الهدایا لشیعه ائمه الهدی : شرح اصول کافی المجلد 4

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الهدایا لشیعه ائمه الهدی : شرح اصول کافی/شرف الدین محمدمجذوب التبریزی ؛ تحقیق محمدحسین الدرایتی، غلام حسین القیصریه ها

مشخصات نشر : قم: دارالحدیث، 1389.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : (مرکز بحوث دارالحدیث؛186)

(مجموعه آثار الموتمر الدولی لذکری الشیخ ثقه الاسلام الکلینی؛11)

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ دوم- ج.1

شماره کتابشناسی ملی : 2764459

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

تتمّة كتاب الحجّة

اشاره

تتمّة كتاب الحجّة

.

ص: 6

. .

ص: 7

باب ما يفصل به بين دعوى المحق و المبطل في أمر الإمامة

الباب الحادي والثمانون : بَابُ مَا يُفْصَلُ بِهِ بَيْنَ دَعْوَى الْمُحِقِّ وَ الْمُبْطِلِ فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِوأحاديثه كما في الكافي تسعة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَنْ السرّاد،(1) عَنْ سَلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ؛ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلٍ؛ والقُمِّي (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ جَمِيعاً ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ(3) ، عَنْ سَلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : وَ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ - عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَعَثَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ رَجُلاً مِنْ عَبْدِالْقَيْسِ - يُقَالُ لَهُ: خِدَاشٌ - إِلى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ قَالَا لَهُ : إِنَّا نَبْعَثُكَ إِلى رَجُلٍ طَالَ مَا كُنَّا نَعْرِفُهُ وَ أَهْلَ بَيْتِهِ بِالسِّحْرِ وَ الْكِهَانَةِ ، وَ أَنْتَ أَوْثَقُ مَنْ بِحَضْرَتِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مِنْ أَنْ تُمْنَعَ (4) مِنْ ذلِكَ ، وَ أَنْ تُحَاجَّهُ لَنَا حَتّى تَفْقَهَ (5) عَلى أَمْرٍ مَعْلُومٍ ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ دَعْوًى ، فَلَا يَكْسِرَنَّكَ ذلِكَ عَنْهُ ؛ وَ مِنَ الْأَبْوَابِ الَّتِي يَخْدَعُ النَّاسَ بِهَا الطَّعَامُ وَ الشَّرَابُ وَ الْعَسَلُ وَ الدُّهْنُ ، وَ أَنْ يُخَالِيَ الرَّجُلَ ؛ فَلَا تَأْكُلْ لَهُ طَعَاماً ، وَ لَا تَشْرَبْ لَهُ شَرَاباً ، وَ لَا تَمَسَّ لَهُ عَسَلاً وَ لَا دُهْناً ، وَ لَا تَخْلُ مَعَهُ ، وَ احْذَرْ هذَا كُلَّهُ مِنْهُ ، وَ انْطَلِقْ عَلى بَرَكَةِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتَهُ ، فَاقْرَأْ آيَةَ السُّخْرَةِ ، وَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سلام بن عبد اللَّه».
2- .في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد؛ وأبي عليّ الأشعري» بدل «سهل؛ و القمّي».
3- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن أسباط» بدل «ابن أسباط».
4- .في الكافي المطبوع: «تمتنع».
5- .في الكافي المطبوع: «تقفه».

ص: 8

كَيْدِهِ وَ كَيْدِ الشَّيْطَانِ ، فَإِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ ، فَلَا تُمَكِّنْهُ مِنْ بَصَرِكَ كُلِّهِ ، وَ لَا تَسْتَأْنِسْ بِهِ .ثُمَّ قُلْ لَهُ : إِنَّ أَخَوَيْكَ فِي الدِّينِ ، وَ ابْنَيْ عَمِّكَ فِي الْقَرَابَةِ يُنَاشِدَانِكَ الْقَطِيعَةَ ، وَ يَقُولَانِ لَكَ : أَ مَا تَعْلَمُ أَنَّا تَرَكْنَا النَّاسَ لَكَ ، وَ خَالَفْنَا عَشَائِرَنَا فِيكَ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا نِلْتَ أَدْنى مَنَالٍ ، ضَيَّعْتَ حُرْمَتَنَا ، وَ قَطَعْتَ رَجَاءَنَا ، ثُمَّ قَدْ رَأَيْتَ أَفْعَالَنَا فِيكَ ، وَ قُدْرَتَنَا عَلَى النَّأْيِ عَنْكَ ، وَ سَعَةِ الْبِلَادِ دُونَكَ ، وَ أَنَّ مَنْ كَانَ يَصْرِفُكَ عَنَّا وَ عَنْ صِلَتِنَا ، كَانَ أَقَلَّ لَكَ نَفْعاً ، وَ أَضْعَفَ عَنْكَ دَفْعاً مِنَّا ، وَ قَدْ وَضَحَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ ، وَ قَدْ بَلَغَنَا عَنْكَ انْتِهَاكٌ لَنَا ، وَ دُعَاءٌ عَلَيْنَا ، فَمَا الَّذِي يَحْمِلُكَ عَلى ذلِكَ ؟ فَقَدْ كُنَّا نَرى أَنَّكَ أَشْجَعُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ ، أَ تَتَّخِذُ اللَّعْنَ لَنَا دِيناً ، وَ تَرى أَنَّ ذلِكَ يَكْسِرُنَا عَنْكَ ؟فَلَمَّا أَتى خِدَاشٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، صَنَعَ مَا أَمَرَاهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ عليه السلام وَ هُوَ يُنَاجِي نَفْسَهُ - ضَحِكَ وَ قَالَ : «هَاهُنَا يَا أَخَا عَبْدِ قَيْسٍ» وَأَشَارَ لَهُ إِلى مَجْلِسٍ قَرِيبٍ مِنْهُ؛ فَقَالَ : مَا أَوْسَعَ الْمَكَانَ! أُرِيدُ أَنْ أُؤَدِّيَ إِلَيْكَ رِسَالَةً ، قَالَ : «بَلْ تَطْعَمُ وَ تَشْرَبُ وَ تَحُلُّ ثِيَابَكَ وَ تَدَّهِنُ ، ثُمَّ تُؤَدِّي رِسَالَتَكَ ، قُمْ يَا قَنْبَرُ ، فَأَنْزِلْهُ » .قَالَ : مَا بِي إِلى شَيْ ءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ حَاجَةٌ ، قَالَ : «فَأَخْلُو بِكَ؟» قَالَ : كُلُّ سِرٍّ لِي عَلَانِيَةٌ ، قَالَ : «فَأَنْشُدُكَ» بِاللَّهِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ، الْحَائِلِ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ قَلْبِكَ ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ، أَ تَقَدَّمَ إِلَيْكَ الزُّبَيْرُ بِمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ؟» قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : «لَوْ كَتَمْتَ بَعْدَ مَا سَأَلْتُكَ ، مَا ارْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ؛ فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ ، هَلْ عَلَّمَكَ كَلَاماً تَقُولُهُ إِذَا أَتَيْتَنِي ؟» قَالَ : نَعَمْ اللَّهُمَ (1) ، قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «آيَةَ السُّخْرَةِ» ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَاقْرَأْهَا» ، فَقَرَأَهَا ، وَ جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام يُكَرِّرُهَا ، وَ يُرَدِّدُهَا ، وَ يَفْتَحُ عَلَيْهِ إِذَا أَخْطَأَ ، حَتّى إِذَا قَرَأَهَا سَبْعِينَ مَرَّةً ، قَالَ الرَّجُلُ : مَا يَرى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرَهُ بِتَرَدُّدِهَا(2) سَبْعِينَ مَرَّةً ؟ قَالَ (3) لَهُ : «أَ تَجِدُ قَلْبَكَ اطْمَأَنَّ ؟» قَالَ : إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ .

.


1- .في الكافي المطبوع: «اللّهمّ نَعّم»
2- .في «الف»: «بترديدها».
3- .في الكافي المطبوع: + «ثمّ قال».

ص: 9

قَالَ : «فَمَا قَالَا لَكَ ؟» فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ : «قُلْ لَهُمَا : كَفى بِمَنْطِقِكُمَا حُجَّةً عَلَيْكُمَا ، وَ لكِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، زَعَمْتُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ ، وَ ابْنَا عَمِّي فِي النَّسَبِ ؛ فَأَمَّا النَّسَبُ ، فَلَا أُنْكِرُهُ ، وَ إِنْ كَانَ النَّسَبُ مَقْطُوعاً إِلَّا مَا وَصَلَهُ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ .وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا : إِنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ ، فَإِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ ، فَقَدْ فَارَقْتُمَا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ عَصَيْتُمَا أَمْرَهُ بِأَفْعَالِكُمَا فِي أَخِيكُمَا فِي الدِّينِ ، وَ إِلَّا فَقَدْ كَذَبْتُمَا وَ افْتَرَيْتُمَا بِادِّعَائِكُمَا أَنَّكُمَا أَخَوَايَ فِي الدِّينِ .وَ أَمَّا مُفَارَقَتُكُمَا النَّاسَ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِنْ كُنْتُمَا فَارَقْتُمَاهُمْ بِحَقٍّ ، فَقَدْ نَقَضْتُمَا ذلِكَ الْحَقَّ بِفِرَاقِكُمَا إِيَّايَ أَخِيراً ، وَ إِنْ فَارَقْتُمَاهُمْ بِبَاطِلٍ ، فَقَدْ وَقَعَ إِثْمُ ذلِكَ الْبَاطِلِ عَلَيْكُمَا مَعَ الْحَدَثِ الَّذِي أَحْدَثْتُمَا ، مَعَ أَنَّ صِفَتَكُمَا بِمُفَارَقَتِكُمَا النَّاسَ لَمْ يَكُنْ (1)إِلَّا لِطَمَعِ الدُّنْيَا زَعَمْتُمَا ، وَ ذلِكَ قَوْلُكُمَا : «فَقَطَعْتَ رَجَاءَنَا» لَا تَعِيبَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ دِينِي شَيْئاً .وَ أَمَّا الَّذِي صَرَفَنِي عَنْ صِلَتِكُمَا ، فَالَّذِي صَرَفَكُمَا عَنِ الْحَقِّ ، وَ حَمَلَكُمَا عَلى خَلْعِهِ مِنْ رِقَابِكُمَا ، كَمَا يَخْلَعُ الْحَرُونُ لِجَامَهُ ، وَ هُوَ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، فَلَا تَقُولَا : أَقَلُّ نَفْعاً وَ أَضْعَفُ دَفْعاً ؛ فَتَسْتَحِقَّا إِثْمَ (2) الشِّرْكِ مَعَ النِّفَاقِ .وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا : إِنِّي أَشْجَعُ فُرْسَانِ الْعَرَبِ ، وَ هَرَبُكُمَا مِنْ لَعْنِي وَ دُعَائِي ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ مَوْقِفٍ عَمَلاً إِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ ، وَ مَاجَتْ لُبُودُ الْخَيْلِ ، وَ مَلَأَ سَحَرَاكُمَا أَجْوَافَكُمَا ، فَثَمَّ يَكْفِينِيَ اللَّهُ بِكَمَالِ الْقَلْبِ ؛ وَ أَمَّا إِذَا أَبَيْتُمَا بِأَنِّي أَدْعُو اللَّهَ ، فَلَا تَجْزَعَا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْكُمَا رَجُلٌ سَاحِرٌ مِنْ قَوْمٍ سَحَرَةٍ زَعَمْتُمَا ، اللَّهُمَّ أَقْعِصِ الزُّبَيْرَ بِشَرِّ قِتْلَةٍ ، وَ اسْفِكَ دَمَهُ عَلى ضَلَالَةٍ ، وَ عَرِّفْ طَلْحَةَ الْمَذَلَّةَ ، وَ ادَّخِرْ لَهُمَا فِي الْآخِرَةِ شَرّاً مِنْ ذلِكَ إِنْ كَانَا ظَلَمَانِي ، وَ افْتَرَيَا عَلَيَّ ، وَ كَتَمَا شَهَادَتَهُمَا ، وَ عَصَيَاكَ وَ عَصَيَا رَسُولَكَ فِيَّ ، قُلْ : آمِينَ» ، قَالَ خِدَاشٌ : آمِينَ!ثُمَّ قَالَ خِدَاشٌ لِنَفْسِهِ : وَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُ لِحْيَةً قَطُّ أَبْيَنَ خَطَأً مِنْكَ ، حَامِلَ حُجَّةٍ يَنْقُضُ بَعْضُهَا

.


1- .في الكافي المطبوع: «لم تكن».
2- .في الكافي المطبوع: «اسم».

ص: 10

بَعْضاً ، لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُمَا(1) مِسَاكاً ، أَنَا أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمَا .قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا ، وَ أَعْلِمْهُمَا مَا قُلْتُ» .قَالَ : لَا وَ اللَّهِ حَتّى تَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّنِي إِلَيْكَ عَاجِلاً ، وَ أَنْ يُوَفِّقَنِي لِرِضَاهُ فِيكَ ؛ فَفَعَلَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ انْصَرَفَ وَ قُتِلَ مَعَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ؛ رَحِمَهُ اللَّهُ» .

هديّة:(بعث طلحة والزبير) يعني بعد تصرّفهما البصرة بإخراجهما عامل أمير المؤمنين عليه السلام منها وإفراطهما في الوقاحة بأفعال اُخر.و(خداش) بالمعجمة، ثمّ المهملة، ضبطه برهان الفضلاء ككتاب، كما في الصحاح (2)، وهو خداش بن زهير، وفي القاموس: وككتّان: ابن سلامة أو أبي سلامة صحابيّ، وابن زهير وابن حميد وابن بشر شعراء(3)، ويمكن الجمع بتصحيف الكتاب الكتان في القاموس، فكتب النون مكان الباء.و(الكهانة) بالفتح.(من أنفسنا) بيان ل (من بحضرتنا)، أي من أهلنا وأصحابنا من جهة منعك نفسك من الغرور بسحره. وقرأ برهان الفضلاء: «منّ أنفسنا» بضمّ الميم والنون المشدّدة، مرفوعاً بالابتداء مضافاً، جمع «منّة» بالضمّ والتشديد بمعنى القوّة، قال: يعني ومنّ أنفسنا وتأييداتها إنّما هي من جهة امتناعك من الغرور بسحره وكهانته، فضبط مكان (تمنع) «تمتنع».(تحاجّه): تخاصمه.(تفقه) أي تفهم، فقه - كعلم - : فهم وصار واقفاً.وفي بعض النسخ «تقفه» بتقديم القاف على الفاء، من الوقف بمعنى الإيقاف، أي

.


1- .في الكافي المطبوع: «لها».
2- .الصحاح، ج 3، ص 1003 (خدش).
3- .القاموس المحيط، ج 2، ص 271 (خدش)، وضبط فيه: ككتاب.

ص: 11

تقيمه على الإقرار بإمامتنا وعدوله عن دعوى إمامته.في بعض النسخ: «ومن الأبواب» مكان (وعن الأبواب) فعلى الابتداء، دون العطف؛ف (الطعام) على العطف مجرور على البدل، أو مرفوع على الخبر.(وأن يخالي) ضبط برهان الفضلاء بفتح الهمزة والمضارع، والأولى كسر الهمزة والماضي، و«التخالي»: تفاعل من الخلوة بقرينة «ولا تخل»، خلوت إليه: إذا اجتمعت معه في خلوة. ويحتمل «ولا تحلّ» بالمهملة، أي ثيابك؛ أو نهى عن الانبساط كنايةً.و(السُّخرة) بضمّ السين المهملة وسكون الخاء المعجمة اسم المصدر، والمعنى جعل الشي ء مسخّراً منقاداً وصيرورته كذا، ومنه آية السُّخرة، قوله عزّ وجلّ في سورة الأعراف: «إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ»(1).وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: «من بات بأرضِ قفرٍ، فقرأ هذه الآية «إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ - إلى قوله - تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشياطين» الحديث.(2)وسيجي ء في باب فضل القرآن إن شاء اللَّه تعالى.(يناشدانك القطيعة). المناشدة: طلب الشي ء باليمين، يعني يقسمان عليك بقطيعة الرحم وعظم أمرها، بيان النسب: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة.طلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، زبير بن العوّام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ بن كلاب بن مرّة.

.


1- .الأعراف (7): 54.
2- .الكافى، ج 2، ص 625، باب فضل القرآن، ح 21. وفي الطبعة الجديدة ، ج 4 ، ص 654 ، ح 3565 ؛ الفقيه ، ج 4 ، ص 371 ، ح 5763 ؛ الجعفريات ، ص 84.

ص: 12

(قد رأيت أفعالنا فيك) يعني عند إخراجهما عامله عليه السلام من البصرة وسائر أنواع الوقاحة بالنهب والغارة، إظهاراً للكفر والعداوة.(وهو يناجي نفسه)؛ لعلّه بقراءة آية السخرة.(فأنزله) على الأمر من الإفعال، قيل: يعني فهيّأ له النزل بالضمّ، وهو ما يهيّأ للضيف. وقال برهان الفضلاء: أي فأنزله المنزل الذي أعدّ للضيف.نشدت فلاناً كنصر، إذا قلت له: نشدتك اللَّه، أي سألتك باللَّه.(خائنة الأعين) مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ، يعني خيانة الأعين. ويُقال: رجلٌ خائن وخائنة، والتاء للمبالغة، كعلّامة ونسّابة.(ما ارتدّ إليك طرفك) كنايةٌ عن الموت فجأةً.(فما قالا لك) على الاستخبار، أي فأيّ شي ءٍ قالا لك.(فأخبره) يعني خداش عليّاً عليه السلام بما قالا له.(مع أنّ صفتكما). في بعض النسخ: «صفقتكما»، أي بيعتكما.و(الحرون) بالفتح: غير المنقاد، والذي يقف إذا اشتدّ به الجري.(وهو اللَّه ربّي) أي والذي صرفني عن صلتكما هو اللَّه ربّي.(إثم الشرك) في بعض النسخ: «اسم الشرك» وهو أولى.و(الأسنّة): جمع سنان.(ماجت): اضطربت، ويجمع اللّبد بالكسر للسّرج على (لبود).و«السّحر» بالفتح والضمّ والتحريك: الرية، وملأهما أجوافهما: انتفاخها من الخوف.و«الاقعاص» بالقاف والمهملتين: القتل.و(المضلّة): مصدر ميميّ من الضلال، وفي بعض النسخ: «المذلّة» بالذال المعجمة.والعرب كثيراً ما يعبّرون عن الرجل باللّحية.(حامل حجّة) أي أنت .و«المساك» كسحاب: ما يتمسّك به، وما له مساك ككتاب، أي خير يرجع إليه.

.

ص: 13

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده، عَنْ رَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ(1) ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَوْمَ النَّهْرَوَانِ ، فَبَيْنَا عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام جَالِسٌ إِذْ جَاءَ فَارِسٌ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَلِيُّ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : «وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ ، مَا لَكَ - ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ - لَمْ تُسَلِّمْ عَلَيَّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ؟» .قَالَ بَلى سَأُخْبِرُكَ عَنْ ذلِكَ ، كُنْتُ إِذْ كُنْتَ عَلَى الْحَقِّ بِصِفِّينَ ، فَلَمَّا حَكَّمْتَ الْحَكَمَيْنِ ، بَرِئْتُ مِنْكَ ، وَ سَمَّيْتُكَ مُشْرِكاً ، فَأَصْبَحْتُ لَا أَدْرِي إِلى أَيْنَ أَصْرِفُ وَلَايَتِي ، وَ اللَّهِ لَأَنْ أَعْرِفَ هُدَاكَ مِنْ ضَلَالَتِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا .فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، قِفْ مِنِّي قَرِيباً أُرِيَكَ عَلَامَاتِ الْهُدى مِنْ عَلَامَاتِ الضَّلَالَةِ».فَوَقَفَ الرَّجُلُ قَرِيباً مِنْهُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذلِكَ إِذْ أَقْبَلَ فَارِسٌ يَرْكُضُ حَتّى أَتى عَلِيّاً عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ (2) : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْشِرْ بِالْفَتْحِ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ، قَدْ وَ اللَّهِ قُتِلَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ ، فَقَالَ لَهُ : «مِنْ دُونِ النَّهَرِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ ؟» قَالَ: بَلْ مِنْ دُونِهِ ، فَقَالَ : «كَذَبْتَ ، وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَا يَعْبُرُونَ أَبَداً حَتّى يُقْتَلُوا».فَقَالَ الرَّجُلُ : فَازْدَدْتُ فِيهِ بَصِيرَةً ، فَجَاءَ آخَرُ يَرْكُضُ عَلى فَرَسٍ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ (3) مِثْلَ ذلِكَ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِثْلَ الَّذِي رَدَّ عَلى صَاحِبِهِ .قَالَ الرَّجُلُ الشَّاكُّ : وَ هَمَمْتُ (4) أَنْ أَحْمِلَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَأَفْلَقَ هَامَتَهُ بِالسَّيْفِ ، ثُمَّ جَاءَ فَارِسَانِ يَرْكُضَانِ قَدْ أَعْرَقَا فَرَسَيْهِمَا ، فَقَالَا : أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَبْشِرْ بِالْفَتْحِ ، قَدْ وَ اللَّهِ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد؛ وأبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن حسّان جميعاً، عن محمّد بن عليّ، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن حرّاج بن عبد اللَّه، عن رافع بن سلمة».
2- .في الكافي المطبوع: - «له».
3- .في «د»: - «فقال له».
4- .في «الف»: «فهممت».

ص: 14

قُتِلَ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «أَ مِنْ خَلْفِ النَّهَرِ أَوْ مِنْ دُونِهِ ؟» قَالَا : لَا ، بَلْ مِنْ خَلْفِهِ ؛ إِنَّهُمْ لَمَّا اقْتَحَمُوا خَيْلَهُمُ النَّهْرَوَانَ ، وَ ضَرَبَ الْمَاءُ لَبَّاتِ خُيُولِهِمْ ، رَجَعُوا فَأُصِيبُوا ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «صَدَقْتُمَا» فَنَزَلَ الرَّجُلُ عَنْ فَرَسِهِ ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ بِرِجْلِهِ فَقَبَّلَهُمَا ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «هذِهِ لَكَ آيَةٌ» .

هديّة:(ثكلتك): كناية عن فقدتك.و«الإمرة» بالكسر: الإمارة.و«صفّين» كسجّين: موضع قرب الرقّة(1) بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين عليّ عليه السلام ومعاوية غرّة شهر صفر سنة سبع و ثلاثين، ومن ثمّ احترز الناس من السفر في صفر، قاله في القاموس.(2)(فلمّا حكّمت الحكمين) من التحكيم، أي رضيت بجعلك عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري حاكمين.توهّم الخوارج من مثل قوله تعالى: «إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا للَّهِ ِ»(3) أنّ الرضا بحكم غير اللَّه والرسول شرك، ولم يتفطّنوا(4) للفرق بين معنيي الرِّضا بحكم غير اللَّه، فإنّ الرضا بحكم غير اللَّه موافقاً لحكم اللَّه مرضيّ، كما في تحكيمه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام بينه وبين الأعرابي المدّعي للناقة وثمنها أيضاً، ولا منافاة بين هذا التحكيم وبين امتناع كون أحد حاكماً على النبيّ، والإمام والرضا بحكم غير اللَّه مخالفاً لحكم اللَّه شرك بلا شكّ، إلّا أن يكون الغرض إلزام الخصم بما اعتقده، كرضا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بحكم القافة في إلحاق

.


1- .في حاشية «الف» : الرقّة بالكسر والتشديد: قرية على شاطى ء الفرات، ينسب إليها داود الرقّي من رجال الصادق عليه السلام (منه سلّمه اللَّه تعالى).
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 242 (صفن).
3- .الأنعام (6): 57 .
4- .في حاشية «الف» : فطنه به وإليه وله، كفرح ونصر وكرم فطناً مثلّثة الفاء، وبالتحريك. والاسم: الفطنة بالكسر (منه سلّمة اللَّه تعالى).

ص: 15

اُسامة بن زيد بأبيه. (إلى أين أصرف ولايتي) أي لعلمي بانحصار أمثال فضائلك فيك.(قف منّي قريباً). لعلّ تقريبه لتبعيد وسوسة قرينة لينظر علامات الهدى فارغاً قلبه عن وسوسة الشكّ.«فلقه» كضرب: شقّه، (هامته) بالتخفيف: الرأس أو رأس الرأس.و«الاقتحام»: الدخول في الشي ء بتكلّف.و«اللبّة» بفتح اللام وتشديد المفردة: المنحر كمنصب، وموضع القلادة من الصّدر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِ (1) ، عَنْ حَبَابَةَ الْوَالِبِيَّةِ ، قَالَتْ : رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي شُرْطَةِ الْخَمِيسِ وَ مَعَهُ دِرَّةٌ ، لَه (2)سَبَابَتَانِ ، يَضْرِبُ بِهَا بَيَّاعِي الْجِرِّيِّ وَ الْمَارْمَاهِي وَ الزِّمَّارِ ، وَ يَقُولُ لَهُمْ : «يَا بَيَّاعِي مُسُوخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ جُنْدِ بَنِي مَرْوَانَ» .فَقَامَ إِلَيْهِ فُرَاتُ بْنُ أَحْنَفَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ مَا جُنْدُ بَنِي مَرْوَانَ ؟ قَالَتْ (3) : فَقَالَ لَهُ : «أَقْوَامٌ حَلَقُوا اللِّحى ، وَ فَتَلُوا الشَّوَارِبَ ، فَمُسِخُوا».فَلَمْ أَرَ نَاطِقاً أَحْسَنَ نُطْقاً مِنْهُ ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَقْفُو أَثَرَهُ حَتّى قَعَدَ فِي رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا دَلَالَةُ الْإِمَامِ (4) يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟قَالَتْ : فَقَالَ : «ائْتِينِي بِتِلْكَ الْحَصَاةِ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَصَاةٍ ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا بِخَاتَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا حَبَابَةُ إِذَا ادَّعى مُدَّعٍ الْإِمَامَةَ ، فَقَدَرَ أَنْ يَطْبَعَ كَمَا رَأَيْتِ ، فَاعْلَمِي أَنَّهُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمد، عن أبي عليّ محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أحمد بن يحيى المعروف بكرد، عن محمّد بن خداهيّ، عن عبد اللَّه بن أيّوب، عن عبد اللَّه بن هاشم، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي».
2- .في الكافي المطبوع: «لها».
3- .في «د»: «قال».
4- .في الكافي المطبوع: «الإمامة».

ص: 16

إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ ؛ وَ الْإِمَامُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْ ءٌ يُرِيدُهُ».قَالَتْ : ثُمَّ انْصَرَفْتُ حَتّى قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَجِئْتُ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ ، فَقَالَ : «يَا حَبَابَةُ الْوَالِبِيَّةُ» فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا مَوْلَايَ ، فَقَالَ : «هَاتِي مَا مَعَكِ» . قَالَتْ : فَأَعْطَيْتُهُ فَطَبَعَ فِيهَا كَمَا طَبَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام .قَالَتْ : ثُمَّ أَتَيْتُ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ هُوَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَرَّبَ وَ رَحَّبَ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «إِنَّ فِي الدَّلَالَةِ دَلِيلاً عَلى مَا تُرِيدِينَ ، أَ فَتُرِيدِينَ دَلَالَةَ الْإِمَامِ (1) ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا سَيِّدِي ، فَقَالَ : «هَاتِي مَا مَعَكِ» فَنَاوَلْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ لِي فِيهَا .قَالَتْ : ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ قَدْ بَلَغَ بِيَ الْكِبَرُ إِلى أَنْ أُرْعِشْتُ - وَ أَنَا أَعُدُّ يَوْمَئِذٍ مِائَةً وَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً - فَرَأَيْتُهُ رَاكِعاً وَ سَاجِداً وَ مَشْغُولاً بِالْعِبَادَةِ ، فَيَئِسْتُ مِنَ الدَّلَالَةِ ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِالسَّبَّابَةِ ، فَعَادَ إِلَيَّ شَبَابِي ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، كَمْ مَضى مِنَ الدُّنْيَا؟ وَ كَمْ مِنْهَا(2)بَقِيَ ؟ فَقَالَ : «أَمَّا مَا مَضى ، فَنَعَمْ ؛ وَ أَمَّا مَا بَقِيَ، فَلَا». قَالَتْ : ثُمَّ قَالَ لِي : «هَاتِي مَا مَعَكِ» فَأَعْطَيْتُهُ الْحَصَاةَ فَطَبَعَ (3) فِيهَا .ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا ؛ ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا ؛ ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا ؛ ثُمَّ أَتَيْتُ الرِّضَا عليه السلام ، فَطَبَعَ لِي فِيهَا .وَ عَاشَتْ حَبَابَةُ بَعْدَ ذلِكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ عَلى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ .

هديّة:(حبابة) كفلانة وقيل بعض المعاصرين: بالتشديد كسبّابة.(4)و«والبة» بالمفردة كقافلة: اسم موضع قرب اليمن؛ قاله برهان الفضلاء موافقاً للقاموس.(5) وقال في

.


1- .في الكافي المطبوع: «الإمامة».
2- .في الكافي المطبوع: - «منها».
3- .في الكافي المطبوع: + «لي».
4- .الوافي، ج 2، ص 144، ذيل ح 614.
5- .اُنظر: القاموس المحيط، ج 1، ص 137 (ولب).

ص: 17

الصحاح: والبة اسم رجل.(1)و«الشرطة» بالضمّ: خدم الوالي، الواحد: شرطي كتركي. و(الخميس): الجيش؛ لانعقاده من الميمنة والميسرة والمقدّمة والقلب والجناح.و«الدرّة» بالكسر والتشديد: التي يضرب بها المجرم.و«السبابة» بالتخفيف كسحابة: الشّقة.و«الجرّي» بالكسر والتشديد كالذمّي: الذي اشتهر بطول الأنف من الحيتان.و(الزّمّار) بكسر الزاي وتشديد الميم: ضرب من السمك.و«المسوخ» بضمّتين: جمع مسخ ككلب بمعنى الممسوخ.(فمسخوا)؛ على غير المعلوم. وضبط برهان الفضلاء على المعلوم، أي غيّروا صورهم بذلك، فصاروا كالمسوخ.و«الإثْر» بالكسر والأَثَر بالتحريك بمعنى، وللأخير معنى آخر أي بقيّة رسم الشي ء.و«الرحبة» بالفتح: الفضاء الوسيع.في بعض النسخ: «ما دلالة الإمامة» بدل (ما دلالة الإمام).(لا يعزب) بالزاي كحسن: لا يغيب. (فقرّب): وأدناني من مجلسه، (ورحّب): وسّع لي في المكان، أو قال مرحباً. والثاني أكثر.(دليلاً على ما تريدين). قال برهان الفضلاء: على نهجيّة، لا صلة؛ لقوله «دليلاً»؛ قال: يعني أنّ في جملة «دلالة الإمامة» وهي كثيرة عندنا لدليلاً على النهج الذي تريدينه.في بعض النسخ: «مشغولاً» بدون الواو.(كم مضى من الدنيا) قيل لعلّ السؤال عن عمر نفسها، وقيل: بل عن عمر الدنيا؛ إظهاراً لاغتمامها من جهة يوم الحساب.(فنعم) أي لنا(2) سبيل إلى معرفته.

.


1- .الصحاح، ج 1، ص 235 (ولب).
2- .في «د»: «لا».

ص: 18

(وعاشت) إلى آخر الحديث، كلام عبد الكريم.و(محمّد بن هشام) هو الخثعمي.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِ (1) ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام (2) ، فَاسْتُؤْذِنَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَيْهِ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَبْلٌ طَوِيلٌ جَسِيمٌ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْوَلَايَةِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ ، وَ أَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ ، فَجَلَسَ مُلَاصِقاً لِي (3) ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هذَا ؟فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام : «هذَا مِنْ وُلْدِ الْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ الْحَصَاةِ الَّتِي طَبَعَ آبَائِي عليهم السلام فِيهَا بِخَوَاتِيمِهِمْ فَانْطَبَعَتْ ، وَ قَدْ جَاءَ بِهَا مَعَهُ يُرِيدُ أَنْ أَطْبَعَ فِيهَا».ثُمَّ قَالَ : «هَاتِهَا» فَأَخْرَجَ حَصَاةً وَ فِي جَانِبٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ أَمْلَسُ ، فَأَخَذَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، ثُمَّ أَخْرَجَ خَاتَمَهُ ، فَطَبَعَ فِيهَا ، فَانْطَبَعَ ، فَكَأَنِّي أَرى نَقْشَ خَاتَمِهِ السَّاعَةَ : «الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ» .فَقُلْتُ لِلْيَمَانِيِّ : رَأَيْتَهُ قَبْلَ هذَا قَطُّ ؟ قَالَ : لَا وَ اللَّهِ ، وَ إِنِّي لَمُنْذُ دَهْرٍ حَرِيصٌ عَلى رُؤْيَتِهِ حَتّى كَأَنِّي (4)السَّاعَةَ أَتَانِي شَابٌّ - لَسْتُ أَرَاهُ - فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ .ثُمَّ نَهَضَ الْيَمَانِيُّ وَ هُوَ يَقُولُ : رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّ حَقَّكَ لَوَاجِبٌ كَوُجُوبِ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ مَضى فَلَمْ أَرَهُ بَعْدَ ذلِكَ .قَالَ إِسْحَاقُ : قَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ : وَ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ ، فَقَالَ : اسْمِي مِهْجَعُ بْنُ الصَّلْتِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ غَانِمِ بْنِ أُمِّ غَانِمٍ ، وَ هِيَ الْأَعْرَابِيَّةُ الْيَمَانِيَّةُ ، صَاحِبَةُ الْحَصَاةِ الَّتِي طَبَعَ فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ السِّبْطُ إِلى وَقْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن أبي عبد اللَّه وعليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد النخعي».
2- .في «د»: + «الحسن العسكري».
3- .في «الف»: «بي».
4- .في الكافي المطبوع: «كان».

ص: 19

هديّة:(رجل عَبْل) كضخم لفظاً ومعنى، بالمهملة المفتوحة قبل المفردة الساكنة. فلان عبل الذراعين، أي ضخمهما، وفرس عبل القوائم. وقرأ برهان الفضلاء: «عبل» كصعق، وقال: أي أبيض اللون، الجوهري كما ذكرنا،(1) والقاموس كما ذكره.(2)(فسلّم عليه بالولاية) فقال: السلام عليك يا وليّ اللَّه.(ليت شعري) بكسر الشين، أي ليتني علمت؛ قاله في الصحاح.(3)(حتّى كأنّي الساعة)؛ أتى بصورة الظنّ مع تيقّنه ذلك إظهاراً لتعجّبه وحيرته من طيّه تلك المسافة من اليمن إلى سامراء بطيّ الأرض. وضبط برهان الفضلاء: «حتّى كان» بالألف وتخفيف النون من الأفعال التامّة.و(مهجع) بالجيم كمنبر، أي كثير الأكل والنوم، و(الصلت) بالفتح: الجبين الواضح، و(عقبة) بالضمّ، بمعنى النوبة، و(سمعان) كعمران.و(السبط): ولد الولد، يعني وسبط الرسول صلى اللَّه عليه وآله واحداً بعد واحد.(إلى وقت أبي الحسن) يعني الثاني عليه السلام؛ للخبر السابق. وقال برهان الفضلاء: يعني الثالث عليه السلام.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده، عَن السرّاد،(4) عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحذّاء، وَ زُرَارَةَ جَمِيعاً ، والأربعة عن زرارة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، أَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فَخَلَا بِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي ، قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دَفَعَ الْوَصِيَّةَ وَ الْإِمَامَةَ مِنْ بَعْدِهِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ثُمَّ إِلَى الْحَسَنِ ، ثُمَّ إِلَى الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ قَدْ

.


1- .الصحاح، ج 5، ص 175 (عبل).
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 11 (عبل).
3- .الصحاح، ج 2، ص 698 (شعر).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب».

ص: 20

قُتِلَ أَبُوكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَ صَلّى عَلى رُوحِهِ - وَ لَمْ يُوصِ ، وَ أَنَا عَمُّكَ وَ صِنْوُ أَبِيكَ ، وَ وِلَادَتِي مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام ؛ فِي سِنِّي وَ قُدْمَتِي (1) أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ فِي حَدَاثَتِكَ ، فَلَا تُنَازِعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ وَ الْإِمَامَةِ ، وَ لَا تُحَاجَّنِي .فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : يَا عَمِّ ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَ لَا تَدَّعِ مَا لَيْسَ لَكَ بِحَقٍّ «إِنِّى أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ» إِنَّ أَبِي يَا عَمِّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - أَوْصى إِلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَ عَهِدَ إِلَيَّ فِي ذلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِسَاعَةٍ ، وَ هذَا سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عِنْدِي ، فَلَا تَتَعَرَّضْ لِهذَا ؛ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ نَقْصَ الْعُمُرِ وَ تَشَتُّتَ الْحَالِ ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - جَعَلَ الْوَصِيَّةَ وَ الْإِمَامَةَ فِي عَقِبِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذلِكَ ، فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتّى نَتَحَاكَمَ إِلَيْهِ (2) ، وَ نَسْأَلَهُ عَنْ ذلِكَ».قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ كَانَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِمَكَّةَ ، فَانْطَلَقَا حَتّى (3) أَتَيَا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : ابْدَأْ أَنْتَ فَابْتَهِلْ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ سَلْهُ أَنْ يُنْطِقَ لَكَ الْحَجَرَ ، ثُمَّ سَلْ ؛ فَابْتَهَلَ مُحَمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّةِ(4)فِي الدُّعَاءِ ، وَ سَأَلَ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - ، ثُمَّ دَعَا الْحَجَرَ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : يَا عَمِّ ، لَوْ كُنْتَ وَصِيّاً وَ إِمَاماً ، لَأَجَابَكَ .(5)قَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : فَادْعُ اللَّهَ أَنْتَ يَا ابْنَ أَخِي ، وَ سَلْهُ ، فَدَعَا اللَّهَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بِمَا أَرَادَ ، ثُمَّ قَالَ : أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مِيثَاقَ الْأَنْبِيَاءِ وَ مِيثَاقَ الْأَوْصِيَاءِ وَ مِيثَاقَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ لَمَّا أَخْبَرْتَنَا مَنِ الْوَصِيُّ وَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عليه السلام (6) ؟» قَالَ : «فَتَحَرَّكَ الْحَجَرُ حَتّى كَادَ أَنْ يَزُولَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «قديمي».
2- .في الكافي المطبوع: «عليه».
3- .في «د»: + «إذا».
4- .في الكافي المطبوع: - «بن الحنفيّة».
5- .في الكافي المطبوع: - «الحجر».
6- .في الكافي المطبوع: + «بن عليّ».

ص: 21

مِنْ (1) مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ أَنْطَقَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْوَصِيَّةَ وَ الْإِمَامَةَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ (2) ابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَكَ (3)» .قَالَ : «فَانْصَرَفَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ هُوَ يَتَوَلّى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام» .

هديّة:لعلّ منازعة ابن الحنفيّة رضي اللَّه عنه في الأمر كانت بأمر أمير المؤمنين عليه السلام لمصالح وحِكَم ككفّ عوام الناس أو أشقيائهم أنفسهم عن قولهم بإمامته مع كمال اهتمامه في الإباء عنها جهاراً، وكظهور دلالة الإمامة لاطمينان طائفة من القلوب بعد الواقعة الهائلة، وكتشرّف جماعة بتشريف الإيمان بتلك المعجزة، وقبوله تكليف التحاكم إلى الحجر سريعاً بلا مضائقة ومعاسرة منه فيما ادّعاه مؤيّد.وقول برهان الفضلاء - : إنّ الاعتذار بأنّ تلك المعارضة إنّما كانت منه ليظهر الحقّ للناس لا وجه له، بدلالة ارتكابه لها في الخلوة أيضاً - لا يمنع ما قلناه لابتنائه بكونه مأموراً من حكيم واجب طاعته في كلّ ما أمر على الوجه الذي أمر.في بعض النسخ: «صلّى اللَّه على روحه» بدون الواو و«رضى اللَّه عنه» قبلها.و«الصنو» بالكسر: الأخ الشقيق،(4) إذا خرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد صنو، والاثنتان: صنوان، بكسر النون، والجمع: صنوانٌ بالتنوين. وفي الحديث: «عمّ الرجل صنو أبيه».(5)و«في» في (وفي سنّي) سببيّة، و«القدمة» بالضمّ: السبقة في الأمر، كحضوره مراراً في خدمة أمير المؤمنين - صلوات اللَّه عليه - في غزواته. وضبط برهان الفضلاء - كما في بعض النسخ - : «وقديمي» على فعيل. وقد روى أنّ ابن الحنفيّة سئل عن كثرة

.


1- .في الكافي المطبوع: «عن».
2- .في الكافي المطبوع: + « عليهما السلام إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و».
3- .في الكافي المطبوع: - «لك».
4- .في «د»: «الشفيق».
5- .الأمالي للطوسي، ص 273، المجلس 10، ح 518، عن النبي صلى اللَّه عليه وآله؛ وعنه في البحار، ج 22، ص 286، ح 54.

ص: 22

حضوره بأمر أبيه عليه السلام في الحروب دون السبطين عليهما السلام، فقال: إنّهما عليهما السلام، بمنزلة العينين من أبي عليه السلام وأنا بمنزلة اليد، وباليد يحافظ العينان.«استشهد فلان»، على ما لم يسمّ فاعله: صار شهيداً.و«التشتّت»: التفرّق. وفي نسخة برهان الفضلاء على التفعيل، قال: يعني تشتيت اللَّه عزّ وجلّ في الآخرة أو في الدنيا بالفقر أو بالعجز عن الجواب عند دعوى الإمامة. و«الابتهال». التضرّع.(لمّا أخبرتنا) بفتح اللام وتشديد الميم، يعني أسألك أن لا تفعل شيئاً إلّا أن تخبرنا، أو ما أسألك إلّا إخبارك كذا.

الحديث السادس روى في الكافي عن الاثنين،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ سَمَاعَةِ عَنْ الْكَلْبِيِّ النَّسَّابَةِ(2) ، قَالَ : دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ وَ لَسْتُ أَعْرِفُ شَيْئاً مِنْ هذَا الْأَمْرِ ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَالِمِ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ، فَقَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ .فَأَتَيْتُ مَنْزِلَهُ ، فَاسْتَأْذَنْتُ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ رَجُلٌ ظَنَنْتُ أَنَّهُ غُلَامٌ لَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : اسْتَأْذِنْ لِي عَلى مَوْلَاكَ ، فَدَخَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَقَالَ لِيَ : ادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ ، فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ مُعْتَكِفٍ شَدِيدِ الِاجْتِهَادِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ ، فَقَالَ : مَا حَاجَتُكَ ؟ فَقُلْتُ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ : أَ مَرَرْتَ بِابْنِي مُحَمَّدٍ ؟ قُلْتُ : بَدَأْتُ بِكَ ، فَقَالَ : سَلْ ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ ، فَقَالَ : تَبِينُ بِرَأْسِ الْجَوْزَاءِ ، وَ الْبَاقِي وِزْرٌ عَلَيْهِ وَ عُقُوبَةٌ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاحِدَةٌ ، فَقُلْتُ : فَمَا تَقُولُ أَيُّهَا الشَّيْخُ (3) فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ؟ فَقَالَ : قَدْ مَسَحَ قَوْمٌ صَالِحُونَ ، وَ نَحْنُ - أَهْلَ الْبَيْتِ - لَا نَمْسَحُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي :

.


1- .يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «... عن محمّد بن عليّ، قال: أخبرني سماعة بن مهران، قال، أخبرني الكلبيّ النسّابة».
3- .في الكافي المطبوع: «ما يقول الشيخ» بدل «فما تقول أيّها الشيخ».

ص: 23

ثِنْتَانِ ، فَقُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي أَكْلِ الْجِرِّيِّ ؟ أَ حَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ ؟ فَقَالَ : حَلَالٌ ، إِلَّا أَنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - نَعَافُهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ثَلَاثٌ ، فَقُلْتُ : فَمَا تَقُولُ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ ؟ فَقَالَ : حَلَالٌ ، إِلَّا أَنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - لَا نَشْرَبُهُ ، فَقُمْتُ ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَ أَنَا أَقُولُ : هذِهِ الْعِصَابَةُ تَكْذِبُ عَلى أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ .فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَنَظَرْتُ إِلى جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : مَنْ أَعْلَمُ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ؟ فَقَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ، فَقُلْتُ : قَدْ أَتَيْتُهُ ، فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئاً ، فَرَفَعَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : ائْتِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ؛ فَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ، فَلَامَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ بِالْحَضْرَةِ - فَقُلْتُ : إِنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْ إِرْشَادِي إِلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْحَسَدُ - فَقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ، إِيَّاهُ أَرَدْتُ .فَمَضَيْتُ حَتّى صِرْتُ إِلى مَنْزِلِهِ ، فَقَرَعْتُ الْبَابَ ، فَخَرَجَ غُلَامٌ لَهُ ، فَقَالَ : ادْخُلْ يَا أَخَا كَلْبٍ ؛ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ أَدْهَشَنِي ، فَدَخَلْتُ وَ أَنَا مُضْطَرِبٌ ، وَ نَظَرْتُ فَإِذَا شَيْخٌ عَلى مُصَلًّى بِلَا مِرْفَقَةٍ وَ لَا بَرْذَعَةٍ(1) ، فَابْتَدَأَنِي بَعْدَ أَنْ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : «مَنْ أَنْتَ ؟» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! غُلَامُهُ يَقُولُ لِي بِالْبَابِ : «ادْخُلْ يَا أَخَا كَلْبٍ» وَ يَسْأَلُنِي الْمَوْلى : «مَنْ أَنْتَ ؟» فَقُلْتُ لَهُ : أَنَا الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى جَبْهَتِهِ ، وَ قَالَ : «كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ ، وَ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً ، وَ خَسِرُوا خُسْرَاناً مُبِيناً ؛ يَا أَخَا كَلْبٍ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ : «وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً» أَفَتَنْسِبُهَا أَنْتَ ؟» فَقُلْتُ : لَا ، جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ لِي : «أَفَتَنْسِبُ نَفْسَكَ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، حَتَّى ارْتَفَعْتُ ، فَقَالَ لِي : «قِفْ ؛ لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ وَيْحَكَ ، أَ تَدْرِي مَنْ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، قَالَ : «إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ بْنُ فُلَانٍ الرَّاعِي الْكُرْدِيِّ إِنَّمَا كَانَ فُلَانٌ الرَّاعِي الْكُرْدِيُّ عَلى جَبَلِ آلِ فُلَانٍ ، فَنَزَلَ إِلى فُلَانَةَ امْرَأَةِ فُلَانٍ مِنْ جَبَلِهِ الَّذِي كَانَ يَرْعى غَنَمَهُ عَلَيْهِ ، فَأَطْعَمَهَا شَيْئاً وَ غَشِيَهَا ، فَوَلَدَتْ فُلَاناً ، وَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانَةَ وَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «بردعة».

ص: 24

ثُمَّ قَالَ : «أَ تَعْرِفُ هذِهِ الْأَسَامِيَ ؟» قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكُفَّ عَنْ هذَا فَعَلْتَ ، فَقَالَ : «إِنَّمَا قُلْتَ فَقُلْتُ». فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَعُودُ ، قَالَ : «لَا نَعُودُ إِذاً ، وَ سَلْ (1) عَمَّا جِئْتَ لَهُ».فَقُلْتُ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ ، فَقَالَ : «وَيْحَكَ ، أَ مَا تَقْرَأُ سُورَةَ الطَّلَاقِ ؟» قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «فَاقْرَأْ»، فَقَرَأْتُ : «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ» قَالَ : «أَ تَرى هَاهُنَا نُجُومَ السَّمَاءِ؟» قُلْتُ : لَا .قُلْتُ : فَرَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثاً ؟ قَالَ : «يُرَدُّ(2) إِلى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله». ثُمَّ قَالَ : «لَا طَلَاقَ إِلَّا عَلى طُهْرٍ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ بِشَاهِدَيْنِ مَقْبُولَيْنِ». فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَاحِدَةٌ .ثُمَّ قَالَ : «سَلْ» ، قُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ فَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَ رَدَّ اللَّهُ كُلَّ شَيْ ءٍ إِلى شَيْئِهِ ، وَ رَدَّ الْجِلْدَ إِلَى الْغَنَمِ ، فَتَرى أَصْحَابَ الْمَسْحِ أَيْنَ يَذْهَبُ وُضُوؤُهُمْ ؟» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ثِنْتَانِ .ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «سَلْ» ، فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَكْلِ الْجِرِّيِّ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - مَسَخَ طَائِفَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؛ فَمَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَحْراً ، فَهُوَ الْجِرِّيُّ وَ الزِّمَّارُ وَ الْمَارْمَاهِي وَ مَا سِوى ذلِكَ ؛ وَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ بَرّاً ، فَالْقِرَدَةُ وَ الْخَنَازِيرُ وَ الْوَبْرُ وَ الْوَرَلُ وَ مَا سِوى ذلِكَ». فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ثَلَاثٌ .ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، وَقَالَ : «سَلْ وَ قُمْ» فَقُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي النَّبِيذِ ؟ فَقَالَ : «حَلَالٌ». فَقُلْتُ : إِنَّا نَنْبِذُ فَنَطْرَحُ فِيهِ الْعَكَرَ وَ مَا سِوى ذلِكَ (3) ؟ فَقَالَ : «شُهْ شُهْ ، تِلْكَ الْخَمْرَةُ الْمُنْتِنَةُ». فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَيَّ نَبِيذٍ تَعْنِي ؟ فَقَالَ : «إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ شَكَوْا إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله تَغَيُّرَ(4) الْمَاءِ وَ فَسَادَ طَبَائِعِهِمْ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْبِذُوا ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْمُرُ خَادِمَهُ أَنْ يَنْبِذَ لَهُ ، فَيَعْمِدُ إِلى كَفٍّ مِنَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «سل».
2- .في الكافي المطبوع: «تردّ».
3- .في الكافي المطبوع: + «ونشربه».
4- .في الكافي المطبوع: «تغيير».

ص: 25

التَّمْرِ ، فَيَقْذِفُ بِهِ فِي الشَّنِّ ، فَمِنْهُ شُرْبُهُ ، وَ مِنْهُ طَهُورُهُ».فَقُلْتُ : وَ كَمْ كَانَ عَدَدُ التَّمْرِ الَّذِي (1) فِي الْكَفِّ ؟ فَقَالَ : «مَا حَمَلَ الْكَفُّ». فَقُلْتُ : وَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ ؟ فَقَالَ : «رُبَّمَا كَانَتْ وَاحِدَةً ، وَ رُبَّمَا كَانَتْ ثِنْتَيْنِ».فَقُلْتُ : وَ كَمْ كَانَ يَسَعُ الشَّنُّ ؟ فَقَالَ : «مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ إِلى مَا فَوْقَ ذلِكَ». فَقُلْتُ : بِالْأَرْطَالِ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ ، أَرْطَالٌ بِمِكْيَالِ الْعِرَاقِ».قَالَ سَمَاعَةُ : قَالَ الْكَلْبِيُّ : ثُمَّ غَضَ (2) عليه السلام ، وَ قُمْتُ ، وَخَرَجْتُ (3) وَ أَنَا أَضْرِبُ بِيَدِي عَلَى الْأُخْرى ، وَ أَنَا أَقُولُ : إِنْ كَانَ شَيْ ءٌ فَهذَا . فَلَمْ يَزَلِ الْكَلْبِيُّ يَدِينُ اللَّهَ بِحُبِّ أَهْلِ (4) هذَا الْبَيْتِ حَتّى مَاتَ .

هديّة:سيذكر طائفة من هذا الخبر في كتاب المطاعم والمشارب بسند آخر أيضاً عن سماعة.(5)«كلب»: أبو قبيلة، والتاء في (النسّابة) لتأكيد المبالغة كالعلّامة.و(عبداللَّه بن الحسن) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، يلقّب ابنه محمّد بالنفس الزكيّة مدّعياً الإمامة لنفسه، خرج وقتل، وسيجي ء قصّته.(بشيخ معتكف) أي معتزل، فالمراد الاعتكاف اللغويّ.(برأس الجوزاء) بالمدّ أي بعدد النجوم التي يُقال لها: رأس الجوزاء، قصد أنّه يقع ثلاث طلقات؛ لأنّ كلّ رأس من رأس الجوزاء متوهّمة من ثلاثة كواكب من صغارها على شكل مثلّث صغير.

.


1- .في الكافي المطبوع: + «كان».
2- .في الكافي المطبوع: «نهض».
3- .في الكافي المطبوع: «فخرجت».
4- .في الكافي المطبوع: «آل».
5- .اُنظر: الكافي، ج 6، ص 221، باب آخر منه (صيد السمك)، ح 12؛ وص 416، باب النبيذ، ح 3.

ص: 26

(والباقي وزر عليه) يعني لارتكابه البدعة في الصيغة المشروعة على زعم المخالفين، وهي أنت طالق ثلاثاً.(واحدة) أي علامة واحدة لجهله.و(النبيذ) فعيل بمعنى المفعول، من باب نصر، وهو الماء الذي يطرح فيه شي ء، إمّا لأجل أن يصير مسكراً، فالمطروح فيه إمّا تمر أو زبيب أو عسل أو شعير أو حنطة أو دخن أو غير ذلك، يغلي فيصير خمراً مسكراً، ويسمّى بالفقّاع أيضاً على وزن الرمّان. وإمّا لأجل إصلاح ملوحة الماء وتغيّره، وهو النبيذ الحلال، كما وصف في آخر الحديث.(نعافه): نكرهه.في بعض النسخ: «فعلمت أنّ القوم» مكان (فقلت).و«المرفقة»: المخدّة بكسر الميم فيهما. و«البردعة» بإهمال الدال المفتوحة وإعجامها، وفتح المفردة: البلاس، أي بلا برذعة تحت مصلّاه.و(العادلون باللَّه): المشركون باللَّه، يعني لكسبهم مشكلات العلوم من غير الحجّة المعصوم.و(الكردي): نسبة إلى كرد، طائفة معروفة.(واحدة) أي علامة واحدة لعلمه.(والوبر): دويبة كالسنّور.(والورل) محرّكة: دابّة كالضّبّ، أو العظيم من أشكال الوزغ طويل الذنب صغير الرأس.و(العكر) محرّكة: الدرديّ من كلّ شي ء، والمراد هنا دردي النبيذ بمعنى الخمر.(شُه شُهْ) بالضمّ: كلمة تقبيح.و(الشنّ) بالفتح والتشديد: القربة.في بعض النسخ: «ثمّ نهض» مكان (ثمّ غضّ).

.

ص: 27

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده، عَنْ أَبِي يَحْيى الْوَاسِطِيِ (1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : كُنَّا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَا وَ صَاحِبُ الطَّاقِ ، وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيهِ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ أَنَا وَ صَاحِبُ الطَّاقِ ، وَ النَّاسُ عِنْدَهُ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُمْ رَوَوْا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهِ عَاهَةٌ». فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَسْأَلُهُ عَمَّا كُنَّا نَسْأَلُ عَنْهُ أَبَاهُ عليه السلام ، فَسَأَلْنَاهُ عَنِ الزَّكَاةِ فِي كَمْ تَجِبُ ؟ فَقَالَ : فِي مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ ، فَقُلْنَا : فِي مِائَةٍ ؟ فَقَالَ : دِرْهَمَانِ وَ نِصْفٌ ، فَقُلْنَا : وَ اللَّهِ مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ هذَا ، قَالَ : فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ الْمُرْجِئَةُ .قَالَ : فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ ضُلَّالاً لَا نَدْرِي إِلى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ أَنَا وَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَحْوَلُ ، فَقَعَدْنَا فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ الْمَدِينَةِ بَاكِينَ حَيَارى لَا نَدْرِي إِلى أَيْنَ نَتَوَجَّهُ ، وَ لَا مَنْ نَقْصِدُ ، نَقُولُ : إِلَى الْمُرْجِئَةِ ؟ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ ؟ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ ؟ إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ ؟ إِلَى الْخَوَارِجِ ؟فَنَحْنُ كَذلِكَ إِذْ رَأَيْتُ رَجُلاً شَيْخاً لَا أَعْرِفُهُ ، يُومِئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً مِنْ عُيُونِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ جَوَاسِيسُ يَنْظُرُونَ إِلى مَنِ اتَّفَقَتْ شِيعَةُ جَعْفَرٍ عليه السلام عَلَيْهِ ، فَيَضْرِبُونَ عُنُقَهُ ، فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ، فَقُلْتُ لِلْأَحْوَلِ : تَنَحَّ ؛ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلى نَفْسِي وَ عَلَيْكَ ، وَ إِنَّمَا يُرِيدُنِي لَا يُرِيدُكَ ، فَتَنَحَّ عَنِّي لَا تَهْلِكَ ، وَ تُعِينَ عَلى نَفْسِكَ ، فَتَنَحّى غَيْرَ بَعِيدٍ ، وَ تَبِعْتُ الشَّيْخَ - وَ ذلِكَ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ - فَمَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ ، وَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الْمَوْتِ حَتّى وَرَدَ بِي عَلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، ثُمَّ خَلَّانِي وَ مَضى .فَإِذَا خَادِمٌ بِالْبَابِ ، فَقَالَ لِيَ : ادْخُلْ رَحِمَكَ اللَّهُ ، فَدَخَلْتُ ، فَإِذَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، فَقَالَ لِيَ - ابْتِدَاءً مِنْهُ - : «لَا إِلَى الْمُرْجِئَةِ ، وَ لَا إِلَى الْقَدَرِيَّةِ ، وَ لَا إِلَى الزَّيْدِيَّةِ ، وَ لَا إِلَى الْمُعْتَزِلَةِ ، وَ لَا إِلَى الْخَوَارِجِ ، إِلَيَّ إِلَيَّ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي».

ص: 28

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَضى أَبُوكَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ: مَضى مَوْتاً ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ : فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ فَقَالَ : «إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ ، هَدَاكَ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ؟ قَالَ : «يُرِيدُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَنْ لَنَا مِنْ بَعْدِهِ ؟ قَالَ : «إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَكَ ، هَدَاكَ». قَالَ : قُلْتُّ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَنْتَ هُوَ ؟ قَالَ : «لَا ، مَا أَقُولُ ذلِكَ». قَالَ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَمْ أُصِبْ طَرِيقَ الْمَسْأَلَةِ .ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، عَلَيْكَ إِمَامٌ ؟ قَالَ : «لَا» . فَدَاخَلَنِي شَيْ ءٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ إِعْظَاماً لَهُ وَ هَيْبَةً أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحُلُّ بِي مِنْ أَبِيهِ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ .ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَسْأَلُكَ كَمَا كُنْتُ أَسْأَلُ أَبَاكَ؟ فَقَالَ : «سَلْ ؛ تُخْبَرْ ، وَ لَا تُذِعْ فَإِنْ أَذَعْتَ ، فَهُوَ الذَّبْحُ» : فَسَأَلْتُهُ ، فَإِذَا هُوَ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ .قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، شِيعَتُكَ وَ شِيعَةُ أَبِيكَ ضُلَّالٌ ، فَأُلْقِي إِلَيْهِمْ وَ أَدْعُوهُمْ (1) إِلَيْكَ ، فَقَدْ أَخَذْتَ عَلَيَّ الْكِتْمَانَ ؟ قَالَ : «مَنْ آنَسْتَ مِنْهُ رُشْداً فَأَلْقِ إِلَيْهِ ، وَ خُذْ عَلَيْهِ الْكِتْمَانَ ، فَإِنْ أَذَاعُوا فَهُوَ الذَّبْحُ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ .قَالَ (2) : فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَلَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْأَحْوَلَ ، فَقَالَ لِي : مَا وَرَاءَكَ ؟ قُلْتُ : الْهُدى ، فَحَدَّثْتُهُ بِالْقِصَّةِ ، قَالَ : ثُمَّ لَقِينَا الْفُضَيْلَ وَ أَبَا بَصِيرٍ ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ ، وَ سَمِعَا كَلَامَهُ ، وَ سَاءَلَاهُ ، وَ قَطَعَا عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ .ثُمَّ لَقِينَا النَّاسَ أَفْوَاجاً ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ قَطَعَ إِلَّا طَائِفَةَ عَمَّارٍ وَ أَصْحَابَهُ ، وَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَدْخُلُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ ، فَلَمَّا رَأى ذلِكَ ، قَالَ : مَا حَالَ النَّاسَ ؟ فَأُخْبِرَ أَنَّ هِشَاماً صَدَّ عَنْكَ النَّاسَ . قَالَ هِشَامٌ : فَأَقْعَدَ لِي بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ لِيَضْرِبُونِي .

هديّة:(صاحب الطاق): مؤمن الطّاق.

.


1- .في حاشية «الف»: «فألق إليهم وادعهم» بدل «فألقي إليهم وأدعوهم».
2- .في «الف»: - «قال».

ص: 29

و(عبد اللَّه بن جعفر) هو الملقّب بالأفطح، ينسب إليه الفطحيّة، كان أكبر إخوته بعد أبيه، لكن كان به عاهة في رجليه، قيل: وفي أنفه أيضاً. وقد سبق بيانه.(واللَّه ما تقول المرجئة هذا) أي وجوب الزكاة في أقلّ من مأتي درهم، يعني أنت أجهل من المخالفين المؤخّرين خلافة أمير المؤمنين عليه السلام عن خلافة أئمّتهم. ويحتمل أن يكون كلمة «ما» في الأخير موصولة، فإقرار بعدم علمه ببعض الأحكام المعلوم لهم.و(المرجئة) من الإرجاء بمعنى التأخير، فقيل: لتأخيرهم الإمام الحقّ، وقيل: لتأخيرهم الأعمال عن الإيمان، فإنّهم يقولون إنّ الإيمان هو مجرّد العلم بجميع ما جاء به النبيّ عليه السلام وليس عمل من الأعمال داخلاً فيه، سواء كان من أعمال القلب كالتصديق، أو من أعمال الجوارح كالصلاة، ويقولون: لا تفاوت بين أفراد الإيمان بالقوّة والضعف، مصرّحين بعدم الفرق بين إيمان أفسق الفسّاق وإيمان جبرئيل عليه السلام.(1)و(القدريّة). قيل: هم المفوّضة من المعتزلة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قدرهم وتدبيرهم، بمعنى كونهم قادرين مختارين بالاستقلال. وقيل: بل هم الأشاعرة؛ لإنكارهم استقلال العبد في فعله أصلاً بنسبتهم ذلك إلى قدرة اللَّه سبحانه بدون مدخليّة العبد فيه بوجه. والأصحّ أنّ القدريّة هم الصوفيّة؛ لتضييقهم على أنفسهم بالرياضات الشاقّة المبتدعة المحرّمة، من القدر بمعنى الضيق.ومن معاني «العين»: الجاسوس.(لا ينزف) أي لا ينفد ماؤه بالنزح.في بعض النسخ: «فألق إليهم وادعهم».(وساءلاه) من المسائلة للكثرة.(إلّا طائفة عمّار) يعني عمّار بن موسى الساباطي وأصحابه القائلين أوّلاً بإمامة الأفطح. وروي أنّ عبداللَّه عاش بعد أبيه أبي عبداللَّه عليه السلام سبعين يوماً، فرجع أكثر الفطحيّة

.


1- .راجع الملل والنحل للشهرستاني ، ج 1 ، ص 161 - 162.

ص: 30

كعمّار وغيره، فقالوا بإمامة أبي الحسن الأوّل عليه السلام ووقفوا عليه.(1) وروى الكشّي - رحمه اللَّه - في عمّار الساباطي بإسناده، عن الكاظم عليه السلام أنّه قال: «إنّي استوهبت عمّار الساباطي من ربّي» فوهبه له.(2)

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَانٍ الْوَاقِفِيِّ ،(3) قَالَ : كَانَ لِيَ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لَهُ : الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ كَانَ زَاهِداً ، وَ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ أَهْلِ زَمَانِهِ ، وَ كَانَ يَتَّقِيهِ السُّلْطَانُ ؛ لِجِدِّهِ فِي الدِّينِ وَ اجْتِهَادِهِ ، وَ رُبَّمَا اسْتَقْبَلَ السُّلْطَانَ بِكَلَامٍ صَعْبٍ يَعِظُهُ ، وَ يَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَ يَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ كَانَ السُّلْطَانُ يَحْتَمِلُهُ ؛ لِصَلَاحِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ (4) هذِهِ حَالَتَهُ حَتّى كَانَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام - وَ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ - فَرَآهُ ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : «يَا أَبَا عَلِيٍّ ، مَا أَحَبَّ إِلَيَّ مَا أَنْتَ فِيهِ وَ أَسَرَّنِي ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَتْ لَكَ مَعْرِفَةٌ ، فَاطْلُبِ الْمَعْرِفَةَ» .قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا الْمَعْرِفَةُ ؟ قَالَ : «اذْهَبْ فَتَفَقَّهْ ، وَ اطْلُبِ الْحَدِيثَ». قَالَ : عَمَّنْ ؟ قَالَ : «عَنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ اعْرِضْ عَلَيَّ الْحَدِيثَ». قَالَ فَذَهَبَ ، فَكَتَبَ ، ثُمَّ جَاءَهُ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ فَأَسْقَطَهُ كُلَّهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : «اذْهَبْ فَاعْرِفِ الْمَعْرِفَةَ».وَ كَانَ الرَّجُلُ مَعْنِيّاً بِدِينِهِ ، قَالَ : فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَصَّدُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام حَتّى خَرَجَ إِلى ضَيْعَةٍ لَهُ ، فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَحْتَجُّ عَلَيْكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ، فَدُلَّنِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ ، قَالَ : فَأَخْبَرَهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ مَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الرَّجُلَيْنِ فَقَبِلَ مِنْهُ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : فَمَنْ كَانَ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ؟ قَالَ : «الْحَسَنُ عليه السلام ثُمَّ الْحُسَيْنُ عليه السلام». حَتَّى انْتَهى إِلى نَفْسِهِ ، ثُمَّ سَكَتَ .

.


1- .رجال الكشّي، ص 254، الرقم 472.
2- .رجال الكشّي، ص 406، الرقم 763.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد، عن محمّد بن فلان الواقفي».
4- .في الكافي المطبوع: «فلم تزل».

ص: 31

قَالَ : فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَنْ هُوَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : «إِنْ أَخْبَرْتُكَ ، تَقْبَلُ ؟» قَالَ : بَلى جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «أَنَا هُوَ». قَالَ : فَشَيْ ءٌ أَسْتَدِلُّ بِهِ ؟ قَالَ : «اذْهَبْ إِلى تِلْكَ الشَّجَرَةِ - وَ أَشَارَ إِلى أُمِّ غَيْلَانَ - فَقُلْ لَهَا : يَقُولُ لَكَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ : أَقْبِلِي».قَالَ : فَأَتَيْتُهَا ، فَرَأَيْتُهَا وَ اللَّهِ تَخُدُّ الْأَرْضَ خَدّاً حَتّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهَا ، فَرَجَعَتْ ، قَالَ : فَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ لَزِمَ الصَّمْتَ وَ الْعِبَادَةَ ، فَكَانَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(معنيّاً بدينه) قيل اسم مفعول من العناية، يعني ذا عناية من اللَّه تعالى بدينه. قال برهان الفضلاء: أي ملقى في الاهتمام بدينه. والأولى أي مقصوداً مشاراً إليه للأنظار بسبب دينه حتّى أنّ السلطان لا يسخط عليه في تكلّمه بكلام صعب يعظه، بل دائماً يحتمله، أي يتحمّل عنه ذلك.و«الضيعة» بالفتح: واحدة الضّياع.(ثمّ لزم الصمت) يعني التقيّة، فإنّ الصمت بلا ضرورة شرعيّة من طلوع يوم إلى غروبه، وهو المسمّى بصمت الوصال حرام شرعاً، خلافاً للصوفيّة القدريّة.(أحد) لعلّ المعنى: أحد من المخالفين أو مع المخالفين؛ لمكانه من السلطان واهتمامه في التقيّة والحذر عن الإذاعة.(تخدّ الأرض) كمدّ: تشقّها.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ قَاضِيَ سَامَرَّاءَ - بَعْدَ مَا جَهَدْتُ بِهِ وَ نَاظَرْتُهُ وَ حَاوَرْتُهُ وَ وَاصَلْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ عُلُومِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله - فَقَالَ : بَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَطُوفُ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، وأحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن الطيّب، عن عبد الوهاب بن منصور».

ص: 32

فَرَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الرِّضَا عليهما السلام يَطُوفُ بِهِ ، فَنَاظَرْتُهُ فِي مَسَائِلَ عِنْدِي ، فَأَخْرَجَهَا إِلَيَّ ، فَقُلْتُ لَهُ (1) : وَ اللَّهِ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ مَسْأَلَةً ، وَ إِنِّي وَ اللَّهِ ، لَأَسْتَحْيِي مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ لِي : «أَنَا أُخْبِرُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي ، تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِمَامِ». فَقُلْتُ : هُوَ وَ اللَّهِ هذَا ، فَقَالَ : «أَنَا هُوَ» . فَقُلْتُ : عَلَامَةً ؟ فَكَانَ فِي يَدِهِ عَصًا ، فَنَطَقَتْ ، وَ قَالَتْ : إِنَّ مَوْلَايَ إِمَامُ هذَا الزَّمَانِ وَ هُوَ الْحُجَّةُ .

هديّة:«الأكثم» بالمثلّثة، أي واسع البطن.و(سامرّاء) بفتح الميم وكسرها: مخفّف «سرّ من رأى».و(يحيى بن أكثم) معروف فيما بين المخالفين بالعلّامة.(جهدت به) كمنع: امتحنته في مقدار علمه بفضل أئمّتنا عليهم السلام. و«المناظرة»: المباحثة. «تحاوروا»: تراجعوا في الكلام. وقرأ برهان الفضلاء بالجيم، من المجاورة بمعنى المصاحبة. و«المواصلة»: المحابّة.(فقلت: علامة) أي هذه دلالة، أو المعنى تلزم لقولك دلالة. ودلالات إمامتهم عليهم السلام أكثر من أن يحصى.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(2) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وَ أَنَا يَوْمَئِذٍ وَاقِفٌ ، وَ قَدْ كَانَ أَبِي سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ سَبْعِ مَسَائِلَ ، فَأَجَابَهُ فِي سِتٍّ وَ أَمْسَكَ عَنِ السَّابِعَةِ - فَقُلْتُ : وَ اللَّهِ ، لَأَسْأَلَنَّهُ عَمَّا سَأَلَ أَبِي أَبَاهُ ، فَإِنْ أَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ ، كَانَتْ دَلَالَةً ، فَسَأَلْتُهُ ، فَأَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ أَبِي (3) فِي الْمَسَائِلِ السِّتِّ ، فَلَمْ يَزِدْ فِي الْجَوَابِ وَاواً وَ لَا يَاءً ، وَ أَمْسَكَ عَنِ السَّابِعَةِ .وَ قَدْ كَانَ أَبِي قَالَ لِأَبِيهِ : إِنِّي أَحْتَجُّ عَلَيْكَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ زَعَمْتَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ

.


1- .في «الف»: - «له».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد أو غيره، عن عليّ بن الحكم».
3- .في «الف» : «لأبي».

ص: 33

إِمَاماً ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى عُنُقِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : «نَعَمِ احْتَجَّ عَلَيَّ بِذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ إِثْمٍ ، فَهُوَ فِي رَقَبَتِي».فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ شِيعَتِنَا يُبْتَلى بِبَلِيَّةٍ أَوْ يَشْتَكِي ، فَيَصْبِرُ عَلى ذلِكَ ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ أَلْفِ شَهِيدٍ» .فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَ اللَّهِ ، مَا كَانَ لِهذَا ذِكْرٌ ، فَلَمَّا مَضَيْتُ وَ كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، خَرَجَ بِي عِرْقُ الْمَدِينِيِّ ، فَلَقِيتُ مِنْهُ شِدَّةً .فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ ، حَجَجْتُ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ قَدْ بَقِيَ مِنْ وَجَعِي بَقِيَّةٌ ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ (1) لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، عَوِّذْ رِجْلِي - وَ بَسَطْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - فَقَالَ لِي : «لَيْسَ عَلى رِجْلِكَ هذِهِ بَأْسٌ ، وَ لكِنْ أَرِنِي رِجْلَكَ الصَّحِيحَةَ». فَبَسَطْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَعَوَّذَهَا ، فَلَمَّا خَرَجْتُ ، لَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتّى خَرَجَ بِيَ الْعِرْقُ ، وَ كَانَ وَجَعُهُ يَسِيراً .

هديّة:(واقف) أي على إمامة أبيه عليهما السلام. واعتقاد الواقفة أنّ موسى بن جعفر عليهما السلام حيّ غائب، وهو القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، لمثل ما روي عن الصادق عليه السلام: إنّ من ولده من هو كذلك.(2) فحمله جماعة على الولد بلا واسطة.(بمثل جواب أبيه لأبي) في بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أبي» بدون اللام. قيل: ولعلّ السابعة سؤال عن وقت ظهور القائم عليه السلام. ولعلّ المراد من قوله: «وقد كان أبي قال لأبيه» إنّي أحتجّ إظهار إصراره في الوقف لحمله الولد في حديث أبي عبداللَّه عليه السلام على الولد بلا واسطة كسائر الواقفة.(يبتلى) على المجهول.(يشتكي) على المعلوم، من الاشتكاء وهو حالة المرض.

.


1- .في الكافي المطبوع: «وقلت».
2- .اُنظر: الكافي، ج 1، ص 341، باب في الغيبة، ح 21؛ كمال الدين، ج 1، ص 287، ح 4؛ و ج 2، ص 332، باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام من النصّ على القائم.

ص: 34

والإضافة في (عرق المديني) لاميّة؛ قاله برهان الفضلاء، وهو يخرج كثيراً في رِجْل الإنسان شبيهاً بالعرق، فيلفّ كلّما يخرج حتّى ينقطع بنفسه، ولو قطع قبل ذلك صار ذا رؤوس، فيخرج كلّ رأس منه من موضع آخر ويُقال له بالفارسيّة : «رشته».و«مدين» على فعيل، بمعنى المديون، دنت الرّجل: أقرضته، فهو مدين ومديون، والمدين يكون ذليلاً لكثرة أنينه من الوجع، فسمّيت تلك العلّة بالعرق المديني، أي العرق المنسوب إلى المدين نسبة الشخص إلى الجنس، كما يُقال: شخص الإنساني.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ،(1) عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ - وَ كَانَ مِنَ الْوَاقِفَةِ - قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عليهما السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : يَكُونُ إِمَامَانِ ؟ قَالَ : «لَا ، إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ» .فَقُلْتُ لَهُ : هُوَ ذَا أَنْتَ ، لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ - وَ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بَعْدُ - فَقَالَ لِي : «وَ اللَّهِ ، لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ ، وَ يَمْحَقُ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ». فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام .فَقِيلَ لِابْنِ قِيَامَا : أَ لَا تُقْنِعُكَ هذِهِ الْآيَةُ ؟ فَقَالَ : أَمَا وَ اللَّهِ ، إِنَّهَا لَآيَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَ لكِنْ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي ابْنِهِ؟

هديّة:قد سبق مضمونه في الباب الثاني والسبعين.(2)والمراد ب (ما قال أبو عبداللَّه عليه السلام في ابنه) إمّا قوله عليه السلام: «أنّ موسى قد لبس الدّرع وساوى عليه»، وقد بيّن في الحديث الثالث من الباب السبعين (3)، وإمّا ما رواه الكشّي في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ».
2- .الكافي، ج 1، ص 321، باب الإشارة والنصّ على أبي جعفر الثاني عليه السلام، ح 7.
3- .الكافي، ج 1، ص 308، باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن موسى عليه السلام، ح 3.

ص: 35

ترجمة يحيى بن القاسم، أنّه قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «منّا ثمانية محدّثون، سابعهم القائم».(1) وقال برهان الفضلاء:هذه الرواية - على تقدير صحّتها - كانت في حياة الكاظم عليه السلام، فالمعنى أنّ مِن زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله إلى الكاظم عليه السلام وجد ثمانية من المحدّثين، سابعهم وهو الصادق عليه السلام قائم بالأمر اليوم.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنِ الْوَشَّاءِ ، قَالَ : أَتَيْتُ خُرَاسَانَ وَ أَنَا وَاقِفٌ ، فَحَمَلْتُ مَعِي مَتَاعاً ، وَ كَانَ مَعِي ثَوْبٌ وَشِيٌّ فِي بَعْضِ الرِّزَمِ ، وَ لَمْ أَشْعُرْ بِهِ ، وَ لَمْ أَعْرِفْ مَكَانَهُ ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَرْوَ ، وَ نَزَلْتُ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهَا ، لَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَ رَجُلٌ مَدَنِيٌّ مِنْ بَعْضِ مُوَلَّدِيهَا ، فَقَالَ لِي : إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ لَكَ (3) : «ابْعَثْ إِلَيَّ الثَّوْبَ الْوَشِيَّ الَّذِي عِنْدَكَ». قَالَ : فَقُلْتُ : وَ مَنْ أَخْبَرَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام بِقُدُومِي وَ أَنَا قَدِمْتُ آنِفاً ؟ وَ مَا عِنْدِي ثَوْبٌ وَشِيٌّ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، وَ عَادَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : يَقُولُ لَكَ : «بَلى هُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا ، وَ رِزْمَتُهُ كَذَا وَ كَذَا». فَطَلَبْتُهُ حَيْثُ قَالَ ، فَوَجَدْتُهُ فِي أَسْفَلِ الرِّزْمَةِ ، فَبَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِ .

هديّة:«الوشيّ»: معتلّ الفاء واللام من باب ضرب: نقش الثوب، و«الوشّاء» بالمدّ: نقّاشه، والوشيّ فعيل بمعنى المفعول.و«الرِّزمة» بتقديم المهملة المكسورة: ما شدّ في ثوب واحد. الجوهري: «الرّزمة»: الكارة من الثياب.(4)والفتح لغة، والجمع رُزُم، كارم والكارة: ما يحمل على الظهر من الثياب، وتكوير

.


1- .رجال الكشّي، ص 474، الرقم 901.
2- .يعنى: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
3- .فى «د»: - «لك».
4- .الصحاح، ج 5، ص 1931 (رزم).

ص: 36

المتاع: جمعه وشدّه، ورزّم الثياب ترزيماً: شدّها.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ،(1) قَالَ : كُنْتُ وَاقِفاً ، وَ حَجَجْتُ عَلى تِلْكَ الْحَالِ ، فَلَمَّا صِرْتُ بِمَكَّةَ ، خَلَجَ فِي صَدْرِي شَيْ ءٌ ، فَتَعَلَّقْتُ بِالْمُلْتَزَمِ ، ثُمَّ قُلْتُ : اللَّهُمَّ قَدْ عَلِمْتَ طَلِبَتِي وَ إِرَادَتِي ، فَأَرْشِدْنِي إِلى خَيْرِ الْأَدْيَانِ .فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنْ آتِيَ الرِّضَا عليه السلام ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ، فَوَقَفْتُ بِبَابِهِ ، وَ قُلْتُ لِلْغُلَامِ : قُلْ لِمَوْلَاكَ : رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْبَابِ ، قَالَ : فَسَمِعْتُ نِدَاءَهُ وَ هُوَ يَقُولُ : «ادْخُلْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ ، ادْخُلْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغِيرَةِ». فَدَخَلْتُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ، قَالَ لِي : «قَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَكَ ، وَ هَدَاكَ لِدِينِهِ». فَقُلْتُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ ، وَ أَمِينُهُ عَلى خَلْقِهِ .

هديّة:(الملتزم) بفتح الزاي: موضع من الكعبة قرب الركن اليماني تجاه الباب. و«الطلبة» بكسر اللام: ما طلبته من شي ء.ووجه تكرار ندائه عليه السلام ظاهر.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُلَيْلٍ يَقُولُ بِعَبْدِ اللَّهِ ، فَصَارَ إِلَى الْعَسْكَرِ ، فَرَجَعَ عَنْ ذلِكَ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ سَبَبِ رُجُوعِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي عَرَّضْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ (3)عَنْ ذلِكَ ، فَوَافَقَنِي فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ ، فَمَالَ نَحْوِي حَتّى إِذَا حَاذَانِي أَقْبَلَ نَحْوِي بِشَيْ ءٍ مِنْ فِيهِ ، فَوَقَعَ عَلى صَدْرِي ، فَأَخَذْتُهُ فَإِذَا هُوَ رَقٌّ فِيهِ مَكْتُوبٌ : «مَا كَانَ هُنَالِكَ ، وَ لَا كَذلِكَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «ابن فضّال ، عن عبد اللَّه بن المغيرة».
2- .يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
3- .في الكافي المطبوع: «أن أسأله».

ص: 37

هديّة:(هليل) كصغير: تصغير هلال.و«التعريض»: البسط، والمراد بسط العزم أو الشخص للسؤال.(بعبد اللَّه) أي بإمامة عبد اللَّه الأفطح.و(العسكر): محلّة بسرّ من رأى.ولعلّ المراد ب (أبي الحسن) هو الهادي عليه السلام.و«الرّقّ» بالفتح ويكسر: ما يعدّ من جلد الظبي للكتابة.في بعض النسخ: «هناك» مكان (هنالك).قال برهان الفضلاء: يعني ما كان عبد اللَّه في مرتبة الإمامة، ولا مثل مرتبة الإمامة، يعني ولا في مرتبة قريبة من مرتبة الإمامة.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا - ذَكَرَ اسْمَهُ - قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا(1) مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (2) بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُوسى ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالُوا : «جَاءَتْ أُمُّ أَسْلَمَ (3)إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله - وَ هُوَ فِي مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ - فَسَأَلَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَتْ : خَرَجَ فِي بَعْضِ الْحَوَائِجِ وَ السَّاعَةَ يَجِي ءُ ، فَانْتَظَرَتْهُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ حَتّى جَاءَ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَتْ أُمُّ أَسْلَمَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ الْكُتُبَ ، وَ عَلِمْتُ كُلَّ نَبِيٍّ وَ وَصِيٍّ ، فَمُوسى كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فِي حَيَاتِهِ ، وَ وَصِيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَ كَذلِكَ عِيسى ، فَمَنْ وَصِيُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ لَهَا : يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، وَصِيِّي فِي حَيَاتِي وَ بَعْدَ مَمَاتِي وَاحِدٌ .ثُمَّ قَالَ لَهَا : يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، مَنْ فَعَلَ فِعْلِي ، فَهُوَ وَصِيِّي .

.


1- .في الكافي المطبوع: «أخبرنا».
2- .في الكافي المطبوع: + «بن عبيداللَّه».
3- .في الكافي المطبوع: + «يوماً».

ص: 38

ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى حَصَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَفَرَكَهَا بِإِصْبَعِهِ ، فَجَعَلَهَا شِبْهَ الدَّقِيقِ ، ثُمَّ عَجَنَهَا ، ثُمَّ طَبَعَهَا بِخَاتَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ فَعَلَ فِعْلِي هذَا ، فَهُوَ وَصِيِّي فِي حَيَاتِي وَ بَعْدَ مَمَاتِي.فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي، أَنْتَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا أُمَّ أَسْلَمَ .ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى حَصَاةٍ ، فَفَرَكَهَا ، فَجَعَلَهَا كَهَيْئَةِ الدَّقِيقِ ، ثُمَّ عَجَنَهَا ، وَ خَتَمَهَا بِخَاتَمِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، مَنْ فَعَلَ فِعْلِي هذَا ، فَهُوَ وَصِيِّي.فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ عليه السلام وَ هُوَ غُلَامٌ - فَقُلْتُ لَهُ : يَا سَيِّدِي ، أَنْتَ وَصِيُّ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ ، وَ أَخَذَ حَصَاةً ، فَفَعَلَ بِهَا كَفِعْلِهِمَا .فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَتَيْتُ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ إِنِّي لَمُسْتَصْغِرَةٌ لِسِنِّهِ - فَقُلْتُ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَنْتَ وَصِيُّ أَخِيكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ يَا أُمَّ أَسْلَمَ ، ائْتِينِي بِحَصَاةٍ. ثُمَّ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ عليهم السلام .فَعَمَّرَتْ أُمُّ أَسْلَمَ حَتّى لَحِقَتْ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فِي مُنْصَرَفِهِ ، فَسَأَلَتْهُ : أَنْتَ وَصِيُّ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . ثُمَّ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ» .

هديّة:(وصيّ في حياته) يعني هارون، (ووصيّ بعد موته) يعني يوشع بن نون.(فخرجت من عنده) أوّلاً إلى قوله: (فعمّرت) على المجهول من التفعيل، ليس على نسق الفقرات السابقة، بل حكاية كلام اُمّ أسلم بتقدير القول، فلا تغفل.(لمستصغره) بالتاء أو بالضمير.والضمير في (منصرفه) لعليّ بن الحسين عليهما السلام، (فسألته) أي اُمّ أسلم عليّ بن الحسين عليهما السلام.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجَارُودِ ،(1) عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرِ بْنِ دَابٍ ، عَمَّنْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن الجارود».

ص: 39

حَدَّثَهُ (1) : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ دَخَلَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، وَ مَعَهُ كُتُبٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَدْعُونَهُ فِيهَا إِلى أَنْفُسِهِمْ ، وَ يُخْبِرُونَهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ ، وَ يَأْمُرُونَهُ بِالْخُرُوجِ .فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هذِهِ الْكُتُبُ ابْتِدَاءٌ مِنْهُمْ ، أَوْ جَوَابُ مَا كَتَبْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ وَ دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ ؟» فَقَالَ : بَلِ ابْتِدَاءٌ مِنَ الْقَوْمِ ؛ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِّنَا وَ بِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لِمَا يَجِدُونَهُ (2) فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - مِنْ وُجُوبِ مَوَدَّتِنَا وَ فَرْضِ طَاعَتِنَا ، وَ لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ وَ الضَّنْكِ وَ الْبَلَاءِ .فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ الطَّاعَةَ مَفْرُوضَةٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَسُنَّةٌ أَمْضَاهَا فِي الْأَوَّلِينَ ، وَ كَذلِكَ يُجْرِيهَا فِي الْآخِرِينَ ، وَ الطَّاعَةُ لِوَاحِدٍ مِنَّا ، وَ الْمَوَدَّةُ لِلْجَمِيعِ ، وَ أَمْرُ اللَّهِ يَجْرِي لِأَوْلِيَائِهِ بِحُكْمٍ مَوْصُولٍ ، وَ قَضَاءٍ مَفْصُولٍ ، وَ حَتْمٍ مَقْضِيٍّ ، وَ قَدَرٍ مَقْدُورٍ ، وَ أَجَلٍ مُسَمًّى لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ ، فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ، فَلَا تَعْجَلْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ ، وَ لَا تَسْبِقَنَّ اللَّهَ ؛ فَتُعْجِزَكَ الْبَلِيَّةُ فَتَصْرَعَكَ».قَالَ : فَغَضِبَ زَيْدٌ عِنْدَ ذلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : لَيْسَ الْإِمَامُ مِنَّا مَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ ، وَ أَرْخى سِتْرَهُ ، وَ ثَبَّطَ عَنِ الْجِهَادِ ، وَ لكِنَّ الْإِمَامَ مِنَّا مَنْ مَنَعَ حَوْزَتَهُ ، وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَ دَفَعَ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَ ذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِ .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هَلْ تَعْرِفُ يَا أَخِي مِنْ نَفْسِكَ شَيْئاً مِمَّا نَسَبْتَهَا إِلَيْهِ ؛ فَتَجِي ءَ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ حُجَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، أَوْ تَضْرِبَ بِهِ مَثَلًا ؟ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَحَلَّ حَلَالاً ، وَ حَرَّمَ حَرَاماً ، وَ فَرَضَ فَرَائِضَ ، وَ ضَرَبَ أَمْثَالاً ، وَ سَنَّ سُنَناً ، وَ لَمْ يَجْعَلِ الْإِمَامَ الْقَائِمَ بِأَمْرِهِ فِي شُبْهَةٍ فِيمَا فَرَضَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ أَنْ يَسْبِقَهُ بِأَمْرٍ قَبْلَ مَحَلِّهِ ، أَوْ يُجَاهِدَ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ ؛ وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فِي الصَّيْدِ : «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» أَفَقَتْلُ الصَّيْدِ أَعْظَمُ ، أَمْ قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ؟

.


1- .في الكافي المطبوع: + «عن أبي جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع: «يجدون».

ص: 40

وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مَحَلاًّ ، وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ» فَجَعَلَ الشُّهُورَ عِدَّةً مَعْلُومَةً ، فَجَعَلَ مِنْهَا أَرْبَعَةً حُرُماً ، وَ قَالَ : «فَسِيحُوا فِى الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللَّهِ» .ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» فَجَعَلَ لِذلِكَ مَحَلاًّ ، وَ قَالَ : «وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ» فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مَحَلّاً ، وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً .فَإِنْ كُنْتَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ ، وَ يَقِينٍ مِنْ أَمْرِكَ ، وَ تِبْيَانٍ مِنْ شَأْنِكَ ، فَشَأْنَكَ ، وَ إِلَّا فَلَا تَرُومَنَّ أَمْراً أَنْتَ مِنْهُ فِي شَكٍّ وَ شُبْهَةٍ ، وَ لَا تَتَعَاطَ زَوَالَ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ أُكُلُهُ ، وَ لَمْ يَنْقَطِعْ مَدَاهُ ، وَ لَمْ يَبْلُغِ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، فَلَوْ قَدْ بَلَغَ مَدَاهُ ، وَ انْقَطَعَ أُكُلُهُ ، وَ بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، لَانْقَطَعَ الْفَصْلُ ، وَ تَتَابَعَ النِّظَامُ ، وَ لَأَعْقَبَ اللَّهُ فِي التَّابِعِ وَ الْمَتْبُوعِ الذُّلَّ وَ الصَّغَارَ .أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ إِمَامٍ ضَلَّ عَنْ وَقْتِهِ ، فَكَانَ التَّابِعُ فِيهِ أَعْلَمَ مِنَ الْمَتْبُوعِ ، أَ تُرِيدُ يَا أَخِي أَنْ تُحْيِيَ مِلَّةَ قَوْمٍ قَدْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَ عَصَوْا رَسُولَهُ ، وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ، وَ ادَّعَوُا الْخِلَافَةَ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ وَ لَا عَهْدٍ مِنْ رَسُولِهِ ؟ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا أَخِي أَنْ تَكُونَ غَداً الْمَصْلُوبَ بِالْكُنَاسَةِ».ثُمَّ ارْفَضَّتْ عَيْنَاهُ ، وَ سَالَتْ دُمُوعُهُ ، ثُمَّ قَالَ : «اللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَنْ هَتَكَ سِتْرَنَا ، وَ جَحَدَنَا حَقَّنَا ، وَ أَفْشى سِرَّنَا ، وَ نَسَبَنَا إِلى غَيْرِ جَدِّنَا ، وَ قَالَ فِينَا مَا لَمْ نَقُلْهُ فِي أَنْفُسِنَا» .

هديّة:(الضّنك) بفتح المعجمة: شدّة الضّيق.(بحكم موصول): متّصل وارد لواحد بعد واحد.(مفصول): غير مشتبه.ووصف القدر بالمقدور للمبالغة.(لا يستخفنّك): لا يحملنّك على الخفّة(1) في العقل والقلق في الخاطر.

.


1- .في «د»: - «على الخفّة».

ص: 41

(إنّهم لن يغنوا عنك من اللَّه شيئاً). أي لن يقدروا على إيصالهم فائدة إليك بالدفع عنك من عذاب اللَّه شيئاً. و«العجل» بالتحريك، وكذا «العجلة»: خلاف البطؤ، وقد عجل كعلم وتعجّل بمعنى، ومن التفعيل يتعدّى ولا يتعدّى.«صرعه» كمنع: أسقطه بالغلبة عليه.(ثبط عن الجهاد) كعلم : شغل عنه، وثبّط غيره عنه تثبيطاً.(ممّا نسبتها إليه) من خصائص الإمامة.(أو تضرب به مثلاً) بأنّ اللَّه تعالى جعل في الأيّام الخالية مثلك المعرّى عن خصائص الإمامة إماماً.(أن يسبقه) بتقدير: من أن يسبقه، كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء: «وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ»(1) فمتعلّق بقوله: (ولم يجعل)، باعتبار اشتماله على المنع، فحاصل المعنى - على ما صرّح به برهان الفضلاء - أنّه ممنوع من كذا ومن كذا، فاللفظ على التعداد والمعنى على العطف.وآية «لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ»(2) في المائدة.(أفقتل الصيد أعظم) ناظرٌ إلى آية: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»(3) في سورة بني إسرائيل.وآية: «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ»(4) في المائدة. و«الشعائر» إمّا جمع «شعار» بالكسر، يعني علامات الإسلام، أو جمع «شعير» على فعيل بمعنى المفعول، أي المعلومات للخلق حرمتها كمكّة وحرمها، والصفا والمروة ونحو ذلك.وآية: «فَسِيحُوا فِى الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»(5) في سورة التوبة؛ شوّال وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم.

.


1- .الأنبياء (21): 31.
2- .المائدة (5): 95 .
3- .الإسراء (17): 70.
4- .المائدة (5): 2.
5- .التوبة (9): 2.

ص: 42

وكذا آية: «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ»(1)، وآية: «وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ»(2) في سورة البقرة.(فشأنك) أي فالزم شأنك وفعلك المراد لك.«رامه»: قصده.و«التعاطي»: التناول.(زوال ملك) يعني ملك بني اُميّة.(أكله) بالضمّ وبالضمّتين: رزقه أو حظّه من الدنيا.(مداه): غايته، (لانقطع الفصل) بين دولة الحقّ وصاحبها، أو بينها وبين دولة الباطل، كما قيل. وقرأ برهان الفضلاء بالمعجمة، أي ما بقى أو فضل دنياهم.(في التابع والمتبوع) من أهل الباطل.و(الكناسة) بالضمّ والتخفيف: موضع بالكوفة.(غدا) يعني في زمن إمامة الصادق عليه السلام.(ارفضّت) بتشديد المعجمة: رشّت وترشّحت.(اللَّه بيننا) أي حكم بيننا؛ تعريضٌ لمن عادى زيداً.(سرّنا) أي إمامتنا عند السلطان.(إلى غير جدّنا) قال برهان الفضلاء: أي إلى غير مرتبة عظمتنا. وسيأتي أخبار في علوّ شأن زيد، وأنّه وأصحابه الجاهدين معه يدخلون الجنّة بغير حساب، وأنّه إنّما كان يطلب الأمر لرضا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله وأنّه كان يعرف حجّة زمانه وكان مصدّقاً به صلوات اللَّه عليه.

الحديث السابع عشرروى في الكافي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَنْجَوَيْهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْأَرْمَنِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : أَتَيْنَا خَدِيجَةَ

.


1- .التوبة (9): 5.
2- .البقرة (2): 235.

ص: 43

- بِنْتَ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - نُعَزِّيهَا بِابْنِ بِنْتِهَا ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهَا مُوسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَإِذَا هِيَ فِي نَاحِيَةٍ قَرِيباً مِنَ النِّسَاءِ ، فَعَزَّيْنَاهُمْ ، ثُمَّ أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ لِابْنَةِ أَبِي يَشْكُرَ الرَّاثِيَةِ : قُولِي ، فَقَالَتْ :اُعْدُدْ رَسُولَ اللَّهِ وَ اعْدُدْ بَعْدَهُ أَسَدَ الْإِلهِ وَ ثَالِثاً عَبَّاسَاوَ اعْدُدْ عَلِيَّ الْخَيْرِ وَ اعْدُدْ جَعْفَراًوَ اعْدُدْ عَقِيلاً بَعْدَهُ الرُّؤّسَا(1) .فَقَالَ : أَحْسَنْتِ وَ أَطْرَبْتِنِي ، زِيدِينِي ، فَانْدَفَعَتْ تَقُولُ :وَ مِنَّا إِمَامُ الْمُتَّقِينَ مُحَمَّدٌوَ حَمْزَةُ مِنَّا وَ الْمُهَذَّبُ جَعْفَرُوَ مِنَّا عَلِيٌّ صِهْرُهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ فَارِسُهُ ذَاكَ الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُفَأَقَمْنَا عِنْدَهَا(2) حَتّى كَادَ اللَّيْلُ أَنْ يَجِي ءَ .ثُمَّ قَالَتْ خَدِيجَةُ : سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ يَقُولُ : «إِنَّمَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَأْتَمِ إِلَى النَّوْحِ لِتَسِيلَ دَمْعَتُهَا ، وَ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَقُولَ هُجْراً ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ ، فَلَا تُؤْذِي الْمَلَائِكَةَ بِالنَّوْحِ».ثُمَّ خَرَجْنَا ، فَغَدَوْنَا إِلَيْهَا غُدْوَةً ، فَتَذَاكَرْنَا عِنْدَهَا اخْتِزَالَ مَنْزِلِهَا مِنْ دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، فَقَالَتْ (3) : هذِهِ دَارٌ تُسَمّى دَارَ السَّرِقَةِ ، فَقَالَتْ : هذَا مَا اصْطَفى مَهْدِيُّنَا - يَعْنِي (4) مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ تُمَازِحُهُ بِذلِكَ - فَقَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَ اللَّهِ ، لَأُخْبِرَنَّكُمْ بِالْعَجَبِ :رَأَيْتُ أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا أَخَذَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ أَجْمَعَ عَلى لِقَاءِ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : لَا أَجِدُ هذَا الْأَمْرَ يَسْتَقِيمُ إِلَّا أَنْ أَلْقى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَانْطَلَقَ - وَ هُوَ مُتَّكٍ عَلَيَّ - فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتّى أَتَيْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَقِينَاهُ خَارِجاً يُرِيدُ الْمَسْجِدَ ، فَاسْتَوْقَفَهُ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «الروّاسا».
2- .في «الف»: «عنده».
3- .في حاشية «ألف و د» والكافي المطبوع: «فقال».
4- .في الكافي المطبوع: «تعني».

ص: 44

وَ كَلَّمَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَيْسَ هذَا مَوْضِعَ ذلِكَ ، نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَرَجَعَ أَبِي مَسْرُوراً .ثُمَّ أَقَامَ حَتّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَوْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ ، انْطَلَقْنَا حَتّى أَتَيْنَاهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبِي وَ أَنَا مَعَهُ ، فَابْتَدَأَ الْكَلَامَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ فِيمَا يَقُولُ : قَدْ عَلِمْتَ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - أَنَّ السِّنَّ لِي عَلَيْكَ ، وَ أَنَّ فِي قَوْمِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ قَدَّمَ لَكَ فَضْلاً لَيْسَ هُوَ لِأَحَدٍ مِنْ قَوْمِكَ ، وَ قَدْ جِئْتُكَ مُعْتَمِداً لِمَا أَعْلَمُ مِنْ بِرِّكَ ، وَ أَعْلَمُ - فَدَيْتُكَ - أَنَّكَ إِذَا أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ ، وَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيَّ اثْنَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَ لَا غَيْرِهِمْ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّكَ تَجِدُ غَيْرِي أَطْوَعَ لَكَ مِنِّي ، وَ لَا حَاجَةَ لَكَ فِيَّ ؛ فَوَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي أُرِيدُ الْبَادِيَةَ أَوْ أَهُمُّ بِهَا ، فَأَثْقُلُ عَنْهَا ، وَ أُرِيدُ الْحَجَّ فَمَا أُدْرِكُهُ إِلَّا بَعْدَ كَدٍّ وَ تَعَبٍ وَ مَشَقَّةٍ عَلى نَفْسِي ؛ فَاطْلُبْ غَيْرِي ، وَ سَلْهُ ذلِكَ ، وَ لَا تُعْلِمْهُمْ أَنَّكَ جِئْتَنِي» .فَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ مَادُّونَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ ، وَ إِنْ أَجَبْتَنِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنِّي أَحَدٌ ، وَ لَكَ أَنْ لَا تُكَلَّفَ قِتَالاً وَ لَا مَكْرُوهاً.قَالَ : وَ هَجَمَ عَلَيْنَا نَاسٌ فَدَخَلُوا ، وَ قَطَعُوا كَلَامَنَا ، فَقَالَ أَبِي : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ : «نَلْتَقِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَقَالَ : أَ لَيْسَ عَلى مَا أُحِبُّ ؟ فَقَالَ : «عَلى مَا نُحِبُ (1) - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - مِنْ إِصْلَاحِكَ».ثُمَّ انْصَرَفَ حَتّى جَاءَ الْبَيْتَ ، فَبَعَثَ رَسُولاً إِلى مُحَمَّدٍ فِي جَبَلٍ بِجُهَيْنَةَ - يُقَالُ لَهُ : الْأَشْقَرُ - عَلى لَيْلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَبَشَّرَهُ ، وَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ لَهُ بِوَجْهِ حَاجَتِهِ وَ مَا طَلَبَ .ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، فَوُقِّفْنَا بِالْبَابِ - وَ لَمْ نَكُنْ نُحْجَبُ إِذَا جِئْنَا - فَأَبْطَأَ الرَّسُولُ ، ثُمَّ أَذِنَ لَنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ ، فَجَلَسْنَا(2) فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ ، وَ دَنَا أَبِي إِلَيْهِ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ عُدْتُ إِلَيْكَ رَاجِياً ، مُؤَمِّلاً ، قَدِ انْبَسَطَ رَجَائِي وَ أَمَلِي ، وَ رَجَوْتُ الدَّرْكَ لِحَاجَتِي .

.


1- .في الكافي المطبوع: «تحبّ».
2- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «فجلست».

ص: 45

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِهذَا الْأَمْرِ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ ، وَ إِنِّي لَخَائِفٌ عَلَيْكَ أَنْ يَكْسِبَكَ شَرّاً».فَجَرَى الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا حَتّى أَفْضى إِلى مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ ، وَ كَانَ مِنْ قَوْلِهِ : بِأَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ الْحُسَيْنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْحَسَنِ ؟فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «رَحِمَ اللَّهُ الْحَسَنَ وَ رَحِمَ الْحُسَيْنَ ، وَ كَيْفَ ذَكَرْتَ هذَا ؟!» قَالَ : لِأَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ - إِذَا عَدَلَ - أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الْأَسَنِّ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ .فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمَّا أَنْ أَوْحى إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَوْحى إِلَيْهِ بِمَا شَاءَ ، وَ لَمْ يُؤَامِرْ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَ أَمَرَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بِمَا شَاءَ ، فَفَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ ، وَ لَسْنَا نَقُولُ فِيهِ إِلَّا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ تَبْجِيلِهِ وَ تَصْدِيقِهِ ، فَلَوْ كَانَ أَمَرَ الْحُسَيْنَ عليه السلام أَنْ يُصَيِّرَهَا فِي الْسِّنِ (1) ، أَوْ يَنْقُلَهَا فِي وُلْدِهِمَا - يَعْنِي الْوَصِيَّةَ - لَفَعَلَ ذلِكَ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَ مَا هُوَ بِالْمُتَّهَمِ عِنْدَنَا فِي الذَّخِيرَةِ لِنَفْسِهِ ، وَ لَقَدْ وَلّى وَ تَرَكَ ذلِكَ ، وَ لكِنَّهُ مَضى لِمَا أُمِرَ بِهِ ، وَ هُوَ جَدُّكَ وَ عَمُّكَ ؛ فَإِنْ قُلْتَ خَيْراً ، فَمَا أَوْلَاكَ بِهِ ، وَ إِنْ قُلْتَ هُجْراً ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَطِعْنِي يَا ابْنَ عَمِّ ، وَ اسْمَعْ كَلَامِي ، فَوَ اللَّهِ - الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ - لَا آلُوكَ نُصْحاً وَ حِرْصاً ، فَكَيْفَ وَ لَا أَرَاكَ تَفْعَلُ ، وَ مَا لِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ مَرَدٍّ» .فَسُرَّ أَبِي عِنْدَ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «وَ اللَّهِ ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْأَحْوَلُ الْأَكْشَفُ ، الْأَخْضَرُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا».فَقَالَ أَبِي : لَيْسَ هُوَ ذَاكَ (2) ، وَ اللَّهِ ، لَيُحَارِبَنَّ بِالْيَوْمِ يَوْماً ، وَ بِالسَّاعَةِ سَاعَةً ، وَ بِالسَّنَةِ سَنَةً ، وَ لَيَقُومَنَّ بِثَأْرِ بَنِي أَبِي طَالِبٍ جَمِيعاً .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ هذَا الْبَيْتُ يَلْحَقُ صَاحِبَنَا :[.........................................]مَنَّتْكَ نَفْسُكَ فِي الْخَلَاءِ ضَلَالاً

.


1- .في الكافي المطبوع: «الأسنّ».
2- .في الكافي المطبوع: «ذلك».

ص: 46

لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ ، وَ لَا يَبْلُغُ عَمَلُهُ الطَّائِفَ إِذَا أَحْفَلَ - يَعْنِي إِذَا جَهَدَ(1) نَفْسَهُ - وَ مَا لِلْأَمْرِ مِنْ بُدٍّ أَنْ يَقَعَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ ، وَ ارْحَمْ نَفْسَكَ وَ بَنِي أَبِيكَ ؛ فَوَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَرَاهُ أَشْأَمَ سَلْحَةٍ أَخْرَجَتْهَا أَصْلَابُ الرِّجَالِ إِلى أَرْحَامِ النِّسَاءِ ؛ وَ اللَّهِ ، إِنَّهُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ بَيْنَ دُورِهَا ؛ وَ اللَّهِ ، لَكَأَنِّي بِهِ صَرِيعاً ، مَسْلُوباً بِزَّتَهُ ، بَيْنَ رِجْلَيْهِ لَبِنَةٌ ، وَ لَا يَنْفَعُ هذَا الْغُلَامَ مَا يَسْمَعُ - قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : يَعْنِينِي - وَ لَيَخْرُجَنَّ مَعَهُ فَيُهْزَمُ وَ يُقْتَلُ صَاحِبُهُ ، ثُمَّ يَمْضِي ، فَيَخْرُجُ مَعَهُ رَايَةٌ أُخْرى ، فَيُقْتَلُ كَبْشُهَا ، وَ يُهْزَمُ (2) جَيْشُهَا ، فَإِنْ أَطَاعَنِي ، فَلْيَطْلُبِ الْأَمَانَ عِنْدَ ذلِكَ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ حَتّى يَأْتِيَهُ اللَّهُ بِالْفَرَجِ .وَ لَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ هذَا(3) الْأَمْرَ لَا يَتِمُّ ، وَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ وَ نَعْلَمُ (4)أَنَّ ابْنَكَ الْأَحْوَلُ الْأَخْضَرُ الْأَكْشَفُ الْمَقْتُولُ بِسُدَّةِ أَشْجَعَ بَيْنَ دُورِهَا عِنْدَ بَطْنِ مَسِيلِهَا» .فَقَامَ أَبِي وَ هُوَ يَقُولُ : بَلْ يُغْنِي اللَّهُ عَنْكَ ؛ وَ لَتَعُودَنَّ ، أَوْ لَيَفِي ءَ(5) اللَّهُ بِكَ وَ بِغَيْرِكَ ، وَ مَا أَرَدْتَ بِهذَا إِلَّا امْتِنَاعَ غَيْرِكَ ، وَ أَنْ يَكُونَ (6) ذَرِيعَتَهُمْ إِلى ذلِكَ .فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «اللَّهُ يَعْلَمُ مَا أُرِيدُ إِلَّا نُصْحَكَ وَ رُشْدَكَ ، وَ مَا عَلَيَّ إِلَّا الْجَهْدُ».فَقَامَ أَبِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُغْضَباً ، فَلَحِقَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : «أُخْبِرُكَ أَنِّي سَمِعْتُ عَمَّكَ - وَ هُوَ خَالُكَ - يَذْكُرُ أَنَّكَ وَ بَنِي أَبِيكَ سَتُقْتَلُونَ ، فَإِنْ أَطَعْتَنِي وَ رَأَيْتَ أَنْ تَدْفَعَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَافْعَلْ ؛ وَوَاللَّهِ (7) - الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهَادَةِ ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ عَلى خَلْقِهِ - لَوَدِدْتُ أَنِّي فَدَيْتُكَ بِوُلْدِي ، وَ بِأَحَبِّهِمْ إِلَيَّ ، وَ بِأَحَبِّ أَهْلِ بَيْتِي إِلَيَّ ، وَ مَا يَعْدِلُكَ عِنْدِي شَيْ ءٌ ، فَلَا تَرى أَنِّي غَشَشْتُكَ». فَخَرَجَ أَبِي مِنْ عِنْدِهِ مُغْضَباً أَسِفاً .

.


1- .في الكافي المطبوع: «أجهد».
2- .في حاشية «الف» وفي الكافي المطبوع: «يتفرّق».
3- .في «د»: «إنّ بهذا» بدل «بأنّ هذا».
4- .في «د»: «تعلم».
5- .في الكافي المطبوع : «وليقي».
6- .في الكافي المطبوع: «تكون».
7- .في الكافي المطبوع: «فو اللَّه».

ص: 47

قَالَ : فَمَا أَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ إِلَّا قَلِيلًا - عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ نَحْوَهَا - حَتّى قَدِمَتْ رُسُلُ أَبِي جَعْفَرٍ ، فَأَخَذُوا أَبِي وَ عُمُومَتِي : سُلَيْمَانَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ حَسَنَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ دَاوُدَ بْنَ حَسَنٍ ، وَ عَلِيَّ بْنَ حَسَنٍ ، وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ بْنِ حَسَنٍ ، وَ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَسَنٍ ، وَ حَسَنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَسَنٍ ، وَ طَبَاطَبَا إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الحَسَنِ (1) ، وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ .قَالَ : فَصُفِدُوا فِي الْحَدِيدِ ، ثُمَّ حُمِلُوا فِي مَحَامِلَ أَعْرَاءً لَا وِطَاءَ فِيهَا ، وَ وُقِّفُوا فِي المُصَلَّى (2) لِكَيْ يَشْتِمَهُمُ النَّاسُ .قَالَ : فَكَفَّ النَّاسُ عَنْهُمْ ، وَ رَقُّوا لَهُمْ لِلْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا ، ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِمْ حَتّى وُقِّفُوا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيُّ : فَحَدَّثَتْنَا خَدِيجَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ : أَنَّهُمْ لَمَّا أُوقِفُوا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ - الْبَابِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : بَابُ جَبْرَئِيلَ - أَطْلَعَ عَلَيْهِمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - وَ عَامَّةُ رِدَائِهِ مَطْرُوحٌ بِالْأَرْضِ - ثُمَّ أَطْلَعَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : «لَعَنَكُمُ اللَّهُ يَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ - ثَلَاثاً - مَا عَلى هذَا عَاهَدْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لَا بَايَعْتُمُوهُ ، أَمَا وَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ حَرِيصاً ، وَ لَكِنِّي غُلِبْتُ ، وَ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ مَدْفَعٌ».ثُمَّ قَامَ وَ أَخَذَ إِحْدى نَعْلَيْهِ ، فَأَدْخَلَهَا رِجْلَهُ ، وَ الْأُخْرى فِي يَدِهِ ، وَ عَامَّةُ رِدَائِهِ يَجُرُّهُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ ، فَحُمَّ عِشْرِينَ لَيْلَةً لَمْ يَزَلْ يَبْكِي فِيهَا اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ حَتّى خِفْنَا عَلَيْهِ . فَهَذَا حَدِيثُ خَدِيجَةَ .قَالَ الْجَعْفَرِيُّ : وَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ : أَنَّهُ لَمَّا طُلِعَ بِالْقَوْمِ فِي الْمَحَامِلِ ، قَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مِنَ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ أَهْوى إِلَى الْمَحْمِلِ الَّذِي فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ يُرِيدُ كَلَامَهُ ، فَمُنِعَ أَشَدَّ الْمَنْعِ ، وَ أَهْوى إِلَيْهِ الْحَرَسِيُّ ، فَدَفَعَهُ ، وَ قَالَ : تَنَحَّ عَنْ هذَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيكَ وَ يَكْفِي غَيْرَكَ ، ثُمَّ دُخِلَ بِهِمُ الزُّقَاقَ ، وَ رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِلى مَنْزِلِهِ ، فَلَمْ يُبْلَغْ

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «بالمصلّى».

ص: 48

بِهِمُ الْبَقِيعَ حَتَّى ابْتُلِيَ الْحَرَسِيُّ بَلَاءً شَدِيداً ، رَمَحَتْهُ نَاقَتُهُ ، فَدَقَّتْ وَرِكَهُ ، فَمَاتَ فِيهَا ، وَ مُضِيَ بِالْقَوْمِ .فَأَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ حِيناً ، ثُمَّ أُتِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (1) ، فَأُخْبِرَ أَنَّ أَبَاهُ وَ عُمُومَتَهُ قُتِلُوا - قَتَلَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ - إِلَّا حَسَنَ بْنَ جَعْفَرٍ وَ طَبَاطَبَا وَ عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ وَ دَاوُدَ بْنَ الحَسَنِ (2) وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ .قَالَ : فَظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ ذلِكَ ، وَ دَعَا النَّاسَ لِبَيْعَتِهِ .قَالَ : فَكُنْتُ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ بَايَعُوهُ ، وَ اسْتَوْسَقَ (3) النَّاسَ لِبَيْعَتِهِ ، وَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ قُرَشِيٌّ وَ لَا أَنْصَارِيٌّ وَ لَا عَرَبِيٌّ .قَالَ : وَ شَاوَرَ عِيسَى بْنَ زَيْدٍ - وَ كَانَ مِنْ ثِقَاتِهِ وَ كَانَ عَلى شُرَطِهِ - فَشَاوَرَهُ فِي الْبِعْثَةِ إِلى وُجُوهِ قَوْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : إِنْ دَعَوْتَهُمْ دُعَاءً يَسِيراً ، لَمْ يُجِيبُوكَ ، أَوْ تَغْلُظَ عَلَيْهِمْ ، فَخَلِّنِي وَ إِيَّاهُمْ ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : امْضِ إِلى مَنْ أَرَدْتَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ : ابْعَثْ إِلى رَئِيسِهِمْ وَ كَبِيرِهِمْ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهما السلام - فَإِنَّكَ إِذَا غَلُظْتَ (4) عَلَيْهِ ، عَلِمُوا جَمِيعاً أَنَّكَ سَتُمِرُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الَّتِي أَمْرَرْتَ عَلَيْهَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ .قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، مَا لَبِثْنَا إِذْ5 أُتِيَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام حَتّى أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : أَسْلِمْ ؛ تَسْلَمْ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَ حَدَثَتْ نُبُوَّةٌ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؟».فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : لَا ، وَ لكِنْ بَايِعْ ؛ تَأْمَنْ عَلى نَفْسِكَ وَ مَالِكَ وَ وُلْدِكَ ، وَ لَا تُكَلَّفَنَّ حَرْباً .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَا فِيَّ حَرْبٌ وَ لَا قِتَالٌ ، وَ لَقَدْ تَقَدَّمْتُ إِلى أَبِيكَ ، وَ حَذَّرْتُهُ الَّذِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في الكافي المطبوع : «استوثق».
3- .في الكافي المطبوع: «اُغلظت».
4- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «أن».

ص: 49

حَاقَ بِهِ ، وَ لكِنْ لَا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، يَا ابْنَ أَخِي ، عَلَيْكَ بِالشَّبَابِ ، وَ دَعْ عَنْكَ الشُّيُوخَ».فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : مَا أَقْرَبَ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ فِي السِّنِّ!فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنِّي لَمْ أُعَادِكَ (1) ، وَ لَمْ أَجِئْ لِأَتَقَدَّمَ عَلَيْكَ فِي الَّذِي أَنْتَ فِيهِ».فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : لَا وَ اللَّهِ ، لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُبَايِعَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَا فِيَّ يَا ابْنَ أَخِي طَلَبٌ وَ لَا هَرَبٌ (2) ، وَ إِنِّي لَأُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى الْبَادِيَةِ ، فَيَصُدُّنِي ذلِكَ ، وَ يَثْقُلُ عَلَيَّ حَتّى يُكَلِّمَنِي (3) فِي ذلِكَ الْأَهْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَ لَا يَمْنَعُنِي مِنْهُ إِلَّا الضَّعْفُ ، وَ اللَّهِ وَ الرَّحِمِ أَنْ تُدْبِرَ عَنَّا ، وَ نَشْقى بِكَ».فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، قَدْ وَ اللَّهِ مَاتَ أَبُو الدَّوَانِيقِ يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «وَ مَا تَصْنَعُ بِي وَ قَدْ مَاتَ ؟».قَالَ : أُرِيدُ الْجَمَالَ بِكَ .قَالَ : «مَا إِلى مَا تُرِيدُ سَبِيلٌ ، لَا وَ اللَّهِ ، مَا مَاتَ أَبُو الدَّوَانِيقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَاتَ مَوْتَ النَّوْمِ» .قَالَ : وَ اللَّهِ ، لَتُبَايِعُنِي طَائِعاً أَوْ مُكْرَهاً(4) ، وَ لَا تُحْمَدُ فِي بَيْعَتِكَ ، فَأَبى عَلَيْهِ إِبَاءً شَدِيداً ، فَأَمَرَ(5) بِهِ إِلَى الْحَبْسِ .فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : أَمَا إِنْ طَرَحْنَاهُ فِي السِّجْنِ - وَ قَدْ خَرِبَ السِّجْنُ ، وَ لَيْسَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ (6) غَلَقٌ - خِفْنَا أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُ ، فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : «لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَ وَ تُرَاكَ تَسْجُنُنِي ؟».قَالَ : نَعَمْ ، وَ الَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ لَأُسْجِنَنَّكَ ، وَ لَأُشَدِّدَنَّ عَلَيْكَ ، فَقَالَ عِيسَى بْنُ

.


1- .في الكافي المطبوع: «لم أعازّك».
2- .في الكافي المطبوع: «حرب».
3- .في الكافي المطبوع: «تكلمني».
4- .في «د»: «مكروها».
5- .في الكافي المطبوع: «وأمر».
6- .في الكافي المطبوع: «عليه اليوم» بدل «اليوم عليه».

ص: 50

زَيْدٍ : احْبِسُوهُ فِي الْمَخْبَاَ - وَ ذلِكَ (1) دَارُ رَبْطَةَ(2) الْيَوْمَ - فَقَالَ (3) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّي سَأَقُولُ ، ثُمَّ أُصَدَّقُ».فَقَالَ لَهُ عِيسَى بْنُ زَيْدٍ : لَوْ تَكَلَّمْتَ لَكَسَرْتُ فَمَكَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَكْشَفُ يَا أَزْرَقُ ، لَكَأَنِّي بِكَ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ جُحْراً تَدْخُلُ فِيهِ ، وَ مَا أَنْتَ فِي الْمَذْكُورِينَ عِنْدَ اللِّقَاءِ ، وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ - إِذَا صُفِّقَ خَلْفَكَ - طِرْتَ مِثْلَ الْهَيْقِ النَّافِرِ». فَنَفَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بِانْتِهَارٍ : احْبِسْهُ ، وَ شَدِّدْ عَلَيْهِ ، وَ اغْلُظْ عَلَيْهِ .فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا وَ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ خَارِجاً مِنْ سُدَّةِ أَشْجَعَ إِلى بَطْنِ الْوَادِي ، وَ قَدْ حَمَلَ عَلَيْكَ فَارِسٌ مُعْلِمٌ ، فِي يَدِهِ طِرَادَةٌ ، نِصْفُهَا أَبْيَضُ ، وَ نِصْفُهَا أَسْوَدُ ، عَلى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَقْرَحَ ، فَطَعَنَكَ ، فَلَمْ يَصْنَعْ فِيكَ شَيْئاً ، وَ ضَرَبْتَ خَيْشُومَ فَرَسِهِ ، فَطَرَحْتَهُ ، وَ حَمَلَ عَلَيْكَ آخَرُ خَارِجٌ مِنْ زُقَاقِ آلِ أَبِي عَمَّارٍ الدِّئَلِيِّينَ (4) ، عَلَيْهِ غَدِيرَتَانِ مَضْفُورَتَانِ ، قَدْ(5) خَرَجَتَا مِنْ تَحْتِ بَيْضَتِهِ كَثِيرُ شَعْرِ الشَّارِبَيْنِ ، فَهُوَ وَ اللَّهِ صَاحِبُكَ ، فَلَا رَحِمَ اللَّهُ رِمَّتَهُ» .فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، حَسِبْتَ فَأَخْطَأْتَ . وَ قَامَ إِلَيْهِ السُّرَاقِيُّ بْنُ سَلْخِ الْحُوتِ ، فَدَفَعَ فِي ظَهْرِهِ حَتّى أُدْخِلَ السِّجْنَ ، وَ اصْطُفِيَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ ، وَ مَا كَانَ لِقَوْمِهِ مِمَّنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ مُحَمَّدٍ .قَالَ : فَطُلِعَ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ ، قَدْ ذَهَبَتْ إِحْدى عَيْنَيْهِ ، وَ ذَهَبَتْ رِجْلَاهُ وَ هُوَ يُحْمَلُ حَمْلًا ، فَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ ،فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ أَخِي ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ ، وَ أَنَا إِلى بِرِّكَ وَ عَوْنِكَ أَحْوَجُ .فَقَالَ لَهُ : لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُبَايِعَ .

.


1- .في «الف»: «ذاك».
2- .في الكافي المطبوع: «ريطة».
3- .في الكافي المطبوع: + «له».
4- .في الكافي المطبوع: «الدؤليّين».
5- .في الكافي المطبوع: «و قد».

ص: 51

فَقَالَ لَهُ : وَ أَيَّ شَيْ ءٍ تَنْتَفِعُ ؛ بِبَيْعَتِي ؛ وَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأُضَيِّقُ عَلَيْكَ مَكَانَ اسْمِ رَجُلٍ إِنْ كَتَبْتَهُ .قَال : لَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ . وَ أَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ .فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : ادْعُ لِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَلَعَلَّنَا نُبَايِعُ جَمِيعاً .قَالَ : فَدَعَا جَعْفَراً عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُبَيِّنَ لَكَ (1) فَافْعَلْ ، لَعَلَّ اللَّهَ يَكُفُّهُ عَنَّا .قَالَ : «قَدْ أَجْمَعْتُ أَلَّا أُكَلِّمَهُ ، فَلْيَرَ فِيَّ رَأْيَهُ!» .فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَذْكُرُ يَوْماً أَتَيْتُ أَبَاكَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَلَيَّ حُلَّتَانِ صَفْرَاوَانِ ، فَأَدَامَ النَّظَرَ إِلَيَّ ، فَبَكى ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ لِي : «يُبْكِينِي أَنَّكَ تُقْتَلُ عِنْدَ(2) كِبَرِ سِنِّكَ ضَيَاعاً ، لَا يَنْتَطِحُ فِي دَمِكَ عَنْزَانِ». قَالَ : فَقُلْتُ : مَتى ذَاكَ ؟ قَالَ : «إِذَا دُعِيتَ إِلَى الْبَاطِلِ فَأَبَيْتَهُ ؛ وَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى الْأَحْوَلِ مَشُومِ قَوْمِهِ يَنْتَمِي مِنْ آلِ الْحَسَنِ عَلى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَدْعُو إِلى نَفْسِهِ قَدْ تَسَمّى بِغَيْرِ اسْمِهِ ، فَأَحْدِثْ عَهْدَكَ ، وَ اكْتُبْ وَصِيَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ فِي يَوْمِكَ أَوْ مِنْ غَدٍ»!؟فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «نَعَمْ ، وَ هذَا - وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ - لَا يَصُومُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا أَقَلَّهُ ، فَأَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، وَ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَنَا فِيكَ ، وَ أَحْسَنَ الْخِلَافَةَ عَلى مَنْ خَلَّفْتَ ، وَ «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»».قَالَ : ثُمَّ احْتُمِلَ إِسْمَاعِيلُ ، وَ رُدَّ جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام إِلَى الْحَبْسِ . قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، مَا أَمْسَيْنَا حَتّى دَخَلَ عَلَيْهِ بَنُو أَخِيهِ : بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، فَتَوَطَّؤُوهُ حَتّى قَتَلُوهُ ، وَ بَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، فَخَلّى سَبِيلَهُ .قَالَ : وَ أَقَمْنَا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى اسْتَهْلَلْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَبَلَغَنَا خُرُوجُ عِيسَى بْنِ مُوسى يُرِيدُ الْمَدِينَةَ .قَالَ : فَتَقَدَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلى مُقَدِّمَتِهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ كَانَ عَلى

.


1- .في الكافي المطبوع: «له».
2- .في «الف»: «في».

ص: 52

مُقَدِّمَةِ عِيسَى بْنِ مُوسى : وُلْدُ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَ قَاسِمٌ ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَ عَلِيٌّ وَ إِبْرَاهِيمُ بَنُو الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ ، فَهُزِمَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَ قَدِمَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الْمَدِينَةَ ، وَ صَارَ الْقِتَالُ بِالْمَدِينَةِ ، فَنَزَلَ بِذُبَابٍ ، وَ دَخَلَتْ عَلَيْنَا الْمُسَوِّدَةُ مِنْ خَلْفِنَا ، وَ خَرَجَ مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى بَلَغَ السُّوقَ ، فَأَوْصَلَهُمْ ، وَ مَضى ، ثُمَّ تَبِعَهُمْ حَتَّى انْتَهى إِلى مَسْجِدِ الْخَوَّامِينَ ، فَنَظَرَ إِلى مَا هُنَاكَ فَضَاءٍ لَيْسَ فِيهِ مُسَوِّدٌ وَ لَا مُبَيِّضٌ ، فَاسْتَقْدَمَ حَتَّى انْتَهى إِلى شِعْبِ فَزَارَةَ ، ثُمَّ دَخَلَ هُذَيْلَ ، ثُمَّ مَضى إِلى أَشْجَعَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْفَارِسُ - الَّذِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - مِنْ خَلْفِهِ مِنْ سِكَّةِ هُذَيْلَ ، فَطَعَنَهُ ، فَلَمْ يَصْنَعْ فِيهِ شَيْئاً ، وَ حَمَلَ عَلَى الْفَارِسِ ، فَضَرَبَ خَيْشُومَ فَرَسِهِ (1) ، فَطَعَنَهُ الْفَارِسُ ، فَأَنْفَذَهُ فِي الدِّرْعِ ، وَ انْثَنى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ ، فَضَرَبَهُ ، فَأَثْخَنَهُ ، وَ خَرَجَ عَلَيْهِ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ - وَ هُوَ مُدْبِرٌ عَلَى الْفَارِسِ يَضْرِبُهُ - مِنْ زُقَاقِ الْعَمَّارِيِّينَ ، فَطَعَنَهُ طَعْنَةً أَنْفَذَ السِّنَانَ فِيهِ ، فَكُسِرَ الرُّمْحُ ، وَ حَمَلَ عَلى حُمَيْدٍ ، فَطَعَنَهُ حُمَيْدٌ بِزُجِّ الرُّمْحِ ، فَصَرَعَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْخَنَهُ وَ قَتَلَهُ ، وَ أَخَذَ رَأْسَهُ ، وَ دَخَلَ الْجُنْدُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، وَ أُخِذَتِ الْمَدِينَةُ ، وَ أُجْلِينَا هَرَباً فِي الْبِلَادِ .قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : فَانْطَلَقْتُ حَتّى لَحِقْتُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَوَجَدْتُ عِيسَى بْنَ زَيْدٍ مُكْمَناً عِنْدَهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِسُوءِ تَدْبِيرِهِ ، وَ خَرَجْنَا مَعَهُ حَتّى أُصِيبَ (2) ثُمَّ مَضَيْنَا(3) مَعَ ابْنِ أَخِي الْأَشْتَرِ : عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (4) حَتّى أُصِيبَ بِالسِّنْدِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ شَرِيداً طَرِيداً تَضِيقُ عَلَيَّ الْبِلَادُ .فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ ، وَ اشْتَدَّ(5) الْخَوْفُ ، ذَكَرْتُ مَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَجِئْتُ إِلَى الْمَهْدِيِّ - وَ قَدْ حَجَّ وَ هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَمَا شَعَرَ إِلَّا وَ أَنِّي قَدْ قُمْتُ مِنْ تَحْتِ

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في الكافي المطبوع: + «بالسيف».
3- .في الكافي المطبوع: + «رحمه اللَّه».
4- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «مضيت».
5- .في الكافي المطبوع: + «بي».

ص: 53

الْمِنْبَرِ - فَقُلْتُ : لِيَ الْأَمَانُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ أَدُلُّكَ عَلى نَصِيحَةٍ لَكَ عِنْدِي ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، مَا هِيَ ؟ قُلْتُ : أَدُلُّكَ عَلى مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (1) ، فَقَالَ لِي : نَعَمْ ، لَكَ الْأَمَانُ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَعْطِنِي مَا أَثِقُ بِهِ ، فَأَخَذْتُ مِنْهُ عُهُوداً وَ مَوَاثِيقَ ، وَ وَثَّقْتُ لِنَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ : أَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ لِي : إِذاً تُكْرَمَ وَ تُحْبى ، فَقُلْتُ لَهُ : أَقْطِعْنِي إِلى بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِكَ يَقُومُ بِأَمْرِي عِنْدَكَ ، فَقَالَ لِيَ : انْظُرْ(2) مَنْ أَرَدْتَ ، فَقُلْتُ : عَمَّكَ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ ، فَقُلْتُ : وَ لكِنْ لِي فِيكَ الْحَاجَةُ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا قَبِلْتَنِي ، فَقَبِلَنِي شَاءَ أَوْ أَبى .وَ قَالَ لِيَ الْمَهْدِيُّ : مَنْ يَعْرِفُكَ ؟ - وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُنَا أَوْ أَكْثَرُهُمْ - فَقُلْتُ : هذَا الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ يَعْرِفُنِي ، وَ هذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ يَعْرِفُنِي ، وَ هذَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ يَعْرِفُنِي ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَأَنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَنَّا .ثُمَّ قُلْتُ لِلْمَهْدِيِّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهذَا الْمَقَامِ أَبُو هذَا الرَّجُلِ - وَ أَشَرْتُ إِلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام - قَالَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : وَ كَذَبْتُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام كَذِبَةً ، فَقُلْتُ لَهُ : وَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ السَّلَامَ ، وَ قَالَ : إِنَّهُ إِمَامُ عَدْلٍ وَ سَخَاءٍ .قَالَ فَأَمَرَ لِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام بِخَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ، فَأَمَرَ لِي مِنْهَا مُوسَى بِأَلْفَيْ دِينَارٍ ، وَ وَصَلَ عَامَّةَ أَصْحَابِهِ وَ وَصَلَنِي ، فَأَحْسَنَ صِلَتِي ، فَحَيْثُ مَا ذُكِرَ وُلْدُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَقُولُوا : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ مَلَائِكَتُهُ وَ حَمَلَةُ عَرْشِهِ وَ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ ، وَ خُصُّوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِأَطْيَبِ ذلِكَ ، وَ جَزى مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَنِّي خَيْراً ، فَأَنَا وَاللَّهِ مَوْلَاهُمْ بَعْدَ اللَّهِ .

هديّة:(موسى بن عبداللَّه بن الحسن) بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، هو أخو محمّد

.


1- .في الكافي المطبوع: «حسن».
2- .في الكافي المطبوع: + «إلى».

ص: 54

وإبراهيم المذكورين في حديث الصحيفة(1) الكاملة.(قريباً من النساء) أي من البيوت المعدّة للنساء.(أسد الإله): حمزة بن عبد المطّلب.(عليّ الخير) بالإضافة، أي منسوباً بكلّ خير. و«الرؤّس»: جمع رائس، كركّع وراكع، فنصب على البدل من المذكورين، وقال برهان الفضلاء: على المفعوليّة، والتقدير أعدد بعده قوّاد الدين يعني الأئمّة عليهم السلام.(فاندفعت): أخذت.(صهره) ختنه، أي زوج ابنته.(فارسه): صاحب كلّ فتح له في غزواته.و(المأتم) بالهمز كمجمع: المجمع في مصيبة الموت.و(النّوح) بالفتح: مصدر ويطلق كثيراً بمعنى المرأة النائحة.(لتسيل) من المجرّد أو من الإفعال.(هجراً) بالضمّ: ما لا ينبغي وما لا طائل تحته.(اختزال منزلها): انقطاعه.(فقالت: هذه دار). في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فقال».(يعني) موسى بن عبداللَّه.و(السرقة) إمّا ككلمة: اسم المصدر، أو كطلبة: جمع السارق.(فقالت: هذا ما اصطفى) أي فقالت في جواب مطايبة موسى، فالأنسب كما لا يخفى ما ضبط برهان الفضلاء. كان محمّد بن عبداللَّه بن الحسن عند خروجه بدعوى أنّه مهديّ هذه الاُمّة غصب دار جعفر بن محمّد عليهما السلام، وأعطاها خديجة بنت عمر بن عليّ بن الحسين عليهما السلام ثمّ أعطى أو أعار الصادق عليه السلام بعد زوال الغصب، والغاصب طائفة من تلك الدار إلى خديجة، فتلك الطائفة المختزلة عنها كانت سكناها والاصطفاء اختيار

.


1- .في «د»: «الحديث للصحيفة».

ص: 55

السلطان صفو المال من الغنيمة لنفسه.قال برهان الفضلاء: «رأيت» أي رأيته، في محلّ الجرّ صفة للعجب وهو نكرة حكماً، فإنّ لامه للعهد الذهني، و«أبي» مبتدأ، والخبر جملة «لمّا أخذ» بتمامه.(وأجمع على لقاء أصحابه) أي وعزم على لقائهم لدعوته إيّاهم إلى البيعة لابنه محمّد أخي .(متّكٍ) يكتب بالياء والهمز وبدونهما.(واعلم) مفعوله (أنّك) بتوسّط (فديتك)، أي فديتك بنفسي تقديرٌ مطّردٌ.(أو أهمّ بها) ترديدٌ من الراوي، (فأثقل عنها) من باب حسن.(قال: على ما نحبّ) على المتكلّم مع الغير، واحتمال الخطاب كما ترى.«ظفرت بعدوّي» كعلم.(فوقّفنا) على المجهول من التفعيل.في بعض النسخ: «فجلست في ناحية الحجرة» مكان (فجلسنا).(أفضى) أي وصل، (إلى ما لم يكن يريد) أي إلى الغلظة التي لم يكن أبي يريدها لمصلحة حاجته. ويحتمل المتكلّم مع الغير في الفعلين.(أحقّ بها) أي بالإمامة.(إذا عدل) على المعلوم إمّا من العدول، أي عن طلب الدنيا إلى طلب الآخرة، أو من العدل. (وما هو بالمتّهم عندنا) قرينة الثاني، وصرّح برهان الفضلاء بالأوّل.(ولقد ولّى): أدبر عن الدنيا، وقرأ برهان الفضلاء: «ولي» كعلم، ولكنّه استدراك لنفي التهمة.(فما أولاك به) أي بقول الخير فيه، ألا يألوا، أي قصّر، يعني لا أقصّر في نصحك وفي الحرص عليه.(ولا أراك تفعل) أي تسمع قولي، وتعمل بموعظتي.ردّه عنه كمدّ ردّاً أو مردّاً: صرفه.

.

ص: 56

(الأكشف): الذي تنبت له شعيرات في قصاص ناصيته دائرةً لا يكاد يسترسل، والعرب يتشأّم به، و«الأكشف» أيضاً مَن هرب مِن الصفّ، فانكشف مكانه فيه.و(الأخضر) ربّما يقال للأسود.و«السّدّة» بالفتح: للسيل يهيّأ من الأحجار والصاروج، وبالضمّ: باب الدار.(أشجع): أبو قبيلة.(ليحاربنّ) أي أعداؤنا. وفي بعض النسخ: - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ليجازينّ» بالجيم والزاي.و«الثأر» بالفتح والهمز: طلب الدّم.والبيت للأخطل، قال:انعق بضأنك يا جرير فإنّمامنّتك نفسك في الخلاء ضلالاقيل: لعلّ المراد ب (الطائف) الجبل الطائف بالمدينة المنوّرة أو دور المدينة أو اسم قرية قربها.و«الاحفال» بالفاء بعد المهملة: الجدّ في الأمر، والتفسير لموسى.(جَهِد) كمنع: جَدَّ، ودابّته: بلغ جهدها، أي طاقتها، فيتعدّى ولا يتعدّى، ولا يُقال: أجهدها على الإفعال ويُقال: أجهد الطعام، أي اشتهاها، وأجهد الشيبُ: كثُر وأسرع والحقّ ظهرَ ووضح وفي الأمر احتاط.(1)و«السلحة» بالفتح: النجو، يعني أشأم فضلة، وقرأ برهان الفضلاء: «سلحة» بالضمّ كهمزة، يعني ولد الحجل، قد يتشأَّم به العرب.(بين دورها) بالضمّ: جمع الدار. وقرأ برهان الفضلاء: «بين دورها» بالفتح، وبعض السدّة لها دور وانعطاف.(صريعاً): ساقطاً على الأرض مغلوباً.

.


1- .في «الف»: - «جهد كمنع» - إلى قوله - «وفي الأمر احتاط».

ص: 57

و«البزّة»: بالفتح والتشديد: اللّباس، (بين رجليه لبنة) ككلمة: كناية عن ستر عورته بها.(وليخرجنّ معه) أي مع محمّد بن عبداللَّه بن الحسن أخيه موسى.و«كبش القوم»: رئيسهم.(ولتعودنّ) يعني إلينا اضطراراً.(أو ليفي اللَّه بك وبغيرك)، فَاءَ: رجع، فاء به: أرجعه، وقرئ: «ليقي اللَّه» بالقاف، أي يحفظ اللَّه إيّانا بك وبغيرك من عساكرنا.(عمّك) وهو خالك، يعني الباقر عليه السلام.(بالتي هي أحسن) أي خصلة الصبر وعدم الخروج.(لوددت) كعلم.(فديتك) كرمى.(فصفدوا) على المجهول من باب ضرب، أي قيّدوا.(أعرّاء) كأطبّاء: جمع عرى، وقرأ برهان الفضلاء: «اعراء» على إفعال، جمع عراء كسحاب: مكان منكشف لا حجاب له من الشمس. (لا وطاء فيها) بالكسر والمدّ: لا ستر عليها.(يشتمهم)، من الشتم. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «يشمتهم» من الشماتة.(ثمّ أطلع) من الإفعال، أي رأسه، أو من الافتعال، أي جاء.(إن كنت حريصاً) مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن.(لمّا طلع) على المجهول من المجرّد، والباء للتعدية، أي اخرجوا في المحامل من منازلهم.و(الحرسي) بفتحتين: نسبة إلى حرس جمع حارس، يعني وقصد إيذاء عبداللَّه بن الحسن الحرسيّ الذي على المحامل.(سيكفيك) سيقلّب رأسك فيهلك؛ من الإكفاء، «أكفاه»: قلّب رأسه موضع رجله.

.

ص: 58

(دخل) على ما لم يسمّ فاعله، والباء للتعدية.(رمحته): ضربته برجله.(واستوسق الناس): استجمعهم. وفي بعضٍ: «واستوثق» بالمثلّثة، أي طلب الوثيقة منهم بعد مجيئه من الأشقر.(على شرطه) كصرد، أي حفظة عسكره.(أو تغلظ) أي إلّا أن تغلظ.(امض): أمر من المجرّد، أو من الإفعال.و(الطريق): يذكّر ويؤنّث.(أسلم) من الإسلام بمعنى الانقياد.(ولا قتال) يحتمل بالفتح كسحاب بمعنى القوّة.(حاق به): أحاط به.(بالشباب) كسحاب: جمع شابّ، واسم مصدر أيضاً.(لم أعادك) من المعاداة. وفي بعض النسخ: «لم أغازك» من الغزاء بمعنى المحاربة. وضبط برهان الفضلاء بالمهملة والزاي، من المعازّة: امتحان القوّة من الجانبين.(واللَّه والرحم) للقسم، أي أحذّرك باللَّه وبالرحم التي بيني وبينك، أو اُذكّرك.(أن تدبر عنّا) من الإدبار أي تهلك وتُقتل.(ونشقى بك) أي يلحقنا التعب والأذى بسببك، يعني تقع في التعب والعناء بسبب مبايعتك.و(المخبأ): البيت في داخل الأرض.(دار ربطة) قيل: أي ربطة الخيل. وقال برهان الفضلاء: «ربطة» ككلمة، أي محكمة.(ثمّ أصدق) بتخفيف الدال وتشديدها: صدق الحديث وصدقه الحديث كنصر فيهما.(جحراً) بضمّ الجيم والمهملة الساكنة وهو الهوامّ.

.

ص: 59

(عند اللقاء)، أي لقاء العدوّ، أي من المذكورين بالشجاعة في الحروب.و«التصفيق»: ضرب إحدى اليدين بالاُخرى.و(الهيق) بفتح الهاء وسكون الخاتمة والقاف: الذكر من النعامة. و(النافر): الهارب. و«التنفير»: الزّجر والغلظة.و«الانتهار» بالراء المهملة: الزبر والخشونة.و«الطرادة» بالكسر: رمح قصير.و«الأقرح»: الفرس الذي في وجهه ما دون الغرّة.و«الدئل» بكسر الدال المهملة وفتح الهمزة: أبو قبيلة. وقيل: بضمّ الدال، وقيل: بفتحتين.و«الغديرة» بالمعجمة، ثمّ المهملة قبل الخاتمة: الذّؤابة. و«المضفورة» بالمعجمة قبل الفاء: المنسوجة.و«الرمّة» بالكسر والتشديد: العظام البالية.(حسبت) من الحساب، أو من الحسبان، أي من النجوم أو من القرآن أو من الجفر.و(السراقي) بالضمّ: عَلَمُ رجلٍ، و(سلخ الحوت) بالمعجمة: لقب أبيه، أي جلد السمك. وقيل: بالمهملة، أي نَجْوُه. وضبط برهان الفضلاء بالمعجمة.(فطلع بإسماعيل) على غير المعلوم: جي ء به.(أن تبين لك) أي تظهر البيعة لنفعك، أو ما سيكون من أمره. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «له» مكان «لك».(لا ينتطح في دمك عنزان) كنايةٌ عن عدم وقوع التخاصم في طلب دمه. و«الانتطاح»: الإصابة بالقرن.(ينتمي) من الانتماء، أي الانتساب، أي يعلو ويرتقي، وقرئ: «يتمنّى»، أي السلطنة.(بغير اسمه) يعني المهدي.(في يومك) أي هذا اليوم.(حتّى دخل عليه) أي على إسماعيل.

.

ص: 60

(بذباب) بضمّ المعجمة: جبل بالمدينة.(المسوّدة) قيل: على اسم الفاعل من التفعيل، وقيل: على اسم الفاعل من الأسواد، هم الذين يلبسون السود من الثياب، يعني جماعة بني العبّاس.(فأوصلهم) أي أصحابه بعسكره.و«الخوّام» كعطّار، من الخامة بمعنى الفجل.و(فزارة) و(هذيل) و(أشجع): قبائل.و«السكّة» بالكسر والتشديد: من الطرق المنسدّ.(وانثنى): انعطف راكباً عليه وهو راجل.(أثخنه): بالغ الجراحة فيه وأتمّ أمره.و«الزجّ» بالضمّ والتشديد: حديدة في أسفل الرمح.(وأجلينا): تركنا بلادنا. و«الشريد»: كالطّريد لفظاً ومعنى.(تحبى): من الحباء بمعنى العطاء.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(1) قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُفَضَّلِ : مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْتُولُ بِفَخٍّ ، وَ احْتَوى عَلَى الْمَدِينَةِ ، دَعَا مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام عَلَى الْبَيْعَةِ ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : «يَا ابْنَ عَمِّ ، لَا تُكَلِّفْنِي مَا كَلَّفَ ابْنُ عَمِّكَ عَمَّكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَيَخْرُجَ مِنِّي مَا لَا أُرِيدُ ، كَمَا خَرَجَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ».فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ : إِنَّمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ أَمْراً ، فَإِنْ أَرَدْتَهُ دَخَلْتَ فِيهِ ، وَ إِنْ كَرِهْتَهُ لَمْ أَحْمِلْكَ عَلَيْهِ ، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . ثُمَّ وَدَّعَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام حِينَ وَدَّعَهُ : «يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنَّكَ مَقْتُولٌ ، فَأَجِدَّ الضِّرَابَ ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ فُسَّاقٌ يُظْهِرُونَ إِيمَاناً ، وَ يُسِرُّونَ شِرْكاً ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد عن عبد اللَّه بن جعفر بن إبراهيم الجعفري».

ص: 61

«إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» أَحْتَسِبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عُصْبَةٍ». ثُمَّ خَرَجَ الْحُسَيْنُ ، وَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ ، قُتِلُوا كُلُّهُمْ كَمَا قَالَ عليه السلام .

هديّة:في خلافة الهادي العبّاسي بعد وفاة أبيه المهدي في مكّة خرج الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب الملقّب بالنفس الزكيّة كخروج زيد رضاء لآل محمّد صلى اللَّه عليه وآله سنة تسع وستّين ومائة، فخرج في جماعة من الزيديّة وكثير من العلويّين من المدينة يريد فتح مكّة، فلمّا انتهوا إلى فخّ - بفتح الفاء وتشديد المعجمة، وهو اسم بئر على فرسخ من مكّة من طريق التنعيم - أدركهم المسودّة وكان كبشهم عمّ المهدي، فأرسل إلى الحسين، وأظهر إعطاءه الأمان له ولجنده مكراً؛ ليغلب عليهم بتركهم القتال وكونهم مأمونين عنهم، فلم يقبل الحسين وأراد القتال وأجاد المحاربة حتّى قتل رحمة اللَّه عليه، فحمل رأسه ورؤوس كثير من العلويّين إلى الهادي وبقي أجسادهم ثلاثة أيّام غير مدفونة.وفي الحديث عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنّه قال: «لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشدّ وأفجع من فخّ».(1)(فأجدّ الضراب) أمرٌ من الجودة. و«الضراب»: كالقتال لفظاً ومعنى.(أحتسبكم): أطلب الأجر في مصيبتكم.(من عصبة) بالتحريك، قيل: العصبة يُقال لقوم الرجل الذين يتعصّبون له، و«من» بيان لضمير المفعول البارز في «أحتسبكم». الجوهري: عصبة الرجل: بنوه وقرابته لأبيه، وإنّما سمّوا عصبة لأنّهم عصبوا به، أي أحاطوا به، فالأب طرف والابن طرف، والعمّ جانب والأخ جانب، والجمع: العصبات.(2) و«العصبة» بالضمّ من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين.

.


1- .بحار الأنوار، ج 48، ص 165، ذيل ح 6، وفيه هكذا: «لم يكن لنا بعد الطفّ مصرع أعظم من فخّ».
2- .الصحاح، ج 1، ص 182 (عصب).

ص: 62

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بهذا الإسناد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ إِلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ بِهَا أُوصِيكَ ؛ فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ ، وَ وَصِيَّتُهُ فِي الْآخِرِينَ ، خَبَّرَنِي مَنْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعْوَانِ اللَّهِ عَلى دِينِهِ وَ نَشْرِ طَاعَتِهِ بِمَا كَانَ مِنْ مَحَبَّتِكَ (1) مَعَ خِذْلَانِكَ ، وَ قَدْ شَاوَرْتُ فِي الدَّعْوَةِ لِلرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وَ قَدِ احْتَجَبْتَهَا وَ احْتَجَبَهَا أَبُوكَ مِنْ قَبْلِكَ ، وَ قَدِيماً ادَّعَيْتُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ ، وَ بَسَطْتُمْ آمَالَكُمْ إِلى مَا لَمْ يُعْطِكُمُ اللَّهُ ، فَاسْتَهْوَيْتُمْ وَ أَضْلَلْتُمْ ، وَ أَنَا مُحَذِّرُكَ مَا حَذَّرَكَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ .فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام : «مِنْ مُوسَى بْنِ (2)عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرٍ ، وَ عَلِيٍّ مُشْتَرِكَيْنِ فِي التَّذَلُّلِ لِلَّهِ وَ طَاعَتِهِ ، إِلى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ (3) : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُحَذِّرُكَ اللَّهَ وَ نَفْسِي ، وَ أُعْلِمُكَ أَلِيمَ عَذَابِهِ وَ شَدِيدَ عِقَابِهِ وَ تَكَامُلَ نَقِمَاتِهِ ، وَ أُوصِيكَ وَ نَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ؛ فَإِنَّهَا زَيْنُ الْكَلَامِ وَ تَثْبِيتُ النِّعَمِ ، أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ أَنِّي مُدَّعٍ وَ أَبِي مِنْ قَبْلُ ، وَ مَا سَمِعْتَ ذلِكَ مِنِّي وَ«سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَ يُسْأَلُونَ»(4)وَ لَمْ يَدَعْ حِرْصُ الدُّنْيَا وَ مَطَالِبُهَا لِأَهْلِهَا مَطْلَباً لآِخِرَتِهِمْ حَتّى يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ مَطْلَبَ آخِرَتِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ ، وَ ذَكَرْتَ أَنِّي ثَبَّطْتُ النَّاسَ عَنْكَ لِرَغْبَتِي فِيمَا فِي (5) يَدَيْكَ ، وَ مَا مَنَعَنِي مِنْ مَدْخَلِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ - لَوْ كُنْتُ رَاغِباً - ضَعْفٌ عَنْ سُنَّةٍ ، وَ لَا قِلَّةُ بَصِيرَةٍ بِحُجَّةٍ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - خَلَقَ النَّاسَ أَمْشَاجاً وَ غَرَائِبَ وَ غَرَائِزَ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ حَرْفَيْنِ أَسْأَلُكَ عَنْهُمَا : مَا الْعَتْرَفُ فِي بَدَنِكَ؟ وَ مَا الصَّهْلَجُ فِي الْإِنْسَانِ ؟ ثُمَّ اكْتُبْ إِلَيَّ بِخَبَرِ ذلِكَ ، وَ أَنَا مُتَقَدِّمٌ إِلَيْكَ ، أُحَذِّرُكَ مَعْصِيَةَ الْخَلِيفَةِ ، وَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «تحنّنك».
2- .في الكافي المطبوع: + «أبي».
3- .في الكافي المطبوع: «حسن».
4- .الزخرف (43) : 19.
5- .في «د»: - «في».

ص: 63

أَحُثُّكَ عَلى بِرِّهِ وَ طَاعَتِهِ ، وَ أَنْ تَطْلُبَ لِنَفْسِكَ أَمَاناً قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَكَ الْأَظْفَارُ ، وَ يَلْزَمَكَ الْخِنَاقُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ؛ فَتَرَوَّحَ إِلَى النَّفَسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَ لَا تَجِدَهُ حَتّى يَمُنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ بِمَنِّهِ وَ فَضْلِهِ وَ رِقَّةِ الْخَلِيفَةِ - أَبْقَاهُ اللَّهُ - فَيُؤْمِنَكَ وَ يَرْحَمَكَ ، وَ يَحْفَظَ فِيكَ أَرْحَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله «وَ السَّلَامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى * إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى»(1)».قَالَ الْجَعْفَرِيُّ : فَبَلَغَنِي أَنَّ كِتَابَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام وَقَعَ فِي يَدَيْ هَارُونَ ، فَلَمَّا قَرَأَهُ ، قَالَ : النَّاسُ يُحَمِّلُونِي عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ هُوَ بَرِي ءٌ مِمَّا يُرْمَى بِهِ .

هديّة:(يحيى بن عبداللَّه بن الحسن) المعروف بصاحب الديلم، خرج بعد خروج الحسين الملقّب بالنفس الزكيّة المقتول بفخّ، وخروج أخويه محمّد وإبراهيم المذكورين في حديث الصحيفة الكاملة السجّادية.(فإنّه وصيّة اللَّه في الأوّلين ووصيّته في الآخرين) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة النساء: «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ»(2).(من أعوان اللَّه) مراد ممّن قال بإمامته.في بعض النسخ: «من تحنّنك»، أي من اشتياقك إلى الإمامة، وفي الأكثر: «من محبّتك» أي للإمامة.(مع خذلانك) بالكسر، أي إيّانا أو مع أنّك مخذول ممنوع منها بفقدان أسبابها، (وقد شاورت) يعني الناس في دعوتهم لمن يرتضيه آل محمّد منهم.(وقد احتجبتها) يعني احتجبت عن مشاورتي ولم تحضرها.(فاستهويتم وأضللتم)، قيل: يعني ذهبتم بأهواء الناس وأضللتموهم. وقرأ برهان الفضلاء: «وقد شاورت» على الخطاب، أي شاورت فيها سرّاً ولم تجترئ على إعلانها، كما لم يجتري عليه أبوك من قبل، ولكلٍّ من القرائتين مؤيّد، ولعلّ للثاني أكثر.

.


1- .طه (20) : 47 - 48.
2- .النساء (4): 131.

ص: 64

(ما حذّرك اللَّه من نفسه) ناظرٌ إلى قوله عزّ وجلّ في سورة آل عمران: «وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ»(1).(عبد اللَّه جعفر) قبل التصريح بالاسم كنّى عنه بالعبوديّة لما لا يخفى. وليس في بعض النسخ المعتبرة «عبداللَّه». و(عليّ) عطف على (موسى)، قيل: كأنّه عليه السلام أشرك أخاه عليّ بن جعفر معه في المكاتبة؛ ليصرف بذلك عنه ما يصرف عن نفسه من الدعوى. وقال برهان الفضلاء: بل المراد أبو الحسن الرضا عليه السلام؛ ليشير إلى أنّه وصيّه بعده.في بعض النسخ: «وتكامل نعمائه» مكان (وتكامل نقماته) يعني زوالها بكمالها؛ لقوله بعد: (وتثبيت النعم). و«التثبيت»: المنع والتعويق.(فيما في يديك) يعني دعوى الإمامة، أو تعريض لعدم ظفره بالمراد.(وما منعني) نافية.(أمشاجاً): أخلاطاً شتّى.(وغرائز): طبايع مختلفة.قيل: والظاهر أنّ (العترف) و(الصهلج) كليهما على وزن عنبر، وقيل: على وزن قنفذ، وقيل: على وزن زبرج. قال برهان الفضلاء: لم نجدهما في كتب اللغة، ويحتمل قريباً أن يكون «العترف» علامة في عضو من أعضاء الإنسان، كتفه أو رأسه أو غيرهما، دالّة على الشقوة والشّامة.و«الصهلج» علامة دالّة على السعادة والميمنة، كالشامة المغمورة في اللحم في كتف النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام شبيهة بنقش الخاتم، وقد روي أنّها رُئيت في كتف الكاظم عليه السلام، وكانت من دلائل إمامة الأئمّة عليهم السلام. وفي الحديث عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «أوَّه لفراخ محمّدٍ من خليفةٍ يُستخلَف عِتريفٍ مُترفٍ».(2). «أوَّه» مثلّثة الهاء: كلمة التأسّف، «من» بيانيّة، «يستخلف» على المجهول، أي بأمر الناس.

.


1- .آل عمران (3): 28.
2- .كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 75، ح 17؛ بشارة المصطفى، ص 202؛ إرشاد القلوب، ج 2، ص 314.

ص: 65

قال في القاموس: «العتريف» كزنبيل وعصفور: الخبيث الجري ء الماضي الغاشم المتغشّم.(1) بالغين المعجمة فيهما من «الغشم» بالفتح: الظّلم والشجاعة والتهوّر، أي الظالم المُتكلّف في دعوى الشجاعة.و(الخناق) بالكسر: الحبل يخنق به، وبالضمّ: موضعه من العنق، وعلّة الخناق أيضاً كغراب.(فتروّح) قيل: بحذف إحدى التائين، أي تطلب الراحة بالتنفّس. وقرأ برهان الفضلاء: «تروح» من المجرّد كتصون، أي تذهب إلى طلبها.(يحمّلوني) من التفعيل أو الإفعال.وكتب بعد هذا الحديث في بعض نسخ الكافي هكذا: تَمَّ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الكافي - بحمد اللَّه وعونه - ، وَ يَتْلُوهُ - بِمَشِيَّةِ اللَّهِ وَ عَوْنِهِ - الْجُزْءُ الثَّالِثُ ، وَهُوَ بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّوْقِيتِ . وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.أقول: هذا من تصرّف نسّاخ الكافي، والكافي ثلاثون كتاباً، كتاب الحجّة ثالثها، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

.


1- .القاموس المحيط، ج 3، ص 171 (العتريف).

ص: 66

باب كراهية التوقيت

الباب الثاني والثمانون : بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّوْقِيتِ وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَنْ الثُّمَالِيِّ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «يَا ثَابِتُ ، إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - قَدْ كَانَ وَقَّتَ هذَا الْأَمْرَ فِي السَّبْعِينَ ، فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلى أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَأَخَّرَهُ إِلى أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ، فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الْحَدِيثَ فَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السَّرِّ ،(2) وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بَعْدَ ذلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا ، وَ «يَمْحُو اللَّهُ مَيَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»».قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : فَحَدَّثْتُ بِذلِكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «قَدْ كَانَ كَذلِكَ» .

هديّة:في بعض النسخ: «قناع السّتر» بالتاء، وهو بالفتح مصدر «ستره»، وبالكسر آلته، أي الغطاء. و«القناع» بالكسر: الحجاب، وقناع المرأة أوسع من المقنعة.في بعض النسخ: «ذلك» مكان (كذلك).والشيخ ذكر في كتاب الغيبة هذا الحديث هكذا: عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي».
2- .في الكافي المطبوع : «الستر».

ص: 67

لأبي جعفر عليه السلام: إنّ عليّاً عليه السلام كان يقول : «إلى السبعين بلاء» وكان يقول : «بعد البلاء رخاء» وقد مضت سبعون ولم نرَ رخاء؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: «يا ثابت إنّ اللَّه تبارك وتعالى» الحديث.(1) وروى أيضاً في كتاب الغيبة عن عثمان النوا قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «كان هذا الأمر فيّ، فأخّره اللَّه، ويفعل اللَّه بعد في ذرّيتي ما يشاء».(2)و«الكراهية» بتخفيف الخاتمة: ضدّ العناية.قال برهان الفضلاء:والمراد: نهى اللَّه عزّ وجلّ عن تعيين وقت الظهور، وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام والعصابة في رخاء مّا في السبعين من الهجرة؛ لعدم استقلال الخلافة من عبداللَّه بن الزبير في مكّة ومروان بن الحكم في الشام؛ فتنوين التنكير في «رخاء» للتقليل. وكذا كان الصادق عليه السلام والعصابة في رخاء ما في الأربعين والمائة؛ لعدم استقلال الخلافة من المنصور الدوانيقي في أوائل خلافته، وكان واقعة كربلاء في إحدى وستّين، ومضى الباقر عليه السلام في أربع عشر ومائة، والصادق عليه السلام في ثمان وأربعين ومائة، فهذا الحديث قبل أربعين ومائة.قوله عليه السلام: (فحدّثناكم فأذعتم) الحديث، ليس المراد فحدّثناكم بالتوقيت، بل بأشياء اُخر ممّا يجب التقيّة فيها.(ولم يجعل اللَّه له بعد ذلك وقتاً عندنا) يعني لم يعلّم لنا العلم بتعيين الوقت في الجملة أيضاً، كعلمنا قبل ذلك بأنّه لولا يكون قتل الحسين عليه السلام لكان هذا الأمر في السبعين. وقيل: قوله: «في السبعين» أي من الهجرة النبويّة أو الغيبة المهدويّة، وكان طلب الحسين عليه السلام حقّه بحوالي السبعين من الهجرة، واستشراف ظهور أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما بعد أربعين ومائة بقليل.(3)

.


1- .الغيبة ، ص 428 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 218 ، ح 69.
2- .الغيبة ، ص 428.
3- .الوافي ، ج 2 ، ص 427 ، ذيل ح 934.

ص: 68

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ(1) ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِهْزَمٌ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ مَتى هُوَ؟فَقَالَ : «يَا مِهْزَمُ ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، وَ هَلَكَ الْمُسْتَعْجِلُونَ ، وَ نَجَا الْمُسَلِّمُونَ» .

هديّة:(مهزم) بالمعجمة كمنبر: الأسدي، ذكره الشيخ في رجاله في رجال الصادق عليه السلام.(2)(ونجا المسلِّمون) بالتشديد، يعني المصدّقين الراضين بالقضاء، والصابرون في البأساء.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام ، فَقَالَ : «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نُوَقِّتُ» .

هديّة:يعني في أمر إلّا فيما أذِنَ اللَّه لنا في الإخبار عنه.

الحديث الرابع روى في الكافي وقَالَ أحمد بإسناده قال : قَالَ أبو عبد اللَّه عليه السلام (4) : «أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ وَقْتَ الْمُوَقِّتِينَ» .

هديّة:ردّ كنظايره على حكم أهل التنجيم ومدّعي المكاشفة لغير المعصوم العاقل عن اللَّه

.


1- .في الكافي المطبوع: «بن يحيى».
2- .رجال الشيخ الطوسي ، ص 147 ، رقم 1615.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
4- .في الكافي المطبوع: - «أبو عبد اللَّه عليه السلام».

ص: 69

تعالى، ونحوهما، يعني إنّما يصدر عنه تعالى «كُن» لَمَّا أراد في وقت لا يظنّون ظهوره في ذلك الوقت.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ الاثنين،(1) عَنْ الوشّاء، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : لِهذَا الْأَمْرِ وَقْتٌ ؟ فَقَالَ : «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ ؛ إِنَّ مُوسى عليه السلام لَمَّا خَرَجَ وَافِداً إِلى رَبِّهِ ، وَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ يَوْماً ، فَلَمَّا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الثَّلَاثِينَ عَشْراً ، قَالَ قَوْمُهُ : قَدْ أَخْلَفَنَا مُوسى ، فَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا ؛ فَإِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الْحَدِيثَ فَجَاءَ عَلى مَا حَدَّثْنَاكُمْ (2) ، فَقُولُوا : صَدَقَ اللَّهُ ؛ وَ إِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الْحَدِيثَ فَجَاءَ عَلى خِلَافِ مَا حَدَّثْنَاكُمْ (3) ، فَقُولُوا : صَدَقَ اللَّهُ ؛ تُؤْجَرُوا مَرَّتَيْنِ» .

هديّة:يعني الوقّاتون من غير الحجج المعصومين.(أنّ موسى) بتمامه استئنافٌ بيانيّ.قرأ برهان الفضلاء: «صدّق اللَّه» في الأوّل بالتشديد، وفي الثاني بالتخفيف، ففي الأوّل يعني فعل كما أخبر مع إمكان أن لا يفعل، كما أخبر لثبوت البداء، وفي الثاني صدق اللَّه في قوله عزّ وجلّ: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه.(4) وقال: «مرّتين»، يعني بالإيمان بالغيب، والإيمان بأئمّة الهدى.أقول: أو المعنى: مرّةً بالقبول عند السماع من المعصوم، ومرّة بعدم الشكّ والإنكار عند ظهور الخلاف. وقريب منه ما قيل: وذلك لامتناع الكذب على المعصوم وثبوت البداء في أفعاله تعالى، ولذا يؤجرون مرّتين.

.


1- .يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع: + «به».
3- .في «د» والكافي المطبوع: + «به».
4- .الإشارة إلى آية 65 من سورة النمل (27): «قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلّا اللَّه».

ص: 70

وبوجوب عصمة الحجّة وكونه معيّناً منصوصاً محصوراً في كلّ اُمّة من لدن آدم إلى المهدي - صلوات اللَّه عليهما - يندفع كلّ ما خطر بالبال من الإشكال في هذا المقام ونظائره.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ السَّيَّارِيِّ ، عَنِ ابْنِ يَقْطِينٍ ،(1) عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «الشِّيعَةُ تُرَبّى بِالْأَمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ».قَالَ : وَ قَالَ يَقْطِينٌ لِابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ : مَا بَالُنَا قِيلَ لَنَا فَكَانَ ، وَ قِيلَ لَكُمْ فَلَمْ يَكُنْ ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : إِنَّ الَّذِي قِيلَ لَنَا وَ لَكُمْ كَانَ مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، غَيْرَ أَنَّ أَمْرَكُمْ حَضَرَ ، فَأُعْطِيتُمْ مَحْضَهُ ، فَكَانَ كَمَا قِيلَ لَكُمْ ، وَ أَنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَحْضُرْ ، فَعُلِّلْنَا بِالْأَمَانِيِّ ، فَلَوْ قِيلَ لَنَا : إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِلى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ، لَقَسَتِ الْقُلُوبُ ، وَ لَرَجَعَ عَامَّةُ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ ، وَ لكِنْ قَالُوا : مَا أَسْرَعَهُ! وَ مَا أَقْرَبَهُ! ؛ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ النَّاسِ ، وَ تَقْرِيباً لِلْفَرَجِ .

هديّة:قرئ: «تربّى» بالمفردة من التربية، أي ينتظرون دولة الحقّ، ويسرّون برجاء الفرج بوعده عن قريبٍ. وقرأ برهان الفضلاء: «ترنّى» بالنون على المجهول من الترنية، أي تسرّون بالأماني التي يتوقّعون حصولها بمواعيد الفرج عن قريب؛ للجزم بتحقّق الوقوع. رَنَا إليه يرنُوا رُنُوّاً: أدام النظر، وأرناه غيره كرنّاه ترنيةً.و«الاُمنيّة» بالضمّ وكسر النون وتشديد الياء: اسم من التمنّي، والجمع: أمانيّ.(منذ مأتي سنة) أي من بعدها، وهي سنة إشخاص الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان، وطلب المأمون الرضى من الرضا عليه السلام بقبول ولاية العهد وتحرّك أمانيّ الشيعة عند ذلك بظهور الأمر. وقيل: يعني تسرّ الشيعة مِأَتَي سنة قبل قيام القائم عليه السلام بسلطنة رجال منهم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاري ، عن الحسن بن عليّ بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه عليّ بن يقطين».

ص: 71

(قيل لنا) يعني تعيين الوقت خصوصاً أو تقريباً لدولة بني العبّاس.(وقيل لكم) يعني كذلك لدولة آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.(فعلّلنا) بالمهملة على المجهول من باب مدّ أو فرّ أو التفعيل. «علّه»: سقاه شربة، بعد شربة وكذا علّله تعليلاً.في بعض النسخ ليست كلمة الاستثناء بعد (لا يكون).وقال الفاضل الاسترآبادي: «لنا» و«لكم» كناية عن مخاطب ببعض الأخبار، وآخر بآخر.و(من مخرج واحد) أي من أهل العصمة عليهم السلام.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ،(1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْزَمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : ذَكَرْنَا عِنْدَهُ مُلُوكَ آلِ فُلَانٍ ، فَقَالَ : «إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ مِنِ اسْتِعْجَالِهِمْ لِهذَا الْأَمْرِ ؛ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ ؛ إِنَّ لِهذَا الْأَمْرِ غَايَةً يَنْتَهِي إِلَيْهَا ، فَلَوْ قَدْ بَلَغُوهَا لَمْ يَسْتَقْدِمُوا سَاعَةً ، وَ لَمْ يَسْتَأْخِرُوا» .

هديّة:(فلان) يعني العبّاس بن عبد المطّلب.(فلو قد بلغوها) أي الغاية التي قضيت حتماً.وقال برهان الفضلاء: «إنّ لهذا الأمر غاية» يعني لفناء دولة الأعداء، فتعليل - كما في سابقه - تأميلاً بزوالها بقوله: «فلو قد بلغوها».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن عليّ».

ص: 72

باب التّمحيص و الامتحان

الباب الثالث والثمانون : بَابُ التَّمْحِيصِ وَ الِامْتِحَانِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَنْ السَّرَّادِ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ (1) وَ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - صلوات اللَّه عليه - لَمَّا بُويِعَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ خَطَبَ بِخُطْبَةٍ - ذَكَرَهَا - يَقُولُ فِيهَا : أَلَا إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ، وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً حَتّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ ، وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ، وَ لَيَسْبِقَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا قَدْ(2) قَصَّرُوا ، وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا ؛ وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ، وَ لَا كَذَبْتُ كَذِبَةً ، وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَ هذَا الْيَوْمِ» .

هديّة:في العنوان (التمحيص): الابتلاء والاختبار؛ قاله في الصحاح.(3)ومحصت الذهب بالنار من باب منع والتفعيل: إذا خلصته ممّا يشوبه.و«المقتل» هنا مصدر ميميّ أو اسم الزمان، ويجمع على «المقاتل» إذا كان اسم الزمان أو المكان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السرّاج».
2- .في «د» والكافي المطبوع: - «قد».
3- .الصحاح، ج 3، ص 1056 (محص).

ص: 73

(إنّ بليّتكم قد عادت) يعني صرتم بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أهل جاهليّة حيارى في أمر دينكم ، كما كنتم حين بعث نبيّكم صلى اللَّه عليه وآله. وكما انتهت الحيرة الاُولى إلى الهداية، كذلك الحيرة الثانية.و«البلبلة»: اختلاط الألسن وتفريق الآراء وشدّة الهمّ والوسواس واضطراب البال، بلبله فتبلبل.و«الغربلة»: نخل الدقيق ونحوه. وإنّما يغربلون ليميز اللَّه الخبيث من الطيّب. وقيل: «الغربلة» هنا مستعار لالتقاط آحادهم بالقتل والأذى كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين.(حتّى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم) قيل: أشار به إلى ما يفعله بنو اُميّة بهم من خَلْط بعضهم ببعض، ورفع أرذالهم وحطّ أكابرهم كما يفعل بالقِدْر سائطها، الجوهري: و«السوط» أيضاً بالفتح: خلط الشي ء بالشي ء بعضه ببعض (1) ساطه كصان.(وليسبقنّ سبّاقون كانوا قد قصّروا) يعني أوّلاً، وهم العجم. وفي الحديث التالي: أنّ أكثر عسكري المهدي عليه السلام من العجم، والمؤمن به من العرب قليل.(وليقصرنّ سبّاقون كانوا سبقوا) يعني العرب. وقيل: «قد قصّروا» يعني الذين كان حقّهم السبق، فتأخّروا ظلماً. «وليقصرنّ سبّاقون» لم يكن من حقّهم السبق.و«الوشمة» بالمعجمة: الكلمة، يعني ما كتم النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عنّي كلمة. وقرأ برهان الفضلاء بالمهملة، وقال: التاء للوحدة، يعني واحدة من سلطنة السلاطين إلى قيام القائم عليه السلام. قال: و«الوسم» يُقال للغلبة بالسلطة أيضاً.وقال بعض المعاصرين: أراد أنّه لم يكتم كلمة ممّا أخبره به صلى اللَّه عليه وآله وتعيّن عليه تبليغه.(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(3) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «وَيْلٌ

.


1- .الصحاح، ج 3، ص 1135 (سوط).
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 432 ، ذيل ح 943.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد ، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبي المغراء ، عن ابن أبي يعفور».

ص: 74

لِطُغَاةِ الْعَرَبِ مِنْ أَمْرٍ قَدِ اقْتَرَبَ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَمْ مَعَ الْقَائِمِ عليه السلام مِنَ الْعَرَبِ ؟ قَالَ : «نَفَرٌ يَسِيرٌ».قُلْتُ : وَ اللَّهِ ، إِنَّ مَنْ يَصِفُ هذَا الْأَمْرَ مِنْهُمْ لَكَثِيرٌ . قَالَ : «لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا ، وَ يُمَيَّزُوا ، وَ يُغَرْبَلُوا ، وَ يُسْتَخْرَجَ فِي الْغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ» .

هديّة:«الطغاة»: جمع الطاغي.وفي ذكر العرب إيماء إلى أنّ قاتلهم من عسكر المهدي عليه السلام إنّما هو العجم.(قد اقترب) تعليلٌ من العلل بالتحريك على ما ذكر في أواخر الباب السابق.(يصف) أي يعرف كما ينبغي.و«التمحيص»: الاختبار. وقد عرفت آنفاً أنّ معناه في الأصل جعل الشي ء خالصاً ممّا لا يناسبه.و(الغربال) بالكسر: معروف. قال برهان الفضلاء: يعني ويستخرج من الإيمان كثيرون، باقون في الغربال كالنخالة.أقول: أي من الغربال كما من أرض كربلاء يوم القيامة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْقَلِ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا مَنْصُورُ ، إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَا يَأْتِيكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ ؛ وَ لَا وَ اللَّهِ ، حَتّى تُمَيَّزُوا ؛ وَ لَا وَ اللَّهِ ، حَتّى تُمَحَّصُوا ؛ وَ لَا وَ اللَّهِ ، حَتّى يَشْقى مَنْ يَشْقى ، وَ يَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ» .

هديّة:أيس عدوّي كسمع، أياساً بالفتح: قنط. وكذا «يئس» بتقديم الياء. والمراد هنا الإشراف على القنوط.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى والحسن بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الصيرفي ، عن جعفر بن محمّد الصيقل».

ص: 75

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : ««الم * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ»». ثُمَّ قَالَ لِي : «مَا الْفِتْنَةُ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، الَّذِي (2) عِنْدَنَا الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ ، فَقَالَ : «يُفْتَنُونَ كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ». ثُمَّ قَالَ : «يُخْلَصُونَ كَمَا يُخْلَصُ الذَّهَبُ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثاني الرضا عليه السلام.ومن بطون (الم) هنا أنّ «الألف» إشارة إلى فتنة أبي بكر في عام أوّل بعدما مضى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، و«اللام» إلى فتنة معاوية في الثلاثين بعد ذلك و«الميم» إلى فتنة ولاية العهد ليزيد عن معاوية عليهما اللّعنة في الأربعين بعد ذلك.(الفتنة في الدِّين) إمّا خبر أو عطف بيان.خلص الشي ء كنصر: صار خالصاً، وأخلصته أنا وكذا خلّصته تخليصاً فتخلّص.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صَالِحٍ (3) رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ حَدِيثَكُمْ هذَا لَتَشْمَئِزُّ مِنْهُ قُلُوبُ الرِّجَالِ ، فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ فَزِيدُوهُ ؛ وَ مَنْ أَنْكَرَهُ فَذَرُوهُ ؛ إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ (4)أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَ وَلِيجَةٍ ، حَتّى يَسْقُطَ فِيهَا مَنْ يَشُقُّ الشَّعْرَ بِشَعْرَتَيْنِ ، حَتّى لَا يَبْقى (5) إِلَّا نَحْنُ وَ شِيعَتُنَا» .

هديّة:«الاشمئزاز»: التنفّر والتجافي.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد».
2- .في «الف» : «التي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن سليمان بن صالح».
4- .في «الف» : «عن».
5- .في «الف» + : «فيها».

ص: 76

(يسقط) أي عن درجة الإيمان.وبطانة الرجل - بكسر المفردة - ووليجته: خاصّته وأولى بتصرّفه ومولاه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ الْحَارِثُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جُلُوساً وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَسْمَعُ كَلَامَنَا ، فَقَالَ لَنَا : «فِي أَيِّ شَيْ ءٍ أَنْتُمْ ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى تُغَرْبَلُوا ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى تُمَحَّصُوا ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى تُمَيَّزُوا ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتّى يَشْقى مَنْ يَشْقى ، وَ يَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ» .

هديّة:كأنّ كلامهم في دولة الحقّ وقرب ظهورها.(ففي أيّ شي ء أنتم) على الاستفهام الإنكاري.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن منصور الصيقل».

ص: 77

باب أنّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر

الباب الرابع والثمانون : بَابُ أَنَّهُ مَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ لَمْ يَضُرَّهُ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ الأربعة،(1) عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «اعْرِفْ إِمَامَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَهُ ، لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ» .

هديّة:يعني ظهور القائم عليه السلام، ولا ضرر مع سلامة الدِّين، بل الخير كلّه معها.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(2)قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ».فَقَالَ : «يَا فُضَيْلُ ، اعْرِفْ إِمَامَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ إِمَامَكَ ، لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ وَ مَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ قَاعِداً

.


1- .يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمّد بن مروان ، عن الفضيل بن يسار».

ص: 78

فِي عَسْكَرِهِ ؛ لَا ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوَائِهِ».قَالَ : وَ قَالَ : بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(اُناس): لغة في «ناس». والآية في سورة بني إسرائيل.(1)(قال: وقال) يعني قال الفضيل بن يسار: وقال أبو عبداللَّه عليه السلام: بعض أصحاب القائم عليه السلام بمنزلة من استشهد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. واحتمال قال الراوي عن الفضيل: وقال بعض أصحاب الفضيل: إنّ الفضيل روى هكذا، يعني قال: قال عليه السلام: لا، بل بمنزلة من استشهد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، كما ترى. وكذا احتمال بعض أصحاب أبي عبداللَّه عليه السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَتَى الْفَرَجُ ؟فَقَالَ : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، وَ أَنْتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ، مَنْ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ ، فَقَدْ فُرِّجَ عَنْهُ ؛ لِانْتِظَارِهِ» .

هديّة:(فرّج) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، يعني الغمّ الذي أعظم الغموم، وهو الغمّ حقيقةً ، وأيّ فرج أعظم من سلامة الدِّين وثواب انتظار ظهور دولة الحقّ.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ ،(3) قَالَ : سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ أَنَا أَسْمَعُ ، فَقَالَ : تَرَانِي أُدْرِكُ الْقَائِمَ عليه السلام ؟فَقَالَ : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، أَ لَسْتَ تَعْرِفُ إِمَامَكَ ؟» فَقَالَ : إِي وَ اللَّهِ ، وَ أَنْتَ هُوَ - وَ تَنَاوَلَ يَدَهُ -

.


1- .الإسراء (17) : 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد رفعه ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن إسماعيل بن محمّد الخزاعي».

ص: 79

فَقَالَ : «وَ اللَّهِ ، مَا تُبَالِي يَا أَبَا بَصِيرٍ أَلَّا تَكُونَ مُحْتَبِياً بِسَيْفِكَ فِي ظِلِّ رِوَاقِ الْقَائِمِ عليه السلام» .

هديّة:وتناول أبو بصير يد الإمام عليه السلام. والاحتباء بالمهملة والمدّ: جمع الظهر والساقين بعمامة ونحوها. والمحتبي بسيفه: المتقلّد به.و(رواق) ككتاب وغلام: سقف في مقدّم البيت وضرب من الفسطاط. الجوهري: الأرواق: الفساطيط.(1)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(2) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ ؛ وَ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ عَارِفٌ لِإِمَامِهِ ، لَمْ يَضُرَّهُ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ وَ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ عَارِفٌ لِإِمَامِهِ ، كَانَ كَمَنْ هُوَ مَعَ الْقَائِمِ عليه السلام فِي فُسْطَاطِهِ» .

هديّة:«الميتة» بالكسر للنوع. (ميتة جاهليّة) بالإضافة.قيل : «وهو عارف لإمامه» أي بعلامة العصمة، وأنّ الإمام الحقّ لا يكون إلّا معصوماً.أقول: الأولى: وهو عارف لإمامه كما هو حقّه عند الإماميّة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ ،(3)عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «مَا ضَرَّ مَنْ مَاتَ مُنْتَظِراً لِأَمْرِنَا أَلَّا يَمُوتَ فِي وَسَطِ فُسْطَاطِ الْمَهْدِيِّ أَوْ عَسْكَرِهِ» .

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1485 (روق).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النعمان ، عن محمّد بن مروان، عن الفضيل بن يسار».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن عليّ العلوي ، عن سهل بن جمهور ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني ، عن الحسن بن الحسين العرني ، عن عليّ بن هاشم».

ص: 80

هديّة:(ألّا يموت) فاعل (ما ضرّ) أي عدم موته. والترديد يحتمل أن يكون من الراوي.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ،(1) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «اعْرِفِ الْعَلَامَةَ ؛ فَإِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» فَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ ، كَانَ كَمَنْ كَانَ (2) فِي فُسْطَاطِ الْمُنْتَظَرِ عليه السلام» .

هديّة:في نسخة الشهيد الثاني الشيخ زين الدِّين العاملي - عامله اللَّه بلطفه - : «اعرف الغلام» يعني المهدي عليه السلام، وفي بعض النسخ : «المهدي كان المنتظر»، وفي بعض آخر : «فسطاطه» بالإضمار. والمراد بالعلامة هنا - على نسختها - أبين علامات الربوبيّة، وهو الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى، وقد ورد عنهم عليهم السلام في قوله عزّ وجلّ: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(3) أنّ العلامات هم الأئمّة عليهم السلام والنجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.(4)وهذا مراد من قال في وجه التعبير عن الإمام بالعلامة أنّه علامة حقّية الدين بعلامة العصمة الواجبة له.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «علي بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن عمر بن أبان».
2- .في «د» : - «كان».
3- .النحل (16): 16.
4- .راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 206 ، باب أنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكر اللَّه عزّوجلّ في كتابه ، ح 1و 2و 3.

ص: 81

باب من ادّعى الإمامة و ليس لها بأهل ، و من جحد الأئمّة أو بعضهم...

الباب الخامس والثمانون : بَابُ مَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ وَ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ ، وَ مَنْ جَحَدَ الْأَئِمَّةَ أَوْ بَعْضَهُمْ ، وَ مَنْ أَثْبَتَ الْإِمَامَةَ لِمَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ وأحاديثه كما في الكافي اثني عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي سَلَّامٍ ،(1) عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ (2) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ»؟ قَالَ : «مَنْ قَالَ : إِنِّي إِمَامٌ وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ» .قَالَ : قُلْتُ : وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً ؟ قَالَ : «وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً» .قُلْتُ : وَ إِنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صلوات للَّه عليه ؟ قَالَ : «وَ إِنْ كَانَ» .

هديّة:الآية في سورة الزمر.(3)تكرار السؤال مبالغة في التعجّب.ولعلّ المراد في الجواب إلّا من نشفّع فيه، وقد ورد عن الصاحب عليه السلام في عمّه جعفر

.


1- .السند في غ الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي سلّام».
2- .في الكافي المطبوع : + «له».
3- .الزمر (39) : 60.

ص: 82

الملقّب بالكذّاب أنّ سبيله سبيل إخوة يوسف عليه السلام.(1) وظاهر أنّ الخروج لرضا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله لا يستلزم دعوى الإمامة، فلا إشكال بزيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام وهو مرضيّ عند أئمّتنا عليهم السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ ،(2) عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ وَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، فَهُوَ كَافِرٌ» .

هديّة:ليست الإمامة إلّا من عند اللَّه كالنبوّة، خلافاً للصوفيّة القدريّة القائلين بأنّ النبوّة والإمامة كسبيّتان. ولا بُعد في تخصيص الموصول في مثل الحديث بغير العلويّين، فلا إشكال بمثل جعفر الكذّاب المرتجى له الشفاعة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ،(3) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ «وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ» ؟ قَالَ : «كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ».قُلْتُ : وَ إِنْ كَانَ فَاطِمِيّاً عَلَوِيّاً ؟ قَالَ : «وَ إِنْ كَانَ فَاطِمِيّاً عَلَوِيّاً» .

هديّة:(زعم): ادّعى. وقد سبق نظير الخبر ببيانه.

.


1- .كمال الدين ، ج 2 ، ص 483 ، باب 45 ، ح 4 ؛ الغيبة للطوسي ، ص 290 ؛ الاحتجاج للطبرسي ، ج 2 ، ص 469 ؛ الخرائج والجرائح ، ج 3 ، ص 1113 ؛ أعلام الورى ، ص 453.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان».
3- .السند في غ الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن ، عن الحسين بن المختار».

ص: 83

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده بطريقين عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : مَنِ ادَّعى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ ، وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً» .

هديّة:نصّ في كفر غير الإماميّ.(لهما) أي للمدّعي والجاحد، وبيان رفع الإشكال كما مرَّ آنفاً.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيى أَخِي أُدَيْمٍ ،(2) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَا يَدَّعِيهِ غَيْرُ صَاحِبِهِ إِلَّا بَتَرَ اللَّهُ عُمُرَهُ» .

هديّة:«البتر» - بتقديم المفردة - بترت الشي ء كنصر بتراً: قطعته قبل الإتمام؛ وشدّد للمبالغة، ومنه:الأبتر للمقطوع الذنب والذي لا عقب له، وكلّ أمر انقطع من الخير أثره. وقراءة : «بتّر اللَّه عمره» - بتقديم المثنّاة الفوقانيّة - من التبار بمعنى الهلاك، تصحيف تبّره تتبيراً : كسّره وأهلكه؛ قال اللَّه تعالى: «إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ»(3) أي مكسّر مهلك.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(4) عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء ، عن داود الحمّار ، عن ابن أبي يعفور». فقول المصنّف في السند. بطريقينً سهو منه.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان ، عن يحيى أخي أديم».
3- .الأعراف (7): 139.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان».

ص: 84

قَالَ : «مَنْ أَشْرَكَ مَعَ إِمَامٍ - إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - مَنْ لَيْسَتْ إِمَامَتُهُ مِنَ اللَّهِ ، كَانَ مُشْرِكاً بِاللَّهِ» .

هديّة:جماعة من المخالفين يقولون: كان أمير المؤمنين عليه السلام في زمن الثلاثة أيضاً كالثلاثة، وكان تدبير المملكة معهم، والاُمور الشرعيّة معه، وكذلك جمع من بني العبّاس كهارون ومأمون كانوا قائلين في وجه الناس: إنّ الخلافة عن الرسول صلى اللَّه عليه وآله مشتركة بيننا وبين بني أبي طالب، لنا السيف وتدبير المملكة، ولهم العلم والفتوى في الاُمور الشرعيّة.(من ليست) مفعول الشرك.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ بُزُرْجَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : رَجُلٌ قَالَ لِيَ : اعْرِفِ الْآخِرَ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَ لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَعْرِفَ الْأَوَّلَ ؟قَالَ : فَقَالَ : «لَعَنَ اللَّهُ هذَا ؛ فَإِنِّي أُبْغِضُهُ ، وَ لَا أَعْرِفُهُ ، وَ هَلْ عُرِفَ الْآخِرُ إِلَّا بِالْأَوَّلِ؟» .

هديّة:وذلك لأنّ الآخر لا يكون إلّا وصيّ الأوّل بأمر اللَّه سبحانه.(ولا أعرفه) يعني ليس اسمه في صحيفة أسماء شيعتنا.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ،(2) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ الشَّيْخَ عليه السلام عَنِ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الْأَحْيَاءِ ، فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَمْوَاتَ» .

هديّة:«عبداللَّه بن مسكان»: أبو محمّد فقيه معظّم، من الستّة الذين أجمعت العصابة على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن محمّد بن مسلم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان».

ص: 85

تصديقهم وثقتهم؛ ذكره الكشّي في رجال الصادق عليه السلام،(1) والنجاشي في رجال الكاظم عليه السلام،(2) وقال ابن داود: وقيل: هو من رجال الباقر والصادق عليهما السلام ولم يثبت، مات في أيّام أبي الحسن الأوّل عليه السلام.(3) والمعنى: من اعتقد خلوّ زمان من المعصوم العاقل عن اللَّه ، فقد أنكر حجج اللَّه جميعاً، وهو إنكار لتقدير العزيز العليم وتدبير الحكيم الخبير في مثل هذا النظام العظيم المنحصر علمه في مدبّره قطعاً.وقال بعض المعاصرين: يعني إذا أدرك غير واحد من الاثني عشر.(4) وهو كما ترى.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(5) قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» .قَالَ : فَقَالَ : «هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالزِّنى وَ شُرْبِ الْخَمْرِ ، أَوْ شَيْ ءٍ مِنْ هذِهِ الْمَحَارِمِ ؟» فَقُلْتُ : لَا .فَقَالَ : «مَا هذِهِ الْفَاحِشَةُ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهَا؟» قُلْتُ : اللَّهُ أَعْلَمُ وَ وَلِيُّهُ ، فَقَالَ : «فَإِنَّ هذَا فِي أَئِمَّةِ الْجَوْرِ ، ادَّعَوْا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِالِائْتِمَامِ بِقَوْمٍ لَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِالِائْتِمَامِ بِهِمْ ، فَرَدَّ اللَّهُ ذلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ ، وَ سَمّى ذلِكَ مِنْهُمْ فَاحِشَةً» .

هديّةالآية في سورة الأعراف.(6)

.


1- .رجال الكشّي ، ص 382 ، الرقم 716.
2- .رجال النجاشي ، ص 214 ، الرقم 559.
3- .رجال ابن داود ، ص 213 ، الرقم 888 ، وفيه هكذا : «وقيل : عن ق ولم يثبت، مات في أيّام أبي الحسن عليه السلام قبل الحادثة» ، ويكون القاف رمزاً عن الصادق عليه السلام، فنقل المصنّف غير صحيح.
4- .لم نعثر عليه.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمّد بن منصور».
6- .الأعراف (7) : 28.

ص: 86

و «الزنى» يمدّ ويقصّر.(ادّعوا) يعني تابعي أئمّة الجور ، ومن تابعي أئمّة الظلم معظم مشايخ الصوفيّة القدريّة كالبصري والثوري وابن العربي وصاحب التأويلات والرومي والبسطامي. وقد وقعت مشاجرة في عصرنا بين أثنين وحال الرومي، فاضطّرا إلى التفأّل بالقرآن ، فجاءت هذه الآية ، فأخذ مادح الرومي في لعنه وهدى.وذكر لي بعض أصحابنا من أهل النجف أنّه ناظر في سفره إلى مكّة جماعة من رفقة الطريق ، وكانوا من الصوفيّة القدريّة عند زيارتهم بالشام مقبرة ابن العربي ، فانتهى كلامهم إلى التفأّل في بيان حاله بالقرآن الذي على صندوقة ، فجاء قوله عزّوجلّ في سورة التوبة : «إنَّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»(1) الآية. ومن كلام ذلك اللعين. رقّص ورقّصني.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(2) قَالَ : سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ»(3) قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ ، فَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ وَ الْبَاطِنُ مِنْ ذلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ ، وَ جَمِيعُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الظَّاهِرُ ؛ وَ الْبَاطِنُ مِنْ ذلِكَ أَئِمَّةُ الْحَقِّ» .

هديّة:(أئمّة الجور) يعني ولايتهم والايتمام بهم والأخذ منهم علمهم وأدبهم، والعلم المأخوذ عن المعصوم العاقل عن اللَّه هو الطعام الحلال الباطني، والطعام الحرام الباطني ما هو المأخوذ من أئمّة الضلال والطغيان الآخذين مقالاتهم من وساوس الشيطان.

.


1- .التوبة (9) : 28.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي وهب ، عن محمّد بن منصور».
3- .الأعراف (7) : 33.

ص: 87

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ»(2)؟قَالَ : «هُمْ وَ اللَّهِ ، أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً ، فَلِذلِكَ قَالَ : «وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ * وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ»».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هُمْ - وَ اللَّهِ يَا جَابِرُ - أَئِمَّةُ الظُّلْمِ (3) وَ أَشْيَاعُهُمْ» .

هديّة:«الكرّ»: الرجوع، والواحدة: الكرّة. والكرّة: المرّة أيضاً من الرجوع أو غيره، كرّ كفرّ : رجع وكرّه غيره؛ يتعدّى ولا يتعدّى.و«من» في (من دون اللَّه) للظرفيّة، و«دون» بمعنى القدّام. والآيات في سورة البقرة.(4)

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ ،(5) عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن ثابت».
2- .في الكافي المطبوع : - «والذين آمنوا أشدّ حباً للَّه».
3- .في الكافي المطبوع : «الظلمة».
4- .البقرة (2) : 165 - 167.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترقّ ، عن عليّ بن ميمون».

ص: 88

اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ ، وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : مَنِ ادَّعى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَيْسَتْ لَهُ ، وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً» .

هديّة:بيانه كالحديث الرابع.

.

ص: 89

باب فيمن دان اللَّه عزّ و جلّ بغير إمام من اللَّه جلّ جلاله

الباب السادس والثمانون : بَابٌ فِيمَنْ دَانَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام (1) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ» قَالَ : «يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدى» .

هديّة:الآية في سورة القصص،(2) ردٌّ على جميع طوائف الكفر والضلال، وأرداهم الصوفيّة القدريّة الآخذين طريقتهم عن مردة الشياطين الموسوسين في صدور المتّبعين لهم بالرأي واتّباع الهوى المردي، ويقين أن لا يقين في دلالة أحد على أمر مختلف فيه في مثل هذا النظام العظيم إلّا بقول المعصوم العاقل عن مدبّره العليم الحكيم.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ، عَنِ الْعَلَاءِ ،(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن عليه السلام».
2- .القصص (28) : 50.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين».

ص: 90

جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «كُلُّ مَنْ دَانَ اللَّهَ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ ، فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَ هُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ ، وَ اللَّهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ ، وَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَ قَطِيعِهَا ، فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةً يَوْمَهَا ، فَلَمَّا جَنَّهَا اللَّيْلُ ، بَصُرَتْ بِقَطِيعٍ مَعَ غَيْرِ رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا ، فَبَاتَتْ مَعَهَا فِي رَبَضَتِهَا ، فَلَمَّا أَنْ سَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ ، أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا ، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا ، فَبَصُرَتْ بِغَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا ، فَصَاحَ بِهَا الرَّاعِي : الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ ؛ فَإِنَّكِ تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ ، فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً نَادَّةً ، لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلى مَرْعَاهَا ، أَوْ يَرُدُّهَا ، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا ، فَأَكَلَهَا .وَ كَذلِكَ - وَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ - مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَ عَزَّ - ظَاهِراً عَادِلاً ، أَصْبَحَ ضَالاًّ تَائِهاً ، وَ إِنْ مَاتَ عَلى هذِهِ الْحَالِ ، مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَ نِفَاقٍ .وَ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ ، أَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وَ أَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ، قَدْ ضَلُّوا وَ أَضَلُّوا ، فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَىْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ»» .

هديّة:بيانه كالحديث الثامن في الباب السابع.«جهد نفسه» كمنع، و«أجهدها» بمعنى.«شانئ المرء»: عدوّه ومبغضه. «هجمت»: اضطربت. «جنّه»: ستره.(مع غير راعيها) أي مع راع غير راعيها. في بعض النسخ : «من» بدل «مع».(حنّت): اشتاقت.و«الرّبض» محرّكة، و«المربض» كمجلس بمعنى.(ذعرة): «خائفة».(نادّة): شاردة نافرة.(ضيعتها): ضياعها، ضاع الشي ء يضيع ضيعة وضياعاً - بالفتح فيهما - : هلك وتلف.

.

ص: 91

(ظاهراً) حسبه ونسبه. وقرئ : «طاهراً» أي من الرجس، وفسّر بالشكّ وقد سبق.(مات ميتة كفر ونفاق) ناظرٌ إلى حديث النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة».(1)(يوم عاصف): اشتدّت فيه الريح، في سورة إبراهيم هكذا: «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ»(2) الآية.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَن السرّاد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ ،(3) عَنْ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(4) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنِّي أُخَالِطُ النَّاسَ ، فَيَكْثُرُ عَجَبِي مِنْ أَقْوَامٍ لَا يَتَوَلَّوْنَكُمْ ، وَ يَتَوَلَّوْنَ فُلَاناً وَ فُلَاناً ، لَهُمْ أَمَانَةٌ وَ صِدْقٌ وَ وَفَاءٌ ، وَ أَقْوَامٍ يَتَوَلَّوْنَكُمْ ، لَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَمَانَةُ وَ لَا الْوَفَاءُ وَ الصِّدْقُ ؟قَالَ : فَاسْتَوى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَالِساً ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ كَالْغَضْبَانِ ، ثُمَّ قَالَ : «لَا دِينَ لِمَنْ دَانَ اللَّهَ بِوَلَايَةِ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، وَ لَا عَتَبَ عَلى مَنْ دَانَ اللَّهَ (5) بِوَلَايَةِ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ».قُلْتُ : لَا دِينَ لِأُولئِكَ ، وَ لَا عَتَبَ عَلى هؤُلَاءِ ؟!قَالَ : «نَعَمْ ، لَا دِينَ لِأُولئِكَ ، وَ لَا عَتَبَ عَلى هؤُلَاءِ» ثُمَّ قَالَ : «أَ لَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» يَعْنِي ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إِلى نُورِ التَّوْبَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ ؛ لِوَلَايَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ ، وَ قَالَ : «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ

.


1- .راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 376 ، باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدى...، ح 1 - 3. وفي الطبعة الجديدة ، ج 2، ص 264 ، ح 978 - 980.
2- .إبراهيم (14): 18.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي».
4- .في الكافي المطبوع : «عبد اللَّه بن أبي يعفور».
5- .في الكافي المطبوع : - «اللَّه».

ص: 92

الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ» إِنَّمَا عَنى بِهذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلى نُورِ الْإِسْلَامِ ، فَلَمَّا أَنْ تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ خَرَجُوا بِوَلَايَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ نُورِ الْإِسْلَامِ إِلى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ «فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»» .

هديّة:«العتب» بالتحريك: الأمر الكريه، والشدّة والعقوبة والعتاب. وقيل: الظاهر - كما في بعض النسخ - : «ولا عطب» بالطاء المهملة في المواضع كلّها، أي لا هلاك.أقول: أو الظاهر بدليل نصوص كثيرة مستفيضة ما هو في الأكثر، إذ المراد لا عتاب عليهم بالخطأ في الدِّين وإن عوقبوا بالمعصية في الدنيا أو عقبات البرزخ، فالمنقوطة أنسب، والنصوص الآتية شواهد.هل الآيتان تمام آية الكرسي؟ قيل: لا، وهو الصحيح ،(1) وقيل: نعم.والخبر نصّ في كفر غير الإماميّ.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَبِيبٍ السِّجِسْتَانِيِّ ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : لَأُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً ؛ وَ لَأَعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَنْفُسِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً» .

هديّة:في بعض النسخ : «نقيّة» بالنون، مكان التاء.والعدالة والاتّصاف بالتقوى الظاهريّ متلازمان ظاهراً.

.


1- .في «د» : - «وهو الصحيح».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني».

ص: 93

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده، عَنْ صَفْوَانَ ،(1) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً ؛ وَ إِنَّ اللَّهَ لَيَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ مِنَ اللَّهِ ، وَ إِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً» .

هديّة:بيانه كسابقه.و(يستحيى): استفعال من الحياء. قال الأخفش: «استحيى» بياء واحدة لغة بني تميم ، وبيائين لغة أهل الحجاز، وهو الأصل.(3) وقرئ بهما قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»(4).(أن يعذّب) أي بالنار؛ إذ النار حرام على الشيعة. وادّعى الصدوق في اعتقاداته الإجماع عليه،(5) فاستحياؤه تعالى يوجب على لطفه توفيق التوبة وعذاب العاصي من الشيعة - كما ورد في النصّ - إنّما هو في الدنيا بالفقر والمرض وغير ذلك من الآلام، وفي عقبات البرزخ في حجب مانعة من اطّلاع الملائكة عليه؛ فطوبى لنا ثمّ طوبى لنا، وويلٌ فويلٌ لأعدائنا؛ والحمد للَّه، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن صفوان».
2- .في الكافي المطبوع : + «عن عبد اللَّه بن سنان».
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2324 (حيا).
4- .البقرة (2): 26.
5- .راجع : الاعتقادات ، ص 58 ، باب الاعتقاد في المسألة والقبر.

ص: 94

باب من مات و ليس له إمام من أئمّة الهدى هو من الباب الأوّل

الباب السابع والثمانون : بَابُ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدى َ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(1) قَالَ : ابْتَدَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (2) ، وَ قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ (3) إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ».فَقُلْتُ : قَالَ ذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَقَالَ : «إِي وَ اللَّهِ قَدْ قَالَ». قُلْتُ : فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:(وهو من الباب الأوّل) في العنوان اُسوةً بثقة الإسلام، والمراد بيان كثرة التناسب بين أحاديث البابين.و«الميتة» بالكسر للنوع، و(ميتة جاهليّة) على الإضافة، واحتمال التوصيف لا مانع له.كثير من الصوفيّة القدريّة في عصرنا يدّعون أنّ دينهم - وهو الكفر - الذي هم عليه

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن اُذينة ، عن الفضيل بن يسار».
2- .في الكافي المطبوع : + «يوماً».
3- .في الكافي المطبوع : «عليه».

ص: 95

مأخوذٌ من الإمام، فيلزمهم أن يقولوا ويقولون إنّ معنى قول الإمام إنّ القائل بكلمة الكفر كفرعون والحلّاج والبسطامي والرومي وغيرهم من رؤسائهم وطواغيتهم مرتدّ نجس واجب القتل مخلّد في النار إنّه وليّ اللَّه عارف كامل واصل، نعم واصل لكن إلى جهنّم وبئس المصير، ليس واللَّه العظيم مذهب أسخف من مذهبهم، ولا كفر أفحش من كفرهم، اُولئك عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ،(1) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ». قَالَ : فَقُلْتُ : مِيتَةُ كُفْرٍ؟ قَالَ : «مِيتَةُ ضَلَالٍ». قُلْتُ : فَمَنْ مَاتَ الْيَوْمَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:«الضالّ» كما يستفاد من أحاديثهم عليهم السلام هو الكافر من هذه الاُمّة، والكافر أعمّ من غير طالب طريق الإسلام ومن طالبٍ يطلبه فيضلّ. وهذا مراد برهان الفضلاء في بيانه أنّ الضالَّ كفرُه غير صريح، والكافر أعمّ.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ : جَاهِلِيَّةً جَهْلَاءَ ، أَوْ جَاهِلِيَّةً لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ ؟ قَالَ : «جَاهِلِيَّةَ كُفْرٍ وَ نِفَاقٍ وَ ضَلَالٍ» .

هديّة:(لا يعرف إمامه)، في بعض النسخ : «ولم يعرف إمامه».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، قال : حدّثني عبد الكريم بن عمرو ، عن ابن أبي يعفور».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 96

الجوهري: قولهم: كان ذلك في الجاهليّة الجهلاء - بالفتح والمدّ - هو توكيد للأوّل ، كليلة ليلاء ويوم أيوم.(1)(جاهليّة كفر) عبارةٌ عن نفي إسلام الكافر من هذه الاُمّة أصلاً، أي من كان ممّن لا إمام له من اللَّه، وكذا «جاهليّة نفاق» مع الإشارة إلى أنّ دعواهم الإسلام لا ينفعهم أصلاً، وكذا «جاهليّة ضلال» مع الإشارة إلى الفرق بين الكافر والضالّ. وقال برهان الفضلاء: «جاهليّة كفر» لمن لا إمام له من اللَّه أيّ من كان، و«جاهليّة نفاق» للصوفيّة المدّعين للتشيّع، و«جاهليّة ضلال» للمخالفين.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ ، عَنْ مَالِكَ بْنِ عَامِرٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ عَنْ صَادِقٍ ، أَلْزَمَهُ اللَّهُ أَلْبَتَّةَ إِلَى الْعَنَاءِ ، وَ مَنِ ادَّعى سَمَاعاً مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللَّهُ ، فَهُوَ مُشْرِكٌ ، وَ ذلِكَ الْبَابُ الْمَأْمُونُ عَلى سِرِّ اللَّهِ الْمَكْنُونِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «التّيه» بالكسر بمعنى الحيرة مكان (البتّة) بمعنى قطعاً، ويقدّر بالتضمين على التقديرين ما يتعدّى بإلى كالوصول في الأوّل والموصل في الثاني.(ومن ادّعى سماعاً) أي سماع أحاديث الدِّين. وقال بعض المعاصرين: أي وجدان سماع.(2) وقال برهان الفضلاء:في هذا الحديث بيان أربعة أصناف من هذه الاُمّة: الأوّل والثاني: مشايخ الصوفيّة والمجتهدون من المخالفين. والثالث والرابع: توابع مشايخ الصوفيّة والمقلّدون من العامّة.و(العناء) بالفتح والمدّ: التعب والمشقّة، ففي الدنيا من جملته الرياضة المخترعة

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1664 (جهل).
2- .لم نعثر عليه.

ص: 97

في طريقة التصوّف، وفي الآخرة تعبها مخلّداً، لقوله عليه السلام: (ألزمه اللَّه). وقرأ برهان الفضلاء : «آلَى العناء» على أفعل التفضيل من الألآء بهمزتين ككتاب وسحاب: شجر مُرّ خُضْرتُه معجبة. واحتمل «إلى» من الحروف الجارّة.(وذلك الباب المأمون) إمّا مبتدأ وخبر موصوف، أي هو المعصوم، فإنّه المأمون قطعاً في دين اللَّه وأسرار حكمه، أو الخبر «المأمون» أي هو من يكون كذا قطعاً، ولا قطع في غير المعصوم.

.

ص: 98

باب فيمن عرف الحقّ من أهل البيت و من أنكر

الباب الثامن والثمانون : بَابٌ فِيمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَ مَنْ أَنْكَرَوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(1) عَنْ الجَعْفَري ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ عُبَيْدِ(2) اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهم السلام وَ امْرَأَتَهُ وَ بَنِيهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . ثُمَّ قَالَ : «مَنْ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام ، لَمْ يَكُنْ كَالنَّاسِ» .

هديّة:(من أهل البيت) في العنوان يعني من ذرّية الرسول صلى اللَّه عليه وآله.(عليّ بن عبيد اللَّه) مصغّراً ابن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، يكنّى أبا الحسن، كان الرِّضا عليه السلام يسمّيه الزوج الصالح؛ لأنّ زوجته كانت بنت عبد اللَّه بن الحسين الأصغر، روى عن الكاظم والرضا عليهما السلام وكان أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه واختصّ بهما عليهما السلام، ثقة ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة، لم يكن كالناس، قالوا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم».
2- .في الكافي المطبوع : «عبد اللَّه» بدل «عبيد اللَّه».

ص: 99

وذلك لاجتماع التشيّع (1) والسيادة، وكثرة نفع اقرارهم في هداية غيرهم ومن ثَمَّ ما يوجب الثواب يوجب لهم الثوابين؛ صرّح بذلك برهان الفضلاء أيضاً، والأحاديث الآتية شواهد.وقال بعض المعاصرين:وذلك لأنّ أسباب البغض والحسد في ذوي القربى أكثر وأحكم وأشدّ، فمن نفى عن نفسه ذلك منهم، فقد أكمل القوّة والفتوّة. انتهى.(2)لا وجه لوجهه ؛ لعدم الفائدة في نفي البعض بدون التشيّع ، على أنّ قصده - كما هو دأبه - الإيماء إلى أنّ كمال الإنسان عند الصوفيّة إنّما هو بالرياضة ، وإن كانت ممنوعة شرعاً ، وإن كان المرتاض كافراً جوكيّاً.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَن الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ ،(3) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَمَّنْ عَانَدَكَ ، وَ لَمْ يَعْرِفْ حَقَّكَ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليها السلام، هُوَ وَ سَائِرُ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي الْعِقَابِ ؟قَالَ (4) : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ : عَلَيْهِمْ ضِعْفَا الْعَذَابِ (5)» .

هديّة:«الضِّعف»: المثل، ووجه المثلين القرابة وكثرة ضرر إنكارهم في ضلال غيرهم.في بعض النسخ: «ضعفا العقاب».

.


1- .في «د» : «وذلك للتشيّع» بدل «قالو وذلك لاجتماع التشيّع».
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 125 ، ذيل ح 589.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، قال : حدّثني الوشّاء ، قال : حدّثنا أحمد بن عمر بن حلّال».
4- .في الكافي المطبوع : «فقال».
5- .في الكافي المطبوع : «العقاب».

ص: 100

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيِّ، عَنْ البصري (1) قال : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : الْمُنْكِرُ لِهذَا الْأَمْرِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ ؟ فَقَالَ لِي : «لَا تَقُلِ : الْمُنْكِرُ ، وَ لكِنْ قُلِ : الْجَاحِدُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ(2)».قَالَ أَبُو الْحَسَنِ : فَتَفَكَّرْتُ فِيهِ ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ : «فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»(3) .

هديّة:«عبد الرّحمن بن أبي عبد اللَّه البصري» يكنّى أبا الحسن.(لا تقل: المنكر) وذلك لأنّ الإنكار قد يُطلق على عدم المعرفة صورةً كما في سورة يوسف.و«الجحد» جحد الحقّ، لا غير. واكتفى السائل عن سماع الجواب بما سمع، بما فهم من أنّ أمرهم يحال على مشيّة اللَّه فيهم، كما سيذكر في حديث البنتين: إحداهما زوجة الزارع والاُخرى زوجة الفخّار.(4) وفي توقيعات صاحب الزمان عليه السلام: «أنّ مثلنا ومثل عمّه جعفر كمثل يوسف وإخوته»(5). أو أنّه سمع الجواب كما في الحديثين السابق وتاليه، ولم يذكر هنا لأنّ غرضه بيان الفرق بين الإنكار والجحد.وقال بعض المعاصرين:الجحد: الإنكار مع العلم، والإنكار يقابل المعرفة. ولمّا كانت بنو هاشم عالمين

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن راشد ، قال : حدّثنا عليّ بن إسماعيل الميثمي ، قال ، حدّثني ربعيّ بن عبد اللَّه ، قال : قال لي عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع : - «سواء».
3- .يوسف (12) : 58.
4- .الكافي ، ج 8 ، ص 84 ، ح 45 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 15 ، ص 212 ، ح 14860.
5- .مرّ تخريجه في شرح الحديث الأوّل من باب من ادّعى الإمامة و ليس له بأهل.

ص: 101

بأمرهم عليهم السلام ما ناسب إطلاق الإنكار على فعلهم، بل كان إطلاق الجحد عليه أوفق. وإنّما اكتفى عليه السلام في جواب السائل بهذا الاعتراض؛ لأنّ السائل نفسه اكتفى به وبفهم جوابه بنفسه عن إعادة السؤال ثانياً، فاغتنم عليه السلام الفرصة بالسكوت عنه. انتهى.(1)وجهه الأوّل ليس بوجه ، والثاني مجمل مهمل.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي ،(2) قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام ، قُلْتُ لَهُ : الْجَاحِدُ مِنْكُمْ وَ مِنْ غَيْرِكُمْ سَوَاءٌ ؟فَقَالَ : «الْجَاحِدُ مِنَّا لَهُ ذَنْبَانِ ، وَ الْمُحْسِنُ لَهُ حَسَنَتَانِ» .

هديّة:قد عرفت آنفاً وجه المثلين من الثواب والعقاب.و«الذنب» هنا عبارة عن الكفر.

.


1- .الوافي ، ج 2 ، ص 126 ، ذيل ح 591.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصير».

ص: 102

باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام

الباب التاسع والثمانون : بَابُ مَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ مُضِيِّ الْإِمَامِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِذَا حَدَثَ عَلَى الْإِمَامِ حَدَثٌ ، كَيْفَ يَصْنَعُ النَّاسُ ؟قَالَ : «أَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»» قَالَ : «هُمْ فِي عُذْرٍ مَا دَامُوا فِي الطَّلَبِ ، وَ هؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُمْ فِي عُذْرٍ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ» .

هديّة:(نفر): ذهب؛ قاله ابن الأثير أيضاً في نهايته.(2)(أصحابهم) أي أصحابهم الطالبين للإمام الظاهر نسبه إلى آدم، والطاهر حسبه من الرِّجس، والبيّن كونه أعلم الناس بالقرآن ووصيّاً بالوصيّة الظاهرة في البلد.والآية في سورة التوبة.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب».
2- .النهاية ، ج 5 ، ص 92 (نفر).
3- .التوبة (9) : 122.

ص: 103

والإشكال الوارد بطلب صاحب الزمان في الغيبة الطّولى يندفع بالعمل بما عليه إجماع العصابة، والتوقّف بما هو الأحوط في غيره.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادٍ ،(1) عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ إِمَامٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» فَقَالَ : «الْحَقُّ وَ اللَّهِ».قُلْتُ : فَإِنَّ إِمَاماً هَلَكَ وَ رَجُلٌ بِخُرَاسَانَ لَا يَعْلَمُ مَنْ وَصِيُّهُ لَمْ يَسَعْهُ ذلِكَ ؟ قَالَ : «لَا يَسَعُهُ ؛ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا هَلَكَ ، وَقَعَتْ حُجَّةُ وَصِيِّهِ عَلى مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ ، وَ حَقَّ النَّفْرُ عَلى مَنْ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إِذَا بَلَغَهُمْ ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»».قُلْتُ : فَنَفَرَ قَوْمٌ ، فَهَلَكَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ ، فَيَعْلَمَ ؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَ عَزَّ - يَقُولُ : «وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ»».قُلْتُ : فَبَلَغَ الْبَلَدَ بَعْضُهُمْ ، فَوَجَدَكَ مُغْلَقاً عَلَيْكَ بَابُكَ ، وَ مُرْخًى عَلَيْكَ سِتْرُكَ لَا تَدْعُوهُمْ إِلى نَفْسِكَ ، وَ لَا يَكُونُ مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَيْكَ ، فَبِمَا يَعْرِفُونَ ذلِكَ ؟ قَالَ : «بِكِتَابِ اللَّهِ الْمُنْزَلِ».قُلْتُ : فَبِقَوْلِ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ ، كَيْفَ ؟ قَالَ : «أَرَاكَ قَدْ تَكَلَّمْتَ فِي هذَا قَبْلَ الْيَوْمِ». قُلْتُ : أَجَلْ ، قَالَ : «فَذَكِّرْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ مَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ عليهما السلام ، وَ مَا خَصَّ اللَّهُ بِهِ عَلِيّاً عليه السلام ، وَ مَا قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنْ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ ، وَ نَصْبِهِ إِيَّاهُ ، وَ مَا يُصِيبُهُمْ ، وَ إِقْرَارِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بِذلِكَ ، وَ وَصِيَّتِهِ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ تَسْلِيمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام لَهُ ؛ يَقوُلُ اللَّهُ : «النَّبِىُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ»(2)» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا حمّاد».
2- .الأحزاب (33) : 6.

ص: 104

قُلْتُ : فَإِنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِي أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ يَقُولُونَ : كَيْفَ تَخَطَّتْ مِنْ وُلْدِ أَبِيهِ مَنْ لَهُ مِثْلُ قَرَابَتِهِ وَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ ، وَ قَصُرَتْ عَمَّنْ هُوَ أَقْصَرُ(1) مِنْهُ ؟فَقَالَ : «يُعْرَفُ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ بِثَلَاثِ خِصَالٍ لَا يَكُونُ (2) فِي غَيْرِهِ : هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِالَّذِي قَبْلَهُ وَ هُوَ وَصِيُّهُ ، وَ عِنْدَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ وَصِيَّتُهُ ، وَ ذلِكَ عِنْدِي لَا أُنَازَعُ فِيهِ».قُلْتُ : إِنَّ ذلِكَ مَسْتُورٌ مَخَافَةَ السُّلْطَانِ ؟قَالَ : «لَا يَكُونُ فِي سِتْرٍ إِلَّا وَ لَهُ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ ؛ إِنَّ أَبِي عليه السلام اسْتَوْدَعَنِي مَا هُنَاكَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالَ : ادْعُ لِي شُهُوداً ، فَدَعَوْتُ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ نَافِعٌ مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : اكْتُبْ : هذَا مَا أَوْصى بِهِ يَعْقُوبُ بَنِيهِ : «يا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» ، وَ أَوْصى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى ابْنِهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي بُرْدِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمَعَ ، وَ أَنْ يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَتِهِ ، وَ أَنْ يُرَبِّعَ قَبْرَهُ ، وَ يَرْفَعَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، ثُمَّ يُخَلِّيَ عَنْهُ» ، فَقَالَ : «اطْوُوهُ» . ثُمَّ قَالَ لِلشُّهُودِ : «انْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ» .فَقُلْتُ بَعْدَ مَا انْصَرَفُوا : «مَا كَانَ فِي هذَا يَا أَبَتِ ، أَنْ يُشْهِدَ(3) عَلَيْهِ ؟»فَقَالَ : «إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ تُغْلَبَ ، وَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُوصَ ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُجَّةٌ ، فَهُوَ الَّذِي إِذَا قَدِمَ الرَّجُلُ الْبَلَدَ ، قَالَ : مَنْ وَصِيُّ فُلَانٍ ؟ قِيلَ : فُلَانٌ» . قُلْتُ : فَإِنْ أَشْرَكَ فِي الْوَصِيَّةِ ؟ قَالَ : «تَسْأَلُونَهُ ؛ فَإِنَّهُ سَيُبَيِّنُ لَكُمْ» .

هديّة:(الحقّ واللَّه) يعني هذا الحديث.(لم يسعه ذلك) على الاستفهام، يعني أليس هو معذوراً في عدم معرفته الإمام.(حجّة وصيّه)، في بعض النسخ: «حجّة وصيّته» أي الوصيّة الظاهرة لأهل البلد.(وحقّ النّفر) أي وجب.

.


1- .في الكافي المطبوع : «أصغر».
2- .في الكافي المطبوع : «تكون».
3- .في الكافي المطبوع : «تشهد».

ص: 105

وآية: «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ» في سورة النساء.(1)(ولا يكون من يدلّهم عليك) بفتح الميم وفعل المضارع من الدلالة، وقرئ : «من يدٍ لهم عليك» بكسر الميم، ظروف ثلاثة، كناية عن عدم الوصول.«فبما» أو «فبم» بمعنى.«فبقول اللَّه» على المصدر أو «فيقول اللَّه» على الفعل.(أراك قد تكلّمت في هذا) أي مع المخالف أو مع المؤالف في الاستدلال على الإمامة من الكتاب والسنّة.(قبل اليوم) في زمن الإمام السابق.(فذكّر) على الأمر من التذكير، أي نفسك. وقيل: الظاهر. «فاذكر» على الأمر من المجرّد، وقراءته على الماضي المعلوم لا يستقيم سياقاً، سيّما لقوله : «يقول اللَّه».(تخطّت) يعني تجاوزت الإمامة ممّن له مثله (من ولد أبيه).(وقصرت) يعني لم تنل إلى من هو أقصر سنّاً، وفي بعض النسخ: «أصغر» مكان (أقصر).(هو أولى الناس بالذي قبله) أي باعتبار كونه أعلم الناس بالقرآن والسنّة مثله، (وهو وصيّه) يعني سرّاً وعلانيّةً، بحيث يعلم المؤالف والمخالف أنّه وصيّه عند الموت، وصاحب الوصيّة الظاهرة لأهل البلد، وإن لم يعرفوه جميعاً بالإمامة. قيل: وهذا هو المراد بقوله: «وله حجّة ظاهرة».في بعض النسخ : «إلى ابنه جعفر بن محمّد»، قيل: والظاهر «إلى جعفر بن محمّد» أو «إلى ابنه جعفر».(حجّة) يحتمل الرفع والنصب.و(سيبيّن) المعلوم وخلافه. وقد سبق مضمون طائفة من هذا الخبر في الحديث الثامن في الباب التاسع والستّين.

.


1- .النساء (4): 100.

ص: 106

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ العجلي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، بَلَغَنَا شَكْوَاكَ وَ أَشْفَقْنَا ، فَلَوْ أَعْلَمْتَنَا أَوْ عَلَّمْنَا(2) مَنْ ؟ فَقَالَ : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ عَالِماً ، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ ، فَلَا يَهْلِكُ عَالِمٌ إِلَّا بَقِيَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ».قُلْتُ : أَ فَيَسَعُ النَّاسَ إِذَا مَاتَ الْعَالِمُ أَلَّا يَعْرِفُوا الَّذِي بَعْدَهُ؟ فَقَالَ : «أَمَّا أَهْلُ هذِهِ الْبَلْدَةِ ، فَلَا - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - وَ أَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْبُلْدَانِ ، فَبِقَدْرِ مَسِيرِهِمْ ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : «وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»».قَالَ : قُلْتُ : أَ رَأَيْتَ مَنْ مَاتَ فِي ذلِكَ ؟ فَقَالَ : «هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ، ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ».قَالَ : قُلْتُ : فَإِذَا قَدِمُوا بِأَيِّ شَيْ ءٍ يَعْرِفُونَ صَاحِبَهُمْ ؟ قَالَ : «يُعْطَى السَّكِينَةَ وَ الْوَقَارَ وَالْهَيْبَةَ» .

هديّة:(شكواك) أي صيرورتك عليلاً. و«الشكوى» بالقصر: الوجع والمرض.«أشفق عليه»: خاف ومنه حذر. وقال ابن دريد: شفقت كضرب وأشفقت بمعنى: وأنكره أهل اللغة.في بعض النسخ: «أو علّمتنا» على الترديد بين الإفعال والتفعيل، كالترديد بين المجرّد والمزيد على الأكثر: أو المعنى على الأكثر، أو لو علمنا بطريق آخر، قال: يعطى اقتصار على طائفة من الدلالات المقارنة بالنسب والحسب الظاهرين، ووجه الاقتصار

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بريد بن معاوية ، عن محمّد بن مسلم».
2- .في الكافي المطبوع : «علّمتنا».

ص: 107

يفهم من مثل قوله تعالى: «وَاللَّهُ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1). وفي مثل الخبر أنّه لا يجب على الإمام التبليغ كما يجب على النبيّ عليه السلام، بل على الرعيّة - بعد تبليغ النبيّ - السعي إلى الإمام. فمثله كمثل العَلَم المنصوب للعسكر ليس عليه النداء، ومثل الكعبة علماً للحجّ ليس عليها أن ترفع صوتها بقول: «هلمّوا إلى الحجّ» ولم يُعلمْه بالاسم ونحوه، خوفاً من الإذاعة أو لأمرٍ آخر.

.


1- .البقرة (2): 213.

ص: 108

باب في أنّ الإمام متى يعلم أنّ الأمر قد صار إليه

الباب التسعون : بَابٌ فِي أَنَّ الْإِمَامَ مَتى يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ صَارَ إِلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ،(1) عَنْ أَبِي جَرِيرٍ الْقُمِّيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلى أَبِيكَ ، ثُمَّ إِلَيْكَ ، ثُمَّ قُلْتُ (2) لَهُ: - وَ حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ حَقِّ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ - بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنِّي مَا تُخْبِرُنِي بِهِ إِلى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، وَ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِيهِ : أَ حَيٌّ هُوَ أَوْ مَيِّتٌ ؟ فَقَالَ : «قَدْ وَ اللَّهِ مَاتَ».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ شِيعَتَكَ يَرْوُونَ أَنَّ فِيهِ سُنَّةَ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ ؟ قَالَ : «قَدْ وَ اللَّهِ - الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ - هَلَكَ» .قُلْتُ : هَلَكَ (3) هَلَاكَ غَيْبَةٍ ، أَوْ هَلَاكَ مَوْتٍ ؟ قَالَ : «هَلَاكَ مَوْتٍ». فَقُلْتُ : لَعَلَّكَ مِنِّي فِي تَقِيَّةٍ ؟ فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ!» . قُلْتُ : فَأَوْصى إِلَيْكَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» . قُلْتُ : فَأَشْرَكَ مَعَكَ (4) أَحَداً ؟ قَالَ : «لَا». قُلْتُ : فَعَلَيْكَ مِنْ إِخْوَتِكَ إِمَامٌ ؟ قَالَ : «لَا». قُلْتُ : فَأَنْتَ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى».
2- .في الكافي المطبوع : «حلفت».
3- .في الكافي المطبوع : - «هلك».
4- .فى حاشية النسخة : + «فيها».

ص: 109

هديّة:(متى يعلم) في العنوان يعني أعند موت السابق أو عند وصول الخبر.(لأبي الحسن عليه السلام) يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام.(بأنّه) متعلّق بالحلف، والضمير الشّأن.وقيل: إيراد ثقة الإسلام هذا الخبر في هذا الباب لعلّه باعتبار كون هذا السؤال قبل تواتر خبر الموت، بعد مجي ء سعيد الخادم المذكور في التالي للتالي.(سنّة أربعة أنبياء) لعلّ المراد حياة إدريس وعيسى والخضر وإلياس عليهم السلام.وقال برهان الفضلاء:«يروون أنّ فيه» أي في أبيك، «سنّة أربعة أنبياء» يعني يغيب مثل يوسف عليه السلام، ثمّ يظهر للسلطنة، والرواية على فرض صحّته وعدم إنكاره عليه السلام من أمارة الصحّة في القائم عليه السلام، يعني المهدي، وكلّ إمام هو القائم في زمانه.وقال بعض المعاصرين: يعني إحداها الغيبة.(1) ولم يذكر البواقي وما قلناه أنسب سياقاً.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ رَجُلاً عَنَّى (3)أَخَاكَ إِبْرَاهِيمَ ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَبَاكَ عليه السلام فِي الْحَيَاةِ ، وَ أَنَّكَ تَعْلَمُ مِنْ ذلِكَ مَا لا نَعْلَمُ (4) ؟فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! يَمُوتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ لَا يَمُوتُ مُوسى؟! قَدْ وَ اللَّهِ مَضى كَمَا مَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمْ يَزَلْ مُنْذُ قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله - هَلُمَّ جَرّاً - يَمُنُّ بِهذَا الدِّينِ عَلى أَوْلَادِ الْأَعَاجِمِ ، وَ يَصْرِفُهُ عَنْ قَرَابَةِ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله هَلُمَّ جَرّاً - فَيُعْطِي هؤُلَاءِ ، وَ يَمْنَعُ هؤُلَاءِ ، لَقَدْ قَضَيْتُ عَنْهُ فِي هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ أَلْفَ دِينَارٍ بَعْدَ أَنْ أَشْفى عَلى طَلَاقِ

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 674 ، ذيل ح 1279.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط».
3- .في الكافي المطبوع : «عنى» بدون التشديد».
4- .في الكافي المطبوع : «يعلم» بدل «لا نعلم».

ص: 110

نِسَائِهِ وَ عِتْقِ مَمَالِيكِهِ ، وَ لكِنْ قَدْ سَمِعْتُ مَا لَقِيَ يُوسُفُ مِنْ إِخْوَتِهِ» .

هديّة:(رجلاً) يعني من الواقفة، أو المراد العبّاس أخيه عليه السلام وقد مرّ ذكره.(عنّى أخاك) على التفعلة، أي أوقعه في العناء والتعب بتلبيسه الأمر عليه في إمامة أخيه ووفات أبيه. وفي بعض النسخ : «غرّ أخاك» من الغرور، أي خدعه. وهو أوضح.(وإنّك) بكسر الهمزة حاليّة، والمراد تحقيق الحال.(ما لا نعلم) على المتكلّم مع الغير أو الغائب.(هلمّ) من أسماء الأفعال، و(جرّاً) نصب على المفعوليّة، أي ايت وانظر انجراره إلى آخره.قيل: «ويصرفه عن قرابة نبيّه» إشارة إلى أنّ القائل بغير ما هو الحقّ كالوقف خارج عن الدِّين. وقال برهان الفضلاء: إشارة إلى مدح سعيد الخادم القزويني ومثله، وذمّ أخيه ومثله، وإيمان سلمان ومثله.وقيل: في هذا الحديث دلالة على فضل العجم على العرب.وروى عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء: «وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ»(1) عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لو نزّل القرآن على العجم ما آمنت به العرب، وقد نزّل على العرب فآمنت به العجم».(2)وفي كتاب الغيبة للشيخ رحمة اللَّه عليه بإسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «اتّق العرب، فإنّ لهم جبر سوء، أما أنّه لم يخرج مع القائم عليه السلام منهم واحد».(3)ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «لو كان الدِّين بالثريّا لنالته رجال من فارس».(4)وفي رواية اُخرى: لمّا نزل قوله تعالى: «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ»(5)، قيل: مَن هم

.


1- .الشعراء (26): 198 - 199.
2- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 124 ؛ وعنه في البحار ، ج 9 ، ص 228 ، ح 116.
3- .الغيبة للطوسي ، ص 476 ؛ وعنه في البحار ، ج 52 ، ص 333 ، ح 62 ، وفيها ورد : «خبر سوء» بدل «جبر سوء».
4- .جامع البيان للطبري ، ج 26 ، ص 86 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 60 ، ح 3314.
5- .الجمعة (62): 3.

ص: 111

يا رسول اللَّه؟ فلم يجب حتّى سُئل ثلاثاً، ثمّ وضع يده على كتف سلمان وقال: «لو كان الإيمان عند الثريّا لناله رجالٌ أو رجلٌ من هؤلاء».(1)(قضيت عنه) الظاهر عن إبراهيم، وقيل: عن العبّاس من إخوته عليه السلام، وقيل: عن الرجل الواقفي.(أشفى): أشرف. والقصد من الطلاق والعتق أن لا يختم الغرماءُ بيوتَ نسائه، ولا يأخذوا مماليكه.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنِ الْوَشَّاءِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنَّهُمْ رَوَوْا عَنْكَ فِي مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَكَ (3) : عَلِمْتَ ذلِكَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ ؟فَقَالَ : «جَاءَ سَعِيدٌ بَعْدَ مَا عَلِمْتُ بِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ».قَالَ : وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «طَلَّقْتُ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ إِسْحَاقَ فِي رَجَبٍ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِيَوْمٍ». قُلْتُ : طَلَّقْتَهَا وَ قَدْ عَلِمْتَ بِمَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ؟ قَالَ : «نَعَمْ». قُلْتُ : قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْكَ سَعِيدٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:المراد بأبي الحسن الأوّل أبو الحسن الثاني، وبالثاني الأوّل.(رجلاً) يعني من الواقفة معترضاً عليك بأنّ علمك ذلك إنّما هو بقول سعيد، فيلزم خلوّ الدنيا في الفاصلة بين علمك ومضيّه عن المعصوم، والجاهل بإمامة نفسه ليس بإمام، وأيضاً العلم بسبب إخبار سعيد الخادم الوالي وأهل المدينة ليس معتبراً في علم الإمامة، وسعيد الخادم هو الناعي من بغداد إلى المدينة.

.


1- .مسند أحمد ، ج 2 ، ص 417 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 192 ، وفيهما مع اختلاف يسير.
2- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
3- .في «د» : + «إنّك».

ص: 112

قال بعض المعاصرين في كتابه:واُمّ فروة من أزواج أبي الحسن الأوّل عليه السلام، وقد مضى أنّه عليه السلام فوّض أمر نسائه أيضاً إلى الرضا عليه السلام، فلعلّه كان وكيلاً في طلاقها من قبل أبيه عليهما السلام، وجواز طلاقها بعد موت الموكّل إنّما هو لكون أحكام الشريعة جارية على ظاهر الأمر دون باطنه، وكان الموت لم يتحقّق بعد للناس ظاهراً، قال: وأورد هنا إشكال بأنّ الفائدة في الطلاق الذي يجي ء بعده الكاشف عن عدم صحّته ماذا؟ فيجيب بأنّ أمرهم عليهم السلام أرفع من أن يناله عقولنا، فلعلّه لمصلحة لا نعلمها. انتهى.(1)أقول: ليس ببعيد أن يكون معنى قوله عليه السلام: (طلّقتها) على هذه النسخة: أمرتها بعدّة الوفاة، واللَّه أعلم.وقرأ برهان الفضلاء : «طلّعت» من التطليع بمعنى الإخبار والإعلام على وجه أكمل، ثمّ قال:وسعيد هو سعيد بن حاتم القزويني الخادم، وقد مرَّ ذكره في حديث يزيد بن سليط في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا عليه السلام، وإسحاق هو إسحاق بن جعفر بن محمّد عليه السلام، ومضى موسى بن جعفر عليهما السلام في سادس رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة. انتهى.لو كان في أزواج الكاظم عليه السلام مَن اسمه أو كنيته اُمّ فروة وكان إسحاق شخص آخر، فثلاثة: اُمّ فروة بنت جعفر بن محمّد عليهما السلام، واُمّ فروة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام، واُمّ فروة هذه على ما ذكره بعض المعاصرين أيضاً.وقال المفيد في إرشاده: «وكان لأبي عبداللَّه عليه السلام عشرة أولاد: إسماعيل وعبداللَّه واُمّ فروة» إلى آخره.(2) ثمّ ذكر في بنات موسى عليه السلام بعد ذكر البنين: خديجة واُمّ فروة وأسماء إلى ثمان عشر من البنات.(3)

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 663 ، ذيل ح 1265.
2- .الإرشاد ، ج 2 ، ص 209.
3- .الإرشاد ، ج 2 ، ص 244 ، وفيه هكذا : «وكان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً واُنثى... وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ورقيّة وحكيمة واُمّ أبيها ورقية الصغرى ، وكلثم واُمّ جعفر ولبابة وزينب وخديجة وعليّة وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة واُم سلمة وميمونة واُمّ كلثوم لأمّهات الأولاد».

ص: 113

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ،(1) عَنْ صَفْوَانَ ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِمَامِ ، مَتى يَعْلَمُ أَنَّهُ إِمَامٌ ، حِينَ يَبْلُغُهُ أَنَّ صَاحِبَهُ قَدْ مَضى ، أَوْ حِينَ يَمْضِي ، مِثْلَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قُبِضَ بِبَغْدَادَ وَ أَنْتَ هَاهُنَا ؟قَالَ : «يَعْلَمُ ذلِكَ حِينَ يَمْضِي صَاحِبُهُ». قُلْتُ : بِأَيِّ شَيْ ءٍ ؟ قَالَ : «يُلْهِمُهُ اللَّهُ تعالى» .

هديّة:قال برهان الفضلاء: «مثل» مرفوعٌ، خبرٌ عن مبتدأ محذوف، أي موضع سؤالي هاهنا ، يعني في المدينة المنوّرة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْفَضْلِ الشَّهْبَانِيِّ ،(2) عَنْ هَارُونَ بْنِ الْفَضْلِ ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، مَضى أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام». فَقِيلَ لَهُ : وَ كَيْفَ عَرَفْتَ ؟ قَالَ : «لِأَنَّهُ تَدَاخَلَنِي ذِلَّةٌ لِلَّهِ عَزَّوَجَلَّ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام، وأبا جعفر الثاني الجواد عليه السلام، كان الهادي عليه السلام في المدينة حين مضى الجواد عليه السلام في بغداد.(لأنّه تداخلني ذلّة للَّه عزّ وجلّ لم أكن أعرفها) نصٌّ في أنّ نهاية كمال العبد بكمال العبوديّة، لا بدعوى الربوبيّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي الفضل الشهباني».

ص: 114

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بِن مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُسَاوِرٍ ،(1) قَالَ : أَمَرَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام - حِينَ أُخْرِجَ بِهِ - أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام أَنْ يَنَامَ عَلى بَابِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَبَداً مَا كَانَ حَيّاً إِلى أَنْ يَأْتِيَهُ خَبَرُهُ ، قَالَ : فَكُنَّا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ نَفْرُشُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي الدِّهْلِيزِ ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيَنَامُ ، فَإِذَا أَصْبَحَ انْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، قَالَ : فَمَكَثَ عَلى هذِهِ الْحَالِ أَرْبَعَ سِنِينَ ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي ، أَبْطَأَ عَنَّا وَ فُرِشَ لَهُ ، فَلَمْ يَأْتِ كَمَا كَانَ يَأْتِي ، فَاسْتَوْحَشَ الْعِيَالُ وَ ذُعِرُوا ، وَ دَخَلَنَا أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ إِبْطَائِهِ .فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، أَتَى الدَّارَ ، وَ دَخَلَ إِلَى الْعِيَالِ ، وَ قَصَدَ إِلى أُمِّ أَحْمَدَ ، فَقَالَ لَهَا : «هَاتِي الَّذِي (2)أَوْدَعَكِ أَبِي» . فَصَرَخَتْ ، وَ لَطَمَتْ وَجْهَهَا ، وَ شَقَّتْ جَيْبَهَا ، وَ قَالَتْ : مَاتَ وَ اللَّهِ سَيِّدِي ، فَكَفَّهَا ، وَ قَالَ لَهَا : «لَا تَكَلَّمِي بِشَيْ ءٍ ، وَ لَا تُظْهِرِيهِ حَتّى يَجِي ءَ الْخَبَرُ إِلَى الْوَالِي» .فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ سَفَطاً ، وَ أَلْفَيْ دِينَارٍ ، أَوْ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ ، فَدَفَعَتْ ذلِكَ أَجْمَعَ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَ قَالَتْ : إِنَّهُ قَالَ لِي فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَهُ - وَ كَانَتْ أَثِيرَةً عِنْدَهُ - : «احْتَفِظِي بِهذِهِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَكِ ، لَا تُطْلِعِي عَلَيْهَا أَحَداً حَتّى أَمُوتَ ، فَإِذَا مَضَيْتُ ، فَمَنْ أَتَاكِ مِنْ وُلْدِي فَطَلَبَهَا مِنْكِ ، فَادْفَعِيهَا إِلَيْهِ ، وَ اعْلَمِي أَنِّي قَدْ مِتُّ» . وَ قَدْ جَاءَتْنِي (3) وَ اللَّهِ عَلَامَةُ سَيِّدِي .فَقَبَضَ ذلِكَ مِنْهَا ، وَ أَمَرَهُمْ بِالْإِمْسَاكِ جَمِيعاً إِلى أَنْ وَرَدَ الْخَبَرُ ، وَ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعُدْ لِشَيْ ءٍ مِنَ الْمَبِيتِ ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ، فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا أَيَّاماً يَسِيرَةً حَتّى جَاءَتِ الْخَرِيطَةُ بِنَعْيِهِ ، فَعَدَدْنَا الْأَيَّامَ ، وَ تَفَقَّدْنَا الْوَقْتَ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام مَا فَعَلَ مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنِ الْمَبِيتِ وَ قَبْضِهِ لِمَا قَبَضَ .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «مسافر» بالفاء بدل الواو.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسافر».
2- .في الكافي المطبوع : «هات التي» بدل «هاتي الذي».
3- .في الكافي المطبوع : «جاءني».

ص: 115

. .

ص: 116

باب حالات الأئمّة في السنّ

الباب الحادي والتسعون : بَابُ حَالَاتِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام فِي السِّنِ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أبي خالد الْكُنَاسِيِّ ،(1) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : أَ كَانَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ - حِينَ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ - حُجَّةَ اللَّهِ عَلى أَهْلِ زَمَانِهِ ؟فَقَالَ : «كَانَ يَوْمَئِذٍ نَبِيّاً حُجَّةً لِلَّهِ (2) غَيْرَ مُرْسَلٍ ؛ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ حِينَ قَالَ : «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتانِىَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِى نَبِيًّا * وَ جَعَلَنِى مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِى بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا»(3)» .قُلْتُ : فَكَانَ يَوْمَئِذٍ حُجَّةً لِلَّهِ عَلى زَكَرِيَّا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَ هُوَ فِي الْمَهْدِ ؟فَقَالَ : «كَانَ عِيسى فِي تِلْكَ الْحَالِ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ لِمَرْيَمَ حِينَ تَكَلَّمَ ، فَعَبَّرَ عَنْهَا ، وَ كَانَ نَبِيّاً حُجَّةً عَلى مَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ ، ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتّى مَضَتْ لَهُ سَنَتَانِ ، وَ كَانَ زَكَرِيَّا الْحُجَّةَ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلَى النَّاسِ بَعْدَ صَمْتِ عِيسى بِسَنَتَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ زَكَرِيَّا ، فَوَرِثَهُ ابْنُهُ يَحْيَى الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ هُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ ؛ أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن يزيد الكناسي».
2- .في الكافي المطبوع : «حجةَ اللَّهِ».
3- .مريم (19) : 30 - 31.

ص: 117

«يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»(1) .فَلَمَّا بَلَغَ عِيسى عليه السلام سَبْعَ سِنِينَ ، تَكَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَ الرِّسَالَةِ حِينَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِ ، فَكَانَ عِيسَى الْحُجَّةَ عَلى يَحْيى وَ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ ، وَ لَيْسَ تَبْقَى الْأَرْضُ - يَا أَبَا خَالِدٍ - يَوْماً وَاحِداً بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام ، وَ أَسْكَنَهُ الْأَرْضَ».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام حُجَّةً مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ عَلى هذِهِ الْأُمَّةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟فَقَالَ : «نَعَمْ ، يَوْمَ أَقَامَهُ لِلنَّاسِ ، وَ نَصَبَهُ عَلَماً ، وَ دَعَاهُمْ إِلى وَلَايَتِهِ ، وَ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ».قُلْتُ : فَكَانَتْ (2) طَاعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام وَاجِبَةً عَلَى النَّاسِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ؟فَقَالَ : «نَعَمْ ، وَ لكِنَّهُ صَمَتَ ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَتِ الطَّاعَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى أُمَّتِهِ وَ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَتِ الطَّاعَةُ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ لِعَلِيٍّ عليه السلام بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام حَكِيماً عَلِيماً(3)» .

هديّة:في التفسير: (إنّي عبد اللَّه) في سورة مريم، يعني لا ابن اللَّه كقول النصارى فيه، واليهود في عزير، ولا عين اللَّه، كقول الصوفيّة القدريّة في كلّ موجود.(وأسكنه الأرض) يؤيّد ما في الحديث أنّ خطبة آدم عليه السلام كانت قبل قيامه حجّة في الأرض.(ولكنّه صمت) كنايةٌ عن عدم القيام بالأمر.(بقوّة) في آية سورة مريم فسّر بِعلْمٍ من اللَّه، لا برأي من عندك.(حكيماً عليماً) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الزخرف: «وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»(4)، في التفسير عنهم عليهم السلام: «وأنّه - أي الصراط المستقيم في سورة فاتحة الكتاب -

.


1- .مريم (19) : 12.
2- .في الكافي المطبوع : «وكانت».
3- .في الكافي المطبوع : «عالماً».
4- .الزخرف (43): 4.

ص: 118

عندنا عليّ بن أبي طالب».و«الحكيم» دلالة على أنّ المراد بعليّ في الآية الشخص المسمّى بعليّ، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى - : «حليماً عالماً»، قال: يعني عاقلاً غير متجاوز عن أدبه في خدمة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالتكلّم معه والقيام بالأمر في حياته صلى اللَّه عليه وآله.قد تكرّرت في أبواب الكافي طائفة من أحاديث هذا الباب بمضمونها.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَكُنْتَ تَقُولُ : «يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلَاماً» فَقَدْ وَهَبَهُ (2) اللَّهُ لَكَ ، فَأَقَرَّ(3) عُيُونُنَا ، فَلَا أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَكَ ، فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلى مَنْ ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ .فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ ؟! فَقَالَ (4) : «وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذلِكَ (5) ؛ فَقَدْ(6) قَامَ عِيسى عليه السلام بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ» .

هديّة:يعني لا يضرّ سنُّه حجّيتَه مع الصمت. وأمّا الحجّة الناطق، فلا يكون بعد الحسنين عليهما السلام في أقلّ من خمس سنين، كما مضى في حديث زياد بن أبي الحلال في باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام، فلا إشكال. وكان الجواد عليه السلام حجّة ناطقاً بعد الخمس، وهو ابن ستّ سنين على قولٍ ، وابن سبع سنين بزيادة خمسة أشهر على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى».
2- .في الكافي المطبوع : «وهب».
3- .في الكافي المطبوع : «فقرّ».
4- .في الكافي المطبوع : «قال».
5- .في الكافي المطبوع : + «شي ء».
6- .في الكافي المطبوع : «قد».

ص: 119

الأشهر، كما يستفاد من الأخبار الآتية في أبواب التاريخ، ومن الحديث السادس من الباب. وقيل: بعد الستّ وهو ابن سبع سنين.والمراد بالتمثيل بعيسى عليه السلام أنّ اللَّه تعالى حكى عنه في سورة مريم أنّه قال: «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ»(1) يعني علم التوراة وجميع الأحكام، فإذا كان كذلك في أوائل الولادة ، ففي سنّ ثلاث سنين بطريقٍ أولى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفٍ ،(2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّكَ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَوْحى إِلى دَاوُدَ عليه السلام أَنْ يَسْتَخْلِفَ سُلَيْمَانَ وَ هُوَ صَبِيٌّ يَرْعَى الْغَنَمَ ، فَأَنْكَرَ ذلِكَ عُبَّادُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ عُلَمَاؤُهُمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ إِلى دَاوُدَ عليه السلام أَنْ خُذْ عِصَا(3)الْمُتَكَلِّمِينَ وَ عَصَا سُلَيْمَانَ ، وَ اجْعَلْهُمَا(4) فِي بَيْتٍ ، وَ اخْتِمْ عَلَيْهَا(5) بِخَوَاتِيمِ الْقَوْمِ ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ ، فَمَنْ كَانَتْ عَصَاهُ قَدْ أَوْرَقَتْ وَ أَثْمَرَتْ ، فَهُوَ الْخَلِيفَةُ ، فَأَخْبَرَهُمْ دَاوُدُ عليه السلام ، فَقَالُوا : قَدْ رَضِينَا وَ سَلَّمْنَا» .

هديّة:إجماله لاشتهاره، و«الحداثة» بالفتح.

الحديث الرابع .


1- .مريم (19): 30.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف».
3- .فى الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً ببعض النسخ : «عِصِيّ» وهو الأنسب.
4- .في «الف» : - «واجعلهما». وفي الكافي المطبوع : «واجعلها».
5- .في «الف» : «عليه».

ص: 120

دَخَلْتُ (1) - وَ مَعِي غُلَامٌ يَقُودُنِي خُمَاسِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ - فَقَالَ لِي : «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا احْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ سِنِّهِ - أَوْ قَالَ - سَيَأْتِي (2) عَلَيْكُمْ زَمَانٌ ، به يحتجّ عليكم (3) بِمِثْلِ سِنِّهِ؟(4)» .

هديّة:(خماسيّ) أي ابن خمس سنين، وأيضاً «خماسيّ» أي قامته خمسة أشبار، وقد مرّ.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ ،(5) عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، قَالَ : سَأَلْتُهُ - يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام - عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الْإِمَامِ ، فَقُلْتُ : يَكُونُ الْإِمَامُ (6)أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ ، وَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ».فَقَالَ سَهْلٌ : فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مَهْزِيَارَ بِهذَا فِي سَنَةِ إِحْدى وَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ .

هديّة:يعني الجواد عليه السلام.(وأقلّ من خمس سنين) يعني حجّة صامتاً، فلا إشكال على ما عرفت آنفاً.

الحديث السادس روى في الكافي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْخَيْرَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِخُرَاسَانَ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا سَيِّدِي ، إِنْ كَانَ كَوْنٌ ، فَإِلى مَنْ ؟ قَالَ : «إِلى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي». فَكَأَنَّ الْقَائِلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «إليه».
2- .في الكافي المطبوع : «سيلي».
3- .في الكافي المطبوع : - «زمانٌ به يحتجّ عليكم».
4- .في «الف»: - «أو قال - إلى قوله - بمثل سنّة».
5- .السند في الكافي المطبوع يبتدأ ب «سهل بن زياد» ولكنّه معلّق على سابقه ، ويروي عن سهل بن زياد ، عليّ بن محمّد وغيره.
6- .في الكافي المطبوع : + «ابن».

ص: 121

وَ تَعَالى - بَعَثَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليهما السلام رَسُولًا نَبِيّاً ، صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ، فِي أَصْغَرَ مِنَ السِّنِّ الَّذِي فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام» .

هديّة:(رسولاً نبيّاً) أي صاحب الرسالة بعد النبوّة. وقد مرّ أنّ عيسى عليه السلام صار رسولاً وهو ابن سبع سنين، وأنّه كان حجّة صامتاً حتّى بلغ سبع سنين، وحجّة على الخصوص قبل ذلك، وناطقاً على العموم بعد ذلك. وهذا الحديث شاهد للقول الأشهر في حجّية الجواد عليه السلام ناطقاً،(1) وقد عرفت آنفاً.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ(2) ، قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ - فَأَخَذْتُ النَّظَرَ إِلَيْهِ ، وَ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلى رَأْسِهِ وَ رِجْلَيْهِ ، لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ حَتّى قَعَدَ ، فَقَالَ : «يَا عَلِيُّ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي النُّبُوَّةِ ، فَقَالَ : «وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ؛ «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ»؛ «وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ(3) وَ هُوَ صَبِيٌّ ، وَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَاهَا وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» .

هديّة:(وقد خرج عليّ). لعلّ المعنى: وقد خرج من خيمته قاصداً لقائي. وقال برهان الفضلاء: يعني من بيته عند وصولي إلى بابه قاصداً لقائه. و(حتّى قعد) مؤيّداً لما قلنا.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : يَا سَيِّدِي ، إِنَّ النَّاسَ يُنْكِرُونَ عَلَيْكَ حَدَاثَةَ سِنِّكَ ، فَقَالَ : «وَ مَا يُنْكِرُونَ مِنْ ذلِكَ؟ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؟ لَقَدْ

.


1- .في «د» : - «ناطقاً».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط».
3- .في «الف» : «الحكم».

ص: 122

قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «قُلْ هذِهِ سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى» فَوَاللَّهِ مَا تَبِعَهُ إِلَّا عَلِيٌّ عليه السلام وَ لَهُ تِسْعُ سِنِينَ ، وَ أَنَا ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ» .

هديّة:قال الغضائري: عليّ بن حسّان الواسطي ثقة ثقة(1).(وما ينكرون) على الموصول، أو الاستفهام التعجّبي.(من ذلك) أي من جملة ما ينكرونه عليهما قول اللَّه عزّ وجلّ في سورة يوسف.(2)في بعض النسخ : «سبع سنين» مكان (تسع سنين) في الموضعين، وفي بعضٍ آخر في الأخير، فالمراد سنّ الصّبا قبل البلوغ. وقال برهان الفضلاء:لعلّ في هذا الحديث سهواً من نسّاخ الكافي؛ لمنافاته مع ما يجي ء في أبواب التاريخ أنّ عليّاً عليه السلام كان في مبدأ البعثة ابن عشر سنين، وأنّ الجواد عليه السلام قام حجّة ناطقاً وهو متجاوز عن سبع سنين.أقول: يمكن التوجيه من دون الحمل على السهو بناءً على نسخة التسع في الموضعين أو في الأوّل، ومن له تسع كامل داخلاً في العشر لا يبعد أن يُقال: إنّه ابن عشر سنين، مع ما عرفت من حمل السبع في الأخير على سنّ الصبا قبل البلوغ.

.


1- .رجال ابن الغضائري ، ج 1 ، ص 77 ، الرقم 89.
2- .يوسف (12) : 108.

ص: 123

باب أنّ الإمام لا يغسله إلّا إمام من الأئمّة

الباب الثاني والتسعون : بَابُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَغْسِلُهُ إِلَّا إِمَامٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الاثنين،(1) عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ أَوْ غَيْرِهِ ، عَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّهُمْ يُحَاجُّونَّا يَقُولُونَ : إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَغْسِلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «مَا يُدْرِيهِمْ مَنْ غَسَلَهُ ؟ فَمَا قُلْتَ لَهُمْ؟» قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ (2) : إِنْ قَالَ مَوْلَايَ : إِنَّهُ غَسَلَهُ تَحْتَ عَرْشِ رَبِّي ، فَقَدْ صَدَقَ ، وَ إِنْ قَالَ : غَسَلَهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ ، فَقَدْ صَدَقَ . قَالَ : «لَا هكَذَا(3)» .فَقُلْتُ : فَمَا أَقُولُ لَهُمْ ؟ قَالَ : «قُلْ لَهُمْ : إِنِّي غَسَلْتُهُ». فَقُلْتُ : أَقُولُ لَهُمْ : إِنَّكَ غَسَلْتَهُ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:(إنّهم يحاجّونا) يعني الواقفيّة، وتقرير إيرادهم على الإماميّة أنّ الثابت عندكم أنّ الإمام لا يغسّله إلّا الإمام، فلو لم يكن أبو الحسن عليه السلام حيّاً فمن غسّله وهو في بغداد والرّضا إمامكم في المدينة؟

.


1- .يعني «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : + «قلت لهم».
3- .في الكافي المطبوع : + «قال».

ص: 124

قيل: قوله: «أقول لهم: أنا غسّلته» يعني بدون ذكر المكان، «قال: نعم» يعني قُل: إمامي غسّله بدون ذكر المكان.ليس في عدّة نسخ معتبرة - منها نسخة برهان الفضلاء - : (لا هكذا) بين (قال) و(فقلت).و(قال ) حاصل جواب الإمام عليه السلام أنّه قُل: غسّله إمامي في المدينة في حياته قبل أن أشخص إلى العراق، كما مرّ في باب الإشارة والنصّ على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فإنّه كاف للجواب. وقيل: يعني قل لهم: مولاي غسّله بطيّ الأرض، كما هو الحقّ.و«التّخم» بالفتح: منتهى كلّ قرية أو أرض، والجمع: تخوم، كفلس وفلوس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ،(1) عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنِ الْإِمَامِ يَغْسِلُهُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «سُنَّةُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام» .

هديّة:في بعض النسخ بزيادة «ما تدرون من حضر» بين (قال) و(سنّة موسى بن عمران عليه السلام).حاصل السؤال: أنّ هذا حقّ أم لا؟. وحاصل الجواب: أنّ يوشع بن نون حضر بطيّ الأرض البادية بإذن اللَّه، فغسّل موسى عليه السلام. وقال برهان الفضلاء: حاصل الجواب: أنّ ذلك حقّ وكان في شريعة موسى ولم ينسخ بعد. قال: أو المراد أنّ جبرئيل عليه السلام غسّل أبي عليه السلام كما غسّل موسى عليه السلام. وقال بعض المعاصرين: يظهر من هذا الخبر أنّ يوشع غسّل موسى في حياته.(2) فلعلّ الرضا عليه السلام غسّل أباه عليه السلام في حياته.أقول: والذي ظهر لي من الأخبار أنّ الرضا عليه السلام غسّل أباه عليهما السلام مرّة في حياته كما مرّ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 666 ، ذيل الحديث 1270.

ص: 125

واُخرى بعد مماته بحضوره بطيّ الأرض، وكذا يوشع غسّل موسى بحضوره التّيه بطيّ الأرض وقد كان أوصى إليه من قبل.وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب عرض المجالس بإسناده عن محمّد بن عمارة، عن أبيه قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: أخبرني بوفاة موسى بن عمران، فقال له: «إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدّته وانقطع أكله أتاه ملك الموت، فقال له: السلام عليك يا كليم اللَّه، فقال موسى: وعليك السلام، مَن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال: ما الذي جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال له موسى عليه السلام: من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك، قال له موسى: كيف وقد كلّمت به ربّي جلّ جلاله؟ قال: فمن يديك، قال: كيف وقد حملت بهما التوراة؟ قال: فمن رجليك، قال: كيف وقد وطئت بهما إلى طور سيناء؟ قال: فمن عينيك، قال: كيف ولم تزل إلى ربّي بالرجاء ممدودة؟ قال: فمن اُذنيك، قال: كيف وقد سمعت بهما كلام ربّي جلّ وعزّ؟ قال: فأوحى اللَّه إلى ملك الموت أن لا يقبض روحه حتّى يكون هو الذي يريد ذلك، وخرج ملك الموت، فمكث موسى عليه السلام ما شاء اللَّه أن يمكث بعد ذلك، ودعى يوشع بن نون، فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره، وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر، وغاب موسى عن قومه، فمرَّ في غيبته برجل يحفر قبراً، فقال له: ألا أعينك على حفر هذا القبر، فقال له الرجل: بلى، فأعانه حتّى حفر القبر وسوّى اللّحد، ثمّ اضطجع فيه موسى بن عمران لينظر كيف هو ، فكشف له عن الغطاء، فرأى مكانه من الجنّة، فقال: ياربّ اقبضني إليك، فقبض ملك الموت روحه مكانه، ودفنه في القبر وسوّى عليه التراب، وكان الذي يحفر القبر ملك في صورة بشر وكان ذلك في التيه، فصاح صائحٌ من السماء: مات موسى بن عمران كليم اللَّه فَأَيُ (1) نفسٍ لا تموت».(2)

.


1- .في «د» : «وأيّ».
2- .الأمالي للصدوق ، ص 232 ، المجلس 41 ، ح 2.

ص: 126

قوله عليه السلام: «لمّا أتاه أجله» أي المعلّق، دون المسمّى المحتوم.«ودفنه في القبر» لعلّ المعنى بدليل قوله : «ودعى يوشع بن نون، فأوصى إليه» أنّه دفنه مع يوشع بعد حضوره بطيّ الأرض وتغسيله إيّاه.«وأمره بكتمان أمره» أي أمر يوشع عند افتراق الاُمّة بعد موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، كافتراق النصارى بعد عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة: وهذه الاُمّة على ثلاث وسبعين فرقة إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، وأسوأهم كفراً الصوفيّة القدريّة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ،(1) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ طَلْحَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَغْسِلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ ؟ فَقَالَ : «أَ مَا تَدْرُونَ مَنْ حَضَرَ ؟ لَعَلَّهُ قَدْ حَضَرَهُ خَيْرٌ مِمَّنْ غَابَ عَنْهُ ، الَّذِينَ حَضَرُوا يُوسُفَ فِي الْجُبِّ حِينَ غَابَ عَنْهُ أَبَوَاهُ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ» .

هديّة:(من حضر) على المعلوم أو خلافه، فإنّ «حضر» كنصر وعلم، يتعدّى ولا يتعدّى؛ قاله في القاموس.(2) وضمير (لعلّه) للشأن أو للمفهوم من السياق، يعني الكاظم عليه السلام، كالبارز في (حضره).(ممّن غاب عنه) أي من هو خيرٌ من الملائكة الذين حضروا يوسف عليه السلام في الجبّ.وقال برهان الفضلاء:يعني أما تدرون معنى «من حضر» على ما لم يسمّ فاعله بمعنى من احتضر، فإنّ المعنى حضور ملائكة الرحمة عنده إذا كان مؤمناً وملائكة العذاب إذا كان كافراً، فلعلّه حضره خير ممّن غاب عنه من الفريقين، وخيرهما ملائكة الرحمة الذين حضروا يوسف عليه السلام في الجبّ، ثمّ قال لهم: غسّلوه مرّة اُخرى بعد تغسيله في حياته عليه السلام في المدينة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور».
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حضر).

ص: 127

وقال بعض المعاصرين: يظهر من هذا الحديث أنّ غاسله عليه السلام كان جبرئيل مع الملائكة؛ لما ورد أنّه الذي حضر يوسف في الجبّ، ثمّ قال: ولا ينافي هذا الخبرُ الخبرَ السابق؛ لإمكان وقوع الغسل مرّتين في الحياة وبعد الممات.(1)أقول: الظاهر ما قلناه آنفاً من أنّ «الذين» وصف ل «من» في «ممّن»، و«خير» إشارة إلى نفسه عليه السلام، يعني لعلّه قد حضره من هو خيرٌ من الملائكة الذين حضروا يوسف عليه السلام في الجبّ، والنصوص بما عرفت شهادتها لنا أظهر.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 666 ، ذيل الحديث 1269.

ص: 128

باب مواليد الأئمّة

الباب الثالث والتسعون : بَابُ مَوَالِيدِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده بطريقين عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(1) قَالَ : حَجَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا ابْنُهُ مُوسى عليه السلام ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْأَبْوَاءَ ، وَضَعَ لَنَا الْغَدَاءَ ، وَ كَانَ إِذَا وَضَعَ الطَّعَامَ لِأَصْحَابِهِ أَكْثَرَ وَ أَطَابَ ، قَالَ : فَبَيْنَا نَحْنُ نَأْكُلُ إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ حَمِيدَةَ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّ حَمِيدَةَ تَقُولُ : قَدْ أَنْكَرْتُ نَفْسِي ، وَ قَدْ وَجَدْتُ مَا كُنْتُ أَجِدُ إِذَا حَضَرَتْ وِلَادَتِي ، وَ قَدْ أَمَرْتَنِي أَنْ لَا أَسْبِقَكَ (2) بِابْنِكَ هذَا ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَانْطَلَقَ مَعَ الرَّسُولِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : سَرَّكَ اللَّهُ ، وَ جَعَلَنَا فِدَاكَ ، فَمَا أَنْتَ صَنَعْتَ مِنْ حَمِيدَةَ ؟ قَالَ : «سَلَّمَهَا اللَّهُ ، وَ قَدْ وَهَبَ لِي غُلَاماً وَ هُوَ خَيْرُ مَنْ بَرَأَ اللَّهُ فِي خَلْقِهِ ، وَ لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي حَمِيدَةُ عَنْهُ بِأَمْرٍ ظَنَّتْ أَنِّي لَا أَعْرِفُهُ ، وَ لَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهَا».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا(3) الَّذِي أَخْبَرَتْكَ بِهِ حَمِيدَةُ عَنْهُ؟ قَالَ : «ذَكَرَتْ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْ بَطْنِهَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن عبد اللَّه بن إسحاق العلولي ، عن محمّد بن زيد الزاري ، عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير» ؛ وبسند آخر في ذيل الحديث هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن ، عن المختار بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع : «أستبقك».
3- .في الكافي المطبوع : «و ما».

ص: 129

- حِينَ سَقَطَ - وَاضِعاً يَدَيْهِ (1) عَلَى الْأَرْضِ ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَخْبَرْتُهَا أَنَّ ذلِكَ أَمَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَمَارَةُ الْوَصِيِّ مِنْ بَعْدِهِ».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا هذَا مِنْ أَمَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمَارَةِ الْوَصِيِّ مِنْ بَعْدِهِ ؟ فَقَالَ لِي : «إِنَّهُ لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِجَدِّي ، أَتى آتٍ جَدَّ أَبِي بِكَأْسٍ فِيهِ شَرْبَةٌ أَرَقُّ مِنَ الْمَاءِ ، وَ أَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ ، وَ أَحْلى مِنَ الشَّهْدِ ، وَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ ، وَ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، فَسَقَاهُ إِيَّاهُ ، وَ أَمَرَهُ بِالْجِمَاعِ ، فَقَامَ ، فَجَامَعَ ، فَعُلِقَ بِجَدِّي .وَ لَمَّا أَنْ كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِأَبِي ، أَتى آتٍ جَدِّي ، فَسَقَاهُ كَمَا سَقى جَدَّ أَبِي ، وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَمَرَهُ ، فَقَامَ ، فَجَامَعَ ، فَعُلِقَ بِأَبِي .وَ لَمَّا أَنْ كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِي ، أَتى آتٍ أَبِي ، فَسَقَاهُ بِمَا سَقَاهُمْ ، وَ أَمَرَهُ بِالَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ ، فَقَامَ ، فَجَامَعَ ، فَعُلِقَ بِي .وَ لَمَّا أَنْ كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِابْنِي ،(2) أَتَانِي آتٍ كَمَا أَتَاهُمْ ، فَفَعَلَ بِي كَمَا فَعَلَ بِهِمْ ، فَقُمْتُ بِعِلْمِ اللَّهِ ، وَ إِنِّي مَسْرُورٌ بِمَا يَهَبُ اللَّهُ لِي ، فَجَامَعْتُ ، فَعُلِقَ بِابْنِي هذَا الْمَوْلُودِ ، فَدُونَكُمْ ، فَهُوَ - وَ اللَّهِ - صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي ؛ إِنَّ نُطْفَةَ الْإِمَامِ مِمَّا أَخْبَرْتُكَ ، وَ إِذَا سَكَنَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ أُنْشِئَ فِيهَا الرُّوحُ ، بَعَثَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - مَلَكاً ، يُقَالُ لَهُ : حَيَوَانُ ، فَكَتَبَ عَلى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وَ إِذَا وَقَعَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ، وَقَعَ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَمَّا وَضْعُهُ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ، فَإِنَّهُ يَقْبِضُ كُلَّ عِلْمٍ لِلَّهِ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَ أَمَّا رَفْعُهُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَإِنَّ مُنَادِياً يُنَادِي بِهِ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْعِزَّةِ مِنَ الْأُفُقِ الْأَعْلى بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِيهِ يَقُولُ : يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ ، اثْبُتْ تُثْبَتْ ، فَلِعَظِيمٍ مَا خَلَقْتُكَ ، أَنْتَ صَفْوَتِي مِنْ خَلْقِي ، وَ مَوْضِعُ سِرِّي ، وَ عَيْبَةُ عِلْمِي ، وَ أَمِينِي عَلى وَحْيِي ، وَ

.


1- .في الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً بأكثر النسخ : «يده». واُريد بها الجنس.
2- .في «الف» : + «هنا».

ص: 130

خَلِيفَتِي فِي أَرْضِي ، لَكَ وَ لِمَنْ تَوَلَّاكَ أَوْجَبْتُ رَحْمَتِي ، وَ مَنَحْتُ جِنَانِي ، وَ أَحْلَلْتُ جِوَارِي ، ثُمَّ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي ، لَأَصْلِيَنَّ مَنْ عَادَاكَ أَشَدَّ عَذَابِي وَ إِنْ وَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي دُنْيَايَ مِنْ سَعَةِ رِزْقِي .فَإِذَا انْقَضَى الصَّوْتُ - صَوْتُ الْمُنَادِي - أَجَابَهُ هُوَ ، وَاضِعاً يَدَيْهِ ، رَافِعاً رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، يَقُولُ : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»».قَالَ : «فَإِذَا قَالَهُ (1) ذلِكَ ، أَعْطَاهُ اللَّهُ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَ الْعِلْمَ الْآخِرَ ، وَ اسْتَحَقَّ زِيَارَةَ الرُّوحِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، الرُّوحُ لَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ؟ قَالَ : «الرُّوحُ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ ؛ إِنَّ جَبْرَئِيلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَ إِنَّ الرُّوحَ هُوَ خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؛ أَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ»(2)؟» .

هديّة:(الأبواء) بالفتح والمدّ والمفردة الساكنة بينهما: موضع في طريق مكّة.و(الغداء) بفتح المعجمة قبل المهملة ممدود، وهو طعام الضّحى.في بعض النسخ : «إذ» مكان «إذا» في (إذا أتاه). الجوهري: وأمّا «إذ»، فهي لما مضى من الزمان، وقد تكون للمفاجأة مثل «إذا»، ولا يليها إلّا الفعل الواجب وذلك قولك: بينما أناكذا إذ جاء زيد.(3)«أنكر نفسه»: وجد تغيّر حالٍ فيها.(علق) على ما لم يسمّ فاعله من باب نَصَرَ.(بجدّي): بعليّ بن الحسين عليهما السلام. ويحتمل اسم الجنس الشامل للإمام الأوّل والثالث

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال».
2- .القدر (97) : 4.
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2543 (إذا).

ص: 131

أيضاً. ويؤيّده ضمير الجمع في (سقاهم) و(أمرهم) في فقرة: (ولمّا أن كانت الليلة التي) الآتية في الثالثة؛ فظهر وجه القول بأنّ الظاهر فيها: «سقاهما» و«أمرهما».(أرقّ): ألطف.واستعمال (أبيض) في أفعل التفضيل من النوادر.(فسقاه إيّاه) يعني جدّ أبي، وعلى قراءة : «أباه» يعني أبا أبي. وهو كما ترى.و«أن» في (لمّا أن) بالفتح وسكون النون: زائدة.وضمير الجمع في (سقاهم) و(أمرهم) ثالثة باعتبار إرادة الاثنين وأمثالهما.(دونكم): من أسماء الأفعال، والمفعول محذوف؛ أي الزموا إيّاه واحفظوا ما سمعتم.و(أنشئ) على المجهول من الإفعال.و(حيوان) بالتحريك. قال برهان الفضلاء: المراد هنا الباعث لحياة الخلائق.«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» الآية في سورة الأنعام.(1)و«البطنان» بالضم: جمع الباطن.(أثبت تثبت). الأوّل إمّا من الثبوت أو الإثبات أو التثبيت، والثاني إمّا من الثاني أو من الثالث. والمعنى على أحد التقادير: أثبت نفسك على الصراط المستقيم تثبت غيرك عليه. وقرأ برهان الفضلاء: «أثبت» على الأمر من المجرّد، و«تثبت» على المجهول من الإفعال خطاباً.و«الأصلاء»: إدخال الشي ء على النار، فعلى التجريد.«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» الآية في سورة آل عمران.(2)(العلم الأوّل) الذي أوحي إلي الأوّلين، و(الآخر) الذي أوحى إلى نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله من علم اللَّه الغير المتناهي، وبهذا نصّ عليه السلام من قبل بقوله في هذا الحديث: (كلّ علمٍ للَّهِ ِ أنزله من السماء إلى الأرض).

.


1- .الأنعام (6): 115.
2- .آل عمران (3): 18.

ص: 132

(زيارة الروح) من إضافة المصدر إلى الفاعل. وفي بعض النسخ : «زيادة الروح» بالدال. وهو تصحيف.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ ، أَمَرَ مَلَكاً ، فَأَخَذَ شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَيَسْقِيهَا أَبَاهُ ، فَمِنْ ذلِكَ يَخْلُقُ الْإِمَامَ ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْماً وَ لَيْلَةً فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ ، ثُمَّ يَسْمَعُ بَعْدَ ذلِكَ الْكَلَامَ ، فَإِذَا وُلِدَ ، بَعَثَ ذلِكَ الْمَلَكَ ، فَيَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فَإِذَا مَضَى الْإِمَامُ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ ، رُفِعَ لِهذَا مَنَارٌ مِنْ نُورٍ يَنْظُرُ بِهِ إِلى أَعْمَالِ الْخَلَائِقِ ؛ فَبِهذَا يَحْتَجُّ اللَّهُ عَلى خَلْقِهِ» .

هديّة:(من ماء تحت العرش) يحتمل الإضافة.في بعض النسخ : «له» بدل (لهذا). والمراد ب (الخلائق) الذين في البلاد وإن كانوا غائبين بدليل الأخبار الآتية. (فبهذا) أي بمثل هذا الخلق من خلائقه.وأحاديث الباب ردّ على الصوفيّة القدريّة المصرّحين في كتبهم بأنّ البشر لا يمكن وصوله في عوده إلى درجة الكمال في بدوه إلّا بالكسب بالرياضات الشاقّة ، وعدم السماع في الأربعين يوماً إنّما هو لحجابٍ عليه من اللَّه لحكمةٍ في علم اللَّه.وقال بعض المعاصرين:وإنّما لم يسمع الصوت قبل كمال الأربعين ليلة؛ لأنّه بعد في مقام البنات لم يلجه روح الحياة، ثمّ قال: ولعلّ الماء إشارة إلى أنّ مادّة الغذاء الذي يكون منه النطفة، ثمّ قال: ومنار النور عبارة عن حدسه وفراسته.(2)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد اللَّه بن القاسم».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 687 ، ذيل ح 1291.

ص: 133

أقول: قوله الأوّل ليس بشي ء، فإنّ إيلاج الروح إنّما هو بعد أربعة أشهر، وقد مرّ في الخبر السابق. وكذا قوله الثاني؛ لما مرّ من أنّه ماء أرقّ من الماء، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الثلج، وأبيض من اللبن. وقوله الثالث بعيد جدّاً ، فكأنه رأى أنّ الحسين عليه السلام لم يكن له حدس وفراسة قبل مضيّ الحسن عليه السلام. وله مفاسد اُخر ظاهرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.وفي الخبر الآتي أنّ ذلك النور ملك موكّل بكلّ بلدة.وقال برهان الفضلاء: المراد بالمنار أي محلّ النور هو القرآن، فرفعه عبارة عن رفع الحجاب عن علم القرآن له عليه السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَن بزرج ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَ عَزَّ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ مِنَ الْإِمَامِ بَعَثَ مَلَكاً ، فَأَخَذَ شَرْبَةً مِنْ (2)تَحْتِ الْعَرْشِ ، ثُمَّ أَوْقَفَهَا(3) أَوْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ فَشَرِبَهَا ، فَيَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْماً لَا يَسْمَعُ الْكَلَامَ ، ثُمَّ يَسْمَعُ الْكَلَامَ بَعْدَ ذلِكَ ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ ، بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ ذلِكَ الْمَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الشَّرْبَةَ ، فَكَتَبَ عَلى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ» فَإِذَا قَامَ بِهذَا الْأَمْرِ ، رَفَعَ اللَّهُ لَهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَنَاراً يَنْظُرُ بِهِ إِلى أَعْمَالِ الْعِبَادِ» .

هديّة:فيه دلالة على أنّ أبا طالب كان من الأوصياء كما ورد في النصوص.(أوقفها) أي عنده ليتناولها. والشكّ من الراوي.ولا مانع من الكتابة بين العينين والعضد الأيمن أيضاً، أو بين الكتفين أيضاً؛ فلا منافاة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن حديد ، عن منصور بن يونس ، عن يونس بن ظبيان».
2- .في الكافي المطبوع : + «ماء».
3- .في الكافي المطبوع : «أوقعها».

ص: 134

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ الْإِمَامَ لَيَسْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، فَإِذَا وُلِدَ خُطَّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فَإِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ عَمُوداً مِنْ نُورٍ يُبْصِرُ بِهِ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ» .

هديّة:(ليسمع في بطن اُمّه) أي بعد الأربعين يوماً.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(2)قَالَ : سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبِي عليه السلام يَقُولُ : «الْأَوْصِيَاءُ إِذَا حَمَلَتْ بِهِمْ أُمَّهَاتُهُمْ ، أَصَابَهَا فَتْرَةٌ شِبْهُ الْغَشْيَةِ ، فَأَقَامَتْ فِي ذلِكَ يَوْمَهَا(3) إِنْ كَانَ نَهَاراً ، أَوْ لَيْلَتَهَا إِنْ كَانَ لَيْلًا ، ثُمَّ تَرى فِي مَنَامِهَا رَجُلًا يُبَشِّرُهَا بِغُلَامٍ عَلِيمٍ حَلِيمٍ ، فَتَفْرَحُ لِذلِكَ ، ثُمَّ تَنْتَبِهُ مِنْ نَوْمِهَا ، فَتَسْمَعُ مِنْ جَانِبِهَا الْأَيْمَنِ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ صَوْتاً يَقُولُ : حَمَلْتِ بِخَيْرٍ ، وَ تَصِيرِينَ إِلى خَيْرٍ ، وَ جِئْتِ بِخَيْرٍ ، أَبْشِرِي بِغُلَامٍ حَلِيمٍ عَلِيمٍ ، وَ تَجِدُ خِفَّةً فِي بَدَنِهَا ، ثُمَّ تَجِدُ(4) بَعْدَ ذلِكَ اتِّسَاعاً مِنْ جَنْبَيْهَا وَ بَطْنِهَا ، فَإِذَا كَانَ لِتِسْعٍ مِنْ شَهْرِهَا ، سَمِعَتْ فِي الْبَيْتِ حِسّاً شَدِيداً ، فَإِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِدُ فِيهَا ، ظَهَرَ لَهَا فِي الْبَيْتِ نُورٌ تَرَاهُ ، لَا يَرَاهُ غَيْرُهَا إِلَّا أَبُوهُ ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ ، وَلَدَتْهُ قَاعِداً ، وَ تَفَسَّحَتْ (5) لَهُ حَتّى

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن الربيع بن محمّد المسليّ ، عن محمّد بن مروان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن ابن مسعود ، عن عبد اللَّه بن إبراهيم الجعفريّ».
3- .في الكافي المطبوع : + «ذلك».
4- .في الكافي المطبوع : «لم تجد».
5- .في الكافي المطبوع : «تفتّحت».

ص: 135

يَخْرُجَ مُتَرَبِّعاً ، ثُمَّ يَسْتَدِيرُ بَعْدَ وُقُوعِهِ إِلَى الْأَرْضِ ، فَلَا يُخْطِئُ الْقِبْلَةَ حَتَّى (1) كَانَتْ بِوَجْهِهِ ، ثُمَّ يَعْطِسُ ثَلَاثاً ، يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ بِالتَّحْمِيدِ ، وَ يَقَعُ مَسْرُوراً ، مَخْتُوناً ، وَ رَبَاعِيَتَاهُ مِنْ فَوْقٍ وَأَسْفَلَ وَ نَابَاهُ وَ ضَاحِكَاهُ ، وَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِثْلُ سَبِيكَةِ الذَّهَبِ نُورٌ ، وَ يُقِيمُ يَوْمَهُ وَ لَيْلَتَهُ تَسِيلُ يَدَاهُ ذَهَباً ، وَ كَذلِكَ الْأَنْبِيَاءُ إِذَا وُلِدُوا ، وَ إِنَّمَا الْأَوْصِيَاءُ أَعْلَاقٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ» .

هديّة:(عليم حليم) ضبط أوّلاً بتقديم ذي العين، وثانياً بتقديم ذي الحاء.في بعض النسخ : «لم تجد بعد ذلك امتناعاً» مكان (ثمّ تجد بعد ذلك اتّساعاً). وهو كما ترى. ومجي ء «لم» بمعنى «لا» شاذّ، لكن غير ممنوع.و«الحسّ»: يُطلق على الصوت، وصوت الحركة، والحركة.و«التفسّح»: الاتّساع.(متربّعاً): على اسم الفاعل من التفعّل، أي غير منكوس، مجتمع الرّجلين.وقرئ : «يستدبر» بالمفردة مكان (يستدير) بالخاتمة وهو تصحيف سوء، صرّح به برهان الفضلاء، وقال: صحّف وأخطأ.(فلا يخطئ القبلة) على الإفعال، أي فلا يتجاوز.في بعض النسخ : «حيث كانت» مكان (حتّى كانت).«عطس» كضرب.و«المسرور»: المقطوع سرّته.و«رَباعيته» بالتخفيف كثمانية.(من فوقٍ) خبرٌ، و(أسفل) عطفٌ عليه، و(ناباه) مبتدأ آخر، أي وناباه وضاحكاه من فوقٍ وأسفل.وسيلان الذهب عن يديه لعلّه للتصدّق على فقراء الشيعة في أوّل وروده قبل كلّ

.


1- .في الكافي المطبوع : «حيث».

ص: 136

فعلٍ بيده. وقال بعض المعاصرين: لعلّه كناية عن إضاءتهما ولَمَعَانِهما وبَريقهما.(1)والصوفيّة لابتناء أكثر مقالاتهم على اُصول الفلاسفة المنكرين لجسميّة الملائكة ، لو لم يقولوا بسيلان الذهب من يد المعصوم بإذن من هو على كلّ شي ء قدير، فلا تعجب.و«الاعلاق»: جمع علقة، والمراد السلالة. وقال برهان الفضلاء: و«الاعلاق»: جمع علق بالتحريك، أي النفيس الذي يعقد عليه القلب.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ،(2) قَالَ : رَوى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ : «لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الْإِمَامِ ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ هُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ ، كَتَبَ الْمَلَكُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ : «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» فَإِذَا قَامَ بِالْأَمْرِ ، رُفِعَ لَهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَنَارٌ يَنْظُرُ مِنْهُ إِلى أَعْمَالِ الْعِبَادِ» .

هديّة:(إنّه قال) يعني الصادق عليه السلام؛ صرّح به برهان الفضلاء.(لا تتكلّموا في الإمام) يعني في عظم شأنه وقدر معرفته، وشأنه أرفع من أن تناله عقول الرعيّة وهو صفوة اللَّه عزّ وجلّ.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العُبَيْدي ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ ابْنُ فَضَّالٍ جُلُوساً إِذْ أَقْبَلَ يُونُسُ ، فَقَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْعَمُودِ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «يَا يُونُسُ ، مَا تَرَاهُ ؟ أَ تَرَاهُ عَمُوداً مِنْ حَدِيدٍ يُرْفَعُ لِصَاحِبِكَ؟» .قَالَ : قُلْتُ : مَا أَدْرِي ، قَالَ : «لكِنَّهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِكُلِّ بَلْدَةٍ ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَعْمَالَ تِلْكَ الْبَلْدَةِ».

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 690 ، ذيل ح 1296.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد ، عن جميل بن درّاج».

ص: 137

قَالَ : فَقَامَ ابْنُ فَضَّالٍ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَ قَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ (1) أَبَا مُحَمَّدٍ ، لَا تَزَالُ تَجِي ءُ بِالْحَدِيثِ الْحَقِّ الَّذِي يُفَرِّجُ اللَّهُ بِهِ عَنَّا.

هديّة:(جلوساً): جمع جالس، واستعماله في اثنين مستقيم، وفي الحديث - كما سيجي ء في أبواب الحيض - : «سنّ لها الأقراء وأدناه حيضتان».(2) ويحتمل أن يكون هنا للإيماء إلى حضور غيرهما معهما.وفي بعض النسخ - كما ضبط بعض المعاصرين - : «بالحديث الذي يفرّج اللَّه به الحقّ عنّا»، فقال في بيانه: ضمّن «التفريج» معنى التحقيق، تقديره: يفرّج اللَّه به عنّا بتحقيقه الحقّ بالحديث. وقيل: والأولى على هذه النسخة أن يُقال: يعني يكشف اللَّه به ما يحجب الحقّ عنّا.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لِلْإِمَامِ عَشْرُ عَلَامَاتٍ : يُولَدُ مُطَهَّراً مَخْتُوناً ؛ وَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَعَ عَلى رَاحَتَيْهِ ، رَافِعاً صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ؛ وَ لَا يُجْنِبُ ؛ وَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ ؛ وَ لَا يَتَثَاءَبُ وَ لَا يَتَمَطّى ؛ وَ يَرى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرى مِنْ أَمَامِهِ ؛ وَنَجْوُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ ؛ وَ الْأَرْضُ مُوَكَّلَةٌ بِسَتْرِهِ وَ ابْتِلَاعِهِ ؛ وَ إِذَا لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، كَانَتْ عَلَيْهِ وَفْقاً ، وَ إِذَا لَبِسَهَا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ - طَوِيلِهِمْ وَ قَصِيرِهِمْ - زَادَتْ عَلَيْهِ شِبْراً ؛ وَ هُوَ مُحَدَّثٌ إِلى أَنْ تَنْقَضِيَ أَيَّامُهُ» .

هديّة:(مطهّراً) من الأخباث، أو المراد أنّه معصوم من حين الولادة. وقال برهان الفضلاء:

.


1- .في الكافي المطبوع : + «يا».
2- .الكافي، ج 3 ، ص 88 ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، ح 1 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 5 ، ص 248 ، ح 4180.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن حريز ، عن زرارة».

ص: 138

يعني لا يجي ء معه الذي يجي ء مع سائر الأطفال، ويسقط بقطع السرّة، يُقال له بالفارسيّة: «جُفت».أقول: عدم العطف في «مطهّراً مختوناً» دليل الاتّحاد في التعداد.و«التثأّب» بالفم، و«التمطّي» باليدين. الجوهري: تثاءَبت على تفاعلت، ولا تقل: تثاوبت بالواو.(1)(ولا يجنب) أي ولا يحتلم.والمراد هنا من «الدرع» غير ذات الفضول، وقد مرّ بيانه في الحديث الثالث في الباب السبعين.(2)

.


1- .الصحاح ، ج 1 ، ص 92 (ثأب).
2- .أي باب ما عند الأئمة من سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله و متاعه.

ص: 139

باب خلق أبدان الأئمّة و أرواحهم و قلوبهم

الباب الرابع والتسعون : بَابُ خَلْقِ أَبْدَانِ الْأَئِمَّةِ وَ أَرْوَاحِهِمْ وَ قُلُوبِهِمْ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَ خَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذلِكَ ، وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَ خَلَقَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ الْقَرَابَةُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ ، وَ قُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَيْنَا» .

هديّة:(خلقنا) يعني الأئمّة عليهم السلام، أو المعصومين في هذا الدِّين.قال الأزهري في التصريح إنّ العليّين اسم لأعالي الجنّة.(2)وقال برهان الفضلاء: هي مواضع في الفلك السابع لأرواح المؤمنين، والواحد : «عِلّيّ» بالكسر والتشديدين، فعيل للمبالغة في العالي، ويقال للغرفة: علّيّة.(القرابة) بالرفع، أي حصلت القرابة أو ثبتت، أو الخبر محذوف، أي ثابتة.و«الحنين» على فعيل: الشوق وتوقان النفس، حنّ إليه كفرّ، وحنين الناقة: صوتها.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي».
2- .اُنظر : النهاية ، ج 3 ، ص 293 (علي).

ص: 140

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عِمْرَانَ بْنِ إِسْحَاقَ الزَّعْفَرَانِيِّ ،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ، ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنَا مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ، فَأَسْكَنَ ذلِكَ النُّورَ فِيهِ ، فَكُنَّا نَحْنُ خَلْقاً وَ بَشَراً نُورَانِيِّينَ ، لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِي مِثْلِ الَّذِي خَلَقَنَا مِنْهُ نَصِيباً ، وَ خَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ طِينَتِنَا ، وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ أَسْفَلَ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ ، وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِأَحَدٍ فِي مِثْلِ الَّذِي خَلَقَهُمْ مِنْهُ نَصِيباً إِلَّا لِلْأَنْبِيَاءِ ، وَ لِذلِكَ صِرْنَا نَحْنُ وَ هُمُ النَّاسَ ، وَ صَارَ سَائِرُ النَّاسِ هَمَجاً لِلنَّارِ وَ إِلَى النَّارِ» .

هديّة:(وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا) لعلّ المراد طينة أبدانهم المثاليّة المخلوقة قبل أجسادهم الجسمانيّة. وقد ذكرت فيما سبق أنّ ظنّي أنّ أفاعيل أمير المؤمنين عليه السلام قبل تولّده - كما وردت به النصوص المستفيضة - إنّما هي ببدنه المثالي، وأنّ إفطاره عليه السلام في ليلة واحدةٍ في عدّة مواضعَ بتعدّد ذلك البدن وكشف الغطاء عنها.و«الهمج» محرّكة: ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الدوابّ. قيل: والتشبيه لازدحامهم وهجومهم دفعة على كلّ ناعق وسقوطهم دفعة في النار. وقرأ برهان الفضلاء : «همجاً» بضمّتين، جمع هامج، بمعنى المتروك الساقط عن درجة الاعتبار.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ رَفَعَهُ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ (3) : «إِنَّ لِلَّهِ نَهَراً دُونَ عَرْشِهِ ، وَ دُونَ النَّهَرِ الَّذِي دُونَ عَرْشِهِ نُورٌ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن شعيب ، عن عمران بن إسحاق الزعفراني».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن حسّان ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب وغيره ، عن عليّ بن الحسّان ، عن عليّ بن عطيّة».
3- .في الكافي المطبوع : + «أمير المؤمنين عليه السلام».

ص: 141

نَوَّرَهُ ؛ وَ إِنَّ فِي حَافَتَيِ النَّهَرِ رُوحَيْنِ مَخْلُوقَيْنِ : رُوحُ الْقُدُسِ ، وَ رُوحٌ مِنْ أَمْرِهِ ؛ وَ إِنَّ لِلَّهِ عَشْرَ طِينَاتٍ : خَمْسَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَرْضِ» ، فَفَسَّرَ الْجِنَانَ ، وَ فَسَّرَ الْأَرْضَ .ثُمَّ قَالَ : «مَا مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا مَلَكٍ مِنْ بَعْدِهِ جَبَلَهُ إِلَّا نَفَخَ فِيهِ مِنْ إِحْدَى الرُّوحَيْنِ ، وَ جَعَلَ النَّبِيَّ مِنْ إِحْدَى الطِّينَتَيْنِ» .قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : مَا الْجَبْلُ؟قَالَ (1) : «الْخَلْقُ غَيْرَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - خَلَقَنَا مِنَ الْعَشْرِ طِينَاتٍ ، وَ نَفَخَ فِينَا مِنَ الرُّوحَيْنِ جَمِيعاً ، فَأَطْيِبْ بِهَا طِيباً» .وَ رَوى غَيْرُهُ عَنْ أَبِي الصَّامِتِ ، قَالَ : طِينُ الْجِنَانِ : جَنَّةُ عَدْنٍ ، وَ جَنَّةُ الْمَأْوى ، وَ النَّعِيمِ ، وَ الْفِرْدَوْسُ ، وَ الْخُلْدُ ؛ وَ طِينُ الْأَرْضِ : مَكَّةُ ، وَ الْمَدِينَةُ ، وَ الْكُوفَةُ ، وَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَ الْحَائِرُ .

هديّة:(نورٌ نوّره) خبر موصوف بجملة فعلها على المعلوم من التفعيل، ودلالة على جعل البسيط. وأرجع برهان الفضلاء البارز إلى (النهر)، أي صيّره مضيئاً. وقرأ بعض المعاصرين : «نور نوره» بإضافة النور إلى النور، فقال:كأنّه شبّه العلم وهو مادّة حياة الروح بالنهر، وهو مادّة حياة الجسم، فعبّر عن علم المعصوم بالنور، وعن علم شيعته بنور النور؛ لأنّه من شعاعه، وكما أنّ حافّتي النهر يحفظان الماء ويحيطان به ليجري إلى مستقرّه، كذلك الروحان يحفظان العلم ويحيطان به ليجري به إلى مستقرّه. انتهى.(2)و«الحافة» بالتخفيف: جانب الوادي والنهر. وضبط برهان الفضلاء بتشديد الفاء، ولم يوقف على مأخذه.واللام في (للَّه) للاختصاص شرفاً.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقال».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 686 ، ذيل ح 1290.

ص: 142

(ففسّر) كلام عليّ بن رئاب، والمستتر لأمير المؤمنين عليه السلام كما في (قال).(ما من نبيّ ولا ملك) الظاهر ملك بفتحتين. وقرأ برهان الفضلاء: «ملك» بكسر اللام، قال: يعني ولا إمام وقد مرَّ تفسير «الملك العظيم» في قوله تعالى: «آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً»(1) بالإمامة وافتراض الطاعة. ثمّ قال: والبارز في «جبله» - على المعلوم من باب نصر وضرب للملك أي خلقه اللَّه.(إلّا نفخ فيه من إحدى الروحين) يعني روح القدس، والروح من أمره وقد مرّ فرقهما بالاشتراك والاختصاص، ولم يذكر الملك بعد.(وجعل النبيّ) إشارةٌ إلى أنّ أوصياء غير نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله كانوا أنبياء أيضاً.والمراد ب (إحدى الطينتين) طينة الجنّة إن كان المراد بالجعل خلق أرواح الأنبياء، وطينة الأرض إن كان المراد به خلق أبدانهم.(قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام - إلى قوله : - طيباً) كلامُ عليّ بن رئاب.(ما الجَبْل) على المصدر.(فأطيب بها طيباً) على صيغة فعل التعجّب للمبالغة في الطيّب، كما قرأ برهان الفضلاء على الأمر من الإفعال، وقال: «أطيب» على صيغة الأمر من باب الإفعال، صيغة للتعجّب بها، أي بروح أهل البيت عليهم السلام، «طيباً» نصب على المفعول المطلق للنوع.(وروى غيره) قيل: كلام ثقة الإسلام أو ابن عطيّة، وقال برهان الفضلاء: هو كلام عليّ بن عطيّة، والبارز لعليّ بن رئاب وأبو الصامت الحلواني من رجال الباقر والصادق عليهما السلام.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ،(2) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلى عِلِّيِّينَ ، وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا ، وَ خَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛

.


1- .النساء (4) : 54.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن أبي جعفر الثمالي».

ص: 143

فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «كَلّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِى عِلِّيِّينَ * وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» .«وَ خَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ ، وَ خَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ ، وَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «كَلّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّين * وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبينَ» .

هديّة:الآيتان في سورة المطفّفين.(1)و(كتاب الأبرار) فسّر بصحائف أعمالهم، ومن الاعتقادات اللازمة في الدِّين الإيمان بتطاير الكتب المحسوسة بحاسّة العين يوم القيامة، قال اللَّه تعالى في سورة التكوير: «وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ»(2) وقال سبحانه في سورة بني إسرائيل: «وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً»(3)، وقال بعض المعاصرين:الأفاعيل المتكرّرة والاعتقادات الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابيّة في الألواح، وهذه الألواح النفسيّة يُقال لها: صحائف الأعمال، ثمّ قال: فقد أوتي كتابه بيمينه، يعني من جانبه الأقوى الروحاني. وفقد اُوتي كتابه بشماله، يعني من جانبه الأضعف الجسماني.(4)

.


1- .المطفّفين (83) : 7 - 10.
2- .التكوير (81): 10.
3- .الإسراء (17): 13.
4- .الوافي ، ج 4 ، ص 30 ، ذيل ح 1647.

ص: 144

باب التّسليم و فضل المسلّمين

الباب الخامس والتسعون : بَابُ التَّسْلِيمِ وَ فَضْلِ الْمُسَلِّمِينَ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ،(1) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنِّي تَرَكْتُ مَوَالِيَكَ مُخْتَلِفِينَ ، يَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ؟قَالَ : فَقَالَ : «وَ مَا أَنْتَ وَ ذَاكَ ، إِنَّمَا كُلِّفَ النَّاسُ ثَلَاثَةً : مَعْرِفَةَ الْأَئِمَّةِ ، وَ التَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا وَرَدَ عَنْهُمْ (2) ، وَ الرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» .

هديّة:(التسليم) في العنوان، يعني باب بيان التسليم - المأمور به في قوله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب: «وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً»(3)، وقوله فيها أيضاً: «وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(4)، وفي سورة النساء: «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(5) أنّه أيّ شي ء.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن سنان».
2- .في الكافي المطبوع : «عليهم».
3- .الأحزاب (33): 22.
4- .الأحزاب (33): 56.
5- .النساء (4): 65.

ص: 145

(مختلفين) أي في المسائل الاُصوليّة والكلاميّة منتهين في المجادلة إلى تبرّأ بعضهم من بعض.(وما أنت وذاك) أي لا يصلح لك ولهم ذلك؛ لأنّكم مكلّفون ثلاثة، فكلمة «أنت» من قبيل خطاب العام، يعني لا يصلح لكم يا معشر الشيعة المناظرات على المجادلات في الدِّين، بل عليكم سؤال أهل الذِّكر إن كنتم لا تعلمون. «عليهم» كما في بعض النسخ، أي على الناس.و(لهم) و(إليهم) للأئمّة عليهم السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ البَزَنْطِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(1) عَنْ الْكَاهِلِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَوْ أَنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ، وَ آتَوُا الزَّكَاةَ ، وَ حَجُّوا الْبَيْتَ ، وَ صَامُوا شَهْرَ رَمَضَانَ ، ثُمَّ قَالُوا لِشَيْ ءٍ صَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَلَّا صَنَعَ خِلَافَ الَّذِي صَنَعَ ، أَوْ وَجَدُوا ذلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ ، لَكَانُوا بِذلِكَ مُشْرِكِينَ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «عَلَيْكُمْ بِالتَّسْلِيمِ» .

هديّة:الآية في سورة النساء. و«تحكيم الحاكم»: جعله حكماً.(فيما شجر بينهم): فيما تنازعوا فيه، «شجر الأمر بينهم» على المعلوم: إذا اختلفوا فيه.(حرجاً): ضيقاً.(ويسلّموا تسليماً) في القيامة، ولن ينفعهم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 146

(عليكم بالتسليم) قبل أن تسلّموا في القيامة ولن ينفعكم. وسيجي ء في هذا الباب حديث تفسير هذه الآية إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ،(1) عَنْ الشَّحَّامِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ عِنْدَنَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ : كُلَيْبٌ ، فَلَا يَجِي ءُ عَنْكُمْ شَيْ ءٌ إِلَّا قَالَ : أَنَا أُسَلِّمُ ؛ فَسَمَّيْنَاهُ «كُلَيْبَ تَسْلِيمٍ» ، قَالَ : فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : «أَ تَدْرُونَ مَا التَّسْلِيمُ ؟» فَسَكَتْنَا ، فَقَالَ : «هُوَ وَ اللَّهِ الْإِخْبَاتُ ، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ»» .

هديّة:(كليب): بضمّ الكاف وفتح اللام.(فترحّم عليه) قال: رحمه اللَّه.و(الإخبات) لغةً: التواضع والخشوع، وفي عرفهم عليهم السلام: تسليم قول المعصوم؛ لأنّه العاقل عن اللَّه سبحانه. ويظهر من ذكره عليه السلام هذه الآية من سورة هود للإستشهاد أنّ «وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ»(2) عطفُ تفسيرٍ للإيمان والعمل الصالح، وأنّ «المخبتين» في قوله تعالى: «وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ»(3) بمعنى المسلّمين لما جاء به الحجّةُ المعصوم.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْوَشَّاءِ ،(4) عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» قَالَ : «الِاقْتِرَافُ : التَّسْلِيمُ لَنَا ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار».
2- .هود (11): 23.
3- .الحج (22): 34.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء».

ص: 147

الصِّدْقُ عَلَيْنَا ، وَ أَلَّا يَكْذِبَ عَلَيْنَا» .

هديّة:الآية في سورة الشورى.(1)و«الاقتراف» لغةً: الاكتساب، والتنوين في (حسنة) للتعظيم.و«كذب عليه» كضرب: افترى، ولعلّ إطلاق الاقتراف على تسليم المعصوم إطلاق اسم السبب على المسبّب؛ إذ لا حسنة بدون التسليم.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ ،(2) عَنْ كَامِلٍ التَّمَّارِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : ««قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» أَ تَدْرِي مَنْ هُمْ؟» . قُلْتُ : أَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ : ««قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» : الْمُسَلِّمُونَ ؛ إِنَّ الْمُسَلِّمِينَ هُمُ النُّجَبَاءُ ، فَالْمُؤْمِنُ غَرِيبٌ ، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ» .

هديّة:(هم النُّجباء) إفادتان، فإنّ النجباء بين الناس خيرهم وقليلون فيهم، فالفاء للتفريع. قال الفرزدق:وللناس فيما يعشقون مذاهب ولي مذهبٌ فردٌ أعيش به وحدي (3)إلّا أنّ في البضع والسبعين من هذه الاُمّة الناجيةُ واحدةٌ، وهذا مضبوط في جميع الاُمم من لدن آدم عليه السلام، وقد حقّ عدم خلوّ الدنيا من مذهب الحقّ آناً واحداً.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ رَبِيعٍ الْمُسَلِّي (4) ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

.


1- .الشورى (42) : 23.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن منصور بن يونس، عن بشير الدهان».
3- .لم نعثر عليه في ديوانه.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا ، عن الخشّاب ، عن العبّاس بن عامر ، عن ربيع المسلّي».

ص: 148

اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْإِيمَانَ كُلَّهُ ، فَلْيَقُلِ : الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا وَ أَعْلَنُوا ،(1) وَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ ، وَ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي» .

هديّة:ربيع بن محمّد بن عمر - بضمّ العين - ابن حسّان الأصمّ المسلّي كمصلّي نسبة إلى مسلّية بن عامر بن عمرو - بفتح العين - ابن علة، بضمّ [العين (2) المهملة و[فتح (3) اللام المخفّفة؛ قاله في الإيضاح،(4) ثمّ قال: وقيل: مسلية على اسم الفاعل من الإفعال.في بعض النسخ - كما ضبط بعض المعاصرين - : «فليقبل القول» بالمفردة من القبول،(5)وقال: «قول آل محمّد» بدل من «القول منّي في جميع الأشياء»، ثمّ قال: وفي الكلام حذف وهو على تقدير القول، أي قائلاً قبلت قولهم فيما أسرّوا إلى آخره، وهو كما ترى.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ الثلاثة،(6) عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ أَوْ العِجْلِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «لَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي كِتَابِهِ». قَالَ : قُلْتُ : فِي أَيِّ مَوْضِعٍ ؟ قَالَ : «فِي قَوْلِهِ : «وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» فِيمَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ : لَئِنْ أَمَاتَ اللَّهُ مُحَمَّداً أَلَّا يَرُدُّوا هذَا الْأَمْرَ فِي بَنِي هَاشِمٍ «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِى أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ» عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَتْلِ أَوِ الْعَفْوِ «وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»7» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «ما أعلنوا».
2- .]ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
3- .إيضاح الاشتباه ، ص 183 ، الرقم 277.
4- .الوافي ، ج 2 ، ص 112 ، ذيل ح 572.
5- .يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
6- .النساء (4) : 64 - 65.

ص: 149

هديّة:(فيما تعاقدوا): فيما تحالفوا على أصنامهم في جوف الكعبة وفي خلواتهم، وهم خمسة: الأوّل، والثاني، وأبو عبيدة، وعبد الرّحمن بن عوف، وسالم مولى حذيفة.(واستغفر لهم الرسول) نصٌّ شاهد للنصّ في أنّ خطاب اللَّه في الآية إنّما هو لأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ»(1) إِلى آخِرِ الْآيَةِ ، قَالَ : «هُمُ الْمُسَلِّمُونَ لآِلِ مُحَمَّدٍ ، الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا.الْحَدِيثَ ، لَمْ يَزِيدُوا فِيهِ ، وَ لَمْ يَنْقُصُوا مِنْهُ ، جَاؤُوا بِهِ كَمَا سَمِعُوهُ»

هديّة:يعني الزيادة والنقصان بحيث يختلف المعنى. وقد مضى في أبواب العلم كما هو المستفاد من أخبارهم عليهم السلام رخصُتهم فيهما لو لم يخلّا بالمعنى.

.


1- .الزمر (39) : 18.

ص: 150

باب أنّ الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام...

الباب السادس والتسعون : بَابُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ مَا يَقْضُونَ مَنَاسِكَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَ يُعْلِمُونَهُ وَلَايَتَهُمْ وَ مَوَدَّتَهُمْ لَهُ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الثلاثة،(1) عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : «هكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ، ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا ، فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَ مَوَدَّتَهُمْ ، وَ يَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ» ثُمَّ قَرَأَ هذِهِ الْآيَةَ : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ»(2) .

هديّة:في العنوان : «ما» في (بعدما يقضون) مصدريّة.(فيسألونه) عطفٌ على (يأتوا)، وفي الفعل المضارع بتقدير «أن» يجوز الإعمال والإهمال كتسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، وكذا (ويعلمونه) على الافعال.(هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة) يعني بدون طاعة مَن طاعتُه واجبةٌ على الجميع من اللَّه سبحانه.

.


1- .يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
2- .إبراهيم (14) : 37.

ص: 151

و(ثمّ ينفروا) ناظر إلى آية سورة التوبة: «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ»(1) الآية، ثمّ قرأ هذه الآية من سورة إبراهيم.قال برهان الفضلاء: لا يطلق الفؤاد إلّا في الإنسان، فإشارة إلى أنّ غير شيعتهم عليهم السلام نسناس، لا ناس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ النُّعْمَانِ ،(2) عَنْ الحَذَّاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ رَأَى النَّاسَ بِمَكَّةَ وَ مَا يَعْمَلُونَ - قَالَ : فَقَالَ : «فِعَالٌ كَفِعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَمَا وَ اللَّهِ ، مَا أُمِرُوا بِهذَا ، وَ مَا أُمِرُوا إِلَّا أَنْ يَقْضُوا تَفَثَهُمْ ، وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ، فَيَمُرُّوا بِنَا ، وَيُخْبِرُونَا(3)بِوَلَايَتِهِمْ ، وَ يَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُمْ» .

هديّة:«التفث» محرّكة: الشعث، وقضاؤه: إذهابه وإذهاب مطلق الوسخ، وما كان من نحو قصّ الأظفار والشارب وحلق العانة، وغير ذلك من المناسك، وسيأتي في الحديث في كتاب الحجّ أنّ تأويل قضا التفث لقاء الإمام،(4) فإنّ به التطهير الباطني الذي هو الأصل للتطهير الظاهري على الوجه المأمور به شرعاً، وكلامه عليه السلام ناظر إلى آية سورة الحجّ: «ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ»(5).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ خَالِدِ بْنِ عَمَّارٍ ،(6) عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ هُوَ

.


1- .التوبة (9): 122.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط ، عن داود بن النعمان».
3- .في الكافي المطبوع : «فيخبرونا».
4- .الكافي ، ج 4 ، ص 549 ، باب إتباع الحجّ بالزيارة ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 9 ، ص 247 ، ح 8097.
5- .الحج (22): 29.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال جميعاً ، عن أبي جميلة ، عن خالد بن عمّار».

ص: 152

دَاخِلٌ وَ أَنَا خَارِجٌ ، وَ أَخَذَ بِيَدِي ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ ، فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا هذِهِ الْأَحْجَارَ ، فَيَطُوفُوا بِهَا ، ثُمَّ يَأْتُونَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ لَنَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» - ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ - إِلى وَلَايَتِنَا».ثُمَّ قَالَ : «يَا سَدِيرُ ، أفَأُرِيكَ الصَّادِّينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ ؟» . ثُمَّ نَظَرَ إِلى أَبِي حَنِيفَةَ وَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ وَ هُمْ حَلَقٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : «هؤُلَاءِ الصَّادُّونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِلَا هُدًى مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى وَ لَا كِتَابٍ مُبِينٍ ، إِنَّ هؤُلَاءِ الْأَخَابِثَ لَوْ جَلَسُوا فِي بُيُوتِهِمْ ، فَجَالَ النَّاسُ ، فَلَمْ يَجِدُوا أَحَداً يُخْبِرُهُمْ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى يَأْتُونَا ، فَنُخْبِرَهُمْ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:(وهو داخل) على مسجد الحرام.(وهو قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة طه.(1)في بعض النسخ - كما ضبط بعض المعاصرين - : «ولايتنا» بدون كلمة «إلى»، فعلى الأكثر يعني بسببها، أو إلى ما هو الحقّ وهو ولايتنا، وعلى البعض يعني وهي، أي الهداية ولايتنا. وقال بعض المعاصرين: الظاهر: «وقال ولايتنا»، فسقط «قال» من قلم الناسخ.(إلى أبي حنيفة) أي إليه بجماعته، (وسفيان الثوري) الذي من مشاهير ذلك الزمان بجماعته، وكان رئيساً من رؤساء الصوفيّة القدريّة.(وهم حلق) بفتحتين: جمع الحلقة للباب ومن القوم وغير ذلك على غير قياس؛ قاله الجوهري.(2) وقال الأصمعي: جمع الحلقة، «حلق» بكسر الحاء وفتح اللام كبدرة وبدر وقصعة وقصع. وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء «حلقة» في الواحد

.


1- .طه (20) : 82.
2- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1462 (حلق).

ص: 153

بالتحريك، وفي الجمع حلق وحلقات.(1) و«هم» إمّا لجماعة الحلقتين بأجمعهما، أو التعبير بالجمع لكثرة صنوفهما أو للحاضرين في المسجد الحرام. والأوّل أنسب بقوله: (هؤلاء).«جال» من الجولان بالجيم.

.


1- .نفس المصدر.

ص: 154

باب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم

الباب السابع والتسعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بُيُوتَهُمْ وَ تَطَأُ بُسُطَهُمْ وَ تَأْتِيهِمْ بِالْأَخْبَارِوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ،(1) عَنْ مِسْمَعٍ كِرْدِينٍ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ لَا أَزِيدُ عَلى أَكْلَةٍ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ ، فَرُبَّمَا اسْتَأْذَنْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ أَجِدُ الْمَائِدَةَ قَدْ رُفِعَتْ ، لَعَلِّي لَا أَرَاهَا بَيْنَ يَدَيْهِ - فَإِذَا دَخَلْتُ دَعَا بِهَا ، فَأَصَبْتُ مَعَهُ مِنَ الطَّعَامِ ، وَ لَا أَتَأَذّى بِذلِكَ ، وَ إِذَا عَقَّبْتُ بِالطَّعَامِ عِنْدَ غَيْرِهِ ، لَمْ أَقْدِرْ عَلى أَنْ أَقِرَّ ، وَ لَمْ أَنَمْ مِنَ النَّفْخَةِ ، فَشَكَوْتُ ذلِكَ إِلَيْهِ ، وَ أَخْبَرْتُهُ بِأَنِّي إِذَا أَكَلْتُ عِنْدَهُ لَمْ أَتَأَذَّ بِهِ ، فَقَالَ : «يَا أَبَا سَيَّارٍ ، إِنَّكَ تَأْكُلُ طَعَامَ قَوْمٍ صَالِحِينَ ، تُصَافِحُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلى فُرُشِهِمْ».قَالَ : قُلْتُ : وَ يَظْهَرُونَ لَكُمْ ؟ قَالَ : فَمَسَحَ يَدَهُ عَلى بَعْضِ صِبْيَانِهِ ، فَقَالَ : «هُمْ أَلْطَفُ بِصِبْيَانِنَا مِنَّا بِهِمْ» .

هديّة:قيل: لعلّ منظوره عليه السلام في صنيعه ذلك شيئان: طلب الفاصلة بين أكلتي الراوي لدفع التضرّر بالتعاقب، وطلب العزّة للضيف. وقال برهان الفضلاء: «وأجد» حاليّة، يعني

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان».

ص: 155

والحال أنّي أتعمّد الاستيذان بعد رفع المائدة في ظنّي لئلّا أتضرّر.وأنت خبير بأنّ المنظور الثاني بعلم الإمام بعدم التضرّر أصلاً يمنع الأوّل. وقيل: يعني وكنت أظنّ بإبطائي في الدخول بعد الاستيذان أنّ المائدة قد رفعت، فلست أراها (هم ألطف بصبياننا) يعني لا يظهرون ولا يخفون.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «يَا حُسَيْنُ - وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى مَسَاوِرَ فِي الْبَيْتِ - مَسَاوِرُ طَالَ مَا اتَّكَتْ عَلَيْهَا الْمَلَائِكَةُ ، وَ رُبَّمَا الْتَقَطْنَا مِنْ زَغَبِهَا» .

هديّة:«المسورة» بكسر الميم: الوسادة من الجلد.و«الزغب» بالمعجمتين المفتوحتين: شعيرات صفر تكون في الفراخ، ويطلق على فتات الشعر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ الْأَحْمَسِيِّ ،(2) عَنْ الثُّمَالِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَاحْتُبِسْتُ فِي الدَّارِ سَاعَةً ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْبَيْتَ - وَ هُوَ يَلْتَقِطُ شَيْئاً ، تَلْتَقِطُهُ أَيُّ شَيْ ءٍ هُوَ ؟ فَقَالَ : «فَضْلَةٌ مِنْ زَغَبِ الْمَلَائِكَةِ ، نَجْمَعُهُ إِذَا خَلَّوْنَا ، فَنَجْعَلُهُ (3) سُبْحاً(4)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن القاسم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، قال : حدّثني مالك بن عطيّة الأحمسي».
3- .في الكافي المطبوع : «نجعله».
4- .في الكافي المطبوع : «سيحا».

ص: 156

لِأَوْلَادِنَا».فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ إِنَّهُمْ لَيَأْتُونَكُمْ ؟ فَقَالَ : «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّهُمْ لَيُزَاحِمُونَّا عَلى تُكَأَتِنَا» .

هديّة:قرئ : «إذا خلونا» بالتشديد، من التخلية بمعنى الترك، يعني إذا تركونا وانصرفوا عنّا. وقرأ برهان الفضلاء بالتخفيف بهذا المعنى أيضاً.و«السبح» بالضمّ، والواحد سبحة: ما يسبّح به من الخرزات، فلعلّ المراد جعله منظوماً في خيط كالسبحة للذكر أو للعوذة بمنزلة التميمة للصبيان. وقرأ برهان الفضلاء: «سبحا» بالفتح، قال: وهو الفراغة والسكون والنوم، قال: والكلّ هنا مناسب.و«التّكأة» بالضمّ والهمزة كهمزة: ما يتّكأ عليه من الوسادة وغيرها. وفي بعض النسخ : «على تكأتنا» على الجمع.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ ،(1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «مَا مِنْ مَلَكٍ يُهْبِطُهُ اللَّهُ فِي أَمْرٍ مَا يُهْبِطُهُ إِلَّا بَدَأَ بِالْإِمَامِ ، فَعَرَضَ ذلِكَ عَلَيْهِ ، وَ إِنَّ مُخْتَلَفَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - إِلى صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ» .

هديّة:يعني كلّ ملك يهبطه اللَّه في أمر من الاُمور لا يهبطه إلّا كذا. وقرأ برهان الفضلاء بإضافة «الأمر» إلى «ما»، قال: والتقدير: ما يهبطه له.(فعرض) أي على التحديث.(إلى صاحب هذا أمر) يعني إمام الزمان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن أسلم».

ص: 157

باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم و يتوجّهون في أمورهم

الباب الثامن والتسعون : بَابُ أَنَّ الْجِنَّ يَأْتِيهِمْ فَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَ يَتَوَجَّهُونَ فِي أُمُورِهِمْ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسَاوِرٍ ،(1) عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فِي بَعْضِ مَا أَتَيْتُهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : «لَا تَعْجَلْ» حَتّى حَمِئَتِ (2) الشَّمْسُ عَلَيَّ ، وَ جَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ الْأَفْيَاءَ ، فَمَا لَبِثْتُ (3) أَنْ خَرَجَ عَلَيَّ قَوْمٌ كَأَنَّهُمُ الْجَرَادُ الصُّفْرُ ، عَلَيْهِمُ الْبُتُوتُ قَدِ انْتَهَكَتْهُمُ الْعِبَادَةُ ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، لَأَنْسَانِي مَا كُنْتُ فِيهِ مِنْ حُسْنِ هَيْئَةِ الْقَوْمِ .فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ لِي : «أَرَانِي قَدْ شَقَقْتُ عَلَيْهِ (4)». قُلْتُ : أَجَلْ وَ اللَّهِ ، لَقَدْ أَنْسَانِي مَا كُنْتُ فِيهِ قَوْمٌ مَرُّوا بِي لَمْ أَرَ قَوْماً أَحْسَنَ هَيْئَةً مِنْهُمْ فِي زِيِّ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، كَأَنَّ أَلْوَانَهُمُ الْجَرَادُ الصُّفْرُ قَدِ انْتَهَكَتْهُمُ الْعِبَادَةُ فَقَالَ : «يَا سَعْدُ ، رَأَيْتَهُمْ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «أُولئِكَ إِخْوَانُكَ مِنَ الْجِنِّ». قَالَ : فَقُلْتُ : يَأْتُونَكَ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، يَأْتُونَّا يَسْأَلُونَّا عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَ حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ ، عن يحيى بن مساور».
2- .في الكافي المطبوع : «حميت».
3- .في الكافي المطبوع : «لبث».
4- .في الكافي المطبوع : «عليك».

ص: 158

هديّة:يعني كلّما استأذنت في ذلك الإتيان.(يقول: لا تعجل).(حمئت الشمس) كعلم: اشتدّ حرّها.في بعض النسخ: «فما لبث» على الغائب.و«البتّ» بتقديم المفردة المفتوحة وتشديد المثنّاة من فوق: الطيلسان من خزّ، ونحوه من النفائس.(انتهكتهم): هزلتهم.(ما كنت فيه) من مشقّة الحرّ والانتظار، ف (من) لبيان الفاعل، يعني ملاحظة حُسن هيأتهم، أو المفعول محذوف كمشقّتي وانتظاري، ف «ما» فاعل، و«من» بيانه.(أراني): أجدني.(شققت عليه) كمدّ، يعني عليك، كما يُقال في الخطاب بزيد: فعلت كذا على زيد. «شقّ عليه»: أوقعه في المشقّة.(أجل): كلمة تصديقٍ.(في زيّ رجل واحد) أي كانوا على شكلٍ واحد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ،(1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنِ ابْنِ جَبَلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : كُنَّا بِبَابِهِ ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا قَوْمٌ أَشْبَاهُ الزُّطِّ ، عَلَيْهِمْ أُزُرٌ وَ أَكْسِيَةٌ ، فَسَأَلْتُ (2)أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْهُمْ ، فَقَالَ : «هؤُلَاءِ إِخْوَانُكُمْ مِنَ الْجِنِّ» .

هديّة:(الزطّ) بالضمّ والتشديد: جيل من الناس في بلاد الهند، الواحد: زطّيّ كالزنج

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن حسّان».
2- .في الكافي المطبوع : «فسألنا».

ص: 159

والزنجي، والروم والرومي.ويجمع «الإزار» على «اُزُر» بضمّتين و«الكساء» على «أكسية».في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «عنهم» مكان (عنه) بمعنى عن ذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام أُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رِحَالُ إِبِلٍ عَلَى الْبَابِ مَصْفُوفَةٌ ، وَ إِذَا الْأَصْوَاتُ قَدِ ارْتَفَعَتْ ، ثُمَّ خَرَجَ قَوْمٌ مُعْتَمِّينَ بِالْعَمَائِمِ يُشْبِهُونَ الزُّطَّ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَبْطَأَ إِذْنُكَ عَلَيَّ الْيَوْمَ ، وَ رَأَيْتُ قَوْماً خَرَجُوا عَلَيَّ مُعْتَمِّينَ بِالْعَمَائِمِ فَأَنْكَرْتُهُمْ ؟ فَقَالَ : «أَ وَ تَدْرِي مَنْ أُولئِكَ يَا سَعْدُ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا ،(2) فَقَالَ : «أُولئِكَ إِخْوَانُكُمْ مِنَ الْجِنِّ يَأْتُونَّا ، فَيَسْأَلُونَّا عَنْ حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ وَ مَعَالِمِ دِينِهِمْ» .

هديّة:«الراحلة»: الإبل المعدّة للركوب، والجمع: رحال ورحائل.(معتمّين) نصب على الحال. وفي بعض النسخ : «معتمّون» بالرفع على الوصف، كما ضبط برهان الفضلاء.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ ،(3) عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ، قَالَ : أَوْصَانِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بِحَوَائِجَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ ، فَخَرَجْتُ ، فَبَيْنَا أَنَا بَيْنَ فَجِّ الرَّوْحَاءِ عَلى رَاحِلَتِي إِذَا إِنْسَانٌ يُلْوِي بِثَوْبِهِ ، قَالَ : فَمِلْتُ إِلَيْهِ ، وَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ عَطْشَانُ ، فَنَاوَلْتُهُ الْإِدَاوَةَ ، فَقَالَ لِي : لَا حَاجَةَ لِي بِهَا ، وَ نَاوَلَنِي كِتَاباً طِينُهُ رَطْبٌ ، قَالَ : فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ إِذَا خَاتَمُ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفي ، عن ابن فضّال».
2- .في الكافي المطبوع : + «قال».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن إبراهيم بن أبي البلاد».

ص: 160

مَتى عَهْدُكَ بِصَاحِبِ الْكِتَابِ ؟ قَالَ : السَّاعَةَ ، وَ إِذَا فِي الْكِتَابِ أَشْيَاءُ يَأْمُرُنِي بِهَا ، ثُمَّ الْتَفَتُّ ، فَإِذَا لَيْسَ عِنْدِي أَحَدٌ .قَالَ : ثُمَّ قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَلَقِيتُهُ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَجُلٌ أَتَانِي بِكِتَابِكَ وَ طِينُهُ رَطْبٌ ؟ فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، إِنَّ لَنَا خُدَّاماً(1) مِنَ الْجِنِّ ، فَإِذَا أَرَدْنَا السُّرْعَةَ ، بَعَثْنَاهُمْ» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى : قَالَ : «إِنَّ لَنَا أَتْبَاعاً مِنَ الْجِنِّ ، كَمَا أَنَّ لَنَا أَتْبَاعاً مِنَ الْإِنْسِ ، فَإِذَا أَرَدْنَا أَمْراً بَعَثْنَاهُمْ» .

هديّة:كأنّه كان عليه السلام بمكّة. و«الفجّ»: الطريق الواسع بين الجبلين.و(الروحاء) بالفتح والمدّ - كما ضبط برهان الفضلاء - ، وقيل: بالضمّ والقصر: موضع بين الحرمين.(يلوى بثوبه) من لويت الحبل كرمى: فتلتُه، وشدّد للمبالغة، كلوّوا رؤوسهم. والباء في «بثوبه» للتقوية، يعني يدوّر ذيل ثوبه أو كمّه كما يفعل من بعيد من له حاجة؛ ليشعر من يريد لها.والمراد ب «طين الكتاب» ما يختم به من صمغ وغيره.في بعض النسخ : «خدماً» بفتحتين مكان (خدّاماً) والجميع جمع.(وفي رواية اُخرى) كلامُ ثقة الإسلام.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْرَشٍ ،(2) عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ مُوسى ، قَالَتْ : رَأَيْتُ الرِّضَا عليه السلام وَاقِفاً عَلى بَابِ بَيْتِ الْحَطَبِ وَ هُوَ يُنَاجِي وَ لَسْتُ أَرى أَحَداً ، فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «خدماً».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عمّن ذكره ، عن محمّد بن جحرش».

ص: 161

بِمَنْ (1) تُنَاجِي ؟ فَقَالَ : «هذَا عَامِرٌ الزَّهْرَانِيُ (2)أَتَانِي يَسْأَلُنِي ، وَ يَشْكُو إِلَيَّ». فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ كَلَامَهُ ، فَقَالَ لِي : «إِنَّكِ إِنْ سَمِعْتِ كَلَامَهُ (3) حُمِمْتِ سَنَةً». فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ ، فَقَالَ لِيَ : «اسْمَعِي» فَاسْتَمَعْتُ ، فَسَمِعْتُ شِبْهَ الصَّفِيرِ ، وَ رَكِبَتْنِي الْحُمّى ، فَحُمِمْتُ سَنَةً .

هديّة:(عامر): اسم للحيّة التي تكون في البيوت، قيل: يُقال لها عامر لطول عمرها، وقيل: بل من العِمران وعامر البيوت على التّفأل.في بعض النسخ : «لمن» باللام مكان (بمن) بالمفردة.و«زهران» بالفتح، وزُهرة وزَهْرَة كهَمْزَة وهُمَزَة وزُهَير: أسماء، وزهراء بالفتح والمدّ: بلدة في المغرب، والنسبة بزيادة النون، كصنعاني في صنعاء قصبة اليمن.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(4) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ أَقْبَلَ ثُعْبَانٌ مِنْ نَاحِيَةِ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ ، فَهَمَّ النَّاسُ أَنْ يَقْتُلُوهُ ، فَأَرْسَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَنْ كُفُّوا ، فَكَفُّوا ، وَ أَقْبَلَ الثُّعْبَانُ يَنْسَابُ حَتَّى انْتَهى إِلَى الْمِنْبَرِ ، فَتَطَاوَلَ ، فَسَلَّمَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَأَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَيْهِ أَنْ يَقِفَ حَتّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ .وَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ خَلِيفَتِكَ عَلَى الْجِنِّ ، وَ إِنَّ أَبِي مَاتَ ، وَ أَوْصَانِي أَنْ آتِيَكَ ، فَأَسْتَطْلِعَ رَأْيَكَ ، وَ قَدْ أَتَيْتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «لمن».
2- .في الكافي المطبوع : «الزهرائي».
3- .في الكافي المطبوع : «به» بدل «كلامه».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن إبراهيم بن أيّوب، عن عمرو بن شمر».

ص: 162

فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ ؟ وَ مَا تَرى؟فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ أَنْ تَنْصَرِفَ ، فَتَقُومَ مَقَامَ أَبِيكَ فِي الْجِنِّ ؛ فَإِنَّكَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِمْ» .فَوَدَّعَ عَمْرٌو أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ انْصَرَفَ ، فَهُوَ خَلِيفَتُهُ عَلَى الْجِنِّ. فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَيَأْتِيكَ عَمْرٌو ؟ وَ ذَاكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:انساب فلانٌ نحوَكم: رجع، والانسياب: ضربٌ من الجَرْي، منه مشي الحيّة.(إلى المنبر) ، منبر مسجد الكوفة، وباب الثعبان فيه مشهور.(فتطاول) أي انتصب.(خليفتك) بالجرّ.(فودّع) من التوديع. فآخر الحديث سؤال عن افتراض طاعتهم عليهم السلام على الجنّ كما على الإنس.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ،(1) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ مُزَامِلًا لِجَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، فَلَمَّا أَنْ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ ، دَخَلَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَوَدَّعَهُ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ هُوَ مَسْرُورٌ ، حَتّى وَرَدْنَا الْأُخَيْرِجَةَ - أَوَّلَ مَنْزِلٍ نَعْدِلُ مِنْ فَيْدَ إِلَى الْمَدِينَةِ - يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَصَلَّيْنَا الزَّوَالَ ، فَلَمَّا نَهَضَ بِنَا الْبَعِيرُ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ طُوَالٍ ، آدَمَ ، مَعَهُ كِتَابٌ ، فَنَاوَلَهُ جَابِراً ، فَتَنَاوَلَهُ ، وَقَبَّلَهُ (2) وَ وَضَعَهُ عَلى عَيْنَيْهِ ، وَ إِذَا هُوَ «مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِلى جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ» وَ عَلَيْهِ طِينٌ أَسْوَدُ ، رَطْبٌ ، فَقَالَ لَهُ : مَتى عَهْدُكَ بِسَيِّدِي ؟ فَقَالَ : السَّاعَةَ ، فَقَالَ لَهُ :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن محمّد بن اُورمة ، عن أحمد بن النضر».
2- .في الكافي المطبوع : «وقبّله».

ص: 163

أقَبْلَ (1) الصَّلَاةِ ، أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ ؟ فَقَالَ : بَعْدَ الصَّلَاةِ ، قَالَ : فَفَكَّ الْخَاتَمَ ، وَ أَقْبَلَ يَقْرَؤُهُ وَ يَقْبِضُ وَجْهَهُ حَتّى أَتى عَلى آخِرِهِ ، ثُمَّ أَمْسَكَ الْكِتَابَ ، فَمَا رَأَيْتُهُ ضَاحِكاً وَ لَا مَسْرُوراً حَتّى وَافَى الْكُوفَةَ .فَلَمَّا وَافَيْنَا الْكُوفَةَ لَيْلًا بِتُّ لَيْلَتِي ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُهُ إِعْظَاماً لَهُ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ وَ فِي عُنُقِهِ كِعَابٌ قَدْ عَلَّقَهَا ، وَ قَدْ رَكِبَ قَصَبَةً وَ هُوَ يَقُولُ : أَجِدُ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ أَمِيراً غَيْرَ مَأْمُورٍ ، وَ أَبْيَاتاً مِنْ نَحْوِ هذَا ، فَنَظَرَ فِي وَجْهِي ، وَ نَظَرْتُ فِي وَجْهِهِ ، فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً ، وَ لَمْ أَقُلْ لَهُ ، وَ أَقْبَلْتُ أَبْكِي لِمَا رَأَيْتُهُ ، وَ اجْتَمَعَ عَلَيَّ وَ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ وَ النَّاسُ ، وَ جَاءَ حَتّى دَخَلَ الرَّحَبَةَ ، وَ أَقْبَلَ يَدُورُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَ النَّاسُ يَقُولُونَ : جُنَّ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ، جُنَّ جَابِرُ(2) .فَوَ اللَّهِ، مَا مَضَتِ الْأَيَّامُ حَتّى وَرَدَ كِتَابُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلى وَالِيهِ : أَنِ انْظُرْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ : جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ . فَالْتَفَتَ إِلى جُلَسَائِهِ ، قَالَ (3) لَهُمْ : مَنْ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ ؟ فَقَالُوا(4) : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، كَانَ رَجُلًا ، لَهُ فَضْلٌ وَ عِلْمٌ (5) وَ حَدِيثٌ ، وَ حَجَّ ، فَجُنَّ وَ هُوَ ذَا فِي الرَّحَبَةِ مَعَ الصِّبْيَانِ عَلىَ الْقَصَبِ يَلْعَبُ مَعَهُمْ .قَالَ : فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ ، فَإِذَا هُوَ مَعَ الصِّبْيَانِ يَلْعَبُ عَلَى الْقَصَبِ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنْ قَتْلِهِ . قَالَ : وَ لَمْ تَمْضِ الْأَيَّامُ حَتّى دَخَلَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ الْكُوفَةَ ، وَ صَنَعَ مَا كَانَ يَقُولُ جَابِرٌ .

هديّة:«الزميل» كأمير: الرديف على الهَودج.و(الأخيرجَة) و(فيد): موضعان، قال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى:

.


1- .في الكافي المطبوع : «قبل» بدون الهمزة.
2- .في الكافي المطبوع : - «جابر».
3- .في الكافي المطبوع : «فقال».
4- .في الكافي المطبوع : «قالوا».
5- .في الكافي المطبوع : «علم وفضل» بدل «فضل وعلم».

ص: 164

«الأخيرجة» تصغير الأخرجة - بفتح الهمزة والراء أيضاً، وتاء التأنيث - : بئر في سفح جبل في خارج منزل بين المدينة والكوفة. ثمّ قال: و«أوّل» مرفوع بتقدير: وهو أوّل منزل يعدل بُعده من المدينة بُعد الفيد منها. و«الفيد» بفتح الفاء وسكون الخاتمة: منزل بين مكّة والمدينة، فجملة «أوّل منزل يعدل من فيد إلى المدينة» معترضة.وقال بعض المعاصرين - بعد ضبطه الأخرجة مكبّرة - : يعني أنّ المسافة بين الأخرجة وبين المدينة كالمسافة بين فيد والمدينة.(1)و«الطوال» كغراب: الطويل، فإذا أفرط في الطول يُقال: طوّال كرمّان، فمحتمل هنا. و«الطويل» يجمع على طوال كرجال.ويمكن أن يكون أسوديّة الطين كناية عن شدّة رطوبته.وكان (منصور بن جمهور) من قوّاد عبداللَّه بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب، صار والي الكوفة من قبل عبد اللَّه بعد خروجه على بني اُميّة وغلبته عليهم وقتل كثيرين منهم.وقرأ برهان الفضلاء : «أجد» على الأمر، من الجودة بحذف المفعول، يعني أجد يا منصور بن جمهور المحاربة حال كونك أميراً في الكوفة غير مأمور من قبل بني اُميّة. ثمّ قال: ولعلّ الابن من زيادة الكتّاب؛ لإخلاله بالوزن.(لما رأيته) يحتمل كسر اللام، وفتحها بتشديد الميم.و«رحَبَة الدار» محرّكة ويسكن: ساحتها.وليس في بعض النسخ: (جنّ جابر) بعد قوله: (جنّ جابر بن يزيد).(ما كان يقول جابر) أي في الأبيات.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 642 ، ذيل ح 1234.

ص: 165

باب في الأئمّة أنّهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود و آل داود

الباب التاسع والتسعون : بَابٌ فِي الْأَئِمَّةِ عليهم السلام أَنَّهُمْ إِذَا ظَهَرَ أَمْرُهُمْ حَكَمُوا بِحُكْمِ دَاوُدَ وَ آلِ دَاوُدَ وَ لَا يَسْأَلُونَ الْبَيِّنَةَ(1)وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ الثَلَاثَة،(2) عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ فَضْلٍ الْأَعْوَرِ ، عَنْ الْحَذَّاءِ ، قَالَ : كُنَّا زَمَانَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام حِينَ قُبِضَ نَتَرَدَّدُ كَالْغَنَمِ لَا رَاعِيَ لَهَا ، فَلَقِينَا سَالِمَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ ، فَقَالَ لِي : يَا بَا عُبَيْدَةَ(3) ، مَنْ إِمَامُكَ ؟ فَقُلْتُ : أَئِمَّتِي آلُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ ، أَ مَا سَمِعْتُ أَنَا وَ أَنْتَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟ فَقُلْتُ : بَلى لَعَمْرِي ، وَ قَدْ كَانَ قَبْلَ ذلِكَ بِثَلَاثٍ أَوْ نَحْوِهَا ، دَخَلْنَا عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَرَزَقَ اللَّهُ الْمَعْرِفَةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ سَالِماً قَالَ لِي كَذَا وَ كَذَا .قَالَ : فَقَالَ : «يَا بَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّهُ لَا يَمُوتُ مِنَّا مَيِّتٌ حَتّى يُخَلِّفَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْمَلُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ ، وَ يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ ، وَ يَدْعُو إِلى مَا دَعَا إِلَيْهِ . يَا بَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ مَا أُعْطِيَ دَاوُدَ أَنْ أُعْطِيَ سُلَيْمَانَ». ثُمَّ قَالَ : «يَا بَا عُبَيْدَةَ ، إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام حَكَمَ بِحُكْمِ دَاوُدَ وَ سُلَيْمَانَ ، لَا يَسْأَلُ بَيِّنَةً» .

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عليهم السلام والرحمة والرضوان».
2- .يعني : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- .في الكافي المطبوع : «يا أبا عبيدة» و كذا فيما بعد.

ص: 166

هديّة:قيل: «دخلنا» كلام مستأنف، ويحتمل إسقاط كلمةٍ عن صدره مثل «فلمّا».وقال برهان الفضلاء: «وقد كان» إلى قوله : «المعرفة» ليس في تحت المكالمة مع سالم، بل ذكره أبو عبيدة في مجلس الرواية، ففاعل «كان» إمّا ضمير الشأن المستتر فيه ، أو «دخلنا» بتقدير «أن» المصدرية.وقال الفاضل الاسترآبادي: المناسب «ثمّ دخلنا» أو «فدخلنا».(1)(بثلاث) أي بثلاث سنين.(لم يمنع) على المعلوم، أو خلافه كما ضبط برهان الفضلاء. والمآل واحد، سواء كانت كلمة (ما) مصدريّة أو موصولة. قيل: والمراد حكم القائم عليه السلام دائماً بحكم داود وآل داود، يعني سليمان مرّة أو مراراً لم يسأل داود عليه السلام بيّنة في قضيّة النعجة وسليمان عليه السلام في نفش الغنم، كما مرّ في الحديث الثالث في الباب الستّين.(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) عَنْ أَبَانٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنِّي ، يَحْكُمُ بِحُكُومَةِ آلِ دَاوُدَ ، وَ لَا يَسْأَلُ بَيِّنَةً ، يُعْطِي كُلَّ نَفْسٍ حَقَّهَا» .

هديّة:(رجلٌ منّي) يعني قائمهم عليهم السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ،(4) عَنْ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

.


1- .نقل عنه في مرآة العقول ، ج 4 ، ص 299.
2- .أي باب أنّ الإمامة عهد من اللَّه عَزّ و جلّ معهود من واحد إلى واحد.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم».

ص: 167

بِمَا تَحْكُمُونَ إِذَا حَكَمْتُمْ ؟ قَالَ : «بِحُكْمِ اللَّهِ وَ حُكْمِ دَاوُدَ عليه السلام ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّيْ ءُ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَنَا ، تَلَقَّانَا بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ» .

هديّة:(إذا حكمتم): إذا ظهر أمركم وصار إليكم الحكم.والباء في (به) للتعدية، يعني على نهج التحديث.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عِمْرَانِ بْنِ أَعْيَنَ ،(1) عَنْ جُعَيْدٍ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ : بِأَيِّ حُكْمٍ تَحْكُمُونَ ؟ قَالَ : «بِحُكْمِ (2) آلِ دَاوُدَ ، فَإِنْ أَعْيَانَا شَيْ ءٌ ، تَلَقَّانَا بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ» .

هديّة:(جعيد) مصغّراً: همدانيّ من اليمن كوفيّ؛ ذكره الشيخ في رجاله في رجال عليّ بن الحسين عليهما السلام.«أعياه»: أعجزه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ،(3) عَنْ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا مَنْزِلَةُ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ؟ قَالَ : «كَمَنْزِلَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَ كَمَنْزِلَةِ يُوشَعَ ، وَ كَمَنْزِلَةِ آصَفَ صَاحِبِ سُلَيْمَانَ».قَالَ : قُلْتُ :(4) فَبِمَا تَحْكُمُونَ ؟ قَالَ : «بِحُكْمِ اللَّهِ ، وَ حُكْمِ آلِ دَاوُدَ ، وَ حُكْمِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي عن عمران بن أعين».
2- .في الكافي المطبوع : «حكم».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه، عن محمّد بن عليّ عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم».
4- .في الكافي المطبوع : - «قلت».

ص: 168

وَ يَتَلَقَّانَا بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ» .

هديّة:بيانه كالحديث الأوّل في الباب الثالث والخمسين.(1)

.


1- .أي باب في أنّ الأئمّة بمن يشبهون ممّن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوّة.

ص: 169

باب أنّ مستقى العلم من بيت آل محمّد

الباب المائة : بَابُ أَنَّ مُسْتَقَى الْعِلْمِ مِنْ بَيْتِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد،(1) قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبُ الدَّيْلَمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهما السلام يَقُولُ - وَ عِنْدَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ - : «عَجَباً لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا عِلْمَهُمْ كُلَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَعَلِمُوا(2) بِهِ وَ اهْتَدَوْا ، وَ يَرَوْنَ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ لَمْ يَأْخُذُوا عِلْمَهُ ، وَ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ ذُرِّيَّتُهُ ، فِي مَنَازِلِنَا نَزَلَ الْوَحْيُ ، وَ مِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ الْعِلْمُ إِلَيْهِمْ ، أَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا وَ اهْتَدَوْا ، وَ جَهِلْنَا نَحْنُ وَ ضَلَلْنَا ؟! إِنَّ هذَا لَمُحَالٌ» .

هديّة:استقيت من البئر، واستقيت في القِربة، والموضع: مستقى. وقال برهان الفضلاء في شرح العنوان : «المستقى» مصدر ميميّ من الافتعال، قال: طلب الماء الكافي للعطشان.في بعض النسخ: «فعملوا به» مكان (فعلموا به)، والأكثر أنسب سياقاً.«ضلّ» كضرب وعلم لغتان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- .في الكافي المطبوع : «فعملوا».

ص: 170

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ،(1) قَالَ : لَقِيَ رَجُلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام بِالثَّعْلَبِيَّةِ - وَ هُوَ يُرِيدُ كَرْبَلَاءَ - فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام : «مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ ؟» قَالَ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : «أَمَا وَ اللَّهِ ، يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ ، لَوْ لَقِيتُكَ بِالْمَدِينَةِ ، لَأَرَيْتُكَ أَثَرَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام مِنْ دَارِنَا وَ نُزُولِهِ بِالْوَحْيِ عَلى جَدِّي ، يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ ، أَ فَمُسْتَقَى النَّاسِ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِنَا ، فَعَلِمُوا ، وَ جَهِلْنَا ؟! هذَا مَا لَا يَكُونُ» .

هديّة:(ونزوله) بالرفع على الابتداء، والجملة حاليّة أو استئنافيّة لبيان الحصر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد اللَّه بن حمّاد ، عن صبّاح المزني ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الحكم بن عتيبة».

ص: 171

باب أنّه ليس شي ء من الحقّ في أيدي الناس إلّا ما خرج من عند الأئمّة

الباب الحادي والمائة : بَابُ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَقِّ فِي أَيْدِي (1) النَّاسِ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ أَنَّ كُلَّ شَيْ ءٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِمْ فَهُوَ بَاطِلٌ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَقٌّ وَ لَا صَوَابٌ ، وَ لَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَقْضِي بِقَضَاءٍ حَقٍّ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ إِذَا تَشَعَّبَتْ بِهِمُ الْأُمُورُ ، كَانَ الْخَطَأُ مِنْهُمْ ، وَ الصَّوَابُ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وليس أحد» مكان و(لا أحد). والاستثناء من كلّ واحد من الحقّ والصواب في الجملة الاُولى، ومن القضاء الحقّ في الثانية.و«التشعّب»: التفرّق، يعني إذا التبست عليهم الاُمور. والباء في (بهم) للتعدية، وضمير الجمع للصحابة أو للاُمّة، ف (من عليّ عليه السلام) يعني من الحجّة المعصوم.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان».

ص: 172

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي،(1) عَنْ مُثَنًّى ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ ، فَلَا تَسْأَلُونِّي عَنْ شَيْ ءٍ إِلَّا نَبَّأْتُكُمْ بِهِ».قَالَ : «إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ عِنْدَهُ عِلْمُ إِلَّا شَيْ ءٌ(2) خَرَجَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَلْيَذْهَبِ النَّاسُ حَيْثُ شَاؤُوا ؛ فَوَ اللَّهِ ، لَيْسَ الْأَمْرُ إِلَّا مِنْ هَاهُنَا» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلى بَيْتِهِ .

هديّة:في بعض النسخ : «علم شي ء إلّا خرج».(ليس الأمر) أي العلم الحقّ الذي لا يكون مستقاه ومخرجه إلّا صدر الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه سبحانه. وهذا مراد برهان الفضلاء من قوله: أي أمر الإسلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ،(3) عَنْ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لِسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ : «شَرِّقَا وَ غَرِّبَا ، فَلَا تَجِدَانِ عِلْماً صَحِيحاً إِلَّا شَيْئاً خَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» .

هديّة:(سلمة) و(الحكم) هذان بتريّان من الزيديّة مذمومان جدّاً.قال الكشّي: قال عليّ بن الحسن: حدّثني العبّاس بن عامر وجعفر بن محمّد، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النّوا وأبا المقدام والتمّار - يعني سالماً - أضلّوا كثيراً ممّن ضلّ من هؤلاء،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، عن مثنّى».
2- .في الكافي المطبوع : «شي ء إلّا» بدل «إلّا شي ء».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء ، عن ثعلبة بن ميمون».

ص: 173

وأنّهم ممّن قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ»»(1).شرّق تشريقاً: قصد جانب الشرق وسعى إليه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَلَّى بْنِ عُثْمَانَ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ لِي عليه السلام : «إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ : «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ» فَلْيُشَرِّقِ الْحَكَمُ وَ لْيُغَرِّبْ ، أَمَا وَ اللَّهِ ، لَا يُصِيبُ الْعِلْمَ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام» .

هديّة:قد علم بيانه، والآية في سورة البقرة.(3)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ ،(4) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ شَهَادَةِ وَلَدِ الزِّنى : تَجُوزُ ؟ فَقَالَ : «لَا». فَقُلْتُ : إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يَزْعُمُ أَنَّهَا تَجُوزُ ، فَقَالَ : «اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ ذَنْبَهُ ، مَا قَالَ اللَّهُ لِلْحَكَمِ : «إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ» فَلْيَذْهَبِ الْحَكَمُ يَمِيناً وَ شِمَالًا ، فَوَ اللَّهِ لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَزَلَ عَلَيْهِمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام» .

هديّة:«ما» في (ما قال) نافية، لا على الاستفهام الإنكاري كما يتوهّم.

.


1- .رجال الكشّي ، ص 241 ، الرقم 439.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن معلّى بن عثمان».
3- .البقرة (2): 8 .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن أبان بن عثمان».

ص: 174

والآية في سورة الزخرف.(1)وفسّر «الذكر» هنا بالعلم، و«القوم» بأهل البيت عليهم السلام.(إلّا من أهل بيت) يعني إلّا من حجّة معصوم عاقل عن اللَّه سبحانه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَلَّامِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيِّ ،(2) قَالَ : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَابِدُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، وَ ابْنُ شُرَيْحٍ فَقِيهُ أَهْلِ مَكَّةَ - وَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام مَيْمُونٌ الْقَدَّاحُ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام - فَسَأَلَهُ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فِي كَمْ ثَوْبٍ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَقَالَ (3) : «فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ : ثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ ، وَ ثَوْبٍ حِبَرَةٍ ، وَ كَانَ فِي الْبُرْدِ قِلَّةٌ» .فَكَأَنَّمَا ازْوَرَّ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ نَخْلَةَ مَرْيَمَ إِنَّمَا كَانَتْ عَجْوَةً ، وَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ ، فَمَا نَبَتَ مِنْ أَصْلِهَا كَانَ عَجْوَةً ، وَ مَا كَانَ مِنْ لُقَاطٍ فَهُوَ لَوْنٌ» .فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، قَالَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ لِابْنِ شُرَيْحٍ : وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هذَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام؟ فَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ : هذَا الْغُلَامُ يُخْبِرُكَ ؛ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ - يَعْنِي مَيْمُونٌ - فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ مَيْمُونٌ : أَ مَا تَعْلَمُ مَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ : لَا وَ اللَّهِ ، قَالَ : إِنَّهُ ضَرَبَ لَكَ مَثَلَ نَفْسِهِ ، فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ وَلَدٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ عِلْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عِنْدَهُمْ ، فَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِهِمْ ، فَهُوَ صَوَابٌ ، وَ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِمْ ، فَهُوَ لُقَاطٌ .

هديّة:«صحار» بلا نقطة كغراب: اسم قصبة عمان أيضاً كغراب، والنسبة: صحاري.و«الحبرة» كعنبة: ضرب من البرد اليماني، وهو أنفَسُ ضروب البرد، يُقال: ثوب

.


1- .الزخرف (43) : 44.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن الحسين بن الحسن بن يزيد ، عن بدرٍ ، عن أبيه ، قال : حدّثني سلّام أبو عليّ الخراساني ، عن سلّام بن سعيد المخزومي».
3- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 175

حبرة ، و(ثوب حبرة) على الوصف والإضافة.(قلّة): كان يومئذٍ عزيزاً.(ازورّ): عدل وأبى وانحرف؛ من الإزورار بالزاي والمهملتين.و«العجوة» بالفتح: أجودُ تمرٍ بالمدينة، وفي الحديث: «العجوة من الجنّة»؛ قاله ابن الأثير.(1)و«اللقاط» كغراب: ما كان ساقطاً ممّا لا قيمة له. و«اللون»: أردأ التمر. وقرأ برهان الفضلاء «لقاط» كسحاب، على المصدر، بمعنى التقاط النواة للغرس. وقال: والمراد باللّون هنا ما أصله ردي ء، ولونه شبيه بالجيّد، ثمّ قال: و«ميمون» هنا لفظ عجميّ باعتبار ملاحظة شباهته بالقِرد، فلا ينصرف.(وعلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) نصب للعطف، ويحتمل الرفع، فالجملة حاليّة.

.


1- .النهاية ، ج 3 ، ص 188 (عجو).

ص: 176

باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب

الباب الثاني والمائة : بَابٌ فِيمَا جَاءَ أَنَّ حَدِيثَهُمْ عليهم السلام صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ حَدِيثَ آلِ مُحَمَّدٍ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لَا يُؤْمِنُ بِهِ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ ، فَمَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَدِيثِ آلِ مُحَمَّدٍ فَلَانَتْ لَهُ قُلُوبُكُمْ وَ عَرَفْتُمُوهُ ، فَاقْبَلُوهُ ؛ وَ مَا اشْمَأَزَّتْ مِنْهُ قُلُوبُكُمْ وَ أَنْكَرْتُمُوهُ ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلَى الْعَالِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ إِنَّمَا الْهَالِكُ أَنْ يُحَدَّثَ أَحَدُكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنْهُ لَا يَحْتَمِلُهُ ، فَيَقُولَ : وَ اللَّهِ مَا كَانَ هذَا ، وَ اللَّهِ مَا كَانَ هذَا ؛ وَ الْإِنْكَارُ هُوَ الْكُفْرُ» .

هديّة:(مستصعب) على اسم الفاعل للمبالغة، استصعب الشي ء عليه - على المعلوم - : صار صعباً جدّاً. والمراد بدليل الحديث الرابع والخامس أنّ احتمالَ حديث الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه من دون إظهاره إلى أهله من أهل الحقّ صعبٌ جدّاً، وذلك

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان».

ص: 177

لطغيان حرارة الشوق بالاهتداء إلى الحقّ، كالمحتاج الواجد كنزاً لا يفنى.(فما ورد) كلام الباقر عليه السلام أو كلام الرسول صلى اللَّه عليه وآله.(اشمأزّت): كرهت ونفرت.(فردّوه) ناظرٌ إلى قوله تعالى: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(1)، وقوله عزّ وجلّ: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى اْلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(2).

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ القمّي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسى ، عَنْ الْاثْنَيْنِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «ذُكِرَتِ التَّقِيَّةُ يَوْماً عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَقَالَ : وَاللَّهِ ، لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِي قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ - وَ لَقَدْ آخى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بَيْنَهُمَا - فَمَا ظَنُّكُمْ بِسَائِرِ الْخَلْقِ ؟ إِنَّ عِلْمَ الْعُلَمَاءِ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، أَوْ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ».فَقَالَ : «وَ إِنَّمَا صَارَ سَلْمَانُ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ امْرُؤٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَلِذلِكَ نَسَبْتُهُ إِلَى الْعُلَمَاءِ» .

هديّة:(ذكرت) على المتكلّم وحده أو المجهول. و(التقيّة): ضدّ الإذاعة، يعني بين قوم من الفرق الهالكة إذا ظنّ ضررهم. وسيجي ء في باب الإذاعة عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ، ولكن قتلنا قتل عمد».(4) قال الكشّي في رجاله: وفي رواية اُخرى : «لكفّره» مكان «لقتله».(5) وفي حديث آخر: «لو علم سلمان ما في قلب أبي ذرّ لقتله أو لكفّره».

.


1- .النساء (4): 59.
2- .النساء (4): 83 .
3- .أي «هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة».
4- .الكافي ، ج 2 ، ص 370 ، باب الإذاعة ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 4 ، ص 112 ، ح 2809.
5- .رجال الكشّي ، ص 17 ، ح 40 ، وفيه كما في الكافي: «لقتله».

ص: 178

فلا يذهب عليك كما فهم الصوفيّ القدريّ من هذا الحديث وجعله أصلاً صريحاً في مذهبه أنّ ما في قلب سلمان أو أبي ذرّ إنّما هو الكفر الذي إذا نطق به أحد كالحلّاج وفرعون والبسطامي والرومي لوجب قتله شرعاً؛ لارتداده بحكم اللَّه سبحانه، هل ترى الحكيم العدل العظيم بذلك الحكمة والعدالة والعظمة تعالى شأنه أن يأمر رسوله بذلك الشأن والعظمة الظاهرة بتلك الآيات والمعجزات الباهرة بتكفير مثل الحلّاج وقتله، والحكم بأنّه نحس نجس مخلّد في النار وكان هو في السرّ وليّاً من أوليائه أو قطرة واصلة من بحره إلى بحره أو هو هو.فهل ترى أسخف في الفرق الهالكة من طريقة الصوفيّة القدريّة، فلا تغترّ بمصائدهم ولا تنخدع بمكائدهم، فإنّها من تدقيقات صنايع إبليس في أواخر عمره كي يخدع الفرقة الناجية بباطلٍ محفوفٍ أوّلاً بالقرآن والحديث والأمثال والأشعار والصوم والصلاة والسهر والرياضة ومعظم مكارم الأخلاق، مع علمه بأنّهم لا يميلون بسعيه إلى مذهب من مذاهب البضع والسبعين، وأنّ من وراء ذنوبهم الشفاعات، فوضع التصوّف المنتهي طريقه إلى أفحش صنوف الكفر.أيّها القدريّ، إنّما المنافق من أخفى الكفر وأظهر الإيمان، فما ظنّك بمثل سلمان وهو محدّث كالإمام وله خصوصيّة ممتازة بأهل البيت عليهم السلام، أظهرتم أنتم أسراركم من وحدة الوجود والموجود والتنزّلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود باصطلاحكم لكلّ خفّاف وعلّاف، فلِمَ لم يظهر سلمان سرّه لأخيه أبي ذرّ الذي تتذاكر الملائكة ما أملاه من الدعاء المشهور في السماء، هل خفّافكم أوسع حوصلة من أبي ذرّ، أو سلمان نافَقَ مع أخيه، أو هما - رضي اللَّه عنهما - من المنافقين بكتمان الكفر وإظهار الإيمان، أو عَلِمَ الإمام ما في قلب سلمان ممّا هو كفرٌ شرعاً لو نطق به، فلم يحكم بنفاقه، أو تقرّون بكفركم وكُفر من قال بمقالتكم.فلِمَ غفلتم عن حكاية موسى والخضر عليهما السلام في سورة الكهف مع أنّ موسى من اُولي العزم وعالم بما يحتاج إليه الناس غير محتاج فيه إلى مثل صاحبه، ولم تفهموا أنّ سرّ اللَّه

.

ص: 179

سبحانه محال أن يكون ممّا هو كُفر في شرعه، وأنّ السرّ الذي أظهرتم لكلّ قلندر وفَهِمَه كلُّ من سمع لا يكون هو سرّ اللَّه، وأنّ العارف بأسرار اللَّه لا يكون إلّا المعصومون المحصورون المعيّنون عدداً الممتازون حسباً ونسباً من لدن آدم إلى القائم عليهما السلام، وأنّ سلمان كان معه علمٌ من العلوم دون أبي ذرّ بذلك الشأن، كما للخضر عليه السلام دون موسى عليه السلام من اُولي العزم، أليس حقّاً حكْم موسى قبل المعرفة بوجهِ قتلِ الطفل بقتل قاتله؟ أليس عِلْم اللَّه لا نهاية له؟ أليس لما لا نهاية له لا نهاية لعجائباته؟ أليس لو اُعطي ممّا لا يتناهى كلّ ذرّة من ذرّات العالم ما لا يحصى كان الجميع مالك قطرة من البحر الذي لا ساحل له متحيّراً في عجائباته ومتولّهاً في غرائباته؟ أليس سرّكم ذائعاً شائعاً في الأسواق؟سبحان اللَّه هل بقي سرٌّ أعظم من سرّكم المسموع المفهوم لكلّ أحد من الناس، فتدّعون أنّ عندنا سرّاً أو أسراراً، سبحان اللَّه هو اللَّه الذي لا إله إلّا هو، دَبَّرَ قبل تدبير الخواطر وأحكم، ومَكَرَ قبل مكر الماكرين وأبرم، وبمقتضى عظمته جلّت عظمته أخبر بتوسّط المعصوم، وهو الذي لا يشكّ في إخباره بضروريّات الدِّين بحيث يكون اعتقاد الجميع بها على السواء كالشمس بالنظر إلى جميع الأنظار.سمعتم في سنّ الصبا من آبائكم ومعلّميكم أنّ جهنّم مثلاً وهدة وسيعة عظيمة مملوّة من نار كذا وحيّات كذا وعقارب كذا، فويلٌ للذي لم يعتقد في أراذل العمر كما تصوّره واعتقد به في سنّ الصبا أيّ من كان، وهكذا في جميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من المغيبات كنكير ومنكر وتسوية الأرض بالزلزلة للحشر والنشر الجسماني وانشقاق السماء وطيّها والميزان والصراط وتطائر الكتب وتجسيم الأعمال، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً، واللَّه العظيم لن يسمع في سلطان عظمته تَعالى إخبار عباده بضروريّات دينه إلّا هكذا.فهل عرفت سرّ الاهتمام في القرآن بكون ذكر الإيمان باللَّه قريناً لذكر الإيمان باليوم الآخر على ما أخبر به المعصوم العاقل هو في البشر عن اللَّه تبارك وتعالى، فتعوّذ باللَّه من عدوّك المبين المخفي الطامع بقوّة وساوسه في الأنبياء عليهم السلام.

.

ص: 180

وقال بعض المعاصرين في كتابه في بيان هذا الحديث: ونعمّا قيل: لمّا رأيت الحديدة الحامية تتشبّه بالنار فتفعل فعلها، فلا تتعجّب من نفسٍ استشرقت بنور اللَّه واستضاءت واستنارت فأطاعها الأكوان. انتهى.(1)من معظم براهين الشيعة على حقّيّة أنّهم هم الفرقة الناجية من البضع والسبعين وامتيازِهم بتلك الحقّيّة قولُهم بوجوب وجود المعصوم في هذا النظام العظيم من أوّله إلى آخره، وأنّ إطاعة الأكوان لا يكون لأحد إلّا بإذن اللَّه ولا يأذن في ذلك في حكمته إلّا للمعصوم المحصورِ عددُه من لدن آدم إلى القائم عليه السلام، هل رأيت أحداً من الشيعة يقول بإمكان الوصول إلى تلك المرتبة لكلّ أحدٍ من الجواكي وغيرهم بالرياضة؟ والشيعة لا تتعجّب من الحقّ، بل تتعجّب من صرف العمر تسعين سنة في ملاحظة أحاديث الأئمّة عليهم السلام، ثمّ التكلّم في بياناتها بما هو مكروه ممنوع - وهلّم جرّاً - عند شيعتهم بالكتاب والسنّة ، يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، والحمدُ للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْبَرْقِيِّ ،(2) عَنِ ابْنِ فضّال، أَوْ غَيْرِهِ، رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ حَدِيثَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا صُدُورٌ مُنِيرَةٌ ، أَوْ قُلُوبٌ سَلِيمَةٌ ، أَوْ أَخْلَاقٌ حَسَنَةٌ ؛ إِنَّ اللَّهَ تعالى أَخَذَ مِنْ شِيعَتِنَا الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ عَلى بَنِي آدَمَ «أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ» فَمَنْ وَفى لَنَا ، وَفَى اللَّهُ لَهُ بِالْجَنَّةِ ؛ وَ مَنْ أَبْغَضَنَا وَ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْنَا حَقَّنَا ، فَفِي النَّارِ خَالِداً مُخَلَّداً» .

هديّة:قال برهان الفضلاء: «حديثنا» عبارة عن السرّ الذي ينقل ثانياً في الحديث الخامس في هذا الباب.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 644 ، ذيل ح 1236.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن البرقي».

ص: 181

قيل: الظاهر أنّ تعدّد الترديد من الإمام عليه السلام، فإشارة إلى تفاوت مراتب الشيعة. وقيل: بل الظاهر أنّ الترديد من الراوي.والمراد من «الأخلاق الحسنة» صاحبها.(أخذ من شيعتنا الميثاق) يعني بولايتنا كما أخذ من الجميع بالربوبيّة، وحاصل المعنى أنّ الشيعة أقرّوا بولايتنا يوم الميثاق، دون غيرهم.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا مَعْنى قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام : «حَدِيثُنَا لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَ لَا مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ»؟فَجَاءَ الْجَوَابُ : «إِنَ (2) مَعْنى قَوْلِ الصَّادِقِ عليه السلام : - أَيْ لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ وَ لَا نَبِيٌّ وَ لَا مُؤْمِنٌ - أَنَّ الْمَلَكَ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتّى يُخْرِجَهُ إِلى مَلَكٍ غَيْرِهِ ، وَ النَّبِيُّ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتّى يُخْرِجَهُ إِلى نَبِيٍّ غَيْرِهِ ، وَ الْمُؤْمِنُ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتّى يُخْرِجَهُ إِلى مُؤْمِنٍ غَيْرِهِ ، فَهذَا مَعْنى قَوْلِ جَدِّي عليه السلام» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام.ولعلّ الباعث على السؤال المنافاة ظاهراً بين المسؤول عنه هاهنا واُخبار هذا الباب.(أنّ معنى) بكسر الهمزة، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «إنّما» مكان «إنّ».(أي) بيان ل (القول).(أنّ الملك) بفتح الهمزة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن محمّد بن أحمد».
2- .في الكافي المطبوع : «إنّما».

ص: 182

قال برهان الفضلاء: وحاصل الجواب: أنّ عدم الاحتمال هنا متعلّق بترك الإظهار، وفي الأخبار السابقة بتصديق المستصعب من حديثهم عليهم السلام.أقول: ومحصول حاصل الجواب - كما بيّناه في بيان الحديث الأوّل - : أنّ عدم الاحتمال في الجميع متعلّق بأمر واحد، وهو طغيان حرارة الشوق بالاهتداء إلى ما هو الحقّ اليقين والصراط المستقيم، كالمحتاج الواجد كنزاً لا يفنى؛ على أنّه يدفع المنافاة أيضاً - كما يظهر من الخبر التالي - أنّ المراد بالعلم والسرّ هنا أجزاء الاسم الأعظم المخصوصة بهم عليهم السلام، فالمعنى لا يحتمله على فرض الاحتمال وعدم القول بالاختصاص إلّا أن يخرجه.وفي الأخبار السابقة علم اُصول التشيّع المعلوم من المعصوم حسب، من القول بوجوب وجود المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى لهذا النظام العظيم دائماً، ووجوب طاعته على من سواه، وكونه أفضلهم حسباً ونسباً، وكونه مخصوصاً بالنصّ، محصوراً عدده، معيّناً زمانه، وأمثال ذلك من اُصول التشيّع.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ وَ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا بَا مُحَمَّدٍ ،(2) إِنَّ عِنْدَنَا - وَ اللَّهِ - سِرّاً مِنْ سِرِّ اللَّهِ ، وَ عِلْماً مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ، وَ اللَّهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، وَ لَا مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ ، وَ اللَّهِ مَا كَلَّفَ اللَّهُ ذلِكَ أَحَداً غَيْرَنَا ، وَ لَا اسْتَعْبَدَ بِذلِكَ أَحَداً غَيْرَنَا ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا سِرّاً مِنْ سِرِّ اللَّهِ ، وَ عِلْماً مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ، أَمَرَنَا اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ ، فَبَلَّغْنَا عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - مَا أَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ ، فَلَمْ نَجِدْ لَهُ مَوْضِعاً وَ لَا أَهْلًا وَ لَا حَمَالَةً يَحْتَمِلُونَهُ ، حَتّى خَلَقَ اللَّهُ لِذلِكَ أَقْوَاماً خُلِقُوا مِنْ طِينَةٍ خُلِقَ مِنْهَا مُحَمَّدٌ وَ آلُهُ وَ ذُرِّيَّتُهُ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مِنْ نُورٍ خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ ذُرِّيَّتَهُ ، وَ صَنَعَهُمْ بِفَضْلِ صُنْعِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين ، عن منصور بن العبّاس ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن مسكان».
2- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد».

ص: 183

رَحْمَتِهِ الَّتِي صَنَعَ مِنْهَا مُحَمَّداً وَ ذُرِّيَّتَهُ ، فَبَلَّغْنَا عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ ، فَقَبِلُوهُ وَ احْتَمَلُوا ذلِكَ ، فَبَلَغَهُمْ ذلِكَ عَنَّا ، فَقَبِلُوهُ وَ احْتَمَلُوهُ ، وَ بَلَغَهُمْ ذِكْرُنَا ، فَمَالَتْ قُلُوبُهُمْ إِلى مَعْرِفَتِنَا وَ حَدِيثِنَا ، فَلَوْ لَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ هذَا لَمَا كَانُوا كَذلِكَ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، مَا احْتَمَلُوهُ» .ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَقْوَاماً لِجَهَنَّمَ وَ النَّارِ ، فَأَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَهُمْ كَمَا بَلَّغْنَاهُمْ ، فَاشْمَأَزُّوا(1) مِنْ ذلِكَ ، وَ نَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَ رَدُّوهُ عَلَيْنَا وَ لَمْ يَحْتَمِلُوهُ ، وَ كَذَّبُوا بِهِ ، وَ قَالُوا : سَاحِرٌ كَذَّابٌ ؛ فَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ، وَ أَنْسَاهُمْ ذلِكَ ، ثُمَّ أَطْلَقَ اللَّهُ لِسَانَهُمْ بِبَعْضِ الْحَقِّ ، فَهُمْ يَنْطِقُونَ بِهِ وَ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ ؛ لِيَكُونَ ذلِكَ دَفْعاً عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَ أَهْلِ طَاعَتِهِ ؛ وَ لَوْ لَا ذلِكَ مَا عُبِدَ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ ، فَأَمَرَنَا بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَ السَّتْرِ وَ الْكِتْمَانِ ، فَاكْتُمُوا عَمَّنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْكَفِّ عَنْهُ ، وَ اسْتُرُوا عَمَّنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالسَّتْرِ وَ الْكِتْمَانِ عَنْهُ» .قَالَ : ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ وَ بَكى ، وَ قَالَ : «اللَّهُمَّ ، إِنَّ هؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، فَاجْعَلْ مَحْيَانَا مَحْيَاهُمْ ، وَ مَمَاتَنَا مَمَاتَهُمْ ، وَ لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً لَكَ ؛ فَتُفْجِعَنَا بِهِمْ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أَفْجَعْتَنَا بِهِمْ لَمْ تُعْبَدْ أَبَداً فِي أَرْضِكَ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً» .

هديّة:الفاء في (فلم نجد) بيانيّة.و«الحمالة» كسحابة: الدابّة يحمّلها قوم، وما تتحمّله عن القوم من الدية والغرامة. وقرأ برهان الفضلاء بالتشديد ، قال : على صيغة المبالغة، والتأنيث باعتبار الجماعة.(ونفرت قلوبهم) عطفُ تفسيرٍ لاشمأزّوا.و«الشرذمة»: الجماعة.و«الإفجاع»: الإيجاع.قل للصوفيّ القدريّ: فهل سرّ هنا مع الإمام سوى أجزاء الاسم الأعظم الخاصّ بهم عليهم السلام والإمامة والأمر بطاعة الإمام وعلم اُصول التشيّع وخصائصه على ما مرّ آنفاً؟

.


1- .في الكافي المطبوع : «و اشمأزّوا».

ص: 184

ألم تسمع قوله عليه السلام: (واللَّه ما كلّف اللَّه ذلك أحداً غيرنا) وقوله فقرة فقرة إلى آخر الحديث، سيّما قوله عليه السلام: (ثمّ أطلق اللَّه لسانهم ببعض الحقّ)؟ أليس المراد قطعاً قول غيرالناصب من الفرق الباطلة بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام وفضائله ومناقبه، كالمدّعين للتشيّع من الصوفيّة القدريّة، وهم كثير في عصرنا هذا. قال بعض المعاصرين:وهذا مثل طائفة من أهل الخلاف الناطقين ببعض الأسرار الإلهيّة، المنكرين لفضل أهل البيت، الجاهلين لعلومهم ورتبتهم، وربما يوجد فيهم من يظنّ بنفسه أنّه خيرٌ منهم وأعلم وأكمل. انتهى.(1)

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 647 ، ذيل ح 1229.

ص: 185

باب ما أمر النبيّ بالنصيحة لأئمّة المسلمين و اللزوم لجماعتهم ، و من هم؟

الباب الثالث والمائة : بَابُ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله بِالنَّصِيحَةِ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ اللُّزُومِ لِجَمَاعَتِهِمْ ، وَ مَنْ هُمْ؟وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ البزنطي، عَنْ أَبَانِ، عَنِ ابن أبي يعفور، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَطَبَ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، فَقَالَ : نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي ، فَوَعَاهَا وَ حَفِظَهَا ، وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَ يَسْعى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ».وَ رَوَاهُ أَيْضاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبَانٍ ،(1) عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، مِثْلَهُ . وَ زَادَ فِيهِ «وَ هُمْ

.


1- .في الطبعة الجديدة من الكافي ، ج 2 ، ص 337 ، ح 1058 مستنداً ببعض النسخ : - «عن أبان» ، والظاهر زيادة «عن أبان» فإنّا لم نجد رواية حمّاد بن عثمان عن أبان ، - و هو ابن عثمان - في غير هذا المورد. يؤيّد ذلك أنّ الخبر رواه الصدوق في الأمالي ، ص 287 ، المجلس 56 ، ح 3 والخصال ، ص 149 ، ح 182 ، بسنديه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللَّه بن أبي يعفور ، أضف إلى ذلك ما ورد في الأسناد من رواية حمّاد بن عثمان عن عبد اللَّه بن أبي يعفور مباشرةً ؛ وأنّ طريق الشيخ الصدوق إلى عبد اللَّه بن أبي يعفور ينتهي إلى حمّاد بن عثمان. راجع : الفقيه ، ج 4 ، ص 427 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 6 ، ص 406 و 412.

ص: 186

يَدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُمْ» وَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ خَطَبَه (1) فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ .

هديّة:(الخيف) بالفتح: ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سمّي «مسجد الخيف».قرئ «نصر اللَّه» من النصرة، و«نضّر اللَّه» بالمعجمة من التفعيل، والأكثر الثاني. نضر وجهه ونضر اللَّه وجهه، يتعدّى ولا يتعدّى، ونضّره تنضيراً كأنضره إنظاراً.(فربّ حامل فقه) دلالة على بطلان العمل بالرأي والقياس، وأنّ الحاكم في الناس إنّما هو العاقل عن اللَّه ومن حَكم بحُكمه.و(قلب امرى ءٍ مسلم) نصّ في كفر غير الإمامي.(لا يغلّ) على المعلوم، من الغلول أو الاغلال، والفاعل «قلب امرى ءٍ مسلم»، أي لا يخون، غلّ من المغنم غلولاً كمدّ: خان، وأغلّ إغلالاً مثله.فسّر (إخلاص العمل للَّه) بالإتيان على العمل من الفعل والترك على الوجه المأمور به، وخير العمل - كما ورد في النصّ - تولّي من افترض اللَّه طاعته بالكتاب والسنّة، والتبرّي عمّن خالفه وعدلَ عن طريقه، والنصيحة لأئمّة المسلمين بقبول وجوب طاعتهم عن اللَّه سبحانه وطلب رضاهم، واللزوم لجماعة الأئمّة بالإقرار بإمامة جميع الاثنى عشر، فإنّ دعوتهم غيرهم بالإقرار بافتراض طاعتهم عامّة كطاعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وقال برهان الفضلاء: أو المراد جماعة الشيعة.و«الذمّة» بالكسر، و«الذمام» بالفتح والتخفيف: العهد والأمان والضمان والحرمة والحقّ، وسمّي أهل الذمّة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم.قال ابن الأثير في نهايته: ومنه في الحديث: «ويسعى بذمّتهم أدناهم» إذا أعطى واحدٌ من عسكر المسلمين العدوَّ أماناً جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن

.


1- .في الكافي المطبوع : «خطب».

ص: 187

يخفروه، ولا أن ينقضوا عليه عهده.(1)و(أئمّة المسلمين): الأئمّة الاثنى عشر المعصومون.(ورواه أيضاً) كلام صاحب الكافي، يعني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حمّاد إلى آخره.(وهم يدٌ على من سواهم)، قال ابن الأثير: أي هم مجتمعون على أعدائهم لا يسعهم التخاذل، بل يعاون بعضهم بعضاً على جميع الأديان والملل، كأنّه جعل أيديهم يداً واحدة، وفعلهم فعلاً واحداً.(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ،(3) عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، قَالَ : قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : اذْهَبْ بِنَا إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَيْهِ ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ رَكِبَ دَابَّتَهُ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : يَا بَا عَبْدِ اللَّهِ (4) ، حَدِّثْنَا بِحَدِيثِ خُطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ ، قَالَ : «دَعْنِي حَتّى أَذْهَبَ فِي حَاجَتِي ؛ فَإِنِّي قَدْ رَكِبْتُ ، فَإِذَا جِئْتُ حَدَّثْتُكَ».فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا حَدَّثْتَنِي ، قَالَ : فَنَزَلَ ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ : مُنَ (5) لِي بِدَوَاةٍ وَ قِرْطَاسٍ حَتّى أُثْبِتَهُ ، فَدَعَا بِهِ ، ثُمَّ قَالَ : «اكْتُبْ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، خُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ :نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ، وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ؛ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ ، وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَ اللُّزُومُ

.


1- .النهاية ، ج 2 ، ص 168 (ذمم).
2- .النهاية ، ج 5 ، ص 293 (يد).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحكم بن مسكين».
4- .في الكافي المطبوع : «يا أبا عبد اللَّه».
5- .في الكافي المطبوع : «مُرْ».

ص: 188

لِجَمَاعَتِهِمْ ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ ، الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ، وَ هُمْ يَدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُمْ ، يَسْعى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» .فَكَتَبَهُ سُفْيَانُ ، ثُمَّ عَرَضَهُ عَلَيْهِ ، وَ رَكِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ جِئْتُ أَنَا وَ سُفْيَانُ .فَلَمَّا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، قَالَ لِي : كَمَا أَنْتَ حَتّى أَنْظُرَ فِي هذَا الْحَدِيثِ ، فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ وَ اللَّهِ أَلْزَمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام رَقَبَتَكَ شَيْئاً لَا يَذْهَبُ مِنْ رَقَبَتِكَ أَبَداً فَقَالَ : وَ أَيُّ شَيْ ءٍ ذلِكَ ؟ فَقُلْتُ (1) : ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ : «إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ» قَدْ عَرَفْنَاهُ ، وَ «النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» مَنْ هؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْنَا نَصِيحَتُهُمْ؟ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ، وَ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا ، وَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ ؟! وَ قَوْلُهُ : «وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ» فَأَيُّ الْجَمَاعَةِ ؟ مُرْجِئٌ يَقُولُ : مَنْ لَمْ يُصَلِّ ، وَ لَمْ يَصُمْ ، وَ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ جَنَابَةٍ ، وَ هَدَمَ الْكَعْبَةَ ، وَ نَكَحَ أُمَّهُ ، فَهُوَ عَلى إِيمَانِ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ ، أَوْ قَدَرِيٌّ يَقُولُ : لَا يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَ يَكُونُ مَا شَاءَ إِبْلِيسُ ، أَوْ حَرُورِيٌّ يَتَبَرَّأُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ يَشْهَدُ(2) عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ ، أَوْ جَهْمِيٌّ يَقُولُ : إِنَّمَا هِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ ، لَيْسَ الْإِيمَانُ شَيْئاً(3) غَيْرُهَا ؟!قَالَ : وَيْحَكَ ، وَ أَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُونَ ؟ فَقُلْتُ : يَقُولُونَ : إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَاللَّهِ الْإِمَامُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا نَصِيحَتُهُ ؛ وَ لُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ أَهْلُ بَيْتِهِ . قَالَ : فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَخَرَّقَهُ ، ثُمَّ قَالَ : لَا تُخْبِرْ بِهَا أَحَداً .

هديّة:«سفيان» مثلّثة السّين، و«ثور» بالفتح: أبو قبيلة من مضر، رهط. (سفيان الثوري) من مشايخ الصوفيّة القدريّة.(لمّا حدّثتني) بتشديد الميم، أي لا أسألك إلّا تحديثك.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «له».
2- .في الكافي المطبوع : «شهد».
3- .في الكافي المطبوع : «شي ء».

ص: 189

قال في القاموس:«لمّا» يكون بمعنى «لم» الجازمة و«حين» و«إلّا»، يقال: سألتك لمّا فعلت، أي لم أسألك إلّا فعلك كذا، ومنه: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ»(1)، «وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ»(2)، قال: وإنكار الجوهري كونه بمعنى «إلّا» غير جيّد.(3)و«الدواة» بالفتح: ما يُكتب منه.(معاوية بن أبي سفيان) يعني هل هم أمثالهم على الإنكار؟والمرجى ء يقول: إنّ الإيمان لا يضرّ معه معصية أصلاً، وأنّه هو مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ عليه السلام، ولذا لا تفاوت بين إيمان مثل جبرئيل وأفسق الفسّاق، إلّا أنّ قوله الأوّل - بمعنى عدم خلود المؤمن في النار - حقٌّ، بل الحقّ كما ذكر الصدوق رحمة اللَّه عليه في بيان عقائده في كتاب الاعتقادات: أنّ النار حرام على الشيعة، وإنّما عقوباتهم المكفِّرة لذنوبهم في الدنيا بأنواع الأذى والمكروهات وفي عقبات البرزخ.(4)والقدريّ يقول بالتفويض، بمعنى أنّه قد يغلب مقدرة الخلق على مقدرة اللَّه سبحانه، وبأنّ ذاتَ إبليس وذاتَ الملك والإنس وكلَّ شي ءٍ شي ءٌ واحدٌ، وإنّما الفرق بالأوصاف الاعتباريّة من الأكوان والشؤونات؛ فقيل: وجه التسمية إنكار القدر، أو قوله بثبوت الأقدار والمنازل والأشكال لذات واجب الوجود في سلسلتي بدوه وعوده. وقد مرّ أنّ الأصحّ فيه تضييقه على نفسه بالرياضات الشاقّة. وسفيان الثوري بعد الحسن البصري من سلف الصوفيّة القدريّة.و«الحروري» بالفتح وضمّ المهملة الأُولى: نسبة إلى قرية بالكوفة كانت مجتمع

.


1- .الطارق (86): 4.
2- .يس (36): 32.
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 177 (لم).
4- .لم نعثر عليه ، والموجود في مظانّه هكذا : «وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجام ، ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من الذنّوب التي لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت». الاعتقادات ، ص 58 ، باب الاعتقاد في المسألة في القبر.

ص: 190

الخوارج في بَدو النّصب، تسمّى ب «الحروراء» بالمدّ.و«الجهمي»: أصحاب جهم بن صفوان الترمذي معاصر مروان الحمار، آخر خلفاء بني اُميّة، كان يقول لرهطه: الإيمان هو مجرّد العلم بوجود الصانع، سواء كان هو الربّ أو الرسول. والجهميّة صنف من صنوف الصوفيّة وشعوبُ الكفر والضلالة كعكّاشة العنكبوت، منشعب بعضها عن بعض.في بعض النسخ : «ولزوم جماعتهم وأهل بيته» بواو العطف.و«خرّق الثوب» كنصر وضرب، وشدّد للكثرة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادٍ ،(1) عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ العجلي ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَا نَظَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - إِلى وَلِيٍّ لَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ بِالطَّاعَةِ لِإِمَامِهِ وَ النَّصِيحَةِ إِلَّا كَانَ مَعَنَا فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلى» .

هديّة:جهد دابّته كمنع، وأجهدها أيضاً: إذا حمل عليها فوق طاقتها، ونفسه: أتعبها، وفي الأمر: جَدَّ فيه وبالغ.(والنصيحة) عطفٌ على الطاعة.و(الرفيق) واحدٌ وجمعٌ كالصّديق، قال اللَّه تعالى: «وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً»(2)، و«الرفيق الأعلى»: الجنّة، و«الملأ الأعلى» مجتمع الملائكة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ،(3) عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى».
2- .النساء (4): 69.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال».

ص: 191

اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ قِيدَ شِبْرٍ ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» .

هديّة:(جماعة المسلمين) على حذف المضاف كالطريق والإمام. وفيه ردّ على اعتزال المرتاض من الصوفيّة.و«القيد» بالكسر: المقدار.

الحديث الخامس روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَنْ فَارَقَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَ نَكَثَ صَفْقَةَ الْإِمَامِ ، جَاءَ إِلَى اللَّهِ تعالى أَجْذَمَ» .

هديّة:«النكث»: النقض، و«الصفقة»: البيعة، وصفقة العباد مع الإمام يوم الميثاق أن لا يبتدعوا ويخترعوا في الدِّين، كالعبادات العنديّة في طريقة التصوّف. و«الأجذم»: المقطوع اليد أو الذاهب الأنامل، يعني منقطعاً محروماً من التمسّك بالعروة الوثقى التي يمتنع النجاة بدون الاعتصام بكلتا اليدين بها؛ الحمد للَّه ربّ العالمين.

.

ص: 192

باب ما يجب من حقّ الإمام على الرّعيّة

الباب الرابع والمائة : بَابُ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَ حَقِّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْإِمَامِ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية أو تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(1) عَنْ الثُمَالِي ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا حَقُّ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ ؟ قَالَ : «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَ يُطِيعُوهُ (2)» . قُلْتُ : فَمَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : «يَقْسِمَ (3) بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، وَيَعْدِلَ فِي الرَّعِيَّةِ ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فِي النَّاسِ ، فَلَا يُبَالِي مَنْ أَخَذَ هَاهُنَا وَ هَاهُنَا» .مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام مِثْلَهُ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : «هكَذَا وَ هكَذَا وَ هكَذَا وَ هكَذَا» يَعْنِي (4) بَيْنَ يَدَيْهِ وَ خَلْفِهِ ، وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن حمّاد بن عثمان».
2- .في الكافي المطبوع : «يطيعوا».
3- .في الكافي المطبوع : «أن يقسم».
4- .في الكافي المطبوع : + «من».

ص: 193

هديّة:(عن أبي جعفر عليه السلام مثله) إلى قوله: (وعن شماله) كلام صاحب الكافي، وبهذا صارت أحاديث الباب تسعة.(ذلك) أي قيامه بالعدل، فلا يبالي الإمام من اغترار الناس بالمذاهب المختلفة؛ لعودهم بالآخرة إليه لظهور الحقّ والعدل. ومضمون الإشارة في الروايتين واحد، وسيجي ء بيان قسمة الغنائم ونحوها بالسويّة مفصّلاً إن شاء اللَّه تعالى.كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يعطي الشريف والوضيع سواء، على عدد الرؤوس، فغَيَّر بعده صلى اللَّه عليه وآله مَن غَيَّر، معلّلاً بأنّه كيف يسوّى الوضيع بالشريف، فجدّد أمير المؤمنين عليه السلام تلك السُّنّة أيضاً، وقام فيها على سيرته صلى اللَّه عليه وآله، فشنّعوا عليه، فاعتذر بأنّ الشرف إنّما هو بحسب الدِّين ، ولا شَرَفَ أعلى من الإسلام، فالشريف بحسب الدِّين، والتقوى يعطى أجره في الآخرة على حسب التقوى وسائر الأعمال الصالحة، والمحتاج في الدنيا سواء كان وضيعاً نسباً أو شريفاً محتاجٌ.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللَّه عليه : لَا تَخْتَانُوا وُلَاتَكُمْ ، وَ لَا تَغُشُّوا هُدَاتَكُمْ ،(2) وَ لَا تَصَدَّعُوا عَنْ حَبْلِكُمْ ؛ فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ ، وَ عَلى هذَا فَلْيَكُنْ تَأْسِيسُ أُمُورِكُمْ ، وَ الْزَمُوا هذِهِ الطَّرِيقَةَ ؛ فَإِنَّكُمْ لَوْ عَايَنْتُمْ مَا عَايَنَ مَنْ قَدْ مَاتَ مِنْكُمْ مِمَّنْ خَالَفَ مَا قَدْ تُدْعَوْنَ إِلَيْهِ ، لَبَدَرْتُمْ وَ خَرَجْتُمْ ، وَ لَسَمِعْتُمْ ، وَ لكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا ، وَ قَرِيباً مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ» .

هديّة:«غشّه» كمدّ: خانه، وهو خلاف نَصَحَه، كاستغشّه، خلاف استنصحه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى العطّار ، عن بعض أصحابنا ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة».
2- .في الكافي المطبوع : + «و لا تجهلوا أَئِمَّتَكُمْ».

ص: 194

ما صدعك عن كذا كمنع: ما صرفك، والصدع: الشقّ، والتصديع: التفريق، (لا تصدّعوا) : لا تفرّقوا، بحذف إحدى التائين، (عن حبلكم) المتين وعروتكم الوثقى. وقد «فشل» كعلم فشلاً بالتحريك: ضعف وجبن، (فتفشلوا): فتضعفوا وتكسلوا وتجبنوا، و«الفشل» كالنجم: الرجل الضعيف الجبان، والجمع: أفشال. (وتذهب ريحكم) أي قوّتكم ونصرتكم ودولتكم وحياتكم.(ما قد تدعون إليه) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد. (لبدرتم): لأسرعتم إلى ما تدعون إليه (وخرجتم) ممّا ذهبتم اليه، أو إلى ما تدعون إليه. قال الفاضل الاسترآبادي بالأوّل،(1)وبرهان الفضلاء «إلى الجهاد»، والسيّد النائيني ميرزا رفيعا بالثاني.(2)(ولسمعتم) سماع إجابة وطاعة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ،(3) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «نُعِيَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله نَفْسُهُ وَ هُوَ صَحِيحٌ لَيْسَ بِهِ وَجَعٌ» قَالَ : «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ» قَالَ : «فَنَادى صلى اللَّه عليه وآله : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، وَ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارَ بِالسِّلَاحِ ، وَ اجْتَمَعَ النَّاسُ ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله الْمِنْبَرَ ، فَنَعى إِلَيْهِمْ نَفْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : أُذَكِّرُ اللَّهَ الْوَالِيَ مِنْ بَعْدِي عَلى أُمَّتِي إِلَّا تَرَحَّمَ (4) عَلى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَجَلَّ كَبِيرَهُمْ ، وَرَحِمَ ضَعِيفَهُمْ ، وَ وَقَّرَ عَالِمَهُمْ ، وَ لَمْ يُضِرَّ بِهِمْ ؛ فَيُذِلَّهُمْ ، وَ لَمْ يُفْقِرْهُمْ ؛ فَيُكْفِرَهُمْ ، وَ لَمْ يُغْلِقْ بَابَهُ دُونَهُمْ ؛ فَيَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ ، وَلَمْ يَخْبِزْهُمْ فِي بُعُوثِهِمْ ؛ فَيَقْطَعَ نَسْلَ أُمَّتِي ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ بَلَّغْتُ وَ نَصَحْتُ ، فَاشْهَدُوا».وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «هذَا آخِرُ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى مِنْبَرِهِ» .

.


1- .لم نعثر عليه.
2- .لم نعثر عليه فيما هو المطبوع منه ، وهو إلى صفحة 218 من المجلّد الأول من الكافي من الطبعة القديمة.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عبد الرحمن بن حمّار و غيره ، عن حنان بن سدير الصيرفي».
4- .في الكافي المطبوع : «يرحم».

ص: 195

هديّة:(الصلاة جامعة) نصب على الإغراء، أي الزموا الصلاة.قيل: لعلّ الأمر بالسلاح تمهيد لتجهيز جيش اُسامة.(اذكّر اللَّه) من التذكير، أي استحلفه به تعالى.(إلّا ترحّم) استثناء من مقدّر، فعلى المثبت مثل: اذكّره في كلّ ما يصنع أنّ الأمر إليه إلّا في الترحّم كذا، فإنّه لا يجوز له تركه، وعلى المنفي مثل: ولا اذكّره إلّا فيما أذكره.«أفقره»: جعله فقيراً بترك الإعطاء، ونسخة: «ولم يفرّقهم» من التفريق، كما ترى.(فيكفرهم) على الإفعال، وقد قال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «كاد الفقر أن يكون كفراً».(1)«خبزه» بالمعجمة والمفردة والزّاي كضرب: ساقه سوقاً شديداً. (في بعوثهم) يعني في إفراط البعث إلى الجهاد وقرئ «يجبرهم» بالجيم من الإجبار. وقرأ برهان الفضلاء: «ولم يجتزّهم» من الاجتزاز بالجيم والمعجمتين، بمعنى القطع من الأصل، قال: أي لم يستأصلهم بسبب كثرة بعوثهم إلى الجهاد. الجوهري : «البعوث»: جمع البعث، والبعوث: الجيوش.(2)

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(3) عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، قَالَ : جَاءَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَسَلٌ وَ تِينٌ مِنْ هَمْذَانَ وَ حُلْوَانَ ، فَأَمَرَ الْعُرَفَاءَ أَنْ يَأْتُوا بِالْيَتَامى ، فَأَمْكَنَهُمْ مِنْ رُؤُوسِ الْأَزْقَاقِ يَلْعَقُونَهَا وَ هُوَ يَقْسِمُهَا لِلنَّاسِ قَدَحاً قَدَحاً ، فَقِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا لَهُمْ يَلْعَقُونَهَا ؟ فَقَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ أَبُو الْيَتَامى ، وَ إِنَّمَا أَلْعَقْتُهُمْ

.


1- .الكافي ، ج 2 ، ص 307 ، باب الحسد ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 3 ، ص 748 ، ح 2549 ؛ الخصال ، ص 11 ، ح 40 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 295 ، المجلس 49 ، ح 6 ؛ مسند الشهاب ، ج 1 ، ص 342 ، ح 586 ؛ الجامع الصغير للسيوطي ، ج 2 ، ص 266 ، ح 6199 ؛ تفسير الرازي ، ج 16 ، ص 108.
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 274 (بعث).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن عليّ و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم».

ص: 196

هذَا بِرِعَايَةِ الْآبَاءِ» .

هديّة:(همذان) هنا بالمعجمة وفتح الميم: بلد معروف. (وحلوان) بالضمّ وسكون اللام: موضع من بلاد الكرد.و«الزقّ» بالكسر والتشديد: السقاء بالكسر والمدّ، وجمع القلّة: أزقاق، والكثير: زقاق ككتاب وغراب، «لعقه» كعلم: لحسه، لحس القصعة كعلم أيضاً.و«العريف» على فعيل: رئيس المحلّة.(برعاية الآباء) قيل: يعني نيابةً عنهم، وقيل: يعني بطريق رعايتهم أطفالهم ، وقرأ برهان الفضلاء : «الاباء» بالكسر والمدّ ،(1) مصدر أو اسم المصدر ، قال في شرحه بالفارسيّة : «يعني پدري».

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ الْمِنْقَرِيِّ ،(2)عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : أَنَا أَوْلى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ، وَ عَلِيٌّ أَوْلى بِهِ مِنْ بَعْدِي».فَقِيلَ لَهُ : مَا مَعْنى ذلِكَ ؟ فَقَالَ : «قَوْلُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً ، فَعَلَيَّ ؛ وَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ، فَالرَّجُلُ لَيْسَتْ لَهُ عَلى نَفْسِهِ وِلَايَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ، وَ لَيْسَ لَهُ عَلى عِيَالِهِ أَمْرٌ وَ لَا نَهْيٌ إِذَا لَمْ يُجْرِ عَلَيْهِمُ النَّفَقَةَ ، وَ النَّبِيُّ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ بَعْدَهُمَا عليهما السلام أَلْزَمَهُمْ هذَا ، فَمِنْ هُنَاكَ صَارُوا أَوْلى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَ مَا كَانَ سَبَبُ إِسْلَامِ عَامَّةِ الْيَهُودِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ هذَا الْقَوْلِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِنَّهُمْ (3) أَمِنُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ عَلى عِيَالَاتِهِمْ» .

.


1- .الصحيح أن يكون «الأباء» بالفتح والمدّ ، قال المجلسي : «و ربّما يقرأ «الأباء» بالفتح والمدّ : الأبوّة ، وفي القاموس : «الأبا» لغة في الأب». مرآة العقول ، ج 4 ، ص 340.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً، عن القاسم بن محمّد الأصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقريّ».
3- .في الكافي المطبوع : «و إنّهم».

ص: 197

هديّة:«الضياع» بالفتح: العِيال بالكسر، وبالكسر: جمع الضايع، و«الضيعة» بالفتح، يعني المزرعة.قال سيبويه: «الولاية» بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم،(1) وقال غيره: مصدر بهما.(ألزمهم هذا) أي ألزمهم اللَّه هذا، أو ألزم كلّ واحدٍ منهم على أنفسهم هذا، على الحذف والإيصال. وقال برهان الفضلاء: «ألزمهم» على الماضي المعلوم من باب الإفعال، والمستتر لكلّ واحد من «النبيّ» و«أمير المؤمنين» و«من بعدهما عليهم السلام»، والبارز للمؤمنين الذين عبارة عن مجموع الرجل والعيال أو للخلائق.(أمنوا) على المعلوم من باب علم.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ ،(2) عَنْ صَبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَوْ مُسْلِمٍ مَاتَ وَ تَرَكَ دَيْناً لَمْ يَكُنْ فِي فَسَادٍ وَ لَا إِسْرَافٍ ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ ، فَعَلَيْهِ إِثْمُ ذلِكَ ؛ إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - يَقُولُ : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ» الْآيَةَ ، فَهُوَ مِنَ الْغَارِمِينَ ، وَ لَهُ سَهْمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ ، فَإِنْ حَبَسَهُ فَإِثْمُهُ عَلَيْهِ» .

هديّة:(فإن لم يقضه) بيانٌ للوجوب، وكذا (فإن حبسه).الآية في سورة التوبة،(3)(الآية) يعني إلى آخرها، قال برهان الفضلاء: نصب بتقدير «أعني».

.


1- .نقل عنه الجوهري في الصحاح ، ج 6 ، ص 2530 (ولي).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان».
3- .التوبة (9) : 60.

ص: 198

في بعض النسخ : «فهو إثم عليه» مكان (فإثمه عليه).

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانٍ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : لَا تَصْلُحُ الْإِمَامَةُ إِلَّا لِرَجُلٍ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ : وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ ، وَ حِلْمٌ يَمْلِكُ بِهِ غَضَبَهُ ، وَ حُسْنُ الْوِلَايَةِ عَلى مَنْ يَلِي، حَتّى يَكُونَ لَهُمْ كَالْوَالِدِ الرَّحِيمِ» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى : «حَتّى يَكُونَ لِلرَّعِيَّةِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ» .

هديّة:«حجزه» كنصر: منعه.«ولي عليه» كعلم: صار والياً عليه.(وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ،(2) عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ طَبَرِسْتَانَ - يُقَالُ لَهُ : مُحَمَّدٌ - قَالَ : قَالَ مُعَاوِيَةُ : وَ لَقِيتُ الطَّبَرِيَّ مُحَمَّداً بَعْدَ ذلِكَ ، فَأَخْبَرَنِي ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسى عليهما السلام يَقُولُ : «الْمُغْرَمُ إِذَا تَدَيَّنَ أَوِ اسْتَدَانَ فِي حَقٍّ - الْوَهْمُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - أُجِّلَ سَنَةً ، فَإِنِ اتَّسَعَ ، وَ إِلَّا قَضى عَنْهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ» .

هديّة:(المغرم) كمفلس: مَن عليه الدَّيْن.(تديّن) على المعلوم من التَفعّل، أي استقرض وصار عليه دين كاستدان، ويجي ء تديّن من الديانة أيضاً، فهو متديّن ذو ديانة. والحديث بيان لمثل الحديث الخامس.و(الوهم) هنا بمعنى الشكّ، والبيان من ثقة الإسلام أو سهل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن حنان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد».

ص: 199

باب أنّ الأرض كلّها للإمام

الباب الخامس والمائة : بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْإِمَامِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ،(1) عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام : «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» أَنَا وَ أَهْلُ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا اللَّهُ الْأَرْضَ ، وَ نَحْنُ الْمُتَّقُونَ ، وَ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا ، فَمَنْ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَلْيَعْمُرْهَا وَ لْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، وَ لَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا ؛ فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ أَخْرَبَهَا وَ أَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا ، يُؤَدِّي خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، وَ لَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا حَتّى يَظْهَرَ الْقَائِمُ عليه السلام مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ ، فَيَحْوِيَهَا وَ يَمْنَعَهَا وَ يُخْرِجَهُمْ مِنْهَا ، كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ اللَّهِ وَ مَنَعَهَا ، إِلَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا ؛ فَإِنَّهُ يُقَاطِعُهُمْ عَلى مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَ يَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ» .

هديّة:(كتاب عليّ عليه السلام) عبارة عن الجامعة، وقد مرّ ذكرها في الباب الأربعين.(2) والآية في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم».
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 238 ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام.

ص: 200

سورة الأعراف.(1)و«الخراج» كسحاب وغراب: ما يأخذ السلطان من مال الأرض ومنالها وجزية أهل الذمّة ونحو ذلك.و«المقاطعة» من أقطعته قطيعة على كذا، أي طائفة من أرض الخراج.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(2) عَمَّنْ رَوَاهُ ، قَالَ: «الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا لِلَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - وَ لِرَسُولِهِ وَ لَنَا ، فَمَنْ غَلَبَ عَلى شَيْ ءٍ مِنْهَا ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ، وَ لْيُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى ، وَ لْيَبَرَّ إِخْوَانَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذلِكَ ، فَاللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَحْنُ بُرَآءُ مِنْهُ» .

هديّة:(عمّن رواه) أي عن الإمام الذي قال.(وليؤدّ حقّ اللَّه) إشارةٌ إلى الخمس ونحوه.(وليبرّ) من باب عضّ إلى الزكاة ونحوها.(فإن لم يفعل ذلك) أي إنكاراً أو إقراراً من دون أن يتوب.يُقال: «أنا براء منه» بالفتح والمدّ، و«نحن براء منه» أيضاً لا يثنّى ولا يجمع؛ لأنّه مصدر في الأصل، فإذا قلت: «أنا بري ء منه» على فعيل، ثنّيت وجمعت وأنّثت، وقلت في الجمع: نحن منه براء، كفقيه وفقهاء، و«براء» أيضاً مثل كريم وكرام، و«أبراء» كشريف وأشراف، و«أبرياء» كنصيب وأنصباء، وبريئون وهي بريئة، وهما بريئان وبريئتان، وهنّ بريئات وبرايا، ويُقال: رجلٌ برئ وبراء، كعجيب وعجاب.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ ،(3) قَالَ : رَأَيْتُ مِسْمَعاً بِالْمَدِينَةِ - وَ قَدْ كَانَ حَمَلَ

.


1- .الأعراف (7) : 128.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، قال: أخبرني أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد».

ص: 201

إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام تِلْكَ السَّنَةَ مَالًا ، فَرَدَّهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ رَدَّ عَلَيْكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام الْمَالَ الَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ ؟قَالَ : فَقَالَ لِي : إِنِّي قُلْتُ لَهُ - حِينَ حَمَلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ - : إِنِّي كُنْتُ وُلِّيتُ الْبَحْرَيْنَ الْغَوْصَ ، فَأَصَبْتُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَ قَدْ جِئْتُكَ بِخُمُسِهَا بِثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَحْبِسَهَا عَنْكَ ، وَ أَنْ أَعْرِضَ لَهَا وَ هِيَ حَقُّكَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فِي أَمْوَالِنَا .فَقَالَ : «أَ وَ مَا لَنَا مِنَ الْأَرْضِ وَ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا إِلَّا الْخُمُسُ ؟ يَا بَا سَيَّارٍ ، إِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لَنَا ؛ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ شَيْ ءٍ فَهُوَ لَنَا».فَقُلْتُ لَهُ : وَ أَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ الْمَالَ كُلَّهُ ، فَقَالَ : «يَا بَا سَيَّارٍ ، قَدْ طَيَّبْنَاهُ لَكَ ، وَ أَحْلَلْنَاكَ مِنْهُ ، فَضُمَّ إِلَيْكَ مَالَكَ ، وَ كُلُّ مَا فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا مِنَ الْأَرْضِ فَهُمْ فِيهِ مُحَلَّلُونَ حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا عليه السلام ، فَيُحِبِّيَهُمْ (1) طَسْقَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَ يَتْرُكَ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ ، وَ أَمَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي غَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ كَسْبَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا ، فَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، وَ يُخْرِجَهُمْ صَغَرَةً».قَالَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ : فَقَالَ لِي أَبُو سَيَّارٍ : مَا أَرى أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ الضِّيَاعِ وَ لَا مِمَّنْ يَلِي الْأَعْمَالَ يَأْكُلُ حَلَالًا غَيْرِي إِلَّا مَنْ طَيَّبُوا لَهُ ذلِكَ .

هديّة:(عمر بن يزيد) أبو الأسود بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفيّ ثقة جليل، أحد من كان يَفِد في كلّ سنة، وأثنى عليه الصادق عليه السلام شفاهاً.(2)و«مسمع» كمنبر: ابن مالك، وقيل: ابن عبد الملك أبو سيّار، الملقّب بكردين - بكسر الكاف وسكون الراء - شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها، روى عن الباقر عليه السلام رواية يسيرة وعن الصادق عليه السلام وأكثر واختصّ به.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فيَجْبِيهم».
2- .راجع : الخلاصة ، ص 119.

ص: 202

(وإن أعرض لها) من باب علم وضرب، أي أتعرّض، يُقال: عرض له ، أي أخذ عليه طريقه.(فيحبّيهم) من الحبوة: العطاء من غير عوض، من الإفعال أو التفعيل، والثاني أكثر. و«الحبوة» مثلّثة الحاء.و«الطّسق» بالفتح: اُجرة أرض الخراج.(إلّا من طيّبوا له ذلك) يعني الفرقة الإماميّة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَ مَا عَلَى الْإِمَامِ زَكَاةٌ ؟ فَقَالَ : «أَحَلْتَ يَا بَا مُحَمَّدٍ ،(2) أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ لِلْإِمَامِ يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ ، وَ يَدْفَعُهَا إِلى مَنْ يَشَاءُ ، جَائِزٌ لَهُ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى . إِنَّ الْإِمَامَ يَا بَا مُحَمَّدٍ ، لَا يَبِيتُ لَيْلَةً أَبَداً وَ لِلَّهِ فِي عُنُقِهِ حَقٌّ يَسْأَلُهُ عَنْهُ» .

هديّة:سيجي ء إن شاء اللَّه تعالى في الحديث الرابع في الباب الثامن والعشرين والمائة أنّه ليس على مال الإمام خمس وزكاة؛(3) لأنّ جميع المستحقّين عياله تجب نفقتهم عليه، وأنّ الفاضل من الخمس والزكاة له والنقصان عليه، فلا يبقى مستحقّ بلا قوت السنة على ما شرع اللَّه عزّ وجلّ.(أحلت): أتيت بأمرٍ محال.(أبداً) يعني قطّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي عبد اللَّه الرازي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد» في الموردين.
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 538 ، باب الفي ء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده و ما يجب فيه ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 2 ، ص 714.

ص: 203

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ مُصْعَبٍ ،(1)عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، أَوِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا لَكُمْ مِنْ هذِهِ الْأَرْضِ ؟ فَتَبَسَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - بَعَثَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرِقَ بِإِبْهَامِهِ ثَمَانِيَةَ أَنْهَارٍ فِي الْأَرْضِ : مِنْهَا سَيْحَانُ ، وَ جَيْحَانُ - وَ هُوَ نَهَرُ بَلْخَ - وَ الْخشوع - وَ هُوَ نَهَرُ الشَّاشِ - وَ مِهْرَانُ - وَ هُوَ نَهَرُ الْهِنْدِ - وَ نِيلُ مِصْرَ ، وَ دِجْلَةُ ، وَ الْفُرَاتُ ، فَمَا سَقَتْ أَوِ اسْتَقَتْ فَهُوَ لَنَا ، وَ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِشِيعَتِنَا ، وَ لَيْسَ لِعَدُوِّنَا مِنْهُ شَيْ ءٌ إِلَّا مَا غَصَبَ عَلَيْهِ ، وَ إِنَّ وَلِيَّنَا لَفِي أَوْسَعَ مَا(2) بَيْنَ ذِهْ إِلى ذِهْ» يَعْنِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : ««قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَياةِ الدُّنْيا» الْمَغْصُوبِينَ عَلَيْهَا «خالِصَةً» لَهُمْ «يَوْمَ الْقِيامَةِ»: بِلَا غَصْبٍ» .

هديّة:(فتبسّم) لإتيانه في السؤال بكلمة التبعيض.وذكر الثمانية للاكتفاء بما هو العمدة من المياه على وجه الأرض، وكذا ذكر السبعة من الثمانية كما اكتفى في الحديث الثامن بذكر الخمسة، والمراد جميع المياه حتّى الأمطار والآبار وجميع الأرض وما يخرج منها.و(سيحان): نهر في بلاد المغرب، كجيحان في بلاد المشرق. وقال برهان الفضلاء: ويمكن أن يكون «سيحان» تثنية السيح بالفتح، وهو الماء الجاري على وجه الأرض، واسم لثلاثة أنهار باليمامة يصير اثنان منها واحداً، فالمعدود ثمانية.وقيل : (جيحان) معرّب «جهان».و(الخشوع) على فعول: مبالغة في الخاشع.و(الشاش) بالمعجمتين كعاج: بلد من بلاد الروس، يُنسب إليه القوس الشاشي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عبد اللَّه بن أحمد ، عن عليّ بن النعمان ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان بن مصعب».
2- .في الكافي المطبوع : «فيما».

ص: 204

معرّب «چاچي». ولعلّ نهر الشاش هو المشهور في العجم «باتل» بالمثنّاة من فوق على وزن ساحل في الإقليم السابع. و(مهران) بكسر الميم: هو المشتهر في الهند ب «كنك» يتيمّن به الهنود.(فما سقت) للبيان، يعني فما سقت تلك الأنهار، أي بنفسها بلا تعمّل، (أو استقت) أي بتعمّل.قال برهان الفضلاء: الاستثناء في «إلّا ما غصب» منقطع، فمن قبيل ما أحسن زيد إلّا ما أساء، لا من قبيل ما جاء القوم إلّا حماراً. (غصب) على المعلوم من باب ضرب، والمفعول محذوف، والتقدير: إلّا ما غصب شيعتنا عليه.والإضافة في (أوسع ما بين) كما في زيد أفضل البلد، أو كما في زيد أفضل الناس، و(ذه) بكسرتين بإشباع الثانية، من أسماء الإشارة للتأنيث.والآية في سورة الأعراف.(1)وذكر (المغصوبين عليها) على الوصف للمؤمنين.و(لهم) و(بلا غصب) للتفسير.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّيَّانِ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رُوِيَ لَنَا أَنْ لَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا الْخُمُسُ ؟ فَجَاءَ الْجَوَابُ : «إِنَّ الدُّنْيَا وَ مَا عَلَيْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام. والمراد أنّ الدنيا وما فيها ميراث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ووصيّه، وورثتهما ذرّيتهما المعصومون.

.


1- .الأعراف (7) : 32.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى».

ص: 205

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ ، وَ أَقْطَعَهُ الدُّنْيَا قَطِيعَةً ، فَمَا كَانَ لآِدَمَ عليه السلام ، فَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَهُوَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام».

هديّة:الظاهر أنّ (فما كان) إلى آخر الحديث كلامُ الباقر عليه السلام .

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ،(2) عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام كَرى بِرِجْلِهِ خَمْسَةَ أَنْهَارٍ - وَ لِسَانُ الْمَاءِ يَتْبَعُهُ - : الْفُرَاتَ ، وَ دِجْلَةَ ، وَ نِيلَ مِصْرَ ، وَ مِهْرَانَ ، وَ نَهَرَ بَلْخَ ، فَمَا سَقَتْ أَوْ سُقِيَ مِنْهَا فَلِلْإِمَامِ ، وَ الْبَحْرُ الْمُطِيفُ بِالدُّنْيَا» .

هديّة:(كرى) على المعلوم كعلم: حفر وأحدث.(والبحر المطيف بالدنيا) يعني بل المحيط بها بالمحاط به للإمام.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنِ السَّرِيِّ بْنِ الرَّبِيعِ ،(3) قَالَ : لَمْ يَكُنِ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ يَعْدِلُ بِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ شَيْئاً ، وَ كَانَ لَا يُغِبُّ إِتْيَانَهُ ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْهُ وَ خَالَفَهُ ، وَ كَانَ سَبَبُ ذلِكَ أَنَّ أَبَا مَالِكَ الْحَضْرَمِيَّ كَانَ أَحَدَ رِجَالِ هِشَامٍ (4) وَقَعَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ مُلَاحَاةٌ فِي شَيْ ءٍ مِنَ الْإِمَامَةِ ، قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ : الدُّنْيَا كُلُّهَا لِلْإِمَامِ عَلى جِهَةِ الْمِلْكِ ، وَ إِنَّهُ أَوْلى بِهَا مِنَ الَّذِينَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد رفعه عن عمرو بن شمر».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن أبي عمير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن السريّ بن الربيع».
4- .في الكافي المطبوع : + «و».

ص: 206

هِيَ فِي أَيْدِيهِمْ . وَ قَالَ أَبُو مَالِكٍ : كَذلِكَ أَمْلَاكُ النَّاسِ لَهُمْ إِلَّا مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ لِلْإِمَامِ مِنَ الْفَيْ ءِ وَ الْخُمُسِ وَ الْمَغْنَمِ ، فَذلِكَ لَهُ ، وَ ذلِكَ أَيْضاً قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لِلْإِمَامِ أَيْنَ يَضَعُهُ ، وَ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ ، فَتَرَاضَيَا بِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، وَ صَارَا إِلَيْهِ ، فَحَكَمَ هِشَامٌ لِأَبِي مَالِكٍ عَلَى ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، فَغَضِبَ ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ ، وَ هَجَرَ هِشَاماً بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(السريّ) كالسخيّ لفظاً ومعنى.(بهشام بن الحكم) أي بصحبته. «غبّه» كمدّ، و«أغبّه» بمعنى، يعني لم يكن أن يأتيه يوماً ويوماً لا، بل كان يأتيه كلّ يوم.و«الملاحاة» بالمهملة: المنازعة.و(الملك) مثلّثة الميم: المالكيّة، وبكسرها: ما للمالك أيضاً، وبضمّها: السلطنة أيضاً.(كذاك) مفعول (قال)، والمشار إليه ما ذكر بعد.والمراد ب (الفي ء) هنا ما عاد إلى الإمام ممّا في أيدي الكفّار بلا خيل ولا ركاب. قال برهان الفضلاء: والمراد بالخمس كلّه، وإشارة إلى أنّ عدم تكرار اللام في (واليتامى والمساكين وابن السبيل) في آية الخمس للإشعار بأنّهم ليسوا مستحقّين لبعض الخمس أيضاً على الاشتراك، بل على الإمام أن يجري عليهم نفقتهم من ماله، ولذا لو لم يَفِ نصف الخمس لقوت سنتهم، فعلى الإمام إنفاقهم تماماً من ماله، ولو فضل فالفاضل للإمام. (لهم) أي للناس.قال: والمراد ب (المغنم) هنا الأنفال إلّا ما حكم اللَّه به للإمام كالفي ء في آية سورة الحشر: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ»(1)، والخمس في آية سورة الأنفال: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ ِ

.


1- .الحشر (59): 7.

ص: 207

خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(1)، والأنفال في آية: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للَّهِ ِ وَالرَّسُولِ»(2).ولعلّ ابن أبي عمير غضب ظنّاً منه أنّ هشاماً حكم عمداً لرجل من رجاله، وظنُّه لا يقدح في عدالة هشام لسهوه.

.


1- .الأنفال (8): 41.
2- .الأنفال (8): 1.

ص: 208

باب سيرة الإمام في نفسه و في المطعم و الملبس إذا ولي الأمر

الباب السادس والمائة : بَابُ سِيرَةِ الْإِمَامِ فِي نَفْسِهِ وَ فِي الْمَطْعَمِ وَ الْمَلْبَسِ إِذَا وَلِيَ الْأَمْرَوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ حَمَّادٍ(1) ، عَنْ حُمَيْدٍ وَ جَابِرٍ الْعَبْدِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي إِمَاماً لِخَلْقِهِ ، فَفَوَّضَ (2) عَلَيَّ التَّقْدِيرَ فِي نَفْسِي وَ مَطْعَمِي وَ مَشْرَبِي وَ مَلْبَسِي كَضُعَفَاءِ النَّاسِ ؛ كَيْ يَقْتَدِيَ الْفَقِيرُ بِفَقْرِي ، وَ لَا يُطْغِيَ الْغَنِيَّ غِنَاهُ» .

هديّة:(ففوّض عليّ) يعني فأذِنَ لي بقرينة (كضعفاء الناس)، وتناسب أجزاء الكلام سياقاً، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ففرض» من الفرض بمعنى الوجوب.و(التقدير) هنا لعلّه بمعنى التضيّق من القدر بمعنى الضيق؛ قال اللَّه تعالى: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(3)، يعني في نفسي بالتّعب، أو في سلوك نفسي مع رعيّتي، وفي مطعمي ومشربي وملبسي بالتقليل والتخفيف، أو بمعنى التدبير في قدر السلوك والمذكورات، والجواب جواب عن إيراد الصوفيّة القدريّة على الإماميّة في حال أمير المؤمنين عليه السلام مع الغفلة عن الكتاب والسنّة وحال سائر الأئمّة بعد أمير المؤمنين عليه السلام في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب، عن حمّاد».
2- .في الكافي المطبوع : «ففرض».
3- .الرعد (13): 26.

ص: 209

المذكورات، وعدّهم الفقر في جنود الكفر، والفرق بين الفقر المأذون فيه وغير المأذون فيه؛ قال اللَّه تعالى في سورة الأعراف: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ»(1) الآية.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (2) ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَوْماً : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، ذَكَرْتُ آلَ فُلَانٍ وَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ ، فَقُلْتُ : لَوْ كَانَ هذَا إِلَيْكُمْ لَعِشْنَا مَعَكُمْ .فَقَالَ : «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا مُعَلّى ، أَمَا وَ اللَّهِ أَنْ لَوْ كَانَ ذَاكَ ، مَا كَانَ إِلَّا سِيَاسَةَ اللَّيْلِ ، وَ سِيَاحَةَ النَّهَارِ ، وَ لُبْسَ الْخَشِنِ ، وَ أَكْلَ الْجَشِبِ ، فَزُوِيَ ذلِكَ عَنَّا ، فَهَلْ رَأَيْتَ ظُلَامَةً قَطُّ صَيَّرَهَا اللَّهُ نِعْمَةً إِلَّا هذِهِ؟» .

هديّة:(آل فلان) يعني بني العبّاس.(هذا) أي الأمر.و«أن» في (أن لو كان) بفتح الهمزة وسكون النون زائدة لربط جواب القسم بالقسم.و(الجشب) بالجيم والمعجمة كصعق: الغليظ أو بلا أدام، يعني على سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في أيّام ظهور سلطنته للباعث السابق في السابق، لا على قصد الرياضة والرهبانيّة لتكميل النفس واتّصالها إلى المبادي العالية وانعكاس العلوم عنها فيها، كما هو دأب الصوفي والجوكي، وتمثيل الصوفيّ في كشف الجوكي بأنّه انعكاس في الماء النجس من أمثال الشيطان لابتنائه على المزج بين عقايد الفلاسفة والاعتقادات الحقّة ولاستلزامه وصول الجوكي بنجاسته إلى مرتبة المعراج وكشف خصوصيّات المعراج وحالاتها له.(فزوى) على المجهول، أي منع.

.


1- .الأعراف (7): 32.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 210

و«الظلامة» بالضمّ وتخفيف اللام: ما تطلبه عند الظالم، وهو اسم ما أخذ منك كالظليمة على فعيلة، والمظلمة بالميم المفتوحة وكسر اللام.قيل : «فهل رأيت» تعجّبٌ منه عليه السلام في صيرورة الظلم عليهم نعمة لهم. وقال برهان الفضلاء: يعني فهل رأيت ظلماً على المظلوم صيّره اللَّه نعمة عليه إلّا ظلم أعدائنا علينا، قال: بمعنى أنّ نعمتنا هذه أفضل نِعَم جميع الخلق.أقول: ولعلّ المعنى إلّا نِعَم أعدائنا التي هي حقّنا.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ ؛(1) وَالعِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ ، وَ غَيْرِهِمَا، بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ : فِي احْتِجَاجِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلى عَاصِمِ بْنِ زِيَادٍ حِينَ لَبِسَ الْعَبَاءَ ، وَ تَرَكَ الْمُلَاءَ ، وَ شَكَاهُ أَخُوهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَدْ غَمَّ أَهْلَهُ ، وَ أَحْزَنَ وُلْدَهُ بِذلِكَ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «عَلَيَّ بِعَاصِمِ بْنِ زِيَادٍ». فَجِي ءَ بِهِ ، فَلَمَّا رَآهُ عَبَسَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ لَهُ : «أَ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ أَهْلِكَ ؟ أَ مَا رَحِمْتَ وُلْدَكَ ؟ أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَ هُوَ يَكْرَهُ أَخْذَكَ مِنْهَا ؟ أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذلِكَ ، أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ : «وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ * فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ» ؟ أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ : «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ» إِلى قَوْلِهِ «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ» ؟ فَبِاللَّهِ ، لَابْتِذَالُ نِعَمِ اللَّهِ بِالْفَعَالِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنِ ابْتِذَالِهَا بِالْمَقَالِ ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»».فَقَالَ عَاصِمٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَعَلى مَا اقْتَصَرْتَ فِي مَطْعَمِكَ عَلَى الْجُشُوبَةِ ، وَ فِي مَلْبَسِكَ عَلَى الْخُشُونَةِ ؟ فَقَالَ : «وَيْحَكَ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - فَرَضَ عَلى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ». فَأَلْقى عَاصِمُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبَاءَ ، وَ لَبِسَ الْمُلَاءَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد».

ص: 211

هديّة:(وغيرهما) بالجرّ، عطفٌ على كلّ واحد من (صالح) و(أحمد). والضمير لهما.(حين) ظرف للاحتجاج مضاف إلى جملة (لبس) إلى (ولدك). ومضمون الاحتجاج قوله عليه السلام: (أترى اللَّه) إلى آخره، وإشارة إلى الآيات، منها: قوله تعالى في المائدة: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ»(1)، وقوله عزّ وجلّ في الأعراف: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ»(2) الآية.و(الملاء) بالضمّ والمدّ والتخفيف: جمع ملاءة كذلك بعلامة الوحدة: الناعم الليّن من الأثواب.«عليَّ به» من أسماء الأفعال، يعني جي ء أو جيئوا به.(يلتقيان) فسّر بشطّ العرب وعمان.(لا يبغيان) أي لا يغلب أحدهما على الآخر.(فباللَّه) قرئ بباء القسم. وقرأ برهان الفضلاء بحرف النداء، يعني فيا قوم تفكّروا أو افهموا للَّه سبحانه.و«ابتذال النعم بالفعال»: صرفها في مصارفها متوسّعاً، و«بالمقال»: إظهار الغنى بها باللسان، وهو شكرها. وقال برهان الفضلاء: و«ابتذالها بالمقال» عبارة عن مذمّتها ومنع الناس منها.«فعلى ما» و«فعلى م» بمعنى.(يقدّروا أنفسهم): يقيسوها، أو المعنى أن يضيّقوا على أنفسهم في المطعم والملبس بحسب حال ضعفة الناس.و«التبيّغ» بالمفردة والغين المعجمة: الهيجان والغلبة وشدّة الهلاك والباء للتعدية، أي كيلا يهلك الفقر الفقير.

.


1- .المائدة (5): 4.
2- .الأعراف (7): 32.

ص: 212

أيّها الصوفيّ المدّعي للتشيّع مع الارتياض الممنوع شرعاً مَن ترك أكل اللحم عمداً ولبس الدكن البالي من الثياب قصداً، اسمع هذا الحديث وتدبّر يرشدك إلى أنّ التصوّف لا يجتمع مع التشيّع قطّ، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام كما سيذكر في كتاب المعيشة - في حديث منع الصادق عليه السلام سفيان الثوري من طريقته، وهو من سلف مشايخ الصوفيّة القدريّة: «إنّما الزهد هو الاجتناب عن الحرام دون الحلال».(1) وفي الحديث عنهم عليهم السلام: «من لم يأكل اللحم عمداً ثلاثة أيّام فإيمانه ضعيف، فإذا مضى كذلك أربعين يوماً فأذّنوا في اُذنه»،(2)يعني ليخرج عن جسده ويفرّ الشيطان النافذ فيه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَزَّازِ ،(3) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، قَالَ : حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، ذَكَرْتَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - كَانَ يَلْبَسُ الْخَشِنَ ، يَلْبَسُ الْقَمِيصَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ وَ مَا أَشْبَهَ ذلِكَ ، وَ نَرى عَلَيْكَ اللِّبَاسَ الْجَدِيدَ .فَقَالَ لَهُ : «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ يَلْبَسُ ذلِكَ فِي زَمَانٍ لَا يُنْكَرُ(4) عليه السلام ، وَ لَوْ لَبِسَ مِثْلَ ذلِكَ الْيَوْمَ شُهِرَ بِهِ ، فَخَيْرُ لِبَاسِ كُلِّ زَمَانٍ لِبَاسُ أَهْلِهِ، غَيْرَ أَنَّ قَائِمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ عليهم السلام إِذَا قَامَ ، لَبِسَ ثِيَابَ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ سَارَ بِسِيرَةِ عَلِيٍّ عليه السلام» .

.


1- .إنّ حديث سفيان الثوري ذكر في الكافي ، ج 5 ، ص 65 ، باب دخول الصوفيّة على أبي عبد اللَّه عليه السلام واحتجاجهم عليه فيما ينهون الناس عنه من طلب الرزق ، ح 1 ، ولكن هذه العبارة أو قريب منها ليست موجودة فيه ، بل لم نعثر عليه أيضاً في مظانّه من سائر كتب الحديث وما وجدنا عليه عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا: «الزهد في الدنيا قصر الأمل وشكر كلّ نعمة والورع عن كلّ ما حرّم اللَّه عزّوجلّ». الكافي ج 5 ، ص 71 ، باب معنى الزهد ، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 9 ، ص 522 ، ح 8355.
2- .ما وجدناه هكذا : «من ترك اللحم أربعين يوماً ساء خلقه ، ومن ساء خلقه فأذّنوا في أذنه». الكافي ، ج 6 ، ص 309 ، ح 1 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 12 ، ص 419 ، ح 11771.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن أبيه ، محمّد بن يحيى الخزّاز».
4- .في الكافي المطبوع : + «عليه».

ص: 213

هديّة:(في زمان لا ينكر) قيل: إمّا في زمان الرسول صلى اللَّه عليه وآله، فتبعاً له، وهو صلى اللَّه عليه وآله سلطانٌ مأمور بالتقدير في نفسه كضعفة الأُمّة، كما عرفت ممّا مرَّ آنفاً؛ وإمّا في زمان الثلاثة، فللتقيّة وقلّة المؤونة أيضاً؛ وإمّا في زمان إياب الأمر إليه عليه السلام، فلمّا مرَّ في الحديث الثالث.(شهر به) يعني للمخالفة مع زيّ الخليفة.

.

ص: 214

باب نادر

الباب السابع والمائة : بَابٌ نَادِرٌوأحاديثه كما في الكافي أربعة أو خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ ،(1) قَالَ : عَطَسَ يَوْماً وَ أَنَا عِنْدَهُ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ إِذَا عَطَسَ ؟ قَالَ : «يَقُولُونَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ» .

هديّة:(أيّوب بن نوح) صحب الرضا والجواد عليهما السلام، وصار وكيلاً أيضاً للعسكريّين عليهما السلام.في بعض النسخ : «ما يقولون» بدل (ما يقال).(عطس) كضرب، يعني الإمام عليه السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّينَوَرِيُّ ،(2) عَنْ عُمَرَ بْنِ زَاهِرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام : يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ (3) : «ذَاكَ اسْمٌ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أيّوب بن نوح».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد، قال : حدّثني إسحاق بن إبراهيم الدينوري».
3- .في الكافي المطبوع : + «لا».

ص: 215

سَمَّى اللَّهُ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، لَمْ يُتَّسَمْ (1) بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ ، وَ لَا يَتَسَمّى بِهِ بَعْدَهُ إِلَّا كَافِرٌ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَيْفَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : «يَقُولُونَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللَّهِ». ثُمَّ قَرَأَ : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» .

هديّة:الآية في سورة هود(2)، وفسّرت ببقيّة خلفاء اللَّه تبارك وتعالى.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الاثنين،(3) عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام : لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : «لِأَنَّهُ يَمِيرُهُمْ الْعِلْمَ ؛ أَ مَا سَمِعْتَ كِتَابَ اللَّهِ: «وَ نَمِيرُ أَهْلَنا»(4)؟» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى ، قَالَ : «لِأَنَّ مِيرَةَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِنْدِهِ يَمِيرُهُمُ الْعِلْمَ» .

هديّة:(لِمَ سمّي أمير المؤمنين) يعني دون سائر الأئمّة عليهم السلام. وقيل: لعلّ وجه السؤال تحقيق ما سمع نقلاً عنهم عليهم السلام في وجه التسمية.و«المير» بكسر الميم وسكون الياء: الطعام يمتاره الإنسان لأهله وعياله، أي يجلبه وينقله. والتاء في «الميرة» للتأنيث باعتبار الأطعمة أو الأغذية؛ صرّح به برهان الفضلاء. وقد مار أهله يميرهم ميراً بالفتح، وامتار أهله أيضاً، أي نقل المير لأهله فهو ماير، والجمع: مُيّار، ككاتب وكتّاب، وميّارة أيضاً كسيّارة، يُقال: نحن ننتظر سيّارنا وميّارتنا أيضاً. قال برهان الفضلاء:وهنا احتمالات: الأوّل: أن يكون أصل الأمير «يمير»، فإنّ الكلمة التي تكون في الأصل

.


1- .في الكافي المطبوع : «لم يسمّ».
2- .هود (11) : 86.
3- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
4- .يوسف (12) : 65.

ص: 216

فعلاً قد ينقلب هاؤها همزة، كالأزلي في النسبة إلى لم يزل، والأزنى في النسبة إلى ذي يزن، فالمراد بالأمير الماير كتغلب اسم بإرادة معنى الغالب.والثاني: أن يكون أصله «مير» فزيدت الهمزة على المصدر المستعمل في معنى اسم الفاعل وكسرت الميم للياء.والثالث: أن يكون بين الأمير والمير مصدرين الاشتقاق الكبير، وهو الموافقة في أكثر الحروف كالختم والكتم. قال الزمخشري في كشّافه في تفسير قوله تعالى: «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ»(1): إنّ الختم والكتم أخوان، فالمراعى هو التناسب في المعنى كما سمّيت حياة الروح بغذاء العلم «تامورا» على تفعول بفتح التاء الزائدة، واشتقاقه من الأمر للمبالغة.الرابع: أن يكون المقصود بيان وجه الاختصاص ببيان أنّه عليه السلام إنّما هو الباعث لحياة الأرواح بغذاء العلم المنقول من مدينة العلم.وقيل: لعلّ المعنى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا كان مايراً لجميع المؤمنين سمّى اللَّه أمير المؤمنين؛ فإنّ الأمير له الأمر على جميع رعيّته؛ فالاستشهاد بآية سورة يوسف لبيان (يميرهم العلم) لا لمأخذ الاشتقاق.(وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام، وبهذا أحاديث الباب خمسة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الْقَزَّازِ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : «اللَّهُ سَمَّاهُ ، وَ هكَذَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ : «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ»(3) وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولِي ، وَ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ» .

.


1- .البقرة (2): 7 .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع القزّاز».
3- .الأعراف (7) : 172.

ص: 217

هديّة:يعني وهكذا شرح جبرئيل عليه السلام هذه الآية من سورة الأعراف للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله عند نزوله بها ، كما شرح قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(1) بقوله : «في عليّ». وقد سبق بيان معنى التحريف في القرآن مفصّلاً.وقال بعض المعاصرين: إنّما كان الإشهاد بالنبوّة والإمامة منزلاً في كتاب اللَّه مع الإشهاد بالربوبيّة؛ لأنّهما مندرجتان في الربوبيّة؛ إذ هما من ضروراتها اللازمة.(2)

.


1- .المائدة (5): 67 .
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 668 ، ذيل ح 1271.

ص: 218

باب فيه نكت و نتف من التّنزيل في الولاية

الباب الثامن والمائة : بَابٌ فِيهِ نُكَتٌ وَ نُتَفٌ مِنَ التَّنْزِيلِ فِي الْوَلَايَةِوأحاديثه كما في الكافي اثنان وتسعون:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ ،(1) عَنْ سَالِمٍ الْحَنَّاطِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» قَالَ : «هِيَ الْوَلَايَةُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:«النكت» كصرد: جمع «النكتة» بالضمّ، وكذا «النتف» جمع النتفة، يعني علامات وآثار من التنزيل في الولاية.والآية في سورة الشعراء.(2) فسّر عليه السلام الأمر وهو المرجع بالإمامة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ،(3) عَنْ رَجُلٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا ، عن حنان بن سدير».
2- .الشعراء (26) : 193 - 195.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمّار».

ص: 219

أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» قَالَ : «هِيَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة الأحزاب.(1)وفسّر الإنسان - كما سيذكر حديثه - بالأوّل ومن يحذو حذوه من الجاهلين الظالمين. وقال بعض المعاصرين: إنّما أبوا من حملها وأشفقوا منها لعدم قابليّتهم لها.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ الْخَشَّابِ ،(3) عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عمّه ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ» قَالَ : «بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الْوَلَايَةِ ، وَ لَمْ يَخْلِطُوهَا بِوَلَايَةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، فَهُوَ الْمُلَبِّسُ بِالظُّلْمِ» .

هديّة:الآية في سورة الأنعام.(4)«خلط» كنصر.(فهو) أي الإيمان المخلوط كذلك، (الملبّس) على اسم المفعول من التفعيل، أي المخلوط. واحتمل برهان الفضلاء على اسم المفعول من الإفعال، بمعنى المستور بالظلم، «لبسه به» كضرب: خلطه به، ولبس الثوب كعلم، وألبسه غيره.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ الصَّحَّافِ ،(5) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ

.


1- .الأحزاب (33) : 72.
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 883 ، ذيل ح 1513.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الحسن بن موسى الخشّاب».
4- .الأنعام (6) : 89.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن الحسين بن نعيم الصحّاف».

ص: 220

عَزَّ وَ جَلَّ : فَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَ مِنْكُمْ كافِرٌ، فَقَالَ : «عَرَفَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ بِوَلَايَتِنَا ، وَ كُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي صُلْبِ آدَمَ عليه السلام وَ هُمْ ذَرٌّ» .

هديّة:في سورة التغابن هكذا: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ»(1)، والمضبوط هنا في نسخ الكافي على خلاف المضبوط في الحديث الرابع والسبعين في هذا الباب تقديم «المؤمن»، فإمّا نقل بالمعنى أو سهو من النسّاخ.قرأ برهان الفضلاء «عرّف اللَّه» بالتشديد، وقال في شرحه بالفارسيّة: «يعني بويانيد».و(في صلب آدم) ظرف «عرف» على القرائتين، والمراد ظرف وجود الأرواح قبل الأبدان، أو كرّر التكليف.و«الذرّ»: صغار النمل، واحدها: ذرّة. وقد سبق نظير الحديث ببيانه في كتاب التوحيد.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(2) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»«الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَلَايَتِنَا» .

هديّة:عن أبي الحسن الأوّل أو الثاني عليهما السلام.في سورة الدهر،(3) أي العهد الذي أخذ عليهم من ولايتنا يوم الميثاق.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيٍّ ،(4) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ لَوْ

.


1- .التغابن (64): 2.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل».
3- .الإنسان (76) : 7.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد اللَّه».

ص: 221

أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ» قَالَ : «الْوَلَايَةُ» .

هديّة:الآية في سورة المائدة.(1)وتفسير (ما أنزل) بالإمامة إشارةٌ إلى أنّ الغرض الأصلي من تنزيل القرآن هو معرفة الإمام وتسليم الإمامة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ زُرَارَةَ ،(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

هديّة:(القربى): تأنيث «الأقرب» للتفضيل، والتأنيث باعتبار القرابة. و(في) ظرف للمودّة ، أو للتعليل وقد مرّ في الحديث العاشر من الباب الرابع والستّين.(3)والآية في سورة الشورى.(4)

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عن الاثنين،(5) عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ : «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ»«فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ «فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً» هكَذَا نَزَلَتْ» .

.


1- .المائدة (5) : 66.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنّى، عن زرارة».
3- .أي «باب الإشارة والنّصّ على أمير المؤمنين عليه السلام».
4- .الشورى (42) : 23.
5- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 222

هديّة:الآية في سورة الأحزاب.(1)(هكذا نزلت) على المعلوم من باب ضرب، يعني بشرحها من جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله. وقرأ برهان الفضلاء على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل بإرادة تنزيل اللفظ على معناه.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ،(2) رَفَعَهُ إِلَيْهِمْ عليهم السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : ««وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ» فِي عَلِيٍّ وَ الْأَئِمَّةِ «كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا»» .

هديّة:الآية في سورة الأحزاب،(3) وفسّرت بتفسيرها آية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ»(4)بعدها في سورتها.قال برهان الفضلاء: «فبرّأه اللَّه» بيان التنزيل، لا بيان التعيير، واتّهموا موسى بعبادة العجل بدعواهم أنّ هذا إلهكم وإله موسى كتهمة أمير المؤمنين عليه السلام ببيعة الأوّل وتبرئة اللَّه تعالى إيّاهم عليهم السلام في آياتٍ، منها: آية سورة النجم وآية التطهير وغير ذلك.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الاثنين،(5) عَنِ السَّيَّارِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُداىَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى» قَالَ : «مَنْ قَالَ بِالْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، وَ

.


1- .الأحزاب (33) : 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن النضر ، عن محمّد بن مروان».
3- .الأحزاب (33) : 53.
4- .الأحزاب (33): 69.
5- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 223

اتَّبَعَ أَمْرَهُمْ ، وَ لَمْ يَجُزْ طَاعَتَهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة طه.(1)جازه وعنه بمعنىً كتجاوز.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(2) رَفَعَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ * وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ * وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ»(3) قَالَ : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ مَا وَلَدَ مِنَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام».

هديّة:كلمة «لا» في (لا أقسم) زائدة لتأكيد القسم، وقيل: يعني لا أقسم بشي ء كقسمي بهذا البلد، يعني المدينة المنوّرة، وقيل: مكّة المعظّمة، وسورة البلد مكّية. واُجيب بأنّه لا يقدح؛ إذ المراد وأنت تحلّ كما أنّ المراد وما يلد.(ووالد) عطف على (البلد)، والتنكير للتفخيم، والتنوين للتعظيم.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ(4) وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» قَالَ : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

.


1- .طه (20) : 123.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه».
3- .البلد (90) : 1 - 3.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة».

ص: 224

هديّة:الآية في سورة الأنفال.(1)وسيبيّن هذا الحديث في الباب الثامن والعشرين والمائة إن شاء اللَّه تعالى.(2)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام» .

هديّة:الآية في سورة الأعراف.(4) ووجه التعبير عن الأئمّة عليهم السلام بالاُمّة ظاهر.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عن عَمِّه، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (5) فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «هُوَ الَّذِى أنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ» قَالَ : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام». «وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ» قَالَ : «فُلَانٌ وَ فُلَانٌ». «فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ» : «أَصْحَابُهُمْ وَ أَهْلُ وَلَايَتِهِمْ». «فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ» : «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(6) وقد مرّ الكلام فيها في الحديث الثاني في الباب

.


1- .الأنفال (8) : 41.
2- .أي «باب الفي ء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن عبد اللَّه بن سنان».
4- .الأعراف (7) : 181.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
6- .آل عمران (3) : 7.

ص: 225

الثامن والعشرين.(1)و(اُخر) إمّا مبتدأ معدول من الآخر، أو معطوف على الآيات.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الميثمي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» : «يَعْنِي بِالْمُؤْمِنِينَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام لَمْ يَتَّخِذُوا الْوَلَائِجَ مِنْ دُونِهِمْ» .

هديّة:الآية في سورة التوبة.(3)و«وليجة الرجل»: بطانته وخاصّته ومعتمده ووليّ أمره.(لم يتّخذوا الولائج) أي الذين جاهدوا منكم من دونهم، أي من دون اللَّه ورسوله والأئمّة المعبّر عنهم بالمؤمنين من الإيمان، فوجهه ظاهر؛ أو من الأمان؛ لإعطائهم شيعتهم الأمان من الهلاك.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(4) عَنِ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها» قُلْتُ : مَا السَّلْمُ ؟ قَالَ : «الدُّخُولُ فِي أَمْرِنَا» .

.


1- .أي «باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة عليهم السلام».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن مثنّى، عن عبد اللَّه بن عجلان».
3- .التوبة (9) : 16 .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن صفوان، عن ابن مسكان».

ص: 226

هديّة:الآية في سورة الأنفال.(1)و«السلم»: الإسلام، «جنح» كمنع: مال. وتأنيث الضمير باعتبار المسالمة والمعاهدة.وفي لفظ (الدخول) إشارةٌ إلى قوله تعالى في البقرة: «ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً»(2)على قراءة الفتح.

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ زُرَارَةَ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ» قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، أَ وَ لَمْ تَرْكَبْ هذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ فِي أَمْرِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ؟» .

هديّة:الآية في سورة الانشقاق.(4)و«الطبق»: كناية عمّا يستر به الشي ء، أو ما يستر بالشي ء؛ فالمراد حالة الكفر الناشئ من كُفرٍ سابق أو النفاق كذلك، ظلمات ثلاث بعضها فوق بعض.و(عن طبق) وصف ل (طبقا).

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عثمان ،(5) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا

.


1- .الأنفال (8) : 61.
2- .البقرة (2): 208.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن زرارة».
4- .الانشقاق (84) : 19.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن حمّاد بن عيسى».

ص: 227

الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلُهُ تَعَالى : «وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» قَالَ : «إِمَامٌ إِلى إِمَامٍ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الأوّل أو الثاني عليهم السلام.والآية في سورة القصص،(1) فسرّت بوصّلنا للمؤمنين أو للنّاس كلمةَ اللَّه إلى كلمةِ اللَّه، أو المصدر بمعنى الفاعل كما في سورة مريم: «ذَلِكَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِى فِيهِ يَمْتَرُونَ»(2).والحديث دلالة على دلالة الكتاب على امتناع خلوّ الدنيا عن المعصوم.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مؤمن الطاق، عَنْ سَلَّامٍ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا» قَالَ : «إِنَّمَا عَنى بِذلِكَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عليهم السلام ، وَ جَرَتْ بَعْدَهُمْ فِي الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، ثُمَّ رَجَعَ (4) الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ فِي النَّاسِ ، فَقَالَ : «فَإِنْ آمَنُوا» يَعْنِي النَّاسَ ، «بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ» يَعْنِي عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام «فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِى شِقاقٍ» » .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(5) يعني أنّ الخطاب في قوله: (قولوا) إنّما هو أوّلاً لعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ لسائر الأئمّة عليهم السلام، وثانياً للناس، وفي (آمنتم) للمخاطبين بالخطاب الأوّل أوّلاً ومن جرى فيه بعدهم.

.


1- .القصص (28) : 51.
2- .مريم (19): 34.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن النعمان ، عن سلّام».
4- .في الكافي المطبوع : «يرجع».
5- .البقرة (2) : 136 و 137.

ص: 228

و«الشقاق»: العداوة والكفر والنفاق.

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِىُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(2)وفسّر «الأولى» بالأقرب الذي يرث إسلامه.(اتّبعوه) يعني في الاُمم السابقة.

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ،(3) عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ أُوحِىَ إِلَىَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ» ؟ قَالَ : «مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، فَهُوَ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:الآية في سورة الأنعام: «قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ» الآية.(4)وفي تفسيره عليه السلام إشارة إلى أنّ (ومن بلغ) عطفٌ على المستتر في (أنذركم) لا على البارز فيها، وأنّ الكامل الهادي إلى الحقّ إنّما هو الحجّة المعصوم، المحصور عدده في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن مثنّى ، عن عبد اللَّه بن عجلان».
2- .آل عمران (3) : 68.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن ابن اُذينة».
4- .الأنعام (6): 19.

ص: 229

تقديره تعالى: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(1) لا من يخالفه في رسم الدِّين وطريقته، وإن بلغ بالرياضة حيث يطير من جبل إلى جبل كالجوكي الخفيف الطائر بطيران الشيطان النافذ فيه وقوّة جناحه.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قَالَ : «عَهِدْنَا إِلَيْهِ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام ، فَتَرَكَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ أَنَّهُمْ هكَذَا ، وَ إِنَّمَا سُمِّيَ أُولُو الْعَزْمِ أُوْلِي الْعَزْمِ إِنَّهُ (3) عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ وَ الْمَهْدِيِّ وَ سِيرَتِهِ ، وَ أَجْمَعَ عَزْمُهُمْ عَلى أَنَّ ذلِكَ كَذلِكَ ، وَ الْإِقْرَارِ بِهِ» .

هديّة:الآية في سورة طه.(4)وتعدية العهد هنا بكلمة «إلى» على تضمين معنى الإعلام والإيحاء. قال برهان الفضلاء: ليس المضاف إليه المقدّر لكلمة (قبل) «هذا الزمان»؛ لدلالة (عهدنا) على الماضي على هذا، فيصير زائداً، بل هو تلقّي الكلمات وقبول التوبة كما في سورة البقرة: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»(5). وفسّرت «الكلمات» بالتشفّع باسم نبيّنا وآله صلى اللَّه عليه وآله وحرمتهم أنّهم هكذا، يعني أفضل الأنبياء والأوصياء. وفي بعض كتب التفاسير: أنّ أُولي العزم أقرّوا بولايتهم وفضلهم عليهم السلام بلا تأمّل وتوقّف، وغيرهم من الأنبياء بعد تأمّل مّا وأكثر آدم عليه السلام.

.


1- .النساء (4): 165.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن مفضّل بن صالح».
3- .في الكافي المطبوع : «لأنّه».
4- .طه (20) : 115.
5- .البقرة (2): 37.

ص: 230

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ» : «كَلِمَاتٍ فِي مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ «فَنَسِىَ»، هكَذَا وَ اللَّهِ أُنْزِلَتْ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:يعني اُنزلت بهذا الشرح من جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ ،(2) عَنِ الثُّمَالِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَوْحَى اللَّهُ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «فَاسْتَمْسِكَ بِالَّذِى أُوحِىَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» قَالَ : إِنَّكَ عَلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ ، وَ عَلِيٌّ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ» .

هديّة:الآية في سورة الزخرف،(3) وفيها: «وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ»(4) فسّر بأنّ «الصراط المستقيم» المذكور في فاتحة الكتاب هو عند اللَّه عزّ وجلّ عليٌّ حكيم، وأمّا عند غيره فكن من كان. و«حكيم» دلالة على أنّ المراد الشخص المسمّى بعليّ.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُنَخَّلٍ ،(5) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّي بن محمّد، عن جعفر بن محمّد بن عبيد اللَّه، عن محمّد بن عيسى القمّي ، عن محمّد بن سليمان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن خالد بن مادٍّ ، عن محمّد بن الفضل». وفي الطبعة الجديدة من الكافي : «محمّد بن الفضيل».
3- .الزخرف (43) : 43.
4- .الزخرف (43): 4.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخل».

ص: 231

بِهذِهِ الْآيَةِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله (1) : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» فِي عَلِيٍّ عليه السلام «بَغْياً»» .

هديّة:منخل بن جميل الأسدي بيّاع الجواهر؛ ضبطه في الإيضاح (2)على اسم المفعول من التفعيل وغيره بسكون النون بين ضمّتين كمدهن ومكحل.والآية في سورة البقرة.(3)(اشتروا به أنفسهم) أي من نار جهنّم بزعمهم أنّ عدم إطاعتهم لما أنزل اللَّه في عليّ عليه السلام سبب نجاتهم.و«البغي»: الظلم والتجاوز عن الطريق.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَابِرٍ ،(4) قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله هكَذَا : «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» فِي عَلِيٍّ عليه السلام «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(5)(هكذا) يعني بشرحها من جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.وضمير (مثله) للقرآن، يعني فإنّ إتيانكم دليل على أنّ إخباره من عنده كعجزكم على أنّها من عند اللَّه.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «هكذا».
2- .إيضاح الاشتباه ، ص 301 ، الرقم 707.
3- .البقرة (2) : 90.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل، عن جابر».
5- .البقرة (2) : 23.

ص: 232

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُنَخَّلٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا» فِي عَلِيٍّ «نُوراً مُبِيناً»».

هديّة:الآية في سورة النساء.(2)(هكذا) يعني بهذا الشرح والتفسير.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَابِرٍ ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : ««وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ» فِي عَلِيٍّ «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ»» .

هديّة:الآية في سورة النساء.(4)(في عليّ) شرح جبرئيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يدلّ عليه قوله تعالى في الآية السابقة: «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ»(5). وقد مرّ في الحديث السابع في الباب الرابع والسبعين (6)أنّ المخاطب في (يحكّموك) أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ ،(7) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «يا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل».
2- .النساء (4) : 174.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي طالب ، عن يونس بن بكّار ، عن أبيه ، عن جابر».
4- .النساء (4) : 66.
5- .النساء (4): 65.
6- .أي «باب التسليم وفضل المسلمين».
7- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن مثنّى الحنّاط ، عن عبد اللَّه بن عجلان».

ص: 233

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» قَالَ : «فِي وَلَايَتِنَا» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(1)فسّر (في السّلم) بفي ولايتنا، فنصّ في أنّه لا إسلام لمن لا ولاية له.

الحديث الثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ : «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا» ؟ قَالَ : «وَلَايَتَهُمْ». «وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى»؟ قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام . «إِنَّ هذا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى» ».

هديّة:الآية في سورة الأعلى.(3)و(الآخرة) في تقدير : «قلت: والآخرة»، و(إنّ هذا) في تقدير : «قال: إنّ هذا».وفي بعض النسخ : «ولاية شبوية» مكان (ولايتهم).قال برهان الفضلاء:وفيه احتمالات على أن يكون الولاية مضافاً:الأوّل: فتح الشين المعجمة وسكون المفردة وكسر الواو وياء النسبة وتاء التأنيث، في النسبة إلى «شبو» بفتح الشين وسكون المفردة، بمعنى قيام الدابّة على رجليها مع رفعها اليدين جدّاً، أو في النسبة إلى «شبوة» بمعنى العقرب.الثاني: فتح المفردة أيضاً في النسبة إلى «شباة» بفتح الشين والمفردة والألف وتاء الوحدة بمعنى ولد العقرب.

.


1- .البقرة (2) : 208.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إدريس ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر».
3- .الأعلى (87) : 16 - 19.

ص: 234

الثالث: فتح الشين المعجمة وضمّ النون وسكون الواو وكسر الهمزة وياء النسبة، في النسبة إلى «شنوءة» بمعنى التكبّر أو المتكبّر.الرابع: ضمّ الشين أيضاً، في النسبة إلى «شنوء» بمعنى العداوة.قال: والتأنيث في هذه الاحتمالات الأربعة باعتبار الموصوف وهو جماعة. ويمكن أن لا يكون الولاية مضافاً، فتأنيث «شبوية» باعتبار الولاية الموصوفة، فالاحتمالات ثمانية، والمعنى في الجميع واحد، وقطع جماعة على «شَبَويّة» نسبة إلى «شبوة» كعقرب لفظاً ومعنى.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُنَخَّلٍ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : ««أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ» مُحَمَّدٌ «بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ» بِمُوَالَاةِ عَلِيٍّ «اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً» مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ «كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ»» .

هديّة:الآية في سورة البقرة: «أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ»(2).

الحديث الثاني والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) عَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»«بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» يَا مُحَمَّدُ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ ؛ هكَذَا فِي الْكِتَابِ مَخْطُوطَةٌ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن حسّان ، عن محمّد بن عليّ ، عن عمّار بن مروان ، عن منخّل».
2- .البقرة (2): 87 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إدريس ، عن محمّد بن سنان».

ص: 235

هديّة:الآية في سورة الشورى.(1)قال برهان الفضلاء: «هكذا في الكتاب مخطوطة» أي في الجامعة بخطّ أمير المؤمنين عليه السلام وإملاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الثالث والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ» فَقَالَ : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، دُعِيَ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ عليهم السلام ، فَيُنْصَبُونَ لِلنَّاسِ ، فَإِذَا رَأَتْهُمْ شِيعَتُهُمْ قَالُوا : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» يَعْنِي هَدَانَا اللَّهُ فِي وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الأعراف (3) يعني (هدانا اللَّه) تفسيرٌ لقوله: «هَدانا لِهذا».(في ولاية) أي في قبول ولايتهم عليهم السلام.

الحديث الرابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ، عَنْ عمّه، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «عَمَّ يَتَساءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ» قَالَ : «النَّبَأُ الْعَظِيمُ : الْوَلَايَةُ». وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ» قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:قد سبق بيان صدر الحديث ببيان الحديث الثالث في الباب الثامن عشر.(4)

.


1- .الشورى (42) : 13.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن هلال ، عن أبيه ، عن أبي السفاتج».
3- .الأعراف (7) : 43.
4- .أي «باب أنّ الآيات التي ذكرها اللَّه عزّ و جلّ في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام».

ص: 236

والآية الثانية في سورة الكهف.(1)الجوهري : «هنالك» للتبعيد، واللام المكسورة زائدة، والكاف للخطاب، تفتح للمذكّر وتكسر للمؤنّث.(2)في التفسير: أي حين لا يجد المشركون بالولاية وليّاً ولا نصيراً، فالولاية الحقّ لأمير المؤمنين عليه السلام وهو للَّه عزّ وجلّ.و واو (الولاية) تكسر وتُفتح.

الحديث الخامس والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ،(3) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» قَالَ : «هِيَ الْوَلَايَةُ» .

هديّة:الآية في سورة الروم.(4)و(هي) للإقامة المفهومه، أو للدِّين؛ فالتأنيث باعتبار الخبر.

الحديث السادس والثلاثون روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَمَدَانِيِّ ،(5) يَرْفَعُهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ» قَالَ : «الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الأنبياء.(6) وبالميزان العدل يعرف الأقدار، كما أنّ بالأنبياء والأوصياء.

.


1- .الكهف (18) : 44.
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2561 (هنا).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».
4- .الروم (30) : 30.
5- .في الكافي المطبوع : «الهمذاني».
6- .الأنبياء (21) : 47.

ص: 237

ولا تخلو الدنيا عنهم ما دام التكليف يعرف يوم القيامة عند انبساط كفّتي الميزان المجسّم المنصوب أقدار الناس بحسب الأعمال المعروضة عليهم كلّ صباح ومساء في الدنيا.

الحديث السابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ،(1)قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ» قَالَ : «قَالُوا : أَوْ بَدِّلْ عَلِيّاً عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة يونس: «وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ»(2).فسّر «آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ» في الولاية.«لِقَاءَنَا»: لقاء وليّنا ورحمتنا.في إرجاع الضمير إلى عليّ عليه السلام والمرجع القرآن - إشارةٌ إلى أنّه عليه السلام القرآن الناطق وقيّم القرآن.

الحديث الثامن والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ هذِهِ الْآيَةِ : «ما سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» قَالَ : «عَنى بِهَا لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فِيهِمْ : «وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» أَ مَا تَرَى النَّاسَ يُسَمُّونَ الَّذِي يَلِي السَّابِقَ فِي الْحَلْبَةِ مُصَلِّي ، فَذلِكَ الَّذِي عَنى ؛

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضّل بن عمر».
2- .يونس (10): 15.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن القمّي ، عن إدريس بن عبد اللَّه».

ص: 238

حَيْثُ قَالَ: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» : لَمْ نَكُ مِنْ أَتْبَاعِ السَّابِقِينَ» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة المدّثر،(1) والثانية في سورة الواقعة.(2)و(الحلبة) بسكون اللام بين الحاء المهملة والمفردة المفتوحتين: خيل تجمع للسباق من كلّ أوب، والمصلّي منها: التالي للسابق، صلّى الفرس تصلية: جاء مصلّياً، وهو الذي يتلوا السابق؛ لأنّ رأسه عند صلاه، و«الصلا» بالفتح والقصر والتخفيف: ما عن يمين الذنب وشماله، وهما صلوان. قال أبو الغوث: أوّل الحلبة السابق، ثمّ المصلّي ، ثمّ المسلّي، ثمّ التالي، ثمّ العاطف، ثمّ المرتاح، ثمّ المؤمّل، ثمّ الخطّي، ثمّ اللطيم، ثمّ السكيت، وهو الفسكل كزبرج يجي ء في الحلبة آخر الخيل، ويسمّى ب «القاشور» أيضاً، والتالي لتالي السابق هو «المسلّي» بالسين المهملة على اسم الفاعل من باب التفعيل كأنّه يسلّي صاحبها للتقدّم في الجملة، وتاليه هو «التالي» يتلوه في التسلية المذكورة، وتالي التالي هو «العاطف»، أي على صاحبه، وتاليه «المرتاح» من الارتياح بمعنى النشاط، ونشاطه لعدم التأخّر عن أربعة في عقبه، ثمّ «المؤمّل»، أي المرجّى صاحبه بتقدّمه على ثلاثة، وتاليه «الخطّي» على فعيل، أي ذا خطوة بالنظر إلى اثنتين في عقبه، ثمّ «اللطيم» لأنّه ممدوح من جهة ومذموم من اُخرى، الجوهري: و«اللطيم» من الخيل الذي أحد شقّي وجهه أبيض، يُقال: لطم الفرس على ما لم يسمّ فاعله، فهو لطيم.(3)و«السكيت» ككميت: مصغّر السكّيت بالكسر والتشديد كشرّير، وساكوت للمبالغة فيهما للساكت آخر ما يجي ء في الخيل في الحلبة من العشر المعدودات، وقد يشدّد فيقال: السكيت وهو القاشور ومعناه الشوم، سنة قاشورة، أي مجدبة.و«الفسكل» أيضاً رجل فسكل: رذل دنيّ، وما جاء بعد ذلك لا يعتدّ به.

.


1- .المدّثر (74) : 42 - 43.
2- .الواقعة (56) : 10 - 11.
3- .الصحاح ، ج 5 ، ص 203 (لطم).

ص: 239

الحديث التاسع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ،(1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً» يَقُولُ : «لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانَ ، وَ الطَّرِيقَةُ هِيَ وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الجنّ.(2)و«الغدق»: الماء الكثير.ومضمون هذا الخبر كالحديث الأوّل في الباب الثلاثين ببيانه.(3)

الحديث الأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «اسْتَقَامُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»».

هديّة:«استقام عليه»: استقرّ.والآية في سورة فصّلت.(5)وذكرت في الحديث الثاني في الباب الثلاثين ببيانه.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنيي ، عن موسى بن محمّد، عن يونس بن يعقوب».
2- .الجنّ (72) : 16.
3- .أي «باب أنّ الطريقة التي حثّ على الاستقامة عليها ولاية عليّ عليه السلام».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسين بن عثمان ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم».
5- .فصّلت (41) : 30.
6- .أي «باب أن الطريقة التي حثّ على الإستقامة عليها ولاية عليّ عليه السلام».

ص: 240

الحديث الحادي والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ» فَقَالَ : «إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، هِيَ الْوَاحِدَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ»» .

هديّة:الآية في سورة السبأ،(2) يعني خصلة واحدة(3) متفرّدة، ممتازة بتفرّدها.

الحديث الثاني والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (4) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً»، «لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، آمَنُوا بِالنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَ كَفَرُوا حَيْثُ عُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الْوَلَايَةُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، ثُمَّ آمَنُوا بِالْبَيْعَةِ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ثُمَّ كَفَرُوا حَيْثُ مَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمْ يَقِرُّوا بِالْبَيْعَةِ ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً بِأَخْذِهِمْ مَنْ بَايَعَهُ بِالْبَيْعَةِ لَهُمْ ، فَهؤُلَاءِ لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْ ءٌ» .

هديّة:في قول اللَّه عزّ وجلّ في مضمون آية سورة النساء(5) وآية سورة آل عمران.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن محمّد بن الفضيل».
2- .سبأ (34) : 46.
3- .في «د» : - «واحدة».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة وعليّ بن عبد اللَّه ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام» ، فالاسناد إلى إدريس بعد المراجعة إلى سائر نسخ الكافي سهو من الكاتب أو المصنّف.
5- .النساء (4) : 137. والآية هكذا : «إنّ الذين آمنو ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن اللَّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً».
6- .قوله تعالى : «لن تقبل توبتهم» جزء من الآية 90 من سورة آل عمران (3) : والآية هكذا : «إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ اُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ».

ص: 241

(آمنوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله) يعني ظاهر النصوص مستفيضة.(ثمّ كفروا) أظهروا كفرهم ونفاقهم؛ وهكذا في التتمّة.وتأكيد نفي قبول التوبة بالتأبيد إشارةٌ إلى نفي إيمانهم أصلاً دائماً، وارتدادهم ظاهراً مراراً، وكنايةٌ عن لزوم هلاكهم ودخولهم في النار.والبارز في (من بايعه) لأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه.

الحديث الثالث والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى» : «فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، ارْتَدُّوا عَنِ الْإِيمَانِ فِي تَرْكِ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : قَوْلُهُ تَعَالى : «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الْأَمْرِ» ؟ قَالَ : «نَزَلَتْ وَ اللَّهِ فِيهِمَا وَ فِي أَتْبَاعِهِمَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالى - الَّذِي نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله : «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ» فِي عَلِيٍّ «سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الْأَمْرِ»». قَالَ : «دَعَوْا بَنِي أُمَيَّةَ إِلى مِيثَاقِهِمْ أَلَّا يُصَيِّرُوا الْأَمْرَ فِينَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لَا يُعْطُونَا مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً ، وَ قَالُوا : إِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ إِيَّاهُ لَمْ يَحْتَاجُوا إِلى شَيْ ءٍ ، وَ لَمْ يُبَالُوا ألَّا يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِمْ ، فَقَالُوا : سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ الَّذِي دَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ وَ هُوَ الْخُمُسُ أَلَّا نُعْطِيَهُمْ مِنْهُ شَيْئاً .وَ قَوْلُهُ : «كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ» وَ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ مَا افْتَرَضَ عَلى خَلْقِهِ مِنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ كَانَ مَعَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ كَانَ كَاتِبَهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ»» الْآيَةَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام» والمراد منه السند السابق عليه و هو ما ذكرناه في التعليقة في السند السابق ، فالمراد من «عن عليّ، عن عمّه» عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».

ص: 242

هديّة:الآية في سورة محمّد.(1)و«الارتداد على الأدبار» عبارةٌ عن ذهابهم القهقرى إلى جهنّم للارتداد، ووجههم إلى المسلمين بإظهار الإسلام نفاقاً.قال برهان الفضلاء:«فلان وفلان وفلان» هنا عبارة عن عثمان وأبي سفيان ومعاوية، وهم من بني اُميّة ؛ لرواية ذكرها عليّ بن إبراهيم في تفسير الآية السابقة على أنّ الذين ارتدّوا في سورة محمّد، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن الخطّاب: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ»(2) وهي نزلت في بني اُميّة.(3)ثمّ قال: ثمّ لا يخفى أنّ حدوث هذا النوع من الارتداد في عثمان لا ينافي نوعاً آخر من ارتداده سابقاً، فلا ينافي ما يجي ء في كتاب الإيمان والكفر في الحديث الثاني في باب الضلال، باب الحادي والسبعين والمائة في بيان : «وقد زوّج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فلاناً» بأنّ نفاقه كان معلوماً عند ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فإنّ نفاقه ذلك نوع آخر من النفاق، وكذا الكلام في النفاق المذكور في بيان : «إلّا أنّه يأتيه عن يمينه، ثمّ يأتيه عن يساره» ويجي ء في كتاب الجنائز في الحديث من باب النوادر.(4)وضمير (فيها) للأوّل والثاني.والسين في (سنطيعكم) لمحض التأكيد أو للاستقبال القريب.و«في» في (في بعض الأمر) للسببيّة. و«قال» في (قال دعوا) كلام الراوي، والقائل الإمام عليه السلام.(وقوله: كرهوا) عطف على (قول اللَّه عزّ وجلّ).والواو في (والذي) حاليّة.

.


1- .محمّد (47) : 25 - 26.
2- .محمّد (47): 22.
3- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 308.
4- .الكافي ، ج 3 ، ص 252 ، باب النوادر ، ح 8.

ص: 243

(فأنزل اللَّه) في سورة الزخرف، والآية هكذا: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ* أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ»(1)، و«إبرام الأمر»: إحكامه.

الحديث الرابع والأربعون روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِيهِمْ ؛ حَيْثُ دَخَلُوا الْكَعْبَةَ ، فَتَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلى كُفْرِهِمْ وَ جُحُودِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ (2) فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَأَلْحَدُوا فِي الْبَيْتِ بِظُلْمِهِمُ الرَّسُولَ وَ وَلِيَّهُ ؛ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» .

هديّة:الآية في سورة الحجّ: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»(3).والباء في (بما أنزل) وفي (بإلحاد) للتقوية إشارة إلى جدّهم في تعاهدهم وتعاقدهم على كفرهم بذلك في جوف الكعبة في حجّة الوداع. وفي بعض النسخ : «بما نزّل» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل مكان «أنزل» كذلك من الإفعال.والباء في (بظلم) للسببيّة.(فبُعداً للقوم الظالمين) اقتباس من سورة المؤمنون.(4)

الحديث الخامس والأربعون روى في الكافي بإسناده ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(5) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي

.


1- .الزخرف (43): 79 - 80 .
2- .في الكافي المطبوع : «نزّل».
3- .الحج (22): 25.
4- .المؤمنون (23) : 41 ، والآية هكذا : «فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظّالِمينَ».
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».

ص: 244

قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ» : «يَا مَعْشَرَ الْمُكَذِّبِينَ حَيْثُ أَنْبَأْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ «مَنْ هُوَ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ» كَذَا أُنْزِلَتْ».وَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا» فَقَالَ : «إِنْ تَلْوُوا الْأَمْرَ وَ تُعْرِضُوا عَمَّا أُمِرْتُمْ بِهِ «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً»».وَ فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» «بِتَرْكِهِمْ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «عَذاباً شَدِيداً» فِي الدُّنْيَا «وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى كانُوا يَعْمَلُونَ»» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة الملك.(1)(يا معشر المكذّبين) بيانُ المخاطبين في (فستعلمون).(كذا أنزلت) أي بهذا الشرح.والآية الثانية في سورة النساء.(2) و(فقال) كلام الراوي.وفي (تلووا) قراءتان سكون: اللام بواوين، من الليّ بمعنى الفتل والطيّ، يعني النقل من موضعه؛ وضمّ اللام بواو واحدة، من الولاية بمعنى الإمارة.والآية الثالثة في سورة فصّلت.(3)(ولنجزينّهم) في الآخرة؛ للتناظر والسياق.

الحديث السادس والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ،(4) عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ

.


1- .الملك (67) : 29.
2- .النساء (4) : 135.
3- .فصّلت (41) : 27.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط ، عن عليّ بن منصور ، عن إبراهيم بن عبد الحميد».

ص: 245

اللَّهِ عليه السلام : ««ذلِكُمْ (1) بِأَنَّهُ إِذا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَهُ» وَ أَهْلُ الْوَلَايَةِ «كَفَرْتُمْ»» .

هديّة:في سورة المؤمن هكذا : «ذلِكُمْ بِأَنَّهُ»(2) والمضبوط في نسخ الكافي : «ذلك»، فقيل لعلّه قراءتهم عليهم السلام.(وأهل الولاية) عطفٌ، يعني الأئمّة عليهم السلام. وقال برهان الفضلاء: والواو في «وأهل» لعطف التفسير، و«أهل» على الماضي المجهول من باب التفعيل، ونائب الفاعل المستتر الراجع إلى اللَّه، و«التأهيل»: عدّ الشي ء أهلاً ومستحقّاً لشي ء، و«الولاية»: مفعول ثانٍ لأهّل. قال: يعني ذلك الغضب والخلود في النار إنّما هو بسبب ترك توحيده بالإشراك في ولايته، وهي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من ولده عليهم السلام، كما مرّ في بيان آية سورة الكهف «هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ للَّهِ ِ الْحَقِّ»(3) في الحديث الرابع والثلاثين من هذا الباب.

الحديث السابع والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(4) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» قَالَ (5) : «هكَذَا وَ اللَّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:الآية في سورة المعارج.(6) والباء في (بعذاب) للتقوية، يعني جدّ في سؤال العذاب وطلبه على أن لو كان إنكاره الولاية الحقّ على غير حقّ.

.


1- .هكذا في القرآن وفي كلتا النسختين : «ذلك».
2- .غافر (40) : 12.
3- .الكهف (18): 44.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن سليمان».
5- .في الكافي المطبوع : «ثمّ قال» بدل «قال».
6- .المعارج (70) : 1 - 2.

ص: 246

(هكذا واللَّه نزل بها) أي بها مشروحة على ما عرفت مراراً.

الحديث الثامن والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَيْفٍ ،(1) عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ»(2) «فِي أَمْرِ الْوَلَايَةِ» «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ» قَالَ : «مَنْ أُفِكَ عَنِ الْوَلَايَةِ ، أُفِكَ عَنِ الْجَنَّةِ» .

هديّة:الآية في سورة والذاريات.(3)قال برهان الفضلاء : «في أمر الولاية» متعلّق بقوله : «يؤفك عنه» قدّم لإفادة الحصر. و«الإفك» بالكسر: الكذب، وبالفتح: مصدر قولك: أفكه كضرب: لفته عن الشي ء وصرفه، قال اللَّه تعالى: «قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا»(4).(عن الجنّة) تعبير عن الملزوم باللازم، أي عن الخلاص والنجاة؛ فنصّ في خلود المخالفين في النار.

الحديث التاسع والأربعون روى في الكافي عَنْ الاثنين،(5) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عَنْ يُونُسَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ» : «يَعْنِي بِقَوْلِهِ : «فَكُّ رَقَبَةٍ» وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ؛ فَإِنَّ ذلِكَ فَكُّ رَقَبَةٍ» .

هديّة:في سورة البلد هكذا: «أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد ين يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن سيف».
2- .في الكافي المطبوع : + «قال».
3- .الذّاريات (51) : 8.
4- .يونس (10) : 78.
5- .يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 247

اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ»(1).فسّر (له) بذلك المنافق، وأنّ الواو في (وهديناه) حاليّة بمعنى «قد» وأنّ (النجدين) معرفة الإمام الحقّ ومعرفة الإمام الباطل.و«اقتحم»: رمى نفسه في أمر بلا تأمّل. و(العقبة): المرقى الصعب من الجبال.(فإنّ ذلك فكّ رقبة) يعني لا تفكّ رقبة من النار إلّا بذلك، أي بالاقتحام فيما صعب على المنافقين دخوله.وقال برهان الفضلاء: يمكن أن يكون الواو في «وهديناه» عاطفة على «ألم نجعل» وهو استفهام إنكار بمعنى جعلنا، و«لا» النافية إذا دخلت على الماضي يجب تكرارها إذا كانت في جملة خبرية، وقيل: إذا لم تكن في جملة دعائيّة؛ لأنّها في معنى الاستقبال ؛ فلا تكرار على كلّ تقدير في «لا» في «فلا اقتحم»؛ لأنّها جملة إنشائيّة دعائيّة، فإنّ وجوب ولاية أمير المؤمنين عليه السلام إنّما هو بعد هذه الآية. وللآية تفسير آخر لبطن من بطونها، أوّلها يجي ء في كتاب الصدقة في باب فضل الصدقة إن شاء اللَّه تعالى.(2)

الحديث الخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ يونس (3) قال: أخبرني من رفعه إلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» قَالَ : «بِوَلَايَةِ(4) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة يونس.(5)

.


1- .البلد (90): 8 - 13.
2- .الكافي ، ج 4 ، ص 4 ، باب فضل الصدقة ، ح 10 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 7 ، ص 213 ، ح 6009.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام» والمراد منه : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن يونس».
4- .في الكافي المطبوع : «ولاية».
5- .يونس (10) : 2.

ص: 248

(بولاية) بيانٌ لمتعلّق (آمنوا). وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ولاية أمير المؤمنين عليه السلام» بدون الباء، قال: و«قدم صدق» عبارة عن الإمام الحقّ، فإنّ القدم يقال لمن له مرتبة عالية في الخصال الحسنة ومكارم الأخلاق، والمعنى: هو - أي تحقّق الإمام - الحقّ لهم؛ تحقّق ولاية أمير المؤمنين عليه السلام لهم.

الحديث الحادي والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا»(2)«بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ»» .

هديّة:الآية في سورة الحجّ.(3)(قطّعت) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل للكثرة؛ كثرة المشركين بالولاية، أو كثرة العذاب.

الحديث الثاني والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عمّه،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ»(5) قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:قد مرّ ببيانه في الحديث الرابع والثلاثين في هذا الباب.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن أبيه ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة».
2- .وفي الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً ببعض النسخ : + «قال».
3- .الحجّ (22) : 19.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».
5- .الكهف (18) : 44.

ص: 249

الحديث الثالث والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (1) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً» قَالَ : «صَبَغَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَلَايَةِ فِي الْمِيثَاقِ» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(2) وفسّرت «الصبغة» بالزينة.(ومن أحسن من اللَّه صبغة) أي تزييناً بنور الإيمان بالولاية، وهو السعادة الأزليّة ونور العقل.ولقوله عليه السلام: (بالولاية في الميثاق) باعتبار المتعلّق إفادتان.

الحديث الرابع والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ،(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «رَبِّ اغْفِرْ لِى وَ لِوالِدَىَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً» : «يَعْنِي الْوَلَايَةَ ، مَنْ دَخَلَ فِي الْوَلَايَةِ ، دَخَلَ فِي بَيْتِ الْأَنْبِيَاءِ» .وَ قَوْلِهِ : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» : «يَعْنِي الْأَئِمَّةَ وَ وَلَايَتَهُمْ ، مَنْ دَخَلَ فِيهَا ، دَخَلَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة نوح (4).(يعني الولاية، من دخل في الولاية) بيانٌ ل (بيتي)، يعني أراد بالبيت بيت الولاية الذي من دخله دخل بيت الأنبياء.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .البقرة (2) : 138.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن المفضّل بن صالح».
4- .نوح (71) : 28.

ص: 250

والآية الثانية في سورة الأحزاب.(1)(الأئمّة) مطهّرون من مطلق الرجس، وشيعتهم من رجس الكفر والضلال، ولذا فسّر هنا أهل البيت بمن دخل في بيت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في الولاية أصالة وهم الأئمّة عليهم السلام، أو تبعاً وهم شيعتهم.

الحديث الخامس والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(2) عَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» ؟ قَالَ : «بِوَلَايَةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُ هؤُلَاءِ مِنْ دُنْيَاهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة يونس.(3)والباء في (بفضل اللَّه) متعلّق بسابقها، وهو قوله تعالى: «قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(4)، والفاء في (فبذلك) للتفريع، والمشار إليه لذلك كلّ واحد من الفضل والرحمة، والفاء في (فليفرحوا) زائدة للتأكيد، ومرجع (هو) المشار إليه لذلك (بفضل اللَّه وبرحمته).و(بولاية محمّد وآل محمّد) لفّ ونشر على الترتيب، يعني لفّ ونشر على ترتيب اللفّ، ففضل اللَّه هو ولاية محمّد صلى اللَّه عليه وآله، ورحمته هو ولاية آله صلى اللَّه عليه وآله. وقد روى في قوله تعالى في سورة النساء: «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً»(5)، إنّ

.


1- .الأحزاب (33) : 33.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز ، عن محمّد بن الفضيل».
3- .يونس (10) : 58.
4- .يونس (10): 57 .
5- .النساء (4): 83 .

ص: 251

المعنى بفضل اللَّه هو النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، وبرحمته عليّ عليه السلام .(1)

الحديث السادس والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ الشَّحَّامِ ،(2) قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ نَحْنُ فِي الطَّرِيقِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ - : «اقْرَأْ ؛ فَإِنَّهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ قُرْآناً» فَقَرَأْتُ : «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِى مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ»(3) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِي يَرْحَمُ اللَّهُ ، وَ نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ ، لكِنَّا نُغْنِي عَنْهُمْ» .

هديّة:يعني فقرات سورة الدخان حتّى قرأت هذه الآية.(فإنّها ليلة الجمعة) معترضة بين الجملة ومفعولها.(لكنّا) على المتكلّم مع الغير، واللام للتأكيد عنهم، أي عن شيعتنا.وقال برهان الفضلاء: «لكنّا» إشارة إلى أنّ الاستثناء منقطع، فضمير «ميقاتهم» للمشركين.وقال في شرحه بالفارسيّة: وليكن ما دفع ضرر مى كنيم از شيعه خود.

الحديث السابع والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ سَالِمٍ ،(4) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا نَزَلَتْ «وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : هِيَ أُذُنُكَ يَا عَلِيُّ» .

هديّة:الآية في سورة الحاقّة: «إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِى الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً

.


1- .تفسر القمّي ، ج 1 ، ص 145.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط ، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن زيد الشحّام».
3- .الدخان (44) : 40 - 42.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه، عن يحيى بن سالم».

ص: 252

وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(1) فسّر بمكّنّاكم في السفينة لنجعلها لكم تذكرة بحديث : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجى، ومن تخلّف غرق».(2)و«عاه»: حفظه، فلعلّ المعنى خطاب الجمع هي الاُذن المنسوبة إليك، وهي آذان الشيعة الإماميّة.

الحديث الثامن والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(3) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله هكَذَا : «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا» آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «قَوْلًا غَيْرَ الَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ»» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(4)(هكذا) يعني بهذا الشرح.و«الرجز»: العذاب.و«الفسق» في الأصل الظلم.قيل: والمراد أنّ ظالمي حقّ آل محمّد عليهم السلام كاليهود الذين هذه الآية نزلت فيهم.وهو كما ترى؛ إذ لا عالم بنسق القرآن وشأن نزوله وجميع خصاله سوى المعصوم العاقل عن اللَّه عزّ وجلّ.

.


1- .الحاقة (69): 12.
2- .حديث مشهور بين الفريقين ، على سبيل المثال راجع : بصائر الدرجات ، ص 297 ، ح 4 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 27 ، ح 10 ؛ الغيبة للنعماني ، ص 44 ؛ رجال الكشّي ، ص 26 ، ح 52 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 349 ، المجلس 12 ، ح 61 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 380 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ، ج 5 ، ص 355 ، وج 6 ، ص 85 ؛ المعجم الصغير ، ج 1 ، ص 139.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه، عن محمّد بن الفضيل».
4- .البقرة (2) : 59.

ص: 253

الحديث التاسع والخمسون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : إِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهُمْ «لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً» ثُمَّ قَالَ : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ» فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ «فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَ إِنْ تَكْفُرُوا» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِى السَّماواتِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ»» .

هديّة:(هكذا) أي بهذا الشرح.في سورة النساء هكذا : «إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا»(2).(ثمّ قال) كلام الإمام عليه السلام.«فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِى السَّماواتِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ» فسّر: فإلى أين تفرّون من غضبه، وبمن تلجأون من عذابه؟!

الحديث الستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ ،(3) عَنْ بَكَّارٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «هكَذَا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ» فِي عَلِيٍّ «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ»» .

هديّة:قد سبق مضمونه في الحديث الثامن والعشرين في هذا الباب.

الحديث الحادي والستّون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ،(4) عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني ، عن محمّد بن الفضيل».
2- .النساء (4) : 168.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه، عن عبد العظيم».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد ، عن عبد العظيم ، عن ابن اُذينة».

ص: 254

«وَ أُوحِىَ إِلَىَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ»(1) ؟ قَالَ : «مَنْ بَلَغَ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ يُنْذِرُ بِالْقُرْآنِ ، كَمَا يُنْذِرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:قد ذكر ببيانه في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.

الحديث الثاني والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ ،(2)عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ ، قَالَ : قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» فَقَالَ : «لَيْسَ هكَذَا هِيَ ، إِنَّمَا هِيَ : «وَ الْمَأْمُونُونَ» فَنَحْنُ الْمَأْمُونُونَ» .

هديّة:الآية في سورة التوبة.(3)والسين في (فسيرى اللَّه) للتأكيد. قيل: قراءة أهل البيت عليهم السلام «والمأمونون» كما صرّح به عليه السلام. وقال برهان الفضلاء: لمّا كان مراد القاري سؤاله عن رؤية المؤمنين أعمال غيرهم أنّها هل هي في الدنيا أو في الآخرة، فقال عليه السلام: ليس المؤمنون هنا بالمعنى الأعمّ ، بل بمعنى الأئمّة المأمونين المؤمنين، بمعنى المعطين الأمان للشيعة من الهلاك.

الحديث الثالث والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ ،(4)عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «هذَا صِرَاطُ عَلِيٍّ مُسْتَقِيمٌ» .

هديّة:الآية في سورة الحجر،(5) يعني قرأ عليه السلام بإضافة «الصراط» إلي «علي» علماً. قال برهان

.


1- .الأنعام (6) : 19.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد، عن عبد العظيم».
3- .التوبة (9) : 105.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد ، عن عبد العظيم».
5- .الحجر (15) : 41.

ص: 255

الفضلاء: يمكن أن يكون قراءة غير مشهورة، ويمكن أن يكون بياناً لمعنى القراءة المشهورة.

الحديث الرابع والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : «فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ «إِلّا كُفُوراً»» قَالَ : «وَ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِهذِهِ الْآيَةِ هكَذَا : «وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ» فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ» آلَ مُحَمَّدٍ «ناراً»» .

هديّة:الآية الاُولى في السورتين: بني إسرائيل، والفرقان.(2)قال برهان الفضلاء: «بولاية عليّ» متعلّق بالكفور، وهو الإنكار أو شديده؛ يعني لم يفعلوا بعد التبليغ إلّا إنكار ولاية عليّ عليه السلام.والآية الثانية في سورة الكهف.(3)والمعنى بهكذا في الموضعين: بهذا الشرح للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الخامس والستّون روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ الْمُحَمَّدَينِ،(4) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» قَالَ : «هُمُ الْأَوْصِيَاءُ».

هديّة:عن أبي الحسن الأوّل أو الثاني عليهما السلام.والآية في سورة الجنّ،(5) يعني أنّ طاعة اللَّه إنّما هي بطاعة الأوصياء، وهم المواضع

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد ، عن عبد العظيم ، عن محمّد بن الفضيل».
2- .الإسراء (17) : 89 ؛ الفرقان (25) : 50.
3- .الكهف (18) : 29.
4- .يعني : «محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن الفضيل».
5- .الجنّ (72) : 18.

ص: 256

المقرّرة للعبادة، فلا تطيعوا غيرهم فتشركوا باللَّه.

الحديث السادس والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ مؤمن الطاق ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «قُلْ هذِهِ سَبِيلِى أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِى»(2) قَالَ : «ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام».

هديّة:قد سبق مضمونه في الحديث الثامن في الباب التسعين.(3)

الحديث السابع والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ سَالِمٍ الْحَنَّاطِ ،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «آلُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُمْ» .

هديّة:الآية في سورة والذاريات في حكاية لوط عليه السلام.(5)قال برهان الفضلاء:«من» في «من المؤمنين» للتبعيض، وفي «من المسلمين» للاختصاص، بقرينة التغيير في مدخولهما، يعني غير بيت من المسلمين ليهتدي الناس بهداهم إلى ما هو الحقّ من

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن الأحول ، عن سلّام بن المستنير».
2- .يوسف (12) : 108.
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 384 ، باب حالات الأئمّة في السّنّ ، ح 8.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان ، عن سالم الحنّاط».
5- .الذاريات (51) : 35 - 36.

ص: 257

الأديان. قال: ونظير ذلك البيت في هذه الاُمّة آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله ؛ إذ ليس في الأرض هُداة غيرهم عليهم السلام.وقال بعض المعاصرين: يعني أنّ الناجين من قوم لوط المخرجين معه من القرية لئلّا يصيبهم العذاب النازل هم آل محمّد؛ لقوله صلى اللَّه عليه وآله: «كلّ تقيّ ونقيّ آلي».(1)

الحديث الثامن والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ ،(2) عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ قِيلَ هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» قَالَ : «هذِهِ نَزَلَتْ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا ، يَرَوْنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي أَغْبَطِ الْأَمَاكِنِ لَهُمْ فَيُسِي ءُ وُجُوهَهُمْ ، وَ يُقَالُ لَهُمْ : «هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ» الَّذِي انْتَحَلْتُمِ اسْمَهُ» .

هديّة:الآية في سورة الملك.(3)وضمير الجمع في (رأوه) لمن يمشي مكبّاً على وجهه، وضمير المفرد لمن يمشي سويّاً على صراطٍ مستقيم.و«الزلفة»: القربة.(سيئت): قبّحت بالعبوس، من ساءه؛ يتعدّى ولا يتعدّى، ولذا صرّح برهان الفضلاء بضبط «فيسيّئ وجوههم» على المضارع المعلوم من التفعيل، قال: أو من الإفعال.والمراد ب (أصحابه) فلان وفلان وفلان تعريضاً.و«الغبطة»: حسن الحال والمسرّة.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 896 ، ذيل ح 1555.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، عن إسماعيل بن سهل ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي السفاتج».
3- .الملك (12) : 108.

ص: 258

و«الانتحال»: ادّعاء الرجل ما ليس له، «انتحله»: ادّعى لنفسه ما لغيره كلقب أمير المؤمنين، وهو الذي سمّى اللَّه به عليّاً عليه السلام حسب.

الحديث التاسع والستّون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عن عمّه،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ» قَالَ : «النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:الآية في سورة البروج.(2)والواوان للقسم.شهد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّ عليّاً أمير المؤمنين من اللَّه تعالى، وهذه الشهادة من قبيل الشهادة في قوله تعالى: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ»(3) الآية.

الحديث السبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ ،(4) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» قَالَ : «الْمُؤَذِّنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .

هديّة:(الحلّال) بالمهملة: بيّاع الشيرج، وهو دهن السمسم؛ يعني سألت الرضا عليه السلام عن قوله تعالى في سورة الأعراف.(5)(بينهم) أي بين أصحاب الجنّة وأصحاب النار.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».
2- .البروج (85) : 3.
3- .آل عمران (3): 18.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عمر الحلّال».
5- .الأعراف (7) : 44.

ص: 259

الحديث الحادي والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عن عمّه،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ» قَالَ : «ذَاكَ حَمْزَةُ وَ جَعْفَرٌ وَ عُبَيْدَةُ وَ سَلْمَانُ وَ أَبُو ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ عَمَّارٌ هُدُوا إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام». وَ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ» «يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ» : الْأَوَّلَ وَ الثَّانِيَ وَ الثَّالِثَ» .

هديّة:(عبيدة) بن الزبير بن عبد المطّلب، وقيل: ابن الحارث بن عبد المطّلب، قُتل يوم بدر رضي اللَّه عنه.والآية الاُولى في سورة الحجّ.(2)و(الحميد) بمعنى المحمود؛ يعني إلى صراط اللَّه المحمود في فعاله.والآية الثانية في سورة الحجرات (3). وقد سبق ذكرها ببيانها في عدّة مواضع.

الحديث الثاني والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ،(4) عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «ائْتُونِى بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» قَالَ : «عَنى بِالْكِتَابِ التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ ، وَأما أَثَارَةُ العِلْمِ (5) فَإِنَّمَا عَنى بِذلِكَ عِلْمَ أَوْصِيَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام».

هديّة:الآية في سورة الأحقاف.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبد الرحمن بن كثير».
2- .الحجّ (22) : 24.
3- .الحجرات (49) : 7.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح».
5- .في الكافي المطبوع : «وأثارة من علم» بدل «وأمّا أثارة العلم».
6- .الأحقاف (46) : 4.

ص: 260

«الأثارة» وكذا «الأثرة» بفتحتين: البقيّة.

الحديث الثالث والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا رَأى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله تَيْماً وَ عَدِيّاً وَ بَنِي أُمَيَّةَ يَرْكَبُونَ مِنْبَرَهُ ، أَفْزَعَهُ ،(2) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى قُرْآناً يَتَأَسّى بِهِ «وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ أَبى» ثُمَّ أَوْحى إِلَيْهِ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي أَمَرْتُ فَلَمْ أُطَعْ، فَلَا تَجْزَعْ أَنْتَ إِذَا أَمَرْتَ فَلَا تُطَاعْ (3) فِي وَصِيِّكَ» .

هديّة:لفظة (أبى) ثابتة في البقرة وطه،(4) وأمّا في بني إسرائيل فهكذا: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً»(5).«تيم» و«عديّ» قبيلتان من قريش؛ الاُولى رهط الأوّل، والثانية رهط الثاني؛ والمراد منهما ومن بني اُميّة الأوّل والثاني والثالث.(أفزعه): أخافه من الفزع محرّكة بمعنى الخوف. وفي بعض النسخ المعتبرة: «أفظعه» بالعظيم؛ الجوهري: أفظع الرجل على ما لم يسمّ فاعله، أي نزل به أمرٌ عظيم. أفظعه الأمر: اشتدّت عليه فظاعته.(6)(يتأسّى به): يأنس ويتسلّى.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فلم تطع» مكان (فلا تطاع).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عمّن أخبره ، عن عليّ بن جعفر».
2- .في الكافي المطبوع : «أفظعه».
3- .في الكافي المطبوع : «فلم تطع».
4- .البقرة (2) : 34 ؛ طه (20) : 116.
5- .الإسراء (17): 60 - 61.
6- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1259 (فظع).

ص: 261

الحديث الرابع والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ،(1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ»(2) فَقَالَ : «عَرَفَ اللَّهُ إِيمَانَهُمْ بِمُوَالَاتِنَا وَ كُفْرَهُمْ بِهَا يَوْمَ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ وَ هُمْ ذَرٌّ فِي صُلْبِ آدَمَ».وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» فَقَالَ : «أَمَا وَ اللَّهِ مَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَ مَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ حَتّى يَقُومَ قَائِمُنَا إِلَّا فِي تَرْكِ وَلَايَتِنَا وَ جُحُودِ حَقِّنَا ، وَ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الدُّنْيَا حَتّى أَلْزَمَ رِقَابَ هذِهِ الْأُمَّةِ حَقَّنَا ، وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» .

هديّة:قد سبق حديث السؤال الأوّل ببيانه في الحديث الرابع في هذا الباب.والآية الثانية في سورة التغابن.(3)والآية في آخر الحديث اقتباس من سورة البقرة وسورة النور.(4)

الحديث الخامس والسبعون روى في الكافي بإسناده بطريقين، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ،(5) عَنْ أَخِيهِ مُوسى عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ» قَالَ : «الْبِئْرُ الْمُعَطَّلَةُ : الْإِمَامُ الصَّامِتُ ، وَ الْقَصْرُ الْمَشِيدُ : الْإِمَامُ النَّاطِقُ» .

هديّة:الآية في سورة الحجّ.(6)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- .التغابن (64) : 2.
3- .التغابن (64) : 12.
4- .البقرة (2) : 213 ؛ النور (24) : 46.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن و على بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن عليّ بن جعفر» و أيضاً «محمّد بن يحى ، عن العمركي ، عن عليّ بن جعفر».
6- .الحجّ (22) : 45.

ص: 262

كما أنّ الماء سبب حياة الأبدان كذلك علم الإمام الناطق سبب حياة الأرواح.

الحديث السادس والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ بُهْلُولٍ ،(1) عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» قَالَ : «يَعْنِي أنْ أَشْرَكَ (2) فِي الْوَلَايَةِ غَيْرَهُ . «بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ بِالطَّاعَةِ ، وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ أَنْ عَضَدْتُكَ بِأَخِيكَ وَ ابْنِ عَمِّكَ» .

هديّة:الآية في سورة الزمر.(3)(قال: يعني أن أشرك)، أي المخاطب بقوله: (لئن أشركت). (في الولاية) يعني في طاعة مفترض الطاعة الذي وجب في حكمته تعالى وجوده في كلّ زمان من لدن آدم إلى زمان صاحب الزمان عليهما السلام.(بالطاعة) يعني بطاعة من افترضت طاعته.

الحديث السابع والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسى ،(4) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ عليهم السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها» قَالَ : «لَمَّا نَزَلَتْ «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ» اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : مَا تَقُولُونَ فِي هذِهِ الْآيَةِ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنْ كَفَرْنَا بِهذِهِ الْآيَةِ ، نَكْفُرُ بِسَائِرِهَا ؛ وَ إِنْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحكم بن بهلول».
2- .في الكافي المطبوع : «إن أشركت» بدل «أن أشرك».
3- .الزمر (39) : 65.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي ، قال : حدّثني أبي عن أحمد بن عيسى».

ص: 263

آمَنَّا ، فَإِنَّ هذَا ذُلٌّ حِينَ تَسَلِّطَ(1) عَلَيْنَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالُوا : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّداً صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ ، وَ لكِنَ (2) نَتَوَلَّاهُ ، وَ لَا نُطِيعُ عَلِيّاً فِيمَا أَمَرَنَا» . قَالَ : «فَنَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ: «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها» يَعْرِفُونَ: يَعْنِي وَلَايَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام «وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ» بِالْوَلَايَةِ» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة النحل،(3) والثانية آية الولاية في المائدة.(4)قال برهان الفضلاء: ظاهر هذا الحديث أنّ سورة النحل بأجمعها أو ببعضها مدنيّة إلّا أن يقرأ: «فنزّلت» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، بمعنى فسّرت من التفسير بمعنى تنزيل اللفظ على معناه.

الحديث الثامن والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ مؤمن الطاق، عَنْ سَلَّامٍ ،(5) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام (6) : «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» قَالَ : «هُمُ الْأَوْصِيَاءُ مِنْ مَخَافَةِ عَدُوِّهِمْ» .

هديّة:الآية في سورة الفرقان: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً»(7).و«الهون» بالفتح مصدر يصحّ للمفرد والجمع، يعني سهلاً محتاطين في نظر الأعداء.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يسلّط».
2- .في الكافي المطبوع : «لكنّا».
3- .النحل (16) : 83.
4- .المائدة (5) : 55.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن النعمان ، عن سلّام».
6- .في الكافي المطبوع : + «عن قوله تعالى».
7- .الفرقان (25): 63 .

ص: 264

الحديث التاسع والسبعون روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ،(1) عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ : أَنَّهُ سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (2) : «أَنِ اشْكُرْ لِى وَ لِوالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ» فَقَالَ : «الْوَالِدَانِ - اللَّذَانِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا الشُّكْرَ - هُمَا اللَّذَانِ وَلَدَا الْعِلْمَ ، وَوَرِثَا الْحُكْمَ ، وَ أُمِرَ النَّاسُ بِطَاعَتِهِمَا ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ : «إِلَىَّ الْمَصِيرُ» فَمَصِيرُ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالى ، وَ الدَّلِيلُ عَلى ذلِكَ الْوَالِدَانِ .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى ابْنِ حَنْتَمَةَ وَ صَاحِبِهِ ، فَقَالَ فِي الْخَاصِّ وَ الْعَامِّ : «وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِى» تَقُولَ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَ تَعْدِلَ عَمَّنْ أُمِرْتَ بِطَاعَتِهِ «فَلَا تُطِعْهُمَا» وَ لَا تَسْمَعْ قَوْلَهُمَا .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ : «وَ صاحِبْهُما فِى الدُّنْيا مَعْرُوفاً» يَقُولُ : عَرِّفِ النَّاسَ فَضْلَهُمَا ، وَ ادْعُ إِلى سَبِيلِهِمَا ، وَ ذلِكَ قَوْلُهُ : «وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ» فَقَالَ : إِلَى اللَّهِ ثُمَّ إِلَيْنَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوا الْوَالِدَيْنِ ؛ فَإِنَّ رِضَاهُمَا رِضَى اللَّهِ ، وَ سَخَطَهُمَا سَخَطُ اللَّهِ» .

هديّة:في سورة لقمان هكذا: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(3).فسّر «وَهْناً عَلى وَهْنٍ» بذات وهن على ذات وهن الأوّل على الثاني، وعامين بمدّة زمان طغيان الأوّل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن بسطام بن مرّة ، عن إسحاق بن حسّان ، عن الهيثم بن واقد ، عن عليّ بن الحسين العبيدي ، عن سعد الإسكاف».
2- .في الكافي المطبوع : «عن قوله تعالى».
3- .لقمان (31): 14 - 15 .

ص: 265

قوله: (ولَدَا العلم) من المجرّد، (وورّثا الحكم) أي الحكمة من التوريث. قيل: الوالدان هنا النبيّ والوصيّ؛ للحديث الثامن الآتي في الباب الرابع والعشرين والمائة، وفيه: «ورسول اللَّه وعليّ هما الوالدان».(1)وقال برهان الفضلاء: الوالدان هنا عبارة عن محكمات القرآن والإمام، نبيّاً كان أو وصيّاً، فالكتاب بمنزلة الاُمّ للعلم كاُمّ الكتاب للكتاب. والدليل على ذلك، أي على طريق المصير إلى اللَّه سبحانه.و(ابن حنتمة) بفتح المهملة وسكون النون وفتح المثنّاة من فوق قبل الميم، هو الثاني، و«حنتمة» اسم اُمّه. القاموس: حنتمة بنت ذي الرمحين، اُمّ عمر بن الخطّاب ، وليست باُخت أبي جهل كما وهموا، بل بنت عمّه.(2) وقد صحّ في بيان نسبته أنّها كانت اُمّه واُخته وعمّته وخالته.وقال برهان الفضلاء:والمرفوع في «جاهداك» لباعث الوهنين في محكمات القرآن في زمان الأوّل وزمان الثاني، ثمّ قال: وظاهر الحديث الآتي في باب برّ الوالدين في كتاب الإيمان والكفر دلالة على أنّ «إن» في «وإن جاهداك» وصليّة، لا شرطيّة، وأنّ الفاء في «فلا تطعهما» للتفريع ليست جزائيّة، وتوهّم المفسّرون من المخالفين أنّ «إن» شرطية والفاء جزائية، فغفلوا عن أنّ مفهوم الشرط يوهم جواز الإشراك إن كانت الدعوة على الملائمة دون المجاهدة، قال: «تقول في الوصية» على الخطاب والنصب تفسيراً ل «أن تشرك بي»، يعني أن تتصرّف وتغيّر فيها، و«يقول» في «يقول عرّف الناس» على الغيبة، يعني يقول اللَّه تبارك وتعالى.

الحديث الثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ،(3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ

.


1- .أي «باب ما جاء في الإثني عشر و النصّ عليهم عليهم السلام».
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 102 (حنتم).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف ، عن أبيه ، عن عمرو بن حريث».

ص: 266

تَعَالى : «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِى السَّماءِ» قَالَ : فَقَالَ : «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَصْلُهَا ، وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَرْعُهَا ، وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أَغْصَانُهَا ، وَ عِلْمُ الْأَئِمَّةِ ثَمَرُهَا ،(1) وَ شِيعَتُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَرَقُهَا ، هَلْ فِيهَا فَضْلٌ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، قَالَ : «وَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُولَدُ ، فَتُورَقُ وَرَقَةٌ فِيهَا ، وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَمُوتُ ، فَتَسْقُطُ وَرَقَةٌ مِنْهَا» .

هديّة:الآية في سورة إبراهيم: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى السَّمَاءِ * تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ»(2). فسّرت كلمة اللَّه بالإمام الحقّ.في بعض النسخ : «قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: أنا أصلها» بزيادة «أنا»، فقوله: (وأمير المؤمنين عليه السلام) كلام الإمام، والأنسب على هذا «فقال: قال».(فرعها) أي جسدها، وهو فرع الأصل، كما أنّ الغصن فرع الجسد.(هل فيها فضل) يعني هل بقي شي ء في الشجرة غير ما ذكر.وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «شوب» مكان (فضل) يعني هل في هذه الكلمات شكّ وشبهة أو شائبة من الشكّ والشبهة أو خلط من غيرهم.(فتورق) على ما لم يسمّ فاعله من باب ضرب، أو الإفعال، أو التفعيل، و(ورقة) نائب الفاعل.

الحديث الحادي والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ ،(3) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى (4) : «لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» «يَعْنِي فِي الْمِيثَاقِ». «أَوْ

.


1- .في الكافي المطبوع : «ثمرتها».
2- .إبراهيم (14): 24 - 25.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد اللَّه بن محمّد اليماني ، عن منيع بن الحجّاج ، عن يونس».
4- .في الكافي المطبوع : «في قول اللَّه عز و جل».

ص: 267

كَسَبَتْ فِى إِيمانِها خَيْراً» قَالَ : «الْإِقْرَارُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَاصَّةً ، قَالَ : لَا يَنْفَعُ إِيمَانُهَا لِأَنَّهَا سُلِبَتْ» .

هديّة:الآية في سورة الأنعام: «يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْراً»(1). فسّر «بعض الآيات» بالقائم عليه السلام، والترديد للتخيير في التكلّم، يعني أنّ المعطوف والمعطوف عليه متلازمان، فبأيّهما شئت تكلّم في بيان المرام، ولا يخفى لطف قوله عليه السلام: (لأنّها سلبت) مكان «لأنّه سلب عنها».

الحديث الثاني والثمانون روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ عَنْ يُونُسَ ، عَنْ صَبَّاحٍ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (2) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ» قَالَ : «إِذَا جَحَدَ إِمَامَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»» .

هديّة:في بعض النسخ : «عن أبي حمزة، عن أحدهما عليهما السلام».الآية في سورة البقرة.(3)والتعبير عن الكفر بإحاطة الخطيئة للتلازم.

الحديث الثالث والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(4) عَنْ الْحَذَّاءِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، وَ قَوْلِ النَّاسِ ، فَقَالَ - وَ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ» - : «يَا بَا عُبَيْدَةَ ،(5) النَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي إِصَابَةِ الْقَوْلِ ، وَ كُلُّهُمْ هَالِكٌ».

.


1- .الأنعام (6): 158.
2- .في الكافي المطبوع : «عن أحدهما عليهما السلام» بدل «عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
3- .البقرة (2) : 81.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان».
5- .في الكافي المطبوع : «يا أبا عبيدة».

ص: 268

قَالَ : قُلْتُ : قَوْلُهُ : «إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ»؟ قَالَ : «هُمْ شِيعَتُنَا ، وَ لِرَحْمَتِهِ خَلَقَهُمْ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ : «وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ» يَقُولُ : لِطَاعَةِ الْإِمَامِ ؛ الرَّحْمَةُ الَّتِي يَقُولُ : «وَ رَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ» يَقُولُ : عِلْمُ الْإِمَامِ ، وَسِعَ (1) عِلْمُهُ - الَّذِي هُوَ مِنْ عِلْمِهِ - كُلَّ شَيْ ءٍ هُمْ شِيعَتُنَا ، ثُمَّ قَالَ : «فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» يَعْنِي وَلَايَةَ غَيْرِ الْإِمَامِ وَ طَاعَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : «يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ» يَعْنِي النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْوَصِيَّ وَ الْقَائِمَ «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ» إِذَا قَامَ «وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ» وَ الْمُنْكَرُ مَنْ أَنْكَرَ فَضْلَ الْإِمَامِ وَ جَحَدَهُ «وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ» : أَخْذَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِهِ «وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» وَ الْخَبَائِثُ قَوْلُ مَنْ خَالَفَ «وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ» وَ هِيَ الذُّنُوبُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَتِهِمْ فَضْلَ الْإِمَامِ «وَ الْأَغْلالَ الَّتِى كانَتْ عَلَيْهِمْ» وَ الْأَغْلَالُ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَرْكِ فَضْلِ الْإِمَامِ ، فَلَمَّا عَرَفُوا فَضْلَ الْإِمَامِ وَضَعَ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ؛ وَ الْإِصْرُ : الذَّنْبُ ، وَ هِيَ الْآصَارُ .ثُمَّ نَسَبَهُمْ ، فَقَالَ : «فَالَّذِينَ (2) آمَنُوا» يَعْنِي بِاالنّبِيّ صلّى اللَّه عَليْه و آله (3)«وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ» وَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ وَ الأئمَّةُ عليهم السلام (4)«أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» يَعْنِي الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الْجِبْتَ وَ الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ؛ وَ الْجِبْتُ وَ الطَّاغُوتُ : فُلَانٌ وَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، وَ الْعِبَادَةُ : طَاعَةُ النَّاسِ لَهُمْ .ثُمَّ قَالَ : «أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ» ثُمَّ جَزَاهُمْ ، فَقَالَ : «لَهُمُ الْبُشْرى فِى الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِى الْآخِرَةِ» وَ الْإِمَامُ يُبَشِّرُهُمْ بِقِيَامِ الْقَائِمِ عليه السلام ،(5) وَ بِقَتْلِ أَعْدَائِهِمْ ، وَ بِالنَّجَاةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَ الْوُرُودِ عَلى مُحَمَّدٍ(6) وَآلِهِ الصَّادِقِينَ عَلَى الْحَوْضِ» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «و وسع».
2- .هكذا في القرآن، و في «الف» و «د»: «الذين» بدون الفاء.
3- .في الكافي المطبوع : «بالإمام» بدل «بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله».
4- .في الكافي المطبوع : - «و هو أمير المؤمنين و الأئمّة عليهم السلام».
5- .في الكافي المطبوع : + «و بظهوره».
6- .في الكافي المطبوع : + «صلّى اللَّه عليه».

ص: 269

هديّة:(قول الناس) يعني اختلافهم في مسألة استطاعة العبد بالاستقلال في الأفعال على أقوال شتّى، أو المراد بالناس القدريّة الذين قالوا: إنّ العبد قادر بالاستقلال على المكلّف به، وأنّ الكافر قادر على الإيمان وتعلّق مشيّة اللَّه تعالى بإيمانه ومشيّة الشيطان بكفره، فقد لا يؤثّر مشيّة اللَّه ويؤثّر مشيّة الشيطان، وأمثال قوله تعالى «لا رادّ لمشيّته» و«يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ»(1) ردٌّ عليهم.(فقال :) يعني الإمام عليه السلام، (وتلا) حاليّة، فالتقدير: وقد تلا هذه الآية من سورة هود، وهي هكذا: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(2).(يقول) في المواضع الثلاثة على الغيبة، يعني يقول اللَّه تعالى، واللام في (لطاعة) مكسورة، ويحتمل الفتح. و(الرحمة) على الأوّل بالجرّ نعت الإمام، وعلى الثاني خبرٌ، ويحتمل أن يكون بدلاً عن «رحمته» في (لرحمته)، في سورة الأعراف هكذا: «قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»(3).قوله عليه السلام: (يقول: علم الإمام، وسع علمه الذي هو من علمه كلّ شي ء هم شيعتنا)، «علمه الذي» بدل عن «علم الإمام»، «هو من علمه» أي من علم اللَّه تعالى، «هم شيعتنا» يعني كلّ شي ء عبارة عن ذنوب شيعتنا، وضمير الجمع باعتبار الخبر، أو للإشارة إلى أنّ

.


1- .إبراهيم (14): 27.
2- .هود (11): 118 و 119.
3- .الأعراف (7): 156 - 157.

ص: 270

كلّ شي ء عبارة عن الشيعة بذنوبهم.وقرأ برهان الفضلاء : «يقول: علّم الإمام» على الماضي المعلوم من التفعيل، وضبط «ووسع» بزيادة الواو، كما في بعض النسخ المعتبرة، وقال:اللام في «لطاعة» بالكسر، و«الامام» بالجرّ للإضافة، و«الرحمة» نعت ل «لإمام»، قال: وهذه الفقرة لتفسير «لذلك خلقهم»، وقوله، «التي» بتقدير «التي» يقول فيها، وهذه الفقرة استشهاد للتفسير المذكور، وأيضاً ضبط «هو سعتنا» بمعنى وسعتنا مكان (هم شيعتنا)، و«بم قال» بالمفردة مكان (ثمّ قال) بالمثلّثة، وقال: يعني يقول اللَّه خلقهم لطاعة الإمام الذي هو الرحمة التي يقول اللَّه في شأنها: «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ»، يقول اللَّه علّم اللَّه الإمام، ووسع علم الإمام الذي من علم اللَّه تعالى كلّ شي ء في السماوات والأرض، وكلّ أمر وحُكْم من أوّل الدنيا إلى آخرها وذلك المذكور من الوسع وسع علمنا بأيّ سبب، قال اللَّه تعالى متّصلاً بالسابق «فسأكتبها» يعني البتّة، فالسين للتأكيد. انتهى.(للذين يتّقون) يعني للذين لهم التبرّي من ولاية أئمّة الضلالة، ولا فائدة للتقوى الظاهري بدون التقوى الباطني.(والمنكر من أنكر فضل الإمام) يحتمل كسر الكاف، والمراد بالإمام الحجّة المعصوم، نبيّاً كان أو وصيّاً.(والاغلال ما كانوا يقولون) لأنّ أقوالهم حبستهم عن الاهتداء إلى الحقّ.و«الإصار» ككتاب: حبل صغير يشدّ به أسفل الخباء، وبالذنب يشدّ رِجْل المذنب عن المشي إلى طريق الحقّ، وهو طاعة المفترض الطاعة.(وعزّروه) أي وعظّموه ظاهراً وباطناً. وقيل: يعني عدّوه عظيماً في قلوبهم وخواطرهم.(يعني الذين اجتنبوا) إلى قوله: (وأسلموا له) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الزمر: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ»(1)، وضمير

.


1- .الزمر (39): 17.

ص: 271

التأنيث باعتبار الجماعة، ولذا قال عليه السلام: (والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان) الأوّل والثاني والثالث وأتباعهم من أئمّة الضلالة.(ثمّ جزاهم) أي أظهر جزاءهم ومكافأتهم، أو ثمّ بشّرهم بمكافأة حسن العقائد والأعمال. وقرأ برهان الفضلاء بالحاء المهملة والتشديد، قال: التحرية جعل الشي ء حريّاً بشي ء.(فقال):«لَهُمْ الْبُشْرَى فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ» يعني في سورة يونس.(1)(على الحوض) أي في شاطئ الكوثر.

الحديث الرابع والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ،(2) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ : «الَّذِينَ اتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ ، وَ هُمْ - وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ - دَرَجَاتُ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، وَ بِوَلَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ إِيَّانَا يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ، وَ يَرْفَعُ اللَّهُ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ الْعُلى» .

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(4)(باء) أي رجع عن طاعة الإمام بغضب كثير عظيم.

الحديث الخامس والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ ،(5) عَنْ عَمَّارٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي

.


1- .يونس (10): 64.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمّار الساباطي».
3- .في الكافي المطبوع : «درجات للمؤمنين» بدل «درجات المؤمنين».
4- .آل عمران (3) : 163.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و غيره ، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي».

ص: 272

قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» «وَلَايَتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ - وَ اُوْمَاً(1)بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ - فَمَنْ لَمْ يَتَوَلَّنَا لَمْ يَرْفَعِ اللَّهُ لَهُ عَمَلًا» .

هديّة:الآية في سورة الفاطر.(2)(عملاً) يعني وإن كان قول لا إله إلّا اللَّه.

الحديث السادس والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(3) عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ» قَالَ : «الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام» ، «وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ» قَالَ : «إِمَاماً(4)تَأْتَمُّونَ بِهِ» .

هديّة:الآية في سورة الحديد: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ»(5)، قد مرّ لها تفسير آخر في الحديث الثالث في الباب الثالث عشر.(6)

الحديث السابع والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ،(7) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ الْجَوْهَرِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ» قَالَ : «مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أهوى».
2- .فاطر (35) : 10.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان».
4- .في الكافي المطبوع : «إمام».
5- .الحديد (57): 28.
6- .أي: «باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللَّه عزَّ و جلّ».
7- .روي الكليني هذا الحديث مباشرة عن عليّ بن إبراهيم الذي هو من مشايخه فالتعبير ب «بإسناده» سهو.

ص: 273

«قُلْ إِى وَ رَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ»» .

هديّة:الآية في سورة يونس.(1)و«الاستنباء»: الاستفسار. وضمير الجمع للمنافقين.(بمعجزين): بغالبين على الحقّ، «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ»(2). وقيل: يعني بل المعجزة مع الرسول صلى اللَّه عليه وآله فيما قال في عليّ عليه السلام.

الحديث الثامن والثمانون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَوْلُهُ : «فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ» ؟ فَقَالَ : «مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِوَلَايَتِنَا فَقَدْ جَازَ الْعَقَبَةَ ، وَ نَحْنُ تِلْكَ الْعَقَبَةُ الَّتِي مَنِ اقْتَحَمَهَا نَجَا».قَالَ : فَسَكَتَ ، فَقَالَ لِي : «فَهَلَّا أُفِيدُكَ حَرْفاً خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا ؟» قُلْتُ : بَلى جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «قَوْلُهُ : «فَكُّ رَقَبَةٍ»». ثُمَّ قَالَ : «النَّاسُ كُلُّهُمْ عَبِيدُ النَّارِغَيْرَكَ وَ أَصْحَابِكَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ فَكَّ رِقَابَكُمْ مِنَ النَّارِ بِوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ» .

هديّة:الآية في سورة البلد،(4) وقد ذكرت في الحديث التاسع والأربعين في هذا الباب.

الحديث التاسع والثمانون روى في الكافي عَنْ الثلاثة،(5) عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ

.


1- .يونس (10) : 53.
2- .يوسف (12): 21.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه ، عن أبان بن تغلب».
4- .البلد (90) : 11.
5- .يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».

ص: 274

أَوْفُوا بِعَهْدِى» قَالَ : «بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام»، «أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» : «أُوفِ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(1)(بعهدكم) أي في الميثاق أو عامّ.

الحديث التسعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا» قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دَعَا قُرَيْشاً إِلى وَلَايَتِنَا ، فَنَفَرُوا وَ أَنْكَرُوا ، فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قُرَيْشٍ لِلَّذِينَ آمَنُوا - الَّذِينَ أَقَرُّوا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ - : «أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا» ؛ تَعْيِيراً مِنْهُمْ . فَقَالَ اللَّهُ رَدّاً عَلَيْهِمْ : «وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ» مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ «هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً»» .قُلْتُ : قَوْلُهُ : «مَنْ كانَ فِى الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا»؟ قَالَ : «كُلُّهُمْ كَانُوا فِي الضَّلَالَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ لَا بِوَلَايَتِنَا ، فَكَانُوا ضَالِّينَ مُضِلِّينَ ، فَيَمُدُّ لَهُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ وَ طُغْيَانِهِمْ حَتّى يَمُوتُوا ، فَيُصَيِّرُهُمُ اللَّهُ شَرّاً مَكَاناً وَ أَضْعَفَ جُنْداً».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السَّاعَةَ * فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً» ؟ قَالَ : «أَمَّا قَوْلُهُ : «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ» فَهُوَ خُرُوجُ الْقَائِمِ عليه السلام وَ هُوَ السَّاعَةُ ، فَسَيَعْلَمُونَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ عَلى يَدَيْ قَائِمِهِ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ : «مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً» يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِمِ «وَ أَضْعَفُ جُنْداً»».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً» ؟ قَالَ : «يَزِيدُهُمْ ذلِكَ الْيَوْمَ هُدًى عَلى هُدًى بِاتِّبَاعِهِمُ الْقَائِمَ عليه السلام حَيْثُ لَا يَجْحَدُونَهُ وَ لَا يُنْكِرُونَهُ» .

.


1- .البقرة (2) : 40.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».

ص: 275

قُلْتُ : قَوْلُهُ : «لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» ؟ قَالَ : «إِلَّا مَنْ دَانَ اللَّهَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام مِنْ بَعْدِهِ ، فَهُوَ الْعَهْدُ عِنْدَ اللَّهِ».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا» ؟ قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هِيَ الْوُدُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ» .قُلْتُ : «فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا»؟ قَالَ : «إِنَّمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلى لِسَانِهِ حِينَ أَقَامَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلَماً ، فَبَشَّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ أَنْذَرَ بِهِ الْكَافِرِينَ ، وَ هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لُدّاً أَيْ كُفَّاراً» .قَالَ : وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ» قَالَ : «لِتُنْذِرَ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَنْتَ فِيهِمْ كَمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، فَهُمْ غَافِلُونَ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنْ وَعِيدِهِ «لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ» مِمَّنْ لَا يُقِرُّونَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» بِوَلَايَةِ(1) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام ، فَلَمَّا لَمْ يُقِرُّوا ، كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ : «إِنَّا جَعَلْنا فِى أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِىَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ» فِي نَارِ جَهَنَّمَ».ثُمَّ قَالَ : ««وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» عُقُوبَةً مِنْهُ لَهُمْ ؛ حَيْثُ أَنْكَرُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ؛ هذَا فِي الدُّنْيَا ، وَ فِي الْآخِرَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ مُقْمَحُونَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، «وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» بِاللَّهِ وَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ مَنْ بَعْدَهُ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ» يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «وَ خَشِىَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ» يَا مُحَمَّدُ «بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ»» .

هديّة:الآيات في هذا الحديث في سورة مريم إلى قوله: «وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً»(2)، ثمّ في سورة يس إلى قوله: «بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ»(3)، قيل: «من» في (من قريش) للتبعيض، وقال برهان

.


1- .في الكافي المطبوع : «بإمامة».
2- .مريم (19): 97.
3- .يس (36): 11.

ص: 276

الفضلاء: للسببيّة.(الذين أقرّوا) بدل أو عطف بيان.والفاء في (فقال اللَّه) للتفريع.و«الندى» على فعيل بمعنى النادي مجلس القوم ما داموا فيه.و«الأثاث»: المتاع ومتاع البيت، و«الرِئ»: المرأى والمنظر.و(كلّهم) في مكان «أكثرهم» للمبالغة في قلّة المستثنى بعد «إلّا» بعد في قوله: «إِلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً»(1).قال برهان الفضلاء: «الساعة» يقال للإبل لا راعي لها، فالمراد من لا أحد له مَن القريب والمعاون.(مقمحون): رافعون رؤوسهم لثقل الأغلال غاضّون أبصارهم.

الحديث الحادي والتسعون روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(2) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ» قَالَ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِأَفْوَاهِهِمْ».قُلْتُ : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»؟ قَالَ : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ لِلْإِمَامَةِ(3) ؛ لِقَوْلِهِ : «الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنْزَلْنا» فَالنُّورُ هُوَ الْإِمَامُ».قُلْتُ : «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ»؟ قَالَ : «هُوَ الَّذِي أَمَرَ رَسُولَهُ بِالْوَلَايَةِ لِوَصِيِّهِ ، وَ الْوَلَايَةُ هِيَ دِينُ الْحَقِّ».قُلْتُ : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»؟ قَالَ : «يُظْهِرُهُ عَلى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ عليه السلام».

.


1- .مريم (19): 87.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل».
3- .في الكافي المطبوع : «الإمامة».

ص: 277

قَالَ : «يَقُولُ اللَّهُ : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»: وَلَايَةِ الْقَائِمِ عليه السلام «وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، أَمَّا هذَا الْحَرْفُ فَتَنْزِيلٌ ؛ وَ أَمَّا غَيْرُهُ فَتَأْوِيلٌ» .قُلْتُ : «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا» ؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى سَمّى مَنْ لَمْ يَتَّبِعْ رَسُولَهُ فِي وَلَايَةِ وَصِيِّهِ مُنَافِقِينَ ، وَ جَعَلَ مَنْ جَحَدَ وَصِيَّهُ إِمَامَتَهُ كَمَنْ جَحَدَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنْزَلَ بِذلِكَ قُرْآناً ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ» بِوَلَايَةِ وَصِيِّكَ «قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «لَكاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وَ السَّبِيلُ هُوَ الْوَصِيُّ «إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا» بِرِسَالَتِكَ وَكَفَرُوا بِوَلَايَةِ وَصِيِّكَ فَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ» .قُلْتُ : مَا مَعْنى «لَا يَفْقَهُونَ»؟ قَالَ : «يَقُولُ : لَا يَقُولُونَ (1) بِنُبُوَّتِكَ».قُلْتُ : «وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ»؟ قَالَ : «وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ : ارْجِعُوا إِلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام يَسْتَغْفِرْ لَكُمُ النَّبِيُّ مِنْ ذُنُوبِكُمْ «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ» قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ» عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ» عَلَيْهِ .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ مِنَ اللَّهِ بِمَعْرِفَتِهِ بِهِمْ ، فَقَالَ : «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» يَقُولُ : الظَّالِمِينَ لِوَصِيِّكَ» .قُلْتُ : «أَ فَمَنْ يَمْشِى مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِى سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلاً(2) مَنْ حَادَ عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام كَمَنْ يَمْشِي عَلى وَجْهِهِ لَا يَهْتَدِي لِأَمْرِهِ ، وَ جَعَلَ مَنْ تَبِعَهُ سَوِيّاً عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».

.


1- .في الكافي المطبوع : «لا يعقلون».
2- .في الكافي المطبوع : «مثل».

ص: 278

قَالَ : قُلْتُ : قَوْلُهُ : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ» ؟ قَالَ : «يَعْنِي جَبْرَئِيلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالى فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ (1) : «وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ» ؟ قَالَ : «قَالُوا : إِنَّ مُحَمَّداً كَذِبَ (2) عَلى رَبِّهِ ، وَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهذَا فِي عَلِيٍّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِذلِكَ قُرْآناً ، فَقَالَ : إِنَّ وَلَايَةَ عَلِيٍّ عليه السلام «تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا» مُحَمَّدٌ «بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ» .ثُمَّ عَطَفَ الْقَوْلَ ، فَقَالَ : إِنَّ الوَلَايَةَ(3)«لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ» لِلْعَالَمِينَ «وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ» وَ إِنَّ عَلِيّاً «لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ» وَ إِنَّ وَلَايَتَهُ «لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ (4) بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» يَقُولُ : اشْكُرْ رَبَّكَ الْعَظِيمَ الَّذِي أَعْطَاكَ هذَا الْفَضْلَ» .قُلْتُ : قَوْلُهُ : «لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ»؟ قَالَ : «الْهُدَى : الْوَلَايَةُ ، آمَنَّا بِمَوْلَانَا ، فَمَنْ آمَنَ بِوَلَايَةِ مَوْلَاهُ «فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً»».قُلْتُ : تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «لَا ، تَأْوِيلٌ».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً»؟ قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دَعَا النَّاسَ إِلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَاجْتَمَعَتْ (5) قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ ، أَعْفِنَا مِنْ هذَا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : هذَا إِلَى اللَّهِ لَيْسَ إِلَيَّ ، فَاتَّهَمُوهُ وَ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى : «قُلْ إِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً * قُلْ إِنِّى لَنْ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ» إِنْ عَصَيْتُهُ «أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلَاغاً مِنَ اللَّهِ وَ رِسَالَاتِهِ» فِي عَلِيٍّ عليه السلام» .قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ». ثُمَّ قَالَ تَوْكِيداً : ««وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ» فِي وَلَايَةِ

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال : قلت» بدل «قلت».
2- .في الكافي المطبوع : «كذّاب».
3- .في الكافي المطبوع : «ولاية عليّ».
4- .في الكافي المطبوع : + «يا محمّد».
5- .في الكافي المطبوع : + «إليه».

ص: 279

عَلِيٍّ عليه السلام «فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً»».قُلْتُ : «حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً»؟ «يَعْنِي بِذلِكَ الْقَائِمَ عليه السلام وَ أَنْصَارَهُ».قُلْتُ : «وَ اصْبِرْ(1) عَلى ما يَقُولُونَ»؟ قَالَ : «يَقُولُونَ فِيكَ : «وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا * وَ ذَرْنِى» يَا مُحَمَّدُ «وَ الْمُكَذِّبِينَ» بِوَصِيِّكَ «أُولِى النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا»».قُلْتُ : إِنَّ هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ : «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» ؟ قَالَ : «يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ وَصِيَّهُ حَقٌّ» .قُلْتُ : «وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً»؟ قَالَ : «يَزْدَادُونَ (2) بِوَلَايَةِ الْوَصِيِّ إِيمَاناً».قُلْتُ : «وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ : «بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ : مَا هذَا الِارْتِيَابُ ؟ قَالَ : «يَعْنِي بِذلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ ، فَقَالَ : وَ لَا يَرْتَابُونَ فِي الْوَلَايَةِ» .قُلْتُ : «وَ ما هِىَ إِلّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام».قُلْتُ : «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ» ؟ قَالَ : «الْوَلَايَةُ».قُلْتُ : «لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» ؟ قَالَ : «مَنْ تَقَدَّمَ إِلى وَلَايَتِنَا ، أُخِّرَ عَنْ سَقَرَ ، وَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنَّا ، تَقَدَّمَ إِلى سَقَرَ».«إِلّا أَصْحابَ الْيَمِينِ»؟ «هُمْ (3) وَ اللَّهِ شِيعَتُنَا».قُلْتُ : «لَمْ نَكَ مِنَ الْمُصَلِّينَ» ؟ قَالَ : «إِنَّا لَمْ نَتَوَلَّ وَصِيَّ مُحَمَّدٍ وَ الْأَوْصِيَاءَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ» .قُلْتُ : «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ» ؟ قَالَ : «عَنِ الْوَلَايَةِ(4)».

.


1- .هكذا في القرآن و المطبوع وفي «الف» و «د» : «فاصبر».
2- .في الكافي المطبوع : «و يزدادون».
3- .في الكافي المطبوع : «قال : هم» بدل «هم».
4- .في الكافي المطبوع : + «معرضين».

ص: 280

قُلْتُ : «كَلّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ» ؟ قَالَ : «الْوَلَايَةُ».قُلْتُ : قَوْلُهُ : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» ؟ قَالَ : «يُوفُونَ لِلَّهِ بِالنَّذْرِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ مِنْ وَلَايَتِنَا».قُلْتُ : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا» ؟ قَالَ : «بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ تَنْزِيلًا».قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، ذَا تَأْوِيلٌ».قُلْتُ : «إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ»؟ قَالَ : «الْوَلَايَةُ».قُلْتُ : «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِى رَحْمَتِهِ» ؟ قَالَ : «فِي وَلَايَتِنَا. قَالَ : «وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» أَ لَا تَرى أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : «وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»»؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَعَزُّ وَ أَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ أَوْ يَنْسُبَ نَفْسَهُ إِلى ظُلْمٍ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ خَلَطَنَا بِنَفْسِهِ ، فَجَعَلَ ظُلْمَنَا ظُلْمَهُ ، وَ وَلَايَتَنَا وَلَايَتَهُ ، ثُمَّ أَنْزَلَ بِذلِكَ قُرْآناً عَلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»» .قُلْتُ : هذَا تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ : «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»؟ قَالَ : «يَقُولُ : وَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ يَا مُحَمَّدُ ، بِمَا أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ مِنْ وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ».قلت :(1)«أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ»؟ قَالَ : «الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فِي طَاعَةِ الْأَوْصِيَاءِ».«كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ» ؟ قَالَ : «مَنْ أَجْرَمَ إِلى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ رَكِبَ مِنْ وَصِيِّهِ مَا رَكِبَ».قُلْتُ : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ» ؟ قَالَ : «نعم ،(2) نَحْنُ - وَ اللَّهِ - وَ شِيعَتُنَا ، لَيْسَ عَلى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرُنَا ، وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْهَا بُرَآءُ».قُلْتُ : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ» الْآيَةَ ؟ قَالَ : «نَحْنُ - وَ اللَّهِ -

.


1- .في «د» و الكافي المطبوع : - «قلت».
2- .في الكافي المطبوع : - «نعم».

ص: 281

الْمَأْذُونُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ الْقَائِلُونَ صَوَاباً».قُلْتُ : مَا تَقُولُونَ إِذَا تَكَلَّمْتُمْ ؟ قَالَ : «نُمَجِّدُ رَبَّنَا ، وَ نُصَلِّي عَلى نَبِيِّنَا ، وَ نَشْفَعُ شِيعَتَنَا(1) ، وَ لَا يَرُدُّنَا(2)رَبُّنَا».قُلْتُ : «كَلّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ»؟ قَالَ : «هُمُ الَّذِينَ فَجَرُوا فِي حَقِّ الْأَئِمَّةِ ، وَ اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ».قُلْتُ : «ثُمَّ يُقَالُ هذَا الَّذِى كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ»؟ قَالَ : «يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : تَنْزِيلٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:(قال سألته عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ») الآية في سورة الصفّ.(3)(قلت: «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»(4)) يعني ما تفسيره وفيه قراءتان: نصب «نوره» ف «متمّ» بالتنوين، وجرّه بالإضافة.(لقوله تعالى: الذين آمنوا باللَّه ورسوله والنور الذي أنزلنا) نقل بالمعنى، فإنّ في سورة التغابن «فآمنوا» مكان «الذين آمنوا»،(5) وفي سورة النور: «ثمّ لم يرتابوا»(6) مكان «والنور الذي أنزلنا». قال برهان الفضلاء: إنّما نقل عليه السلام بالمعنى إشارة إلى أنّ الآيتين بمعنى.(قلت: «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ»7) إلى قوله: (وأمّا غيره فتأويل)

.


1- .في الكافي المطبوع : «لشيعتنا».
2- .في الكافي المطبوع : «فلا يردّنا».
3- .الصفّ (61): 8 .
4- .التغابن (64) : 8 ، والآية هكذا : «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذى أنْزَلْنا وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ».
5- .النور (24) : 62 ، والآية هكذا : «إنَّما الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إذا كانُوا مَعَهُ عَلى أمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ». فمراد المصنف الآية 15 من سورة الحجرات (49) : «إنَّما الْمُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا».
6- .التوبة (9): 33.

ص: 282

الآية في سورة الفتح،(1) فسّر دين الحقّ بالإضافة بدين اللَّه، قيل: قلت: هذا تنزيل يعني تنزيل من اللَّه في الإمام في هذا الدِّين وتأويل من اللَّه في الحجج في الأديان السالفة أو بالعكس.(أمّا هذا الحرف) أي الذي قلته، والتذكير باعتبار القول، (فتنزيل) يعني في الحجّة في هذا الدِّين ذو تأويل للحجج السالفة.(وامّا غيره فتأويل) يعني تنزيل في السلف ذو تأويل في الآخرين.وقال برهان الفضلاء:«التنزيل» بيان المعنى المستعمل فيه اللفظ و«الحرف» بيان معنى اللفظ، و«التأويل» بيان إشارة تكون مقصودة للمتكلّم وخارجة عن المستعمل فيه اللفظ غير منافية له، فقوله: «أمّا هذا الحرف» يعني هذا البيان الذي هو بيان المعنى المستعمل فيه اللفظ، و«أمّا غيره» فبيان المعنى الخارج من المستعمل فيه اللفظ غير مناف له.(قلت: ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا) إلى قوله: (يقول الظالمين لوصيّك) الآيات في سورة المنافقين.(2)(أيمانهم) بفتح الهمزة أي اتّخذوا ما يحلفون به جُنّة من النار، أو من العذاب في الدنيا عن المؤمنين، أو من فضيحة شهرتهم بين الناس بالنفاق.قال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه في مجمع البيان: وفي الشواذّ قراءة الحسن «إيمانهم» بكسر الهمزة.(3)والمعنى في القراءتين واحد، يعني الحسن البصري من الصوفيّة القدريّة.والباء في (بنبوّتك) للتقوية، في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «لا يعقلون بنبوّتك» مكان (لا يقولون بنبوّتك) يعني على النسختين، لعدم صحّة الإقرار بالنبوّة بدون الإقرار بالإمامة. و«الفسق» لغةً الظلم.

.


1- .الفتح (48) : 48 ؛ وكذلك الآية مذكورة في التوبة (9) : 33 ؛ والصفّ (61) : 9.
2- .المنافقون (63) : 3.
3- .مجمع البيان ، ج 10 ، ص 438.

ص: 283

(قلت: «أ فَمَنْ يَمْشى مُكِبّاً عَلى وَجْهِهِ») إلى قوله: (والصراط المستقيم: أمير المؤمنين عليه السلام) والآية في سورة الملك.(1) «أهدى» أفعل التفضيل للمهتدي على اسم الفاعل يقال: «هداه اللَّه فاهتدى. قيل: وقع بيني وبين رجل من المخالفين كلام في ظلم الثاني ونفاقه وخصاله الاُخر من مكارمه الذميمة، فقال الرجل: ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين، فأين في الكتاب ما اشتهر بينكم من قصّة الأفلح مولى الثاني، فقرأت: أفمن يمشي مكبّاً على وجهه إلى آخر الآية.(حادَ): مالَ.(قال: قلت: قوله: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ») إلى قوله: (أعطاك هذا الفضل) الآيات وبعضها نقل بالمعنى في سورة الحاقّة.(2)(كذب على ربّه) على الماضي المعلوم. وفي بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «كذّاب على ربّه» على صيغة المبالغة، قال: وكذّاب اسم شاعر في العرب كان مشهوراً بالإفراط في المبالغة في الأشعار، فاستعير هنا للمفرط في المبالغة في فضل وصيّه كالحاتم للجواد.و«التقوّل»: تكلّف القول. و(الأقاويل): جمع الأقوال جمع القول، فللمبالغة في الكثرة، (لأخذنا منه) أي الرسالة، (باليمين) أي بقوّتنا وقدرتنا، و(الوتين): العرق التي علّق عليها القلب إذا قطعت مات صاحبه.(للعالمين) عطفُ بيانٍ للمتّقين، فعلى فتح اللام إشارةٌ إلى أنّ غير أهل التبرّي بالنظر إلى أهل التبرّي فيما سوى اللَّه كأنّه معدوم، وعلى كسر اللام - كما ضبط برهان الفضلاء - وجهه ظاهر.(وأنّ عليّاً) بيانٌ لمرجع الضمير في «وَ إنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرينَ».(3)

.


1- .الملك (67) : 22.
2- .الحاقة (69): 40 .
3- .الحاقة (69) : 50.

ص: 284

(قلت: قوله: لمّا سمعنا الهدى) إلى قوله: (القائم وأنصاره) الآيات وبعضها نقل بالمعنى في سورة الجنّ.(1)و«البخس»: النقص، و«الرهق»: الضلالة.و«الرشد»: الهدى.«أعفاه»: جعله معافاً.و«الملتحد»: الملجأ والمعتمد.(قلت:)«لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» إلى قوله: (قلت «كَلّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ»، قال: الولاية)، الآيات في سورة المدّثر ، سوى «كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ» وهي في سورة عبس،(2) وفي سورة المدّثر «إنّه» مكان «إنّها».(3) قال برهان الفضلاء: فلعلّ ذكرها هنا لطلب التفسير لكلتيهما، ففي الجواب إشارة إلى أنّ المعنى فيهما واحد، والمرجع (4)الولاية وصاحب الولاية.«وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ» فسّر «الذين اُوتوا الكتاب» بالأئمّة عليهم السلام و«الكتاب» بالقرآن.«لَإِحْدَى الْكُبَرِ» أي العظائم التي للَّه سبحانه فيها عظائم من الحِكم. (من أن يُظلم) على ما لم وأن ينسب، أي من أن يظلم على المعلوم.(قلت: قوله: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ») إلى قوله: «وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» الآيات في سورة الدهر(5) سوى آية «وَ ما ظَلَمُونا» إلى آخرها، وهي في سورة البقرة وسورة الأعراف (6)للمظلوميّة، وسوى آية «وَ ما ظَلَمْناهُمْ» إلى آخرها، وهي في سورة النحل (7) للظالميّة.

.


1- .الجنّ (72) : 13 و 21.
2- .عبس (80): 11.
3- .المدّثر (74) : 54.
4- .في «د» : + «واحد».
5- .الإنسان (76) : 7.
6- .البقرة 02) : 57 ؛ الأعراف (7) : 160.
7- .النحل (16) : 118.

ص: 285

(نعم، ذا تأويل) بإضافة «ذا» إلى «تأويل»، ونصب «ذا» كما قال برهان الفضلاء على الحاليّة من «هذا»، والتقدير : «نعم هذا تنزيل ذا تأويل»، وفي كتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : «لا تأويل»(1) مكان «ذا تأويل»، والحديث هناك منقول أيضاً عن ثقة الإسلام طاب ثراه.(قلت:)«وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» إلى قوله: (وسائر الناس منها براء) الآيات في سورة المرسلات.(2)«أَ لَمْ نُهْلِكِ» في تقدير : «قلت: ألم نهلك».(قلت:)«إِنَّ الْمُتَّقِينَ» يعني آية «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى ظِلَالٍ وَعُيُونٍ»(3).(قلت:)«يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَا يَتَكَلَّمُونَ» الآية في سورة النبأ،(4) فسّر الروح هنا بالأنبياء والأوصياء عليهم السلام.(قلت: «كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ») الآية والتي بعدها في سورة المطفّفين.(5) والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

الحديث الثاني والتسعون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ،(6) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً» قَالَ : «يَعْنِي بِهِ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : «وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى» ؟ قَالَ : «يَعْنِي أَعْمَى الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ ، أَعْمَى الْقَلْبِ

.


1- .تأويل الآيات ، ص 705.
2- .المرسلات (77) 40.
3- .المرسلات (77): 41.
4- .النبأ (78): 38.
5- .المطففين (83): 7 .
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسين بن عبد الرحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 286

فِي الدُّنْيَا ، عَنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قَالَ : «وَ هُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ : «لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها»» . قَالَ : «الْآيَاتُ : الْأَئِمَّةُ عليهم السلام ، فَنَسِيتَها «وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى» يَعْنِي تَرَكْتَهَا ، وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ ، كَمَا تَرَكْتَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام ، فَلَمْ تُطِعْ أَمْرَهُمْ ، وَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ».قُلْتُ : «وَ كَذلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى»؟ قَالَ : «يَعْنِي مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام غَيْرَهُ ، وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ ، وَ تَرَكَ الْأَئِمَّةَ مُعَانَدَةً ، فَلَمْ يَتَّبِعْ آثَارَهُمْ ، وَ لَمْ يَتَوَلَّهُمْ».قُلْتُ : «اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ»؟ قَالَ : «وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».قُلْتُ : «مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ»؟ قَالَ : «مَعْرِفَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام».«نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ» ؟ قَالَ : «نَزِيدُهُ مِنْهَا».قَالَ : «يُسْتَوْفَى نَصِيبُهُ مِنْ دَوْلَتِهِمْ».«وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»؟ قَالَ : «لَيْسَ لَهُ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ مَعَ الْقَائِمِ عليه السلام نَصِيبٌ» .

هديّة:الآيات في سورة طه،(1) وآية «اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ» وما ذكرت بعدها في سورة الشورى.(2)(ضنكاً) أي ضيقاً وغير مهنّئ، قيل: لعلّ حشرهم في القيامة أعمى خاصّ ببعضهم.وقال برهان الفضلاء: يعني بعد تمام الحساب، حساب الناس يوم الحساب، وإغباطهم بما ينظرون من منازل أهل الولاية، وأفضل أنواع لطفه تعالى إرسال الرُّسُل وبعث الحجج.(نستوفي)(3) على المتكلّم مع الغير، أو الغائب على ما لم يسمّ فاعله.

.


1- .طه (20) : 124.
2- .الشورى (42) : 19 - 20.
3- .ضبطه في المتن سابقاً «يستوفى» على الغائب.

ص: 287

باب فيه نتف و جوامع من الرّواية في الولاية

الباب التاسع والمائة : بَابٌ فِيهِ نُتَفٌ وَ جَوَامِعُ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي الْوَلَايَةِوأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ،(1) عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ - وَ هُمْ ذَرٌّ - يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ ، وَ الْإِقْرَارَ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ» .

هديّة:(والإقرار) عطف على «الولاية». وبيانه كنظايره، وقد سبقت في عدّة مواضع.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ ،(2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَريِّ ،(3)عَنْ أَبِي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يعقوب الكليني ، عن محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة».
3- .في الكافي المطبوع جديداً مستنداً ببعض النسخ : «الجعفي». وقد روى صالح بن عقبة عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفي في بعض الأسناد. والجعفي هو المذكور في كتب الرجال. راجع : رجال البرقي ، ص 10 ؛ رجال الطوسي ، ص 118 ، رقم 1198 ، و ص 139 ، رقم 1473 ، وص 231 ، رقم 3133 ؛ معجم رجال الحديث ، ج 10 ، ص 497. ثمّ إنّ الخبر يأتي في الكافي (ج 2 ، ص 10 ، باب آخر منه ، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديد ، ج 3 ، ص 28 ، ح 1461) بنفس الإسناد عن صالح بن عقبة، عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفي. وورد الخبر في بصائر الدرجات ، ص 80 ، ح 1 ؛ و علل الشرائع ، ص 118 ، ح 3 ؛ و تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 126 ، ح 37 ، وفي الجميع : «عبد اللَّه بن محمّد الجعفي».

ص: 288

جَعْفَرٍ عليه السلام ؛ وَ عَنْ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَخَلَقَ مَا أَحَبَّ مِمَّا أَحَبَّ ، وَ كَانَ مَا أَحَبَّ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ ، وَ خَلَقَ مَنْ (1) أَبْغَضَ مِمَّا أَبْغَضَ ، وَ كَانَ مَا أَبْغَضَ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ النَّارِ ، ثُمَّ بَعَثَهُمْ فِي الظِّلَالِ».فَقُلْتُ : وَ أَيُّ شَيْ ءٍ الظِّلَالُ ؟قَالَ : «أَ لَمْ تَرَ إِلى ظِلِّكَ فِي الشَّمْسِ شَيْ ءٌ ، وَ لَيْسَ بِشَيْ ءٍ ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِمُ النَّبِيِّينَ يَدْعُوهُمْ (2) إِلَى الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ : «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِالنَّبِيِّينَ ، فَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ ، وَ أَنْكَرَ بَعْضٌ (3) ، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلى وَلَايَتِنَا ، فَأَقَرَّ بِهَا(4) مَنْ أَحَبَّ ، وَ أَنْكَرَهَا مَنْ أَبْغَضَ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ : «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوابِما كَذَّبُوا(5) مِنْ قَبْلُ»» . ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ التَّكْذِيبُ ثَمَّ» .

هديّة:بيان العنوان: يعني فيه لطائف الآثار والعلامات وجوامع للأنبياء والملائكة والمؤمنين من روايات أهل البيت في ولايتهم عليهم السلام.قيل: «الظلّ» هنا وفي نظائره عبارة عن عالم المجرّدات، والعلاقة التجرّد عن كثافة المادّة، وهو مع ابتنائه على اُصول الفلاسفة ليس بشي ء.

.


1- .في الكافي المطبوع : «ما».
2- .في الكافي المطبوع : «يدعونهم».
3- .في الكافي المطبوع : «بعضهم».
4- .في الكافي المطبوع : + «و اللَّه».
5- .في الكافي المطبوع : + «به» وعليه تكون مطابقاً لسورة يونس (10) : 74 ، وأمّا بدون «به» كما في «الف» و «د» تكون مطابقاً لسورة الأعراف (7) : 101.

ص: 289

وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه:«الظلّ» هنا وفي نظائره اُستعير لاُنموذج شي ء ليس بشي ء، بمعنى لا يعتدّ به؛ لأنّه مجرّدُ نموذجٍ ليس بعد بمنشأ للآثار ومبدأ لأحكام الثواب والعقاب. قال: ونظيره تسميتهم الوجود الذهني بالوجود الظلّي.(بعث اللَّه فيهم النبيّين يدعوهم) أي يدعوهم اللَّه بواسطة النبيّين عليهم السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «البيّنين» على تثنية البيّن كسيّد، قال: يعني أظهر لهم طريقي الخير والشرّ؛ قال اللَّه تعالى في سورة البلد: «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(1)، قال: وفاعل «يدعوهم» البعث المفهوم من بعث اللَّه.وآية: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ» في سورة الزخرف،(2) والأخيرة في سورة الأعراف.(3)وسيذكر هذا الحديث بتفاوت قليل في الباب الثالث في كتاب الإيمان والكفر إن شاء اللَّه تعالى.(4)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ،(5) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «وَلَايَتُنَا وَلَايَةُ اللَّهِ الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌ (6) قَطُّ إِلَّا بِهَا» .

هديّة:يعني اتّصافنا بأنّنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم اتّصافه تعالى بذلك.(لم يبعث) للمبتدأ أو للخبر، والكلّ مستقيم. ولعلّ المراد الأوّل لمثل التالي.

.


1- .البلد (90): 10.
2- .الزخرف (43): 87 .
3- .الأعراف (7) : 101.
4- .الكافي ، ج 2 ، ص 10 ، باب آخر منه، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 3 ، ص 28 ، ح 1461.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف ، عن العبّاس بن عامر ، عن أحمد بن رزق الغمشانيّ ، عن محمّد بن عبد الرحمن».
6- .في الكافي المطبوع : «نبيّا».

ص: 290

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ،(1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَا مِنْ نَبِيٍّ جَاءَ قَطُّ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ حَقِّنَا ، وَ تَفْضِيلِنَا عَلى مَنْ سِوَانَا» .

هديّة:(وتفضيلنا) إمّا عطفٌ على (حقّنا) بعطف التفسير، أو على «المعرفة»، ففاعل التفضيل على الأوّل هو اللَّه تعالى، وعلى الثاني الاُمّة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ الْكِنَانِيِّ ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «وَ اللَّهِ ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَسَبْعِينَ صَفّاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ يُحْصُونَ عَدَدَ كُلِّ صِنْفٍ (3)مِنْهُمْ ، مَا أَحْصَوْهُمْ ، وَ إِنَّهُمْ لَيَدِينُونَ بِوَلَايَتِنَا» .

هديّة:قيل: (لسبعين) كنايةٌ عن الجميع. وقال برهان الفضلاء : «الكلّ» في «كلّهم» كلّ المجموعي، لا الافرادي. والمراد من «السبعين» الملائكة الذين ذكرهم إنّما هو الصلاة على النبيّ وآله صلى اللَّه عليه وآله، وهو المعنى بقوله: «ليدينون بولايتنا» أي ليطيعون اللَّه بها، «دانه»: أطاعه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(4) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : «وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مَكْتُوبَةٌ فِي جَمِيعِ صُحُفِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِلَّا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ وَصِيَّةِ عَلِيٍّ عليه السلام» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد الأعلى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصبّاح الكناني».
3- .في الكافي المطبوع : «صف».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 291

هديّة:قيل: الظاهر «ولم» مكان (ولن).أقول: والأولى كما ضبط، والمعنى: ولن يبعث اللَّه من أوّل الدنيا إلى آخرها.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - نَصَبَ عَلِيّاً عليه السلام عَلَماً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ ؛ فَمَنْ عَرَفَهُ ، كَانَ مُؤْمِناً ؛ وَ مَنْ أَنْكَرَهُ ، كَانَ كَافِراً ؛ وَ مَنْ جَهِلَهُ ، كَانَ ضَالًّا ؛ وَ مَنْ نَصَبَ مَعَهُ شَيْئاً ، كَانَ مُشْرِكاً ؛ وَ مَنْ جَاءَ بِوَلَايَتِهِ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

هديّة:(فمن عرفه) بأنّه عليه السلام صدر الأئمّة الاثني عشر المعصومين من آل طه ويس.(ومن جهله) ولم يعلم أنّه عليه السلام مفترض الطاعة عن اللَّه ورسوله، أو اعتقد أنّه أفضل هذه الاُمّة بعد الرسول بوصوله إلى درجة الكمال بالرياضة والاكتساب.(ومن نصب معه شيئاً) كما كان يقول بنو العبّاس: السيف ونظام الملك معنا، والفتاوى في الاُمور الشرعيّة لولد أبي طالب.(ومن جاء بولايته): بمعرفته على ما ذكر أوّلاً.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ،(2) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام بَابٌ فَتَحَهُ اللَّهُ ؛ فَمَنْ دَخَلَهُ ، كَانَ مُؤْمِناً ؛ وَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ ، كَانَ كَافِراً ؛ وَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ وَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ ، كَانَ فِي الطَّبَقَةِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : لِي فِيهِمُ الْمَشِيَّةُ(3)».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثنا يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء ، عن عبد اللَّه بن سنان».
3- .في الكافي المطبوع : «المشيئة».

ص: 292

هديّة:(ومن لم يدخل فيه) بالمعرفة الواجبة، (ولم يخرج منه) بالإنكار الحرام، فمن المستضعفين (فيهم المشيّة). و(الطبقة) عبارة عن الطائفة.وقال برهان الفضلاء: يعني ومن لم يدخل فيه بمعرفته بأنّ معرفته عليه السلام واجبة؛ لأنّها مصداق لمعرفة اللَّه تعالى، ولم يخرج منه بالإنكار أصلاً، فمعرفته مجرّد تصديق الإمامة مجرّداً عن الكيفيّة المذكورة.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ،(1) عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ شِيعَتِنَا بِالْوَلَايَةِ لَنَا - وَ هُمْ ذَرٌّ - يَوْمَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذَّرِّ بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِالنُّبُوَّةِ ، وَ عَرَضَ اللَّهُ - جَلَّ وَ عَزَّ - عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله أُمَّتَهُ فِي الطِّينِ وَ هُمْ أَظِلَّةٌ ، وَ خَلَقَهُمْ مِنَ الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا آدَمُ ، وَ خَلَقَ اللَّهُ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا قَبْلَ أَبْدَانِهِمْ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، وَ عَرَضَهُمْ عَلَيْهِ ، وَ عَرَّفَهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ عَرَّفَهُمْ عَلِيّاً عليه السلام ، وَ نَحْنُ نَعْرِفُهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ» .

هديّة:(وعرضهم عليه) يعني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أو على آدم، كما قال برهان الفضلاء.(وعرّفهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) يعني عرّفهم للرسول صلى اللَّه عليه وآله أو عرّف لهم الرسول صلى اللَّه عليه وآله، وكذا (وعرّفهم عليّاً عليه السلام). ولعلّ الثاني أولى.(ونحن نعرفهم في لحن القول) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة محمّد: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ»(2). الجوهري: قوله تعالى: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ» أي في فحواه ومعناه.(3) وقيل: يعني في طرز القول أوّلاً في الميثاق؛ واللَّه أعلم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب».
2- .محمّد (47): 30.
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2194 (لحن).

ص: 293

باب في معرفتهم أولياءهم و التّفويض إليهم

الباب العاشر والمائة : بَابٌ فِي مَعْرِفَتِهِمْ عليهم السلام أَوْلِيَاءَهُمْ وَ التَّفْوِيضِ إِلَيْهِمْ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة أو أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - وَ هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَنَا وَ اللَّهِ أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كَذَبْتَ ، قَالَ : بَلى وَ اللَّهِ ، إِنِّي أُحِبُّكَ وَ أَتَوَلَّاكَ ،(2) فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : كَذَبْتَ ، مَا أَنْتَ كَمَا قُلْتَ ؛ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَرْوَاحَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْنَا الْمُحِبَّ لَنَا ، فَوَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُ رُوحَكَ فِيمَنْ عُرِضَ ، فَأَيْنَ كُنْتَ ، فَسَكَتَ الرَّجُلُ عِنْدَ ذلِكَ ، وَ لَمْ يُرَاجِعْهُ» .وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «كَانَ فِي النَّارِ» .

هديّة:في العنوان: (والتفويض إليهم) يعني كما يجي ء في الحديث السادس في الباب التالي في الجواب على أنحاء شتّى عن سؤال الخلق والسكوت بإذن اللَّه تعالى؛ لمعرفته عن اللَّه بكيفيّة الجواب، وسيفصّل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل».
2- .في الكافي المطبوع : + «فكرر ثلاثاً».

ص: 294

(إنّ رجلاً) يعني من المنافقين.(وأتولّاك) يعني وأقرّ بولايتك إنّك إمامٌ مفترض الطاعة.(وفي رواية اُخرى) كلامُ ثقةِ الإسلام.قوله عليه السلام: (في النار) توبيخٌ على التمليح، يعني كان في أهل النار الذين لم يقرّوا بولايتنا في الميثاق.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ ،(1) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ - إِذَا رَأَيْنَاهُ - بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ» .

هديّة:يعني بالإيمان الأزلي وخير العاقبة، والنفاق الأزلي وسرّ العاقبة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِمَامِ : فَوَّضَ اللَّهُ إِلَيْهِ كَمَا فَوَّضَ إِلى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ». وَ ذلِكَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَهُ فِيهَا ، وَ سَأَلَهُ آخَرُ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ، فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ جَوَابِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ آخَرُ ، فَأَجَابَهُ بِغَيْرِ جَوَابِ الْأَوَّلَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : ««هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ (أَعْطِ)(3) بِغَيْرِ حِسابٍ» وَ هكَذَا هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».قَالَ : قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، فَحِينَ أَجَابَهُمْ بِهذَا الْجَوَابِ يَعْرِفُهُمُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ!

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمّار بن مروان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد اللَّه بن سليمان».
3- .كذا في «د» و حاشية «الف» ، وفي «الف» والقرآن : «أمسك».

ص: 295

أَ مَا تَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ : «إِنَّ فِى ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ «وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ» لَا يَخْرُجُ مِنَّا(1) أَبَداً».ثُمَّ قَالَ لِي : «نَعَمْ ، إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَبْصَرَ إِلَى الرَّجُلِ ، عَرَفَهُ وَ عَرَفَ لَوْنَهُ ، وَ إِنْ سَمِعَ كَلَامَهُ مِنْ خَلْفِ حَائِطٍ ، عَرَفَهُ وَ عَرَفَ مَا هُوَ ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : «وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ» وَ هُمُ الْعُلَمَاءُ ، فَلَيْسَ يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ امْرِى ءٍ(2)يَنْطِقُ بِهِ إِلَّا عَرَفَهُ نَاجٍ أَوْ هَالِكٌ ، فَلِذلِكَ يُجِيبُهُمْ بِالَّذِي يُجِيبُهُمْ» .

هديّة:(فوّض اللَّه إليه) في الجواب عن المسائل بالتنزيل والتأويل والتقيّة والسكوت وغير ذلك من الأنحاء.(وذلك أنّ رجلاً) معترضةٌ بين سابقها.وقوله: (ثمّ قال: هذا عطاؤنا) يعني وكان الباعث لسؤالي عنه عليه السلام مشاهدتي رجلاً كذا وكذا، «ثمّ قال :» يعني تلا هذه الآية من سورة ص بمضمونها، فقرأ مكان «أوْ أمْسِكْ»(أو اعط).(وهكذا هي في قراءة عليّ عليه السلام) يعني بهذا المعنى قرأها عليّ عليه السلام.قال برهان الفضلاء: يعني وهكذا فسّرت هذه الآية عند قراءة عليّ عليه السلام إيّاها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ليكتب بخطّه في الجامعة.قيل: في وجه تفسير الإمساك بالإعطاء إنّه إشارة إلى أنّه ليس المراد مطلق الإمساك، بل عن بعضٍ والإعطاء لبعض. وقيل: للإشارة إلى أنّ الإعطاء للمؤمن نعمة له، ولغيره ليس كذلك؛ فإمساك بغير حساب.(أما تسمع اللَّه يقول) في سورة الحجر.(3) و«التوسّم»: التفرّس.

.


1- .في الكافي المطبوع : «منها».
2- .في الكافي المطبوع : «من الأمر».
3- .الحجر (15) : 75.

ص: 296

(لا يخرج منّا أبداً) بيانٌ ل (مقيم).(وعرف لونه) قيل: يعني صبغة اللَّه هو، أو صبغة الشيطان.والآية الأخيرة في سورة الروم.(1)في بعض النسخ : «من المرء»، وفي بعض آخر : «من الأمر»، وفي آخر : «من أمر» مكان (من امرئ).

.


1- .الروم (30) : 22.

ص: 297

باب مولد النبيّ و وفاته

الباب الحادي عشر والمائةأَبْوَابُ التَّارِيخِ بَابُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ وَفَاتِهِ وأحاديثه كما في الكافي بما رواه مصنّفه على نهج نقل التاريخ أحد وأربعون، أو اثنان وأربعون:

الحديث الأوّل (1)روى في الكافي على نهج نقل التاريخ، وقال: وُلِدَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي عَامِ الْفِيلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ الزَّوَالِ .وَ رُوِيَ أَيْضاً عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً .وَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطى ، وَ كَانَتْ فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ وَلَدَتْهُ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ فِي دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فِي الزَّاوِيَةِ الْقُصْوى عَنْ يَسَارِكَ وَ أَنْتَ دَاخِلُ الدَّارِ ، وَ قَدْ أَخْرَجَتِ الْخَيْزُرَانُ ذلِكَ الْبَيْتَ ، فَصَيَّرَتْهُ مَسْجِداً يُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ .وَ بَقِيَ بِمَكَّةَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَ مَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ قُبِضَ عليه السلام لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً .وَ تُوُفِّيَ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ أَخْوَالِهِ وَ هُوَ ابْنُ شَهْرَيْنِ .

.


1- .لا يخفى أنّ ما ذكر على نهج التاريخ من كلام ثقة الإسلام الكليني ، وليس نصّ الحديث ولم ينقله عن الأئمّة عليهم السلام.

ص: 298

وَ مَاتَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَ هُوَ صلى اللَّه عليه وآله ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ .وَ مَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله نَحْوُ ثَمَانِ سِنِينَ .وَ تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ وَ هُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً ، فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ صلى اللَّه عليه وآله : الْقَاسِمُ ، وَ رُقَيَّةُ ، وَ زَيْنَبُ ، وَ أُمُّ كُلْثُومٍ ؛ وَ وُلِدَ لَهُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ : الطَّيِّبُ ، وَ الطَّاهِرُ ، وَ فَاطِمَةُ صَلوات اللَّه عليها .وَ رُوِيَ أَيْضاً : أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ لَهُ بَعْدَ الْمَبْعَثِ إِلَّا فَاطِمَةُ عليها السلام ، وَ أَنَّ الطَّيِّبَ وَ الطَّاهِرَ وُلِدَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ .وَ مَاتَتْ خَدِيجَةُ عليها السلام حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الشِّعْبِ ، وَ كَانَ ذلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ .وَ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِسَنَةٍ ، فَلَمَّا فَقَدَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله شَنَأَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ ، وَ دَخَلَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ ، وَ شَكَا ذلِكَ إِلى جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِ : اخْرُجْ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ؛ فَلَيْسَ لَكَ بِمَكَّةَ نَاصِرٌ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ ، وَ أَمَرَهُ عليه السلام بِالْهِجْرَةِ .

هديّة:اللام في (لاثنتي عشرة) بمعنى «عند».لا خلاف في أنّه صلى اللَّه عليه وآله ولد بمكّة في زمن انوشيروان كسرى عام الفيل، وأمّا ما ذكره ثقة الإسلام من أنّه صلى اللَّه عليه وآله ولد لاثنتا عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل في عام الفيل فهو ما عليه العامّة وأكثر أهل مكّة والمدينة وهو خلاف ما صحّ عند أصحابنا. والمشهور عندنا، بل ما عليه جميع أصحابنا عدا ثقة الإسلام أنّه صلى اللَّه عليه وآله ولد بمكّة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل، وروي أيضاً في الموضعين كلام ثقة الإسلام.والمشهور في وجه تسمية أيّام التشريق بمعنى ثلاثة أيّام بعد يوم النحر أنّ لحوم الأضاحيّ تشرّق فيها، أي تقدّد في الشمس. تشريق الشمس اللحم: تقديدها إيّاه. وقيل: «التشريق»: الذهاب من الفي ء إلى الشمس، يعني من البلد إلى الصحراء، ولذا سمّي مسجد الخيف بمنى ب «المشرّق» على اسم المفعول من التفعيل.

.

ص: 299

فالمراد هنا بأيّام التشريق إن كان تلك الأيّام من ذي الحجّة، فمدّة حمله صلى اللَّه عليه وآله ثلاثة أشهر أو خمسة عشر شهراً، فقيل فيه: إنّه لم يعدّ من خصائصه صلى اللَّه عليه وآله. واُجيب بعدم النصّ في حصر أيّام التشريق فيما هو المتعارف من أنّها ثلاثة. وعدم الذِّكر ليس بدليل الانحصار، فلعلّها كانت قد تطلق على ما قبل النفر ثلاثة كانت أو أكثر. وإن كانت أيّاماً اُخر في غير الموسم كأيّام إصحارهم من خوف أبرهة صاحب الفيل، أو لأجل النُّسُك وعبادتهم في منى، أو لغرض آخر، كقيام سوق في غير الموسم فلا إشكال.وقيل: بل المراد الثلاثة من غير ذي الحجّة في حجّ المشركين، فإنّهم كانوا يحجّون في غير ذي الحجّة أيضاً، كما قال اللَّه تعالى في سورة التوبة: «إِنَّمَا النَّسِى ءُ زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ»(1)و«النسي ء» : فعيل بمعنى المفعول من نساه: أخّره، فقيل بعد ذلك من مثل عبد اللَّه بن عبد المطّلب وإن كان تقيّة أو لضرورة اُخرى سيّما في سنة علوق الحمل بمثله صلى اللَّه عليه وآله.و«الشِّعب» بالكسر: الطريق في الجبل والفضاء فيما بين الجبلين والمنزل بينهما، وبالفتح: القبيلة العظيمة، والصَّدْع (2) في الشي ء جبلاً كان أو غيره، وكان صلى اللَّه عليه وآله محفوظاً عن المشركين مدّة في شعب أبي طالب عنده في إقامته في شعبه.و(الخيزران) بفتح المعجمة وسكون الياء وضمّ الزاي وفتح الراء: القصب، و«الخيزرانة»: سكّان السفينة، وكان اسم اُمّ المهدي العبّاسي زوجة المنصور الدوانيقي «خيزران»، قاله برهان الفضلاء أيضاً. وقال بعض المعاصرين: «الخيزران» اسم جارية الخليفة.(3)(أخرجت) أي وضعته عن سائر البيوت، وفتحت بابه إلى خارجها للزوّار.(ثمّ قبض عليه السلام لاثنتا عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل)؛ الكلام هنا كما في تاريخ الولادة ، والمشهور عند أصحابنا أنّه صلى اللَّه عليه وآله قبض يوم الاثنين، الثامن والعشرين من صفر.

.


1- .التوبة (9): 37.
2- .الصَّدْع : الشقّ في الشي ء الصُّلْب. كتاب العين ، ج 1 ، ص 291 (صدع).
3- .الوافي ، ج 3 ، ص 723، ذيل ح 1335.

ص: 300

(لويّ بن غالب) بضمّ اللام وفتح اللام وتشديد الخاتمة: تصغير «اللّويّ» على فعيل بمعنى الفاعل أو المفعول، لويت الحبل: فتلته، ورأسه: عطفته.و«البضع» بالكسر في العدد: ما بين العقدين. الجوهري وبعض العرب يفتح الباء، قال: وهو ما بين الثلاث إلى التسع، ثمّ قال: تقول بضع سنين وبضعة عشر رجلاً وبضع عشرة امرأة، فإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا تقول: بضع وعشرون،(1) وأنت خبير بأنّ أهل الأخبار من العرف أعرف بلغتهم.وإنّما لم يذكر إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله هنا لأنّ المراد ذكر من ولد في مكّة من خديجة، وولد إبراهيم من مارية القبطيّة.«سام المقام بكذا» كعلم: ملّه. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «شنا المقام» كمنع، أي أبغضه.وروى الشيخ في التهذيب أيضاً على نهج نقل التاريخ، وقال:كنيته صلى اللَّه عليه وآله أبو القاسم، ولد بمكّة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل، وصدع بالرسالة في يوم السابع والعشرين من رجب، وله صلى اللَّه عليه وآله أربعون سنة، وقبض بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين من صفر سنة عشر من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستّين سنة، واُمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لويّ بن غالب، وقبره بالمدينة في حجرته التي توفّي فيها، وكان قد أسكنها في حياته عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة. فلمّا قبض النبيّ صلى اللَّه عليه وآله اختلف أهل بيته ومن حضر من أصحابه في الموضع الذي ينبغي أن يُدفن فيه، فقال بعضهم: يُدفن بالبقيع، وقال آخرون : يُدفن في صحن المسجد، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ اللَّه تعالى لم يقبض نبيّه إلّا في أطهر البقاع، فينبغي أن يُدفن في البقعة التي قبض فيها»، فاتّفقت الجماعة على قوله عليه السلام، ودُفن في حجرته على ما ذكرناه.(2)قوله: «وصدع بالرسالة»، أي وأظهرها، صدعت الشي ء وبالشي ء كمنع: أظهرته، قال

.


1- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1186 (بضع).
2- .تهذيب الأحكام، ج 6 ، ص 2.

ص: 301

الفرّاء في قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(1) أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك.(2)وروى سعد بن عبداللَّه في مختصر البصائر بإسناده عن الجوهري، عن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «سمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يوم خيبر فتكلّم اللحم، فقال: يارسول اللَّه إنّي مسموم، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عند موته: اليوم قطعت مطاي الأكلة التي أكلتها بخيبر، وما من نبيّ ولا وصيّ إلّا مات شهيداً».(3)قيل في دفع الإشكال في هذا الحديث: لعلّه صلى اللَّه عليه وآله قد اُوحي إليه بعد تكلّم اللحم أنّك ميّت وأنّهم ميّتون، ولابدّ لك من الموت والشهادة فكُلْه، وهو لا يضرّك اليوم وكنت الذي اختار الشهادة عند تخييرك بين البقاء والذهاب شهيداً. «قطعه»: كمنع، وشدّد للكثرة، و«المطا» بالفتح والقصر: الظهر، والظاهر أنّ «وما من نبيّ ولا وصيّ» كلام أبي عبداللَّه عليه السلام .

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ أَخِي حَمَّادٍ الْكَاتِبِ ،(4) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله سَيِّدَ وُلْدِ آدَمَ؟ فَقَالَ : «كَانَ وَ اللَّهِ سَيِّدَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ ؛ وَ مَا بَرَأَ اللَّهُ بَرِيَّةً خَيْرٌ(5)مِنْ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:لا يخفى مناسبة أحاديث هذا الباب ولو بالتفاوت لما ذكر ثقة الإسلام في العنوان كما نقلناه.

.


1- .الحجر (15): 94.
2- .حكى عنه في الصحاح ، ج 3 ، ص 1242 (صدع).
3- .مختصر بصائر الدرجات ، ص 15.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال ، عن عبد اللَّه بن محمّد بن ابن أخي حمّاد الكاتب».
5- .في الكافي المطبوع : «خيراً».

ص: 302

(وما برأ اللَّه) ابتدائيّة، ولا يبعد أن يكون عاطفة ف (بريّة) رفع، والجملة استفهاميّة. «برأه» : خلقه ومنه الباري تعالى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَجَّالِ ،(1) عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : مَا بَرَأَ اللَّهُ نَسَمَةً خَيْراً مِنْ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:(خيراً) يحتمل الرفع - كما في بعض النسخ - على الخبر من المحذوف.قيل لي: أيّة آية في القرآن تدلّ على أنّه صلى اللَّه عليه وآله سيّد الكائنات؟ قلت: لا شكّ أنّ وصفه صلى اللَّه عليه وآله بأنّه رحمةً للعالمين وبأنّه خاتم النبيّين إنّما هو في مقام المدح والتفضيل، وأفضل الأنبياء والمرسلين سيّد الكائنات قطعاً.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ،(2) عَنْ مُرَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ عَلِيّاً نُوراً - يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ - قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَ أَرْضِي وَ عَرْشِي وَ بَحْرِي ، فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَ تُمَجِّدُنِي ، ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا ، فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً ، فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي وَ تُقَدِّسُنِي وَ تُهَلِّلُنِي ، ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَيْنِ ، وَ قَسَمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ ، فَصَارَتْ أَرْبَعَةً : مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ ، وَ عَلِيٌّ وَاحِدٌ ، وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ اثْنَانِ ؛ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأَهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ ، ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ ، فَأَفْضى نُورَهُ فِينَا» .

هديّة:(يعني روحاً بلا بدن)، الظاهر أنّه كلام الإمام عليه السلام وتفسير النور، ولا يلزم منه أن يكون روح الكفّار من جنس النور بخلق أرواحهم قبل أبدانهم، يظهر من أحاديثهم عليهم السلام أنّ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد اللَّه، عن محمّد بن عيسى و محمّد بن عبد اللَّه، عن عليّ بن حديد».

ص: 303

خلق الأرواح سعداء أو أشقياء قبل خلق الأبدان المثاليّة - المعبّر عنها بالأظلّة - المخلوقة قبل الأبدان الجسمانيّة.وقال برهان الفضلاء بعد قوله:إنّ هذا الحديث صريح في عدم تجرّد النفس الناطقة «ويعني روحاً بلا بدن» كلام الصادق عليه السلام وليس بتفسير النور، وإلّا لزم أن يكون روح الكفّار أيضاً نوراً؛ لأنّ أرواحهم أيضاً مخلوقة قبل أبدانهم، والمعنى بالنور هنا مصداق ربوبيّة ربّ العالمين. قال: ونصبه على الحاليّة عن المفعول الأوّل ل «خلقتك».و«العرش» عبارة عن العلم الموحى إلى الأنبياء عليهم السلام، و«البحر» عن الماء الكثير الذي منه كلّ شي ء حيّ، خلقت منه الأجرام العلويّة والسفليّة. و«التهليل»: قول: لا إله إلّا اللَّه، و«التمجيد»: قول: اللَّه أكبر، و«التقديس»: قول: سبحان اللَّه، وهو المبالغة في التسبيح.(ثمّ قسمتها) من باب ضرب أو التفعيل، وقد يفرّق بين القسم والتقسيم بأنّ الأوّل قد يخصّ، فيقال للتخصيص على ما ينبغي؛ قسمه كذا: أعطى حصّته المخصوصة به.قال برهان الفضلاء:«فصارت» إلى آخر الحديث، أو «ثمّ خلق» كلام الإمام عليه السلام، ثمّ قال : «ثمّ قسمتها ثنتين» بمعنى فصل كلّ منهما عن الاُخرى، وكانتا واحدة بالمزج جدّاً كفصل الماءين الممزوجين عن موضع الاتّصال وهو السطح الوهميّ فيهما وإن كانا مخلوطين جدّاً، دلالة بيّنة على عدم تجرّد النفس الناطقة وإمكان إعادة المعدوم بعينه، خلافاً للفلاسفة؛ فإنّ ذينك الماءين بعد الفصل يعود وجود كلّ منهما بشخصه بديهة.(ثمّ خلق اللَّه فاطمة من نور ابتدأها روحاً بلا بدن) يعني: ليس نورها من تقسيم تلك الأرواح الأربعة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ،(1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد، عن الحسين ، عن محمّد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 304

يَقُولُ : «أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله : يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً ، وَ نَفَخْتُ فِيكَ مِنْ رُوحِي كَرَامَةً مِنِّي ، أَكْرَمْتُكَ بِهَا حِينَ أَوْجَبْتُ لَكَ الطَّاعَةَ عَلى خَلْقِي جَمِيعاً ، فَمَنْ أَطَاعَكَ ، فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَ مَنْ عَصَاكَ فَقَدْ عَصَانِي ، وَ أَوْجَبْتُ ذلِكَ فِي عَلِيٍّ وَ فِي نَسْلِهِ مَنْ (1)اخْتَصَصْتُهُ مِنْهُمْ لِنَفْسِي» .

هديّة:الإضافة في (روحي) تسمّى بإضافة التخصيص والتشريف والتكريم، كما في سمائي وأرضي وعرشي وجنّتي وناري. قال برهان الفضلاء: ليس المراد بالروح هنا التي ذكرت في الحديث السابق، فإنّها هناك بمعنى النفس الناطقة وهنا الروح التي ذكرت في الباب الخامس والخمسين، والسادس والخمسين.و(كرامة) إمّا مفعول به ل (نفخت) ، ف «من» من الجارّة للتبعيض، أو مفعول له، ف «من» اسم بمعنى البعض، والمفعول به «من روحي».

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، فَأَجْرَيْتُ اخْتِلَافَ الشِّيعَةِ ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمْ يَزَلْ مُتَفَرِّداً بِوَحْدَانِيَّتِهِ ، ثُمَّ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ ، فَمَكَثُوا أَلْفَ دَهْرٍ ، ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ ، فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا ، وَ أَجْرى طَاعَتَهُمْ عَلَيْهَا ، وَ فَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيْهِمْ ، فَهُمْ يُحِلُّونَ مَا يَشَاؤُونَ ، وَ يُحَرِّمُونَ مَا يَشَاؤُونَ ، وَ لَنْ يَشَاؤُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى».ثُمَّ قَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ الدِّيَانَةُ الَّتِي مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مُحِقَ ، وَ مَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ ؛ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «ممّن».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد، عن أبي الفضل عبد اللَّه بن إدريس».

ص: 305

هديّة:(اختلاف الشيعة) أي في الفتاوى والأحكام استناداً إلى اخبارهم عليهم السلام.(ألف دهر) قيل: ألف سنة، ولعلّ المراد المدّة المديدة والسنون الكثيرة.(فهم يحلّون) أي حقيقة أو تقيّة؛ لعلمهم بأحوال الخلائق عن اللَّه تعالى.(هذه) أي طاعتنا المفترضة هي العبادة التي (من تقدّمها مرق) يعني بالرأي والقياس من دون إذن من اللَّه وحججه عليهم السلام خرج من الدِّين، (ومن تخلّف [عنها(1) محق) على ما لم يسمّ فاعله.و«الممحوق»: المضمحلّ والهالك.(يا محمّد) يعني ابن سنان.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : بِأَيِّ شَيْ ءٍ سَبَقْتَ الْأَنْبِيَاءَ وَ أَنْتَ بُعِثْتَ آخِرَهُمْ وَ خَاتَمَهُمْ ؟قَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِرَبِّي ، وَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ حِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ «وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى»(3) ، فَكُنْتُ أَنَا(4) أَوَّلَ نَبِيٍّ قَالَ : بَلى ، فَسَبَقْتُهُمْ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ» .

هديّة:(حين أخذ اللَّه ميثاق النبيّين) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ»(5)، وفي سورة الأحزاب: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ»(6).

.


1- .]ما بين المعقوفين أضفناه من متن الحديث.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل».
3- .الأعراف (7) : 172.
4- .في «د» : - «أنا».
5- .آل عمران (3): 81 .
6- .الأحزاب (33): 7 .

ص: 306

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : كَيْفَ كُنْتُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي الْأَظِلَّةِ؟ فَقَالَ : «يَا مُفَضَّلُ ، كُنَّا عِنْدَ رَبِّنَا - لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرُنَا - فِي ظُلَّةٍ خَضْرَاءَ ، نُسَبِّحُهُ وَ نُقَدِّسُهُ وَ نُهَلِّلُهُ وَ نُمَجِّدُهُ ، وَ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَ لَا ذِي رُوحٍ غَيْرُنَا حَتّى بَدَا لَهُ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ ، فَخَلَقَ مَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ غَيْرِهِمْ ، ثُمَّ أَنْهى عِلْمَ ذلِكَ إِلَيْنَا» .

هديّة:(في ظلّة)، التاء للوحدة. (خضراء) كنايةٌ عن كمال السرور والانبساط بنور الإيمان الكامل وشوق الأذكار وتفرّج الأنوار.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ،(2) عَنْ سِنَانِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (3) قَالَ : «إِنَّا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتٍ نَوَّهَ اللَّهُ بِأَسْمَائِنَا ، إِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَمَرَ مُنَادِياً ، فَنَادى (4) : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ - ثَلَاثاً - أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ - ثَلَاثاً - أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً - ثَلَاثاً - » .

هديّة:نوّه باسمه تنويهاً: رفع ذكره، يعني أعطا أسماءنا الرفعة قبل كلّ شي ء.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(5) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ(6) بْنِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم ، عن عليّ بن حمّاد ، عن المفضّل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد ، قال : سمعت يونس بن يعقوب».
3- .في الكافي المطبوع : + «يقول».
4- .في «د» : «ينادى».
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد اللَّه الصغير ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفري».
6- .في الكافي المطبوع جديداً : «عن محمّد» بدل «بن محمّد» مستنداً على بعض النسخ المخطوطة للكافي ، وللمزيد راجع الكافي المطبوع جديداً ، ج 2 ، ص 442 ، ح 1200.

ص: 307

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ كَانَ إِذْ لَا كَانَ ، فَخَلَقَ الْكَانَ وَ الْمَكَانَ ، وخَلَقَ الْأَنْوَارَ،(1) وَ خَلَقَ نُورَ الْأَنْوَارِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ ، وَ أَجْرى فِيهِ مِنْ نُورِهِ الَّذِي نُوِّرَتْ مِنْهُ الْأَنْوَارُ ، وَ هُوَ النُّورُ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً عليه السلام ، فَلَمْ يَزَالَا نُورَيْنِ أَوَّلَيْنِ إِذْ لَا شَيْ ءَ كُوِّنَ قَبْلَهُمَا ، فَلَمْ يَزَالَا يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ فِي الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حَتَّى افْتَرَقَا فِي أَطْهَرِ طَاهِرَيْنِ : فِي عَبْدِ اللَّهِ وَ أَبِي طَالِبٍ عليهما السلام» .

هديّة:(إذ لا كان) يعني شي ء ممّا سوى اللَّه، أو كان كناية عن وجود الممكنات. وقال برهان الفضلاء: «الكان» بفتح الكاف وسكون الهمزة مصدر «كَاِن» كعلم، بمعنى اجتمع وانعقد واشتدّ، قال: يعني إذ لا حدوث لموجود والمكان محلّ الوجود الإمكاني. وقرأ (في أطهر طاهرين) على أفعل التفضيل بلا نقطة، وقرأ غيره «في أظهر» على الجمع بنقطةٍ باعتبار التعدّد. وفي بعض النسخ : «في ظهرين» على التثنية بنقطة.والبارز في (أجرى فيه) قيل: ل (نور الأنوار)، كما قال برهان الفضلاء، وقال: يعني جعله مصداقاً لربوبيّته تعالى، وقيل: ل (المكان).(يجريان) على ما لم يسمّ فاعله أولى.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ ،(2) عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ اللَّهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِينَ ، فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ».قُلْتُ : وَ مَا الْأَشْبَاحُ ؟ قَالَ : «ظِلُّ النُّورِ ، أَبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ ، وَ كَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ

.


1- .في الكافي المطبوع : - «وخلق الأنوار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين ، عن محمّد بن عبد اللَّه ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل».

ص: 308

وَاحِدَةٍ ، وَ هِيَ رُوحُ الْقُدُسِ ، فَبِهِ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَ عِتْرَتُهُ ، وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ ، عُلَمَاءَ ، بَرَرَةً ، أَصْفِيَاءَ ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ السُّجُودِ وَ التَّسْبِيحِ وَ التَّهْلِيلِ ، وَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ ، وَ يَحُجُّونَ وَ يَصُومُونَ» .

هديّة:(أوّل) نصب على أنّه ظرف زمان، والمراد الزمان الذي قبل حدوث الإمامة، والعامل «خلق» في (خلق محمّداً)، و(ما) مصدريّة، و(الهداة) المفعول ثانٍ ل «خلق».و«الظلّ» قد يُطلق على الشخص. والباعث على السؤال اشتراك الشبح بين معانٍ: النموذج، والشخص، وما له طول وعرض. ف (أبدان نورانيّة) يعني أبدان مثاليّة لهم عليهم السلام. وقد عرفت آنفاً أنّ خلق عالم الأرواح قبل خلق عالم المثال وهو عالم الأظلّة المخلوق قبل عالم الأجسام، وأنّ التعبير بالنور إنّما هو عن الروح السعيد، دون الروح الشقيّ.وقال برهان الفضلاء: المراد من الروح في «بلا أرواح» الروح المخصوصة بالنبيّ وآله صلى اللَّه عليه وآله المعبّر عنها بروحٍ من أمرنا، كما ذكرت في الباب السادس والخمسين، وذكر في الباب الخامس والخمسين أنّ روح القدس مشتركة بين جميع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، وقيل: في «بلا أرواح» فإنّ تلك الأبدان هي الأرواح.(ولذلك خلقهم حلماء علماء، بررة، أصفياء) إلى آخره دلالة صريحة على أنّهم عليهم السلام معصومون من أوّل العمر إلى آخره. «حُلماء» يعني عاقلين عن اللَّه تعالى، «علماء» بعلم اللَّه عزّ وجلّ.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَارِثٍ ،(1) عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ثَلَاثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَحَدٍ غَيْرِهِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ فَيْ ءٌ ، وَ كَانَ لَا يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ فَيُمَرُّ فِيهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِيهِ ؛ لِطِيبِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و غيره ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن مالك بن إسماعيل النهدي ، عن عبد السلام بن حارث».

ص: 309

عَرْفِهِ ، وَ كَانَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَ لَا بِشَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ» .

هديّة:(في أحد) يعني في أحد غير المعصومين في هذه الاُمّة، فلا ينافي في الأخبار السابقة في اتّصاف الأئمّة عليهم السلام بأكثر خصائص النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من هذه الثلاثة وغيرها.و«غير» نصب على الاستثناء، أو مجرور على النعت للنكرة، و«غير» لا يكسب التعريف بالإضافة قطّ.(فيمرّ فيه) على ما لم يسمّ فاعله.و«العرف» بالفتح: الريح الطيّبة.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ،(1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، انْتَهى بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلى مَكَانٍ ، فَخَلّى عَنْهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا جَبْرَئِيلُ ، أَتُخَلِّينِي عَلى هذِهِ الْحَالِ؟ فَقَالَ : امْضِهْ ؛ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ وَطِئْتَ مَكَاناً مَا وَطِئَهُ بَشَرٌ ، وَ مَا مَشى فِيهِ بَشَرٌ قَبْلَكَ» .

هديّة:خلّاه تخلية، وكذا خلّى عنه على المعلوم أيضاً، وطئه كعلم.والهاء في (أمضه) للسكت.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الْجَوْهَرِيِّ ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ أَنَا حَاضِرٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَمْ عُرِجَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ (3) : «مَرَّتَيْنِ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد بن عثمان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري».
3- .في الكافي المطبوع : «فقال».

ص: 310

فَأَوْقَفَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مَوْقِفاً ، فَقَالَ لَهُ : مَكَانَكَ يَا مُحَمَّدُ ، فَلَقَدْ وَقَفْتَ مَوْقِفاً مَا وَقَفَهُ مَلَكٌ قَطُّ وَ لَا نَبِيٌّ ؛ إِنَّ رَبَّكَ يُصَلِّي ، فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَ كَيْفَ يُصَلِّي ؟ قَالَ : يَقُولُ : سُبُّوحٌ ، قُدُّوسٌ ، أَنَا رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ ، سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي . فَقَالَ : اللَّهُمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ». قَالَ : «وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ : «قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى»» .فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا «قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» ؟ قَالَ : «مَا بَيْنَ سِيَتِهَا إِلى رَأْسِهَا». قَالَ (1) : «فَكَانَ (2) بَيْنَهُمَا حِجَابٌ يَتَلَأْلَأُ يَخْفِقُ (3) - وَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَ قَدْ قَالَ : زَبَرْجَدٌ - فَنَظَرَ فِي مِثْلِ سَمِّ الْإِبْرَةِ إِلى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ نُورِ الْعَظَمَةِ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ : لَبَّيْكَ رَبِّي ، قَالَ : مَنْ لِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ،(4) وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ».قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لِأَبِي بَصِيرٍ : «يَا بَا مُحَمَّدٍ(5) ، وَ اللَّهِ ، مَا جَاءَتْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الْأَرْضِ ، وَ لكِنْ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ مُشَافَهَةً» .

هديّة:(مكانك) أي الزم مكانك.(وكيف يصلّي) إمّا بمعنى ما معنى يصلّي، أو سؤال عن كيفيّة صلاته تعالى، أو مجرّد تعجّب، يعني كيف يصلّي وهو معبود لا معبود سواه؟(قال: يقول) كذا، يعني يرحم عباده بتمجيده وتقديسه عن خطرات الأوهام والأفهام، وحياطة العقول والأحلام، وتحقّق ربوبيّته لما سواه، وسبق رحمته غضبه وشمولها أزله وأبده.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقال».
2- .في الكافي المطبوع : «فكان».
3- .في الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً بكثير من النسخ : «بخفقٍ».
4- .في الكافي المطبوع : + «و سيد المرسلين».
5- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد».

ص: 311

والصلاة من اللَّه: رحمته. وقال برهان الفضلاء:«يصلّي» هنا من الصلاة - بالفتح وسكون اللام - بمعنى جعل الشي ء متّصلاً بشي ء، يعني الوصيّ بالنبيّ، فيصلّي بمعنى يجعل لك وصيّاً ويعيّنه، قال: ف «قال يقول» ليس جواباً عن السؤال، بل الجواب ما هو المفهوم من قوله «من لاُمّتك»، فالمراد - قبل الجواب الذي سيفهم - بيانُ أنّ الصلاة هنا ليست بمعنى العبادة وهو سبّوح قدّوس ربٌّ لما سواه، بل بمعنى الرحمة رحمته سبقت غضبه، ف «عفوك عفوك» نصبا بتقدير «أسأل»، أو رفعا على الابتداء امّا اعتذار عن السؤال عن معنى يصلّي، أو عن التعجيل في السؤال عن كيفيّة تعيين الوصيّ ليعلم أنّه أمير المؤمنين عليه السلام مطابقاً لمراده أو غيره.(أنا) مبتدأ، خبره (سبّوح)، و(قدّوس) خبر بعد الخبر، وعلى مذهب الأخفش والكوفيّين «سبّوح» مبتدأ، و«أنا» فاعل «راج»، «أنا» في تأويل «أرجو أنا ربّ الملائكة والروح».قرأ برهان الفضلاء: «ربّ الملائكة» بالنصب على الاختصاص، وقال: «رحمتي» يعني خلقي الحجّة المعصوم لخلقي.والمستتر في (وكان) للوصيّ المفهوم من «يصلّي»، يعني وكان عليه السلام في النسبة إليه صلى اللَّه عليه وآله والقُرب كنسبة مقدار طرفي القوس في عدم التفاوت في القدر والقُرب بالاتّصال، أو أقرب من ذلك القرب.و«القاب»: المقدار، وسية القوس على وزن الدية: ما عطف من طرفيها. في بعض النسخ: «إلى رأسهما» على ضمير التثنية، والمآل واحد، يعني رأسي القوس أو رأسي طرفيها.قيل: فسّر الإمام عليه السلام مقدار القوسين بمقدار طرفي القوس الواحدة الحلقة كأنّه جعل كلّاً منهما قوساً على حِدة.وبعض المعاصرين قائلون بسلسلتي البدو والعود. قال:وفي التعبير عن كمال القرب بهذه العبارة إشارة لطيفة إلى أنّ السائر بهذا السير نزل في اللَّه وصعد إلى اللَّه، وأنّ الحركة الصعوديّة كانت انعطافيّة، وأنّها لم يقع على نفس المسافة

.

ص: 312

النزوليّة، فسيره كان من اللَّه وإلى اللَّه وفي اللَّه وباللَّه ومع اللَّه، انتهى.(1)أقول: واللَّه الذي بكلّ شي ءٍ محيط بعلمه أنّ حركة كلّ ذرّة من ذرّات العالم سير من اللَّه.خفق قلبه كضرب: اضطرب، وخفقان البرق: لمعانه.(زبرجد) بالرفع على البدل من «الحجاب» على الفرض، أو مجرور كخاتم فضّة؛ فلعلّ الزبرجد كناية عن الخضرة. وقال برهان الفضلاء: لعلّ الحجاب كان قصراً من زبرجد.و(الإبرة) بالكسر وسكون المفردة: مسلّة الحديد، وسمّها بالفتح والتشديد: ثقبها.قد سبق بيان (قائد الغرّ المحجّلين) مراراً.(من الأرض) أي من أهل الأرض.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : صِفْ لِي نَبِيَّ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَبْيَضَ ، مُشْرَبَ حُمْرَةٍ ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ ، شَثْنَ الْأَطْرَافِ ، كَأَنَّ الذَّهَبَ أُفْرِغَ عَلى بَرَاثِنِهِ ، عَظِيمَ مُشَاشَةِ الْمَنْكِبَيْنِ ، إِذَا الْتَفَتَ يَلْتَفِتُ جَمِيعاً مِنْ شِدَّةِ اسْتِرْسَالِهِ ، سُرْبُهُ (3) سَائِلَةٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلى سُرَّتِهِ كَأَنَّهَا وَسَطُ الْفِضَّةِ الْمُصَفَّاةِ ، وَ كَأَنَّ عُنُقَهُ إِلى كَاهِلِهِ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ ، يَكَادُ أَنْفُهُ إِذَا شَرِبَ أَنْ يَرِدَ الْمَاءَ ، وَ إِذَا مَشى تَكَفَّأَ كَأَنَّهُ يَنْزِلُ فِي صَبَبٍ ، لَمْ يُرَ مِثْلُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَبْلَهُ وَ لَا بَعْدَهُ» .

هديّة:(مشرب حمرة) على الإضافة، واسم المفعول من الافعال والتفعيل، أي مشوب بياضه بالحمرة، وقرئ : «مشرب بالحمرة» على الرفع بالمدح، أو بتقدير «هو». وفي

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 716 ، ذيل ح 1331.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف ، عن عمرو بن شمر».
3- .في الكافي المطبوع : «سُرَبتُه».

ص: 313

بعض النسخ : «مشرباً بالحمرة» بالنصب. وضبط برهان الفضلاء على الأوّل، وهو الأكثر.(أدعج العينين): أسودهما مع سعة؛ من الدعج محرّكة، وهو سواد العين في سعتها.(شثن الأطراف) بفتح المعجمة وسكون المثلّثة كالضخم لفظاً ومعنى: خشنها وغليظها، وهو مدح الرجال، كالنعومة للنساء.و«البرثن» بضمّ المفردة وسكون المهملة وضمّ المثلّثة: كفّ الأسد بأظافيره.(أفرغ على براثنه) أي صبّ على كفّه مع الأصابع.«المشاش» بالضمّ والمعجمتين كعجاب: العظم الممكن المضغ، وعظم الكتف.و«الاسترسال»: إظهار هيئة المتواضع في المشي، استرسل إليه: انبسط واستأنس وتأنّى في المشي ولم يعجل. و«السرب» بالضمّ، جمع السربة: شَعر وسط الصدر إلى البطن، كالمسربة بالفتح وضمّ الرّاء؛ قاله في القاموس.(1)وقال ابن الأثير في نهايته: وفي الحديث في صفته عليه السلام «أنّه كان ذا مسربة»، والمسربة بضمّ الراء: ما دقّ من شعر الصدر سائلاً إلى الجوف.(2)وقرئ : «سابلة» بالمفردة، أي ممتدّة. وقرأ برهان الفضلاء وضبط : «من شدّة استرساء له سربة سائلة» قال: «الاسترساء» بالهمز على الاستفعال: تمكين البدن.و«اللبّة» بالفتح وتشديد المفردة: المنحران.(يرد الماء) من الورود؛ لكونه بحيث يستر المنخرين، واختفائهما أحسن من ظهورهما.(تكفّأ) بالهمز على الماضي المعلوم من التفعّل: تمايل إلى القدّام.(في صبب) بالتحريك في انحدار من الأرض. وقريب من معنى هذا الحديث ما روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي هالة التميمي في وصفه صلى اللَّه عليه وآله.(3)

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 81 (سرب).
2- .النهاية ، ج 2 ، ص 356 (سرب).
3- .معاني الأخبار ، ص 79 ، ح 1.

ص: 314

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ،(1) عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : إِنَّ اللَّهَ مَثَّلَ لِي أُمَّتِي فِي الطِّينِ ، وَ عَلَّمَنِي أَسْمَاءَهُمْ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ، فَمَرَّ بِي أَصْحَابُ الرَّايَاتِ ، فَاسْتَغْفَرْتُ لِعَلِيٍّ وَ شِيعَتِهِ ، إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ خَصْلَةً ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَ مَا هِيَ ؟ قَالَ : الْمَغْفِرَةُ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ، وَ أَنْ لَا يُغَادِرَ مِنْهُمْ صَغِيرَةً وَ لَا كَبِيرَةً ، وَ لَهُمْ يُبَدِّلُ (2) السَّيِّئَاتُ حَسَنَاتٍ» .

هديّة:«التمثيل»: التصوير.والمراد ب (الرايات) ذو الرايات بالحقّ أو بالباطل.وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب الخصال: إنّ الرايات خمس: أمير المؤمنين عليه السلام، وأبي الأعور السلمي، وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان.(3)وقال برهان الفضلاء - بعد نقل رواية الخصال بناءً على ما التزمه من ردّ الاجتهاد بالرأي (4)والعمل بالظنّ - :صحّ الرايات بالهمزة أيضاً، جمع الرأي بمعنى الظنّ. ثمّ قال: «لمن آمن منهم» إشارةٌ إلى أنّ الشيعة على قسمين: الإماميّة المؤمنين بربوبيّة ربّ العالمين، بمعنى أنّهم مؤمنون بأنّ ولاية الإمام مصداق لربوبيّة ربّ العالمين، فلا يختلفون ولا يعملون بالظنون؛ وغيرهم من فِرَقَ الشيعة القائلون بجواز الاجتهاد في المسائل والأحكام كالزيديّة ونحوهم.أقول: (لمن آمن منهم) يعني بولاية الاثنى عشر المعصومين، العاقلين عن اللَّه، الممتازين حسباً ونسباً من آل أبي طالب، وثبت على إيمانه بولايتهم وبما جاؤوا به من عند اللَّه تبارك وتعالى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال».
2- .في الكافي المطبوع : «تبدّل».
3- .الخصال ، ج 2 ، ص 575 ، ح 1 ، ضمن رواية طويلة فيها سبعون منقبة لأمير المؤمنين عليه السلام لم يشركه فيها أحد من الأئمّة ، والمصنّف نقله بالمضمون، فراجع.
4- .في «د» : - «بالرأي».

ص: 315

و«الغدر»: ترك الوفاء، والمغادرة: الترك؛ قاله الجوهري.(1)(ولم يبدّل) على الغائب المعلوم من التفعيل، أي اللَّه تعالى؛ أو على التأنيث منه على ما لم يسمّ فاعله.

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَيْفٍ ،(2) عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ،(4)ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ الْيُمْنى قَابِضاً عَلى كَفِّهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَ تَدْرُونَ - أَيُّهَا النَّاسُ مَا فِي كَفِّي ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ : فِيهَا أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ أَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ الشِّمَالَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، أَ تَدْرُونَ مَا فِي كَفِّي ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ : أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَ أَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَ قَبَائِلِهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .ثُمَّ قَالَ : حَكَمَ اللَّهُ وَ عَدَلَ ، حَكَمَ اللَّهُ وَ عَدَلَ ،(5) فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» .

هديّة:(فيها أسماء أهل الجنّة) عبارةٌ عن العلم بأصحاب اليمين، وكذا فيها (أسماء أهل النار) عن العلم بأصحاب الشمال.(حكم اللَّه وعدل) على التكرار جملةٌ فعليّة ، أو كذلك في المعطوف عليه والمعطوف على الاسميّة. وقرأ برهان الفضلاء على الثاني.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ ،(6) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي خُطْبَةٍ

.


1- .الصحاح ، ج 2 ، ص 766 (غدر).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن سيف».
3- .في «د» : «ذكرهم».
4- .في الكافي المطبوع : + «الناس».
5- .في الكافي المطبوع : + «حكم اللَّه و عدل».
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن غالب».

ص: 316

لَهُ خَاصَّةً يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ صِفَاتِهِمْ : «فَلَمْ يَمْنَعْ رَبَّنَا - لِحِلْمِهِ وَ أَنَاتِهِ وَ عَطْفِهِ - مَا كَانَ مِنْ عَظِيمِ جُرْمِهِمْ وَ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ أَنِ انْتَجَبَ لَهُمْ أَحَبَّ أَنْبِيَائِهِ إِلَيْهِ ، وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فِي حَوْمَةِ الْعِزِّ مَوْلِدُهُ ، وَ فِي دَوْمَةِ الْكَرَمِ مَحْتِدُهُ ، غَيْرَ مَشُوبٍ حَسَبُهُ ، وَ لَا مَمْزُوجٍ نَسَبُهُ ، وَ لَا مَجْهُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ صِفَتُهُ ، بَشَّرَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ فِي كُتُبِهَا ، وَ نَطَقَتْ بِهِ الْعُلَمَاءُ بِنَعْتِهَا ، وَ تَأَمَّلَتْهُ الْحُكَمَاءُ بِوَصْفِهَا ، مُهَذَّبٌ لَا يُدَانى ، هَاشِمِيٌّ لَا يُوَازى ، أَبْطَحِيٌّ لَا يُسَامى ، شِيمَتُهُ الْحَيَاءُ ، وَ طَبِيعَتُهُ السَّخَاءُ ، مَجْبُولٌ عَلى أَوْقَارِ النُّبُوَّةِ وَ أَخْلَاقِهَا ، مَطْبُوعٌ عَلى أَوْصَافِ الرِّسَالَةِ وَ أَحْلَامِهَا ، إِلى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ أَسْبَابُ مَقَادِيرِ اللَّهِ إِلى أَوْقَاتِهَا ، وَ جَرى بِأَمْرِ اللَّهِ الْقَضَاءُ فِيهِ إِلى نِهَايَاتِهَا ، أَدَّاهُ مَحْتُومُ قَضَاءِ اللَّهِ إِلى غَايَاتِهَا ، تَبَشَّرَ بِهِ كُلُّ أُمَّةٍ مَنْ بَعْدَهَا ، وَ تَدَفَّعَهُ (1)كُلُّ أَبٍ إِلى أَبٍ مِنْ ظَهْرٍ إِلى ظَهْرٍ ، لَمْ يَخْلِطْهُ فِي عُنْصُرِهِ سِفَاحٌ ، وَ لَمْ يُنَجِّسْهُ فِي وِلَادَتِهِ نِكَاحٌ ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلى أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ ، وَ أَكْرَمِ سِبْطٍ ، وَ أَمْنَعِ رَهْطٍ ، وَ أَكْلَاَ حَمْلٍ ، وَ أَوْدَعِ حِجْرٍ ، اصْطَفَاهُ اللَّهُ وَ ارْتَضَاهُ وَاجْتَبَاهُ ، وَ آتَاهُ مِنَ الْعِلْمِ مَفَاتِيحَهُ ، وَ مِنَ الْحُكْمِ يَنَابِيعَهُ ، ابْتَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ ، وَ رَبِيعاً لِلْبِلَادِ ، وَ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، فِيهِ الْبَيَانُ وَ التِّبْيَانُ «قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» ، قَدْ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ ، وَ نَهَجَهُ بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَ دِينٍ قَدْ أَوْضَحَهُ ، وَ فَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا ، وَ حُدُودٍ حَدَّهَا لِلنَّاسِ وَ بَيَّنَهَا ، وَ أُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَ أَعْلَنَهَا ، فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ ، وَ مَعَالِمُ تَدْعُو إِلى هُدَاهُ ، فَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَ صَدَعَ بِمَا أُمِرَ ، وَ أَدّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ ، وَ صَبَرَ لِرَبِّهِ ، وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ، وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ ، وَ دَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَ حَثَّهُمْ عَلَى الذِّكْرِ ، وَ دَلَّهُمْ عَلى سَبِيلِ الْهُدى ، بِمَنَاهِجَ وَ دَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا ، وَ مَنَازِلٍ (2) رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا، كَيْلَا يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ ، وَ كَانَ بِهِمْ رَؤُوفاً رَحِيماً» .

هديّة:(خاصّة) يعني من أمالي نفسه عليه السلام غير منقولة من أجداده عليهم السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يدفعه».
2- .في الكافي المطبوع : «منار».

ص: 317

(فلم يمنع) على المعلوم، والموصول فاعله.(أن انتجب) بالجيم مصدريّة، والتقدير : «من أن انتجب».«حومة الشي ء» بلا نقطة: معظمه، و«دومته»: أصله.و«المحتد» كمجلس: المسكن.(بشّرت) على المعلوم من التفعيل، أو خلافه منه.(لا يداني) على ما لم يسمّ فاعله، أي لا يدانيه أحد، وكذا (لا يوازى) بالمعجمة، وقرئ بالمهملة.و«المساماة»: العلوّ والارتفاع، أي لا يطلب الرفعة عليه.و«الشيمة» بكسر المعجمة: الطبيعة، ويهمز.و«الوقر» بالكسر: الحمل الثقيل، بالكسر أيضاً، والجمع: أوقار.(مطبوع): مختوم ختم به.و«الحلم»: العقل، يعني عقول الرسالة.و«المقادير»: جمع المقدور، بمعنى المقدّر والمدبّر. قيل: محتوم قضاء اللَّه يعني الموت، والبارز في (أدّاه) له صلى اللَّه عليه وآله.(تبشّر) على الماضي المعلوم من التفعّل للمبالغة والتأكيد، وكذا «تدفّع».في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «من طهر إلى طهر» بالضمّ بلا نقطة، على المصدر بمعنى الفاعل، قال: والمراد الاُمّ الطاهرة.و«السبط» بالكسر: ولد الولد. (وأمنع رهط): أعزّهم، (وأكلأ حمل): أحفظه.وقد يكنّى ب «الحجر» عن الأصل. وفي الحديث: «تزوّجوا في الحجر الصالح، فإنّ العرق دسّاس»(1)، أي مختفي، يُقال: فلان من حجر صدق وسنخ صدق.و(الحُكم) بالضمّ: الحِكمة بالكسر.(نهجه) كمنع: أبانه وأوضحه، وأنهج الطريق من الإفعال للصيرورة.

.


1- .مكارم الأخلاق ، ص 197.

ص: 318

«صدع به» كمنع: أظهره.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «منائر» مكان (منازل) جمع منار، وعلى هذه المراد ب (أعلامها): أبنيتها.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ ،(1) عَنْ دُرُسْتَ : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ الْأَوَّلَ عليه السلام : أَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَحْجُوجاً بِأَبِي طَالِبٍ ؟ فَقَالَ : «لَا ، وَ لكِنَّهُ كَانَ مُسْتَوْدَعاً لِلْوَصَايَا ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ : قُلْتُ : فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا عَلى أَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِهِ ؟ فَقَالَ : «لَوْ كَانَ مَحْجُوجاً بِهِ ، مَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ».قَالَ : فَقُلْتُ : فَمَا كَانَ حَالُ أَبِي طَالِبٍ ؟ قَالَ : «أَقَرَّ بِالنَّبِيِّ وَ بِمَا جَاءَ بِهِ ، وَ دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا ، وَ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ» .

هديّة:المراد ب «الوصايا» هنا ميراث الأنبياء من الكتب وغيرها، كالجفر الأبيض، وعصا موسى، وخاتم سليمان.(كان مستودعاً) يعني بإيداع حجّة معصوم من أوصياء عيسى عليه السلام وهو بردة كما في حديث مقاتل بن سليمان عن الصادق عليه السلام، رواه في الفقيه أيضاً في باب الوصيّة من لدن آدم عليه السلام.(2)(على أنّه محجوج به) يعني مع أنّ أبا طالب محجوج والنبيّ صلى اللَّه عليه وآله حجّة عليه، فقال بناءً على أنّ الوصيّة تلزمها أن تدفعها الحجّة إلى الحجّة بواسطة، كاُمّ سلمة وفاطمة بنت الحسين عليه السلام، أو بغير واسطة لو كان أبو طالب محجوباً به صلى اللَّه عليه وآله ما دفع إليه الوصيّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبد اللَّه ، عن جماعة من أصحابنا ، عن أحمد بن هلال، عن أميّة بن عليّ القيسيّ».
2- .الفقيه ، ج 4 ، ص 174 ، ح 5402.

ص: 319

وقال بعض المعاصرين: وذلك لأنّ الوصيّة إنّما ينتقل ممّن له التقدّم.(1)وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى:«ولكنّه كان مستودعاً للوصايا» يعني بإيداع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إيّاها عنده قبل البعثة، فدفعها إليه عند الإشراف على البعثة، ثمّ قال: ومعنى «على أنّه محجوج به» على أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله محجوج بأبي طالب ظنّاً من السائل أنّ من كان عنده وصيّة الأنبياء، فبمجرّد ذلك يصير حجّة حاكماً وإن كانت عنده عاريّة، فقال الإمام عليه السلام ما قال، يعني لو كان يصير النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بمجرّد دفع أبي طالب الوصيّة إليه محجوجاً بأبي طالب، ما دفع النبيّ صلى اللَّه عليه وآله الوصيّة قبل البعثة إلى أبي طالب وديعة. قال: وحاصله أنّ صيرورة الرجل مستودعاً للوصيّة لا ينافي كونه محجوجاً محكوماً بمن أودعه عنده، كما أنّ الحسين عليه السلام أودعها عند اُمّ سلمة.أقول: لا ينحلّ هذا الحديث كما ينبغي إلّا بأن يُقال: لعلّ من خصائص خاتم الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله أنّه مستثنى من كليّة ما ثبت عند الإماميّة أنّ كلّ أحد من لدن آدم عليه السلام إلى شهادة القائم - صلوات اللَّه عليه - إمّا حجّة معصوم، أو محجوج معصوم، أو غيره؛ فكان صلى اللَّه عليه وآله قبل البعثة غير محجوج بمن دفع إليه الوصيّة من أوصياء عيسى عليه السلام بواسطة أبي طالب أو بوسائط وكان هو بردة كان بعد رفع الوصيّة إلى الواسطة حجّة ناطقاً حيّاً غائباً كالمهدي عليه السلام إلى زمان البعثة، وكان غيره من الوسائط حجّة صامتاً مستودعاً للوصيّة. وقد ثبت عندنا أنّ سلمان وعبد المطّلب وأبا طالب كلّهم من الأوصياء. وفي حديث مقاتل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا ، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريّا، ودفعها زكريّا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمّون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا، وأوصى يحيى بن زكريّا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة، ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ودفعها إليّ بردة وأنا أدفعها إليك يا عليّ»، الحديث.(2)

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 702 ، ذيل ح 1311.
2- .الفقيه ، ج 4 ، ص 176 ، ح 5402 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 402 ، المجلس 63 ، ح 3 ؛ كمال الدين، ج 1 ، ص 22 ، باب 22 ، ح 1.

ص: 320

«ودفعها إليّ بردة» يعني بواسطة الأوصياء المستودعين الصّامتين عن الحكم؛ واللَّه أعلم بالصواب، ومنه يرجى الثواب.

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ،(1) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، بَاتَ آلُ مُحَمَّدٍ عليهم السلام بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ حَتّى ظَنُّوا أَنْ لَا سَمَاءَ تُظِلُّهُمْ ؛ وَ لَا أَرْضَ تُقِلُّهُمْ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَتَرَ الْأَقْرَبِينَ وَ الْأَبْعَدِينَ فِي اللَّهِ .فَبَيْنَا هُمْ كَذلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ آتٍ - لَا يَرَوْنَهُ وَ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ - فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ، إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ ، وَ نَجَاةً مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ ، وَ دَرَكاً لِمَا فَاتَ : «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلّا مَتاعُ الْغُرُورِ» إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَكُمْ وَ فَضَّلَكُمْ وَ طَهَّرَكُمْ ، وَ جَعَلَكُمْ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ ، وَ اسْتَوْدَعَكُمْ عِلْمَهُ ، وَ أَوْرَثَكُمْ كِتَابَهُ ، وَ جَعَلَكُمْ تَابُوتَ عِلْمِهِ وَ عَصَا عِزِّهِ ، وَ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ نُورِهِ ، وَ عَصَمَكُمْ مِنَ الزَّلَلِ ، وَ آمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ ، فَتَعَزَّوْا بِعَزَاءِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَنْزِعْ مِنْكُمْ رَحْمَتَهُ ،(2) فَأَنْتُمْ أَهْلُ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - الَّذِينَ بِهِمْ تَمَّتِ النِّعْمَةُ ، وَ اجْتَمَعَتِ الْفُرْقَةُ ، وَ ائْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ ، وَ أَنْتُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ؛ فَمَنْ تَوَلَّاكُمْ فَازَ ؛ وَ مَنْ ظَلَمَ حَقَّكُمْ زَهَقَ ؛ مَوَدَّتُكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ فِي كِتَابِهِ عَلى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ اللَّهُ عَلى نَصْرِكُمْ - إِذَا يَشَاءُ - قَدِيرٌ ؛ فَاصْبِرُوا لِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ ؛ فَإِنَّهَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ ، قَدْ قَبِلَكُمُ اللَّهُ مِنْ نَبِيِّهِ وَدِيعَةً ، وَ اسْتَوْدَعَكُمْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، فَمَنْ أَدّى أَمَانَتَهُ ، آتَاهُ اللَّهُ صِدْقَهُ ، فَأَنْتُمُ الْأَمَانَةُ الْمُسْتَوْدَعَةُ ، وَ لَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْوَاجِبَةُ وَ الطَّاعَةُ الْمَفْرُوضَةُ ، وَ قَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ قَدْ أَكْمَلَ لَكُمُ الدِّينَ ، وَ بَيَّنَ لَكُمْ سَبِيلَ الْمَخْرَجِ ، فَلَمْ يَتْرُكْ لِجَاهِلٍ حُجَّةً ، فَمَنْ جَهِلَ أَوْ تَجَاهَلَ أَوْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن منصور بن العبّاس، عن عليّ بن أسباط».
2- .في الكافي المطبوع : + «ولن يزيل عنكم نعمته».
3- .في الكافي المطبوع : + «في الأرض».

ص: 321

أَنْكَرَ أَوْ نَسِيَ أَوْ تَنَاسى ، فَعَلَى اللَّهِ حِسَابُكُمْ (1) ، وَ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَوَائِجِكُمْ ، وَ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ».فَسَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : مِمَّنْ أَتَاهُمُ التَّعْزِيَةُ ؟ فَقَالَ : «مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى» .

هديّة:(بأطول ليلة) لحزن أعظم مصيبة، (حتّى ظنّوا) على المعلوم ، مبالغة في كثرة الحزن وعظم المصيبة، يعني حتّى كأنّ نظام العالم رأى عليهم مفرّقاً مشتّتاً. وقرأ برهان الفضلاء : «حتّى ظنّوا» على ما لم يسمّ فاعله، قال: يعني أوهمت خواطر الناس.«أظلّه»: ألقى ظلّه عليه، «أقلّه»: أطاق حمله وثقله.و«الوتر» بفتح الواو وكسرها: الفرد والدخل والحقد، ومصدرُ وتره كوعد، فعلى قراءته على غير الفعل، يعني أنّه صلى اللَّه عليه وآله كان متفرّداً وحيداً ممتازاً لا نظير له عند الصديق والعدوّ في ظهور أنّ حبّه في اللَّه وبغضه في اللَّه، فوالى في اللَّه الأبعدين، وعادى في اللَّه الأقربين. وعلى قراءته على الفعل - كما ضبط برهان الفضلاء - يعني أغاظهم وأسخطهم على نفسه وأهله، وجعلهم ذوي حقد وضغينة عليهم في طلب رضاء اللَّه.(أهل البيت) نصب على الاختصاص أو النداء.(ورحمة اللَّه) عطف على (السّلام). واحتمل برهان الفضلاء نصبها عطفاً على «أهل البيت».و«العزاء» بالفتح والمدّ: الصبر على المصيبة، والتعزية: التصبير عليها.و«الهلك» وكذا «الهلكة»: مصدر هلك كضرب، والهلكة محرّكة: الهلاك، و(دركاً لما فات) لمّا كان موهماً عدم مناسبته للمقام لانتفاء التدارك لمثل الفوت، فاتبع به ما يفيد حِكماً شتّى ووجوهاً لما سنح من أمر القضاء، منها أنّ اللّقاء في دار السلام والبقاء بذاك الشأن تدارك لذلك قطعاً.

.


1- .في الكافي المطبوع : «حسابكم».

ص: 322

(كلّ نفس ذائقة الموت) ناظرٌ إلى آية سورة آل عمران.(1)و(الغرور) مصدر، وجمع الغارّ أيضاً.(وطهّركم) ناظرٌ إلى آية التطهير في سورة الأحزاب: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(2).وتابوت العلم وصندوقه وعيبته متقاربة المعنى.(وعصا عزّه) ناظرٌ إلى آية سورة المنافقين: «وَللَّهِ ِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ»(3).(وضرب لكم مثلاً) ناظرٌ إلى آية النور في سورة النور: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ»(4) الآية، وذكرت بتفسيرها في الباب الثالث عشر.(وآمنكم من الفتن) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة البقرة: «وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ»(5).(فتعزّوا بعزاء اللَّه) أي تصبّروا على التفعّل للمبالغة، وناظرٌ إلى قوله عزّ وجلّ في سورة آل عمران: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(6).(مودّتكم من اللَّه واجبة) ناظرٌ إلى قوله عزّ وجلّ في سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى»(7).(ثمّ اللَّه على نصركم إذا يشاء قدير) إشارة إلى قيام القائم عليه السلام.(قد قبلكم اللَّه) من باب علم.(آتاه اللَّه صدقه) أعطاه اللَّه أجر وفائه.

.


1- .آل عمران (3) : 185.
2- .الأحزاب (33): 33.
3- .المنافقون (63): 8 .
4- .النور (24): 35.
5- .البقرة (2): 217.
6- .آل عمران (3): 200.
7- .الشورى (42): 23.

ص: 323

(والطاعة المفروضة) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1).(وقد أكمل لكم الدِّين) ناظر إلى قوله عزّ وجلّ في سورة المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(2)الآية.قال برهان الفضلاء: والترديدات في «فمن جهل» للتخيير في المكالمة.ولعلّ الآتي هو الخضر أو الياس عليهما السلام بدلالة روايات اُخر في هذا المضمون.

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(3) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذَا رُئِيَ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، رُئِيَ لَهُ نُورٌ كَأَنَّهُ شِقَّةُ قَمَرٍ» .

هديّة:«الشُّقّة» بالضمّ: من الثياب، يعني كأنّه قماش القمر. و«الشِّقة» بالكسر: القطعة من شي ء واحدة «الشقّ»: نصف الشي ء وحصّته منه. والمراد في التعارف من التشبيه بشقّة قمر التشبيه بالقمر ليلة البدر. وقيل: شبّهه صلى اللَّه عليه وآله بالبدر لأنّ القمر كرويّ، يعني لأنّ المضي ء منه دائماً إنّما هو نصفه.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَعْفَرِيِّ ،(4) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قال: «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلَى

.


1- .النساء (4): 59.
2- .المائدة (5): 3.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد اللَّه، عن أبي عبد اللَّه الحسين الصغير ، عن محمّد بن إبراهيم الجعفريّ».

ص: 324

النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ : إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ النَّارَ عَلى صُلْبٍ أَنْزَلَكَ ، وَ بَطْنٍ حَمَلَكَ ، وَ حِجْرٍ كَفَلَكَ ؛ فَالصُّلْبُ صُلْبُ أَبِيهِ (1)عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ الْبَطْنُ الَّذِي حَمَلَكَ فَآمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ ، وَ أَمَّا حِجْرٌ كَفَلَكَ ، فَحِجْرُ أَبِي طَالِبٍ» .وَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ فَضَّالٍ : «وَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ» .

هديّة:«أقرأه السلام» من الإفعال، وقرأ عليه السلام كمنع.(فالصلب صلب أبيه) كلامُ الإمام عليه السلام، ف (حملك) و(كفلك) بعده على الحكاية، والمراد ذكر المتعدّ به على رغم من تكلّم في هؤلاء، لا الحصر؛ فإنّ ذلك إلى آدم عليه السلام، والفاء في (فالصلب) للبيان، وفي (فآمنة) للجزاء، والتقدير : «وأمّا البطن الذي حملك».و«كفله» كنصر وبالتشديد بمعنى.(وفي رواية ابن فضّال) كلامُ ثقةِ الإسلام، يعني فحجر أبي طالب وحجر اُمّ عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه.

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ،(2) عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يُحْشَرُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ، عَلَيْهِ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَ هَيْبَةُ الْمُلُوكِ» .

هديّة:«السّيما» بالقصر: العلامة كالسّيمة بالكسر، وحسن المنظر؛ قال اللَّه تعالى: «سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»(3).قال برهان الفضلاء: «اُمّة وحده» أي جنساً خاصّاً من أجناس البشر ممتازاً عن سائر

.


1- .في الكافي المطبوع : «أبيك».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج».
3- .الفتح (48): 29.

ص: 325

أجناسه، يعني صنفاً خاصّاً.قيل: «عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك»، يعني معها في الدنيا والآخرة.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ ،(1) عَنْ مُقَرِّنٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْبَدَاءِ ، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ، عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلُوكِ وَ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ» .

هديّة:(مقرّن) ضبطه في الإيضاح على اسم الفاعل من التفعيل.(2)يعني أوّل من قال بعد ظهور خاتم الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله بالولادة. وقال برهان الفضلاء:لمّا كان البداء لغة التأسّف على الفعل، وكان إطلاقه في أفعاله تعالى - ولو بمعنى ظهور حكم آخر بعد حكم ومحو حكم وإثبات آخر كما قال اللَّه تَعَالى: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3) - من الاُمور العظيمة المحتاجة إلى الجرأة والإقدام، فاجترأ عبد المطّلب وصدر هذا الإطلاق منه عند الخوف على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله واضطرابه له كما في الحديث التالي، والخائف المضطرّ معذور، فاستعاروا بعده كما استعار هو عند الاضطرار ، ثمّ جرى بعده وشاع؛ فلا منافاة بين مثل هذا الحديث والذي يدلّ على أنّه لم يبعث نبيّ إلّا وهو قائل بالبداء، وقد سبق.ومن براهين عقل الإيمان على ثبوت البداء في أفعاله تعالى بالمعنى المذكور أمره تعالى بالدعاء والتصدّق، فلو كانت الاُمور مقدّرات أزليّة بحيث لا يتخلّف تحقّقها كما زعمت اليهود وزنادقة الفلاسفة لما كانت فائدة لذلك الأمر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن ا براهيم ، عن أبيه ، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ ، عن الهيثم بن واقد».
2- .إيضاح الإشتباه ، ص 304 ، الرقم 719.
3- .الرعد (13): 39.

ص: 326

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ،(1) عَنْ البجلي، ومُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ جَمِيعاً ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يُبْعَثُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أُمَّةً وَحْدَهُ ، عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلُوكِ وَ سِيمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْبَدَاءِ».قَالَ : «وَ كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَرْسَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلى رِعَائِهِ فِي الإِبِلِ (2) قَدْ نَدَّتْ لَهُ ، يَجْمَعَهَا(3) ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ ، وَ جَعَلَ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَ تُهْلِكُ آلَكَ ؟ إِنْ تَفْعَلْ ، فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِالْإِبِلِ وَ قَدْ وَجَّهَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ وَ فِي كُلِّ شِعْبٍ فِي طَلَبِهِ ، وَ جَعَلَ يَصِيحُ : يَا رَبِّ ، أَ تُهْلِكُ آلَكَ ؟ إِنْ تَفْعَلْ فَأْمُرْ مَا بَدَا لَكَ ، وَ لَمَّا رَأى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، أَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ ، وَ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، لَا وَجَّهْتُكَ بَعْدَ هذَا فِي شَيْ ءٍ ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُغْتَالَ فَتُقْتَلَ» .

هديّة:«الرعاء» بكسر الراء وتضمّ ممدود: جمع الراعي كالرعاة بالضمّ؛ قاله الجوهري (4) أيضاً ، قال اللَّه تعالى: «حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ»(5)، في بعض النسخ: «رعاته» على الثاني، و«في إبل» مكان (في الإبل)، و«فجمعها» مكان (يجمعها) بتقدير «أن».(قد ندّت) بالتشديد من الندّ بالفتح بمعنى الشرد والنفور، ندّ البعير كفرّ: إذا شرد ونفر، وقرئ بالتخفيف من الندو بالفتح ، أو الندى كذلك بمعنى تفرّق الشي ء وخروج الإبل من مرعاها. وقرئ: «ألك» على الاستفهام التعجّبي لما ثبت عنده أنّه سيصير نبيّاً يملك المشارق والمغارب، و«أن تفعل» بفتح الهمز مكان آلك بمعنى أهْلُك، يعني آل

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب».
2- .في الكافي المطبوع : «رعاته في إبل» بدل «رعائه في الإبل».
3- .في الكافي المطبوع : «فجمعها».
4- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2358 (رعى).
5- .القصص (28): 23.

ص: 327

بيتك الحرام كما ضبطه برهان الفضلاء، ولطفه ظاهر مسجّع، قال : «الآل» بمعنى المحبّ جدّاً.(فأمر) على الأمر من الأمر، أي «إن» بكسر الهمزة، وقرئ : «فأمر»، أي فأمر عظيم ما بدا لك من أمر إهلاكه، وقرئ أيضاً : «فأمر ما» يعني أمر ما من الاُمور بدا لك من الإهلاك.«إغتاله» : أخذه من حيث لم يدرِ، وخدعه ليقتله بغتةً.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ،(1) عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمَّا أَنْ وَجَّهَ صَاحِبُ الْحَبَشَةِ بِالْخَيْلِ - وَ مَعَهُمُ الْفِيلُ - لِهَدْمِ (2) الْبَيْتِ ، مَرُّوا بِإِبِلٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَسَاقُوهَا ، فَبَلَغَ ذلِكَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، فَأَتى صَاحِبَ الْحَبَشَةِ ، فَدَخَلَ الْآذِنُ ، فَقَالَ : هذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ ، قَالَ : وَ مَا يَشَاءُ ؟ قَالَ التَّرْجُمَانُ : جَاءَ فِي إِبِلٍ لَهُ سَاقُوهَا يَسْأَلُكَ رَدَّهَا ، فَقَالَ مَلِكُ الْحَبَشَةِ لِأَصْحَابِهِ : هذَا رَئِيسُ قَوْمٍ وَ زَعِيمُهُمْ جِئْتُ إِلى بَيْتِهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ لِأَهْدِمَهُ وَ هُوَ يَسْأَلُنِي إِطْلَاقَ إِبِلِهِ! أَمَا لَوْ سَأَلَنِيَ الْإِمْسَاكَ عَنْ هَدْمِهِ لَفَعَلْتُ ، رُدُّوا عَلَيْهِ إِبِلَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِتَرْجُمَانِهِ : مَا قَالَ (3) الْمَلِكُ ؟ فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ ، وَ لِهذَا الْبَيْتِ رَبٌّ يَمْنَعُهُ ، فَرُدَّتْ عَلَيْهِ (4)إِبِلُهُ ، وَ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَحْوَ مَنْزِلِهِ ، فَمَرَّ بِالْفِيلِ فِي مُنْصَرَفِهِ ، فَقَالَ لِلْفِيلِ : يَا مَحْمُودُ ، فَحَرَّكَ الْفِيلُ رَأْسَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَ تَدْرِي لِمَ جَاؤُوا بِكَ ؟ فَقَالَ الْفِيلُ بِرَأْسِهِ : لَا ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : جَاؤُوا بِكَ لِهَدْمِ (5) بَيْتِ رَبِّكَ ، أَ فَتُرَاكَ فَاعِلَ ذلِكَ ؟

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران».
2- .في الكافي المطبوع : «ليهدم».
3- .في الكافي المطبوع : + «لك».
4- .في الكافي المطبوع : «إليه».
5- .في الكافي المطبوع : «لتهدم».

ص: 328

فَقَالَ بِرَأْسِهِ : لَا ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلى مَنْزِلِهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ، غَدَوْا بِهِ لِدُخُولِ الْحَرَمِ ، فَأَبى وَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِبَعْضِ مَوَالِيهِ عِنْدَ ذلِكَ : اعْلُ الْجَبَلَ ، فَانْظُرْ تَرى شَيْئاً ؟ فَصَعِدَ(1) فَقَالَ : أَرى سَوَاداً مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ ، فَقَالَ لَهُ : يُصِيبُهُ بَصَرُكَ أَجْمَعَ ؟ فَقَالَ لَهُ : لَا ، وَ لَأَوْشَكَ أَنْ يُصِيبَ ، فَلَمَّا أَنْ قَرُبَ ، قَالَ : هُوَ طَيْرٌ كَثِيرٌ وَ لَا أَعْرِفُهُ ، يَحْمِلُ كُلُّ طَيْرٍ فِي مِنْقَارِهِ حَصَاةً مِثْلَ حَصَاةِ الْخَذْفِ ، أَوْ دُونَ حَصَاةِ الْخَذْفِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : وَ رَبِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَا يُرِيدُ(2) إِلَّا الْقَوْمَ حَتّى لَمَّا صَارُوا(3) فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ أَجْمَعَ ، أَلْقَتِ الْحَصَا(4) ، فَوَقَعَتْ كُلُّ حَصَاةٍ عَلى هَامَةِ رَجُلٍ ، فَخَرَجَتْ مِنْ دُبُرِهِ ، فَقَتَلَتْهُ ، فَمَا انْفَتَلَ (5) مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ يُخْبِرُ النَّاسَ [فَأَخْبَرَهُمْ (6) ، فَلَمَّا أَنْ أَخْبَرَهُمْ ، أَلْقَتْ عَلَيْهِ حَصَاةً فَقَتَلَتْهُ» .

هديّة:في بعض النسخ: «ليهدم بيت ربّك» مكان (لهدم بيت ربّك)، و«لتهدم» بعده مكان (لهدم)، و«صار» مكان (صاروا)، و«انفلت» مكان (انفتل). و«الإنفلات»: الفرار والهزيمة ، و«الانفتال»: الانصراف. والظاهر «ألقيت» على المجهول مكان (ألقت) على المعلوم، وإفراد الضماير للطير باعتبار الجنس، وجمعها باعتبار الجماعة.و(الآذن) من له الإذن في طلب الإذن لمن طلبه.و(الترجمان) فيه لغات ثلاث: فتح الأوّل والجيم، وضمّها وفتح الأوّل وضمّ الجيم، و«في» في (جاء في إبل له) للسببيّة.و«زعيم القوم»: سيّدهم.(يمنعه): يحفظه.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «فصعد».
2- .في الكافي المطبوع : «ما تريد».
3- .في الكافي المطبوع : «صارت».
4- .في الكافي المطبوع : «الحصاة».
5- .في الكافي المطبوع : «انفلت».
6- .]ما بين المعقوفين أضفناه من كلام الشارح في آخر شرح هذا الحديث.

ص: 329

و«المنصرف»: مصدر ميميّ أو اسم مكان.(فقال الفيل) أي أشار، وهذا أحد معاني «قال».(اجمع) رفع أو نصب تأكيد الفاعل أو المفعول.و(الخذف) بفتح المعجمة الاُولى وسكون الثانية والفاء: الرمي بحصاة أو نواة تُؤخذ بين السبّابتين يرمى بها.و«الهامة» بالتخفيف: الرأس، أو اُمّه، أو رأس الرأس.ليس في بعض النسخ (فأخبرهم).

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي، عَنْ رِفَاعَةَ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يُفْرَشُ لَهُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَا يُفْرَشُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ ، وَ كَانَ لَهُ وُلْدٌ يَقُومُونَ عَلى رَأْسِهِ ، فَيَمْنَعُونَ مَنْ دَنَا مِنْهُ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ طِفْلٌ يَدْرُجُ - حَتّى جَلَسَ عَلى فَخِذَيْهِ ، فَأَهْوى بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ لِيُنَحِّيَهُ ،(2) فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : دَعِ ابْنِي ؛ فَإِنَّ الْمَلَكَ قَدْ أَتَاهُ» .

هديّة:«الفناء» بالكسر والمدّ: ما امتدّ من جوانب الدار.(يدرج) على المعلوم من باب نصر: يمشي، يعني كان كان طفلاً حديثَ المشي.(قد أتاه) قيل: من الإيتاء لا بمعنى الإعطاء، بل المتعدّي من أتى بمعنى جاء ، يعني لم يأت إليّ بنفسه، بل الملك أتى به. والظاهر أنّه من الإتيان، فلعلّه أشار بإتيان الملك إليه إلى مثل حديث فقدان ظئره حليمة إيّاه صلى اللَّه عليه وآله.(3)وإخبار الأحبار والقسيسين إيّاها بعد الاستخبار عن اسمه صلى اللَّه عليه وآله بأنّ الملك قد ذهب

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن رفاعة».
2- .في الكافي المطبوع : + «عنه».
3- .المناقب ، ج 1 ، ص 34 ؛ وعنه في البحار ، ج 15 ، ص 333 ، ح 3.

ص: 330

به ، وسيبعث نبيّاً يملك المشارق والمغارب، وهو خاتم الأنبياء الموعود في الكتب السماويّة جميعاً.وقرأ برهان الفضلاء: «أتّاه» بالتشديد، وقال: «التأتية» تخلية المرء بينه وبين سبيله الذي أراده، وفلان أتّى الماء: سهّل سبيله ليجري إلى ما يريد، ثمّ احتمل «أتاه» من باب ضرب، وقال: فالماضي لتحقّق الوقوع في المستقبل أو للوقوع، فإنّه صلى اللَّه عليه وآله نبوّته قبل رسالته، فلعلّه نبيّ في ذلك الوقت.وروي من طرق العامّة عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد فرّج سقف بيتي وأنا بمكّة، فنزل جبرئيل عليه السلام ففرّج صدري، ثمّ غسّله من ماء زمزم، ثمّ جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بنا إلى السماء».(1)

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ دُرُسْتَ،(2) عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله ، مَكَثَ أَيَّاماً لَيْسَ لَهُ لَبَنٌ ، فَأَلْقَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَلى ثَدْيِ نَفْسِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ لَبَناً ، فَرَضَعَ مِنْهُ أَيَّاماً حَتّى وَقَعَ أَبُو طَالِبٍ عَلى حَلِيمَةَ السَّعِيدِيَّةِ(3) ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا» .

هديّة:(فرضع منه) على المعلوم من باب ضرب وعلم.و(حليمة) مكبّرة كسعيديّة بكسر العين: قبيلة من اليمن، وبرود السعيديّة مشهورة. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «السعديّة» بسكون العين: نسبةً إلى أحد

.


1- .صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 107 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 102 ؛ مسند أحمد ، ج 5 ، ص 122 ؛ السنن الكبرى للنسائي ، ج 1 ، ص 140 ، ح 314.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن عليّ بن المعلّى، عن أخيه محمّد، عن درست بن أبي منصور».
3- .في الكافي المطبوع : «السّعديّة».

ص: 331

السعود، قبائل ذكرها الجوهري (1) وغيره مفصّلة.وهنا إشكال بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على أنّها بنت أخيه من الرضاعة.فقيل: لعلّ ذلك قبل حكم الرضاع، فينشر الحرمة إلّا فيما قد سلف، وليس بشي ء.وقيل: لعلّ دفعه صلى اللَّه عليه وآله إلى حليمة بعد الانفصال عن اللبن.وفيه: أنّه خلاف الظاهر، ويأباه «أيّاماً».وقيل: كأنّ هنا إسقاط، مثل «فوقف، فأشرف» فقرئ : «حتّى وَقِع» كعلم، يُقال: وقع فلان: اشتكى لحم قَدَمِه من غلظ الأرض والحجارة.وقال برهان الفضلاء: يحتمل أن يكون المراد بثدي نفسه ثدي زوجته فاطمة بنت أسد. ولا يشكل على هذا بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ؛ لأنّ المجمع عليه هو تحريم الاُمّ من الرضاعة والاُخت من الرضاعة.وأيضاً روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار في معنى قول الصادق عليه السلام: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان مجبوراً» أنّ من شروط نشر الحرمة بالرضاع أن يكون بالاستيجار ونحوه، انتهى.(2)وفيه: أنّ الاحتمال المذكور يمنعه: (فأنزل اللَّه فيه لبناً).أقول: يرد الإشكال لو لم يمكن تخلّف كونه صلى اللَّه عليه وآله ابناً رضاعيّاً لأبي طالب عن كون ظئره اُمّاً رضاعيّاً له، فلعلّها أرضعته لا من لبن هذا الفحل.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي عن الثلاثة،(3) عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ مَثَلَ أَبِي طَالِبٍ مَثَلُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، أَسَرُّوا الْإِيمَانَ وَ أَظْهَرُوا الشِّرْكَ ، فَآتَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ» .

.


1- .الصحاح ، ج 2 ، ص 487 (سعد).
2- .معاني الأخبار ، ص 214 ، ح 1.
3- .يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».

ص: 332

هديّة:(مثل أصحاب الكهف) يحتمل الرفع، والنصب على نزع الخافض وإن كان مزيداً.(مرّتين): مرّة للإيمان، واُخرى للتقيّة. وإنّما أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ليكون أقدر على إعانة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أيضاً.

الحديث الثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ ،(1) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ عليه السلام ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ كَافِراً ؟ فَقَالَ : «كَذَبُوا ؛ كَيْفَ يَكُونُ كَافِراً وَ هُوَ يَقُولُ :أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّا وَجَدْنَا مُحَمَّداًنَبِيّاً كَمُوسى خُطَّ فِي أَوَّلِ الْكُتُبِ؟!» .وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : «كَيْفَ يَكُونُ أَبُو طَالِبٍ كَافِراً وَ هُوَ يَقُولُ :وَقَدْ(2) عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ لَدَيْنَا وَ لَا يَعْبَأُ بِقَوْلِ (3) الْأَبَاطِلِ وَ أَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامى ، عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ؟!» .

هديّة:(ألم تعلموا) يحتمل الخطاب والغيبة.(خطّ في أوّل الكتب) على ما لم يسمّ فاعله، قيل: يعني أنّ هذا مثبت في الكتاب الأوّل يعني اللوح المحفوظ، وقيل: يعني في أوّل كلّ كتاب تشرّفاً وتيمّناً باسمه، وقيل: يعني في كتب الأوائل. وقرأ برهان الفضلاء : «في أوّل الكتب» بضمّ الهمزة وفتح الواو المشدّدة، جمع «أولى» تأنيث «الأوّل» يعني الصحف الأوّلة التي كانت قبل سائر الكتب، قال: أو بفتح الهمزة، يعني كتاب آدم عليه السلام أو عمدة كلّ كتاب، يعني محكمه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمّد الأزديّ».
2- .في الكافي المطبوع : «لقد».
3- .في الكافي المطبوع : «بقيل».

ص: 333

(وفي حديث آخر) كلامُ ثقةِ الإسلام، وبهذا أحاديث الباب اثنان وأربعون.في بعض النسخ : «لقد علموا» مكان (وقد علموا)، «ولا يعنى» - كما ضبط برهان الفضلاء على المضارع الغائب المعلوم من باب علم، من العناء بالفتح والمدّ، بمعنى التقيّد والخضوع مكان (ولا يعبأ) بمعنى لا يهتمّ، قال: يعني لا يغترّ في أمر دينه.و(الأباطل) جمع «الأبطل» أفعل التفضيل للباطل.و«الأبيض»: الرجل التقيّ النقيّ العرض والسيرة. (يستسقى الغمام) على ما لم يسمّ فاعله، أي يطلب الغيث بالاستعانة من بركة ماء وجهه، أو الوجه عبارة عن الجاه والمنزلة. و(ثمال) ككتاب: الغياث الذي يقوم بأمر قومه.و«الأرملة»: تأنيث «الأرمل» على أفعل. قال في القاموس: رجلٌ أرمل وامرأة أرملة: محتاجة أو مسكينة، والجمع: أرامل وأراملة، والأرمل: العزب وهي بهاء ولا يقال للعزبة الموسرة: أرملة، والأرملة: الرّجال المحتاجون الضعفاء، انتهى.(1)في بعض النسخ : «عصمة الأرامل» بالإضافة.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ الثلاثة،(2) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَهُ جُدُدٌ ، فَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ سَلى نَاقَةٍ ، فَمَلُّوا(3) ثِيَابَهُ بِهَا ، فَدَخَلَهُ مِنْ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَذَهَبَ إِلى أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَمِّ ، كَيْفَ تَرى حَسَبِي فِيكُمْ ؟ فَقَالَ لَهُ : وَ مَا ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ حَمْزَةَ ، وَ أَخَذَ السَّيْفَ ، وَ قَالَ لِحَمْزَةَ : خُذِ السَّلى ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْقَوْمِ وَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله مَعَهُ ، فَأَتى قُرَيْشاً - وَ هُمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ - فَلَمَّا رَأَوْهُ ، عَرَفُوا الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِحَمْزَةَ : أَمِرَّ السَّلى عَلى سِبَالِهِمْ ، فَفَعَلَ ذلِكَ حَتّى أَتى عَلى آخِرِهِمْ ، ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ :

.


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 387 (رمل).
2- .يعني : «عليّ بن إبراهيم» ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- .في الكافي المطبوع : «فملؤوا».

ص: 334

يَا ابْنَ أَخِي ، هذَا حَسَبُكَ فِينَا» .

هديّة:«الجُدُد» بضمّتين: جمع الجديد وصفٌ للثياب، واللام في (له) للاختصاص.و«السّلا» بفتح المهملة والقصر والتخفيف: الجلدة التي يكون فيها الولد من الحيوان. «ملّه» كعضّ: أدرنه وأوسخه، من الملّة بالفتح والتشديد بمعنى الرماد. وقرأ برهان الفضلاء: «فملؤوا» من الملأ كالمنع مصدر قولك: ملأت الإناء كمنع.و«سبلة» بالتحريك يجمع على سبال وأسبلة، وهي ما على الشارب من الشَّعر، أو مجتمع الشاربين، أو ما على الذّقن على طرف اللّحية كلّها. في بعض النسخ : «أسبلتهم» مكان (سبالهم)، وفي بعض آخر : «خذ للسلاح» مكان (خذ السّلا)، وكأنّه مصنوع. و«الحسب»: شرف المجد والمكرمة والعزّة.

الحديث الثاني والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ ، نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ ؛ فَلَيْسَ لَكَ بِهَا(2) نَاصِرٌ ، وَ ثَارَتْ قُرَيْشٌ بِالنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَخَرَجَ هَارِباً حَتّى جَاءَ إِلى جَبَلٍ بِمَكَّةَ - يُقَالُ لَهُ : الْحَجُونُ - فَصَارَ إِلَيْهِ» .

هديّة:(توفّى) على ما لم يسمّ فاعله من التفعّل. وقال برهان الفضلاء: ويحتمل المعلوم من التفعّل، أي أتمّ عمره ورزقه.في بعض النسخ : «فيها» مكان (بها).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليٌّ، عن أبيه، عن ابن أبي نصر، عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ، عن عبيد بن زرارة».
2- .في الكافي المطبوع : «فيها».

ص: 335

(ثارت): هاجت، من الثور وهو الهيجان والوثوب. و(الحجون) بالفتح وتقديم المهملة على الجيم.

الحديث الثالث والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَسْلَمَ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ» قَالَ : «بِكُلِّ لِسَانٍ» .

هديّة:يجمع «الجملة» على «جمل» كصرد، و«جمّل» بالضمّ والتشديد كركّع، ويُقال للقلس بالفتح - وهو مجموع حبال السفينة مربوطة على سكّانها - : جمّل أيضاً كركّع، شبّه حساب أبجد بذلك لجمعها كالقلس مرتبة مرتبة مرّة في العشرة واُخرى في المائة ، ثمّ في الألف ، (بحساب الجمّل) متعلّق ب (قال)، وتكرار «قال» للفاصلة، يعني بإشارة من إشارات عقود الأنامل كما سيذكر في الحديث التالي.(وبكلّ لسان) متعلّق ب (أسلم)، أي بكلّ حجّة للَّه على الناس في الأرض بأنّهم قائلون حقّاً أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً الذي خلقه رحمةً للعالمين بفضل جوده ومحض لطفه عبدُه ورسولُه. أوالمعنى أنّ أبا طالب أسلم بطريق إسلام كلّ حجّة للَّه بما ذكر، وهذا بدليل الحديث التالي.وقال بعض المعاصرين: لعلّ المراد أنّه أظهر إسلامه بكلمات كانت عددها بحساب الجمّل ثلاثة وستّين،(2) وهي إلهٌ أحدٌ جواد، يعني كما روى الصدوق في معاني الأخبار عن ابن روح، وقال:سئل أبو القاسم الحسين بن روح عن معنى هذا الخبر، يعني الحديث التالي، فقال: عنى بذلك إلهٌ أحدٌ جوادٌ، قال: وتفسير ذلك أنّ الألف واحد، واللام ثلاثون، والهاء خمسة، والألف واحد، والحاء ثمانية، والدال أربعة، والجيم ثلاثة، والواو ستّة، والألف واحد،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه و محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن عبد اللَّه».
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 701 ، ذيل ح 1310.

ص: 336

والدال أربعة، فذلك ثلاثة وثلاثون.(1)وقال بعض الأفاضل عبّر عليه السلام عن إسلام أبي طالب بكلّ لسان، يعني البتّة بإسلامه بحساب الجمل؛ لأنّه حساب جاز في كلّ لسان.وقال برهان الفضلاء:الحساب هنا بمعنى الكافي، قال اللَّه تعالى: «عَطَاءً حِسَاباً»(2). و«الجمل» كصرد: جمع الجملة، وكذا الجمّل بالتشديد، قال: أو بضمّتين جمع الجميل، يعني الحسان والأبرار، يعني بطريق كافٍ لمعرفة الجميع أو المحسنين أنّه أسلم، ف «بكلّ لسان» للتوضيح؛ إذ المعنى أنّ كلّ أحد حتّى الأجنبي عن لسانه عرف إسلامه، انتهى.مثل الحديث من مصاديق قولهم عليهم السلام: «إنّ حديثنا صعبٌ مستصعب»(3)الحديث.

الحديث الرابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ،(4) عَنْ السَّكُونِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَسْلَمَ أَبُو طَالِبٍ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ ، وَ عَقَدَ بِيَدِهِ ثَلَاثاً وَ سِتِّينَ» .

هديّة:بيانه على بيان سابقه، أنّه عليه السلام قال بإشارة عقود الأنامل أنّ أبا طالب أسلم بأنّه إلهٌ أحدٌ جوادٌ، يعني بأن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً الذي خلقه بفضل جوده ومحض لطفه عبده ورسوله.وقال برهان الفضلاء:كان المقرّر في السلف ثلاثاً وستّين صورة من صور عقود الأنامل لضبط الإشارة إلى

.


1- .معاني الأخبار ، ص 286 ، ح 2.
2- .النبأ (78): 36.
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 401 ، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب ، ح 3 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 2 ، ص 333 ، ح 1055 ؛ بصائر الدرجات ، ص 25 ، ح 20.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد و عبد اللَّه ابني محمّد بن عيسى ، عن أبيهما ، عن عبد اللَّه بن المغيرة».

ص: 337

الحساب من واحد إلى عشرة آلاف، منها للستّين: وضع ظفر الإبهام اليمنى على العقد الأوسط من العقود الثلاثة في السبّابة كما يفعل الرامي عند الرمي، فبوضعها على عقود الثلاثة واحداً بعد واحد يفهم ثلاثة وستّين، فالمعنى أنّ أبا طالب رمى قلب المشركين بسهام وهي ثلاثة وستّون بيتاً في إظهار الإسلام بمدح النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، انتهى.وذكر الفاضل الاسترآبادي في بيان هذين الحديثين: الحديث رواه الصدوق في هذا المعنى. واكتفى، إلّا أنّه نقله عن كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة هكذا: عن أبي الحسن محمّد بن أحمد، قال: كنت عند أبي القاسم بن روح فسأله رجلٌ: ما معنى قول العبّاس للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله: إنّ عمّك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثة وستّين؟ فقال: عنى بذلك إلهٌ أحدٌ جوادٌ، وتفسير ذلك أنّ الألف واحد،(1) الحديث كما ذكر آنفاً.

الحديث الخامس والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ الأَصْبَغَ بْنِ نُبَاتَةَ الْحَنْظَلِيِّ ،(2) قَالَ : رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْمَ افْتَتَحَ الْبَصْرَةَ ، وَ رَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ قَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ ، أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ ؟» .فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : بَلى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، حَدِّثْنَا ؛ فَإِنَّكَ كُنْتَ تَشْهَدُ وَ تَغِيبُ ،(3)فَقَالَ : «إِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لَا يُنْكِرُ فَضْلَهُمْ إِلَّا كَافِرٌ ، وَ لَا يَجْحَدُ بِهِ إِلَّا جَاحِدٌ».فَقَامَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَقَالَ : سَمِّهِمْ لَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (4)لِنَعْرِفَهُمْ ، فَقَالَ : «إِنَّ خَيْرَ الْخَلْقِ يَوْمَ يَجْمَعُهُمُ اللَّهُ الرُّسُلُ ، وَ إِنَّ أَفْضَلَ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّ أَفْضَلَ كُلِّ أُمَّةٍ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَصِيُّ نَبِيِّهَا حَتّى يُدْرِكَهُ نَبِيٌّ ، أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الْأَوْصِيَاءِ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ

.


1- .كمال الدين ، ج 2 ، ص 519 ، ح 48.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال ، عن الحسين بن علوان الكلبّي ، عن عليّ بن الخروّر الغنويّ ، عن الأصبغ بن نباتة الحنظلي».
3- .في الكافي المطبوع : «نغيب».
4- .في الكافي المطبوع : «يا أمير المؤمنين سمّهم لنا».

ص: 338

الْأَوْصِيَاءِ الشُّهَدَاءُ ، أَلَا وَ إِنَّ أَفْضَلَ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبَانِ ، يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ ، لَمْ يُجْعَلْ لأَِحَدٍ(1)مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ جَنَاحَانِ غَيْرُهُ ، شَيْ ءٌ كَرَّمَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّداً وَ آلِهِ شَرَّفَهُمْ صلى اللَّه عليه وآله (2)، وَ السِّبْطَانِ - الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ - وَ الْمَهْدِيَّ عليهم السلام يَجْعَلُهُ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ».ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً * ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» .

هديّة:(افتتح) على المعلوم من الافتعال للمبالغة، أو على خلافه منه؛ ف (البصرة) رفع نيابةً عن الفاعل.(كنت تشهد وتغيب) كنايةٌ عن كثرة صحبته عليه السلام واختصاصه برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كأنّه ما غاب عن خدمته قطّ.قال برهان الفضلاء: «جحد» كعلم: قصر، خلاف طال، و«جحده» كمنع: أنكره، وهنا من الأوّل، فالباء في (به) للتعدية، أي ولا يظنّ به نقصاً في الدِّين إلّا جاحد.في بعض النسخ : «لم ينحل أحد» مكان (لم يجعل لأحد) أي لم يعط.قيل: والظاهر «جناحين» مكان (جناحان).وضبط برهان الفضلاء : «وشرّفه» مكان (وشرّفهم) كما في بعض النسخ.و(السبطان) مبتدأ، خبره (الحسن والحسين عليهما السلام).(والمهديّ) نصب بتقدير فعل يفسّره (يجعله).والآية في سورة النساء.(3)

.


1- .في الكافي المطبوع : «لم يغل أحد» بدل «لم يجعل لأحد».
2- .في الكافي المطبوع : «محمّدا صلى اللَّه عليه وآله وشرّفه» بدل «محمّدا و آله وشرّفهم صلى اللَّه عليه وآله».
3- .النساء (4) : 69 - 70.

ص: 339

الحديث السادس والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : كَيْفَ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : «لَمَّا غَسَّلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ كَفَّنَهُ ، سَجَّاهُ ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَشَرَةً ، فَدَارُوا حَوْلَهُ ، ثُمَّ وَقَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي وَسَطِهِمْ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً» فَيَقُولُ الْقَوْمُ كَمَا يَقُولُ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَ أَهْلُ الْعَوَالِي» .

هديّة:(سجّاه): غطّاه، و«التسجية»: التغطية.في (فداروا حوله) أقوال:قيل: يعني بحيث صاروا حلقة.وقيل: ذلك لمكان الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله في حجرته ولم تسع الصفّ المستوي.وقيل: وذلك لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إمامنا حيّاً وميّتاً» كما في الحديث التالي للتالي.وقال برهان الفضلاء: يعني فوقفوا خارج الحجرة حيث كان بعضهم داخل بعض البيوت.(ثمّ وقف أمير المؤمنين عليه السلام) يعني مستقبل القبلة قولاً واحداً.وكذا أقوال في قراءة هذه الآية من سورة الأحزاب (2):فقيل: ظاهر هذا الحديث والآتي - وهو الحديث الأربعون - أنّ الصلاة على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله كانت مجرّد قراءة هذه الآية فلعلّها من الخصائص.وقيل: يعني فقرأ هذه الآية قبل الصلاة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسين ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن النعمان ، عن أبي مريم الأنصاري».
2- .الأحزاب (33) : 56.

ص: 340

وقيل: يحتمل «فصلّى فقال».(فيقول القوم) يعني فكان يقول القوم كما يقول أهل المدينة، يعني على الظاهر جميعهم عشرة عشرة.و(العوالي): قرى ومواضع حوالى المدينة، يعني أهل قراها القريبة.

الحديث السابع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عُقْبَةَ بْنِ بَشِيرٍ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله لِعَلِيٍّ عليه السلام : يَا عَلِيُّ ، ادْفِنِّي فِي هذَا الْمَكَانِ ، وَ ارْفَعْ قَبْرِي مِنَ الْأَرْضِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، وَ رُشَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ» .

هديّة:دفنه يدفنه كنصر - قيل: وضرب أيضاً - : ستره وواراه، كادّفنه على افتعله، فاندفن وتدفّن؛ قاله في القاموس.(2)(في هذا المكان) يعني حجرته صلى اللَّه عليه وآله.(رشّ عليه) من باب مدّ، والألف واللام في (الماء) للعهد الخارجي، يعني ماء بئر غرس، وقد ذكر في الحديث الرابع (3) في الباب الرابع والستّين.(4)

الحديث الثامن والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادٍ ،(5) عَنِ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَتَى الْعَبَّاسُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف ، عن أبي المغراء ، عن عقبة بن بشير».
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 222 (دفن).
3- .في «الف» : + «عشر».
4- .الكافي ، ج 1 ، ص 297 ، باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ، ح 7 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 2 ، ص 31 ، ح 772.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد».

ص: 341

أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ،(1) فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي بَقِيعِ الْمُصَلّى ، وَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَخَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِمَامَنَا(2) حَيّاً وَمَيِّتاً ، وَ قَالَ : إِنِّي أُدْفَنُ فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي أُقْبَضُ فِيهَا ، ثُمَّ قَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَصَلّى عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ عَشَرَةً عَشَرَةً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ» .

هديّة:«البقيع»: يُقال للموضع الذي فيه أشجار مختلفة، واسم خمسة مواضع في المدينة المنوّرة؛ والامتياز بالمضاف إليه، أحدها: (بقيع المصلّى) على اسم المفعول؛ لصلاته صلى اللَّه عليه وآله فيه لعيد الأضحى، وهو المسمّى ب «بقيع الخيل» أيضاً؛ لكونه مجتمع السرايا. والثاني : «بقيع بطحان» بضمّ المفردة وسكون المهملة، نسبةً إلى مسيل في المدينة. والثالث : «بقيع الغرقد» بالغين المعجمة المفتوحة، ثمّ المهملة الساكنة، فالقاف المفتوحة فالدال المهملة، نسبةً إلى ضرب من الشجر، وهو البقيع المشهور الآن عند الإطلاق. الرابع: بقيع الزبير، نسبةً إلى زبير بن العوّام كان أقطعه إيّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. الخامس : «بقيع الخبجبة» بفتح المعجمة وسكون المفردة وفتح الجيم والمفردة، نسبةً إلى ضرب من الشجر.

الحديث التاسع والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(3) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله ، صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَوْجاً فَوْجاً».قَالَ : «وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقُولُ فِي صِحَّتِهِ وَ سَلَامَتِهِ : إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هذِهِ الْآيَةُ عَلَيَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ بَعْدَ قَبْضِ اللَّهِ لِي : «إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى

.


1- .في «د» : + «إلى الناس».
2- .في الكافي المطبوع : «إمام».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف، عن عمرو بن شمر».

ص: 342

النَّبِىِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»(1)» .

هديّة:لعلّ المراد بصلاة المهاجرين والأنصار فوجاً فوجاً صلاتهم عشرة عشرة لما ذكر آنفاً.

الحديث الأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ ،(2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا مَعْنَى السَّلَامِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمَّا خَلَقَ نَبِيَّهُ وَ وَصِيَّهُ وَ ابْنَتَهُ وَ ابْنَيْهِ وَ جَمِيعَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، وَ خَلَقَ شِيعَتَهُمْ ، أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ ، وَ أَنْ يَصْبِرُوا وَ يُصَابِرُوا وَ يُرَابِطُوا ، وَ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ ؛ وَ وَعَدَهُمْ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُمُ الْأَرْضَ الْمُبَارَكَةَ وَ الْحَرَمَ الْآمِنَ ، وَ أَنْ يُنَزِّلَ لَهُمُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ ، وَ يُظْهِرَ لَهُمُ السَّقْفَ الْمَرْفُوعَ ، وَ يُرِيحَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَ الْأَرْضِ الَّتِي يُبَدِّلُهَا اللَّهُ مِنَ السَّلَامِ وَ يُسَلِّمُ مَا فِيهَا لَهُمْ ، لَا شِيَةَ فِيهَا - قَالَ : لَا خُصُومَةَ فِيهَا لِعَدُوِّهِمْ - وَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهَا مَا يُحِبُّونَ ؛ وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَ شِيعَتِهِمُ الْمِيثَاقَ بِذلِكَ ، وَ إِنَّمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ (3) تَذْكِرَةُ نَفْسٍ الْمِيثَاقَ ، وَ تَجْدِيدٌ لَهُ عَلَى اللَّهِ لَعَلَّهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ يُعَجِّلَ السَّلَامَ لَكُمْ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ» .

هديّة:الأولى جرّ (السلام) وتعلّق الظرف بالسلام من رفعه بالابتداء وخبريّة الظرف.(وأن يصبروا) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(4).

.


1- .الأحزاب (33) : 56.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا رفعه عن محمّد بن سنان ، عن داود بن كثير الرقّي».
3- .في الكافي المطبوع : «السلام عليه» بدل «عليه السلام».
4- .آل عمران (3): 200.

ص: 343

و(الأرض المباركة) هنا قيل: عبارة عن حرم المدينة المنوّرة، وقيل: عن جميع المشاهد المقدّسة، وقيل: - كما ذهب إليه برهان الفضلاء - إنّها عبارة عن جميع الأرض وما فيها في زمان القائم عليه السلام، وفي الحديث أنّ ظهور بركات الأرض عند ظهوره عليه السلام. قال: و«الحرم الآمن» أيضاً عبارة عنه بذلك الاعتبار، وفي الحديث إنّه صار حمى للشيعة لا مدخل لغيره فيه أصلاً، فناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة القصص: «وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْ ءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(1)، فسّر «أولم نمكّن لهم» بالوعد للشيعة عند ظهور الصاحب عليه السلام.وفي إنزال البيت المعمور لهم أقوال. قال برهان الفضلاء: و«البيت المعمور» هنا عبارةٌ عن اللوح المحفوظ وهو المسمّى باُمّ الكتاب، وهو كتاب من كتب المحو والإثبات التي تنزل على الأئمّة عليهم السلام في ليالي القدر للتحديث ولم ينزل ذلك الكتاب بعد، وسينزل على الصاحب عليه السلام، قال اللَّه تعالى في سورة الرعد: «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ* يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2)، «والسقف المرفوع» عبارة عن سرادق الصاحب عليه السلام، أو كناية عن رفعة شأن سلطنته، فالعبارتان إشارة إلى تفسير آيتي سورة الطور.(3)(يريحهم) على المعلوم من الإفعال.(والأرض) إمّا نصب عطفاً على السقف.(ويبدّلها) بالدال المهملة من التبديل.و(من السلام) يعني من البركة والتيمّن.(ويسلّم) بالنصب عطفٌ على (يظهر) أو رفع على الابتداء.

.


1- .القصص (28): 57 .
2- .الرعد (13): 38 - 39 .
3- .الطور (52) : 4 - 5.

ص: 344

و«يبذلها» كما في بعض النسخ. وضبط برهان الفضلاء بالذال المعجمة من البذل مصدر باب ضرب.و«من السلام» يعني من الصاحب عليه السلام وشيعته.و(لاشية فيها) خبر المبتدأ، فالجملة معترضة، و«الشّية» بالكسر والتخفيف أصلها الوشى بالفتح وسكون المعجمة، وهو اللون الذي في الثوب يخالف سائره، وقد يكنّى بها عن الأثر والعلامة، والظرف «في».(وإنّما عليه السلام) أي على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله متعلّق بالسلام وهو مبتدأ متأخّر عن متعلّقه، والخبر (تذكرة) مضافة إلى (نفس)، و(الميثاق) نصب مفعول به للتذكرة، و(تجديد له) عطف على المبتدأ. أي للسّلام على اللَّه، أي على ما وعد اللَّه أو الموعود على اللَّه. (لعلّه) : لعلّ اللَّه أن يعجّل تسليم السلام إليهم بجميع ما في السلام، يعني الأرض المباركة والحرم الآمن.

الحديث الحادي والأربعون روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنُ مَحْبُوبٍ ،(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ صَفِيِّكَ (2) وَ نَجِيِّكَ ، الْمُدَبِّرِ لِأَمْرِكَ» .

هديّة:الصفيّ والصفوة والمصطفى والمرتضى والمجتبى كلّه بمعنى.و«النجي»: المناجي، يعني صاحب السرّ بالوحي، و(المدبّر) على اسم المفعول من التدبير، (لأمرك): لحجّتك أو لدينك، والمعنى على اسم الفاعل منه المدبّر بأمرك لأمرك، على ما سبق في باب التفويض إلى النبيّ وإلى الأئمّة عليهم السلام في أمر الدِّين.

.


1- .السند في الكافي المطبوع مصدّدر بابن محبوب وهو الحسن وليس هو من مشايخ الكليني وأمّا كون السند معلّقاً على الأسناد السابقة، فليس له وجه مبرّر.
2- .في الكافي المطبوع : + «وخليلك».

ص: 345

باب النهي عن الإشراف على قبر رسول اللَّه

الباب الثاني عشر والمائة : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْإِشْرَافِ عَلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله (1)وفيه كما في الكافي حديث واحد:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُثَنَّى الْخَطِيبِ ،(2) قَالَ : كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ وَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُشْرِفُ عَلَى الْقَبْرِ قَدْ سَقَطَ ، وَ الْفَعَلَةُ يَصْعَدُونَ وَ يَنْزِلُونَ وَ نَحْنُ جَمَاعَةٌ ، فَقُلْنَا(3) لِأَصْحَابِنَا : مَنْ مِنْكُمْ لَهُ مَوْعِدٌ يَدْخُلُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام اللَّيْلَةَ ؟ فَقَالَ مِهْرَانُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ : أَنَا ، وَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيُّ : أَنَا ، فَقُلْنَا لَهُمَا : سَلَاهُ لَنَا عَنِ الصُّعُودِ لِنُشْرِفَ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ لَقِينَاهُمَا ، فَاجْتَمَعْنَا جَمِيعاً ، فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ : قَدْ سَأَلْنَاهُ لَكُمْ عَمَّا ذَكَرْتُمْ ، فَقَالَ : «مَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَعْلُوَ فَوْقَهُ ، وَ لَا آمَنُهُ أَنْ يَرى شَيْئاً يَذْهَبُ مِنْهُ بَصَرُهُ ، أَوْ يَرَاهُ قَائِماً يُصَلِّي ، أَوْ يَرَاهُ مَعَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:في بعض نسخ الكافي ليس لفظة (باب) قبل العنوان، والأكثر كما نقلنا؛ فأحاديث الباب على البعض اثنان وأربعون، أو ثلاثة وأربعون.

.


1- .في الكافي المطبوع : «النبيّ» بدل «رسول اللَّه».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن جعفر بن المثنّى الخطيب».
3- .في الكافي المطبوع : «فقلت».

ص: 346

(لنشرف) على المتكلّم مع الغير من الإفعال.(ولا آمنه) على المتكلّم وحده من باب علم. وقرأ برهان الفضلاء : «أَوَ يراه» على الاستفهام الإنكاري وفتح الواو، يعني هل يعلو فوقه رجاء أن يراه قائماً يصلّي، فيتشرّف بذلك ويفتخر به عند الناس، قال: ويحتمل «أو يراه» في الثانية للعطف. والمآل واحد.

.

ص: 347

باب مولد أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه

الباب الثالث عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ اثنى عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَ قُتِلَ عليه السلام فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْهُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً . بَقِيَ بَعْدَ قَبْضِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ثَلَاثِينَ سَنَةً . وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَ هُوَ أَوَّلُ هَاشِمِيٍّ وَلَدَهُ هَاشِمٌ مَرَّتَيْنِ .

هديّة:(ولد أمير المؤمنين عليه السلام) في زمن شهريار بن شيرويه بن كسرى ابرويز بن هرمز بن نوشيروان.(ولده هاشم) كوعد (مرّتين)، يعني أوّل من كان هاشميّ الأب والاُمّ.وروى الشيخ أيضاً في التهذيب على نهج التاريخ وقال:ولد أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقبض قتيلاً بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، وله عليه السلام يومئذٍ ثلاث وستّون سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ ولد في الإسلام من هاشميّين، وقبره بالغريّ من نجف الكوفة.(1)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 19 ، باب نسب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و... .

ص: 348

أقول: بعد الاختلاف في ليلة الرحلة لا كلام في أنّ المراد بالليلة آخرها عند طلوع الفجر، ذلك تقدير العزيز الحكيم، وما أبين حكمة التقدير في موافقته عليه السلام النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في مدّة العمر أيضاً - بعد التولّد في جوف الكعبة وصرف العمر في خدمته صلى اللَّه عليه وآله على ما هو غنيٌّ عن البيان - في باب كلّ أمر وشأن، سيّما المجاهدات وقمع أهل الكفر والطغيان، ثمّ الشهادة بالسيف في أفضل أفضل أفضل أفضل الأزمنة، في أفضل أفضل أفضل أفضل الأمكنة، في أفضل أفضل أفضل أفضل الفعال، انتخاب على الانتخاب، نورٌ على نور من اللَّه العليّ العظيم الحكيم المتعال، في شهر اللَّه الأعظم، في العشر الأواخر، في ليالي الإفراد، في وقت الصبح، في حرم اللَّه، في جانب القبلة، في موقف الإمامة، في مسجد المحراب، في عبادة المعبود، في الصلاة، في صلاة الصبح، في السجود، فطوبى لنا، ثمّ طوبى لنا.و«الغريّ» بفتح المعجمة وكسر الراء بلا نقطة وتشديد الخاتمة كالزكي: اسم لأرض مقبرة من نجف أمير المؤمنين عليه السلام. وإنّما سمّيت بالغريّ لأنّ الغريّ يُقال لحجارة متلطّخة بالدم، كان ذو الضفيرتين النعمان بن المنذر بعد إتمام عمارة خورنقه وقتل سنمّار بنّاء الخورنق بإلقائه عن فوق العمارة؛ لئلّا يصنع مثلها في ملك آخر لملك آخر، جعل أيّامه يومين يومين، فسمّي كلّ يومين من أيّامه بيوم البؤس ويوم النعيم، وألزم على نفسه أن يجلس كلّ يوم ساعة أو ساعتين أو أزيد في غرفة من غرف الخورنق ويشاهد، فإن شاهد في بلده رجلاً غريباً أيّ من كان وكان يوم النعيم، فينعم عليه من حطام الدنيا قدراً معتدّاً به في نظر أهل الدنيا، وإن كان يوم البؤس فيأمر بقتل ذلك الغريب من دون جناية عليه، ونهب ما معه من ماله، ولطّخ حجارة قبره بدمه بعد الدفن في الأرض المعدّة لهؤلاء الغرباء المقتولين شهادة، ثمّ اشترى أمير المؤمنين عليه السلام تلك الأرض من أهل الكوفة، ووقف على عامّة المسلمين، وأوصى أن يُدفن عليه السلام هناك، ويشاهد عظم شأنها يوم المحشر للأوّلين والآخرين كشأن السماء في الدنيا إن شاء اللَّه تعالى.

.

ص: 349

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ ،(1) عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ جَاءَتْ إِلى أَبِي طَالِبٍ لِتُبَشِّرَهُ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : اصْبِرِي سَبْتاً آتِيكِ (2) بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّبُوَّةَ».وَ قَالَ : «السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً ، وَ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ثَلَاثُونَ سَنَةً» .

هديّة:في بعض النسخ : «لتسرّه» من السرور مكان (لتبشّره) من البشارة، سرّه كمدّ وأسرّه بمعنى. وفي بعض آخر - كما ضبط برهان الفضلاء - : «اُبشّرك» مكان (آتيك)، قال: يحتمل الرفع والجزم.و«السبت»: الدهر والبرهة من الزمان، قيل: وخصّ في الحديث بثلاثين سنة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ السَّيَّارِيِّ ،(3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ أُمَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلى قَدَمَيْهَا ، وَ كَانَتْ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَسَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا ، فَقَالَتْ : وَا سَوْأَتَاهْ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : فَإِنِّي أَسْأَلُكِ (4) اللَّهَ أَنْ يَبْعَثَكِ كَاسِيَةً ؛ وَ سَمِعَتْهُ يَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ ، فَقَالَتْ : وَا ضَعْفَاهْ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : فَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَكِ ذلِكِ .وَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَوْماً : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَ جَارِيَتِي هذِهِ ، فَقَالَ لَهَا : إِنْ فَعَلْتِ أَعْتَقَ اللَّهُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الفارسيّ ، عن أبي حنيفة محمّد بن يحيى ، عن الوليد بن أبان ، عن محمّد بن عبد اللَّه بن مسكان».
2- .في الكافي المطبوع : «اُبشّرك».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه، عن السيّاريّ».
4- .في الكافي المطبوع : «أسأل».

ص: 350

بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْواً مِنْكِ مِنَ النَّارِ ؛ فَلَمَّا مَرِضَتْ أَوْصَتْ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَمَرَتْ أَنْ يُعْتِقَ خَادِمَهَا ، وَ اعْتُقِلَ لِسَانُهَا ، فَجَعَلَتْ تُومِيُ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِيمَاءً ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَصِيَّتَهَا .فَبَيْنَمَا هُوَ صلى اللَّه عليه وآله ذَاتَ يَوْمٍ قَاعِدٌ إِذْ أَتَاهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أُمِّي وَ اللَّهِ ، فَقَامَ صلى اللَّه عليه وآله (1) مُسْرِعاً حَتّى دَخَلَ ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ بَكى ، ثُمَّ أَمَرَ النِّسَاءَ أَنْ يَغْسِلْنَهَا ، وَ قَالَ صلى اللَّه عليه وآله : إِذَا فَرَغْتُنَّ فَلَا تُحْدِثْنَ شَيْئاً حَتّى تُعْلِمْنَنِي ، فَلَمَّا فَرَغْنَ أَعْلَمْنَهُ ذَلِكَ (2) ، فَأَعْطَاهُنَّ إِحْدَى (3) قَمِيصَيْهِ ، الَّذِي يَلِي جِلْدَهُ (4) ، وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يُكَفِّنَّهَا فِيهِ .وَ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ : إِذَا رَأَيْتُمُونِي قَدْ فَعَلْتُ شَيْئاً لَمْ أَفْعَلْهُ قَبْلَ ذلِكَ ، فَسَلُونِي : لِمَ فَعَلْتُهُ ؟ فَلَمَّا فَرَغْنَ مِنْ غُسْلِهَا وَ كَفْنِهَا ، دَخَلَ صلى اللَّه عليه وآله ، فَحَمَلَ جَنَازَتَهَا عَلى عَاتِقِهِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَحْتَ جَنَازَتِهَا حَتّى أَوْرَدَهَا قَبْرَهَا ، ثُمَّ وَضَعَهَا ، وَ دَخَلَ الْقَبْرَ ، فَاضْطَجَعَ فِيهِ ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَهَا عَلى يَدَيْهِ حَتّى وَضَعَهَا فِي الْقَبْرِ ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلَيْهَا طَوِيلًا يُنَاجِيهَا ، وَ يَقُولُ لَهَا : ابْنُكَ ، ابْنُكِ ،(5) ثُمَّ خَرَجَ ، فَسَوّى (6) عَلَيْهَا ، ثُمَّ انْكَبَّ عَلى قَبْرِهَا ، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ : لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ إيّاها ، ثُمَّ انْصَرَفَ .فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ : إِنَّا رَأَيْنَاكَ فَعَلْتَ أَشْيَاءَ لَمْ تَفْعَلْهَا قَبْلَ الْيَوْمِ ؟ فَقَالَ : الْيَوْمَ فَقَدْتُ أُمَّ ابْنِ (7) أَبِي طَالِبٍ ، إِنْ كَانَتْ لَيَكُونُ عِنْدَهَا الشَّيْ ءُ ، فَتُؤْثِرُنِي بِهِ عَلى نَفْسِهَا وَ وَلَدِهَا ، وَ إِنِّي ذَكَرْتُ الْقِيَامَةَ ، وَ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً ، فَقَالَتْ : وَا سَوْأَتَاهْ ، فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَبْعَثَهَا اللَّهُ تَعَالى

.


1- .في الكافي المطبوع : «وقام عليه السلام» بدل «فقام صلى اللَّه عليه وآله».
2- .في الكافي المطبوع : «بذلك».
3- .في الكافي المطبوع : «إحدى».
4- .في الكافي المطبوع : «جسده».
5- .في الكافي المطبوع : + «إبنك».
6- .في الكافي المطبوع : «و سوّى».
7- .في الكافي المطبوع : «برّ» بدل «أمّ ابن».

ص: 351

كَاسِيَةً ، وَ ذَكَرْتُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ ، فَقَالَتْ : وَا ضَعْفَاهْ ، فَضَمِنْتُ لَهَا أَنْ يَكْفِيَهَا اللَّهُ ذلِكَ ، فَكَفَّنْتُهَا بِقَمِيصِي ، وَاضْطَجَعْتُ فِي قَبْرِهَا لِذلِكَ ، وَ انْكَبَبْتُ عَلَيْهَا ، فَلَقَّنْتُهَا مَا تُسْأَلُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ رَبِّهَا ، فَقَالَتْ ؛ وَ سُئِلَتْ عَنْ رَسُولِهَا ، فَأَجَابَتْ ؛ وَ سُئِلَتْ عَنْ وَلِيِّهَا وَ إِمَامِهَا ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهَا ، فَقُلْتُ : ابْنُكِ ، ابْنُكِ (1)» .

هديّة:«السوأة» بالفتح: الخلّة القبيحة، يعني وافضيحتاه.(خادمها) يمكن أن تكون غير الجارية المذكورة من قبل.(تؤمي) دلالة إلى صحّة قبول الوصيّة بالإشارة.(أعلمنه ذلك) أو «بذلك» كما في بعض النسخ.(إحدى قميصيه) بتأنيث المضاف الأوّل وتثنية الثاني. قال في القاموس: القميص قد يؤنّث.(2)وضبط برهان الفضلاء : «أجدى قميصه» على أفعل التفضيل، من الجدوى بالجيم والقصر، يعني النفع في الأوّل والافراد في الثاني، قال: «قميصه» نصب عطف بيان للأجدى. وضبط «جسده» مكان (جلده).و«الجنازة» مكسورة الجيم.و«العاتق»: موضع الرداء من الكتف.(ثمّ وضعها) يعني على شفير القبر.(فسوّى عليها) أي التراب.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «استودعها إيّاك» مكان (استودعك إيّاها)، و«برّ أبي طالب» مكان (اُمّ ابن أبي طالب) وهذا أولى، أو كما في الأكثر أولى.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «إبنك».
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 316 (قمص).

ص: 352

(إن كانت) مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشّان، واللام في (ليكون) مفتوحة، واحتمال كسر الهمزة على الشرطيّة لا بأس به.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فأجابت» في الموضعين.و«أرتج» على الماضي المجهول إمّا من الإفعال، و«الارتاج»: إغلاق الباب، أو من الافتعال، و«الارتجاج»: الاضطراب، ارتجّ عليها: استغلق عليها الكلام.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ ،(1) عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فُتِحَ لِآمِنَةَ بَيَاضُ فَارِسَ ، وَ قُصُورُ الشَّامِ ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ - بِنْتُ أَسَدٍ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - إِلى أَبِي طَالِبٍ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً ، فَأَعْلَمَتْهُ مَا قَالَتْ آمِنَةُ ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَالِبٍ : وَ تَتَعَجَّبِينَ مِنْ هذَا ؟ إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَ تَلِدِينَ بِوَصِيِّهِ وَوَزِيرِهِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «فتح لاُمّه» مكان (فتح لآمنة) يعني كشف الحجاب بإذن اللَّه تعالى ، فرأت ما رأت.قيل : «بياض فارس» عبارة عن خزائن الفضّة فيها، كما أنّ خزائن الشامات تكون أكثرها من الذهب. وقال برهان الفضلاء: أو عبارة عن قصر كسرى في المدائن، وكانت تلك العمارة تسمّى بالبيضاء. وقيل: يعني مدينتها، كما أنّ سوادها عبارة عن قراها.في بعض النسخ : «وتعجبين» من باب علم مكان. (وتتعجّبين) على التفعّل، عجب وتعجّب بمعنى.ويُقال: «فارس» لقب ملوك الفرس، فسمّيت به، وفارس ينصرف ولا ينصرف للبلد والبلدة، وكذا سائر أسماء البلاد إلّا مع العجمة أو غيرها من الأسباب، فلا ينصرف كماء وجور.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عمّن ذكره ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن أبان الكلبيّ».

ص: 353

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ ،(1) عَنْ أَسِيدِ بْنِ صَفْوَانَ - صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله - قَالَ : لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ارْتَجَّ الْمَوْضِعُ بِالْبُكَاءِ ، وَ دَهِشَ النَّاسُ كَيَوْمِ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَجَاءَ(2) رَجُلٌ - بَاكِياً وَ هُوَ مُسْرِعٌ مُسْتَرْجِعٌ وَ هُوَ يَقُولُ : الْيَوْمَ انْقَطَعَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ - حَتّى وَقَفَ عَلى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلَاماً ، وَ أَخْلَصَهُمْ إِيمَاناً ، وَ أَشَدَّهُمْ يَقِيناً ،(3) وَ أَعْظَمَهُمْ عَنَاءً ، وَ أَحْوَطَهُمْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ آمَنَهُمْ عَلى أَصْحَابِهِ ، وَ أَفْضَلَهُمْ مَنَاقِبَ ، وَ أَكْرَمَهُمْ سَوَابِقَ ، وَ أَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً ، وَ أَقْرَبَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَشْبَهَهُمْ بِهِ هَدْياً وَ خَلْقاً وَ سَمْتاً وَ فِعْلًا ، وَ أَشْرَفَهُمْ مَنْزِلَةً ، وَ أَكْرَمَهُمْ عَلَيْهِ ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَ عَنْ رَسُولِهِ وَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً ، قَوِيتَ حِينَ ضَعُفَ أَصْحَابُهُ ، وَ بَرَزْتَ حِينَ اسْتَكَانُوا ، وَ نَهَضْتَ حِينَ وَهَنُوا ، وَ لَزِمْتَ مِنْهَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذْ هَمَّ أَصْحَابُهُ ، كُنْتَ خَلِيفَتَهُ حَقّاً ، لَمْ تُنَازَعْ وَ لَمْ تَضْرَعْ بِرَغْمِ الْمُنَافِقِينَ وَ غَيْظِ الْكَافِرِينَ وَ كُرْهِ الْحَاسِدِينَ وَ ضَغَنِ (4) الْفَاسِقِينَ ، فَقُمْتَ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا ، وَ نَطَقْتَ حِينَ تَتَعْتَعُوا ، وَ مَضَيْتَ بِنُورِ اللَّهِ إِذْ وَقَفُوا ، وَاتَّبَعُوكَ (5)فَهُدُوا ، وَ كُنْتَ أَخْضَعَهُمْ (6) صَوْتاً ، وَ أَعْلَاهُمْ قُنُوتاً ، وَ أَقَلَّهُمْ كَلَاماً ، وَ أَصْوَبَهُمْ نُطْقاً ، وَ أَكْبَرَهُمْ رَأْياً ، وَ أَشْجَعَهُمْ قَلْباً ، وَ أَشَدَّهُمْ يَقِيناً ، وَ أَحْسَنَهُمْ عَمَلًا ، وَ أَعْرَفَهُمْ بِالْأُمُورِ .كُنْتَ - وَ اللَّهِ - يَعْسُوباً لِلدِّينِ أَوَّلًا وَ آخِراً ، أَوَّلاً(7) حِينَ تَفَرَّقَ النَّاسُ ، وَ آخِراً(8) حِينَ فَشِلُوا ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن البرقيّ، عن أحمد بن زيد النيسابوريّ ، قال : حدّثني عمر بن إبراهيم الهاشميّ ، عن عبد الملك بن عمر».
2- .في الكافي المطبوع : «و جاء».
3- .في الكافي المطبوع : + «و أخوفهم للَّه».
4- .في الكافي المطبوع : «صغر».
5- .في الكافي المطبوع : «فاتّبعوك».
6- .في الكافي المطبوع : «أخفضهم».
7- .في الكافي المطبوع : «الأوّل».
8- .في الكافي المطبوع : «الآخر».

ص: 354

كُنْتَ بِالْمُؤْمِنِينَ (1) أَباً رَحِيماً إِذْ صَارُوا عَلَيْكَ عِيَالًا ، فَحَمَلْتَ أَثْقَالَ مَا عَنْهُ ضَعُفُوا ، وَ حَفِظْتَ مَا أَضَاعُوا ، وَ رَعَيْتَ مَا أَهْمَلُوا ، وَ شَمَّرْتَ إِذَا اجْتَمَعُوا ، وَ عَلَوْتَ إِذْ هَلِعُوا ، وَ صَبَرْتَ إِذْ أَسْرَعُوا ، وَ أَدْرَكْتَ أَوْتَارَ مَا طَلَبُوا ، وَ نَالُوا بِكَ مَا لَمْ يَحْتَسِبُوا ، كُنْتَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَذَاباً صَبّاً وَ نَهْباً ، وَ لِلْمُؤْمِنِينَ غِيْثاً وَ خَصْباً(2) ، فَطِرْتَ - وَ اللَّهِ - بِنَعْمَائِهَا ، وَ فُزْتَ بِحِبَائِهَا ، وَأَحْرَزْتَ سَوَابِغَهَا(3) ، وَ ذَهَبْتَ بِفَضَائِلِهَا ، لَمْ تُفْلَلْ حُجَّتُكَ ، وَ لَمْ يَزِغْ قَلْبُكَ ، وَ لَمْ تَضْعُفْ بَصِيرَتُكَ ، وَ لَمْ تَجْبُنْ نَفْسُكَ وَ لَمْ تَخُنْ (4) ، كُنْتَ كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْعَوَاصِفُ ، وَ كُنْتَ - كَمَا قَالَ عليه السلام - آمَنَ النَّاسِ فِي صُحْبَتِكَ وَ ذَاتِ يَدِكَ ، وَ كُنْتَ - كَمَا قَالَ عليه السلام - ضَعِيفاً فِي بَدَنِكَ ، قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ ، مُتَوَاضِعاً فِي نَفْسِكَ ، عَظِيماً عِنْدَ اللَّهِ ، كَبِيراً فِي الْأَرْضِ ، جَلِيلًا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيكَ مَهْمَزٌ ، وَ لَا لِقَائِلٍ فِيكَ مَغْمَزٌ ، وَ لَا لِأَحَدٍ فِيكَ مَطْمَعٌ ، وَ لَا لِأَحَدٍ عِنْدَكَ هَوَادَةٌ .الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ عِنْدَكَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ حَتّى تَأْخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ عِنْدَكَ ضَعِيفٌ ذَلِيلٌ حَتّى تَأْخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ ، وَ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ عِنْدَكَ فِي ذلِكَ سَوَاءٌ ، شَأْنُكَ الْحَقُّ وَ الصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، وَ قَوْلُكَ حُكْمٌ وَ حَتْمٌ ، وَ أَمْرُكَ حِلْمٌ وَ حَزْمٌ ، وَ رَأْيُكَ عِلْمٌ وَ عَزْمٌ فِيمَا فَعَلْتَ ، وَ قَدْ نُهِجَ السَّبِيلُ ، وَ سُهِّلَ الْعَسِيرُ ، وَأُطْفِئَتِ النِّيرَانُ ، وَ اعْتَدَلَ بِكَ الدِّينُ ، وَ قَوِيَ بِكَ الْإِسْلَامُ ، فَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، وَ ثَبَتَ بِكَ الْإِسْلَامُ وَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَ سَبَقْتَ سَبْقاً بَعِيداً ، وَ أَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ تَعَباً شَدِيداً ، فَجَلَلْتَ عَنِ الْبُكَاءِ ، وَ عَظُمَتْ رَزِيَّتُكَ فِي السَّمَاءِ ، وَ هَدَّتْ مُصِيبَتُكَ الْأَنَامَ ؛ فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ (5) ، وَ سَلَّمْنَا لِلَّهِ أَمْرَهُ ، فَوَ اللَّهِ لَنْ يُصَابَ الْمُسْلِمُونَ بِمِثْلِكَ أَبَداً .كُنْتَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَهْفاً وَ حِصْناً وَ قُنَّةً رَاسِياً ، وَ عَلَى الْكَافِرِينَ غِلْظَةً وَ غَيْظاً ، فَأَلْحَقَكَ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ لَا أَحْرَمَنَا أَجْرَكَ ، وَ لَا أَضَلَّنَا بَعْدَكَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «للمؤمنين».
2- .في الكافي المطبوع : «عمداً و حصناً».
3- .في الكافي المطبوع : «سوابقها».
4- .في الكافي المطبوع : «لم تخرّ».
5- .في الكافي المطبوع : «قضاه».

ص: 355

وَ سَكَتَ الْقَوْمُ حَتّى انْقَضى كَلَامُهُ ، وَ بَكى ، وَ بَكى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ طَلَبُوهُ ، فَلَمْ يُصَادِفُوهُ .

هديّة:(أسيد بن صفوان) كأمير، وقيل: على التصغير، قال في القاموس: وكأمير: سبعة صحابيّون، وخمسة تابعيّون، وكزبير: وابن فلان.(1) ولم يذكر ابن صفوان، يُقال: أسيد كأمير لمن يشبه الأسد.(ارتجّ) على المعلوم من الافتعال: اضطرب وتحرّك.(دهش) كعلم ، والدهشة: زوال الشعور من فرط الحيرة أو الخوف.«الاسترجاع»: قول: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.قرأ برهان الفضلاء : «خلافة النبوءة» بالهمزة المفتوحة بعد الواو الساكنة بمعنى وضوح الطريق، قال: يعني الخلافة بالعلم الذي لا اختلاف فيه.«العناء» بالفتح والمدّ: شدّة التعب أو التعب الشديد.و«السوابق»: جمع سابقة، قيل: كرم الآباء ملحوظ في المناقب، وشرف الاُمّهات في السوابق، ومكارم الأخلاق والأعمال الصالحة في كليهما. وقال برهان الفضلاء: أو جمع «سابق» بفتح المفردة كخاتم وخواتم، يعني ما أمر الناس بالمسابقة إليه، كما في قوله تعالى في سورة الحديد: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ»(2) الآية.و«الهدى» بالفتح وسكون الهاء: السيرة، وفي الحديث: «عليكم بهدى عمّار».(3)و«السمت» بالفتح: الطريق وحسن القصد وهيئة أهل الخير.(ضعف أصحابه) كنصر وحسن، يعني بحسب الاعتقاد.(استكانوا) استفعال أو افتعال، فالألف من إشباع الفتحة، و«الاستكانة»: الذلّ.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 274 (أسد).
2- .الحديد (57): 21.
3- .الصراط المستقيم ، ج 3 ، ص 146 ، وفيه هكذا : «اهتدوا بهدى عمّار».

ص: 356

(وهنوا) كضرب وحسب وحسن، و«الوهن» بالفتح: ضدّ القوّة.(إذ همَّ أصحابه) كمدّ، قيل: يعني قصدوا مخالفته وترك منهاجه، وقيل: «الهمّ» بالفتح : كالهمّة بالكسر يطلق في مقام الذمّ على متابعة هوى النفس.(لم تنازع) إمّا على ما لم يسمّ فاعله، يعني بالحقّ، وعلى المعلوم - كما ضبط برهان الفضلاء - يعني مع غاصبيها.(لم تضرع) كمنع وعلم وحسن، من الضراعة بمعنى الذلّ والضعف، يعني لم تظهر الذلّ والعجز. واحتمل برهان الفضلاء «لم تضرّع» على المضارع المعلوم من التفعّل بحذف إحدى التاءين.و«المراغمة»: الهجران والمغاضبة، راغمهم: نابذهم وعاداهم، فالباء للسببيّة.و«الكره» بالضمّ ويفتح: الكراهة والمشقّة.و«الضغن»: الحقد. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وصغر الفاسقين» يعني ذلّهم.(فشلوا) على المعلوم من باب علم: جبنوا وخافوا وكسلوا.و«التتعتع» بثلاث تاءات منقوطات من فوق والمهملتين: التردّد في الكلام. وضبط برهان الفضلاء : «تبغبغوا» بتاء ومفردتين ومعجمتين، قال: يعني قرّبوا من الحقّ.في بعض النسخ : «أخفضهم» مكان (أخضعهم).و«القنوت»: الطاعة.و«اليعسوب»: أمير النحل، وهو عليه السلام يعسوب الدِّين، فكما يجتمع النحل على رأس يعسوبها حيث كان ويحفّوا حولها مشتغلين بزمزمتها وذكرها، كذلك الملائكة حيث كان عليه السلام. وهذا أولى ممّا اشتهر أنّ وجه الشبه إتقان التدبير وإحكام السياسة.(وشمّرت) يعني عمّا اجتمعوا عليه.و«الهلع» بالتحريك: شدّة الحرص وإفراط الجزع، هلع كنصر.و«الأوتار» جمع الوتر بالكسر ويفتح: الدماء والضغائن. والضمير في (طلبوا)

.

ص: 357

للمؤمنين، يعني أدركت من عثمان وطالبي دمه ومعاوية وتابعيه. وقيل: جمع الوترة بالتحريك: خيار كلّ شي ء.والباء في (بك) للمصاحبة أو للسببيّة.(صبّاً) بالضمّ ويفتح، أي مصبوباً، أو صابّا كلّ عذاب عذاباً آخر.(ونهبا) كنَهَر ونَهَر عطف على «العذاب»، و«الغيث»: المطر، و«الخصب» بالكسر: ضدّ القحط. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «عمداً» مكان (غيثاً)، و«حصناً» مكان (خصباً)، قال: و«العمد» بفتح المهملة وسكون الميم قبل المهملة: محافظة الحائط المشرف على السقوط بعمود ونحوه، أو المصدر بمعنى الفاعل، كزيد عدل. ونِعْمَ ما قال:چه غم ديوار امّت را كه دارد چون تو پشتيبان چه پاك از موج بحر آن را كه باشد نوح كشتى بان(فطرت) من الطيران.والباء في (بنعمائها) للتعدية والضمير للإمامة.وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «بعمائها»، قال: أبعدت وأبطلت ضلالة الإمامة.و«الحباء»: كالعطاء لفظاً ومعنى.(سوابغها) أي كمالاتها. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «سوابقها» بالقاف، قال: يعني ما أمر بالسّبقة إليه من الخيرات.(لم تفلل) بالفاء على المجهول من باب مدّ، فلّه وفلّله تفليلاً فانفلّ وتفلّل: أبطل حدّثه ونفوذه، وفلول السيف ثلمه.و«الزيغ»: الميل.(ولم تجبن) بالجيم من باب حسن.(ولم تخن) من الخيانة، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ولم تخرّ»

.

ص: 358

من باب فرّ، قال: يعني ولم تسقط من العدوّ في الحروب.عصفت الريح كضرب : هبّت بالشدّة.(آمن الناس) على أفعل التفضيل للأمين، يعني في صحبتك مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.وفي (ذات يدك) يعني ما في يدك، والمراد الإمامة.و«المهمز» مصدر ميميّ، وكذا «المغمز».و«المطمع» يعني العيب والطعن والطمع ليخدعك.و«الهوادّة»: الميل والسكون والرخصة والمحاباة، يعني رخصته فيما لا ينبغي بسبب منّة له عليك.(وقد نهج السبيل) على المجهول من باب منع، (وسهّل) على المجهول من التفعيل ، وكذا (أطفئت) على التأنيث من الإفعال، (واعتدل) على المعلوم، وكذا (قوى).(سبقاً بعيداً) أي كثيراً سبق السابق عن المصلّي، أو المصلّي عن التالي.(فجللت) على المخاطب المعلوم من المجرّد، وجلالته عن البكاء كناية عن أنّ البكاء لا يمكن على قدر عزائه.و«الرزيّة» بالفتح والتشديد يهمز ولا يهمز: المصيبة.و«الهدّ» : الهدم.و«القنّة» بضمّ القاف وتشديد النون: الجبل الشامخ أو رأسه. و«الرّاسي»: الثابت.و«الإحرام»: المنع، يتعدّى بنفسه إلى مفعولين.«صادفه»: وجده ولقيه.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ ،(1) قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ عَامِرٌ وَ عَبْدُ اللَّهِ (2) بْنُ جُذَاعَةَ الْأَزْدِيُّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَمِيرَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال».
2- .في الكافي المطبوع جديداً : «وعامر بن عبد اللَّه» بدل «وعامر و عبد اللَّه».

ص: 359

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام دُفِنَ بِالرَّحْبَةِ ؟ قَالَ : «لَا». قَالَ : فَأَيْنَ دُفِنَ ؟ قَالَ : «إِنَّهُ لَمَّا مَاتَ ، احْتَمَلَهُ الْحَسَنُ عليه السلام ، فَأَتى بِهِ ظَهْرَ الْكُوفَةِ قَرِيباً مِنَ النَّجَفِ يَسْرَةً عَنِ الْغَرِيِّ ، يَمْنَةً عَنِ الْحِيرَةِ ، فَدَفَنَهُ بَيْنَ ذَكَوَاتٍ بِيضٍ».قَالَ : فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ ، ذَهَبْتُ إِلَى الْمَوَاضِعَ (1) ، فَتَوَهَّمْتُ مَوْضِعاً مِنْهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ لِي : «أَصَبْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .

هديّة:(جذاعة) بضمّ الجيم وفتح الذال المعجمة بالألف قبل المهملة.و«الرحبة» بالفتح: موضع متّصل بمسجد الكوفة، وقيل: المراد هنا فضاء صحن المسجد، وقيل: محلّة بالكوفة.وظهر كلّ مدينة: أرض علت في خارجها المتّصل بها. و(النجف) في الأصل اسم البحر المتّصل بمدينة النجف الأشرف، و(يسرة) بفتح الياء وسكون الثاني وكذا (يمنة)، و(الحيرة) بكسر الحاء بلا نقطة: بلد قرب الكوفة.و«الذكوات» جمع الذكوة بالفتح والكاف والألف وتاء التأنيث، ويكتب بالواو: الطهارة والكمال والحجارة الطاهرة المنتظمة للعلامة.قال في المغرب: وأصل تركيب الذكوة يدلّ على التمام، ومنه ذكاء السنّ بالمدّ لنهاية الشباب، وذكا النار بالقصر لتمام اشتعالها.(2)و«البيض» بالكسر: جمع الأبيض.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ،(3) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : أَتَانِي عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ ، فَقَالَ لِي : ارْكَبْ ، فَرَكِبْتُ مَعَهُ ، فَمَضَيْنَا حَتّى أَتَيْنَا مَنْزِلَ حَفْصٍ الْكُنَاسِيِّ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «الموضع».
2- .المغرب ، ص 175 (ذكو).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن محمّد».

ص: 360

فَاسْتَخْرَجْتُهُ ، فَرَكِبَ مَعَنَا ، ثُمَّ مَضَيْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْغَرِيَّ ، فَانْتَهَيْنَا إِلى قَبْرٍ ، فَقَالَ : انْزِلُوا ، هذَا قَبْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقُلْنَا : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذا(1) ؟ فَقَالَ : أَتَيْتُهُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - حَيْثُ كَانَ بِالْحِيرَةِ - غَيْرَ مَرَّةٍ ، وَ خَبَّرَنِي أَنَّهُ قَبْرُهُ .

هديّة:(عمر بن يزيد) أبو الأسود بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفيّ، ثقة جليل، أحد من كان يفد كلّ سنة، وأثنى عليه الصادق عليه السلام شفاهاً. في بعض النسخ : «فاستخرجه» وهو الظاهر، وضبط برهان الفضلاء على المتكلّم وحده.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(2) عَنْ عِيسى شَلَقَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَهُ خُؤُولَةٌ فِي بَنِي مَخْزُومٍ ، وَ إِنَّ شَابّاً مِنْهُمْ أَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا خَالِي ، إِنَّ أَبِي (3) مَاتَ وَ قَدْ حَزِنْتُ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً».قَالَ : «فَقَالَ لَهُ : تَشْتَهِي أَنْ تَرَاهُ ؟ قَالَ : بَلى ، قَالَ : فَأَرِنِي قَبْرَهُ، فَخَرَجَ عليه السلام وَ مَعَهُ بُرْدَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مُتَّزِراً بِهَا ، فَلَمَّا انْتَهى إِلَى الْقَبْرِ ، تَلَمْلَمَتْ شَفَتَاهُ ، ثُمَّ رَكَضَهُ بِرِجْلِهِ ، فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ وَ هُوَ يَقُولُ بِلِسَانِ الْفُرْسِ ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَ لَمْ تَمُتْ وَ أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ ؟! قَالَ : بَلى ، وَ لكِنَّا مِتْنَا عَلى سُنَّةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ ، فَانْقَلَبَتْ أَلْسِنَتُنَا» .

هديّة:(شلقان) محرّكة: قريتان بمصر ولقب رجل.و«الخؤولة» على فعولة: مصدر باب نصر، و«بنو مخزوم» بالمعجمتين: قبيلة من قريش.(يا خالي) على المجاز في المقام الخطابي وكان كلّ أحد من بني المخزوم

.


1- .في الكافي المطبوع : - «هذا».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن عبد اللَّه بن القاسم».
3- .في الكافي المطبوع : «أخي».

ص: 361

يخاطبه عليه السلام هكذا لمكان بنت اُخته عليه السلام فيما بينهم.والتاء في «البردة» للوحدة.والاتّزار بالثوب: لبسه فوق الثوب.(تلملمت): تحرّكت بغير نسق.(وهو يقول) يتكلّم، وقد ورد عنهم عليهم السلام أنّ أهل الجنّة جميعاً يتكلّمون فيها بالعربيّة ، وأهل النار في النار بالمجوسيّة.(1)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ الثمالي،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَ أَثْنى عَلَيْهِ ، وَ صَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ قَدْ قُبِضَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ ، وَ لَا يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ ، إِنْ كَانَ لَصَاحِبَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَنْ يَمِينِهِ جَبْرَئِيلُ ، وَ عَنْ يَسَارِهِ مِيكَائِيلُ ، لَا يَثْنِي (3) حَتّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ ؛ وَ اللَّهِ ، مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَ لَا حَمْرَاءَ إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ عَنْ عَطَائِهِ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لِأَهْلِهِ ؛ وَ اللَّهِ ، لَقَدْ قُبِضَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فِيهَا قُبِضَ وَصِيُّ مُوسى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ، وَ اللَّيْلَةِ الَّتِي عُرِجَ فِيهَا بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ، وَ اللَّيْلَةِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ» .

هديّة:(ما سبقه الأوّلون) يعني كما أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله سبق الجميع والجميع مصلّية في مضمار المعرفة والتقرّب، كذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعينه.

.


1- .علل الشرائع ، ج 2 ، ص 596 ، ح 44 ؛ وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 245 ، ح 1 ؛ وعنهما في البحار ، ج 10 ، ص 80 ، ح 1 ، والرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا : «وسأله عن كلام أهل الجنّة، فقال : كلام أهل الجنّة بالعربيّة ، وسأله عن كلام أهل النّار ، فقال : بالمجوسيّة».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ؛ و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة».
3- .في الكافي المطبوع : «لا ينثني».

ص: 362

(إن كان) بكسر الهمزة مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن، واللام المفتوحة في الخبر للتأكيد.(لا يثنى): لا ينصرف.(فتح اللَّه له) كمنع، وشدّد للكثرة والمبالغة.(فضلت) على المعلوم من باب نصر وعلم، وكحسن لغة ثالثة، (عن عطائه) إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول، يعني من نصيبه من الفي ء أو الأنفال.قال برهان الفضلاء: «نزل فيها القرآن» يعني في بيان فضيلة تلك الليلة، قال: وقيل فيها متعلّق ب «نزل»، يعني ابتداء نزول القرآن، فعلى هذا يكون ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمَّا غُسِّلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، نُودُوا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ : إِنْ أَخَذْتُمْ مُقَدَّمَ السَّرِيرِ ، كُفِيتُمْ مُؤَخَّرَهُ ، وَ إِنْ أَخَذْتُمْ مُؤَخَّرَهُ ، كُفِيتُمْ مُقَدَّمَهُ» .

هديّة:(كفيتم مؤخّره) على ما لم يسمّ فاعله، يعني لحمل الملائكة إيّاه، فكان ذلك من الدلالات ذلك اليوم.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَر وَسَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُسْنَداً عن أبي جعفر عليه السلام (2)قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وُلِدَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِخَمْسِ سِنِينَ ؛ وَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «يبدأ بعليّ بن محمّد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عبد اللَّه بن جعفر و سعد بن عبد اللَّه جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجسّتاني ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام».

ص: 363

تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْسَةٌ وَ سَبْعُونَ يَوْماً(1) .

هديّة:لا يخفى مناسبة ذكر هذا الحديث أحاديث الباب، وقيل: ذكره هنا زيادة من النسّاخ.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرِ،(2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إنَّهُ سَمِعْهُ يَقُولُ: «لَمَّا قُبِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام وَ رَجُلَانِ آخَرَانِ ، حَتّى إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ تَرَكُوهَا عَنْ أَيْمَانِهِمْ ، ثُمَّ أَخَذُوا فِي الْجَبَّانَةِ حَتّى مَرُّوا بِهِ إِلَى الْغَرِيِّ ، فَدَفَنُوهُ وَ سَوَّوْا قَبْرَهُ وَانْصَرَفُوا» .

هديّة:(رجلان آخران) عبارةٌ عن جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، أو عن الخضر والياس عليهما السلام.و(الجبّانة) بفتح الجيم وتشديد المفردة والنون قبل التاء: الصحراء.

.


1- .ورد هذا الحديث في الكافي المطبوع وأكثر نسخه هنا ، لكن في الكافي المطبوع جديداً جاء هذا الحديث في أول باب مولد الزهراء فاطمة عليها السلام ، و هو المناسب. ولعلّ ذكره في هذا الباب من اشتباه النُّسّاخ ، كما أشار إليه المازندراني في شرحه ، ج 7 ، ص 211 ، والمجلسي في مرآة العقول ، ج 5 ، ص 311.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عبد اللَّه بن بكير».

ص: 364

باب مولد الزّهراء فاطمة

الباب الرابع عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةَ صلوات اللَّه عليهاوأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ أحد عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَتْ الزَّهْرَاءُ(1) فَاطِمَةُ عليها السلام (2) بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِخَمْسِ سِنِينَ ، وَ تُوُفِّيَتْ وَ لَهَا ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ خَمْسَةٌ وَ سَبْعُونَ يَوْماً وَبَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً» .

هديّة:(ولدت) عليها السلام في زمن يزدجرد بن شهريار بن شيرويه كسرى ابرويز بن هرمز بن انوشيروان. و(الزهراء) تأنيث الأزهر، لقبها عليها السلام .

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحَذَّاءِ(3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً ، وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلى أَبِيهَا ، وَ كَانَ يَأْتِيهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلى أَبِيهَا ، وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا ، وَ يُخْبِرُهَا عَنْ

.


1- .في الكافي المطبوع : - «الزهراء».
2- .في الكافي المطبوع: «عليها و على بعلها السلام».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن بن رئاب ، عن أبي عبيدة».

ص: 365

أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ ، وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذلِكَ» .

هديّة:قد سبق بيان مصحف فاطمة عليها السلام في الحديث الخامس من الباب الأربعين.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْعَمْرَكِيِّ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ ، وَ إِنَّ بَنَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام لَا يَطْمِثْنَ» .

هديّة:و(صدّيقة): معصومة، «الصّدِّيق» بالتشديد كسكّيت: كثير الصّدق، مبالغة في الصادق، وفي عرف حجج اللَّه عزّ وجلّ من له مَلَكة العصمة من أوّل العمر إلى آخره على وجه الأرض، فلا نقض بآدم عليه السلام.(شهيدة) بظلم الثاني. وقال برهان الفضلاء في بيانها: «الشهيد» الشاهد والأمين في الشهادة والعالم بجميع الأحكام.(لا يطمثن) كنصر وعلم: لا يحضن. في بعض النسخ : «لم» مكان (لا) وكثير.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهُرْمُزَانِيُّ ،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، قَالَ : «لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام ، دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سِرّاً ، وَ عَفَا عَلى مَوْضِعِ قَبْرِهَا ، ثُمَّ قَامَ ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي ؛ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَ زَائِرَتِكَ وَ الْبَائِتَةِ فِي الثَّرى بِبُقْعَتِكَ وَ الْمُخْتَارِ اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللِّحَاقِ بِكَ ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ، وَ عَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ

.


1- .أي «باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة و مصحف فاطمة عليه السلام».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن العمركي بن علي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه رفعه و أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار الشيباني ، قال : حدّثنا القاسم بن محمّد الرّازيّ ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد الهرمزانّي».

ص: 366

تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَ فَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي ، بَلى وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ «إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» ، قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ ، وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ ، وَ أُخْتُلِسَتِ (1)الزَّهْرَاءُ ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَ الْغَبْرَاءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ ؛ وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ ، وَ هَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ ، وَ هَمٌّ مُهَيِّجٌ ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا ، وَ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو ، وَ سَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ ، وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلى بَثِّهِ سَبِيلًا ، وَ سَتَقُولُ ، وَ يَحْكُمُ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ .سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَ لَا سَئِمٍ ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ ، وَ إِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ ، وَاهَ وَاهاً ، وَ الصَّبْرُ أَيْمَنُ وَ أَجْمَلُ ، وَ لَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ وَ اللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً ، وَ لَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلى عَلى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ ، فَبِعَيْنِ اللَّهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً ، وَ يُهْضَمُ (2) حَقَّهَا ، وَ يُمْنَعُ (3) إِرْثَهَا ، وَ لَمْ يَتَبَاعَدِ الدَّهْرُ(4) ، وَ لَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ ، وَ إِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُشْتَكى ، وَ فِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ الرِّضْوَانُ» .

هديّة:(الهرمزاني) بالخاتمة أو الهمز: نسبة إلى هرمزاء قرية. وقيل: «الهرمزاني» بزيادة النون كصنعاني في النسبة إلى صنعاء قصبة اليمن.«العفو»: المحو، عفا على الأرض: غطّاها بالنبات؛ يعني محى أثر قبرها.(والبائتة) من البيتوتة؛ يعني نائمة مضطجعة. وفي الحديث دلالة على أنّ فاطمة عليها السلام

.


1- .في الكافي المطبوع : «أخلست».
2- .في الكافي المطبوع : «تهضم».
3- .في الكافي المطبوع : «يمنع».
4- .في الكافي المطبوع : «العهد».

ص: 367

مدفونة عند أبيها صلى اللَّه عليه وآله لا في موضع آخر من البقيع وغيره.قال برهان الفضلاء: «المختار» على اسم الفاعل مرفوع خبر مقدّم، و«اللَّه» مبتدأ، و«لها» متعلّق ب «المختار». و«سرعة اللحاق» بالنصب مفعول به ل «المختار»، ويمكن جرّ «المختار» عطفاً على «ابنتك» فاسم مفعول. و«اللَّه» مرفوع بفعل مقدّر، أي اختار اللَّه كما في «لِيُبْكُ يزيدٌ ضارعٌ لخصومة»، فالجملة معترضة بين اسم المفعول ومعموله، و«لها» متعلّق بالمختار، و«سرعة اللحاق» مرفوع نيابة عن الفاعل للمختار على اسم المفعول ، وكون «لها» نائباً عن الفاعل، ونصب «السرعة» ضعيف؛ لأنّ مع المفعول به المذكور في الكلام ضعيف أن يكون نائب الفاعل غيره. و«عفا» الثانية أيضاً على المعلوم، لكن بمعنى «محى» على ما لم يسمّ فاعله. و«محى» كدعا يدعوا يتعدّى ولا يتعدّى.و«التجلّد» بالجيم: استعمال القوّة بتمامها، وهو علامة النشاط الكامل، يعني عن جهة وفاتها نشاطي بتمامه.وقال بعض المعاصرين: و«التجلّد»: تكلّف الجلد بالتحريك، وهو القوّة.(1) فعلى التجريد ولا حاجة إليه؛ لأنّ التفعّل للمبالغة كثير. بِسُنَّتِكَ قيل: أي التي أخذت منك عند فراقك، وقيل: يعني بصبرك في المصائب. وقد ورد عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب».(2)و«الفرقة» بالضمّ: الاسم من فارقته مفارقة وفراقاً.(فاضت نفسك) بسكون الفاء، أي صعدت روحك عند محاذاة نحري وصدري فمك وقربهما منه، وفيض النفس: خروج الروح. و«التعزّي» كالتسلّي لفظاً ومعنى.و(أنعم القبول) على أفعل التفضيل، أي الأسهل، فإمّا مجرور وصفاً للكتاب، فالخبر الآية، أو مرفوع خبر، وكلمة (بلى) تأكيد لمضمون الاستثناء، يعني وفي كتاب اللَّه ما هو الباعث الأسهل لسهولة القبول والصبر والرضا، وهو قوله تعالى في سورة البقرة: «إِنَّا للَّهِ ِ

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 749 ، ذيل ح 1366.
2- .المناقب لابن شهر آشوب ، ج 1 ، ص 238 ؛ مسكّن الفؤاد ، ص 119 ؛ وعنه في البحار ، ج 79 ، ص 84 ، ح 26.

ص: 368

وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(1). واحتمال «أنعم القبول» على الجمع لا ضير فيه.(قد استرجعت) على التأنيث على ما لم يسمّ فاعله ك (أخذت) و(اختلست). و«الاختلاس»: الانتزاع. (سرمد): دائم.(مسهّد) على اسم المفعول من التفعيل، سهد كعلم، وسهّده غيره تسهيداً، والسهاد كغراب الأرق.(أو يختار) بمعنى إلّا أن يختار، أو إلى أن يختار.و«الكمد»: بالضمّ والفتح والتحريك: الحزن الشديد، و«القيح» بفتح القاف وسكون الخاتمة قبل المهملة: المدّة - بالكسر والتشديد - لا يخالطها دم، أي حزن موجع كدمّل مقيّح موجع.وقال برهان الفضلاء: الكاف للتشبيه، و«المدّ»: القيح مجرور مضاف إلى «مقيّح» يعني أمّا حزني فكقيح موجع لدمّل مقيّح، وكهمّ مهيّج للاضطراب وقلّة الصبر.و(سرعان) مثلّثة السين من أسماء الأفعال بمعنى أسرع على الماضي المعلوم، واستعمل للتعجّب من سرعة الفراق، و(ما) مصدريّة، و(فرّق) على المجهول من التفعيل ، والمصدر فاعل «سرعان» أي ما أسرع التفريق بيننا. (وستنبئك) من الإفعال أو التفعيل.«احفاء السؤال» بالمهملة والفاء: استقصائه.و«الغليل» على فعيل: حرارة الحزن، و«الاعتلاج»: الاضطراب الكثير المتوالي.و«البثّ»: النشر.(سلام مودّع) على اسم الفاعل من التفعيل، والمضاف نصب مفعول مطلق لعامل مقدّر. وفي نهج البلاغة هكذا: «والسلام عليكما سلامُ مودِّع لا قال»(2)، و«القالي»: المبغض، من القلى بالكسر والقصر: البغض. و«السئامة» بسكون الهمزة ويمدّ: الملال.(واه) بفتح الهاء من أسماء الأفعال بمعنى أتعجّب على المتكلّم وحده، وقد يكون

.


1- .البقرة (2): 156.
2- .نهج البلاغة ، ص 319 ، الخطبة 202.

ص: 369

بمعنى أتحسّر كذلك كلمة تعجّب وتلهّف وتكرّر، فتشبع الفتحة في الثانية أو تنوّن بالنصب، وقيل: قد تنوّن الاُولى بالثّلث.و«الإعوال» فعل البكاء.و(الرزيّة) بالتشديد وقد يهمز: المصيبة.في بعض النسخ : «العهد» مكان (الدهر).و«الخلق» بفتحتين ويسكن اللام: البلى بالكسر والقصر، ثوب خلق وخلقان، والفعل كنصر وحسن وعلم، أي ولم يندرس ذكرك في الناس.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بن عمر ،(1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَنْ غَسَّلَ فَاطِمَةَ عليها السلام؟ قَالَ : «ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام». وَ كَأَنِّي اسْتَعْظَمْتُ ذلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ، فَقَالَ : «كَأَنَّكَ ضِقْتَ بِمَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ ؟» ، قَالَ : فَقُلْتُ : قَدْ كَانَ ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : فَقَالَ : «لَا تَضِيقَنَّ ؛ فَإِنَّهَا صِدِّيقَةٌ ، وَ لَمْ يَكُنْ يُغَسِّلُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ مَرْيَمَ لَمْ يُغَسِّلْهَا إِلَّا عِيسى؟» .

هديّة:لا خلاف عندنا في أنّ الزوج أولى بالمرأة من كلّ أحد في أحكامه كلّها، إلّا أنّ المشهور أنّ كلّ واحد من الزوجين إنّما يغسّل صاحبه من وراء الثياب.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ،(2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام، قَالَا: «إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام لَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا كَانَ ، أَخَذَتْ بِتَلَابِيبِ عُمَرَ ، فَجَذَبَتْهُ إِلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ (3) : أَمَا وَ اللَّهِ ، يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، لَوْ لَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الْبَلَاءُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، لَعَلِمْتَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن المفضّل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد اللَّه بن محمّد الجعفيّ».
3- .هكذا في الكافي المطبوع وهو الصحيح. وفي «الف و د» : «قال».

ص: 370

أَنِّي سَأُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ ، ثُمَّ أَجِدُهُ سَرِيعَ الْإِجَابَةِ» .

هديّة:(من أمرهم) أي من أمر المنافقين، ويحتمل أمر أهل البيت عليهم السلام.قال برهان الفضلاء: «أخذت» بمعنى أمرت بالأخذ كما في قتل الأمير اللصّ، و«التلبيب»: جرّبان القميص.والسين في (سأقسم) لتأكيد القسم وسرعة الإجابة، والإقسام يتعدّى ولا يتعدّى، ويسمّى الأوّل بالقسم الاستعطافي، وهو المراد هنا.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام أَوْحَى اللَّهُ إِلى مَلَكٍ ، فَأَنْطَقَ بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي فَطَمْتُكِ بِالْعِلْمِ ، وَ فَطَمْتُكِ مِنَ الطَّمْثِ».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ اللَّهِ ، لَقَدْ فَطَمَهَا اللَّهُ بِالْعِلْمِ وَ عَنِ الطَّمْثِ فِي الْمِيثَاقِ» .

هديّة:(فأنطق به) أي بالملك، فسمّاها بإذن اللَّه كما أخبر به الملك. وقال برهان الفضلاء: «به» أي بلفظ فاطمة على الاستخدام.فطام الصبيّ فصاله عن اللبن، فطمه بالطعام من اللبن كضرب: قطعه، يعني هنا من رجس الجهل بالعلم فإنّها عليها السلام كانت صدِّيقة، وكان الصدِّيقون بعد الصدّيق الأوّل والفاروق الأعظم لهذه الاُمّة منها ومنه عليهم السلام.

الحديث الثامن روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن صالح بن عقبة ، عن يزيد بن عبد الملك».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن صالح بن عقبة ، عن عمرو بن شمر».

ص: 371

النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله لِفَاطِمَةَ عليها السلام : يَا فَاطِمَةُ ، قُومِي فَأَخْرِجِي تِلْكَ الصَّحْفَةَ ، فَقَامَتْ فَأَخْرَجَتْ صَحْفَةً فِيهَا ثَرِيدٌ وَ عُرَاقٌ يَفُورُ ، فَأَكَلَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْماً ، ثُمَّ إِنَّ أُمَّ أَيْمَنَ رَأَتِ الْحُسَيْنَ عليه السلام مَعَهُ شَيْ ءٌ ، فَقَالَتْ لَهُ : مِنْ أَيْنَ لَكَ هذَا ؟ قَالَ : إِنَّا لَنَأْكُلُهُ مُنْذُ أَيَّامٍ ، فَأَتَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَاطِمَةَ عليها السلام ، فَقَالَتْ : يَا فَاطِمَةُ ، إِذَا كَانَ عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ شَيْ ءٌ ، فَإِنَّمَا هُوَ لِفَاطِمَةَ وَ وُلْدِهَا ، وَ إِذَا كَانَ عِنْدَ فَاطِمَةَ شَيْ ءٌ ، فَلَيْسَ لِأُمِّ أَيْمَنَ مِنْهُ شَيْ ءٌ ؟ فَأَخْرَجَتْ لَهَا مِنْهُ ، فَأَكَلَتْ مِنْهُ أُمُّ أَيْمَنَ وَ نَفِدَتِ الصَّحْفَةُ ، فَقَالَ (1) النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله : أَمَا لَوْ لَا أَنَّكِ أَطْعَمْتِهَا ، لَأَكَلْتِ مِنْهَا أَنْتِ وَ ذُرِّيَّتُكِ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ الصَّحْفَةُ عِنْدَنَا ، يَخْرُجُ بِهَا قَائِمُنَا فِي زَمَانِهِ» .

هديّة:في بعض النسخ : «فاخرجي تلك الصحيفة» مصغّرة في المواضع كلّها. و(الصحفة) بالفتح: ما هو من الخشب، وهو أصغر من القصعة بالفتح أيضاً.قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة، ثمّ القصعة تليها تشبع العشرة، ثمّ الصحفة تشبع الخمسة، ثمّ المأكلة بكسر الميم وسكون الهمزة تشبع الرَّجُلين والثلاثة، ثمّ الصحيفة تشبع الرجل.(2)وعلى نسخة «الصحفة» مكبّرة لا يخفى لطف المناسبة، فجاء من الجنّة ما يشبع الخمسة، وهم عليهم السلام آل العباء خمسة.و«الثريد»: الخبز المفتّت في المرق. و«العراق» بالضمّ كعجاب، جمع العرق بالفتح : العظم الذي أخذ عنه اللحم؛ قاله الجوهري وصاحب القاموس (3) وغيرهما. وقيل: و«العراق» بالضمّ: اللحم، ولم أقف على مأخذه. وقرأ برهان الفضلاء: «وعراق» ككتاب ، جمع عرق بالفتح، قال: وهو قطعة من اللحم يكون معها عظم، يعني قطع من

.


1- .في الكافي المطبوع : + «لها».
2- .حكى عنه في الصحاح ، ج 4 ، ص 1384 (صحف).
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1523 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 263 (عرق).

ص: 372

اللحم يكون مع كلّ منها عظم، يُقال لها «القلية» أيضاً.(يفور) على التأنيث أو التذكير، أي يظهر حرّها أو حرّه.وقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في اُمّ أيمن : «إنّها امرأة من أهل الجنّة».(1) الجوهري: اُمّ أيمن امرأة أعتقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وهي حاضنة أولاده، فزوّجها من زيد، فولدت منها اُسامة.(2) وقال برهان الفضلاء: كانت اُمّ أيمن أمَة ورثها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من أبيه عبداللَّه بن عبد المطّلب، وكانت حاضنة له صلى اللَّه عليه وآله، فأعتقها وزوّجها من زيد، فولد منها اُسامة، وأيمن بن عبيد كان أخا زيد لاُمّه اُمّ أيمن.(ونفدت) على المعلوم من باب علم.قوله عليه السلام: (و الصحفة عندنا)، إن قيل: ما الفائدة بعد ذهاب خصلتها كما أخبر به صلى اللَّه عليه وآله؟ قلنا: لعلّ معنى قوله صلى اللَّه عليه وآله: (لأكلت منها): لأكلت من غير حاجة إلى تحديد ذكر اسم اللَّه الأعظم.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ الاثنين،(3) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(4) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله جَالِسٌ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ لَهُ أَرْبَعَةٌ وَ عِشْرُونَ وَجْهاً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ ، لَمْ أَرَكَ فِي مِثْلِ هذِهِ الصُّورَةِ ؟ فَقَالَ (5) الْمَلَكُ : لَسْتُ بِجَبْرَئِيلَ يَا مُحَمَّدُ ، بَعَثَنِي اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ أُزَوِّجَ النُّورَ مِنَ النُّورِ ، قَالَ : مَنْ مِمَّنْ ؟ قَالَ : فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ عليهما السلام» .قَالَ : «فَلَمَّا وَلَّى الْمَلَكُ ، إِذَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، عَلِيٌّ وَصِيُّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله :

.


1- .الاختصاص ، ص 183 ؛ وعنه في البحار ، ج 29 ، ص 189.
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2221 (يمن).
3- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
4- .في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن عليّ ، عن عليّ بن جعفر» بدل «أحمد بن محمّد بن عليّ بن جعفر».
5- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 373

مُنْذُ كَمْ كُتِبَ هذَا بَيْنَ كَتِفَيْكَ ؟ فَقَالَ : مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ بِاثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ عَامٍ» .

هديّة:لعلّ ذلك كلّ اثنين من وجوهه لإمام وشيعة زمانه، وشغله الصلاة على الإمام والاستغفار للشيعة.(جبرئيل) بعد (حبيبي) يحتمل النصب والرفع.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ(1) ، عَنْ البزنطي، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَبْرِ فَاطِمَةَ عليها السلام ، فَقَالَ : «دُفِنَتْ فِي بَيْتِهَا ، فَلَمَّا زَادَتْ بَنُو أُمَيَّةَ فِي الْمَسْجِدِ ، صَارَتْ فِي الْمَسْجِدِ» .

هديّة:زاد عمر بن عبد العزيز في خلافة وليد بن عبد الملك بأمره إيّاه في مسجد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَيْبَرِيِّ ،(2) عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ (3) يَقُولُ : «لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - خَلَقَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لِفَاطِمَةَ عليها السلام ، مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَنْ (4)دُونَهُ» .

هديّة:يعني فمن بعده من الأنبياء والأوصياء فضلاً عمّا سواهم، وقيل: يعني من آدم إلى آخر جميع بنيه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و غيره ، عن سهل بن زياد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن الخيبري».
3- .في «د» : - «قال: سمعته».
4- .في الكافي المطبوع : «و من».

ص: 374

باب مولد الحسن بن عليّ صلوات اللَّه عليهما

الباب الخامس عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَاوأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ بَدْرٍ ، سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ .وَ رُوِيَ : أَنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ ؛ وَ مَضى عليه السلام فِي شَهْرِ صَفَرٍ فِي آخِرِهِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ ؛ وَ مَضى وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٍ . وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(ولد الحسن بن عليّ عليهما السلام) في زمن يزدجرد في شهر رمضان سنة غزوة بدر السنة الثانية بعد الهجرة.و(روى) كلام ثقة الإسلام.والشيخ رحمة اللَّه عليه اقتصر في التهذيب على التاريخ الأوّل في الولادة ولم يذكر «الأشهر» في السنّ، ووافق الكافي في الباقي وزاد: وقبض عليه السلام بالمدينة مسموماً ودفن بالبقيع من مدينة الرسول صلى اللَّه عليه وآله.(1)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 39.

ص: 375

وقال برهان الفضلاء:يخطر ببالي أنّ هنا سهواً من نسّاخ الكافي والظاهر : «إلّا أشهراً» مكان «وأشهر»؛ لأنّ الولادة إذا كانت في آخر شهر رمضان في السنة الثانية مثلاً، وكان المضيّ في آخر الصفر سنة تسع وأربعين، فعمره عليه السلام ستّ وأربعون سنة وخمسة أشهر، قال: فإن قيل في الجواب: إنّ ولادة الرسول صلى اللَّه عليه وآله وبعثته وهجرته ووفاته لمّا كان جميعها في شهر ربيع كان مبدأ التاريخ الهجري عند أهل الإسلام ربيع الأوّل، ثمّ أخّر عمر باستصواب عثمان مبدأ ذلك التاريخ بعد سبع عشر سنة من الهجرة من ربيع الأوّل إلى المحرّم الحرام - كما ذكره ابن الجوزي في كتاب التنقيح، وكأنّ الباعث على ذلك اطّلاعهما من الأخبار على فتنة بني اُميّة في المحرّم الحرام - ، فشهر رمضان للسنة الثانية على الاصطلاح السابق؛ وأمّا على الاصطلاح اللاحق الذي تاريخ الوفاة مبنيّ عليه فللسنة الاُولى. قلنا: هذا التدقيق جيّد وبه يتلائم التاريخان للولادة يعني سنة اثنتين وسنة ثلاث، إلّا أنّ فيه أنّ فاطمة عليها السلام كان لها سبع سنة عند الهجرة، فيبعد ولادة الحسن بن عليّ عليهما السلام في السنة الاُولى، مع أنّ المشهور أنّ تزويج فاطمة عليها السلام كان في السنة الثانية الهجريّة، فالحمل على الإسقاط، والسهو أولى.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ ،(1) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ عليه السلام الْوَفَاةُ بَكى ، فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، تَبْكِي وَ مَكَانُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي أَنْتَ بِهِ ، وَ قَدْ قَالَ فِيكَ مَا قَالَ ، وَ قَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِياً ، وَ قَدْ قَاسَمْتَ مَالَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتّى النَّعْلَ بِالنَّعْلِ ؟فَقَالَ : إِنَّمَا أَبْكِي لِخَصْلَتَيْنِ : لِهَوْلِ الْمُطَّلَعِ ، وَ فِرَاقِ الْأَحِبَّةِ» .

هديّة:(وقد قاسمت مالك) يعني مع الفقراء بالمناصفة، حتّى أنّ فرد نعل من زوجيه لهم

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد».

ص: 376

وآخر لك.و(المطّلع) على اسم المفعول من الافتعال: المأتي وموضع الاطّلاع من إشراف إلى انحدار.(وفراق الأحبّة) من أهل البيت وغيرهم من شيعتهم عليهم السلام، كأنّه عليه السلام اغتمّ من خلاصه من سجن الدنيا قبلهم. وقال برهان الفضلاء: يعني وفراق بعض الشيعة وارتداده عن الإمام عليه السلام بحيل معاوية وخدعه لعنه اللَّه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فِي عَامِ خَمْسِينَ ؛ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَرْبَعِينَ سَنَةً» .

هديّة:(خمسين) الهجرية.في بعض النسخ : «وعاش» بالواو.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ،(2) عَنْ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَ : إِنَّ جَعْدَةَ بِنْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ سَمَّتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام ، وَ سَمَّتْ مَوْلَاةً لَهُ ، فَأَمَّا مَوْلَاتُهُ فَقَاءَتِ السَّمَّ ؛ وَ أَمَّا الْحَسَنُ عليه السلام فَاسْتَمْسَكَ فِي بَطْنِهِ ، ثُمَّ انْتَفَطَ بِهِ ، فَمَاتَ .

هديّة:(جعدة) بفتح الجيم من أزواج الحسن عليه السلام، وكانت بنت اُخت أبي بكر كاخوته محمّد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النعمان ، عن سيف بن عميرة».

ص: 377

بن أشعث وقيس بن أشعث وعبد الرحمن بن أشعث لعنهم اللَّه، وهم - لعنهم اللَّه - من قَتَلَةِ الحسين عليه السلام.و«الانتفاط» بالفاء: الغليان والانتشار، والباء في (به) للسببيّة، يعني ثمّ تقطّع الأحشاء بالسمّ، فاستشهد صلوات اللَّه عليه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ،(1) عَنِ الْكُنَاسِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي بَعْضِ عُمَرِهِ - وَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ بِإِمَامَتِهِ - فَنَزَلُوا فِي مَنْهَلٍ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاهِلِ تَحْتَ نَخْلٍ يَابِسٍ قَدْ يَبِسَ مِنَ الْعَطَشِ ، فَفُرِشَ لِلْحَسَنِ عليه السلام تَحْتَ نَخْلَةٍ ، وَ فُرِشَ لِلزُّبَيْرِيِّ بِحِذَائِهِ (2) تَحْتَ نَخْلَةٍ أُخْرى».قَالَ : «فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ - وَ رَفَعَ رَأْسَهُ - : لَوْ كَانَ فِي هذِهِ النَّخْلَةِ(3) رُطَبٌ لَأَكَلْنَا مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام : وَ إِنَّكَ لَتَشْتَهِي الرُّطَبَ ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ : نَعَمْ».قَالَ : «فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَدَعَا بِكَلَامٍ لَمْ أَفْهَمْهُ ، فَاخْضَرَّتِ النَّخْلَةُ ، ثُمَّ صَارَتْ إِلى حَالِهَا ، فَأَوْرَقَتْ ، وَ حَمَلَتْ رُطَباً ، فَقَالَ الْجَمَّالُ الَّذِي اكْتَرَوْا مِنْهُ : سِحْرٌ وَ اللَّهِ» .قَالَ : «فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام : وَيْلَكَ ، لَيْسَ بِسِحْرٍ ، وَ لكِنْ دَعْوَةُ ابْنِ نَبِيٍّ مُسْتَجَابَةٌ».قَالَ : «فَصَعِدُوا إِلَى النَّخْلَةِ ، فَصَرَمُوا مَا كَانَ فِيهَا فَكَفَاهُمْ» .

هديّة:«المنهل» كمنصب: المورد، وهو عين ماء تردها الإبل في المراعي. وتسمّى المنازل التي في المفاوز «مناهل» لأنّ فيها ماء.و«النخل»: اسم جمع، والواحدة: نخلة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن القاسم النهديّ ، عن إسماعيل بن مهران».
2- .في الكافي المطبوع : «بحذاه».
3- .في الكافي المطبوع : «هذا النخل» بدل «هذه النخلة».

ص: 378

في بعض النسخ: «لم يفهم» مكان (لم أفهمه) فعلى المجهول أو المعلوم، يعني الزبيري.(فاخضرّت النخلة) يعني ضرب لونها بالخضرة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ،(1) عَنْ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحَسَنَ بْنِ عَلِيِ (2) عليهما السلام قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَدِينَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ ، وَ الْأُخْرى بِالْمَغْرِبِ ، عَلَيْهِمَا سُورٌ مِنْ حَدِيدٍ ، وَ عَلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ أَلْفِ مِصْرَاعٍ ، وَ فِيهَا سَبْعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لُغَةٍ ، يَتَكَلَّمُ كُلُّ لُغَةٍ بِخِلَافِ لُغَةِ صَاحِبِهَا ، وَ أَنَا أَعْرِفُ جَمِيعَ اللُّغَاتِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا ؛ وَ مَا عَلَيْهِمَا حُجَّةٌ غَيْرِي وَ غَيْرُ الْحُسَيْنِ أَخِي» .

هديّة:في القاموس: «جابلص» بفتح الباء واللام أو سكون اللام: بلد بالمغرب.(3)و«جابلق» كذلك: بلد في المشرق ليس ورائهما إنسيّ.(4)والمراد ب «المصراع» الباب الأكبر للمدينة، فلعلّ تلك الأبواب من مصراع واحد. (وفيها) أي في كلّ واحد من المدينتين.(كلّ لغة) أي أهل كلّ لغة، نحو: «وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ». و«ما» في (ما فيهما) و(ما بينهما) موصولة، وفي (ما عليهما) نافية.(حجّة غيري وغير الحسين أخي) يعني أنّهم يقولون بوجوب وجود الإمام المفترض الطاعة في كلّ زمان، وبأنّ الإمام بعدي من دون فاصلة أخي عليه السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير».
2- .في الكافي المطبوع : - «بن عليّ».
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 297 (جابلص).
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 217 (جابلق).

ص: 379

وقال بعض المعاصرين:المدينتان كنايتان عن عالَمي المثال المشرقي والمغربي، وكون سورهما من حديد كنايةٌ عن صلابته وعدم إمكان الدخول فيهما إلّا عن أبوابهما، وكثرة اللغات كنايةٌ عن اختلاف الخلائق في السلائق والألسن.(1)

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ،(2) عَنْ صَنْدَلٍ ، عَنْ الشَّحَّامِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «خَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام إِلى مَكَّةَ سَنَةً مَاشِياً ، فَوَرِمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَوَالِيهِ : لَوْ رَكِبْتَ لَسَكَنَ عَنْكَ هذَا الْوَرَمُ ، فَقَالَ : كَلَّا ، إِذَا أَتَيْنَا هذَا الْمَنْزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُكَ أَسْوَدُ وَ مَعَهُ دُهْنٌ ، فَاشْتَرِ مِنْهُ ، وَ لَا تُمَاكِسْهُ .فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، مَا قَدِمْنَا مَنْزِلًا فِيهِ أَحَدٌ يَبِيعُ هذَا الدَّوَاءَ ، فَقَالَ : بَلى إِنَّهُ أَمَامَكَ دُونَ الْمَنْزِلِ ، فَسَارَا مِيلًا ، فَإِذَا هُوَ بِالْأَسْوَدِ ، فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام لِمَوْلَاهُ : دُونَكَ الرَّجُلَ ، فَخُذْ مِنْهُ الدُّهْنَ ، وَ أَعْطِهِ الثَّمَنَ ، فَقَالَ الْأَسْوَدُ : يَا غُلَامُ ، لِمَنْ أَرَدْتَ هذَا الدُّهْنَ ؟ فَقَالَ : لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَقَالَ : انْطَلِقْ بِي إِلَيْهِ ، فَانْطَلَقَ فَأَدْخَلَهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي (4): بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، لَمْ أَعْلَمْ أَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلى هذَا ، أَ وَ تَرى ذلِكَ ، وَ لَسْتُ آخُذُ لَهُ ثَمَناً ، إِنَّمَا أَنَا مَوْلَاكَ ، وَ لكِنِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي ذَكَراً سَوِيّاً يُحِبُّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ فَإِنِّي خَلَّفْتُ أَهْلِي تَمْخَضُ ، فَقَالَ عليه السلام : انْطَلِقْ إِلى مَنْزِلِكَ ، فَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً ، وَ هُوَ مِنْ شِيعَتِنَا» .

هديّة:«ورمت» على المعلوم من باب حسب.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 753 ، ذيل ح 1370.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عليّ بن النعمان».
3- .في الكافي المطبوع : «أبي أسامة» و هو كنية زيد الشحّام».
4- .في الكافي المطبوع : «له».

ص: 380

مكس في البيع كضرب، وماكس فيه مماكسة: شاحّ، تماكسا: تشاحّا وتضايقا.(ما قدمنا) من باب علم، والقدوم: الرجوع من السفر؛ أي في الأسفار السابقة، (منزلاً) أي من المنازل التي قدّامنا، دون المنزل قبل الوصول إليه.(دونك) من أسماء الأفعال، أي أدرك، ف (الرجل) مفعول به، أو «دونك» خبر مقدّم، ف «الرجل» مبتدأ.(أو ترى ذلك) على الاستفهام، أو بسكون الواو عطفاً على (تحتاج)، أو بمعنى «إلّا أن» أي لحكمة ومصلحة. واحتمال الترديد من الراوي كما ترى. وضبط برهان الفضلاء : «وترى ذلك» بدون الهمزة، قال: والمشار إليه ل «ذلك» ورم القدم، أي لم أعلم احتياجك إلى هذا الدواء وأنّك يدركك هذا الورم، فأخذت الثمن، ثمّ علمت، فاعف عنّي وتقبّل عذري.(سويّاً): مستوي الخلقة من دون نقص في جوارحه أو زيادة.(تمخض) إمّا على المعلوم من باب التفعيل وعلم ومنع، أو المجهول من الأخيرين.

.

ص: 381

باب مولد الحسين بن عليّ

الباب السادس عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ عشرة أو أحد عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدى وَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً وَ أَشْهُرٌ ؛ قَتَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ - لَعَنَهما اللَّهُ - وَ هُوَ عَلَى الْكُوفَةِ ؛ وَ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ الَّتِي حَارَبَتْهُ وَ قَتَلَتْهُ عليه السلام عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - بِكَرْبَلَاءَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ . وَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(ولد الحسين بن عليّ عليهما السلام) في زمن يزدجرد في سنة ثلاث هجرية، والشيخ أيضاً روى في التهذيب على نهج التاريخ وقال:ولد الحسين بن عليّ عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة، وقبض قتيلاً بكربلاء من أرض العراق يوم الاثنين، وقيل: يوم الجمعة، وقيل: يوم السبت، العاشر من المحرّم قبل الزوال سنة إحدى وستّين من الهجرة، وله عليه السلام يومئذٍ ثمان وخمسون سنة، وقبره بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية في قرى النهرين.(1)

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 41.

ص: 382

وقال المفيد رحمة اللَّه عليه في المقنعة: ولد عليه السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة.(1) وفي إرشاده: لخمس ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.(2) وقال برهان الفضلاء في شرح ما رواه في الكافي على نهج التاريخ:لا يخفى أنّ بناءاً على ما يأتي في الحديث الثالث كانت ولادته عليه السلام في ربيع الأوّل أو ربيع الآخر، وكان ذلك على كلا الاصطلاحين المذكورين في بيان الحديث الأوّل في الباب السابق في سنة ثلاث هجريّة.الجوهري: و«الطفّ» أيضاً اسم موضع بناحية الكوفة.(3)القاموس: و«الطفّ» بالفتح والتشديد، ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق ، والجانب، والشاطئ، موضع قرب الكوفة.(4)وضبط الصدوق رحمة اللَّه عليه في أماليه «نينوى» بكسر النون الاُولى وفتح الثانية بعد الخاتمة والقصر، قال: اسم شطّ الفرات.(5)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(6) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً» .

هديّة:(عاشوراء) ممدود، وكذا «عشوراء» لغة فيه، ويقصران كما صرّح به في القاموس، ثمّ قال: و«العاشور» عاشر المحرّم أو تاسعه.(7)

.


1- .المقنعة ، ص 467.
2- .الإرشاد ، ج 2 ، ص 27.
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1395 (طفف).
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 169 (طفف).
5- .الأمالي للصدوق ، ص 597 ، المجلس 87 ، ح 5.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد وأحمد بن محمّد جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
7- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 90 (عشر).

ص: 383

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ،(1) عَنْ الْعَرْزَمِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ بَيْنَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام طُهْرٌ ، وَ كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِيلَادِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» .

هديّة:المراد ب «الطُّهر» هنا مقدار أقلّ الطهر وهو عشرة أيّام، فإنّ الطّمث منتفٍ هنا، فطهرٌ بين ميلاد الحسن وعلوق الحسين عليهما السلام، وستّة أشهر وعشرة أيّام بين الميلادين، و(الميلاد) وقت الولادة، وقد يستعمل للمكان.والواو في (وعشراً) بمعنى «مع» لنصب عشراً كما هو المضبوط في أكثر النسخ. وفي بعض النسخ : «وعشر» بالرفع للعطف.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ ،(2) عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام بِالْحُسَيْنِ عليه السلام ، جَاءَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام سَتَلِدُ غُلَاماً تَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ، فَلَمَّا حَمَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام بِالْحُسَيْنِ عليه السلام كَرِهَتْ حَمْلَهُ ، وَ حِينَ وَضَعَتْهُ كَرِهَتْ وَضْعَهُ».ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمْ تُرَ فِي الدُّنْيَا أُمٌّ تَلِدُ غُلَاماً تَكْرَهُهُ ، وَ لكِنَّهَا كَرِهَتْهُ ؛ لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ».قَالَ : «وَ فِيهِ نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ : «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً»» .

هديّة:كان حمله عليه السلام ستّة أشهر، وفصاله عن الرضاع أربعة وعشرين شهراً. وكون الألف

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء والحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن العائذ».

ص: 384

واللام للجنس أو الاستغراق - كما في تفاسير العامّة(1) - يأباه التناسب بين فقرات الآية في سورة الأحقاف.(2)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الزَّيَّاتِ (3) ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام نَزَلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِمَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ عليها السلام يَقْتُلُهُ (4)أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ .فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَ عَلى رَبِّيَ السَّلَامُ ، لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ يُولَدُ مِنْ فَاطِمَةَ يَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي .فَعَرَجَ جِبْرئِيلُ عليه السلام (5) ، ثُمَّ هَبَطَ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ ، فَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَ عَلى رَبِّيَ السَّلَامُ ، لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ يَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ، فَعَرَجَ جَبْرَئِيلُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ هَبَطَ وَ قَالَ (6) : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يُبَشِّرُكَ بِأَنَّهُ جَاعِلٌ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَ الْوَلَايَةَ وَالْوَصِيَّةَ ، فَقَالَ صلى اللَّه عليه وآله : قَدْ رَضِيتُ .ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى فَاطِمَةَ عليها السلام : أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُنِي بِمَوْلُودٍ يُولَدُ لَكِ تَقْتُلُهُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : أَنْ (7) لَا حَاجَةَ لِي فِي مَوْلُودٍ مِنِّي يَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا : أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَ الْوَلَايَةَ وَ الْوَصِيَّةَ ؛ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : أَنِّي قَدْ رَضِيتُ فَحَمَلْتُهُ (8) كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً «وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ

.


1- .راجع: المحرّر الوجيز، ج 5، ص 98؛ تفسير الثعالبي، ج 5، ص 216 و 218.
2- .الأحقاف (46) : 15.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن إسماعيل ، عن محمّد بن عمرو الزيّات».
4- .في الكافي المطبوع : «تقتله» و كذا فيما بعد.
5- .في الكافي المطبوع : - «جبرئيل عليه السلام».
6- .في الكافي المطبوع : «فقال».
7- .في الكافي المطبوع : - «أن».
8- .في الكافي المطبوع : + «أمّه».

ص: 385

أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَ عَلى والِدَىَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى» فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ : أَصْلِحْ لِى ذُرِّيَّتِى (1) ، لَكَانَتْ ذُرِّيَّتُهُ كُلُّهُمْ أَئِمَّةً .وَ لَمْ يَرْضَعِ الْحُسَيْنُ عليه السلام مِنْ فَاطِمَةَ عليها السلام وَ لَا مِنْ أُنْثى ، كَانَ يُؤْتى بِهِ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله فَيَضَعُ إِبْهَامَهُ فِي فِيهِ ، فَيَمُصُّ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ الْيَوْمَيْنِ وَ الثَّلَاثَ ، فَنَبَتَ لَحْمُ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ لَحْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ دَمِهِ ؛ وَ لَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَّا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهم السلام».وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : «أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ يُؤْتى بِهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، فَيُلْقِمُهُ لِسَانَهُ ، فَيَمُصُّهُ ، فَيَجْتَزِئُ بِهِ ، وَ لَمْ يَرْضَعْ مِنْ أُنْثى» .

هديّة:السلام من العبد على الربّ التمجيد والتقديس، وقيل: يعني وواجب على ربّي الرحمة على عباده المؤمنين، وهو عزّ وجلّ كتب على نفسه الرّحمة. وقيل: «وعلى ربّي السلام» يعني وعليه التعجيل في ظهور دولة الحقّ وسلامة المؤمنين واُمنيّتهم، كما مرّ في الحديث الأربعين في الباب العاشر والمائة.(لَا حَاجَةَ لِي) ليس ردّاً للبشارة، بل تعجّب واستكشاف لسرّ ذلك. و«فقد رضيت» إظهار الشكر للعلم بسرّه واطمئنان النفس لفهم حكمته.(فحملته كرهاً) بالفاء بيانٌ بالمعنى.قال في الصحاح: «أشدّه» أي قوّته، وهو ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين، وهو واحد على بناء الجمع، مثل «آنك»(2) وهو الأُسربّ، ولا نظير لهما. وفيه أقوال اُخر ذكرها في الصحاح.(3)«أوزعني»: ألهمني.«صالحاً» من الجهاد وغيره.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فلولا أنّه قال : أصلح لي في ذرّيّتي».
2- .قال في مصباح المنير ، ص 26 : «الآنُك» وزان أفلُس هو الرصاص الخالص ، ويقال : الرصاص الأسود ، ومنهم من يقول : «الآئك فاعُلُ ، قال : وليس في العربي فاعُلُ بضم العين ، وأمّا الآنُك بضمّ العين ، وأمّا الآنُك والآجُر فيمن خفّف وآمل و كابل فأعجميات.
3- .الصحاح ، ج 2 ، ص 493 (شدد).

ص: 386

في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء: «فلولا أنّه قال أصلح لي في ذرّيتي». والمآل واحد.(وفي رواية اُخرى) كلامُ ثقةِ الإسلام، وبه أحاديث الباب أحد عشر.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ * فَقالَ إِنِّى سَقِيمٌ» قَالَ : «حَسَبَ ، فَرَأى مَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ : إِنِّي سَقِيمٌ ؛ لِمَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ عليه السلام».

هديّة:الآية في سورة الصافّات.(1)«حسبته» كنصر: عددته.قال برهان الفضلاء:«في» في «في النجوم» للظرفيّة، و«النجوم» بمعنى الاُصول من الكتاب الإلهي التي يستنبط الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه الأحكام منها؛ أو التعليل، فالنجوم مصدر «نجم» كنصر، أي ظهر، فالمعنى ظهور نتيجة للفكر في تلك الاُصول، ف «حسب» كعلم، أي تأمّل، ولا كلام في أنّ الحزن الشديد من أنواع السقم.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ،(2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَا كَانَ ، ضَجَّتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى اللَّهِ بِالْبُكَاءِ ، وَ قَالَتْ : يُفْعَلُ هذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وَ ابْنِ صَفِيِّكَ (3) وَ ابْنِ نَبِيِّكَ ؟» قَالَ : «فَأَقَامَ اللَّهُ لَهُمْ ظِلَّ الْقَائِمِ عليه السلام ، وَ قَالَ : بِهذَا أَنْتَقِمُ لِهذَا» .

.


1- .الصّافّات (37) : 88 - 89.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة».
3- .في الكافي المطبوع : - «وابن صفيّك».

ص: 387

هديّة:«ضجّ» كفرّ: صاح وصرخ لمصيبة وغمّ مأتم.والصفيّ والصفوة والمصطفى كلّه بمعنى.و«الظلّ» عبارة عن البدن المثالي المخلوق قبل خلق البدن الجسماني وبعد خلق الأرواح، المعبّر عن سعيده بالنور، وعن شقيّه بالظلمة.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ ،(1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ النَّصْرُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام حَتّى كَانَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءَ اللَّهِ ، فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ» .

هديّة:قد سبق مضمونه في الحديث الثامن في الباب السابع والأربعين.(2)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ (3) ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (4) ، قَالَ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَليٍ (5) عليهما السلام ، أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ ، فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ : يَا سَيِّدَتِي ، إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ، فَخَرَجَ إِلى جَزِيرَةٍ ، فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَارِثِ ، أَنَا مَوْلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ ، وَ الْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة».
2- .أي «باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون... .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد قال : حدّثني أبو كريب و أبو سعيد الأشّج ، قال : حدّثنا عبد اللَّه بن إدريس».
4- .في الكافي المطبوع : + «الأوديّ».
5- .في الكافي المطبوع: - «بن عليّ».

ص: 388

فَدَعِينِي أَمْضِ إِلَيْهِ فَأُعْلِمْهُ (1) مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً ، قَالَ : فَمَضَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا أَبَا الْحَارِثِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَتْ لَهُ (2) : أَ تَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ (3) عليه السلام ؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ ، قَالَ : فَمَشى حَتّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلى جَسَدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ ، قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ : فِتْنَةٌ لَا تُثِيرُوا(4) ، انْصَرِفُوا ؛ فَانْصَرَفُوا لعنهم اللَّه .

هديّة:(يوطئوه) على المعلوم من الإفعال.و(فضّة) جارية فاطمة الزهراء عليها السلام، و(زينب) بنت أمير المؤمنين عليه السلام من فاطمة عليها السلام.و(سفينة) لقب مهران مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لحمله حملاً ثقيلاً في سفر، وقيل: اسمه «رومان»، وقيل: «ربّاح» بالمفردة كعطّار، وقيل: كان مولى اُمّ سلمة، فأعتقته بشرط أن يكون في خدمة الرسول صلى اللَّه عليه وآله. وكسرت بسفينه سفينة في بجر مرّة في سفر، فأعانه أسد للخلاص، وأسد سفينة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله غير أسد فضّة، ويمكن أن يكون هو هو.(والأسد رابض في ناحية)، يعني أرى أنا أيضاً أسداً هنا، (فدعيني أمض إليه). روى في كتاب الجرائح والخرائج في باب معجزات سيّد الأنبياء صلى اللَّه عليه وآله عن ابن الأعرابي عن سفينة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: خرجت غازياً، فكسر بي المركب في البحر، الحديث.(5)و«أبو الحارث» كنية الأسد.«وقف» كوعد: اطّلع، وغيره: اطّلعه وأعلمه. وقرأ برهان الفضلاء: «وقّفه» بالتشديد، الجوهري: والتوقيف كالنصّ،(6) أي التصريح، وقيل: «وقفه»: هداه. و«الربوض» للشاة

.


1- .في الكافي المطبوع : «و أعلمه».
2- .في الكافي المطبوع : «ثمّ قالت» بدل «فقالت له».
3- .في الكافي المطبوع: - «الحسين».
4- .في الكافي المطبوع : «لا تثيروها».
5- .الخرائج والجرائح ، ج 1 ، ص 136 ؛ وعنه في البحار ، ج 17 ، ص 409 ، ح 39.
6- .الصحاح ، ج 4 ، ص 144 (وقف).

ص: 389

والأسد، كالبروك للإبل.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ ،(1) عَنْ مَصْقَلَةَ الطَّحَّانِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنِ عَلِيٍ (2) عليهما السلام ، أَقَامَتِ امْرَأَتُهُ الْكَلْبِيَّةُ عَلَيْهِ مَأْتَماً ، وَ بَكَتْ وَ بَكَيْنَ النِّسَاءُ وَ الْخَدَمُ حَتّى جَفَّتْ دُمُوعُهُنَّ وَ ذَهَبَتْ ، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إِذْ رَأَتْ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهَا تَبْكِي وَ دُمُوعُهَا تَسِيلُ ، فَدَعَتْهَا ، فَقَالَتْ لَهَا : مَا لَكِ أَنْتِ مِنْ بَيْنِنَا تَسِيلُ دُمُوعُكِ؟ قَالَتْ : إِنِّي لَمَّا أَصَابَنِي الْجَهْدُ ، شَرِبْتُ شَرْبَةَ سَوِيقٍ».قَالَ : «فَأَمَرَتْ بِالطَّعَامِ وَ الْأَسْوِقَةِ ، فَأَكَلَتْ وَ شَرِبَتْ وَ أَطْعَمَتْ وَ سَقَتْ ، وَ قَالَتْ : إِنَّمَا نُرِيدُ بِذلِكِ أَنْ نَتَقَوّى عَلَى الْبُكَاءِ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام».قَالَ : «وَ أُهْدِيَ إِلَى الْكَلْبِيَّةِ جُوَناً لِتَسْتَعِينَ بِهَا عَلى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجُوَنَ ، قَالَتْ : مَا هذِهِ ؟ قَالُوا : هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا فُلَانٌ لِنَسْتَعِينَ بِهَا(3)عَلى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَتْ : لَسْنَا فِي عُرْسٍ ، فَمَا نَصْنَعُ بِهَا ، ثُمَّ أَمَرَتْ بِهِنَّ ، فَأُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ ، فَلَمَّا أُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ ، لَمْ يُحَسَّ لَهُنَ (4) حِسٌّ كَأَنَّمَا طِرْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، وَ لَمْ يُرَ لَهُنَّ بَعْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنَ الدَّارِ أَثَرٌ» .

هديّة:«المأتم» بالهمز على مفعل وقد لا يهمز، مصدر ميميّ بمعنى اجتماع النساء للعزاء.و(النساء) عطف بيان، وكذا (الخدم) للضمير في (بكين).و(الجهد) بالفتح: المشقّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن أحمد ، عن الحسن بن عليّ ، عن يونس».
2- .في الكافي المطبوع: - «بن عليّ».
3- .في الكافي المطبوع : «لتستعيني» بدل «لنستعين بها».
4- .في الكافي المطبوع : «لها».

ص: 390

قال برهان الفضلاء:والظاهر «أهدي إلى الكلبيّة جون» بالرفع، قال: و«الجون» بضمّ الجيم وسكون الواو والنون، جمع الجونيّ بتشديد الياء: ضرب من الطير، بطنه وجناحاه أسود يأكل الحجارة. ويجوز للجمع المذكّر من غير ذوي العقول الإتيان بضمير المفرد المؤنّث والجمع المؤنّث.(فلم يحسّ لهنّ حسّ) يعني بسبب النهب والفارة في خارج الدار.وقال بعض المعاصرين:«جون» كصرد جمع جونة بالضمّ، وهي ظرف للطيب، ونصبها بتقدير «أعني» وحذف مفعول «أهدى»، ثمّ قال: وكأنّ النساء كنّ من الجنّ أو من الأرواح الماضيات تجسّدن أو بصورها المثاليّة.(1)وقرأ بعض الأفاضل: «خونا» بضمّ الخاء المعجمة.القاموس: «الخوان» كغراب وكتاب: ما يؤكل عليه الطعام، والجمع: أخونة وخون،(2) كدور في جمع الدار، ثمّ قال: والظاهر : «وأهديت الكلبيّة خونا»، يعني من التحف والنفائس؛ واللَّه أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 761 ، ذيل ح 1382.
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 230 ، (خون).

ص: 391

باب مولد عليّ بن الحسين

الباب السابع عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ سبعة أو ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ ثَلَاثِينَ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً . وَ أُمُّهُ شَهْرَبَانُوَيْه (1) بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ شِيرَوَيْهِ بْنِ كِسْرى أَبَرْوِيزَ ، وَ كَانَ يَزْدَجَرْدُ آخِرَ مُلُوكِ الْفُرْسِ .

هديّة:(ولد عليّ بن الحسين عليهما السلام) في زمن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال الشيخ في التهذيب: اُمّه عليه السلام شاه زنان بنت شيرويه بن كسرى ابرويز، وقبره ببقيع المدينة.(2)ووافق ثقة الإسلام في سائر ما ذكر في الكافي على ما نقلناه.و(كسرى) بالكسر والقصر: معرّب «خسرو» لقب من ألقاب ملوك الفرس. (ابرويز) قيل: على وزن طبرزين معرّب پرويز بالباء الفارسيّة. وضبط برهان الفضلاء على وزن عندليب ومعناه المظفّر، سمّي به كسرى بن هرمز بن انوشيروان.و(الفرس) بالضمّ بلاد، و«فارس» اسم ملك من ملوكها كما في الحديث التالي.

.


1- .في الكافي المطبوع : «سلامة» بدل «شهربانويه».
2- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 77.

ص: 392

في بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «واُمّه سلامة» مكان (واُمّه شهربانويه).قال في القاموس: الهرمز والهرمزان والهارموز: الكبير من ملوك العجم.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ،(2) عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا أُقْدِمَتْ بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ عَلى عُمَرَ ، أَشْرَفَ لَهَا عَذَارَى الْمَدِينَةِ ، وَ أَشْرَقَ الْمَسْجِدُ بِضَوْئِهَا لَمَّا دَخَلَتْهُ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا عُمَرُ ، غَطَّتْ وَجْهَهَا ، وَ قَالَتْ : أُفٍّ بِيرُوجْ بَادَا هُرْمُزْ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَ تَشْتِمُنِي هذِهِ ؟ وَ هَمَّ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لَيْسَ ذلِكَ لَكَ ، خَيِّرْهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ احْسُبْهَا بِفَيْئِهِ ، فَخَيَّرَهَا ، فَجَاءَتْ حَتّى وَضَعَتْ يَدَهَا عَلى رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : مَا اسْمُكِ ؟ قَالَتْ (3) : جَهَانْ شَاهُ ، فَقَالَ لَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : بَلْ شَهْرَبَانُوَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، لَتَلِدَنَّ لَكَ مِنْهَا خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَوَلَدَتْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَ كَانَ يُقَالُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام : ابْنُ الْخِيَرَتَيْنِ ، فَخِيَرَةُ اللَّهِ مِنَ الْعَرَبِ هَاشِمٌ ، وَ مِنَ الْعَجَمِ فَارِسُ» .وَ رُوِيَ : أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ قَالَ فِيهِ :وَ إِنَّ غُلَاماً بَيْنَ كِسْرى وَ هَاشِمٍ لَأَكْرَمُ مَنْ نِيطَتْ عَلَيْهِ التَّمَائِمُ

هديّة:(أقدمت) على ما لم يسمّ فاعله من الإفعال، وتعديته ب «على» على تضمين معنى الورود. (أشرف لها) يعني تطلّعت لرؤيتها من أعالي الجدران والسطوح.(أُفٍّ بِيرُوجْ بَادَا هُرْمُزْ)، قال بعض المعاصرين:تأفيف ودعاء على أبيها هرمز، يعني لا كان لهرمز يوم، فإنّ ابنته اُسرت بصغر ونظر

.


1- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 196 (هرمز).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن الحسن الحسنىّ رحمة اللَّه عليه و عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه جميعاً ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الخزاعيّ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر».
3- .في الكافي المطبوع : «فقالت».

ص: 393

إليها الرجال. ويقال للكبير من ملوك العجم «هرمز». همَّ بها: قصد إيذائها، انتهى.(1)وقال برهان الفضلاء:«افنيروج» بضمّ الهمزة وكسر الفاء مخفّفة ومشدّدة وسكون الخاتمة وسكون النون وضمّ الراء المهملة وسكون الواو والجيم المستعملة في لغة العجم مكان الزاي، والتقاء الساكنين في لغة العجم جايز، كما في «افنيروج» والمعنى «بد روزگار بادا هرمز»، انتهى.وقال بعض الأفاضل:«أفّ» هنا للكراهة من قيافة عمر أو من وقاحته، و«بيروج بادا هرمز» دعاء ليزدجرد، يعني فيروز بادا هرمز للانتقام، ويؤيّده قوله عليه السلام: «ليس ذلك لك»، فإنّه كان حيّاً في الريّ بعد الاستيصال والفرار إليها، انتهى.وقيل: بل دعاء عليه، يعني بي روزگار بادا هرمز، يعني لا كانت له دولة أو حياة؛ لأنّ مصيبتهم بسوء تدبيره وفراره.أقول: يمكن أن يكون قولها «أفّ بيروج بادا هرمز» دعاء على نفسها، يعني بى فرزند بادا هرمز، و«رود» و«رور» و«روج» كلّه في لغتهم بمعنى الولد، وسمعت علويّاً من أهل كاشان يقول: يقال في رساتيقنا: «بيروج بادا مامت»، يعني بى فرزند بادا مادرت. وأيضاً يمكن أن يكون «أفّ بيروج» تأفيفاً لكراهة من وقاحة نظره وشتماً له، والجيم كثيراً تزاد في آخر الكلمات الفارسيّة، «بادا هرمز»، يعني ليته كان كما كان، والألف في «بادا» للتأكيد في مقام الدعاء والتمنّي وغيرهما.(بل شهربانويه) يعني بل اسمك «شهربانويه» و«جهانشاه» لقبك. وقال برهان الفضلاء: يعني لا يناسب النساء «شاه» بل المناسب «بانويه». قال: وأيضاً «جهانشاه» لا يحسن إطلاقه على ما سوى اللَّه سبحانه.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 763 ، ذيل ح 1384.

ص: 394

قيل: الظاهر «ليولدنّ». وقال برهان الفضلاء: و«لتلدنّ» بالتاء الفوقانيّة للغايبة المؤكّدة بالنون الثقيلة، والمفعول محذوف، و«لك» متعلّق ب «تلدنّ» أو خبر للمبتدأ، و«منها» متعلّق بالظرف، وخبر للمبتدأ، و«خير» مرفوع مبتدأ.(وكان يقال) كلام ثقة الإسلام ، أو أحد من رجاله ، أو الإمام عليه السلام.(وروى) كلام ثقة الإسلام، وبه أحاديث الباب ثمانية.الجوهري : «الدئل» بضمّ الدال المهملة وكسر الهمزة واللام: دويبة شبيهة بابن عرس. قال أحمد بن يحيى: لا نعلم إسماً جاء على فعل غير هذا. وقال الأخفش: وإلى المسمّى بهذا الاسم نسب أبو الأسود الدئلي إلّا أنّهم فتحوا الهمزة استثقالاً لتوالي الكسرتين مع ياء النسبة كنمرى بفتح الميم في النسبة إلى نمر، وربّما قالوا «الدولي» بالواو تخفيفاً للهمزة المفتوحة وقبلها ضمّة.(1)(نيطت) على ما لم يسمّ فاعله يعني علّقت.و«التميمة»: عوذة تعلّق على الأطفال.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ،(3) عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام نَاقَةٌ حَجَّ عَلَيْهَا اثْنَتَيْنِ وَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَا قَرَعَهَا قَرْعَةً قَطُّ».قَالَ : «فَجَاءَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَ مَا شَعَرْنَا بِهَا إِلَّا وَ قَدْ جَاءَنِي بَعْضُ خَدَمِنَا أَوْ بَعْضُ الْمَوَالِي ، فَقَالَ : إِنَّ النَّاقَةَ قَدْ خَرَجَتْ ، فَأَتَتْ قَبْرَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فَابْتَرَكَتْ عَلَيْهِ ، فَدَلَكَتْ بِجِرَانِهَا الْقَبْرَ وَ هِيَ تَرْغُو ، فَقُلْتُ : أَدْرِكُوهَا أَدْرِكُوهَا ، وَ جِيئُونِي بِهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِهَا أَوْ يَرَوْهَا». قَالَ : «وَ مَا كَانَتْ رَأَتِ الْقَبْرَ قَطُّ» .

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1694 (دأل).
2- .وللمزيد في هذا البيت راجع : المناقب لابن شهر آشوب ، ج 4 ، ص 167 ؛ خزانة الأدب ، ج 1 ، ص 136 ؛ الأعلام للزركلي ، ج 3 ، ص 236 ؛ دائرة المعارف الإسلامية ، ج 1 ، ص 307.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير».

ص: 395

هديّة:«القرع»: الضرب بالعصا ونحوه، و«القرعة» بالفتح للمرّة.(أو بعض الموالي)؛ الشكّ من الراوي.(فأتت) كلامُ الإمام عليه السلام.و«الابتراك» افتعال من برك البعير كنصر: إذا استناخ، وأبركه غيره.و«جران البعير» بكسر الجيم وتخفيف المهملة: مقدّم عنقه. و«رغاؤه» بالضمّ والمدّ : صوته، رغى البعير كغزا.وضمير الجمع في (يعلموا) للمخالفين.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ،(1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا مَاتَ أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، جَاءَتْ نَاقَةٌ لَهُ مِنَ الرَّعْيِ حَتّى ضَرَبَتْ بِجِرَانِهَا عَلَى الْقَبْرِ ، وَ تَمَرَّغَتْ عَلَيْهِ ، فَأَمَرْتُ بِهَا ، فَرُدَّتْ إِلى مَرْعَاهَا ؛ وَ إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ يَحُجُّ عَلَيْهَا وَ يَعْتَمِرُ وَ لَمْ يَقْرَعْهَا قَرْعَةً قَطُّ» .ابْنُ بَانُوْيَهْ (2) .

هديّة:(من الرعي) بالفتح مصدر، وبالكسر المرعى، وضبط برهان الفضلاء بالكسر.(ابن بانويه) هكذا وجدت هذه اللفظة في آخر الحديث، فقيل: «ابن بانويه» فاعل، ولم يقرعها، يعني عليّ بن الحسين عليهما السلام. وقال بعض المعاصرين: ومعناها غير ظاهر.(3)وقال بعض الأفاضل: المراد الصدوق رحمة اللَّه عليه، زادها من تأخّر عن ثقة الإسلام والصدوق قدّس سرّهما على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن حفص بن البختري».
2- .في الكافي المطبوع : «ابن بابويه».
3- .الوافي ، ج 3 ، ص 764 ، ذيل ح 1387.

ص: 396

صدر الحديث التالي، فاشتبه على الكتّاب. وقيل: «أبن» للمكان، و«بأبويه»، يعني بوالديه، يعني ناقته عليه السلام كذا، فأين لأحد بمثل أبويه من هاشم وكسرى.(1) وضبط برهان الفضلاء على الأوّل، وقال: «ابن» نصب بالاختصاص وعطف بيان، و«بانويه» عبارة عن اُمّه عليه السلام.(2)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ،(3) عَنْ أَبِي عُمَارَةَ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وُعِدَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، قَالَ لِمُحَمَّدٍ عليه السلام : يَا بُنَيَّ ، أَبْغِنِي وَضُوءاً ، قَالَ : فَقُمْتُ فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ ، قَالَ : لَا أَبْغِي هذَا ؛ فَإِنَّ فِيهِ شَيْئاً مَيِّتاً ، قَالَ : فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ بِالْمِصْبَاحِ ، فَإِذَا فِيهِ فَأْرَةٌ مَيْتَةٌ ، فَجِئْتُهُ بِوَضُوءٍ غَيْرِهِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، هذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُعِدْتُهَا ، فَأَوْصى بِنَاقَتِهِ أَنْ يُحْظَرَ لَهَا حِظَارٌ ، وَ أَنْ يُقَامَ لَهَا عَلَفٌ ، فَجُعِلَتْ فِيهِ».قَالَ : «فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ خَرَجَتْ حَتّى أَتَتِ الْقَبْرَ ، فَضَرَبَتْ بِجِرَانِهَا ، وَ رَغَتْ ، وَ هَمَلَتْ عَيْنَاهَا ، فَأُتِيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ النَّاقَةَ قَدْ خَرَجَتْ ، فَأَتَاهَا ، فَقَالَ : صَهِ الْآنَ ، قُومِي ، بَارَكِ ِ اللَّهُ فِيكِ ، فَلَمْ تَفْعَلْ ، فَقَالَ : وَ إِنْ كَانَ لَيَخْرُجُ عَلَيْهَا إِلى مَكَّةَ ، فَيُعَلِّقُ السَّوْطَ عَلَى الرَّحْلِ ، فَمَا يَقْرَعُهَا حَتّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ».قَالَ : «وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَخْرُجُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، فَيَحْمِلُ الْجِرَابَ فِيهِ الصُّرَرُ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَ الدَّرَاهِمِ حَتّى يَأْتِيَ بَاباً(4) ، فَيَقْرَعُهُ ، ثُمَّ يُنِيلُ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام فَقَدُوا ذَاكَ ، فَعَلِمُوا أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ يَفْعَلُهُ» .

هديّة:(قال: لمّا كان) أي الأمر أو الوعد، (وعد فيها) يحتمل المعلوم وخلافه. وقرأ

.


1- .المصدر.
2- .وللمزيد راجع الطبعة الجديدة من الكافي ، ج 2 ، ص 516 ، ذيل ح 1271 ، الرقم 4.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد بن عامر ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن سعدان بن مسلم».
4- .في الكافي المطبوع : + «باباً».

ص: 397

برهان الفضلاء : «لما» بكسر اللام وتخفيف الميم، وقال: «ما» موصولة، والظرف متعلّق ب «قال»، و«وعد» وكذا «وعدتها» على ما لم يسمّ فاعله للإشارة إلى أنّ موت المؤمن مطلوب له. (ابغني) أمر من الإفعال، و«الإبغاء»: طلب شي ء لآخر ويتعدّى بنفسه إلى مفعولين. وقيل: «أبغاه»: أعانه على الطلب، يعني أعنّي على طلب ماء أتوضّؤ به، (وضوءاً) بالفتح. أي ما أتوضّأ به.(لا أبغي) من باب رمى: لا أطلب.و«الحظار» بالكسر ويفتح: الحظيرة - بالظاء المعجمة - وهي ما يعمل للإبل من القصب أو الشجر ليقيها البرد والريح. وقرأ برهان الفضلاء : «يحصر» بالصاد المهملة على المجهول من باب نصر وضرب.(أن خرجت) بفتح الهمزة وسكون النون بتقدير «إلى أن».(هملت) كنصر وضرب: فاضت، فأتى على ما لم يسمّ فاعله.(صه) اسم فعل، يعني اسكت. وقال برهان الفضلاء: ويحتمل أن يكون رمز صلى اللَّه عليه وآله بدليل عدمها في بعض النسخ.(فلم تفعل) يعني فتركت ضربها جرانها بالقبر ورغوها وبكائها.(وإن كان) بكسر الهمزة مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشّأن.و(الجراب) ككتاب: المِزْوَد، وعاء معروف.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ الوشّاء، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام (1) ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ ، وَ قَرَأَ «إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ» وَ «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ» وَ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أحمد ، عن عمّه عبد اللَّه بن الصلت ، عن الحسن بن عليّ بن بنت إلياس، عن أبي الحسن عليه السلام».

ص: 398

حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» ، ثُمَّ قُبِضَ عليه السلام مِنْ سَاعَتِهِ وَ لَمْ يَقُلْ شَيْئاً» .

هديّة:الآية في سورة الزّمر(1)، وقد ثبت معاينة كلّ أحد مكانه من الجنّة والنار عند الاحتضار.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ ؛ عَاشَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عليه السلام خَمْساً وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً» .

هديّة:(في عام خمس وتسعين) هجريّة، وافق عليه السلام أبيه عليهما السلام في مدّة العمر أيضاً مثل أمير المؤمنين عليه السلام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .الزمر (39) : 74.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر الحميري ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».

ص: 399

باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ

الباب الثامن عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدْ بنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهم السلام (1) سَنَةَ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ وَ لَهُ سَبْعٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً ؛ وَ دُفِنَ بِالْمَدِينَةِ بِالْبَقِيعِ (2) فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ؛ وَ كَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَ عَلى ذُرِّيَّتِهِمُ الْهَادِيَةِ .

هديّة:(ولد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين) بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام في زمن طغيان معاوية بن أبي سفيان سنة سبع وخمسين هجريّة. وقال الشيخ رحمة اللَّه عليه في التهذيب: اُمّه عليه السلام اُمّ عبدة بنت الحسن بن عليّ عليهما السلام، وهو هاشميّ من هاشميّين، علويّ من علويّين.(3) ووافق ثقة الإسلام إلّا في كنية اُمّه عليه السلام؛ فإمّا لها كنيتان، أو اشتبهت وصحّفت.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام».
2- .في الكافي المطبوع : «بالبقيع بالمدينة».
3- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 77.

ص: 400

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ،(1) عَنْ الْكَنَانِيّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ أُمِّي قَاعِدَةً عِنْدَ جِدَارٍ ، فَتَصَدَّعَ الْجِدَارُ ، وَ سَمِعْنَا هَدَّةً شَدِيدَةً ، فَقَالَتْ بِيَدِهَا : لَا ، وَ حَقِّ الْمُصْطَفى ، مَا أَذِنَ اللَّهُ لَكَ فِي السُّقُوطِ ، فَبَقِيَ مُعَلَّقاً فِي الْجَوِّ حَتّى جَازَتْهُ ، فَتَصَدَّقَ عَنْهَا أَبِي عليه السلام (2) بِمِائَةِ دِينَارٍ».قَالَ أَبُو الصَّبَّاحِ : وَ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَدَّتَهُ - أُمَّ أَبِيهِ - يَوْماً ، فَقَالَ : «كَانَتْ صِدِّيقَةً ، لَمْ تُدْرَكْ فِي آلِ الْحَسَنِ عليه السلام امْرَأَةٌ مِثْلُهَا» .

هديّة:«تصدّع»: انشقّت. و«الهدّة» بالفتح والتشديد: صوت وقع الحائط ونحوه.(لا) ناهية، أي لا تسقط، وجملة (ما أذن اللَّه) دعائيّة، وبالفارسيّة : «اذن ندهاد خداي تعالى».و«الصدِّيق» لغةً: كثير الصدق الذي يطابق قوله فعله، وفي عرف حجج اللَّه المعصومين المعصوم؛ فالمراد هنا إمّا معناه اللغويّ بحسب الإيمان بالولاية، أو العرفي بحسب استجابة الدعاء، والتقرّب القريب من تقرّب المعصومة المحدّثة في هذه الاُمّة ، يعني الزهراء صلوات اللَّه عليها.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ،(3) عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : «إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ كَانَ رَجُلًا مُنْقَطِعاً(4) أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ كَانَ يَقْعُدُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ، وَ كَانَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن صالح بن مزيد ، عن عبد اللَّه بن المغيرة ، عن أبي الصبّاح ، عن أبي جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع : «أبي عنها» بدل «عنها أبي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان».
4- .في الكافي المطبوع : + «إلينا».

ص: 401

يُنَادِي : يَا بَاقِرَ الْعِلْمِ ، يَا بَاقِرَ الْعِلْمِ ، فَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : جَابِرٌ يَهْجُرُ ، فَكَانَ يَقُولُ : لَا وَ اللَّهِ ، مَا أَهْجُرُ ، وَ لكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقُولُ : إِنَّكَ سَتُدْرِكُ رَجُلًا مِنِّي اسْمُهُ اسْمِي ، وَ شَمَائِلُهُ شَمَائِلِي ، يَبْقُرُ الْعِلْمَ بَقْراً ، فَذَاكَ الَّذِي دَعَانِي إِلى مَا أَقُولُ».قَالَ : «فَبَيْنَا جَابِرٌ يَتَرَدَّدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ إِذْ مَرَّ بِطَرِيقٍ ، وَفِي ذَاكَ الطَّرِيقِ كُتَّابٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ ، قَالَ : يَا غُلَامُ ، أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ؛ ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ؛ ثُمَّ قَالَ : شَمَائِلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ؛ يَا غُلَامُ ، مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : اسْمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَ يَقُولُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَبُوكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ ذلِكَ».قَالَ : «فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلى أَبِيهِ وَ هُوَ ذَعِرٌ ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا بُنَيَّ ، وَ قَدْ فَعَلَهَا جَابِرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : الْزَمْ بَيْتَكَ يَا بُنَيَّ ؛ فَكَانَ جَابِرٌ يَأْتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ ، وَ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : وَا عَجَبَاهْ لِجَابِرٍ يَأْتِي هذَا الْغُلَامَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَ هُوَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَضى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام يَأْتِيهِ عَلى وَجْهِ الْكَرَامَةِ لِصُحْبَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ : «فَجَلَسَ يُحَدِّثُهُمْ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى ، فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ : مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَجْرَى (1) مِنْ هذَا ، فَلَمَّا رَأى مَا يَقُولُونَ ، حَدَّثَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ : مَا رَأَيْنَا أَحَداً(2) أَكْذَبَ مِنْ هذَا ، يُحَدِّثُنَا عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ ، فَلَمَّا رَأى مَا يَقُولُونَ ، حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ». قَالَ : «فَصَدَّقُوهُ ، وَ كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَأْتِيهِ ، وَيَتَعَلَّمُ (3) مِنْهُ عليه السلام» .

هديّة:«الاعتجار»: شدّ العمامة على الرأس، واعتجرت المرأة بمعجرها.(باقر العلم): جامعه المتبحّر فيه؛ من البقر، وهو الشقّ والتّوسيع، بقر العلم كمنع.

.


1- .في الكافي المطبوع : «أجرأ».
2- .في الكافي المطبوع : + «قطّ».
3- .في الكافي المطبوع : «فيتعلّم».

ص: 402

و«الهجر» بالضمّ: اسم من الإهجار، وهو الهذيان وقول ما لا طائل فيه.(يهجر) كنصر، ويهجر من الإفعال بمعنى أي يهذي كرمى (كتاب) أي مكتب.و«الشمائل» جمع شمال ككتاب، يعني المعادات والحركات والسّكنات والهيئة والشكل وأمثالها ويقول ذلك كناية عن أخبار أودعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إيّاه ليخبره بها وقد فعلها.(ذعر) كصعق: خائف مضطرب.(جابر) يعني الرسالة في تسليم الودائع بعد التسليم عليه من جدّه صلى اللَّه عليه وآله.(يأتي هذا الغلام) يعني ليتعلّم منه وهو بذاك الفضل.(فلم يلبث) يعني جابر، (أن مضى) بتقدير «إلى أن» وكان وفاة جابر سنة ثمان وسبعين هجريّة، وكان الباقر عليه السلام في ذلك الوقت ابن إحدى وعشرين سنة وعند مضيّ أبيه عليه السلام ابن ثمان وثلاثين سنة، فالمعنى : فلم يبق جابر إلى زمان مضيّ عليّ بن الحسين عليهما السلام، فكان محمّد بن عليّ عليهما السلام يأتي جابراً في حياته على وجه الكرامة يحدّثهم عن اللَّه تبارك وتعالى. قيل: يعني كان يقول ما كان بتحديث الملك، قال اللَّه تبارك وتعالى كذا وكذا. وقيل: يعني كان يفسّر القرآن.(أجرى) أفعل التفضيل من الجرأة، يهمز ولا يهمز فيكتب بالياء، وأصله الهمز.(وكان جابر بن عبداللَّه يأتيه ويتعلّم منه) حاليّة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ ،(1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ : رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ ، عَلِمَ كُلَّ مَا عَلِمُوا؟ قَالَ : «نَعَمْ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن مثنّى الحنّاط».

ص: 403

قُلْتُ : فَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلى أَنْ تُحْيُوا الْمَوْتى وَ تُبْرِئُوا الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ ؟ فَقَالَ لِي (1) : «نَعَمْ بِإِذْنِ اللَّهِ».ثُمَّ قَالَ لِيَ : «ادْنُ مِنِّي يَا بَا مُحَمَّدٍ(2)» فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَمَسَحَ عَلى وَجْهِي وَ عَلى عَيْنَيَّ ، فَأَبْصَرْتُ الشَّمْسَ وَ السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ الْبُيُوتَ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ فِي الدَّارِ(3) ، ثُمَّ قَالَ لِي : «أَ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هكَذَا وَ لَكَ مَا لِلنَّاسِ ، وَ عَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَوْ تَعُودَ كَمَا كُنْتَ وَ لَكَ الْجَنَّةُ خَالِصاً ؟»قُلْتُ : أَعُودُ كَمَا كُنْتُ ، فَمَسَحَ عَلى عَيْنَيَّ ، فَعُدْتُ كَمَا كُنْتُ .قَالَ : فَحَدَّثْتُ ابْنَ أَبِي عُمَيْرٍ بِهذَا ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ هذَا حَقٌّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقٌّ .

هديّة:(عن أبي بصير) يعني يحيى بن القاسم وكان أكمه، ويكنّى أبا محمّد أيضاً.في بعض النسخ : «في البلد» مكان (في الدار).(للناس) أي للمخالفين.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَاصِمِ ،(4) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَهُ يَوْماً إِذْ وَقَعَ زَوْجُ وَرَشَانَ عَلَى الْحَائِطِ وَ هَدَلَا هَدِيلَهُمَا ، فَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَلَيْهِمَا كَلَامَهُمَا سَاعَةً ، ثُمَّ نَهَضَا ، فَلَمَّا طَارَا عَلَى الْحَائِطِ ، هَدَلَ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثى سَاعَةً ، ثُمَّ نَهَضَا ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا هذَا الطَّائِرُ(5) ؟

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال» بدل «فقال لي».
2- .في الكافي المطبوع : «يا أبا محمّد».
3- .في الكافي المطبوع : «البلد».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عليّ ، عن عاصم بن حميد».
5- .في الكافي المطبوع : «الطير».

ص: 404

قَالَ : «يَا ابْنَ مُسْلِمٍ ، كُلُّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ - مِنْ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ شَيْ ءٍ فِيهِ رُوحٌ - فَهُوَ أَسْمَعُ لَنَا وَ أَطْوَعُ مِنِ ابْنِ آدَمَ ، إِنَّ هذَا الْوَرَشَانَ ظَنَّ بِامْرَأَتِهِ ، فَحَلَفَتْ لَهُ : مَا فَعَلْتُ ، فَقَالَتْ : تَرْضى بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ؟ فَرَضِيَا بِي ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ لَهَا ظَالِمٌ ، فَصَدَّقَهَا» .

هديّة:(الورشان) بالتحريك: طائر، وهو ساق حرّ؛ قاله الجوهري.(1)ويقال له «القمرى»، وأكثر استعماله في الذكر فالاُنثى قمريّة.(إذا وقع) أي نزل.و(على الحائط) وصفٌ لزوج ورشان، والإضافة بيانيّة، كخاتم فضّة. وقال برهان الفضلاء: الظاهر من الحائط مكان على الحائط».و«الهديل»: صوت الحمام ونحوه، هدل كضرب. في بعض النسخ : «ما هذا الطير» مكان (ما هذا الطائر)، و«فقال» مكان (فقالت).(ظنّ بامرأته) يعني السفاح.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ حَمْزَةَ ،(2) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَ : لَمَّا حُمِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلَى الشَّامِ إِلى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَ صَارَ بِبَابِهِ ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَ مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ : إِذَا رَأَيْتُمُونِي قَدْ وَبَّخْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، ثُمَّ رَأَيْتُمُونِي قَدْ سَكَتُّ ، فَلْيُقْبِلْ عَلَيْهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ فَلْيُوَبِّخْهُ ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ .فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ بِيَدِهِ : «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» فَعَمَّهُمْ جَمِيعاً بِالسَّلَامِ ، ثُمَّ جَلَسَ ، فَازْدَادَ هِشَامٌ عَلَيْهِ حَنَقاً بِتَرْكِهِ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، وَ جُلُوسِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ ، فَأَقْبَلَ

.


1- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1026 (ورش).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط ، عن صالح بن حمزة».

ص: 405

يُوَبِّخُهُ ، وَ يَقُولُ - فِيمَا يَقُولُ لَهُ - : يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ قَدْ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَ دَعَا إِلى نَفْسِهِ ، وَ زَعَمَ أَنَّهُ الْإِمَامُ سَفَهاً وَ قِلَّةَ عِلْمٍ ، وَ وَبَّخَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يُوَبِّخَهُ ، فَلَمَّا سَكَتَ ، أَقْبَلَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ رَجُلٌ بَعْدَ رَجُلٍ يُوَبِّخُهُ حَتَّى انْقَضى آخِرُهُمْ ، فَلَمَّا سَكَتَ الْقَوْمُ ، نَهَضَ عليه السلام قَائِماً ، ثُمَّ قَالَ : «أَيُّهَا النَّاسُ ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟ وَ أَيْنَ يُرَادُ بِكُمْ ؟ بِنَا هَدَى اللَّهُ أَوَّلَكُمْ ، وَ بِنَا يَخْتِمُ آخِرَكُمْ ، فَإِنْ يَكُنْ لَكُمْ مُلْكٌ مُعَجَّلٌ ، فَإِنَّ لَنَا مُلْكاً مُؤَجَّلًا ، وَ لَيْسَ بَعْدَ مُلْكِنَا مُلْكٌ ؛ لِأَنَّا أَهْلُ الْعَاقِبَةِ ؛ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»».فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْحَبْسِ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْحَبْسِ ، تَكَلَّمَ ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْحَبْسِ رَجُلٌ إِلَّا تَرَشَّفَهُ وَ حَنَّ إِلَيْهِ ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَبْسِ إِلى هِشَامٍ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ مَجْلِسِكَ هذَا ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ ، فَأَمَرَ بِهِ ، فَحُمِلَ عَلَى الْبَرِيدِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ لِيُرَدُّوا إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَ أَمَرَ أَنْ لَا يُخْرَجَ لَهُمُ الْأَسْوَاقُ ، وَ حَالَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ ، فَسَارُوا ثَلَاثاً لَا يَجِدُونَ طَعَاماً وَ لَا شَرَاباً حَتّى انْتَهَوْا إِلى مَدْيَنَ ، فَأُغْلِقَ بَابُ الْمَدِينَةِ دُونَهُمْ ، فَشَكَا أَصْحَابُهُ الْجُوعَ وَ الْعَطَشَ .قَالَ : فَصَعِدَ جَبَلًا لِيُشْرِفَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ - بِأَعْلى صَوْتِهِ - : «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا ، أَنَا بَقِيَّةُ اللَّهِ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ»» .قَالَ : وَ كَانَ فِيهِمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ ، فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمِ ، هذِهِ - وَ اللَّهِ - دَعْوَةُ شُعَيْبٍ النَّبِيِّ ، وَ اللَّهِ ، لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوا إِلى هذَا الرَّجُلِ بِالْأَسْوَاقِ ، لَتُؤْخَذُنَّ مِنْ فَوْقِكُمْ ، وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، فَصَدِّقُونِي فِي هذِهِ الْمَرَّةِ وَ أَطِيعُونِي ، وَ كَذِّبُونِي فِيمَا تَسْتَأْنِفُونَ ؛ فَإِنِّي نَاصِحٌ لَكُمْ .قَالَ : فَبَادَرُوا ، فَأَخْرَجُوا إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ أَصْحَابِهِ بِالْأَسْوَاقِ ، فَأُخْبَرَ(1) هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ خَبَرُ الشَّيْخِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ، فَحَمَلَهُ ، فَلَمْ نَدْرِ(2) مَا صَنَعَ بِهِ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «فبلغ».
2- .في الكافي المطبوع : «فلم يدر».

ص: 406

هديّة:(قال بيده) أي أشار.و«الحنق»: شدّة الغيظ.وشقّ عصا المسلمين كنايةٌ عن إيقاع الاختلاف بينهم.(حتّى انقضى آخرهم) بالنصب، أي حتّى نفد التوبيخ في آخر أهل المجلس، يقول اللَّه عزّ وجلّ في سورة الأعراف وسورة القصص: «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(1).و«الرشف»: المصّ، رشف فلان الماء كنصر وضرب، وترشّفه غيره: سقاه قليلاً قليلاً، وفي المثل : «الرشف أنقع». قال الجوهري: إذا ترشّفت الماء قليلاً قليلاً كان أسكن للعطش.(2)والمراد هنا ماء العلم. وفي بعض النسخ : «ترسّفه» بالسين المهملة من الرسفان، وهو مشي المقيّد.(حنّ إليه): أقبل بوجه الشوق وخضوع القلب.في بعض النسخ : «على البرّيّة» بالتشديدين، يعني البادية، مكان (على البريد) بمعنى الطريق الذي للبريد المسرع، أو المنزل الأوّل للخارج من البلد.(ان لا يخرج) يحتمل المعلوم وخلافه.(ثلاثاً): ثلاث مراحل.وآية: «بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ» في سورة هود.(3)في بعض النسخ : «فبلغ» مكان (فأخبر) على المجهول.(فلم ندر) على المتكلّم مع الغير.وقد أورد السيّد الجليل أبو القاسم عليّ بن موسى الطاووس في كتابه المسمّى بالأمان من أخطار الأسفار والأزمان هذا الحديث نقلاً عن محمّد بن جرير الطبري

.


1- .الأعراف (7): 128؛ القصص (28): 83.
2- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1364 (رشف).
3- .هود (11): 86.

ص: 407

الإمامي من كتابه المسمّى بدلائل الإمامة على وجه مبسوط مشتمل على أكثر ما في الحديث الشامي من أحاديث روضة الكافي.(1)

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ،(2) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قُبِضَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ عليه السلام وَ هُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَةٍ ؛ عَاشَ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ شَهْرَيْنِ» .

هديّة:(وهو عليه السلام ابن سبع وخمسين سنة) كأبيه وجدّه عليهم السلام، (في عام أربع عشرة ومائة) هجريّة نبويّة من مكّة بإذن اللَّه إلى المدينة.

.


1- .الأمان، ص 72.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و الحميريّ جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».

ص: 408

باب مولد أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد

الباب التاسع عشر والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ وقال: وُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَّمَدٍ الصَادِق عليه السلام (1)سَنَةَ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ ؛ وَ مَضى عليه السلام فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ لَهُ عليه السلام خَمْسٌ وَ سِتُّونَ سَنَةً ؛ وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ فِي الْقَبْرِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ وَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهم السلام ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَ أُمُّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ .

هديّة:(ولد أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام) زمن عبد الملك بن مروان (سنة ثلاث وثمانين) هجريّة. قال في التهذيب بعد ذكره ما يوافق ما في الكافي: وروى في بعض الأخبار أنّهم أُنزلوا على جدّتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف،(2) يعني هو وأبوه وجدّه والحسن بن عليّ عليهم السلام.(واُمّها) في الكافي، يعني اُمّ اُمّ فروة جدّته عليه السلام لاُمّه، كان القاسم بن محمّد تزوّج بابنة عمّه عبد الرّحمن.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «جعفر بن محمّد الصادق».
2- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 78.

ص: 409

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ وُهْبِ بْنِ حَفْصٍ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَ أَبُو خَالِدٍ الْكَابُلِيُّ مِنْ ثِقَاتِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام». ثُمَّ قَالَ : «وَ كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ آمَنَتْ وَ أتْقَنَتْ (2) وَ أَحْسَنَتْ ، وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».قَالَ : «وَ قَالَتْ أُمِّي : قَالَ أَبِي : يَا أُمَّ فَرْوَةَ ، إِنِّي لَأَدْعُو اللَّهَ تَعَالى لِمُذْنِبِي شِيعَتِنَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ أَلْفَ مَرَّةٍ ؛ لِأَنَّا نَحْنُ فِيمَا يَنُوبُنَا مِنَ الرَّزَايَا نَصْبِرُ عَلى مَا نَعْلَمُ مِنَ الثَّوَابِ ، وَ هُمْ يَصْبِرُونَ عَلى مَا لَا يَعْلَمُونَ» .

هديّة:في بعض النسخ : «واتّقت» من الاتّقاء، مكان (وأتقنت) من الإتقان بمعنى الإتقان، يعني آمنت بولاية الأئمّة الاثنى عشر ببصيرة الحجّة والبرهان، والتقوى ظاهريّته الورع مِمَّا نهى اللَّه عنه من أعمال الجوارح، وباطنيّته التبرّي من أهل الكفر والضلالة وطواغيتهما كفلان وفلان وفلان، وأشار عليه السلام قبل تزكية اُمّه إلى تزكية جدّه لاُمّه وجدّ اُمّه دفعاً للتوهّم لمكان الأوّل.(قال أبي) يعني أبا جعفر عليه السلام، واتّحد الضميران في «اُمّي» و«أبي».(ينوبنا): يصيبنا. و«الرزيّة»: المصيبة، فعيلة، يهمز ولا يهمز.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ ،(3) عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : وَجَّهَ أَبُو جَعْفَرٍ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن إبراهيم بن الحسن ، قال : حدّثني وهب بن حفص».
2- .في الكافي المطبوع : «اتّقت».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن سليمان بن سماعة ، عن عبد اللَّه بن القاسم».

ص: 410

الْمَنْصُورُ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ - وَ هُوَ وَالِيهِ عَلَى الْحَرَمَيْنِ : أَنْ أَحْرِقْ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ دَارَهُ ، فَأَلْقَى النَّارَ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِي الدَّارِ(1) وَ الدِّهْلِيزِ ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَتَخَطَّى النَّارَ وَ يَمْشِي فِيهَا ، وَ يَقُولُ : «أَنَا ابْنُ أَعْرَاقِ الثَّرى ، أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ» .

هديّة:«أن أحرق عليه» يعني حين كونه في الدار، ذكر في المجلّد الأوّل من روضة الصفاء أنّ «أعراق الثرى» لقب إسماعيل ذبيح اللَّه، وصرّح مؤلّفه بعدم وقوفه على وجهه.(2) قال برهان الفضلاء:لعلّ وجهه أنّ الماء - وهو المطفي للنار - إنّما جرى في مكّة من زمزم على وجه الأرض مع بُعده عنه جدّاً ببركة قدم ذبيح اللَّه عليه السلام. قال: فالإعراق على الإفعال مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي المعرق لعرق الماء هناك، بمعنى كونه سبباً لذلك. قال: و«الثرى» على فعيل أي الأرض الموجود فيها الماء بعد أن لم يكن، مأخوذ من الثرى بالفتح والقصر، أي التراب الندي، ومصدر ثَرِىَ كعلم أيضاً ثَرَى بالفتح والقصر.وقيل: «العرق»: الأصل، والأنبياء والأوصياء عليهم السلام اُصول الأرض، يُقال: فحل معرق على وزن مضمر، أي عريق أصيل نسباً. وقيل: لعلّ وجه لقب الذبيح عليه السلام بأعراق الثرى أنّه سبب وأصل لأئمّتنا عليهم السلام، وهم أركان الأرض والسماء.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْبَرْقِيِّ ،(3) عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ رُفَيْدٍ مَوْلى يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ ، قَالَ : سَخِطَ عَلَيَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ ، وَ حَلَفَ عَلَيَّ لَيَقْتُلُنِي ، فَهَرَبْتُ مِنْهُ ، وَ عُذْتُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَأَعْلَمْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ لِيَ : «انْصَرِفْ إِلَيْهِ ، وَ أَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ ، وَ قُلْ لَهُ : إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ عَلَيْكَ مَوْلَاكَ رُفَيْداً فَلَا تَهِجْهُ بِسُوءٍ».

.


1- .في الكافي المطبوع : «الباب».
2- .لم نعثر عليه.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد ، عن البرقيّ».

ص: 411

فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، شَامِيٌّ ، خَبِيثُ الرَّأْيِ ، فَقَالَ : «اذْهَبْ إِلَيْهِ كَمَا أَقُولُ لَكَ». فَأَقْبَلْتُ ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي ، اسْتَقْبَلَنِي أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ إِنِّي أَرى وَجْهَ مَقْتُولٍ ، ثُمَّ قَالَ لِي : أَخْرِجْ يَدَكَ ، فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ : يَدُ مَقْتُولٍ ؛ ثُمَّ قَالَ لِي : أَبْرِزْ رِجْلَكَ ، فَأَبْرَزْتُ رِجْلِي ، فَقَالَ : رِجْلُ مَقْتُولٍ ؛ ثُمَّ قَالَ لِي ، أَبْرِزْ جَسَدَكَ ، فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ : جَسَدُ مَقْتُولٍ ؛ ثُمَّ قَالَ لِي : أَخْرِجْ لِسَانَكَ ، فَفَعَلْتُ ، فَقَالَ لِيَ : امْضِ ؛ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ ؛ فَإِنَّ فِي لِسَانِكَ رِسَالَةً لَوْ أَتَيْتَ بِهَا الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَ ، لَانْقَادَتْ لَكَ .قَالَ : فَجِئْتُ حَتّى وَقَفْتُ عَلى بَابِ ابْنِ هُبَيْرَةَ ، فَاسْتَأْذَنْتُ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : أَتَتْكَ بِخَائِنٍ رِجْلَاهُ ؛ يَا غُلَامُ ، النَّطْعَ وَ السَّيْفَ . ثُمَّ أَمَرَ بِي ، فَكُتِّفْتُ ، وَ شُدَّ رَأْسِي ، وَ قَامَ عَلَيَّ السَّيَّافُ لِيَضْرِبَ عُنُقِي .فَقُلْتُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، لَمْ تَظْفَرْ بِي عَنْوَةً ، وَ إِنَّمَا جِئْتُكَ مِنْ ذَاتِ نَفْسِي ، وَ هَاهُنَا أَمْرٌ أَذْكُرُهُ لَكَ ، ثُمَّ أَنْتَ وَ شَأْنَكَ ، فَقَالَ : قُلْ ، قُلْتُ (1) : أَخْلِنِي ، فَأَمَرَ مَنْ حَضَرَ ، فَخَرَجُوا .فَقُلْتُ لَهُ : جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ لَكَ : «قَدْ أَجَرْتُ عَلَيْكَ مَوْلَاكَ رُفَيْداً فَلَا تَهِجْهُ بِسُوءٍ».فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ(2) ، لَقَدْ قَالَ لَكَ جَعْفَرٌ هذِهِ الْمَقَالَةَ ، وَ أَقْرَأَنِي السَّلَامَ ؟! فَحَلَفْتُ لَهُ ، فَرَدَّهَا عَلَيَّ ثَلَاثاً ، ثُمَّ حَلَّ أَكْتَافِي ، ثُمَّ قَالَ : لَا يُقْنِعُنِي مِنْكَ حَتّى تَفْعَلَ بِي مَا فَعَلْتُ بِكَ ، قُلْتُ : مَا تَنْطَلِقُ يَدِي بِذَاكَ ، وَ لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسِي ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، مَا يُقْنِعُنِي إِلَّا ذَاكَ ، فَفَعَلْتُ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِي ، وَ أَطْلَقْتُهُ ، فَنَاوَلَنِي خَاتَمَهُ ، فَقَالَ (3) : أُمُورِي فِي يَدِكَ ، فَدَبِّرْ فِيهَا مَا شِئْتَ .

هديّة:«أجره» كنصر وضرب: أعاذه في كنفه من أن يظلمه ظالم.(فلا تهجه)، قيل: الظاهر تشديد الجيم، من باب مدّ، مِن الهجيج بمعنى الأجيج، وهو

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقالت».
2- .في الكافي المطبوع : «واللَّه» بدل «اللَّه أكبر».
3- .في الكافي المطبوع : «و قال».

ص: 412

تلهّب النار، أي لا تنهض عليه أو لا تتوقّد عليه بسوء؛ هجّت النار هجيجاً كأجّت أجيجاً.وقال برهان الفضلاء: «فلا تهجه» بصيغة النهي من معتلّ العين اليائي من باب ضرب أو الإفعال، يعني فلا تثره بسوء تعارف بين القافة من الأعراب وغيرهم الحكم من ألوان الأعضاء وهيئاتها وأوضاع العروق وخطوط جلودها بوقائع لصاحبها، وربّما يكتفى بالكفّين في ذلك.وقال برهان الفضلاء: المراد ب «الأعرابي» الخضر أو الياس عليهما السلام، وحكمه بذلك إنّما هو بالتوسّم الخاصّ بالحجج المعصومين عليهم السلام، قال اللَّه تعالى: «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ»(1).و«التوسّم»: التفرّس.و«الرواسي»: الثابتات.(أتتك) خطابٌ بنفس المتكلّم الضارب لهذا المثل.و(النطع) بكسر النون ويفتح، والنصب بتقدير «احضر».«كتفه» كضرب: شدّ يديه إلى خلفه بالكتاف ككتاب، وهو حبل لذلك.(عنوة) بالفتح: قهراً.(وشأنك) نصب، والواو بمعنى «مع» أي أنت مقرون وشأنك، أو رفع، فالواو للعطف، أي أنت وشأنك مقرونان.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «اللَّه» بدون «أكبر»، فنصب بنزع الخافض على القسم الاستعطافي، والتقدير : «أسألك باللَّه» أو رفع على التعجّب، والمعنى: اللَّه أكبر.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَيْبَرِيِّ ،(2) عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ وَمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ أَبِي سَلَمَةَ

.


1- .الحجر (15): 75.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن الخيبريّ».

ص: 413

السَّرَّاجِ وَ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ ، قَالُوا : كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «عِنْدَنَا خَزَائِنُ الْأَرْضِ وَ مَفَاتِيحُهَا ، وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بِإِحْدى رِجْلَيَّ : أَخْرِجِي مَا فِيكِ مِنَ الذَّهَبِ ، لَأَخْرَجَتْ». قَالَ : ثُمَّ قَالَ بِإِحْدى رِجْلَيْهِ ، فَخَطَّهَا فِي الْأَرْضِ خَطّاً ، فَانْفَجَرَتْ (1) الْأَرْضُ ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ ، فَأَخْرَجَ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ قَدْرَ شِبْرٍ ، ثُمَّ قَالَ : «انْظُرُوا حَسَناً». فَنَظَرْنَا فَإِذَا سَبَائِكِ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا عَلى بَعْضٍ يَتَلَأْلَأُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أُعْطِيتُمْ مَا أُعْطِيتُمْ وَ شِيعَتُكُمْ مُحْتَاجُونَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ سَيَجْمَعُ لَنَا وَ لِشِيعَتِنَا الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ ، وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَ يُدْخِلُ عَدُوَّنَا الْجَحِيمَ» .

هديّة:(أن أقول): أن أضرب، أو أشير، أو آمر ونحو ذلك ممّا يناسب من معاني «قال».(فخطّها): فجّرها.(سيجمع) يعني في الرجعة.

الحديث السادس روى في الكافي عن الاثنين،(2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : كَانَ لِي جَارٌ يَتَّبِعُ السُّلْطَانَ ، فَأَصَابَ مَالًا ، فَأَعَدَّ قِيَاناً ، وَ كَانَ يَجْمَعُ الْجُمُوعَ (3) إِلَيْهِ ، وَ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ ، وَ يُؤْذِينِي ، فَشَكَوْتُهُ إِلى نَفْسِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ ، فَلَمْ يَنْتَهِ ، فَلَمَّا أَنْ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ (4) لِي : يَا هذَا ، أَنَا رَجُلٌ مُبْتَلًى ، وَ أَنْتَ رَجُلٌ مُعَافًى ، فَلَوْ عَرَضْتَنِي لِصَاحِبِكَ ، رَجَوْتُ أَنْ يُنْقِذَنِيَ اللَّهُ رَبُّكَ (5) ، فَوَقَعَ ذلِكَ لَهُ فِي قَلْبِي ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، ذَكَرْتُ لَهُ حَالَهُ ، فَقَالَ لِي : «إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْكُوفَةِ سَيَأْتِيكَ ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : دَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ ، وَ أَضْمَنُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «فانفرجت».
2- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد».
3- .في الكافي المطبوع : «الجميع».
4- .في الكافي المطبوع : «فقال».
5- .في الكافي المطبوع : «بك».

ص: 414

لَكَ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ».فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى الْكُوفَةِ ، أَتَانِي فِيمَنْ أَتى ، فَاحْتَبَسْتُهُ (1) حَتّى خَلَا مَنْزِلِي ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : يَا هذَا ، إِنِّي ذَكَرْتُكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(2)عليهما السلام ، فَقَالَ لِي : «إِذَا رَجَعْتَ إِلَى الْكُوفَةِ سَيَأْتِيكَ ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ : دَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ ، وَ أَضْمَنُ لَكَ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ».قَالَ : فَبَكى ، ثُمَّ قَالَ (3) : اللَّهَ ، لَقَدْ قَالَ لَكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام هذَا ؟! قَالَ : فَحَلَفْتُ لَهُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ لِي مَا قُلْتُ ، فَقَالَ لِي : حَسْبُكَ ، وَ مَضى ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَعَثَ إِلَيَّ ، فَدَعَانِي وَ إِذَا هُوَ خَلْفَ دَارِهِ عُرْيَانٌ ، فَقَالَ لِي : يَا أَبَا بَصِيرٍ ، لَا وَ اللَّهِ ، مَا بَقِيَ فِي مَنْزِلِي شَيْ ءٌ إِلَّا وَ قَدْ أَخْرَجْتُهُ ، وَ أَنَا كَمَا تَرى .قَالَ : فَمَضَيْتُ إِلى إِخْوَانِنَا ، فَجَمَعْتُ لَهُ مَا كَسَوْتُهُ بِهِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ إِلَّا(4) أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ حَتّى بَعَثَ إِلَيَّ : أَنِّي عَلِيلٌ فَأْتِنِي ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَ أُعَالِجُهُ حَتّى نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَكُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً وَ هُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ غَشْيَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَقَالَ (5) : يَا أَبَا بَصِيرٍ ، قَدْ وَفى صَاحِبُكَ لَنَا ، ثُمَّ قُبِضَ رَحِمَهُ اللَّهُ 6 .فَلَمَّا حَجَجْتُ ، أَتَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ ، قَالَ لِيَ ابْتِدَاءً مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ - وَ إِحْدى رِجْلَيَّ فِي الصَّحْنِ ، وَ الْأُخْرى فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ - : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، قَدْ وَفَيْنَا لِصَاحِبِكَ» .

هديّة:«القينة»: الأمَة المغنّية، وقال في الصحاح: «القينة» بفتح القاف وسكون الخاتمة وفتح النون: الأمَة، مغنّية كانت أو غير مغنّية، والجمع: «قيان» كرجال. وقال أبو عمرو: كلّ عبد

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عندي».
2- .في الكافي المطبوع : + «الصادق».
3- .في الكافي المطبوع : + «لي».
4- .في الكافي المطبوع : «لم تأت عليه» بدل «لم يأت عليه إلّا».
5- .في الكافي المطبوع : «رحمة اللَّه عليه» بدل «رحمه اللَّه».

ص: 415

هو عند العرب قين، والأمَة قينة.(1)و«الجمع» يجمع على «جموع»، والمراد كثرتهنّ، وفي بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «الجميع» مكان (الجموع).(معافاً) أي عن بلاء تسلّط الشيطان أو الخذلان بالعصيان.في بعض النسخ «بك» مكان لفظة (ربّك).(خلا منزلي) كغزا.(اللَّه) نصب بنزع الخافض على القسم الاستعطافي، أي أسألك باللَّه، كما مرّ آنفاً.«حلف له» كضرب.(حسبك) أي هذا الثواب.(يجود بنفسه): يعطي روحه. (فغشى عليه) على ما لم يسمّ فاعله، (غشية) بالفتح.في بعض النسخ : «رحمة اللَّه عليه» مكان (رحمه اللَّه).

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ ،(2) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، قَالَ : قَالَ لِي : تَدْرِي (3)مَا كَانَ سَبَبُ دُخُولِنَا فِي هذَا الْأَمْرِ وَ مَعْرِفَتِنَا بِهِ ، وَ مَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْهُ ذِكْرٌ وَ لَا مَعْرِفَةُ شَيْ ءٍ مِمَّا عِنْدَ النَّاسِ ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ - يَعْنِي أَبَا الدَّوَانِيقِ - قَالَ لِأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ : يَا مُحَمَّدُ ، ابْغِ لِي رَجُلًا لَهُ عَقْلٌ يُؤَدِّي عَنِّي ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : قَدْ أَصَبْتُهُ لَكَ ، هذَا فُلَانُ بْنُ مُهَاجِرٍ خَالِي ، قَالَ : فَأْتِنِي بِهِ ، قَالَ : فَأَتَيْتُهُ بِخَالِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ : يَا ابْنَ مُهَاجِرٍ ، خُذْ هذَا الْمَالَ ، وَ أْتِ الْمَدِينَةَ ، وَ أْتِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ وَ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ لَهُمْ : إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ ، وَ بِهَا شِيعَةٌ مِنْ شِيعَتِكُمْ ، وَجَّهُوا إِلَيْكُمْ بِهذَا الْمَالِ ، وَ ادْفَعْ إِلى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلى شَرْطِ كَذَا وَ كَذَا ، فَإِذَا

.


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2186 (قين).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى».
3- .في الكافي المطبوع : «أ تدري».

ص: 416

قَبَضُوا الْمَالَ ، فَقُلْ : إِنِّي رَسُولٌ ، وَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعِي خُطُوطُكُمْ بِقَبْضِكُمْ مَا قَبَضْتُمْ .فَأَخَذَ الْمَالَ وَ أَتَى الْمَدِينَةَ ، فَرَجَعَ إِلى أَبِي الدَّوَانِيقِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّوَانِيقِ : مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ : أَتَيْتُ الْقَوْمَ وَ هذِهِ خُطُوطُهُمْ بِقَبْضِهِمُ الْمَالَ خَلَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ؛ فَإِنِّي أَتَيْتُهُ - وَ هُوَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله - فَجَلَسْتُ خَلْفَهُ ، وَ قُلْتُ : يَنْصَرِفُ (1) ، فَأَذْكُرَ لَهُ مَا ذَكَرْتُ لِأَصْحَابِهِ ، فَعَجَّلَ وَ انْصَرَفَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «يَا هذَا ، اتَّقِ اللَّهَ ، وَ لَا تَغُرَّ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؛ فَإِنَّهُمْ قَرِيبُو الْعَهْدِ مِنْ دَوْلَةِ(2) بَنِي مَرْوَانَ وَ كُلُّهُمْ مُحْتَاجٌ». فَقُلْتُ : وَ مَا ذَاكَ ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : فَأَدْنى رَأْسَهُ مِنِّي ، وَ أَخْبَرَنِي بِجَمِيعِ مَا جَرى بَيْنِي وَ بَيْنَكَ حَتّى كَأَنَّهُ كَانَ ثَالِثَنَا .قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ : يَا ابْنَ مُهَاجِرٍ ، اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نُبُوَّةٍ إِلَّا وَ فِيهِ مُحَدَّثٌ ، وَ إِنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ مُحَدَّثُنَا الْيَوْمَ ، فَكَانَتْ (3) هذِهِ الدَّلَالَةُ سَبَبَ قَوْلِنَا بِهذِهِ الْمَقَالَةِ .

هديّة:(يعني أبا الدوانيق) كلام صفوان.و(فلان) بناء على نسيان صفوان الاسم.(وعدّة من أهل بيته) كلام جعفر بن محمّد بن الأشعث، بياناً لكلام المنصور على الاختصار.(ولا تغرّ) من الغرور، غرّه كمدّ: خدعه.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (4) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُبِضَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «حتى ينصرف».
2- .في الكافي المطبوع : «بدولة» بدل «من دولة».
3- .في الكافي المطبوع : «وكانت».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».

ص: 417

مُحَمَّدٍ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ سِتِّينَ سَنَةً فِي عَامِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ عَاشَ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً .

هديّة:(في عام ثمان وأربعين ومائة) هجريّة، (عاش) عليه السلام كذا، يعني مدّة إمامته كذا.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ ،(1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَنَا كَفَّنْتُ أَبِي عليه السلام فِي ثَوْبَيْنِ شَطَوِيَّيْنِ كَانَ يُحْرِمُ فِيهِمَا ، وَ فِي قَمِيصٍ مِنْ قُمُصِهِ ، وَ فِي عِمَامَةٍ كَانَتْ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، وَ فِي بُرْدٍ اشْتَرَاهُ بِأَرْبَعِينَ دِينَاراً» .

هديّة:«شطوى» بفتحتين: نسبة إلى «شطا» بفتح المعجمة وتخفيف الطاء بلا نقطة والقصر ، قرية من قرى مصر.ويجي ء هذا الحديث في كتاب الجنائز إن شاء اللَّه تعالى، وهناك هكذا : «اشتريته بأربعين ديناراً لو كان اليوم يساوي أربعمائة دينار»(2).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه ، عن أبي جعفر محمّد بن عمر بن سعيد ، عن يونس بن يعقوب».
2- .الكافي ، ج 3 ، ص 149 ، باب ما يستحب من الثياب للكفن و ما يكره ، ح 8 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 5 ، ص 394 ، ح 4368.

ص: 418

باب مولد أبي الحسن موسى

الباب العشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ عشرة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام بِالْأَبْوَاءِ سَنَةَ ثَمَانٍ (1) - وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : تِسْعٍ - وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام بِبَغْدَادَ فِي حَبْسِ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ لَعنه اللَّه .وَ كَانَ هَارُونُ حَمَلَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَ سَبْعِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ قَدْ قَدِمَ هَارُونُ الْمَدِينَةَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ عُمْرَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، ثُمَّ شَخَصَ هَارُونُ إِلَى الْحَجِّ وَ حَمَلَهُ مَعَهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ ، فَحَبَسَهُ عِنْدَ عِيسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، ثُمَّ أَشْخَصَهُ إِلى بَغْدَادَ ، فَحَبَسَهُ عِنْدَ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ ، فَتُوُفِّيَ عليه السلام فِي حَبْسِهِ ، وَ دُفِنَ بِبَغْدَادَ فِي مَقْبَرَةِ قُرَيْشٍ ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : حَمِيدَةُ .

هديّة:(ولد أبو الحسن الأوّل موسى) بن جعفر عليهما السلام زمن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك،

.


1- .في الكافي المطبوع : + «و عشرين و مائة».

ص: 419

قال الشيخ رحمة اللَّه عليه:كنيته أبو الحسن، ويكنّى أبا إبراهيم، ويكنّى أيضاً أبا عليّ، وُلِد بالابواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة، وقُبِض عليه السلام قتيلاً بالسمّ ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة من الهجرة، وكان سنّه يومئذٍ خمساً وخمسين سنة، واُمّه اُمّ ولد يُقال لها: حميدة البربريّة، وقبره ببغداد من مدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش، انتهى.(1)و(الأبواء) بفتح الهمزة وسكون المفردة والواو قبل المدّ: قرية بين الحرمين.(شخصَ) من بلد إلى بلد شخوصاً كمنع، وأشخصه غيره.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ (2) ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلَ ابْنُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَائِماً عِنْدَهُ - فَقَدَّمَ إِلَيْهِ عِنَباً ، فَقَالَ : «حَبَّةً حَبَّةً يَأْكُلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ أَوِ(3) الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ ، وَ ثَلَاثَةً وَ أَرْبَعَةً يَأْكُلُهُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَشْبَعُ ، وَ كُلْهُ حَبَّتَيْنِ حَبَّتَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ».فَقَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : لِأَيِّ شَيْ ءٍ لَا تُزَوِّجُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَدْ أَدْرَكَ التَّزْوِيجَ ؟ قَالَ : وَ بَيْنَ يَدَيْهِ صُرَّةٌ مَخْتُومَةٌ ، فَقَالَ : «أَمَا إِنَّهُ سَيَجِي ءُ نَخَّاسٌ مِنْ أَهْلِ بَرْبَرَ ، فَيَنْزِلُ دَارَ مَيْمُونٍ ، فَنَشْتَرِي لَهُ بِهذِهِ الصُّرَّةِ جَارِيَةً».قَالَ : فَأَتى لِذلِكَ مَا أَتى ، فَدَخَلْنَا يَوْماً عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «أَ لَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّخَّاسِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكُمْ قَدْ قَدِمَ ، فَاذْهَبُوا ، فَاشْتَرُوا بِهذِهِ الصُّرَّةِ مِنْهُ جَارِيَةً».قَالَ : فَأَتَيْنَا النَّخَّاسَ ، فَقَالَ : قَدْ بِعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي إِلَّا جَارِيَتَيْنِ مَرِيضَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَمْثَلُ مِنَ

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 81.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن السنديّ القمّي ، قال : حدّثنا عيسى بن عبد الرحمن».
3- .في الكافي المطبوع : «و».

ص: 420

الْأُخْرى ، قُلْنَا : فَأَخْرِجْهُمَا حَتّى نَنْظُرَ إِلَيْهِمَا ، فَأَخْرَجَهُمَا ، فَقُلْنَا : بِكَمْ تَبِيعُنَا هذِهِ الْمُتَمَاثِلَةَ ؟ قَالَ : بِسَبْعِينَ دِينَاراً ، قُلْنَا : أَحْسِنْ ، قَالَ : لَا أَنْقُصُ مِنْ سَبْعِينَ دِينَاراً ، قُلْنَا لَهُ : نَشْتَرِيهَا مِنْكَ بِهذِهِ الصُّرَّةِ مَا بَلَغَتْ ، وَ لَا نَدْرِي مَا فِيهَا ، وَ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَ اللِّحْيَةِ ، قَالَ : فُكُّوا ، وَ زِنُوا ، فَقَالَ النَّخَّاسُ : لَا تَفُكُّوا ؛ فَإِنَّهَا إِنْ نَقَصَتْ حَبَّةً مِنْ سَبْعِينَ دِينَاراً ، لَمْ أُبَايِعْكُمْ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : ادْنُوا ، فَدَنَوْنَا ، وَ فَكَكْنَا الْخَاتَمَ ، وَ وَزَنَّا الدَّنَانِيرَ ، فَإِذَا هِيَ سَبْعُونَ دِينَاراً لَا يَزِيدُ وَ لَا يَنْقُصُ (1) .فَأَخَذْنَا الْجَارِيَةَ ، فَأَدْخَلْنَاهَا عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام - وَ جَعْفَرٌ عليه السلام قَائِمٌ عِنْدَهُ - فَأَخْبَرْنَا أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام بِمَا كَانَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنى عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «مَا اسْمُكِ ؟» قَالَتْ : حَمِيدَةُ ، فَقَالَ عليه السلام : «حَمِيدَةٌ فِي الدُّنْيَا ، مَحْمُودَةٌ فِي الْآخِرَةِ ، أَخْبِرِينِي عَنْكِ : أَ بِكْرٌ أَنْتِ أَمْ ثَيِّبٌ ؟» فَقَالَتْ (2) : بِكْرٌ ، قَالَ : «وَ كَيْفَ وَ لَا يَقَعُ فِي أَيْدِي النَّخَّاسِينَ شَيْ ءٌ إِلَّا أَفْسَدُوهُ؟!» فَقَالَتْ : قَدْ كَانَتْ (3)يَجِيئُنِي ، فَيَقْعُدُ مِنِّي مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ ، فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ رَجُلًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَ اللِّحْيَةِ ، فَلَا يَزَالُ يَلْطِمُهُ حَتّى يَقُومَ عَنِّي ، فَفَعَلَ بِي مِرَاراً ، وَ فَعَلَ الشَّيْخُ بِهِ مِرَاراً ، فَقَالَ : «يَا جَعْفَرُ ، خُذْهَا إِلَيْكَ». فَوَلَدَتْ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام .

هديّة:(عكّاشة) بالضمّ والتشديد كرمّانة: بيت العنكبوت تُسّمى به العرب؛ قاله الجوهري ،(4)وقال ثعلب: «عكّاشة» بالضمّ والتشديد ابن محصن الأسدي بالصّاد المهملة على اسم الفاعل من الصحابة وقد يخفّف.(5)«أو» في (أو الصبيّ) بمعنى «وكذا».

.


1- .في الكافي المطبوع : «لا تزيد و لا تنقص» بدل «لا يزيد و لا ينقص».
2- .في الكافي المطبوع : «قالت».
3- .في الكافي المطبوع : «كان».
4- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1012 (عكش).
5- .نفس المصدر.

ص: 421

و«النخّاس»: بيّاع الرقيق والدوابّ.(أمثل): أمجد وأحسن، و«المتماثل» على اسم الفاعل من التفاعل، مبالغة في الأمثل، ويُقال للمريض الذي قربت صحّته «متماثل» أيضاً.(أحسن) على الأمر من الإفعال، يعني بالمحاباة في بعض الثمن. واحتمل برهان الفضلاء «أحسن» على أفعل التفضيل، فنصب بتقدير محذوف، أي قل أحسن ممّا قلت. والمآل واحد، والأوّل أعرف.و(الشيخ) إمّا ملك متمثّل بدليل الخبر التالي، أو من الجنّ موكّلاً لها على النخاس.و(حميدة) على فعيل بمعنى الفاعل، لا بمعنى المفعول إذ لا تدخل علامة التأنيث على فعيل بمعنى المفعول، ولذا قال عليه السلام: (حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ (1) : أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : «إنَ (2) حَمِيدَةَ مُصَفَّاةٌ مِنَ الْأَدْنَاسِ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ ، مَا زَالَتِ الْأَمْلَاكُ تَحْرُسُهَا حَتّى أُدِّيَتْ إِلَيَّ ؛ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لِي وَ الْحُجَّةِ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:«الملك» يجمع على أملاك وملائك وملائكة. حرسه كضرب.في بعض النسخ: «وللحجّة بعدي» بإعادة اللام في المعطوف، وحذف كلمة «من».

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْقُمِّيِّ ،(3) عَنْ أَبِي خَالِدٍ الزُّبَالِيِّ ، قَالَ : لَمَّا أُقْدِمَ بِأَبِي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن عليّ بن الحسين ، عن ابن سنان ، عن سابق بن الوليد ، عن المعلّى بن خنيس».
2- .في الكافي المطبوع : - «إنّ».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن أبي قتادة القمّي».

ص: 422

الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام عَلَى الْمَهْدِيِّ - الْقُدْمَةَ الْأُولى - أَنْزَلَ بِزُبَالَةَ(1) ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُ ، فَرَآنِي مَغْمُوماً ، فَقَالَ لِي : «يَا بَا خَالِدٍ(2) ، مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُوماً ؟» فَقُلْتُ : وَ كَيْفَ لَا أَغْتَمُّ وَ أَنْتَ تُحْمَلُ إِلى هذِهِ الطَّاغِيَةِ ، وَ لَا أَدْرِي مَا يُحْدِثُ فِيكَ ؟!فَقَالَ : «لَيْسَ عَلَيَّ بَأْسٌ ، إِذَا كَانَ شَهْرُ كَذَا(3) وَ يَوْمُ كَذَا ، فَوَافِنِي فِي أَوَّلِ الْمِيلِ».فَمَا كَانَ لِي هَمٌّ إِلَّا إِحْصَاءَ الشُّهُورِ(4)وَ الْأَيَّامِ حَتّى كَانَ ذلِكَ الْيَوْمُ ، فَوَافَيْتُ الْمِيلَ ، فَمَا زِلْتُ عِنْدَهُ حَتّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ ، وَ وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ فِي صَدْرِي ، وَ تَخَوَّفْتُ أَنْ أَشُكَّ فِيمَا قَالَ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ إِذْ نَظَرْتُ إِلى سَوَادٍ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ ، فَاسْتَقْبَلْتُهُمْ ، فَإِذَا أَبُوالْحَسَنِ عليه السلام أَمَامَ الْقِطَارِ عَلى بَغْلَةٍ ، فَقَالَ : «إِيهَنْ (5) يَا أَبَا خَالِدٍ». قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ : «لَا تَشُكَّنَّ ، وَدَّ الشَّيْطَانُ أَنَّكَ شَكَكْتَ». فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَّصَكَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ : «إِنَّ لِي إِلَيْهِمْ عَوْدَةً لَا أَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ» .

هديّة:(أُقدم) على ما لم يسمّ فاعله من الإقدام، فتعديته ب «على» على تضمين معنى الورود، والباء للتعدية، و(القدمة) بضمّ القاف، اسم من الإقدام، ونصب على أنّه مفعول مطلق.و«زبالة» بالضمّ والتخفيف اسم موضع؛ قاله الجوهري.(6) وقال في القاموس: «زبالة» كسحابة.(7) وعليه ضبط برهان الفضلاء، وقال: هو موضع في مبادي المدينة من جانب الشام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «نزل زبالة» بدل «أنزل بزبالة».
2- .في الكافي المطبوع : «أبا خالد».
3- .في الكافي المطبوع : + «كذا».
4- .هكذا في الكافي المطبوع ، وهو الصحيح ، وفي «الف» و «د» : - : «الشهور».
5- .في الكافي المطبوع : «إيهٍ».
6- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1715 (زبل).
7- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 388 (زبل).

ص: 423

والتاء في (الطاغية) للمبالغة. وقيل: (الميل) بالكسر: تلّ على طريق بغداد بينه وبين زبالة ميل، أي ثلث فرسخ، وقيل: أعلمت الطرق في زمن بني اُميّة كلّ ميل بعلامة، فالمراد بأوّل الميل الميل الأوّل.قال بعض المعاصرين: «إيه» بكسر الهمزة وفتحها وتنوين الهاء المكسورة وربّما يكتب بالنون - كما في أكثر نسخ الكتاب - كلمة استزادة واستنطاق.(1)وقرئ : «أنّه» يعني أنّ هذا المكان هو المكان الموعود، وقيل: أي بالكسر والهاء الساكنة للسكت، يعني نعم أنا.وقال برهان الفضلاء: «أيهن» بفتح الهمزة وسكون المفردة وفتح الهاء، نصب على الحال من ضمير «قال»، أفعل التفضيل للباهن، بمعنى مَنْ وجْهُه ناضر، وحاله طيّبة.أقول: ولا يبعد أن يكون «إي» بالكسر، و«هن» مخفّف «ها أنا» يعني نعم ها أنا كما وعدتك.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ،(2) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ (3) إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ - وَ نَحْنُ مَعَهُ بِالْعُرَيْضِ - فَقَالَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي أَتَيْتُكَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ ، وَ سَفَرٍ شَاقٍّ ، وَ سَأَلْتُ رَبِّي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يُرْشِدَنِي إِلى خَيْرِ الْأَدْيَانِ ، وَ إِلى خَيْرِ الْعِبَادِ وَ أَعْلَمِهِمْ ، وَ أَتَانِي آتٍ فِي النَّوْمِ ، فَوَصَفَ لِي رَجُلًا بِعُلْيَا دِمَشْقَ ، فَانْطَلَقْتُ حَتّى أَتَيْتُهُ ، فَكَلَّمْتُهُ ، فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ أَهْلِ دِينِي ، وَ غَيْرِي أَعْلَمُ مِنِّي ، فَقُلْتُ : أَرْشِدْنِي إِلى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ؛ فَإِنِّي لَا أَسْتَعْظِمُ السَّفَرَ ، وَ لَا تَبْعُدُ عَلَيَّ الشُّقَّةُ ، وَ لَقَدْ قَرَأْتُ الْإِنْجِيلَ كُلَّهَا وَ مَزَامِيرَ دَاوُدَ ، وَ قَرَأْتُ أَرْبَعَةَ أَسْفَارٍ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَ قَرَأْتُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ حَتَّى

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 799 ، ذيل ح 1413.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران و عليّ بن إبراهيم جميعاً ، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن راشد».
3- .هكذا في الكافي المطبوع ، وفي «الف» و «د» : - «بن».

ص: 424

اسْتَوْعَبْتُهُ كُلَّهُ ، فَقَالَ لِيَ الْعَالِمُ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ النَّصْرَانِيَّةِ ، فَأَنَا أَعْلَمُ الْعَرَبِ وَ الْعَجَمِ بِهَا ، وَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ الْيَهُودِ ، فَبَاطِىُ بْنُ شُرَحْبِيلَ السَّامِرِيُّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا الْيَوْمَ ، وَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ عِلْمَ الْإِسْلَامِ وَ عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَ عِلْمَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ وَ كِتَابَ هُودٍ ، وَ كُلَّ مَا أُنْزِلَ عَلى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي دَهْرِكَ وَ دَهْرِ غَيْرِكَ ، وَ مَا نَزَلَ (1) مِنَ السَّمَاءِ مِنْ خَبَرٍ - يَعْلَمُهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ (2) أَحَدٌ - فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ شِفَاءٌ لِلْعَالَمِينَ ، وَ رَوْحٌ لِمَنِ اسْتَرْوَحَ إِلَيْهِ ، وَ بَصِيرَةٌ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْراً ، وَ أَنِسَ إِلَى الْحَقِّ فَأُرْشِدُكَ إِلَيْهِ ، فَأْتِهِ وَ لَوْ مَشْياً عَلى رِجْلَيْكَ ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَجُثُوّاً(3)عَلى رُكْبَتَيْكَ ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَزَحْفاً عَلَى اسْتِكَ ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَعَلى وَجْهِكَ .فَقُلْتُ : لَا ، بَلْ أَنَا أَقْدِرُ عَلَى الْمَسِيرِ فِي الْبَدَنِ وَ الْمَالِ ، قَالَ : فَانْطَلِقْ مِنْ فَوْرِكَ حَتّى تَأْتِيَ يَثْرِبَ ، فَقُلْتُ : لَا أَعْرِفُ يَثْرِبَ ، قَالَ : فَانْطَلِقْ حَتّى تَأْتِيَ مَدِينَةَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي بُعِثَ فِي الْعَرَبِ وَ هُوَ النَّبِيُّ الْعَرَبِيُّ الْهَاشِمِيُّ - فَإِذَا دَخَلْتَهَا ، فَسَلْ (4)عَنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَ هُوَ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهَا ، وَ أَظْهِرْ بِزَّةَ النَّصْرَانِيَّةِ وَ حِلْيَتَهَا ؛ فَإِنَّ وَالِيَهَا يَتَشَدَّدُ عَلَيْهِمْ ، وَ الْخَلِيفَةُ أَشَدُّ ، ثُمَّ تَسْأَلُ عَنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ وَ هُوَ بِبَقِيعِ الزُّبَيْرِ ، ثُمَّ تَسْأَلُ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ أَيْنَ مَنْزِلُهُ ؟ وَ أَيْنَ هُوَ ؟ مُسَافِرٌ أَمْ حَاضِرٌ ؟ فَإِنْ كَانَ مُسَافِراً فَالْحَقْهُ ؛ فَإِنَّ سَفَرَهُ أَقْرَبُ مِمَّا ضَرَبْتَ إِلَيْهِ .ثُمَّ أَعْلِمْهُ أَنَّ مَطْرَانَ عُلْيَا الْغُوطَةِ - غُوطَةِ دِمَشْقَ - هُوَ الَّذِي أَرْشَدَنِي إِلَيْكَ ، وَ هُوَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ كَثِيراً ، وَ يَقُولُ لَكَ : إِنِّي لَأُكْثِرُ مُنَاجَاةَ رَبِّي أَنْ يَجْعَلَ إِسْلَامِي عَلى يَدَيْكَ .فَقَصَّ هذِهِ الْقِصَّةَ وَ هُوَ قَائِمٌ مُعْتَمِدٌ عَلى عَصَاهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنْ أَذِنْتَ لِي يَا سَيِّدِي كَفَّرْتُ لَكَ وَ جَلَسْتُ .فَقَالَ أبو الحسن (5) عليه السلام : «آذَنُ لَكَ أَنْ تَجْلِسَ ، وَ لَا آذَنُ لَكَ أَنْ تُكَفِّرَ».

.


1- .في الكافي المطبوع : «أنزل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «فعلمه أحمد أو لم يعلم به» بدل «يعلمه أحد أو لم يعلمه».
3- .في الكافي المطبوع : «فحبواً».
4- .هكذا في الكافي المطبوع ، وفي «الف» و «د» : - «فسل».
5- .في الكافي المطبوع: - «أبو الحسن عليه السلام».

ص: 425

فَجَلَسَ ، ثُمَّ أَلْقى عَنْهُ بُرْنُسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، تَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، مَا جِئْتَ إِلَّا لَهُ».فَقَالَ (1) النَّصْرَانِيُّ : ارْدُدْ عَلى صَاحِبِي السَّلَامَ ، أَ وَ مَا تَرُدُّ السَّلَامَ ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «عَلى صَاحِبِكَ أَنْ هَدَاهُ اللَّهُ ، فَأَمَّا التَّسْلِيمُ ، فَذَاكَ إِذَا صَارَ فِي دِينِنَا».فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي أَسْأَلُكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ ؟ قَالَ : «سَلْ» . قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَ نَطَقَ بِهِ ؛ ثُمَّ وَصَفَهُ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ ، فَقَالَ : «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» مَا تَفْسِيرُهَا فِي الْبَاطِنِ ؟فَقَالَ : «أَمَّا «حم» فَهُوَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ فِي كِتَابِ هُودٍ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ (2) وَ هُوَ مَنْقُوصُ الْحُرُوفِ . وَ أَمَّا «الْكِتابِ الْمُبِينِ» فَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عليه السلام . وَ أَمَّا اللَّيْلَةُ ، فَفَاطِمَةُ عليها السلام . وَ أَمَّا قَوْلُهُ : «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يَقُولُ : يَخْرُجُ مِنْهَا خَيْرٌ كَثِيرٌ ، فَرَجُلٌ حَكِيمٌ ، وَ رَجُلٌ حَكِيمٌ ، وَ رَجُلٌ حَكِيمٌ».فَقَالَ الرَّجُلُ : صِفْ لِيَ الْأَوَّلَ وَ الْآخِرَ مِنْ هؤُلَاءِ الرِّجَالِ ، فَقَالَ : «إِنَّ الصِّفَاتِ تَشْتَبِهُ ، وَ لكِنَّ الثَّالِثَ مِنَ الْقَوْمِ أَصِفُ لَكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَسْلِهِ ، وَ إِنَّهُ عِنْدَكُمْ لَفِي الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تُغَيِّرُوا وَ تُحَرِّفُوا وَ تُكَفِّرُوا وَ قَدِيماً مَا فَعَلْتُمْ» .قَالَ لَهُ النَّصْرَانِيُّ : إِنِّي لَا أَسْتُرُ عَنْكَ مَا عَلِمْتُ ، وَ لَا أُكْذِبُكَ ، وَ أَنْتَ تَعْلَمُ مَا أَقُولُ فِي صِدْقِ مَا أَقُولُ وَ كَذِبِهِ ، وَ اللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَ قَسَمَ عَلَيْكَ مِنْ نِعَمِهِ مَا لَا يَخْطُرُهُ الْخَاطِرُونَ ، وَ لَا يَسْتُرُهُ السَّاتِرُونَ ، وَ لَا يُكَذَبُ فِيهِ مَنْ كَذَبَ ، فَقَوْلِي لَكَ فِي ذلِكَ الْحَقُّ ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْتُ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْتُ .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «أُعَجِّلُكَ أَيْضاً خَبَراً لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُبَ ، أَخْبِرْنِي مَا

.


1- .في الكافي المطبوع : + «له».
2- .في الكافي المطبوع : «عليه».

ص: 426

اسْمُ أُمِّ مَرْيَمَ ؟ وَ أَيُّ يَوْمٍ نُفِخَتْ فِيهِ مَرْيَمُ ؟ وَ لِكَمْ مِنْ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ ؟ وَ أَيُّ يَوْمٍ وَضَعَتْ مَرْيَمُ فِيهِ عِيسى عليه السلام ؟ وَ لِكَمْ مِنْ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ ؟» .فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : لَا أَدْرِي .فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «أَمَّا أُمُّ مَرْيَمَ ، فَاسْمُهَا مَرْثَا ، وَ هِيَ وَهِيبَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ .وَ أَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي حَمَلَتْ فِيهِ مَرْيَمُ ، فَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِلزَّوَالِ ، وَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي هَبَطَ فِيهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، وَ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدٌ كَانَ أَوْلى مِنْهُ ، عَظَّمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى، وَ عَظَّمَهُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَمَرَ أَنْ نَجْعَلَهُ (1) عِيداً ، فَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ .وَ أَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي وَلَدَتْ فِيهِ مَرْيَمُ ، فَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثَاءِ لِأَرْبَعِ سَاعَاتٍ وَ نِصْفٍ مِنَ النَّهَارِ .وَ النَّهَرُ الَّذِي وَلَدَتْ عَلَيْهِ مَرْيَمُ عِيسى عليهما السلام هَلْ تَعْرِفُهُ ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «هُوَ الْفُرَاتُ ، وَ عَلَيْهِ شَجَرُ النَّخْلِ وَ الْكَرْمِ ، وَ لَيْسَ يُسَاوى بِالْفُرَاتِ شَيْ ءٌ لِلْكُرُومِ وَ النَّخِيلِ .فَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي حَجَبَتْ فِيهِ لِسَانَهَا ، وَ نَادى قَيْدُوسُ وُلْدَهُ وَ أَشْيَاعَهُ ، فَأَعَانُوهُ وَ أَخْرَجُوا آلَ عِمْرَانَ لِيَنْظُرُوا إِلى مَرْيَمَ ، فَقَالُوا لَهَا مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي كِتَابِهِ ، وَ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ ، فَهَلْ فَهِمْتَهُ ؟» قَالَ : نَعَمْ ، وَ قَرَأْتُهُ الْيَوْمَ الْأَحْدَثَ ، قَالَ : «إِذَنْ لَا تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ حَتّى يَهْدِيَكَ اللَّهُ».قَالَ النَّصْرَانِيُّ : مَا كَانَ اسْمُ أُمِّي بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَ بِالْعَرَبِيَّةِ؟فَقَالَ عليه السلام : «كَانَ اسْمُ أُمِّكَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ عَنْفَالِيَةَ(2) ، وَ عَنْفُورَةُ(3) كَانَ اسْمُ جَدَّتِكَ لِأَبِيكَ ؛ وَ أَمَّا اسْمُ أُمِّكَ بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَهُوَ مَيَّةُ ؛ وَ أَمَّا اسْمُ أَبِيكَ ، فَعَبْدُ الْمَسِيحِ ، وَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَ لَيْسَ لِلْمَسِيحِ عَبْدٌ».قَالَ : صَدَقْتَ وَ بَرِرْتَ ، فَمَا كَانَ اسْمُ جَدِّي ؟ قَالَ عليه السلام : «كَانَ اسْمُ جَدِّكَ جَبْرَئِيلَ ، وَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمنِ سَمَّيْتُهُ فِي مَجْلِسِي هذَا».

.


1- .في الكافي المطبوع : «يجعله».
2- .في الكافي المطبوع : «عنقالية» بالقاف.
3- .في الكافي المطبوع : «عنقورة» بالقاف.

ص: 427

قَالَ : أَمَا إِنَّهُ كَانَ مُسْلِماً ؟ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «نَعَمْ ، وَ قُتِلَ شَهِيداً ، دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَجْنَادٌ ، فَقَتَلُوهُ فِي مَنْزِلِهِ غِيلَةً ، وَ الْأَجْنَادُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ».قَالَ : فَمَا كَانَ اسْمِي قَبْلَ كُنْيَتِي ؟ قَالَ : «كَانَ اسْمُكَ عَبْدَ الصَّلِيبِ». قَالَ : فَبِمَا(1)تُسَمِّينِي ؟ قَالَ : «أُسَمِّيكَ عَبْدَ اللَّهِ».قَالَ : فَإِنِّي آمَنْتُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، فَرْداً صَمَداً ، لَيْسَ كَمَا تَصِفُهُ النَّصَارى ، وَ لَيْسَ كَمَا تَصِفُهُ الْيَهُودُ ، وَ لَا جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ الشِّرْكِ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ ، فَأَبَانَ بِهِ لِأَهْلِهِ ، وَ عَمِيَ الْمُبْطِلُونَ ، وَ أَنَّهُ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً : إِلَى الْأَحْمَرِ وَ الْأَسْوَدِ ، كُلٌّ فِيهِ مُشْتَرِكٌ ، فَأَبْصَرَ مَنْ أَبْصَرَ ، وَ اهْتَدى مَنِ اهْتَدى ، وَ عَمِيَ الْمُبْطِلُونَ ، وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ وَلِيَّهُ نَطَقَ بِحِكْمَتِهِ ، وَ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ نَطَقُوا بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ ، وَ تَوَازَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ ، وَ فَارَقُوا الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ وَ الرِّجْسَ وَ أَهْلَهُ ، وَ هَجَرُوا سَبِيلَ الضَّلَالَةِ ، وَ نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِالطَّاعَةِ لَهُ ، وَ عَصَمَهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ ، فَهُمْ لِلَّهِ أَوْلِيَاءُ ، وَ لِلدِّينِ أَنْصَارٌ ، يَحُثُّونَ عَلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِهِ ، آمَنْتُ بِالصَّغِيرِ مِنْهُمْ وَ الْكَبِيرِ ، وَ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْهُمْ وَ مَنْ لَمْ أَذْكُرْ ، وَ آمَنْتُ بِاللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - رَبِّ الْعَالَمِينَ .ثُمَّ قَطَعَ زُنَّارَهُ ، وَ قَطَعَ صَلِيباً كَانَ فِي عُنُقِهِ مِنْ ذَهَبٍ ، ثُمَّ قَالَ : مُرْنِي حَتّى أَضَعَ صَدَقَتِي حَيْثُ تَأْمُرُنِي ، فَقَالَ عليه السلام : «هَاهُنَا أَخٌ لَكَ كَانَ عَلى مِثْلِ دِينِكَ ، وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِكَ مِنْ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، وَ هُوَ فِي نِعْمَةٍ كَنِعْمَتِكَ ، فَتَوَاسَيَا وَ تَجَاوَرَا ، وَ لَسْتُ أَدَعُ أَنْ أُورِدَ عَلَيْكُمَا حَقَّكُمَا فِي الْإِسْلَامِ».فَقَالَ : وَ اللَّهِ - أَصْلَحَكَ اللَّهُ - إِنِّي لَغَنِيٌّ ، وَ لَقَدْ تَرَكْتُ ثَلَاثَمِائَةِ طَرُوقٍ بَيْنَ فَرَسٍ وَ فَرَسَةٍ ، وَ تَرَكْتُ أَلْفَ بَعِيرٍ ، فَحَقُّكَ فِيهَا أَوْفَرُ مِنْ حَقِّي ، فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ مَوْلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ، وَ أَنْتَ فِي حَدِّ نَسَبِكَ عَلى حَالِكَ».

.


1- .في الكافي المطبوع : «فما».

ص: 428

فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فِهْرٍ ، وَ أَصْدَقَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام خَمْسِينَ دِينَاراً مِنْ صَدَقَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَ أَخْدَمَهُ وَ بَوَّأَهُ ، وَ أَقَامَ حَتّى أُخْرِجَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، فَمَاتَ بَعْدَ مَخْرَجِهِ بِثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ لَيْلَةً .

هديّة:«عريض» مصغّراً: واد بالمدينة فيه أموال لأهلها.«عليا» بالضمّ والقصر: مؤنّث «أعلى» وعليا الشي ء: أعلاه. و(دمشق) كحضجر وقد تكسر ميمه: قاعدة الشام، سمّيت ببانيها دمشاق بن كنعان أو دامشقيون؛ قاله في القاموس.(1)الجوهري: «دمشق» قصبة الشام.(2)و(الشقّة) بالضمّ ويكسر: البعد والناحية يقصدها المسافر والسفر البعيد.(مزامير داود) عليه السلام جمع مزمار، كأنّه اسم اشتهر من المبطلين لكلمات الزبور وضروب أدعية داود عليه السلام ظنّاً منهم أنّه يتغنّى بها وأنّ الغناء بالذكر حلال، كما اعتقده الصوفيّة القدريّة قاطبةً. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وزبور داود» مكان «ومزامير داود».و«الاسفار» جمع «السِّفر» بالكسر بمعنى الكتاب، وأسفار التوارة: أجزاؤه وهي أربعة. وفي الحديث التالي : «درس السفر الرابع.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «علم التهوّد» على التفعّل مكان (علم اليهود).(باطئ) بالمفردة والمهملة والهمزة كشاطئ، و(شرحبيل) بضمّ المعجمة وفتح المهملة وسكون الاُخرى وكسر المفردة وسكون الخاتمة واللام، وقرئ: «شراحيل» كغرابيب، و(السامري) نسبة إلى «سامرة» بكسر الميم وتخفيف الراء: طائفة من اليهود ، أبوهم رجل من ولد السامريّ صاحب العجل.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 233 (دمشق).
2- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1477 (دمشق).

ص: 429

في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «من خير» بالخاتمة مكان (من خبر) بالمفردة، و«فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد» مكان (يعلمه أحد ولم يعلمه أحد)، قال: فالفاء في «فعلمه» لبيان خيريّته، أي علم بكونه خيراً وصدّق أحد من الرعيّة، أو لم يعلم ويصدّق.(فيه تبيان كلّ شي ء) أي فيما نزل من السماء وهو القرآن.و«الجثوّ» بضمّ الجيم والمثلّثة وتشديد الواو: المشي على اليدين، و«زحف الصبيّ» كمنع: مشى على استه.و(غنم) بفتح المعجمة وسكون النون: أبو حيّ من تغلب وهو غنم بن ثعلب بن وائل.(وهو عند باب مسجدها) أي منزل بني غنم، وكذا (وهو ببقيع الزبير).و«البزّة» بالكسر والتشديد: الهيئة، وبالفتح والتشديد: الثياب المخصوصة بقوم، و«الحلية» بالكسر: العلامة.(يتشدّد عليهم) أي على من تريد وأصحابه.«ضرب إليه»: سافر إليه.(مطران) بفتح الميم ويكسر وسكون المهملة الاُولى، يقال: لكبير النصارى. و«الغوطة» بالضمّ: مدينة دمشق أو كورتها، وفي الأصل الموضع الكثير الماء والأشجار.و«القصّ»: القطع والحكاية، والأوّل مراد هنا في «قصّ» والثاني في «القصّة»، عكس ما يقال الرؤيا طائر قصّه قصّه.و«التكفير» نوع تعظيم في المجوس من الفارسيّين لملكهم.و«البرنس» كقنفذ: قلنسوة طويلة، أو مجموع جبّتهم المتّصل بها قلنسوتهم.(أن هداه اللَّه) بفتح الهمزة وسكون النون مفسّرة، لتضمّن (على صاحبك) معنى القول ف «هداه اللَّه» جملة دعائيّة، أو «أن» مصدريّة وجملة «على صاحبك» إلى آخرها

.

ص: 430

دعائيّة، فلا وجه لقول بعض المعاصرين «أن هداه اللَّه» بفتح الهمزة، يعني نسأل اللَّه له أن يهديه.(1)(ثمّ وصفه) أي اللَّه تعالى بما وصفه من قوله عزّ وجلّ: «قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ»(2)، و«تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ»(3)، و«حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ»(4)وغير ذلك من الآيات في وصفه.(وهو في كتاب هود) يعني «حم» عبارة في كتاب هود عن اسم محمّد صلى اللَّه عليه وآله بنقص الميم والدال على الرمز والإشارة.(يخرج منها خير كثير) أي ذو خير كثير. وقرأ برهان الفضلاء: «حبر»، والحبر بفتح المهملة وتكسر وسكون المفردة: العالم الممتاز(5)(فرجل حكيم) ثلاثاً، وفي بعض النسخ مرّتين.(من هؤلاء الرجال) أي أوصيائه صلى اللَّه عليه وآله لقوله عليه السلام: «فرجل حكيم ورجل حكيم».(والثالث من القوم) أي الوصيّ الثالث من أوصيائه صلى اللَّه عليه وآله وهو عليه السلام أبو الأئمّة بعد أبيه الوصيّ الأوّل عليهم السلام.و«ما» في (ما يخرج) نافية، والجملة استئنافيّة لبيان (أصف) أي لا يخرج الأمر من نسله.و«ما» في (قديماً ما) للتأكيد يعني في سلف السلف، غيّرتم وحرّفتم وكفرتم.(ولا أكذبك) على المتكلّم من باب ضرب.(ولا يكذب فيه من كذب) أي لا يقبل فيه كذب الكاذب، كقوله: ضوء النهار ليس من الشمس.(أعجلك) من الإعجال، وهو سرعة إيصال شي ء إلى شي ء.

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 804 ، ذيل ح 1414.
2- .الزمر (39): 28.
3- .النحل (16): 89 .
4- .الزخرف (43): 1 و 2 .
5- .في «د» : «المختار».

ص: 431

(مرثا) بالتحريك والقصر، قال برهان الفضلاء: وقرئ: «مرتا» بالتاء الفوقانيّة مكان المثلّثة.(وهيبة) على التصغير. وفي القاموس: إنّ اسم اُمّ مريم «حَنّة»(1) بفتح المهملة وتشديد النون وتاء التأنيث.(قيدوس) بفتح القاف وسكون الخاتمة وضمّ الدال المهملة: اسم ظالم من ظَلَمة بني إسرائيل في ذلك الزمان. وقال برهان الفضلاء: وقيل: هو «فيدون» بالفاء والنون.(فهل فهمته) أي علمته جواب.(فأمّا اليوم الذي حجبت فيه لسانها) على المعلوم كنصر أو خلافه، أي منعت من الكلام على المعلوم أو خلافه، كما حكى اللَّه تعالى في سورة مريم: «فَقُولِى إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً»(2)، فعلى الثاني لسانها رفع على البدل. قال في القاموس: الفوه - بالضمّ - والفيه - بالكسر - والفم سواء، واللسان جارحة الكلام، وقد يكنّى بها عن الكلمة، فتؤنّث.(3)قال برهان الفضلاء: «اليوم الاحدث» على أفعل التفضيل هو يوم ولادة عيسى عليه السلام على المجاز في النسبة؛ إذ الأحدث وصف لعيسى عليه السلام.(عنفالية) بالفاء كأنطاكية عند الأكثر، وضبط برهان الفضلاء بالقاف، و(عنفورة) بالفاء بلا خلاف، قال النصراني ما كان اسم اُمّي الباعث على مثل السؤال أنّ من دلالات حجّة اللَّه على الخلق علم الأنساب.و(ميّة) بفتح الميم وتشديد الخاتمة وعلامة التأنيث.(في مجلسي) إشارة إلى أنّ المشاركة لجبرئيل عليه السلام في الاسم لا يحسن بدون إذن من اللَّه، ولذا قال في الجواب.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 217 (حنن).
2- .مريم (19): 26.
3- .لم نعثر عليه في مظانّه في القاموس المحيط، ولكن الفقرة الثانية من كلامه ، أي «واللسان...» في الصحاح ، ج 6 ، ص 2195 (لسن).

ص: 432

(إنّه كان مسلماً).(غيلة) بالفتح: خدعة من حيث لا يدري.(فأبان به لأهله) أي فأظهر الحقّ بسببه لأهله.(كلّ فيه مشترك) على اسم الفاعل، أي كلّ أحد من الأحمر والأسود شريك في وجوب الإقرار به والطاعة له فيما جاء به صلى اللَّه عليه وآله وأهمّه الولاية.(توازروا): تعاونوا. قرأ برهان الفضلاء : «صدقتي» بفتح الصاد وسكون الدال وتاء الوحدة، بمعنى الصداقة الصادقة المتفرّدة.و«الطروق» بالفتح والقاف على فعول بالفتح، وطروقة الرجل اُنثاه، يعني ثلاثمائة ذكر في جملة الذكر والاُنثى. وقال برهان الفضلاء: الظاهر «طرف» بكسر الطاء المهملة وسكون الراء والفاء، أي الجواد من الخيل.(ولست أدع) أي لا أترك إيصال حقّكما إليكما في الإسلام من الصدقات والصلات والحقّ المعلوم وغير ذلك.(على حالك) قيل: أي لا ينقص بعبوديّتك للَّه سبحانه ولرسوله من جاهك ومنزلتك. وقال برهان الفضلاء: يعني لا يضرّك الإعطاء هنا، فإنّك في حكم ابن السبيل وإن كنت في بلدك على حال الأغنياء.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ،(1) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ الْيَمَنِ مِنَ الرُّهْبَانِ وَ مَعَهُ رَاهِبَةٌ ، فَاسْتَأْذَنَ لَهُمَا الْفَضْلُ بْنُ سَوَّارٍ ، فَقَالَ لَهُ : «إِذَا كَانَ غَداً فَأْتِ بِهِمَا عِنْدَ بِئْرِ أُمِّ خَيْرٍ» قَالَ : فَوَافَيْنَا مِنَ الْغَدِ ، فَوَجَدْنَا الْقَوْمَ قَدْ وَافَوْا ، فَأَمَرَ بِخَصَفَةِ بَوَارِيَّ ، ثُمَّ جَلَسَ فَجَلَسُوا(2) ، فَبَدَأَتِ الرَّاهِبَةُ بِالْمَسَائِلِ ، فَسَأَلَتْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، و أحمد بن مهران جميعاً ، عن محمّد بن عليّ ، عن الحسن بن راشد».
2- .في الكافي المطبوع : «و جلسوا».

ص: 433

عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، كُلُّ ذلِكَ يُجِيبُهَا ، وَ سَأَلَهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا فِيهَا شَيْ ءٌ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ .ثُمَّ أَقْبَلَ الرَّاهِبُ يَسْأَلُهُ ، فَكَانَ يُجِيبُهُ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُهُ ، فَقَالَ الرَّاهِبُ : قَدْ كُنْتُ قَوِيّاً عَلى دِينِي ، وَ مَا خَلَّفْتُ أَحَداً مِنَ النَّصَارى فِي الْأَرْضِ بَلَغَ (1) مَبْلَغِي فِي الْعِلْمِ ، وَ لَقَدْ سَمِعْتُ بِرَجُلٍ فِي الْهِنْدِ إِذَا شَاءَ حَجَّ إِلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى مَنْزِلِهِ بِأَرْضِ الْهِنْدِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ بِأَيِّ أَرْضٍ هُوَ ؟ فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ بِسُبْذَانَ ، وَ سَأَلْتُ الَّذِي أَخْبَرَنِي ، فَقَالَ : هُوَ عَلِمَ الِاسْمَ الَّذِي ظَفِرَ بِهِ آصَفُ صَاحِبُ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَتى بِعَرْشِ سَبَاً، وَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي كِتَابِكُمْ ، وَ لَنَا - مَعْشَرَ الْأَدْيَانِ - فِي كُتُبِنَا .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «فَكَمْ لِلَّهِ مِنِ اسْمٍ لَا يُرَدُّ ؟» فَقَالَ الرَّاهِبُ : الْأَسْمَاءُ كَثِيرَةٌ ، فَأَمَّا الْمَحْتُومُ مِنْهَا - الَّذِي لَا يُرَدُّ سَائِلُهُ - فَسَبْعَةٌ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «فَأَخْبِرْنِي عَمَّا تَحْفَظُ مِنْهَا» قَالَ الرَّاهِبُ : لَا ، وَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلى مُوسى ، وَ جَعَلَ عِيسى عِبْرَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَ فِتْنَةً لِشُكْرِ أُولِي الْأَلْبَابِ ، وَ جَعَلَ مُحَمَّداً بَرَكَةً وَ رَحْمَةً ، وَ جَعَلَ عَلِيّاً عِبْرَةً وَ بَصِيرَةً ، وَ جَعَلَ الْأَوْصِيَاءَ مِنْ نَسْلِهِ وَ نَسْلِ مُحَمَّدٍ مَا أَدْرِي ، وَ لَوْ دَرَيْتُ مَا احْتَجْتُ فِيهِ إِلى كَلَامِكَ ، وَ لَا جِئْتُكَ وَ لَا سَأَلْتُكَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «عُدْ إِلى حَدِيثِ الْهِنْدِيِّ» .فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : سَمِعْتُ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ وَ لَا أَدْرِي مَا بِطَائِنُهَا(2) وَ لَا شَرَائِعُهَا(3) ؟ وَ لَا أَدْرِي مَا هِيَ ؟ وَ لَا كَيْفَ هِيَ وَ لَا بِدُعَائِهَا؟ فَانْطَلَقْتُ حَتّى قَدِمْتُ سُبْذَانَ الْهِنْدِ ، فَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ ، فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ بَنى دَيْراً فِي جَبَلٍ ، فَصَارَ لَا يَخْرُجُ وَ لَا يُرى إِلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ، وَ زَعَمَتِ الْهِنْدُ أَنَّ اللَّهَ فَجَّرَ لَهُ عَيْناً فِي دَيْرِهِ ، وَ زَعَمَتِ الْهِنْدُ أَنَّهُ يُزْرَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ زَرْعٍ يُلْقِيهِ ، وَ يُحْرَثُ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَرْثٍ يَعْمَلُهُ ، فَانْتَهَيْتُ إِلى بَابِهِ ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثاً لَا أَدُقُّ الْبَابَ ، وَ لَا أُعَالِجُ الْبَابَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «يبلغ».
2- .في الكافي المطبوع : «بطانتها».
3- .في الكافي المطبوع : «شرائحها».

ص: 434

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ ، فَتَحَ اللَّهُ الْبَابَ ، وَ جَاءَتْ بَقَرَةٌ عَلَيْهَا حَطَبٌ ، تَجُرُّ ضَرْعَهَا يَكَادُ يَخْرُجُ مَا فِي ضَرْعِهَا مِنَ اللَّبَنِ ، فَدَفَعَتِ الْبَابَ ، فَانْفَتَحَ ، فَتَبِعْتُهَا وَ دَخَلْتُ ، فَوَجَدْتُ الرَّجُلَ قَائِماً يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَبْكِي ، وَ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ فَيَبْكِي ، وَ يَنْظُرُ إِلَى الْجِبَالِ فَيَبْكِي ، فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَقَلَّ ضَرْبَكَ فِي دَهْرِنَا هذَا! فَقَالَ لِي : وَ اللَّهِ ، مَا أَنَا إِلَّا حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ رَجُلٍ خَلَّفْتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أُخْبِرْتُ أَنَّ عِنْدَكَ اسْماً مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَبْلُغُ بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَ تَرْجِعُ إِلى بَيْتِكَ ؟فَقَالَ لِي : وَ هَلْ تَعْرِفُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ؟ قُلْتُ : لَا أَعْرِفُ إِلَّا بَيْتَ الْمَقْدِسِ الَّذِي بِالشَّامِ ، قَالَ : لَيْسَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَ لكِنَّهُ الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ وَ هُوَ بَيْتُ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْتُ لَهُ : أَمَّا مَا سَمِعْتُ بِهِ إِلى يَوْمِي هذَا ، فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ لِي : تِلْكَ مَحَارِيبُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَ إِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهَا : حَظِيرَةُ الْمَحَارِيبِ ، حَتّى جَاءَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ عِيسى عليهما السلام ، وَ قَرُبَ الْبَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَ حَلَّتِ النَّقِمَاتُ فِي دُورِ الشَّيَاطِينِ ، فَحَوَّلُوا وَ بَدَّلُوا(1)تِلْكَ الْأَسْمَاءَ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى - الْبَطْنُ لآِلِ مُحَمَّدٍ ، وَ الظَّهْرُ مَثَلٌ - : «إِنْ هِىَ إِلّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ» فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي قَدْ ضَرَبْتُ إِلَيْكَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ ، تَعَرَّضْتُ إِلَيْكَ بِحَاراً وَ غُمُوماً وَ هُمُوماً وَ خَوْفاً ، وَ أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ مُؤْيَساً أَلَّا أَكُونَ ظَفِرْتُ بِحَاجَتِي .فَقَالَ لِي : مَا أَرى أُمَّكَ حَمَلَتْ بِكَ إِلَّا وَ قَدْ حَضَرَهَا مَلَكٌ كَرِيمٌ ، وَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَبَاكَ حِينَ أَرَادَ الْوُقُوعَ بِأُمِّكَ إِلَّا وَ قَدِ اغْتَسَلَ وَ جَاءَهَا عَلى طُهْرٍ ، وَ لَا أَزْعُمُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ دَرَسَ السِّفْرَ الرَّابِعَ مِنْ شَهْرِهِ (2) ذلِكَ ، فَخُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ ، ارْجِعْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ (3) ، فَانْطَلِقْ حَتّى تَنْزِلَ مَدِينَةَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله الَّتِي يُقَالُ لَهَا : طَيْبَةُ ، وَ قَدْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَثْرِبَ - ثُمَّ اعْمِدْ إِلى مَوْضِعٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهُ : الْبَقِيعُ ، ثُمَّ سَلْ عَنْ دَارٍ يُقَالُ لَهَا : دَارُ مَرْوَانَ ، فَانْزِلْهَا ، وَ أَقِمْ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «و نقلوا».
2- .في الكافي المطبوع : «سهره».
3- .في الكافي المطبوع : «جئت».

ص: 435

ثَلَاثاً ، ثُمَّ سَلْ (1) الشَّيْخَ الْأَسْوَدَ الَّذِي يَكُونُ عَلى بَابِهَا ، يَعْمَلُ الْبَوَارِيَّ ، وَ هِيَ فِي بِلَادِهِمُ اسْمُهَا الْخَصَفُ ، فَالْطُفْ بِالشَّيْخِ ، وَ قُلْ لَهُ : بَعَثَنِي إِلَيْكَ نَزِيلُكَ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِي الزَّاوِيَةِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْخُشَيْبَاتُ الْأَرْبَعُ ، ثُمَّ سَلْهُ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ ، وَ سَلْهُ : أَيْنَ نَادِيهِ ؟ وَ سَلْهُ : أَيُّ سَاعَةٍ يَمُرُّ فِيهَا ؟ فَلَيُرِيكَهُ (2) أَوْ يَصِفُهُ لَكَ ، فَتَعْرِفُهُ بِالصِّفَةِ ، وَ سَأَصِفُهُ لَكَ .قُلْتُ : فَإِذَا لَقِيتُهُ فَأَصْنَعُ مَا ذَا ؟ قَالَ : سَلْهُ عَمَّا كَانَ ، وَ عَمَّا هُوَ كَائِنٌ ، وَ سَلْهُ عَنْ مَعَالِمِ دِينِ مَنْ مَضى وَ مَنْ بَقِيَ .فَقَالَ لَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «قَدْ نَصَحَكَ صَاحِبُكَ الَّذِي لَقِيتَ».فَقَالَ الرَّاهِبُ : مَا اسْمُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟قَالَ : «هُوَ مُتَمِّمُ بْنُ الْفِيرُوزِ ، وَ هُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الْفُرْسِ ، وَ هُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ عَبَدَهُ بِالْإِخْلَاصِ وَ الْإِيقَانِ ، وَ فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا خَافَهُمْ ، فَوَهَبَ لَهُ رَبُّهُ حُكْماً ، وَ هَدَاهُ سَبِيلَ (3) الرَّشَادِ ، وَ جَعَلَهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، وَ عَرَّفَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ ، وَ مَا مِنْ سَنَةٍ إِلَّا وَ هُوَ يَزُورُ فِيهَا مَكَّةَ حَاجّاً ، وَ يَعْتَمِرُ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً ، وَ يَجِي ءُ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الْهِنْدِ إِلى مَكَّةَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ عَوْناً ؛ وَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِبُ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ ، كُلُّ ذلِكَ يُجِيبُهُ فِيهَا ، وَ سَأَلَ الرَّاهِبَ عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّاهِبِ فِيهَا شَيْ ءٌ ، فَأَخْبَرَهُ بِهَا .ثُمَّ إِنَّ الرَّاهِبَ قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ ثَمَانِيَةِ أَحْرُفٍ نَزَلَتْ ، فَتَبَيَّنَ فِي الْأَرْضِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ، وَ بَقِيَ فِي الْهَوَاءِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ، عَلى مَنْ نَزَلَتْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي الْهَوَاءِ ؟ وَ مَنْ يُفَسِّرُهَا؟قَالَ : «ذَاكَ قَائِمُنَا يُنْزِلُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيُفَسِّرُهُ ، وَ يُنَزِّلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ عَلَى الصِّدِّيقِينَ وَ الرُّسُلِ وَ الْمُهْتَدِينَ».ثُمَّ قَالَ الرَّاهِبُ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الِاثْنَيْنِ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْأَحْرُفِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ مَا هِيَ (4) ؟

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عن».
2- .في الكافي المطبوع : «فليريكاه».
3- .في الكافي المطبوع : «لسبيل».
4- .في الكافي المطبوع : «هما».

ص: 436

قَالَ : «أُخْبِرُكَ بِالْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا : أَمَّا أَوَّلُهُنَّ ، فَلَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بَاقِياً ، وَ الثَّانِيَةُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مُخْلَصاً ، وَ الثَّالِثَةُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ ، وَ الرَّابِعَةُ شِيعَتُنَا مِنَّا ، وَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ بِسَبَبٍ».فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (1) ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ ، وَ أَنَّكُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ أَنَّ شِيعَتَكُمُ الْمُطَهَّرُونَ الْمُسْتَدِلُّونَ (2) ، وَ لَهُمْ عَاقِبَةُ اللَّهِ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .فَدَعَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِجُبَّةِ خَزٍّ وَ قَمِيصٍ قُوهِيٍّ وَ طَيْلَسَانٍ وَ خُفٍّ وَ قَلَنْسُوَةٍ ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ (3) ، وَ صَلَّى الظُّهْرَ ، وَ قَالَ لَهُ : «اخْتَتِنْ» ، فَقَالَ : قَدِ اخْتَتَنْتُ فِي سَابِعِي .

هديّة:(نجران) بفتح النون وسكون الجيم: أبو قبيلة من اليمن، وهو نجران بن زيدان بن سبأ.(اُمّ خير) كنية بنت عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام.و«الخصفة» بالتحريك واحدة الخصف للبواري والجلّة من خوص النخل، فبإضافة الخصفة إلى البواري. وقرأ برهان الفضلاء : «بخصفة توارى» قال: يعني بلباس خشن توارى الراهبة، أو بما يوارى كثافة الأرض. الجوهري : «الخصفة» بالتحريك: الجلّة التي تعمل من الخوص للتمر، وجمعها خصف وخصاف.(4) و«الخوص» بالضمّ: ورق النخل. وفي هذا الحديث أنّ البواري في المدينة اسمها الخصف، فالظاهر «فأمر بخصف» بدون التاء «فيوارى» عطف بيان، أو «بخصفة بواري» على الإضافة البيانيّة، أي بخصفة من الخصف.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «وحده لا شريك له».
2- .في الكافي المطبوع : «المستبدلون».
3- .في الكافي المطبوع : «فأعطاه إيّاها».
4- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1351 (خصف).

ص: 437

و(المقدس) كمجلس: مصدر ميمي اُضيف إليه «البيت»، ويقع وصفاً للبيت إذا قرئ على اسم المفعول من التفعيل، ويقرأ بهما اسم المسجد الأقصى. والظاهر من آخر هذا الحديث أنّ الإضافة للمسجد والوصف لأهل البيت عليهم السلام.(سبذان) بفتح السين المهملة وسكون المفردة وفتح الذال المعجمة والألف والنون.(ظفر به) كعلم، والباء في «به» للاستعانة.(فكم للَّه من اسم لا يردّ) استفهاميّة، يعني الدعاء إذا دعى به، فأمّا (المحتوم) بالحاء المهملة، يعني المثبت المؤكّد.قال برهان الفضلاء: و«المختوم» هنا بالمعجمة تصحيف. ثمّ قال: «فسبعة» هم في ذلك الزمان عليّ وحسن وحسين وعليّ ومحمّد وجعفر وموسى، والآن اثنى عشر، وقد سبق في الحديث: «نحن واللَّه الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللَّه من العباد عملاً إلّا بمعرفتنا».(1)(بطائنها) جمع بطانة ككتابة بمعنى الباطن والجوف، أي تأويلاتها وخوافيها.(ولا شرائعها) أي طرق الاستدلال بها، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ولا شرائجها» جمع شريجة على فعيلة بالشين المعجمة والجيم، بمعنى الوعاء الذي ينقل بها مثل البطيخ. قال: عبّر عن الظواهر بالشرائج.(ولا بدعائها) أي ولا أعلم بدعائها الذي يدعى اللَّه بها به.و«الدير»: المعبد أو معبد النّصارى.(من غير زرع يلقيه) إمّا بالفتح فعلى المجاز، أو بالضمّ، و«الزرع» بالضمّ وكذا «الزرعة»: البذر، وكلاهما اسم جنس، وقيل: التاء للوحدة الجنسيّة.(ضربك): مثلك.

.


1- .الكافي ، ج 1 ، ص 144 ، باب النوادر ، ح 4 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 1 ، ص 351 ، ح 360.

ص: 438

(في كلّ يوم وليلة) المراد الكلّ المجموعيّ أو الافرادي، أي كلّ يوم وليلة شئت.و«النقمة» ككلمة، ونقمة: ضدّ النعمة. وقرأ برهان الفضلاء: «وجلت النغمات» بالجيم والغين المعجمة المفتوحة، جمع النغمة، أي الصوت الخفيّ. قال: أي ظهرت للناس خوافي أقوالهم بينهم.(البطن لآل محمّد، والظهر مثل) جملة معترضة، والآية في سورة النجم.(1)قال برهان الفضلاء:«مثل» أي حكاية وبيان لحال الأصنام، واللام في «لآل محمّد» للانتفاع، فالتقدير لهم على أعدائهم، يعني كما أنّ اللات والعزّى والمناة جعلت للأصنام، كذلك الصّدِّيق والفاروق وذو النورين جعلت لصنمي قريش وثالثهما.وقال بعض المعاصرين:يعني تأويل القرآن كلّه لآل محمّد صلى اللَّه عليه وآله، مثل ما قال تعالى: «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»؛ لكي يهتدي إلى تأويلها، انتهى.(2)قصده ماذا؟ (مؤيساً) على اسم الفاعل من الإفعال للصيرورة، وضبط برهان الفضلاء بالنون من الإيناس، بمعنى إدراك الشي ء بقرائن الأحوال، قال: يعني أصبحت هذا اليوم وأمسيت هذه الليلة ظانّاً عدم الظفر بحاجتي، ثمّ قال: «إن أباك» بفتح الهمزة أو كسرها وسكون النون، كلمة زائدة في كلامهم، فلعلّها للتأكيد.(درس) على المعلوم كنصر وضرب، وفي (السفر الرابع) ذكر نبيّنا وأوصيائه عليهم السلام.(من شهره ذلك) أي الشهر الذي وقع فيه بزوجته. وقرأ برهان الفضلاء : «من سهره» بغير المعجمة، أي سهره لتلاوة كتاب اللَّه.(يُقال له البقيع) أي بقيع الزبير كما مرّ.و(الشيخ الأسود) هو الفضل بن سوّار. ترك التصريح بقوله: (فلان بن فلان الفلاني)

.


1- .النجم (53) : 23.
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 808 ، ذيل ح 1415.

ص: 439

يعني موسى بن جعفر العلويّ - صلوات اللَّه عليه - حذراً من سوء الأدب، أو تلقينا بالإشارة إلى التقيّة عند الحاجة.و«النادي»: المجلس.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ليريكاه» بإشباع فتحة الكاف، وقال: والظاهر أنّ «سأصفه لك» من باب القلب، أي سأصفك له.أقول: بل إخبار عمّا سيقوله من قوله:(سله عمّا كان وعمّا هو كائن).و«الأبناء» يُقال أيضاً لجماعة من العجم سكنوا اليمن، وكلا المعنيين مناسب هنا.(باقياً): إلهاً باقياً.(مخلصاً) بفتح اللام وكسرها، أي رسولاً مخلصاً، أخلص يتعدّى ولا يتعدّى.و(نحن) مبتدأ، خبره (أهل البيت).والتنوين في (بسبب) للتعظيم، أي بربط عظيم.(المستدلّون): المحتجّون بعصمة الحجّة العاقل عن اللَّه تبارك وتعالى. ونسخة «المستذلّون» بفتح الذال المعجمة من الذلّ تصحيف، أو بمعنى المستضعفون؛ لقوله تعالى في سورة القصص: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ»(1)، وكذا نسخة «المستبدلون» بزيادة المفردة، أي المستأثرون بهم غيرهم.و«قوهستان» بلدة بكرمان، والنسبة إليها (قوهيّ).(قد اختتنت) قال برهان الفضلاء: يعني فقال بعد هذا المجلس قد فعلت في سابع إسلامي.أقول: الظاهر أنّ المراد سابع الولادة، فلعلّ أمر الإمام عليه السلام لظهور خصلة من خصاله الحسنة الدالّة على سعادته للناس، فيزيد في مودّتهم له، مع أنّ الإمام عليه السلام لا يعلم الغيب إلّا بإذن اللَّه تعالى.

.


1- .القصص (28): 5 .

ص: 440

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ (1) ، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ : مَرَّ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عليه السلام بِامْرَأَةٍ بِمِنى وَ هِيَ تَبْكِي وَ صِبْيَانُهَا حَوْلَهَا يَبْكُونَ ، وَ قَدْ مَاتَتْ لَهَا بَقَرَةٌ ، فَدَنَا مِنْهَا ، ثُمَّ قَالَ لَهَا : «مَا يُبْكِيكِ يَا أَمَةَ اللَّهِ؟» قَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، إِنَّ لَنَا صِبْيَاناً يَتَامى ، وَ كَانَتْ لِي بَقَرَةٌ مَعِيشَتِي وَ مَعِيشَةُ صِبْيَانِي كَانَ (2) مِنْهَا ، وَ قَدْ مَاتَتْ ، وَ بَقِيتُ مُنْقَطَعاً بِي وَ بِوُلْدِي لَا حِيلَةَ لَنَا .فَقَالَ : «يَا أَمَةَ اللَّهِ ، هَلْ لَكِ أَنْ أُحْيِيَهَا لَكِ ؟» فَأُلْهِمَتْ أَنْ قَالَتْ : نَعَمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؛ فَتَنَحّى وَ صَلّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ هُنَيْئَةً ، وَ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ، ثُمَّ قَامَ ، فَصَوَّتَ بِالْبَقَرَةِ ، فَنَخَسَهَا نَخْسَةً أَوْ ضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ ، فَاسْتَوَتْ عَلَى الْأَرْضِ قَائِمَةً ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى الْبَقَرَةِ ، صَرَخَتْ (3) ، وَ قَالَتْ : عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ ؛ فَخَالَطَالنَّاسَ ، وَ صَارَ بَيْنَهُمْ ، وَ مَضى عليه السلام .

هديّة:(وبقيت منقطعاً بي) أي منفردة عن وسيلة المعيشة.نخسه بعود نخساً كنصر ومنع، ومنه النخّاس، والترديد من الراوي.«صرخ» كمنع: صاح. وفي بعض النسخ : «صاحت» مكان (صرخت).

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ،(4) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ عليه السلام يَنْعى إِلى رَجُلٍ نَفْسَهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ مَتى يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِهِ ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ شِبْهَ الْمُغْضَبِ ، فَقَالَ : «يَا إِسْحَاقُ ، قَدْ كَانَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ يَعْلَمُ عِلْمَ الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا ، وَ الْإِمَامُ أَوْلى بِعِلْمِ ذلِكَ» .ثُمَّ قَالَ : «يَا إِسْحَاقُ ، اصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ ؛ فَإِنَّ عُمُرَكَ قَدْ فَنِيَ ، وَ إِنَّكَ تَمُوتُ إِلى سَنَتَيْنِ ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم».
2- .في الطبعة الجديدة من الكافي مستنداً ببعض النسخ : «كانت».
3- .في الكافي المطبوع : «صاحت».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه عن محمّد بن عليّ ، عن سيف بن عميرة».

ص: 441

إِخْوَتُكَ وَ أَهْلُ بَيْتِكَ لَا يَلْبَثُونَ بَعْدَكَ إِلَّا يَسِيراً حَتّى تَتَفَرَّقَ كَلِمَتُهُمْ ، وَ يَخُونُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتّى يَشْمَتَ بِهِمْ عَدُوُّهُمْ ، فَكَانَ هذَا فِي نَفْسِكَ».فَقُلْتُ : فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِمَا عَرَضَ فِي صَدْرِي .فَلَمْ يَلْبَثْ إِسْحَاقُ بَعْدَ هذَا الْمَجْلِسِ إِلَّا يَسِيراً حَتّى مَاتَ ، فَمَا أَتى عَلَيْهِمْ إِلَّا قَلِيلٌ حَتّى قَامَ بَنُو عَمَّارٍ بِأَمْوَالِ النَّاسِ ، فَأَفْلَسُوا .

هديّة:(إسحاق بن عمّار) فطحيٌ ثقةٌ.(نفسه) أي نفس الرجل. و(إنّه) بتقدير الاستفهام على الشكّ.و(رشيد) مصغّر، (الهجري) بالتحريك: نسبة إلى «هجرة» محرّكة، بلدة باليمن، مذكّر مصروف، وقد يؤنّث ويمنع، واسم لجميع أرض البحرين، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ السبطين عليهما السلام، قال الكشّي: إنّه قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسمّيه رشيد البلايا.(1)في بعض النسخ : «إلى ستّين» مكان (سنتين) أي شهرين.(فكان هذا في نفسك) أي فنشأ هذا من قِبَلِك لا من قِبَلِنا. واحتمل برهان الفضلاء: «فكأنّ» بتشديد النون مكسورة، أو مفتوحة على الأمر المضاعف من المفاعلة، أي فاستر هذا؛ والمُكانّة بالضمّ وتشديد النون للمبالغة في الإخفاء.(فلم يلبث) كلام السيف.قيل: والباء في (بأموال الناس) للصلة، أي بأخذها للسلطان من غير حلّها. وضبط برهان الفضلاء : «بأموال للناس»، فالباء للتعدية، يعني حتّى دفعوا أموالاً إلى الحكّام رشوة.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ الْبَجَلِيِّ ،(2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : جَاءَنِي

.


1- .رجال الكشّي ، ص 76 ، ح 131.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن موسى بن القاسم البجلّي».

ص: 442

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَ قَدِ اعْتَمَرْنَا عُمْرَةَ رَجَبٍ وَ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، إِنِّي أُرِيدُ بَغْدَادَ ، وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أُوَدِّعَ عَمِّي أَبَا الْحَسَنِ - يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام - وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَذْهَبَ مَعِي إِلَيْهِ ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ نَحْوَ أَخِي وَ هُوَ فِي دَارِهِ الَّتِي بِالْخُوَنَةِ(1) ، وَ ذلِكَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِقَلِيلٍ ، فَضَرَبْتُ الْبَابَ ، فَأَجَابَنِي أَخِي عليه السلام ، فَقَالَ : «مَنْ هذَا؟» فَقُلْتُ : عَلِيٌّ ، فَقَالَ : «هُوَ ذَا أَخْرُجُ» وَ كَانَ بَطِي ءَ الْوُضُوءِ ، فَقُلْتُ : الْعَجَلَ ، قَالَ : «وَ أَعْجَلُ» فَخَرَجَ وَ عَلَيْهِ إِزَارٌ مُمَشَّقٌ قَدْ عَقَدَهُ فِي عُنُقِهِ حَتّى قَعَدَ تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ ، قَالَ (2) عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ ، فَانْكَبَبْتُ عَلَيْهِ ، فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ ، وَ قُلْتُ : قَدْ جِئْتُكَ فِي أَمْرٍ إِنْ تَرَهُ صَوَاباً فَاللَّهُ وَفَّقَ لَهُ ، وَ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذلِكَ فَمَا أَكْثَرَ مَا يُخْطِئُ (3) !قَالَ : «وَ مَا هُوَ؟»قُلْتُ : هذَا ابْنُ أَخِيكَ يُرِيدُ أَنْ يُوَدِّعَكَ ، وَ يَخْرُجَ إِلى بَغْدَادَ ، فَقَالَ لِيَ : «ادْعُهُ» . فَدَعَوْتُهُ - وَ كَانَ مُتَنَحِّياً - فَدَنَا مِنْهُ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَ قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَوْصِنِي ، فَقَالَ : «أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي دَمِي» . فَقَالَ مُجِيباً لَهُ : مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ، وَ جَعَلَ يَدْعُو عَلى مَنْ يُرِيدُهُ بِسُوءٍ؛ ثُمَّ عَادَ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : يَا عَمِّ ، أَوْصِنِي ، فَقَالَ : «أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي دَمِي». فَقَالَ : مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَ فَعَلَ ؛ ثُمَّ عَادَ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَمِّ ، أَوْصِنِي ، فَقَالَ : «أُوصِيكَ أَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي دَمِي» . فَدَعَا عَلى مَنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ ، ثُمَّ تَنَحّى عَنْهُ ، وَ مَضَيْتُ مَعَهُ ، فَقَالَ لِي أَخِي عليه السلام : «يَا عَلِيُّ ، مَكَانَكَ» فَقُمْتُ مَكَانِي ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ ، ثُمَّ دَعَانِي ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ ، فَتَنَاوَلَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ ، فَأَعْطَانِيهَا ، وَ قَالَ : «قُلْ لِابْنِ أَخِيكَ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلى سَفَرِهِ».قَالَ عَلِيٌّ : فَأَخَذْتُهَا ، فَأَدْرَجْتُهَا فِي حَاشِيَةِ رِدَائِي ، ثُمَّ نَاوَلَنِي مِائَةً أُخْرى ، وَ قَالَ : «أَعْطِهِ أَيْضاً» ثُمَّ نَاوَلَنِي صُرَّةً أُخْرى ، وَ قَالَ : «أَعْطِهِ أَيْضاً» فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِذَا كُنْتَ تَخَافُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «بالحوبة».
2- .في الكافي المطبوع : «فقال».
3- .في الكافي المطبوع : «نخطئ.

ص: 443

مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي ذَكَرْتَ ، فَلِمَ تُعِينُهُ عَلى نَفْسِكَ؟فَقَالَ : إِذَا وَصَلْتُهُ ، وَ قَطَعَنِي ، قَطَعَ اللَّهُ أَجَلَهُ ، ثُمَّ تَنَاوَلَ مِخَدَّةَ أَدَمٍ ، فِيهَا ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَضَحٍ ، فَقَالَ (1) : «أَعْطِهِ هذِهِ أَيْضاً».فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ ، فَأَعْطَيْتُهُ الْمِائَةَ الْأُولى ، فَفَرِحَ بِهَا فَرَحاً شَدِيداً ، وَ دَعَا لِعَمِّهِ ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ الْمِائَةَ(2)الثَّانِيَةَ وَ الثَّالِثَةَ ، فَفَرِحَ بِهِمَا(3) حَتّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَرْجِعُ وَ لَا يَخْرُجُ ، ثُمَّ أَعْطَيْتُهُ الثَّلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَمَضى عَلى وَجْهِهِ حَتّى دَخَلَ عَلى هَارُونَ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، فَقَالَ 4 : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَتَيْنِ حَتّى رَأَيْتُ عَمِّي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، فَأَرْسَلَ هَارُونُ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ؛ فَرَمَاهُ اللَّهُ بِالذُّبَحَةِ ، فَمَا نَظَرَ مِنْهَا إِلى دِرْهَمٍ ، وَ لَا مَسَّهُ .

هديّة:(محمّد بن إسماعيل) بن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام.(يعني) كلامُ عليّ بن جعفر بن محمّد عليهما السلام.و(الخونة) قيل: بضمّ المعجمة وسكون الواو والتاء بعد النون للنقل، جمع «خوان» بمعنى ما يؤكل عليه، اسم موضع بمكّة. وقيل: بفتح المعجمة والواو أيضاً، يُقال: رجل خونة، أي خائن جدّاً، فالتاء للمبالغة، اسم لمحلّة بمكّة. وقرأ برهان الفضلاء : «حويّة» بضمّ المهملة وفتح الواو وتشديد الياء، تصغير «حوّة» بالضمّ والتشديد، بمعنى طرف الشِّعب في سفح الجبل.(ممشّق) على اسم المفعول من التفعيل: مصبوغ بالمشق بالكسر، وهو الطين الأحمر.

.


1- .في الكافي المطبوع : «و قال».
2- .في الكافي المطبوع : - «المائة».
3- .في الكافي المطبوع : «بها».

ص: 444

و«ما» في (فما أكثر) للتعجّب، وفي (ما يخطئ) مصدريّة، و«يخطئ» على الغائب المعلوم من الإفعال، أي الإنسان، أو على المتكلّم مع الغير، يعني غير المعصوم.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «اُدنه» على الأمر من الإفعال مكان (أدعه).(مكانك) أي قِفْ، أو الزِمْ مكانك.و«المخدّة» بكسر الميم: الوسادة، و«الأدم» محرّكة: اسم الجمع، وبضمّتين: جمع الأديم، والإضافة بيانيّة.و«الوضح» محرّكة: الدرهم الصحيح من دون غشّ فيه.(سيرجع) أي من إرادته.و(الذبحة) كلمزة وعنبة وفتنة وحمرة: وجع في الحلق، أو دم يخنق فيقتل. وقيل: هو الخناق المهلك من الدم أو غيره.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُبِضَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً فِي عَامِ ثَلَاثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ عَاشَ بَعْدَ جَعْفَرٍ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام (2) خَمْساً وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً .

هديّة: بيانه بيّن. .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان».
2- .في الكافي المطبوع : «جعفر عليه السلام» بدل «جعفر بن محمّد عليهما السلام».

ص: 445

باب مولد أبي الحسن الرّضا

الباب الواحد والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ اثنى عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ مِائَتَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً ، وَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَارِيخِهِ إِلَّا أَنَّ هذَا التَّارِيخَ (1) أَقْصَدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ؛ وَ تُوُفِّيَ عليه السلام بِطُوسَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا : سَنَابَاذُ(2) مِنْ نُوقَانَ عَلى دَعْوَةٍ ، وَ دُفِنَ بِهَا عليه السلام ؛ وَ كَانَ الْمَأْمُونُ أَشْخَصَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى مَرْوَ عَلى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَ فَارِسَ ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمَأْمُونُ وَ شَخَصَ إِلى بَغْدَادَ ، أَشْخَصَهُ مَعَهُ ، فَتُوُفِّيَ فِي هذِهِ الْقَرْيَةِ ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : أُمُّ الْبَنِينَ .

هديّة:(ولد أبو الحسن الرضا عليه السلام) زمن منصور الدوانيقي ابن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ثاني خلفاء بني العبّاس، وأوّلهم أخوه سفّاح عبداللَّه بن محمّد. وللسفّاح ككتّان معانٍ، فعلى اللقب مدحاً بمعنى الفصيح، وذمّاً بمعنى كثير الفجور أو حريص النكاح.والشيخ رحمة اللَّه عليه وافق صاحب الكافي في التهذيب في التاريخ الأقصد، وقال: وقبض عليه السلام

.


1- .في الكافي المطبوع : + «هو».
2- .في الكافي المطبوع : «سناباد» بالدال المهملة.

ص: 446

بطوس من أرض خراسان، وقبره في طوس في سناباد المعروف بالمشهد من أرض حميد.(1)(سناباد) بفتح السين بلا نقطة والنون والمفردة والدال منقوطة وغير منقوطة كبغداذ.و(نوقان) بضمّ النون وتفتح: إحدى مدينتي طوس في القديم، والاُخرى «طابران» بالمهملة والمفردة المفتوحة بعد الألف، وقبل المهملة قبل الألف والنون، خربت وهي المعروفة الآن بطوس.(على دعوة) أي بُعدها مقدار نعرة، فالظرف متعلّق بمثله المؤخّر الذي هو خبر مبتدأ محذوف، أي هي على دعوة، أو نعت آخر للقرية.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ(2) ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ عليه السلام : «هَلْ عَلِمْتَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قَدِمَ ؟» . قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «بَلى ، قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ ، فَانْطَلِقْ بِنَا». فَرَكِبَ وَ رَكِبْتُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّجُلِ ، فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعَهُ رَقِيقٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : اعْرِضْ عَلَيْنَا ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا سَبْعَ جَوَارٍ ، كُلَّ ذلِكَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا». ثُمَّ قَالَ : «اعْرِضْ عَلَيْنَا» فَقَالَ : مَا عِنْدِي إِلَّا جَارِيَةٌ مَرِيضَةٌ ، فَقَالَ لَهُ : «مَا عَلَيْكَ أَنْ تَعْرِضَهَا» فَأَبى عَلَيْهِ ، فَانْصَرَفَ .ثُمَّ أَرْسَلَنِي مِنَ الْغَدِ ، فَقَالَ : «قُلْ لَهُ : كَمْ كَانَ غَايَتُكَ فِيهَا؟ فَإِذَا قَالَ : كَذَا وَ كَذَا ، فَقُلْ لَهُ (3) : قَدْ أَخَذْتُهَا». فَأَتَيْتُهُ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَنْقُصَهَا مِنْ كَذَا وَ كَذَا ، فَقُلْتُ : قَدْ أَخَذْتُهَا ، فَقَالَ : هِيَ لَكَ ، وَ لكِنْ أَخْبِرْنِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ ؟ فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، فَقَالَ (4) : مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ ؟ فَقُلْتُ : مَا عِنْدِي أَكْثَرُ مِنْ هذَا ، فَقَالَ : أُخْبِرُكَ عَنْ هذِهِ الْوَصِيفَةِ :

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 83.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب ، عن هشام بن أحمر».
3- .في الكافي المطبوع : - «له».
4- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 447

إِنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ ، فَلَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَالَتْ : مَا هذِهِ الْوَصِيفَةُ مَعَكَ ؟ فَقُلْتُ (1) : اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي ، فَقَالَتْ : مَا يَكُونُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هذِهِ عِنْدَ مِثْلِكَ ؛ إِنَّ هذِهِ الْجَارِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَلَا تَلْبَثُ (2) إِلَّا قَلِيلًا حَتّى تَلِدَ مِنْهُ غُلَاماً مَا يُولَدُ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَ لَا غَرْبِهَا مِثْلُهُ .قَالَ : فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَلَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا حَتّى وَلَدَتِ الرِّضَا عليه السلام .

هديّة:(من أهل المغرب) أي من المسافرين إلى المغرب.واحتمل برهان الفضلاء : «معه رفيق» بالفاء؛ لتلائم الفقرات. وهو حسنٌ، إلّا أنّ الظاهر ما ترى، على أنّ تقدير «متاعك» بعد (اعرض) أو «ما معك» أو نحوهما لا وجه له. و«الرقيق» على فعيل، جمع «الرّق» بالكسر، خلاف الحرّ.وصف الغلام كحسن: بلغ الخدمة، فهو وصيف، وهي وصيفة. قيل: فلعلّ المرأة حوريّة متمثّلة لتقول ما قالت بإذن اللَّه لحِكُم ومصالح شتّى أو ملك، أو جنّية.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ،(3) قَالَ : لَمَّا مَضى أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، وَ تَكَلَّمَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، خِفْنَا عَلَيْهِ مِنْ ذلِكَ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ قَدْ أَظْهَرْتَ أَمْراً عَظِيماً ، وَ إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ هذِهِ الطَّاغِيَةَ ، قَالَ : فَقَالَ : «لِيَجْهَدْ جَهْدَهُ ؛ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ» .

هديّة:(وتكلّم أبو الحسن عليه السلام) يعني بعد الصمت في إمامة أبيه عليهما السلام عن الحكم بالإمامة بين الناس. (وهذه الطاغية) هارون، والتاء للمبالغة.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قلت».
2- .في الكافي المطبوع : + «عنده».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عمّن ذكره ، عن صفوان بن يحيى».

ص: 448

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ ،(1) عَنْ أَخِيهِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (2)الرِّضَا عليه السلام فِي بَيْتٍ دَاخِلٍ فِي جَوْفِ بَيْتٍ لَيْلًا ، فَرَفَعَ يَدَهُ ، فَكَانَتْ كَأَنَّ فِي الْبَيْتِ عَشَرَةَ مَصَابِيحَ ، وَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، فَخَلّى يَدَهُ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ .

هديّة:إذا لم تكن العشرة ذكرت مثالاً للكثرة، فالمراد باليد اليدان في الموضعين.(فخلّى يده) بالتشديد، أي ترك رفعها، خَلَّيتُه : تَرَكْتُه، أو المعنى جمع أصابعه، من خلوت إليه: إذا اجتمعت معه في خلوة، فيتعدّى بالتشديد. وقرأ برهان الفضلاء : «فجلا به» بالجيم والتخفيف، قال: جلا يتعدّى ولا يتعدّى، فالباء في «به» على الأوّل بمعنى «في» أي فأوقد في البيت مصباحاً، ثمّ أذِنَ له. وعلى الثاني للتعدية، أي فأضاء البيت بمصباح، ثمّ أذن له.فإن قيل: لا حاجة إلى مثل التكلّف هنا؛ لعدم شي ء دالّ على أنّه عليه السلام كان جالساً في بيت مظلم، بل حكاية زمان المعجزة ومكانه.قلنا: نعم، إلّا أنّ ظاهره غير غنيّ عن توجيه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ،(3) عَنِ الْغِفَارِيِّ ، قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ - مَوْلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، يُقَالُ لَهُ : طَيْسٌ - عَلَيَّ حَقٌّ ، فَتَقَاضَانِي ، وَ أَلَحَّ عَلَيَّ ، وَ أَعَانَهُ النَّاسُ ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذلِكَ ، صَلَّيْتُ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ تَوَجَّهْتُ نَحْوَ الرِّضَا عليه السلام وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْعُرَيْضِ ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ بَابِهِ فَإِذَا(4) هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلى حِمَارٍ ، وَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَ رِدَاءٌ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران رحمة اللَّه عليه، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن منصور».
2- .في الكافي المطبوع : - «أبي الحسن».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن ابن جمهور ، عن إبراهيم بن عبد اللَّه، عن أحمد بن عبد اللَّه».
4- .في الكافي المطبوع : «إذا».

ص: 449

فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ ، فَلَمَّا لَحِقَنِي وَقَفَ ، فَنَظَرَ(1) إِلَيَّ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ - وَ كَانَ شَهْرَ رَمَضَانَ - فَقُلْتُ : جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، إِنَّ لِمَوْلَاكَ طَيْسٍ عَلَيَّ حَقّاً ، وَ قَدْ وَ اللَّهِ شَهَرَنِي وَ أَنَا أَظُنُّ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْكَفِّ عَنِّي ، وَ وَ اللَّهِ مَا قُلْتُ لَهُ : كَمْ لَهُ عَلَيَّ ، وَ لَا سَمَّيْتُ لَهُ شَيْئاً .فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ إِلى رُجُوعِهِ ، فَلَمْ أَزَلْ حَتّى صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ وَ أَنَا صَائِمٌ ، فَضَاقَ صَدْرِي ، وَ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ ، فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ عَلَيَّ وَ حَوْلَهُ النَّاسُ ، وَ قَدْ قَعَدَ لَهُ السُّؤَّالُ وَ هُوَ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ ، فَمَضى وَ دَخَلَ بَيْتَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ وَ دَعَانِي ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَ دَخَلْتُ مَعَهُ ، فَجَلَسَ وَ جَلَسْتُ ، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ - وَ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ ، وَ كَانَ كَثِيراً مَا أُحَدِّثُهُ عَنْهُ - فَلَمَّا فَرَغْتُ ، قَالَ : «لَا أَظُنُّكَ أَفْطَرْتَ بَعْدُ» فَقُلْتُ : لَا ، فَدَعَا لِي بِطَعَامٍ . فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيَّ ، وَ أَمَرَ الْغُلَامَ أَنْ يَأْكُلَ مَعِي ، فَأَصَبْتُ وَ الْغُلَامَ مِنَ الطَّعَامِ .فَلَمَّا فَرَغْنَا ، قَالَ لِيَ : «ارْفَعِ الْوِسَادَةَ ، وَ خُذْ مَا تَحْتَهَا» فَرَفَعْتُهَا فَإِذَا(2)دَنَانِيرُ ، فَأَخَذْتُهَا وَ وَضَعْتُهَا فِي كُمِّي ؛ وَ أَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ عَبِيدِهِ أَنْ يَكُونُوا مَعِي حَتّى يُبْلِغُونِي مَنْزِلِي .فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ طَائِفَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ يَدُورُ ، وَ أَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانِي وَ مَعِي عَبِيدُكَ ، فَقَالَ لِي : «أَصَبْتَ ، أَصَابَ اللَّهُ بِكَ الرَّشَادَ» وَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا إِذَا رَدَدْتُهُمْ ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْ مَنْزِلِي وَ آنَسْتُ ، رَدَدْتُهُمْ .فَصِرْتُ إِلى مَنْزِلِي ، وَ دَعَوْتُ بِالسِّرَاجِ ، وَ نَظَرْتُ إِلَى الدَّنَانِيرِ فَإِذَا(3) هِيَ ثَمَانِيَةٌ وَ أَرْبَعُونَ دِينَاراً ، وَ كَانَ حَقُّ الرَّجُلِ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً وَ عِشْرِينَ دِينَاراً ، وَ كَانَ فِيهَا دِينَارٌ يَلُوحُ ، فَأَعْجَبَنِي حُسْنُهُ ، فَأَخَذْتُهُ وَ قَرَّبْتُهُ مِنَ السِّرَاجِ ، فَإِذَا عَلَيْهِ نَقْشٌ وَاضِحٌ : «حَقُّ الرَّجُلِ ثَمَانِيَةٌ وَ عِشْرُونَ دِينَاراً ، وَ مَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ». وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا عَرَفْتُهُ 4 مَا لَهُ عَلَيَّ ؛ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الَّذِي أَعَزَّ وَلِيَّهُ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «و نظر».
2- .في الكافي المطبوع : «و إذا».
3- .في الكافي المطبوع : «عرفت».

ص: 450

هديّة:«أبو رافع» اسمه إبراهيم على أصحّ الأقوال، وقيل: أسلم، وقيل: يزيد، وقيل: ثابت، كان عتيق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثقة، شهد المشاهد مع النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ولزم أمير المؤمنين عليه السلام بعده، وكان من خيار الشيعة. و«الطيس» بفتح المهملة الاُولى: الكثير من الرمل والماء.(وكان شهر رمضان)، رفع «الشهر» ونصبه على الجواز، شهرت الأمر كمنع فاشتهر، وكذا شهّرته تشهيراً، أو يشدّد للمبالغة ولم يفرق الجوهري.(1)(والغلام) بالنصب، أي مع الغلام.و(الوسادة) بالفتح ويكسر.آنسه إيناساً: أبصره، وقرأ برهان الفضلاء : «اُنست» من باب علم ونصر وضرب، من الاُنس خلاف الوحشة، وضبط أيضاً «ما عرفت» بدون البارز، وقال: يحتمل تشديد الراء وتخفيفها، فعلى الثاني، يعني كنت نسبته لطول العهد، و«ما» الاُولى على النسختين نافية.(أعزّ وليّه) يحتمل أن يكون شكراً لنعمة التشيّع، يعني بمعرفة الإمام.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الَّتِي خَرَجَ (2) فِيهَا هَارُونُ يُرِيدُ الْحَجَّ ، فَانْتَهى إِلى جَبَلٍ - عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ ، وَ أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلى مَكَّةَ - يُقَالُ لَهُ : فَارِعٌ ، فَنَظَرَ عليه السلام إِلَيْهِ (3) ، ثُمَّ قَالَ : «بَانِي فَارِعٍ ، وَ هَادِمُهُ يُقَطَّعُ إِرْباً إِرْباً». فَلَمْ نَدْرِ مَا مَعْنى ذلِكَ ؟ فَلَمَّا وَلّى وَافى هَارُونُ ، نَزَلَ (4) بِذلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَ صَعِدَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيى ذلِكَ الْجَبَلَ ، وَ أَمَرَ أَنْ يُبْنى لَهُ ثَمَّ مَجْلِسٌ ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ

.


1- .الصحاح ، ج 2 ، ص 705 (شهر).
2- .في الكافي المطبوع : «حجّ».
3- .في الكافي المطبوع : + «أبو الحسن عليه السلام».
4- .في الكافي المطبوع : «و نزل» بالواو.

ص: 451

مَكَّةَ صَعِدَ إِلَيْهِ ، فَأَمَرَ بِهَدْمِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْعِرَاقِ ، قُطِّعَ إِرْباً إِرْباً .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «خَرَجَ فيها» مكان (خرج فيها).و«الفارع» بالفاء: العالي جدّاً، واسم جبل بين الحرمين. قيل: يمكن أن يكون وجه التسمية إشرافه على الفرع بالضمّ، قرية قرب غدير خمّ.(يقطّع) على المجهول من التفعيل. ضبط برهان الفضلاء : «ونزل» بالواو، كما في بعض النسخ، فالمعنى على الأكثر فلمّا ارتحل عليه السلام عن المنزل الذي يرى منه الفارع صادف هارون عند الوصول إلى فارع، ف «هارون» نصب، وعلى البعض رفع، فالمعنى فلمّا ذهب عليه السلام أتى هارون ونزل. وهذه أوضح.(مجلس) أي صفة لمجلس شراب الخمر.(وجعفر بن يحيى) البرمكي وزير هارون.و«الإرب» بالكسر: العضو.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ الْقَاسِمِ ،(1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسى ، قَالَ : أَلْحَحْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي شَيْ ءٍ أَطْلُبُهُ مِنْهُ ، فَكَانَ يَعِدُنِي ، فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ لِيَسْتَقْبِلَ وَالِيَ الْمَدِينَةِ وَ كُنْتُ مَعَهُ ، فَجَاءَ إِلى قُرْبِ قَصْرِ فُلَانٍ ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَاتٍ وَ نَزَلْتُ أَنَا مَعَهُ (2) ، وَ لَيْسَ مَعَنَا ثَالِثٌ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا الْعِيدُ قَدْ أَظَلَّنَا ، وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا أَمْلِكُ دِرْهَماً فَمَا سِوَاهُ ، فَحَكَّ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ حَكّاً شَدِيداً ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا سَبِيكَةَ ذَهَبٍ ، ثُمَّ قَالَ : «انْتَفِعْ بِهَا ، وَ اكْتُمْ مَا رَأَيْتَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن حمزة بن القاسم».
2- .في الكافي المطبوع : «معه أنا» بدل «أنا معه».

ص: 452

هديّة:(قصر فلان) لعلّ عدم التصريح لكراهة ذكر الاسم ، فإنّ من القصور العشرة التي في حوالى المدينة قصر معاوية ومثله من بني اُميّة وغيرهم من حكّام الجور، وكان قصر معاوية سمّي ب «قصر الخلّ» بفتح المعجمة وتشديد اللام؛ لبنائه إيّاه بالعنف والتعدّي.(في شي ء أطلبه منه) أي أمرٍ عجيب من الدلالات وخرق العادات. ولعلّه عليه السلام أمَرَه بالكتمان عن غير الشيعة، فلا مخالفة لأمره عليه السلام.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ وَ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ جَمِيعاً ، قَالَ : لَمَّا انْقَضى أَمْرُ الْمَخْلُوعِ ، وَ اسْتَوَى الْأَمْرُ لِلْمَأْمُونِ ، كَتَبَ إِلَى الرِّضَا عليه السلام يَسْتَقْدِمُهُ إِلى خُرَاسَانَ ، فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِعِلَلٍ ، فَلَمْ يَزَلِ الْمَأْمُونُ يُكَاتِبُهُ فِي ذلِكَ حَتّى عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ ، وَ أَنَّهُ لَا يَكُفُّ عَنْهُ ، فَخَرَجَ عليه السلام وَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام سَبْعُ سِنِينَ - فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ : لَا تَأْخُذْ عَلى طَرِيقِ الْجَبَلِ وَ قُمَّ ، وَ خُذْ عَلى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَ الْأَهْوَازِ وَ فَارِسَ - حَتّى وَافى مَرْوَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَأْمُونُ أَنْ يَتَقَلَّدَ الْأَمْرَ وَ الْخِلَافَةَ ، فَأَبى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : فَوِلَايَةَ الْعَهْدِ ، فَقَالَ : «عَلى شُرُوطٍ أَسْأَلُكَهَا». قَالَ الْمَأْمُونُ (1) : سَلْ مَا شِئْتَ ، فَكَتَبَ الرِّضَا عليه السلام : «إِنِّي دَاخِلٌ فِي وِلَايَةِ الْعَهْدِ عَلى أَنْ لَا آمُرَ وَ لَا أَنْهى ، وَ لَا أُفْتِيَ وَ لَا أَقْضِيَ ، وَ لَا أُوَلِّيَ وَ لَا أَعْزِلَ ، وَ لَا أُغَيِّرَ شَيْئاً مِمَّا هُوَ قَائِمٌ ، وَ تُعْفِيَنِي مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ» . فَأَجَابَهُ الْمَأْمُونُ إِلى ذلِكَ كُلِّهِ .قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَاسِرٌ ، قَالَ : فَلَمَّا حَضَرَ الْعِيدُ ، بَعَثَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام يَسْأَلُهُ أَنْ يَرْكَبَ ، وَ يَحْضُرَ الْعِيدَ ، وَ يُصَلِّيَ وَ يَخْطُبَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرِّضَا عليه السلام : «قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مِنَ الشُّرُوطِ فِي دُخُولِ هذَا الْأَمْرِ». فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ : إِنَّمَا أُرِيدُ بِذلِكَ أَنْ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُ النَّاسِ وَ يَعْرِفُوا فَضْلَكَ ، فَلَمْ يَزَلْ عليه السلام يُرَادُّهُ الْكَلَامَ فِي ذلِكَ ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ أَعْفَيْتَنِي مِنْ ذلِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ ، وَ إِنْ لَمْ تُعْفِنِي خَرَجْتُ كَمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «له».

ص: 453

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام». فَقَالَ الْمَأْمُونُ : اخْرُجْ كَيْفَ شِئْتَ ، وَ أَمَرَ الْمَأْمُونُ الْقُوَّادَ وَ النَّاسَ أَنْ يُبَكِّرُوا إِلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام .قَالَ : فَحَدَّثَنِي يَاسِرٌ الْخَادِمُ : أَنَّهُ قَعَدَ النَّاسُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي الطُّرُقَاتِ وَ السُّطُوحِ - الرِّجَالُ ، وَ النِّسَاءُ ، وَ الصِّبْيَانُ - وَ اجْتَمَعَ الْقُوَّادُ وَ الْجُنْدُ عَلى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ عليه السلام فَاغْتَسَلَ وَ تَعَمَّمَ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ مِنْ قُطْنٍ ، أَلْقى طَرَفاً مِنْهَا عَلى صَدْرِهِ ، وَ طَرَفاً بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَ تَشَمَّرَ ، ثُمَّ قَالَ لِجَمِيعِ مَوَالِيهِ : «افْعَلُوا مِثْلَ مَا فَعَلْتُ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ عُكَّازاً ، ثُمَّ خَرَجَ وَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ حَافٍ قَدْ شَمَّرَ سَرَاوِيلَهُ إِلى نِصْفِ السَّاقِ ، وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ مُشَمَّرَةٌ.قَالَ (1): فَلَمَّا مَشى وَ مَشَيْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ كَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ ، فَخُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّ السَّمَاءَ وَ الْحِيطَانَ تُجَاوِبُهُ، وَ الْقُوَّادُ وَ النَّاسُ عَلَى الْبَابِ قَدْ تَهَيَّأُوا وَ لَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَ تَزَيَّنُوا بِأَحْسَنِ الزِّينَةِ ، فَلَمَّا طَلَعْنَا عَلَيْهِمْ بِهذِهِ الصُّورَةِ ، وَ طَلَعَ الرِّضَا عليه السلام ، وَقَفَ عَلَى الْبَابِ وَقْفَةً ، ثُمَّ قَالَ : «اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلى مَا هَدَانَا ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلى مَا رَزَقَنَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلى مَا أَبْلَانَا» ، نَرْفَعُ بِهَا أَصْوَاتَنَا .قَالَ يَاسِرٌ : فَتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بِالْبُكَاءِ وَ الضَّجِيجِ وَ الصِّيَاحِ لَمَّا نَظَرُوا إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ سَقَطَ الْقُوَّادُ عَنْ دَوَابِّهِمْ ، وَ رَمَوْا بِخِفَافِهِمْ لَمَّا رَأَوْا أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام حَافِياً ، وَ كَانَ يَمْشِي وَ يَقِفُ فِي كُلِّ عَشْرِ خُطُوَاتٍ ، وَ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .قَالَ يَاسِرٌ : فَيُخَيَّلُ (2) إِلَيْنَا أَنَّ السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ الْجِبَالَ تُجَاوِبُهُ ، وَ صَارَتْ مَرْوُ ضَجَّةً وَاحِدَةً مِنَ الْبُكَاءِ ، وَ بَلَغَ الْمَأْمُونَ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ ذُو الرِّئَاسَتَيْنِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ بَلَغَ الرِّضَا الْمُصَلّى عَلى هذَا السَّبِيلِ افْتَتَنَ بِهِ النَّاسُ ، وَ الرَّأْيُ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ ، فَسَأَلَهُ الرُّجُوعَ ، فَدَعَا أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِخُفِّهِ ، فَلَبِسَهُ وَ رَكِبَ وَ رَجَعَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : - «قال».
2- .في الكافي المطبوع : «فتخيّل».

ص: 454

هديّة:(قال: لمّا انقضى) يعني قال ياسر؛ لأنّ نقل تمام الحديث منه، ونقله من الريّان إنّما هو بغير هذه الألفاظ.قال برهان الفضلاء: «المخلوع» يقال لخفيف العقل ولأمير خلع عن الإمارة، ولقّب الأمين أخو المأمون بالمخلوع لأنّه خلع عن الخلافة مرّة لخفّة عقله، وحكاياتُ خفّة عقله مشهورة، ثمّ تمكّن، ثمّ خلع ثانية واُريد قتله، فطلب الأمان فلم يعطه، فقتل في محرّم سنة ثمان وتسعين ومائة هجرية.وقال بعض المعاصرين: «المخلوع» هنا عمّ المأمون؛ فإنّه خلع عن الخلافة.(1) والصحيح ما قال برهان الفضلاء.والمراد بالجبل هنا بلاد الديلم، منها: الأهواز سبعة أو تسعة كور بين البصرة وفارس، منها: رامهرمز وشوشتر وبهبهان.(حتّى وافى مرو) وافاه: أتاه.واعلم أنّ كلّ اسم عربيّ إذا كان علماً لبلد ولم يكن فيه من العلل سوى العلميّة، فجايز صرفه باعتبار البلد، ومنعه باعتبار البلدة.خطب خطبة العيد كنصر.(تطمئن قلوب الناس) أي من اضطراب من عدم رضائهم بأمر ولاية العهد وتكلّمهم في ذلك سيّما العبّاسيّون.و(القوّاد): رؤساء الأجناد.في بعض النسخ : «يركبوا» مكان (يبكروا)، «بكر» كنصر، ومن التفعيل والإفعال والافتعال والمفاعلة كلّه بمعنى.

.


1- .الوفي ، ج 3 ، ص 821 ، ذيل ح 1429 ، وفيه هكذا : «أريد بالمخلوق أخو المأمون ؛ فإنّه خلع عن الخلافة» فالنسبة غير صحيح.

ص: 455

و«العكّاز»: بالضمّ والتشديد: عصا ذات حديدة في أسفلها.و«على» في المواضع الثلاثة متعلّقة بفعل مقدّر مفهوم من سابقها، أي نكبّره (على ما هدانا)، ونحمده (على ما رزقنا)، و«ما» مصدريّة في الجميع، وذكر (من بهيمة الأنعام) خاصّ بالأضحى، و«الأنعام» عند سيبويه مفرد بمعنى النعمة والزكويّات من الحيوان.قال في القاموس: «النعم» وقد تسكن عينه: الإبل والشّاء، أو خاصّ بالإبل، والجمع : أنعام، وجمع الجمع: أناعيم.(1)وظاهر القرآن أنّه مفرد وجمع؛ ففي سورة النحل: «وَإِنَّ لَكُمْ فِى الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِى بُطُونِهِ»(2) وفي سورة المؤمنون : «مِمّا فى بُطُونِها».(3)(نرفع بها) حاليّة، أي بالتكبيرات. و«الزعزع» بالزاءين المعجمتين والعينين المهملتين: الاضطراب والتحرّك.(فيخيّل إلينا) على المضارع المجهول من التفعيل، يعني فكان يخيّل ليطابق ما سبقه من قوله، فخيّل إلينا على المجهول أيضاً. و(ذوالرئاستين): رياسة القوّاد جميعاً، ورياسة الوزارة على أرباب الدواوين أيضاً.و«الافتتان» يتعدّى ولا يتعدّى، فتنته كنصر، وافتنته أيضاً فافتتن.

الحديث التاسع روى في الكافي عنه،(4) عَنْ يَاسِرٍ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ الْمَأْمُونُ مِنْ خُرَاسَانَ يُرِيدُ بَغْدَادَ ، وَ خَرَجَ الْفَضْلُ ذُو الرِّئَاسَتَيْنِ ، وَ خَرَجْنَا مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، وَرَدَ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ كِتَابٌ مِنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ وَ نَحْنُ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ : إِنِّي نَظَرْتُ فِي تَحْوِيلِ السَّنَةِ فِي حِسَابِ النُّجُومِ ، فَوَجَدْتُ فِيهِ أَنَّكَ تَذُوقُ فِي شَهْرِ كَذَا وَ كَذَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ حَرَّ الْحَدِيدِ وَ حَرَّ

.


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 182 (نعم).
2- .النحل (16): 66.
3- .المؤمنون (23) : 21.
4- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم» بدل «عنه».

ص: 456

النَّارِ ، وَ أَرى أَنْ تَدْخُلَ أَنْتَ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الرِّضَا الْحَمَّامَ فِي هذَا الْيَوْمِ ، وَ تَحْتَجِمَ فِيهِ ، وَ تَصُبَّ عَلى بَدَنِكَ (1) الدَّمَ لِيَزُولَ عَنْكَ نَحْسُهُ .فَكَتَبَ ذُو الرِّئَاسَتَيْنِ إِلَى الْمَأْمُونِ بِذلِكَ ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام ذلِكَ ، فَكَتَبَ الْمَأْمُونُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يَسْأَلُهُ ذلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «لَسْتُ بِدَاخِلٍ الْحَمَّامَ غَداً ، وَ لَا أَرى لَكَ وَ لَا لِلْفَضْلِ أَنْ تَدْخُلَا الْحَمَّامَ غَداً». فَأَعَادَ إِلَيْهِ (2) الرُّقْعَةَ مَرَّتَيْنِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَسْتُ بِدَاخِلٍ غَداً الْحَمَّامَ ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ فِي النَّوْمِ ، فَقَالَ لِي : يَا عَلِيُّ ، لَا تَدْخُلِ الْحَمَّامَ غَداً ، وَ لَا أَرى لَكَ وَ لَا لِلْفَضْلِ أَنْ تَدْخُلَا الْحَمَّامَ غَداً». فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونُ : صَدَقْتَ يَا سَيِّدِي ، وَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، لَسْتُ بِدَاخِلٍ الْحَمَّامَ غَداً وَ الْفَضْلُ أَعْلَمُ .(3)فَقَالَ يَاسِرٌ : فَلَمَّا أَمْسَيْنَا وَ غَابَتِ الشَّمْسُ ، قَالَ لَنَا الرِّضَا عليه السلام : «قُولُوا : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ» . فَلَمْ نَزَلْ نَقُولُ ذلِكَ ، فَلَمَّا صَلَّى الرِّضَا عليه السلام الصُّبْحَ ، قَالَ لِيَ : «اصْعَدْ(4)السَّطْحَ ، فَاسْتَمِعْ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئاً ؟» فَلَمَّا صَعِدْتُ ، سَمِعْتُ الضَّجَّةَ وَ الْتَحَمَتْ وَ كَثُرَتْ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَأْمُونِ قَدْ دَخَلَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي كَانَ إِلى دَارِهِ مِنْ دَارِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ : يَا سَيِّدِي يَا أَبَا الْحَسَنِ ، آجَرَكَ اللَّهُ فِي الْفَضْلِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى (5) وَ كَانَ دَخَلَ الْحَمَّامَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ ، فَقَتَلُوهُ ، وَ أُخِذَ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ(6) نَفَرٍ كَانَ أَحَدُهُمْ ابْنَ خَالَةِ الْفَضْلِ ابْنَ ذِي الْقَلَمَيْنِ .قَالَ : فَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ وَ الْقُوَّادُ ، وَ مَنْ كَانَ فِي (7) رِجَالِ الْفَضْلِ عَلى بَابِ الْمَأْمُونِ ، فَقَالُوا : هذَا

.


1- .في الكافي المطبوع : «يديك».
2- .في الكافي المطبوع : «عليه».
3- .في الكافي المطبوع : + «قال».
4- .في الكافي المطبوع : + «على».
5- .في الكافي المطبوع : «قد أبى».
6- .في الكافي المطبوع : «ثلاث».
7- .في الكافي المطبوع : «مِن».

ص: 457

اغْتَالَهُ وَ قَتَلَهُ - يَعْنُونَ الْمَأْمُونَ - وَ لَنَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ ، وَ جَاؤُوا بِالنِّيرَانِ لِيُحْرِقُوا الْبَابَ ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : يَا سَيِّدِي ، تَرى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَ تُفَرِّقَهُمْ ؟قَالَ : فَقَالَ يَاسِرٌ : فَرَكِبَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ قَالَ لِيَ : «ارْكَبْ» فَرَكِبْتُ ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ بَابِ الدَّارِ ، نَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَ قَدْ تَزَاحَمُوا ، فَقَالَ لَهُمْ بِيَدِهِ : «تَفَرَّقُوا تَفَرَّقُوا» . قَالَ يَاسِرٌ : فَأَقْبَلَ النَّاسُ وَ اللَّهِ يَقَعُ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَ مَا أَشَارَ إِلى أَحَدٍ إِلَّا رَكَضَ وَ مَرَّ .

هديّة:(الأربعاء) بكسر المفردة ممدود.(والفضل أعلم) كأنّه قصد بإيهام لطيف أنّ المطاع إنّما هو فضل النبيّ وابنه صلى اللَّه عليه وآله، لا فضل الفضل وأخيه.في بعض النسخ : «سمعت الصيحة» مكان (سمعت الضجّة). و«الضجّة» أخصّ، وهي الصيحة في المصيبة.(والتحمت) يعني زادت ولصق بعضها ببعض، يُقال: ألحمت الحرب فالتحمت. وفي بعض النسخ : «والنحيب» بالحاء المهملة على فعيل، وهو رفع الصوت بالبكاء، مكان «والتحمت».(قد أتي) على المجهول، أي أصيب، وفي بعض النسخ: بالمفردة من الإباء، أي أبى قبول ذلك؛ و«من رجال الفضل» مكان (في رجال الفضل).غاله واغتاله: أخذه من حيث لم يدرِ، وكلّ ما اغتال الإنسان فأهلكه فهو غول، يُقال : قتله غيلةً بالكسر، وهو أن يخدعه فذهب به إلى موضع ليقتله.(ذي القلمين) نصب على البدل، أو عطف بيان.في إرشاد المفيد مكان (قال: فقال ياسر) «قال: نعم».(1)

.


1- .الإرشاد للمفيد ، ج 2 ، ص 266.

ص: 458

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الاثنين،(1) عَنْ مُسَافِرٍ ؛ وَ عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ مُسَافِرٍ ، قَالَ : لَمَّا أَرَادَ هَارُونُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنْ يُوَاقِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ ، قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : «اذْهَبْ إِلَيْهِ ، وَ قُلْ لَهُ : لَا تَخْرُجْ غَداً ؛ فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ غَداً هُزِمْتَ ، وَ قُتِلَ أَصْحَابُكَ ، فَإِنْ سَأَلَكَ : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هذَا ؟ فَقُلْ : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ» .فَقَالَ (2) : فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَا تَخْرُجْ غَداً ؛ فَإِنَّكَ إِنْ خَرَجْتَ هُزِمْتَ ، وَ قُتِلَ أَصْحَابُكَ ، فَقَالَ (3) : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هذَا ؟ فَقُلْتُ : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ ، فَقَالَ : نَامَ الْعَبْدُ وَ لَمْ يَغْسِلِ اسْتَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَانْهَزَمَ ، وَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ .قَالَ : وَ حَدَّثَنِي مُسَافِرٌ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام بِمِنى ، فَمَرَّ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ ، فَغَطّى رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ ، فَقَالَ : «مَسَاكِينُ لَا يَدْرُونَ مَا يَحُلُّ بِهِمْ فِي هذِهِ السَّنَةِ». ثُمَّ قَالَ : «وَ أَعْجَبُ مِنْ هذَا هَارُونُ وَ أَنَا كَهَاتَيْنِ» وَ ضَمَّ إِصْبَعَيْهِ .قَالَ مُسَافِرٌ : فَوَ اللَّهِ مَا عَرَفْتُ مَعْنى حَدِيثِهِ حَتّى دَفَنَّاهُ مَعَهُ .

هديّة:(مسافر) مولى الرضا عليه السلام وعتيقه.و(هارون بن المسيّب) كان والياً على المدينة من قبل هارون الرشيد.و(محمّد بن جعفر) الصادق عليه السلام كان من أئمّة الزيديّة، خرج بمكّة ولم يلبث إلّا قليلاً ، فغلب وانهزم ومات في خراسان. (يواقع): يحارب. قيل: وفي بعض النسخ: «يواقف» بتقديم القاف، والمواقفة: المحاربة، تقف معه ويقف معك للحرب.(إذهب إليه) أي إلى عمّي محمّد بن جعفر. وقال برهان الفضلاء: يعني إلى هارون بن المسيّب، اللّهمّ لماذا (رأيت في النوم) على التورية.

.


1- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : «قال».
3- .في الكافي المطبوع : + «لي».

ص: 459

(نام العبد ولم يغسل استه) كأنّه مثل يضرب للأضغاث الأحلام.في بعض النسخ : «فغطّى أنفه» مكان (فغطّى رأسه).(هارون و أنا) على الابتداء ، استيناف بيانيّ يبيّن المحذوف ، وهو خبر خبر (وأعجب).(حتى دفنّاه معه) يعني فعرفت أنّ معنى قوله عليه السلام : «هارون وأنا كهاتين» وفات هارون من قبل، وقرب المدفنين في سناباذ نوقان.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَمَلَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام مَالًا لَهُ خَطَرٌ ، فَلَمْ أَرَهُ سُرَّ بِهِ ، قَالَ : فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ حَمَلْتُ مِثْلَ (2) هذَا الْمَالَ وَ لَمْ يُسَرَّ بِهِ ، فَقَالَ : «يَا غُلَامُ ، الطَّسْتَ وَ الْمَاءَ». قَالَ : فَقَعَدَ عَلى كُرْسِيٍّ وَ قَالَ بِيَدِهِ (3) لِلْغُلَامِ : «صُبَّ عَلَيَّ الْمَاءَ». قَالَ : فَجَعَلَ يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فِي الطَّسْتِ ذَهَبٌ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ لِي : «مَنْ كَانَ هكَذَا ، يُبَالِي (4) بِالَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ» .

هديّة:(مالاً له خطر): شأن لكثرة.(سُرّبه) على ما لم يسمّ فاعله.ليس في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - لفظة (مثل) والأكثر أعرف في مقام المبالغة والتعجّب.(يبالي) على الاستفهام الإنكاري.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد».
2- .في الكافي المطبوع : - «مثل».
3- .في الكافي المطبوع : + «و قال».
4- .في الكافي المطبوع : «لا يبالي».

ص: 460

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (1) ، قَالَ : قُبِضَ عَلِيُّ بْنُ مُوسى عليهما السلام - وَ هُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٍ - فِي سِنَةِ اثْنَتَيْنِ وَ مِائَتَيْنِ ؛ عَاشَ بَعْدَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام عِشْرِينَ سَنَةً إِلَّا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً .

هديّة:قد عرفت الأقصد من الخلاف في تاريخه عليه السلام نقلاً من الكافي والتهذيب.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن جعفر جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان».

ص: 461

باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثّاني

الباب الثاني والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الثَّانِي عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ ثلاثة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام (1) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ فِي آخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ شَهْرَيْنِ وَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ؛ وَ دُفِنَ بِبَغْدَادَ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ عِنْدَ قَبْرِ جَدِّهِ مُوسى عليه السلام ، وَ قَدْ كَانَ الْمُعْتَصِمُ أَشْخَصَهُ إِلى بَغْدَادَ فِي أَوَّلِ هذِهِ السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا عليه السلام ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : سَبِيكَةُ ، نُوبِيَّةٌ . وَ قِيلَ أَيْضاً : إِنَّ اسْمَهَا كَانَ خَيْزُرَانَ . وَ رُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:(ولد) الجواد (أبو جعفر) الثاني (محمّد بن علي) بن موسى بن جعفر عليهما السلام زمن محمّد بن هارون الملقّب بالأمين والمخلوع، سادس خلفاء بني العبّاس. ووافق الشيخ في التهذيب ثقة الإسلام في تاريخ الولادة وتاريخ مضيّه عليه السلام، ثمّ قال: وله يومئذ خمس وعشرون سنة، واُمّه اُمُّ ولدٍ يُقال لها: الخيرزان، وكانت من أهل بيت مارية القبطيّة، ودفن ببغداد في مقابر قريش في ظهر جدّه موسى عليه السلام.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع : - «أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام».
2- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 90.

ص: 462

(نوبيّة) نسبة إلى نوبة بالضمّ، جيل من السودان، هو نوبيّ، وهي نوبيّة.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ القمّي،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ - قَالَ مُحَمَّدٌ : وَ كَانَ زَيْدِيّاً - قَالَ : كُنْتُ بِالْعَسْكَرِ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ هُنَاكَ رَجُلاً مَحْبُوساً أُتِيَ بِهِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ مَكْبُولًا ، وَ قَالُوا : إِنَّهُ تَنَبَّأَ . قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ : فَأَتَيْتُ الْبَابَ ، وَ دَارَيْتُ الْبَوَّابِينَ وَ الْحَجَبَةَ حَتّى وَصَلْتُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا رَجُلٌ (2)فَهْمٌ ، فَقُلْتُ : يَا هذَا ، مَا قِصَّتُكَ وَ مَا أَمْرُكَ ؟قَالَ : إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا بِالشَّامِ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ : مَوْضِعُ رَأْسِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَبَيْنَا أَنَا فِي عِبَادَتِي إِذْ أَتَانِي شَخْصٌ ، فَقَالَ لِي : «قُمْ بِنَا» فَقُمْتُ مَعَهُ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ لِي : «تَعْرِفُ هذَا الْمَسْجِدَ ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، هذَا مَسْجِدُ الْكُوفَةِ ، قَالَ : فَصَلّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله بِالْمَدِينَةِ ، فَسَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَسَلَّمْتُ (3) ، وَ صَلّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ ، وَ صَلّى عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا بِمَكَّةَ ، فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتّى قَضى مَنَاسِكَهُ وَ قَضَيْتُ مَنَاسِكِي مَعَهُ ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَهُ إِذَا أَنَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ بِالشَّامِ .وَ مَضَى الرَّجُلُ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ ، إِذَا أَنَا بِهِ ، فَفَعَلَ (4) مِثْلَ فَعْلَتِهِ الْأُولى ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ مَنَاسِكِنَا ، وَ رَدَّنِي إِلَى الشَّامِ ، وَ هَمَّ بِمُفَارَقَتِي ، قُلْتُ لَهُ : سَأَلْتُكَ بِالْحَقِ الَّذِي أَقْدَرَكَ عَلى مَا رَأَيْتُ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسى» .قَالَ : فَتَرَاقَى الْخَبَرُ حَتَّى انْتَهى إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ ، فَبَعَثَ إِلَيَّ ، وَ أَخَذَنِي ، وَ كَبَّلَنِي فِي الْحَدِيدِ ، وَ حَمَلَنِي إِلَى الْعِرَاقِ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : فَارْفَعِ الْقِصَّةَ إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَفَعَلَ وَ ذَكَرَ فِي قِصَّتِهِ مَا كَانَ ، فَوَقَّعَ فِي قِصَّتِهِ : قُلْ لِلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنَ الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أحمد بن إدريس» بدل «القمّي».
2- .في الكافي المطبوع : + «له».
3- .في الكافي المطبوع : «و سلّمت».
4- .في الكافي المطبوع : «فعل».

ص: 463

إِلَى الْكُوفَةِ ، وَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى مَكَّةَ ، وَ رَدَّكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ أَنْ يُخْرِجَكَ مِنْ حَبْسِكَ هذَا .قَالَ عَلِيُّ بْنُ خَالِدٍ : فَغَمَّنِي ذلِكَ مِنْ أَمْرِهِ ، وَ رَقَقْتُ لَهُ ، وَ أَمَرْتُهُ بِالْقَرَارِ(1) وَ الصَّبْرِ ، قَالَ : ثُمَّ بَكَّرْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْجُنْدُ وَ صَاحِبُ الْحَرَسِ وَ صَاحِبُ السِّجْنِ وَ خَلْقُ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : مَاذَا(2) ؟ فَقَالُوا : الْمَحْمُولُ مِنَ الشَّامِ - الَّذِي تَنَبَّأَ - افْتُقِدَ الْبَارِحَةَ ، فَلَا يُدْرى أَ خَسَفَتْ بِهِ الْأَرْضُ ، أَوِ اخْتَطَفَهُ الطَّيْرُ؟

هديّة:(وكان زيديّاً) يعني عليّ بن خالد.(والحجبة) جمع حاجب كطالب وطلبة. كبله بالمفردة كضرب، والكبل: القيد الضخم، والمكبول: المقيّد بالحديد.و«المتنبّي»: المتكلّف النبوّة.(فإذا رجل فهم) «إذا» للمفاجأة، و«إذ» بدون الألف لما مضى من الزمان، وقد تكون للمفاجأة كإذا، كما في بعض النسخ في مواضع في هذا الخبر، مثل «إذ أنا به» بدون الألف.و«الفعلة» بالفتح مصدر والتاء للوحدة النوعيّة.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «بحقّ الذي» مكان (بالحقّ الذي) وهو أظهر.(تراقى) تفاعل للمبالغة في الارتقاء، يعني اشتهر بحيث وصل إلى الوالي.(الزيّات) وصف ل (عبد الملك).(وذكر في قصّته) أي في حاشية كتاب قصّته.في بعض النسخ : «بالعزاء» بمعنى الصبر على المصيبة مكان بالقرار، و«القرار» أحقّ بالقرار في المكان.

.


1- .في الكافي المطبوع : «بالعزاء».
2- .في الكافي المطبوع : «ما هذا».

ص: 464

و(الحرس) بالتحريك: اسم الجمع، يعني الحرّاس.و(البارحة): الليلة الماضية من الزوال إلى الصبح، وقيل: إلى نصف الليل.في بعض النسخ : «ما هذا» مكان (ماذا).خسف اللَّه به الأرض كضرب.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده (1) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَزِينٍ - قَالَ : كُنْتُ مُجَاوِراً بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ (2) صلى اللَّه عليه وآله - وَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَجِي ءُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ الزَّوَالِ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَيَنْزِلُ فِي الصَّحْنِ ، وَ يَصِيرُ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، وَ يَرْجِعُ إِلى بَيْتِ فَاطِمَةَ عليها السلام ، فَيَخْلَعُ نَعْلَيْهِ ، وَ يَقُومُ ، فَيُصَلِّي ، فَوَسْوَسَ إِلَيَّ الشَّيْطَانُ ، فَقَالَ : إِذَا نَزَلَ ، فَاذْهَبْ حَتّى تَأْخُذَ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يَطَأُ عَلَيْهِ ، فَجَلَسْتُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنْتَظِرُهُ لِأَفْعَلَ هذَا .فَلَمَّا أَنْ كَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ ، أَقْبَلَ عليه السلام عَلى حِمَارٍ لَهُ ، فَلَمْ يَنْزِلْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِيهِ ، وَ جَاءَ حَتّى نَزَلَ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلى بَابِ الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ دَخَلَ ، فَسَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، فَفَعَلَ هذَا أَيَّاماً ، فَقُلْتُ : إِذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ جِئْتُ فَأَخَذْتُ الْحَصَى الَّذِي يَطَأُ عَلَيْهِ بِقَدَمَيْهِ .فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ ، جَاءَ عِنْدَ الزَّوَالِ ، فَنَزَلَ عَلَى الصَّخْرَةِ ، ثُمَّ دَخَلَ ، فَسَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، فَصَلّى فِي نَعْلَيْهِ وَ لَمْ يَخْلَعْهَا(3) ، حَتّى فَعَلَ ذلِكَ أَيَّاماً ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَمْ يَتَهَيَّأْ لِي هاهُنَا ، وَ لكِنْ أَذْهَبُ إِلى بَابِ الْحَمَّامِ ، فَإِذَا دَخَلَ (4)

.


1- .هكذا في «الف» و «د» و هو غير صحيح ، لأنّ السند في الكافي المطبوع بدأ بالحسين بن محمّد الأشعري و هو من مشايخ الكليني.
2- .في الكافي المطبوع : «بالمدينة مدينة الرسول» بدل «بمدينة الرسول».
3- .في الكافي المطبوع : «ولم يخلعهما».
4- .في الكافي المطبوع : + «إلى».

ص: 465

الْحَمَّامَ ، أَخَذْتُ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يَطَأُ عَلَيْهِ ، فَسَأَلْتُ عَنِ الْحَمَّامِ الَّذِي يَدْخُلُهُ ، فَقِيلَ لِي : إِنَّهُ يَدْخُلُ حَمَّاماً بِالْبَقِيعِ لِرَجُلٍ مِنْ وُلْدِ طَلْحَةَ ، فَتَعَرَّفْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْحَمَّامَ ، فَصِرْتُ (1) إِلى بَابِ الْحَمَّامِ ، وَ جَلَسْتُ إِلَى الطَّلْحِيِّ أُحَدِّثُهُ وَ أَنَا أَنْتَظِرُ مَجِيئَهُ عليه السلام ، فَقَالَ الطَّلْحِيُّ : إِنْ أَرَدْتَ دُخُولَ الْحَمَّامِ ، فَقُمْ ، فَادْخُلْ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَكَ ذلِكَ بَعْدَ سَاعَةٍ .قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : لِأَنَّ ابْنَ الرِّضَا يُرِيدُ دُخُولَ الْحَمَّامِ ، قَالَ : قُلْتُ : وَ مَنِ ابْنُ الرِّضَا ؟ قَالَ : رَجُلٌ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، لَهُ صَلَاحٌ وَ وَرَعٌ ، قُلْتُ لَهُ : وَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ الْحَمَّامَ غَيْرُهُ ؟ قَالَ : نُخْلِي لَهُ الْحَمَّامَ إِذَا جَاءَ .قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عليه السلام وَ مَعَهُ غِلْمَانٌ لَهُ ، وَ بَيْنَ يَدَيْهِ غُلَامٌ مَعَهُ حَصِيرٌ حَتّى أَدْخَلَهُ الْمَسْلَخَ ، فَبَسَطَهُ وَ وَافى ، فَسَلَّمَ وَ دَخَلَ الْحُجْرَةَ عَلى حِمَارِهِ ، وَ دَخَلَ الْمَسْلَخَ ، وَ نَزَلَ عَلَى الْحَصِيرِ .فَقُلْتُ لِلطَّلْحِيِّ : هذَا الَّذِي وَصَفْتَهُ (2) مِنَ الصَّلَاحِ وَ الْوَرَعِ ؟ فَقَالَ : يَا هذَا ، لَا وَ اللَّهِ ، مَا فَعَلَ هذَا قَطُّ إِلَّا فِي هذَا الْيَوْمِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هذَا مِنْ عَمَلِي أَنَا جَنَيْتُهُ ، ثُمَّ قُلْتُ : أَنْتَظِرُهُ حَتّى يَخْرُجَ ، فَلَعَلِّي أَنَالُ مَا أَرَدْتُ إِذَا خَرَجَ ، فَلَمَّا خَرَجَ وَ تَلَبَّسَ ، دَعَا بِالْحِمَارِ ، فَأُدْخِلَ الْمَسْلَخَ وَ رَكِبَ مِنْ فَوْقِ الْحَصِيرِ وَ خَرَجَ عليه السلام .فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ - وَ اللَّهِ - آذَيْتُهُ وَ لَا أَعُودُ أَرُومُ (3) مَا رُمْتُ مِنْهُ أَبَداً ، وَ صَحَّ عَزْمِي عَلى ذلِكَ ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الزَّوَالِ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ ، أَقْبَلَ عَلى حِمَارِهِ حَتّى نَزَلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ فِيهِ فِي الصَّحْنِ ، فَدَخَلَ وَ سَلَّمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ جَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ ، وَ قَامَ يُصَلِّي .

هديّة:منعه عليه السلام إيّاه ذلك إمّا دليل من دلايل الإمامة، أو لكراهة الفعل الشبيه بفعل السامري ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «و صرت».
2- .في الكافي المطبوع : + «بما وصفت».
3- .في الكافي المطبوع : «ولا أروم».

ص: 466

أو للحذر عن الشهرة، أو لقصد الرجل تهيئة الاكسير لعمل الكيمياء، أو لحيلة اُخرى، والعلم عند اللَّه وحججه عليهم السلام.و(الطلحي) بفتحتين وتسكن اللام: نسبة إلى طلحة.(تعرّفت) على المعلوم من التفعّل، أي تطلّبت حتّى عرفت، و«التطلّب»: مبالغة في الطلب.(جنيته): آذيته من الجناية بالجيم، وقيل: الظاهر جفيته من الجفاء؛ لأنّ الجناية يتعدّى ب «على».أقول: يُقال: جفوته. قال الجوهري: ولا تقل جفيته بالياء(1) فجنيته بالنون على تضمين معنى آذيته.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ الاثنين،(2) عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، قَالَ : خَرَجَ عَلَيَّ ، فَنَظَرْتُ إِلى رَأْسِهِ وَ رِجْلَيْهِ لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ حَتّى قَعَدَ ، وَ قَالَ : «يَا عَلِيُّ ، إِنَّ اللَّهَ احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ (3) فِي النُّبُوَّةِ ، فَقَالَ : «وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» وَقَالَ (4) : «حَتّى إِذا بَلَغَ (5) أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ صَبِيّاً ، وَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَاهَا وَ هُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً» .

هديّة:قد سبق نظيره، وهو الحديث السابع في الباب التسعين.(6)

.


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2303 (جفا).
2- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
3- .في الكافي المطبوع : - «به».
4- .في الكافي المطبوع : «قال» بدون الواو.
5- .هكذا في القرآن، و في «ألف» و «د» والمطبوع: «ولمّا بلغ» بدل «حتى إذا بلغ».
6- .أي : «باب حالات الأئمّة في السنّ».

ص: 467

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّيَّانِ ، قَالَ : احْتَالَ الْمَأْمُونُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام بِكُلِّ حِيلَةٍ ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ فِيهِ شَيْ ءٌ ، فَلَمَّا اعْتَلَّ وَ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ ابْنَتَهُ ، دَفَعَ إِلى مِائَتَيْ وَصِيفَةٍ مِنْ أَجْمَلِ مَا يَكُونُ (1) إِلى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ جَاماً فِيهِ جَوْهَرٌ يَسْتَقْبِلْنَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام إِذَا قَعَدَ مَوْضِعَ الْأَخْيَارِ ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِنَّ .فَكَانَ (2) رَجُلٌ - يُقَالُ لَهُ : مُخَارِقٌ - صَاحِبَ صَوْتٍ وَ عُودٍ وَ ضَرْبٍ ، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ ، فَدَعَاهُ الْمَأْمُونُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ كَانَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَأَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَشَهِقَ مُخَارِقٌ شَهْقَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الدَّارِ ، وَ جَعَلَ يَضْرِبُ بِعُودِهِ وَ يُغَنِّي .فَلَمَّا فَعَلَ سَاعَةً وَ إِذَا أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ لَا يَمِيناً وَ لَا شِمَالًا ، ثُمَّ رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ ، وَ قَالَ : «اتَّقِ اللَّهَ يَا ذَا الْعُثْنُونِ». قَالَ : فَسَقَطَ الْمِضْرَابُ مِنْ يَدِهِ وَ الْعُودُ ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِيَدَيْهِ إِلى أَنْ مَاتَ .قَالَ : فَسَأَلَهُ الْمَأْمُونُ عَنْ حَالِهِ ، فَقَالَ (3) : لَمَّا صَاحَ بِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فُزِّعْتُ فَزْعَةً لَا أُفِيقُ مِنْهَا أَبَداً .

هديّة:(فلمّا اعتلّ) على المعلوم، أي مرض مرض العجز، وضعف عن قوّة الاحتيال في الغلبة عليه، أو أن ينادمه ويشركه معه فيما يركبه من الفسوق. وقرأ برهان الفضلاء بالمعجمة من الاغتلال، للمبالغة في حرقة القلب من العطش؛ يعني فلمّا اشتاق جدّاً إلى معاشرته عليه السلام في مجالس لهوه ولعبه، أو تطلّب ماء المراد من الغلبة بالاحتيال أوخياله أنّ ورعه عليه السلام يحفظه من الغلبة عليه.

.


1- .في الكافي المطبوع جديداً مستنداً بكثير من النسخ : «ما يَكُنَّ».
2- .في الكافي المطبوع : «و كان».
3- .في الكافي المطبوع : «قال».

ص: 468

(يبني عليه) على المعلوم من باب رمى، أي يزفّها عليه.(يستقبلن) حال مقدّرة من (كلّ واحدة).(موضع الأخيار) يعني في صدر المجلس.(وإذا أبو جعفر عليه السلام) للمفاجأة، وجواب «لمّا» محذوف، أي فاعتلّ هو أيضاً كالمأمون. وقرأ برهان الفضلاء : «ثمّ» بفتح المثلّثة فاسم إشارة، و«فقال» مكان (وقال) فجواب «لمّا».و(العثنون) بالمثلّثة والنون كعرجون: طول اللحية، واللحية، والطويل من اللحية.(فزّعت) على المجهول من التفعيل.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ مَعِي ثَلَاثُ رِقَاعٍ غَيْرُ مُعَنْوَنَةٍ ، وَ اشْتَبَهَتْ عَلَيَّ ، فَاغْتَمَمْتُ ، فَتَنَاوَلَ إِحْدَاهَا ، وَ قَالَ : «هذِهِ رُقْعَةُ زِيَادِ بْنِ شَبِيبٍ». ثُمَّ تَنَاوَلَ الثَّانِيَةَ ، فَقَالَ : «هذِهِ رُقْعَةُ فُلَانٍ» . فَبُهِتُّ أَنَا ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَتَبَسَّمَ .قَالَ : وَ أَعْطَانِي ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ ، وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلى بَعْضِ بَنِي عَمِّهِ ، وَ قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ سَيَقُولُ لَكَ : دُلَّنِي عَلى حَرِيفٍ يَشْتَرِي لِي بِهَا مَتَاعاً ، فَدُلَّهُ عَلَيْهِ».قَالَ : فَأَتَيْتُهُ بِالدَّنَانِيرِ ، فَقَالَ لِي : يَا أَبَا هَاشِمٍ ، دُلَّنِي عَلى حَرِيفٍ يَشْتَرِي لِي بِهَا مَتَاعاً ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : وَ كَلَّمَنِي جَمَّالٌ أَنْ أُكَلِّمَهُ لَهُ يُدْخِلُهُ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ لِأُكَلِّمَهُ لَهُ ، فَوَجَدْتُهُ يَأْكُلُ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ وَ لَمْ يُمْكِنِّي كَلَامُهُ ، ثُمَّ قَالَ (2) : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، كُلْ» وَ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ ، ثُمَّ قَالَ - ابْتِدَاءً مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ - : «يَا غُلَامُ ، انْظُرْ إِلَى الْجَمَّالِ الَّذِي أَتَانَا بِهِ أَبُو هَاشِمٍ ، فَضُمَّهُ إِلَيْكَ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد».
2- .في الكافي المطبوع : «فقال».

ص: 469

قَالَ : وَ دَخَلْتُ مَعَهُ ذَاتَ يَوْمٍ بُسْتَاناً ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي لَمُولَعٌ بِأَكْلِ الطِّينِ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي ، فَسَكَتَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَيَّامٍ ابْتِدَاءً مِنْهُ : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكَ أَكْلَ الطِّينِ». قَالَ أَبُو هَاشِمٍ : فَمَا شَيْ ءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ الْيَوْمَ .

هديّة:يكنّى (داود بن القاسم الجعفري) أبا هاشم.(فبهتّ) على ما لم يسمّ فاعله، أي صرت متحيّراً. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ففهت» بالفاء مكان المفردة، ولا تغاير في المعنى.و«الحريف»: المعامل.(ووضع بين يديّ) حاليّة، وعلى المجهول أولى، أي الخوان أو الطعام.و«المولع» على اسم المفعول من الإفعال: الحريص.(منه): من أكل الطين.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ الاثنين،(1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ الْهَاشِمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام صَبِيحَةَ عُرْسِهِ حَيْثُ بَنى بِابْنَةِ الْمَأْمُونِ ، وَ كُنْتُ تَنَاوَلْتُ مِنَ اللَّيْلِ دَوَاءً ، فَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي صَبِيحَتِهِ أَنَا ، وَ قَدْ أَصَابَنِي الْعَطَشُ ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ ، فَنَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي وَجْهِي ، وَ قَالَ : «أَظُنُّكَ عَطْشَانَ». فَقُلْتُ : أَجَلْ ، فَقَالَ : «يَا غُلَامُ - أَوْ يَا(2) جَارِيَةُ - اسْقِنَا مَاءً» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : السَّاعَةَ يَأْتُونَهُ بِمَاءٍ يَسُمُّونَهُ بِهِ ، فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ وَ مَعَهُ الْمَاءُ ، فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِي ، ثُمَّ قَالَ : «يَا غُلَامُ ، نَاوِلْنِي الْمَاءَ». فَتَنَاوَلَ الْمَاءَ ، فَشَرِبَ ، ثُمَّ نَاوَلَنِي ، فَشَرِبْتُ ، ثُمَّ عَطِشْتُ أَيْضاً ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ ، فَفَعَلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولى ، فَلَمَّا جَاءَ الْغُلَامُ وَ مَعَهُ

.


1- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : - «يا».

ص: 470

الْقَدَحُ ، قُلْتُ فِي نَفْسِي مِثْلَ مَا قُلْتُ فِي الْأُولى ، فَتَنَاوَلَ الْقَدَحَ ، ثُمَّ شَرِبَ ، فَنَاوَلَنِي ، وَ تَبَسَّمَ .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ : فَقَالَ لِي هذَا الْهَاشِمِيُّ : وَ أَنَا أَظُنُّهُ كَمَا يَقُولُونَ .

هديّة:(أو) الأولى شكّ من عليّ بن محمّد بن حمزة في اسم الهاشميّ مع الجزم بأنّه هاشميّ. (أو يا جارية) يحتمل - كما قال برهان الفضلاء - أن تكون كلام الإمام منادياً من كان منهما عقيب الستر.(يسمّونه به) كمدّ يقصدونه بالماء المسموم.(وأنا أظنّه) «ظنّ» بمعنى «علم» كثير في كلامهم، فالمعنى، اعرف الآن الحقّ وأقول بإمامته كالشيعة.ويحتمل «تقولون» على الخطاب.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّوَاحِي مِنَ الشِّيعَةِ ، فَأَذِنَ لَهُمْ ، فَدَخَلُوا ، فَسَأَلُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَ عليه السلام وَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ .

هديّة:قيل: السؤال في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة من خرق العادة، وذلك من غير المعصوم لا يوافق المذهب، فاُجيب بأنّه يمكن أن يكون سؤالهم بعرض المسائل المكتوبة في كتابٍ، فجواب الإمام عليه السلام بالعادة أو بخرقها بكتابة مثل «لا» و«نعم»، وأيضاً سؤال ثلاثين نفراً مثلاً من طلوع الشمس إلى زوالها كلّ واحد عن ألف مسألة ليس بمحالٍ عادةً، وهذا الحديث رواه الصدوق رحمة اللَّه عليه أيضاً في عدّة من كتبه.(1)

.


1- .لم نعثر عليه في كتب الشيخ الصدوق قدّس سرّه.

ص: 471

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ (1) ، عَنْ دِعْبِلِ بْنِ عَلِيٍّ : أَنَّهُ دَخَلَ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، وَ أَمَرَ لَهُ بِشَيْ ءٍ ، فَأَخَذَهُ وَ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : «لِمَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ؟».قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ بَعْدَهُ (2) عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ أَمَرَ لِي بِشَيْ ءٍ ، فَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَقَالَ لِي : «تَأَدَّبْتَ» .

هديّة:(دعبل) كزبرج الخزاعي أبو عليّ الشاعر، معروف في أصحابنا بخلوص الإيمان وعلوّ المنزلة وعظم الشأن، وقصائده في مناقبهم عليهم السلام مشهورة. و«الخزاعة» بالضمّ: القطعة تقطع من الشي ء، وبلا لام: أبو حيّ من الأزد سمّوا لأنّهم تخزّعوا من قومهم وأقاموا بمكّة، وكتاب طبقات الشعراء من تصانيف دعبل.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، حَدَثَ بِآلِ فَرَجٍ حَدَثٌ ؟» فَقُلْتُ : مَاتَ عُمَرُ ، فَقَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ» حَتّى أَحْصَيْتُ لَهُ أَرْبَعاً وَ عِشْرِينَ مَرَّةً ، فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هذَا يَسُرُّكَ ، لَجِئْتُ حَافِياً أَعْدُو إِلَيْكَ ، قَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، أَ وَ لَا تَدْرِي مَا قَالَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي عليه السلام ؟»(4) قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «خَاطَبَهُ فِي شَيْ ءٍ ، فَقَالَ : أَظُنُّكَ سَكْرَانَ ، فَقَالَ أَبِي عليه السلام :(5) إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أَمْسَيْتُ لَكَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن الحكم».
2- .في الكافي المطبوع : «بعد».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن محمّد بن سنان».
4- .في الكافي المطبوع : + «قال».
5- .في الكافي المطبوع : + «اللّهمّ».

ص: 472

صَائِماً ، فَأَذِقْهُ طَعْمَ الْحَرَبِ ، وَ ذُلَّ الْأَسْرِ ، فَوَ اللَّهِ ، إِنْ ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ حَتّى حُرِبَ مَالَهُ وَ مَا كَانَ لَهُ ، ثُمَّ أُخِذَ أَسِيراً ، وَ هُوَ ذَا قَدْ مَاتَ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ ، و قَدْ أَدَالَ اللَّهُ تَعَالى مِنْهُ ، وَمَا زَالَ يُدِيلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام، وفي بعض النسخ بإثبات «الثالث».و(فرج) بفتحتين والجيم كان عبداً من عبيد عليّ بن يقطين، وكان عمر المذكور في هذا الحديث ومحمّد المذكور فيما سيجي ء من بنيه.و(الحرب) محرّكة: سلب المال والنهب والغارة، ومنه «المحارب» لقاطع الطريق، (حتّى) للاستثناء، و(حرب) على المجهول من باب نصر. قال برهان الفضلاء: والمستتر نائب الفاعل، و(ماله) نصب مفعول ثانٍ.(أدال اللَّه منه): أزال الدولة منه وأعطاه غيره، و«أداله»: أعطاه الدولة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ،(1) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي مَسْجِدِ الْمُسَيَّبِ ، وَ صَلّى بِنَا فِي مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ سَوَاءً ، وَ ذُكِرَ أَنَّ السِّدْرَةَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ عَلَيْهَا وَرَقٌ ، فَدَعَا بِمَاءٍ ، وَ تَهَيَّأَ تَحْتَ السِّدْرَةِ فَعَاشَتِ السِّدْرَةُ وَ أَوْرَقَتْ ، وَ حَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا .

هديّة:(سواء) قيل: يعني من غير انحراف عن جدار القبلة، لا إلى التيامن ولا إلى التياسر. وقال برهان الفضلاء: يعني صلاة المغرب، فإنّها على السواء للمقيم والمسافر، والغرض أنّه عليه السلام صلّى المغرب في المسجد، فخرج وصلّى العشاء الآخرة في المنزل. وقيل: يعني من غير إبراز عن الصفّ وليس بشي ء.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن حسّان».

ص: 473

و(مسجد المسيّب) من مساجد الكوفة. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «في مسجد السدرة»، قال: والمراد بمسجد السدرة الذي عند دار المسيّب بالكوفة.والمراد ب (موضع القبلة) المحراب، يعني في موقف الإمامة.(وذكر) أي الجعفري.(وتهيّأ) أي للوضوء للصلاة، قيل: والظاهر «من ساعتها» مكان (من عامها).

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْحَجَّالِ (1) وَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، عَنِ الْمُطْرَفِيِّ ، قَالَ : مَضى أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وَ لِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : ذَهَبَ مَالِي ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِذَا كَانَ غَداً فَأْتِنِي ، وَ لْيَكُنْ مَعَكَ مِيزَانٌ وَ أَوْزَانٌ».فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «مَضى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، وَلَكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَرَفَعَ الْمُصَلَّى الَّذِي كَانَ تَحْتَهُ ، فَإِذَا تَحْتَهُ دَنَانِيرُ ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ .

هديّة:(المطرفي) بيّاع المطرف على اسم المفعول من الإفعال، رداء من الخزّ، له أعلام ينسج في اليمن.و«الأوزان»: المثاقيل جمع الوزن بمعنى المثقال.قيل: والظاهر أنّ هنا إسقاط من القلم كأنّه هكذا : «فدفعها إليّ، فقال: لم يذهب مالك».أقول: لا حاجة إلى هذا التخمين؛ لأنّ تساوي الدنانير للدراهم من الدلالات، والمعنى: فأخذ دنانير من جملة ما هناك دفعة، فدفعها إليّ فإذا هي تساوي.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال».

ص: 474

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (1) ، قَالَ : قُبِضَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً ، تُوُفِّيَ يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ ؛ عَاشَ بَعْدَ أَبِيهِ عليهما السلام تِسْعَةَ عَشْرَ(2) سَنَةً إِلَّا خَمْساً وَ عِشْرِينَ يَوْماً .

هديّة:قد علم بيانه ممّا نقلناه من كلام ثقة الإسلام وشيخ الطائفة طاب اللَّه ثراهما.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «سعد بن عبد اللَّه، والحميرى جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان».
2- .في الكافي المطبوع : «تسع عشرة».

ص: 475

باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام

الباب الثالث والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام وأحاديثه في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ عشرة:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام (1)لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَ مِائَتَيْنِ؛ وَ رُوِيَ أَنَّهُ وُلِدَ عليه السلام فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ(2) وَ مِائَتَيْنِ .وَمَضى عليه السلام لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ ؛ وَرُوِيَ أَنَّهُ قُبِضَ عليه السلام فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَ لَهُ أَحَدٌ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً عَلَى الْمَوْلِدِ الْآخَرِ الَّذِي رُوِيَ .وَ كَانَ الْمُتَوَكِّلُ أَشْخَصَهُ مَعَ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ بْنِ أَعْيَنَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى سُرَّ مَنْ رَأى ، فَتُوُفِّيَ بِهَا عليه السلام ، وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : سَمَانَةُ .

هديّة:(ولد أبو الحسن) الثالث الهادي (عليّ بن محمّد) بن عليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام زمن المأمون أبي العبّاس عبداللَّه بن هارون الرشيد سابع الخلفاء العبّاسيّة. واقتصر

.


1- .في الكافي المطبوع : «عليه السلام» بدل «أبو الحسن عليّ بن محمد عليهما السلام».
2- .في الكافي المطبوع : «أربع عشرة».

ص: 476

الشيخ في التهذيب على التاريخ الأوّل في الولادة، وعلى الثاني في المضيّ، وقال: وله عليه السلام يومئذٍ أحد وأربعون سنة وسبعة أشهر.(1) ووافق ثقة الإسلام في المدفن واسم اُمّه عليه السلام.(وكان المتوكّل) على اللَّه أبو الفضل جعفر بن معتصم بن هارون الرشيد بن مهدي بن منصور محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، عاشر خلفاء بني العبّاس، قتله عبيده.و«الجمادى» بضمّ الجيم والقصر وتكسر الدال، قيل: ويفتح الجيم يذكّر ويؤنّث، فيستقيم الآخرة كالآخر. قال في القاموس: «جمادى» كحبارى من أسماء الشهور، معرفة، مؤنّثة، والجمع: جماديّات.(2)وقال برهان الفضلاء:لا يخفى ما من المسامحتين في بيان التفاوت بين التاريخين، فإنّ الولادة على الأوّل إذا كانت في أوّل رجب مثلاً، فالتفاوت بين تاريخي الولادة سنة وستّة أشهر وخمسة عشر يوماً، فزيد في المذكور إحدى عشر يوماً؛ وإن كانت على الثاني في أوّل رجب، فالسنّ أربعون سنة إلّا أربعة أيّام.و(هرثمة) بالمثلّثة كوسوسة: من عبيد المتوكّل كان من قوّاد جنده، وكذا (يحيى) ابنه بعده.سمن كسمع سمانة بالفتح وهو سامن وسمين وسمّان بالفتح والتشديد: أصباغ يزخرف بها.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الاثنين (3)، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ خَيْرَانَ الْأَسْبَاطِيِّ ، قَالَ : قَدِمْتُ عَلى أَبِي

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 92.
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 285 (جمد).
3- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».

ص: 477

الْحَسَنِ عليه السلام الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ لِي : «مَا خَبَرُ الْوَاثِقِ عِنْدَكَ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، خَلَّفْتُهُ فِي عَافِيَةٍ ، أَنَا مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ عَهْداً بِهِ (1)، مُنْذُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ : إِنَّهُ قَدْ(2) مَاتَ». فَلَمَّا أَنْ قَالَ لِيَ : «النَّاسَ» عَلِمْتُ أَنَّهُ هُوَ .ثُمَّ قَالَ لِي : «مَا فَعَلَ جَعْفَرٌ ؟» قُلْتُ : تَرَكْتُهُ أَسْوَأَ النَّاسِ حَالًا فِي السِّجْنِ ، قَالَ : فَقَالَ لِي (3) : «أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ ؛ مَا فَعَلَ ابْنُ الزَّيَّاتِ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، النَّاسُ مَعَهُ ، وَ الْأَمْرُ أَمْرُهُ ، قَالَ : فَقَالَ : «أَمَا إِنَّهُ شُؤْمٌ عَلَيْهِ».قَالَ : ثُمَّ سَكَتَ : وَ قَالَ لِي : «لَا بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ مَقَادِيرُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَحْكَامُهُ ؛ يَا خَيْرَانُ ، مَاتَ الْوَاثِقُ ، وَ قَدْ قَعَدَ الْمُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ ، وَ قَدْ قُتِلَ ابْنُ الزَّيَّاتِ». فَقُلْتُ : مَتى جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «بَعْدَ خُرُوجِكَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ» .

هديّة:قيل: «الأسباطي» نسبة إلى أحد أجداده. وقيل: «الأسباط» عبارة عن قبائل من العرب المتفرّقة في البلاد. وقال برهان الفضلاء: الظاهر أنّ «خيران» هذا هو الزاكاني المذكور في الحديث الثاني في الباب الثالث والسبعين. وذكر أهل التاريخ أنّ زاكان قبيلة من العرب سكنوا بلاد الديالمة، وخفاجة من العرب سكنوا بلاد خراسان.و(الواثق) باللَّه أبو جعفر هارون بن معتصم بن هارون الرشيد، وأخو المتوكّل على اللَّه، والواثق تاسع الخلفاء، وأخوه جعفر المتوكّل عاشرهم.(شؤم) بالضمّ يهمز ولا يهمز.(فلمّا أن قال لي: الناس) يعني فلمّا نسب القول إلى غيره من أهل المدينة على التورية، (علمت) أنّ القائل (هو) عليه السلام، فلعلّ التورية أوّلاً لحضور من غاب ثانياً.و«المقادير»: جمع المقدور، بمعنى المقدّر.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عهدي به».
2- .في الكافي المطبوع : - «قد».
3- .في الكافي المطبوع : - «لي».

ص: 478

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ،(1) عَنْ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فِي كُلِّ الْأُمُورِ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِكَ ، وَ التَّقْصِيرَ بِكَ حَتّى أَنْزَلُوكَ هذَا الْخَانَ الْأَشْنَعَ ، خَانَ الصَّعَالِيكَ .فَقَالَ : «هَاهُنَا أَنْتَ يَا ابْنَ سَعِيدٍ ؟» ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ ، وَ قَالَ : «انْظُرْ» فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا أَنَا بِرَوْضَاتٍ أَنِقَاتٍ ، وَ رَوْضَاتٍ بَاسِرَاتٍ ، فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ عَطِرَاتٌ ، وَ وِلْدَانٌ كَأَنَّهُنَّ اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ ، وَ أَطْيَارٌ وَ ظِبَاءٌ وَ أَنْهَارٌ تَفُورُ ، فَحَارَ(2) ، وَ حَسَرَتْ عَيْنِي ، فَقَالَ : «حَيْثُ كُنَّا فَهذَا لَنَا عَتِيدٌ ، لَسْنَا فِي خَانِ الصَّعَالِيكَ» .

هديّة:حديث دعوة المتوكّل الإمام عليه السلام من المدينة إلى سامرّا بإرسال يحيى بن هرثمة مع ثلاثمائة نفر إليه بكمال إظهار العزّة والاحترام ومواعيد الملاطفة والإكرام في كتاب له عليه السلام، ثمّ غدره بعد الموافاة مذكور في كشف الغمّة(3) وغيره من الكتب، وحديث الكتاب سيجي ء في هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.والباء في (بك) للتعدية، فإنّ (التقصير) يتعدّى ولا يتعدّى، أو بتضمين معنى الوصول أو الإيصال، أي إيصال النقص بك.و«الصعلوك» كعصفور: الفقير الذي لا مال له، يعني الخان الذي ينزله الفقراء.(هاهنا أنت) قيل: يعني مثلك بخلوص اعتقاده فينا يظنّ كذا، وقيل: يعني أنت لا نحن، واحتمل برهان الفضلاء كلاهما. وقرأ بعض الفضلاء: «ائت» على الأمر من الإتيان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن محمّد بن يحيى».
2- .في الكافي المطبوع : + «بصري».
3- .كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 382.

ص: 479

و«الأنق» بالتحريك: الفرح والسرور، وأنق كعلم وهو آنق وأنيق: حسن معجب، وفلان تأنّق في الروضة: وقع فيها معجباً بها. وقرأ برهان الفضلاء : «انفات» بضمّتين والفاء؛ الجوهري: روضة أنف بضمّتين لم يرعها أحد.(1)و«البسر» بضمّ المفردة: الغضّ من كلّ شي ء، والماء الطريّ، والباسر: الواصل إلى الكمال أيضاً. وفي بعض النسخ بالمعجمة من البِشر بالكسر، بمعنى الحسن والجمال، إلّا أنّ الجوهري قال: «البشير»: الجميل.(2) ولم يسمع باشر بهذا المعنى.حسر بصره كضرب: كَلَّ. و«العتيد»: المهيّأ.وفي كشف الغمّة: فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات، وجنان فيها خيرات عطرات.(3)ولا يبعد القول بأنّ ذلك برفع الحجاب عن روضات عالم البرزخ، فكلّما أراد الإمام رفع بإذن اللَّه سبحانه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ،(4) عَنْ إِسْحَاقَ الْجَلَّابِ ، قَالَ : اشْتَرَيْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام غَنَماً كَثِيرَةً ، فَدَعَانِي ، فَأَدْخَلَنِي مِنْ إِصْطَبْلِ دَارِهِ إِلى مَوْضِعٍ وَاسِعٍ لَا أَعْرِفُهُ ، فَجَعَلْتُ أُفَرِّقُ تِلْكَ الْغَنَمَ فِيمَنْ أَمَرَنِي بِهِ ، فَبُعِثْثُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ وَ إِلى وَالِدَتِهِ وَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ أَمَرَنِي ، ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِانْصِرَافِ إِلى بَغْدَادَ إِلى وَالِدِي ، وَ كَانَ ذلِكَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : «تُقِيمُ غَداً عِنْدَنَا ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ». قَالَ : فَأَقَمْتُ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ ، أَقَمْتُ عِنْدَهُ ، وَ بِتُّ لَيْلَةَ الْأَضْحى فِي رِوَاقٍ لَهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ أَتَانِي ، فَقَالَ : «يَا إِسْحَاقُ ، قُمْ». قَالَ :

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1333 (أنف).
2- .الصحاح ، ج 2 ، ص 591 (بشر).
3- .كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 383.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن عليّ بن محمّد».

ص: 480

فَقُمْتُ ، فَفَتَحْتُ عَيْنِي ، فَإِذَا أَنَا عَلى بَابِي بِبَغْدَادَ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلى وَالِدِي وَ أَتَانِي (1) أَصْحَابِي ، فَقُلْتُ لَهُمْ : عَرَّفْتُ بِالْعَسْكَرِ ، وَ خَرَجْتُ بِبَغْدَادَ إِلَى الْعِيدِ .

هديّة:(الجلّاب) الذي يجلب الأنعام للبيع. و«الإصطبل» كإسفند: موقف الدوابّ في الربيع، لغة شاميّة.(بعثت) على المجهول، (إلى أبي جعفر) يعني محمّد بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عليهم السلام وهو أكبر أولاد أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام وهو الذي بدا للَّه في إمامته كما في إمامة إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام.و«الرواق» بالضمّ ويكسر.و«التعريف»: الدخول في يوم عرفة والوقوف بعرفات، واستعير هاهنا للوقوف في خدمة الإمام، أو مجاز في درك التاسع من ذي الحجّة إلى العيد إلى صلاته.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيِّ ، قَالَ : مَرِضَ الْمُتَوَكِّلُ مِنْ خُرَاجٍ خَرَجَ بِهِ ، وَ أَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى الْهَلَاكِ ، فَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَمَسَّهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَنَذَرَتْ أُمُّهُ - إِنْ عُوفِيَ - أَنْ تَحْمِلَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام مَالًا جَلِيلًا مِنْ مَالِهَا ؛ وَ قَالَ لَهُ الْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ : لَوْ بَعَثْتَ إِلى هذَا الرَّجُلِ فَسَأَلْتَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ (2) عِنْدَهُ صَنْعَةٌ(3) يُفَرِّجُ بِهَا عَنْكَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَ وَصَفَ لَهُ عِلَّتَهُ ، فَرَدَّ إِلَيْهِ الرَّسُولُ بِأَنْ يُؤْخَذَ كُسْبُ الشَّاةِ ، فَيُدَافَ بِمَاءِ وَرْدٍ ، فَيُوضَعَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ وَ أَخْبَرَهُمْ، أَقْبَلُوا يَهْزَؤُونَ مِنْ قَوْلِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْفَتْحُ : هُوَ - وَ اللَّهِ - أَعْلَمُ بِمَا قَالَ ، وَ أَحْضَرَ الْكُسْبَ وَ عَمِلَ كَمَا قَالَ عليه السلام ، وَ وَضَعَ عَلَيْهِ ، فَغَلَبَهُ النَّوْمُ وَ سَكَنَ ، ثُمَّ انْفَتَحَ وَ خَرَجَ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ ، وَ بُشِّرَتْ أُمُّهُ بِعَافِيَتِهِ ، فَحَمَلَتْ إِلَيْهِ عليه السلام عَشَرَةَ آلَافِ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أنا في».
2- .في الكافي المطبوع: «يكون» بالياء.
3- .في الكافي المطبوع : «صفة».

ص: 481

دِينَارٍ تَحْتَ خَاتَمِهَا .ثُمَّ اسْتَقَلَّ مِنْ عِلَّتِهِ ، فَسَعى إِلَيْهِ الْبَطْحَائِيُّ الْعَلَوِيُّ بِأَنَّ أَمْوَالًا تُحْمَلُ إِلَيْهِ وَ سِلَاحاً ، فَقَالَ لِسَعِيدٍ الْحَاجِبِ : اهْجُمْ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ، وَ خُذْ مَا تَجِدُ عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَ السِّلَاحِ ، وَ احْمِلْهُ إِلَيَّ .قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ : فَقَالَ لِي سَعِيدٌ الْحَاجِبُ : صِرْتُ إِلى دَارِهِ بِاللَّيْلِ وَ مَعِي سُلَّمٌ ، فَصَعِدْتُ السَّطْحَ ، فَلَمَّا نَزَلْتُ عَلى بَعْضِ الدَّرَجِ فِي الظُّلْمَةِ ، لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصِلُ إِلَى الدَّارِ ، فَنَادى (1) : «يَا سَعِيدُ ، مَكَانَكَ حَتّى يَأْتُوكَ بِشَمْعَةٍ» . فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ أَتَوْنِي بِشَمْعَةٍ ، فَنَزَلْتُ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَ قَلَنْسُوَةٌ مِنْهَا ، وَ سَجَّادَةٌ عَلى حَصِيرٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ، فَقَالَ لِي : «دُونَكَ الْبُيُوتَ» . فَدَخَلْتُهَا وَ فَتَّشْتُهَا ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئاً ، وَ وَجَدْتُ الْبَدْرَةَ فِي بَيْتِهِ مَخْتُومَةً بِخَاتَمِ أُمِّ الْمُتَوَكِّلِ ، وَ كِيساً مَخْتُوماً ، وَ قَالَ لِي : «دُونَكَ الْمُصَلّى». فَرَفَعْتُهُ ، فَوَجَدْتُ سَيْفاً فِي جَفْنٍ غَيْرِ مَلْبُوسٍ (2) ، فَأَخَذْتُ ذلِكَ ، وَ صِرْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلى خَاتَمِ أُمِّهِ عَلَى الْبَدْرَةِ ، بَعَثَ إِلَيْهَا ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ ، فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ خَدَمِ الْخَاصَّةِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ : كُنْتُ قَدْ نَذَرْتُ فِي عِلَّتِكَ لَمَّا أَيِسْتُ مِنْكَ : إِنْ عُوفِيتَ حَمَلْتُ إِلَيْهِ مِنْ مَالِي عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ ، فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِ ، وَ هذَا خَاتَمِي عَلَى الْكِيسِ ، وَ فَتَحَ الْكِيسَ الْآخَرَ ، فَإِذَا فِيهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَضَمَّ إِلَى الْبَدْرَةِ بَدْرَةً أُخْرى ، وَ أَمَرَنِي بِحَمْلِ ذلِكَ إِلَيْهِ ، فَحَمَلْتُهُ ، وَ رَدَدْتُ السَّيْفَ وَ الْكِيسَيْنِ ، وَ قُلْتُ لَهُ : يَا سَيِّدِي ، عَزَّ عَلَيَّ ، فَقَالَ لِي : ««سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»» .

هديّة:«الخراج» كغراب: من القروح المهلكة.في بعض النسخ : «صفة» مكان (صنعة). و«الكسب» بالضمّ: ما صار من بعر الشاة في

.


1- .في الكافي المطبوع : «فناداني».
2- .في الكافي المطبوع : «ملبّس».

ص: 482

المربض متراكماً بعضه على بعض من كثرة البول والمشي عليه، كعصارة الدهن تحت أرجل العصّارين، ولذا قد يُطلق «الكسب» على عصارة الدهن أيضاً. و«الدوف» بالفتح: البلّ والخلط والفعل كنصر.(استقلّ): برأ ونهض.(فسعى إليه): عدا ونمَّ، والساعي المتكلّم على الناس عند الحاكم: فتح بن خاقان وزير المتوكّل. ويجوز (البطحائي) بالهمز، و«البطحاوي» بالواو. هجم عليه هجوماً كنصر: دخل بغتةً من حيث لا يدري.و«السجّادة» بالفتح والتشديد: ما يسجد عليه، ينسج من الخوص على قدر وجه الآدمي.(دونك البيوت) يحتمل الرفع، مبتدأ مؤخّر. وقال برهان الفضلاء: «دونك» من أسماء الأفعال، فالبيوت نصب على المفعوليّة.(وقلنسوة منها) أي من بقيّتها.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «غير ملبّس» على اسم المفعول من التفعيل مكان (غير ملبوس) بمعنى ملبوس به بشي ء من الجلود. «أيس» كعلم.(عزّ عليّ): اشتدّ وأشكل، يعني دخولي دارك بغير إذنك، أو غلب حكمه عليَّ، والآية من سورة الشعراء.(1)

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِ (2) ، قَالَ : قَالَ (3) مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ : إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام كَتَبَ إِلَيْهِ : «يَا مُحَمَّدُ ، أَجْمِعْ أَمْرَكَ ، وَ خُذْ حِذْرَكَ». قَالَ : فَأَنَا فِي جَمْعِ أَمْرِي -

.


1- .الشعراء (26) : 227.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن عليّ بن محمّد النوفلي».
3- .في الكافي المطبوع : + «لي».

ص: 483

لَيْسَ (1) أَدْرِي مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ - حَتّى وَرَدَ عَلَيَّ رَسُولٌ حَمَلَنِي مِنْ مِصْرَ مُقَيَّداً ، وَ ضَرَبَ عَلى كُلِّ مَا أَمْلِكُ ، وَ كُنْتُ فِي السِّجْنِ ثَمَانِي (2) سِنِينَ .ثُمَّ وَرَدَ عَلَيَّ مِنْهُ فِي السِّجْنِ كِتَابٌ فِيهِ : «يَا مُحَمَّدُ ، لَا تَنْزِلْ فِي نَاحِيَةِ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ». فَقَرَأْتُ الْكِتَابَ ، فَقُلْتُ : يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهذَا وَ أَنَا فِي السِّجْنِ ؛ إِنَّ هذَا لَعَجَبٌ! فَمَا مَكَثْتُ أَنْ خُلِّيَ عَنِّي ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .قَالَ : وَ كَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ يَسْأَلُهُ عَنْ ضِيَاعِهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «سَوْفَ تُرَدُّ عَلَيْكَ ، وَ مَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تُرَدَّ عَلَيْكَ». فَلَمَّا شَخَصَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ إِلَى الْعَسْكَرِ ، كُتِبَ إِلَيْهِ بِرَدِّ ضِيَاعِهِ ، وَ مَاتَ قَبْلَ ذلِكَ .قَالَ : وَ كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ الْخَضِيبِ (3) إِلى مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ يَسْأَلُهُ الْخُرُوجَ إِلَى الْعَسْكَرِ ، فَكَتَبَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يُشَاوِرُهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «اخْرُجْ ؛ فَإِنَّ فِيهِ فَرَجَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى». فَخَرَجَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيراً حَتّى مَاتَ .

هديّة:«الحذر» بالكسر: الاحتراز، يعني تيقّظ وتحرّز عن تفرّق اُمورك من قلّة الاحتياط.ضرب على يد فلان: حجر عليه.(لا تنزل في ناحية الجانب الغربيّ)، قال برهان الفضلاء:«في ناحية» بالتنوين، و«الجانب» نصب بفعل مقدّر، أي الزم الجانب الغربي، وهو عبارة عن الشام وإدخال الألف واللام على الجانب يقوّي مذهب الكوفيّين في قوله عزّ وجلّ في سورة القصص: «وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ»(4)، من أنّ

.


1- .في الكافي المطبوع : «و ليس».
2- .في الكافي المطبوع : «ثمان».
3- .في الكافي المطبوع جديداً مستنداً بكثير من النسخ : «أحمد بن الخصيب» بالصاد ، و كذا في الرواية الآتية والظاهر أنّه هو أحمد بن الخصيب الجرجرائي الذي كان كاتب المنتصر قبل خلافتة، ثم صار وزيراً له وللمستعين. راجع : تاريخ الإسلام للذهبي ، ج 18 ، ص 40 ، رقم 18 ، و ج 20 ، ص 43 ، رقم 8.
4- .القصص (28): 44.

ص: 484

ذلك من إضافة الموصوف إلى الصفة بلا تأويل.و«الضياع» جمع ضيعة بالفتح، أي المزرعة.(كتب إليه بردّ ضياعه) على المجهول.(أحمد بن الخضيب) بالمعجمتين، على فعيل: من قوّاد المتوكّل.(فإنّ فيه فرجك) يعني من سجن الدنيا، أو بلقاء الإمام وعطائه إيّاه الثوب كما في الحديث التالي، وقيل: يعني فرج أولادك بردّ الضياع إليك.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ ، قَالَ : رَأَيْتُهُ - يَعْنِي مُحَمَّداً - قَبْلَ مَوْتِهِ بِالْعَسْكَرِ فِي عَشِيَّةٍ وَ قَدِ اسْتَقْبَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، وَ اعْتَلَّ مِنْ غَدٍ ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ عَائِداً بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ عِلَّتِهِ وَ قَدْ ثَقُلَ ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عليه السلام بَعَثَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ ، فَأَخَذَهُ وَ أَدْرَجَهُ ، وَ وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ، قَالَ : فَكُفِّنَ فِيهِ .قَالَ أَحْمَدُ : قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ : رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام مَعَ ابْنِ الْخَضِيبِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْخَضِيبِ : سِرْ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ الْمُقَدَّمُ». فَمَا لَبِثَ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ حَتّى وُضِعَ الدَّهَقُ عَلى سَاقِ ابْنِ الْخَضِيبِ ، ثُمَّ بُغِيَ (1) .قَالَ : وَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ - حِينَ أَلَحَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْخَضِيبِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَطْلُبُهَا مِنْهُ - بَعَثَ إِلَيْهِ : «لَأَقْعُدَنَّ بِكَ مِنَ اللَّهِ - تَعَالى - مَقْعَداً لَا يَبْقى لَكَ بَاقِيَةٌ». فَأَخَذَهُ اللَّهُ - تَعَالى - فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ .

هديّة:الظرفان: (بالعسكر) و(في عشيّة) للرؤية، (وقد استقبل) حالٌ من مفعول (رأيته)، والفاء في (فدخلت) لبيانٍ، ف «رأيته» يعني رأيت أباك محمّد بن الفرج حال استقباله الهادي عليه السلام يوم قدومه إلى سامرّاء.

.


1- .في الكافي المطبوع : «نعي».

ص: 485

(فنظر إليه) نظر اللطف، وكأنّ قول ابن الخضيب من قوّاد المتوكّل.(سر جعلت فداك) على التعريض عند ذهابه عليه السلام معه إلى باب المتوكّل بأمره، يعني سر برجلك إلى المسلخ، ف «جعلت فداك» يحتمل الوجهين، فقد يقول المحارب مثلاً لمن أخذه وقطع الطريق عليه: انزع ثيابك جعلت فداك، وكذا المأمور بالجناية اضطراراً للمجني عليه.و(الدهق) بالتحريك: خشبتان يغمزهما الساقان كما للصحّافين، وبالفارسيّة: «شكنجه».(1)(ثمّ بغى)، على المجهول من البغي، بمعنى العنف والتعدّي؛ يعني بغى عليه وبولغ في إيذائه ليظهر أمواله. وقرأ برهان الفضلاء : «ثمّ نعى» بالنون على المجهول أيضاً، يعني نعى عليه السلام بموت ابن الخضيب، قال: أو المعنى: فاش خبر موته.(قال: وروى) يعني قال أحمد بن محمّد وروى أبو يعقوب إنّ ابن الخضيب لمّا اشتدّ على الإمام عليه السلام في دعوى الدار التي كان يطلبها منه عليه السلام بغير حقّ، أو في طلبه خروج الإمام عنها إظهار توافقه مع الخليفة في عداوة الإمام عليه السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «تطلّبها» على الماضي من التفعّل، و«التطلّب» مبالغة في الطلب.والباء في (بك) للتعدية.(لا تبقى لك) يحتمل المجرّد، والإفعال المعلوم أو خلافه، ف (باقية) على الأوّل والثالث بالرفع، وعلى الثاني بالنصب.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : أَخَذْتُ نُسْخَةَ كِتَابِ الْمُتَوَكِّلِ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام مِنْ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَتَيْنِ ،

.


1- .في «الف» : «اشكنجه».
2- .السند في الكافي المطبوع يبدأ بمحمد بن يحيى و هو من مشايخ الكليني ، فالتعبير «بإسناده» سهو.

ص: 486

وَ هذِهِ نُسْخَتُهُ :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؛ أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَارِفٌ بِقَدْرِكَ ، رَاعٍ لِقَرَابَتِكَ ، مُوجِبٌ لِحَقِّكَ ، يُقَدِّرُ مِنَ الْأُمُورِ فِيكَ وَ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مَا أَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ حَالَكَ وَ حَالَهُمْ ، وَ ثَبَّتَ بِهِ عِزَّكَ وَ عِزَّهُمْ ، وَ أَدْخَلَ الْيُمْنَ وَ الْأَمْنَ عَلَيْكَ وَ عَلَيْهِمْ ، يَبْتَغِي بِذلِكَ رِضَاءَ رَبِّهِ وَ أَدَاءَ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ اللَّهُ (1) فِيكَ وَ فِيهِمْ ، وَ قَدْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَرْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمَّا كَانَ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الْحَرْبِ وَ الصَّلَاةِ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ إِذْ كَانَ عَلى مَا ذَكَرْتَ مِنْ جَهَالَتِهِ بِحَقِّكَ ، وَ اسْتِخْفَافِهِ بِقَدْرِكَ ، وَ عِنْدَ مَا قَرَفَكَ بِهِ ، وَ نَسَبَكَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي قَدْ عَلِمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَرَاءَتَكَ مِنْهُ ، وَ صِدْقَ نِيَّتِكَ فِي تَرْكِ مُحَاوَلَتِهِ ، وَ أَنَّكَ لَمْ تُؤَهِّلْ نَفْسَكَ لَهُ ، وَ قَدْ وَلّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ يَلِي مِنْ ذلِكَ مُحَمَّدَ بْنَ الْفَضْلِ ، وَ أَمَرَهُ بِإِكْرَامِكَ وَ تَبْجِيلِكَ ، وَ الِانْتِهَاءِ إِلى أَمْرِكَ وَ رَأْيِكَ ، وَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ وَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِذلِكَ ، وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ ، يُحِبُّ إِحْدَاثَ الْعَهْدِ بِكَ ، وَ النَّظَرَ إِلَيْكَ ، فَإِنْ نَشِطْتَ لِزِيَارَتِهِ وَ الْمُقَامِ قِبَلَهُ مَا رَأَيْتَ ، شَخَصْتَ وَ مَنْ أَحْبَبْتَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ مَوَالِيكَ وَ حَشَمِكَ عَلى مُهْلَةٍ؟ وَ طُمَأْنِينَةٍ ، تَرْحَلُ إِذَا شِئْتَ ، وَ تَنْزِلُ إِذَا شِئْتَ ، وَ تَسِيرُ كَيْفَ شِئْتَ ، وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ يَحْيَى بْنُ هَرْثَمَةَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ مُشَيِّعِينَ لَكَ ، يَرْحَلُونَ بِرَحِيلِكَ ، وَ يَسِيرُونَ بِسَيْرِكَ ، فَالْأَمْرُ فِي ذلِكَ إِلَيْكَ حَتّى تُوَافِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ أَلْطَفَ مِنْهُ مَنْزِلَةً ، وَ لَا أَحْمَدَ لَهُ أُثْرَةً ، وَ لَا هُوَ لَهُمْ أَنْظَرَ ، وَ عَلَيْهِمْ أَشْفَقَ ، وَ بِهِمْ أَبَرَّ ، وَإِلَيْهِمْ أَسْكَنَ مِنْهُ إِلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ . وَ كَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ .

هديّة:(من يحيى) ظرف ل «أخذت»، و(في سنة) ل «كتاب» أو ل «أخذت».في بعض النسخ : «مقدّر» مكان (يقدّر).

.


1- .في الكافي المطبوع : - «اللَّه».

ص: 487

(عبداللَّه بن محمّد) كان إمام الجمعة في المدينة من قبل الخليفة، فكتب إلى الخليفة ما كتب عداوة في الإمام عليه السلام، وكتب عليه السلام في تكذيبه والرّدّ عليه ما كتب إليه، وهذه نسخة مكتوب الخليفة في جواب مكتوب الإمام عليه السلام إليه.(من الحرب) أي بأمر الخليفة مع من يريد الخروج والفساد في ملك الخليفة من الهاشمي وغيره أو المعنى عمّا كان يتولّاه من من الخصومة. وقرأ برهان الفضلاء من الحرب كصرد جمع الحربه بمعنى الطعنة، قال: ويوم الجمعة يوم الحربة أي الطعنة على الشيطان، ولذا سمّي موضع القبلة محراباً.و«القرفة» بالفتح: التهمة، يعني هنا تهمة دعوى الخلافة، قرفه كضرب: عابه وهو يقرف بكذا، أي يرمى به ويتّهم فهو مقروف.و«المحاولة»: المطالبة بمعنى المبالغة في الطلب والقصد.و«ما» في (فما أحد) مشبّهة بليس، و«أحد» اسمه، و(ألطف) و(أحمد) و(أنظر) و(أشفق) و(أبرّ) و(أسكن) كلّه على أفعل التفضيل نصب خبر «ما»، ويتعدّى الأوّل بمن ، والثاني والثالث باللام، والرابع بعلى، والخامس بالباء، والسادس بإلى، و(من) تفضيليّة، ومدخولها في الخمس الأوّل محذوف اختصاراً اكتفاءً بالمذكور في السادس، فالتقدير: ألطف منه منزلة منك، ولا أحمد له إثرة منك له، ولا هو لهم أنظر منه لك ، وعليهم أشفق منه عليك، وبهم أبرّ منه بك. و«اللطف»: القُرب، و«الألطف»: الأقرب، و«أحمد» مشتقّ من اسم المفعول، أي المحمود جدّاً، و«الاستيثار»: الاختيار بمعنى الاصطفاء والانتخاب، والاسم: «الأثرة» بالتحريك، و«الأثرة» بالضمّ وبالكسر.قال برهان الفضلاء: الاختصار في صورة الموافقة في التعدية حسن، وأمّا في صورة المخالفة فيها فقبيح اخترعه كتّاب الدواوين والمنشؤون للحكّام. و(إبراهيم بن العبّاس) كان منشي ديوانه.

.

ص: 488

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده (1) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَسَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الطَّيِّبِ الْمُثَنّى يَعْقُوبُ بْنُ يَاسِرٍ ، قَالَ : كَانَ الْمُتَوَكِّلُ يَقُولُ : وَيْحَكُمْ ، قَدْ أَعْيَانِي أَمْرُ ابْنِ الرِّضَا ، أَبى أَنْ يَشْرَبَ مَعِي أَوْ يُنَادِمَنِي ، أَوْ أَجِدَ مِنْهُ فُرْصَةً فِي هذَا .فَقَالُوا لَهُ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِنْهُ ، فَهذَا أَخُوهُ مُوسى قَصَّافٌ عَزَّافٌ ، يَأْكُلُ وَ يَشْرَبُ وَ يَتَعَشَّقُ ، قَالَ : ابْعَثُوا إِلَيْهِ ، فَجِيئُوا بِهِ حَتّى نُمَوِّهَ بِهِ عَلَى النَّاسِ ، وَ نَقُولَ : ابْنُ الرِّضَا .فَكَتَبَ إِلَيْهِ ، وَ أُشْخَصَهُ (2) مُكَرَّماً ، وَ تَلَقَّاهُ جَمِيعُ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادُ وَ النَّاسُ عَلى أَنَّهُ إِذَا وَافى أَقْطَعَهُ قَطِيعَةً ، وَ بَنى لَهُ فِيهَا ، وَ حَوَّلَ الْخَمَّارِينَ وَ الْقِيَانَ إِلَيْهِ ، وَ وَصَلَهُ وَ بَرَّهُ ، وَ جَعَلَ لَهُ مَنْزِلًا سَرِيّاً حَتّى يَزُورَهُ هُوَ فِيهِ .فَلَمَّا وَافى مُوسى تَلَقَّاهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام فِي قَنْطَرَةِ وَصِيفٍ - وَ هُوَ مَوْضِعٌ يُتَلَقّى فِيهِ الْقَادِمُونَ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَ وَفَّاهُ حَقَّهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : «إِنَّ هذَا الرَّجُلَ قَدْ أَحْضَرَكَ لِيَهْتِكَكَ ، وَ يَضَعَ مِنْكَ ، فَلَا تُقِرَّ لَهُ أَنَّكَ شَرِبْتَ نَبِيذاً قَطُّ» .فَقَالَ لَهُ مُوسى : فَإِذَا كَانَ دَعَانِي لِهذَا ، فَمَا حِيلَتِي ؟ قَالَ : «فَلَا تَضَعْ مِنْ قَدْرِكَ ، وَ لَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنَّمَا أَرَادَ هَتْكَكَ» . فَأَبى عَلَيْهِ ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَأى أَنَّهُ لَا يُجِيبُ ، قَالَ لَهُ (3) : «أَمَا إِنَّ هذَا مَجْلِسٌ لَا تَجْتَمِعُ (4) أَنْتَ وَ هُوَ عَلَيْهِ أَبَداً». فَأَقَامَ ثَلَاثَ سِنِينَ يُبَكِّرُ كُلَّ يَوْمٍ ، فَيُقَالُ لَهُ : قَدْ تَشَاغَلَ الْيَوْمَ ، فَرُحْ ، فَيَرُوحُ ، فَيُقَالُ : قَدْ سَكِرَ ، فَبَكِّرْ ، فَيُبَكِّرُ ، فَيُقَالُ : شَرِبَ دَوَاءً ، فَمَا زَالَ عَلى هذَا ثَلَاثَ سِنِينَ حَتّى قُتِلَ الْمُتَوَكِّلُ ، وَ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ عَلَيْهِ .

هديّة:أراد ب (ابن الرضا) أبا الحسن الثالث عليه السلام، وكان الجواد والهادي وأبو محمّد عليهم السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع يبدأ بالحسين بن الحسن الحسنيّ والتعليق غير ثابت، فالتعبير بإسناده غير صحيح.
2- .في الكافي المطبوع : «أشخص».
3- .في الكافي المطبوع : - «له».
4- .في الكافي المطبوع : «تجمع».

ص: 489

مشهورين بهذا اللّقب أيضاً.قيل: كأنّ (موسى) هذا الملقّب بالمبرقع المدفون بقمّ.(قصّاف): غير مبال جدّاً ومعاشر نديم مقيم في الأكل والشرب؛ من القصف بالفتح والمهملة بعد القاف، بمعنى اللهو واللعب بالإقامة في الأكل والشرب.(عزّاف): لعّاب بالملاهي كالطنبور والعود.(نموّه): ندلّس.(ونقول: ابن الرّضا) يعني نسمّي موسى بهذا اللقب ليشتهر صنيع أخيه باسمه، فيسقط عن نظر الاعتبار عند شيعته.(والناس على أنّه) مبتدأ أو خبر، أي على ظنّ أنّه، أو «والناس» معطوف على الجميع ، و«على أنّه» متعلّق ب (تلقّاه)، أو ب (أشخصه مكرّماً). وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فكتب إليه» على المجهول، و«أشخص» أيضاً مكان «أشخصه» بالبارز.(أقطعه قطيعة): أعطاه أرضين ببغداد أو بسامرّا ليعمرها ويسكنها بالملكيّة.(والقيان) كرجال، جمع القينة بتقديم الخاتمة على النون بعد القاف المفتوحة: الجارية المغنّية.(سريّا): عالياً، مكان سريّ على فعيل: رفيع ورجل سريّ: سخيّ.(حتّى قتل المتوكّل) على يد عبيده وجماعة.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ،(1) عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : مَرِضْتُ ، فَدَخَلَ الطَّبِيبُ عَلَيَّ لَيْلًا ، فَوَصَفَ لِي دَوَاءً بِلَيْلٍ آخُذُهُ كَذَا وَ كَذَا يَوْماً ، فَلَمْ يُمْكِنِّي ، فَلَمْ يَخْرُجِ الطَّبِيبُ مِنَ الْبَابِ حَتّى وَرَدَ عَلَيَّ نَصْرٌ بِقَارُورَةٍ فِيهَا ذلِكَ الدَّوَاءُ بِعَيْنِهِ ، فَقَالَ لِي :

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ».

ص: 490

أَبُو الْحَسَنِ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ (1) : «خُذْ هذَا الدَّوَاءَ كَذَا وَ كَذَا يَوْماً». فَأَخَذْتُهُ ، فَشَرِبْتُهُ ، فَبَرَأْتُ .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ : يَأْبَى الطَّاعِنُ ، أَيْنَ الْغُلَاةُ عَنْ هذَا الْحَدِيثِ

هديّة:(نصر) خادم من خدم الهادي عليه السلام. قال برهان الفضلاء: «كذا وكذا يوماً» عبارة عن الزائد على العشرة.(يأبى الطاعن) من الإباء بالمفردة، يعني لا يقبل الطاعن على الشيعة أمثال الحديث في فضلهم عليهم السلام بأنّ علم الغيب خاصّ بشأنه تعالى، فأين الغالي حتّى يقبله على معتقده فيهم عليهم السلام. والغرض بيان الإفراط والتفريط والوسط في اعتقاد الناس فيهم عليهم السلام ؛ والحمد للَّه الذي جعلنا اُمّةً وسطاً، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «لك».

ص: 491

باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ

الباب الرابع والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ ثمانية وعشرون:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ عليهما السلام (1) فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (2) سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَ ثَلَاثِينَ وَ مِائَتَيْنِ ؛ وَ قُبِضَ عليه السلام يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ هُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَ دُفِنَ فِي دَارِهِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ بِسُرَّ مَنْ رَأى ؛ وَ أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : حُدَيْثُ .

هديّة:(ولد أبو محمّد الحسن بن عليّ) بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب عليهم السلام زمن أبي إسحاق معتصم بن هارون الرشيد بن مهدي بن منصور بن محمّد بن علي بن عبداللَّه بن عبّاس بن عبد المطّلب، ثامن الخلفاء العبّاسيّة (في شهر رمضان) على نسخة طائفة من نسخ الكافي، أو في شهر ربيع الآخر، على نسخة طائفة منها.واقتصر الشيخ في التهذيب على التاريخ الثاني للولادة ووافق ثقة الإسلام في سائر

.


1- .في الكافي المطبوع : «ولد عليه السلام» بدل «ولد أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام».
2- .في الكافي المطبوع : + «وفي نسخة اُخرى : في شهر ربيع الآخر».

ص: 492

المذكورات في الكافي كما نقلناه، وضبط اسم اُمّه عليه السلام «حديث» مصغّراً.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ وَغَيْرُهُمَا ، قَالُوا : كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَاقَانَ عَلَى الضِّيَاعِ وَ الْخَرَاجِ بِقُمَّ ، فَجَرى فِي مَجْلِسِهِ يَوْماً ذِكْرُ الْعَلَوِيَّةِ وَ مَذَاهِبِهِمْ ، وَ كَانَ شَدِيدَ النَّصْبِ ، فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ وَ لَا عَرَفْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأى رَجُلًا مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا فِي هَدْيِهِ وَ سُكُونِهِ وَ عَفَافِهِ وَ نُبْلِهِ وَ كَرَمِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ بَنِي هَاشِمٍ وَ تَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلى ذَوِي السِّنِّ مِنْهُمْ وَ الْخَطَرِ ، وَ كَذلِكَ الْقُوَّادِ وَ الْوُزَرَاءِ وَ عَامَّةِ النَّاسِ ؛ فَإِنِّي كُنْتُ يَوْماً قَائِماً عَلى رَأْسِ أَبِي وَ هُوَ يَوْمُ مَجْلِسِهِ لِلنَّاسِ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ حُجَّابُهُ ، فَقَالُوا : أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الرِّضَا بِالْبَابِ ، فَقَالَ بِصَوْتٍ (3) : ائْذَنُوا لَهُ ، فَتَعَجَّبْتُ مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ جَسَرُوا يُكَنُّونَ رَجُلًا عَلى أَبِي بِحَضْرَتِهِ ، وَ لَمْ يُكَنَّ عِنْدَهُ إِلَّا خَلِيفَةٌ ، أَوْ وَلِيُّ عَهْدٍ ، أَوْ مَنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ أَنْ يُكَنّى ، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَسْمَرُ ، حَسَنُ الْقَامَةِ ، جَمِيلُ الْوَجْهِ ، جَيِّدُ الْبَدَنِ ، حَدَثُ السِّنِّ ، لَهُ جَلَالَةٌ وَ هَيْبَةٌ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَبِي ، قَامَ يَمْشِي إِلَيْهِ خُطًى ، وَ لَا أَعْلَمُهُ فَعَلَ هذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ ، وَ قَبَّلَ وَجْهَهُ وَ صَدْرَهُ ، وَ أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَ أَجْلَسَهُ عَلى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ ، وَ جَلَسَ إِلى جَنْبِهِ مُقْبِلًا عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ ، وَ جَعَلَ يُكَلِّمُهُ ، وَ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ ، وَ أَنَا مُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرى مِنْهُ إِذْ دَخَلَ (4)الْحَاجِبُ ، فَقَالَ : الْمُوَفَّقُ قَدْ جَاءَ - وَ كَانَ الْمُوَفَّقُ إِذَا دَخَلَ عَلى أَبِي تَقَدَّمَ حُجَّابُهُ وَ خَاصَّةُ قُوَّادِهِ - فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَ بَيْنَ بَابِ الدَّارِ سِمَاطَيْنِ إِلى أَنْ يَدْخُلَ وَ يَخْرُجَ ، فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلًا عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُهُ حَتّى نَظَرَ إِلى غِلْمَانِ الْخَاصَّةِ ، فَقَالَ حِينَئِذٍ : إِذَا شِئْتَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، ثُمَّ قَالَ لِحُجَّابِهِ : خُذُوا بِهِ خَلْفَ السِّمَاطَيْنِ حَتّى لَا يَرَاهُ هذَا - يَعْنِي الْمُوَفَّقَ - فَقَامَ وَ قَامَ أَبِي ، وَ عَانَقَهُ ، وَ مَضى .

.


1- .تهذيب الأحكام ، ج 6 ، ص 92.
2- .السند يبدأ في الكافي المطبوع بالحسين بن محمّد و هو من مشايخ الكليني ، فالتعبير بإسناده سهو.
3- .في الكافي المطبوع : + «عالٍ».
4- .في الكافي المطبوع : + «عليه».

ص: 493

فَقُلْتُ لِحُجَّابِ أَبِي وَ غِلْمَانِهِ : وَيْلَكُمْ ، مَنْ هذَا الَّذِي كَنَّيْتُمُوهُ عَلى أَبِي ، وَ فَعَلَ بِهِ أَبِي هذَا الْفِعْلَ ؟ فَقَالُوا : هذَا عَلَوِيٌّ يُقَالُ لَهُ : الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِابْنِ الرِّضَا ، فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً ، وَ لَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذلِكَ قَلِقاً مُتَفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَ أَمْرِ أَبِي ، وَ مَا رَأَيْتُ (1) حَتّى كَانَ اللَّيْلُ ، وَ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَتَمَةَ ، ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤَامَرَاتِ وَ مَا يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ .فَلَمَّا صَلّى وَ جَلَسَ جِئْتُ ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، فَقَالَ لِي : يَا أَحْمَدُ ، لَكَ حَاجَةٌ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ يَا أَبَهْ ، فَإِنْ أَذِنْتَ لِي سَأَلْتُكَ عَنْهَا ، فَقَالَ : قَدْ أَذِنْتُ (2) يَا بُنَيَّ ، فَقُلْ مَا أَحْبَبْتَ ، قُلْتُ : يَا أَبَهْ ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُكَ بِالْغَدَاةِ فَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ مِنَ الْإِجْلَالِ وَ الْكَرَامَةِ وَ التَّبْجِيلِ ، وَ فَدَيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَ أَبَوَيْكَ ؟فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، ذَاكَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ ، ذَاكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الرِّضَا .فَسَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ ، لَوْ زَالَتِ الْإِمَامَةُ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ ، مَا اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ هذَا ، وَ إِنَّ هذَا لَيَسْتَحِقُّهَا فِي فَضْلِهِ وَ عَفَافِهِ وَ هَدْيِهِ وَ صِيَانَتِهِ وَ زُهْدِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ جَمِيلِ أَخْلَاقِهِ وَ صَلَاحِهِ ، وَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ ، رَأَيْتَ رَجُلًا جَزْلًا نَبِيلًا فَاضِلًا .فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَ تَفَكُّراً وَ غَيْظاً عَلى أَبِي وَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ ، وَ اسْتَزَدْتُهُ فِي فِعْلِهِ وَ قَوْلِهِ فِيهِ مَا قَالَ ، فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلَّا السُّؤَالُ عَنْ خَبَرِهِ ، وَ الْبَحْثُ عَنْ أَمْرِهِ ، فَمَا سَأَلْتُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادِ وَ الْكُتَّابِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْفُقَهَاءِ وَ سَائِرِ النَّاسِ إِلَّا وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ الْإِجْلَالِ وَ الْإِعْظَامِ وَ الْمَحَلِّ الرَّفِيعِ وَ الْقَوْلِ الْجَمِيلِ وَ التَّقْدِيمِ لَهُ عَلى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَشَايِخِهِ ، فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي ؛ إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَ لَا عَدُوّاً إِلَّا وَ هُوَ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِ وَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ .فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ؟ فَقَالَ : وَ مَنْ جَعْفَرٌ فَيَسْأَلَ (3) عَنْ خَبَرِهِ ، أَوْ يُقْرَنَ بِالْحَسَنِ ؟ جَعْفَرٌ مُعْلِنُ الْفِسْقِ ، فَاجِرٌ ، مَاجِنٌ ، شِرِّيبٌ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «فيه».
2- .في الكافي المطبوع : + «لك».
3- .في الكافي المطبوع : «فسأل» بالتاء.

ص: 494

لِلْخُمُورِ ، أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ الرِّجَالِ ، وَ أَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِهِ ، خَفِيفٌ ، قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ ، وَ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَ أَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ ، وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ ، وَ ذلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَلَّ ، بَعَثَ إِلى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَّ ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ ، فَبَادَرَ إِلى دَارِ الْخِلَافَةِ ، ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلًا وَ مَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَ خَاصَّتِهِ ، فِيهِمْ نِحْرِيرٌ ، فَأَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ الْحَسَنِ وَ تَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَ حَالِهِ ، وَ بَعَثَ إِلى نَفَرٍ مِنَ الْمُتَطَبِّبِينَ ، فَأَمَرَهُمْ بِالِاخْتِلَافِ إِلَيْهِ وَ تَعَاهُدِهِ صَبَاحاً وَ مَسَاءً .فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ ، فَأَمَرَ الْمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِ دَارِهِ ، وَ بَعَثَ إِلى قَاضِي الْقُضَاةِ ، فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَ أَمَانَتِهِ وَ وَرَعِهِ ، فَأَحْضَرَهُمْ ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلى دَارِ الْحَسَنِ ، وَ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلًا وَ نَهَاراً ، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتّى تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رِضْوَانُهُ (1) ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأى ضَجَّةً وَاحِدَةً ، وَ بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلى دَارِهِ مَنْ فَتَّشَهَا ، وَ فَتَّشَ حُجَرَهَا ، وَ خَتَمَ عَلى جَمِيعِ مَا فِيهَا ، وَ طَلَبُوا أَثَرَ وَلَدِهِ ، وَ جَاؤُوا بِنِسَاءٍ يَعْرِفْنَ الْحَمْلَ ، فَدَخَلْنَ إِلى جَوَارِيهِ يَنْظُرْنَ إِلَيْهِنَّ ، فَذَكَرَ بَعْضُهُنَّ أَنَّ هُنَاكَ جَارِيَةً بِهَا حَبَلٌ (2) ، فَجُعِلَتْ فِي حُجْرَةٍ ، وَ وُكِّلَ بِهَا نِحْرِيرٌ الْخَادِمُ وَ أَصْحَابُهُ وَ نِسْوَةٌ مَعَهُمْ .ثُمَّ أَخَذُوا بَعْدَ ذلِكَ فِي تَهْيِئَتِهِ ، وَ عُطِّلَتِ الْأَسْوَاقُ ، وَ رَكِبَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَ الْقُوَّادُ وَ أَبِي وَ سَائِرُ النَّاسِ إِلى جَنَازَتِهِ ، فَكَانَتْ سُرَّ مَنْ رَأى يَوْمَئِذٍ شَبِيهاً بِالْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْيِئَتِهِ ، بَعَثَ السُّلْطَانُ إِلى أَبِي عِيسى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ ، فَأَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، دَنَا أَبُو عِيسَى مِنْهُ ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ، فَعَرَضَهُمْ (3) عَلى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْعَلَوِيَّةِ وَ الْعَبَّاسِيَّةِ وَ الْقُوَّادِ وَ الْكُتَّابِ وَ الْقُضَاةِ وَ الْمُعَدَّلِينَ ، وَ قَالَ : هذَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الرِّضَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلى فِرَاشِهِ ، حَضَرَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ ثِقَاتِهِ فُلَانٌ

.


1- .في الكافي المطبوع : «عليه السلام» بد «رحمة اللَّه عليه و رضوانه».
2- .في الكافي المطبوع : «حمل».
3- .في الكافي المطبوع : «فعرضه».

ص: 495

وَ فُلَانٌ ، وَ مِنَ الْقُضَاةِ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، وَ مِنَ الْمُتَطَبِّبِينَ فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، ثُمَّ غَطّى وَجْهَهُ ، وَ أَمَرَ بِحَمْلِهِ ، فَحُمِلَ مِنْ وَسَطِ دَارِهِ ، وَ دُفِنَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ .فَلَمَّا دُفِنَ أَخَذَ السُّلْطَانُ وَ النَّاسُ فِي طَلَبِ وَلَدِهِ ، وَ كَثُرَ التَّفْتِيشُ فِي الْمَنَازِلِ وَ الدُّورِ ، وَ تَوَقَّفُوا عَنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ ، وَ لَمْ يَزَلِ الَّذِينَ وُكِّلُوا بِحِفْظِ الْجَارِيَةِ - الَّتِي تُوُهِّمَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ - لَازِمِينَ حَتّى تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَمْلِ ، فَلَمَّا بَطَلَ الْحَمْلُ (1) قُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ، وَ ادَّعَتْ أُمُّهُ وَصِيَّتَهُ ، وَ ثَبَتَ ذلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَ السُّلْطَانُ عَلى ذلِكَ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِهِ .فَجَاءَ جَعْفَرٌ بَعْدَ ذلِكَ إِلى أَبِي ، فَقَالَ : اجْعَلْ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي وَ أُوصِلَ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَزَبَرَهُ أَبِي وَ أَسْمَعَهُ ، وَ قَالَ لَهُ : يَا أَحْمَقُ ، السُّلْطَانُ جَرَّدَ سَيْفَهُ فِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَ أَخَاكَ أَئِمَّةٌ ؛ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذلِكَ ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذلِكَ ، فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَ أَخِيكَ إِمَاماً ، فَلَا حَاجَةَ بِكَ إِلَى سُلْطَانٍ (2) يُرَتِّبُكَ مَرْتَبَتَهُمَا(3) ، وَ لَا غَيْرِ سُلْطَانٍ 4 ، وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا .وَاسْتَقَلَّهُ أَبِي عِنْدَ ذلِكَ ، وَ اسْتَضْعَفَهُ ، وَ أَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتّى مَاتَ أَبِي وَ خَرَجْنَا وَ هُوَ عَلى تِلْكَ الْحَالِ ، وَ السُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَرَ وَلَدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام .

هديّة:المعتمد على اللَّه، أبو العبّاس، أحمد بن متوكّل بن معتصم بن هارون الرشيد، الخامس عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار إليه أمر الخلافة في رجب عام ستّة وخمسين ومائتين، ومات فجأةً في رجب عام تسع وسبعين ومائتين، وكان عبد اللَّه بن خاقان وزير المعتمد على اللَّه، وكان الموفّق بن المتوكّل أخو المعتمد وليّ عهد أخيه،

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عنهن».
2- .في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «السلطان».
3- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع : «مراتبهم».

ص: 496

والمفوّض إليه أكثر اُموره عظامه.والمشهور أنّ (النصب) عبارة عن نصب العداوة للإمام الحقّ. وقال برهان الفضلاء - كما قال السيّد المرتضى علم الهدى ومعظم فحول العصابة(1) - : إنّه نصب العداوة للإمام الحقّ أو شيعته لتشيّعهم، وبعبارة اُخرى نصب الإمام الباطل في مقابل الإمام الحقّ.و«الهدى» بالفتح وسكون الدال: السيرة والطريقة والعفاف كسحاب.و«النُبل» بالضمّ: المجد.و(الخطر): الشأن وشرف الدنيا والعلم.(يفديه بنفسه): يقول له: جُعلت فداك، أو بأبي أنت واُمّي.وقال برهان الفضلاء: الظاهر سقوط «وأبويه» هنا من قلم نسّاخ الكافي.و«السماط» كسحاب: الصفّ من الناس.و«المؤامرة» المشاورة.و«الجزل» بالجيم المفتوحة والزاي الساكنة: الكريم العطاء، والعاقل الأصيل الرأي.(استزدته): عددته زائداً على ما ينبغي له.و«أشعر» قبيلة من اليمن كان كثيرون منهم يسكنون بقمّ.و«أبو بكر» كنية أحمد بن عبيداللَّه بن خاقان.و«الماجن»: مُن لا يبالي بما قال وما صنع لصلابة وجهه، و«المجون» في الأصل الصلابةُ والغلظةُ.و(شرّيب) بالكسر والتشديد للمبالغة، كشرّير.و«ما» في (ما تعجّبت) فاعل (ورد).(بعث) أي السلطان، وهو المعتمد.(نحرير) كعفريت كان خادماً من خدم الخليفة كاملاً في الشقاء، ولذا كان معتمداً للمعتمد، ويأتي فيه حكاية.

.


1- .راجع: روض الجنان، ج 1، ص 420؛ الحدائق الناضرة، ج 5، ص 186 - 189.

ص: 497

ويجمع (الحجرة) بالضمّ على حُجُر وحُجُرات، كغرفة وغرف وغرفات.(تهيئته): تجهيزه.(حتف أنفه) أي من غير قتل ولا ضرب، و«الحتف»: الموت، وهو يؤثّر جدّاً أوّلاً في الأنف، ونصبه على المفعول المطلق.(وأسمعه) أي ما يكرهه.(استقلّه): عدّه قليلاً خفيفاً سفيهاً.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كَتَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِلى أَبِي الْقَاسِمِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرِيِّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتَزِّ بِنَحْوِ عِشْرِينَ يَوْماً : «الْزَمْ بَيْتَكَ حَتّى يَحْدُثَ الْحَادِثُ». فَلَمَّا قُتِلَ بُرَيْحَةُ كَتَبَ إِلَيْهِ : قَدْ حَدَثَ الْحَادِثُ ، فَمَا تَأْمُرُنِي ؟ فَكَتَبَ : «لَيْسَ هذَا الْحَادِثُ (1) الْحَادِثُ الْآخَرُ»، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُعْتَزِّ مَا كَانَ .وَ عَنْهُ ، قَالَ : كَتَبَ إِلى رَجُلٍ آخَرَ : «يُقْتَلُ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ عَبْدُ اللَّهِ» قَبْلَ قَتْلِهِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ ، قُتِلَ .

هديّة:(المعتزّ) باللَّه أبو عبداللَّه بن الزبير بن المتوكّل بن المعتصم بن هارون الرشيد كان الثالث عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار خليفة في محرّم سنة اثنتين وخمسين ومأتين، ودخل الأتراك في سنة خمس وخمسين ومأتين حرمه، فأخذوا برِجْلهِ يجرّونه على الأرض وهو يصيح ويقول: ما تريدون منّي؟ فقالوا: اخلع نفسك من الخلافة، فقبل فأخذ منه مالاً كثيراً، ثمّ حبسوه في بيتٍ، وسدّوا عليه الباب بالوحل حتّى مات جوعاً.و(بريحة) مصغّراً بالمفردة والمهملتين بينهما اسم شخص.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «بل».

ص: 498

قال برهان الفضلاء: وكتب بخطّه الفاضل الاسترآبادي : «قال: كتب» يعني أبا محمّد عليه السلام.يقرأ (يقتل) على المجهول، و«بقتل» على الجار والمجرور، يعني عبداللَّه بن محمّد بن داود.(قبل قتله) متعلّق ب (كتب).

الحديث الرابع روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْكُرْدِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام ، قَالَ : ضَاقَ بِنَا الْأَمْرُ ، فَقَالَ لِي أَبِيَ : امْضِ بِنَا حَتّى نَصِيرَ إِلى هذَا الرَّجُلِ - يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام - فَإِنَّهُ قَدْ وُصِفَ عَنْهُ سَمَاحَةٌ ، فَقُلْتُ : تَعْرِفُهُ ؟ فَقَالَ : مَا أَعْرِفُهُ ، وَلَا رَأَيْتُهُ قَطُّ ، قَالَ : فَقَصَدْنَاهُ ، فَقَالَ لِي أَبِي - وَ هُوَ فِي طَرِيقِهِ - : مَا أَحْوَجَنَا إِلى أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ : مِائَتَا دِرْهَمٍ لِلْكِسْوَةِ ، وَ مِائَتَا دِرْهَمٍ لِلدَّقِيقِ (1) ، وَ مِائَةُ دِرْهَمٍ (2) لِلنَّفَقَةِ! فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَيْتَهُ أَمَرَ لِي بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ : مِائَةٌ أَشْتَرِي بِهَا حِمَاراً ، وَ مِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ ، وَ مِائَةٌ لِلْكِسْوَةِ ، وَ أَخْرُجَ إِلَى الْجَبَلِ .قَالَ : فَلَمَّا وَافَيْنَا الْبَابَ ، خَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامُهُ ، فَقَالَ : يَدْخُلُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَ سَلَّمْنَا ، قَالَ لِأَبِي : «يَا عَلِيُّ ، مَا خَلَّفَكَ عَنَّا إِلى هذَا الْوَقْتِ؟» فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَلْقَاكَ عَلى هذِهِ الْحَالِ ، فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ جَاءَ بِنَا(3)غُلَامُهُ ، فَنَاوَلَ أَبِي صُرَّةً ، فَقَالَ : هذِهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ : مِائَتَانِ لِلْكِسْوَةِ ، وَ مِائَتَانِ لِلدَّقِيقِ (4) ، وَ مِائَةٌ لِلنَّفَقَةِ ؛ وَ أَعْطَانِي صُرَّةً ، فَقَالَ : هذِهِ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، اجْعَلْ مِائَةً فِي ثَمَنِ حِمَارٍ ، وَ مِائَةً لِلْكِسْوَةِ ، وَ مِائَةً لِلنَّفَقَةِ ، وَ لَا تَخْرُجْ إِلَى الْجَبَلِ ، وَ صِرْ إِلى سُورى ، فَصَارَ إِلى سُورى 5 ، وَ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «للدَّيْن».
2- .في الكافي المطبوع : - «درهم».
3- .في الكافي المطبوع : «جاءنا» بدل «جاء بنا».
4- .في الكافي المطبوع : «سوراء» في الموضعين.

ص: 499

فَدَخْلُهُ الْيَوْمَ أَلْفُ دِينَارٍ ، وَ مَعَ هذَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ . فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ : فَقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ ، أَ تُرِيدُ أَمْراً أَبْيَنَ مِنْ هذَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : هذَا أَمْرٌ قَدْ جَرَيْنَا عَلَيْهِ .

هديّة:(الكسوة) يضمّ ويكسر.و(سورى) يمدّ ويقصر: موضع بالعراق.(هذا أمر) يعني القول بالوقف.

الحديث الخامس روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ (1)أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ الْقَزْوِينِيُّ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي بِسُرَّ مَنْ رَأى ، وَ كَانَ أَبِي يَتَعَاطَى الْبَيْطَرَةَ فِي مَرْبِطِ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، قَالَ : وَ كَانَ عِنْدَ الْمُسْتَعِينِ بَغْلٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ حُسْناً وَ كِبْراً ، وَ كَانَ يَمْنَعُ ظَهْرَهُ وَ اللِّجَامَ وَ السَّرْجَ ، وَ قَدْ كَانَ جَمَعَ عَلَيْهِ الرَّاضَةَ ، فَلَمْ يُمَكِّنْ لَهُمْ حِيلَةٌ فِي رُكُوبِهِ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نُدَمَائِهِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَ لَا تَبْعَثُ إِلَى الْحَسَنِ ابْنِ الرِّضَا حَتّى يَجِي ءَ ، فَإِمَّا أَنْ يَرْكَبَهُ ، وَ إِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ ، فَتَسْتَرِيحَ مِنْهُ .قَالَ : فَبَعَثَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَمَضى (2) مَعَهُ أَبِي ، فَقَالَ أَبِي : لَمَّا دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام الدَّارَ ، كُنْتُ مَعَهُ ، فَنَظَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِلَى الْبَغْلِ وَاقِفاً فِي صَحْنِ الدَّارِ ، فَعَدَلَ إِلَيْهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى كَفَلِهِ ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى الْبَغْلِ وَ قَدْ عَرِقَ حَتّى سَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْمُسْتَعِينِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَرَحَّبَ بِهِ وَ قَرَّبَ .فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَلْجِمْ هذَا الْبَغْلَ ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام لِأَبِي : «أَلْجِمْهُ يَا غُلَامُ» فَقَالَ الْمُسْتَعِينُ : أَلْجِمْهُ أَنْتَ ، فَوَضَعَ طَيْلَسَانَهُ ، ثُمَّ قَامَ ، فَأَلْجَمَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلى مَجْلِسِهِ وَ قَعَدَ .فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَسْرِجْهُ ، فَقَالَ لِأَبِي : «يَا غُلَامُ ، أَسْرِجْهُ» فَقَالَ الْمُسْتَعِينُ (3) : أَسْرِجْهُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال: حدّثني».
2- .في الكافي المطبوع : «و مضى».
3- .في الكافي المطبوع : - «المستعين».

ص: 500

أَنْتَ ، فَقَامَ ثَانِيَةً ، فَأَسْرَجَهُ وَ رَجَعَ .فَقَالَ لَهُ : تَرى أَنْ تَرْكَبَهُ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ»، فَرَكِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَكَضَهُ فِي الدَّارِ ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى الْهَمْلَجَةِ ، فَمَشى أَحْسَنَ مَشْيٍ يَكُونُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَنَزَلَ .فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَعِينُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، كَيْفَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ (1) : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ حُسْناً وَ فَرَاهَةً ، وَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ إِلَّا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ».قَالَ : فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ حَمَلَكَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام لِأَبِي : «يَا غُلَامُ ، خُذْهُ» فَأَخَذَهُ أَبِي ، فَقَادَهُ .

هديّة:(المستعين) باللَّه، أبو العبّاس، أحمد بن محمّد بن معتصم بن هارون الرشيد، الثاني عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار خليفة في ربيع سنة ثمان وأربعين ومأتين من الهجرة، فخلعه المعتزّ من الخلافة جبراً، فطلب الأمان منه فقبل منه، ثمّ قتله وصار خليفة بعده.(عرق) كعلم.و(الهملجة): ضرب من المشي، فارسيّ، معرّب «هموارك».ليس في بعض النسخ (أن يكون) بين (وما يصلح) و(مثله).

الحديث السادس روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ(2) بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : شَكَوْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام الْحَاجَةَ ، فَحَكَّ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ ، قَالَ : وَ أَحْسَبُهُ غَطَّاهُ بِمِنْدِيلٍ ، وَ أَخْرَجَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : «يَا أَبَا هَاشِمٍ ، خُذْ ، وَ أَعْذِرْنَا» .

هديّة:(غطّاه) أي ما حكّه من الأرض.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال» بدل «فقال له».
2- .في الكافي المطبوع : «أبي أحمد».

ص: 501

(وأعذرنا) على الأمر من باب ضرب، عذرته فيما صنع، فأنا عاذر وهو معذور، وفلان أعذر بمعنى اعتذر، أي صار ذا عذر وطلب العذر أيضاً.

الحديث السابع روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْمُطَهَّرِيّ (1) : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ عليه السلام سَنَةً بِالْقَادِسِيَّةِ(2) يُعْلِمُهُ انْصِرَافَ النَّاسِ ، وَ أَنَّهُ يَخَافُ الْعَطَشَ ، فَكَتَبَ عليه السلام : «امْضُوا ، فَلَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى»، فَمَضَوْا سَالِمِينَ ؛ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

هديّة:(القادسيّة) موضع خارج الكوفة، ينزلها الحاجّ عند الدخول والخروج.(انصراف الناس) أي طائفة منهم مخافة العطش في تلك السنة.

الحديث الثامن روى في الكافي [عَنه،(3) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ الْيَمَانِيِّ ، قَالَ : نَزَلَ بِالْجَعْفَرِيِّ مِنْ آلِ جَعْفَرٍ خَلْقٌ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِمْ ، فَكَتَبَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَشْكُوا ذلِكَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «تَكُفُّونَ ذلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى» فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ وَ الْقَوْمُ يَزِيدُونَ عَلى عِشْرِينَ أَلْفاً ، وَ هُوَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ ، فَاسْتَبَاحَهُمْ .

هديّة:يعني نزل للمحاربة، أو التقدير : «بلاء خلق»، (من آل) متعلّق ب «نزل»، (لا قِبَلَ له بهم) بكسر القاف وفتح المفردة، أي لا جانب له يقابل جانبهم؛ يعني لا طاقة له بمقاومتهم، وهذا مراد من قال يعني لم يكن له من الجنود من يقاومهم، يعني نزل للمحاربة بأبي

.


1- .في الكافي المطبوع : «المطهّر».
2- .في الكافي المطبوع : «القادسيّة».
3- .]ما بين المعقوفين أضفناه حسب السند في الكافي المطبوع ، والضمير راجع إلى عليّ بن محمّد.

ص: 502

هاشم الجعفري خلق كثير من أقربائه المخاصمين له.(تكفّون) على المعلوم من باب مدّ، أو المجهول، يعني تردّون ذلك البلاء إن شاء اللَّه تعالى، أو يكفيكموهم اللَّه بالكفّ عنكم إن شاء اللَّه تعالى.(استباحهم) بالمفردة: أهلكهم واستأصلهم. الجوهري: استباحوه: استأصلوه.(1)

الحديث التاسع روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَلَوِيِّ ، قَالَ : حُبِسَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ تَارْمَشَ - وَ هُوَ أَنْصَبُ النَّاسِ ، وَ أَشَدُّهُمْ عَلى آلِ أَبِي طَالِبٍ - وَ قِيلَ لَهُ : افْعَلْ بِهِ وَ افْعَلْ . فَمَا أَقَامَ عِنْدَهُ إِلَّا يَوْماً حَتّى وَضَعَ خَدَّيْهِ لَهُ ، وَ كَانَ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ إِجْلَالًا وَ إِعْظَاماً ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ بَصِيرَةً ، وَ أَحْسَنُهُمْ فِيهِ قَوْلًا .

هديّة:قرأ «تارمش» بالتاء المثنّاة من فوق، وقيل بالمفردة.وقرأ برهان الفضلاء : «يارمش» بفتح الخاتمة والألف وفتح المهملة والشين المعجمة، اسم ترك من الأتراك في جند الخليفة. ثمّ قال: وفيه اختلاف النسخ في ضبط الحروف وإعرابها.(افعل به وافعل) أي ما يمكنك من السوء والأذى، أو تحريش على القتل إن أمكن.

الحديث العاشرروى في الكافي عنه، وَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِّ ، عَنْ (2) سُفْيَانِ بْنِ مُحَمَّدٍ الضُّبَعِيُّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْوَلِيجَةِ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» وَقُلْتُ (3) فِي نَفْسِي - لَا فِي

.


1- .الصحاح ، ج 1 ، ص 357 (بوح).
2- .في الكافي المطبوع : «قال حدّثني» بدل «عن».
3- .في الكافي المطبوع : «قلت» بدون الواو.

ص: 503

الْكِتَابِ - : مَنْ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ هاهُنَا ؟ فَرَجَعَ الْجَوَابُ : «الْوَلِيجَةُ الَّذِي يُقَامُ دُونَ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، وَ حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ هُمْ فِي هذَا الْمَوْضِعِ ؟ فَهُمُ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ عَلَى اللَّهِ ، فَيُجِيزُ أَمَانَهُمْ» .

هديّة:(الوليجة) في اللغة: الخاصّة، والدخيلة، والمعتمد عليه، واللصق بالرجل من غير أهله.والآية في سورة التوبة.(1)في بعض النسخ : «فيجيز إيمانهم» مكان (أمانهم). قال برهان الفضلاء: والمعنى هنا واحد؛ لأنّ الإيمان هنا مصدر، «آمنه»: أعطاه الأمان، والأئمّة عليهم السلام يعطون الأمان لشيعتهم على ضمان اللَّه من النار والقرآن، كما قد يعبّر عن الإمام بالإيمان، كما في قوله عزّ وجلّ في سورة الحجرات: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ» الآية(2)، يعبّر عنه بالمؤمن بمعنى واهب الأمان من النار على ضمان اللَّه عزّ وجلّ.قال برهان الفضلاء: «من» في «من دون اللَّه» بمعنى «في»، و«دون» ظرف بمعنى قبل؛ أي ولم يقدّموا من كان حاجباً بينكم وبين اللَّه ورسوله وأوصيائه عليهم السلام. قال: و«الوليجة» الذي يُعتمد عليه مع عدم كونه أهلاً لذلك من الولوج بمعنى الدخول بين اثنين بالعنف، فالفعيل بمعنى الفاعل، والتاء للنقل من الوصفيّة إلى الإسميّة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ ، قَالَ: شَكَوْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ضِيقَ الْحَبْسِ ، وَ كَتَلَ الْقَيْدِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : «أَنْتَ تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِكَ» فَأُخْرِجْتُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ، فَصَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي كَمَا قَالَ عليه السلام .

.


1- .التوبة (9) : 16.
2- .الحجرات (49): 7.

ص: 504

وَ كُنْتُ مُضَيَّقاً ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْهُ دَنَانِيرَ فِي الْكِتَابِ ، فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَلَمَّا صِرْتُ إِلى مَنْزِلِي وَجَّهَ إِلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَ كَتَبَ إِلَيَّ : «إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ ، فَلَا تَسْتَحْيِ وَ لَا تَحْتَشِمْ وَ اطْلُبْهَا ؛ فَإِنَّكَ تَرى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى» .

هديّة:(كتل القيد) بالمثنّاة الفوقانيّة: غلظة، وقرئ بالمفردة، وهو القيد الضخم. وفي بعض النسخ : «كلب القيد» وهو مسماره الذي يشدّ به.«استحى» بياء واحدة، و«استحيى» بياءين، وقرئ بهما القرآن.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عنه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَقْرَعِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ نُصَيْرٍ الْخَادِمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ بِلُغَاتِهِمْ : تُرْكٍ ، وَ رُومٍ ، وَ صَقَالِبَةَ ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْ ذلِكَ ، وَ قُلْتُ : هذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ ، وَ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حَتّى مَضى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ لَا رَآهُ أَحَدٌ ، فَكَيْفَ هذَا ؟! أُحَدِّثُ نَفْسِي بِذلِكَ ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - بَيَّنَ حُجَّتَهُ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ بِكُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ يُعْطِيهِ اللُّغَاتِ ، وَ مَعْرِفَةَ الْأَنْسَابِ وَ الْآجَالِ وَ الْحَوَادِثِ ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ» .

هديّة:(تُركٍ) بالجرّ، بدل تفصيل من ضمير «لغاتهم».و«الصقالبة»: جمع صقلاب بكسر الصاد، وهو الأحمر المخلوط بالأبيض، وإلحاق التاء للعجمة؛ فإنّ الصقالبة جيل من الناس، بلادهم بلاد الخزر ما بين بلغز(1) وقسطنطنيّة من البلاد الشماليّة.(بكلّ شي ء) أي في كلّ شي ء. وقال برهان الفضلاء: «بكلّ شي ء» أي بالعلم بالقرآن،

.


1- .هكذا في «الف» و «ب» والصحيح : «بلغر» بالراء المهملة ، والمراد منه بلغار و بلغارستان. راجع : لغت نامه دهخدا ، مادّة «بلغر» و «بلغار» ، أيضاً مادّة «صقلب».

ص: 505

فناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الأعراف: «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ»(1). والقرآن تبيان لكلّ شي ء.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنِ الْأَقْرَعِ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْإِمَامِ : هَلْ يَحْتَلِمُ ؟ وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي - بَعْدَ مَا فَصَلَ الْكِتَابُ - : الِاحْتِلَامُ شَيْطَنَةٌ ، وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَوْلِيَاءَهُ مِنْ ذلِكَ ، فَوَرَدَ الْجَوَابُ : «حَالُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَنَامِ حَالُهُمْ فِي الْيَقَظَةِ ، لَا يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئاً ، وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ ، كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ» .

هديّة:الجوهري: فَصَلَ من الناحية، أي خرج،(2) وقرأ برهان الفضلاء على المجرّد أيضاً، لكن على المجهول، أي صار مفصولاً مبعداً بذهاب الرافع، ثمّ احتمل المجهول من التفعيل، أي بفصول منها هذه المسألة.(لمّة الشيطان): مسّه.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عنه، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ ، قَالَ : اخْتَلَجَ فِي صَدْرِي مَسْأَلَتَانِ أَرَدْتُ الْكِتَابَ فِيهِمَا إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَكَتَبْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الْقَائِمِ إِذَا قَامَ : بِمَا يَقْضِي ؟ وَ أَيْنَ مَجْلِسُهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ ؟ وَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ شَيْ ءٍ لِحُمَّى الرِّبْعِ ، فَأَغْفَلْتُ خَبَرَ الْحُمّى .فَجَاءَ الْجَوَابُ : «سَأَلْتَ عَنِ الْقَائِمِ ، فَإِذَا قَامَ قَضى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عليه السلام ، لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ؛ وَ كُنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ لِحُمَّى الرِّبْعِ ، فَأُنْسِيتَ ، فَاكْتُبْ فِي وَرَقَةٍ ، وَ عَلِّقْهُ عَلَى الْمَحْمُومِ ؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ : «يا نارُ كُونِى بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ»».

.


1- .الأعراف (7): 156 .
2- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1790.

ص: 506

فَعَلَّقْنَا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَأَفَاقَ .

هديّة:(وأردت) إمّا عطف على (اختلج)، فثلاث مسائل، فالسكوت عن جواب الثانية لعدم التعيين، بل حيث ما وقع، أو على (كتبت)، فإنّ مجموع ما كتب في حكم مسألة واحدة.(فأغفلت) على المتكلّم المعلوم من الإفعال، «أغفلته»: تركته على ذكر منّي.(فأنسيت) على المخاطب المجهول.والبارز في (علّقه) للمكتوب المفهوم من (فاكتب).والآية في سورة الأنبياء.(1)

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ إِسْمَاعِيلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ : قَعَدْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام عَلى ظَهْرِ الطَّرِيقِ ، فَلَمَّا مَرَّ بِي شَكَوْتُ إِلَيْهِ الْحَاجَةَ ، وَ حَلَفْتُ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ ، وَ لَا غَدَاءٌ ، وَ لَا عَشَاءٌ .قَالَ : فَقَالَ : «تَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِباً ؛ وَ قَدْ دَفَنْتَ مِائَتَيْ دِينَارٍ ، وَ لَيْسَ قَوْلِي هذَا دَفْعاً لَكَ عَنِ الْعَطِيَّةِ ، أَعْطِهِ يَا غُلَامُ مَا مَعَكَ»، فَأَعْطَانِي غُلَامُهُ مِائَةَ دِينَارٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ لِي : «إِنَّكَ تُحْرَمُهَا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا» - يَعْنِي الدَّنَانِيرَ الَّتِي دَفَنْتُ - وَ صَدَقَ عليه السلام ، فَكَانَ (2) كَمَا قَالَ ، دَفَنْتُ مِائَتَيْ دِينَارٍ ، وَ قُلْتُ : يَكُونُ ظَهْراً وَ كَهْفاً لَنَا ، فَاضْطُرِرْتُ ضَرُورَةً شَدِيدَةً إِلى شَيْ ءٍ أُنْفِقُهُ ، وَ انْغَلَقَتْ عَلَيَّ أَبْوَابُ الرِّزْقِ ، فَنَبَّشْتُ عَنْهَا ، فَإِذَا ابْنٌ لِي قَدْ عَرَفَ مَوْضِعَهَا ، فَأَخَذَهَا ، وَ هَرَبَ ، فَمَا قَدَرْتُ مِنْهَا عَلى شَيْ ءٍ .

هديّة:(الظهر الطريق) الذي في الصحراء.(تحرمها) على المجهول، حرم اللَّه عدوّي حرماناً كضرب فهو محروم.

.


1- .الأنبياء (21) : 69.
2- .في الكافي المطبوع : «و كان».

ص: 507

و(أحوج) على أفعل التفضيل، منصوبٌ نيابةً عن ظرف الزمان، فإنّ (ما) مصدريّة، والمصدر مضاف إليه للأحوج، فكما أنّ المصدر يجوز نيابته عن ظرف الزمان - كرأيته قدوم الحاجّ - يجوز نيابة المضاف إلى المصدر أيضاً عنه. (تكون) من الأفعال التامّة، و(إليها) متعلّق ب «الأحوج».(ظهراً وكهفاً): عوناً وكفافاً.

الحديث السادس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، قَالَ : كَانَ لِي فَرَسٌ ، وَ كُنْتُ بِهِ مُعْجَباً ، أُكْثِرُ ذِكْرَهُ فِي الْمَحَالِّ ، فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَوْماً ، فَقَالَ لِي : «مَا فَعَلَ فَرَسُكَ ؟» فَقُلْتُ : هُوَ عِنْدِي ، وَ هُوَ ذَا(1) عَلى بَابِكَ ، وَ عَنْهُ نَزَلْتُ ، فَقَالَ لِيَ : «اسْتَبْدِلْ بِهِ قَبْلَ الْمَسَاءِ إِنْ قَدَرْتَ عَلى مُشْتَرٍ ، وَ لَا تُؤَخِّرْ ذلِكَ» وَ دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلٌ ، وَ انْقَطَعَ الْكَلَامُ ، فَقُمْتُ مُتَفَكِّراً ، وَ مَضَيْتُ إِلى مَنْزِلِي ، فَأَخْبَرْتُ أَخِي الْخَبَرَ ، فَقَالَ : مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِي هذَا ، وَ شَحَحْتُ بِهِ ، وَ نَفِسْتُ عَلَى النَّاسِ بِبَيْعِهِ وَ أَمْسَيْنَا ، فَأَتَانَا السَّائِسُ - وَ قَدْ صَلَّيْنَا الْعَتَمَةَ - فَقَالَ : يَا مَوْلَايَ ، نَفَقَ فَرَسُكَ ، فَاغْتَمَمْتُ ، وَ عَلْمِتُهُ (2) أَنَّهُ عَنى هذَا بِذلِكَ الْقَوْلِ .قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام بَعْدَ أَيَّامٍ وَ أَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي : لَيْتَهُ أَخْلَفَ عَلَيَّ دَابَّةً ؛ إِذْ كُنْتُ اغْتَمَمْتُ بِقَوْلِهِ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ ، قَالَ : «نَعَمْ ، نُخْلِفُ عَلَيْكَ دَابَّةً(3) ؛ يَا غُلَامُ ، أَعْطِهِ بِرْذَوْنِيَ الْكُمَيْتَ ، هذَا خَيْرٌ مِنْ فَرَسِكَ وَطْأً(4) ، وَ أَطْوَلُ عُمُراً» .

هديّة:«المعجب» على اسم الفاعل من الإفعال: الحُسْن الحال مسرّة، وعلى اسم المفعول منه أيضاً المتعجّب.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «هو».
2- .في الكافي المطبوع : «علمت».
3- .في الكافي المطبوع : «دابّة عليك».
4- .في الكافي المطبوع : «و أوطأ».

ص: 508

و«الشحّ» بالضمّ: البخل والحرص؛ شحّ به كفرّ وعضّ.نفس به على الناس كعلم: لم يَرَهُمْ لائقاً به، و«نفس»: بخل.«نفق» كنصر: هلك، و«النفوق»: الهلاك.في بعض النسخ : «وأوطأ» على أفعل التفضيل مكان (وطأ) بالفتح، مصدر «وطي» كعلم.

الحديث السابع عشرروى في الكافي عنه، عَنْ ابْنِ شَمُّونٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام حِينَ أَخَذَ الْمُهْتَدِي فِي قَتْلِ الْمَوَالِي : يَا سَيِّدِي ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَغَلَهُ عَنَّا ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَتَهَدَّدُكَ ، وَ يَقُولُ : وَ اللَّهِ ، لَأُجْلِيَنَّهُمْ عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ؟ .فَوَقَّعَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام بِخَطِّهِ : «ذَاكَ أَقْصَرُ لِعُمُرِهِ ، عُدَّ مِنْ يَوْمِكَ هذَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ ، وَ يُقْتَلُ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ بَعْدَ هَوَانٍ وَ اسْتِخْفَافٍ يَمُرُّ بِهِ» فَكَانَ كَمَا قَالَ عليه السلام .

هديّة:«الجلاء» بالفتح والمدّ: التفرّق.(لأجلينّهم) من الإفعال.و(جديد الأرض) بالجيم على فعيل: وجهها.و(المهتدي) باللَّه: محمّد بن واثق بن معتصم بن هارون الرشيد، الرابع عشر من الخلفاء العبّاسيّة، صار خليفة في شعبان خمس وخمسين ومائتين هجريّة، وخرج الأتراك عليه بعد عزم أخذه بقتل الشيعة في رجب ستّ وخمسين ومائتين، فقتلوا أوّلاً وكيله في اُموره كلّها، يعني صالح بن وصيف، فأرسلوا إلى رأسه بالأسواق، ثمّ بمجلس المهتدي، ثمّ أخذوه وعلّقوه في باب دار الخلافة، فاستغاث فلم يرحم عليه أحد، وغمزوا خصيتيه حتّى هلك.واللام في (لعمره) للتعدية، و(أقصر) أفعل التفضيل من اسم الفاعل، يعني ذاك العزم يقصر عمره جدّاً.وقرأ برهان الفضلاء : «يمرئه» من الإمراء - من مرؤ الطعام كحسن، وأمرأه غيره على

.

ص: 509

التهكّم والتمليح - مكان (يمرّ به)، أي يصل إليه، فالمستتر على قراءته للاستخفاف، أو لكلّ واحدٍ من «الهوان» و«الاستخفاف»، والبارز للمهتدى.و«الهوان» بالفتح: الذلّ.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي عنه، عَنْ ابْنِ شَمُّونٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لِي مِنْ وَجَعِ عَيْنِي - وَ كَانَتْ إِحْدى عَيْنَيَّ ذَاهِبَةً ، وَ الْأُخْرى عَلى مُشْرِفِ (1)ذَهَابٍ - فَكَتَبَ إِلَيَّ : «حَبَسَ اللَّهُ عَلَيْكَ عَيْنَكَ» فَأَفَاقَتِ الصَّحِيحَةُ .وَ وَقَّعَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ : «آجَرَكَ اللَّهُ ، وَ أَحْسَنَ ثَوَابَكَ» فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، وَلَمْ أَعْرِفْ فِي أَهْلِي أَحَداً مَاتَ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ ، جَاءَتْنِي وَفَاةُ ابْنِي طَيِّبٍ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَهُ .

هديّة:«المشرف» كمنصب: محلّ الإشراف. وضبط برهان الفضلاء : «على شرف ذهاب» بفتحتين من دون ميم، قال: يعني على خطر هلاك.أفاق من مرضه وسكره واستفاق بمعنى.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا بِسُرَّ مَنْ رَأى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ - يُقَالُ (2) : سَيْفُ بْنُ اللَّيْثِ - يَتَظَلَّمُ إِلَى الْمُهْتَدِي فِي ضَيْعَةٍ لَهُ قَدْ غَصَبَهَا إِيَّاهُ شَفِيعٌ الْخَادِمُ ، وَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا ، فَأَشَرْنَا إِلَيْهِ (3) أَنْ يَكْتُبَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ يَسْأَلُهُ تَسْهِيلَ أَمْرِهَا ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام : «لَا بَأْسَ عَلَيْكَ ، ضَيْعَتُكَ تُرَدُّ عَلَيْكَ ، فَلَا تَتَقَدَّمْ إِلَى السُّلْطَانِ ، وَ الْقَ الْوَكِيلَ الَّذِي فِي يَدِهِ الضَّيْعَةُ ، وَ خَوِّفْهُ بِالسُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ ، اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» .فَلَقِيَهُ ، فَقَالَ لَهُ الْوَكِيلُ - الَّذِي فِي يَدِهِ الضَّيْعَةُ - : قَدْ كُتِبَ إِلَيَّ عِنْدَ خُرُوجِكَ مِنْ مِصْرَ أَنْ

.


1- .في الكافي المطبوع : «شرف».
2- .في الكافي المطبوع : + «له».
3- .في الكافي المطبوع : «عليه».

ص: 510

أَطْلُبَكَ ، وَ أَرُدَّ الضَّيْعَةَ عَلَيْكَ ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي ابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ وَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ ، وَ لَمْ يَحْتَجْ إِلى أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْمُهْتَدِي ، فَصَارَتِ الضَّيْعَةُ لَهُ وَ فِي يَدِهِ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَبَرٌ بَعْدَ ذلِكَ .قَالَ : وَ حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ اللَّيْثِ هذَا ، قَالَ : خَلَّفْتُ ابْناً لِي عَلِيلًا بِمِصْرَ عِنْدَ خُرُوجِي عَنْهَا ، وَ ابْناً لِي آخَرَ أَسَنَّ مِنْهُ كَانَ وَصِيِّي وَ قَيِّمِي عَلى عِيَالِي وَ فِي ضِيَاعِي ، فَكَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ لِابْنِيَ الْعَلِيلِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ : «قَدْ عُوفِيَ ابْنُكَ الْمُعْتَلُّ ، وَ مَاتَ الْكَبِيرُ وَصِيُّكَ وَ قَيِّمُكَ ، فَاحْمَدِ اللَّهَ ، وَ لَا تَجْزَعْ ؛ فَيَحْبَطَ أَجْرُكَ».فَوَرَدَ عَلَيَّ الْخَبَرُ أَنَّ ابْنِي قَدْ عُوفِيَ مِنْ عِلَّتِهِ ، وَ مَاتَ الْكَبِيرُ يَوْمَ وَرَدَ عَلَيَّ جَوَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فأشرنا عليه» مكان (إليه)، فعلى تضمين معنى مثل «أوجبنا».(فقال له الوكيل) أي وكيل شفيع الخادم.(قد كتب إليّ) أي شفيع من سامرّاء.(بحكم القاضي) أي بسجلّه.وقرأ برهان الفضلاء : «ولم يكن لها جبر بعد ذلك» بالجيم، أي غضب.(يوم ورد) ظرف ل (مات) أو ل (عوفى) أو ل «ورود الخبر».

الحديث العشرون روى في الكافي عنه، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْقُشَيْرِيِ (1) مِنْ قَرْيَةٍ تُسَمّى قَنْبَرَ(2) ، قَالَ : كَانَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام وَكِيلٌ قَدِ اتَّخَذَ مَعَهُ فِي الدَّارِ حُجْرَةً يَكُونُ مَعَهُ فِيهَا(3) خَادِمٌ أَبْيَضُ ، فَأَرَادَ الْوَكِيلُ

.


1- .هكذا في حاشية «الف» و الكافي المطبوع ، وفي «الف» و «د» : «القسري».
2- .في الكافي المطبوع : «قير».
3- .في الكافي المطبوع : «فيها معه».

ص: 511

الْخَادِمَ عَلى نَفْسِهِ ، فَأَبى إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُ بِنَبِيذٍ(1) ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهِ ، وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ مُقَفَّلَةٍ(2) ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي الْوَكِيلُ ، قَالَ : إِنِّي لَمُنْتَبِهٌ إِذَا(3) أَنَا بِالْأَبْوَابِ تُفْتَحُ حَتّى جَاءَ بِنَفْسِهِ ، فَوَقَفَ عَلى بَابِ الْحُجْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا هؤُلَاءِ ، اتَّقُوا اللَّهَ ، خَافُوا اللَّهَ» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ، أَمَرَ بِبَيْعِ الْخَادِمِ ، وَ إِخْرَاجِي مِنَ الدَّارِ .

هديّة:(قد اتّخذ معه) أي مع الإمام عليه السلام، يعني في البيوت المعدّة للرجال. وقال برهان الفضلاء: ضمير «اتّخذ» و«معه» في الموضعين للوكيل، يعني قد اتّخذ في جنب بيته في الدار حجرة.الجوهري: الخادم، واحد «الخدم» غلاماً كان أو جارية.(4) وقال برهان الفضلاء: المراد بالخادم هنا الغلام.(لمنتبه) إمّا من التفعّل يعني لنادم، أو من الافتعال بهذا المعنى أيضاً، أو يعني من النوم.والتعبير عن الاثنين ب (هؤلاء) إمّا باعتبار حضور كرام الكاتبين كما قال برهان الفضلاء، أو للإطلاق المجوّز باعتبار التعدّد.في بعض النسخ : «أبواب مغلقة» مكان (أبواب مقفلة).

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّبِيعِ الشيبانيِّ ، قَالَ : نَاظَرْتُ رَجُلًا مِنَ الثَّنَوِيَّةِ بِالْأَهْوَازِ ، ثُمَّ قَدِمْتُ سُرَّ مَنْ رَأى وَ قَدْ عَلِقَ بِقَلْبِي شَيْ ءٌ مِنْ مَقَالَتِهِ ؛ فَإِنِّي لَجَالِسٌ عَلى بَابِ أَحْمَدَ بْنِ الْخَضِيبِ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام مِنْ دَارِ الْعَامَّةِ يَؤُمُّ الْمَوْكِبَ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، وَ أَشَارَ بِسَبَّاحَتِهِ : «أَحَداً أَحَداً فَرْداً» . فَسَقَطْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ .

.


1- .في الكافي المطبوع : + «فاحتال له نبيذاً».
2- .في الكافي المطبوع : «مغلقة».
3- .في الكافي المطبوع : «إذ».
4- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1909 (خدم).

ص: 512

هديّة:(أحمد بن الخضيب) قد قتل في زمن الهادي عليه السلام، فيحتمل أن يكون كلام الإمام عليه السلام في زمن أبيه عليهما السلام.و(الموكب) كمجلس: جماعة الفرسان في الزينة. قال برهان الفضلاء: يعني يوم ورود رسول من سلطان آخر، وقرئ : «يؤمّ الموكب» على المضارع المعلوم من أَمَّه بمعنى قصده.و«السبّاحة» كالسبّابة لفظاً ومعنى، ويُقال للسبّابة المسبّحة أيضاً.وقرأ برهان الفضلاء : «بسّنا حُبّه» قال:و«البسّ» بفتح المفردة وتشديد المهملة: الطلب، والمراد هنا المطلوب، أي مقصودنا محبّته تعالى، و«أحداً» حال من ضمير «حبّه»، والتكرار للتأكيد، قال: ويمكن أن يكون الأوّل «واحداً» بالواو، فسقطت عن قلم النسّاخ، ثمّ قال: وعلى «بسبّاحته» أو «بسبّابته» «أحداً» نصب على فعل مقدّر مثل «اعرف» ونحوه.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَوْماً وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ مَا أَصُوغُ بِهِ خَاتَماً أَتَبَرَّكُ بِهِ ، فَجَلَسْتُ ، وَ أُنْسِيتُ مَا جِئْتُ لَهُ ، فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ وَ نَهَضْتُ رَمى إِلَيَّ بِالْخَاتَمِ ، فَقَالَ : «أَرَدْتَ فِضَّةً ، فَأَعْطَيْنَاكَ خَاتَماً ، فَرَبِحْتَ (1) الْفَصَّ وَ الْكِرَاءَ ، هَنَأَكَ اللَّهُ يَا أَبَا هَاشِمٍ».فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، أَشْهَدُ أَنَّكَ وَلِيُّ اللَّهِ وَ إِمَامِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِطَاعَتِهِ ، فَقَالَ : «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا هَاشِمٍ» .

هديّة:صغت الخاتم، أصوغه صوغاً، وأنا صائغ وصوّاغ وصيّاغ أيضاً في لغة أهل الحجاز ، وعمله: الصياغة.

.


1- .في الكافي المطبوع : «ربحت» بدون الفاء.

ص: 513

(والكراء) بالكسر والمدّ.

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي الْعَيْنَاءِ الْهَاشِمِيُّ مَوْلى عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ عَتَاقَةً ، قَالَ : كُنْتُ أَدْخُلُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَأَعْطَشُ وَ أَنَا عِنْدَهُ ، فَأُجِلُّهُ أَنْ أَدْعُوَ بِالْمَاءِ ، فَيَقُولُ : «يَا غُلَامُ ، اسْقِهِ» وَ رُبَّمَا حَدَّثْتُ نَفْسِي بِالنُّهُوضِ ، فَأُفَكِّرُ فِي ذلِكَ ، فَيَقُولُ : «يَا غُلَامُ ، دَابَّتَهُ» .

هديّة:عطش فلان كعلم.(فيقول) في الموضعين، أي فكان يقول.(دابّته) أي احضر دابّته، والمراد أنّ في الصورتين علم بما في الضمير من طلب الماء وقصد النهوض.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ ،(1) قَالَ : دَخَلَ الْعَبَّاسِيُّونَ عَلى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ ، وَ دَخَلَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ وَ غَيْرُهُ - مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ هذِهِ النَّاحِيَةِ - عَلى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ عِنْدَ مَا حَبَسَ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ : وَ مَا أَصْنَعُ قَدْ وَكَّلْتُ بِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَشَرِّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ صَارَا مِنَ الْعِبَادَةِ وَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ إِلى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، فَقُلْتُ لَهُمَا(2) فِيهِ ، فَقَالَا : مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ ، وَ يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ ، لَا يَتَكَلَّمُ وَ لَا يَتَشَاغَلُ ، وَ إِذَا نَظَرْنَا إِلَيْهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُنَا ، وَ يُدَاخِلُنَا مَا لَا نَمْلِكُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا ؟ فَلَمَّا سَمِعُوا ذلِكَ انْصَرَفُوا خَائِبِينَ .

هديّة:(أشرّ) لغة في الشرّ، وكأنّ دخول أقرباء الخليفة وغيرهم على صالح والإمام عليه السلام

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد ، عن عليّ بن عبد الغفّار».
2- .في الكافي المطبوع : + «ما».

ص: 514

محبوس عنده لإلتماسهم اشتداد الحبس والإيذاء إلى أمرٍ عظيم من الخير والصلاح ببركته، والخوف منه عليه السلام بعد كونهما من شرار الناس.(عن هذه الناحية) يعني أهل البيت عليهم السلام.و«الفريصة»: لحوم ما بين الخاصرة والكتف، ويطلق على أوداج العنق.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَكْفُوفُ ،(1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ بَعْضِ فَصَّادِي الْعَسْكَرِ مِنَ النَّصَارى : أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام بَعَثَ إِلَيْهِ يَوْماً فِي وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ ، فَقَالَ لِيَ : «افْصِدْ هذَا الْعِرْقَ» قَالَ : وَ نَاوَلَنِي عِرْقاً لَمْ أَفْهَمْهُ مِنَ الْعُرُوقِ الَّتِي تُفْصَدُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : مَا رَأَيْتُ أَمْراً أَعْجَبَ مِنْ هذَا ، يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْصِدَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَ لَيْسَ بِوَقْتِ فَصْدٍ ، وَ الثَّانِيَةُ عِرْقٌ لَا أَفْهَمُهُ ، ثُمَّ قَالَ لِيَ : «انْتَظِرْ ، وَ كُنْ فِي الدَّارِ».فَلَمَّا أَمْسى دَعَانِي وَ قَالَ لِي : «سَرِّحِ الدَّمَ» فَسَرَّحْتُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «أَمْسِكْ» فَأَمْسَكْتُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «كُنْ فِي الدَّارِ».فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ ، أَرْسَلَ إِلَيَّ ، وَ قَالَ لِي : «سَرِّحِ الدَّمَ».قَالَ : فَتَعَجَّبْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَجَبِيَ الْأَوَّلِ ، وَ كَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ ، قَالَ : فَسَرَّحْتُ ، فَخَرَجَ دَمٌ أَبْيَضُ كَأَنَّهُ الْمِلْحُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ لِيَ : «احْبِسْ» . قَالَ : فَحَبَسْتُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «كُنْ فِي الدَّارِ».فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ، أَمَرَ قَهْرَمَانَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ ، فَأَخَذْتُهَا ، وَ خَرَجْتُ حَتّى أَتَيْتُ ابْنَ بَخْتِيشُوعَ النَّصْرَانِيَّ ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : وَ اللَّهِ ، مَا أَفْهَمُ مَا تَقُولُ ، وَ لَا أَعْرِفُهُ فِي شَيْ ءٍ مِنَ الطِّبِّ ، وَ لَا قَرَأْتُهُ فِي كِتَابٍ ، وَ لَا أَعْلَمُ فِي دَهْرِنَا أَعْلَمَ بِكُتُبِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ فُلَانٍ الْفَارِسِيِّ ، فَاخْرُجْ إِلَيْهِ .قَالَ : فَاكْتَرَيْتُ زَوْرَقاً إِلَى الْبَصْرَةِ ، وَ أَتَيْتُ الْأَهْوَازَ ، ثُمَّ صِرْتُ إِلى فَارِسَ إِلى صَاحِبِي ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن الحسن بن الحسين ، قال : حدّثني محمّد بن الحسن المكفوف».

ص: 515

فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي (1) : أَنْظِرْنِي أَيَّاماً ، فَأَنْظَرْتُهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مُتَقَاضِياً ، قَالَ : فَقَالَ لِي : إِنَّ هذَا الَّذِي تَحْكِيهِ عَنْ هذَا الرَّجُلِ فَعَلَهُ الْمَسِيحُ فِي دَهْرِهِ مَرَّةً .

هديّة:فصده كضرب.(والثانية) أي والاُعجوبة الثانية.حبسه كضرب.(ابن بختيشوع) بفتح المفردة وسكون المعجمة وكسر التاء الفوقانيّة وضمّ المعجمة بعد الخاتمة والمهملة أخيراً.(من فلان الفارسي) نسيان من الراوي اسمه.و«التسريح»: الإرسال.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٍ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام يَشْكُو عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ دُلَفَ وَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «أَمَّا عَبْدُ الْعَزِيزِ فَقَدْ كُفِيتَهُ ، وَ أَمَّا يَزِيدُ فَإِنَّ لَكَ وَ لَهُ مَقَاماً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ». فَمَاتَ عَبْدُ الْعَزِيزِ ، وَ قَتَلَ يَزِيدُ مُحَمَّدَ بْنَ حُجْرٍ .

هديّة:(حجر) بضمّ المهملة وسكون الجيم.و(دلف) كصرد: معدول من «دالف» وهو الذي يمشي بالحمل الثقيل.

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : سُلِّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام إِلى نِحْرِيرٍ ، فَكَانَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ وَ يُؤْذِيهِ ،(2) فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : وَيْلَكَ ، اتَّقِ اللَّهَ ، لَا تَدْرِي مَنْ فِي مَنْزِلِكَ ؟ وَ عَرَّفَتْهُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «و قال» بدل «فقال لي».
2- .في الكافي المطبوع : + «قال».

ص: 516

صَلَاحَهُ ، وَ قَالَتْ : إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْهُ ، فَقَالَ : لَأَرْمِيَنَّهُ بَيْنَ السِّبَاعِ ، ثُمَّ فَعَلَ ذلِكَ بِهِ ، فَرُئِيَ عليه السلام قَائِماً يُصَلِّي وَ هِيَ حَوْلَهُ .

هديّة:(لأرمينّه) يعني بأمر الخليفة سرّاً.(فرئي) على ما لم يسمّ فاعله أولى.(وهي) أي السباع.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِأَنْظُرَ إِلى خَطِّهِ ، فَأَعْرِفَهُ إِذَا وَرَدَ ، فَقَالَ : «نَعَمْ». ثُمَّ قَالَ : «يَا أَحْمَدُ ، إِنَّ الْخَطَّ سَيَخْتَلِفُ عَلَيْكَ مَا(1) بَيْنِ الْقَلَمِ الْغَلِيظِ إِلَى الْقَلَمِ الدَّقِيقِ ، فَلَا تَشُكَّنَّ».ثُمَّ دَعَا بِالدَّوَاةِ فَكَتَبَ ، وَ جَعَلَ يَسْتَمِدُّ إِلى مَجْرَى الدَّوَاةِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي - وَ هُوَ يَكْتُبُ - : أَسْتَوْهِبُهُ الْقَلَمَ الَّذِي يَكْتُبُ (2) بِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابَةِ ، أَقْبَلَ يُحَدِّثُنِي - وَ هُوَ يَمْسَحُ الْقَلَمَ بِمِنْدِيلِ الدَّوَاةِ سَاعَةً - ثُمَّ قَالَ : «هَاكَ يَا أَحْمَدُ» فَنَاوَلَنِيهِ .فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي مُغْتَمٌّ لِشَيْ ءٍ يُصِيبُنِي فِي نَفْسِي وَ قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ أَبَاكَ ، فَلَمْ يُقْضَ لِي ذلِكَ ، فَقَالَ : «وَ مَا هُوَ يَا أَحْمَدُ ؟» فَقُلْتُ : سَيِّدِي (3) ، رُوِيَ لَنَا عَنْ آبَائِكَ أَنَّ نَوْمَ الْأَنْبِيَاءِ عَلى أَقْفِيَتِهِمْ ، وَ نَوْمَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى أَيْمَانِهِمْ ، وَ نَوْمَ الْمُنَافِقِينَ عَلى شَمَائِلِهِمْ ، وَ نَوْمَ الشَّيَاطِينِ عَلى وُجُوهِهِمْ ؟ فَقَالَ عليه السلام : «كَذلِكَ هُوَ».فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، فَإِنِّي أَجْتَهِدُ(4) أَنْ أَنَامَ عَلى يَمِينِي ، فَمَا يُمْكِنُنِي ، وَ لَا يَأْخُذُ لِي (5) النَّوْمُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «من».
2- .في الكافي المطبوع : «كتب».
3- .في الكافي المطبوع : «يا سيّدي».
4- .في الكافي المطبوع : «أجهد».
5- .في الكافي المطبوع : «يأخذني» بدل «يأخذ لي».

ص: 517

عَلَيْهَا ، فَسَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَحْمَدُ ، ادْنُ مِنِّي». فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَقَالَ : «أَدْخِلْ يَدَكَ تَحْتَ ثِيَابِكَ»، فَأَدْخَلْتُهَا ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِ ، وَ أَدْخَلَهَا تَحْتَ ثِيَابِي ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ الْيُمْنى عَلى جَانِبِيَ الْأَيْسَرِ ، وَ بِيَدِهِ الْيُسْرى عَلى جَانِبِيَ الْأَيْمَنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ أَحْمَدُ : فَمَا أَقْدِرُ أَنْ أَنَامَ عَلى يَسَارِي مُنْذُ فَعَلَ ذلِكَ بِي ، وَ مَا يَأْخُذُنِي نَوْمٌ عَلَيْهَا أَصْلًا .

هديّة:(سيختلف) أي سيشتبه.(فلا تشكّن) يعني فانظر حسناً لئلّا تشكّ.و«الاستمداد» كما قال برهان الفضلاء: طلب المدد بصبّ الماء أو النّقس في الدواة أو إلى الانتهاء.و«المجرى»: مصدر ميميّ، ونسبته إلى الدواة على المجاز؛ إذ المراد جريان النفس. وقيل: أي يطلب المداد ويأخذه من شفّة الدواة لا من جوفه، ف (إلى) بمعنى «من» أو بمعنى «عند» كما ذكر الجوهري.(1) و(الدّواة) بالفتح: ما يكتب منه، و«النقس» بالكسر: المداد بالكسر.(هاك) اسم فعلٍ يستعمل بكاف الخطاب، يعني خُذ.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أجهد» من باب منع، مكان (اجتهد) من الافتعال.

.


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2543 (إلى).

ص: 518

باب مولد الصّاحب

الباب الخامس والعشرون والمائة : بَابُ مَوْلِدِ الصَّاحِبِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي بما رواه ثقة الإسلام على نهج التاريخ أحد وثلاثون:

الحديث الأوّل روى في الكافي على نهج التاريخ، وقال: وُلِدَ الصَّاحِبُ عليه السلام لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ.

هديّة:(ولد) صاحب الزمان عليه السلام زمن المهتدي، الرابع عشر من خلفاء بني العبّاس، ولا خلاف بين أصحابنا في هذا التاريخ، إلّا أنّ هذا يدلّ على أنّه عليه السلام ابن خمس سنين عند مضيّ أبيه عليهما السلام موافقاً لما مرّ في باب حالات الأئمّة عليهم السلام في السنّ، وهو ينافي ظاهر ما يأتي في ذيل الحديث الثاني، وما ذكر في الحديثين في الباب المعنون بباب في الغيبة ، وما يجي ء في ذيل الحديث الثالث من كونه عليه السلام ابن سنتين عند مضيّ أبيه عليهما السلام. ولا ضير ؛ لأنّ التنافي في كلام غير المعصوم.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) ، قَالَ : خَرَجَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام حِينَ قُتِلَ الزُّبَيْرِيُّ : «هذَا جَزَاءُ مَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ فِي أَوْلِيَائِهِ ، زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي وَ لَيْسَ لِي عَقِبٌ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد».

ص: 519

فَكَيْفَ رَأى قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالى ؟»وَ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ سَمَّاهُ «م ح م د» سَنَةَ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ .

هديّة:(الزبيري) هو المهتدي، وقد سبق هذا الحديث ببيانه في الباب الخامس والسبعين بأدنى تفاوت في ألفاظه.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ وَ الْحَسَنُ - ابْنَا عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَ سَبْعِينَ وَ مِائَتَيْنِ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْعَبْدِيُّ مِنْ عَبْدِ قَيْسٍ ، عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ سَمَّاهُ ، قَالَ :أَتَيْتُ سُرَّ مَنْ رَأى ، وَ لَزِمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَدَعَانِي مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْتَأْذِنَ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ وَ سَلَّمْتُ ، قَالَ لِي : «يَا بَا(3) فُلَانٍ ، كَيْفَ حَالُكَ ؟» ثُمَّ قَالَ لِي : «اقْعُدْ يَا فُلَانُ». ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ رِجَالٍ وَ نِسَاءٍ مِنْ أَهْلِي ، ثُمَّ قَالَ لِي : «مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ ؟» قُلْتُ : رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ ، قَالَ : فَقَالَ : «فَالْزَمِ الدَّارَ».قَالَ : فَكُنْتُ فِي الدَّارِ مَعَ الْخَدَمِ ، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَرِي لَهُمُ الْحَوَائِجَ مِنَ السُّوقِ وَ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي دَارِ الرِّجَالِ ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ يَوْماً وَ هُوَ فِي دَارِ الرِّجَالِ ، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي الْبَيْتِ ، فَنَادَانِي : «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ» فَلَمْ أَجْسُرْ أَخْرُجُ وَ لَا أَدْخُلُ ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ مَعَهَا شَيْ ءٌ مُغَطًّى ، ثُمَّ نَادَانِيَ : «ادْخُلْ» فَدَخَلْتُ ، وَ نَادَى الْجَارِيَةَ ، فَرَجَعَتْ ، فَقَالَ لَهَا : «اكْشِفِي عَمَّا مَعَكِ» فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَامٍ أَبْيَضَ ، حَسَنِ الْوَجْهِ ، وَ كَشَفَتْ عَنْ بَطْنِهِ ، فَإِذَا شَعْرٌ نَابِتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلى سُرَّتِهِ ، أَخْضَرُ ، لَيْسَ بِأَسْوَدَ ، فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ».

.


1- .أي «باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار عليه السلام».
2- .السند يبدأ كما في الكافي المطبوع بعليّ بن محمّد و هو من مشايخ الكليني ، فالتعبير بإسناده غير صحيح.
3- .في الكافي المطبوع : «أبا».

ص: 520

ثُمَّ أَمَرَهَا فَحَمَلَتْهُ ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذلِكَ حَتّى مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام .فَقَالَ ضَوْء بْنُ عَلِيٍّ : قُلْتُ (1) لِلْفَارِسِيِّ : كَمْ كُنْتَ تُقَدِّرُ لَهُ مِنَ السِّنِينَ ؟ قَالَ : سَنَتَيْنِ .قَالَ الْعَبْدِيُّ : فَقُلْتُ لِضَوْءٍ : كَمْ تُقَدِّرُ لَهُ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَرْبَعَ عَشْرَةَ(2) .قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَ نَحْنُ نُقَدِّرُ لَهُ إِحْدى وَ عِشْرِينَ سَنَةً .

هديّة:قد سبق مضمون هذا الحديث من أوّله إلى قوله: (قال ضوء بن عليّ) في الحديث السادس من الباب الخامس والسبعين.(3)و«أبو عليّ» كنية (محمّد)، و«أبو عبداللَّه كنية (الحسن).(قال: أربع عشرة) يعني قد مضت من زمان رؤية الفارسي إلى حين روايتي هذه اثنتا عشرة سنة.(ونحن نقدّر) يعني ابني عليّ بن إبراهيم محمّد والحسن، (له): للصاحب عليه السلام، (إحدى وعشرين سنة) يعني من زمان رواية محمّد بن علي العبدي إلى حين روايتنا هذه قد مضت سبع سنين.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ الْعَامِرِيِ (4) ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ غَانِمٍ الْهِنْدِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ بِمَدِينَةِ الْهِنْدِ - الْمَعْرُوفَةِ بِقِشْمِيرَ الدَّاخِلَةِ - وَ أَصْحَابٌ لِي يَقْعُدُونَ عَلى كَرَاسِيَّ عَنْ يَمِينِ الْمَلِكِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّهُمْ يَقْرَأُ الْكُتُبَ الْأَرْبَعَةَ : التَّوْرَاةَ ، وَ الْإِنْجِيلَ ، وَ الزَّبُورَ ، وَ صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ ، نَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ ، وَ نُفَقِّهُهُمْ فِي دِينِهِمْ ، وَ نُفْتِيهِمْ فِي حَلَالِهِمْ وَ حَرَامِهِمْ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقلت».
2- .في الكافي المطبوع : + «سنة».
3- .أي «باب الإشارة والنصّ إلى صاحب الدار عليه السلام».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و عن غير واحد من أصحابنا القمّيين ، عن محمّد بن محمّد العامريّ».

ص: 521

يَفْزَعُ النَّاسُ إِلَيْنَا : الْمَلِكُ فَمَنْ دُونَهُ ، فَتَجَارَيْنَا ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْنَا : هذَا النَّبِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ ، وَ يَجِبُ عَلَيْنَا الْفَحْصُ عَنْهُ وَ طَلَبُ أَثَرِهِ ، وَ اتَّفَقَ رَأْيُنَا وَ تَوَافَقْنَا عَلى أَنْ أَخْرُجَ ، فَأَرْتَادَ لَهُمْ ، فَخَرَجْتُ وَ مَعِي مَالٌ جَلِيلٌ ، فَسِرْتُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً حَتّى قَرُبْتُ مِنْ كَابُلَ ، فَعَرَضَ لِي قَوْمٌ مِنَ التُّرْكِ ، فَقَطَعُوا عَلَيَّ ، وَ أَخَذُوا مَالِي ، وَ جُرِحْتُ جِرَاحَاتٍ شَدِيدَةً ، وَ دُفِعْتُ إِلى مَدِينَةِ كَابُلَ ، فَأَنْفَذَنِي مَلِكُهَا - لَمَّا وَقَفَ عَلى خَبَرِي - إِلى مَدِينَةِ بَلْخَ ، وَ عَلَيْهَا إِذْ ذَاكَ دَاوُدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي أَسْوَدَ ، فَبَلَغَهُ خَبَرِي ، وَ أَنِّي خَرَجْتُ مُرْتَاداً مِنَ الْهِنْدِ ، وَ تَعَلَّمْتُ الْفَارِسِيَّةَ ، وَ نَاظَرْتُ الْفُقَهَاءَ وَ أَصْحَابَ الْكَلَامِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ دَاوُدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، فَأَحْضَرَنِي مَجْلِسَهُ ، وَ جَمَعَ عَلَيَّ الْفُقَهَاءَ ، فَنَاظَرُونِي ، فَأَعْلَمْتُهُمْ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَلَدِي أَطْلُبُ هذَا النَّبِيَّ الَّذِي وَجَدْتُهُ فِي الْكُتُبِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ هُوَ ؟ وَ مَا اسْمُهُ ؟ فَقُلْتُ : مُحَمَّدٌ ، فَقَالُوا : هُوَ نَبِيُّنَا الَّذِي تَطْلُبُ ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ شَرَائِعِهِ ، فَأَعْلَمُونِي .فَقُلْتُ لَهُمْ : أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ ، وَ لَا أَعْلَمُهُ هذَا الَّذِي تَصِفُونَ أَمْ لَا ؟ فَأَعْلِمُونِي مَوْضِعَهُ لِأَقْصِدَهُ ، فَأُسَائِلَهُ عَنْ عَلَامَاتٍ عِنْدِي وَ دَلَالَاتٍ ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبِيَ الَّذِي طَلَبْتُ ، آمَنْتُ بِهِ ، فَقَالُوا : قَدْ مَضى عليه السلام ، فَقُلْتُ : فَمَنْ وَصِيُّهُ وَ خَلِيفَتُهُ ؟ فَقَالُوا : أَبُو بَكْرٍ .قُلْتُ : فَسَمُّوهُ لِي ؛ فَإِنَّ هذِهِ كُنْيَتُهُ ، قَالُوا : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ ، وَ نَسَبُوهُ إِلى قُرَيْشٍ .قُلْتُ : فَانْسُبُوا لِي مُحَمَّداً نَبِيَّكُمْ ، فَنَسَبُوهُ لِي ، فَقُلْتُ : لَيْسَ هذَا صَاحِبِيَ الَّذِي طَلَبْتُ ، صَاحِبِيَ الَّذِي أَطْلُبُهُ خَلِيفَتُهُ أَخُوهُ فِي الدِّينِ ، وَ ابْنُ عَمِّهِ فِي النَّسَبِ ، وَ زَوْجُ ابْنَتِهِ ، وَ أَبُو وُلْدِهِ ، لَيْسَ لِهذَا النَّبِيِّ ذُرِّيَّةٌ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرُ وُلْدِ هذَا الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ خَلِيفَتُهُ .قَالَ : فَوَثَبُوا بِي ، وَ قَالُوا : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، إِنَّ هذَا قَدْ خَرَجَ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الْكُفْرِ ، هذَا حَلَالُ الدَّمِ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : يَا قَوْمُ ، أَنَا رَجُلٌ مَعِي دِينٌ ، مُتَمَسِّكٌ بِهِ، لَا أُفَارِقُهُ حَتّى أَرى مَا هُوَ أَقْوى مِنْهُ ، إِنِّي وَجَدْتُ صِفَةَ هذَا الرَّجُلِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلى أَنْبِيَائِهِ ، وَ إِنَّمَا خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ وَ مِنَ الْعِزِّ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ طَلَباً لَهُ ، فَلَمَّا فَحَصْتُ عَنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ ، لَمْ يَكُنِ النَّبِيَّ الْمَوْصُوفَ فِي الْكُتُبِ ، فَكَفُّوا عَنِّي .

.

ص: 522

وَ بَعَثَ الْعَامِلُ إِلى رَجُلٍ - يُقَالُ لَهُ : الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْكِيبَ (1) - فَدَعَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : نَاظِرْ هذَا الرَّجُلَ الْهِنْدِيَّ ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، عِنْدَكَ الْفُقَهَاءُ وَ الْعُلَمَاءُ وَ هُمْ أَعْلَمُ وَ أَبْصَرُ بِمُنَاظَرَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ : نَاظِرْهُ كَمَا أَقُولُ لَكَ ، وَ اخْلُ بِهِ ، وَ الْطُفْ لَهُ ، فَقَالَ لِيَ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْكِيبَ (2) - بَعْدَ مَا فَاوَضْتُهُ - : إِنَّ صَاحِبَكَ الَّذِي تَطْلُبُهُ هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي وَصَفَهُ هؤُلَاءِ ، وَ لَيْسَ الْأَمْرُ فِي خَلِيفَتِهِ كَمَا قَالُوا ، هذَا النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ وَصِيُّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ هُوَ زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ وَ أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ سِبْطَيْ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله .قَالَ غَانِمٌ أَبُو سَعِيدٍ : فَقُلْتُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، هذَا الَّذِي طَلَبْتُ ؛ فَانْصَرَفْتُ إِلى دَاوُدَ بْنِ الْعَبَّاسِ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ ، وَجَدْتُ مَا طَلَبْتُ ، وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَشْهَدُ(3) أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ .قَالَ : فَبَرَّنِي ، وَ وَصَلَنِي ، وَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ : تَفَقَّدْهُ . قَالَ : فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ حَتّى آمَنْتُ (4) بِهِ ، وَ فَقَّهَنِي فِيمَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْفَرَائِضِ .قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّا نَقْرَأُ فِي كُتُبِنَا أَنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ، لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ، وَ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ إِلى وَصِيِّهِ وَ وَارِثِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ إِلَى الْوَصِيِّ بَعْدَ الْوَصِيِّ ، لَا يَزَالُ أَمْرُ اللَّهِ جَارِياً فِي أَعْقَابِهِمْ حَتّى تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ وَصِيُّ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : الْحَسَنُ ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ عليهما السلام ابْنَا مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله - ثُمَّ سَاقَ الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ حَتَّى انْتَهى إِلى صَاحِبِ الزَّمَانِ عليه السلام .ثُمَّ أَعْلَمَنِي مَا حَدَثَ ؛ فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ إِلَّا طَلَبُ النَّاحِيَةِ .فَوَافى قُمَّ ، وَ قَعَدَ مَعَ أَصْحَابِنَا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ سِتِّينَ (5) ، وَ خَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى وَافى بَغْدَاذَ6 ، وَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «إشكيب».
2- .في الكافي المطبوع : - «أشهد».
3- .في الكافي المطبوع : «آنست».
4- .في الكافي المطبوع : + «مائتين».
5- .في الكافي المطبوع : «بغداد».

ص: 523

مَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ مِنْ أَهْلِ السِّنْدِ كَانَ صَحِبَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ .قَالَ : فَحَدَّثَنِي غَانِمٌ ، قَالَ : وَ أَنْكَرْتُ مِنْ رَفِيقِي بَعْضَ أَخْلَاقِهِ ، وَهَجَرْتُهُ (1) ، وَ خَرَجْتُ حَتّى صِرْتُ (2)إِلَى الْعَبَّاسِيَّةِ أَتَهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ وَ أُصَلِّي ، وَ إِنِّي لَوَاقِفٌ مُتَفَكِّرٌ فِيمَا قَصَدْتُ لِطَلَبِهِ إِذَا أَنَا بِآتٍ قَدْ أَتَانِي ، فَقَالَ : أَنْتَ فُلَانٌ ؟ - اسْمُهُ بِالْهِنْدِ - فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَجِبْ مَوْلَاكَ ، فَمَضَيْتُ مَعَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَخَلَّلُ بِيَ الطُّرُقَ حَتّى أَتى دَاراً وَ بُسْتَاناً ، فَإِذَا أَنَا بِهِ عليه السلام جَالِسٌ ، فَقَالَ : «مَرْحَباً يَا فُلَانُ - بِكَلَامِ الْهِنْدِ - كَيْفَ حَالُكَ ؟ وَ كَيْفَ خَلَّفْتَ فُلَاناً وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً(3) ؟» حَتّى عَدَّ الْأَرْبَعِينَ كُلَّهُمْ ، فَسَاءَلَنِي عَنْهُمْ وَاحِداً وَاحِداً ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي عليه السلام بِمَا تَجَارَيْنَا ، كُلُّ ذلِكَ بِكَلَامِ الْهِنْدِ .ثُمَّ قَالَ : «أَرَدْتَ أَنْ تَحُجَّ مَعَ أَهْلِ قُمَّ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، يَا سَيِّدِي ، فَقَالَ : «لَا تَحُجَّ مَعَهُمْ ، وَ انْصَرِفْ سَنَتَكَ هذِهِ ، وَ حُجَّ فِي قَابِلٍ». ثُمَّ أَلْقى إِلَيَّ صُرَّةً كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لِيَ : «اجْعَلْهَا نَفَقَتَكَ ، وَ لَا تَدْخُلْ إِلى بَغْدَادَ إِلى فُلَانٍ - سَمَّاهُ - وَ لَا تُطْلِعْهُ عَلى شَيْ ءٍ»، وَ انْصَرِفْ إِلَيْنَا إِلَى الْبَلَدِ .ثُمَّ وَافَانَا بَعْضُ الْفُيُوجِ ، فَأَعْلَمُونَا أَنَّ أَصْحَابَنَا انْصَرَفُوا مِنَ الْعَقَبَةِ ، وَ مَضى نَحْوَ خُرَاسَانَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي قَابِلٍ ، حَجَّ وَ أَرْسَلَ إِلَيْنَا هَدِيَّةً(4) مِنْ طُرَفِ خُرَاسَانَ ، فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً ، حَتَّى (5) مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .

هديّة:قيل: «القشمير الداخلة» بلاد في أقصى الهند يُقال لها : «الزيربادات». وقال برهان الفضلاء: «القشمير الداخلة» هي المسمّاة ب «تبّت» بالضمّ وتشديد المفردة، وهي أبعد من القشمير المشهورة نظراً إلى بلاد العرب.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فهجرته».
2- .في الكافي المطبوع : «سرت».
3- .في الكافي المطبوع : - «و فلاناً».
4- .في الكافي المطبوع : «بهديّة».
5- .في الكافي المطبوع : «ثمّ».

ص: 524

(وأصحاب لي) رفع على الابتداء، أو عطف على ضمير (كنت).(تجارينا): أجرينا فيما بيننا. وقرأ برهان الفضلاء بالزاي، وقال: «التجازي» طلبك حقّك من آخر.(أرتاد): أطلب.(فقال لي: من هو؟ وما اسمه؟) يعني فقال داود بن العبّاس، وقيل: الظاهر «فقالوا». وضبط برهان الفضلاء : «فقال هو نبيّنا الذي تطلب» مكان (فقالوا)، وقال: هو تأكيد للمستتر في «قال» يعني فقال داود، ف «نبيّنا» مبتدأ، و«الذي تطلب» خبره، ووجه عدوله عن الظاهر غير ظاهر.(متمسّك به) بفتح السين وصف للدّين، و«به» في محلّ الرفع نائب الفاعل، أو بكسر السين خبر آخر، و«به» في محلّ النصب على المفعوليّة.وقرأ برهان الفضلاء : «فكفّوا عنّي» على الإخبار دون الالتماس.وكلام أهل الرجال مختلف في (الحسين بن أسكيب) فقيل: يكسر الهمزة وسكون المهملة وكسر الكاف والخاتمة والمفردة أخيراً، وقيل: هكذا، لكن بالشين المعجمة، ثمّ قيل: كان أصله من مرو، سكن تارةً في خراسان وتارةً في سمرقند، فاضل من مشايخ الإماميّة في رجال الهادي والعسكري عليهما السلام، وقيل: هو رجلان، أحدهما: بالشين المعجمة، وهو الخراساني المذكور في الكافي في حديث غانم الهندي، والآخر: بالسين المهملة، قمّي خادم القبر، وليس من أصحاب الأئمّة عليهم السلام.(فاوضته): كلّمته وكلّمني.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «آنست به» مكان (آمنت به).(ما حدث) من غصب الخلافة وارتداد أكثر الصحابة وتقيّة الأئمّة عليهم السلام بعد ذلك وغيبة الصاحب عليه السلام بإذن اللَّه تعالى لحكم و مصالح شتّى.قد يراد ب (الناحية) سرّ من رأى ، أو العسكر خاصّة ، وقد يقصدبها الصاحب عليه السلام كما يكنّى بالحضرة عن صاحبها.

.

ص: 525

(فوافى قمّ) كلام محمّد بن محمّد، وكذا قوله فيما بعد: (ثمّ وافانا) بعد، وهما رجوع عن الحكاية إلى التكلّم، «وافاه»: أتاه.و(سنة أربع وستّين) هكذا ضبط في النسخ، فقيل: الظاهر أنّه سقط كلمة «ومأتين» من قلم النسّاخ. وقال برهان الفضلاء: يعني بعد المأتين.(اسمه بالهند) كلام محمّد بن محمّد.(إلى فلان) بدل من (إلى بغداد) فلا نهي عن دخول بغداد مطلقاً.(وانصرف) إمّا أمرٌ أو إخبار، فكلام محمّد بن محمّد.و(الفيوج) جمع «فيج» معرّب «پيك». وقرأ برهان الفضلاء : «بعدّ الفتوح» بالتاء الفوقانيّة والحاء المهملة، يعني أتانا وعدّ لنا فتوحه وفوزه بالمطالب المهمّة.(ومضى) غانم الهندي.و(طرف) جمع طرفة، كتحفة وتحف، وغرفة وغرف. وقرأ برهان الفضلاء : «طرف» بمعنى الجانب.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ النَّضْرِ وَ أَبَا صِدَامٍ وَ جَمَاعَةً تَكَلَّمُوا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام فِيمَا فِي أَيْدِي الْوُكَلَاءِ ، وَ أَرَادُوا الْفَحْصَ ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ إِلى أَبِي الصِّدَامِ ، فَقَالَ : إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو صِدَامٍ : أَخِّرْهُ هذِهِ السَّنَةَ ، فَقَالَ لَهُ (1) : إِنِّي أَفْزَعُ فِي الْمَنَامِ وَ لَا بُدَّ مِنَ الْخُرُوجِ ، وَ أَوْصى إِلى أَحْمَدَ بْنِ يَعْلَى بْنِ حَمَّادٍ ، وَ أَوْصى لِلنَّاحِيَةِ بِمَالٍ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ لَا يُخْرِجَ شَيْئاً إِلَّا مِنْ يَدِهِ إِلى يَدِهِ عليه السلام بَعْدَ ظُهُورِهِ .قَالَ : فَقَالَ الْحَسَنُ : لَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ ، اكْتَرَيْتُ دَاراً فَنَزَلْتُهَا ، فَجَاءَنِي بَعْضُ الْوُكَلَاءِ بِثِيَابٍ وَ دَنَانِيرَ ، وَ خَلَّفَهَا عِنْدِي ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا هذَا ؟ قَالَ : هُوَ مَا تَرى ، ثُمَّ جَاءَنِي آخَرُ بِمِثْلِهَا ، وَ آخَرُ حَتّى كَبَسُوا الدَّارَ ، ثُمَّ جَاءَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعَهُ ، فَتَعَجَّبْتُ ، وَ بَقِيتُ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «الحسن بن النضر».

ص: 526

مُتَفَكِّراً ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ رُقْعَةُ الرَّجُلِ عليه السلام : «إِذَا مَضى مِنَ النَّهَارِ كَذَا وَ كَذَا ، فَاحْمِلْ مَا مَعَكَ». فَرَحَلْتُ ، وَ حَمَلْتُ مَا مَعِي ، وَ فِي الطَّرِيقِ صُعْلُوكٌ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فِي سِتِّينَ رَجُلًا ، فَاجْتَرَأْتُ (1)عَلَيْهِ ، وَ سَلَّمَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَوَافَيْتُ الْعَسْكَرَ ، وَ نَزَلْتُ ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ رُقْعَةٌ أَنِ «احْمِلْ مَا مَعَكَ» . فَعَبَّيْتُهُ فِي صِيَانِ (2) الْحَمَّالِينَ .فَلَمَّا بَلَغْتُ الدِّهْلِيزَ إِذَا فِيهِ أَسْوَدُ قَائِمٌ ، فَقَالَ : أَنْتَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : ادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ ، وَ دَخَلْتُ بَيْتاً وَ فَرَّغْتُ صِيَانَ (3) الْحَمَّالِينَ ، وَ إِذَا فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ خُبْزٌ كَثِيرٌ ، فَأَعْطى كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَمَّالِينَ رَغِيفَيْنِ ، وَ أُخْرِجُوا ، وَ إِذَا بَيْتٌ عَلَيْهِ سِتْرٌ ، فَنُودِيتُ مِنْهُ : «يَا حَسَنَ بْنَ النَّضْرِ ، احْمَدِ اللَّهَ عَلى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكَ ، وَ لَا تَشُكَّنَّ ؛ وَدَّ4الشَّيْطَانُ أَنَّكَ شَكَكْتَ» وَ أَخْرَجَ إِلَيَّ ثَوْبَيْنِ ، وَ قِيلَ لِي : خُذْهُمَا ؛ فَسَتَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا ، فَأَخَذْتُهُمَا ، وَ خَرَجْتُ .قَالَ سَعْدٌ : فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ ، وَ مَاتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ كُفِّنَ فِي الثَّوْبَيْنِ .

هديّة:الظاهر أنّ «سعد بن سعد» سهو من بعض النسّاخ كما في بعض النسخ.و«أبا صدام»، قيل: ككتاب، وقيل: كغراب، وقيل: كعطّار، وقيل: كسحاب، من صدمه صدماً، و«الصدم»: ضرب صلب بمثله.(فيما في أيدي الوكلاء) يعني من أموال الشيعة بأنّ أخذهم إيّاها من الشيعة بحقّ مأمورين مأذونين، أو بالمكر والخديعة من دون أمر وأذن عليه السلام.(وأرادوا الفحص) يعني عن الصاحب عليه السلام أو عن أمر الوكلاء.(إنّي أفزع) من باب علم بمعنى أخاف وأضطرب من أجل خيالات موهمة عند النوم، أو لرؤى مختلفة في المنام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فاجتزت».
2- .في الكافي المطبوع : «صنان».
3- .في الكافي المطبوع : «فودّ».

ص: 527

(كبسوا) من باب ضرب : طمّوا.(صعلوك) كزنبور: الفقير الذي لا مال له، واسم رجل من قطّاع الطريق.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فاجتزت» من الاجتياز - بالجيم والزاي - مكان (فاجترأت) على الافتعال؛ من الجرأة بمعنى الشجاعة.(فعبّيته) من التعبية. قال بعض المعاصرين: و«الصنّ» بالكسر والتشديد: شبه السلّة المطبّقة يجعل فيها الخبز،(1) والجمع: صنان، والمضبوط: (صيان الحمّالين) بالخاتمة مكان النون الاُولى. الجوهري: جعلت الثوب في صوانه بالضمّ والكسر، وصيانه أيضاً ، وهو وعاؤه الذي يُصان فيه.(2)(فأعطى) و(أخرجوا) على ما لم يسمّ فاعله.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ(3) ، قَالَ : شَكَكْتُ عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَ اجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِي مَالٌ جَلِيلٌ ، فَحَمَلَهُ ، وَ رَكِبَ السَّفِينَةَ ، وَ خَرَجْتُ مَعَهُ مُشَيِّعاً ، فَوُعِكَ وَعْكاً شَدِيداً ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، رُدَّنِي ، فَهُوَ الْمَوْتُ ، وَقَالَ لِيَ : اتَّقِ اللَّهَ فِي هذَا الْمَالِ ؛ وَ أَوْصى إِلَيَّ ، فَمَاتَ .فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَمْ يَكُنْ أَبِي لِيُوصِيَ بِشَيْ ءٍ غَيْرِ صَحِيحٍ ، أَحْمِلُ هذَا الْمَالَ إِلَى الْعِرَاقِ ، وَأَكْتَرِي دَاراً عَلَى الشَّطِّ ، وَ لَا أُخْبِرُ أَحَداً بِشَيْ ءٍ ، فَإِنْ (4) وَضَحَ لِي شَيْ ءٌ كَوُضُوحِهِ أَيَّامَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، أَنْفَذْتُهُ ، وَ إِلَّا قَصَفْتُ بِهِ .فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ ، وَ اكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ ، وَ بَقِيتُ أَيَّاماً ، فَإِذَا أَنَا بِرُقْعَةٍ مَعَ رَسُولٍ ، فِيهَا :

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 868 ، ذيل ح 1484.
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2153 (صون).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن محمّد بن حمّويه السويداويّ ، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار».
4- .في الكافي المطبوع : «و إن».

ص: 528

«يَا مُحَمَّدُ ، مَعَكَ كَذَا وَ كَذَا فِي جَوْفِ كَذَا وَ كَذَا» حَتّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً ، فَسَلَّمْتُهُ إِلَى الرَّسُولِ ، وَ بَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ لِي رَأْسٌ ، فَاغْتَمَمْتُ (1) ، فَخَرَجَ إِلَيَّ : «قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ (2)أَبِيكَ ، فَاحْمَدِ اللَّهَ» .

هديّة:(شككت) يعني في وجود الصاحب عليه السلام أو في أمر الوكلاء.و«الوعك» بالفتح: أذى الحمّى، (فوعك) على المجهول من باب ضرب.(ليوصي) باللام المفتوحة للتأكيد.و«القصوف»: الإقامة في الأكل والشرب، قصف به كضرب.(لا يرفع لي رأس) أي لا يظهر لي أحد أو علامة، وقال برهان الفضلاء: أي من الغمّ والفكر.في بعض النسخ : «مكان أبيك» مكان (مقام أبيك).

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النَّسَائِيِّ ، قَالَ : أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِ (3) الْحَارِثِيِّ ، فِيهَا سِوَارُ ذَهَبٍ ، فَقُبِلَتْ ، وَ رُدَّ عَلَيَّ السِّوَارُ ، فَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ ، فَكَسَرْتُهُ ، فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ وَ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ ، فَأَخْرَجْتُهُ وَ أَنْفَذْتُ الذَّهَبَ ، فَقُبِلَ .

هديّة:إشارة إلى أنّ المغشوش لا يقبل، كالصوفيّ المدّعي للتشيّع، وكثير في عصرنا.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفَضْلِ الْخَزَّازِ الْمَدَائِنِيِ (4) - مَوْلى خَدِيجَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ أَبِي جَعْفَرٍ

.


1- .في الكافي المطبوع : «واغتممت».
2- .في الكافي المطبوع : «مكان».
3- .في الكافي المطبوع : «للمرزبانيّ».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن الفضل الخزّاز المدائنيّ».

ص: 529

- قَالَ : إِنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْحَقِّ ، وَ كَانَتِ الْوَظَائِفُ تَرِدُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، فَلَمَّا مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، رَجَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَنِ الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ ، فَوَرَدَتِ الْوَظَائِفُ عَلى مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ ، وَ قُطِعَ عَنِ الْبَاقِينَ ، فَلَا يُذْكَرُونَ فِي الذَّاكِرِينَ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .(1)

هديّة:(ترد عليهم) يعني من أبي محمّد عليه السلام.(عن الباقين) في محلّ الرفع نيابة عن فاعل (قطع)، (فلا يذكرون) أي بالخير، (في الذاكرين) في مجالس الشيعة أو في الملأ الأعلى (الحمد للَّه ربّ العالمين).

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ : وُلِدَ لِي عِدَّةُ بَنِينَ ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ وَ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ ، فَلَا يُكْتَبُ إِلَيَّ لَهُمْ بِشَيْ ءٍ ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَ الْحَسَنُ ابْنِي ، كَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ ، فَأُجِبْتُ : «يَبْقى ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ» .

هديّة:يمكن أن يكون (والحمد للَّه) كلام الإمام عليه السلام .

الحديث العاشرروى في الكافي عنه،(3) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ : كُنتُ (4) خَرَجْتُ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ بِبَغْدَادَ ، فَاسْتَأْذَنْتُ فِي الْخُرُوجِ ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، فَأَقَمْتُ اثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ يَوْماً وَ قَدْ خَرَجَتِ

.


1- .ذكر في الكافي المطبوع بعد هذا حديثاً آخر هكذا : «عليّ بن محمّد قال : «أوصل رجل من أهل السّواد مالاً ، فردّ عليه ، وقيل له : أخرج حقّ وُلْد عمّك منه - و هو أربعمائة درهم - وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه ، فيها شركة قد حبسها عليهم ، فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمائة درهم ، فأخرجها ، وأنفذ الباقي ، فقبل».
2- .السند يبدأ في الكافي المطبوع بالقاسم بن العلاء والتعليق غير معلوم ، فالتعبير بإسناده فيه تأمّل.
3- .الضمير راجع إلى عليّ بن محمّد كما في الكافي المطبوع المصرّح به.
4- .في الكافي المطبوع: - «كنت».

ص: 530

الْقَافِلَةُ إِلَى النَّهْرَوَانِ ، فَأُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ (1) يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ، وَ قِيلَ لِيَ : اخْرُجْ فِيهِ ، فَخَرَجْتُ وَ أَنَا آيِسٌ مِنَ الْقَافِلَةِ أَنْ أَلْحَقَهَا ، فَوَافَيْتُ النَّهْرَوَانَ وَ الْقَافِلَةُ مُقِيمَةٌ ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ أَعْلَفْتُ جِمَالِي شَيْئاً حَتّى رَحَلَتِ الْقَافِلَةُ ، فَرَحَلْتُ وَ قَدْ دَعَا لِي بِالسَّلَامَةِ ، فَلَمْ أَلْقَ سُوءاً ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .

هديّة:ليس في بعض النسخ لفظة: (كنت) قبل (خرجت).و(فيه) متعلّق ب (اخرج) أو ب (قيل).و(الأربعاء) بكسر المفردة والمدّ.و«الجمال»: جمع الجمل.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عنه، عَنْ نَصْرِ بْنِ صَبَّاحٍ الْبَجَلِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الشَّاشِيِّ ، قَالَ : خَرَجَ بِي نَاصُورٌ عَلى مَقْعَدَتِي ، فَأَرَيْتُهُ الْأَطِبَّاءَ ، وَ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مَالًا ، فَقَالُوا : لَا نَعْرِفُ لَهُ دَوَاءً ، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ الدُّعَاءَ ، فَوَقَّعَ عليه السلام إِلَيَّ : «أَلْبَسَكَ اللَّهُ الْعَافِيَةَ ، وَ جَعَلَكَ مَعَنَا فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ».قَالَ : فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمْعَةٌ حَتّى عُوفِيتُ ، وَ صَارَ مِثْلَ رَاحَتِي ، فَدَعَوْتُ طَبِيباً مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَ أَرَيْتُهُ إِيَّاهُ ، فَقَالَ : مَا عَرَفْنَا لِهذَا دَوَاءً .

هديّة:يكتب «الناصور» بالصاد والسين، ويقرأ بالباء والنون؛ ففي القاموس بالمفردة،(2) وفي المغرب بالنون.(3) وقيل: وهو بالمفردة مع الصاد أو السين ما هو في جوف المقعدة، وبالنون كذلك ما هو في خارجها.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فأذن في الخروج لي» بدل «فأذن لي في الخروج».
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 372 (بسر).
3- .المغرب، ص 453 (نصر).

ص: 531

و«الراحة»: باطن الكفّ.(وأريته) في الموضعين بمعنى وصفته.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْيَمَانِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ بِبَغْدَادَ ، فَتَهَيَّأَتْ قَافِلَةُ الْيَمَانِينَ (1) ، فَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ مَعَهَا ، فَكَتَبْتُ أَلْتَمِسُ الْإِذْنَ فِي ذلِكَ ، فَخَرَجَ : «لَا تَخْرُجْ مَعَهُمْ ؛ فَلَيْسَ لَكَ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُمْ خِيَرَةٌ ، وَ أَقِمْ بِالْكُوفَةِ» .قَالَ : وَ أَقَمْتُ ، وَ خَرَجَتِ الْقَافِلَةُ ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ حَنْظَلَةُ ، فَاجْتَاحَتْهُمْ (2) ، وَ كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي رُكُوبِ الْمَاءِ ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، فَسَأَلْتُ عَنِ الْمَرَاكِبِ الَّتِي خَرَجَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي الْبَحْرِ ، فَمَا سَلِمَ مِنْهَا مَرْكَبٌ ، خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْمٌ مِنَ الْهِنْدِ - يُقَالُ لَهُمُ : الْبَوَارِحُ (3) - فَقَطَعُوا عَلَيْهَا .قَالَ : وَرَدْتُ (4) الْعَسْكَرَ ، فَأَتَيْتُ الدَّرْبَ مَعَ الْمَغِيبِ ، وَ لَمْ أُكَلِّمْ أَحَداً ، وَ لَمْ أَتَعَرَّفْ إِلى أَحَدٍ ، وَ أَنَا أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ فَرَاغِي مِنَ الزِّيَارَةِ إِذَا بِخَادِمٍ قَدْ جَاءَنِي ، فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِذَنْ إِلى أَيْنَ ؟ فَقَالَ لِي : إِلَى الْمَنْزِلِ ، فَقُلْتُ (5) : وَ مَنْ أَنَا ؟ لَعَلَّكَ أُرْسِلْتَ إِلى غَيْرِي ، فَقَالَ : لَا ، مَا أُرْسِلْتُ إِلَّا إِلَيْكَ ، أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَسُولُ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، فَمَرَّ بِي حَتّى أَنْزَلَنِي فِي بَيْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ ، ثُمَّ سَارَّهُ ، فَلَمْ أَدْرِ مَا قَالَ (6)حَتّى آتَانِي بِجَمِيعِ (7) مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَ جَلَسْتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَ اسْتَأْذَنْتُهُ فِي الزِّيَارَةِ مِنْ دَاخِلٍ ، فَأَذِنَ لِي ، فَزُرْتُ لَيْلًا .

هديّة:(حنظلة) قبيلة من بني تميم.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لليمانيّين».
2- .في «د» : «فاجتاحهم».
3- .في الكافي المطبوع : «البوارج».
4- .في الكافي المطبوع : «وزُرْتُ».
5- .في الكافي المطبوع : «قلت».
6- .في الكافي المطبوع : + «له».
7- .في الكافي المطبوع : «جميع».

ص: 532

و«الاجتياح» بتقديم الجيم: الإهلاك. و«البوارح» بالمفردة والمهملتين: الدواهي، لغة كأنّهم شبّهوا بها. وضبط برهان الفضلاء : «من الهيد» بفتح الهاء وسكون الخاتمة مكان (الهند) بالنون، و«الهيد» مصدر هاده يهيده كباع: آذاه وجعله مضطرباً، قال: والمصدر بمعنى اسم الفاعل، فضبط «البوارج» بالجيم جمع بارج، وهو الملّاح الحاذق، قال: أو جمع بارجة، وهي سفينة كبيرة تهيّأ للحرب في البحر، ثمّ ضبط «أنبأني» من الإنباء بمعنى الإخبار مكان (أتاني) من الإتيان.(فأتيت الدرب) أي باب مقبرة الإمامين في سامرّاء. القاموس: الدرب بالفتح السكّة الواسعة والباب الأكبر.(1)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ يَزِيْدِ(2) الْيَمَانِيُ (3) ، قَالَ : كَتَبَ أَبِي بِخَطِّهِ كِتَاباً ، فَوَرَدَ جَوَابُهُ ، ثُمَّ كَتَبَ (4) بِخَطِّي ، فَوَرَدَ جَوَابُهُ ، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّهِ رَجُلٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا ، فَلَمْ يَرِدْ جَوَابُهُ ، فَنَظَرْنَا ، فَكَانَتِ الْعِلَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيّاً .قَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ : فَزُرْتُ الْعِرَاقَ ، وَ وَرَدْتُ طُوسَ ، وَ عَزَمْتُ أَنْ لَا أَخْرُجَ إِلَّا عَنْ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِي ، وَ نَجَاحٍ مِنْ حَوَائِجِي وَ لَوِ احْتَجْتُ أَنْ أُقِيمَ بِهَا حَتّى أُتَصَدَّقَ .قَالَ : وَ فِي خِلَالِ ذلِكَ يَضِيقُ صَدْرِي بِالْمُقَامِ ، وَ أَخَافُ أَنْ يَفُوتَنِيَ الْحَجُّ . قَالَ : فَجِئْتُ يَوْماً إِلى مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ أَتَقَاضَاهُ ، فَقَالَ لِي : صِرْ إِلى مَسْجِدِ كَذَا وَ كَذَا ، وَ إِنَّهُ يَلْقَاكَ رَجُلٌ .قَالَ : فَصِرْتُ إِلَيْهِ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ ضَحِكَ ، وَ قَالَ : لَا تَغْتَمَّ ؛ فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ فِي هذِهِ السَّنَةِ ، وَ تَنْصَرِفُ إِلى أَهْلِكَ وَ وُلْدِكَ سَالِماً . قَالَ : فَاطْمَأْنَنْتُ ، وَ سَكَنَ قَلْبِي ، وَ أَقُولُ : ذَا مُصَدِّقُ (5)ذلِكَ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 66 (درب).
2- .في الكافي المطبوع : «زيد».
3- .هكذا في حاشية «الف» و الكافي المطبوع ، و في «الف» و «د» : «الهمداني».
4- .في الكافي المطبوع : «كتبت».
5- .في الكافي المطبوع : «مصداق».

ص: 533

قَالَ : ثُمَّ وَرَدْتُ الْعَسْكَرَ ، فَخَرَجَتْ إِلَيَّ صُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ وَ ثَوْبٌ ، فَاغْتَمَمْتُ ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : حَالِي (1) عِنْدَ الْقَوْمِ هذَا ؟ وَ اسْتَعْمَلْتُ الْجَهْلَ ، فَرَدَدْتُهَا ، وَ كَتَبْتُ رُقْعَةً ، وَ لَمْ يُشِرِ الَّذِي قَبَضَهَا مِنِّي عَلَيَّ بِشَيْ ءٍ ، وَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا بِحَرْفٍ ، ثُمَّ نَدِمْتُ بَعْدَ ذلِكَ نَدَامَةً شَدِيدَةً ، وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي : كَفَرْتُ بِرَدِّي عَلى مَوْلَايَ .وَ كَتَبْتُ رُقْعَةً أَعْتَذِرُ مِنْ فِعْلِي ، وَ أَبُوءُ بِالْإِثْمِ ، وَ أَسْتَغْفِرُ مِنْ ذلِكَ ، وَ أَنْفَذْتُهَا ، وَ قُمْتُ أَتَمَسَّحُ ، فَأَنَا فِي ذلِكَ أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي ، وَ أَقُولُ : إِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ الدَّنَانِيرُ ، لَمْ أَحْلُلْ صِرَارَهَا ، وَ لَمْ أُحْدِثْ فِيهَا حَتّى أَحْمِلَهَا إِلى أَبِي ؛ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي لِيَعْمَلَ فِيهَا بِمَا شَاءَ ، فَخَرَجَ إِلَى الرَّسُولِ الَّذِي حَمَلَ إِلَيَّ الصُّرَّةَ : «أَسَأْتَ ؛ إِذْ لَمْ تُعْلِمِ الرَّجُلَ أَنَّا رُبَّمَا فَعَلْنَا ذلِكَ بِمَوَالِينَا ، وَ رُبَّمَا سَأَلُونَا ذلِكَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَ خَرَجَ إِلَيَّ : «أَخْطَأْتَ فِي رَدِّكَ بِرَّنَا ، فَإِذَا اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ ، فَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَزِيمَتُكَ وَ عَقْدُ نِيَّتِكَ أَلَّا تُحْدِثَ فِيهَا حَدَثاً ، وَ لَا تُنْفِقَهَا فِي طَرِيقِكَ ، فَقَدْ صَرَفْنَاهَا عَنْكَ ؛ فَأَمَّا الثَّوْبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِتُحْرِمَ فِيهِ» .قَالَ وَ كَتَبْتُ فِي مَعْنَيَيْنِ ، وَ أَرَدْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي الثَّالِثِ ، وَ امْتَنَعْتُ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكْرَهَ ذلِكَ ، فَوَرَدَ جَوَابُ الْمَعْنَيَيْنِ وَ الثَّالِثِ الَّذِي طَوَيْتُ مُفَسَّراً ؛ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ .قَالَ : وَ كُنْتُ وَافَقْتُ جَعْفَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيَّ بِنَيْسَابُورَ عَلى أَنْ أَرْكَبَ مَعَهُ ، وَ أُزَامِلَهُ ، فَلَمَّا وَافَيْتُ بَغْدَادَ بَدَا لِي ، فَاسْتَقَلْتُهُ وَ ذَهَبْتُ أَطْلُبُ عَدِيلاً ، فَلَقِيَنِي ابْنُ الْوَجْنَاءِ - بَعْدَ أَنْ كُنْتُ صِرْتُ إِلَيْهِ ، وَ سَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِي ، فَوَجَدْتُهُ كَارِهاً - فَقَالَ لِي : أَنَا فِي طَلَبِكَ ، وَ قَدْ قِيلَ لِي : إِنَّهُ يَصْحَبُكَ ، فَأَحْسِنْ مُعَاشَرَتَهُ ، وَ اطْلُبْ لَهُ عَدِيلاً ، وَ اكْتَرِ لَهُ .

هديّة:(ثمّ كتب) في الموضعين على الاختلاف في النسخ، ففي بعضها : «ثمّ كتبت بخطّي» على المتكلّم، وفي بعضها - كما ضبط برهان الفضلاء : «ثمّ كتب بخطّه رجل» بإضافة الخطّ إلى الضمير، ورفع «رجل»، والظاهر ما أصّلناه.

.


1- .في الكافي المطبوع : «جزائي».

ص: 534

(تحوّل قرمطيّاً) أي من الحقّ إلى التصوّف، و«القرمطي» بفتح القاف وسكون الراء وفتح الميم، واحد القرامطة، وهم الصوفيّة القدريّة، شبّهت مقالاتهم التي لا شرعيّة صرفة ولا عقليّة محضة لخلطهم اُصول زنادقة الفلاسفة بقواعد الإسلام، ثمّ تسميتهم تلك الهذيانات بالأسرار الإلهيّة بالخطّ المقرمط المغشوش؛ صرّح بذلك برهان الفضلاء أيضاً في شرحيه على الكافي بالعربي والفارسي.وقال بعض المعاصرين: القرامطة جيل من الناس، الواحد: قرمطيّ.(1) فقيل: كلامه قرمطي أو مقرمط: عامّي غير فصيح، بل غير صحيح.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «فوردت العراق وزرت طوس»، وقال: والظاهر: «وزرت طوبى» على تأنيث أطيب، يعني فوردت سامرّاء، وزرت البقعة التي أطيب البقاع. والمعنى على المضبوط المشهور: فزرت المشاهد في العراق، ووردت طوس لزيارة ذلك المشهد على ساكنه السلام.(ولو احتجت)، قال برهان الفضلاء: على الوصل.و(حتّى أتصدّق) على المتكلّم المجهول من مضارع التفعّل.وقال بعض المعاصرين:«حتّى أتصدّق» على المتكلّم المعلوم، أي أسأل الصدقة. وهو كلام عامّي غير فصيح، بل غير صحيح. قال ابن قتيبة: وممّا تصنعه العامّة غير موضعه قولهم: وهو يتصدّق إذا سأل، وذلك غلط إنّما المتصدّق المعطي ، انتهى.(2)فقيل : كأنّه انكشف له أنّه لا يحتمل غير المعلوم.(محمّد بن أحمد) من سفرائه عليه السلام.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «مصداق ذلك» مكان (مصدّق ذلك). قال: «ذا» أي الضحك، و«ذلك» أي الورود المفهوم من «فورد».

.


1- .الوافي ، ج 3 ، ص 873 ، ذيل ح 1493.
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 873 ، ذيل ح 1493.

ص: 535

في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - «جزائي» مكان حالي يعني مكافأتي عند الناس بأن يظنّوا أنّ ورودي إنّما هو لطمع المال.(وأبوء بالإثم) أي أعترف. الجوهري: باء بإثمه: أقرّ.(1)(وقمت أتمسّح) أي أتأسّف وأتمسّح كفّي على كفّي من الأسف. وقال بعض المعاصرين: أي لا شي ء معي، يُقال: فلان يتمسّح، أي لا شي ء معه.(2)و«الصرار» ككتاب: خيط يشدّ به الصرّة.(ليعمل)، يحتمل فتح اللام للتأكيد، وكسرها للتعليل.في بعض النسخ : «إذ كانت» بدون الألف، مكان (إذا كانت).(وكنت وافقت) من المواقفة بتقديم الفاء على القاف. وضبط برهان الفضلاء بالعكس، قال: يعني التمست أن يتوقّف وينتظر.(بعد أن كنت صرت إليه) إلى قوله: (كارهاً) معترضة، يعني إلى (ابن الوجناء) بالجيم والنون والمدّ، وهو عبداللَّه بن الوجناء من أكابر العصابة، و«الوجناء»: تأنيث الأوجن من الوجين على فعيل بمعنى حسن العارض. و«الوجنة» محرّكة: ما ارتفع من الخدّين.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ(3) ، قَالَ : شَكَكْتُ فِي أَمْرِ حَاجِزٍ ، فَجَمَعْتُ شَيْئاً ، ثُمَّ صِرْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ ، فَخَرَجَ إِلَيَّ : «لَيْسَ فِينَا شَكٌّ ، وَ لَا فِيمَنْ يَقُومُ مَقَامَنَا بِأَمْرِنَا ، رُدَّ مَا مَعَكَ إِلى حَاجِزِ بْنِ يَزِيدَ» .

هديّة:(في أمر حاجز) يعني في كونه سفيراً من سفرائه عليه السلام .

.


1- .الصحاح ، ج 1 ، ص 38 (بوأ).
2- .الوافي ، ج 3 ، ص 874 ، ذيل ح 1493.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عبد الحميد».

ص: 536

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ أَبِي وَ صَارَ الْأَمْرُ إِلَّي (1) ، كَانَ لِأَبِي عَلَى النَّاسِ سَفَاتِجُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ ، فَكَتَبَ : «طَالِبْهُمْ ، وَ اسْتَقْضِ عَلَيْهِمْ ، فَقَضَّانِيَ النَّاسُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ كَانَتْ عَلَيْهِ سَفْتَجَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ أُطَالِبُهُ ، فَمَاطَلَنِي ، وَ اسْتَخَفَّ بِيَ ابْنُهُ ، وَ سَفِهَ عَلَيَّ ، فَشَكَوْتُ إِلى أَبِيهِ ، فَقَالَ : وَ كَانَ مَا ذَا؟ فَقَبَضْتُ عَلى لِحْيَتِهِ ، وَ أَخَذْتُ بِرِجْلِهِ ، وَ سَحَبْتُهُ إِلى وَسَطِ الدَّارِ ، وَ رَكَلْتُهُ رَكْلًا كَثِيراً ، فَخَرَجَ ابْنُهُ يَسْتَغِيثُ بِأَهْلِ بَغْدَادَ ، وَ يَقُولُ : قُمِّيٌّ رَافِضِيٌّ قَدْ قَتَلَ وَالِدِي ، فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ مِنْهُمُ الْخَلْقُ ، فَرَكِبْتُ دَابَّتِي ، وَ قُلْتُ : أَحْسَنْتُمْ يَا أَهْلَ بَغْدَادَ ، تَمِيلُونَ مَعَ الظَّالِمِ عَلَى الْغَرِيبِ الْمَظْلُومِ ، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمَذَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَ هذَا يَنْسُبُنِي إِلى أَهْلِ قُمَّ وَ الرَّفْضِ لِيَذْهَبَ بِحَقِّي وَ مَالِي .قَالَ : فَمَالُوا عَلَيْهِ ، وَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلى حَانُوتِهِ حَتّى سَكَّنْتُهُمْ ، وَ طَلَبَ إِلَيَّ صَاحِبُ السَّفْتَجَةِ ، وَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُوَفِّيَنِي مَالِي حَتّى أَخْرَجْتُهُمْ عَنْهُ .

هديّة:(وصار الأمر إليّ) أي الوكالة عن الصاحب عليه السلام كما كانت لأبي وهو من همدان اليمن بالمهملة وسكون الميم، فتورية قال: (من أهل همذان) بالمعجمة وفتح الميم.و«السفتجة» بالضمّ: أن تعطي مالاً لأحد في بلد وله مال في بلدك فيوفّيه هنا.والمصدر بفتح السين.و(الغريم) كنايةٌ عن الصاحب عليه السلام، وهو من لغات الأضداد: من له قرض على غيره، ومن عليه قرض لغيره.و(استقض) قرئ بالصاد والضاد.و«المماطلة»: التسويف.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لي».

ص: 537

و«السحب»: الجرّ على الأرض، والمطاوع انسحب. و«الركل»: الضرب بالرّجل.(طلب إليّ): رغب والتمس عنّي.

الحديث السادس عشرروى في الكافي عنه، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ وَ الْعَلَاءِ بْنِ رِزْقِ اللَّهِ ، عَنْ بَدْرٍ - غُلَامِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ - قَالَ : وَرَدْتُ الْجَبَلَ وَ أَنَا لَا أَقُولُ بِالْإِمَامَةِ ، أُحِبُّهُمْ جُمْلَةً إِلى أَنْ مَاتَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَوْصى فِي عِلَّتِهِ أَنْ يُدْفَعَ الشِّهْرِيُّ السَّمَنْدُ وَ سَيْفُهُ وَ مِنْطَقَتُهُ إِلى مَوْلَاهُ ، فَخِفْتُ إِنْ أَنَا لَمْ أَدْفَعِ الشِّهْرِيَّ السَّمَنْدَ وَسَيْقَهُ (1) إِلى إِذْكُوتَكِينَ نَالَنِي مِنْهُ اسْتِخْفَافٌ ، فَقَوَّمْتُ الدَّابَّةَ وَ السَّيْفَ وَ الْمِنْطَقَةَ بِسَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ فِي نَفْسِي ، وَ لَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً ، فَإِذَا الْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مِنَ الْعِرَاقِ : «وَجِّهِ السَّبْعَمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا قِبَلَكَ مِنْ ثَمَنِ الشِّهْرِيِّ وَ السَّيْفِ وَ الْمِنْطَقَةِ» .

هديّة:المراد ب (الجبل) بلاد الكرد والديلم بين بلاد العرب وآذربايجان.و(الشهري) بالضمّ: ضربٌ من البرذون. وضبط برهان الفضلاء : «الشهري» بالكسر ، والأوّل أكثر.(اذكوتكين) قيل: مثلّثة الهمزة، كان والياً من ولاة خلفاء بني العبّاس.

الحديث السابع عشرروى في الكافي عنه، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، قَالَ : وُلِدَ لِي وَلَدٌ ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي طُهْرِهِ يَوْمَ السَّابِعِ ، فَوَرَدَ : «لَا تَفْعَلْ» فَمَاتَ يَوْمَ السَّابِعِ أَوِ الثَّامِنِ ، ثُمَّ كَتَبْتُ بِمَوْتِهِ ، فَوَرَدَ : «سَتُخْلَفُ غَيْرَهُ وَ غَيْرَهُ ، تُسَمِّيهِ أَحْمَدَ ، وَ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ جَعْفَراً» فَجَاءَ كَمَا قَالَ .قَالَ : وَ تَهَيَّأْتُ لِلْحَجِّ ، وَ وَدَّعْتُ النَّاسَ ، وَ كُنْتُ عَلَى الْخُرُوجِ ، فَوَرَدَ : «نَحْنُ لِذلِكَ كَارِهُونَ ، وَ الْأَمْرُ إِلَيْكَ».

.


1- .في الكافي المطبوع : - «السمند وسيقه».

ص: 538

قَالَ : فَضَاقَ صَدْرِي ، وَ اغْتَمَمْتُ ، وَ كَتَبْتُ : أَنَا مُقِيمٌ عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ غَيْرَ أَنِّي مُغْتَمٌّ بِتَخَلُّفِي عَنِ الْحَجِّ ، فَوَقَّعَ : «لَا يَضِيقَنَّ صَدْرُكَ ؛ فَإِنَّكَ سَتَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ ، كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ ، فَوَرَدَ الْإِذْنُ ، فَكَتَبْتُ : أَنِّي عَادَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ أَنَا وَاثِقٌ بِدِيَانَتِهِ وَ صِيَانَتِهِ ، فَوَرَدَ : «الْأَسَدِيُّ نِعْمَ الْعَدِيلُ ، فَإِنْ قَدِمَ فَلَا تَخْتَرْ عَلَيْهِ». فَقَدِمَ الْأَسَدِيُّ فَعَادَلْتُهُ .

هديّة:(في طهره) أي في ختانه، أو مطلق سنن اليوم السّابع، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - في تطهيره.(ستخلف) على المجهول من باب نصر خلفه وجده خلفاً له أو خليفة بعده.و(الأسدي) هو محمّد بن جعفر الكوفي من السفراء.(عادلته): زاملته.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَلَوِيُّ ، قَالَ : أَوْدَعَ الْمَجْرُوحُ مِرْدَاسَ بْنَ عَلِيٍّ مَالًا لِلنَّاحِيَةِ ، وَ كَانَ عِنْدَ مِرْدَاسٍ مَالٌ لِتَمِيمِ بْنِ حَنْظَلَةَ ، فَوَرَدَ عَلى مِرْدَاسٍ : «أَنْفِذْ مَالَ تَمِيمٍ مَعَ مَا أَوْدَعَكَ الشِّيرَازِيُّ» .

هديّة:«المرداس» كمحراب: حجر يرمى به في البئر ليعلم أفيها ماء أم لا.(للناحية) أي للصاحب عليه السلام.و(المجروح) هو الشيرازي.«مال تميم» أي الذي وديعة عندك أيضاً للصاحب عليه السلام.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى الْعُرَيْضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ ، قَالَ : لَمَّا

.

ص: 539

مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَرَدَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ بِمَالٍ إِلى مَكَّةَ لِلنَّاحِيَةِ ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ : إِنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام مَضى مِنْ غَيْرِ خَلَفٍ ، وَ الْخَلَفُ جَعْفَرٌ ، وَ قَالَ بَعْضُهُمْ : مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام عَنْ خَلَفٍ ، فَبَعَثَ رَجُلًا يُكَنّى بِأَبِي طَالِبٍ ، فَوَرَدَ الْعَسْكَرَ وَ مَعَهُ كِتَابٌ ، فَصَارَ إِلى جَعْفَرٍ ، وَ سَأَلَهُ عَنْ بُرْهَانٍ ، فَقَالَ : لَا يَتَهَيَّأُ فِي هذَا الْوَقْتِ ، فَصَارَ إِلَى الْبَابِ ، وَ أَنْفَذَ الْكِتَابَ إِلى أَصْحَابِنَا ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ : «آجَرَكَ اللَّهُ فِي صَاحِبِكَ ، فَقَدْ مَاتَ وَ أَوْصى بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ إِلى ثِقَةٍ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِمَا يَجِبُ (1)» وَ أُجِيبَ عَنْ كِتَابِهِ .

هديّة:(إلى الباب): باب الصاحب عليه السلام.(إلى أصحابنا) من الوكلاء الحاضرين في الباب.(في صاحبك) أي المصريّ الوارد إلى مكّة.وقرئ : «بما يحب» من المحبّة مكان (بما يجب) من الوجوب بمعنى الثبوت واللزوم.(عن كتابه) أي بالوصول وتفصيل المال وسائر الأحوال والأمر بكيفيّة صرف المال بمكّة عند الثقة، فرجع أبو طالب بجواب الكتاب إلى مكّة.

الحديث العشرون روى في الكافي عنه، قَالَ : حَمَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ آبَةَ شَيْئاً يُوصِلُهُ ، وَ نَسِيَ سَيْفاً بِآبَةَ ، فَأَنْفَذَ مَا كَانَ مَعَهُ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «مَا خَبَرُ السَّيْفِ الَّذِي نَسِيتَهُ؟» .

هديّة:(آبة) بالمفردة كساوة: قرية قرب ساوة، وقال برهان الفضلاء: وقد يقال «آوة» بالواو. وفي القاموس: «أبّة» بفتح الهمزة وتشديد المفردة: قريتان في بلاد الروم، إحداهما العليا ، والاُخرى السفلى.(2)(فكتب) يعني الصاحب عليه السلام، أو «فكتب» على ما لم يسمّ فاعله.

.


1- .في الكافي المطبوع : «يحبّ».
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 35 (أبة)، وفيه هكذا : «وأبة» اسم ، و به سمّيت أبة العلياء السفلى : قريتان بلحج».

ص: 540

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ خَفِيفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : بَعَثَ بِخَدَمٍ إِلى مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مَعَهُمْ خَادِمَانِ ، وَ كَتَبَ إِلى خَفِيفٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْكُوفَةِ ، شَرِبَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ مُسْكِراً ، فَمَا خَرَجُوا مِنَ الْكُوفَةِ حَتّى وَرَدَ كِتَابٌ مِنَ الْعَسْكَرِ بِرَدِّ الْخَادِمِ الَّذِي شَرِبَ الْمُسْكِرَ ، وَ عُزِلَ عَنِ الْخِدْمَةِ .

هديّة:قيل: «حفيف» بالمهملة، وضبط برهان الفضلاء بالمعجمة.(بعث) يعني الصاحب عليه السلام (بخدم) أي بعدّة مملوك، فإنّ الخادم يقع على العبد والأمَة.(خادمان) أي ملازمان موكّلان على خدمة الخدم.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ ،(1) قَالَ : أَوْصى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِدَابَّةٍ وَ سَيْفٍ وَ مَالٍ ، وَ أُنْفِذَ ثَمَنُ الدَّابَّةِ وَ غَيْرُ ذلِكَ ، وَ لَمْ يُبْعَثِ السَّيْفُ ، فَوَرَدَ كِتَابٌ (2) : «كَانَ مَعَ مَا بَعَثْتُمْ سَيْفٌ ، فَلَمْ يَصِلْ»، أَوْ كَمَا قَالَ .

هديّة:(وغير ذلك) بالرفع، عطف على «الثمن»، وقد مرّ ما يدلّ على أنّه عبارة عن المنطقة.(أو كما قال) قيل: يعني قال : «فلم يصل» أو ما يفيد معناها، وقيل: يعني أو كتب في الكتاب : «كما قال» مكان «فلم يصل».

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ النَّيْسَابُورِيِّ ، قَالَ : اجْتَمَعَ عِنْدِي خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ يَنْقُصُ (3) عِشْرِينَ دِرْهَماً ، فَأَنِفْتُ أَنْ أَبْعَثَ بِخَمْسِمِائَةٍ يَنْقُصُ عِشْرِينَ دِرْهَماً ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن أحمد بن أبيّ عليّ بن غياث ، عن أحمد بن الحسن».
2- .في الكافي المطبوع : - «كتاب».
3- .في الكافي المطبوع : «تنقص» في الموضعين.

ص: 541

فَوَزَنْتُ مِنْ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَماً ، وَ بَعَثْتُهَا إِلَى الْأَسَدِيِّ ، وَ لَمْ أَكْتُبْ مَا لِي فِيهَا ، فَوَرَدَ : «وَصَلَتْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ، لَكَ فِيْهَا(1) عِشْرُونَ دِرْهَماً» .

هديّة:(ينقص) في الموضعين على المضارع المعلوم من باب نصر، يتعدّى ولا يتعدّى، جملة حاليّة، ويجوز على الجارّ والمجرور. «أنف» كعلم: استنكف.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ : كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام فِي الْإِجْرَاءِ عَلَى الْجُنَيْدِ قَاتِلِ فَارِسَ وَ أَبِي الْحَسَنِ وَ آخَرَ ، فَلَمَّا مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، وَرَدَ اسْتِئْنَافٌ مِنَ الصَّاحِبِ عليه السلام لِإِجْرَاءِ أَبِي الْحَسَنِ وَ صَاحِبِهِ ، وَ لَمْ يَرِدْ فِي أَمْرِ الْجُنَيْدِ شَيْ ءٌ(3) ، قَالَ : فَاغْتَمَمْتُ لِذلِكَ ، فَوَرَدَ نَعْيُ الْجُنَيْدِ بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(الإجراء): الإنفاق على الموظّف.(وأبي الحسن) معطوف على (الجنيد قاتل فارس) بن حاتم بن ماهويه القزويني، وكان فارس من الغلاة.(فاغتممت) أي بظنّ أنّه صار مغضوباً أو قرُب أجله.و«النعي» بالفتح: خبر الموت.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ ، قَالَ : كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ كُنْتُ مُعْجَباً بِهَا ، فَكَتَبْتُ أَسْتَأْمِرُ فِي اسْتِيلَادِهَا ، فَوَرَدَ : «اسْتَوْلِدْهَا ، وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ» .

.


1- .في الكافي المطبوع : «منها».
2- .السند يبدأ كما في الكافي المطبوع: بالحسين بن محمّد الأشعري، وهو من مشايخ الكليني، فالتعبير بإسناده غير صحيح.
3- .في الكافي المطبوع : «بشي ء».

ص: 542

فَوَطِئْتُهَا فَحَبِلَتْ ، ثُمَّ أَسْقَطَتْ فَمَاتَتْ .

هديّة:(محمّد بن صالح) من سفرائه عليه السلام، وقد سبق ذكره.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي عنه، قَالَ : كَانَ ابْنُ الْعَجَمِيِّ جَعَلَ ثُلُثَهُ لِلنَّاحِيَةِ ، وَ كَتَبَ بِذلِكَ ، وَ قَدْ كَانَ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ الثُّلُثَ دَفَعَ مَالًا لِابْنِهِ أَبِي الْمِقْدَامِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي عَزَلْتَهُ لِأَبِي الْمِقْدَامِ؟» .

هديّة:(وكتب بذلك) يعني إلى الصاحب عليه السلام بواسطة سفير من السفراء.(فأين المال) أي ثلثه، وذلك لأنّ جعل الثلث له عليه السلام كان قبل العزل لأبي المقدام.

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَضْرٍ(1) ، قَالَ : كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيُّ يَسْأَلُهُ (2)كَفَناً ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ». فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ ، وَ بَعَثَ الْكَفَنَ (3) قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ .

هديّة:«صيمري» بالصاد المهملة كجعفري: نسبة إلى قرية من قرى البصرة.(في سنة ثمانين) يعني بعد المأتين كما مرّ نظير ذلك في الحديث الرابع من هذا الباب.وقيل: إخبار عن مدّة عمره.في بعض النسخ : «وبعث عليه السلام إليه بالكفن قبل موته بأيّام».

.


1- .في الكافي المطبوع : «نصر».
2- .في الكافي المطبوع : «يسأل».
3- .في الكافي المطبوع : «إليه بالكفن».

ص: 543

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي عنه، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمَذَانِيِّ ، قَالَ : كَانَ لِلنَّاحِيَةِ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي : لِي حَوَانِيتُ اشْتَرَيْتُهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَ ثَلَاثِينَ دِينَاراً قَدْ جَعَلْتُهَا لِلنَّاحِيَةِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ وَ لَمْ أَنْطِقْ بِهَا ، فَكَتَبَ إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) : «اقْبِضِ الْحَوَانِيتَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ بِالْخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ الَّتِي لَنَا عَلَيْهِ» .

هديّة:(ضقت بها ذرعاً) لم أطق غمّها، و«الذرع» بالفتح: الطاقة.و«الحانوت»: دكّان الخمّار، ويطلق على مطلق الدكّان.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : بَاعَ جَعْفَرٌ فِيمَنْ بَاعَ صَبِيَّةً جَعْفَرِيَّةً كَانَتْ فِي الدَّارِ يُرَبُّونَهَا ، فَبَعَثَ بَعْضَ الْعَلَوِيِّينَ ، وَ أَعْلَمَ الْمُشْتَرِيَ خَبَرَهَا ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي : قَدْ طَابَتْ نَفْسِي بِرَدِّهَا ، وَ أَنْ لَا أُرْزَأَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئاً ، فَخُذْهَا ، فَذَهَبَ الْعَلَوِيُّ ، فَأَعْلَمَ أَهْلَ النَّاحِيَةِ الْخَبَرَ ، فَبَعَثُوا إِلَى الْمُشْتَرِي بِأَحَدٍ وَ أَرْبَعِينَ دِينَاراً ، وَ أَمَرُوهُ بِدَفْعِهَا إِلى صَاحِبِهَا .

هديّة:(باع جعفر) يعني الكذّاب.(جعفريّة) من أولاد جعفر بن أبي طالب.(وأن) بفتح الهمزة وتخفيف النون عطفٌ على (بردّها). و«الرزأ» بتقديم المهملة: النقص، (لا أرزأ) على المجهول من باب علم ومنع: لا أنقص، ونائب الفاعل المفعول الأوّل المستتر. و(شيئاً) المفعول الثاني.(فخذها) يعني بعد الإخبار بقدر ثمنها الذي اشتريتها به. وحاصل كلامه أنّ نفسي طابت بردّها بشرطين: عدم نقص الثمن والإخبار بقدره، ويمكن كونهما واحداً، أي لا أنقص في الإخبار بقدره.

.


1- .في الكافي المطبوع : «محمّد بن جعفر» بدل «جعفر بن محمّد».

ص: 544

الحديث الثلاثون روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنْ نُدَمَاءِ «روزحسنى» وَ آخَرُ مَعَهُ ، فَقَالَ لَهُ : هُوَ ذَا يَجْبِي الْأَمْوَالَ ، وَ لَهُ وُكَلَاءُ ، وَ سَمَّوْا جَمِيعَ الْوُكَلَاءِ فِي النَّوَاحِي ، وَ أُنْهِيَ ذلِكَ إِلى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَزِيرِ ، فَهَمَّ الْوَزِيرُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ السُّلْطَانُ : اطْلُبُوا أَيْنَ هذَا الرَّجُلُ ؛ فَإِنَّ هذَا أَمْرٌ غَلِيظٌ ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ : نَقْبِضُ عَلَى الْوُكَلَاءِ ، فَقَالَ السُّلْطَانُ : لَا ، وَ لكِنْ دُسُّوا لَهُمْ قَوْماً لَا يُعْرَفُونَ بِالْأَمْوَالِ ، فَمَنْ قَبَضَ مِنْهُمْ شَيْئاً ، قُبِضَ عَلَيْهِ .قَالَ : فَخَرَجَ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ إِلى جَمِيعِ الْوُكَلَاءِ أَنْ لَا يَأْخُذُوا مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً ، وَ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ ذلِكَ ، وَ يَتَجَاهَلُوا الْأَمْرَ .فَانْدَسَّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُهُ وَ خَلَا بِهِ ، فَقَالَ : مَعِي مَالٌ أُرِيدُ أَنْ أُوصِلَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ : غَلِطْتَ ، أَنَا لَا أَعْرِفُ مِنْ هذَا شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ يَتَلَطَّفُهُ ، وَ مُحَمَّدٌ يَتَجَاهَلُ عَلَيْهِ ؛ وَ بَثُّوا الْجَوَاسِيسَ ، وَ امْتَنَعَ الْوُكَلَاءُ كُلُّهُمْ ؛ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ .

هديّة:(كان) تامّة.وفي (روز حسنى) أقوال وتصحيفات، وضبط برهان الفضلاء بضمّ الكلمة الاُولى، و«حسني» بالتحريك كما في النسبة إلى حسن، ثمّ قال: وفي اسم هذا الرجل وهو عامل من عمّال الخلفاء العبّاسيّة تصحيفات كثيرة، وفي بعضٍ «بدر» بالمفردة والمهملتين مكان «روز».و(آخر) عطف على «الرجل»، و(معه) صفته.(يجبي) بالجيم على المعلوم من باب ضرب ومنع، و«الجباية» بالكسر: جمع الخراج ونحوه.(أنهى) على المجهول من ماضي الإفعال.(أين هذا الرجل) يعني الصاحب عليه السلام.

.

ص: 545

(دسّوا) على الأمر من باب مدّ، و«الدسّ» كالمدّ: الإخفاء مكراً وخديعة.(يتقدّم) على المضارع المجهول من التفعّل، و(تقدّم) على الماضي المجهول منه، ويمكن ب «أن يتقدّم» على المعلوم، أي بأن يوصل من خرج إليه التوقيع إلى سائر السفراء.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : خَرَجَ نَهْيٌ عَنْ زِيَارَةِ مَقَابِرِ قُرَيْشٍ وَ الْحَيْرِ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ ، دَعَا الْوَزِيرُ الْبَاقَطَائِيَّ ، فَقَالَ لَهُ : الْقَ بَنِي الْفُرَاتِ وَ الْبُرْسِيِّينَ ، وَ قُلْ لَهُمْ : لَا تَزُورُوا(1) مَقَابِرَ قُرَيْشٍ ؛ فَقَدْ أَمَرَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُتَفَقَّدَ كُلُّ مَنْ زَارَ ، فَيُقْبَضَ عَلَيْهِ .

هديّة:(الحير) بالفتح بمعنى الحائر، يعني مشهد الحسين عليه السلام بكربلاء، وقد يُطلق «الحير» على مدينة كربلاء. واحتمل برهان الفضلاء «والحير» بالرفع عطفاً على «نهى»، يعني ابتداء الحيرة التي تكون في الغيبة الكبرى قال: قد وقعت الغيبة الكبرى في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ومات فيها آخر السفراء أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري، وثقة الإسلام صاحب الكافي أيضاً، والراضي باللَّه أبو العبّاس أحمد بن جعفر المقتدر بن أحمد المعتضد بن الموفّق بن المتوكّل أيضاً، وهو العشرون من الخلفاء العبّاسيّة، فصار أمر الخلافة إلى أخيه المتّقي باللَّه أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر.و«بنوا الفرات» من كان بشاطئه من الجانبين. وقال برهان الفضلاء: ب «بني الفرات» قبيلة أبي الفتح فضل بن جعفر بن فرات، من وزراء الخلفاء العبّاسيّة.و«البرس» بكسر المفردة: قرية بين الكوفة والحلّة، وبضمّ المفردة منها الحافظ البرسي.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لا يزوروا».

ص: 546

باب ما جاء في الاثني عشر و النصّ عليهم صلوات اللَّه عليهم

الباب السادس والعشرون والمائة : بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَ النَّصِّ عَلَيْهِمْ صلوات اللَّه عليهم وأحاديثه كما في الكافي تسعة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ الْبَرْقِيِّ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، قَالَ : «أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلى يَدِ سَلْمَانَ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَجَلَسَ ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ ، فَسَلَّمَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليهما السلام ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ، فَجَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ ، وَ أَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ ؛ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ .قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ ؟ وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسى ؟ وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ ؟فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْحَسَنِ عليهما السلام ، فَقَالَ : يَا بَا مُحَمَّدٍ(1) ، أَجِبْهُ».قَالَ : «فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ عليه السلام ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذلِكَ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ وَ الْقَائِمُ

.


1- .في الكافي المطبوع : «أبا محمّد».

ص: 547

بِحُجَّتِهِ - وَ أَشَارَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهِمَا(1) ، وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ - وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام - وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ ، وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ ، وَ أَشْهَدُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَ أَشْهَدُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍ (2) ، وَ أَشْهَدُ عَلى مُوسى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ، وَ أَشْهَدُ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ (3) الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسى ، وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَشْهَدُ عَلى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَيْنِ (4) لَا يُكَنّى وَ لَا يُسَمّى حَتّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ ، فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ .ثُمَّ قَامَ فَمَضى ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، اتْبَعْهُ ، فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ ، فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَقَالَ : مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ ، فَرَجَعْتُ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَأَعْلَمْتُهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أَ تَعْرِفُهُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ ، قَالَ : هُوَ الْخَضِرُ عليه السلام» .وَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مِثْلَهُ سَوَاءً .قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى : فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ : يَا بَا جَعْفَرٍ(5) ، وَدِدْتُ أَنَّ هذَا الْخَبَرَ جَاءَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : فَقَالَ : لَقَدْ حَدَّثَنِي قَبْلَ الْحَيْرَةِ بِعَشْرِ سِنِينَ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «بها».
2- .في الكافي المطبوع : - «بن عليّ».
3- .في الكافي المطبوع : «أنه».
4- .في الكافي المطبوع : «الحسن».
5- .في الكافي المطبوع : «أبا جعفر».

ص: 548

هديّة:في بعض النسخ : «إذا أقبل». الجوهري: قد يكون «إذ» للمفاجأة مثل «إذا».(1)(ما قضى عليهم) أي ظلموا حقّك فهلكوا.(شرع) كمثل لفظاً ومعنى، هما شرعان: مثلان. قال في القاموس: ويحرّك.(2)(كيف يذكر) من المجرّد، أو من التفعّل بالقلب والإدغام.في بعض النسخ : «بها» مكان (بهما)، والأكثر أولى، أي الرسالة والولاية.ولا تفاوت بين (بأنّه القائم) و(أنّه القائم) في المواضع.في بعض النسخ : «على رجل من ولد الحسن» يعني أبا محمّد العسكري عليه السلام.(فرجعت) بتقدير القول.(وحدّثني محمّد بن يحيى) كلام ثقة الإسلام قبل مفاد قوله: (قبل الحيرة) أنّ البرقي كأنّه تحيّر في أمر دينه نبذاً من عمره، وأنّ أخباره في تلك المدّة ليست بنقيّة. وقال برهان الفضلاء: المراد الحيرة التي وقعت لكثير من الشيعة في مبدأ الغيبة القصرى. وقال الفاضل الاسترآبادي: المراد بالحيرة غيبة الصاحب عليه السلام، أو مضيّ أبي محمّد عليه السلام.(3) و«أبو عبداللَّه» كنية محمّد بن خالد البرقي من «برقة رود» قم بسكون الراء، ولا يخفى إمكان تأويل الأقوال بأمر واحد.والشيخ أبو علي الطبرسي رحمة اللَّه عليه روى هذا الخبر في كتاب الاحتجاج أيضاً عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام مع ذكر الأجوبة قال: فأجابه الحسن عليه السلام وقال: «ما سألت عن أمر الإنسان إذا نام أين يذهب روحه؟ فإنّ روحه متعلّقة بالريح، والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة، فإن أذِنَ اللَّه بردّ تلك الروح على صاحبها جذبت تلك الروح الريح وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت وسكنت في

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 2542 (إذا).
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 44 (شرع).
3- .لم نعثر عليه، نعم نسب إلى القيل في مرآة العقول، ج 6، ص 208.

ص: 549

بدن صاحبها، وإن لم يأذن اللَّه عزّ و جلّ بردّ تلك الروح إلى صاحبها جذب الهواء الريح ، فجذبت الروح الريح ، فلم يردّ إلى صاحبها إلى وقت ما يبعث. وأمّا ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان، فإنّ قلب الرجل في حقّ، وعلى الحقّ طبق، فإن صلّى الرجل عند ذلك على محمّد وآل محمّد صلاةً تامّةً انكشف الطبق عن ذلك الحقّ، فأضاء القلب، وذكر الرجل ما كان نسى، وإن هو لم يصلِّ على محمّد وآل محمّد أو نقص من الصلاة عليهم انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ فأظلم القلب ونسى الرجل ما كان ذكره. وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله، فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن وعروق هادية وبدن غير مضطرب، فأسكنت تلك النطفة جوف الرحم، خرج الولد يشبه أباه واُمّه؛ وإن هو أتاها بقلبٍ غير ساكن وعروق غير هادية وبدن مضطرب اضطربت النطفة، فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق، فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله» فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ولم أزل أشهد بها، الحديث.(1)والصدوق رحمة اللَّه عليه أيضاً رواه في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة(2) بتفاوت في الألفاظ، وكذا عليّ بن إبراهيم في تفسيره.(3)قوله : «إلى وقت ما يبعث» إمّا في الرجعة أو في القيامة. القاموس : «الذكر» بالكسر: الحفظ، وبالضمّ، الاسم.(4)و«الحقّ» بالضمّ مفرد وجمع، فالواحدة حقّة.(فإن صلّى الرجل عند ذلك) لم ينقطع الصلاة على محمّد وآله قطّ ما دام الخلق من

.


1- .الاحتجاج ، ج 1 ، ص 266.
2- .كمال الدين ، ج 1 ، ص 313 ، ح 1.
3- .تفسير القميّ ، ج 2 ، ص 249.
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 35 (ذكر).

ص: 550

أوّل الإيجاد إلى ما لا نهاية له من اللَّه تعالى بواسطة الخلق من الملك وغيره وبلا واسطة، وإضاءة القلوب، بل كلّ شي ء إنّما هي بها، لكن على التفاوت الناشئ من الإيمان ومراتبها والكفر ومنازلها، فلا إشكال في المقام بذكر الكافر ونسيانه، ولا بذكر المؤمن بدون الصلاة على محمّد وآله.«عروق هادية» أي ساكنة، هدأ كمنع هداء وهدوءاً: سكن، وأهداه: سكّنه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ (1)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبِي عليه السلام لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ : إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً ، فَمَتى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا ؟ فَقَالَ لَهُ الْجَابِرُ(2) : أَيَّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَهُ ، فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا جَابِرُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ .فَقَالَ جَابِرٌ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ عَلى أُمِّكَ فَاطِمَةَ عليهما السلام فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَرَأَيْتُ (3) فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ ، وَ رَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِأَبِي وَ أُمِّي أَنْتَ (4) يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ، مَا هذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ : هذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللَّهُ تَعَالى (5) إِلى رَسُولِ اللَّهِ (6) صلى اللَّه عليه وآله ، فِيهِ اسْمُ أَبِي وَ اسْمُ بَعْلِي وَ اسْمُ ابْنَيَّ وَ اسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي ، وَ أَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذلِكَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و محمّد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن جعفر ، عن الحسن بن ظريف وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن بكر بن صالح».
2- .في الكافي المطبوع : «جابر».
3- .في الكافي المطبوع : «و رأيت».
4- .في الكافي المطبوع : - «أنت».
5- .في الكافي المطبوع : - «تعالى».
6- .في الكافي المطبوع : «رسوله».

ص: 551

قَالَ جَابِرٌ : فَأَعْطَيَتْنِيهِ (1) أُمُّكَ فَاطِمَةُ عليها السلام ، فَقَرَأْتُهُ ، وَ اسْتَنْسَخْتُهُ . فَقَالَ أَبِي عليه السلام : فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَشى مَعَهُ أَبِي عليه السلام إِلى مَنْزِلِ جَابِرٍ ، فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ ، فَقَالَ : يَا جَابِرُ ، انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ عَلَيْكَ ، فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَتِهِ ، فَقَرَأَهُ أَبِي عليه السلام ، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً ، فَقَالَ جَابِرٌ : أَشْهَدُ(2) بِاللَّهِ إِنِّي هكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، هذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَ نُورِهِ وَ سَفِيرِهِ وَحِجَابِهِ وَ دَلِيلِهِ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي ، وَ اشْكُرْ نَعْمَائِي ، وَ لَا تَجْحَدْ آلَائِي ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ ، وَ مُدِيلُ الْمَظْلُومِينَ ، وَ دَيَّانُ الدِّينِ ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا ، فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي ، عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ ، وَ عَلَيَّ فَتَوَكَّلْ ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ ، وَ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيّاً ، وَ إِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ، وَ فَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ ، وَ أَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَ سِبْطَيْكَ : حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ ، فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ ، وَ جَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي ، وَ أَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ ، وَ خَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ ، وَ أَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً ، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ ، وَ حُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ ؛ بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَ أُعَاقِبُ :أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَ زَيْنُ أَوْلِيَائِيَ الْمَاضِينَ ، وَ ابْنُهُ شِبْهُ جَدِّهِ الْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ عِلْمِي وَ الْمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي ، سَيَهْلِكُ الْمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ ، الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ ، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوى جَعْفَرٍ ، وَ لَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَ أَنْصَارِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ ، انْتَجَبَ بَعْدَهُ مُوسى (3) فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ ؛ لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ ، وَ حُجَّتِي لَا تَخْفى ، وَ أَنَّ أَوْلِيَائِي يُسْقَوْنَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفى ، مَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ ، فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي ؛ وَ مَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي ، فَقَدِ افْتَرى عَلَيَّ ؛ وَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ - عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ مُوسى عَبْدِي وَ حَبِيبِي وَ خِيَرَتِي -

.


1- .في الكافي المطبوع : «فأعطتنيه».
2- .في الكافي المطبوع : «فأشهد».
3- .في الكافي المطبوع : «اُتيحت بعده بموسى» بدل «انتجب بعده موسى».

ص: 552

فِي عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي ، وَ مَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ ، وَ أَمْتَحِنُهُ بِالِاضْطِلَاعِ بِهَا ، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ ، يُدْفَنُ فِي الْمَدِينَةِ - الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ - إِلى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي ، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَسُرَّنَّهُ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ وَارِثِ عِلْمِهِ ، فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي وَ مَوْضِعُ سِرِّي وَ حُجَّتِي عَلى خَلْقِي ، لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِهِ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ ، وَ شَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ ، وَ أَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي ، وَ الشَّاهِدِ فِي خَلْقِي ، وَ أَمِينِي عَلى وَحْيِي ، أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلى سَبِيلِي وَ الْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ ، وَ أُكَمِّلُ ذلِكَ بِابْنِهِ م ح م د رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسى ، وَ بَهَاءُ عِيسى ، وَ صَبْرُ أَيُّوبَ ، فَتُذَلُ (1) أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ ، وَ تُتَهَادى رُؤُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادى رُؤُوسُ التُّرْكِ وَ الدَّيْلَمِ ، فَيُقْتَلُونَ وَ يُحْرَقُونَ وَ يَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ ، تُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ ، وَ يَفْشُو الْوَيْلُ وَ الرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ ، أُولئِكَ أَوْلِيَائِي حَقّاً ، بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ ، وَ بِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ ، وَ أَدْفَعُ الْآصَارَ وَ الْأَغْلَالَ «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»».قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ سَالِمٍ : قَالَ أَبُو بَصِيرٍ : لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هذَا الْحَدِيثَ لَكَفَاكَ ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ

هديّة:خفّ عليه الأمر كفرّ.خلوت به وإليه - كغزا - خلوة وخلاء بالفتح والمدّ.و(أشهد باللَّه) من صيغ القسم. وقال برهان الفضلاء: الباء في «أشهد باللَّه» للمصاحبة بلا تشبيه، قال: والمراد حضوره تعالى عند الشهادة والقضيّة.و«التهنيئة» يهمز ولا يهمز.عرضه عليه كضرب.و«الرقّ» بالفتح ويكسر: الجلد الرقيق يكتب فيه.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فيذلّ».

ص: 553

و«السفير»: الرسول، و«الحجاب»: الواسطة، وقرئ : «وحجّابه» كبوّاب لفظاً ومعنى.و«النعمة» و«النعيم» و«النعماء» و«النعمى» كلّه بمعنى، يمدّ مع فتح النون، ويقصر مع ضمّها.و«القصم»: الكسر الشديد.و«الإدالة»: الغلبة، أدالنا اللَّه من عدوّنا، أي صيّره مغلوباً لنا بإعطائنا الدولة المسلوبة عنه. وفي الدعاء: «اللّهُمَّ أدلني على فلان، وانصرني عليه».(1)و«الدّين»: الجزاء والمكافأة، ومنه الديّان، و«الدين» أيضاً الطاعة، ف (ديّان الدِّين) إمّا بتقدير يوم الدِّين، أو الإضافة لاميّة. وفي بعض النسخ: «وديّان الدِّين أنا». وهو أولى.و«الشبل»: ولد الأسد. وفي بعض النسخ : «بسليليك»: والسلالة والسليل على فعيل بمعنى. الجوهري: السليل: الولد، والاُنثى سليلة.(2)و(معدن) كمجلس.(من استشهد) على ما لم يسمّ فاعله.و«التبقّر»: التوسّع، توسّع البحر ونحوه، ومنه باقر العلوم.سرّه كمدّ فسرّ هو: صار مسروراً.(انتجب) بالجيم: اختار. (فتنة) أي ذلك فتنة ، أو في فتنة. وفي بعض النسخ : «اُتيحت بعده بموسى» بالحاء المهملة على ما لم يسمّ فاعله، من الإتاحة بمعنى التقدير وتهيئة الأسباب، تاح اللَّه له الشي ء: قدّره له، فالتأنيث للفتنة المحذوفة، والتقدير: فتنة موسى، ونصب الفتنة المذكورة حينئذٍ على المصدر.و«الحندس» كزبرج: الليل الشديدة الظلمة، فمبالغة على المبالغة.(فرضي) أي حجّتي، أو إيجادي معصوماً للدِّين وجوباً.

.


1- .لم نعثر عليه و ما هو مذكور في كتب الأدعية هكذا : «وأذهب عنّي غيظه وبأسه ومكره وجنوده وأحزابه وانصرني عليه». مهج الدعوات ، ص 185 ؛ المصباح للكفعمي ، ص 234 ؛ بحار الأنوار ، ج 91 ، ص 281.
2- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1731 (سلل).

ص: 554

و«الأعباء» بالمفردة: جمع العباء بالكسر والمدّ، وهو الحمل كالعِب ء كالعِدل لفظاً ومعنى.و(الاضطلاع): القيام بالأمر بقوّة، هو مضطلع له قويّ عليه، والضمير في (بها) ل (أعباء النبوّة).«استوجبه»: استحقّه.والمراد ب (العبد الصالح) هنا ذو القرنين، فإنّ بناء طوس يُنسب إليه.وكتابة اسم الصاحب عليه السلام بالحروف المفردة إشارة إلى كراهيّة التصريح بالاسم، وقد سبق بيانه بمستنداته.و«التهادي»: المراسلة بالهدايا.و(الديلم) كصيقل: جيل من مشركي الترك.«حرقه» كضرب، وشدّد للمبالغة.و«الرعب» بالضمّ: الخوف، رعبته كنصر فهو مرعوب.و(الرنّة) بالكسر والتشديد: الصيحة.(أولئك أوليائي حقّاً) أي الأئمّة الاثنى عشر صلوات اللَّه عليهم. و«الإصر» بالكسر: الذنب والثقل، والجمع: آصار، أفعال كآثار، لا كأثقال.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ (1) ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ يَقُولُ : كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَ عُمَرُ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، فَجَرى بَيْنِي وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَامٌ ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقُولُ : «أَنَا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة وعليّ بن محمّد ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش».

ص: 555

مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ (1) أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَ سَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ - ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَ سَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ - ثُمَّ تَكْمِلَهُ (2) اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ».قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : وَ اسْتَشْهَدْتُ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَ عُمَرَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، فَشَهِدُوا لِي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ .قَالَ سُلَيْمٌ : وَ قَدْ سَمِعْتُ ذلِكَ مِنْ سَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ ، وَ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

هديّة:في بعض النسخ: «فابني الحسن» مكان (فالحسن بن عليّ).و«التكملة» و«التتمّة» و«التمام» بمعنى. وقرأ بعض المعاصرين على الفعل من الافعال أو التفعيل، فقال: «ثمّ يكمله» عطف على «يقول»، يعني ثمّ يكمل صلى اللَّه عليه وآله الكلام إلى اثنى عشر إماماً.(3)

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكِسَائِيِ (4) ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ ، قَالَ : شَهِدْتُ جِنَازَةَ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مَاتَ ، وَ شَهِدْتُ عُمَرَ حِينَ بُويِعَ وَ عَلِيٌّ عليه السلام جَالِسٌ نَاحِيَةً ، فَأَقْبَلَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ جَمِيلُ الْوَجْهِ ، بَهِيٌّ ، عَلَيْهِ ثِيَابٌ حِسَانٌ وَ هُوَ مِنْ وُلْدِ هَارُونَ حَتّى قَامَ عَلى رَأْسِ عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْتَ أَعْلَمُ هذِهِ الْأُمَّةِ بِكِتَابِهِمْ وَ أَمْرِ نَبِيِّهِمْ ؟ قَالَ : فَطَأْطَأَ عُمَرُ

.


1- .في الكافي المطبوع : - «من بعده».
2- .في الكافي المطبوع : «يكمّله».
3- .الوافي ، ج 2 ، ص 302 ، ذيل ح 758.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد اللَّه بن القاسم ، عن حنان بن السّرّاج ، عن داود بن سليمان الكسائي».

ص: 556

رَأْسَهُ ، فَقَالَ : إِيَّاكَ أَعْنِي ، وَ أَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنِّي جِئْتُكَ مُرْتَاداً لِنَفْسِي ، شَاكّاً فِي دِينِي ، فَقَالَ : دُونَكَ هذَا الشَّابَّ ، قَالَ : وَ مَنْ هذَا الشَّابُّ؟ قَالَ : هذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ هذَا أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ابْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ هذَا زَوْجُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ .فَأَقْبَلَ الْيَهُودِيُّ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ : أَ كَذَلِكَ (1) أَنْتَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ ، قَالَ : فَتَبَسَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ غَيْرِ تَبَسُّمٍ ، وَ قَالَ : «يَا هَارُونِيُّ ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ سَبْعاً ؟» قَالَ : أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ فَإِنْ أَجَبْتَنِي ، سَأَلْتُ عَمَّا بَعْدَهُنَّ ، وَ إِنْ لَمْ تَعْلَمْهُنَّ ، عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيكُمْ عَالِمٌ .قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ (2) الَّذِي تَعْبُدُ(3) ؛ لَئِنْ (4) أَجَبْتُكَ فِي كُلِّ مَا تُرِيدُ لَتَدَعَنَّ دِينَكَ ، وَ لَتَدْخُلَنَّ فِي دِينِي ؟» قَالَ : مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَاكَ ، قَالَ : «فَسَلْ».قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ قَطْرَةِ دَمٍ قَطَرَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ : أَيُّ قَطْرَةٍ هِيَ ؟ وَ أَوَّلِ عَيْنٍ فَاضَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ : أَيُّ عَيْنٍ هِيَ ؟ وَ أَوَّلِ شَيْ ءٍ اهْتَزَّ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ : أَيُّ شَيْ ءٍ هُوَ ؟فَأَجَابَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ الثَّلَاثِ الأَخِيرِ(5) : أَخْبِرْنِي عَنْ مُحَمَّدٍ : كَمْ لَهُ مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ ؟ وَ فِي أَيِّ جَنَّةٍ يَكُونُ ؟ وَ مَنْ سَاكَنَهُ مَعَهُ فِي جَنَّتِهِ ؟فَقَالَ : «يَا هَارُونِيُّ ، إِنَّ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامَ عَدْلٍ ، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ ، وَ لَا يَسْتَوْحِشُونَ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَهُمْ ، وَ إِنَّهُمْ فِي الدِّينِ أَرْسَبُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي فِي الْأَرْضِ ؛ وَ مَسْكَنُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله فِي جَنَّتِهِ ، مَعَهُ أُولئِكَ الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ الْعَدْلَ».فَقَالَ : صَدَقْتَ وَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ ؛ إِنِّي لَأَجِدُهَا فِي كُتُبِ أَبِي هَارُونَ ، كُتُبِهِ بِيَدِهِ وَ إِمْلَاءِ(6)

.


1- .في الكافي المطبوع : «أ كذاك».
2- .في الكافي المطبوع : «بالإله».
3- .في الكافي المطبوع : «تعبده».
4- .في الكافي المطبوع : + «أنا».
5- .في الكافي المطبوع : «الأخر».
6- .في الكافي المطبوع : «أملاه».

ص: 557

مُوسى عَمِّي .فَقَالَ : أَخْبِرْنِي (1) عَنِ الْوَاحِدَةِ : أَخْبِرْنِي عَنْ وَصِيِّ مُحَمَّدٍ كَمْ يَعِيشُ مِنْ بَعْدِهِ ؟ وَ هَلْ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ ؟قَالَ : «يَا هَارُونِيُّ ، يَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَا يَزِيدُ يَوْماً وَ لَا يَنْقُصُ يَوْماً ، ثُمَّ يُضْرَبُ ضَرْبَةً هاهُنَا - يَعْنِي عَلى قَرْنِهِ - فَتُخْضَبُ هذِهِ مِنْ هذَا».قَالَ : فَصَاحَ الْهَارُونِيُّ ، وَ قَطَعَ كُسْتِيجَهُ وَ هُوَ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، وَ أَنَّكَ وَصِيُّهُ ، يَنْبَغِي أَنْ تَفُوقَ وَ لَا تُفَاقَ ، وَ أَنْ تُعَظَّمَ وَ لَا تُسْتَضْعَفَ .قَالَ : ثُمَّ مَضى بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام إِلى مَنْزِلِهِ ، فَعَلَّمَهُ مَعَالِمَ الدِّينِ .

هديّة:(بهيّ) يهمز ولا يهمز، فعيل عن البهاء.و(حسان) كرجال جمع حسن.(لِمَ ذاك) أي جِدُّك في السؤال. (مرتاداً لنفسي) طالباً لها ما فيه صلاحها.(من غير تبسّم)، قيل: يعني تبسّم من غير ضحك، وقيل: يعني فتبسّم شبيهاً بالتبسّم، وقيل: يمكن «من غير تنسّم» بالنون مكان المفردة. و«التنسّم»: التنفّس، فكناية عن عدم انفتاح الشفتين.في بعض النسخ : «أكذاك» مكان (أكذلك) باللام.(قال: أسألك عن ثلاث فإن أجبتني) أي عن ثلاث متناسبة، ثمّ عن ثلاث اُخر كذلك ، ثمّ عن الأهمّ من جملة السبع.و«الاهتزاز»: التحرّك، هززته هزّاً فاهتزّ: حرّكته، فتحرّك يعني وعن أوّل شجرة غرست فنبتت وتحرّكت.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال : فأخبرني» بدل «فقال : أخبرني».

ص: 558

(من امام عدل) على الإضافة. (ومن ساكنه) أي جليسه ومعاشره.«خذله» كنصر خذلاناً بالكسر. (أرسب): أثبت، و(الرواسي): الثابتات. (كتبه بيده) بالجرّ على البدل، وقرئ : «كتبه» على الفعل، و«أملاه» مكان (وإملاء)، وليس في بعض النسخ : «وكتبه».في بعض النسخ : «وهو يموت» مكان (وهل يموت).(هذه من هذا) أي اللحية من القرن، وعلى نسخة «من هذه» أي من ضربة الرأس.و«الكستيج» بالمهملة والجيم كأنّه معرّب «كشتي»، أي المنطقة، وهو خيط يشدّه الذمّي فوق ثيابه دون الزنّار؛ كذا في القاموس (1)، والمراد هنا الزنّار.في بعض النسخ : «ولا تستصغر» من الصغار بالفتح، وهو الذلّ مكان (ولا تستضعف)، وستعرف الأجوبة المطويّة هنا في الحديث السابع في بيانه إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ (2) ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيّ (3) ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى (4) خَلَقَ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ ، فَأَقَامَهُمْ أَشْبَاحاً فِي ضِيَاءِ نُورِهِ ، يَعْبُدُونَهُ قَبْلَ خَلْقِ الْخَلْقِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَ يُقَدِّسُونَهُ ، وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:(أشباحاً): صوراً مثاليّة، وقد سبق في أوّل كتاب العقل ما يوضح مثل الحديث بعض الإيضاح ردّاً على طريقة الصوفيّة القدريّة.

.


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 205 (كستيج).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري ، عن عمرو بن ثابت».
3- .في الكافي المطبوع : - «الثمالي».
4- .في الكافي المطبوع : - «تعالى».

ص: 559

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ(1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ هُمَا الْوَالِدَانِ». فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ(2) - و كَانَ أَخَا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لِأُمِّهِ - وَ أَنْكَرَ ذلِكَ ، فَصَرَّرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ قَالَ : «أَمَا إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ كَانَ أَحَدَهُمْ» .

هديّة:المضبوط هنا في أكثر النسخ: (عبد اللَّه بن راشد)، وقيل: الظاهر كما في بعض النسخ : «عبد اللَّه بن زيد» كما هو المضبوط في حديث الحكم عتيبة في باب أنّهم عليهم السلام محدّثون، وكان عبداللَّه بن زيد أخاً رضاعيّاً لعليّ بن الحسين عليهما السلام.(فقال) يعني قولاً شعراً بالإنكار، أو ما قال، أو المعنى فتكلّم فيه، وفي حديث الحكم بن عتيبة هكذا: فقال له رجل - يُقال له: عبداللَّه بن زيد، كان أخا عليّ لاُمّه - سبحان اللَّه! محدّثاً؟ كأنّه ينكر ذلك.(3)(فصرّر) بالتشديد، من الصرّة بالفتح والتشديد بمعنى الصياح الشديد، «صرّ» كفرّ: صاح، والتصرير للكثرة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِ (4) ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ : كُنْتُ حَاضِراً لَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَ اسْتُخْلَفَ عُمَرَ ، أَقْبَلَ يَهُودِيٌّ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودِ يَثْرِبَ ، وَ تَزْعُمُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن عبد اللَّه بن محمّد الخشّاب ، عن ابن سماعة ، عن عليّ بن الحسن بن رباط ، عن ابن اُذينة».
2- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن راشد».
3- .الكافي، ج 1 ، ص 270 ، باب أنّ الأئمة عليهم السلام محدّثون مفهّمون ، ح 2 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 1 ، ص 674 ، ح 712.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن مسعدة بن زياد ، عن أبي عبد اللَّه و محمّد بن الحسين ، عن إبراهيم ، عن أبي يحيى المدائني ، عن أبي هارون العبديّ».

ص: 560

يَهُودُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ حَتّى رُفِعَ إِلى عُمَرَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عُمَرُ ، إِنِّي جِئْتُكَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ ، فَإِنْ أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ جَمِيعِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ .قَالَ : فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : إِنِّي لَسْتُ هُنَاكَ ، لكِنِّي أُرْشِدُكَ إِلى مَنْ هُوَ أَعْلَمُ أُمَّتِنَا بِالْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ جَمِيعِ مَا قَدْ تَسْأَلُ عَنْهُ ، وَ هُوَ ذَاكَ ، فَأَوْمَأَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام . فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : يَا عُمَرُ ، إِنْ كَانَ هذَا كَمَا تَقُولُ ، فَمَا لَكَ وَ لِبَيْعَةِ النَّاسِ ، وَ إِنَّمَا ذَاكَ أَعْلَمُكُمْ (1) ؟! فَزَبَرَهُ عُمَرُ .ثُمَّ إِنَّ الْيَهُودِيَّ قَامَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ : أَنْتَ كَمَا ذَكَرَ عُمَرُ؟ قَالَ:(2)فَقَالَ : «وَ مَا قَالَ عُمَرُ ؟» فَأَخْبَرَهُ . فَقَالَ (3) : فَإِنْ كُنْتَ كَمَا قَالَ ، سَأَلْتُكَ عَنْ أَشْيَاءَ أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ هَلْ يَعْلَمُ (4) أَحَدٌ مِنْكُمْ ، فَأَعْلَمَ أَنَّكُمْ فِي دَعْوَاكُمْ خَيْرَ الْأُمَمِ وَ أَعْلَمَهَا صَادِقُونَ ، وَ مَعَ ذلِكَ أَدْخُلُ فِي دِينِكُمُ الْإِسْلَامِ . فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «نَعَمْ ، أَنَا كَمَا ذَكَرَ لَكَ عُمَرُ ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ ؛ أُخْبِرْكَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى».قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثٍ وَ وَاحِدَةٍ ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : «يَا يَهُودِيُّ ، لِمَ (5) لَمْ تَقُلْ : أَخْبِرْنِي عَنْ سَبْعٍ ؟» فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : إِنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِالثَّلَاثِ سَأَلْتُكَ عَنِ الْبَقِيَّةِ ، وَ إِلَّا كَفَفْتُ ، فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي فِي هذِهِ السَّبْعِ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ أَفْضَلُهُمْ ، وَ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ ، فَقَالَ لَهُ : «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ يَا يَهُودِيُّ».قَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَ أَوَّلِ شَجَرٍ(6)غُرِسَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَ أَوَّلِ عَيْنٍ نَبَعَتْ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَأَخْبَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام .ثُمَّ قَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ : أَخْبِرْنِي عَنْ هذِهِ الْأُمَّةِ : كَمْ لَهَا مِنْ إِمَامٍ هُدًى ؟ وَ أَخْبِرْنِي عَنْ نَبِيِّكُمْ

.


1- .هكذا في حاشية «الف» و الكافي المطبوع ، وفي «الف» و«د» : «أعلمهم».
2- .في الكافي المطبوع : - «قال».
3- .في الكافي المطبوع : «قال».
4- .في الكافي المطبوع : «يعلمه».
5- .في الكافي المطبوع : «و لِمَ».
6- .في الكافي المطبوع : «شجر».

ص: 561

مُحَمَّدٍ : أَيْنَ مَنْزِلُهُ فِي الْجَنَّةِ ؟ وَ أَخْبِرْنِي عَمَّنْ (1) مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ ؟فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ لِهذِهِ الْأُمَّةِ اثْنَا(2) عَشَرَ إِمَامَ (3) هُدًى مِنْ ذُرِّيَّةِ نَبِيِّهَا وَ هُمْ مِنِّي ؛ وَ أَمَّا مَنْزِلُ نَبِيِّنَا فِي الْجَنَّةِ ، فَفِي أَفْضَلِهَا وَ أَشْرَفِهَا جَنَّةِ عَدْنٍ ؛ وَ أَمَّا مَنْ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ فِيهَا ، فَهؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَ أُمُّهُمْ وَ جَدَّتُهُمْ وَ أُمُّ أُمِّهِمْ وَ ذَرَارِيُّهُمْ لَا يَشْرَكُهُمْ فِيهَا أَحَدٌ» .

هديّة:«خدرة» بضمّ المعجمة وسكون المهملة حيّ من الأنصار؛ منهم : «أبو سعيد الخدري» بفتح الدال.في بعض النسخ : «قال: لمّا هلك» فتكرار لزيادة البيان. وقال بعض المعاصرين: المستتر في «قال» الثانية لأبي عبداللَّه عليه السلام، و«لمّا هلك» مقول القولين.(4) وليس بشي ء.و«أبو سعيد» من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، يروي عن رسول اللَّه وأمير المؤمنين عليهما السلام.(واستخلف عمر) على المجهول.(لست هناك) أي في المرتبة التي ذكرت.و«الزبر» كالزجر لفظاً ومعنى، أو «الزبر» زجر في غلظة.(خير الاُمم) نصب معمول للمصدر، وكذا المعطوف عليه. وقيل: الظاهر «أنّكم في دعواكم أنّكم خير الاُمم» فرفع. و«صادقون» على هذا خبر ل «أنّكم» الأولى.(في دينكم الإسلام) يحتمل الرفع والنصب والجرّ.في بعض النسخ : «ولم لم تقل» بالواو، وقد سبق وجه كيفيّة التفريق في السؤال في هديّة الحديث الرابع.

.


1- .في الكافي المطبوع : «من».
2- .في الكافي المطبوع : «اثني».
3- .في الكافي المطبوع : «إماماً».
4- .الوافي ، ج 2 ، ص 306 ، ذيل ح 761.

ص: 562

نبع الماء - كنصر وضرب ومنع - نبوعاً: خرج، و«الينبوع»: عين الماء، قال اللَّه تعالى: «حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً»(1).(فأخبره أمير المؤمنين عليه السلام) كما هو مذكور في العيون والاحتجاج.(2)(من إمام هدى) بإضافة.(اثنا عشر إمام هدى) تميز مضاف.(جنّة عدن) بالإضافة، والاحتمالات في المضاف.(فهؤلاء الاثنا عشر) أي الموصوفون بأنّ واحداً منهم أبوهم، ويمكن أن يكون (من ذرّيته) و(اُمّهم) بيان «الاثنى عشر»، (جدّتهم) فاطمة، فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، (واُمّ اُمّهم) خديجة الكبرى، قيل: و«ذراريهم» دلالة على أنّ الأشراف من الإماميّة معهم في جنّة عدن.والشيخ أبو علي الطبرسي ذكر هذا الخبر في كتاب الاحتجاج باختلاف في الألفاظ وذكر فيه الأجوبة جميعاً هكذا:قال: يا يهوديّ أنتم تقولون إنّ أوّل حجر وضع على وجه الأرض الحجر الذي في بيت المقدس وكذبتم وهو الحجر الأسود الذي نزل مع آدم من الجنّة، قال: صدقت واللَّه إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى، قال عليّ عليه السلام: وأمّا العين فأنتم تقولون إنّ أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس وكذبتم هي عين الحياة التي غسل فيها نون موسى، وهي العين التي شرب منها الخضر عليه السلام وليس يشرب منها أحد إلّا حيّ. قال: صدقت واللَّه إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال عليّ عليه السلام: وأمّا الشجرة فأنتم تقولون إنّ أوّل شجرة تنبت على وجه الأرض الزيتون وكذبتم، هي العجوة نزل بها آدم عليه السلام من الجنّة. قال: والثلاث الاُخرى كم لهذه الاُمّة من إمام هدى لا يضرّهم من خذلهم؟ قال: اثنى عشر إماماً، قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال:

.


1- .الإسراء (17): 90 .
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 52 ، ح 19 ؛ الاحتجاج ، ج 1 ، ص 226.

ص: 563

وأين مسكن نبيّكم من الجنّة؟ قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكاناً في جنّات عدن. قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال: فمن ينزل معه في منزله؟ قال: اثنى عشر إماماً. قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى. قال: بقيت السابعة، قال: كم يعيش وصيّه بعده؟ قال: ثلاثون سنة، قال: ثمّ هو يموت أو يُقتل؟ قال: يُضرب على قرنه فتخضب لحيته. قال: صدقت واللَّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى، ثمّ أسلم وحُسن إسلامه.(1)والصدوق قدّس سرّه أيضاً روى هذا الخبر بهذه الأجوبة في كتاب الخصال وعيون أخبار الرضا عليه السلام.(2)الجوهري: أحياه اللَّه فحيّ وحيى والإدغام أكثر.(3)و«العجوة» بالفتح من أجود التمر بالمدينة.ويجوز في وصف «الثلاث» التذكير والتأنيث نظراً إلى اللفظ والمعنى، ولذا ضبط في بعض النسخ : «والثلاث الاُخر» على التذكير.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد،(4) عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى فَاطِمَةَ عليها السلام وَ بَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ ، فِيهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهَا ، فَعَدَدْتُ اثْنَيْ عَشَرَ آخِرُهُمُ الْقَائِمُ عليه السلام ، ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مُحَمَّدٌ ، وَ أَرْبَعَةٌ(5)مِنْهُمْ عَلِيٌّ .

هديّة:قد سبق وجه رواية أبي جعفر عليه السلام عن جابر من الصحابة.

.


1- .الاحتجاج ، ج 1 ، ص 226.
2- .الخصال ، ج 2 ، ص 476 ، ح 40 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 1 ، ص 52 ، ح 19.
3- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2323 (حيا).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود».
5- .في الكافي المطبوع : «ثلاثة».

ص: 564

في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وثلاثة» مكان (وأربعة)، قال:الفاء في «فعددت» للتفريع، وضمير «آخرهم» و«منهم» للأوصياء من ولدها، وليس أمير المؤمنين عليه السلام داخلاً في المرجع. قال: ولذا قال : «وثلاثة منهم عليّ»، ثمّ قال: وفي الفقيه في باب الوصيّة من لدن آدم : «وأربعة منهم عليّ» فعلى هذا، الضمير للاثنى عشر.

الحديث التاسع روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَرْسَلَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ، وَ جَعَلَ مِنْ بَعْدِهِ اثْنَيْ عَشَرَ وَصِيّاً : مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ ، وَ كُلُّ وَصِيٍّ جَرَتْ لَهُ (1) سُنَّةٌ ، وَ الْأَوْصِيَاءُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله عَلى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسى عليه السلام (2)، وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَلى سُنَّةِ الْمَسِيحِ عليه السلام» .

هديّة:(وكلّ وصيّ) من الأوّلين، في بعض النسخ : «جرت به» بالمفردة مكان (جرت له) باللام، جرت له سنّة، أو به، أو عليه بمعنى، وقد سبق أنّ من سنن أوصياء المسيح كونهم اثنى عشر، ومن سنن المسيح إحياء الموتى بإذن اللَّه، وكونه بحيث أخذته غلاته ربّاً، وهو أن يستنكف أن يكون عبداً للَّه سبحانه.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ (3) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَ لِذلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ

.


1- .في الكافي المطبوع : «به».
2- .في الكافي المطبوع : + «وكانوا اثني عشر».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ ومحمّد بن أبي عبد اللَّه و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن الحسن بن عبّاس بن الحريش».

ص: 565

مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ» .

هديّة:قد سبق أنّ كتمان ابن عبّاس هذا الحديث صار سبباً لعماه بصفق جناح الملك، فندم وأكثر من ذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام عند الخاصّة والعامّة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأَصْحَابِهِ : آمِنُوا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، أَنَّهَا(1) تَكُونُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ لِوُلْدِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:(قال) الأولى، يعني الجواد أبا جعفر الثاني عليه السلام.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْماً : «لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ (2)» وَ أَشْهَدُ أَنَ (3) رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَاتَ شَهِيداً ، وَ اللَّهِ لَيَأْتِيَنَّكَ ، فَأَيْقِنْ إِذَا جَاءَكَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ غَيْرُ مُتَمَثِّلٍ (4) بِهِ ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ عليه السلام بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ ، فَأَرَاهُ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، آمِنْ بِعَلِيٍّ وَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ ، أَنَّهُمْ مِثْلِي إِلَّا النُّبُوَّةَ ، وَ تُبْ إِلَى اللَّهِ مِمَّا فِي يَدِكَ ؛ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ فِيهِ» . قَالَ : «ثُمَّ ذَهَبَ ، فَلَمْ يُرَ» .

هديّة:الآية في سورة آل عمران.(5)

.


1- .هكذا في الكافي المطبوع و هو الصحيح ، وفي «ألف» و «د» : «أنّه».
2- .في الكافي المطبوع : - «فرحين».
3- .في الكافي المطبوع : + «محمّداً».
4- .في الكافي المطبوع : «متخيّل».
5- .آل عمران (3) : 169.

ص: 566

(غير متمثّل به) على اسم المفعول. وفي بعض النسخ : «غير متخيّل به».(ممّا في يدك) من أمر الخلافة.(فلم ير) على ما لم يسمّ فاعله، أي لأحد بعد ذلك في اليقظة. واحتمال : «فلم ير» على المعلوم كما ترى. والغرض تأكيد الإتمام للحجّة البالغة لحِكَمٍ شتّى.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ(1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «الِاثْنَا عَشَرَ الْإِمَامَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كُلُّهُمْ مُحَدَّثٌ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَرَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا هُمَا الْوَالِدَانِ» .

هديّة:(الإمام) نصب على التميز، والتميز يعرّف عن المعرّف. وقيل: إضافة الصفة إضافة لفظيّة إلى الموصوف، وهو جمع باعتبار المعنى الجنسي، أو «الإمام» نصب على التميز.في بعض النسخ : «كلّهم محدّثون» على الجمع. والكلّ جائز.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ (2) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ».

هديّة:(سعيد بن غزوان) الأسدي، كوفي، أخو فضيل، ثقة، يروي عن الصادق عليه السلام، الكشّي : ثقة ثقة.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسين بن عبيد اللَّه ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن عليّ بن سماعة ، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن اُذينة».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد بن غزوان».
3- .لم نعثر عليه.

ص: 567

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً ، مِنْهُمْ حَسَنٌ وَ حُسَيْنٌ ، ثُمَّ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليهم السلام» .

هديّة:الإقرار بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام مجمعٌ عليه بين المؤالف والمخالف، فالمشار إليهم بالأئمّة تسعة بعد التصريح بالاثنى عشر عليهم السلام.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ (2) ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنِّي وَ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي وَ أَنْتَ يَا عَلِيُّ زِرُّ الْأَرْضِ - يَعْنِي أَوْتَادَهَا جِبَالَهَا - بِنَا أَوْتَدَ اللَّهُ تَعَالى الْأَرْضَ أَنْ تَسِيخَ بِأَهْلِهَا ، فَإِذَا ذَهَبَ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِي ، سَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا ، وَ لَمْ يُنْظَرُوا» .

هديّة:نصّ في أنّ المعصوم في هذا الدين أربعة عشر.(زرّ الأرض) بتقديم المعجمة المكسورة والتشديد: قوامها كما فسّره عليه السلام، وفي النهاية الأثيريّة: وفي حديث أبي ذرّ يصف عليّاً عليه السلام: وأنّه لعالم الأرض وزرّها الذي تسكن إليه، أي قوامها، وأصله من زرّ القلب، وهو عظم صغير يكون قوام القلب به،(3) والزرّ أيضاً واحد أزرار القميص، وبالفتح مصدرٌ ؛ زررت القميص كمدّ: شددت أزراره.(جبالها) بدلٌ أو عطفُ بيانٍ، وقرئ : «حبالها» بالمهملة، أي عروقها، فعلى التعداد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي سعيد العصفوري ، عن عمرو بن ثابت».
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 300 (زرر).

ص: 568

كما يقال: قوامها عمادها لقيّمها(1) اهتماماً بالتوضيح والبيان.(تسيخ بأهلها) بالسين المهملة والخاء المعجمة: تخسف بأهلها، والباء للتعدية.(ولم ينظروا): ولم يمهلوا.

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ(2)رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنْ وُلْدِيَ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً ، نُجَبَاءُ ، مُحَدَّثُونَ ، مُفَهَّمُونَ ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً» .

هديّة:قيل في التوجيه لمثله أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والد بالنظر إلى جميع الاُمّة، وقيل: ختن الرجل بمنزلة ابنه، وقيل: فاطمة عليها السلام داخلة في قوله: «من ولدي». وحديث حديث الملك معها عليها السلام مشهور، وقد سبق.(3)و«النجيب»: الكريم الحسب، وفي عرفهم عليهم السلام «النجيب» و«المنتجب» و«الصفوة» و«الطيّب» و«الطاهر» بمعنى المعصوم.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ، عَنْ ابْنِ شَمُّونٍ (4) ، عَنْ الْأَصَمِّ ، عَنْ كَرَّامٍ ، قَالَ : حَلَفْتُ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَ نَفْسِي أَلَّا آكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتّى يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَدَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (5) ، فَقُلْتُ لَهُ : رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِكُمْ جَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ أَلَّا يَأْكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتّى

.


1- .في «الف» : «قيّمها».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن أبي سعيد».
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 240 ، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام ، ح 2 ؛ وفي الطبعة الجديدة ، ج 1 ، ص 596 ، ح 638.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون».
5- .في الكافي المطبوع : + «قال».

ص: 569

يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؟قَالَ : «فَصُمْ إِذاً يَا كَرَّامُ ، وَ لَا تَصُمِ الْعِيدَيْنِ ، وَ لَا ثَلَاثَةَ التَّشْرِيقِ ، وَ لَا إِذَا كُنْتَ مُسَافِراً ، وَ لَا مَرِيضاً ؛ فَإِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَمَّا قُتِلَ ، عَجَّتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ عَلَيْهَا(1) وَ الْمَلَائِكَةُ ، فَقَالُوا : يَا رَبَّنَا ، ائْذَنْ لَنَا فِي هَلَاكِ الْخَلْقِ حَتّى نُجْلِيهِمْ (2) عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ بِمَا اسْتَحَلُّوا حُرْمَتَكَ ، وَ قَتَلُوا صَفْوَتَكَ ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِمْ : يَا مَلَائِكَتِي وَ يَا سَمَاوَاتِي وَ يَا أَرْضِيَ ، اسْكُنُوا ، ثُمَّ كَشَفَ حِجَاباً مِنَ الْحُجُبِ ، فَإِذَا خَلْفَهُ مُحَمَّدٌ وَ اثْنَا عَشَرَ وَصِيّاً لَهُ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَخَذَ بِيَدِ فُلَانٍ الْقَائِمِ مِنْ بَيْنِهِمْ ، فَقَالَ : يَا مَلَائِكَتِي وَ يَا سَمَاوَاتِي وَ يَا أَرْضِي ، بِهذَا أَنْتَصِرُ لِهذَا ، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» .

هديّة:عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي بصريّ، روى عن مسمع بن كردين.وكرّام بن عمر بن عبد الكريم؛ ضبطه في الإيضاح على صيغة المبالغة.(3)(قال: فصم إذاً يا كرّام) من دلالات الإمامة، يعني فصم وانتظر الفرج المقضيّ المحتوم، فالفاء في (فإنّ الحسين عليه السلام) بيانيّة.و«العجّ» بالفتح: رفع الصوت من المصيبة، عجّ كفرّ عجيجاً الأنين أيضاً.(نجليهم) من الإجلاء بالجيم. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «نجدّهم» بالمهملة أو المعجمة بعد الجيم، جددت الشي ء كمدّاً جدّاً بالفتح: قطعته، ومنه: أوان الجداد بالفتح والكسر، وكذا جذذت الشي ء بالمعجمتين: قطعته أو كسرته.و(جديد الأرض) وجهها.(خلفه) أي وراء الحجاب.وقرئ «فإذا خلقة محمّد» بالكسر والقاف والتاء المصدريّة، أي هيّأتهم وصورهم.و«الانتصار»: الانتقام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «عليهما».
2- .في الكافي المطبوع : «نجدّهم».
3- .ايضاح الاشتباه ، ص 257 ، الرقم 533.

ص: 570

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَمَاعَةَ(1) ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي مَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً».فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ : سَمِعْتَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ؟ فَحَلَّفَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَهُ ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ : لكِنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام .

هديّة:(في منزله) أي منزل محمّد بن عمران.(فحلّفه) بالبارز، وهكذا ضبط في النسخ، يعني فحلّف أبو بصير محمّداً أنّه سمعه، فحلف محمّد أنّه سمعه. فما قيل إنّ الظاهر «حلف» أو «حلف له» ليس بشي ء، يُقال حلف فلان في كذا كضرب وحلّفه غيره تحليفاً كأحلفه واستحلفه، وسماع محمّد لعلّ في أوائل أمر أبي عبداللَّه عليه السلام فلا تعجّب في عدم سماع مثل أبي بصير مثل ذلك منه عليه السلام، والاستدراك مؤيّد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي طالب ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران».

ص: 571

باب في أنّه إذا قيل في الرّجل شي ء فلم يكن فيه و كان في ولده...

الباب السابع والعشرون والمائة : بَابٌ فِي أَنَّهُ إِذَا قِيلَ فِي الرَّجُلِ شَيْ ءٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ،(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ أَوْحى إِلى عِمْرَانَ : أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً مُبَارَكاً ، يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ يُحْيِي الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَ جَاعِلُهُ رَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَحَدَّثَ عِمْرَانُ امْرَأَتَهُ حَنَّةَ بِذلِكَ وَ هِيَ أُمُّ مَرْيَمَ ، فَلَمَّا حَمَلَتْ ، كَانَ حَمْلُهَا بِهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غُلَاماً ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ، قَالَتْ : رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثى وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى أَيْ لَا يَكُونُ الْبِنْتُ رَسُولًا ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» فَلَمَّا وَهَبَ اللَّهُ لِمَرْيَمَ عِيسى ، كَانَ هُوَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِمْرَانَ ، وَ وَعَدَهُ إِيَّاهُ ، فَإِذَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً فَكَانَ (2) فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ ، فَلَا تُنْكِرُوا ذلِكَ» .

هديّة:(إنّ اللَّه أوحى إلى عمران) على ما حكى في سورة آل عمران.(3) و«الكمه» محرّكة:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع : «و كان».
3- .آل عمران (3) : 49.

ص: 572

العمى يولد به الإنسان، قال في القاموس: أو عامّ.(1) كمه كعلم: عمى كعلم أيضاً، أي ذهب بصره.وقد سبق في الحديث الرابع في باب مولد أبي الحسن موسى عليه السلام أنّ (حنّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد النون هنا اسمها «حرثا»، وهي «وهيبة» بالعربيّة، وبتعدّد الاسم يرفع التنافي. وقرئ : «جنّة» بالجيم المفتوحة، وقيل: يمكن الاشتباه في «وهيبة»، فقرئ : «جنّة» بالمهملة أو المعجمة.مثّل برهان الفضلاء لقوله عليه السلام: (فإذا قلنا في الرجل منّا شيئاً) يقول إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوّل الأوصياء وآخرهم.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى (2) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا قُلْنَا فِي رَجُلٍ قَوْلًا ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ ، فَلَا تُنْكِرُوا ذلِكَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» .

هديّة:لعلّ آخر الحديث ناظر إلى قوله تعالى: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ ،(4) عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «قَدْ يَقُومُ الرَّجُلُ بِعَدْلٍ أَوْ بِجَوْرٍ ، وَ يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ قَامَ بِهِ ، فَيَكُونُ ذلِكَ ابْنَهُ أَوِ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، فَهُوَ هُوَ» .

.


1- .القاموس المحيط، ج 4 ، ص 292 (كمه).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى».
3- .الرعد (13): 39.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ».

ص: 573

هديّة:(وينسب إليه) يعني وقد ينسب إليه.(ولم يكن) حاليّة، يعني قد يقوم بذلك حقيقة، وقد ينسب إليه مجازاً.(فيكون) أي المنسوب إليه، وقرأ برهان الفضلاء على المعلوم من التفعيل.

.

ص: 574

باب أنّ الأئمّة (ع) كلّهم قائمون بأمر اللَّه هادون إليه

الباب الثامن والعشرون والمائة : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام كُلَّهُمْ قَائِمُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ هَادُونَ إِلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ ،(1) قَالَ : أَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ بِالْمَدِينَةِ ، فَقُلْتُ لَهُ : عَلَيَّ نَذْرٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا ؟فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْ ءٍ ، فَأَقَمْتُ ثَلَاثِينَ يَوْماً ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ ، فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، وَ إِنَّكَ لَهاهُنَا بَعْدُ ؟» فَقُلْتُ (2) : إِنِّي أَخْبَرْتُكَ بِمَا جَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ ، فَلَمْ تَأْمُرْنِي ، وَ لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شَيْ ءٍ ، وَ لَمْ تُجِبْنِي بِشَيْ ءٍ ، فَقَالَ : «بَكِّرْ عَلَيَّ غُدْوَةً الْمَنْزِلَ» فَغَدَوْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ عليه السلام : «سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ» فَقُلْتُ : إِنِّي جَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْراً وَ صِيَاماً وَ صَدَقَةً بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَنْ لَا أَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَمْ لَا ، فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ ، رَابَطْتُكَ ؛ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ ، سِرْتُ فِي الْأَرْضِ فَطَلَبْتُ الْمَعَاشَ .فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ». قُلْتُ : فَأَنْتَ الْمَهْدِيُّ ؟ قَالَ : «كُلُّنَا يُهْدى (3) إِلَى اللَّهِ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن زيد أبي الحسن ، عن الحكم بن أبي نعيم».
2- .في الكافي المطبوع : + «نعم».
3- .في الكافي المطبوع : «نهدي».

ص: 575

قُلْتُ : فَأَنْتَ صَاحِبُ السَّيْفِ ؟ قَالَ : «كُلُّنَا صَاحِبُ السَّيْفِ ، وَ وَارِثُ السَّيْفِ». قُلْتُ : فَأَنْتَ الَّذِي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ ، وَ يَعِزُّ بِكَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ ، وَ يَظْهَرُ بِكَ دِينُ اللَّهِ ؟فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، كَيْفَ أَكُونُ أَنَا وَ قَدْ بَلَغْتُ خَمْساً وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ؟! وَ إِنَّ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ أَقْرَبُ عَهْداً بِاللَّبَنِ مِنِّي ، وَ أَخَفُّ عَلى ظَهْرِ الدَّابَّةِ» .

هديّة:(بين الركن والمقا)م أي الركن العراقي، وفيه الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام.(لَهاهُنَا بَعْدُ) أي في المدينة المنوّرة. قال برهان الفضلاء: والغرض من هذه الأجوبة مع ظهور غرض السائل من سؤاله الأوّل كما من سؤاله الآخر إفهامه عليه السلام السائل أنّ غرضك إن كان للَّه وتحصيل الثواب في مرابطة الإمام وملازمته فهو يحصل في ملازمة كلّنا، خرج بالسيف أم لا، وإلّا فلا، ولا كرامة.وقرأ : «يهدى إلى اللَّه» على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد، واحتمل المعلوم من الافتعال، فالدال المشدّدة أولاها منقلبة عن التاء، قال: يعني يهدي إلى علم اللَّه في ليالي القدر وغيرها.(أقرب عهداً باللبن منّي) يعني أنا صرت إماماً، وأنا ابن ثمان وثلاثين سنة، والآن ابن خمس وأربعين سنة، والمهدي يصير إماماً في صغر السنّ، وكان أبو جعفر الباقر عليه السلام أمتن على ظهر الفرس ممّن هو في سنّه عليه السلام لعظم العظم وكثرة اللحم، ولا نظير للصاحب عليه السلام من الفرسان.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ(1) ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ ، فَقَالَ : «كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتّى يَجِي ءَ صَاحِبُ السَّيْفِ ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ السَّيْفِ ، جَاءَ بِأَمْرٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ».

ص: 576

هديّة:يعني تفاوت بيّن بين أفعال اللَّه تعالى في زمان صاحب الزمان عليه السلام وبين أفعاله تعالى قبل ذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» ؟ قَالَ : «إِمَامِهِمُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، وَ هُوَ قَائِمُ أَهْلِ زَمَانِهِ» .

هديّة:الآية في سورة بني إسرائيل.(2)(وهو قائم أهل زمانه) سواء كان ظاهراً حاكماً، أم لا؛ أو غايباً برهة، وظاهراً برهة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون ، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن ، عن عبد اللَّه بن القاسم البطل ، عن عبد اللَّه بن سنان».
2- .الإسراء (17) : 71.

ص: 577

باب صلة الإمام

الباب التاسع والعشرون والمائة : بَابُ صِلَةِ الْإِمَامِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْتَاجُ إِلى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، فَهُوَ كَافِرٌ ؛ إِنَّمَا النَّاسُ يَحْتَاجُونَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها»» .

هديّة:(باب صلة الإمام عليه السلام) يعني باب ثواب إعانة الإمام بالمال وأجر تحصيل رضا الإمام به.والآية في سورة التوبة.(1)قال برهان الفضلاء:ظاهر هذا الحديث والحديث السابع أنّ الصّدقة؛ هنا ليس بمعنى التصدّق لتحريم أخذ الإمام الصدقة لنفسه، بل بمعنى الصّدق أو الصداقة، والمراد دليل الصدق أو دليل الصداقة كالهديّة وتطهير النفوس من الذّنوب، والأموال من الشبهات.

.


1- .التوبة (9) : 103.

ص: 578

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(1) ، عَنِ الْخَيْبَرِيِّ وَ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ ، قَالَا : سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «مَا مِنْ شَيْ ءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ إِلَى الْإِمَامِ ، وَ إِنَّ اللَّهَ لَيَجْعَلُ لَهُ الدِّرْهَمَ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ». ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ : «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً»». قَالَ : «هُوَ وَ اللَّهِ فِي صِلَةِ الْإِمَامِ خَاصَّةً» .

هديّة:الآية في سورة البقرة.(2)و(يقرض اللَّه) مكان «يقرض للَّه» وهو تعالى شأنه غنيٌّ عن أن يستقرض، نصّ في أنّ المراد الفرد الكامل من أفراد القرض الحسن، وهو صلة الإمام عليه السلام، وما كان للَّه من حقّ فهو لوليّه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ،(3) عَنْ مُعَاذٍ صَاحِبِ الْأَكْسِيَةِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْ خَلْقَهُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ قَرْضاً مِنْ حَاجَةٍ بِهِ إِلى ذلِكَ ، وَ مَا كَانَ لِلَّهِ مِنْ حَقٍّ فَهُوَ(4) لِوَلِيِّهِ» .

هديّة:(يقول) يعني في تفسير مثل قوله تعالى في سورة البقرة: «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء ، عن عيسى بن سليمان النحّاس ، عن المفضّل بن عمر».
2- .البقرة (2) : 245.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة».
4- .في الكافي المطبوع : «فإنّما هو» بدل «فهو».

ص: 579

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ(1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي صِلَةِ الْإِمَامِ» .

هديّة:بيانه كنظائره، والآية في سورة الحديد.(2)

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَيَّاحٍ (3) ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا مَيَّاحُ ، دِرْهَمٌ يُوصَلُ بِهِ الْإِمَامُ أَعْظَمُ وَزْناً مِنْ أُحُدٍ» .

هديّة:«الميح» بفتح الميم وسكون الخاتمة والحاء المهملة: ضرب من المشي، ومشي البطّة، والمنفعة، والاستيلاء؛ والفعل في الجميع: ماح يميح. و(ميّاح) على صيغة المبالغة من الأسماء.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (4) ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «دِرْهَمٌ يُوصَلُ بِهِ الْإِمَامُ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ» .

هديّة:يعني أفضل ثواباً وأجراً في الدنيا والآخرة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المغراء».
2- .الحديد (57) : 11.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن ميّاح».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس».

ص: 580

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ (1) ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنِّي لَآخُذُ مِنْ أَحَدِكُمُ الدِّرْهَمَ - وَ إِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالًا - مَا أُرِيدُ بِذلِكَ إِلَّا أَنْ تُطَهَّرُوا» .

هديّة:(وإنّى لمن) بفتح اللام وكسر الميم، والجملة حاليّة، وقرئ بفتح الميم أيضاً، والأرض وما عليها في مشارقها ومغاربها مال الإمام.والاستثناء في آخر الحديث إشارة إلى قوله تعالى في سورة التوبة: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»(2). وقد سبق أنّ تطهير النفوس من الذنوب، وتطهير الأموال من الشبهات.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال».
2- .التوبة (9): 103.

ص: 581

باب الفي ء و الأنفال و تفسير الخمس و حدوده و ما يجب فيه

الباب الثلاثون والمائة : بَابُ الْفَيْ ءِ وَ الْأَنْفَالِ وَ تَفْسِيرِ الْخُمُسِ وَ حُدُودِهِ وَ مَا يَجِبُ فِيهِ وأحاديثه كما في الكافي - سوى ما ذكر ثقة الإسلام قبل الأحاديث - ثمانية وعشرون:

إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - جَعَلَ الدُّنْيَا(1) بِأَسْرِهَا لِخَلِيفَتِهِ ؛ حَيْثُ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ : «إِنِّى جاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فَكَانَتِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لآِدَمَ عليه السلام ، وَ صَارَتْ بَعْدَهُ لِأَبْرَارِ وُلْدِهِ وَ خُلَفَائِهِ ، فَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُمْ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ بِحَرْبٍ أَوْ غَلَبَةٍ ، سُمِّيَ فَيْئاً ، وَ هُوَ أَنْ يَفِي ءَ إِلَيْهِمْ بِغَلَبَةٍ وَ حَرْبٍ ، وَ كَانَ حُكْمُهُ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ»(2) فَهُوَ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ ؛ فَهذَا هُوَ الْفَيْ ءُ الرَّاجِعُ ، وَ إِنَّمَا يَكُونُ الرَّاجِعُ مَا كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ ، فَأُخِذَ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ .وَ أَمَّا مَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَفَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، فَهُوَ الْأَنْفَالُ ، هُوَ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ خَاصَّةً ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شِرْكَةٌ(3) ، وَ إِنَّمَا جُعِلَ الشِّرْكَةُ فِي شَيْ ءٍ قُوتِلَ عَلَيْهِ ، فَجُعِلَ لِمَنْ قَاتَلَ مِنَ الْغَنَائِمِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ، وَ لِلرَّسُولِ سَهْمٌ ، وَ الَّذِي لِلرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله يَقْسِمُهُ عَلى سِتَّةِ أَسْهُمٍ :

.


1- .في الكافي المطبوع : + «كلّها».
2- .الأنفال (8) : 41.
3- .في الكافي المطبوع : «الشركة».

ص: 582

ثَلَاثَةٌ لَهُ ، وَ ثَلَاثَةٌ لِلْيَتَامى وَ الْمَسَاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ .وَ أَمَّا الْأَنْفَالُ ، فَلَيْسَ هذِهِ سَبِيلَهَا ، كَانَتْ لِلرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً ، وَ كَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام فَتَحَهَا وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا أَحَدٌ ، فَزَالَ عَنْهَا اسْمُ الْفَيْ ءِ ، وَ لَزِمَهَا اسْمُ الْأَنْفَالِ ؛ وَ كَذلِكَ الْآجَامُ وَ الْمَعَادِنُ وَ الْبِحَارُ وَ الْمَفَاوِزُ هِيَ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً ، فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا قَوْمٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ، فَلَهُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ،(1) لِلْإِمَامِ خُمُسٌ ، وَ الَّذِي لِلْإِمَامِ يَجْرِي مَجْرَى الْخُمُسِ ، وَ مَنْ عَمِلَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ ، فَالْإِمَامُ يَأْخُذُهُ كُلَّهُ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْ ءٌ ، وَ كَذلِكَ مَنْ عَمَّرَ شَيْئاً ، أَوْ أَجْرى قَنَاةً ، أَوْ عَمِلَ فِي أَرْضٍ خَرَابٍ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، فَلَيْسَ لَهُ ذلِكَ ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا مِنْهُ كُلَّهَا ، وَ إِنْ شَاءَ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ .

هديّة:يعني في العنوان باب بيان الفي ء شرعاً والأنفال شرعاً، والفرق بين الصدقة والخمس ، وكيفيّة قسمة الخمس، وما يجب فيه الخمس.و«الفي ء» لغةً: الرجوع، فاء يفي ء فيئاً، والمصدر هنا بمعنى الفاعل، أي الراجع، ولمّا كان في الأصل مصدراً جي ء به على الإفراد، والمراد الجمع. و«الأنفال»: جمع «نَفَل» بالتحريك، وهو العطيّة، والمراد هنا عطايا اللَّه، والفي ء شرعاً وكذا الأنفال ما ذكره ثقة الإسلام على ما نقلناه كما في الكافي بعينه.قال برهان الفضلاء:قوله: «إنّ اللَّه تبارك وتعالى جعل الدنيا بأسرها لخليفته» إلى آخره تمهيد لما سيذكر في الحديث الرابع من أنّ فاضل نصف الخمس وفاضل الزكاة مال الإمام، ويظهر من ذلك أنّ أخذه عليه السلام ذلك إنّما هو من قبيل الحكومة لا من قبيل الفقر وأخذ التصدّق.و(خلفائه) عطف تفسير، ولا يتفاوت المعنى هنا في خلفاء اللَّه وخلفاء آدم.وآية: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» في سورة البقرة.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع : + «و».
2- .البقرة (2): 30.

ص: 583

في بعض النسخ : «وغلبة» مكان (أو غلبة)، والمضبوط في الأكثر أيضاً بمعنى ما هو في البعض، فعطف تفسير. قال برهان الفضلاء: الظاهر أنّ «أو» بدل «الواو» في الفقرة الاُولى من غلط النسّاخ؛ بدليل الفقرة الثانية، وأنّ مآل الحرب والغلبة هنا إلى أمر واحد.(وهو أن يفي ء) إشارةٌ إلى أنّ الفي ء هنا مصدر بمعنى الفاعل، والفي ء يخصّ مطلقاً، والغنيمة يعمّ مطلقاً، فإنّ المراد بالفي ء الراجع بالغلبة على المشركين، وبالغنيمة ما يحصل بالسعي المشروع ممّا في الأيدي، فأرباح التجارات مثلاً داخلة تحت الغنيمة دون الفي ء. ويظهر من ثقة الإسلام هنا أنّ بعض أفراد الفي ء ليس داخلاً في آية الغنيمة في سورة الأنفال كفدك، بل دخوله إنّما هو بدليل من السنّة. قال برهان الفضلاء: ولا يبعد أن يُقال إنّ فدك ليست داخلة في الفي ء؛ لعدم الإيجاف عليها بخيلٍ ولا ركاب، وأنّ ما أفاء اللَّه في آية سورة الحشر(1)على طريق الاستعارة.(وكان حكمه فيه) أي حكم اللَّه، أو حكم الخليفة في الفي ء.(فأنّ للَّه خمسه) بفتح الهمزة وتشديد النون، قيل: خبر مبتدأ محذوف، أي وحقّه أنّ للَّه، وقيل: «إنّ» زائدة لتأكيد «أنّ» في «واعلموا أنّ».و«الخيل»: الفرس، و«الركاب»: الإبل.أوجف عليه بفرسه، على المعلوم من الإفعال، يعني غلب عليه وتصرّف فيه بالسعي وإتعاب فرسه بالركض، وجف يجف وجفاً و وجيفاً ووجوفاً: اضطرب. والوجف والوجيفة: ضرب من سير الإبل، وعدو الفرس، وجف الفرس وأوجفه صاحبه. وسيجي ء تفسير فدك في الحديث الخامس.و«الواو» في (وأمير المؤمنين) بمعنى «مع» فنصب لذلك، أو للعطف على ضمير (لأنّه). واحتمل برهان الفضلاء رفع «الأمير» للعطف على المستتر في (فتحها) فلمّا وقعت الفاصلة بالضمير المنصوب، فلا حاجة إلى التأكيد بضمير منفصل.و«القربى» و«القرابة» بمعنى مصدر، وتأنيث الأقرب أيضاً.

.


1- .الحشر (59) : 7.

ص: 584

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ (1) ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : «نَحْنُ وَ اللَّهِ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ بِذِي الْقُرْبَى ، الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ» مِنَّا خَاصَّةً ، وَ لَمْ يَجْعَلْ لَنَا سَهْماً فِي الصَّدَقَةِ ، أَكْرَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ، وَ أَكْرَمَنَا أَنْ يُطْعِمَنَا أَوْسَاخَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ» .

هديّة:الآية في سورة الحشر.(2)(من أهل القرى) فسّرت بالمشركين، يعني منهم من غير إيجاف خيل ولا ركاب، مثل فدك على ما عرفت آنفاً، و(ذي القربى) بالأئمّة عليهم السلام، و(اليتامى والمساكين) من مؤمني بني هاشم، لكن طعمة على قدر الحاجة، لا على الملكيّة كالإمام عليه السلام. وعبّر عن الصدقات بالأوساخ.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» قَالَ : «هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الْخُمُسُ لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله وَ لَنَا» .

هديّة:(قال: هم) أي الذين عبّر عنهم بلفظ المفرد دون الجمع، إشارة إلى أنّهم واحد، بعد واحد فأشار عليه السلام إلى هذه الإشارة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن أبان بن أبي عيّاش».
2- .الحشر (59) : 7.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان».

ص: 585

والآية في سورة الأنفال.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(2) ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «الْأَنْفَالُ مَا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، أَوْ قَوْمٌ صَالَحُوا ، أَوْ قَوْمٌ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ ، وَ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ ، وَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ ، فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ هُوَ لِلْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» .

هديّة:(قال: الأنفال) أي المذكور في سورة الأنفال.(ما لم يوجف عليه) كفدك.(صالحوا) أي على ترك بعضٍ مِن أرضهم مثلاً في أيدي المسلمين بأيديهم كالجزية.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى (3) ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ عليه السلام ، قَالَ : «الْخُمُسُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : مِنَ الْغَنَائِمِ ، وَ الْغَوْصِ ، وَ مِنَ الْكُنُوزِ ، وَ مِنَ الْمَعَادِنِ ، وَ الْمَلَّاحَةِ .يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ هذِهِ الصُّنُوفِ الْخُمُسُ (4) ، وَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمُ الْخُمُسُ عَلى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : سَهْمٌ لِلَّهِ ، وَ سَهْمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ سَهْمٌ لِذِي الْقُرْبى ، وَ سَهْمٌ لِلْيَتَامى ، وَ سَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ ، وَ سَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ .

.


1- .الأنفال (8) : 41.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى».
4- .في الكافي المطبوع : + «فيجعل لمن جعله اللَّه تعالى له ، ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولى ذلك».

ص: 586

فَسَهْمُ اللَّهِ وَ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ لِأُولِي الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ وِرَاثَةً ؛ وَلَهُ (1)ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ : سَهْمَانِ وِرَاثَةً ، وَ سَهْمٌ مَقْسُومٌ لَهُ مِنَ اللَّهِ ، وَ لَهُ نِصْفُ الْخُمُسِ كَمَلًا ، وَ نِصْفُ الْخُمُسِ الْبَاقِي بَيْنَ أَهْلِ بَيْتِهِ ، سَهْمٌ (2) لِيَتَامَاهُمْ ، وَ سَهْمٌ لِمَسَاكِينِهِمْ ، وَ سَهْمٌ لِأَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ، يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ فِي سَنَتِهِمْ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْ ءٌ ، فَهُوَ لِلْوَالِي ، وَ إِنْ عَجَزَ أَوْ نَقَصَ عَنِ اسْتِغْنَائِهِمْ ، كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يُنْفِقَ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ ، وَ إِنَّمَا صَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُونَهُمْ لِأَنَّ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهُمْ .وَ إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ هذَا الْخُمُسَ خَاصَّةً لَهُمْ دُونَ مَسَاكِينِ النَّاسِ وَ أَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ؛ عِوَضاً لَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ ؛ تَنْزِيهاً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ لِقَرَابَتِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ وَ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ ، فَجَعَلَ لَهُمْ خَاصَّةً مِنْ عِنْدِهِ مَا يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ فِي مَوْضِعِ الذُّلِّ وَ الْمَسْكَنَةِ ، وَ لَا بَأْسَ بِصَدَقَاتِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ .وَ هؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْخُمُسَ هُمْ قَرَابَةُ النَّبِيِّ ، الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ ، فَقَالَ : «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» وَ هُمْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْفُسُهُمْ ، الذَّكَرُ مِنْهُمْ وَ الْأُنْثى ، لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ بُيُوتَاتِ قُرَيْشٍ ، وَ لَا مِنَ الْعَرَبِ أَحَدٌ ، وَ لَا فِيهِمْ وَ لَا مِنْهُمْ فِي هذَا الْخُمُسِ (3) مَوَالِيهِمْ ، وَ قَدْ تَحِلُّ صَدَقَاتُ النَّاسِ لِمَوَالِيهِمْ ، وَ هُمْ وَ النَّاسُ سَوَاءٌ .وَ مَنْ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَ أَبُوهُ مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ ، فَإِنَّ الصَّدَقَاتِ تَحِلُّ لَهُ ، وَ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْخُمُسِ شَيْ ءٌ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» .وَ لِلْإِمَامِ صَفْوُ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هذِهِ الْأَمْوَالِ صَفْوَهَا - : الْجَارِيَةَ الْفَارِهَةَ ، وَ الدَّابَّةَ الْفَارِهَةَ ، وَ الثَّوْبَ ، وَ الْمَتَاعَ - بِمَا يُحِبُّ أَوْ يَشْتَهِي ، فَذلِكَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ ، وَ لَهُ أَنْ يَسُدَّ بِذلِكَ الْمَالِ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ مِنْ مِثْلِ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرِ ذلِكَ مِمَّا يَنُوبُهُ ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذلِكَ شَيْ ءٌ ، أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ ، فَقَسَمَهُ فِي أَهْلِهِ ، وَ قَسَمَ الْبَاقِيَ عَلى مَنْ وَلِيَ ذلِكَ ،

.


1- .في الكافي المطبوع : «فله».
2- .في الكافي المطبوع : «فسهم».
3- .في الكافي المطبوع : + «من».

ص: 587

وَ إِنْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ سَدِّ النَّوَائِبِ شَيْ ءٌ ، فَلَا شَيْ ءَ لَهُمْ .وَ لَيْسَ لِمَنْ قَاتَلَ شَيْ ءٌ مِنَ الْأَرَضِينَ ، وَ لَا مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ إِلَّا مَا احْتَوى عَلَيْهِ الْعَسْكَرُ .وَ لَيْسَ لِلْأَعْرَابِ مِنَ الْقِسْمَةِ شَيْ ءٌ وَ إِنْ قَاتَلُوا مَعَ الْوَالِي ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَالَحَ الْأَعْرَابَ أَنْ يَدَعَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ وَ لَا يُهَاجِرُوا ، عَلى أَنَّهُ إِنْ دَهِمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ عَدُوِّهِ دَهْمٌ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ (1) ، فَيُقَاتِلَ بِهِمْ ، وَ لَيْسَ (2) فِي الْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ ، وَ سُنَّةُ(3) جَارِيَةٌ فِيهِمْ وَ فِي غَيْرِهِمْ .وَ الْأَرَضُونَ الَّتِي أُخِذَتْ عَنْوَةً بِخَيْلٍ وَ رِجَالٍ ، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ مَتْرُوكَةٌ فِي يَدِ مَنْ يَعْمُرُهَا وَ يُحْيِيهَا وَ يَقُومُ عَلَيْهَا عَلى مَا يُصَالِحُهُمُ الْوَالِي عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ مِنَ الْحَقِّ : النِّصْفِ ، وَ الثُّلُثِ ، وَ الثُّلُثَيْنِ (4) ، وَ عَلى قَدْرِ مَا يَكُونُ لَهُمْ صَلَاحاً وَ لَا يَضُرُّهُمْ .فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهَا مَا أُخْرِجَ بَدَأَ ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ مِنَ الْجَمِيعِ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ ، أَوْ سُقِيَ سَيْحاً ، وَ نِصْفَ الْعُشْرِ مِمَّا سُقِيَ بِالدَّوَالِي وَ النَّوَاضِحِ ، فَأَخَذَهُ الْوَالِي ، فَوَجَّهَهُ فِي الْجِهَةِ الَّتِي وَجَّهَهَا اللَّهُ عَلى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ : لِلْفُقَرَاءِ ، وَ الْمَسَاكِينِ ، وَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ، وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَ فِي الرِّقَابِ ، وَ الْغَارِمِينَ ، وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَ ابْنِ السَّبِيلِ ؛ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ فِي سَنَتِهِمْ بِلَا ضِيقٍ وَ لَا تَقْتِيرٍ ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ذلِكَ شَيْ ءٌ ، رُدَّ إِلَى الْوَالِي ، وَ إِنْ نَقَصَ مِنْ ذلِكَ شَيْ ءٌ وَ لَمْ يَكْتَفُوا بِهِ ، كَانَ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَمُونَهُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِقَدْرِ سَعَتِهِمْ حَتّى يَسْتَغْنُوا ، وَ يُؤْخَذُ بَعْدُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعُشْرِ ، فَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَالِي وَ بَيْنَ شُرَكَائِهِ الَّذِينَ هُمْ عُمَّالُ الْأَرْضِ وَ أَكَرَتُهَا ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ أَنْصِبَاؤُهُمْ عَلى مَا صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ ، وَ يُؤْخَذُ الْبَاقِي ، فَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَرْزَاقَ أَعْوَانِهِ عَلى دِينِ اللَّهِ ، وَ فِي مَصْلَحَةِ مَا يَنُوبُهُ مِنْ تَقْوِيَةِ الْإِسْلَامِ وَ تَقْوِيَةِ الدِّينِ فِي وُجُوهِ الْجِهَادِ وَ غَيْرِ ذلِكَ مِمَّا فِيهِ مَصْلَحَةُ الْعَامَّةِ ، لَيْسَ لِنَفْسِهِ مِنْ ذلِكَ قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ .

.


1- .في الكافي المطبوع : «يستنفرهم».
2- .في الكافي المطبوع : + «لهم».
3- .في الكافي المطبوع : «سنّته».
4- .في الكافي المطبوع : «أو الثلث ، أو الثلثين».

ص: 588

وَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ الْأَنْفَالُ ، وَ الْأَنْفَالُ كُلُّ أَرْضٍ خَرِبَةٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهَا ، وَ كُلُّ أَرْضٍ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، وَ لكِنْ صَالَحُوا صُلْحاً ، وَ أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ عَلى غَيْرِ قِتَالٍ ؛ وَ لَهُ رُؤُوسُ الْجِبَالِ ، وَ بُطُونُ الْأَوْدِيَةِ ، وَ الْآجَامُ ، وَ كُلُّ أَرْضٍ مَيْتَةٍ لَا رَبَّ لَهَا ؛ وَ لَهُ صَوَافِي الْمُلُوكِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ كُلَّهُ مَرْدُودٌ ؛ وَ هُوَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، يَعُولُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ».وَ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكُ شَيْئاً مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ إِلَّا وَ قَدْ قَسَمَهُ ، فَأَعْطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ : الْخَاصَّةَ ، وَ الْعَامَّةَ ، وَ الْفُقَرَاءَ ، وَ الْمَسَاكِينَ ، وَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ صُنُوفِ النَّاسِ» . وَقَالَ (1) : «لَوْ عُدِلَ فِي النَّاسِ لَاسْتَغْنَوْا».ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ الْعَدْلَ أَحْلى مِنَ الْعَسَلِ ، وَ لَا يَعْدِلُ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ الْعَدْلَ».قَالَ : «وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقْسِمُ صَدَقَاتِ الْبَوَادِي فِي الْبَوَادِي ، وَ صَدَقَاتِ أَهْلِ الْحَضَرِ فِي أَهْلِ الْحَضَرِ ، وَ لَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلى ثَمَانِيَةٍ حَتّى يُعْطِيَ أَهْلَ كُلِّ سَهْمٍ ثُمُناً ، وَ لكِنْ يَقْسِمُهَا عَلى قَدْرِ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عَلى قَدْرِ مَا يُقِيمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ يُقَدِّرُ لِسَنَتِهِ ، لَيْسَ فِي ذلِكَ شَيْ ءٌ مَوْقُوتٌ وَ لَا مُسَمًّى وَ لَا مُؤْلَفٌ ، إِنَّمَا يَضَعُ ذلِكَ عَلى قَدْرِ مَا يَرى وَ مَا يَحْضُرُهُ حَتّى يَسُدَّ(2) فَاقَةَ كُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ ، وَ إِنْ فَضَلَ مِنْ ذلِكَ فَضْلٌ ، عُرَّضُوا الْمَالَ حَمَلَةُ(3) إِلى غَيْرِهِمْ .وَ الْأَنْفَالُ إِلَى الْوَالِي ، وَ كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ أَيَّامَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله إِلى آخِرِ الْأَبَدِ(4) ، مَا كَانَ افْتِتَاحاً بِدَعْوَةِ أَهْلِ الْجَوْرِ وَ أَهْلِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّ ذِمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ ذِمَّةٌ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافى دِمَاؤُهُمْ ، وَ يَسْعى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ .وَ لَيْسَ فِي مَالِ الْخُمُسِ زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ النَّاسِ جُعِلَ أَرْزَاقُهُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ عَلى ثَمَانِيَةِ

.


1- .في الكافي المطبوع : «فقال».
2- .في الكافي المطبوع : + «كلّ».
3- .في الكافي المطبوع : «جملة».
4- .في الكافي المطبوع : + «و».

ص: 589

أَسْهُمٍ ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَ جَعَلَ لِلْفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله نِصْفَ الْخُمُسِ ، فَأَغْنَاهُمْ بِهِ عَنْ صَدَقَاتِ النَّاسِ وَ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ وَلِيِّ الْأَمْرِ ، فَلَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ النَّاسِ ، وَ لَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا وَ قَدِ اسْتَغْنى ، فَلَا فَقِيرَ ، وَ لِذلِكَ لَمْ تَكُنْ (1) عَلى مَالِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْوَالِي زَكَاةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ ، وَ لكِنْ عَلَيْهِمْ أَشْيَاءُ تَنُوبُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ ، وَ لَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ كَمَا عَلَيْهِمْ» .

هديّة:(عن العبد الصالح) يعني الكاظم عليه السلام.قد سبق أنّ الخمس كلّه مال الإمام وأنّه يجب عليه الإنفاق على يتامى مؤمني بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم بقدر حاجة السنة، كما يدلّ على ذلك عدم تكرار اللام في آية الخمس في اليتامى والمساكين وابن السبيل.قال برهان الفضلاء:وعلى هذا يعني بناء على أنّ الخمس بتمامه للإمام مع وجوب إطعام غيره عليه من مؤمني بني عبد المطّلب، فتقسيم الخمس على ستّة أسهم من قبيل المسامحة، قال: وهذا شبيه بالنزاع اللفظي.و«الكمل» محرّكة بمعنى الكامل.(يقسم بينهم على الكتاب) على المجهول، والمستتر فيه ل (نصف الخمس).و«ما» في (ما يستغنون) موصولة، وعبارة عن القسم، فنصب محلّاً على أنّه مفعول مطلق.(خاصّة) مفعول ثانٍ ل (جعل) وكذا (عوضاً)، أو بتقدير عاطف على «خاصّة»، و(تنزيهاً) مفعول له، و(كرامة) عطفٌ عليه.وآية: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» في سورة الشعراء.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع : «لم يكن».
2- .الشعراء (26): 214.

ص: 590

(أنفسهم) رفع على البدل، وذكر (عبد المطّلب) مكان «هاشم» إشارة إلى أنّه لم يبق لهاشم أولادٌ سوى أولاد عبد المطّلب.قال برهان الفضلاء: «مواليهم» مبتدأ، «ولا فيهم» خبره المقدّم، «ولا منهم» عطف على «ولا فيهم»، والغرض الترقّي في البيان، يعني ليسوا مثلهم لا حقيقةً ولا مجازاً، و(في هذا) متعلّق على الظرف في «منهم».و«الدعوة» و«الدعاء»: طلب الغير للطعام ونحوه، وذكر الاسم.والمراد في «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ» في سورة الأحزاب.(1)المعنى الأوّل؛ بدليل أنّ المعنى الثاني يقتضي «بآبائهم» مكان «لآبائهم»؛ على أنّ خطاب كلّ من الأحد عشر بقول «يابن رسول اللَّه» شايع جدّاً.(أن يأخذ) عطفُ بيانٍ للصفو.«دهمه» كعلم ومنع: غشيه وهجم عليه. والمصدر هنا بمعنى اسم الفاعل للجماعة، أو على المجاز في النسبة.و«أن» في (أن يستفزهم) زائدة؛ لتكرار معنى «أن» في (أنّه).و(سنة) عطف على (نصيب).قال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى:ظاهر الحديث الأوّل في الباب التاسع والتسعين من كتاب الإيمان والكفر أنّ الفرق بين الفقراء والمساكين أنّ الفقير من يظهر فقره، ويرفع حاجته إلى الناس، والمسكين من يسكن منزله ويصبر، ولا يختلف إلى أبواب الناس.(وله بعد الخمس) أي غير الخمس. والمراد بالأنفال هنا عطايا اللَّه الخاصّة برسوله والأئمّة عليهم السلام بعد الخمس، ممّا ذكر عليه السلام طائفة منه ولو بالتفنّن في السياق، كقوله: (وله رؤوس الجبال).(باد أهلها) كباع بيداً وبواداً: هلك.

.


1- .الأحزاب (33): 5 .

ص: 591

(ما كان في أيديهم) عطف بيان للصوافي.(وقال: إنّ اللَّه لم يترك شيئاً من صنوف الأموال) يعني الكاظم عليه السلام.(إلّا من يحسن العدل) يعني إلّا المعصوم.(ولا مؤلف) على اسم المفعول من باب الإفعال، أي ولا شي ء مستمرّ مألوف عرفاً وإن لم يكن معيّناً مألوفاً عقلاً أو شرعاً.قال برهان الفضلاء: و«إن» في (وإن فضل من ذلك فضل) ليست بشرطيّة؛ إذ المراد الماضي، بل بمعنى «إذا» كما هو مختار الكوفيّين. ثمّ قرأ: «عرّضوا» بالعين والراء المهملتين على المجهول من التفعيل، والضمير المفعول الأوّل ونائب الفاعل، و(المال) المفعول الثاني، وعبارة عن الفضل، و(حمله) على المعلوم من باب ضرب، والمستتر للرسول، والبارز المنصوب المتّصل للمال، والجملة استئناف بياني ل «عرّضوا» من التعريض، وهو خلاف التصريح، والمراد هنا جعلهم محرومين. وقرأ الأكثر : «عرضوا المال جملة إلى غيرهم» على المعلوم من باب ضرب، يعني لما استغنى الحاضرون من الفقراء حمل النبيّ صلى اللَّه عليه وآله تمام الزيادة إلى غيرهم.(وكلّ أرض فتحت أيّام النبيّ صلى اللَّه عليه وآله) عطف على (الأنفال).و«الدعوة» كما يطلق على إعطاء وجه المعيشة، يطلق على كلمةٍ يدعو الرجلُ خصمَه إليه، والكلّ هنا مناسب.قد سبق بيان (المسلمون اخوة تتكافئ دماؤهم) في الحديث الأوّل في الباب الثاني والمائة.(1)و(صدقات النبيّ) صلى اللَّه عليه وآله) رفع على الابتداء)،(ووليّ الأمر) عطفٌ على «النبيّ»، والخبر محذوف، أي مقرّرة، والمراد بصدقاتهما إنفاقهما في صورة العجز والنقصان، كما مرّ في نصف الخمس بقوله: «وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من

.


1- .أي : «باب ما أمر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم و من هم».

ص: 592

عنده»، وفي الزكاة بقوله: «وإن نقص من ذلك شي ء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم».

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ(1) ، قَالَ : لَمَّا وَرَدَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام عَلَى الْمَهْدِيِّ ، رَآهُ يَرُدُّ الْمَظَالِمَ ، فَقَالَ : «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا بَالُ مَظْلِمَتِنَا لَا تُرَدُّ؟» فَقَالَ لَهُ : وَ مَا ذَاكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمَّا فَتَحَ عَلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَدَكَ وَ مَا وَالَاهَا ، لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا(2) بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» فَلَمْ يَدْرِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَنْ هُمْ ، فَرَاجَعَ فِي ذلِكَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ، وَ رَاجَعَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام رَبَّهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنِ ادْفَعْ فَدَكَ إِلى فَاطِمَةَ ، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ لَهَا : يَا فَاطِمَةُ ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكِ فَدَكَ ، فَقَالَتْ : قَدْ قَبِلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْكَ ، فَلَمْ يَزَلْ وُكَلَاؤُهَا فِيهَا حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ ، أَخْرَجَ عَنْهَا وُكَلَاءَهَا ، فَأَتَتْهُ ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهَا : ائْتِينِي بِأَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ يَشْهَدُ لَكِ بِذلِكِ ، فَجَاءَتْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ أُمِّ أَيْمَنَ ، فَشَهِدَا لَهَا ، فَكَتَبَ لَهَا بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ ، فَخَرَجَتْ وَ الْكِتَابُ مَعَهَا ، فَلَقِيَهَا عُمَرُ ، فَقَالَ : مَا هذَا مَعَكِ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ ؟ قَالَتْ : كِتَابٌ كَتَبَهُ لِيَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، قَالَ : أَرِينِيهِ (3) ، فَأَبَتْ ، فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِهَا ، وَ نَظَرَ فِيهِ ، ثُمَّ تَفَلَ فِيهِ ، وَ مَحَاهُ وَ خَرَقَهُ ، فَقَالَ لَهَا : هذَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ أَبُوكِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ ، فَضَعِي الْجِبَالَ (4) فِي رِقَابِنَا».فَقَالَ لَهُ الْمَهْدِيُّ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، حُدَّهَا لِي ، فَقَالَ : «حَدٌّ مِنْهَا جَبَلُ أُحُدٍ ، وَ حَدٌّ مِنْهَا عَرِيشُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه ، عن بعض أصحابنا أظنّه السيّاري ، عن عليّ بن أسباط».
2- .في الكافي المطبوع : «عليه».
3- .هكذا في الكافي المطبوع و هو الصحيح ، و في «الف» و «د» : «أرينه».
4- .في الكافي المطبوع : «الحبال».

ص: 593

مِصْرَ ، وَ حَدٌّ مِنْهَا سِيفُ الْبَحْرِ ، وَ حَدٌّ مِنْهَا دُومَةُ الْجَنْدَلِ». فَقَالَ لَهُ : كُلُّ هذَا؟ قَالَ : «نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هذَا كُلُّهُ ، إِنَّ هذَا كُلَّهُ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ أَهْلُهِ عَلى (1) رَسُولِ اللَّهِ بِخَيْلٍ وَ لَا رِكَابٍ» . فَقَالَ : كَثِيرٌ ، وَ أَنْظُرُ فِيهِ .

هديّة:كان (المهدي) ثالث الخلفاء العبّاسيّة بعد أبيه منصور الدوانيقي، واسمه محمّد، وهو محمّد بن عبداللَّه بن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن العبّاس بن عبد المطّلب، صار خليفة في ذي الحجّة سنة ثمان وخمسين ومائة هجريّة، ومات في محرّم التاسع والستّين والمائة.و«المظلمة» بفتح الميم وتثليث اللام: ما يأخذه الظالم منك.قال الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان: فدك على ثلاثة أميال من المدينة.(2) وقيل: موضع بُعدها من المدينة. يومان، وقيل: ثلاثة أيّام، وقيل: ستّة أيّام، وليست من خيبر كما توهّم الجوهري وصاحب القاموس، وقالا: قرية بخيبر(3)، وقيل: فدك بلدة قرب خيبر وقلعتها مسمّاة ب «شمروخ» فلمّا فتح اللَّه على نبيّه خبير عاهد أهل فدك في أمانهم أن تكون فدك خاصّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فكانت كذلك إلى أن دفعها بحكمه تعالى إلى فاطمة صلوات اللَّه عليها. وسمّيت فدك لأنّ أوّل من نزلها كان فدك بن حام.وقال برهان الفضلاء: ولا يخفى أنّ ظاهر «ما والاها» أنّ فدك اسم بلدة، قال: ويحتمل أن يكون المراد ما في حكمها، يعني ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب.(ولم يوجف عليها) على المعلوم من الإفعال، والمستتر للرسول صلى اللَّه عليه وآله، والباء في (بخيل) للتعدية إلى المفعول الثاني، والمفعول الأوّل محذوف، أي لم يوجف العسكر، وناظر إلى قوله تعالى في سورة الحشر: «وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ

.


1- .في الكافي المطبوع : «على أهله».
2- .مجمع البيان ، ج 9 ، ص 390 ، ذيل الآية 6 من سورة الحشر.
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1602 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 315 (فدك).

ص: 594

خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»(1).قال بعض المخالفين في هذا الحديث: إنّ آية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(2) مكّية، وفتحت فدك بعد الهجرة. فاُجيب: بأنّ المراد بالإنزال في قوله عليه السلام: (فأنزل اللَّه على نبيّه صلى اللَّه عليه وآله «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ») إعلامه بوجوب العمل على حكم الآية عند حصول شرائط الوجوب، كما أنّ المستطيع لا يجب عليه العمل بآية الحجّ قبل الاستطاعة، بل عليه عند حصول الشرائط. وأجاب جماعة - كما نقل صاحب مجمع البيان - : أنّ الثابت عند الخاصّة ومعظم العامّة أنّ سورة بني إسرائيل مكّية إلّا آيات منها، ومنها آية: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ».(3)و«القربى» و«القرابة» بمعنى، و«القربى» تأنيث الأقرب، أفعل التفضيل للقريب بمعنى ذي قرابة الرّحم، ولذا خاصّ بالأئمّة عليهم السلام، فتأنيث القربى على هذا باعتبار أنّ موصوفها هو القرابة.قال برهان الفضلاء:من مطاعن الأوّل أنّ جهله بالأحكام الشرعيّة بحيث طالب البيّنة بعد إخراج الوكلاء ، وإنّ التصرّف مدّة مديدة بأنواع من البناء والهدم وغيرهما من غير منازع حجّةُ المالكيّة، لا سبيل بَعْدُ شرعاً لأحدٍ إلى مطالبة البيّنة لها وفاقاً.وذكر صاحب المغرب من المخالفين: أنّ «فدك» بفتحتين قرية بناحية الحجاز أفاء اللَّه على نبيّه عليه السلام، وقد تنازعها عليّ والعبّاس، فسلّمها إليهما عمر.(4) وردّ عمر بن عبد العزيز أيضاً إيّاها إلى بني فاطمة مشهور.

.


1- .الحشر (59): 5 - 7 .
2- .الإسراء (17): 26 .
3- .مجمع البيان ، ج 6 ، ص 607 ، وفيه هكذا : «هى مكيّة كلّها، قيل مكيّة إلا خمس آيات... و آت ذى القرى حقّه، الآية ؛ عن الحسن».
4- .المغرب، ص 353 (فدك).

ص: 595

وقال برهان الفضلاء: وظاهر هذا الحديث أنّ ردّ عمر بن عبد العزيز فدك إلى أولاد فاطمة عليها السلام غلط. وأنت خبير بعدم المنافاة ظاهراً أيضاً.(هذا لم يوجف عليه أبوك) أي أكثر ما في يد المسلمين من بلاد الإسلام في ذلك الزمان.(فصعى الجبال) بالجيم ،وقرئ بالحاء المهملة.و(عريش) بالشين المعجمة على فعيل: اسم بلد أيضاً قرب مصر.و(سيف البحر) بالكسر: ساحله.و(دومة الجندل) بفتح المهملة الاُولى - وقيل: ويفتح أيضاً - : حصن فيما بين المدينة والكوفة، بُعدها من المدينة خمسة عشر يوماً، ومن الكوفة عشرة أيّام.قوله: (إنّ هذا كلّه ممّا لم يوجف أهله على رسول اللَّه بخيل ولا ركاب)، قيل: من باب القلب، يعني ممّا لم يوجف على أهله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وقال برهان الفضلاء: الظاهر أنّ هنا سهواً من نسّاخ الكافي، فإنّ الظاهر «على أهله» مكان «أهله على». وقيل: يعني ممّا لم يقم أهله حرباً وجدالاً مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «الْأَنْفَالُ هُوَ النَّفْلُ ، وَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ جَدْعُ الْأَنْفِ» .

هديّة:(النفل) محرّكة: العطيّة، وقد عرفت أنّ المراد بالأنفال عطايا اللَّه لرسوله والأئمّة عليهم السلام و(هو) مكان هي باعتبار الخبر في جملة الخبر وهو النفل يعني الأنفال المذكور في سورة الأنفال عطيّة اللَّه. وقرأ برهان الفضلاء بكسر الهمزة، قال: يعنى إعطاء اللَّه آية

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن محمّد بن مسلم».

ص: 596

سورة الحشر: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ» إلى آخر الآية لرسوله والأئمة عليهم السلام هو عطيته تعالى لشيعتنا لانهم بها يحتجّون على اعدائنا، فيظهر بطلان مذاهبهم، كما أنّ في آية الخمس في سورة الأنفال جدع الأنف لأعدائنا وجدع الأنف بفتح الجيم وسكون المهملة الأولى قطعه كناية بضرب المثل عن فظاعة الحال. قال برهان الفضلاء: وإشارة أيضاً إلى أنّ حقّ ذي القربى لو لم يغصب لم يبق شي ء لأئمّة الضلالة ليقوون في طغيانهم وضلالتهم؛ ولذا قال الثاني: فضعي الجبال في رقابنا، وقد مرّ آنفاً.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي،(1) عَنِ أبي الحسن الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» فَقِيلَ لَهُ : فَمَا كَانَ لِلَّهِ ، فَلِمَنْ هُوَ ؟فَقَالَ : «لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ مَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ».فَقِيلَ لَهُ : أَ فَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ صِنْفٌ مِنَ الْأَصْنَافِ أَكْثَرَ ، وَ صِنْفٌ أَقَلَّ ، مَا يُصْنَعُ بِهِ ؟قَالَ : «ذَاكَ إِلَى الْإِمَامِ ، أَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ أَ لَيْسَ إِنَّمَا كَانَ يُعْطِي عَلى مَا يَرى ؟ كَذلِكَ الْإِمَامُ» .

هديّة:(أرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) عبارة عن مثل «أخبرني عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله». وقد سبق حال فضل نصف الخمس ونقصه، وقلّة أهله وكثرته، وإطعام الإمام إيّاهم على قدر الحاجة في سنتهم.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْحَدِيدِ وَ الرَّصَاصِ وَ الصُّفْرِ ، فَقَالَ : «عَلَيْهَا الْخُمُسُ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «احمد، عن احمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام.

ص: 597

هديّة:(الرصاص) بالفتح: أبيضه القلعي، وأسوده الأسرب.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ جَمِيلٍ (1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : الْإِمَامُ يُجْرِي وَ يُنَفِّلُ وَ يُعْطِي مَا يَشَاءُ(2)قَبْلَ أَنْ تَقَعَ السِّهَامُ ، وَ قَدْ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِقَوْمٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ فِي الْفَيْ ءِ نَصِيباً ، وَ إِنْ شَاءَ قَسَمَ ذلِكَ بَيْنَهُمْ .

هديّة:(يجري) على المعلوم من الإفعال، إجراء الراتبة وإعطاء الوظيفة بمعنى. (وينفل) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل، أو من باب نصر.(لم يجعل لهم في الفي ء) أي في الغنيمة (نصيباً) أي لمصلحة رآها، فهم حينئذٍ كالأعراب بينهم، أي بين أهل السهام أو بين القوم، يعني قبل الإجراء والأنفال والإعطاء.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ(3) ، عَنْ حُكَيْمٍ مُؤَذِّنِ ابْنِ عِيسى ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِمِرْفَقَيْهِ عَلى رُكْبَتَيْهِ ، ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَ : «هِيَ وَ اللَّهِ الْإِفَادَةُ يَوْماً بِيَوْمٍ ، إِلَّا أَنَّ أَبِي عليه السلام جَعَلَ شِيعَتَهُ فِي حِلٍّ لِيَزْكُوا» .

هديّة:من معاني (قال) : «وضع»، كما صرّح ابن الانباري، يعني فوضع عليه السلام مرفقيه على ركبتيه، (ثمّ أشار بيده) يعني إلى صدره لإفادة أنّ ذا القربى اليوم إنّما هو عليه السلام. والحديث

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل».
2- .في الكافي المطبوع : «شاء».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الصمد بن بشير».

ص: 598

صريح في أنّ الخمس بتمامه مال الإمام، وذكر باقي الأصناف إنّما هو لبيان وجوب الإنفاق عليه.و(الإفادة) هنا بمعنى تحصيل ما يبقى زائداً بعد إنفاق كلّ يومٍ ومؤنته في اليد.والمراد ب (أبي عليه السلام) يمكن أن يكون جدّه عليه السلام، أو كناية عن جعل كلّ إمام شيعته في حلٍّ من ذلك. وقال برهان الفضلاء: والمراد ب «أبي» الباقر عليه السلام، و«جعل» على ما لم يسمّ فاعله ، والفاعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ونائب الفاعل «شيعته»، فذكر «أبي» هنا لضرب من التقيّة. (ليزكوا) على المعلوم من باب نصر، أو خلافه من التفعيل، أي من ذنب التقصير في أداء الحقّ، يعني فجعل مناط الخمس ربح السنة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَمَاعَةَ(1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الْخُمُسِ ، فَقَالَ : «فِي كُلِّ مَا أَفَادَ النَّاسُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ» .

هديّة:يعني بأيّ وجه كان ممّا يجوز شرعاً ولو كان ما يفاد يوماً بيوم، إلّا أنّ المناط أرباح السنة في التجارات ونحوها. قال برهان الفضلاء: والغرض من الجواب هنا أنّه ليس من شروط خمس الغنيمة أن يبلغ قيمتها ديناراً كما هو شرط في الغوص والمعادن، وسيجي ء في الحديث الحادي والعشرين.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : كَتَبْتُ : جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ ، تُعَلِّمُنِي مَا الْفَائِدَةُ ؟ وَ مَا حَدُّهَا ؟ رَأْيَكَ - أَبْقَاكَ اللَّهُ - أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِبَيَانِ ذلِكَ لِكَيْلَا أَكُونَ مُقِيماً عَلى حَرَامٍ ، لَا صَلَاةَ لِي وَ لَا صَوْمَ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان، عن سماعة».

ص: 599

فَكَتَبَ : «الْفَائِدَةُ مِمَّا تُفِيدُ(1) إِلَيْكَ فِي تِجَارَةٍ مِنْ رِبْحِهَا وَ حَرْثٍ بَعْدَ الْغَرَامِ أَوْ جَائِزَةٍ» .

هديّة:(تعلمني) على المعلوم من الافعال أو التفعيل، خبر بمعنى الإنشاء، أي الاستدعاء والالتماس.(رأيك) رفع على الابتداء، خبره (أن تمنّ)، والجملة خبر بمعنى الإنشاء، أو استفهاميّة بتقدير حرف الاستفهام، و(أبقاك اللَّه) بين المبتدأ والخبر دعائيّة معترضة.(ممّا تفيد) تبعيضه، و«تفيد» على المعلوم من الإفعال.وذكر «التجارة» و«الحرث» و«الجائزة» على التمثيل والمراد كلّ ما يحصل ويبقى زائداً عن قوت السنة.وقال برهان الفضلاء:ذكر «التجارة» و«الحرث» على التمثيل، و«بعد الغرام» ببيان للبعض المفهوم من «ممّا تفيد»، وليست جائزة الغير داخلة هنا، كما هو ظاهر الحديث الثاني والعشرين، قال: أو «جائزة» عطف على «الغرام»، والمراد جائزتك لغيرك، يعني بعد المؤن والنفقات والإعطاءات.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ(2) ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : الْخُمُسُ أُخْرِجُهُ قَبْلَ الْمَؤُونَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ ؟ فَكَتَبَ : «بَعْدَ الْمَؤُونَةِ» .

هديّة:يعني إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام.قيل: كما احتمل برهان الفضلاء أيضاً يمكن أن يكون المراد بالمؤونة في أرباح التجارات والزراعات ونحوهما مجموع مؤونة تحصيلها، ومؤونة السنة، وفي الغنائم

.


1- .في الكافي المطبوع : «يفيد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر».

ص: 600

والكنوز والمعادن والغوص مؤونة التحصيل حسب.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كُلُّ شَيْ ءٍ قُوتِلَ عَلَيْهِ عَلى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِله إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنَّ لَنَا خُمُسَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً حَتّى يَصِلَ إِلَيْنَا حَقَّنَا» .

هديّة:يعني كلّ في ء أحاط به المسلمون من الخمس، أي ممّا فيه خمسنا، وشراء الإماء مستثنى؛ بدلالة ما يجي ء في الحديث السادس عشر. وقال برهان الفضلاء: ويمكن أن يكون الإمامي مستثنى من قوله: «ولا يحلّ لأحد».

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَافِعٍ (2) ، قَالَ : طَلَبْنَا الْإِذْنَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا : «ادْخُلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ» فَدَخَلْتُ أَنَا وَ رَجُلٌ مَعِي ، فَقُلْتُ لِلرَّجُلِ : أُحِبُّ أَنْ تَحِلَ (3) بِالْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ أَبِي كَانَ مِمَّنْ سَبَاهُ بَنُو أُمَيَّةَ ، وَقَدْ(4)عَلِمْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا وَ لَا يُحَلِّلُوا ، وَ لَمْ يَكُنْ (5) مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ ، وَ إِنَّمَا ذلِكَ لَكُمْ ، فَإِذَا ذَكَرْتُ (6) الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، دَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ مَا يَكَادُ يُفْسِدُ عَلَيَّ عَقْلِي مَا أَنَا فِيهِ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد العزيز بن نافع».
3- .في الكافي المطبوع : «أن تستأذن».
4- .في الكافي المطبوع : «قد» بدون الواو.
5- .في الكافي المطبوع : + «لهم».
6- .في الكافي المطبوع : + «ردّ».

ص: 601

فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْ ذلِكَ ، وَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِكَ مِنْ وَرَائِي ، فَهُوَ فِي حِلٍّ مِنْ ذلِكَ».قَالَ : فَقُمْنَا وَ خَرَجْنَا ، فَسَبَقَنَا مُعَتِّبٌ إِلَى النَّفَرِ الْقُعُودِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ إِذْنَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ ظَفِرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ نَافِعٍ بِشَيْ ءٍ مَا ظَفِرَ بِمِثْلِهِ أَحَدٌ قَطُّ ، قِيلَ (1)لَهُ : وَ مَا ذَاكَ ؟ فَفَسَّرَهُ لَهُمْ ، فَقَامَ اثْنَانِ ، فَدَخَلَا عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ أَبِي كَانَ مِنْ سَبَايَا بَنِي أُمَيَّةَ ، وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ ذلِكَ قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ ، وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ ذلِكَ فِي حِلٍّ .فَقَالَ : «وَ ذلِكَ إِلَيْنَا ؟ مَا ذالِكَ إِلَيْنَا ، مَا لَنَا أَنْ نُحَلِّلَ (2) ، وَ لَا أَنْ نُحَرِّمَ» فَخَرَجَ الرَّجُلَانِ ، وَ غَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَّا بَدَأَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ فُلَانٍ يَجِيئُنِي ، فَيَسْتَحِلُّنِي مِمَّا صَنَعَتْ بَنُو أُمَيَّةَ ، كَأَنَّهُ يَرى أَنَّ ذلِكَ لَنَا» وَ لَمْ يَنْتَفِعْ أَحَدٌ(3) تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِقَلِيلٍ وَ لَا كَثِيرٍ إِلَّا الْأَوَّلَيْنِ ؛ فَإِنَّهُمَا عُنِيَا بِحَاجَتِهِمَا .

هديّة:قيل: الأمر بالدخول اثنين اثنين للتقيّة. وقال برهان الفضلاء: بل لعلمه عليه السلام بأنّ الداخلين أوّلاً كانا من الذين تابوا من العمل لبني اُميّة، بخلاف الباقين المنتظرين لإذن الدخول.(أحبّ) على المتكلّم المعلوم من الإفعال، (أن تحلّ) بالمهملة على المضارع المعلوم خطاباً من باب مدّ، و«الحلّ» بالفتح: ضدّ العقد، يعني أن تبدأ، والباء في «بالمسألة» للآلة.(سباه) كرمى: أسره، يعني ممّن كان أسيراً مبتلى بالعمل لهم.قيل: تقديم «القليل» هنا على «الكثير» من عدم فصاحة السائل.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قد قيل».
2- .في الكافي المطبوع : «أن نحلّ».
3- .في الكافي المطبوع : + «في».

ص: 602

(الذي كنت فيه) يعني من العمل لهم، وفي بعض النسخ: «ذكرت ردّ الذي» بزيادة «ردّ» بالمهملتين على المصدر من باب مدّ، وعلى هذا فهو المفعول به ل «ذكرت» ك «الذي» على الأكثر.قال برهان الفضلاء:و«ما» في «ما أنا فيه» يمكن أن تكون موصولة، ففاعل ل «يفسد» ومن قبيل وضع المظهر موضع المضمر، وهذا بناء على أن لا يكون مستتر في «يفسد»، ويكون ضمير «فيه» ل «ما» في «أنا فيه». ويمكن أن تكون نافية، فالجملة استئناف بياني، وهذا بناء على أن يكون مستتر في «يفسد»، ويكون ضمير «فيه» ل «الّذي».«من» في (من ورائي) بيانيّة، و«الوراء» بالفتح والمدّ من الأضداد، يطلق على الخلف والأمام أيضاً. والمراد هنا الثاني، كما في قوله تعالى: «وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ»(1)يعني عبد العزيز بن نافع، ولا ينافيه لفظة «كلّ»؛ لأنّ مصداق القضيّة الكلّية قد يكون شخصيّة.و(معتّب) بالمهملة والمثنّاة الفوقانيّة والمفردة على اسم الفاعل من التفعيل اسم غلام من غلمان الصادق عليه السلام، روى من الصادق والكاظم عليهما السلام. قال الكشّي: قال الصادق عليه السلام: «هم عشرة، خيرهم وأفضلهم معتّب» يشير إلى مواليه عليه السلام.(2)(فسبقنا) يعني حين خرج بالإذن لاثنين آخرين وخصّ معتّب العبد العزيز بما خصّ لفوزه بالمطلب من غير سؤال، وفوز صاحبه بالمطلب بالسؤال.(وذلك إلينا) على الاستفهام الإنكاري بتقدير حرف الاستفهام.في بعض النسخ : «إنّ ذلك إلينا» مكان (إنّ ذلك لنا)، و«إلى» مكان «اللام» أوضح وأشهر.(إلّا الأوّلين) التفاتٌ من التكلّم إلى الغيبة.وفي (عينا) قراءات، قرئ : «عيّنا» على المجهول من التعيين، يعني امتازا بسبب

.


1- .الكهف (18): 79 .
2- .رجال الكشّي ، ج 1 ، ص 251 ، الرقم 466.

ص: 603

الفوز بحاجتهما. وقرأ برهان الفضلاء : «عينا» بكسر المهملة وسكون الياء قبل النون ، على الماضي المجهول، من العيانة بالفتح، أي الاخبار، أو من العيان بالكسر بمعنى اخبار الرجل صاحبه بما هو مراده. ثمّ احتمل ضمّ المهملة وكسر النون قبل النون، على الماضي المجهول الناقص الواوي من باب نصر، من العنوة بالفتح بمعنى المحبّة والإشفاق، قال: ويحتمل فتح المعجمة وكسر النون قبل الياء، على المعلوم الناقص اليائي، من باب علم، من الغنى بالكسر والقصر، ضدّ الاحتياج.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ (1) ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «تَدْرِي (2) مِنْ أَيْنَ دَخَلَ عَلَى النَّاسِ الزِّنى ؟» قُلْتُ : لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «مِنْ قِبَلِ خُمُسِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَّا شِيعَتَنَا الْأَطْيَبِينَ ؛ فَإِنَّهُ مُحَلَّلٌ لَهُمْ ؛ لِمِيلَادِهِمْ» .

هديّة:(الزني) يمدّ ويقصر.قيل : «الأطيبين» يعني المخلصين.(بميلادهم) ، أي لئلّا يقع في ميلاد أولادهم فساد . وقال برهان الفضلاء : «الميلاد» زمان الولادة ، والمراد هنا مكانها بمعنى اُمّهات الأولاد ، و«الأطيبين» عبارة عن الإماميّة ، واللام في «لميلادهم» بمعنى «في».

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الكَنَانِي (3) ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا ؛ لَنَا الْأَنْفَالُ ، وَ لَنَا صَفْوُ الْمَالِ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ضريس الكناسي».
2- .في الكافي المطبوع : - «تدري».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن شعيب ، عن أبي الصبّاح».

ص: 604

هديّة:(فرض اللَّه طاعتنا) كما فرض طاعته وطاعة رسوله صلى اللَّه عليه وآله، وقال : «أطيعُوا اللَّهَ وَ أطيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولى اْلأَمْرِ مِنْكُمْ»(1).(صفو المال) يعني خلاصة الفي ء على ما بيّن في الحديث الرابع في هذا الباب.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ (2)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ لَا وَارِثَ لَهُ وَ لَا مَوْلى ، قَالَ : «هُوَ مِنْ أَهْلِ هذِهِ الْآيَةِ : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ»(3)» .

هديّة:(لا وارث له) أي نسباً (ولا مولى) معتقاً له ، بلا واسطة أو بواسطة. وظاهر هذا الحديث تقدّم الإمام على ضامن الجريرة ، قال برهان الفضلاء : يمكن أن يؤخذ «الموالى» هنا أعمّ من ضامن الجريرة ، فالإمام بعد الجميع.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عن الخمسة(4)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ (5) عَنِ الْكَنْزِ : كَمْ فِيهِ ؟ قَالَ : «الْخُمُسُ» ، وَ عَنِ الْمَعَادِنِ كَمْ فِيهَا ؟ قَالَ : «الْخُمُسُ ، وَ كَذلِكَ الرَّصَاصُ وَ الصُّفْرُ وَ الْحَدِيدُ ، وَ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَعَادِنِ يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ» .

هديّة:قد سبق في بيان الحديث الثامن أنّ الرصاص أعمّ من القلع والأسربّ.

.


1- .النساء (4) : 59.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد ، عن رفاعة، عن أبان بن تغلب».
3- .الأنفال (8) : 1 .
4- .يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبيّ».
5- .في الكافي المطبوع : - «قال : سألته».

ص: 605

قال برهان الفضلاء : لمّا كان أكثر إطلاق المعدن على معدن الذهب والفضة بنى السائل كلامه عليه ، فيشعر كلام الإمام عليه السلام بأنّ المعدن الذي فيه الخمس أعمّ من معدن الذهب والفضّة.

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَشَدَّ مَا فِيهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ الْخُمُسِ ، فَيَقُولَ : يَا رَبِّ خُمُسِي ، فَقَدْ طَيَّبْنَا ذلِكَ لِشِيعَتِنَا لِتَطِيبَ وِلَادَتُهُمْ ، وَ لِتَزْكُوَ وِلَادَتُهُمْ» .

هديّة:(صاحب الخمس) يعني إمام كلّ زمان من الاثني عشر.(لتطيب) على التأنيث المعلوم من باب باع ، وكذا (لتزكو) من باب غزا. (ولادتهم) أي ولادة أولادهم. قال برهان الفضلاء : والمراد جعلهم عليهم السلام شيعتهم في حلّ من ذلك في اُمّهات الأولاد وفسّر الزكاة هنا برفعة المرتبة بسبب الطهارة من الفساد.

الحديث الواحد والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَمَّا يُخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ وَ الْيَاقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ ، وَ عَنْ مَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ : مَا فِيهِ ؟ قَالَ : «إِذَا بَلَغَ ثَمَنُهُ دِينَاراً فَفِيهِ الْخُمُسُ» .

هديّة:(والياقوت) وما عطف عليه عطف على (اللؤلؤ) لبيان أنّ الغوص الذي فيه الخمس لا ينحصر في الغوص اللؤلؤ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان ، عن صبّاح الأزرق ، عن محمّد بن مسلم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».

ص: 606

وقال برهان الفضلاء:«والياقوت والزبرجد» عطف على «ما» في «عمّا». قال : ويمكن العطف على اللؤلؤ، فإنّهما قد يحصلان من حفر الأرض في الشطوط والأودية. ثمّ قال : ويحتمل أن يكون المراد بقوله : «إذا بلغ ثمنه ديناراً» بعد المؤن ، بدليل ما سبق ، وهو الحديث الثالث عشر.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(1) ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَيْهِ: يَا سَيِّدِي ، رَجُلٌ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالٌ يَحُجُّ بِهِ ، هَلْ عَلَيْهِ فِي ذلِكَ الْمَالِ حِينَ يَصِيرُ إِلَيْهِ الْخُمُسُ ، أَوْ عَلى مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَجِّ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : «لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُمُسُ» .

هديّة:(عليّ بن مهزيار) روى عن الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، ومثل الحديث المضمر كالمصرّح.(ليس عليه الخمس) يعني مطلقاً. قال برهان الفضلاء: أشار عليه السلام إلى أنّ الخمس إنّما هو في أشياء، منها: الغنيمة، وهي ما يحصل بالكدّ والسعي الجائز، وليس ذلك داخلاً فيها؛ لانّه لم يحصل بالكدّ والسعي.

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ (2) ، قَالَ : سَرَّحَ الرِّضَا عليه السلام بِصِلَةٍ إِلى أَبِي ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبِي : هَلْ عَلَيَّ فِيمَا سَرَّحْتَ إِلَيَّ خُمُسٌ ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «لَا خُمُسَ عَلَيْكَ فِيمَا سَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْخُمُسِ» .

هديّة:«الباء» بعد (سرح) على المعلوم كمنع للتعدية، سرح به سرحاً وسرّحته تسريحاً

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه».

ص: 607

بمعنى. و«الصلة»: الإعانة بالمال ونحوه. قال برهان الفضلاء: ظاهر هذا الحديث أيضاً أنّ الخمس بأجمعه مال الإمام وحقّه ، وذكرُ أصناف مستحقى نصف الخمس في الكتاب والسنّة إنّما هو لبيان وجوب الإنفاق على الإمام كما مرّ مراراً؛ ليكون إخراج الخمس عنه عطيّة صاحب الخمس كردّ بعضها إليه. ولا ينافى هذا الحكم جريانه في عطيّة غير صاحب الخمس؛ لأنّ ذكر وجه شي ء لا ينافي أن يكون له وجه آخر، كما مرّ في الثاني والعشرين.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي بإسناده سَهْلٌ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَقْرَأَنِي عَلِيُّ بْنُ مَهْزِيَارَ كِتَابَ أَبِيكَ عليه السلام فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلى أَصْحَابِ الضِّيَاعِ : نِصْفُ السُّدُسِ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ ، وَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلى مَنْ لَمْ يَعْمُرْ(2) ضَيْعَتُهُ بِمَؤُونَتِهِ نِصْفُ السُّدُسِ وَ لَا غَيْرُ ذلِكَ ، فَاخْتَلَفَ مَنْ قِبَلَنَا فِي ذلِكَ ، فَقَالُوا : يَجِبُ عَلَى الضِّيَاعِ الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَؤُونَةِ ، مَؤُونَةِ الضَّيْعَةِ وَ خَرَاجِهَا ، لَا مَؤُونَةِ الرَّجُلِ وَ عِيَالِهِ .فَكَتَبَ عليه السلام : «بَعْدَ مَؤُونَتِهِ وَ مَؤُونَةِ عِيَالِهِ ، وَ بَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَانِ» .

هديّة:يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام.و«الضيعة» بالفتح: العقار، والأرض المغلّة، حرفة الرجل وتجارته.قال برهان الفضلاء: المراد بأصحاب الضياع هنا الذين في أيديهم الأملاك المفتوحة عنوة وأملاك الأنفال، وبيّن في الحديث الرابع من هذا الباب أنّ المصالحة على خراج المفتوحة عنوة، وتعيين إجارة الأرض نصف السدس لخراج المفتوحة عنوه و اجارة الأنفال إنّما كان لمصلحة الشيعة في كونهم في نهاية خفّة المؤونة زمن

.


1- .السند يبدأ في الكافي المطبوع بسهلٍ، فالتعبير بإسناده عن سهل غير صحيح.
2- .في الكافي المطبوع: «لم تقم».

ص: 608

طغيان بني العبّاس وظلمهم سيّما على الشيعة، فقالوا يجب بقول مذهب واحد من الأقوال المختلفة فيه، وجواب الإمام عليه السلام هو الحقّ منها، والمذهب المنقول هنا منها مبناه على القياس على الخمس، ولذا ذكره منها واكتفى.

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الطَّبَرِيُ (1) ، قَالَ : كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَسْأَلُهُ الْإِذْنَ فِي الْخُمُسِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ ، وَ عَلَى الضِّيقِ الْهَمَّ ، لَا يَحِلُّ مَالٌ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ ، وَ إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلى دِينِنَا ، وَ عَلى عِيَالَاتِنَا ، وَ عَلى مَوَالِينَا ، وَ مَا نَبْذُلُهُ وَ نَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ ، فَلَا تَزْوُوهُ عَنَّا ، وَ لَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ ، وَ تَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ ، وَ مَا تُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ ، وَ الْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ ، وَ لَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَ يُخَالِفَ بِالْقَلْبِ ؛ وَ السَّلَامُ» .

هديّة:(من بعض موالي) أى بوساطته، فكلمة «من» للسببيّة، يعني كان بعض غلمانه عليه السلام رسول الكتاب وحامله.(يسأله الإذن) يعني أن يجعله عليه السلام في حلّ ممّا عليه من الخمس.و(الهمّ) الفتح والتشديد: الرغبة في الشي ء.(ضمن على العمل الثواب) يعني مع احتياجه ذلك وقدرته على التفضل من دون عمل يوجب الثواب فلا يخفى براعة استهلاله عليه السلام قبل ذكره ما هو المقصود من أنّ الإمام ليس محتاجا إلى الخمس حقيقه، بل جعل اللَّه إيّاه حقّه لمصالح منها احتياج غيره من

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «سهل، عن أحمد بن المثنّى، قال: حدّثني محمّد بن زيد الطبري».

ص: 609

نحو المذكورين.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَدِمَ قَوْمٌ مِنْ خُرَاسَانَ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ فِي حِلٍّ مِنَ الْخُمُسِ ، فَقَالَ : «مَا أَمْحَلَ هذَا! تَمْحَضُونَّا بِالْمَوَدَّةِ بِأَلْسِنَتِكُمْ ، وَ تَزْوُونَ عَنَّا حَقّاً جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا وَ جَعَلَنَا لَهُ ، وَ هُوَ الْخُمُسُ ، لَا نَجْعَلُ ، لَا نَجْعَلُ، لَا نَجْعَلُ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ فِي حِلٍّ» .

هدية:إلّا أنّه على الثاني تجوّز للمبالغة كما يقال مكر ماكر. وضبط «تمحضونا» بالحاء المهملة والضاد المعجمة وتشديد النون على الجمع المخاطب من باب منع أو الإفعال. والمحض والامحاض: جعل الشي ء خالصاً. والباء في (بالمودّة) للتقوية. وفي (جعلنا له) إشارة إلى أنّ اختصاصهم عليهم السلام بالخمس من براهين حقّيتهم وبطلان أئمّة الضلالة. تكرار (لا نجعل) وجهه ظاهر، واللام في (لأحد) زائدة، ولذا قيل: الظاهر «أحداً» مكان (لأحد).

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ - وَ كَانَ يَتَوَلّى لَهُ الْوَقْفَ بِقُمَّ - فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، اجْعَلْنِي مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ فِي حِلٍّ ؛ فَإِنِّي أَنْفَقْتُهَا ، فَقَالَ لَهُ : «أَنْتَ فِي حِلٍّ» .فَلَمَّا خَرَجَ صَالِحٌ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَحَدُهُمْ يَثِبُ عَلى أَمْوَالِ حَقِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَيْتَامِهِمْ وَ مَسَاكِينِهِمْ وَ فُقَرَائِهِمْ وَ أَبْنَاءِ سَبِيلِهِمْ ، فَيَأْخُذُهُ ، ثُمَّ يَجِي ءُ ، فَيَقُولُ : اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ ، أَ تَرَاهُ ظَنَّ أَنِّي أَقُولُ : لَا أَفْعَلُ ، وَ اللَّهِ لَيَسْأَلَنَّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ ذلِكَ سُؤَالًا حَثِيثاً» .

هديّة:(يتولّى له الوقف) أي الأملاك الموقوفة على آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.(أتراه) استفهام على الخطاب ويحتمل الغيبة.

.

ص: 610

و«الحثيث»: السريع والمراد الشديد.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي عَنْ الخمسة(1)قَال:َ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْعَنْبَرِ وَ غَوْصِ اللُّؤْلُؤِ ، فَقَالَ عليه السلام : «عَلَيْهِ الْخُمُسُ» .

هديّة:يعني إذا بلغ قيمة كلّ واحد من العنبر واللؤلؤ ديناراً، كما سبق في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.تمّ بعون اللَّه وحسن توفيقه كتاب الحجّة وهو الجزء الثالث من كتاب الهدايا، ويتلوه الجزو الرابع كتاب الإيمان والكفر إن شاء اللَّه تعالى؛ الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين، يوم الأحد من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وثمانين وألف.

.


1- .يعني : «علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي».

ص: 611

فهرس المطالب .

ص: 612

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.