قراءتهما مطلقا ، نعم روى الجمهور فيما تقدّم ، وهو لضعف السند غير قابل للمعارضة لما ذكر من الأخبار الكثيرة المعتبرة ، ولو ثبت ذلك لكان الأصوب الجمع بكراهية قراءتهما مطلقا وإن نقص عن السبع كما ذهب إليه الشهيد الثاني في شرح اللمعة (5) ، فتأمّل . وقال _ طاب ثراه _ : واختلف العامّة في قراءة الجنب والحائض ، وثالث الأقوال : تقرأ الحائض ؛ لطول أمرها دون الجنب ؛ لقدرته على التطهير ، ولم يختلفوا في قراءته لليسير كالآية ونحوها للتعوّذ . وقال السيّد في الانتصار :

.


1- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 381 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 348 ، وفيه : «المتغوّط» بدل : «يتغوّط» ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 217 ، ح 1969 .
2- .. منسوب إلى الجازية قرية بالنهرين ، كما في نقد الرجال ، ج 3 ، ص 71 ؛ جامع الرواة ، ج 1 ، ص 461 ؛ طرائف المقال ، ج 1 ، ص 505 ، الرقم 4612 . وفي تهذيب الأحكام : «الحارثي» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 349 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 382 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 217 ، ح 1971 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 128 ، ح 347 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 114 ، ح 380 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 217 ، ح 1968 .
5- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 386 .

ص: 419

وممّا انفردت الإماميّة به القول بأنّ الجنب والحائض يجوز أن يقرءا القرآن ما شاءا إلّا عزائم السجود ، وإنّما كانت منفردة بذلك ؛ لأنّ داوود يبيحهما قراءة قليل القرآن وكثيره من غير استثناء (1) ، ومذهب مالك أنّه يجوز للجنب أن يقرأ من القرآن الآية والآيتين ، ويجيز للحائض والنفساء أن تقرءا من القرآن ما شاءا (2) ، وأبوحنيفة وأصحابه يحظرون على الجنب والحائض قراءة القرآن إلّا أن يكون دون آية (3) ، فأمّا الشافعي (4) فيمنعهما من قراءة القليل والكثير (5) . الثالثة : أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكى على حرمة لبث الجنب والحائض والنفساء في المساجد مطلقا ، والمشهور بينهم حرمة الجواز في المسجدين وجوازه في باقي المساجد . وفي الدروس : «وألحق المفيد في الغريّة وابن الجنيد المشاهد المشرّفة بالمساجد ، وهو حسن ؛ لتحقّق معنى المسجديّة فيها وزيادة» (6) . وعن أبيحنيفة تحريم الجواز في أيّ مسجد كان (7) ، لنا ما رواه المصنّف بسندين _ ضعيف وحسن _ عن جميل بن درّاج (8) ، وما سبق في الحسن عن محمّد بن مسلم (9) . وربّما احتجّ عليه بقوله تعالى : «لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَ_رَى حَتَّى تَعْلَمُواْ

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1132 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1970 صدره ، و209 ، ح 1947 ذيله .
2- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 .
3- .. المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 152 ، كتاب الحيض ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 134 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 في إحدى الروايتين عنه .
4- .. المبسوط للسرخسي ، ج 3 ، ص 152 ، كتاب الحيض ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 134 _ 135 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 90 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 38 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 135 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 158 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 88 ، ذيل ح 131 .
6- .. الانتصار ، ص 121 _ 122 .
7- .. الدروس ، ج 1 ، ص 102 ، آخر الدرس 8 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 278 ، واللفظ منه .
8- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 172 .
9- .. هما الحديثان 3 و4 من هذا الباب من الكافي .

ص: 420

مَا تَقُولُونَ وَلَاجُنُبًا إِلَا عَابِرِى سَبِيلٍ » (1) ، وهو مبنيّ على أنّ المراد من الصلاة مواضعها وهي المساجد ، والمعنى : لاتدخلوا المساجد وأنتم سكارى ، ولا جنبا إلّا مجتازين كما رواه الشيخ الطبرسي عن أبيجعفر عليه السلام (2) . وقيل : المراد النهي عن الدخول في الصلاة ، والمعنى : لاتصلّوا وأنتم سُكارى ، ولاجنبا إلّا أن تكونوا مسافرين ، فصلّوا مع التيمّم . فالمراد بعابري سبيلٍ المسافرون (3) ، والاستثناء باعتبار أنّ المسافر غالبا يفتقر إلى التيمّم ، بخلاف الحاضر . ويؤيّد الأوّل عدم الاحتياج إلى اعتبار التيمّم ، وذكر التيمّم للسفر بعده . وقيل : يؤيّد الثاني عدم الحاجة إلى تقدير مضاف ولا إلى تكلّف تخصيص المساجد ، بناء على عدم جواز العبور في المسجدين ، وأنّ القول بتحريم دخول السكران في المساجد غير معلوم . ونعم ما قال المحقّق الأردبيلي : «إن صحّت الرواية فلا وجه للثاني ، وإلّا فهو أوجه » . وأطلق شيخنا المفيد (4) والصدوقان (5) المنع من دخول المساجد لهم إلّا اجتيازا ، وظاهرهم جواز اجتيازهم في المسجدين أيضا ، وكأنّهم تمسّكوا بعموم الآية على المعنى الأوّل ، ويؤيّده ما رواه العامّة عن جابر ، قال : «كنّا نمرّ في المسجد ونحن جنب» (6) .

.


1- .. النساء (4) : 43 .
2- .. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 ، في تفسير الآية 43 من سورة النساء .
3- .. مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 ، عن عليّ عليه السلام وابن عبّاس وسعيد بن جبير ومجاهد .
4- .. المقنعة ، ص 51 .
5- .. فقه الرضا ، ص 85 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 87 ، ذيل ح 191 ؛ الهداية ، ص 97 .
6- .. سنن الدارمي، ج 1، ص 265 ، بزيادة : «لانرى بذلك بأسا» ؛ صحيح ابن خزيمة ، ج 2 ، ص 286 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 443 ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 257 ، ولفظهم : «كان أحدنا يمرّ في المسجد وهو جنب مجتازا» ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 171 ، باب الجنب يمرّ في المسجد قبل أن يغتسل ، ح 1 بتفاوت لفظي ؛ كنز العمّال ، ج 8 ، ص 323 ، ح 23120 .

ص: 421

وعن زيد بن أسلم ، قال : «أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله يمشون في المسجد وهم جنب» (1) . وعن عائشة : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لها : ناوليني الخمرة من المسجد . قالت [ قلت ] : إنّي حائض . قال : إنّ حيضك ليست في يدك» (2) . فإنّ الظاهر أنّ المسجد في هذه الأخبار هو مسجد الرسول صلى الله عليه و آله . وحكى في المختلف (3) عن السلّار (4) كراهية تلبّثهم في مطلق المساجد ؛ حملاً للنهي عنه على الكراهة ، متمسّكا بأصالة عدم التحريم ، وهو كماترى . وفي حكم اللبث والجواز وضع شيء فيها وإن كان بطرحه إليها من خارجها وأخذه منها ، فعلى المشهور يحرم الأوّل ويجوز الثاني ؛ لصحيحة عبداللّه بن سنان (5) . وعن السلّار كراهة الأوّل 6 ، وكأنّه حمل النهي عنه على الكراهة ؛ تمسّكا بأصالة

.


1- .. رواه ابن المنذر . راجع : المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 135 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 209 ؛ نيل الأوطار للشوكاني ، ج 1 ، ص 287 .
2- .. مسند أحمد ، ج 6 ، ص 45 و101 و111 و214 و229 و245 ؛ وج 2 ، ص 86 عن ابن عمر ؛ مسند الطيالسي ، ص 203 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 327 ، ح 1258 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 2 ، ص 254 ، في الحائض تناول الشيء من المسجد ، ح 1 ؛ مسند ابن راهويه ، ج 3 ، ص 799 ، ح 1433 ؛ وص 990 ، ح 1717 ؛ وص 1018 ،ح 1763 ؛ سنن الدارمي ، ج 1 ، ص 197 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 168 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 207 ، ح 632 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 65 ، ح 261 ؛ سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 89 _ 90 ، ح 134 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 146 و192 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 186 ؛ مسند أبييعلى ، ج 7 ، ص 460 ، ح 4488 ؛ وج 8 ، ص 126 ، ح 4666 ؛ المنتقى لابن الجارود ، ص 36 ، ح 102 . وأورده الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 67 ، ح 154 مرسلاً أنّه صلى الله عليه و آله قال لبعض نسائه . . . ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 357 ، ح 2354 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 332 و333 .
4- .. المراسم ، ص 42 .
5- .. هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 125 ، ح 339 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 213 ، ح 1957 .

ص: 422

عدم التحريم . الرابعة : صرّح أكثر الأصحاب بأنّه يكره على الجنب واُختيه الخضاب ، وعلى المختضب الجنابة ، وقيّد هذا بعضهم بما إذا لم يأخذ الحنّاء مأخذه ، وبذلك جمعوا بين الأخبار التي دلّ بعضها على الجواز مطلقا كرواية أبيجميلة (1) ، وخبر السكوني عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «لا بأس أن يختضب الرجل الجنب ويجنب وهو مختضب» (2) . وما يرويه المصنّف عن محمّد بن سهل بن اليسع ، عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تخضب وهي حائض ؟ قال : «لا بأس به» (3) . وعن محمّد بن أبيحمزة ، عن عليّ بن أبيحمزة ، قال : قلت لأبيإبراهيم عليه السلام : تختضب المرأة وهي طامث ؟ فقال : «نعم» (4) . وورد في بعضها النهي عنه كذلك ، كخبر عامر بن جذاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سمعته يقول : «لاتختضب الحائض ولا الجنب ، ولاتجنب وعليها خضاب ، ولايجنب هو وعليه خضاب ، [ ولايختضب وهو جنب ]» (5) . ومنها ما هو مقيّد في الجنب بما ذكر، رواه أبوسعيد، قال: قلت لأبيإبراهيم عليه السلام : أيختضب الرجل وهو جنب ؟ قال : «لا» ، قلت : فيجنب وهو مختضب ؟ قال : «لا» . ثمّ سكت قليلاً فقال : «يا باسعيد ، أفلا أدلّك على شيء تفعله ؟» قلت : بلى . قال : «إذا

.


1- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي .
2- .. هذا هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 130 ، ح 357 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 391 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 221 ، ح 1985 .
3- .. هذا هو الحديث 1 من باب «الحائض تختضب» من الكافي ؛ ورواه الشيخ بإسناده عن الكليني في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 182 ، ح 522 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 353 ، ح 2342 .
4- .. هذا هو الحديث 2 من باب «الحائض تختضب» من الكافي ؛ ورواه الشيخ بإسناده عن الكليني في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 182 ، ح 523 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 353 ، ح 2343 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 182 ، ح 521 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 116 ، ح 388 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 221 ، ح 1991 .

ص: 423

اختضبت (1) بالحنّاء وأخذ الحنّاء مأخذه وبلغ ، فحيئنذٍ فجامِع» (2) . وهو يوافق الاعتبار . ويؤّيد الكراهة ما رواه جعفر بن محمّد بن يونس : أنّ أباه كتب إلى أبيالحسن عليه السلام يسأله عن الجنب [ أ ]يختضب وهو جنب ، أو يجنب وهو مختضب ؟ فكتب : «لا اُحبّ [ له ذلك ]» (3) . وظاهر العلّامة في التحرير عدم الكراهة مطلقا (4) . ثمّ الظاهر أنّ النهي من باب التعبّد ، أو لتوهّم شائبة من الإضرار . ويظهر من المقنعة أنّه لكون الخضاب مانعا عن الغسل ؛ حيث قال : «ويكره للحائض والنفساء أن يخضبن أيديهنّ وأرجلهنّ بالحنّاء وشبهه ممّا لايزيله الماء ؛ لأنّ ذلك يمنع من وصول الماء إلى ظاهر جوارحهنّ التي عليها الخضاب» (5) . الخامسة : قد ورد النهي عن الادّهان للجنب في خبر حريز (6) ، ولكنّه ضعيف لوجود عبداللّه بن بحر (7) في طريقه ، فلايبعد حمله على الكراهة كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، منهم الشهيد في الدروس (8) ، ومنهم العلّامة في المنتهى محتجّا بهذا الخبر ، وقد نسبه إلى الشيخ صحيحا ، وبأنّ الدهن غالبا يمنع من التصاق أجزاء

.


1- .. في الأصل : «اختضب» ، والتصويب من المصدر.
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 181 ، ح 517 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 116 ، ح 386 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 222 ، ح 1986 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 181 ، ح 519 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 392 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 222 ، ح 1990 ، وما بين الحاصرتين الأخيرتين من الجميع ، والأوّل من التهذيب .
4- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 92 .
5- .. المقنعة ، ص 58 .
6- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 129 ، ح 355 ؛ وص 372 ، ح 1138 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 117 ، ح 393 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 220 ، ح 1982 .
7- .. اُنظر : خلاصة الأقوال ، ص 374 ، الرقم 34 ؛ رجال ابن داود ، ص 253 ، الرقم 264 ؛ نقد الرجال ، ج 3 ، ص 87 ، الرقم 3005 ؛ طرائف المقال ، ج 1 ، ص 241 ، الرقم 1516 ؛ وص 507 ، الرقم 641 .
8- .. الدروس ، ج 1 ، ص 96 ، الدرس 5 .

ص: 424

الماء بالبدن التصاقا تامّا ، ثمّ قال : «لايقال : الرواية دالّة على التحريم . لأنّا نقول : لايتمّ التحريم ؛ لقول أبيعبداللّه عليه السلام : وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته» (1) . (2) ولم يتعرّض الأكثر لهذه المسألة ، وكأنّهم تركوا الخبر لما ذكر . السادسة والسابعة : التنوير والاحتجام ، وظاهر خبر السكوني (3) جوازهما من غير كراهة ، وهو ظاهر الأصحاب . الثامنة : ذهب جماعة من الأصحاب ، منهم الشيخ في الخلاف (4) والتهذيب (5) إلى أنّه يحرم على المحدث بالحدث الأصغر مسّ كتابة القرآن ، وهو ظاهر الصدوق (6) ، وحكي ذلك عن عبداللّه بن عمر والشافعي (7) ومالك (8) . وقال في المبسوط بالكراهة (9) ، وهو الأشهر ، والأوّل أحوط ؛ لما سيأتي . وأمّا المحدث بالحدث الأكبر ، فالظاهر وفاق الأصحاب ، بل علماء الاُمّة على تحريمه ، بل حرّم الشافعي عليه مسّ كتابة التوراة والإنجيل أيضا (10) ، ولا دليل له يعتدّ به .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، ح 422 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 230 ، ح 2017 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 237 .
3- .. هو الحديث 12 من هذا الباب من الكافي ؛ وقد تقدّم .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 99 ، المسألة 46 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 126 ، ذيل ح 341 .
6- .. الهداية ، ص 96 ، عدم جواز مسّ القرآن للجنب والمحدث ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 87 ، ذيل ح 191 .
7- .. الخلاف للشيخ الطوسي ، ج 1 ، ص 99 ، المسألة 46 ؛ مجمع البيان ، ج 9 ، ص 377 ؛ تفسير القرطبي ، ج 17 ، ص 226 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 29 ، ص 193 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 67 ، وج 2 ، ص 72 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 37 .
8- .. تفسير القرطبي ، ج 17 ، ص 226 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 72 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 37 ؛ إعلام الخائض ، ص 29 .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 23 ، كيفيّة الوضوء وبيان أحكامه .
10- .. بل المنقول عن الشافعي عدم الحرمة ، على ما صرّح به العلّامة في منتهى المطلب ، ج 2 ، ص 156 . وانظر : المجموع للنووي، ج 2 ، ص 70 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 108 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 19 .

ص: 425

وظاهر الأدلّة حرمته على مطلق الحدث ، فقد روى الشيخ زائدا على ما رواه المصنّف ، وما رويناه سابقا عن فضالة ، عن داوود مرسلاً ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، وعن داوود بن فرقد (1) . عنه عليه السلام في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل ، يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء ؟ قال : «لا» (2) . والظاهر أنّ ذلك النهي للزوم مسّ الخطّ للكتابة غالبا . وعن عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن جعفر بن محمّد بن حكيم ، وجعفر بن محمّد بن أبيالصبّاح ، جميعا عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : «المصحف لاتمسّه على غير طهر ، ولا جنبا ، ولا تمسّ خيطه ، ولا تعلّقه ؛ إنّ اللّه يقول : «لَا يَمَسُّهُ إِلَا الْمُطَهَّرُونَ » (3) » (4) . وفي الحسن عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب» (5) ، وقد سبق . وعن حريز ، عمّن أخبره ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : كان إسماعيل بن أبيعبداللّه عنده ، فقال : «يا بُنيّ ، اقرأ المصحف» . فقال : إنّي لست على وضوء . فقال : «لاتمسّ الكتاب ومسّ الورق واقرأه» (6) .

.


1- .. هو الحديث 5 من باب «الحائض والنفساء تقرآن القرآن» من الكافي ، إلّا أنّ فيه بدل «ولاتمسّه» : «ولاتصيبه يدها» . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 183 ، ح 526 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 215 ، ح 1964 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 127 ، ح 345 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 384 ، ح 1015 .
3- .. الواقعة (56) : 79 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 127 ، ح 344 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 113 _ 114 ، ح 378 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 384 ، ح 1014 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 371 ، ح 1132 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 218 ، ح 1970 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 127 ، ح 342 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 113 ، ح 376 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 384 ، ح 1013 .

ص: 426

وروى العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كتب في كتابه لعمرو بن حزام : «لايمسّ القرآن إلّا طاهر» (1) . وربّما احتجّ عليه بقوله سبحانه : «إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ فِى كِتَ_بٍ مَّكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَا الْمُطَهَّرُونَ » (2) ، بناء على أنّ قوله : «لايمسّه» صفة لقرآن وضميره عائد إليه ، واُيّد ذلك بخبر إبراهيم المذكور ، والخبر حينئذٍ بمعنى النهي ، لكنّ الظاهر أنّ قوله : «لايمسّه» صفته ل_ «كتاب مكنون» وهو اللوح المحفوظ ، والضمير عائد إليه ، والمراد بالمطهّرون الملائكة المقرّبون ، فالخبر حينئذ على حقيقته (3) . (4) والخبر غير ثابت ، بل هو ضعيف ؛ لاشتماله على عليّ بن الحسن بن فضّال ، وهو فطحي وإن وثّقوه (5) ، وعلى جعفر بن محمّد بن حكيم ، وهو ضعيف (6) . ولاينفع ضميمة جعفر بن محمّد بن أبيالصبّاح ؛ لكونه مجهولاً (7) ، وعلى إبراهيم بن عبدالحميد ؛ لأنّ إبراهيم الذي يروي عن أبيالحسن عليه السلام كان واقفيّا غير موثّق ، وإنّما الذي وثّقوه هو من أصحاب الصادق عليه السلام (8) ، وإن احتمل اتّحادهما .

.


1- .. تفسير القرآن لعبدالرزّاق ، ج 3 ، ص 273 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 289 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 161 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 397 ؛ تفسير القرطبي ، ج 17 ، ص 225 ؛ الأحاديث الطوال للطبراني ، ص 143 ، ح 56 ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 14 ، ص 506 ؛ سنن الدارقطني ، ج 2 ، ص 251 ، ح 2697 ؛ معرفة السنن والآثار للبيهقي ، ج 1 ، ص 186 ، ح 106 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 29 ، ص 193 ، في تفسير سورة الواقعة .
2- .. الواقعة (56) : 77 _ 79 .
3- .. المثبت هو الظاهر ، وفي الأصل : «حقيقيّة» .
4- .. زبدة البيان للمحقّق الأردبيلي ، ص 29 . وانظر : التبيان ، ج 9 ، ص 510 ؛ مجمع البيان ، ج 9 ، ص 377 ؛ تفسير مقاتل بن سليمان ، ج 3 ، ص 318 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 3 ، ص 376 ؛ جامع البيان للطبري ، ج 27 ، ص 267 _ 268 ، ح 25959 _ 29564 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 27 ، ص 154 .
5- .. رجال النجاشي ، ص 257 _ 258 ، الرقم 676 ؛ الفهرست ، ص 156 ، الرقم 391 .
6- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 822 ، ح 1031 ؛ رجال ابن داود ، ص 235 ، الرقم 292 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 109 ، الرقم 76 .
7- .. اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج 4 ، ص 95 _ 97 ، الرقم 2232 ؛ وص 103 ، الرقم 2244 .
8- .. رجال ابن داود ، ص 236 ، الرقم 10 .

ص: 427

وظاهر ذلك الخبر حرمة مسّ خيّط القرآن وتعليقه أيضا من غير طهارة ، ويلزم منه تحريم مسّ قرطاسه وجلده أيضا بالأولويّة ، ويؤيّده حسنة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وهو منقول عن السيّد المرتضى بالنسبة إلى المحدث بالحدث الأكبر (1) ، وعن أبيحنيفة (2) والشافعي (3) وأشياعهما مطلقا . والمشهور الكراهة ؛ حملاً للنهي في الخبرين عليها كما هو شأن النهي في الأخبار الضعيفة المعارضة للأصل . قوله : (عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال) . [ ح 2/4044 ] أحمد بن محمّد هذا هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، وابن فضّال هو الحسن بن عليّ بن فضّال . قوله في صحيحة إبراهيم بن أبيمحمود : (والشيء اللكد مثل علك الروم والطرار وما أشبهه) . [ ح 7/4049 ] لكد عليه الوسخ لكدا أي لزمه ولصق به (4) . والطرّة : ما يتّخذ من الرامك ، جمعها طرر وطرار (5) . والرامِك كصاحِب : شيء أسود يخلط بالمسك (6) . قوله : (وروي أيضا : أنّ المختضب لايجنب حتّى يأخذ الحنّاء مأخذه) . [ ح 9/4051 ] قد رويناها عن أبيسعيد .

.


1- .. حكاه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 190 عن المصباح للسيّد المرتضى .
2- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 32 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 37 ؛ كشف القناع ، ج 1 ، ص 158 .
3- .. روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 190 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 67 .
4- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 536 (لكد) .
5- .. لسان العرب ، ج 8 ، ص 141 _ 142 (طرر) .
6- .. صحاح اللغة ، ج 4 ، ص 1588 (رمك) .

ص: 428

باب الجنبُ يعرق في الثوب أو يصيب جسده ثوبه وهو رطب

قوله في خبر السكوني : (فإنّه يخاف منه الوضح) . [ ح 13/4055 ] في الصحاح : «الوضح : الضوء والبياض ، وقد يكنّى به عن البرص» (1) .

باب الجنبُ يعرق في الثوب أو يصيب جسده ثوبه وهو رطبالمشهور بين الأصحاب طهارة الثوب الذي يعرق فيه الجنب والحائض ما لم يصل إليه المنيّ والدم وإن كانت الجنابة من حرام ، ونسبه الشيخ في الخلاف إلى الفقهاء أجمع (2) . ويدلّ عليه حسنة أبياُسامة (3) ، وخبرا عليّ بن أبيحمزة (4) وحمزة بن حمران (5) . وما يرويه المصنّف في باب غسل ثياب الحائض من حسنة سورة بن كليب (6) ، (قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن المرأة الحائض ، أتغسل ما لبستها في طمثها ؟ قال : «تغسل ما أصاب ثيابها من الدم وتدع ما سوى ذلك» . قلت له : وقد عرقت فيها ؟ قال : «إنّ العرق ليس من الحيض» ) (7) . (8) وخبر إسحاق بن عمّار ، (عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «الحائض تصلّي في ثوبها ما

.


1- .. صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 416 (وضح) .
2- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 483 ، المسألة 227 .
3- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 268 ، ح 786 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 184 _ 185 ، ح 644 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 267 ، ح 2121 .
4- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 268 ، ح 787 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 645 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 455 ، ح 4126 .
5- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 268 ، ح 788 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 646 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 267 ، ح 2122 ؛ وج 3 ، ص 446 ، ح 4117 .
6- .. في الهامش : «سورة بن كليب ممدوح ، وباقي أسناد الطريق صحيح . منه» .
7- .. مابين القوسين مكتوبة في الهامش ، وبعده : «منه عفي عنه» ، وكذا التالي .
8- .. هذا هو الحديث 1 من باب غسل ثياب الحائض من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 270 ، ح 796 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 186 ، ح 652 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 449 ، ح 4138 .

ص: 429

لم يصبه دم» ) (1) . وما رواه الشيخ عن شعيب العقرقوفي ، عن أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتّى يبتلّ القميص ؟ فقال : «لا بأس ، وإن أحبّ أن يرشّه بالماء فليفعل» (2) . (3) وعن زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليهم السلام ، قال : «سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتّى تلصق عليهما ؟ فقال : إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما اللّه عزّ وجلّ ليس في العرق ، فلا يغسلان ثوبهما» (4) . وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الحائض تعرق في ثيابها ، أتصلّي فيها قبل أن تغسلها ؟ فقال : «نعم ، لابأس» (5) . وفي الموثّق عن عمّار الساباطي ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه ؟ فقال : «ليس عليها شيء إلّا أن يصيب شيء ممّا بها أو غير ذلك من القذر ، فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه بعينه» (6) .

.


1- .. هذا هو الحديث 2 من باب غسل ثياب الحائض من الكافي . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 449 ، ح 4140 .
2- .. في الهامش : «في طريقه الحسين بن الحسن بن أبان ، وقال الفاضل الاسترآبادي في رجاله : كثيرا ما يسمّي العلّامة الحديث صحيحا وهو في طريقه ، وقد صرّح ابن داود بتوثيقه في ترجمة محمّد بن اُورمة ، وشعيب ممدوح ، وأبوبصير مشترك بين ليث بن البختري المرادي الثقة ، بل عُدّ من حواري الصادقين عليهماالسلام ، ويحيى بن أبيالقاسم الأسدي الواقفي وقد وثّقه بعض أصحاب الرجال على ما نقل عنه النجاشي ، وقائله غير معلوم ، ولكن عدّه الرضا عليه السلام كاذبا ، وعبداللّه بن محمّد الأسدي الثقة ، والمراد هنا أحد الأوّلين ؛ لأنّ شعيبا إنّما يروي عن أحدهما كما يظهر مِن تتبّع الرجال . منه عفي عنه» .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 269 ، ح 791 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 647 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 446 ، ح 4130 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 269 ، ح 792 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 185 ، ح 648 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 447 ، ح 4131 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 269 _ 270 ، ح 793 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 186 ، ح 649 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4141 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 270 ، ح 795 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 186 ، ح 651 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4142 .

ص: 430

فأمّا ما روي عن زيد الشحّام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا لبست المرأة الطامث ثوبا فكان عليها حتّى تطهّر ، فلا تصلّي فيه حتّى تغسله ، فإن كان عليها ثوبان صلّت في الأعلى منهما ، وإن لم يكن لها غير ثوب فلتغسله (1) حين تطمت ثمّ تلبسه ، فإذا طهرت صلّت فيه وإن لم تغسله» (2) . فأوّل ما فيه أنّ في طريقه أبا جميلة المفضّل بن صالح ، وهو ضعيف ، كذّاب ، وضّاع للحديث ، وقد اعترف نفسه ... من وضع الحديث على ما رواه الحسن بن عليّ بن فضّال ، أنّه قال : سمعت معاوية بن حكيم يقول : سمعت أباجميلة يقول : «أنا وضعت رسالة معاوية إلى محمّد بن أبيبكر» (3) . وثانيا : أنّه يحتمل الاستحباب ، ويؤيّده صحيحة أبيبصير ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الثوب يجنب فيه الرجل ويعرق فيه ؟ فقال : «أمّا أنا فلا اُحبّ أن أنام فيه ، وإن كان الشتاء فلا بأس ما لم يعرق فيه» (4) . وخبر عليّ بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن الحائض تعرق في ثوبها ؟ قال : «إن كان ثوبا تلزمه فلا اُحبّ أن تصلّي فيه حتّى تغسله» (5) . ويحتمل أيضا حمله على ما إذا أصابته الدم كما هو ظاهر آخره من أنّ عرقها لاينجّس الثوب ، وإلّا لما اختلف الحال باغتساله قبل الحيض .

.


1- .. المثبت من المصادر ، وفي النسخ : «فلتغسل» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 270 _ 271 ، ح 797 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 187 ، ح 653 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4144 .
3- .. رجال ابن الغضائري ، ص 88 ، الرقم 188 ؛ رجال ابن داود ، ص 280 ، الرقم 511 . وقال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد من رجاله ، ص 128 ، الرقم 2332 : «روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا ، منهم . . . مفضّل بن صالح» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 421 ، ح 1331 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 188 ، ح 656 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 447 ، ح 4132 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 271 ، ح 798 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 187 ، ح 645 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، ح 4143 .

ص: 431

ويؤيّده موثّقة إسحاق بن عمّار الساباطي ، قال : سئل أبوعبداللّه عليه السلام عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه ، فقال : «ليس عليها شيء إلّا أن يصيب شيء ممّا بها أو غير ذلك من القذر ، فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه بعينه» (1) . وقد استثنى بعض الأصحاب منه عرق الجنب من الحرام فقال بنجاسته ، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (2) والشيخ في الخلاف (3) ؛ حيث حرّما الصلاة في ثوب أصابه ذلك العرق ، وإليه مال في المبسوط حيث قال : «وإن كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا» (4) . وحكى [ ذلك العلّامة ] في المختلف (5) عن ابن البرّاج (6) . واحتجّوا عليه بموثّق أبان بن عثمان ، عن الحلبي، قال: قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره ؟ قال : «يصلّي فيه ، وإذا وجد الماء غسله» (7) ، حاملين إيّاه على ما إذا عرق في الثوب وكانت جنابته من حرام ، وهو كماترى . وكما لاينجّس العرق ثوب الجنب لاينجّسه ملاقاته لبدنه بالرطوبة ما لم يلاق العضو النجس ، وكذا لايجنب الرجل لبس الثوب الذي فيه المنيّ بالرطوبة ، بمعنى أنّه لايجب عليه الغسل بذلك ، وإنّما يجب عليه غسل موضع الملاقاة ، ويدلّ عليه خبر حمزة بن حمران (8) ، وصحيحة معاوية بن عمّار (9) ، وما سيأتي في الباب الآتي .

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 483 ، المسألة 227 .
2- .. تقدّم تخريجه آنفا .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 67 ، ذيل ح 153 . وحكاه في المقنع ، ص 43 _ 44 عن والده في رسالته .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 38 ، كيفيّة تطهير الثياب والأبدان من النجاسات ، وأفتى بذلك أيضا في النهاية ، ج 1 ، ص 53 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 461 .
6- .. المهذّب البارع ، ج 1 ، ص 51 ، باب إزالة النجاسة عن البدن والثياب .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 68 ، ح 155 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 271 ، ح 799 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 187 ، ح 655 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 447 ، ح 4133 .
8- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي .
9- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 445 ، ح 4124 .

ص: 432

باب المنيّ والمذي يصيبان الثوب [ والجسد ]

ولا اعتبار بالبلّة ؛ فإنّها لاتوجب السراية ، ويدلّ عليه خبرا أبياُسامة (1) ، وربّما حملهما جماعة على حال الاضطرار ؛ ظنّا منهم عدم الفرق بين البلّة والرطوبة ، ولم أجد دليلاً لهم ، لا نصّا ولا اعتبارا .

باب المنيّ والمذي يصيبان الثوب [ والجسد ]قال _ طاب ثراه _ : أجمع أصحابنا الإماميّة على نجاسة المنيّ ، ويدلّ عليها أحاديث هذا الباب وغيرها من الأخبار، وقال بطهارته الشافعي (2) وجماعة من محدّثيهم ، واستدلّوا لها بما رووه : أنّ رجلاً نزل بعائشة ، فأصبح يغسل ثوبه ، فقالت عائشة : «إنّما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه ، فإن لم تر نضحت حوله ، لقد رأيتني أفرك من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه و آله فركا» (3) . ووجّهوه بأنّه لو كان نجسا لما كان الفرك باليد كافيا . واحتجّوا أيضا بأنّه أصل الخلقة ، فيكون طاهرا كالتراب . وبأنّه خلقت منه الأنبياء عليهم السلام ، فكيف يكون نجسا ؟ والجواب عن الأوّل _ على تقدير حجّيّته _ : أنّ المراد بالفرك الفرك بالماء لا باليد وحدها ، وإلّا لناقض أوّل الكلام آخره ، وهذا التأويل أولى من تأويل الغسل بكونه للنظافة والنزاهة ؛ لورود الأمر بالغسل منه في روايات اُخرى لهم أيضا (4) .

.


1- .. هما الحديثان 1 و 2 من هذا الباب من الكافي .
2- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 72 و75 ، باب المنيّ ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 190 ، في النجاسات ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 553 ؛ إعانة الطالبين ، ج 1 ، ص 103 .
3- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 164 ، باب حكم المنيّ ؛ صحيح ابن حبّان ، ج 4 ، ص 217 ؛ السنن الكبرى للبيقهي ، ج 2 ، ص 417 مع مغايرة في بعض الألفاظ ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 554 . وورد ذيله في : الاُمّ للشافعي ، ج 1 ، ص 73 ؛ مسند الطيالسي ، ص 202 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 156 باب فرك المنيّ من الثوب ؛ السنن الكبرى له أيضا ، ج 1 ، ص 128 ، ح 2289 ؛ المنتقى ، ص 44 ، ح 136 و137 ؛ شرح معاني الآثار ، ج 1 ، ص 49 و50 ، باب حكم المنيّ ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 1 ، ص 242 ، ح 1255 ؛ وص 243 ، ح 1258 .
4- .. في الهامش : «منها ما رووه عن النبيّ ، صلى الله عليه و آله أنّه قال لعمّار بن ياسر : إنّما تغسل ثوبك من الغائط والبول ف والدم والمنيّ . منه» . أقول : والحديث رواه أبويعلى في مسنده ، ج 3 ، ص 185 _ 186 ، ح 1611 ؛ والدارقطني في السنن ، ج 1 ، ص 134 ، ح 452 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، ج 1 ، ص 14 ، باب إزالة النجاسات بالماء دون سائر المائعات ؛ وفي معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 245 ، ح 1262 ؛ والطبراني في المعجم الأوسط ، ج 6 ، ص 113 ؛ والمتّقي في كنزالعمّال ، ج 9 ، ص 349 ، ح 26385 .

ص: 433

والتأويل في موضع واحد أسهل من التأويل في مواضع متكثّرة ، ولو سلّم فالمقصود الاستعانة بغير الماء لإزالة تجسّده ؛ إذ لو غسل بدون ذلك لعسرت الإزالة ولانتشرت النجاسة . وعن الثاني : أنّ الكلام في المنيّ البارز لا في الكامن الذي منه الخلق ، ويؤيّده أنّ العلقة الساقطة نجسة بالاتّفاق ، وهي أصل الخلقة للأنبياء عليهم السلام . انتهى . وقد اُجيب عنه بأنّ الاستحالة تطهّره . وأمّا المذي ، فهو طاهر عندنا ، ومثله الوذي والودي ، وقد سبق القول فيها في باب المذي والوذي ، وقد وضع المصنّف ذلك الباب لبيان كونهما غير ناقضين للوضوء ، وهذا الباب لبيان كون المذي طاهرا ، ولم يتعرّض لذكر الودي أيضا ، والأولى الجمع بين الثلاثة في باب واحد وبيان طهارتها وعدم نقضها (1) للوضوء معا . قوله في خبر عنبسة بن مصعب : (سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : لانرى) إلخ . [ ح 6/4067 ] قد روى الشيخ هذا الخبر بهذا السند بعينه في التهذيب ، وفيه : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «كان عليّ عليه السلام لايرى في المذي وضوءا» (2) . وفي بعض نسخه : «ولا غسل ما أصاب» بالإضافة .

.


1- .. المثبت هو الظاهر ، وفي الأصل : «عدم نقضهما» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 18 ، ح 41 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 187 ، ح 1889 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 92 ، ح 294 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 281 ، ح 742 .

ص: 434

باب البول يصيب الثوب والجسد

باب البول يصيب الثوب والجسدالمشهور بين الأصحاب وجوب غسل المتنجّس بالبول مرّتين إذا غسل بالماء القليل ؛ لصحيحة الحسين بن أبيالعلاء (1) ، وما رواه الشيخ ، عن ابن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، عن البول يصيب الثوب ؟ قال : «اغسله مرّتين» (2) . وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الثوب يصيب البول ؟ قال : «اغسله في المركن مرّتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (3) . وفي المنتهى : «والأقرب عندي وجوب الإزالة ، فإن حصل بالمرّة [ الواحدة ]لكفى» (4) . واعتبروا العصر فيما يمكن تحقّقه فيه ، واحتجّ عليه المحقّق في المعتبر بأنّ العصر معتبر في مفهوم الغسل ، وبأنّ النجاسة ترشّح في الثوب فلاتزول إلّا بالعصر (5) . وكأنّه أراد بذلك أنّ النجاسة ترشّح في أعماق الثوب تبعا للماء الوارد عليها ، فلايطهر الثوب إلّا بإخراج ذلك الماء عنه ، وظاهر[ ه ] توقّف ذلك على العصر عموما ويرجع إلى ما احتجّ به العلّامة عليه في المنتهى من أنّ الماء ينجس بالملاقاة فيجب إزالته بقدر الإمكان (6) ، ويعني بالإمكان الإمكان بحسب العرف والعادة . وبما ذكرنا يندفع ما أورده صاحب المدارك على الأوّل من أنّ ما ذكر فيه إنّما يقتضي وجوب العصر إذا توقّف عليه إخراج عين النجاسة ، فلايدلّ على المدّعى عموما ،

.


1- .. هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . وعنه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ، ح 714 ؛ وسائل الشيعة ، ج3 ، ص 395 _ 396 ، ح 3962 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 251 ، ح 722 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 395 ، ح 3960 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ، ح 717 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 397 ، ح 3966 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 263 ، وما بين الحاصرتين منه .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 435 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 265 .

ص: 435

وعلى الثاني بأنّه اعترف الأصحاب بطهارة الماء المتخلّف فيالمغسول بعد العصر وإن أمكن إخراجه بعصر ثان أقوى من الأوّل (1) . وربّما احتجّ عليه بصحيحة الحسين بن أبيالعلاء ، وفيه تأمّل (2) . ثمّ إنّ الأكثر _ منهم المحقّق في المعتبر (3) _ اعتبروه بعد كلّ غسلة بناء على ما عرفت من اعتباره في مفهوم الغسل ، واعتبر الشهيد في اللمعة عصرا واحدا بين الغسلتين (4) ، وكأنّه بنى ذلك على أنّه قد خرج عين النجاسة من حشو الثوب بذلك العصر ، فلايحتاج في الغسلة الثانية إليه . واعتبر الصدوق عصرا واحدا بعد الغسلتين ؛ محتجّا بما رواه في الفقيه من «أنّ الثوب إذا أصابه البول غسل في ماء جار مرّة ، وإن غسل في ماء راكد فمرّتين ثمّ يعصر» (5) . وفيه تأمّل ؛ إذ يحتمل أن يكون لفظة «ثمّ» للتراخي في الذكر على أن يكون المراد الفرق بين الجاري والراكد بوجهين : أحدهما اعتبار المرّة والمرّتين ، وثانيهما اعتبار العصر وعدمه . وأمّا ما تعذّر فيه العصر فيكفي فيه الصبّ كما يستفاد من خبر الحسين . وفي المدارك : وذكر جمع من الأصحاب أنّ ما لاينفصل الغسالة منه بالعصر كالصابون والورق والفواكه والخبز والحبوب وما جرى هذا المجرى لايطهر بالغسل بالقليل ، بل يتوقّف طهارته

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 435 .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 326 .
3- .. في الهامش : «فإنّه يدلّ على اعتباره في غسل الثوب من بول الصبيّ ، ولايعتبر فيه ذلك إجماعا ، فلابدّ من حمله على الندب . منه» .
4- .. اللمعة الدمشقيّة ، ص 16 ، كتاب الطهارة ؛ شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 305 ، [باب] كيفيّة غسل الثوب .
5- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 68 ، ذيل ح 156 ، الهداية ، ص 71 ، [باب ]كيفيّة تطهير ثوب المتنجّس بالبول . ومثله في فقه الرضا عليه السلام ، ص 95 .

ص: 436

على غسله بالكثير ، وهو مشكل ، أمّا أوّلاً ؛ فللحرج والضرر اللازمين (1) من ذلك . وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ ما يتخلّف في هذه المذكورات من الماء ربّماكان أقلّ من المتخلّف في الحسايا بعد الدقّ والتغميز ، وقد حكموا بطهارتها بذلك . وأمّا ثالثا ؛ فلعدم ثبوت تأثير مثل ذلك في المنع مع إطلاق الأمر بالغسل المتحقّق بالقليل والكثير . انتهى (2) . وأمّا الرضيع ، فالظاهر وفاقهم على أنّه لايعتبر فيه العصر ولا تعدّد الغسل ، بل يكفي فيه الصبّ (3) ؛ للإجماع على طهارته ، ولحسنة الحلبي (4) ، وما سيأتي في خبر السكوني ، وحمل العصر في خبر الحسين على الندب كما مرّت الإشارة إليه . وقد ألحق بعض الأصحاب [ الرضيعة ] به وحكموا بطهارة بولها مثله ، وهو الظاهر من الحسنة المشار إليها (5) ؛ فإنّ الظاهر أنّ الإشارة في قوله عليه السلام : «والغلام والجارية في ذلك شرع سواء» لما ذكر من كلا الحكمين أعني كفاية الصبّ قبل الأكل ، ولزوم الغسل بعده ، والأكثر جعلوا الإشارة إلى الأخير فقط (6) وحكموا بنجاسة بولها مطلقا ؛ محتجّين بخبر السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّا عليه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم ؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ، ولبن الغلام لايغسل منه الثوب قبل أن يطعم وبوله ؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين» (7) .

.


1- .. في المصدر : «اللازم» .
2- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 331 .
3- .. الناصريّات ، ص 89 ، وادّعى فيه الإجماع على ذلك ؛ شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 43 ؛ كشف الرموز ، ج 1 ، ص 110 ؛ تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 161 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 459 ، وقال بأنّه مشهور ؛ نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 289 ؛ جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 173 .
4- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . وعنه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 249 ، ح 715 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 173 ، ح 602 ؛ وسائل الشيعة ، ج3 ، ص 397 _ 398 ، ح 3968 .
5- .. يعني حسنة الحلبي .
6- .. يعني لزوم الغسل بعد الأكل .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 250 ، ح 718 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 173 ؛ ح 601 ؛ علل الشرائع ، ص 294 ، الباب 227 ، ح 1 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 68 ، ح 157 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 398 ، ح 3970 .

ص: 437

وهو مع ضعفه يحتمل الاستحباب ؛ لأنّ خروج اللبن من المثانة لايوجب نجاسته ؛ فإنّها من البواطن ، ولو سلّم نجاسته فاستحالته باللبن في الضرع تطهّره ، فالظاهر أنّ ذلك بيان علّة مناسبة للكراهة . وأمّا غير البول من النجاسات ، فعلى المشهور يكفي فيها المرّة ؛ لإطلاق الأمر بالغسل المتحقّق في ضمنها ، وربّما اُلحقت بالبول في اعتبار المرّتين ، وعدّ في الذكرى أحوط ؛ محتجّا بمفهوم الأولويّة ، موضحا إيّاه بأنّ نجاسة غير البول أشدّ من نجاسته (1) ، وإليه مال في الدروس حيث قال : «وتكفي المرّة بعد زوال العين ، وروي في البول مرّتين ، فيحمل غيره عليه» (2) ، وتعليله عليل ؛ لمنع الأولويّة ، بل غير البول أضعف منه ، ومن ثَمّ عفي عمّا دون الدرهم من الدم دون البول ، ويؤيّده ما كان فرضا على بنيإسرائيل من قرض ما وصل إليه البول من أعضائهم دون غيره (3) . ثمّ ظاهر الأكثر وجوب العدد بعد إزالة عين النجاسة ، وبه صرّح في الدروس كما عرفت ، واكتفى العلّامة في المنتهى (4) بالمرّة إذا زال العين بها ، وهو أظهر ؛ لظاهر الأمر بالغَسل . واستحبّ الشهيد في الذكرى الثلاث (5) ، ولم أظفر بمأخذه . وقد خالفوا ما ذكر في تطهير الإناء من بعض النجاسات ، منها : ولوغ الكلب ، فالمشهور وجوب ثلاث غسلات إحداهنّ بالتراب ، بل ادّعى الإجماع عليه في الذكرى 6 ، واحتجّوا عليه بصحيحة أبيالعبّاس الفضل بن عبدالملك ، عن

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 124 .
2- .. الدروس ، ج 1 ، ص 125 ، الدرس 19 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 356 ، ح 1064 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ح 13 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 123 ، ح 325 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 264 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 125 .

ص: 438

أبيعبداللّه عليه السلام : «اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء مرّتين» (1) . ويؤيّدها ما روى في المنتهى (2) عن أبيهريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرّات» (3) . وعنه بسند آخر عنه صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا» (4) . وحكى في الذكرى عن ابن الجنيد أنّه أوجب فيه السبع (5) ؛ محتجّا بما رواه عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «يغسل من الخمر سبعا ، وكذلك الكلب» (6) . وبالخبر عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات» (7) . وهو منقول عن الشافعي أيضا ، إلّا أنّه صرّح بأنّ أوّلهنّ بالتراب (8) ؛ محتجّا بما رواه

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 226 ، ح 574 ؛ وج 3 ، ص 415 ، ح 4026 ، والجميع خالية عن كلمة «مرّتين» ، نعم هذه الزيادة موجودة في المعتبر ، ج 1 ، ص 458 ؛ والتذكرة ، ج 1 ، ص 83 ؛ ونهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 293 ؛ والمنتهى ، ج 3 ، ص 336 ؛ والذكرى ، ج 1 ، ص 125 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 335 .
3- .. الكامل لابن عديّ ، ج 7 ، ص 76 ، ترجمة الوليد بن أبيثور ؛ وج 2 ، ص 366 ، ترجمة الحسين بن عليّ الكرابيسي ، إلّا أنّ في الثاني : «. . . فليهرقه وليغسله . . .» . ونحوه في سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 66 ، ح 193 .
4- .. سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 66 ، ح 190 و191 ؛ والسنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 240 ، ولفظهما : «في الكلب يلغ في الإناء أنّه يغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا» .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 125 . وحكاه أيضا المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 458 .
6- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 458 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 336 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 125 . ولم أجدها بهذا اللفظ في كتب الأخبار ، نعم ورد في تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 116 ، ح 502 : «في الإناء يشرب منه النبيذ ؟ فقال : يغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب» . وسائل الشيعة ، ج 25 ، ص 368 ، ح 32143 .
7- .. مسند أحمد ، ج 2 ، ص 314 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 96 ، ح 329 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 162 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 240 .
8- .. الناصريّات ، ص 103 ؛ فتح العزيز ، ج 1 ، ص 260 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 579 ؛ بدائع الصنائع ، ج1 ، ص 87 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ص 225 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 45 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 112 .

ص: 439

أبوهريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «إذا ولغ الكلب إناء أحدكم فليغسله سبعا أوّلهنّ بالتراب» (1) . والظاهر أنّها _ على تقدير صحّتها _ وردت على الندب ؛ للجمع ، ويشعر به بعض ما ذكر من الأخبار . فروع : الأوّل : الأظهر والأشهر اعتبار التراب في الغسلة الاُولى ؛ لصراحة الخبر فيه من الطريقين ، وحكى في المنتهى (2) عن الشيخ المفيد اعتباره في الوسطى (3) ، وأجمل السيّد في الانتصار حيث قال : «إحداهنّ بالتراب» (4) ، ومثله محكيّ عن جملة أيضا (5) . الثاني : لايشترط امتزاج التراب بالماء ؛ لأصالة عدمه ، وانتفاء دليل صالح عليه ، واشترطه ابن إدريس (6) ؛ تحصيلاً لحقيقة الغَسل . ورُدّ في الذكرى (7) بأنّه لاريب في انتفاء حقيقته على التقديرين ، وحصول الغرض يعني إزالة اللعاب اللزج بهما ، فلا مرجّح لتخصيص إطلاق الخبر . الثالث : لايجزي غير التراب اختيارا وإن شاركه في حصول الغرض به على الأشهر ، وعن ابن الجنيد التخيير (8) ، وتردّد فيه العلّامة في التحرير (9) .

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 125 .
2- .. مسند أحمد ، ج 2 ، ص 427 ، المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 200 ، في الكلب ولغ في الإناء ، ح 2 ؛ وج 8 ، ص 394 . مسألة غسل ما ولغ فيه الكلب ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 162 ، السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 240 . وفي الجميع : «طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب . . .» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 334 .
4- .. المقنعة ، ص 65 ، باب المياه وأحكامها ؛ وص 68 ، باب تطهير المياه من النجاسات .
5- .. الانتصار ، ص 86 ، حكم سؤر الكلب ، ومثله في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 23) ، لكنّه صرّح في الناصريّات ، ص 103 بأنّ الأوّل منهنّ بالتراب .
6- .. منهم : الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 175 ، المسألة 130 ؛ وص 178 ، المسألة 133 ؛ وابن حمزة في الوسيلة ، ص 80 .
7- .. السرائر ، ج 1 ، ص 91 .
8- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 459 ؛ والعلّامة في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 338 .
9- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 167 .

ص: 440

ومع فقد التراب جوّزه الشيخ في المبسوط مع تجويز الاقتصار على الماء (1) . وعلى الاقتصار بالماء فظاهر الشيخ كفاية المرّتين ، وعُدّ في التحرير وجوب الثلاث أقرب (2) ، ولعلّه أظهر ، بل ظاهر الخبرين العامّيين وجوب الثلاث من غير اشتراط تراب اختيارا ، فلايبعد ضميمة التراب على الاستحباب . الرابع : مباشرة الكلب لماء الإناء بباقي أعضائه ليس في حكم الولوغ ، وعن الصدوق (3) والمفيد (4) إلحاقها به ، وهو محكيّ عن الشافعي (5) وأحمد (6) . وهو قياس مع الفارق ؛ لأنّ الولوغ يوجب عروض لعاب لزج غليظ للإناء لايزول عنه إلّا بالتراب ، بخلاف غيره . ومنها : ولوغ الخنزير ، فالمشهور وجوب سبع له ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : وسألته عن خنزير شرب في إناء كيف يصنع به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات» (7) . واحتجّ عليه الشيخ في الخلاف (8) والمبسوط بما ذكر من الأخبار الواردة في الكلب بناء على أنّ الخنزير يسمّى كلبا لغة ، وأضاف في المبسوط الإجماع المركّب ، مدّعيا أنّ كلّ

.


1- .. في الهامش : «حيث قال [ في المبسوط ، ج 1 ، ص 14 ] : وإذا لم يوجد التراب لغسله جاز الاقتصار على الماء ، وإن وجد غيره من الأشنان وما يجري مجراه كان ذلك أيضا جائزا . منه» .
2- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 167 . وفي متن المطبوع منه : «والأقرب حينئذٍ الاكتقاء بالمرّتين» ، وفي هامشه : «في «أ» : عدم الاكتفاء بالمرّتين» . وقال في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 337 بعد نقل كلام الشيخ : «وذلك يعطي أحد معنيين : إمّا استعمال الماء ثلاث مرّات ، أو استعمال الماء مرّتين» ، ثمّ ذكر لكلّ منهما وجها ، ورجّح الثاني ، وقال : «فوجب القول بطهارته بالغسل مرّتين ، وهو قويّ» ، على هذا لايقول العلّامة بأقربيّة الثلاث .
3- .. المقنع ، ص 37 ، حكم وقوع الكلب في الإناء وشربه منه ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 9 ، ذيل ح 10 ، وفيه : «إن ولغ فيه كلب» ، وفي هامشه : «كذا في نسخة ، وفي أكثر النسخ : وقع فيه كلب» .
4- .. المقنعة ، ص 68 ، باب تطهير المياه من النجاسات .
5- .. التمهيد لابن عبدالبرّ ، ج 18 ، ص 272 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 586 ؛ مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 257 .
6- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 48 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 287 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 760 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 225 ، ح 572 .
8- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 186 _ 187 ، المسألة 143 .

ص: 441

من قال بها في الكلب قال بها في الخنزير أيضا (1) . ونسبه العلّامة في المنتهى إلى الجمهور واستقواه (2) . وقال في التحرير : «وهو الحقّ عندي» (3) . وعدّه الشهيد في الذكرى أقرب (4) . ومنها : الخمر ، فقد قال الشيخ في النهاية : «وإن أصابها _ يعني الأواني_ خمر أو شيء من الشراب المسكر ، وجب غسلها سبع مرّات» (5) . ومثله في المبسوط (6) ، وبه قال المفيد (7) . ويدلّ عليه خبر عمّار المتقدّم ، وما رواه الشيخ عن عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال في الإناء يشرب فيه النبيد ، قال : «يغسل سبع مرّات» (8) . وفي المنتهى : «وللشيخ قول آخر بالثلاث» (9) . وهو ظاهره في الخلاف حيث قال : «يغسل الإناء من سائر النجاسات سوى الولوغ ثلاث مرّات» (10) . ونسبه صاحب المدارك (11) إلى نهايته (12) تبعا للعلاّمة في المختلف (13) ، ويظهر ممّا حكينا عنها وقوع سهو منهما .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 334 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 15 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 340 .
4- .. تحريرالأحكام ، ج 1 ، ص 168 ، المسألة 537 .
5- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 126 .
6- .. النهاية ، ص 53 .
7- .. المبسوط ، ج 1 ، ص15 ، حكم الأواني والأوعية والظروف إذا حصل فيها نجاسة .
8- .. المقنعة ، ص 73 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 9 ، ص 116 ، ح 520 ؛ وسائل الشيعة ، ج 25 ، ص 368 ، ح 32143 .
10- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 182 ، المسألة 138 .
11- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 397 ؛ فإنّه حكاه عن الخلاف .
12- .. النهاية ، ص 592 ، باب أطعمة المحظورة والمباحة .
13- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 498 ، حكاه عن الخلاف والنهاية .

ص: 442

ورجّحه المحقّق في الشرائع وعدّ السبع أفضل (1) ، وهو أظهر ؛ للجمع بين ما ذكر ، وبين موثّقة عمّار ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الدن (2) يكون فيه الخلّ أو ماء كامخ (3) أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» . وعن الإبريق يكون فيه خمر:أ يصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» . وقال : في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ؟ قال : «تغسله ثلاث مرّات» . سئل : أيُجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لا حتّى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات» ، الحديث (4) ، وسيأتي بعض آخر منه . وعلى القولين فالمشهور أنّه لافرق في الإناء بين ما له منافذ كالقرع والخشب والخزف الغير المغضور (5) ، وما ليس كذلك كالصفر والزجاج والمغضور . وفي شرح القواعد للمحقّق الشيخ عليّ : وقيل : إنّ القسم الأوّل لايطهر ولايجوز استعماله وإن غسل ، وهو ضعيف ، نعم طهارته باطنا موقوف على تخلّل الماء بحيث يصل إلى ما وصل إليه أجزاء الخمر ، ومتى طهر ظاهره وعلم ترشّح شيء من أجزاء الخمر المستكنّة في البواطن نجس ، وإلّا فلا (6) . ومنها : موت الفأرة ، فقد نقل صاحب المدارك (7) عن الشيخ أنّه قال في نهايته : إنّه يغسل لموت الفأرة سبعا (8) . وفي المختلف : «وقال في النهاية (9) : ومن الخمر والمسكر والفأرة سبع مرّات» . ولم أجدهما فيها (10) .

.


1- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 45 .
2- .. الدنّ : ما عظم من الرواقيد كهيئة الحبّ إلّا أنّه طويل مستوى الصنعة في أسفله ، كهيئة قونس البيضة . كتاب العين ، ج 8 ، ص 9 (دنن).
3- .. الكامخ : الذي يُؤتدم به ، معرّب . صحاح اللغة ، ج 1 ، ص 430 (كمخ) .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 283 ، ح 830 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 494 ، ح 4272 .
5- .. في الهامش : «الخضراء _ بالمعجمتين _ : طينة تدّهن بها الأواني ليمنع نفوذ المائعات في مساقها . منه» .
6- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 395 ، حكم آنية الخمر . . . .
7- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 395 .
8- .. النهاية ، ص 5 _ 6 ، باب المياه وأحكامها .
9- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 449 ، عدد الغسلات في التطهير .
10- .. ما ذكره نقل بالمعنى ، وأشرنا إلى موضعه آنفا .

ص: 443

وعُدّ في الذكرى أقرب (1) . ولم أجد له في مطلق الفأرة مستندا ، نعم روي ذلك في الجرذ ، وهو بضمّ الجيم وفتح الراء كبير الفأرة التي تعيش في الفيافي (2) ، رواه الشيخ عن أبيعبداللّه عليه السلام في موثّق عمّار _ الذي سبق بعضه _ أنّه قال : «اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ ميّتا سبع مرّات» . وأوجب المحقّق في الشرائع الثلاث ، وعدّ السبع أفضل (3) ، ولعلّه بذلك جميع بين ما ذكر من ذلك الموثّق ، وبين ما ورد فيه بعينه من الثلاث لعموم النجاسات الواردة في الإناء ، وسيأتي . وأمّا ما عدا هذه النجاسات الأربع إذا عرض للإناء فقد أوجب الشيخ في الخلاف غسل الإناء ثلاثا (4) ، وقوّاه المحقّق في المعتبر (5) ، ونسبه في المبسوط إلى الرواية (6) ، وهي ما رواه عمّار في الموثّق المشار إليه ، قال : وسئل عن الكوز أو الإناء يكون قذرا: كيف يغسل ؟ وكم مرّة يغسل ؟ قال : «ثلاث مرّات يصبّ فيه ماء فيحرّك ثمّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمّ يفرغ منه وقد طهر» (7) . ولعدم صحّة الأخبار التي رويناها في الإناء سوى ما ورد في ولوغ الكلب

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 126 _ 127 ، ثمّ احتمل اختصاص الرواية بالجرذ وأن لايتناول الفأرة ، نعم قال به في الدروس ، ج 1 ، ص 125 ، درس 19 .
2- .. اُنظر : مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 179 (جرز) .
3- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 45 . ومثله في المعتبر ، ج 1 ، ص 461 ؛ والمختصر النافع ، ص 20 ، في آخر كتاب الطهارة .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 175 ، المسألة 138 .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 461 ؛ فإنّه أفتى فيه بكفاية المرّة وعدّ الثلاث أحوط . ومثله في شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 45 ؛ والمختصر النافع ، ص 20 ، في آخر كتاب الطهارة .
6- .. المبسوط ، ص 15 ؛ فإنّه لم ينسب الثلاث إلى الرواية ، بل قال بعد الحكم بثلاث : «وقد روي غسله مرّة واحدة» .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 832 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 496 ، ح 4276 .

ص: 444

والخنزير (1) وعموم ما دلّ على كفاية المرّة ، قال العلّامة في المختلف : «والأقرب عندي أنّ الواجب بعد إزالة العين غسله مرّة واحدة في الجميع إلّا الولوغ ، لكن يستحبّ السبع في الخمر والأشربة المسكرة وفي الجرذ والفأرة» (2) . ونعم ما قال . تنبيهات : الأوّل : لافرق في المشهور بين القليل من النجاسات والكثير منها في عدم العفو عنها في الصلاة إلّا الدم ، فإنّ القليل منه معفوّ عنه فيها . وذهب السيّد المرتضى إلى العفو عن مثل رؤوس الإبر من البول _ على ما حكي عنه في المختلف (3) _ أنّه قال في المسائل الميافارقيّات : نجاسة الخمر أغلظ من سائر النجاسات ؛ لأنّ الدم وإن كان نجسا فقد اُبيح لنا أن نصلّي في الثوب إذا كان فيه دون قدر الدرهم ، والبول قد عفيعنه فيما ترشّش عند الاستنجاء كرؤوس الإبر ، والخمر لم يعف عنه في موضع أصلاً (4) . فإن قيل : يحتمل أن يكون مراده العفو عن رؤوس الإبر من ماء الاستنجاء كما يشعر به ذكر الاستنجاء ، لا من البول . قلنا : لو كان مراده هذا ، لما خصّصه برؤوس الإبر ؛ للعفو عن ماء الاستنجاء مطلقا . وعن ابن إدريس عن بعض الأصحاب : العفو عن مثل رؤوس الإبر من مطلق النجاسات (5) . ولم أجد مستند هذين القولين ، والعمومات يدفعهما . وقال السيّد في الانتصار بعد ما نسب إلى الإماميّة القول بأنّ الدم الذي ليس بحيض تجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي ، وهو المضروب من درهم وثلث ، وما زاد على ذلك لاتجوز الصلاة فيه :

.


1- .. المثبت من «ج» وفوقه علامة «ظ» ، وفي «أ» : «والخبر» .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 499 .
3- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 491 .
4- .. رسائل المرتضى ، ج 1 ، ص 288 ، المسألة الثانية والثلاثون من جوابات المسائل الميافارقيّات .
5- .. السرائر ، ج 1 ، ص 180 .

ص: 445

وفرّقوا بين الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومنيّ ، وحرّموا الصلاة في قليل ذلك وكثيره ، وكأنّ التفرقة بين الدم وبين سائر النجاسات في هذا الحكم هو الذي تفرّدوا به ، فإنّ أباحنيفة يعتبر مقدار الدرهم في جميع النجاسات ، ولايفرّق بين بعضها وبعض (1) ، والشافعي لايعتبر الدرهم في جميع النجاسات (2) ، فاعتبارها (3) في بعضها هو التفرّد ، ويمكن القول بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة ؛ لأنّ زفر كان يراعي في الدم أن يكون أكثر من درهم ولا يراعي مثل ذلك في البول ، بل يحكم بفساد الصلاة بقليله وكثيرة ، وهذا نظير قول الإماميّة ، وروي عن الحسن بن صالح بن حيّ أنّه كان يقول في الدم : «إذا كان على الثوب مقدار الدرهم يعيد الصلاة ، وإن كان أقلّ من ذلك لم يعد» ، وكان يوجب الإعادة في البول والغائط قليلهما وكثيرهما (4) ، وهذا مضاه لقول الإماميّة (5) . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . الثاني : لافرق على المشهور في وجوب غسل النجس للتطهير بين الجسم الصقيل وغيره ، وهو الظاهر من إطلاق الأمر بالغسل في الأخبار . وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى أنّه قال : «الجسم الصقيل كالسيف والمرآة والقارورة إذا أصابته نجاسة يطهر بالمسح بحيث تزول عين النجاسة عن المحلّ» ، محتجّا بأنّ الموجب للنجاسة في المحلّ بقاء عين النجاسة فيه ، ومع المسح تزول العلّة فينتفي الحكم . وأجاب عنه بمنع المقدّمة الاُولى ؛ مستندا بأنّ الطهارة والنجاسة أمران شرعيّان متوقّفان على النصّ ، والنصّ مطلق في الغسل (6) .

.


1- .. تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 64 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 46 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 19 و80 ؛ البحر الرائق ، ج 1 ، ص 395 .
2- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 79 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 64 .
3- .. في المصدر : «فاعتباره» .
4- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «قليلها وكثيرها» .
5- .. الانتصار ، ص 93 _ 94 ، الدم المعفوّ عنه في الصلاة .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 492 . وحكاه أيضا في تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 163 ، المسألة 530 ؛ ومنتهى ف المطلب ، ج 3 ، ص 286 . وحكاه أيضا الشيخ في الخلاف ، ج 1 ، ص 479 ، المسألة 222 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 450 .

ص: 446

الثالث : لايكفي إزالة عين الدم من الثوب بالبصاق على المشهور ؛ لما عرفت . وحكي في المختلف (1) عن ابن الجنيد أنّه اكتفى بذلك ؛ محتجّا بما رواه غياث بن إبراهيم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، قال : «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» (2) . وأجاب عنه بضعف سنده ، ثمّ بالحمل على الدم الطاهر كدم السمك وشبهه ، أو على إزالة النجاسة مع بقاء المحلّ على نجاسته . لايقال : ويدلّ أيضا عليه صحيح عليّ بن جعفر (3) ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلح له أن يصبّ الماء من فيه يغسل به الشيء يكون في ثوبه ؟ قال : «لا بأس» (4) . لأنّا نقول : الظاهر أنّ المراد بالماء فيه الماء المطلق المأخوذ بالفم لا بالبصاق . قوله : (أحمد عن إبراهيم بن أبيمحمود) إلخ . [ ح 2/4069 ] أحمد هذا هو ابن محمّد بن عيسى ؛ بقرينة روايته عن إبراهيم ، وفي رجال السيّد المصطفى : «له كتب ، روى عنه سعد بن عبداللّه وعليّ بن إبراهيم ومحمّد بن يحيى وعليّ بن موسى بن جعفر وأحمد بن إدريس وداوود بن كورة» (5) . وقال النجاشي : «روى عنه محمّد بن الحسن الصفّار» (6) .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 493 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1350 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 205 ، ح 525 .
3- .. في الهامش : «رواه الشيخ في التهذيب في باب تطهير الثياب من أبواب الزيادات . منه» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 423 ، ح 1343 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 500 ، ح 4286 .
5- .. نقدالرجال ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، الرقم 333 .
6- .. لم يذكره في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى ، نعم ورد في تراجم رجال آخرين رواية الصفّار عنه ، منها في ص 150 ، الرقم 392 ترجمة خالد بن إسماعيل ، وص 174 ، الرقم 458 ترجمة زكريّا بن آدم ، وص 178 _ 179 ، الرقم 469 ترجمة سعد بن أبيخلف ، و... . نعم ورد ذلك في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى من الفهرست للشيخ الطوسي ، ص 68 _ 69 ، الرقم 75 ، والعبارة من التفرشي نقلاً عن الفهرست لا عن النجاشي .

ص: 447

باب أبوال الدوابّ وأرواثها

والظاهر أنّ الواسطة بين المصنّف وبينه عليّ بن إبراهيم ، فالخبر صحيح . والطنفسة _ على ما ذكره صاحب القاموس _ : «مثلّثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس ، واحدة الطنافس : البسط والثياب والحصير من سعف عرضه ذراع» (1) . قوله في حسنة حكم بن حكيم : (قال : لا بأس) . [ ح 4/4071 ] ظاهره صحّة الصلاة مع تلك الحالة ؛ حيث لم يصبّ الماء .

باب أبوال الدوابّ وأرواثهاأجمع الأصحاب على نجاسة الأبوال والأرواث من الحيوانات التي لايحلّ أكلها ، وعلى طهارتهما من التي يحلّ أكلها ، واستحباب الاجتناب ممّا كره أكله إلّا ما سيحكي . ويدلّ على حكم الأبوال بعض أخبار الباب وغيرها ممّا ذكر في كتب الأخبار ، منها : ما رواه الشيخ عن المعلّى بن خنيس وعبداللّه بن أبييعفور ، قالا : «كُنّا في جنازة وقربنا حمار فبال ، فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبيعبداللّه عليه السلام فأخبرناه ، فقال : «ليس عليكم شيء» (2) . وما رواه الصدوق عن أبيالأغرّ النخّاس ، أنّه سأل أباعبداللّه عليه السلام ، فقال : إنّي اُعالج الدوابّ ، فربّما خرجت بالليل وقد بالت وراثت ، فتضرب إحداها بيديها أو برجليها فينضح على ثوبي ؟ فقال : «لا بأس به» (3) . واحتجّ على حكم الأرواث بالإجماع ، ولم أجد خبرا صريحا في نجاستها من غير

.


1- .. القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 227 (طنفس) .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1351 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 180 ، ح 628 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 410 ، ح 4007 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 70 ، ح 164 ، وهذا هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ، مع مغايرة في بعض الألفاظ ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 407 ، ح 3995 .

ص: 448

مأكول اللحم إلّا ماورد في العذرة وخرء الكلاب والفأرة ، ويفهم في السنّور ذلك من موثّق أبان ، عن عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب : أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم (1) فلايعيد» (2) . نعم ، ظاهر هذا الخبر إطلاق العذرة على أرواث الحيوانات أيضا ، فلايبعد أن يستدلّ بما يدلّ على نجاسة العذرة من غير تقييد عليها ، كما احتجّ بذلك في المعتبر (3) . واستدلّ لها بما رواه عبداللّه بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد في الصحيح عن عليّ بن رئاب ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الروث يصيب ثوبي وهو رطب ؟ قال : «إن لم تقذره فصلّ فيه» (4) . وفيه نظر . وربّما استدلّ لها بما دلّ على نجاسة الأبوال منها بضميمة عدم القول بالفصل . وفي المدارك : «لايبعد الحكم بطهارة الأرواث ؛ تمسّكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض» (5) . وذهب الشيخ إلى نجاسة أبوال الدوابّ والبغال والحمر (6) ، وهو محكيّ عن ابن الجنيد أيضا (7) ، وهو ظاهر حسنة محمّد بن مسلم (8) ، وموثّقة الحلبي (9) ، ورواية

.


1- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «لايعلم» .
2- .. الكافي ، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلاً ، ح 11 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 2 ، ص 359 ، ح 1487 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 180 ، ح 630 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 475 ، ح 4218 .
3- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 411 .
4- .. قرب الإسناد ، ص 163 ، ح 597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 410 ، ح 4009 .
5- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 262 .
6- .. النهاية ، ص 51 .
7- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 413 ؛ والعلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 457 .
8- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 264 ؛ ح 771 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 620 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 403 ، ح 3982 ؛ وص 407 ، ح 3998 .
9- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 265 ؛ ح 773 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 621 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 406 ، ح 3994 .

ص: 449

أبيمريم (1) ، وصحيحة عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل يمسّة بعض أبوال البهائم : أيغسل أم لا ؟ قال : «يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (2) . وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن أبوال الخيل والبغال ؟ قال : «اغسل ما أصابك منه» (3) . وخبر عبدالأعلى بن أعين ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن أبوال الحمير والبغال ؟ قال : «اغسل ثوبك» . قال : قلت : فأرواثهما ؟ قال : «هو أكثر من ذلك» (4) . ومضمر سماعة ، قال : سألته عن بول السنّور والكلب والحمار والفرس ؟ فقال : «كأبوال الإنسان» (5) . وحملها الأكثر على الكراهة واستحباب الاجتناب عنها ؛ للجمع . ويؤيّدها خبر زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام (6) . وفي التهذيب : «هذا الخبر يقضي على سائر الأخبار التي تضمّنت الأمر بغسل الثوب من بول هذه الأشياء وروثها ، وأنّ المراد بها ضرب من الكراهة» (7) .

.


1- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في التهذيب ، ج 1 ، ص 245 ؛ ح 775 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 178 _ 179 ، ح 623 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 408 ، ح 4001 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 247 ، ح 711 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ح 624 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 409 ، ح 4002 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ح 774 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 622 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 409 ، ح 4004 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ح 776 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ح 625 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 410 ، ح 4006 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 422 ، ح 1336 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 180 ، ح 627 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 406 ، ح 3992 .
6- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ؛ ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 264 ، ح 772 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ح 626 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 408 ، ح 4000 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ذيل ح 772 .

ص: 450

وكأنّه قدس سره ذكر الروث تطفّلاً ، وإلّا فليس في شيء من تلك الأخبار ذكر له . وأمّا ذرق (1) الطيور وأبوالها ، فذهب الصدوق إلى طهارة رجيع الطيور مطلقا اُكل لحمها أو لا (2) ، وهو محكيّ في الذكرى (3) عن ابن أبيعقيل (4) والجعفي ، وهؤلاء لم يتعرّضوا لبولها ، وكأنّه مبنيّ على ما قيل من أنّه لابول لها ، أو على عدم القول بالفصل ، وهو أظهر ؛ فإنّ بعض الأخبار صريح في أنّه يكون لها ، وهذا القول قويّ ؛ لحسنة أبيبصير ، وما رواه الصدوق (5) والشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، أنّه سأله عن الرجل في ثوبه خرء الطير أو غيره ، هل يحكّه وهو في صلاته ؟ قال : «لا بأس» (6) . وعن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن يحيى ، عن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، إنّه قال : «لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف (7) » (8) . والظاهر صحّته ؛ لأنّ محمّد بن يحيى هذا هو الخزّاز كما يظهر من الفهرست ، حيث قال في ترجمة غياث بن إبراهيم : «يروي عنه محمّد بن يحيى الخزّاز» (9) . واحتمل أن يكون هو الخثعمي ، وعلى التقديرين يكون ثقة (10) .

.


1- .. الذرق والزرق : السلح ، وسلح سلحا : تغوّط ، وهو خاصّ بالطير والبهائم . راجع : كتاب العين ، ج 5 ، ص 133 (ذرق) .
2- .. الفقيه ،ج 1 ، ص 71 ، ذيل ح 164 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 110 .
4- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 456 .
5- .. بعده في نسخة «أ» بياض بقدر سطرين ، لكنّه متّصل في نسخة «ج» بالكلمة التالية ، والظاهر عدم سقط شيء .
6- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 253 _254 ، ح 776 ؛ وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 284 ، ح 1353 . وأمّا الشيخ فرواه في الاستبصار ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1542 ، وليس فيه مسألة الخرء .
7- .. الخشاشيف : جمع الخُشّاف ، وهو الخفّاش . اُنظر : مجمع البحرين ، ح 5 ، ص 46 (خشف) .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 266 ، ح 778 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 188 ، ح 659 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 426 ، ح 4019 .
9- .. الفهرست ، ص 196 ، الرقم 560 .
10- .. اُنظر : رجال النجاشي ، ص 359 ، الرقم 963 و964 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 262 ، الرقم 120 ؛ رجال ابن داود ، ص 186 ، الرقم 1531 ؛ الرعاية للشهيد الثاني ، ص 371 .

ص: 451

وأمّا غياث ، فقد وثّقه النجاشي (1) والعلّامة في الخلاصة (2) . وما ذكر في المنتهى من «أنّه بتري» (3) مأخوذ ممّا نقله الكشّي عن حمدويه ، عن بعض أشياخه ، ولايعتدّ به لجهالته ، ولم أجد معارضا لهذه الأخبار إلّا ما روي في الخشّاف والدجاج ، فقد روي في الاستبصار عن يحيى بن عمر ، عن داوود الرقّي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي ، فأطلبه ولا أجده ؟ قال : «اغسل ثوبك» (4) . وروى فارس ، قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج : تجوز الصلاة فيه ؟ قال : «لا» (5) . والأوّل مع جهالة يحيى بن عمر ، يحتمل الندب ؛ للجمع بينه وبين ما ذكر من خبر غياث ، ولولا ذلك للزم الحرج ؛ لأنّ مسكنه المساجد غالبا ، ولعلّ السرّ في هذا الفرق أنّ الخفّاش تحيض وتلد كنساء الآدميين ، فينبغي الاجتناب عن بولها ورجيعها . والثاني معارض بما رواه وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «لابأس بخرء الدجاج والحمام» (6) . على أنّه مع إضماره ، ضعيف جدّا ؛ لأنّ فارسا _ وهو ابن حاتم القزويني _ كان

.


1- .. رجال النجاشي ، ص 305 ، الرقم 833 .
2- .. الخلاصة ، ص 385 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 126 ؛ وأيضا قال به في الخلاصة ، وهذه النسبة مذكورة في رجال الشيخ الطوسي ، ص 142 ، الرقم 1542 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 265 ، ح 777 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 188 ، ح 658 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4018 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 266 _ 267 ، ح 782 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 178 ، ح 619 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4017 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 284 ، ح 831 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 177 ، ح 618 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 412 ، ح 4016 .

ص: 452

مذموما كثيرا غاليا ، _ على ما صرّح به بعض أرباب الرجال _ ، وكان ملعونا على لسان الإمام الهمام عليّ بن محمّد العسكري ، مقتولاً بأمره عليه السلام ، على ما رواه الشيخ أبوعمرو الكشّي بإسناده عن سعد بن عبداللّه بن أبيخلف القمّي ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، أنّ أبا الحسن العسكري أمر بقتل فارس بن حاتم القزويني ، وضمن لمن قتله الجنّة ، فقتله جُنيد ، وكان فارس فتّانا يفتن الناس ويدعو إلى البدعة ، فخرج من أبيالحسن عليه السلام : «هذا فارس لعنه اللّه » إلى قوله : «دمه هدر لكلّ من قتله ، فمن هذا الذي يريحنيمنه ويقتله وأنا ضامن له على اللّه الجنّة» . قال سعد : وحدّثني جماعة من أصحابنا من العراقيين وغيرهم بهذا الحديث عن جُنَيد ، ثمّ سمعته بعد ذلك من جنيد ، قال : أرسل إلَيّ أبوالحسن العسكري يأمرني بقتل فارس القزويني _ لعنه اللّه _ ، فقلت لاُختي : اسمعه منه ، يقول لي ذلك يشافهني به . قال : فبعث إليّ فدعاني ، فصرت إليه فقال : «آمرك بقتل فارس بن حاتم» . فناولني دراهم من عنده وقال : «اشتر بهذه سلاحا واعرضه علَيّ» . فاشتريت سيفا ، فعرضته عليه ، فقال : «رُدّ هذا وخذ غيره» . قال : فرددته وأخذت مكانه ساطورا ، فعرضته عليه ، فقال : «هذا نعم» . فجئت إلى فارس وقد خرج من المسجد بين الصلاتين : المغرب والعشاء ، فضربته على رأسه فصرعته ، وثنّيت عليه ، فسقط ميّتا ووقعت الصيحة (1) ، ورميت الساطور بين يدي ، واجتمع الناس واُخذت ؛ إذ لم يوجد هناك أحد غيري ، فلم يروا معي سلاحا ولا سكّينا ، وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئا ، ولم يروا أثر الساطور بعد ذلك (2) . وعن الفضل بن شاذان ، أنّه ذكر في بعض كتبه : «أنّ من الكذّابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني» (3) .

.


1- .. في المصدر : «الضجّة».
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 807 _ 808 ، الرقم 1006 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 807 ، ذيل الرقم 1005 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 388 ؛ التحرير الطاووسي ، ص 471 ، الرقم 341 .

ص: 453

باب الثوب يصيبه الدم والمدّة

وقال [ ابن ]الغضائري : «فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني ، فسد مذهبه ، وقتله بعض أصحاب أبيمحمّد عليه السلام بالعسكر ، لايلتفت إلى حديثه ، وله كتب كلّها تخليط» (1) . ثمّ إنّه يحتمل تخصيص الدجاج فيه بالجلاّل كما حمله عليه الأكثر؛ لنجاسته. وفصّل الشيخ في المبسوط بين الخفّاش وغيره ، فقال : «بول الطيور وذرقها كلّها طاهر إلّا الخشّاف» (2) ؛ لما ذكر إطراحا لخبر غياث . وفي كتابَي الأخبار (3) والخلاف (4) والنهاية (5) بين مأكول اللحم منها وغيره ؛ حملاً لها على الحيوانات ، وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين ، وهو قياس بحث غير جائز اتّفاقا ، لاسيّمامع معارضة أخبار متعدّدة قد سبقت . وأفتى في النهاية بنجاسة (6) ذرق الدجاج مطلقا وإن حلّ أكله (7) ، وإليه ذهب المفيد أيضا في المقنعة (8) ؛ لخبر فارس ، وقد عرفت حاله ، وتدبّر في المقام ، فإنّه حقيق به .

باب الثوب يصيبه الدم والمدّةأجمع العلماء على نجاسة الدم المسفوح ، ويدلّ عليها قوله تعالى : «قُل لَا أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا [ أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ] فَإِنَّهُ رِجْسٌ » (9) ، وأخبار متكثّرة من الطريقين .

.


1- .. النهاية ، ص 51 .
2- .. رجال ابن الغضائري ، ص 85 ، الرقم 111 .
3- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 39 ، ولفظه هكذا : «بول الخشّاف طاهر ، وبول الطاهر كلّها وذرقها طاهر» .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 247 ، ذيل ح 711 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 179 ، ذيل ح 625 .
5- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 458 ، المسألة 230 .
6- .. هذا هو الظاهر ، وفي النسخ : «بنهاية».
7- .. النهاية ، ص 51 ، باب تطهير الثياب من النجاسات . ومثله في مصباح المتهجّد ، ص 14 ، فصل في وجوب إزالة النجاسة ؛ والجمل والعقود (الرسائل العشر ، ص 171 ) ؛ والخلاف ، ج 1 ، ص 485 ، المسألة 230 .
8- .. المقنعة ، ص 68 و 71 . ونقل محقّقه في الهامش عن بعض النسخ : «الدجاج الجلاّلة» .
9- .. الأنعام (6) : 145 .

ص: 454

وعلى وجوب إزالته عن الثوب والبدن للصلاة ؛ لقوله تعالى : «وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » (1) ، ولأخبار متكثّرة ، منها بعض أخبار الباب ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن أبيبصير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لايعلم ، فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فعليه الإعادة» (2) . واستثنوا من هذا الحكم دمين فحكموا بالعفو عنهما : أحدهما دم القروح والجروح ، ويدلّ عليه في الجملة بعض أخبار الباب ، وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل يخرج به القروح فلاتزال تدمى : كيف يصلّي ؟ فقال : «يصلّي وإن كانت الدم تسيل» (3) . وصحيحة عبدالرحمان بن أبيعبداللّه ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الجرح يكون في مكانه لايقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح ، فيصيب ثوبي ، فقال : «دعه فلايضرّك أن لاتغسله» (4) . وصحيحة ليث المرادي ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الرجل تكون به الدماميل والقروح ، فجلده وثيابه مملوء دما وقيحا ، فقال : «يصلّي في ثيابه ولايغسلها ولا شيء عليه» (5) . وموثّقة سماعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كان بالإنسان جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلايغسله حتّى يبرأ [ وينقطع الدم ]» (6) .

.


1- .. المدّثّر (74) : 4 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 254 ، ح 737 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 182 ، ح 637 ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 476 ، ح 4220 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 348 _ 349 ، ح 1025 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 177 ، ح 1615 ، وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 265 ، ح 689 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 259 ، ح 751 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 435 ، ح 4086 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 258 ، ح 750 ؛ وص 345 ، ح 1029 ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 434 ، ح 4085 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 259 ، ح 752 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 435 ، ح 4087 .

ص: 455

واعتبر المحقّق في المعتبر (1) سيلان الدم في جميع الوقت أو تعاقب الجريان (2) على وجه لاتتّسع فتراتها لأداء الفريضة ؛ لمفهوم موثّق عمّار المتقدّم ، وهو ضعيف ؛ لضعف دلالة المفهوم ، على أنّ الظاهر أنّ توصيف الجرح بالسائل فيه لبيان التعدّي على ما يقتضيه الفاء التعقيبيّة على وفق الصحيحتين الأوّلتين. واعتبر في الشرائع مشقّة التحرّز أيضا (3) ، واستقرب العلّامة في المنتهى وجوب إبدال الثوب مع الإمكان ، واختار وجوبه مع التعدّي (4) ، وكأنّهما تمسّكا بالاحتياط . ففيه : أنّ الاحتياط ليس دليلاً شرعيا على الأحكام ، نعم هو وجيه في العمل ، فتأمّل . وثانيهما : ما دون الدرهم من غير الدماء الثلاث ، فعليه إجماع الأصحاب ، وفاقا لأكثر العامّة (5) ، ويدلّ عليه بعض أخبار الباب ، وصحيحة عبداللّه بن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت : ما لرجل يكون في ثوبه نقط الدم لايعلم به ثمّ يعلم فنسي أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته ؟ قال : «يغسله ولايعيد صلاته ، إلّا أن يكون بمقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة» (6) . وخبر جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن أبيجعفر وأبيعبداللّه عليهماالسلام ، أنّهما قالا : «لابأس بأن يصلّي الرجل في ثوب فيه الدم متفرّقا شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلابأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم» (7) . وأجمع أهل العلم على عدم العفو عمّا زاد على الدرهم ، يستفاد ذلك ممّا ذكر ، وهل

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 429 .
2- .. المثبت هو الظاهر ، وفي النسخ : «الجريات» .
3- .. شرائع الإسلام ، ج 1 ، ص 43 .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 248 . ومثله في نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 286 _ 287 .
5- .. اُنظر : مواهب الجليل ، ج 1 ، ص 210 ؛ حاشية الدسوقي ، ج 1 ، ص 72 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 740 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 611 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 429 _ 430 ، ح 4071 .
7- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 256 ، ح 742 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 612 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 430 ، ح 4074 .

ص: 456

يعفى عن مقدار الدرهم ؟ فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخان (1) والصدوقان (2) وابن إدريس (3) عدمه ، وهو صريح صحيح ابن أبييعفور ، والمفهوم من باقي الأخبار المذكورة ، ويؤيّده أصالة وجوب إزالته الثابت بقوله تعالى : «وَ ثِيَابَكَ فَطَهِّرْ » (4) ، وما ذكر من الأدلّة ، وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال : «تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» (5) . ومنهم من حكم بالعفو عنه أيضا ؛ مستدلّاً بخبر إسماعيل الجعفي ، عن أبيجعفر عليه السلام ، أنّه قال : في الدم يكون في الثوب : «إن كان أقلّ من الدرهم فلايعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان يراه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتّى صلّى فلايعيد الصلاة» (6) . والجواب عنه : أنّه إنّما يدلّ عليه قوله عليه السلام : «وإن كان أكثر من قدر الدرهم» إلخ ، وهو معارض بمفهوم قوله عليه السلام : «إن كان أقلّ من الدرهم» إلخ ، وبمنطوق ما تقدّم . وربّما استدلّ له بحسن محمّد بن مسلم (7) ؛ بناء على أنّ ذلك إشارة إلى ما زاد على

.


1- .. المدّثّر (74) : 4 .
2- .. المقنعة ، ص 69 ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ؛ الخلاف ، ج 1 ، ص 477 ، وجوب إزالة النجاسات عن الثوب والبدن ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 36 _ 37 ؛ النهاية ، ص 52 .
3- .. فقه الرضا عليه السلام ، ص 95 ؛ الهداية ، ص 72 ؛
4- .. السرائر ، ج 1 ، ص 177 _ 178 .
5- .. السنن الكبرى للبيهقي ، ج 2 ، ص 404 ، باب ما يجب غسله من الدم ؛ معرفة السنن والآثار ، ج 2 ، ص 227 ، ح 1232 ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 385 ، ح 1479 ؛ الضعفاء للعقيلي ، ج 2 ، ص 56 ، ترجمة روح بن غطيف الجزري (491) ؛ الكامل لابن عديّ ، ج 3 ، ص 138 ، ترجمة روح ؛ المجروحين لابن حبّان ، ج 1 ، ص 298 ، ترجمة رشيد بن معبد الهجري .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 739 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 175 ، ح 610 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 430 ، ح 4072 .
7- .. هذا هو الظاهر الموافق للمصادر الفقهيّة كمدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 312 . وفي النسخ : «محمّد بن إسماعيل» ، ولم أجد له رواية ترتبط بالموضوع ، وحديث محمّد بن مسلم هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ، ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 249 ، ح 757 ؛ والشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 254 ، ح 736 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 175 ، ح 609 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 431 ، ح 4076 .

ص: 457

مقدار الدرهم ، وهو مع إضماره يحتمل أن تكون الإشارة إلى مقدار الدرهم ، فيجري فيه ما يجري في الخبر الأوّل . وحكى في المدارك (1) هذا القول عن السلّار (2) ، وعن السيّد في الانتصار ، وكلامه فيه غير صريح فيه ، بل ظاهر في القول الأوّل ؛ حيث قال : وممّا تفرّد به الإماميّة القول بأنّ الدم الذي ليس بدم حيض تجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصابه منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي ، وهو المضروب من درهم وثلث ، وما زاد على ذلك لاتجوز الصلاة فيه . _ إلى قوله _ : وروي عن الحسن بن صالح بن حيّ أنّه كان يقول في الدم : «إذا كان على الثوب مقدار الدرهم يعيد الصلاة ، وإن كان أقلّ من ذلك لم يعد» ، وكان يوجب الإعادة في البول والغائط قليلها وكثيرها ، وهذا مضاهٍ لقول الإماميّة (3) . هذا ، وقد سبق أقوال العامّة في ذلك نقلاً عن الانتصار في ذيل باب البول يصيب الثوب والجسد . وهل يعفى عن مقدار الدرهم وما زاد في شبه النضح إذا كان كلّ من الدماء المتفرّقة أقلّ منه ، أم لا ؟ ذهب إلى كلٍّ فريقٌ ، ومبنى الخلاف على أنّ قوله عليه السلام في مرسلة جميل المتقدّمة : «مجتمعا» خبر «لكان» ، و«قدر الدرهم» منصوب بنزع الخافض ، أو حال عن «قدر الدرهم» وهو خبر ل_ «كان» ، والأظهر الأوّل . وربّما اعتبر التفاحش ، وإليه ذهب الشيخ في النهاية حيث قال : «لايجب إزالته ما لم يتفاحش» (4) ، ومنقول عن ابن حمزة (5) ، والتفاحش مرجعه إلى العرف .

.


1- .. مدارك الأحكام ، ج 2 ، ص 312 .
2- .. المراسم ، ص 55 .
3- .. الانتصار ، ص 93 _ 94 ، الدم المعفوّ عنه في الصلاة .
4- .. المبسوط ، ص 51 _ 52 ، ولفظه : «لايجب إزالته إلّا أن يتفاحش ويكثر» . والتفاحش هنا بمعنى الزيادة والكثرة ، اُنظر : لسان العرب ، ج 10 ، ص 192 (فحش) .
5- .. اُنظر: الوسيلة لابن حمزة ، ص 77 ؛ فإنّه لم يعتبر التفاحش .

ص: 458

وحكي عن أحمد ومالك (1) أنّهما اعتبرا في مطلق الدم المعفوّ عنه التفاحش ، إلّا أنّهما اختلفا في التفاحش ، فعن أحمد في رواية أنّه شبر في شبر (2) ، وفي اُخرى : إنّه قدر الكفّ (3) ، وعن مالك : أنّه نصف الثوب (4) . واحتجّا بأنّ الشارع لم يقدّر القدر المعفوّ عنه ، فوجب المصير إلى المعتاد . والجواب المنع من عدم التقدير ؛ لوروده من طريقهم أيضا كما عرفت ، ثمّ منع كون المعتاد ما ذكراه . واستثنى الأصحاب من الدم المعفوّ دم الحيض (5) ؛ لما رواه الشيخ عن أبيبصير ، قال : «لاتعاد الصلاة من دم لم تبصره إلّا دم الحيض فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء» (6) . ويؤيّده إطلاق ما روي من طريق الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال لأسماء [ بنت أبيبكر ، قال : سألت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ] عن دم الحيض يكون في الثوب ؟ [ فقال : ]«اقرضيه ثمّ اغسليه بالماء» (7) . وألحقوا به دم النفاس (8) ؛ لكونه حيضا في الحقيقة . وألحق الأكثر به دم الاستحاضة أيضا (9) ؛ معلّلين باشتراكهما في غلظة النجاسة ،

.


1- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 18 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 136 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 726 .
3- .. المغني ، ج 1 ، ص 726 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 3 ، ص 136 .
5- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 428 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 245 .
6- .. الكافي ، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلاً ، ح 3 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 257 ، ح 745 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 432 ، ح 4079 .
7- .. أحكام القرآن لابن العربي ، ج 3 ، ص 441 ؛ سنن ابن ماجة ؛ ج 1 ، ص 206 ، ح 629 ولفظه : «سنن الدارمي ،ج 1 ، ص 239 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 90 ، ح 361 ؛ سنن النسائي ، ج 1 ، ص 155 و195 ، مع مغايرة لفظيّة في بعضها .
8- .. اُنظر : الجامع للشرائع ، ص 23 ؛ المراسم ، ص 55 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 35 ؛ مصباح المتهجّد ، ص 14 ؛ الوسيلة ، ص 77 ؛ غنية النزوع ، ص 41 ؛ السرائر ، ج 1 ، ص 79 و176 ؛ قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 ؛ مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 473 ؛ منتهى المطلب ، ع 3 ، ص 245 .
9- .. اُنظر المصادر المتقدّمة .

ص: 459

وبأصالة عدم العفو . والأوّل ممنوع ، والثاني معارض بإطلاق أدلّة العفو . وحكى في المنتهى عن القطب الراوندي أنّه ألحق به دم الكلب والخنزير أيضا (1) ؛ محتجّا بقول الصادق عليه السلام في صحيحة أبيالفضل العباّس : «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسحه جافّا فاصبب عليه [ الماء ]» . (وقال أبوالفضل) (2) : قلت : لِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بقتلها (3) » (4) . وقال : وجه الاستدلال أنّه إذا كان حال رطوبته كذلك فحال دمه أبلغ ، وبأنّ العفو عمّا دون الدرهم إنّما هو لعسر الإزالة وهو إنّما يحصل بدم الإنسان نفسه ؛ لعدم انفكاكه منه غالبا ، فوجوب إزالته مطلقا موجب للحرج ، وليس كذلك دم الكلب والخنزير . واُجيب عن الأوّل بالفرق بين الرطوبة والدم وقد عفي عمّا دون الدرهم من الدم ولم يعف عن ذلك المقدار ممّا أخفّ نجاسة منه . وعن الثاني بمنع التعليل ، بل المعتبر نفس الدم من ذي النفس ، على أنّه يلزم منه اختصاص العفو بدم الإنسان دم نفسه، وهو باطل بالضرورة، ورجّحه فيه (5) . وفي المختلف : «بل رجّح إلحاق دم الكافر أيضا به» ؛ محتجّا بأنّ المعفوّ عنه إنّما هو نجاسة الدم ، والدم الخارج من الكلب وأخويه تتضاعف نجاسته بملاقاة أجسامها ؛ فإنّ لأجسامها نجاسة اُخرى غير نجاسة الدم ، وتلك لم يعف عنها (6) . وهذا التعليل غير عليل في نفسه ، لكن يدفعه إطلاق الدم في الأخبار .

.


1- .. حكاه عنه أيضا ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 177 .
2- .. ليس في المصادر.
3- .. في الأصل : «بقتله» ، والتصويب من المصدر .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 759 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 225 ، ح 571 صدره ؛ وج 3 ، ص 414 _ 415 ، ح 4025 بتمامه .
5- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 254 _ 255 ، مع مغايرة في بعض الألفاظ .
6- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 476 .

ص: 460

وأمّا غير المسفوح أعني الدم ممّا لانفس له سائلة ، فهو طاهر إجماعا منّا (1) وفاقا لأكثر العامّة ، منهم أبوحنيفة (2) . وللشافعي وأحمد في الحوت قولان (3) . وقال مالك : «في دم البراغيث إذا تفاحش غسل ، وإلّا فلا» (4) . لنا صحيحة ابن أبييعفور ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : ما تقول في دم البراغيث ؟ فقال : «ليس به بأس» . قال : قلت : إنّه يكثر ؟ قال : «وإن كثر» (5) . وقول الصادق عليه السلام في خبر السكوني : «أنّ عليّا عليه السلام كان لايرى بأسا بدم ما لايذكّى يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل» ، يعني دم السمك (6) . ورواية الحلبي ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب ، هل يمنعه من ذلك في الصلاة ؟ قال : «لا وإن كثر» (7) . وخبر محمّد بن الريّان ، قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام : هل يجري دم البقّ عليه مجرى دم البراغيث ، ويجوز لأحد أن يقيس بدم البقّ على دم البراغيث فيصلّي فيه ؟ وأن يقيس عليه نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّع عليه السلام : «تجوز الصلاة فيه ، والطهر منه أفضل» (8) .

.


1- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 56 .
2- .. المغني ، ج 1 ، ص 727 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 557 ؛ المحلّى ، ج 1 ، ص 105 .
3- .. اُنظر : بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 68 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 557 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 61 ؛ المغني ، ج 1 ، ص 727 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 1 ، ص 727 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 740 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 611 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 435 _ 436 ، ح 4089 .
6- .. هذا هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 260 ، ح 755 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 436 ، ح 4090 .
7- .. هذا هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 259 ، ح 753 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 431 ، ح 4077 .
8- .. هذا هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 260 ، ح 754 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 436 ، ح 4091 .

ص: 461

واستدلّ أيضا له بقوله تعالى : «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ » (1) ، بناء على أنّ إطلاق التحليل يقتضي إباحته من جميع الوجوه ، وذلك يستلزم طهارة الدم . وفي حكم الدم الغير المسفوح الدم المتخلّف في المذكّى ممّا لايقذفه ؛ لأنّه ليس بمسفوح ، والظاهر وفاق أهل العلم على طهارته . تنبيه : اختلف عبارات الأصحاب في تحديد الدرهم ، والظاهر أنّه الذي كان معهودا في عهدهم عليهم السلام ، وهو المضروب على نصف مثقال صيرفي وربع عشر منه . وفي الانتصار (2) والفقيه (3) أنّ المراد به الدرهم الوافي الذي وزنه درهم وثلث . ونحوه في المقنعة (4) . وعن ابن الجنيد : «أنّه ما كان سعته سعة العقد الأعلى من الإبهام» (5) . وقال المحقّق في المعتبر : «والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ، ويسمّى البغليّ نسبةً إلى قرية بالجامعين (6) » (7) ، وضبطها المتأخّرون بفتح الغين وتشديد اللام . ونقل عن ابن إدريس أنّه شاهد هذا الدرهم المنسوب إلى تلك القرية ، وقال : «إنّ سعتها تقرب من أخمص الراحة» (8) ، وهو ما انخفض من الكفّ . ونقل الشهيد في الذكرى عن ابن دريد ، أنّه قال : «الدرهم الوافي هو البغلي _ بإسكان الغين _ منسوب إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في خلافته بسكّة كسرويّة ، وزنه ثمانية دوانيق» .

.


1- .. المائدة (5) : 96 .
2- .. الانتصار ، ص 93 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 72 ، ذيل ح 165 .
4- .. المقنعة ، ص 69 .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 430 .
6- .. الجامعين : هو حلّة المزيديّة التي بأرض باب على الفرات بين بغداد والكوفة . معجم البلدان ، ج 2 ، ص 96 .
7- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 429 _ 430 .
8- .. السرائر ، ج 1 ، ص 177 ، في الدم المعفوّ عنه في الصلاة .

ص: 462

باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره

وقال : إنّ البغليّة كانت تسمّى قبل الإسلام الكسرويّة ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام [ والوزن بحاله ] ، وجرت في المعاملة مع الطبريّة وهي أربعة دوانيق ، فلمّا كان زمن عبدالملك جمع بينهما واتّخذ الدرهم عنهما ، واستقرّ أمر الإسلام على ستّة دوانيق» . انتهى (1) . وقد ورد في بعض الأخبار اعتبار قدر الحمّصة ، رواه مثنّى بن عبدالسلام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : إنّي حككت جلدي فخرج منه دم ؟ فقال: «إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلّا فلا» (2) . وحمل على قدرها وزنا ، وهو يقرب من سعة الدرهم . وأمّا المِدَّة ، وهو ما اجتمع في الجرح من القيح (3) ، فإن اشتملت على الدم فنجسة ، معفوّ عنها ما دام الجرح باقيا وإن زاد الدم الذي معهاعن قدر الدرهم ، كما مرّ ، وهل يعفى عنها بعد اندمال الجرح إذا كان الدم الذي فيها أقلّ من الدرهم ؟ فإطلاق الأدلّة يشمله . وربّما استشكل ذلك لاشتمالها على قيح تنجّس بذلك ا لدم ، وهو غير معفوّ عنه ، فتأمّل .

باب الكلب يصيب الثوب والجسد وغيره ممّا يكره أن يمسّ شيء منهأراد قدس سره بغير الكلب أخويه من الكافر والخنزير ، وبالكراهة الحرمة ؛ على ما هو المشهور بين الأصحاب من انحصار النجس من الحيوانات في هذه الثلاثة ؛ لأصالة

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 136 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 255 ، ح 742 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 176 ، ح 613 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 431 ، ح 4075 .
3- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 537 (مدد).

ص: 463

الطهارة ، وعدم دليل يعتدّ به على نجاسة غيرها . وحكى في المختلف (1) عن الشيخ أنّه قال في كتاب البيوع [ من الخلاف ] : «يحرم بيع القرد» ؛ معلّلاً بأنّه «مسوخ نجس» (2) . ونقله عن السلّار (3) وابن حمزة (4) في مطلق المسوخ ، وردّه بمنع تحريم بيع المسوخ ، ثمّ منع كون العلّة النجاسة ، وبأنّ الفيل أحد أنواع المسوخ ، فلو كانت المسوخ نجسا لكان عظمه نجسا كعظم الكلب ، والتالي باطل ؛ لما رواه عبدالحميد بن سعيد ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل ، يحلّ بيعه وشراؤه الذي يجعل منه الأمشاط ؟ فقال : «لا بأس ؛ قد كان لأبيمشط _ أو أمشاط _ » (5) . وفي المقنعة حكم بنجاسة الفأرة والوزغة حيث قال : «يرشّ الموضع الذي مسّاه من الثوب إذا لم يؤثّرا فيه ، وإن رطّباه وأثّرا فيه غسل بالماء» (6) . وفي النهاية (7) والمبسوط (8) نجاستهما ونجاسة الثعلب والإرنب أيضا ، وكأنّهما تمسّكا في الفأرة بصحيحة عليّ (9) بن جعفر ، وفي الوزغة بما دلّ على نزح البئر إذا ماتت فيه (10) ؛ بناء على أنّها ممّا لانفس لها ، فلو لم تكن نجسة حيّة لما وجب النزح لميّتها .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 466 .
2- .. الخلاف ، ج 3 ، ص 183 _ 184 ، المسألة 306 .
3- .. المراسم ، ص 172 ، والموجود فيه الحكم بحرمة البيع لا النجاسة .
4- .. الوسيلة ، ص 73 ، فصل في بيان أحكام المياه .
5- .. الكافى¨ ، كتاب المعيشة ، باب فيما يحلّ الشراء أو البيع منه وما لايحلّ ، ح 1 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 373 ، ح 1083 ؛ وج 7 ، ص 133 ، ح 585 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 171 ، ح 22274 .
6- .. المقنعة ، ص 70 .
7- .. النهاية ، ص 52 .
8- .. المبسوط ، ح 1 ، ص 37 ، كيفيّة تطير الثياب والأبدان من النجاسات .
9- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 _ 262 ، ح 761 ؛ وج 2 ، ص 366 ، ح 1522 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 460 ، ح 4176 .
10- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 238 ، ح 688 ؛ وص 245 ، ح 706 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 39 ، ح 106 و107 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 187 ، ح 477 .

ص: 464

وتمسّك الشيخ في الثعلب والإرنب بمرسلة يونس بن عبدالرحمان (1) ، وهي محمولة على الاستحباب (2) . وفي خصوص الوزغة على التعبّد ، أو لتوهّم السمّيّة أيضا . وأمّا الأصناف الثلاثة ، فقد أجمع الأصحاب على نجاستها إذا كان الكافر من غير أهل الكتاب ؛ محتجّين في ذلك الكافر بقوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ » (3) ، فقد بالغ سبحانه في نجاستهم حيث حصرهم عليها ، فيدلّ على أنّ نجاستهم عينيّة . وفي كنزالعرفان (4) : وبه قال ابن عبّاس ، قال : «إنّ أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير» (5) ، وقال الحسن : «من صافح مشركا توضّأ» (6) ، والوضوء قد يطلق على غسل اليد ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا : معنى كونهم نجسا أنّهم لايغتسلون من النجاسات ولايجتنبونها ، أو كناية عن خبث اعتقادهم . إلى قوله : «وروايات أهل البيت وإجماعهم عليهم السلام على نجاستهم مشهورة» (7) . وأمّا أهل الكتاب ، ففد اختلفت الأدلّة في نجاستهم ، والذي يظهر من الجمع بينها أنّ نجاستهم عارضيّة ؛ لعدم تحرّزهم عن النجاسات العينيّة ، وقد سبق القول فيهم في بحث الأسآر .

.


1- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 262 ، ح 763 ؛ وص 277 ، ح 816 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 300 ، ح 3705 .
2- .. تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 67 ؛ الذكرى ، ج 1 ، ص 133 .
3- .. التوبة (9) : 28 .
4- .. كنز العرفان في فقه القرآن ، للشيخ مقداد بن عبداللّه السيوري الأسدي الحلّي ، المعروف بالفاضل المقداد ، وتقدّمت ترجمته .
5- .. الكشّاف ، ج 2 ، ص 183 ، في تفسير سورة التوبة ؛ التفسيرالكبير للفخر الرازي ، ج 16 ، ص 24 ؛ جوامع الجامع للطبرسي ، ج 2 ، ص 57 ؛ زبدة البيان ، ص 38 .
6- .. المصادر المتقدّمة .
7- .. اُنظر : مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 272 (نجس) .

ص: 465

واحتجّ في الذكرى على نجاسة الخنزير بالإجماع ، وبالآية (1) ، وفيه آيات إنّما تدلّ على تحريم لحمه ، ففي سورة البقرة : «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ » (2) ، وفيسورة الأنعام : «قُل لَا أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ » (3) ، والظاهر أنّ الضمير عائد إلى لحم الخنزير لا إليه نفسه . وفي سورة النحل : «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنزِيرِ وَ مَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ » (4) ، بل تخصيص لحمه بالذكر يشعر بعدم نجاسة غيره من أجزائه . ويدلّ بعض الأخبار على طهارة جلده وشعره ، روى الشيخ قدس سره في نوادر الطهارة من التهذيب في باب المياه وأحكامها في الصحيح عن زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، أيتوضّأ من ذلك الماء ؟ قال : «لا بأس » (5) . وعن أبيزياد النهدي ، عن زرارة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء ؟ قال : «لا بأس» (6) . وهو قويّ في الشعر ؛ لكونه ممّا لاتحلّه الحياة ، ولايكون جزء من الحيوان إلّا ما أحلّته الحياة ، وإليه ذهب السيّد المرتضي (7) ، وهو ظاهر الصدوق (8) . وأمّا الجلد منه ، فلم يصرّح أحد بطهارته ، نعم هو ظاهر الصدوق ؛ حيث قال في

.


1- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 113 .
2- .. البقرة (2) : 173 .
3- .. الأنعام (6) : 145 .
4- .. النحل (16) : 115 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 409 ، ح 1289 . ورواه الكليني في الكافي ، ج 3 ، ص 6 _ 7 ، ح 10 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 413 ، ح 1301 . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج 1 ، ص 10 _ 11 ، ح 14 مرسلاً ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 175 ، ح 437 .
7- .. الناصريّات ، ص 101 .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ذيل ح 13 .

ص: 466

الفقيه بعد ما أفتى بجواز الاستقاء بحبل اتّخذ من شعر الخنزير : وسئل الصادق عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به الماء ، فقال : «لا بأس» (1) . وقد ذكر في صدر الكتاب أنّه إنّما يذكر فيه ما يفتي به ويعمل عليه . وقد حمل الخبران في المشهور على نزح الماء للدوابّ والزراعة ونحوهما ، مع ضعف الثاني بجهالة أبيزياد ، والتخصيص من غير مخصّص يعتدّ به . وضعف الثاني منجبر بالأصل . وأمّا الكلب ، فقد اشتهر بين الأصحاب نجاسته مطلقا وإن كان من الكلاب الأربعة : كلاب الصيد ، والحائط ، والزرع ، والماشية ، واشتهر أيضا وجوب غسل ما مسّه برطوبة ، واستحباب رشّ ما مسّه إذا كان المسّ بيبوسة ؛ لمرسلة محمّد _ وهو ابن مسلم _ (2) ، وصحيحة عليّ بن جعفر (3) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل بن عبدالملك ، قال : قال أبوعبداللّه عليه السلام : «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسّه جافّا فاصبب عليه الماء» . قلت : لِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بقتلها» (4) . وقد نسب المحقّق في المعتبر ذلك الاستحباب إلى علمائنا أجمع (5) ، وظاهرالمفيد في المقنعة وجوبه ؛ حيث قال : «وإذا مسّ ثوب الإنسان كلب أو خنزير وكانا يابسين فليرشّ موضع مسّهما بالماء» (6) .

.


1- .. المقنعة ، ص 70 .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 10 ، ح 14 .
3- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 23 ، ح 61 ؛ وص 260 _ 261 ، ح 758 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 90 ، ح 287 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 275 ، ح 722 ؛ وج 3 ، ص 415 ، ح 4028 .
4- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 760 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 417 ، ح 4036 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 759 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 225 ، ح 571 صدره ؛ وج 3 ، ص 414 _ 415 ، ح 4025 بتمامه .
6- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 439 _ 440 .

ص: 467

وصرّح به الشيخ في النهاية (1) ، وهو محكيّ عن ابن الجنيد ، آخذين بظاهر الأمر في الأخبار الذي لا معارض له . وفرّق الصدوق بين كلب الصيد وغيره ، فقال في الفقيه (2) : «من أصاب ثوبه كلب جافّ ولم يكن كلب صيد فعليه أن يرششه بالماء ، وإن كان رطبا فعليه أن يغسله ، وإن كان كلب صيد وكان جافّا فليس عليه شيء ، وإن كان رطبا فعليه أن يرشّه (3) بالماء» (4) . وكأنّه تمسّك فيه بإطلاق قوله تعالى : «فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (5) ، وبإطلاق الأخبار الواردة في ذلك ، وتأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وقال جدّي من اُمّي قدس سره في شرحه : يمكن أن يكون وصل إليه خبر لم يصل إلينا ، وإطلاق الأخبار والفتاوى يقتضي شمول الحكمين لمماسّة ما لاتحلّه الحياة منه ، وهو واضح على المشهور ، وأمّا على ما ذهب إليه السيّد من طهارة ذلك ، فكأنّه يخصّص العضو المماسّ ممّا تحلّه الحياة منه ، ولم ينقل عنه نصّ في ذلك ، والظاهر اختصاص استحباب الرشّ مع الملاقاة باليبوسة بما إذا كان الملاقي الثوب ، وعدم جريان الحكم في الجسد ؛ لانتفاء الدليل فيه ؛ لاختصاص الثوب بالذكر في أخباره ، وبطلان القياس عندنا ، وهو ظاهر الأكثر منهم العلّامة في القواعد (6) ، وذهب في التحرير (7) إلى وجوب مسح الجسد بالتراب ، وبه قال جماعة منهم المفيد في المقنعة (8) ، والشيخ في المبسوط (9) والنهاية (10) ، ولم أجد لهم مستندا» .

.


1- .. النهاية ، ص 52 .
2- .. في الهامش : «في باب ما ينجس الثوب : الجسد، منه عفي عنه».
3- .. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «يرشّشه» .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 73 ، ذيل ح 167 .
5- .. المائدة (5) : 4 .
6- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 _ 194 .
7- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 161 ، المسألة 522 .
8- .. المقنعة ، ص 71 .
9- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 37 .
10- .. النهاية ، ص 53 .

ص: 468

وحكى _ طاب ثراه _ نجاسة الكلب عن أبيحنيفة (1) والشافعي (2) ، وحكى عن بعضهم طهارة الكلاب الأربعة ، فقد قاسوا طهارتها بجواز بيعها ، وهو كماترى . وعن بعضهم طهارته مطلقا . وأمّا كلب الماء ، فقد اختلف فيه ، والظاهر طهارته ؛ للأصل ، وعدم دليل على نجاسته ، والمتبادر من الكلب في الأخبار كلب البرّ . هذا حكم الأحياء . وأمّا الميّتات ، فالميّت الآدمي له حالات : اُولاها : قبل البرد ، وهو على المشهور طاهر لايوجب غُسل من مسّه ولا غَسل ما يلاقيه . ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «من مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس» (3) . وغيرها ممّا يأتي في محلّه . وظاهر الشيخ في المبسوط وجوب غسل اليد الماسّة ؛ حيث قال : «وإن مسّه قبل برده لم يلزمه الغُسل ويغسل يده» (4) . وثانيتها : بعد البرد وقبل الغسل ، وهو نجس إجماعا ، وادّعى في المعتبر إجماع علمائنا على أنّ نجاسته عينيّة (5) ، وأراد بالعينيّة مقابل الحكميّة ، بمعنى أنّه يتعدّى ؛ بلامسه لا أنّه نجس العين كالدم وسائر النجاسات التي تسمّى عينيّة ، حتّى لاتكون قابله للتطهير . والعلّامة في القواعد حكم بتعدّي نجاسته مطلقا ولو مع اليبوسة (6) ، وهو ظاهر

.


1- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 48 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 567 .
2- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 567 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 123 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 78 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 55 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 430 ، ح 1370 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 100 ، ح 326 ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 143 ، ح 400 مرسلاً ، وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 295 ، ح 3691 .
4- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 179 .
5- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 349 ، لكنّه لم يدّع الإجماع على ذلك ، بل ادّعى الإجماع على زوال النجاسة بالغُسل .
6- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 193 .

ص: 469

المصنّف والشيخين في المقنعة (1) والتهذيب (2) ، وظاهر إطلاق خبر إبراهيم بن ميمون (3) . وما رواه الشيخ من حسنة الحلبي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ؟ قال : «يغسل ما أصاب الثوب» (4) . وقيل : إنّه كغيره من النجاسات إنّما يتعدّى مع الرطوبة ؛ للأصل ، وعموم قوله عليه السلام في موثّق عبداللّه بن بكير : «كلّ [ شيء ] يابس ذكيّ» (5) ، وهو المستفاد ممّا يرويه المصنّف في باب النوادر عن إسماعيل الجعفي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عمّن يمسّ (6) عظم الميّت ؟ قال : «إذا جاز سنة فلا بأس» (7) ؛ إذ الظاهر أنّ وجود البأس قبل السنة ؛ لرطوبة دسومة العظم . وعلى الأوّل فإطلاق الأكثر يعطي كون نجاسة الملاقي عينيّة (8) مطلقا . وفي المنتهى أنّها مع اليبوسة حكميّة ، فلو لاقاه شيء آخر لم يؤثّر في تنجيسه ولو بالرطوبة (9) . وظاهر ابن إدريس أنّها حكميّة مطلقا ؛ حيث قال : وإذا لاقى جسد الميّت إناء وجب غَسله ، ولو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجّسه ؛ لأنّه لم يلاق جسد الميّت ، وحمله على ذلك قياس ، والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم

.


1- .. المقنعة ، ص 72 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 276 ، قبيل ح 812 .
3- .. هو الحديث 5 من الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 276 ، ح 811 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 461 ، ح 4178 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 276 ، ح 812 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 192 ، ح 671 ؛ ورواه الكليني في الكافي باب غسل من غسل الميّت ومن مسّه . . . ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 300 ، ح 3704 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، 49 ، ح 141 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 57 ، ح 167 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 351 ، ح 930 .
6- .. في المصدر : «عمّن مسّ» . وفي سائر المصادر : «عن مسّ» .
7- .. هو الحديث 13 من باب النوادر ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، 277 ، ح 814 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 192 ، ح 673 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 294 ، ح 3690 .
8- .. في الهامش : «بالمعنى المذكور . منه» .
9- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 204 .

ص: 470

دليل على النجاسة (1) . وثالثتها : بعد إكمال إغساله ، وهو طاهر إجماعا ، وتأتي الأخبار الدالّة عليه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . وأمّا باقي الميّتات ، فقد حكم جماعة _ منهم العلّامة في المنتهى _ (2) بوجوب غسل الملاقي لها مطلقاً ، وقالوا : «وجوبه مع اليبوسة تعبّدي» ، كما قالوا بذلك في الآدمي . واحتجّ عليه الشهيد في الذكرى بخبر يونس المتقدّم (3) . والمشهور أنّها كسائر النجاسات إنّما يتعدّى مع الرطوبة ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، ولصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميّت : هل تصحّ الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : «ليس عليه أن يغسله ، وليصلّ فيه ولا بأس» (4) . وحملوا خبر يونس على الندب ، وهو أظهر . قوله في صحيحة عليّ بن جعفر : (قال : سألته...) [ ح 3/4098 ] رواها الشيخ في التهذيب وزاد في آخرها : قال : وسألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات» (5) .

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 163 ، وفي المذكور هنا تلخيص .
2- .. اُنظر : منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 231 _ 232 .
3- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 133 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، 276 ، ح 813 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 192 ، ح 672 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 442 ، ح 4111 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 261 ، ح 760 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 417 ، ح 4036 .

ص: 471

باب صفة التيمّم

باب صفة التيمّمهنا مقامان : الأوّل في محلّ التيمّمفقد أجمع الأصحاب على ثبوته بدلاً عن الوضوء والغسل جميعا ، في السفر والحضر معا ؛ للأخبار المتظافرة من الطريقين ، وسيأتي بعضها ، ولقوله تعالى : «وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْجَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ أَوْ لَ_مَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (1) ؛ بناء على أنّ ملامسة النساء كناية عن الجماع ؛ لأنّه بها يتوصّل إليه كما ذهب إليه أهل البيت ، وحكاه في كنزالعرفان عن ابن عبّاس (2) ومجاهد (3) وقتادة (4) والحسن (5) ، واحتجّ عليه بقول الصادق عليه السلام ، وقد سئل عن معنى الآية ، قال : «ما يعني إلّا المواقعة دون الفرج» (6) . ونقل _ طاب ثراه _ عن عمر وبعض العامّة أنّ الجنب لايصلّي حتّى يجد الماء وليس عليه تيمّم (7) ؛ زعما منهم اختصاص الآية بالحدث الأصغر ، وهو مبنيّ على حملهم

.


1- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- .. التبيان ، ج3 ، ص 205 ؛ مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 _ 94 ؛ تفسير القرآن لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 184 ؛ جامع البيان للطبري ، ج 5 ، ص 143 _ 144 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 431 ؛ معاني القرآن للنحّاس ، ج 2 ، ص 276 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 10 ، ص 112 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ، في تفسير سورة النساء .
3- .. التبيان ، ج3 ، ص 205 ؛ مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 _ 94 ؛ جامع البيان للطبري ، ج 5 ، ص 145 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ، في تفسير سورة النساء .
4- .. التبيان ، ج3 ، ص 205 ؛ مجمع البيان ، ج 3 ، ص 93 _ 94 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ؛ تفسير القرآن لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 184 عن قتادة ، عن ابن عبّاس . كلّهم في تفسير سورة النساء .
5- .. جامع البيان للطبري ، ج 5 ، ص 145 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 423 ؛ تفسيرالقرآن العظيم لابن كثير ، ج 1 ، ص 514 ، في تفسير سورة النساء .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 22 ، ح 55 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 87 ، ح 278 ، وفيه : «المواقعة في الفرج» ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 271 ، ح 707 .
7- .. الإحكام لابن حزم ، ج 2 ، ص 144 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 321 و322 ؛ تفسير البغوي ، ج 1 ، ص 436 .

ص: 472

الملامسة على معناها اللغوي وهو تلاقي البشرتين ، وهذا التفسير هو المشهور بينهم ، وبنوا على ذلك كونها ناقضة للوضوء ، فقد قال الشافعي : «إنّها موجبة للوضوء مطلقا» (1) . وقال مالك : «إن كانت بشهوة انتقض ، وإلّا فلا» (2) . وقال أبوحنيفة : «إن انتشر عضوه انتقض ، وإلّا فلا» (3) . وحكاه الشيخ في الخلاف عن عمر وابن مسعود (4) . ويردّ عليهم ما نقلوه عن عمّار ، قال : بعثنا النبيّ صلى الله عليه و آله في سريّة فأجنبت ، فلم أجد ماء ، فتمرّغت في الصعيد كما تمرّغ الدابّة ، ثمّ أتيت النبيّ صلى الله عليه و آله فذكرت ذلك له ، فقال : «إنّما يكفيك أن تقول بيديك [ هكذا ]» ، ثمّ ضرب بيديه الأرض _ ضربة واحدة ، ثمّ مسح الشمال على اليمين وظاهر كفّيه ووجهه (5) . وما رواه مسلم في صحيحه عن عبدالرحمان بن أبزى : أنّ رجلاً أتى عمر ، فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء ، فقال : لا تصلّ . فقال عمّار : أما تذكر يا أميرالمؤمنين إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأمّا أنت فلم تصلّ ، وأمّا أنا فتمعّكت بالتراب وصلّيت ، فقال النبيّ _ صلّى اللّه عليه _ : «إنّما يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثمّ تنفخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيك؟» فقال عمر : اتّق اللّه يا عمّار وتثبّت ، فلعلّك نسيت أو شُبّه

.


1- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 29 ، الوضوء من الملامسة والغائط ؛ الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 110 .
2- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 13 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 29 ؛ الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 111 .
3- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 29 ؛ الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 111 .
4- .. الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 110 ، وفيه بطلان الوضوء بمجرّد الملامسة نقلاً عن ابن عمر وابن مسعود . نعم القول بأنّ المراد بالملامسة اللمس باليد دون الجماع منقول عن عمر وابن مسعود في : الفصول للجصّاص ، ج 1 ، ص 50 ؛ أحكام القرآن له أيضا ، ج 2 ، ص 462 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 432 .
5- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 193 ، باب التيمّم ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 90 _ 91 ، آخر كتاب التيمّم ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 184 ، باب التيمّم كيف هو ؛ مسند أحمد ، ج 4 ، ص 294 و320 و397 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 134 ، ح 304 ؛ والسنن له أيضا ، ج 1 ، ص 169 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 209 ، مع مغايرة في بعضها .

ص: 473

عليك ؟ فقال عمّار : إن شئت لم اُحدّث ؟ فقال عمر : نولّيك ما تولّيت (1) . وقد روى الشيخ الصدوق قصّة عمّار في الصحيح عن زرارة، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم لعمّار في سفرله : يا عمّار ، بلغناأنّك أجنبت ، فكيف صنعت ؟ فقال : تمرّغت يا رسول اللّه » . قال : «فقال له : كذلك يتمرّغ الحمار ، أفلا صنعت كذا ؟ ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ثمّ وضعهما على الصعيد ، ثمّ مسح جبينيه بأصابعه وكفّيه إحداهما بالاُخرى ، ثمّ لم يعد ذلك» (2) . والشيخ في الصحيح عن داوود بن النعمان ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن التيمّم ، فقال : «إنّ عمّارا أصابته جنابة فتمعّك كما تتمعّك الدابّة ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وهو يهزأ به _ : يا عمّار ، تمعّكت كما تتمعّك الدابّة ؟ فقلنا له : فكيف التيمّم ؟ فوضع يديه على الأرض ثمّ رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ قليلاً» (3) . ويؤكّدها أخبار تأتي متفرّقة . ولمّا تواتر حكاية عمّار ذهب أكثر الجمهور إلى ثبوت التيمّم بدلاً عن الغسل أيضا سفرا وحضرا وإن خصّوا الآية ببدليّته عن الحدث الأصغر ، وبه قال مالك (4) . وقال الشافعي : «الحاضر يتيمّم ويعيد الصلاة مع الوجدان» (5) . وقال زفر : «إنّه لايتيمّم بل يصبر حتّى يجد الماء» (6) . وعن أبيحنيفة القولان (7) .

.


1- .. صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 193 ، باب التيمّم .
2- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 104 ، ح 203 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 360 ، ح 3868 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 598 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ، ح 591 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 ، ح 3863 .
4- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 44 ؛ الكشف والبيان ، ج 3 ، ص 314 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 280 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 235 .
5- .. الكشف والبيان ، ج 3 ، ص 314 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 306 ؛ أحكام ا لقرآن ، ج 2 ، ص 477 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 .
6- .. الاستذكار ، ج 1 ، ص 306 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 277 ؛ تفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 106 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 .
7- .. الكشف والبيان ، ج 3 ، ص 314 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 306 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 277 ؛ أحكام القرآن ، ج 2 ، ف ص 477 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 118 .

ص: 474

وقد أجمع الأصحاب على حصر محلّ التيمّم في الحدثين وعدم جوازه للخبث مطلقا . ونسبه في المنتهى إلى أكثر أهل العلم ، وحكى عن أحمد (1) أنّه إذا كان على بدنه نجاسة وعجز عن غسلها لعدم الماء ، أو لخوف الضرر باستعماله ، تيمّم لها وصلّى ولو كان متطهّرا ، محتجّا بقوله عليه السلام : «الصعيد الطيّب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (2) . وبأنّها طهارة مرادة للصلاة فجاز لها التيمّم عند عدم الماء كالحدث . وأجاب عن الأوّل بأنّ الحديث في واقعة أبيذرّ ، وذلك يدلّ على أنّ المراد من الطهارة الطهارة من الحدث . وعن الثاني ببطلان القياس ، ولايبعد أن يقال : لو جاز هذا القياس لوجب التيمّم لو كانت النجاسة على ثوبه ، وهو غير واجب إجماعا (3) .

الثاني في كيفيّتهفقد أجمع أهل العلم على وجوب مسح الوجه واليدين فيه وإن اختلفوا في مقاديرها، أمّا الوجه ، فالمشهور بين الأصحاب منهم الشهيد (4) والسلّار (5) أنّه «الجبهة المحاطة

.


1- .. المغني ، ج 1 ، ص 274 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 252 .
2- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 81 ، ح 124 ؛ المصنّف لعبدالرزّاق ، ج 1 ، ص 238 ، ح 913 ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 446 و447 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 1 ، ص 182 ؛ الرجل يجنب وليس يقدر الماء ، ح 3 ؛ سنن أبيداود ، ج 1 ، ص 84 ، ح 333 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 217 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 54 ، ح 2713 . وفي بعضها : «وضوء المسلم» بدل «طهور المسلم» ؛ سنن الدارقطني ، ج 1 ، ص 196 ، ح 712 . وفي بعضها : «عشر حجج» بدل «عشر سنين» .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 134 _ 135 .
4- .. الدروس ، ج 1 ، ص 132 _ 133 ، الدرس 24 ؛ اللمعة الدمشقيّة ، ص 23 ، الذكرى ، ج 2 ، ص 263 ؛ الألفيّة والنفليّة ، ص 47 ، وزاد فيه : «وإلى الأسفل أولى» .
5- .. المراسم ، ص 54 ، ذكر كيفيّة التيمّم وما ينقضه .

ص: 475

بالجبينين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى» (1) ، وهو ظاهر أكثر الأخبار . وزاد بعضهم : «إلى الطرف الأسفل منه» (2) ، وهو ليس بوجه . وقال الشيخان في المقنعة (3) والنهاية (4) : «يمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه» . ومثله قال السيّد في الانتصار والناصريّات (5) . وظاهرهم وجوب مسح الجبينين أيضا ، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف (6) أيضا مدّعيا عليه الإجماع ، ونفى عنه الشهيد الثاني البأس (7) ، بل ظاهرهم وجوب مسح الحاجبين أيضا ، وبه صرّح الصدوق ، ففي الفقيه : «ومسح بهما جبينيه وحاجبيه» (8) ، ونفى عنه الشهيد في الذكرى البأس (9) ، ولم أجد له شاهدا من الأخبار ، إلّا أن يقال بدخول الحاجبين في الجبينين والجبهة لغة أو عرفا ، أوباستلزام المسح إلى طرف الأنف الأعلى مسحهما . أو يقال بوجوب مسحهما من باب المقدّمة . وأمّا اليدان ، فالمشهور أنّهما من الزند إلى أطراف الأصابع ، وقال الصدوق : «يمسح من فوق الكفّ قليلاً» (10) .

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 136 ؛ تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 190 ، المسألة 305 .
2- .. رسائل الكركي ، ج 1 ، ص 95 . واختار في ج 3 ، ص 209 _ 210 الطرف الأعلى ثمّ قال : «وإلى الأسفل أولى» .
3- .. المقنعة ، ص 62 ، صفة التيمّم وأحكام المحدّثين فيه .
4- .. النهاية ، ص 49 ، باب التيمّم وأحكامه .
5- .. الناصريّات ، ص 151 ، المسألة السابعة والأربعون ، ومثله في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 25) .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 37 .
7- .. شرح اللمعة ، ج 1 ، ص 455 ؛ مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 114 ، وصرّح فيهما بوجوب مسح الجبينين ، ثمّ قال : «وينبغي مسح الحاجبين» .
8- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 104 ، ذيل ح 213 .
9- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 263 .
10- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 105 ، ذيل ح 213 ؛ المقنع ، ص 26 ، [باب] كيفيّة التيمّم .

ص: 476

ولعلّه أراد به ما فوقها إلى الزند . وحكى ابن إدريس عن بعض الأصحاب أنّهما من اُصول الأصابع إلى رؤوسها (1) . وعن عليّ بن بابويه «وجوب مسح الوجه واليدين المغسولة في الوضوء» (2) . وعن ابن أبيعقيل : «التخيير بين الأمرين» (3) . وبه قال المحقّق في المعتبر (4) : «والأوّل أظهر ؛ لدلالة أكثر الأخبار عليه» : منها : خبر ابن بكير ، عن زرارة (5) . ومنها : ما تقدّم في أحاديث تيمّم عمّار . ومنها : ما رواه الشيخ عن عمرو بن أبيالمقدام ، عن أبيعبداللّه عليه السلام أنّه وصف التيمّم ، فضرب بيده على الأرض ثمّ رفعهما فنفضهما ، ثمّ مسح على جبينه وكفّيه مرّة واحدة (6) . وما يرويه المصنّف في باب مسح الرأس والقدمين في الصحيح عن زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت _ إلى قوله _ : ثمّ قال : « «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم [ مِّنْهُ ] » (7) ، فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنّه قال : «بوجوهكم» ، ثمّ وصل بها «وأيديكم منه» أي من ذلك التيمّم ؛ لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لايجري على الوجه ؛ لأنّه

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 137 .
2- .. حكاه عن المحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 386 . وانظر : فقه الرضا عليه السلام ، ص 89 .
3- .. اُنظر : المعتبر ، ج 1 ، ص 386 .
4- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 387 _ 388 .
5- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي . وفي تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 211 ، ح 613 عن الكليني ؛ وص 207 _ 208 ، ح 601 بسند آخر إلى ابن بكير ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ، ح 593 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 359 ، ح 3863 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 594 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ، ح 594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 360 ، ح 3866 .
7- .. المائدة (5) : 6 . وكان في الأصل : «فإن لم تجدوا . . .» .

ص: 477

يعلّق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولايعلّق ببعضها» (1) ، الحديث (2) . واحتجّ عليّ بن بابويه (3) بالآية الكريمة بناء على جعل الباء زائدة ، وبما رواه الشيخ (4) عن عثمان بن [ عيسى ] ، عن سماعة ، قال : سألته : كيف التيمّم ؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين (5) . وعن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن ليث المرادي ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتسمح بهما وجهك وذراعيك» (6) . ويدلّ أيضا عليه ما يأتي ذيل خبر زرارة من صحيحة محمّد بن مسلم . وعلى خصوص الوجه بمضمرة الكاهلي (7) ، وصحيحة أبيأيّوب الخزّاز (8) ، وبالوجه المذكور في بعض الأخبار المتقدّمة . وفي صحيحة زرارة ، قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يقول _ وذكر التيمّم وما صنع عمّار _ : فوضع أبوجعفر عليه السلام كفّيه في الأرض ، ثمّ مسح وجهه وكفّيه ولم يمسح الذراعين بشيء (9) .

.


1- .. هو الحديث 4 من باب مسح الرأس والقدمين من الكافي ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 102 ، ح 212 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 61 _ 62 ، ح 168 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 62 _ 63 ، ح 186 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 364 ، ح 3878 .
2- .. من قوله : «قال : قلت» إلى هنا من الهامش ، وزاد بعده «منه» .
3- .. في الهامش : «على ما نقل عنه . منه» .
4- .. في الهامش : «في التهذيب . منه» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 208 ، ح 602 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 _ 171 ؛ ح 592 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 365 ، ح 3880 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 209 _ 210 ، ح 608 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ؛ ح 596 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 ، ح 3871 .
7- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 600 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ؛ ح 589 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 ، ح 3861 .
8- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 _ 359 ، ح 3862 .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 208 ، ح 603 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 359 _ 360 ، ح 3865 .

ص: 478

وبروايات اُخرى ستأتي . والجواب عن التمسّك بالآية يظهر ممّا تقدّم . وعن الأخبار مع عدم صحّة أكثرها حملها على التقيّة ، على أنّه يمكن حمل الوجه في أخباره على الجبهة ؛ للجمع ، بل لابدّ من هذا الحمل في صحيحة زرارة المتقدّمة ؛ حيث ذكر فيها عدم مسح الذراعين . وكلّ من قال بوجوب مسح الوجه كلّه قال بوجوب مسح الذراعين ، ومن نفى هذا نفى ذاك ، فلو أبقى الوجه على ظاهره ، لخرق الإجماع المركّب . والشيخ حمل في كتابي الأخبار (1) أخبار الذراع على إرادة الحكم لا الفعل ، بمعنى أنّه إذا مسح الكفّ إلى الزند فكأنّه غسل ذراعيه في الوضوء ، فيحصل له بمسح الكفّين في التيمّم حكم غسل الذراعين . واستحسن الشهيد في الذكرى حمل هذه الأخبار كلّها على الاستحباب . ويظهر ممّا ذكر حجّة من قال بالتخيير وضعفها . وتمسّك من اقتصر على اُصول الأصابع بقوله عليه السلام : «فامسح على كفّيك من [ حيث ]موضع القطع» في مرسلة حمّاد بن عيسى (2) ؛ إذ القطع في السرقة عند الأصحاب إنّما يكون من اُصول الأصابع الأربعة . واُجيب عنه بأنّ غرضه عليه السلام إلزام المخالفين القائلين بوجوب المسح إلى المرفقين بمعتقدهم . بيانه : أنّه سبحانه ذكر الأيدي في آية السرقة من غير تقييد ، وأنتم حملتموها على الأيدي من رؤوس الأصابع إلى الزند ، زاعمين تبادر ذلك من إطلاقها ، فلمّا جعلتم الباء زائدة في آية التيمّم فلابدّ أن تحملوا الأيدي فيها على ما حملتم عليه في آية

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 208 ، ذيل ح 602 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 ؛ ذيل ح 592 .
2- .. هو الحديث 2 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 599 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ؛ ح 588 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 365 ، ح 3879 .

ص: 479

السرقة ؛ لإطلاقها هنا أيضا . واحتجّ القائل بوجوب المسح على المنكبين بتبادر ذلك من إطلاق الأيدي ، وهو كماترى . واعلم أنّ ظاهر الأخبار كفاية تيمّم واحد بدلاً عن الغسل أيّ غسل كان ، ويؤيّده ما رواه أبوبصير ، قال : سألته عن تيمّم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماءً ؟ قال : «نعم» (1) . وعمّار بن موسى ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، مثله (2) . وهو المشهور بين الأصحاب ، ونسب الشهيد في الذكرى (3) إلى تخريج بعض وجوب تيمّمين في غير الجنابة : أحدهما بدلاً عن الغسل ، والآخر بدلاً عن الوضوء ، ونفى عنه البأس ؛ معتذرا عن الخبرين بأنّهما غير مانعين عنه ؛ لجواز أن يكون المراد بالتسوية فيهما التسوية في الكيفيّة لا في الكمّيّة ، وهو ضعيف لاسيّما على ما سبق من إجزاء كلّ غسل عن الوضوء . قوله في خبر زرارة : (فضرب بيده الأرض) إلخ . [ ح 1/4102 ] فيه مسائل : الاُولى : قال _ طاب ثراه _ : أكثر أخبار التيمّم مشتملة على الضرب ، وهو يقتضي الاعتماد ، ووجوبه هو ظاهر أكثر الفتاوى ، وبعضها كحديث عمّار يتضمّن الوضع ، وهو لايقتضي الاعتماد ولاينافيه ، فوجب حمله على الضرب ، كذا قال بعض الأفاضل . وقد عكس الشهيد والمحقّق الشيخ عليّ حيث حملا الضرب على الوضع ، ففي الذكرى :

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 263 .
2- .. هو الحديث 10 من باب «الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش» من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 363 ، ح 3876 .
3- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 58 ؛ ح 215 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 617 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 362 _ 363 ، ح 3875 .

ص: 480

معظم الروايات وكلام الأصحاب بعبارة الضرب ، وفي بعضها : الوضع ، والشيخ في النهاية (1) والمبسوط (2) عبّر بالأمرين ، وتظهر الفائدة في وجوب مسمّى الضرب باعتماد ، والظاهر أنّه غير شرط ؛ لأنّ الفرض قصد الصعيد وهو حاصل بالوضع (3) . وفي شرح القواعد : واختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضرب والوضع يدلّ على أنّ المراد بهما واحد ، فلايشترط في حصول مسمّى الضرب كونه بدفع واعتماد كما هو المتعارف (4) . وظاهرهما استحباب الاعتماد ، وهو قويّ . الثانية : اختلف الأصحاب في كمّيّة الضرب على أقوال ، فالمشهور بينهم أنّه ضرب واحد للوجه واليدين بدلاً عن الوضوء والغسل جميعا ، وهو ظاهر هذا الخبر ، وما تقدّم من الأخبار التي من جملتها أخبار قصّة عمّار ، وبه قال السيّد في الناصريّات ، وحكاه عن الشافعي في القديم (5) ، ومالك والأوزاعي (6) . ونقله في المختلف عن المفيد في الرسالة الغريّة ، وابن الجنيد وابن أبيعقيل. وعن عليّ بن بابويه أنّه مطلقا ضربتان : ضربة للوجة ، واُخرى لليدين (7) . وحكاه الشيخ في الخلاف (8) عن قوم من أصحابنا وعن عمر وجابر والحسن البصري والشعبي ومالك والليث بن سعد وأبيحنيفة وأصحابه (9) .

.


1- .. النهاية ، ص 49 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 32 _ 33 .
3- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 259 _ 260 .
4- .. جامع المقاصد ، ج 1 ، ص 489 _ 490 .
5- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 210 .
6- .. الناصريّات ، ص 149 .
7- .. عنه في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 431 ، ولم أعثر على مصدر آخر لكلامه .
8- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 133 .
9- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 42 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 56 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 35 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 45 و46 ؛ المغني لابن قدامة ؛ ج 1 ، ص 245 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 210 _ 211 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 148 و152 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 276 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 60 ؛ حاشية ردّ المختار ، ج 1 ، ص 247 .

ص: 481

واحتجّ عليه بصحيحة إسماعيل بن همّام الكندي ، عن الرضا عليه السلام ، قال : «التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين» (1) . وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن التيمّم ، فقال : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين» (2) . وفي الدروس : «والأشهر في عدد الضرب اثنتان للغسل وواحدة للوضوء» (3) . ونسبه في الخلاف (4) إلى متفرّدات الأصحاب ، وبه قال المفيد في المقنعة (5) ، والشيخ (6) والعلّامة (7) فيما رأينا من كتبهما ، والمحقّق في الشرائع (8) ، جامعين بذلك بين الأخبار المذكورة ؛ معلّلين بأنّ الوضوء أخفّ من الغسل ، فليكن روايات المرّتين مختصّة بالغسل ، والأخبار الأوّلة مختصّة بالوضوء . وبصحيحة زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : قلت له : كيف التيمّم ؟ قال : «هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثمّ تنفضهما مرّة للوجه ومرّة لليدين» (9) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 609 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 171 _ 172 ، ح 597 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 ، ح 3872 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 610 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 172 ، ح 598 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 ، ح 3870 .
3- .. الدروس ، ج 1 ، ص 32 ، الدرس 24 .
4- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 133 _ 134 ، المسألة 76 ؛ فإنّه أفتى بالفرق ولم يدّع تفرّد الأصحاب فيه .
5- .. المقنعة ، ص 62 .
6- .. النهاية ، ص 49 _ 50 .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 430 ؛ منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 101 ؛ نهاية الإحكام ، ص 207 _ 208 .
8- .. شرائع الاسلام ، ج 1 ، ص 39 ، في الطهارة الترابيّة .
9- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 611 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 172 ، ح 599 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 361 _ 362 ، ح 3873 .

ص: 482

فقد زعموا أنّها صريحة في التفصيل بناء على تحتّم جعل قوله عليه السلام : «والغسل من الجنابة» إلى آخره كلاما مستأنفا، وعدم جواز جعل الغسل عطفا على الوضوء؛ لئلّا يناقض أوّل الكلام آخره . واستشهد الشيخ في كتابي الأخبار بها ، وبصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن التيمّم ، فضرب بكفّيه الأرض ثمّ مسح بهما وجهه ، ثمّ ضرب بشماله الأرض فمسح بهما مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثمّ ضرب بيمينه الأرض ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثمّ قال : «هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل ، وفي [ الوضوء ]الوجه واليدين إلى المرفقين وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين ، فلا يؤمّم بالصعيد» (1) . واُجيب عن الأوّل بأنّه وجه استحساني غير معتبر في الشريعة ، وما ذكر من الجمع يتأبّى عنه قصّة عمّار . وما قيل في أنّها في بدل الوضوء ، فرية بلا مرية ؛ لصراحة أكثرها في أنّها في بدل الغسل . وعن الصحيحة الاُولى بأنّ التناقض على تقدير عطف الغسل فيها على الوضوء إنّما يلزم لو كان الضرب في أوّل الضرب بمعنى ضرب اليدين على الأرض ، وهو ممنوع ؛ لجواز أن يكون بمعنى النوع ، وهذا المعنى فيه شائع ، فيدلّ على المرّتين مطلقا . وعن الاحتجاج بالصحيحة الثانية بأنّه مبنيّ على قراءة الغُسل بالضمّ ، ويجوز أن تكون بالفتح بزيادة الواو في قوله : «وفي الوجه واليدين» على أن يكون بيانا لما كان فيه الغسل ، أو بدلاً عنه ، والمقصود أنّ المسح في التيمّم إنّما يجب على العضو المغسول في الوضوء ولا مسح فيه على العضو الممسوح فيه .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 210 ، ح 612 ؛ الاستبصار ، ج1 ، ص 172 ، ح 600 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 362 ، ح 3874 ، وما بين الحاصرتين موجود في الجميع .

ص: 483

ويؤيّده أنّه لم تكن الواو في بعض نسخ التهذيب ثمّ اُلحقت ، فتدلّ هذه أيضا على المرّتين مطلقا . على أنّ الخبر يدلّ على مسح الوجه كلّه واليدين إلى المرفقين ، وهو غير قائل به . والأظهر في الجمع بين الأخبار القول الأوّل ؛ حملاً للضرب الثاني على الاستحباب ، والأحوط إيقاع تيمّمين بدلاً عن كلّ منهما : أحدهما بضرب والآخر بضربين ، وعلى التقديرين فظاهر الأخبار والفتاوى وجوب وضع اليدين معا على الأرض ، وكذا في الضربة الاُولى على التقدير الثاني . وأمّا الضربة الثانية على هذا التقدير فيستفاد من الأخبار جواز ضربهما على الأرض دفعة ومتعاقبين ، ولعلّ العلّة الفارقة وجوب مسح الجبهة باليدين جميعا بخلاف مسح اليدين ؛ فإنّهما على التعاقب . الثالثة : وجوب الترتيب بين الأعضاء ، وهو مستفاد من الأخبار ، منها مضمر الكاهلي (1) ؛ لدلالة الفاء وثمّ فيه على ذلك . واحتجّ أيضا عليه في الذكرى بفعل النبيّ والأئمّة عليهم السلام (2) . وفي الخلاف (3) بما دلّ على ترتيب الوضوء ، وبالاحتياط ، وهو مذهب الأصحاب . وفي التذكرة : «وهو مذهب علماء أهل البيت عليهم السلام » (4) . ونسبه (5) _ طاب ثراه _ إلى أكثر العامّة ، وحكى عن الأعمش وجوب تقديم مسح الكفّين على الوجه (6) .

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 263 .
2- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 207 ، ح 600 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 170 ؛ ح 589 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 358 ، ح 3861 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 138 ، المسألة 82 .
4- .. تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 196 ، المسألة 308 .
5- .. يعني والده قدس سره .
6- .. لم أعثر عليه .

ص: 484

وأمّا الترتيب بين نفس الأعضاء ، فقد صرّح بوجوبه جماعة ، منهم العلّامة ، ولم أر نصّا عليه ، وربّما علّل بمتابعة أصله من غسل الأعضاء المغسولة في الوضوء ، وبالتيمّم البياني ، وهو أحوط . الرابعة : الموالاة ، ففي الذكرى : ذكرها الأصحاب ، ويتوجّه على القول بالضيق وعلى غيره لتعقّب إرادة القيام إلى الصلاة به ، والإتيان بالفاء في «فتيمّموا» و «امسحوا» ، وهي دالّة على التعقيب بالوضع اللغوي . ولأنّ التيمّم البياني عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام توبع فيه ، فيجب التأسّي (1) . وفي المعتبر (2) نقل عن الشيخ (3) وجوبها ، واحتجّ له بالبناء على آخر الوقت ، ولو أخلّ بها بما لايعدّ تفريقا لم يضرّ ؛ لعسر الانفكاك منه وإن طال الفصل أمكن البطلان ؛ وفاء لحقّ الواجب ، ويحتمل الصحّة وإن أثم ؛ لصدق التيمّم مع عدمها . الخامسة : قال الشهيد في الذكرى : يشترط طهارة مواضع المسح من النجاسة ؛ لأنّ التراب ينجس بملاقاة النجس (4) فلايكون طيّبا ، ولمساواته الطهارة المائيّة ، نعم لو تعذّرت الإزالة ولم تكن النجاسة حائلة ولا متعدّية فالأقرب جواز التيمّم ؛ دفعا للحرج ، ولعموم مشروعيّته ، ولأنّ الأصحاب نصّوا على جواز تيمّم الجريح مع عدم الماء (5) . السادسة : الظاهر أنّ الضرب فعل من أفعال ، وهو ظاهر كثير من الأصحاب ، وصرّح به جماعة منهم الشهيد في الذكرى (6) ، ونزّله العلّامة 7 _ على ما حكى عنه في الذكرى _ منزلة أخذ الماء للطهارة المائيّة ، ويتفرّع على القولين مقارنة النيّة له ، أو

.


1- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 267 .
2- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 394 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 138 ، مسألة 83 .
4- .. في الهامش : «فيه تأمّل . منه» .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 257 .
6- .. نهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 204 ؛ فإنّه حكم بصحّة التيمّم إذا كانت النيّة عند المسح ، فالتنزيل من الشهيد رحمه الله .

ص: 485

لمسح الجبهة ، ووجوبه بعينه ، أو كفاية وصول التراب إلى يديه بهبوب الرياح ، وانتقاض التيمّم بوقوع حدث منه بعد الضرب وعدمه . السابعة : يجب استيعاب مواضع المسح ، نسبه في المنتهى (1) إلى علمائنا وإلى الشافعي (2) وأحمد (3) والكرخي (4) ؛ لأنّ الواجب المسح على المقدّر ، وبترك البعض لايحصل الامتثال ، ولاشتراطه في المبدل منه . وحكي عن أبيحنيفة وتلميذه أبييوسف و زفر أنّه لو مسح الأكثر أجزأه (5) ؛ محتجّين باستلزام الاستيعاب للحرج ؛ لأنّ التراب لايصل إلى الجميع إلّا بتكلّف ، والحرج منتفٍ شرعا . وأجاب بأنّا لانشترط وصول التراب إلى جميع الأجزاء ، على أنّ الحرج غير ملتفت إليه مع وجود التكليف ، وقد بيّنّاه ، ولو أخلّ بشيء منه وجب عليه الإعادة من أوّله بناء على اشتراط الموالاة فيه . الثامنة : ما يتيمّم به هو الصعيد عندنا وعند أكثر العامّة ، واختلفوا في تفسيره ، فقد نقل العلّامة في المنتهى (6) عن كتاب الخليل أنّه قال : «يقال : تَيمَّم بالصعيد أي خُذ من غباره» (7) ، وهو منقول عن ابن الجنيد على ما سيجيء . والمشهور أنّه وجه الأرض ترابا كان أو رملاً أو حجرا ، وسمّي صعيدا ؛ لأنّه

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 95 .
2- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 65 ، باب كيف التيمّم ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 257 ؛ فتح العزيز ، ج2 ، ص 326 ؛ المجموع للنووي، ج 2 ، ص 210 و211 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 258 .
3- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 42 ؛ الموطّأ ، ج 1 ، ص 56 ، ح 91 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 257 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 258 ؛ الإنصاف ، ج 1 ، ص 287 .
4- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 239 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 46 .
5- .. فتح العزيز ، ج2 ، ص 326 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 239 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 46 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 56 .
7- .. كتاب العين ، ج 1 ، ص 290 (صعد) .

ص: 486

تصاعد على الأرض ، وهو منقول عن الزجّاج (1) ، (2) وظاهر أكثر الأخبار ؛ حيث وقع فيها الضرب على الأرض . واُيّد بقوله تعالى : «صَعِيدًا زَلَقًا » (3) أي أرضا ملساء لاتراب لها . وفسّره ابن دريد في الجمهرة نقلاً عن أبيعبيدة بالتراب الخالص الذي لايخالطه سبخ ولا رمل (4) على ما حكاه الشيخ في التهذيب (5) عنه ، وهو منقول عن ابن العبّاس (6) وابن الفارس (7) ، وبه قال المفيد في المقنعة (8) ؛ حيث اشترط التيمّم على التراب مع الإمكان ، وإنّما جوّزه بالحجر مع فقد التراب ، ويتفرّع على ذلك الخلاف الخلاف في وجوب علوق شيء ممّا يتيمّم به إلى الكفّين والعضو الممسوح ، ظاهر الأكثر العدم ، بل ظاهر المنتهى (9) إطباق علمائنا عليه ، وأيّدوه بوفاقهم على استحباب نفض اليدين ؛

.


1- .. أبوإسحاق الزجّاج إبراهيم بن السريّ بن سهل النحوي الأديب ، ولد ببغداد ، وكان يخرط الزجاج ، ثمّ تركه واشتغل بالأدب ، فنسب إليه ، أخذ عن المبرّد وثعلب ، وتوفّي سنة 311 ببغداد ، من مصنّفاته : الاشتقاق ، الأمالي ، خلق الإنسان ، العروض ، فعلت وأفعلت ، معاني القرآن ، النوادر . راجع : سير أعلام النبلاء ، ج 14 ، ص 360 ، الرقم 209 ؛ الفهرست لابن النديم ، ص 66 ؛ الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 293 _ 294 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 1 ، ص 33 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 40 .
2- .. حكاه عنه أحمد بن فارس في معجم مقائيس اللغة ، ج 3 ، ص 287 ؛ والزبيدي في تاج العروس ، ج 5 ، ص 61 (صعد) ؛ والقرطبي في تفسيره ، ج 5 ، ص 236 .
3- .. الكهف (18) : 40 .
4- .. جمهرة اللغة ، ج 2 ، ص 654 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 186 ، ذيل ح 536 .
6- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ، ولفظه : «التراب الخالص» ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 281 ، وفيه : «هو التراب الطاهر» ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 248 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 254 ، وفيهما : «الصعيد تراب الحرث» .
7- .. معجم مقائيس اللغة ، ج 3 ، ص 287 . وابن فارس هو أبوالحسين أحمد بن فارس بن زكريّا القزويني الرازي ، من أئمّة اللغة والنحو ، أصله من قزوين ، وأقام مدّة في همذان ، ثمّ انتقل إلى الريّ ، فتوفّي فيها سنة 395 ه ق ، من تصانيفه : الإتباع والمزاوجة ، أوجز السير لخير البشر ، تمام الفصيح ، الحماسة المحدثة ، ذمّ الخطأ في الشعر ، الصاحبي ، الفصيح ، المجمل في اللغة ، معجم مقائيس اللغة . راجع : الأعلام للزركلي ، ج 1 ، ص 193 ؛ معجم المطبوعات العربيّة ، ج 1 ، ص 199 ؛ معجم المؤلّفين ، ج 2 ، ص 40 _ 41 ؛ الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 372 _ 374 .
8- .. المقنعة ، ص 58 _ 59 .
9- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 97 _ 98 .

ص: 487

إذ لايبقى أثر التراب معه ، وبإجزاء ضربة للوجه واليدين ؛ إذ يزول أثره على تقدير علوقه بالكفّ بمسح الوجه ، وبجواز التيمّم بالحجر ونحوه ، وهو منقول عن أكثر العامّة ، واعتبره ابن الجنيد (1) على مايستفاد ممّا سيجيء ، وهو ظاهر المفيد على ما مرّ من اعتباره التراب ، وبه قال الشافعي على ما يظهر من البيضاوي (2) ؛ محتجّا بقوله تعالى : «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ » (3) ، أي من ذلك الصعيد ؛ حملاً لكلمة «من» على التبعيض . واُورد عليه بأنّه يجوز أن يكون «من» للابتداء ، أي مسحا مبتدئا من الصعيد ، أو للتبعيض بمعنى ضرب اليدين على بعض الصعيد ، ففي الذكرى : فإن احتجّ ابن الجنيد لاعتبار الغبار بظاهر قوله تعالى: «مِنْهُ » وقال : إنّ من للتبعيض ، منعناه ؛ لجواز كونها لابتداء الغاية ، مع أنّ في رواية زرارة ، عن أبيجفعر عليه السلام أنّ المراد من ذلك التيمّم ، قال : «لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجز على الوجه ؛ لأنّه يعلّق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولايعلّق ببعضها ، وفي هذا إشارة إلى أنّ العلوق غير معتبر . انتهى (4) . وقال المحقّق الأردبيلي : فامسحوا بأيديكم بعض وجوهكم ، وبعض أيديكم مبتدأ من الصعيد ، أو ببعض الصعيد بأن تضعوا أيديكم على بعض الصعيد ثمّ تمسحوا الوجه واليدين ، أو من بعض التيمّم كما ورد في الرواية ، أي ما يتيمّم به ، وهو الصعيد ، فلا دلاله على تقدير كونها تبعيضيّة على وجوب لصوق شيء من الصعيد ليجب كونه ترابا (5) . ما ذكراه _ قدّس سرّهما _ غير واضح ؛ لأنّ ما أشارا إليه من الرواية ظاهر في اعتبار علوق شيء بالكفّين والوجه ، بل باليدين أيضا وإن نفى وجوب استيعاب العلوق لجميع

.


1- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 430 .
2- .. تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 195 ، في تفسير الآية 43 من سورة النساء .
3- .. المائدة (5) : 6 .
4- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 262 _ 263 .
5- .. زبدة البيان ، ص 19 .

ص: 488

أجزاء كلّ من الأعضاء ، وهو خارج عن المتنازع فيه ، وهي حسنة زرارة التي سبقت الإشارة إليها ، ورواها المصنّف في باب مسح الرأس والقدمين ، حيث قال عليه السلام فيها : «فلمّا وضع الوضوء إن لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنّه قال : «بِوُجُوهِكُمْ » ، ثمّ وصل بها «وَأَيْدِيكُم » ، ثمّ قال : «مِنْهُ » أي من ذلك التيمّم ؛ لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجز على الوجه ؛ لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ولايعلق ببعضها» (1) . بل الآية أيضا ظاهرة فيه ؛ إذ كلمة «من» فيها ظاهرة في التبعيض على معنى «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم » ببعض الصعيد أو بعض التيمّم بمعنى ما يتيمّم به وهو الصعيد ، ونعم ما قال صاحب الكشّاف : فإن قلت : فما تصنع بقوله تعالى : «فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ » أي بعضه ، وهذا لايتأتّى في الصخر الذي لاتراب عليه ؟ قلت : قالوا : إنّ «من» لابتداء الغاية . فإن قلت : قولهم : إنّها لابتداء الغاية تعسّف (2) ولايفهم أحد من العرب من قول القائل : «مسحت برأسه من الدهن أو من الماء ومن التراب» إلّا معنى التبعيض ؟ قلت : هو كما تقول ، والإذعان للحقّ أحقّ من المراء . انتهى (3) . فالأظهر والأحوط قول الشيخ المفيد وابن الجنيد من اشتراط التراب والغبار، ولاينافيه استحباب النفض المستفاد من الأخبار بل يؤكّده ، كما لايخفى . وكذا مسح اليدين بعد مسح الوجه ، فلتحمل «الأرض» في الأخبار على التراب ، وإنّما عبّر عنه بها ؛ لكونها الأغلب فيها . فإن قلت : فمامعنى قول المفيد بالتيمّم على الحجر إذا فقد التراب ؟ قلت : قال بذلك للاحتياط ؛ لأنّه مكلّف بمشترط بالطهارة واحتمل حصولها

.


1- .. هو الحديث 4 من باب مسح الرأس والقدمين من الكافي .
2- .. في المصدر : «قول متعسّف» .
3- .. الكشّاف ، ج 1 ، ص 529 ، في تفسير سورة النساء .

ص: 489

بالحجر حينئذٍ ، بناء على احتمال كون الصعيد شاملاً له وإن كان مرجوحا ، وعليك بالتأمّل في المقام فإنّه حقيق به . وجوّز أبوحنيفة التيمّم بكلّ ما كان من جنس الأرض كالرماد والزرنيخ والجصّ والنورة والكحل (1) ، أو كان متّصلاً بها كالشجر والثلج . وبه قال مالك (2) إلّا أنّه اعتبر أن يكون من جنس الأرض متّصلاً بها . وعن الأوزاعي جوازه لكلّ ما على الأرض ، سواء كان متّصلاً بها أو غير متّصل ، من جنسها أولا . ولايجوز التيمّم عندنا بما خرج عن اسم الأرض بالاستحالة كالمعادن والخزف والآجرّ والجصّ والنورة بعد نضجهما ، ويجوز قبله على المشهور ؛ لصدق اسم الأرض على أرضهما . وحكى في المنتهى (3) عن السيّد المرتضى أنّه جوّزه بالنورة والجصّ (4) ، وكأنّه أراد بهما أرضهما قبل النضج ، وعليه حمل خبر السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ ؟ فقال : «نعم» ، فقيل : بالنورة؟ فقال : «نعم» ، فقيل : بالرماد ؟ فقال : «لا ؛ إنّه ليس يخرج من الأرض إنّما يخرج من الشجر» (5) . وفيه أدنى تأمّل . ومنع ابن إدريس من التيمّم بالنورة (6) ، وعدّ في المنتهى أقرب ؛ معلّلاً بأنّه

.


1- .. السرائر ، ج 1 ، ص 137 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 248 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 254 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 41 _ 42 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 53 _ 54 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 161 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 61 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 309 ، والتيمّم على ما كان متّصلاً بالأرض كالأشجار منسوب إلى مالك .
3- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 248 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 254 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 61 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 309 ، وزاد فيه : «بكلّ متّصل بالأرض كالأشجار والزرع» .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 64 .
5- .. جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 26) .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 187 ، ح 539 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 352 ، ح 3845 .

ص: 490

معدن (1) ، وظاهرهما أنّ ذلك الحكم قبل نضجها ، ففيه تأمّل . ويشترط في الصعيد الطهارة ، والإباحة ؛ لظهور شمول الطيّب لهما . قوله في مضمر الكاهلي : (فضرب بيده على البساط) . [ ح 3/4103 ] قال _ طاب ثراه _ : البساط _ بالكسر _ : الفرش ، وبالفتح : الأرض الواسعة ، وعلى الأوّل لا دلالة فيه على جواز التيمّم على الفرش ؛ لأنّ الغرض هنا تعليم صورة التيمّم وبيان صفته ؛ بقرينة السؤال ؛ لأنّ «كيف» انّما يكون سؤالاً عن الصفة ، فما يتيمّم به كأنّه كان معلوما للسائل ، ومثله قوله في الخبر الآخر : «فوضع يده على المسح» ، وهو بالكسر : البلاس . قوله في صحيح أبيأيّوب : (أنّ عمّار بن ياسر أصابته جنابة) إلخ . [ ح 4/4105 ] قال _ طاب ثراه _ : فيه إشكال ؛ فإنّ عمّارا كان من أعاظم الصحابة ، فكيف خفت عليه آية التيمّم ، ولايمكن القول بأنّ ما فعله كان قبل نزولها ؛ لأنّ قبله ما كان واجبا عليهم التيمّم ، ولا القول بأنّه سمعها لكنّه قصّر التيمّم فيها على الحدث الأصغر ، فإنّ ملامسة النساء ينافيه ؛ إذ الظاهر المتبادر منها هو الجماع ، والأولى أن يقال : إنّه لم يسمعها ؛ إذ سماع الصحابة كلّهم كلّ آية غير معلوم . أو يقال : إنّه سمعها لكنّه نسيها ، أو غفل عنها . فإن قلت : بم أسند فعله ذلك ؟ قلت: بالقياس ؛ حيث سمع قوله عليه السلام : «التراب أحد الطهورين» قاس التيمّم للجنابة على الغسل لها . أقول : ويحتمل أن يقال : إنّه سمع أنّه التيمّم ولم يفهم مغزاها ، فحمل الملامسة فيها على معناها اللغوي كما زعمه العامّة ، فتوهّم اختصاصها بالتيمّم بدلاً عن الوضوء ، وحمل الوجوه والأيدي أيضا على ما هو المغسول في الوضوء على ما ذهب ، فلمّا رأى وجوب تيمّم الأعضاء المغسولة في بدل الوضوء ، ظنّ وجوب تيمّم الأعضاء المغسولة وهي جميع البدن بدلاً عن الغسل ، ولعلّ هذا هو مراد من قال : «إنّه قاس

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 64 .

ص: 491

التيمّم للجنابة على التيمّم للوضوء» ، ولايرد عليه ما قيل : «إنّ الأصل الذي هو التيمّم للحدث الأصغر اُلغيت فيه مساواة البدل للمبدل منه ؛ إذ هو في عضوين فقط ، فينبغي أن لاتعتبر المساواة في الفرع أيضا (1) . هذا ، وقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا عمّار ، تمعّكت كما تتمعّك الدابّة ؟» استفهام توبيخي لكن لا للاستهزاء والسخريّة ؛ لبراءة ساحته عليه السلام عنهما ؛ لأنّهما من صفات الجهلة ، كما يدلّ عليه قول موسى عليه السلام : «أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَ_هِلِينَ » (2) لمّا قال له قومه : «أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا » ، ولأنّ عمّارا كان يحبّه صلى الله عليه و آله كثيرا ويوقّره حتّى أنّه قال : «عمّار جلدة بين عينَيّ ، تقتله الفئة الباغية» (3) ، فكيف يستهزئ به ؟ بل للمزاح والمطايبة ، وهو ممدوح ، فقد روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إنّي أمزح ولا أقول إلّا الحقّ» (4) . ومن مزاحه صلى الله عليه و آله : أنّ عجوزا سألته أن يدعو لها بالجنّة ، فقال : «أما علمت أنّ الجنّة لاتدخلها العجائز» ! فاضطربت العجوز ، فقرأ تسكينا لها قوله تعالى : «إِنَّ_آ أَنشَأْنَ_هُنَّ إِنشَآءً فَجَعَلْنَ_هُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا » (5)(6) .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 428 .
2- .. البقرة (2) : 67 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ، ص 127 _ 128 ، ضمن الرقم 50 ؛ الجمل للمفيد ، ص 50 صدره ؛ العثمانيّة للجاحظ ، ص 142 صدره . ولخصوص ذيله _ بلفظ الغائب أو الخطاب _ أسانيد كثيرة ومصادر متعدّدة ، فانظر : مسند أبيداود الطيالسي ، ح 1598 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 7 ، ص 548 ، ح 37840 ؛ وص 551 ، ح 37864 ، باب ما ذكر في صفّين ؛ مسند أحمد ، ج 2 ، ص 164 و206 ؛ وج 3 ، ص 22 و91 ؛ وج 4 ، ص 197 و199 ؛ وج 6 ، ص 289 ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 2236 ، ح 1916 و2919 ؛ خصائص عليّ بن أبيطالب للنسائي ، ص 231 _ 232 ، ح 158 _ 168 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج ج 1 ، ص 320 ، ح 594 ؛ شرح السنّة للبغوي ، ج 14 ، ص 154 ؛ مسند أبييعلى ، ج 12 ، ص 224 ، ح 6990 ؛ وص 455 ، ح 7025 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 8 ، ص 189 ؛ دلائل النبوّة له أيضا ، ج 2 ، ص 549 ؛ الاعتقاد له أيضا ، ص 218 ؛ حلية الأولياء ، ج 7 ، ص 197 ؛ و . . . .
4- .. شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد ، ج 6 ، ص 30 ، في شرح الكلام 83 ؛ الفائق للزمخشري ، ج 3 ، ص 203 ، باب اللام مع العين ؛ الكامل لابن عديّ ، ج 2 ، ص 344 ، ترجمة الحسن بن محمّد بن عنبر ، وفي بعض رواياته : «إلّا حقّا» .
5- .. الواقعة (56) : 35 _ 37 .
6- .. تفسير مجاهد ، ج 2 ، ص 648 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 283 ؛ الكشف والبيان للثعلبي ، ج 9 ، ص 210 ، في تفسير سورة الواقعة ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 5 ، ص 358 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 202 ، الباب 45 ، ضمن ح 2 .

ص: 492

باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ومن تيمّم ثمّ وجد الماء

وربّما يطلق الهزء على المطايبة ، ومنه قوله عليه السلام : «وهو يهزأ به» في هذه القصّة في صحيحة داوود بن النعمان المتقدّمة (1) . قوله في خبر غياث بن إبراهيم : (لا وضوء من مَوطأ) . [ ح 5/4106 ] وفي التهذيب : قال النوفلي : «يعني ما تطأ عليه برجلك» (2) ، والوضوء هنا بمعنى الطهارة على إرادة التيمّم والمقصود منه نفي الكمال ، فالنهي الضمني فيه للتنزيه ، ومثله نهي أميرالمؤمنين عليه السلام في خبر العُرَني عنه (3) . واستدلّ الشيخ في التهذيب بهذين الخبرين لاستحباب التيمّم من الربى وعوالي الأرض ، موضحا إيّاه بأنّهما يدلاّن على كراهة التيمّم من أثر الطريق والمواضع الموطأة ، فلم يبق بعد إلّا الربى والعوالي التي يستحبّ التيمّم منها ، وإنّما حملوا النهي فيهما على الكراهة مع عدم معارض صريح ؛ لضعفهما ، وعدم قول بالتحريم .

باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ومن تيمّم ثمّ وجد الماءفيه مسألتان : الاُولى : أجمع الأصحاب على عدم جواز التيمّم للفريضة الموقّتة قبل دخول وقتها ، مع أنّهم يستحبّون الطهارة المائيّة قبله للتأهّب ، واحتجّ عليه السيّد في الناصريّات (4) بإجماع الفرقة المحقّة ، وحكاه عن الشافعي (5)

.


1- .. فى هامش «أ» : «في ذيل باب صفة التيمّم . منه عفي عنه» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 186 _ 187 ، ح 537 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 349 ، ح 3836 . وهذه الفقرة موجودة أيضا في الكافي ، ذيل ح 5 .
3- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 187 ، ح 538 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 349 ، ح 3837 .
4- .. الناصريّات ، ص 156 _ 157 .
5- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 62 ، باب متى يتيمّم للصلاة ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 349 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 109 ؛ المجموع للنووي، ج 2 ، ص 239 و243 ؛ روضة الطالبين ، ج 1 ، ص 232 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 46 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 329 .

ص: 493

ومالك (1) ، ونقل جوازه عن أبيحنيفة (2) . واختلفوا في جوازه بعد دخول الوقت مع السعة ، فعن الصدوق جوازه مطلقا ، وهو ظاهره في الفقيه ، وقوّاه العلّامة في المنتهى (3) ، وعدّه في التحرير أقوى (4) ، ونسب في المختلف عدمه كذلك إلى المشهور ، وحكاه [ عن جماعة ] (5) ، وهو ظاهر السيّد في الانتصار (6) والشيخ في الخلاف (7) والمبسوط (8) والنهاية (9) وكتابي الأخبار (10) ؛ حيث أطلقا المنع من غير تقييد برجاء الماء ، وإليه مال الشهيد في الدروس (11) ، وهو ظاهر المفيد في المقنعة ؛ حيث قال : ومن فقد الماء فلا يتيمّم حتّى يدخل وقت الصلاة ثمّ يطلب أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كلّ جهة إن كانت الأرض سهلة ، وإن كانت حزنة طلبه في كلّ جهة مقدار رمية سهم ، وإن لم يجده يتيمّم في آخر أوقات الصلاة عند اليأس منه (12) .

.


1- .. المجموع للنووي، ج 2 ، ص 243 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 329 .
2- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 349 ، المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 243 ؛ المبسوط ، ج 1 ، ص 109 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 46 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 235 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 234 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 329 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 53 .
4- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 147 ، المسألة 461 .
5- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 414 .
6- .. الانتصار ، ص 122 .
7- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 146 ، المسألة 94 .
8- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 131 .
9- .. النهاية ، ص 47 .
10- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 و166 ، باب أنّ التيمّم لايجب إلّا في آخر الوقت ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 202 ، ذيل ح 587 .
11- .. الدروس ، ج 1 ، ص 131 ، الدرس 23 .
12- .. المقنعة ، ص 61 ، التيمّم وأحكامه .

ص: 494

وفصّل العلّامة في المختلف (1) وأكثر كتبه بين رجاء الماء واليأس منه ، فجوّزه في الثاني دون الأوّل ، وحكاه عن ابن الجنيد (2) ، وبه قال الشهيد في اللمعة ، والأظهر الجواز مطلقا (3) مع استحباب التأخير . لنا على الجواز قوله تعالى : «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ » إلى قوله : «فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا » (4) ؛ لاقتضاء العطف التسوية في الحكم بين المعطوفين ، فكما صحّ في المعطوف عليه إيقاعه في أوّل الوقت ، فكذا في المعطوف . وإطلاق صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ؟ قال : «تمّت صلاته ولا إعادة عليه» (5) . وموثّقة يعقوب بن سالم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، في رجل تيمّم وصلّى ثمّ أصاب الماء وهو في وقت ؟ قال : «قد مضت صلاته وليتطهّر» (6) . وخبر معاوية بن ميسرة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل في السفر لايجد الماء [ تيمّم ] ثمّ صلّى ثمّ أتى بالماء وعليه شيء من الوقت : أتمضي صلاته أم يتوضّأ ويعيد الصلاة ؟ قال : «يمضي على صلاته ؛ فإنّ ربّ الماء ربّ التراب» (7) . وصحيحة العيص ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى ؟ قال : «يغتسل ولايعيد الصلاة» (8) .

.


1- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 415 .
2- .. في الهامش : «لكنّه قال باستحباب التأخير في الثاني ، ونقل عن ابن الجنيد استحباب التقديم فيه . منه عفي عنه» .
3- .. في الهامش : «مع الطلب كما سيجيء» .
4- .. المائدة (5) : 6 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 194 ، ح 562 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 160 ، ح 552 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3889 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 195 ، ح 563 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 160 ، ح 553 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، ح 3894 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 107 _ 108 ، ح 221 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 195 ، ح 564 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 160 ، ح 554 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، ح 3893 .
8- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 197 ، ح 569 و570 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 161 ، ح 556 ؛ وسائل الشيعة ، ف ج 3 ، ص 370 ، ح 3896 .

ص: 495

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ، ثمّ وجد الماء ؟ فقال : «لايعيد ؛ إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين» (1) . وصحيحة ابن سنان _ بناء على أنّه عبداللّه _ ، قال : سمعت أباعبداللّه عليه السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا ، فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلّى» (2) . وخبر الحسن الصيقل ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : رجل تيمّم ثمّ قام فصلّى فمرّ به نهر وقد صلّى ركعة ؟ قال : «فليغتسل وليستقبل الصلاة» . فقلت : إنّه قد صلّى صلاته كلّها . قال : «لايعيد» (3) . وخبر عليّ بن سالم ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : أتيمّم واُصلّي ثمّ أجد الماء وقد بقي علَيّ وقت ؟ فقال : «لاتعد الصلاة ؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد» الحديث (4) ، وسيأتي . وعلى استحباب التأخير خبر محمّد بن حمران ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : رجل تيمّم ثمّ دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ؟ قال : «يمضي في الصلاة، واعلم أنّه لاينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت» (5) .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 197 ، ح 571 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 161 ، ح 557 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 370 ، ح 3895 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 193 ، ح 556 ؛ وص 197 ، ح 572 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 159 ، ح 549 ؛ وص 161 ، ح 558 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3887 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1277 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 168 ، ح 581 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 383 ، ح 2928 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 202 ، ح 587 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 ، ح 572 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 371 ، ح 3897 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 203 ، ح 590 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 166 ، ح 575 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3925 .

ص: 496

وينبغي أن يحمل عليه ما ورد من الأمر بالتأخير فيما سيأتي ؛ لشيوع استعمال الأمر في الندب حتّى قيل : إنّه حقيقة فيه ، ولكثرة الأخبار المذكورة وصحّة أكثرها كان التأويل في غيرها للجمع أظهر . واحتجّ الشيخ على وجوب التأخير مطلقا في الخلاف بالاحتياط (1) ، وفي كتابي الأخبار بصحيحة محمّد بن مسلم (2) ، وحسنة زرارة (3) . ومثلهما موثّقة عبداللّه بن بكير ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : رجل أَمّ قوما وهو جنب وقد تيمّم وهو على طهور ؟ قال : «لا بأس ، فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت ، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض» (4) . وأنت خبير بأنّ ظاهر هذه الأخبار رجاء الماء ، فلا تدلّ على مدّعاه ، وقد عرفت وجه الجمع بينها وبين ما سبق ، والاحتياط ليس مدركا للوجوب الشرعي . واحتجّ السيّد في الكتابين عليه بالإجماع ، وبأنّ التيمّم إنّما اُبيح للضرورة ولا ضرورة قبل الضيق (5) . وفيهما تأمّل ، أمّا الإجماع ، فلما عرفت من وجود القول بخلافه قبله وبعده وفي زمانه ، وأمّا دليله الآخر ، فلأنّ التيمّم إنّما اُبيح لفقد الماء بدلاً ، والظاهر تساوي حكمه مع حكم المبدل منه كما ذكر ، فإن أراد بالضرورة ما ينفي هذا ، فمنعنا كونه لها ، بل هو عين المتنازع فيه ، فتأمّل .

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 146 ، المسألة 94 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 203 ، ح 588 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 ، ح 573 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 384 ، ح 3929 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 203 ، ح 589 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 _ 166 ، ح 574 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 384 ، ح 3930 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1265 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 384 ، ح 3931 .
5- .. الناصريّات ، ص 157 ؛ الانتصار ، ص 123 .

ص: 497

وإن تمسّكوا بما سيأتي من صحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام (1) حيث دلّت على الإعادة إذا وجد الماء في الوقت ، فنقول : هي أيضا محمولة على الاستحباب ؛ لما ذكر ، بل هي ظاهرة في عدم اشتراط الضيق ؛ إذ لو اشترط لوجبت الإعادة مطلقا ، وهي صريحة في عدم وجوبها إذا وجد الماء بعد مضيّ الوقت . ويظهر ممّا ذكر حجّة المفصّل وضعفها . الثانية : إذا قدر على الماء ، وله أربع صور : الاُولى : أن يقدر عليه قبل الشروع في الصلاة ، ولاريب في انتقاض تيمّمه حينئذٍ مع سعة الوقت ، ولا في عدمه مع عدمها . والثانية : أن يقدر عليها في أثناء الصلاة ، فذهب الشيخان في المقنعة والمبسوط (2) والخلاف (3) ، والشهيد في الذكرى (4) والدروس ، والعلّامة في التحرير (5) والمنتهى (6) والقواعد (7) والإرشاد (8) إلى أنّه يمضي في صلاته مطلقا ، ركع أو لا ، وهو محكيّ في الذكري (9) عن السيّد المرتضى في مسائل الخلاف (10) ، وعن ابن إدريس (11) وابن البرّاج (12) ، وفي الخلاف عن

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 _ 193 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 159 _ 160 ، ح 551 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3188 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 33 .
3- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 141 ، المسألة 89 .
4- .. الذكرى ، ج 1 ، ص 276 _ 277 .
5- .. تحرير الأحكام ، ج 1 ، ص 148 ، المسألة 465 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 136 _ 137 .
7- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 240 .
8- .. إرشاد الأذهان ، ج 1 ، ص 235 .
9- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 275 .
10- .. حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج 1 ، ص 186 ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج 1 ، ص 400 .
11- .. السرائر ، ج 1 ، ص 140 .
12- .. المهذّب ، ج 1 ، ص 48 .

ص: 498

الشافعي (1) وأحمد (2) ومالك (3) وأبيثور (4) . ويدلّ عليه أصالة عدم جواز قطع الصلاة الثابتة بقوله تعالى (5) : «لَا تُبْطِ_لُواْ أَعْمَ__لَكُمْ » (6) ، وعموم خبر محمّد بن حمران المتقدّم ، وصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ، قال : قلت في رجل ما يصيب الماء وحضرت الصلاة فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمّ أصاب الماء : أينقض الركعتين ، أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي ؟ قال : «لا ، ولكنّه يمضي في صلاته ولاينقضها ؛ لمكان أنّه دخلها على طهور بتيمّم» ، الحديث (7) ، وسيأتي . فإنّ التعليل يقتضي وجوب المضيّ فيها أيضا مع التلبّس بها ولو بتكبيرة الإحرام . وفصّل الشيخ في النهاية بين ما لو قدر عليه قبل الركوع في الركعة الاُولى وما لو قدر عليه بعده ، فأوجب الإعادة في الأوّل دون الثاني (8) ، واختاره الصدوق (9) . ويدلّ عليه حسنة حريز ، عن زرارة (10) ، وخبر عبداللّه بن عاصم (11) .

.


1- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 110 ؛ تحفة الفقهاء ، ج 1 ، ص 45 ؛ بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 57 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 11 ، ص 174 ، في تفسير سورة المائدة .
3- .. المدوّنة الكبرى ، ج 1 ، ص 46 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 ؛ التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج 11 ، ص 174 ، في تفسير سورة المائدة .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 270 .
5- .. في الأصل : «عليه السلام» ، فصوّبناه» .
6- .. محمّد (47) : 33 .
7- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 106 ، ح 215 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 205 ، ح 595 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 .
8- .. النهاية ، ص 48 .
9- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 105 ، ذيل ح 214 .
10- .. هو الحديث 4 من هذا الباب من الكافي الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 200 ، ح 580 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 164 ، ح 570 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 381 ، ح 3923 .
11- .. هو الحديث 5 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 204 ، ح 591 و592 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 166 _ 167 ، ح 576 و577 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 381 ، ح 3924 .

ص: 499

وفي المنتهى : «هاتان الروايتان محمولتان على الاستحباب» (1) ، وبه وجّههما الأكثر . وحكى في الذكرى (2) عن ابن الجنيد أنّه قال : إذا وجد المتيمّم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية ، فإن ركعها مضى في صلاته ، فإن وجده بعد الركعة الاُولى وخاف من ضيق الوقت أن يخرج إن قطع رجوت أن يجزيه إن لايقطع صلاته ، فأمّا قبله فلابدّ من قطعها مع وجود الماء (3) . وهو كماترى . وحكى أيضا فيه عن السلّار أنّه أوجب الرجوع ما لم يقرأ (4) ، وقال : «كأنّه اعتبر أكثر الأركان وهو القيام والنيّة والتكبير وأكثر الأفعال وهو القراءة» (5) . وعن ابن حمزة أنّه قال : «إذا وجد الماء بعد الشروع وغلب على ظنّه أنّه إن قطعها وتطهّر بالماء لم تفته الصلاة وجب عليه قطعها والتطهّر بالماء ، وإن لم يمكنه ذلك لم يقطعها» (6) ، وهو مبنيّ على اعتبار الضيق فيه . وفي المختلف : «ونحن من المتوقّفين في المسألة» (7) . الثالثة : أن يقدر عليه بعد الفراغ من الصلاة ، ففي القول بجوازه في السعة لاتجب الإعادة ؛ لإتيانه بماأمر به ، ولصراحة أكثر ما احتججنا به على ذلك فيه ، فليحمل ما سيجيء من صحيحة يعقوب بن يقطين على الاستحباب . وأمّا على القول باعتبار الضيق ، فالمشهور عدم وجوب الإعادة فيما إذا وقع التيمّم والصلاة في آخر الوقت مطلقا ؛ لما ذكر .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 140 .
2- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 276 .
3- .. حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 435 .
4- .. المراسم ، ص 54 .
5- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 278 .
6- .. الذكرى ، ج 2 ، ص 278 عن ابن حمزة في الواسطة .
7- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 449 .

ص: 500

ونقل عن السيّد المرتضى أنّ الحاضر إذا تيمّم لفقد الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده (1) . وحكاه صاحب كنز العرفان عن الشافعي (2) وأحد قولَي أبيحنيفة (3) ، وكأنّهم احتجّوا في ذلك بتقييد التيمّم في الآية الكريمة بالمريض والمسافر ، فجعلوا التيمّم لهما أصلاً ؛ مساويا لمبدله في عدم استتباعه للإعادة والتيمّم لفقد الماء على الحاضرين لما كان مستفادا من الأخبار احتاطوا فيه بذلك ، وقد عرفت وجه التقييد في الآية . وسبق أيضا عموم ما دلّ على عدم وجوب الإعادة لفقد الماء ، وظاهره في الحاضر . وذهب الشيخ في الاستبصار إلى وجوب الإعادة على المجنب المتعمّد وإن خرج الوقت (4) . وفي التهذيب عدّها الأولى (5) ، ويأتي تحقيق القول فيه ، إن شاء اللّه تعالى . وأمّا إذا وقعا في السعة ، فعلى هذا القول ينبغي أن يقال بوجوب الإعادة مطلقا وإن وجد الماء بعد تقضّي الوقت ؛ لعدم إتيانه بما اُمربه ، وقد ذهب إليه أكثرهم ، بل صرّح جماعة منهم ، منهم الشيخ بوجوب الإعادة بتيمّم آخر لو لم يجد الماء ، ففي المبسوط : لايجوز التيمّم إلّا في آخر الوقت وعند الخوف من فوت الصلاة ، فإن تيمّم قبل دخول الوقت أو بعده في أوّل الوقت ، لم يجز أن يستبيح به الصلاة ، فإن صلّى بذلك أعاد الصلاة بتيمّم مستأنف أو وضوء إن وجد الماء (6) . وفي النهاية مثله (7) .

.


1- .. حكاه عنه المحقّق في المعتبر ،ج 1 ، ص 365 ؛ والسيّد العاملي في المدارك ، ج 2 ، ص 237 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ؛ فتح العزيز ، ج 2 ، ص 337 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 305 ؛ عمدة القاري ، ج 4 ، ص 7 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 293 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 218 ، في تفسير سورة النساء .
3- .. فتح العزيز ، ج 2 ، ص 337 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 305 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 477 .
4- .. الاستبصار ، ج 1 ، ص 162 ، ذيل ح 560 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 196 ، ذيل ح 568 .
6- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 31 .
7- .. النهاية ، ص 47 _ 48 .

ص: 501

وخصّ بعضهم وجوب الإعادة بما إذا قدر عليه في الوقت ، وذهب إليه ابن أبيعقيل ؛ فإنّه قال _ على ما حكي عنه في المختلف _ : لايجوز التيمّم إلّا في آخر الوقت» إلى قوله : «ولو تيمّم في أوّل الوقت وصلّى ثمّ وجد الماء وعليه وقت ، تطهّر بالماء وأعاد الصلاة ، فإن وجد الماء بعد مضيّ الوقت فلا إعادة عليه (1) . وجمع بذلك بين ما دلّ على اشتراط الضيق وصحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبيالحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل تيمّم فصلّى ثمّ أصاب بعد صلاته ماء: أيتوضّأ ويعيد الصلاة ، أم تجوز صلاته ؟ قال : «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه» (2) . ونعم ما قال السيّد رضى الله عنه في الناصريّات في شرح قول ناصر الحقّ : «فإن وجد الماء بعد فراغه من صلاته وهو في بقيّة من وقتها أعادها ، وإن وجدها بعد مضيّ وقتها فلا إعادة عليه» : هذا الفرع لايشبه من ذهب إلى أنّ الصلاة بالتيمّم لايجوز إلّا في آخر الوقت وإنّما يجوز أن يفرّع هذا الفرع من يجوّز الصلاة في وسط الوقت أو قبل تضيّق الوقت (3) . واعلم أنّ المراد بضيق الوقت على الأظهر والأشهر بين أهل العلم بقاء مقدار زمان التيمّم وفعل الصلاة بجميع أفعالها : واجباتها ومستحبّاتها التي يريد فعلها . وحكي في المنتهى عن الشافعي أنّه اعتبر مقدار التيمّم وأداء ركعة ؛ معلّلاً بأنّه تدرك الصلاة بإدراك ركعة ، وهو محلّ نظر لاسيّما عند من يقول بأنّ الركعات الواقعة خارج الوقت تكون قضاء . بقي هنا مسألة : قال الشيخ المفيد في المقنعة :

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 _ 193 ، ح 559 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 159 _ 160 ، ح 551 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 368 ، ح 3188 .
2- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 447 .
3- .. الناصريّات ، ص 160 .

ص: 502

لو أنّ متيمّما دخل في الصلاة فأحدث ما ينقض الصلاة من غير تعمّد ووجد الماء ، لكان عليه أن يتطهّر ويبني على ما مضى من صلاته ما لم ينحرف عن الصلاة إلى استدبارها أو يتكلّم عامدا بما ليس من الصلاة (1) . وبه قال الشيخ أيضا ، واحتجّ عليه بتتمّة صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم المتقدّمة ، فقد ورد فيها بعد ما ذكر : قال زرارة : فقلت له : دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة وأحدث فأصاب ماء ؟ قال : «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (2) . وصحيحتهما الاُخرى بسند آخر عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : قلت له : رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم ، فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب الماء ؟ قال : «يخرج ويتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم» (3) . ولا استبعاد فيه ؛ لورود النصّ الصحيح به . فإن قيل : قد ثبت في الشريعة بالنصّ والضرورة اشتراط الصلاة بالطهارة . قلت : إن أردت اشتراطها بطهارة واحدة مستمرّة من أوّلها إلى آخرها فهو أوّل المسألة ، وإن أردت وقوعها بجميع أجزائها مع الطهارة ، فهو مسلّم ، ولاينافيه ما ذكر ، وليس مختصّا بهذه المسألة ، بل لها نظائر في الشريعة كصلاة المستحاضة والمبطون على القول بالوضوء والبناء إذا أحدثا في أثناء الصلاة . ومنها : صلاة من نسي ركعة فما فوقها ؛ فإنّه يبني على ما مضى ، ولو وقع منه حدث ، بل ولو بلغ الصين على القول القويّ الذي يأتي في محلّه . وأمّا المصلّي بالطهارة المائيّة فيستأنف الصلاة حينئذٍ إجماعا ؛ لعدم نصّ على

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 106 ، ح 215 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 205 ، ح 595 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 167 _ 168 ، ح 580 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 .
2- .. المقنعة ، ص 61 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 204 _ 205 ، ح 594 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 382 ، ح 3926 ؛ وج 7 ، ص 236 ، ح 9210 .

ص: 503

استثنائه ، وقد صرّح بذلك الشيخان أيضا . وإنّما اشترطا عدم الاستدبار والتكلّم عامدا مع إطلاق النصّ ؛ لثبوت منافاتهما للصلاة شرعا ، فيحتاج اغتفارهما إلى نصّ صريح ، وليس هنا ، فليس . [قوله] في حسنة ابن اُذينة ، عن زرارة : (فليطلب مادام في الوقت) . [ ح 2/4109 ] يدلّ على وجوب الطلب في السعة ، وأجمع عليه الأصحاب فيما إذا ترقّب الماء ، وانتفى المانع عنه من خوف ونحوه . ويدلّ عليه خبرا داوود بن كثير الرقّي (1) ويعقوب بن سالم (2) ، وحمل على وجود المانع تتمّة خبر عليّ بن سالم المتقدّم ، حيث قال : فقال له داوود بن كثير : أفأطلب الماء يمينا وشمالاً ؟ فقال : «لاتطلب الماء يمينا ولاشمالاً ولا في بئر إن وجدته على الطريق فتوضّأ ، وإن لم تجده فامض» . واحتجّ أيضا عليه بقوله تعالى : «فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً » (3) ، فإنّ المراد بالوجدان التمكّن منه ، والقادر على الطلب قادر عليه . واحتجّ عليه السيّد في الناصريّات (4) ، بإجماع الأصحاب، ونسبه إلى الشافعي (5) ، وحكى عن أبيحنيفة وأشياعه عدم وجوبه (6) .

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. هو الحديث 6 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 185 _ 186 ، ح 536 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 341 ، ح 3816 .
3- .. هو الحديث 8 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 184 ، ح 528 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 341 ، ح 3817 .
4- .. الناصريّات ، ص 157 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 25) .
5- .. الاُمّ ، ج 1 ، ص 62 ؛ أحكام القرآن للشافعي ، ج 1 ، ص 48 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 472 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ، الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 249 ؛ المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 252 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 58 .
6- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 473 ، الكشف والبيان للثعلبي ، ج 3 ، ص 318 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 252 ؛ بداية المجتهد ، ج 1 ، ص 58 ، المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 108 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ، الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 249 .

ص: 504

ونقل في المنتهى (1) عن أحمد فيه روايتين (2) ، واختلفت عباراتهم في مقدار الطلب ، فقد أطلقه السيّد فيها (3) ، والشيخ في الخلاف (4) . وقال في النهاية : «لايجوز له التيمّم في آخر الوقت إلّا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه وعن يساره» (5) من غير ذكر للأمام والخلف ؛ لتخصيص الجهتين بالذكر في صحيحة داوود الرقّي ، وخبر يعقوب بن سالم . وفي المقنعة : «يطلبه أمامه وعن يمينه وعن شماله» . ونقل في المنتهى (6) مثله عن أبيالصلاح (7) . وعدم ذكرهما للخَلف واضح ؛ لأنّه الجهة التي جاء منها المسافر ، كما لايخفى ، فلا فائدة في العود ؛ لأنّه كان قد رآها في مسيره . وفي المبسوط : «الطلب واجب قبل تضيّق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه» (8) . وهو الأشهر ، وعلّلوه بأنّه إذا وجب التحرّي واحتمل وجوده في الجهات ، فتخصيص بعضها على بعض ترجيح بلا مرجّح ، ولايبعد حمل قوله عليه السلام : «يمينا وشمالاً» على جميع الجهات كما في قوله عليه السلام : «فليذهب الحسن يمينا وشمالاً فلا يجد (9) العلم إلّا هاهنا» (10) .

.


1- .. النهاية ، ص 48 .
2- .. المبسوط ، ج 1 ، ص 31 .
3- .. الناصريّات ، ص 157 ؛ جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 25) .
4- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 43 .
5- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 236 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 249 .
6- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 147 ، مسألة 95 .
7- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 47 .
8- .. الكافي في الفقه ، ص 136 ، [باب] فرض التيمّم .
9- .. في جميع المصادر : «ما يوجد».
10- .. بصائر الدرجات ، ص 29 ، باب ما أمر الناس بأن يطلبوا العلم من معدنه ، ومعدنه آل محمّد ، ح 1 ؛ الكافي ، ف ج 1 ، باب النوادر من كتاب فضل العلم ، ح 15 ؛ وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 18-19 ، ح 33095 ؛ مستدرك الوسائل ، ج 17 ، ص 273 ، ح 21321 .

ص: 505

ثمّ إنّ الأكثر صرّحوا بوجوب الطلب مقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في السهلة ؛ لخبر السكوني عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ عليهم السلام ، أنّه قال : «يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة فغلوة (1) ، وإن كانت سهولة فغلوتين ، لايطلب أكثر من ذلك» (2) . وضعفه منجبر بعمل الأصحاب . فروع : الأوّل : تبطل الصلاة بالتيمّم في السعة مع الإخلال بالطلب إجماعا ولو قلنا بجواز التيمّم فيها ؛ لاشتراطه بالطلب كما عرفت . الثاني : الظاهر صحّة الصلاة بالتيمّم في آخر الوقت مع الإخلال بالطلب وإن أثم به ؛ لأنّه حينئذٍ مأمور بالصلاة به والطلب عنه ساقط ، فقد أتى بالمأمور به، فوجب أن يخرج عن العهدة ، وإليه ذهب العلّامة في القواعد (3) ، وفي المختلف عدّه أقرب (4) ؛ معلّلاً بما ذكر . وقال الشيخ والشهيد (5) بوجوب قضاء الصلاة عليه ؛ حيث أطلقوا عدم صحّة التيمّم والصلاة مع الإخلال به من غير تقييد بالسعة ، بل الظاهر أنّهم أرادوا بالتيمّم قبل الطلب في هذا المقام التيمّم الواقع في الضيق ، فإنّ الواقع في السعة باطل عندهم وإن وقع بعد الطلب على ما سبق . الثالث : قد أفتى الشيخ بعدم وجوب إعادة الصلاة بعد الطلب فيما إذا نسي الماء

.


1- .. في تهذيب الأحكام : «فغلوة سهم» . وفي جميع المصادر : «الحزونة» .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 202 ، ح 586 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 165 ، ح 571 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 341 ، ح 3815 .
3- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 276 .
4- .. مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 445 .
5- .. في الهامش : «ففي الخلاف [ج 1 ، ص 147 ، المسألة 95] : من تيمّم من غير طلب لم يصحّ تيمّمه . وفي المبسوط [ج 1 ، ص 31] : وإن تيمّم قبل الطلب لم يعتدّ بذلك التيمّم . وفي النهاية [ص 48] : فمتى لم يطلب الماء وتيمّم وصلّى وجب عليه إعادة الصلاة . وفي الدروس [ج 1 ، ص 131 ، الدرس 23] : لو وهب الماء أو أراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلّى أعاد ، والأولى بالإعادة ما لو وجد الماء في موضع الطلب . منه عفي عنه» .

ص: 506

في رحله فقال : فإن نسي الماء في رحله وقد طلبه فلم يجده لم يلزمه إعادة الصلاة ، والظاهر بناء علي ما سبق من مذهبه من اشتراط الضيق في صحّة التيمّم ، أنّ ذلك فيما إذا تيمّم وصلّى في آخر الوقت ، فلو تيمّم وصلّى في السعة يلزمه الإعادة ، وصرّح به في النهاية ، فقال : «فإن نسي الماء في رحله وقد تيمّم وصلّى ثمّ علم بعد ذلك والوقت باق ، وجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة» (1) . ومن قال بجوازه في السعة فالظاهر أنّه يقول بعدم وجوب الإعادة مطلقا ، وهو الظاهر . ويدلّ عليه خبر أبيبصير (2) ، وما دلّ على رفع حكم النسيان عن هذه الاُمّة . وجزم العلّامة في القواعد بوجوب الإعادة عليه وإن تيمّم وصلّى في الضيق (3) . ويردّه ما ذكر . قوله في حسنة حريز عن زرارة : (قلت : فيصلّي بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار كلّها) إلخ . [ ح 4/4105 ] الظاهر شمول صلاة الليل والنهار للنوافل والمفروضات ، ومثلها عموم ما سبق من قوله عليه السلام : «يا باذرّ ، يكفيك الصعيد عشر سنين» (4) . وما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : «لا بأس بأن يصلّي صلاة الليل والنهار بتيمّم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء» (5) .

.


1- .. النهاية ، ص 48 .
2- .. هو الحديث 10 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 212 ، ح 616 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 367 ، ح 3885 .
3- .. قواعد الأحكام ، ج 1 ، ص 236 . وأفتى بالإعادة مطلقا من غير تقييده بالضيق في : تذكرة الفقهاء ، ج 2 ، ص 220 ، المسألة 320 ؛ ونهاية الإحكام ، ج 1 ، ص 219 .
4- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 108 ، ح 222 مرسلاً ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 194 ، ح 561 ؛ وص 199 _ 200 ، ح 578 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 369 ، ح 3892 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 201 ، ح 582 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 163 ، ح 567 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 380 ، ح 3920 .

ص: 507

وصحيحة زرارة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام في رجل يتيمّم ، قال : «يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء» (1) . وما روى في المنتهى (2) عن الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال لأبيذرّ رضى الله عنه : «يا باذرّ ، الصعيد طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (3) . وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يحدث أو يجد الماء» (4) . وهو مذهب الأصحاب ، ومرويّ في المنتهى (5) عن ابن عبّاس (6) وسعيد بن المسيّب (7) والحسن (8) والزهري (9) والثوري (10) وداوود (11) [ و ] ابن المنذر (12) والمزني (13) وأصحاب الرأي (14) . وعن الشافعي أنّه قال : «لايجمع المتيمّم بين فريضتين ، ويصلّي الفرض والنافلة

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 200 ، ح 579 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 379 ، ح 3917 .
2- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 110 .
3- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 81 ، ح 124 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ج 1 ، ص 212 ، وفيه : «وضوء المسلم» .
4- .. المبسوط للسرخسي ، ج 1 ، ص 106 ؛ نصب الراية للزيلعي ، ج 1 ، ص 219 .
5- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 108 _ 109 .
6- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
7- .. المصادر المتقدّمة .
8- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
9- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
10- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير، ج1، ص268.
11- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 .
12- .. حكاه عنه العلاّمة في المنتهى ، ج 2 ، ص 203 .
13- .. المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 .
14- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 .

ص: 508

وصلاة الجنازة بتيمّم واحد» (1) . ونقلوه عن عليّ عليه السلام (2) وابن عبّاس (3) وعبداللّه بن عمر (4) وابن العاص والنخعي (5) وقتادة (6) وربيعة (7) والليث بن سعد (8) وإسحاق (9) . وعن مالك أنّه قال : «لايصلّى بتيمّم واحد صلاتي فرض ، ولايصلّى فرضا ونافلة إلّا أن يكون الفرض قبل النافلة» (10) . وقال شريك : «يتيمّم لكلّ صلاة» (11) . وعن أحمد أنّه قال : «يجمع بين فوائت ، ولايجمع بين حاضرتين» (12) . وبه قال أبوثور 13 . ويردّ أقوالهم ما ذكر . وقال _ طاب ثراه _ : ويستفاد منه _ يعني من الخبر المذكور _ اُمور :

.


1- .. المصادر المتقدّمة .
2- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المجموع للنووي ، ج 2 ، ص 494 .
3- .. التفسير الكبير ، ج 11 ، ص 174 ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 .
4- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
5- .. المصدرين المتقدّمين .
6- .. الإقناع ، ص 79 ؛ مغني المحتاج ، ج 1 ، ص 103 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
7- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 .
8- .. المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 .
9- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 ؛ المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 266 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 268 . وكان في الأصل : «الليث بن سعيد» فصوّبته .
10- .. الموطّأ ، ج 1 ، ص 54 ، ولم يذكر فيه الاستثناء ؛ أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 129 .
11- .. أحكام القرآن للجصّاص ، ج 2 ، ص 479 ؛ المحلّى ، ج 2 ، ص 128 .
12- .. التفسير الكبير ، ج 11 ، ص 174 .

ص: 509

الأوّل : جواز التيمّم لصلاة النافلة ، وأجمع عليه الأصحاب ، ومنعه بعض العامّة ؛ محتجّا بعدم الضرورة الداعية إليه ، بخلاف الفرض . [ الثاني ] : أنّه لو تيمّم للنفل جاز أن يصلّي به الفرض ، ولا خلاف فيه عندنا ، ومنعه بعض العامّة وقال : يصلّي به ما شاء من النوافل بشرط الاتّصال لا مع الانفصال ، وقيل : مع الانفصال أيضا . الثالث : أنّه لو تيمّم للفرض جاز أن يصلّي به فرضا آخر ، اتّصل أو انفصل ، خلافا لبعض العامّة مع الانفصال . الرابع : أنّ عدم صحّة التيمّم قبل دخول الوقت مختصّ بفعله ابتداء لا استمرارا ، خلافا لبعض العامّة . الخامس : أنّ وجوب طلب الماء لاينافي استمراره لو لم يجده ، خلافا لبعض العامّة . والحدث في قوله عليه السلام : «ما لم يحدث أو يصب ماء» شامل لكلّ ما ينقض الطهارة المائيّة ، والمراد بإصابة الماء القدرة على استعماله ، فنواقضه زائدة على نواقض المائيّة بهذه القدرة . وفي المنتهى : «ولانعرف فيه خلافا إلّا ما نقله الشيخ (1) عن أبيسلمة بن عبدالرحمان (2) ، فإنّه قال : لايبطل بها» (3) ، يعني بهذه القدرة ؛ لأنّه بدل ، فلايزيد حكمه على حكم مبدله» . وهو كماترى . وقوله عليه السلام : «فإنّ التيمّم أحد الطهورين» ظاهره كون التيمّم رافعا للحدث . ومثله ما رواه محمّد بن حمران وجميل ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ اللّه جعل

.


1- .. الخلاف ، ج 1 ، ص 140 ، المسألة 88 .
2- .. أبوسلمة بن عبدالرحمان بن عوف الزهري المدني ، قيل : اسمه كنيته . وقيل : اسمه عبداللّه . وقيل : إسماعيل . من فقهاء التابعين ، روى عن أبيه واُسامة بن زيد وأبيسعيد الخدري وابن عبّاس واُمّ سلمة وأبيهريرة وغيرهم ، وروى عنه ابنه عمر والشعبي وعروة بن الزبير وغيرهم ، مات سنة 94 ه ق . راجع : تهذيب الكمال ، ج 33 ، ص 370 _ 376 ، الرقم 7409 ؛ سير أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 287 _ 292 ، الرقم 108 .
3- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 143 ؛ نيل الأوطار ، ج 1 ، ص 336 ، باب بطلان التيمّم بوجدان الماء .

ص: 510

التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (1) . وما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال : «الصعيد الطيّب طهور المسلم» (2) . وعنه صلى الله عليه و آله أنّه قال : «اُعطيت ما لم يعط نبيّ من أنبياء اللّه : جعل لي التراب طهورا» (3) . وعن حذيفة ، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا» . ويؤيّدها قوله عليه السلام في صحيحة الحسين بن أبيالعلاء : «إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض» (4) . وقوله عليه السلام : «ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» في خبر ابن أبييعفور وعنبسة بن مصعب (5) . وهو ظاهر قوله تعالى : «وَلَ_كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ » (6) ، فيكون حكمه حكم الطهارة المائيّة في رفع الحدث ، إمّا إلى وقت القدرة على استعمال الماء ، أو مطلقا ، لكن يعود الحدث عند القدرة على الماء ، على أن يكون هي ناقضة له كالحدث ، ولا استبعاد في شيء منهما إذا كان بحكم الشارع ، وهو منقول عن السيّد المرتضى (7) . وباقي الأصحاب ، على أنّه لا يرفع الحدث ، وإنّما فائدته إباحة ما يشترط بالطهارة

.


1- .. المائدة (5) : 6 .
2- .. هو الحديث 3 من هذا الباب من الكافي ؛ الفقيه ، ج 1 ، ص 109 ، ح 224 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 404 ، ح 1264 بزيادة : «كما جعل الماء طهورا» ؛ وج 3 ، ص 167 ، ح 365 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 425 ، ح 1638 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 133 ، ح 322 ؛ وج 3 ، ص 385 ، ح 3934 ؛ وص 386 _ 387 ، ح 3941 .
3- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 81 ، ح 124 .
4- .. مسند أحمد ، ج 1 ، ص 98 و158 ؛ المصنّف لابن أبيشيبة ، ج 7 ،ص 411 ، كتاب الفضائل ، باب ما أعطى اللّه محمّدا ، ح 9 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 1 ، ص 213 _ 214 ، باب الدليل على أنّ الصعيد الطيّب هو التراب ؛ كنز العمّال ، ج 11 ، ص 411 ، ح 31928 .
5- .. هي الرواية 7 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 184 ، ح 527 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 344 _ 345 ، ح 3822 .
6- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 149 _ 150 ، ح 426 ؛ وص 185 ، ح 535 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 128 ، ح 435 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 177 ، ح 443 ؛ وج 3 ، ص 344 ، ح 3820 .
7- .. الناصريّات ، ص 159 _ 160 .

ص: 511

فقط ؛ لاستبعادهم ما ذكر ، واتّفق الفريقان على إباحة جميع مايشترط بالطهارة به ، وهو المشهور بين العامّة ، حكاه في المنتهى (1) عن عطاء ومكحول والزهري وربيعة ويحيى الأنصاري ومالك والشافعي والثوري وأصحاب الرأي ، وحكي عن أبيمخرمة 2 أنّه لا يتيمّم إلّا للصلاة المكتوبة ، وعن الأوزاعي أنّه ليس للمتيمّم مسّ المصحف (2) . قوله : (عن داوود الرقّي) . [ ح 6/4113 ] هو داوود بن كثير ، وقد قال [ ابن ] الغضائري : إنّه «كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لايلتفت إليه» (3) . وقال النجاشي : «إنّه ضعيف جدّا ، والغلاة تروي عنه» (4) . ونقل عن أحمد بن عبدالواحد أنّه قال : «قَلّ ما رأيت له حديثا سديدا» (5) . ووثّقه الشيخ في الفهرست (6) ، وتبعه المحقّق الاسترآبادي في رجاله ، وهو أظهر ؛ لما رواه الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام ، قال : «أنزلوا داوود الرقّي [ منّي ]بمنزلة المقداد من رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (7) .

.


1- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 147 .
2- .. المغني لابن قدامة ، ج 1 ، ص 273 ؛ الشرح الكبير ، ج 1 ، ص 271 ، حكيا جميع .
3- .. رجال ابن الغضائري ، ص 58 ، الرقم 46 . وعنه العلّامة الحلّي في خلاصة الأقوال ، ص 141 .
4- .. رجال النجاشي ، ص 156 ، الرقم 410 .
5- .. نفس المصدر .
6- .. الفهرست ، ص 125 ، الرقم 281 ، لكن لم يذكر فيه توثيق ، نعم وثّقه الشيخ في رجاله ، ص 336 ، الرقم 5003 .
7- .. الفقيه ، ج 4 ، ص 494 ؛ وسائل الشيعة ، ج 30 ، ص 50 ، ح 111 ، ومابين الحاصرتين منهما .

ص: 512

وعن أبيعبداللّه البرقي رفعه ، قال : نظر أبوعبداللّه عليه السلام إلى داوود الرقّي وقد ولّى فقال: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه السلام فلينظر إلى هذا» (1) . وقال في موضع آخر : «أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد رحمه الله» (2) . وما ذكره [ ابن ] الغضائري والنجاشي غير مستند إلى أصل ، وكأنّهما استندا بما رواه الكشّي رحمه اللهعن طاهر بن عيسى ، قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، عن الشجاعي ، عن الحسين بن يسار ، عن داوود الرقّي ، قال : قال لي داوود : أترى ما تقول الغلاة الطيّارة وما يذكرون عن شرطة الخميس عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، وما يحكي أصحابه عنه ؟ فذلك واللّه أكبر منه ، ولكن أمرني أن لا أذكره لأحد . قال : وقلت له : إنّي قد كبرت ودقّ عظمي ، اُحبّ أن يختم عمري بقتل فيكم . فقال : وما من هذا بدّ إن لم يكن في العاجلة يكون في الآجلة (3) . بناء على جعل ذلك إشارة إلى أبيعبداللّه عليه السلام ، فيفهم منه أنّه ذهب مذهب الخطّابيّة (4) ، وهو غير صريح فيه ، مع ضعفه ؛ لا لاشتراك جعفر بن أحمد ، فإنّه أبوسعيد جعفر بن أحمد بن أيّوب السمرقندي ؛ إذ هو الذي يروي عنه طاهر بن عيسى كما يظهر من رجال الكشّي في ترجمة جارية بن قدامة السعدي ، وقد صرّح النجاشي والعلّامة في الخلاصة بأنّه كان صحيح المذهب ، بل لعدم توثيق لطاهر بن عيسى ، ولجهالة الشجاعي وهو عليّ بن شجاع ، أو عليّ بن محمّد بن شجاع النيسابوري ، فتأمّل .

.


1- .. نفس المصدر .
2- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 704 _ 705 ، الرقم 751 .
3- .. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 ، ص 708 ، الرقم 766 .
4- .. الخطّابيّة : فرقة منسوبة إلى أبيالخطّاب محمّد بن أبيزينب الأسدي الذي ادّعى النبوّة ثمّ الرسالة ، ثمّ ادّعى أنّه من الملائكة وأنّه رسول إلى أهل الأرض ، وهو الذي عزا نفسه إلى الإمام الصادق عليه السلام ، فلمّا وقف الإمام عليه السلام على غلوّه في حقّه تبرّأ منه ولعنه . والخطّابيّة يستحلفون الكذب لإثبات الحقّ لهم على خصومهم من أهل الفرق ، ولذلك لاتقبل شهادتهم . راجع : مجمع البحرين ، ج 1 ، ص 663 (خطب) ؛ معجم لغة الفقهاء ، ص 197 ؛ فرق الشيعة ، ص 42 ؛ الملل والنحل ، ج 1 ، ص 179 .

ص: 513

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطشوجوب التيمّم حينئذٍ مجمع عليه ، ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف ، ما رواه الشيخ في الموثّق عن سماعة ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته ؟ قال : «يتيمّم بالصعيد ويستبقي الماء ؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ جعلهما طهورا : الماء والصعيد» (1) . وعن الحلبي ، قال : قلت لأبيعبداللّه عليه السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمّم ؟ فقال : «بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء» (2) . ومثله ما لو وجد عطشان يخاف تلفه ؛ لتقدّم حرمة الآدمي على الطهارة المائيّة ، بل يجب حفظه وإن أدّى إلى فوات الصلاة ، خلافا لبعض العامّة ، وكذا لو خاف تلف حيوان له أو لغيره ، لكن له الرجوع على مالكه لو لم يتبرّع به . قوله : (عن محمّد بن حمران) . [ ح 3/4120 ] هو محمّد بن حمران بن أعين مولى بني شيبان ؛ فإنّه هو الذي يروي عنه ابن أبيعمير ، وهو مجهول الحال (3) ، ويدلّ الخبر على جواز إمامة المتيمّم للمتوضّئ ، ويأتي القول فيه في محلّه إن شاء اللّه تعالى . قوله في حسنة عبداللّه بن المغيرة : (إن كانت الأرض مبتلّة...) [ ح 4/4121 ] يدلّ على تقدّم التراب على الغبار ، ومثله صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟ قال : «يتيمّم

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1274 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 388 ، ح 3946 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 406 ، ح 1275 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 388 ، ح 3945 .
3- .. اُنظر : معجم رجال الحديث ، ج 16 ، ص 41 ، الرقم 10639 .

ص: 514

باب الرجل تصيبه الجنابة فلايجد إلّا الثلج أو الماء الجامد

من لبد سرجه أو بعرف دابّته ؛ فإنّ فيها غبارا ، ويصلّي» (1) . ويؤيّدهما قوله تعالى : «صَعِيدًا طَيِّبًا » (2) ؛ فإنّ الصعيد هو الساكن الثابت من وجه الأرض ، وهو المشهور بين الأصحاب ، بل لم ينقل فيه خلاف صريح ، نعم أطلق السيّد المرتضى القول بجواز التيمّم بالغبار من غير تقييد بتعذّر التراب (3) ، وهو محكيّ عن أبيحنيفة (4) . اللهمّ إلّا أن يفرّق بين الغبار الثابت من وجه الأرض وغبار لبد السرج ونحوه . ويقال : إنّ مراد السيّد الأوّل ، وحينئذٍ لاريب في إجزائه مع التراب ، بل ربّما فسّر الصعيد به كما مرّ .

باب الرجل تصيبه الجنابة فلايجد إلّا الثلج أو الماء الجامدأجمع الأصحاب على أنّه إذا لم يجد الماء ووجد الثلج أو البرد مع التراب ، تقدّم الطهارة المائيّة على التراب بدَلك الثلج والبرد على الجسد بحيث يحصل مسمّى الجريان ما لم يتضرّر به ، ويدلّ عليه خبر معاوية بن شريح ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لايكون معه ماء ويصيب ثلجا وصعيدا : أيّهما أفضل ؟ أيتيمّم أو يمسح بالثلج وجهه ؟ قال : «الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم» (5) . وعموم خبره الآخر ، قال : سأل رجل أباعبداللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال : يصيبنا الدَّمَق (6)

.


1- .. الفقيه ، ج 1 ، ص 446 ، ح 1345 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، ح 544 ؛ وج 3 ، ص 173 ، ح 383 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 175 ، ح 541 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 353 ، ح 3846 ؛ وج 8 ، ص 441 ، ح 11113 .
2- .. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
3- .. جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى ، ج 3 ، ص 26) . وحكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج 1 ، ص 421 .
4- .. بدائع الصنائع ، ج 1 ، ص 54 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 ، ح 554 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 _ 159 ، ح 547 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 357 ، ح 3859 .
6- .. الدَّمَق : ثَلج وريح تأتي من كلّ أَوب تكاد تقتل الإنسان . كتاب العين ، ج 5 ، ص 124 (دمق) .

ص: 515

والثلج ونريد أن نتوضّأ ولانجد إلّا ماءا جامدا ، فكيف أتوضّأ؟ أدلك به جلدي ؟ قال : «نعم» (1) . وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر لايجد إلّا الثلج ؟ قال : «يغتسل بالثلج أو ماء النهر؟» (2) . على أن يكون الحصر الذي في كلام السائل فيهما إضافيّا بالنسبة إلى الماء الغير الجامد . ويؤيّد ذلك ما سبق من إجزاء مثل الدهن في الطهارة المائيّة اختيارا . فأمّا ما رواه المصنّف في الحسن والصحيح عن محمّد بن مسلم من قوله عليه السلام : «هو بمنزلة الضرورة ، يتيمّم» (3) . وما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «إن كان في الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شيء منه» (4) . وعن رفاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شيء مغبرّ» (5) . فمحمولان على ما إذا لم يمكن جعل الثلج ماءا ، أو أمكن ولكن تضرّر به ، وكذلك إذا لم يجد التراب أيضا يتطهّر بالثلج كما ذكر إن أمكن ؛ لما ذكر ، لكن إن خاف على

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 191 ، ح 552 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 157 ، ح 543 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 357 ، ح 3858 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 191 ، ح 550 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 157 ، ح 542 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 356 ، ح 3852 .
3- .. هو الحديث 1 من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 191 _ 192 ، ح 553 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 ، ح 544 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 355 ، ح 3854 .
4- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، ح 545 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 353 ، ح 3847 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 546 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 156 ، ح 539 ؛ وص 158 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3849 .

ص: 516

نفسه من ذلك أخّر الصلاة إلى آخر الوقت . ولو لم يجد ماءا ولا ترابا في الوقت فهو كفاقد الطهورين ، فقد قال المفيد في المقنعة : «إنّه لايصلّي ويقضيها إذا وجد أحدهما إن شاء اللّه تعالى » (1) . وذهب إليه ابن إدريس أيضا (2) ؛ مستندا بأنّ الواجب إنّما هو في الوضوء والغسل الغَسل المستلزم لأقلّ الجريان ، وفي التيمّم الضرب على الأرض ، ومسح الثلج ليس وضوءا ولا غسلاً ولا تيمّما (3) ، وهو ظاهر الشيخ والعلّامة كما ستعرف . وما ذكراه من سقوط الصلاة أداءا فيما تعذّر الدلك المذكور ، هو محلّ خلاف ، فقد حكي عن السيّد المرتضى أنّه يتيمّم حينئذٍ بالثلج كما يتيمّم بالتراب ، وأنّه قال : «يضرب بيديه على الثلج ويتيمّم بنداوته» (4) ؛ محتجّا بخبر محمّد بن مسلم الذي رواه المصنّف ، حملاً للتيمّم فيه على التيمّم بالثلج ، والداعي له على ذلك الحصر المذكور في قول السائل ؛ إذ يفهم منه فقدان التراب أيضا . ولايبعد أن يقال : المراد منه التيمّم بالتراب على أن يكون الحصر فيه إضافيّا ، كما مرّت الإشارة إليه ، وقد حمل على ذلك في التهذيب (5) ، واحتمله العلّامة في المنتهى (6) .

.


1- .. في الهامش : «قال في المقنعة [ ص 59 _ 60 ] : يضع بطن راحته اليمنى على الثلج ويحرّكه عليه باعتماد ، ثمّ يرفعها بما فيها من نداوة يمسح بها وجهه ، ثمّ يضع راحته اليسرى على الثلج ويصنع بها كما صنع باليمنى ، ويمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع كالدهن ، ثمّ يضع يده اليمنى على الثلج كما وضعها أوّلاً ، ويمسح بها يده اليسرى من مرفقه إلى أطراف الأصابع ، ثمّ يرفعها فيمسح بها مقدّم رأسه ، ويمسح ببلّ يديه من الثلج قدميه ويصلّي إن شاء اللّه . وإن كان محتاجا إلى التطهّر بالغسل صنع بالثلج كما صنع به عند وضوئه من الاعتماد ، ومسح رأسه ووجهه ويديه كالدهن حتّى يأتي على جميعه ، فإن خاف على نفسه من ذلك أخّرالصلاة حتّى يتمكّن من الطهارة بالماء ، أو يفقده ويجد التراب فيستعمله ، ويقضي ما فاته إن شاء اللّه تعالى . هذا كلامه أعلى اللّه مقامه . منه » .
2- .. السرائر ، ج 1 ، ص 138 .
3- .. في الهامش : «أي كونه كفاقد الطهورين . منه» .
4- .. حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 71 ؛ والشهيد في الدروس ، ج 1 ، ص 130 ، درس 23 .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 192 ، ذيل ح 553 .
6- .. منتهى المطلب ، ج 3 ، ص 73 .

ص: 517

باب التيمّم بالطين

واحتمل أيضا أن يتجوّز بالتيمّم بالثلج عن المسح به بحيث يحصل به أقلّ الجريان ، فيرجع إلى خبر معاوية بن شريح ونظائره (1) .

باب التيمّم بالطينيعني مع فقد التراب والغبار ، وهو في الجملة مشهور بين أهل العلم ، ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ، حسنة عبداللّه بن المغيرة ، في باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر (2) ، وما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة ، عن أبيجعفر عليه السلام ، قال : «إن كان الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمّم من غباره أو من شيء منه ، وإن كان في حال لايقدر إلّا على الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (3) . وفي الصحيح عن رفاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه ، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّ وجلّ» . قال : «فإن كان في ثلج فلينظر في (4) لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شيء مغبرّ ، وإن كان في موضع لايجد إلّا الطين فلا بأس أن يتيمّم منه» (5) . وعن عليّ بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الرجل لايصيب الماء ولا التراب : أيتيمّم بالطين ؟ فقال : «نعم ؛ صعيد طيّب وماء طهور» (6) .

.


1- .. في الهامش : «والاحتياط أن يتيمّم بالثلج في آخر الوقت ويصلّي به ، ويقضيها عند وجدان أحد الطهورين . منه» .
2- .. هو الحديث 4 من ذاك الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 356 ، ح 3855 . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 546 ؛ والاستبصار ، ج 1 ، ص 156 ، ح 539 ؛ وص 158 ، ح 546 ، وفيهما : عبداللّه بن المغيرة ، عن رفاعة ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3849 .
3- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 ، ح 545 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 158 ، ح 545 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 353 ، ح 3847 .
4- .. في المصدر: - «في» .
5- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 189 _ 190 ، ح 546 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 156 ، ح 539 ؛ وص 158 ، ح 546 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3849 .
6- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 190 ، ح 549 ؛ وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 354 ، ح 3851 .

ص: 518

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة

وظاهر هذه الروايات عدم اشتراط تجفيفه ومسح الأعضاء بترابه مطلقا ، بل قوله عليه السلام : «صعيد طيّب وماء طهور» صريح في ذلك . وصرّح بعض الأصحاب باشتراطه مع الإمكان والاتّساع ، وروي عن ابن عبّاس أنّه قال : «يأخذ الطين فيطلي به جسده ، فإذا جفّ تيمّم» (1) ، وهو أحوط . وعن أبيحنيفة والشافعي : أنّه إذا لم يتمكّن من تجفيفه لم يصلّ» . وعن أبييوسف : أنّه حينئذٍ يتيمّم بالوحل ويصلّي ثمّ يعيد . قوله : (وفي رواية اُخرى : صعيد طيّب وماء طهور) . [ ح 1/4125 ] إشارة إلى ما رويناه عن عليّ بن مطر .

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابةقد سبق ما يتعلّق بهذاالباب في باب الجبائر . قوله في خبر جعفر بن إبراهيم : (فكزّ فمات) إلخ . [ ح 4/4129 ] الكُزاز _ بالضمّ _ : داء يأخذ من شدّة البرد ، وقد كُزّ الرجل فهو مكزوز : إذا انقبض من البرد (2) . والعِيّ _ بكسر العين وتشديد الياء _ : التحيّر في الكلام ، والمراد هنا الجهل المستلزم له (3) .

.


1- .. المغنى لابن قدامة ، ج 1 ، ص 251 ؛ الشرح الكبير لعبدالرحمان بن قدامة ، ج 1 ، ص 257 ؛ الاستذكار ، ج 1 ، ص 310 ؛ التمهيد ، ج 19 ، ص 291 ، تفسير القرطبي ، ج 5 ،ل ص 238 .
2- .. اُنظر: كتاب العين ، ج 5 ، ص 272 و 273 ؛ مجمع البحرين ، ج 4 ، ص 39 (كزز) .
3- .. اُنظر: مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 289 (عيي) .

ص: 519

باب النوادر

باب النوادراصطلح المتقدّمون على رسم أبواب النوادر في كتبهم ، وللندرة عندهم معنيان : أحدهما عدم وجود الخبر في الاُصول الأربعمائة التي كان اعتمادهم عليها ، وهو المساوق للضعيف عندهم . وثانيهما _ وهو المراد هنا _ ذكر أخبار متفرّقة متعلّقة بالأبواب المتفرّقة السابقة . قوله في خبر الحسن بن عليّ الوشّاء : (توجر أنت واُوزَرُ أنا) . [ ح 1/4131 ] قال _ طاب ثراه _ : دلّ على حرمة الاستعانة بصبّ الماء على يد المتوضّي ، وبه قال بعض العامّة ؛ لأنّه من الشركة في عمل الوضوء ، وأجازه أكثرهم ؛ لأنّه قد وقع ذلك في وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله في رواياتهم (1) ، وبه احتجّ البخاري على جواز توضية الرجل غيره وقال : «لأنّه إذا صحّ أن يكفيه صبّ الماء صحّ أن يكفيه عمل الوضوء ؛ ولأنّه من القربات التي يعملها الرجل عن غيره» (2) ، ولإجماعهم على توضية المريض وتتميمه بخلاف الصلاة . وفي الكلّ نظر ، أمّا الأوّل ؛ فلأنّه قياس مع الفارق ؛ لأنّ صبّ الماء يقرب أن يكون من مقدّمات الوضوء كإحضار الماء والدلاء والرشاء وأمثال ذلك . وأمّا الثاني ؛ فلأنّه مصادرة ؛ لأنّ كون الوضوء من تلك القربات أوّل البحث . وأمّا الثالث ؛ فلأنّ التجويز لضرورة لايوجب التجويز بلاضرورة . قوله في خبر إبراهيم بن محمّد بن حمران : (من توضّأ فتمندل كانت له حسنة) إلخ . [ ح 4/4134 ] احتجّ به الأصحاب على كراهيّة مسح أعضاء الوضوء وتجفيفها بالمنديل ، وأمّا

.


1- .. صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 176 كتاب الحجّ ، باب الوقوف بعرفة ؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 69 _ 70 ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج 5 ، ص 119 ، كتاب الحجّ ، باب من استحبّ سلوك طريق المأزمين . . . ؛ مسند أبييعلى ، ج 12 ، ص 89 ، ح 6722 ؛ كنز العمّال ، ج 5 ، ص 196 ، ح 12593 .
2- .. عمدة القاري ، ج 3 ، ص 60 .

ص: 520

الغسل ، فقد قال _ طاب ثراه _ : لم يرد مثل ذلك فيه عندنا وورد عند العامّة ، وقد اختلفوا فيه ، فذهب أكثرهم _ ومنهم الشافعي _ إلى الكراهة فيه أيضا لذلك ، وربّما علّلوها بأنّ الغسل عبادة تكره إزالة أثرها كدم الشهيد ، وبأنّ الرطوبة توزن (1) . واُورد عليه بأنّ قياسه على دم الشهيد _ لو تمّ _ لاقتضى تحريمه ، وهم غير قائلين به . وبأنّ الوزن إنّما هو في الآخرة ، ولابدّ من مفارقته الجسد ، على أنّه لو تمّ لدلّ على كراهة مطلق الإزالة ، سواء كانت باليد أو بالنار أو بغيرهما ، والتزامه بدعة . قوله في خبر سماعة بن مهران : (من توضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر) . [ ح 5/4135 ] الظاهر «في يومه» بدلاً عن قوله : «في ليلته» كما في خبر سماعة الآتي ، والأظهر سقوط شيء من البين على ما في بعض النسخ : «من توضّأ للمغرب كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلّا الكبائر ، ومن توضّأ للصبح كان ذلك كفّارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر» (2) . ومثله في ثواب الأعمال أيضا (3) . قوله في خبر عبدالرحمان بن كثير : (قال : بينا أميرالمؤمنين عليه السلام قاعد) . [ ح6/4136 ] قال [ والدي ] _ طاب ثراه _ : قيل : بينا وبينما ظرفان مضافان إلى الجملة الاسميّة أو الفعليّة ، وخفض المفرد بهما قليل ، وهما في الأصل «بين» التي هي ظرف مكان ، فربّما اُشبعت فيه الحركة [ فصارت بينا ] ، وقد تزاد عليهما «ما» (4) ، ولما فيهما من معنى الشرط يفتقران إلى جواب [ يتمّ

.


1- .. سنن الترمذي ، ج 1 ، ص 38 ، ذيل ح 54 .
2- .. هو الحديث 9 من هذا الباب من الكافي ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 376 ، ح 991 .
3- .. ثواب الأعمال ، ص 17 ، ثواب الوضوء لصلاة المغرب والغداة ، وفيه : «في نهاره ما خلا الكبائر» . ومثله في الفقيه ، ج 1 ، ص 50 ، ح 103 ، وفي آخره أيضا : «ما خلا الكبائر» .
4- .. في المصدر بدل «وقد تزاد عليهما ما» : «فزيدت الميم فصارت بينما» .

ص: 521

به المعنى ] ، والأفصح في جوابهما عند الأصمعي أن تصحبه «إذ» و«إذا» الفجائيّتان ، و[ الأفصح ]عند غيره أن يجرّد عنهما (1) . قوله في خبر السكوني : (الوضوء شطر الإيمان) . [ ح 8/4138 ] قال _ طاب ثراه _ : شطر الشيء نصفه (2) ، فقيل : للإيمان شطران : تطهير النفس من الرذائل ، وتطهير البدن من الخبائث . وقيل : كونه شطرا منه يحتمل أن يكون باعتبار الثواب ، أي الأجر في الوضوء نصف ثواب الإيمان ، يعني إيمانا ليس فيه وضوء ، كأحد التأويلات في أنّ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » يعدل ثلث القرآن (3) . ويحتمل أنّه لمّا لم يستقلّ الوضوء بتكفير الخطايا كاستقلال الإيمان بذلك صار كالشطر منه . وقيل : يعني بالإيمان هنا العمل ؛ لأنّه قد يطلق عليه ، وهو منحصر فيما ينبغي التنزّه عنه وما يطلب التلبّس به . وقيل : المراد به الصلاة ؛ من قوله تعالى : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَ_نَكُمْ » (4) أي صلاتكم ، وهي تتوقّف على الوضوء ومشروطة به ، فاُطلق الشطر عليه مجازا . وقيل : المحوج إلى هذه التأويلات اعتقاد أنّ التجزية حقيقيّة ، ويحتمل أن تكون كناية عن كثرة الثواب .

.


1- .. شرح اُصول الكافي ، ج 7 ، ص 173 ، وما بين المعقوفات منه .
2- .. صحاح اللغة ، ج 2 ، ص 697 (شطر) .
3- .. اُنظر الحديث في : مسند أحمد ، ج 2 ، ص 173و429 ؛ وج 3 ، ص 8 و35 و43 ؛ وج 4 ، ص 122 ، وج 5 ، ص 195 و418 و419 ؛ وج 6 ، ص 404 و442 و443 و447 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 556 ، ح 811 ؛ وص 577 ، ح 812 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 6 ، ص 174 ، ح 1052 ؛ وص 176 _ 177 ، ح 10573 ؛ فضائل القرآن لابن ضريس ، ح 253 ؛ فضائل القرآن لأبيعبيد ، ص 268 _ 269 ؛ حلية الأولياء ، ج 7 ، ص 168 ؛ مجمع البيان ، ح 10 ، ص 479 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 3 ، ص 66 ، ح 2126 ؛ وج 6 ، ص ص 172 ، ح 5355 ؛ وص 471 ، ح 5996 ؛ المعجم الكبير له أيضا ، ج 2 ، ص 309 ، ح 13493 ؛ وج 17 ، ص 254 _ 255 ، ح 706 و707 ؛ المعجم الصغير له أيضا ، ج 2 ، ص 37 ؛ مسند الشاميّين ، ج 4 ، ص 67 _ 68 ، ح 2749 ؛ موضح أوهام الجمع والتفريق ، ج 2 ، ص 299 ؛ سنن الدارمي ، ج 2 ، ص 459 _ 461 .
4- .. البقرة (2) : 143 .

ص: 522

قوله في خبر سماعة : (توضّأ) إلخ . [ ح 9/4139 ] ظاهره استحباب تجديد الوضوء للمغرب والفجر مطلقا ، وظاهر الخبر الآتي استحبابه كذلك للصلوات الخمس، فهما حجّتان على من خصّه بما لو صلّى بالأوّل ، أو فعل به مشروطا بالطهارة ، أو بما وقع لغير هذه الصلاة . قوله في خبر سهل : (فليأخذ كفّا من ماء فليمسح به قفاه) . [ ح 11/4141 ] يدلّ على استحباب مسح القفا بماء جديد بعد الفراغ من الوضوء ، ويؤيّده خبر العكنة المتقدّم (1) ، ولم يتعرّض له الأصحاب في فتاويهم لانفيا ولا إثباتا ، ولايبعد القول به وإن كان الخبر ضعيفا ؛ للمساهلة في أدلّة الاستحباب . ولايمكن الحمل على التقيّة ؛ لأنّ العامّة إنّما يمسحون القفا في مسح الرأس بنداوة مائه لا بعد الفراغ من الوضوء بماء جديد . قوله في مرفوعة أبي حمزة : (إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام) إلخ . [ ح 14/4144 ] يدلّ على وجوب التيمّم للمحتلم في أحد المسجدين ، وهو معاضد بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبيحمزة ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله فاحتلم فأصابته جنابة ، فليتيمّم ولايمرّ في المسجد إلّا متيمّما» (2) . وهو المشهور بين الأصحاب ، وعن ابن حمزة استحبابه (3) . ويدلّ أيضا على وجوبه لمن تحيض فيهما أيضا ، وسكت عنه الأكثر ، وبه قال بعض .

.


1- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 62 ، ح 169 ؛ الاستبصار ، ج 1 ، ص 64 ، ح 188 ؛ وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 405 ، ح 1052 .
2- .. تهذيب الأحكام ، ج 1 ، ص 407 ، ح 1280 ؛ وسائل الشيعة ، ج 2 ، ص 206 ، ح 1936 .
3- .. الوسيلة ، ص 70 ، فصل في بيان التيمّم .

ص: 523

وقال المحقّق في المعتبر باستحبابه (1) ، وكأنّه حمل الخبر عليه ؛ لضعفه ، ولايبعد نفيه أيضا ؛ لعموم ما يفيد تحريم لبثها فيهما ، واستلزام التيمّم له . والخبر لضعفه غير قابل لتخصيصه ، ولوضوح الفارق بينها وبين الخبث (2) . وأمّا المجنب عمدا ، فلايجوز له التيمّم فيهما ؛ لاستلزامه اللبث المنهيّ عنه ، وانتفاء ما يجوّزه فيه . وأمّا الغُسل ، فالأظهر والأشهر عدم جوازه له وإن فرض إمكانه بحيث لايتنجّس المسجد ، ويكون زمانه أقلّ من التيمّم ؛ لما ذكر . وربّما قيل بوجوب الغسل حينئذٍ ؛ للجمع بين الخبرين وبين ما دلّ على اشتراط التيمّم بتعذّر الغسل (3) . وردّ بمنع ذلك الاشتراط في مطلق التيمّم ؛ مستندا بجوازه مع وجود الماء لصلاة الجنازة وللنوم ، فتدبّر .

.


1- .. المعتبر ، ج 1 ، ص 222 _ 223 ، أحكام الحيض .
2- .. في الهامش : «لأنّ حدث الخبث قابل للزوال في نفسه بخلاف الحائض . منه» .
3- .. اُنظر : الذكرى ، ج 1 ، ص 207 ؛ روض الجنان ، ج 1 ، ص 65 ، التيمّم الواجب ؛ مدارك الأحكام ، ج 1 ، ص 21 ، التيمّم الواجب ؛ الحدائق الناضرة ، ج 4 ، ص 403 ؛ جواهر الكلام ، ج 3 ، ص 63 _ 64 .

ص: 524

. .

ص: 525

فهرس المطالب .

ص: 526

. .

ص: 527

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.