الهدايا لشيعه ائمه الهدي : شرح اصول كافي المجلد 3

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الهدايا لشيعه ائمه الهدي : شرح اصول كافي/شرف الدين محمدمجذوب التبريزي ؛ تحقيق محمدحسين الدرايتي، غلام حسين القيصريه ها

مشخصات نشر : قم: دارالحديث، 1389.

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : (مركز بحوث دارالحديث؛186)

(مجموعه آثار الموتمر الدولي لذكري الشيخ ثقه الاسلام الكليني؛11)

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ دوم- ج.1

شماره كتابشناسي ملي : 2764459

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

كتاب الحجّة

اشاره

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الجزء الثالث من كتاب الهداياكِتَابُ الْحُجَّةِوهو يشتمل مطابقاً للكافي على مائة وثمانية وعشرين باباً،(1) أو مائة وستّة عشر باباً إن عدّ أبواب التاريخ باباً واحداً.

.


1- .كذا، ولقد بلغ عدد العناوين في متن هذا الكتاب إلى المائة والثلاثين باباً، وهكذا أيضاً في الكافي. والظاهر أنّ المصنّف رحمة اللَّه عليه لم يعدّ اثنين منها من جملة الأبواب في بداية الرأي بملاحظة عدم رؤيته إيّاهما في بعض نسخ الكافي، ثمّ انصرف بعدُ، كما صرّح به في ذيل الباب الخامس و الستّين، باب الإشارة والنصّ على أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «ليس هذا العنوان في أكثر النسخ... ونحن نقلناه كما في بعضها؛ فعلى هذا أبواب كتاب الحجّة أزيد ممّا ذكر بواحد».

ص: 6

. .

ص: 7

الباب الأوّل: باب الاضطرار إلى الحجّة

الباب الأوّل : بَابُ الِاضْطِرَارِ إِلَى الْحُجَّةِوأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل1210.الإمام الكاظم عليه السلام :روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِ (1)، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ الَّذِي سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ الْأَنْبِيَاءَ وَ الرُّسُلَ؟ قَالَ : «إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً، صَانِعاً، مُتَعَالِياً عَنَّا وَ عَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ، وَ كَانَ ذلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً مُتَعَالِياً، و لَمْ يَجُزْ(2) أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ وَ لَا يُلَامِسُوهُ؛ فَيُبَاشِرَهُمْ وَ يُبَاشِرُوهُ، وَ يُحَاجَّهُمْ وَ يُحَاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَرَاءَ فِي خَلْقِهِ يُعَبِّرُونَ عَنْهُ إِلى خَلْقِهِ وَ عِبَادِهِ، وَ يَدُلُّونَهُمْ عَلى مَصَالِحِهِمْ وَ مَنَافِعِهِمْ وَ مَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ وَ فِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ، فَثَبَتَ الْآمِرُونَ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي خَلْقِهِ، وَ الْمُعَبِّرُونَ عَنْهُ جَلَّ وَ عَزَّ، وَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام وَ صَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ فِي الْحِكْمَةِ(3)، مَبْعُوثِينَ بِهَا، غَيْرَ مُشَارِكِينَ لِلنَّاسِ - عَلى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ

.


1- .في «الف» : «الفقمي» .
2- .في الكافي المطبوع : «لم يجز» بدون الواو .
3- .في الكافي المطبوع وحاشية «د»: «بالحكمة».

ص: 8

1210.الإمام الكاظم عليه السلام :فِي الْخَلْقِ وَ التَّرْكِيبِ - فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، مُؤَيَّدِينَ (1) عِنْدَ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذلِكَ فِي كُلِّ دَهْرٍ وَ زَمَانٍ مِمَّا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَ الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الدَّلَائِلِ وَ الْبَرَاهِينِ؛ لِكَيْلَا تَخْلُوَ أَرْضُ اللَّهِ مِنْ حُجَّةٍ يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقَالَتِهِ وَ جَوَازِهديّة:(الحجّة) هنا عبارة عن الإمام المفترض الطاعة ، العالم بجميع الشرائع الإلهيّة ، تسمية السبب باسم مسبّبه ، كما في «مطرت السماء نباتاً» - أي غيثاً - يكون النبات مسبّباً عنه.ومعنى الاضطرار إلى الحجّة: بداهةُ الاحتياج إليها، ببداهة أنّ الأعلم بحقائق الأشياء إنّما هو مبدعها المدبّر لها ، وأنّ حجّته مع امتناع الرؤية لا تقوم على خَلقِه إلّا بمن هو أوثقهم وأعلمهم وأشهرهم حسباً ونسباً إلى آدم عليه السلام كنبيّنا وآله صلى اللَّه عليه وآله ، وفاقاً من المؤالف والمخالف، فإنّ حكمة العظمة تأبى عن أن يكون حجّتُه على خلقه مجهولاً في نَسَبِه ، كمشايخ الصوفيّة القدريّة، بل تقتضي معلوميّةَ نَسَبِه في خلقه تعالى إلى آدم عليه السلام.و«فُقَيم» مصغّراً: الحيّ من كنانة ، والنسبة إليهم «فُقَمِيّ» كهذليّ؛ صرّح به الجوهريّ (2) . وبإثبات الخاتمة لغة، أو كلاهما قياس كما قيل :«الفُقْم» بالضمّ : اللّحي كالرمي. وفي الحديث: «من حفظ ما بين فُقْميه» أي ما بين لحييه . وبالتحريك : أن يتقدّم الثنايا السفلى على العُليا فلا تقع عليها. والرجل أفقمٌ. والأفقم من الاُمور : الأعوج. والفَقَم أيضاً : الامتلاء ، [يقال:] أصاب من الماء حتّى فَقِم ، كعلم . وتفاقم الأمر : عَظُم. والمفاقمة : البِضاع.(3)و(الزنديق) كعفريت ، من الثنويّة ، وهو معرّب؛ قاله في الصحاح (4). وقيل: هو معرّب «زندين» باعتبار نقصان العقل .(5)

.


1- .في الكافي المطبوع : + «من» .
2- .الصحاح ، ج 5 ، ص 2003 (فقم) .
3- .المصدر.
4- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1489 (زندق) .
5- .القاموس المحيط، ج 3، ص 242 (زندق).

ص: 9

وهو القائل بقِدَم العالَم وإيجاب الصانع كالفلسفي، أو المنكر للصانع المختار كالدهري والطبيعي، أو القائل بتعدّد الإله كالقدريّ والمجوسيّ والمانويّ من الثنويّة.واللَّه العظيم، أفضحهم كفراً وزندقة الصوفيّة القدريّة مجوس هذه الاُمّة ؛ لقولهم بالتنزّلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود في خيالاتهم الفاسدة لعنهم اللَّه.والحديث كأنّه تتمّة الحديث الذي قد ذكر في الجزء الثاني من كتاب التوحيد في الأوّل من أبوابه.(أثبتَّ) على الخطاب من الإفعال معلوماً، أو الغيبة منه لا كذلك .وتكرار «قال» بواسطة الفاصلة .(لمّا أثبتنا) أي بالبراهين المذكورة في أوائل الحديث ، أو المعنى : إنّا لمّا أيقنّا بمشاهدة ما لا يحصى من عجائب التقديرات بما لا يتناهى من غرائب التدبيرات بمثل هذا النظام العظيم ، بمثل هذا الاتّساق (1)القويم في مثل هذه الأنفس ، في مثل هذه الآفاق ، فبداهة انحصار الأعلميّة بحقائقها في مبدعها ومدبّرها ، احتياجها واضطرارها إلى وجود مخبر معصوم ، مبيّن حَسَبُه في الأحساب ونَسَبُه في الأنساب ، صفوة مبلّغ أمين في كلّ باب ، وقدوة عاقل مؤدّب (2) عن المدبّر العزيز الوهّاب ، وحجّة بالغة مفترضة الطاعة ، نبيّاً أو وصيّاً بعصمة منصوصة مبيّنة ؛ ليحيى من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.(3)(صانعاً) أي مدبّراً بالحكمة البالغة ، مختاراً في الفعل والترك ؛ فبمنزلة الفصل ، ردّاً على الطبيعيّين القائلين بخالقيّة الطبائع الأصليّة والحقائق القديمة في زعمهم .(ومتعالياً عنّا وعن جميع ما خلق) بتضمين معنى التنزيه ، ومعلوميّة «خلق»، أو خلافها أيضاً ؛ بمنزلة الفصل ، ردّاً على جمهور الفلاسفة القائلين بصانعيّة المبادئ

.


1- .الاتّساق : الانتظام . كتاب العين ، ج 5 ، ص 195 (وسق).
2- .فى «ب» : «مؤدّب عاقل» .
3- .اشارة إلى الآية 42 من سورة الأنفال (8): «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ».

ص: 10

العالية، ودلالةً - كما صرّح به برهان الفضلاء مولانا خليل اللَّه القزويني سلّمه اللَّه تعالى - على نفي شركةِ مخلوقٍ الخالقَ سبحانه في اسم جامد محض كالجسم والبلّور، وقد علم أنّه ذاتي لأفراده قطعاً وعين مسمّاه في الأذهان ، بخلاف المشتقّ. وأنّ ما ذكره أهل المنطق من المشتقّات مثالاً لبعض الذاتيّات فعلى المسامحة في المثال. والمحاط بالذهن مخلوق البتّة ، ومن ثَمّ يمتنع تصوّر كنه الخالق تعالى .و«التعالي» مبالغة في العالي.وقرأ برهان الفضلاء - سلّمه اللَّه تعالى - : «متغالباً» بعد «حكيماً» بالمعجمة والمفردة ، على المبالغة في الغالب.في بعض النسخ : «ولم يجز» بالواو ، فخبر بعد خبر ل «كان» أو عطف على «كان» .ونفى جواز أن يشاهده خلقُه ردٌّ على المخالفين والصوفيّة القدريّة لعنهم اللَّه ، وهم مصرّحون في كتبهم بأنّ الإنسان - أيُّ مَن كان وإن كان جوكيّاً كافراً - يصل لصفاء باطنه بالرياضات الكاملة - وإن كانت على خلاف حكم اللَّه تعالى في شريعته الغرّاء - إلى مرتبةٍ يشاهد فيها جمالَ اللَّه سبحانه بالاتّصال إلى المبادئ العالية في سلسلة العود ، فيحصل له بذلك جميع العلوم والمعارف من غير افتقار إلى الكتب وعلوم الحجج العاقلين عن اللَّه تعالى .و«المحاجّة» كالتحاجّ : التخاصم والمخالفة.وقال برهان الفضلاء: «كأنّه تصحيف، والظاهر: ويحاجبهم ويحاجبوه؛ بزيادة المفردة، أي يفارقهم ويفارقوه.ووجه ظهوره غير ظاهر.ف (ثبت) تفصيل ل «ثبت» جواب «لمّا».و«السفير»: الرسول والمصلح بين القوم .(وصفوته من خلقه) مثلّثة الصاد : مصطفاه بالعصمة والحكمة.وقال الفاضل مولانا محمّد أمين الأسترآبادي ، نزيل مكّة المعظّمة ثمّ المدينة

.

ص: 11

المنوّرة في بيان قوله: «والمعبّرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء»: «خصوص الحرمة والوجوب سمعيّان، وأصلهما عقليّان».(1)ومبنى كلامه ظاهر، وللكلام فيه طول وتحقيقه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى .في بعض النسخ : «مؤدّبين بالحكمة» مكان (في الحكمة). ولا يبعد كسر الدّال.و(على) بمعنى «مع» أي مع مشاركتهم لهم في المخلوقيّة والهيئة البشريّة حسّاً، دون كيفيّة تلك الهيئة حقيقةً.وحاصله : أنّهم غير مشاركين للناس في شي ءٍ من أحوالهم الحسّيّة والواقعيّة ، سوى المخلوقيّة حقيقة والهيئة البشريّة حسّاً الممتازة بكيفيّتها حقيقةً.وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى : «في سيّئ» على فعيل من السؤاى، في قبيح من أحوالهم.(ممّا أتت) أي من أجل ما أتت. والفرق بين الدليل والبرهان أنّ الدليل قد يُطلق على القرينة المفيدة للظنّ ، والبرهان لا يطلق إلّا على ما يفيد العلم.(يكون معه علم) أي عظيم ممتاز بكثرته وعظمه عن علم سائر الخلق. وتذكير الضمير باعتبار الشخص.وقرئ : «عَلَم» بفتحتين ، أي معجزة .(وجواز عدالته) أي ثبوت حجّته بعصمته «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(2).

الحديث الثاني 1203.امام حسن عليه السلام:روى في الكافي عَنْ النسيابوريين، عَنْ صَفْوَانَ (3)، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي .


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .
2- .النساء (4) : 165 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى» .

ص: 12

1203.امام حسن عليه السلام:عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ ، بَلِ الْخَلْقُ يُعْرَفُونَ بِاللَّهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ».

قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً، فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ لِذلِكَ الرَّبِّ رِضًا وَ سَخَطاً، وَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَ سَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ، فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُلَ، فَإِذَا لَقِيَهُمْ، عَرَفَ أَنَّهُمُ الْحُجَّةُ، وَ أَنَّ لَهُمُ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ؛ فَقُلْتُ (1) لِلنَّاسِ: أليس (2)تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ؟ قَالُوا: بَلى.

قُلْتُ: فَحِينَ مَضى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، مَنْ كَانَ الْحُجَّةَ عَلى خَلْقِهِ؟ فَقَالُوا: الْقُرْآنُ، فَنَظَرْتُ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَ الْقَدَرِيُّ وَ الزِّنْدِيقُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ حَتّى يَغْلِبَ الرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ، فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ، كَانَ حَقّاً، فَقُلْتُ لَهُمْ : مَنْ قَيِّمُ الْقُرْآنِ؟ فَقَالُوا: ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ، وَحُذَيْفَةُ يَعْلَمُ ، وَ عُمَرُ يَعْلَمُ (3)، قُلْتُ: كُلَّهُ؟ قَالُوا: لَا ، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْرِفُ ذلِكَ (4) كُلَّهُ إِلَّا عَلِيّاً عليه السلام، وَ إِذَا كَانَ الشَّيْ ءُ بَيْنَ الْقَوْمِ ، فَقَالَ هذَا:لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا : لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: أَنَا أَدْرِي، فَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ قَيِّمَ الْقُرْآنِ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، وَ كَانَ (5) الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنَّ مَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ، فَهُوَ حَقٌّ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ».هديّة:قد أورد هذا الخبر أيضاً في كتاب الكافي بذيلٍ في باب فرض طاعة الإمام عليه السلام،(6) وسيذكر إن شاء اللَّه تعالى، وقد سبق حديث ببيانه في الجزء الثاني ، كتاب التوحيد ، في باب أنّه سبحانه لا يعرف إلّا به، وكان هناك هكذا: «قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّي ناظرت

.


1- .في الكافي المطبوع : «وقلت» .
2- .في الكافي المطبوع : - «أليس» .
3- .في الكافي المطبوع : «وعمر يعلم و حذيفة يعلم» .
4- .في «ب» : «القرآن» .
5- .في «ب» : «فكان» .
6- .الكافي، ج 1، ص 188، ح 15. وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 462، ح 497.

ص: 13

قوماً ، فقلت لهم: إنّ اللَّه...» الحديث.(1)والمعنى على قراءة (يُعرفون) على غير المعلوم : أنّ اللَّه عزّ شأنه أجلّ وأكرم من أن يُعرف - كما يرضى - بأفكار خلقه ، بلا توسّط مخبرٍ معصوم ، ممتازٍ حسباً ونسباً ، عاقلٍ عنه تعالى، بل خلقُه يَعرِفون أنّهم مخلوقون بظهور علاماتِ الصنع المحكم فيهم من صانعهم العظيم ، وآثار التدبير المتقن لهم من مدبّرهم الحكيم . وحقٌّ أنّ معرفته بما يحبّ ويرضى نظريّة لا تحصل لأحد إلّا بتوسّط الوحي منه والعقل عنه تعالى، وأنّ معرفة الخلق على أنّهم مخلوقون ضروريّة بما عرفت.وعلى قراءة (يَعرفون) على المعلوم : أنّهم يعرفونه بتوسّط الوحي بلطفه والعقل عنه بفضله.و«السخط» كالسَّحَر والصُبح : خلاف الرِّضا.وبيان مراد القائل المظهر تصديقه ما سمع عن المعصوم من المعرفة المذكورة - على ما مرّ في كتاب التوحيد - أنّه ينبغي أن يعرف أنّ الربّ لا يكون متّصفاً إلّا بصفات الكمال ، كالحكمة البالغة وإرادة الخير دون الشرّ ، فإنّ إرادة الشرّ القبيح من صفات النقص ، فيجب عليه اللطف بعباده، ولا يتحقّق إلّا بالأمر بالخير والنهي عن الشرّ ، وهما يوجبان الرضا بالإطاعة والسخط على العصيان ، ولا يعرف أمره ونهيه إلّا بوحيٍ أو رسولٍ للناس، أي العامّة .(عرف أنّهم الحجّة)؛ أي بحجّة الدلالات الظاهرة، ودلالة المعجزات الباهرة.وقال الفاضل الأسترآبادي رحمة اللَّه عليه:«مِن أَن يُعرَف بخَلقه» يعني مِن أن يُتصوّر من باب التشبيه بخلقه ، كأن يقال: هو مِثل ضوء الشمس أو مِثل النور، بل الخلق يَعرفون الماهيّات الممكنة بسبب اللَّه تعالى ، أي بسبب خلقه لهم، أو بسبب فيضان المعاني من اللَّه على نفوسهم ، فَهُم يَعرفون اللَّه باللَّه ؛ لأنّه لولا ألهمهم اللَّه بنفسه وبنعته لما عرفوه (2). انتهى.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 86، ح 3. وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 215، ح 231.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .

ص: 14

وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه: «المعنى في هذا الحديث كما سبق في كتاب التوحيد»(1) من قوله:«اعرفوا اللَّه باللَّه» يعني بأنّه هو اللَّه مسلوباً عنه جميع ما يُعرف الخلق به ، من الأجسام والأرواح والأعيان والألوان والأنوار، وبالجملة من الجواهر والأعراض ومشابهةِ شي ء منها أو مماثلته، فهو اللَّه معروفاً بسلب المشابهة والمماثلة للمخلوقات .(2)وهذا هو الذي ذكره ثقة الإسلام هناك بقوله: «ومعنى قوله عليه السلام: «اعرفوا اللَّه باللَّه» يعني أنّ اللَّه تعالى خلق الأشخاص والأنوار» إلى آخره (3). وقد سبق ذكر الأقوال في معناه مفصّلاً .في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «أليس تزعمون» مكان «تعلمون».(قالوا القرآن). مشهور أنّ الثاني قد قال عند طلبه صلى اللَّه عليه وآله حين حانت الرحلة الدواة والقلم: حَسْبنا كتاب اللَّه وهو فينا.و(المُرجئ) بالهمز ، على اسم الفاعل من الإفعال . والإرجاء : التأخير وإعطاء الرجاء أيضاً كالترجية. ويُقال : المُرجيّة بتشديد الخاتمة ؛ لتجويزهم أرجيت مكان أرجأت، كتوضّيت مكان توضّأت، فالرجل مُرجِئٌ كمُرجِع، أو بالتشديد؛ أو مُرْجٍ كمُعْطٍ ، والقوم مُرجئة كمُرجعة، أو مُرجيّة بالتشديد ، فإحداهما للنسبة كما صرّح به الجوهري أيضاً.(4)والمشهور في وجه التسمية: تأخيرُهم الإمامةَ الحقّةَ عن الخلافة الباطلة. وقيل: تأخيرهم العملَ عن الإيمان، أو العذابَ عن العاصي ؛ فإنّ اعتقادهم أنّ الإيمان الذي هو سبب النجاة إنّما هو مجرّد التصديق بجميع ما جاء به النبيّ عليه السلام ، وأنّ أفسق الفسّاق من المسلمين شريك - مثل جبرئيل وميكائيل - في حقيقة الإيمان الباعث للنجاة؛ لأنّ هذا التصديق لا يختلف بالشدّة والضعف.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 524 .
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 281 .
3- .الكافي ، ج 1 ، ص 85 . وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 213.
4- .الصحاح ، ج 1 ، ص 52 (رجأ) .

ص: 15

وقيل: بل وجه التسمية رجاؤهم النجاةَ بدون العمل أو ترجيتُهم الفسّاقَ.وأمّا القدريّة ، فقالت الأشاعرة وكثيرون : هم المعتزلة ؛ لإنكارهم كون أفعالِ العباد تحت مشيئة اللَّه وقَدَرِه ، بقولهم إنّها بمجرّد مشيّتهم وقدرهم بالاستطاعة التامّة.قال الفاضل الأسترآبادي: قوله: «المرجئ والقدري» دلالة على أنّ القدريّ هو المعتزلي (1) ؛ لأنّ المرجئة طائفة من الأشاعرة.وقالت المعتزلة: بل هم الأشاعرة ؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَرِه تعالى من دون اختيارهم فيها أصلاً.والأصحّ أنّهم الصوفيّة ، إمّا لتضييقهم على أنفسهم برياضات شاقّة مخالفة لشرع العدل الحكيم سبحانه ؛ فمن القدر بمعنى الضيق ، ومنه «ليلة القدر» لتضيّق الأمكنة بنزول الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم إلى حضرة إمام الزمان، وقال اللَّه تعالى: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(2)، وقال سبحانه: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»(3)، فسّر بعلم أن لن نضيّق عليه رزقه، وإمّا لإثباتهم القَدَرَ المعلومَ للَّه سبحانه - باعتقادهم - ثبوتَ الأقدار المتفاوتة له تعالى في مراتب طريقَيِ النزول والصعود، ومنازل سلسلتَيِ البدو والعود، ومجالَيِ التشكّلات والأطوار في مجاري الشؤون بالأدوار.ولقولهم (4) - كالمجوس - بتعدّد الظلمة في وحدة النور، وتعدّد النور في وحدة الظلمة. قال صلى اللَّه عليه وآله: «القدريّة مجوس هذه الاُمّة».(5)

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .
2- .الرعد (13) : 26.
3- .الأنبياء (21) : 87.
4- .أي الصوفية.
5- .جامع الأخبار، ص 161؛ عوالى اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 410، ح 4691؛ المستدرك للحاكم النيشابوري، ج 1، ص 85؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 10، ص 207. وفي التوحيد، ص 382، ح 29 عن أبي عبد اللَّه عليه السلام. وفي تفسير القمّي، ج 1، ص 226، عن أبي جعفر عليه السلام. وفي ثواب الأعمال، ص 213 عن عليّ عليه السلام .

ص: 16

أو لقولهم - كالمجوس - بجواز نكاح ذوات المحارم ، كما نطق به ذلك الرومي في الدفتر الخامس من كتابه : إنّ المأمورات والمنهيّات الشرعيّة بمنزلة الدواء للمريض ، ويصل السالك المرتاض إلى مرتبة يكون فيها بصفاء باطنه غير محتاج إلى تلك الأدوية باستخلاصه من الأمراض النفسانيّة ، فهو فيها مطلق من قيد العبادة والمأمورات والمنهيّات كنكاح البنات والأخوات والاُمّهات.(1)(حتّى يغلب) بالرفع . و«حتّى» تكون جارّة بمنزلة «إلى» الانتهاء، وتكون بمعنى «إلّا» في الاستثناء، وتكون عاطفة بمنزلة الواو ، وتكون حرف ابتداء يستأنف بها الكلام، فإن أدخلتها على المستقبل نصبته بإضمار «أن» ، تقول: سرتُ إلى الكوفة حتّى أدخلها . فإن كنت في حال دخولٍ رفعت ، وقرئ: «وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ»(2)بالرفع ، فمَن نَصَبه جَعَلَه غايةً ، ومَن رَفَع جَعَلَه حالاً ، بمعنى : حتّى الرسول هذه حاله .(إلّا بَقَيِّمٍ) دلالة على أنّ عِلْم القرآن - على ما صنعه تعالى - متضمّناً كلّ رطبٍ ويابس ، منحصراً علمُه بأجمعه في شأن صانعه سبحانه ، لا يحصل لأحدٍ إلّا لمن اُوحي إليه منه سبحانه ، بنَكْتٍ في قلبه أو نَقْرٍ في سمعه ، معصوم مرسل، أو محدّث مكمّل ، وأنّ مفرداته وإن كانت متكرّرة - كالألفات - وكذا مركّباته وآيه متضمّنةٌ كلّ واحد منها بخصوصه في موضعه سبعين معنى من القصص والأحكام والإخبار عن المغيّبات حتّى يتضمّن بألفاظه القدر الذي ترى جميع الرطب واليابس.وقد روى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن أبي جمعة رحمة بن صدقة قال: أتى رجل من بني اُميّة - وكان زنديقاً - جعفر بن محمّد عليه السلام فقال: قول اللَّه في كتابه: «المص»(3) أيّ شي ءٍ أراد بهذا؟ وأيّ شي ء فيه من الحلال والحرام؟ وأيّ شي ء فيه ممّا ينتفع به الناس؟ قال: فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمّد عليه السلام فقال: «امسك ويحك! الألف

.


1- .نقل بالمعنى غير مطابق لما في المثنوي في اللفظ والمراد. راجع: مثنوى معنوى، ديباجة الدفتر الخامس، ص 726.
2- .البقرة (2): 214.
3- .الأعراف (7): 1.

ص: 17

واحد ، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون ، كم معك؟» فقال الرجل: أحد وستّون (1) ومائة. فقال له جعفر بن محمّد عليه السلام: «إذا انقضت سنة إحدى وستّين (2) ومائة انقضى ملك أصحابك» . قال: فنظرنا فلمّا انقضت سنة إحدى وستّين (3)ومائة يوم عاشوراء دخل المسودّة(4) الكوفة وذهب ملكهم».(5)وذكر في كتاب التواريخ أنّ الأخير من طواغيت بني اُميّة ، وهو مروان الحمار.و(القَيّم) كسَيّد : المعدّل في الأمر . وقِوامه بالكسر ، وهو من القَوام - بالفتح - بمعنى العدل، قال اللَّه تعالى: «وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً»(6). والتأنيث في قوله تعالى: «وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ»(7) بإرادة الملّة الحنيفيّة أو المبالغة أو النقل. وقِوام الأمر بالكسر : نظامه وعماده، يُقال: فلان قِوام أهل بيته وقيام أهل بيته ، وهو الذي يقيم شأنهم. ومنه قوله تعالى: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً»8.

.


1- .في المصدر : «وثلاثون» بدل «وستّون» .
2- .في المصدر : «وثلاثين» بدل «وستّين» .
3- .أي أصحاب الدعوة العبّاسيّة ، و سمّوا بها لأنّهم كانوا يلبسون ثياباً سوداً .
4- .معاني الأخبار ، ص 28 ، ح 28 ؛ و عنه في البحار ، ج 10 ، ص 164 ، ح 1 . وقال المجلسي في بيان هذا الخبر: «هذا الخبر لايستقيم إذا حمل على مدّة ملكهم لعنهم اللَّه ؛ لأنّه كان ألف شهر ، ولا على تأريخ الهجرة مع بعد ابتنائه عليه لتأخّر حدوث هذا التاريخ عن زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله ، ولا على تأريخ عام الفيل ؛ لأنّه يزيد على أحد و ستّين و مائة ، مع أنّ أكثر نسخ الكتاب أحد وثلاثون و مائة ، و هو لايوافق عدد الحروف . و قد أشكل عليّ حلّ هذا الخبر زماناً حتّى عثرت على اختلاف ترتيب الأباجد في كتاب عيون الحساب ، فوجدت فيه أنّ ترتيب «أبجد» عند المغاربة هكذا : أبجد ، هوّز ، حطّي ، كلمن ، صعفض ، فرست ، ثخذ ، ظغش ؛ فالصاد المهملة عندهم ستون ، والضاد المعجمة تسعون ، والسين المهملة ثلاثمائة ... فحينئذ يستقيم ما في أكثر النسخ من عدد المجموع ، ولعلّ الاشتباه في قوله : «والصاد تسعون» من النسّاخ لظنّهم أنّه مبنيّ على المشهور ، وحينئذٍ يستقيم إذا بني على البعثة ، أو على نزول الآية» .
5- .الفرقان (25): 67.
6- .البيّنة (98): 5.
7- .النساء (4): 5.

ص: 18

الحديث الثالث 1183.امام على عليه السلام ( _ در خطبه اى كه طى آن از آل محمّد صلى الله عليه و ) روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (1)، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ:

كَانَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ وَ مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ وَ هِشَامُ بْنُ سَالِمٍ وَ الطَّيَّارُ ، وَجَمَاعَةٌ فِيهِمْ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ هُوَ شَابٌّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا هِشَامُ، أَ لَا تُخْبِرُنِي كَيْفَ صَنَعْتَ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ؟ وَ كَيْفَ سَأَلْتَهُ؟» قَالَ (2) هِشَامٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنِّي أُجِلُّكَ وَ أَسْتَحْيِيكَ، وَ لَا يَعْمَلُ لِسَانِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ ءٍ، فَافْعَلُوا».

قَالَ هِشَامٌ: بَلَغَنِي مَا كَانَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَ جُلُوسُهُ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، فَعَظُمَ ذلِكَ عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَ دَخَلْتُ الْبَصْرَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِحَلْقَةٍ كَبِيرَةٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَ عَلَيْهِ شَمْلَةٌ سَوْدَاءُ مُتَّزِرٌ(3) بِهَا مِنْ صُوفٍ، وَ شَمْلَةٌ مُرْتَدِياً بِهَا وَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَاسْتَفْرَجْتُ النَّاسَ، فَأَفْرَجُوا لِي ثُمَّ قَعَدْتُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ عَلى رُكْبَتَيَّ.

ثُمَّ قُلْتُ: أَيُّهَا الْعَالِمُ، إِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ أتَأْذَنُ (4) لِي فِي مَسْأَلَةٍ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ شَيْ ءٍ هذَا مِنَ السُّؤَالِ؟ وَ شَيْ ءٌ تَرَاهُ كَيْفَ تَسْأَلُ عَنْهُ؟! فَقُلْتُ: هكَذَا مَسْأَلَتِي، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، سَلْ وَ إِنْ كَانَتْ مَسْأَلَتُكَ حَمْقَاءَ، قُلْتُ: أَجِبْنِي فِيهَا، قَالَ (5): سَلْ.

قُلْتُ: أَ لَكَ عَيْنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَرى بِهَا الْأَلْوَانَ وَ الْأَشْخَاصَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أَنْفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَشَمُّ بِهِ الرَّائِحَةَ.

قُلْتُ: أَ لَكَ فَمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَذُوقُ بِهِ الطَّعْمَ.

قُلْتُ: فَلَكَ أُذُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَسْمَعُ بِهَا الصَّوْتَ. .


1- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».
2- .في الكافي المطبوع : «فقال» .
3- .في الكافي المطبوع : «متّزراً» .
4- .في «الف» والكافي المطبوع : «تأذن» بدون همزة الاستفهام .
5- .في الكافي المطبوع : + «لي» .

ص: 19

1183.امام على عليه السلام ( _ در خطبه اى كه طى آن از آل محمّد صلى الله عليه و ) قُلْتُ: أَ لَكَ قَلْبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أُمَيِّزُ بِهِ كُلَّ مَا وَرَدَ عَلى هذِهِ الْجَوَارِحِ وَ الْحَوَاسِّ.

قُلْتُ: أَ وَ لَيْسَ فِي هذِهِ الْجَوَارِحِ غِنًى عَنِ الْقَلْبِ؟ فَقَالَ: لَا.

قُلْتُ: وَ كَيْفَ ذلِكَ وَ هِيَ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ؟! قَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ الْجَوَارِحَ إِذَا شَكَّتْ فِي شَيْ ءٍ شَمَّتْهُ أَوْ رَأَتْهُ أَوْ ذَاقَتْهُ أَوْ سَمِعَتْهُ، رَدَّتْهُ إِلَى الْقَلْبِ فَيَسْتَيْقِنُ (1) الْيَقِينَ، وَ يُبْطِلُ (2) الشَّكَ.

قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّمَا أَقَامَ اللَّهُ الْقَلْبَ لِشَكِّ الْجَوَارِحِ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: لَا بُدَّ مِنَ الْقَلْبِ، وَ إِلَّا لَمْ تَسْتَيْقِنِ الْجَوَارِحُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ، فَاللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ حَتّى جَعَلَ لَهَا إِمَاماً يُصَحِّحُ لَهَا الصَّحِيحَ، وَ تَتَيَقَّنُ (3) بِهِ مَا شَكَّتْ فِيهِ، وَ يَتْرُكُ هذَا الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِي حَيْرَتِهِمْ وَ شَكِّهِمْ وَ اخْتِلَافِهِمْ ، لَا يُقِيمُ لَهُمْ إِمَاماً يَرُدُّونَ إِلَيْهِ شَكَّهُمْ وَ حَيْرَتَهُمْ، وَ يُقِيمُ لَكَ إِمَاماً لِجَوَارِحِكَ تَرُدُّ إِلَيْهِ حَيْرَتَكَ وَ شَكَّكَ؟

قَالَ: فَسَكَتَ، وَ لَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ لِي (4): أَنْتَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ (5): أَ مِنْ جُلَسَائِهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: فَأَنْتَ إِذاً(6) هُوَ، ثُمَّ ضَمَّنِي إِلَيْهِ، وَ أَقْعَدَنِي فِي مَجْلِسِهِ، وَ زَالَ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَ مَا نَطَقَ حَتّى قُمْتُ.

قَالَ: فَضَحِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ: «يَا هِشَامُ، مَنْ عَلَّمَكَ هذَا؟» قُلْتُ: شَيْ ءٌ أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَ أَلَّفْتُهُ، فَقَالَ : «هذَا - وَاللَّهِ - مَكْتُوبٌ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسى».هديّة:(حُمران) بالضمّ كنعمان، و(عَمرو بن عُبَيد) البصري من المعتزلة.

.


1- .في الكافي المطبوع : «فتستيقن» .
2- .في الكافي المطبوع : «وتبطل» .
3- .في «الف» : «ويتيقّن».
4- .في «د» : - «لي» .
5- .في «د» : «فقال» .
6- .في «ألف» : «فإذن أنت» .

ص: 20

(واستحيك)(1) بياء واحدة وأصله بيائين ، من الاستحياء من الحياء، وقرئ بهما قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِى أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا»(2). قال الجوهري: أي لا يستبقي. وقال:يُقال: «استَحَيْتُ» بياء واحدة، وأصله: «استَحْيَيْتُ» فأَعَلّوا الياء الاُولى وألقَوا حركتها على الحاء، [فقالوا : استَحَيْتُ كما قالوا اسْتَعَيْتُ (3)استثقالاً لما دخلت عليه الزوائد. وقال سيبويه: حُذِفَت إحدى اليائين لالتقاء الساكنين ؛ لأنّ الاُولى تقلب أَلِفاً لتحرّكها. قال: وإنّما فعَلوا ذلك حيث كَثُرَ في كلامهم. وقال المازنيّ: لم تُحذف لالتقاء الساكنين ؛ لأنّها لو حذفت لذلك لرَدُّوها إذا قالوا هو يَسْتَحِي ، ولقالوا يَسْتَحِيّ كما قالوا يستبيع. وقال الأخفش: استَحَى بياء واحدة لغة تميم ، وبيائين لغة أهل الحجاز، وهو الأصل؛ لأنّ ما كان موضع لامه معتلّاً لم يُعلّوا عينه، ألَا ترى أنّهم قالوا: أَحْيَيْتُ وحَوَيْتُ ، ويقولون: قلت وبعت، فيُعِلُّون العين لِمَا لم يعتلّ اللام ، وإنّما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة ، كما قالوا : لا أَدْرِ في لا أدري.(4)و«الشملة» كساء يشمل به دون القطيفة.(فأَفِرجوا لي) على الإفعال ، أي انكشفوا، فالهمزة للصيرورة، يُقال: فَرَجَ اللَّه غمَّك ، كضرب ، وشدّد للمبالغة ، ولذا يستعمل كثيراً أو دائماً - كما قيل - في الدعاء بالتشديد. الجوهري :أفرج الناس عن طريقه : انكشفوا. وفي الحديث: «لا يُترَك في الإسلام مُفَرجٌ». وقرأ الأصمعي : «مُفْرَحٌ» بالحاء المهملة وأنكر قولهم : «مُفْرَجٌ» بالجيم، وقال: هو الذي قد أثقله الدَّين، يقول: يُقْضَى عنه الدَّين من بيت المال ولا يُترَك مَدِيناً. وقال أبو عبيدة: سمعت محمّد بن الحسن يقول: هو يروى بالحاء والجيم، قال: فمن قال : «مُفْرَجٌ» بالجيم ، فهو القتيل يوجد بأرضٍ فلاةٍ ، لا يكون عنده قرية ، فإنّه يُودّى من بيت المال.(5)

.


1- .في الكافي المطبوع : «وأستحييك» .
2- .البقرة (2): 26.
3- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
4- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2323 (حيا) .
5- .الصحاح ، ج 1 ، ص 334 (فرج) .

ص: 21

ومن قال: «مُفْرَحٌ» بالحاء ، فمِن أفرحه الدَّين : أثقله.قال الزهري:كان في الكتاب الذي كتبه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بين المهاجرين والأنصار أن لا يَترُكوا مُفْرَجاً(1) حتّى يَعيِنُوه على ما كان من عَقْل أو فِداء.(2)في بعض النسخ : «أتأذن لي» بإظهار همزة الاستفهام.و(الحمقاء) تأنيث الأحمق على تجوّز في النسبة ، كنهاره صائم وليله قائم.وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى : «حُمْقاً» بالضمّ والتنوين ، وهو خلاف العقل ، فمفعول له، أي من جهة الحماقة، ثمّ احتمل التأنيث.(فيستيقن اليقين) يُحتمَل الغيبة والخطاب، ف «اليقين» فاعل ، أي فيقوى، أو مفعول ، أي تَحْكُم قطعاً بتحقّقه ، وكذا.(وتبطل الشكّ) فكنصر أو أكرم. قيل: الظاهر أنّ أبا مروان شتم ، إمّا لمروان أو أبيه الحكم ، وهو من أسماء الشيطان.وقال برهان الفضلاء - كالأكثرين - : أبو مروان كنية عَمْرو بن عُبَيد البصري.وحاصل الاحتجاج : أنّ من ضروريّات الدِّين - وفاقاً من أهل الإسلام - الإيمانَ باليوم الآخر لجزاء الأعمال، ولذا لم يشذّ في القرآن في مواضع كثيرة قوله: «وَ الْيَوْمِ الْأَخِرِ» عن مثل قوله: «مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ»(3)و«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»(4) فلو كان لابدّ من إمامة القلب - وشأنه الإدراكات التصوّريّة والتصديقيّة - للجوارح - وشأنها الإدراكاتُ التصوّريّة دون اليقينيّة - لصلاح حياة الدنيا الفانية، من دون احتياجِ الخلق إلى إمامٍ معصومٍ مفترضِ الطاعة - لأفضليّته حسباً ونسباً كالأنبياء والأوصياء سيّما أئمّتنا عليهم السلام ،

.


1- .في «الف» : «مفرحاه» . و في المصدر : «مفرحاً» .
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 392 (فرح) .
3- .البقرة (2) : 62 و 177؛ المائدة (5): 69؛ التوبة (9) : 18 .
4- .التوبة (9) : 44 . وراجع أيضاً: آل عمران (3): 114؛ المجادلة (58): 22.

ص: 22

وفاقاً من المؤالف والمخالف - لصلاح حياة الآخرة الباقية، فأقبحُ وجهٍ من وجوهِ مزيّةِ الفرع على الأصل في مثل هذا النظام العظيم من مدبّره العدل الحكيم تعالى شأنه؛ قال اللَّه تعالى في سورة الأعلى: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»(1)، وفي سورة والنجم: «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ»(2)، وهذا المضمون كثير في القرآن .فإن قال قائل (3): إنّ الإنسانَ الكامل ذات جوهريّة نورانيّة قائمة بذاتها فاعلة للخير والهداية، فقل لمن يصحّحه بالهذيان : هل الإمامُ المعصوم العاقلُ عن اللَّه سبحانه - بعد إبطاله دعوى فرعون - صحّح دعوى البسطامي والحلّاج والرومي وأمثالهم من الصوفيّة القدريّة، أم أبطل وحَكَم بكفرهم وأمر بقتلهم وأخبر بتخليدهم في النار؟ فإن قال بالأوّل فقل : عليك ما على الثاني، وإن قال بالثاني فقل : عليك ما على الأوّل. ومن توقيعات صاحب الزمان عليه السلام كما ذكره المفيد في حديقة الحدائق ومولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة: «إنّ الحلّاج المصلوب بفتوى الشافعيّة كان مردوداً مطروداً ملعوناً أزلاً وأبداً».(4)وتقرير الإمام عليه السلام عند قول الهشام : (شي ء أخذته منك وألّفته) دلالة على جواز نقل الحديث بالمعنى بأيّ تأليف صحيح كان.(قال: فضحك أبو عبداللَّه عليه السلام) يعني : قال هشام عند نقله هذه الحكاية في مجلس آخر.

.


1- .الأعلى (87): 16 - 19.
2- .النجم (53): 29 - 30.
3- .في «ألف»: «فإن كنت متذكّراً لقول بعض المعاصرين في كتابه من بياناته المحكيّة هنا في أواخر كتاب التوحيد» بدل «فإن قال قائل». والقائل هو العلّامة الكاشاني في الوافي، ج 1، ص 563، ذيل ح 472.
4- .لم نعثر على ترجمة العبارة في المصدر، نعم فيه تعابير شتّى في حقّ الحلّاج، مثل: ساحر، كافر. راجع: حديقة الشيعة، ص 570 و 575 و 594.

ص: 23

الحديث الرابع 1177.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (1)، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ:

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَوَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ صَاحِبُ كَلَامٍ وَ فِقْهٍ وَ فَرَائِضَ، وَ قَدْ جِئْتُ لِمُنَاظَرَةِ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «كَلَامُكَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَوْ مِنْ عِنْدِكَ؟» فَقَالَ: مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام وَ مِنْ عِنْدِي، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «فَأَنْتَ إِذاً شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله؟» قَالَ : لَا، قَالَ : «فَسَمِعْتَ الْوَحْيَ عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - يُخْبِرُكَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَتَجِبُ طَاعَتُكَ كَمَا تَجِبُ طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله؟» قَالَ: لَا.

فَالْتَفَتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِلَيَّ، فَقَالَ: «يَا يُونُسَ بْنَ يَعْقُوبَ، هذَا قَدْ خَصَمَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ». ثُمَّ قَالَ: «يَا يُونُسُ، لَوْ كُنْتَ تُحْسِنُ الْكَلَامَ كَلَّمْتَهُ». قَالَ يُونُسُ: فَيَا لَهَا مِنْ حَسْرَةٍ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي سَمِعْتُكَ تَنْهى عَنِ الْكَلَامِ، وَ تَقُولُ: وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْكَلَامِ؛ يَقُولُونَ: هذَا يَنْقَادُ وَ هذَا لَا يَنْقَادُ، وَ هذَا يَنْسَاقُ وَ هذَا لَا يَنْسَاقُ، وَ هذَا نَعْقِلُهُ وَ هذَا لَا نَعْقِلُهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّمَا قُلْتُ: فَوَيْلٌ لَهُمْ إِنْ تَرَكُوا مَا أَقُولُ، وَ ذَهَبُوا إِلى مَا يُرِيدُونَ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «اخْرُجْ إِلَى الْبَابِ، فَانْظُرْ مَنْ تَرى مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَأَدْخِلْهُ». قَالَ: فَأَدْخَلْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ وَكَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ الْأَحْوَلَ وَ كَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَكَانَ يُحْسِنُ الْكَلَامَ ، وَأَدْخَلْتُ قَيْساً الْمَاصِرَ وَكَانَ عِنْدِي أَحْسَنَهُمْ كَلَاماً، وَ كَانَ قَدْ تَعَلَّمَ الْكَلَامَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام .

فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِنَا الْمَجْلِسُ - وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَبْلَ الْحَجِّ يَسْتَقِرُّ أَيَّاماً فِي جَبَلٍ فِي طَرَفِ الْحَرَمِ فِي فَازَةٍ لَهُ مَضْرُوبَةٍ - قَالَ: فَأَخْرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام رَأْسَهُ مِنْ فَازَتِهِ، فَإِذَا هُوَ بِبَعِيرٍ يَخُبُّ، فَقَالَ: «هِشَامٌ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ». قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّ هِشَاماً رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ عَقِيلٍ كَانَ شَدِيدَ الْمَحَبَّةِ لَهُ ، قَالَ: فَوَرَدَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَوَّلَ مَا اخْتَطَّتْ لِحْيَتُهُ، وَ لَيْسَ فِينَا إِلَّا مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنّاً مِنْهُ، قَالَ : فَوَسَّعَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ قَالَ: «نَاصِرُنَا بِقَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ». .


1- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».

ص: 24

1177.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :ثُمَّ قَالَ: «يَا حُمْرَانُ، كَلِّمِ الرَّجُلَ». فَكَلَّمَهُ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ حُمْرَانُ.

ثُمَّ قَالَ: «يَا طَاقِيُّ، كَلِّمْهُ». فَكَلَّمَهُ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْأَحْوَلُ.

ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامَ بْن سَالِمٍ، كَلِّمْهُ». فَتَعَارَكَا.(1)

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لِقَيْسٍ الْمَاصِرِ : «كَلِّمْهُ». فَكَلَّمَهُ، فَأَقْبَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَضْحَكُ مِنْ كَلَامِهِمَا مِمَّا قَدْ أَصَابَ الشَّامِيَّ، فَقَالَ لِلشَّامِيِّ: «كَلِّمْ هذَا الْغُلَامَ» يَعْنِي هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِهِشَامٍ: يَا غُلَامُ ، سَلْنِي فِي إِمَامَةِ هذَا، فَغَضِبَ هِشَامٌ حَتَّى ارْتَعَدَ، ثُمَّ قَالَ لِلشَّامِيِّ: يَا هذَا، أَرَبُّكَ أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ أَمْ خَلْقُهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟ فَقَالَ الشَّامِيُّ: بَلْ رَبِّي أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ، قَالَ: فَفَعَلَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ مَا ذَا؟ قَالَ: أَقَامَ لَهُمْ حُجَّةً وَ دَلِيلًا كَيْلَا يَتَشَتَّتُوا، أَوْ يَخْتَلِفُوا، يَتَأَلَّفُهُمْ، وَ يُقِيمُ أَوَدَهُمْ، وَ يُخْبِرُهُمْ بِفَرْضِ رَبِّهِمْ، قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، قَالَ هِشَامٌ: فَبَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَنْ؟ قَالَ: الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ، قَالَ هِشَامٌ: فَهَلْ نَفَعَنَا الْيَوْمَ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ فِي رَفْعِ الِاخْتِلَافِ عَنَّا؟ قَالَ الشَّامِيُّ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ اخْتَلَفْتُ (2) أَنَا وَ أَنْتَ، وَ صِرْتَ إِلَيْنَا مِنَ الشَّامِ فِي مُخَالَفَتِنَا إِيَّاكَ؟

قَالَ: فَسَكَتَ الشَّامِيُّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لِلشَّامِيِّ: «مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟» قَالَ الشَّامِيُّ: إِنْ قُلْتُ : لَمْ نَخْتَلِفْ ، كَذَبْتُ؛ وَإِنْ قُلْتُ: إِنَّ الْكِتَابَ وَ السُّنَّةَ يَرْفَعَانِ عَنَّا الِاخْتِلَافَ، أَبْطَلْتُ؛ لِأَنَّهُمَا يَحْتَمِلَانِ الْوُجُوهَ؛ وَ إِنْ قُلْتُ: قَدِ اخْتَلَفْتُ (3) وَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَدَّعِي الْحَقَّ، فَلَمْ يَنْفَعْنَا إِذَنِ الْكِتَابُ وَ السُّنَّةُ إِلَّا أَنَّ لِي عَلَيْهِ هذِهِ الْحُجَّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «سَلْهُ تَجِدْهُ مَلِيّاً».

فَقَالَ الشَّامِيُّ: يَا هذَا، مَنْ أَنْظَرُ لِلْخَلْقِ؟ أَ رَبُّهُمْ أَوْ أَنْفُسُهُمْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: رَبُّهُمْ أَنْظَرُ لَهُمْ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: فَهَلْ أَقَامَ لَهُمْ مَنْ يَجْمَعُ لَهُمْ كَلِمَتَهُمْ، وَ يُقِيمُ أَوَدَهُمْ، وَ يُخْبِرُهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ بَاطِلِهِمْ؟ قَالَ هِشَامٌ : فِي وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَوِ السَّاعَةِ؟ قَالَ الشَّامِيُّ: فِي وَقْتِ رَسُولِ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ السَّاعَةِ مَنْ؟ فَقَالَ هِشَامٌ: هذَا الْقَاعِدُ الَّذِي تُشَدُّ إِلَيْهِ الرِّحَالُ، وَ .


1- .في الكافي المطبوع : «فتعارفَا» .
2- .في الكافي المطبوع: «اختلفنا».
3- .في الكافي المطبوع : «اختلفنا» .

ص: 25

1177.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :يُخْبِرُنَا بِأَخْبَارِ السَّمَاءِ(1) وِرَاثَةً عَنْ أَبٍ عَنْ جَدٍّ.

قَالَ الشَّامِيُّ: فَكَيْفَ لِي أَنْ أَعْلَمَ ذلِكَ؟ قَالَ هِشَامٌ: سَلْهُ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ الشَّامِيُّ: قَطَعْتَ عُذْرِي فَعَلَيَّ السُّؤَالُ.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا شَامِيُّ، أُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ سَفَرُكَ، وَ كَيْفَ كَانَ طَرِيقُكَ، كَانَ كَذَا وَ كاَنَ كَذَا».

فَأَقْبَلَ الشَّامِيُّ يَقُولُ: صَدَقْتَ، أَسْلَمْتُ لِلَّهِ السَّاعَةَ .

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «بَلْ آمَنْتَ بِاللَّهِ السَّاعَةَ؛ إِنَّ الْإِسْلَامَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، وَ عَلَيْهِ يَتَوَارَثُونَ وَ يَتَنَاكَحُونَ ، وَ الْإِيمَانُ عَلَيْهِ يُثَابُونَ» . فَقَالَ الشَّامِيُّ: صَدَقْتَ، فَأَنَا السَّاعَةَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَ أَنَّكَ وَصِيُّ الْأَوْصِيَاءِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِلى حُمْرَانَ، فَقَالَ: «تُجْرِي الْكَلَامَ عَلَى الْأَثَرِ فَتُصِيبُ».

وَ الْتَفَتَ إِلى هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، فَقَالَ: «تُرِيدُ الْأَثَرَ وَ لَا تَعْرِفُهُ».

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْأَحْوَلِ ، فَقَالَ: «قَيَّاسٌ رَوَّاغٌ ، تَكْسِرُ بَاطِلاً بِبَاطِلٍ ، إِلَّا أَنَّ بَاطِلَكَ أَظْهَرُ».

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى قَيْسٍ الْمَاصِرِ، فَقَالَ: «تَتَكَلَّمُ، وَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنْهُ، تَمْزُجُ الْحَقَّ مَعَ الْبَاطِلِ، وَ قَلِيلُ الْحَقِّ يَكْفِي عَنْ كَثِيرِ الْبَاطِلِ، أَنْتَ وَ الْأَحْوَلُ قَفَّازَانِ حَاذِقَانِ».

قَالَ يُونُسُ: فَظَنَنْتُ - وَ اللَّهِ - أَنَّهُ يَقُولُ لِهِشَامٍ قَرِيباً مِمَّا قَالَ لَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: «يَا هِشَامُ، لَا تَكَادُ تَقَعُ، تَلْوِي رِجْلَيْكَ إِذَا هَمَمْتَ بِالْأَرْضِ طِرْتَ، مِثْلُكَ فَلْيُكَلِّمِ النَّاسَ، فَاتَّقِ الزَّلَّةَ، وَ الشَّفَاعَةُ مِنْ وَرَائِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ».هديّة:كان تسمّى في عرف السلف مسائل اُصول الدِّين ب «الكلام» ومسائل اُصول الفقه ب «الفقه» ومسائل فروعه ب «الفرائض» ثمّ تعارف الكلام في العلم الباحث عن أحوال

.


1- .في الكافي المطبوع : + «والأرض».

ص: 26

المبدأ والمعاد على قانون الإسلام، وهو بيان لمصطلح السلف ، والفقه في فروعه ، والفرائض في المواريث.(كلامُك) أي تكلّمُك في اُصول الدِّين واُصول الفقه وفروعه والدِّين وما ينتمي إليه منتمٍ إلى الكتاب وسنّة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من دون اشتراك غيره فيها، أو علمك الذي حدّ بأنّه الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد على نهج قانون الإسلام ، المأخوذ عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من دون اشتراك غيره في تحديده وتعليمه ، والمضبوط بالكتاب وسنّة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لا بغيرهما.(لمناظرة أصحابك) أي في أمر الإمامة ، لقوله فيما بعد لهشام : «يا غلام ، سَلني في إمامة هذا» .(يخبرك) أي فتكون أنت أيضاً مخبراً بالوحي عن اللَّه تعالى كالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.وقرأ برهان الفضلاء : «يخيّرك» بالخاتمة مكان المفردة على التفعيل؛ أي في الحكم بالظنّ. قال: أو المعنى يفوّض إليك كما تجب طاعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؛ أي بحجّة المعجزة .(قد خصم نفسه). خَصَمه كضرب : ألزمه وغلب عليه.والمضبوط في النسخ المعتبرة: «قال: يا يونس» أي وقال أو ثمّ قال. وفي بعض النسخ كما في نسخة الفاضل الأسترآبادي : «قال يونس» بدون حرف النداء، فلابدّ من تقدير محذوف.وقال الفاضل الأسترآبادي بخطّه: الظاهر أنّ اللام سهو من القلم ، وأصل «قا» : «يا».(1)انتهى.(فَيا لها) توبيخٌ له بعدم إحسانه تعلّم علم الكلام . وحرف النداء للتعجّب أو التأسّف. والضمير مبهم لا مرجع له، يفسّره الحسرة .(هذا يَنقادُ) إلى قوله : (وهذا لا نَعقلُه) عبارة عن قول أهل المناظرة : هب، ولا نسلّم ، وهذا مطّرد ، وهذا شاذّ ، وهذا تقريب ، وهذا تعسّف.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ص 139 .

ص: 27

وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه:المراد بالانقياد إمكان الاستدلال لشي ء بسهولة، وبالانسياق إمكانه له بعسر ؛ إذ الانسياق مطاوع للسوق ، وهو لا يكون إلّا للصعب من الدواب ، كالانقياد للذلول.(إن تَركوا ما أقول) يعني قول المفترض الطاعة بحجّة العصمة في الكلام . وفيه مدحُ علمِ الكلام وتعلّمِه ، كما في قول يونس لقيس الماصر : إنّه تعلَّمَه من عليّ بن الحسين عليهما السلام .(مَن تَرى مِن المتكلّمين) أي من أصحابنا من الآخذين علم الكلام من المعصوم.و(الأحول) هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن النعمان ، مؤمن الطاق ، مولى بَجِيلَة ، من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام ، كان دكّانه في طاق المحامل بالكوفة ، وكان خيّراً فاضلاً ، كثيرَ العلم، حسنَ الخاطر، والمخالفون يسمّونه شيطان الطاق ؛ إمّا لكثرة مطايباته معهم في التصريح ببطلان مذاهبهم، أو لأنّه كان يرجع إليه في النقد ، فيخرج كما ينقد، وله حكايات مع أبي حنيفة :منها: أنّ أبا حنيفة قال له يوماً: يا أبا جعفر تقول بالرجعة في زمن المهدي كما يقول جعفر بن محمّد؟ فقال: نعم ، هو حجّة اللَّه كآبائه عليهم السلام وأنا مؤمن لا كافر ، مقرّ لا منكر. فقال له: أقرضْني من كيسك هذا مائةَ دينارٍ، فإذا عدت أنا وأنت رددتُها إليك. فقال له: اُريد ضميناً لي عنك أنّك تعود إنساناً ، فإنّي أخاف أَنْ تعودَ دبّاً أو خنزيراً أو قِرداً ، فلا أَتمكَّنُ من استرجاع ما أَخَذْتَ منّي.(1)ومنها: أنّ المؤمن كان يوماً مع ذلك الكافر في طريق، فسمعا منادياً ينادي: من رأى صبيّاً ضالّاً، فأخذ المؤمن بيد الكافر وقال بأعلى صوته: يا هذا ما رأينا صبيّاً ضالاًّ، فإن كنتَ تريد كهلاً ضالّاً فهو هذا.(2)ومنها: أنّ ذلك الكافر رأى المؤمن يوم رحلة الباقر عليه السلام فقال شماتة: إمامك قد مات،

.


1- .رجال الكشّي ، ص 326 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 381 ؛ و عنه في البحار ، ج 53 ، ص 107 .
2- .الاحتجاج ، ج 2 ، ص 381 ؛ و عنه في البحار ، ج 47 ، ص 396 .

ص: 28

فقال المؤمن: يموت الأنبياء والأئمّة، ولكن إمامك من المنظَرين إلى يوم الوقت المعلوم.(1)وله حكايات اُخر كما ذكره الكشّي والنجاشي وغيرهما.و«المَصْر» بالفتح وسكون المهملة : الحذاقة في حلب اللّبن وفي تعليم الفَرَس، ويُقال : «الماصر» لمطلق الحاذق.و«الفازة» بالزاي بعد الألف والفاء : الخيمة الصغيرة، أو خيمة لها عمودان.و«الخَبَب» محرّكة بالمعجمة والمفردتين : ضرب من العَدْو، أو عَدْو البعير، فلغيره على المجاز اللغوي . خَبّ الفرس ، كمدّ ، خَبّاً وخَبَباً وخَبِيباً : راوح بين يديه ورجليه ، وأخبّه : صاحبه.(أَوّل مَا اختَطَّتْ) أي أوّل زمان الاختطاط ، فإنّ المصدر قد يستعمل مكان الزمان ، كرأيته مجي ء الحاجّ.(فتعاركا) من التعارك ، وهو المجادلة، كالمعاركة. والمراد هنا تساويهما في ذلك من دون أن يَغلِب أحدهما على الآخر.وفي بعض النسخ : «فتعارقا» بالقاف ، أي عَرَقا معاً من كثرة المجادلة، أو ظهور العجز فيهما والخجالة.وفي بعض آخر : «فتفارقا» بالفاء والقاف ، أي من دون أن يَخصِم أحدُهما صاحبَه، أو سريعاً.وفي بعض آخر : «فتقارنا» بالقاف والراء المهملة والنون.وفي آخر : «فتعارفا» بالمهملتين والفاء. والأخيران متقاربان، فظهر تصحيف آخر.وضبط السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا : «فتعارفا» بالمهملتين والفاء، وقال:أي تكالما بما حصل به التعارفُ بينهما، ومعرفةُ كلّ واحدٍ بالآخر وبكلامه ، بلا غلبة لأحدهما على الآخر.(2)

.


1- .رجال الكشّي ، ص 186 ؛ الاحتجاج ، ج 2 ، ص 380 ؛ و عنه في البحار ، ج 47 ، ص 405 .
2- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 531.

ص: 29

واحتمل برهان الفضلاء «تعادقا» بالعين والدال المهملتين والقاف ، من عَدَق بظنّه كضرب ويشدّد: رجم ، أي تكالما بالظنّ . والرجم والتعديق - كالترجيم - : التكلّم بالظنّ ، ومنه الحديث المعدّق المرجّم، وقال: فلان كذا عَدْقاً بالغيب ورجماً بالغيب.(ممّا قد أصاب الشامي) على بدل البعض ، أي من الاضطراب الذي أصابه.(أنْظَرُ لخَلقِه) أي (1) في نظر اللطف ، أو النظر كناية عن اللطف والرأفة ؛ لاستلزام النظر من الغنيّ العظيم إلى الفقير الحقير إيّاهما غالباً.و«التشتّت» : التفرّق. و«التألّف» من الاُلفة. و«الأَوَد» بالتحريك : الإعوجاج .في بعض النسخ : «بغرض ربّهم» بالمعجمة مكان الفاء .«أبطل»: أتى بشي ءٍ باطل.(بل آمنْتَ باللَّه الساعة). الظاهر من أحاديثهم عليهم السلام كما ذهب إليه معظم الأصحاب أنّ للإسلام إطلاقين، يُطلق على الإيمان الظاهري ، وهو الإيمان ظاهراً بجميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، وفي جملة أركانه بل أعظم أركانه الإيمانُ بالولاية ، سواءٌ كان نور الإيمان محيطاً بظاهر القلب، أم داخلاً جوفه أيضاً ؛ وعلى الإيمان الواقعي الحقيقي بجميع ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، ولا يكون إلّا بدخول نور الإيمان داخل القلب. والإيمان المستودع من القسم الأوّل، وهو محيط بنوره ظاهر القلب من غير دخول شي ء منه داخله، وبإحاطته ظاهر القلب يظنّ صاحبُه ثبوتَه ، ولن يثبت ما لم يدخل داخله بإذن اللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى في سورة الحجرات: «قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ»(2)، فمعنى قوله عليه السلام : «بل آمَنْتَ»: صرتَ مؤمناً واقعيّاً بدخول نور الإيمان داخل قلبك، فلا دلالة فيه على إسلامه من قبل كما قيل.والتحقيق الذي يرفع الإشكالَ الناشئَ عن ظواهر طائفة من الأخبار : أنّ كفر

.


1- .في «د» : - «أي» .
2- .الحجرات (49): 14.

ص: 30

المخالف بانتفاء إيمانه بالولاية ، مغمضٌ عنه ظاهراً في زمن الغيبة لحِكَم ومصالح شتّى ، يكفي لأجلها كونه مخبوءاً بالشهادتين ، وهما من أعظم أركان الإيمان وقيل : أكملُها ، فدَمُه محقون كالمؤلّفة قلوبهم، ونجاسته معفوّة كماء الاستنجاء حتّى يحكم اللَّه فيهم بحجّته الظاهرة من الذرّيّة الطاهرة في سلطنته الباهرة ودولته القاهرة.(فكيف لي أن أعلم ذلك) يعني لا سبيل إلى العلم بذلك إلّا من الكتاب والسنّة ، وقد ذكر أنّهما لا يرفعان الاختلاف، فأجابه هشام: بأنّ السبيل إلى علم ذلك حينئذٍ إعجازه وإخباره بما لا سبيل إلى علمه لغير الحجّة العاقل عن اللَّه بالوحي أو بالتحديث .(تُجْرِي الكلامَ على الأثر) أي تتبع كلامك بما وصل إليك من الأخبار.و«القَيّاس» : كثير القياس. ولعلّ المراد هنا حسن التدبير في هندسة السؤال والجواب.و«الرّوّاغ» بإهمال أوّله وإعجام آخره : كثير الروغان : وهو ما يفعله الثعلب من المكر والخديعة، وقد يكنّى به عن حُسْن المصارعة ، راغ الثعلب يروغ رَوْغاً ورَوْغاناً.وضبط برهان الفضلاء بإهمال الآخر أيضاً؛ أي معجب جدّاً بصنيعه، راعني الشي ء : أعجبني، والأروع الذي يعجبك حُسْنُه، وامرأة روعاء : بيّنة الرّوع بالتحريك.(إلّا أنّ باطلَك أظهر) أي أغلب .(وأقرب ما يكون) إلى قوله : (أبعدُ ما يكون منه) يعني تتكلّم والحال أنّ كلامك القريب من الحقّ يكون أبعد منه ؛ لمزجك الحقّ بالباطل ، ف (تَمْزُجُ) على الخطاب المعلوم ، من باب ضرب ، استئناف بياني، أو عطف بيان للجملة السابقة. وقيل: يعني إذا قَرُبتَ من الاستشهاد بحديثِ حقٍّ بيّنٍ تركتَه وأخذتَ أمراً آخر بعيداً من مطلوبك، أو باطلاً، أو ممزوجاً.وفي بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء: «وأبعد» بالواو، وذكر أنّ «الواو» في «وأقرب» حاليّة. و«أقربُ» بالرفع على الابتداء ، مضاف إلى الموصول، «وأبعد» عطف على «الأقرب» على حذف الخبر ، مثل: أنت ومالك؛ أي مقرونان، وجوّز الصيمري

.

ص: 31

نَصْبَ «مالك» على أنّ «الواو» بمعنى «مع»(1) فالتقدير: أنت مقرون ومالك ، ف «أبعد» على هذا منصوب، فالمعنى : تتكلّم والحال أنّ في كلامك يُذْكر أقربُه من الحقّ مع أبعده منه.و«القَفّاز» بالقاف والفاء والزاي ، كالوثّاب لفظاً ومعنىً، وهنا كناية عن الجري ء.وضبط السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه : «فقّاران» بالفاء والقاف والمهملة، قال: «يُقال: افتقر عن معان غامضة، أي فتح عنها ؛ من فقرتُ البئر : إذا حفرتَها لاستخراج مائها. و«الفقّار»: فعّال من فقر».(2)وقرأ برهان الفضلاء: «جارفان» بالجيم والمهملة والفاء ، مكان «حاذقان» وقال: يعني سيّاران من الحواشي حذراً من الورطة و«الجرف» كعَسِر ، وعسر : ما تجرّفته السيول وأكلته من الأرض، ومنه قوله تعالى: «عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ»(3) ، يُقال: هار الجُرُف ، يَهُور هَوراً فهو هاير: سقط وانكسر. وهوّرته - بالتشديد - فتهوّر وانهار ، أي انهدم. والتهوّر أيضاً الوقوع في شي ء بقلّة مبالاة.(طرت) أي قُمتَ منتصباً سريعاً رفيعاً يشبه الطيران. وفي الكلام استعارات وترشيحات.وقرأ برهان الفضلاء : (لا تكاد) على الخطاب المجهول من الكيد ، أي لا تخدع، قال: (تقع ، تَلْوِى) استئناف بيانيّ، و«تقع» بمعنى تجلس ، و«تَلْوي» من باب ضرب ، جملة حاليّة.(إذا هَمَمْت) استئنافٌ بياني للاستئناف الأوّل؛ يعني إذا قصدت الجلوس آمناً طرت لملاحظة الأطراف كالطير الفطن .(مِثلُك) بالرفع على الابتداء ، المؤخّر بقرينة الفاء في : «فليكلّم» والتقديم للحصر.(فاتَّقِ الزَّلَّة) بالفتح وهي للقدم ، يعني : فاتّق الزلّة بترك التقيّة الموجبِ أذى الإمام

.


1- .شرح الكافية للرضي، ج 1، ص 525.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 535 .
3- .التوبة (9): 109.

ص: 32

وشيعته. وقد روي أنّه ارتكب ذلك وكلّمهم حيث كانت التقيّة شديدة في زمن الكاظم عليه السلام. وفي الخبر دلالات بفضل هشام وخيريّته وسلامته من الزلّة في اعتقاده إلى آخر عمره.وفي بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «والشناعة» بالنون ، مكان «الفاء» يعني : فاتّق الفضيحة من بعد الزلّة إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الخامس 1175.سلمان:روى في الكافي عَنْ العدّةِ، عَنْ ابْنِ عِيسى (1)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، قَالَ:

أَخْبَرَنِي الْأَحْوَلُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام بَعَثَ إِلَيْهِ وَ هُوَ مُسْتَخْفٍ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، مَا تَقُولُ إِنْ طَرَقَكَ طَارِقٌ مِنَّا؟ أَ تَخْرُجُ مَعَهُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ كَانَ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ، خَرَجْتُ مَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ أُجَاهِدُ هؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَاخْرُجْ مَعِي، قَالَ: قُلْتُ: لَا، مَا أَفْعَلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ: فَقَالَ لِي: أَ تَرْغَبُ بِنَفْسِكَ عَنِّي؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ، فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ نَاجٍ، وَ الْخَارِجُ مَعَكَ هَالِكَ، وَ إِنْ لَا يَكُنْ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ(2)، فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ وَ الْخَارِجُ مَعَكَ سَوَاءٌ.

قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَ أَبِي عليه السلام (3) عَلَى الْخِوَانِ، فَيُلْقِمُنِي الْبَضْعَةَ السَّمِينَةَ، وَ يُبَرِّدُ لِيَ اللُّقْمَةَ الْحَارَّةَ حَتّى تَبْرُدَ؛ شَفَقَةً عَلَيَّ وَ لَمْ يُشْفِقْ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ النَّارِ إِذْ أَخْبَرَكَ بِالدِّينِ وَ لَمْ يُخْبِرْنِي بِهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مِنْ شَفَقَتِهِ عَلَيْكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ لَمْ يُخْبِرْكَ، خَافَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَقْبَلَهُ، فَتَدْخُلَ النَّارَ، وَ أَخْبَرَنِي أَنَا، فَإِنْ قَبِلْتُ نَجَوْتُ، وَ إِنْ لَمْ أَقْبَلْ لَمْ يُبَالِ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ.

ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنْتُمْ أَفْضَلُ أَمِ الْأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: بَلِ الْأَنْبِيَاءُ، قُلْتُ: يَقُولُ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «يَا بُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً»(4)، لِمَ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتّى كَانُوا لَا .


1- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- .في الكافي المطبوع : «حجّة في الأرض» بدل «في الأرض حجّة» .
3- .في الكافي المطبوع : - «عليه السلام» .
4- .يوسف (12): 5.

ص: 33

1175.سلمان:يَكِيدُونَهُ؟ وَ لكِنْ كَتَمَهُمْ ذلِكَ، فَكَذَا أَبُوكَ كَتَمَكَ؛ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَيْكَ.

قَالَ: فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ، لَئِنْ قُلْتَ ذلِكَ لَقَدْ حَدَّثَنِي صَاحِبُكَ بِالْمَدِينَةِ أَنِّي أُقْتَلُ وَ أُصْلَبُ بِالْكُنَاسَةِ، وَ إِنَّ عِنْدَهُ صَحِيفَةً(1) فِيهَا قَتْلِي وَ صَلْبِي، فَحَجَجْتُ، فَحَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِمَقَالَةِ زَيْدٍ وَ مَا قُلْتُ لَهُ، فَقَالَ لِي : «أَخَذْتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ، وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ يَسَارِهِ (2)، وَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ وَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ، وَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ مَسْلَكاً يَسْلُكُهُ».هديّة:(وهو مُسْتَخفٍ) أي مستور ، خوفاً من طواغيت بني اُميّة.طَرَق فلان - كنصر - طَرقاً بالفتح وطُروقاً بالضمّ : إذا جاء بليل، أو بغتةً ليلاً أو نهاراً . وكلاهما وجيه خوفاً وشجاعة هنا.(مِنَّا) أي من أهل البيت عليهم السلام.(إنّما هي نفسٌ واحدة) يعني لا تكون الحجّة الناطق المفترضُ الطاعة بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله في كلّ زمانٍ إلّا واحداً من آله وذرّيّته صلى اللَّه عليه وآله.وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: «يعني إنّما أنا شخص واحد ، لا يصير خروجي معك باعثاً لخروج جماعة» انتهى.وبهذا المضمون نطق السيّد الأجلّ ميرزا رفيعا.(3)والفاء البيانيّة في قوله: (فإن كان) أنسب بما قلناه وبناء بيانه؛ على أنّ المقام مقام الكتمان.ووجه التسوية ثبوت الحجّة للناس على اللَّه تعالى على ذلك التقدير، وقد قال اللَّه تعالى في سورة النساء: «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(4).

.


1- .في الكافي المطبوع : «لصحيفة» .
2- .في الكافي المطبوع : «شماله» .
3- .راجع : الحاشية على اُصول الكافي ،ص 537 .
4- .النساء (5): 165.

ص: 34

وقال برهان الفضلاء: وجه التسوية على التقدير ثبوتُ جواز العمل لكلّ أحد برأيه واجتهاده في أيّ أمرٍ ورد عليه من اُمور دينه ودنياه.و(الخِوان) ككِتاب ، ويضمّ : الذي يؤكل عليه ، معرّب.لقم اللقمة كعلم وتلقّمها ، والتقمها، كلُّه بمعنىً ، وألقمتها غيري كلقّمتها تلقيماً.و(البَضْعَة) بالكسر والفتح : القطعة من اللحم.بَرَد الشي ء - كنصر - وبرّده غيره تبريداً.و«الشّفقة» بسكون الفاء ويُفتَح : الاسم من الإشفاق، وأشفقت عليه فأنا مشفق وشفيق .الجوهري:وإذا قلت: أشفقت منه، فإنّما تعني حَذِرْته ، وأصلهما واحد. ولا يقال: شفقت. وقال ابن دريد: شفقت وأشفقت بمعنى. وأنكره أهل اللغة.(1)وفي القاموس: الشفقة : حرص الناصح على صلاح المنصوح.(2)في بعض النسخ : (لم يُخْبِرهُمْ) بدون «لِمَ» قبل «لَمْ» وثبوتها أولى ، لما لا يخفى.قال الفاضل الأسترآبادي رحمة اللَّه عليه بخطّه: (واللَّهِ ، لئن قلتَ ذلك) جوابه محذوف.(3) وقال برهان الفضلاء: جزاء الشرط محذوف.و(لقد حدّثني) علّةٌ وقائم مقامَ الجزاء.(صاحِبُك) يعني أبا عبداللَّه عليه السلام، ويحتمل أبا جعفر عليه السلام لثبوت كلا الإخبارين ، وستعرف في باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة.(والكُناسة) بالضمّ ، كالقُمامة لفظاً ومعنىً، واسمُ موضعٍ بالكوفة.ولعلّ المراد ب (الصحيفة) هنا مصحف فاطمة عليها السلام؛ فإنّ الصحيفة في غالب عُرفهم عليهم السلام كما عرفت فيما سبق - عبارةٌ عن الجامعة، وأمثال الخبر إنّما هي في مصحف فاطمة عليها السلام.

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1501 (شفق) .
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 250 (شفق).
3- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .

ص: 35

واعلم أنّ اليمين واليسار وكذا الشمال تستعمل ب «عن» وسائر الجهات ب «مِن»، ولأهل العربيّة في هذا نكات.وحاصل ما قال ابن هشام في مغني اللبيب : إنّ «عن» هنا اسم ، لا حرف ، واليمين واليسار يقصد بهما العضوان المخصوصان ، بخلاف بين يديه وخلفه وفوق رأسه وتحت قدميه، فالتقدير: من عن يمينه ومن عن يساره ، بمعنى من جانب يمينه ومن جانب يساره، حذفت «من» لكراهة اجتماع الخافضين من الحروف صورة ، وقد لا تحذف.قال القطريّ:ولقد أراني للرماح دَريئَةًمِن عَنْ يميني مرّةً وشِمالي (1)والدَّريئة بالمهملتين والهمز على فَعِيلَة : حلقة توضع على الهدف ، يُتَعَلَّم الطعنُ والرمي عليها.قيل: لا يخفى ما من اللطف في ذكره عليه السلام الجهات الستّ ، فإنّ الفقرات المصدّرة ب «قلت» في كلام مؤمن الطاق ستّ.واعلم أنّه صحّ عند أصحابنا بروايات صحيحة معتبرة(2) كما صرّح به معظم الأصحاب أنّ زيداً كان مَرْضِيّاً عند الصادق عليه السلام، وكان عليه السلام شديد المحبّة له ، وأنّه لم يكن يريد المجاهدة طلباً للرياسة والإمامة لنفسه، بل لرضاء آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.قال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه اللَّه تعالى:لعلّ مراد زيدٍ بقوله: (أَن أَخرُج) جهادُهم لدفع شرّهم عنه وعن أهل البيت عليهم السلام كجهاد المرابطين في زمن الغيبة لدفع الكفرة، أو كمجاهدة المرء عدوَّه على سبيل الدفع عن نفسه وحريمه وماله - أو جهادُهم لدفع الظَلَمة وإقامة الحقّ ليستقرّ الحقّ مستقرّه ، ويرجعَ الأمر إلى من هو الحجّة ، لا جهادُهم على سبيل الدعوة إلى نفسه بالإمامة ، كما

.


1- .راجع : مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 149 ؛ و ج 2 ، ص 532 .
2- .راجع: الكافي، ج 8، ص 279 - 281، ح 421؛ الأمالي للصدوق، ص 349، المجلس 56، ح 1؛ ثواب الأعمال، ص 220؛ رجال الكشّي، ص 285، ح 505؛ الأمالي للطوسي، ص 56، المجلس 2، ح 77.

ص: 36

هو المنقول في حال زيد والمظنون من أمره ، وإجمالُه في القول لئلّا يتخلّف عنه العامّة ويتضرّر منه الخاصّة، فلمّا ردَّ عليه الأحول بقوله: «لا»، قال له: أترغب .(1)إلى آخره؛ أي أترى لنفسك فضلاً عليَّ والحال أنّ ما تراه من ترك الخروج لدفع شرّ هؤلاء ليس بأولى ممّا أراه في رضاء أهل البيت عليهم السلام . فمنع المعصوم إيّاه ظاهراً إنّما هو لمصالح شتّى ، كقوله هنا للأحول: «أخذته من بين يديه» إلى آخره. ومن المصالح أن لا يذهب وهمٌ إلى إمامته. والأحاديث في مدح زيد كثيرة مستفيضة رحمه اللَّه تعالى.

.


1- .شرح الأصول الكافي ، ص 536 .

ص: 37

الباب الثاني: باب طبقات الأنبياء و الرسل و الأئمّة

الباب الثاني : بَابُ طَبَقَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ وَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 1170.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(1)، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ دُرُسْتَ (2)، عَنْهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «الْأَنْبِيَاءُ وَ الْمُرْسَلُونَ عَلى أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ: فَنَبِيٌّ مُنَبَّأٌ فِي نَفْسِهِ لَا يَعْدُو غَيْرَهَا؛ وَ نَبِيٌّ يَرى فِي النَّوْمِ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَلَا يُعَايِنُهُ فِي الْيَقَظَةِ، وَ لَمْ يُبْعَثْ إِلى أَحَدٍ، وَ عَلَيْهِ إِمَامٌ مِثْلُ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلى لُوطٍ عليهما السلام؛ وَ نَبِيٌّ يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ يُعَايِنُ الْمَلَكَ وَ قَدْ أُرْسِلَ إِلى طَائِفَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا كَيُونُسَ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ (3) - لِيُونُسَ : «وَ أَرْسَلْنَهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» قَالَ: يَزِيدُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفاً، وَ عَلَيْهِ إِمَامٌ؛ وَ الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ (4) ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ يُعَايِنُ فِي الْيَقَظَةِ ، وَ هُوَ إِمَامٌ مِثْلُ أُولِي الْعَزْمِ ، وَ قَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام نَبِيّاً، وَ لَيْسَ بِإِمَامٍ حَتّى قَالَ اللَّهُ : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى» فَقَالَ اللَّهُ (5) : «لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ» مَنْ عَبَدَ صَنَماً أَوْ وَثَناً لَا يَكُونُ إِمَاماً».

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع : «درست بن أبي منصور» .
3- .في «الف» : «تعالى» .
4- .في الكافي المطبوع : «نومه» .
5- .في «الف» : + «عزّوجلّ» .

ص: 38

هديّة:(والأئمّة عليهم السلام) في العنوان كما تكون الإمامة للمعصوم بدون النبوّة ، والرسالة تكون مع بعض مراتب النبوّة ، وبعض مراتب الرسالة - على ما فصّل في الحديث - فلها أيضاً طبقات.قال الفاضل الأسترآبادي بخطّه: الإمامة رياسة عامّة من عند اللَّه سبحانه وتعالى ، فإذا اُخذت لا بشرط شي ء تجامع النبوّة والرسالة ، وبشرط لا شي ء ، لا(1).وقال الزمخشري في كشّافه: الإمام على وزن الإله : مَن يَؤتَمّ به، كالإزار لما يؤتزر به (2).وآية : «وَ أَرْسَلْنَهُ» في الصافّات (3)، و«إِنِّى جَاعِلُكَ» في البقرة(4).(مَنَبَّأٌ في نفسه) على اسم المفعول من التفعيل، ويحتمل الإفعال، قيل: يعني منبّأ يوحى إليه أمر نفسه فقط ألّا يتجاوز حكمه إلى غيره. وضعّف بمخالفته لما صرّح عليه معظم الأصحاب من أنّ المعنى منبّأ بغير واسطة سوى نفسه ، سواء كان مبعوثاً إلى غيره أو لا، وكون القسم الأوّل في مثل الخبر قسيماً للبواقي مؤيّد.قال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى :«فِي» للتعليل ، كما في قوله تعالى: «لُمْتُنَّنِى فِيهِ»(5)؛ يعني منبّأ يوحى إليه بوساطة نفسه حسْبُ ، لا يتجاوز تلك الواسطة إلى غيرها من الملك والنوم وغيرهما.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه:هذا منحصر إيتاؤه في نفسه لا يتجاوزه من نفسه لا بسماع صوت، أو معاينة في اليقظة، ولا ببعثته إلى أحد، (وقوله تعالى: «مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً»(6) إشارة إلى هذه المرتبة،) انتهى.(7)

.


1- .الحاشية على أصول الكافي ، ص 140 ، مع اختلاف يسير.
2- .الكشّاف ، ج 1 ، ص 309 .
3- .الصافّات (37) : 147 .
4- .البقرة (2) : 124 .
5- .يوسف (12): 32.
6- .الشورى (42): 51.
7- .الحاشية على أصول الكافي ، ص 539 . وما بين القوسين لم يرد في المصدر .

ص: 39

أراد أنّ المعنى أن يكلّمه اللَّه بلا واسطة إلّا وحياً وإلهاماً ، وقيده الأخير ينافي التعميمَ المذكورَ.(ويَسمعُ الصوتَ) في بيان الثانية ، أي (في اليقظة) ف «في اليقظة» في بيان الرابعة ظرف للسمع أيضاً. أو المعنى كما قال بعض المعاصرين: أي صوت الملك في المنام واليقظة .(مثلُ ما كان إبراهيم على لوط) مثالٌ لقوله : (وعليه إمام) خاصّة ؛ لقوله تعالى في الصافّات: «وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»(1). والجامعُ بين الرؤية في المنام وسماع الصوت ومعاينة الملك في اليقظة والرسالة إلى الجميع أو إلى طائفة - قلّوا أو كثروا - وعليه إمام كيونس ، صاحبُ الثالثة . وبين الثلاثة الاُول وهو إمام الناس جميعاً، صاحبُ الرابعة، فاُولوا العزم كلُّهم إمامٌ لجميع الناس لا إمامَ عليهم - كصاحب الثالثة - المبعوثُ إلى الجميع وهو إمامهم ، بخلاف المذكور من قسميه في الحديث ، وهو المبعوث إلى طائفة وعليه إمام كيونس عليه السلام ، ولذا قيل: (وقد اُرْسِلَ) بيان للقسم الثاني من صاحب الثالثة . ولم يذكر القسم الأوّل كآدم عليه السلام ؛ لما لا يخفى . وصاحب الثانية كالاُولى في أنّه لم يبعث إلى أحد وعليه إمام.«وَ مِن ذُرِّيَّتِى» لعلّه على الاستفهام التعجّبي ، يدلّ عليه ما في الخبر التالي من قوله: «فمِن عِظَمِها في عين إبراهيم، قال: ومن ذرّيتي» .«لَا يَنَالُ» يعني نعم من متّقيهم ؛ إذ لا ينال عهدي الظالمين .(من عبد) مكان «يعبد». قيل: فيه دلالة على أنّ المراد بالظالم من ظلم و سبق ظلمه ، و عدم دخول الفاء في الخبر دلالة على عدم إرادة معني الشرط ؛ وأيضاً لم يسأل الخليل عليه السلام الإمامةَ للظالم حين ظلمه، بل الداخل في سؤاله الذي سبق ظلمه ، وهو غير مشتبه، فاُجيب بعدم دخول من ظلم وسبق منه الظلم.(2)

.


1- .الصافّات (37): 133.
2- .القائل هو الميرزا رفيع الدين النائيني في الحاشية على اُصول الكافي، ص 540.

ص: 40

واحتمالُ أن يكون السؤال لأخذ العهد لذرّيّته بالإمامة، والجواب أنّ من يفعل منهم ظلماً لا ينال عهد الإمامة ، فلا يصحّ إدخال ذرّيته عموماً في العهد ، فإنّ بعضهم ممّن يعبد الصنم أو الوثن حسنٌ.والصنم والوثن بمعنى كما في كتب اللغة.(1)وقيل: الوثن ما يعبد بغير حقّ ، فيشمل أئمّة الضلالة ، فلا يحسن احتمال أن يكون الترديد من الراوي.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ الشَّحَّامِ (2)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّاً، وَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولاً، وَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ رَسُولاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلاً، وَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ (3) إِمَاماً، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الْأَشْيَاءَ، قَالَ: «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(4)، فَمِنْ عِظَمِهَا فِي عَيْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ»(5)، قَالَ: «لَا يَكُونُ السَّفِيهُ إِمَامَ التَّقِيِّ».

هديّة:كان إبراهيم عليه السلام - كما ورد - ملقّباً قبل النبوّة في أهل السماء والأرض ب «العبد الصالح» ، ثمّ شرّف قبل الرسالة بتشريف النبوّة ، ثمّ بالرسالة ، ثمّ بالخُلَّة ، ثمّ بالإمامة .في بعض النسخ المعتبرة : «قبل أن يجعله إماماً» مكان (قبل أن يتّخذه إماماً). والضمير في (عِظَمِها) للإمامة، وقيل: لأسبابها من العلوم وغيرها .

.


1- .كتاب العين، ج 8، ص 242؛ لسان العرب، ج 13، ص 442 (وثن).
2- .في الكافي المطبوع : «زيد الشحّام» .
3- .في «الف» : «أن يتّخذه» .
4- .في الكافي المطبوع : + «قال» .
5- .البقرة (2): 124.

ص: 41

(لا يكون السفيه إمام التَّقِي) تفسيرٌ لامتناع إمامة الظالم ، سواء كان ظلمه سفاهةً على نفسه أو على غيره أيضاً.وهنا دلالات : دلالةٌ على عموم الإمامة بالنصّ وهو قوله: «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً» ، فلا يطلق الإمام بمعنى الحجّة إلّا على الحجّة على الناس جميعاً، وهذا هو القدر المشترك من مفهوم الإمامة بين الرسول والإمام.ودلالةٌ على عِظَم الإمامة؛ لإعطائها بعد إتمام الكلمات وجمع المراتب كلّها ، فمن عِظَمِها في نظر الخليل عليه السلام طلب إدخالَ ذرّيّته في هذه العطيّة وجَعْلَها باقيةً في ذرّيّته، فاُجيب بأنّ عهد اللَّه لا ينال إلّا المتّقين بالعصمة منهم.ودلالةٌ بمنطوق الجواب على حرمان الظالم، وبمفهومه على أنّ الإمامةَ إنّما هي في العدل من ذرّيّته بالعصمة إلى يوم الدِّين .وتفسير الظالم ب «السّفيه» وجهه ظاهر.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «سَادَةُ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ خَمْسَةٌ ، وَ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ عَلَيْهِمْ دَارَتِ الرَّحى: نُوحٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ مُوسى، وَ عِيسى، وَ مُحَمَّدٌ صَلَّوات اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ عَلى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ والأوصياء».

هديّة:قيل: كنّى ب (الرَّحى) عن الشرائع لدورانها بين الاُمم إلى يوم القيامة، وشبّه اُولوا العزم بالماء الذي يدور به الرحى.وقيل: يعني رحى الهداية ، الدايرة من أوّل الدنيا إلى آخرها ، قائمة بحجّةٍ معصومٍ عاقلٍ عن اللَّه ، ظاهر أو غائب، بواسطة أو بغير واسطة ، ولا أجد فرقاً بينهما إلّا بالإجمال والتفصيل.

.

ص: 42

وقال برهان الفضلاء:المراد بالرحى نظام شرعه تعالى أو المواعظ المنصوصة في القرآن، ليكون إشارةً إلى أنّ العمدة في قصص القرآن قصصُ اُولي العزم من الرُّسل، ثمّ احتمل أن يكون المراد نظامَ العالم ليكون إشارة إلى أنّهم لو لم يُخْلَقوا لما يُخْلَق العالم».أقول: يمكن أن يكون «الرّحي» كناية عن الأفلاك بنظامها المحيط على الأجسام والجسمانيّات ، وقوام ذلك كلّه في حكمة اللَّه سبحانه إنّما هو بحججه المعصومين قطعاً، واُولوا العزم على ولاية أئمّتنا عليهم السلام اُصول في ذلك بعد أصالة خامسهم صورة وأوّلهم حقيقة بآله صلى اللَّه عليه وآله لجميع الأنوار.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبِي السَّفَاتِجِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّاً، وَ اتَّخَذَهُ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولًا، وَ اتَّخَذَهُ رَسُولًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلًا، وَ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ إِمَاماً، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ هذِهِ الْأَشْيَاءَ وَ قَبَضَ يَدَهُ ، قَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» فَمِنْ عِظَمِهَا فِي عَيْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ : يَا رَبِّ «وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ»(2)».

هديّة:بيانه كسابق سابقه.و(السَّفَاتِج) بالفاء، جمع السُّفْتَجَة بالضمّ : وهي أن تُعطي مالاً لأحد وله مال في بلدك، فتستفيد أمن الطريق ، فتستوفي قدر مالك هناك، وقيل ذلك المال: السُّفتجة بالضمّ، والمعاملة المذكورة: السَّفتجة بالفتح.

.


1- .في الكافي المطبوع : + «بن زياد» .
2- .البقرة (2): 124.

ص: 43

(قَبَضَ يدَه) كناية عن إعانته بتعليم العلوم التي هي من أسباب الإمامة أو بإعطاء أسباب الإمامة من العلوم وغيرها.وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: و«قبض يده» عطف تفسير ، واحتُمِل كونه عبارة عن العصمة . وهو كما ترى.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه: و«قبض يده» أي أخذ كلّها و حصلت له واستقرّت في يده.(1)ولا يبعد أن يكون المراد إيصاله إلى أعلى مراتب التقرّب الذي أعلا أعلاه لنبيّنا وآله صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .الحاشية على الاُصول الكافي ، ص 541 .

ص: 44

الباب الثالث: باب الفرق بين الرسول والنبيّ والمحدّث

الباب الثالث : بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُحَدَّثِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ الْبَزَنْطِيِ (1)، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا»(2): مَا الرَّسُولُ؟ وَ مَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: «النَّبِيُّ: الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ لَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ. وَ الرَّسُولُ: الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ يَرى فِي الْمَنَامِ، وَ يُعَايِنُ الْمَلَكَ».قُلْتُ: الْإِمَامُ مَا مَنْزِلَتُهُ؟ قَالَ: «يَسْمَعُ الصَّوْتَ ، وَ لَا يَرى، وَ لَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ «وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَ لَا نَبِىٍ (3) (وَلَا مُحَدَّثٍ)» .

هديّة:يعني باب بيان الفرق بين المذكورين في إرسال اللَّه تعالى إليهم المَلَكَ ، باعتبار النبوّة أو الرسالة أو التحديث ، يعني إمامة الجميع من دون أن يكون نبيّاً، فإنّ الإمامة - كما سبق - : هي الرياسة العامّة المنصوصة ، فإذا اُخذت لا بشرط شي ء يجامع النبوّة والرسالة، وإذا اُخذت بشرط لا شي ء لا يجامعهما. والمفهوم من النصوص أنّ النسبة

.


1- .في الكافي المطبوع: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2- .مريم (19): 51 و 54.
3- .الحجّ (22): 52.

ص: 45

بين الإمام والرسول عموم وخصوص من وجه كما بين الإمام والنبيّ، وأنّها بين الرسول والنبيّ عموم وخصوص مطلقاً كما بين الإمام واُولي العزم، والإمام والمحدّث ، اُولي العزم والنبيّ ، وأُولي العزم والرسول ، واُولي العزم والمحدّث ، والنبيّ المحدّث ، والرسول والمحدّث ، فعشر صور ؛ اثنتان في النسبة الاُولى وثمانية في الثانية.وقال الفاضل الأسترآبادي رحمة اللَّه عليه في بيان العنوان: أي الذين يحدّثهم الملائكة حتّى جبرئيل عليه السلام كالأئمّة وفاطمة عليها السلام من دون المعاينة(1) .ولعلّ الباعث على السؤال في الخبر تقديم الرسول على النبيّ والنبوّة قبل الرسالة ، فتوهّم السائلُ أنّهما في آية «سورة مريم» ونزولها مقدّم، وفي آية «سورة الحجّ» ونزولها مؤخّر بمعنى آخر.فحاصل الجواب : أنّهما مستعملان في الآيتين من السورتين بمعناهما المشهور، ووجه التقديم الإيماءُ إلى أنّ «الرسول» على قسمين ، باعتبار تقديم نبوّته على رسالته زماناً ومعيّتهما دائماً كإبراهيم ونبيّنا صلى اللَّه عليه وآله.(ولا يُعاين الملك) الأوّل ، أي حين سماع صوته ، فلا ينافي ما في الخبر التالي من قوله: «وربّما رأى الشخص ولم يسمع» .(ولا يعاين الملك) الثاني، يعني بصورته الأصليّة، فلا يُقال : في أخبار كثيرة تكلّم الملك مع غير النبيّ والإمام ورؤيته الملك ، كما في حديث «عابد بني إسرائيل» في الباب الأوّل من كتاب العقل، والحديث الثالث في الباب السابع والسبعين من كتاب الإيمان والكفر، فكيف لا يرى الإمامُ ويرى غيرُه. وأيضاً «المحدّث» لقب الحجّة المعصوم، فلا إشكال من وجه على أنّه على التنزيل ، كلُّ إمام محدّثٌ ، وليس كلّ محدّث إماماً.وفي تلاوته عليه السلام الآية هكذا، قيل : هكذا في قراءة أهل البيت عليهم السلام. والأصحّ على ما ذهب إليه معظم الأصحاب كما صرّح به الصدوق في اعتقاداته (2)وبرهان الفضلاء في

.


1- .الحاشية على الاُصول الكافي ، ص 139 .
2- .الاعتقادات في دين الإماميّة ، ص 83 .

ص: 46

شرحيه على الكافي بالعربيّة والفارسيّة : أنّ القرآن محفوظ - ما دامت الدنيا - عن تحريف آيها وكلماتها، قال اللَّه تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(1). نعم، تحريف المخالفين إنّما هو بحسب الإعراب - كما في «وأرْجُلِكم» و«آل ياسين» - والمعنى تفسيراً وتأويلاً - كما في تفاسيرهم - على خلاف الحقّ ، وأنّ مثل قوله عليه السلام: «ولا محدّث» في القراءة في حديثه، وكذا «في عليّ» بعد قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ»(2) إنّما هو بانضمام المتن بشرحه ، شرحِ جبرئيل عليه السلام لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، ولذا حمل على هذا ، مثلُ قولِهم عليهم السلام: «واللَّه هكذا نزلت» أي بشرحها من جبرئيل عليه السلام . فقرأ برهان الفضلاء : «نزّلت» على ما لم يسمّ فاعله ، من التفعيل والتنزيل المقابل للتأويل؛ بمعنى التفسير، فيعني تنزيل اللفظ على معناه فيعمّ، فقال بعد التصريح بالضبط : يعني هكذا فسّرت له صلى اللَّه عليه وآله . والقول بوقوع التحريف في القرآن في كلماتها وآيها أيضاً كما ذهب إليه شرذمة من العصابة كما ترى.قال الفاضل الأسترآبادي: يظهر من سياق هذه الأحاديث أنّ لفظة «محدّث» كان في القرآن فأسقطوا، ووجه الإسقاط ظاهر، واللَّه أعلم بالصواب.(3)

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ مَرَّارٍ(4)، قَالَ: كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَعْرُوفِيُّ إِلَى الرِّضَا عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَ النَّبِيِّ وَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: فَكَتَبَ أَوْ قَالَ: «الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَ النَّبِيِّ وَ الْإِمَامِ أَنَّ الرَّسُولَ: الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام (5)، فَيَرَاهُ، وَ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَ رُبَّمَا رَأى فِي مَنَامِهِ نَحْوَ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام. وَ النَّبِيُّ

.


1- .الحجر (15): 9.
2- .المائدة (5): 67.
3- .راجع الحاشية على اُصول الكافي ص 140 .
4- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار».
5- .في الكافي المطبوع : - «عليه السلام» .

ص: 47

رُبَّمَا سَمِعَ الْكَلَامَ، وَ رُبَّمَا رَأَى الشَّخْصَ وَ لَمْ يَسْمَعْ. وَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلَامَ، وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ».

هديّة:(ويَنزِل عليه الوحي) يحتمل المعلوم من التفعيل .(والنبيّ ربّما سَمِع الكلام) يعني مع عدم رؤيته الشخص ، فهو ربّما يرى الشخص في المنام ، وربّما يسمع الكلام ، وربّما يرى الشخص ولا يسمع. والرسول ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامَه ، وينزل عليه الوحي ويرى الشخص في المنام. والإمام يسمع ولا يرى، فالإمامة في بيان الفرق إنّما هي باعتبار هذه المرتبة، كما أنّ الرسالة باعتبار نزولِ جبرئيل والرؤيةِ والسماعِ في اليقظة ، والنبوّةَ باعتبار الرؤية في المنام، وقد عرفت وجه التوافق في بيان سابقه، وهذا هو المراد بقول من قال: كأنّ المراد أنّه لم يجمع للنبيّ بين الأمرين كما يجمع للرسول ، فلا ينافي سابقه.وقال برهان الفضلاء:ليس المراد هنا من بيان الفرق بين النبيّ والرسول الحصر في القسمين المذكورين في بيان النبيّ، فإنّ النبيّ ربّما يوحى إليه في المنام أو في اليقظة بسماع الصوت من دون أن يرى الشخص.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْسرّادِ، عَنِ مُؤْمِنٍ الطَّاقِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الرَّسُولِ وَ النَّبِيِّ وَ الْمُحَدَّثِ، قَالَ: «الرَّسُولُ: الَّذِي يَأْتِيهِ جَبْرَئِيلُ قُبُلاً، فَيَرَاهُ وَ يُكَلِّمُهُ، فَهذَا الرَّسُولُ.وَ أَمَّا النَّبِيُّ، فَهُوَ الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ نَحْوَ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ، وَ نَحْوَ مَا كَانَ رَأى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ أَسْبَابِ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْوَحْيِ حَتّى أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالرِّسَالَةِ، وَ كَانَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله - حِينَ جُمِعَ لَهُ النُّبُوَّةُ ، وَ جَاءَتْهُ الرِّسَالَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - يَجِيئُهُ بِهَا جَبْرَئِيلُ، وَ يُكَلِّمُهُ بِهَا قُبُلًا،

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول».

ص: 48

وَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ جُمِعَ لَهُ النُّبُوَّةُ، وَ يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ يَأْتِيهِ الرُّوحُ وَ يُكَلِّمُهُ وَ يُحَدِّثُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يَرى فِي الْيَقَظَةِ.وَ أَمَّا الْمُحَدَّثُ، فَهُوَ الَّذِي يُحَدَّثُ، فَيَسْمَعُ، وَ لَا يُعَايِنُ، وَ لَا يَرى فِي مَنَامِهِ».

هديّة:(قُبُلاً) بفتحتين وبضمّتين وكعِنَب وكصُرَد، يعني عياناً ومقابلةً، وقُبْل الشي ء بضمّ القاف وسكون المفردة : أوّل زمانه ، فيناسب هنا (قُبْلَ الوحي)، هكذا كما قرأ برهان الفضلاء.و(الرَّسالة) بالفتح : شغل الرسول ، وبالكسر : كلامه. وكانت مدّة رؤيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ستّةَ أشهر قبل الوحي في اليقظة ، وربّما يُقال: إنّ معنى قوله عليه السلام: «إنّ رؤيا المؤمن جزءٌ من ستّة وأربعين جزءاً من أجزاء النبوّة»(1)أنّ نسبة زمان نبوّته صلى اللَّه عليه وآله بطريق الرؤيا - وهي ستّة أشهر - إلى مدّة مجموع زمانها - وهي ثلاث (2) وعشرون سنة - نسبةُ الواحد إلى ستّة وأربعين .وفي طريق العامّة أيضاً أنّ بَدْأَ نبوّته صلى اللَّه عليه وآله إنّما هو بالرؤيا ، أي رؤيته جبرئيل في المنام؛ فقد روى البخاري في صحيحه : أنّ أوّل ما بُدِئَ به رسول اللَّه من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فَلَق الصبح.(3)

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ(4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ العِجْلِيِ (5): عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى (6): «وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَ لَا نَبِىٍ (7) (وَلَا

.


1- .عدّة الداعي، ص 278. وعنه في بحار الأنوار، ج 73، ص 220، ح 30؛ صحيح مسلم، ج 7، ص 53؛ سنن الترمذي، ج 3، ص 363، ح 2373.
2- .في الأصل : «ثلاثة» .
3- .صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 3 ؛ وج 6 ، ص 88 ؛ و ج 8 ، ص 67 .
4- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى».
5- .في الكافي المطبوع : «عن بريد» .
6- .في الكافي : «عزّوجلّ» .
7- .الحجّ (22): 52.

ص: 49

مُحَدَّثٍ)» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَيْسَتْ هذِهِ قِرَاءَتَنَا، فَمَا الرَّسُولُ وَ النَّبِيُّ وَ الْمُحَدَّثُ؟قَالَ: «الرَّسُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ لَهُ الْمَلَكُ، فَيُكَلِّمُهُ. وَ النَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يَرى فِي مَنَامِهِ، وَ رُبَّمَا اجْتَمَعَتِ النُّبُوَّةُ وَ الرِّسَالَةُ لِوَاحِدٍ. وَ الْمُحَدَّثُ: الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَ لَا يَرَى الصُّورَةَ».قَالَ: قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، كَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي رَأى فِي النَّوْمِ حَقٌّ، وَ أَنَّهُ مِنَ الْمَلَكِ؟قَالَ: «يُوَفَّقُ لِذلِكَ حَتّى يَعْرِفَهُ، لَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ بِكِتَابِكُمُ الْكُتُبَ، وَ خَتَمَ بِنَبِيِّكُمُ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام (1)».

هديّة:لا يخفى دلالة قوله: (ليست هذه قرائتَنا) بمفهومه على ما بيّناه آنفاً من معنى التحريف أو الغرض من الحكم لازمه، فيظهر علمه بذلك ، وسكوت الإمام عليه السلام عن الردّ بالإثبات قرينةٌ واضحة .(وأنّه مِن المَلَك) أي الذي سمع يوفَّق لذلك حتّى يَعرِفَه ، أي يهيّأ له أسباب تلك المعرفة من العصمة وغير ذلك.قال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه:نبّه عليه السلام على أنّ كيفيّة تلك المعرفة إنّما يحتاج إلى علمها من كان نبيّاً أو من يحتمل نبوّته ، وهو لكم مفروغ عنه ؛ لانقطاع النبوّة بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله بقوله: «لقد ختم اللَّه بكتابكم الكتب ، وختم بنبيّكم الأنبياء عليهم السلام»(2).أقول: في بعض النسخ: «ولقد ختم اللَّه» بزيادة الواو، والغرض أهميّة الردّ على الصوفيّة القدريّة، المبنيّة اُصولهم الفاسدة على قواعد الفلاسفة : من إيجاب الفاعل ، وقِدَم العالَم ، وكون الموجودات بأكوانها وشؤوناتها باستعدادات الموادّ وحصول الكمال حتّى النبوّة والرسالة للنفس البشريّة بالكسب من المبادئ العالية بالرياضات الشاقّة بأيّ وجه كان ولأيّ شخص كان، وصيرورة النفوس متساوية في الفضل والعلم بعد الوصول إلى درجة الكمال بالانقطاع عن عالم المادّيات والاتّصال بعالم المجرّدات.

.


1- .في الكافي المطبوع : - «عليهم السلام» .
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 544 .

ص: 50

فمن مقالات الصوفيّة في كتبهم المعتبرة عندهم : إنّ الوجود البحت بلا شرط مستعدٌّ أزلاً وأبداً بطبعه المقتضي لجميع ما يوجد من الممكنات المحصورة، وبعبارة اُخرى : من الشؤوناتِ المنتظمة في سلسلتَيِ البدوِ والعود، وأنّ الوجود لأكوانه وشؤوناته بمنزلة الهيولى للصور، وفي رتبة البحر لأمواجه ونفّاخاته ، وبأنّ الشريعة وضعت للمسجونين في سجّين المادّيات ، والطريقة للمرتاضين بالرياضات ، والحقيقة للواصلين بعلّيّين المجرّدات، وبَنَوا بهذا قولهم: «نهايةُ الأنبياء بدايةُ الأولياء»،(1) وقولهم: «إذا ظهرتِ الحقائقُ بَطَلتِ الشرائع» ،(2)وقولهم: «القيد كفرٌ ولو كان باللَّه»،(3) وغير ذلك من هذياناتهم عند كونهم مجبورين في التكلّم بها بتسلّط الشيطان على قلوبهم وألسنتهم ، وتخبّطه إيّاهم من المسّ.قال ذلك الرومي في الدفتر الخامس من كتابه : «إنّما تبطل الشرائع عند ظهور الحقائق؛ لأنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والكيمياء للصُّفْر، فأين الصحيح من الدواء والذهب من الكيمياء؟».(4)وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث في باب الفرق بين النبيّ والرسول والمحدّث :جملة القول في تحقيق حصول العلم في قلوب المستعدّين له: أنّ حقائق الأشياء كلّها مسطورة في اللوح المحفوظ ، وإنّما تفيض على قلوبنا من ذلك العالم بواسطة القلم العقلي الكاتب في ألواح نفوسنا، وقلب الإنسان صالح لأن ينتقش فيه العلوم كلّها ، وهو كمرآة مستعدّة لأن يتجلّى فيه حقيقة الحقّ في الاُمور كلّها من اللوح المحفوظ ، وإنّما خلّى عمّا خلّى عنه من المعلوم إمّا لنقصان في ذاته كقلب الصبيّ، أو لكثرة المعاصي، أو

.


1- .نقل بالمعنى. راجع: الفتوحات المكّية، ج 2، ص 52 و 256 و 257؛ فصوص الحكم، ص 62 و 135؛ شرح فصوص الحكم للقيصري، ص 145 - 148.
2- .مثنوى معنوى، ديباجة الدفتر الخامس، ص 726؛ شرح الأسماء الحسنى للسبزواري، ص 262.
3- .نقل بالمعنى. راجع: شرح فصوص الحكم للجندي، ص 461؛ شرح فصوص الحكم للكاشاني، ص 165.
4- .مثنوى معنوى ، ديباجة الدفتر الخامس ، ص 726 .

ص: 51

لعدوله عن جهة الحقيقة المطلوبة لاستيعاب همّه بتهيئة أسباب المعيشة .ثمّ قال:ثمّ إنّ العلوم التي ليست ضروريّة إنّما تحصل في القلب تارةً بالاكتساب بطريق الاستدلال والتعلّم، وتارةً بهجومها على القلب، وهذا قد يكون مع عدم الاطّلاع على السبب ، وهو مشاهدة الملك ، ويسمّى إلهاماً ونفثاً في الروع إن كان نكتاً في القلب ، وحديثُ مَلَك إن كان نقراً في السمع ، ويختصّ بهما الأولياء والأئمّة، وقد يكون مع الاطّلاع على ذلك ويسمّى وحياً ، ويختصّ به الأنبياء والرُّسل. انتهى.(1)أقول : قوله : «مع عدم الاطّلاع على السبب» كأنّ بناؤه على التعبير في كتب الصوفيّة القدريّة عن للاتّصالات التامّة بالمبادئ العالية بالأسباب الكاملة ؛ لوصول النفوس في الاتّصال إلى أعلى درجات الكمال ، و كفي في بطلان مقالاتهم الممنوعة شرعاً - من جهالاتهم المنقولة آنفاً و غيرها ، المسطورة في كتبهم مشروحاً - كونها عارية عن الفائدة إلّا زيادة اللعنة عليهم من أهل ا لشريعة ، فإنّها ليست دواء لهم لتكفيرهم صاحبها بأمر الشارع العاقل عن العدل الحكيم ، ولاحاجة لأهل الحقيقة على ما قرّروا في طريقتهم و شرّعوا من عند أنفسهم إلى دواء ؛ قال اللَّه تعالى في سورة الشورى : «أَمْ لَهُمْ شُرَكَؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَ لَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ الظَّلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(2) إلّا أن يكون غرضهم من أمثال بياناتهم زيادة اللعنة عليهم لزيادة الرتبة بعقائدهم ، والشيطان ملقّب عندهم برئيس الموحّدين لذلك ، اُولئك عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ، و على من أبي و توقّف في لعنهم إلى يوم الدين ، لعنهم اللَّه ، ثمّ لعنهم اللَّه مادامت السموات والأرضون ، وطوبى للمؤمنين لحجج ربّ العالمين «ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» .(3)

.


1- .الوافي ، ج 2 ، ص 77 ، مع اختلاف يسير.
2- .الشورى (42): 21.
3- .الحديد (57): 21.

ص: 52

الباب الرابع: باب أنّ الحجّة لا تقوم للَّه على خلقه إلّا بإمام

الباب الرابع : بَابُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ السَّوَّادِ(1)، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ، عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتّى يُعْرَفَ».

هديّة:قيل في بيان العنوان : أي في خصوصيّات الأحكام الخمسة وتعيينها(2) في موضعٍ موضعٍ .في بعض النسخ : «حيّ» مكان «حتّى» .و(يعرف) يحتمل من القراءة وجوهاً: فعلى المعلوم من التفعيل، يعني يعرّف اللَّه أو الإمام الحقّ ، ليميز الخبيث من الطّيّب؛ وعلى ما لم يسمّ فاعله منه أيضاً، يعني الحقّ أو الإمام حسباً ونسباً وطهارة من الرجس؛ وعلى المعلوم من المجرّد على بعض النسخ، أي بالعقل عن اللَّه ، وعلى خلافه منه على أكثرها، أي الحقّ أو الإمام.(3)

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن محسن بن محبوب».
2- .في «الف» : «تعيّنها» .
3- .وللمزيد راجع: شرح المازندراني، ج 5، ص 148؛ الوافي، ج 2، ص 61؛ مرآة العقول، ج 2، ص 293.

ص: 53

ورجّح برهان الفضلاء الأخير، ثمّ قال: والمستتر على الأكثر للَّه سبحانه ، وعلى البعض للإمام.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا:وذلك لأنّ الحجّة للَّه على خلقه إنّما يتمّ بالتعريف ، وإنّما هو يتمّ بإمام بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقوله عليه السلام: «حتّى يعرف» تنبيه على الدليل لما ادّعاه. انتهى.(1)فرجّح المعلوم أو خلافه من التفعيل. ومثل الخبر نصّ في أنّ التكليف لا يكون إلّا بدليل نقليّ ، فنصٌّ في بطلان ثبوته بمجرّد الحسن والقبح العقليّين كما ذهبت إليه البراهمة وكثير من القدريّة.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الاثنينِ، عَنْ الْوَشَّاءِ(2)، قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتّى يُعْرَفَ».

هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث روي في الكافي عن أَحْمَدَ(3) ، عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنَْبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ : «إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتّى يُعْرَفَ».

هديّة:بيانه كسابق سابقه.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 544.
2- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
3- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».

ص: 54

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(1)، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ، وَ مَعَ الْخَلْقِ، وَبَعْدَ الْخَلْقِ».

هديّة:حمله الصدوق رحمة اللَّه عليه في أوّل كتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة على آدم والقائم ومن بينهما من الحجج.(2) وفي الحديث - كما سيجي ء في الباب التالي للتّالي - «أنّ آخر من يموت الإمام»، وستعرف في بيان الحديث الرابع من الباب التالي عدمَ المنافاة بين موت الإمام أخيراً وبين ما في الحديث من بقاء الدنيا وطائفة من الناس بعد ذهاب القائم عليه السلام أربعين يوماً، كما في الحديث الأوّل من الباب السادس والسبعين.فلهذه المنافاة ظاهراً وعدم مناسبة ذكره كذا في هذا الباب، قرأ برهان الفضلاء : «قَبَلُ الخلق» بفتحتين و«بَعَدُ الخلق» كذا.و«القَبَل» : الموضع العالي في المقابل، و«البَعَد» : المنزل البعيد، فالأوّل من هو عالٍ ظاهراً للأنظار وإن لم يكن معهم بإجراء حكمه على الجميع، والثاني من هو ظاهر فيهم ومعهم بإجراء حكمه على الجميع، والثالث من هو بعيد غائب عنهم. وقال في وجه التناسب:إنّ ذكره هنا إشارة إلى الجواب عن إيراد المخالفين : أنّه لو صحّ الاضطرار إلى الحجّة لوجب ظهورها. والجواب : أنّ تخلّف الواجب إنّما يلزم على تقدير إطاعة الرؤساء له في ظهوره فيغيب، ولذا يجب ظهوره للوقت في علمه تعالى بوقت وجود الخلّص من شيعته المطيعين الظاهرين بظهوره بإذن اللَّه تعالى.أقول: يكفي لوجه المناسبة دلالة هذا الخبر على كون الحجّة مع الخلق ما دام الخلق، على أنّ بمفهومه دلالة على حاصل مفهوم العنوان؛ يعني وجوب وجود الحجّة في

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- .كمال الدين ، ص 4 .

ص: 55

حكمته تعالى في جميع الأزمنة من أوّل الدنيا إلى آخرها.واحتمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه بُعد الحمل - كالصدوق - أن يكون المقصود من الخلق تحقّقَ المعرفة، كما في قوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(1) أي ليعرفون. قال:فإنّ مناط المعرفة والمتأصّل فيها الذي يدور به رحاها إنّما هو الحجّة ، فهو المقصود بالإيجاد أوّلاً ، وأقرب إلى المبدأ الفاعلي، فيكون قبلهم، وإنّما يبقى المعرفة ببقائه فيكون معهم، وإذا مضوا قبل فناء الدنيا يكون بعدهم إبقاءً للمعرفة التي لا ثبات للدنيا إلّا بها.ثمّ احتمل أن يكون المراد أنّ حجّية الحجّة قبل الخلق كما في الميثاق، ومع الخلق كحال التكليف ومقدّماته، وبعدهم وانقضاء مدّة حياتهم الدنيا استبقاءً لمعرفتهم بمعرفته واستمداداً منها.(2)أقول: الأولى على هذا ليكمل البيان والتناسب ، أنّ المعنى أنّ حجّته تعالى بالغةٌ على الخلق، قبل الخلق يوم الميثاق بعد الافتتان بتكليف الأرواح بدخول النيران، ومع الخلق ما داموا في الدنيا ، وبعد الخلق عند محاسبتهم في الآخرة.

.


1- .الذاريات (51): 56.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 545 .

ص: 56

الباب الخامس: باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة

الباب الخامس : بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: تَكُونُ الْأَرْضُ لَيْسَ فِيهَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: يَكُونُ إِمَامَانِ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ».

هديّة:قيل: وليس بشي ء فيه فرق آخر بين النبيّ والوصيّ.(وتكون الأرض) يعني بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله. وتعريف «الأرض» للعهد الذهني، ف «ليس فيها إمام» نعت لها ، أو للجنس أو للعهد الخارجي فحال عنها. و«الصمت» كناية عن عدم القيام بالأمر ، أو المعنى صامتٌ ساكتٌ عن الدعوة والتعريف - كما قيل - فيكون الآخر هو المعرّف الداعي ، وهو الإمام على الصامت كما في السبطين عليهما السلام.

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الثلاثَةِ، عَنْ بُزُرْجَ وَ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ (2)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير».
2- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس و سعدان بن مسلم» .

ص: 57

عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَ فِيهَا إِمَامٌ، كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وَ إِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ».

هديّة:الاستثناء منقطع، والواو للابتداء، و«كي» في معنى لام التعليل، و«ما» كافّة يعني لا تخلو الدنيا من احتياجها في بقائها إلى نظام، لكن فيها إمام بضرورة المصالح، ضروريّة وحِكَم شتّى ، منها ردّ المؤمنين به إلى ما هو الحقّ إن زادوا شيئاً في دينهم سهواً أو خطأً في الأعمال أو في العقائد ، والإتمام لهم إن نقصوا ، لقصورهم عن الوصول إليه.واحتمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا أن يكون المراد بالمؤمن هنا مطلق المؤمن باللَّه ورسوله ليعمّ تعلّق الردّ والإتمام الهدايةَ أيضاً.(1) وهو كما ترى.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(2)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا الْحُجَّةُ، يُعَرِّفُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ، وَ يَدْعُو النَّاسَ إِلى سَبِيلِ اللَّهِ».

هديّة:(ربيع بن محمّد) بن عُمر - بضمّ العين - ابن حسّان الأصمّ المُسَلِّي . ضبط في الإيضاح كمصلّي على اسم الفاعل من التسلية في النسبة إلى مسلّية بن عامر بن عمر.(3)وقال العلّامة: وقيل: مُسْلِيَة على اسم الفاعل من الإفعال .(4)الاستثناء كما في سابقه منقطع، والواو للابتداء، أي ما خلت الأرض من حجّة لكن فيها الحجّة دائماً ، ليعرّف الحلال والحرام. والمعنى: «لا تخلو»؛ عبّر بالماضي لتحقّق الوقوع.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 546 .
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
3- .إيضاح الاشتباه، ص 183، رقم 277.
4- .خلاصة الأقوال، ص 155.

ص: 58

وقال برهان الفضلاء هنا على خلاف ما قال في سابقه :الاستثناء مفرّغ، والواو للحال، وتعريف الحجّة للعهد الذهني، فالجملة بعدها نعتها ، والإخبار عن المستقبل بلفظ الماضي للدلالة على تحقّق الوقوع.ثمّ قال:يعني لا تزول الأرض عن استقرارها على حال إلّا على حالٍ يكون فيها إمامٌ مفترض الطاعة ، يعرّف جميع الحلال والحرام، ويدعو الناس في قيامه على الأمر.قال:«وما زالت» إشارة إلى قوله تعالى في سورة الفاطر: «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً»(1).و(يَعْرِف) على المعلوم من المجرّد، ويحتمل المعلوم من التفعيل. والأوّل أولى؛ لما لا يخفى من التعريض.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا».

هديّة:يعني هل تبقى مقرّاً للناس؟ فأجاب عليه السلام بقوله: (لا) لمكان زلزلة الساعة عند ذلك ؛ أو «الأرض» عبارة عن الدنيا، ولا خلاف في ذلك عندنا، فلما صحّ بقاء الدنيا وطائفة من الناس بعد القائم عليه السلام أربعين يوماً كما هو المشهور بين الناس أيضاً . فوجه عدم المنافاة أنّ معنى الحديث الآتي في الباب التالي أنّ آخر من يموت قبل قيام الساعة بمقدّماتها من الصيحة والزلزلة وغيرهما من العلامات هو الإمام، أو أنّ آخر من يموت بغير غضب من اللَّه، أو أنّ آخر من يموت من حجج اللَّه تعالى هو القائم عليه السلام.

.


1- .فاطر (35): 41.

ص: 59

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العُبَيْدِي (1)، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام، قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ».

هديّة:أي بغير عالِم بجميع ما يحتاج إليه الناس في دين اللَّه تعالى. وبعبارة اُخرى بغير إمام عاقل عن اللَّه بعصمته .(لم يعرف الحقّ من الباطل) أي فيما اختلفت فيه العقول؛ فبرهان على امتناع خلوّ الأرض من عالم كذا، إذ الخلّو يستلزم انتفاء المعرفة المقصودة من الخلق والإيجاد. وإذا قصد ب «الحقّ» المعبود بالحقّ وب «الباطل» المطاع بالباطل ، فناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الحجّ: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ»(2).والخبر ردّ - كنظائره - على القائلين باستقلال العقل في المعرفة والحكم بالحسن والقبح ، وحصول المعرفة بمجرّد الرياضة كالبراهمة والقدريّة.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الْأَرْضَ بِغَيْرِ إِمَامٍ عَادِلٍ».

هديّة:يعني من أن يُعذِّب أهلَ الأرض من دون (3) أن تقوم له حجّة عليهم فيما اختلفت فيه عقولُهم. وفي الخبر دلالة على أنّ هذا اللطف إنّما هو مقتضى تلك العظمة

.


1- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
2- .الحج (22): 62.
3- .في «الف» : «غير» .

ص: 60

في هذا النظام العظيم - ولا أعلم به من مدبّره الحكيم البتّة - فيجب؛ لئلّا يكون للناس على اللَّه حجّة.

الحديث السابع روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، عَنْ السّرّاد، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ؛ وَ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السرّاد، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زيد الشّحام (1) وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: «اللَّهُمَّ، إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ».

هديّة:(لا تخلي) من الإفعال أو التفعيل.(مِن حُجَّة) أي ظاهرٍ حاكمٍ أو صابرٍ أو مستورٍ غائب. والخبر دليل على دوام امتناع الخلوّ. ويشبه أن يكون قوله عليه السلام هذا في خطبة أو دعاء له عليه السلام.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قَالَ: «وَ اللَّهِ، مَا تَرَكَ اللَّهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام إِلَّا وَ فِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدى بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَ هُوَ حُجَّتُهُ عَلى عِبَادِهِ، وَ لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلى عِبَادِهِ».

هديّة:(أرضاً) أي شيئاً من أجزائها المعمورة، وكما أنّ الحجج بشيعتهم من لدن آدم إلى نوح، ومن نوح إلى إبراهيم، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن موسى إلى عيسى، ومن

.


1- .السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي اُسامة؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي اُسامة» .
2- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».

ص: 61

عيسى إلى نبيّنا محمّد صلى اللَّه عليه وآله، ومنه إلى القائم عليه السلام سلسلةٌ نورانيّةٌ ، ممتدّة من أوّل الدنيا إلى آخرها وفيها العلماء والمتعلّمون الفاضلون، ففي سلسلة ظَلَمَة الكفر ، الملتئمة من سلاسل ضلالات شتّى ، رؤساء حذقاء ، وطواغيت مهراء في الجهل الشبيه بالعلم بالتمويه أو بالمزج ، كما كأنّه هو شأن رؤساء القدريّة المشهورة بالصوفيّة بالنسبة إلى سائر فِرَق الكفر والضلالة، فلا تغترّ بفضل ابن العربي صاحب الفصوص والفتوحات، وعبد الرزّاق الكاشي ، صاحب النصوص (1) والتأويلات والاصطلاحات ، وأمثالهما من أهل الضلالات والجهالات ، كابن سينا صاحب الشفاء والإشارات، والزمخشري صاحب الكشّاف ، والشيطان أعلم منهم وأفضل من الجهات والأطراف ، يجي ء من كلّ جهة مِن غير أن يُرى ، وينفذ في الهُبَل والصنم ، فيتكلّم بما يهوى وفي شجرة أصحاب الرّسّ ، كما في فرعون ، فيقول : «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى»(2) وفي البسطامي ، فينطق بمقالة الحلّاج، ويدّعي وصوله سبعين مرّة إلى المعراج.وهل يخفى على أحد فضل مكائد اللعين وقوّة تصرّفه في قلوب الغاوين حتّى أنّ القدريّة لقّبوه برئيس الموحِّدين بعد نطق القرآن بلعنه وأنّه رئيس الملحدين «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(3)، وصلّى اللَّه على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله المعصومين خير الأوصياء السابقين.فاسمع وعِ وأنت خبير بأنّ للَّه تعالى فِتَناً وامتحانات في كلّ اُمّة؛ فتارةً بتكلّم السواع وغيره من الأصنام في زمن نوح عليه السلام، وتارةً بفرعون وملكه، فالسامريّ وعجله كالثاني بأوّله، قال اللَّه تعالى: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ»(4).

.


1- .الظاهر أنّ مراده «شرح فصوص الحكم».
2- .النازعات (79) : 24 .
3- .البقرة (2): 161.
4- .العنكبوت (29): 1 - 3.

ص: 62

ثمّ أنت خبير بأنّ أفضل المخلوقات نوع البشر، وأفضله زمرة الأنبياء والأوصياء، وأفضلهم خاتَم النبيّين وآله صلى اللَّه عليه وآله، فكتابه أفضل الكتب، وأوصياؤه أفضل الأوصياء، ودينه أفضل الأديان، والامتحان في اُمّته أعظم الامتحانات في سائر الاُمم، وكذا جُلّ الأشياء المنتمية إليه وآله صلى اللَّه عليه وآله، ألا ترى فتنة ارتداد اُمّته يوم قبضه بأجمعهم إلّا فريقاً من المؤمنين، قال اللَّه تعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ حَفِيظٌ»(1) فهل امتحان أعظم من هذا؟ حيث تفرّقت الاُمّة بعد الارتداد ورجوع طائفة منهم على بضع وسبعين فرقة ، إحداها ناجية، والباقية باغية هالكة.فلم يبق للشيطان هَمّ إلّا في إضلال الفرقة الحقّة . وأنّه قطع بالتجربة أنّ من وراء معاصيهم الزيارات الماحية للكبائر ، والتوبة المقبولة في الأوّل والآخر، والشفاعة المضمونة بالنصّ الباهر. وفكّر(2) في أواخر عمره ذلك العمر، ثمّ فكّر ، فوضع التصوّف المبتني على وحدة الوجود في بدوه وعوده وتشكّلاته فيما بينهما ، محفوفاً بالصلاة والصوم وكثرة الذِّكر وحرارة الشوق والوجد والسماع والمكاء والتصدية وتأويل القرآن والحديث والسَّهَر والبكاء والخصاصة والاستكانة والأنين والتأوّه والعزلة والأمانة والدِّيانة والأمثال والأشعار ، وغير ذلك من المحاسن في الأسماع والأنظار ، كالخزف المموّه المرصّع بالدرر واليواقيت وأمثالهما من الجواهر النفيسة والشبيهة بها؛ فنعوذ باللَّه وحججه من الشيطان الرجيم ومكائده، وصلّى اللَّه على حجج اللَّه وملائكته.

الحديث التاسع روى في الكافي عَنْ الاثنين (3)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ، وَ أَنَا وَ اللَّهِ ذلِكَ الْحُجَّةُ».

.


1- .سبأ (34): 19 - 21.
2- .في نسخة «الف» : «ففكّر» .
3- .يعني : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد».

ص: 63

هديّة:«الحسن أبو عليّ بن راشد» من أصحاب الهادي أبي الحسن الثالث عليه السلام، بغداديّ ثقة.(مِن حجّة) أي في زمان ذلك الحجّة، أي في هذا الزمان.

الحديث العاشرروى في الكافي وقال: وبهذا الإسناد، عن أبي حمزة(1)، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ، لَسَاخَتْ».

هديّة:(تَبقَى الأرض) بتقدير حرف الاستفهام.(لَسَاخَت) بالخاء المعجمة ، أي انخسفت بأهلها و غارت غور المنخسف من المكان في الأرض. وقيل: أي خربت كخرابها بانخسافها؛ لأنّ وجود الإمام قوام وجود السماء والأرض وما بينهما.واحتمل برهان الفضلاء «لساحت» بالحاء المهملة، من السياحة، أي لجرت من الأطراف بزلزلة الساعة؛ ساح الماء يسيح سيحاً : جرى على وجه الأرض.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا» . قُلْتُ لَهُ (3): فَإِنَّا نُرْوى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهَا لَا تَبْقى بِغَيْرِ إِمَامٍ إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللَّهُ (4)عَلى أَهْلِ الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى الْعِبَادِ؟ فَقَالَ: «لَا، لَا تَبْقى ، إِذاً لَسَاخَتْ».

.


1- .السند في الكافي هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة».
2- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».
3- .في الكافي المطبوع : - «له».
4- .في الكافي المطبوع : + «تعالى».

ص: 64

هديّة:(نُروى) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد.(فقال: لا) ليس تكذيباً للرواية، بل المعنى : ليس المعنى كما يفهم من ظاهرها من بقاء الأرض مع السخط على أهلها، بل المعنى أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط اللَّه على أهلها بخسفها بهم. والترديد من الراوي.وقد صرّح بهذا الحمل السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه حيث قال: أي ليس المراد بقول أبي عبداللَّه عليه السلام: السخطَ الذي تبقى معه الأرض وأهلها ، بل السخط الذي تصير الأرض به منخسفةً(1).وقرأ برهان الفضلاء : «نُروّى» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، قال: التروية نقلك الحديث إلى غيرك ليحفظه. ثمّ قال: «لا» في «فقال: لا» لتكذيب تلك الرواية وعدم صحّتها، و«لا تبقى» استئناف بياني للتكذيب ، و«إذا لساخت» استئناف بياني للاستئناف السابق. قال: والمعنى أنّها لا تبقى على نظامها حينئذٍ، فحينئذٍ لساخت بزلزلة الساعة.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الْأَرْضِ سَاعَةً، لَمَاجَتْ بِأَهْلِهَا كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ».

هديّة:«أبو هَراسة» بفتح الهاء ، ذكره الشيخ في باب الكنى من أبواب رجال الباقر عليه السلام.(2)و«هَراس» كسحاب : شجر شايك (3) ، الواحدة ب «ها» .(رُفِعَ) يعني لو لم يكن الإمام قوام الأرض ساعة ؛ فلا إشكال بالمعراج كما لا إشكال

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 548 .
2- .رجال الشيخ الطوسي ، باب الكنى ، ص 150 .
3- .أي ذات الشوك .

ص: 65

بكون مدّته أقلّ من ساعة.ماج البحر ، يموج : اضطرب، أو التموّج هنا كناية عن الخسف والتزلزل؛ يعني لخسفت بأهلها بالزلزلة ، كما يموج البحر بأهله بالطوفان .في بعض النسخ : «كَان» مكان (كما).(1)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنِ الاِثْنَيْنِ (2)، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام: هَلْ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: «لَا». قُلْتُ: إِنَّا نُرْوى أَنَّهَا لَا تَبْقى إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللَّهُ (3) عَلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ: «لَا تَبْقى ، إِذاً لَسَاخَتْ».

هديّة:قد سبق نظيره ببيانه.

.


1- .في بعض نسخ الكافي: «كما كان».
2- .في الكافي المطبوع : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد» بدل «الاثنين».
3- .في الكافي المطبوع : + «عزّوجلّ» .

ص: 66

الباب السادس: باب أنّه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان، لكان أحدهما الحجّة

الباب السادس : بَابُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا رَجُلَانِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَوأحاديثه كما في الكافي ستّة:(1)

الحديث الأوّل 149.الاحتجاج :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ(2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ».هديّة:(لو لم يبقَ) أي مع بقاء التكليف ، والغرض من الفرض تأكيد وجوب وجود الإمام ما دام زمان التكليف .(لكان أحدُهما الحجّةَ) أي من يقوم بالأمر وتقوم به السماء والأرض، وقيل: أي على صاحبه ؛ للحكمة الداعية إلى الأمر بالاجتماع وسدّ باب الاختلاف المؤدّي إلى الفساد، وإنّما يتمّ بحجّية أحدهما ووجوب إطاعة الآخر.(3)

.


1- .أحاديث هذا الباب في الكافي المطبوع خمسة ، والسبب عدم ذكر الحديث الثالث مستقلاً، بل ذكره في ذيل الحديث الثاني .
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
3- .القائل هو الميرزا رفيع الدين النائيني في الحاشية على اُصول الكافي، ص 548.

ص: 67

الحديث الثاني 147.الاُسيديّ ومحمّد بن مبشّر :روى في الكافي عَنْ القمّي، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ العبيدي، وعَنْ مُحَمَّدبْنِ الحسن،عن سهل، عَنْ العبيدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ:

«لَوْ بَقِيَ اثْنَانِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ عَلى صَاحِبِهِ».هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث 143.على بن محمّد بن جهم :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ ابْنِ الطَيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام؛ مِثْلَهُ.هديّة:هذا الحديث ثابت في الكافي ، وترك في نسخ الشروح التي رأيناها.

الحديث الرابع 141.لقمان عليه السلام ( _ به پسرش ) روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ الْخَشَّابِ (2)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ كَرَّامٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «لَوْ كَانَ النَّاسُ رَجُلَيْنِ، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْإِمَامَ». وَ قَالَ: «إِنَّ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ الْإِمَامُ؛ لِئَلَّا يَحْتَجَّ أَحَدٌ عَلَى اللَّهِ تعالى (3) أَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَيْهِ».هديّة:ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(4).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى جميعاً ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن سنان ، عن حمزة بن الطيّار» .
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عمّن ذكره، عن الحسن بن موسى الخشّاب».
3- .في «د» : - «تعالى» . وفي الكافي المطبوع : «عزّوجلّ» .
4- .النساء (4): 165.

ص: 68

و(كَرّام) كشدّاد : واقفيّ، وأبوه عُمر بن عبد الكريم ، بالضمّ .وقد مرّ في بيان الحديث الرابع من الباب السابق رفعُ الإشكال بما هو المشهور فيما بين الناس أيضاً من بقاء طائفة من الناس أربعين يوماً بعد القائم عليه السلام.

الحديث الخامس 138.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ (1): «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ (2)، لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ ، أَوْ الثَّانِي الْحُجَّةَ». الشَّكُّ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ.هديّة:في بعض النسخ : «والشكّ» بالواو . وهو كلام ثقة الإسلام أو كلام العدّة ، كما احتمله برهان الفضلاء. وفي كتاب كمال الدِّين : «الشكّ من محمّد بن سنان»(3). يعني أو قال : مكان «أحدهما»: «الثاني»، ليكون إشارة إلى أنّ موتهما لو ترتّب لكان الذاهب الثاني الحجّةَ.

الحديث السادس 132.عنه عليه السلام ( _ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ ) روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ(4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ، لَكَانَ الْإِمَامُ أَحَدَهُمَا».هديّة:بيانه كنظائره، و«نَهْد» - بالفتح - : قبيلة من اليمن.

.


1- .في الكافي المطبوع : «قال سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول» بدل «عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال» .
2- .في «الف» : «لو بقي اثنان» بدل «لو لم يبق في الأرض إلّا اثنان» .
3- .كمال الدين ، ج 1 ، ص 204 .
4- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».

ص: 69

الباب السابع: باب معرفة الإمام و الردّ إليه

الباب السابع : بَابُ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ وَ الرَّدِّ إِلَيْهِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة عشر:

الحديث الأوّل 126.امام على عليه السلام :روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَنْ الْوَشَّاءِ(1)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّمَا يَعْبُدُ اللَّهَ مَنْ يَعْرِفُ اللَّهَ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ اللَّهَ فَإِنَّمَا يَعْبُدُهُ هكَذَا ضَلَالاً».

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَصْدِيقُ اللَّهِ (2)، وَ تَصْدِيقُ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ مُوَالَاةُ عَلِيٍّ عليه السلام، وَ الِائْتِمَامُ بِهِ وَ بِأَئِمَّةِ الْهُدى عليهم السلام ، وَ الْبَرَاءَةُ إِلَى اللَّهِ 3 مِنْ عَدُوِّهِمْ، هكَذَا يُعْرَفُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ».هديّة:في بعض النسخ: «من لا يَعرِفُه» بالضمير، وضبط برهان الفضلاء كالأكثر.وقال في بيان (الردّ إليه) في العنوان: أي عرض المختَلَفِ فيه عليه ليحكم فيه، لكن حيث لا يكون معلوماً من محكمات الكتاب والسنّة.أقول: لو قيل فيه إنّ العلم بالمحكم المحتمل عندنا إنّما هو بعد العلم بجميع الوجوه

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- .في الكافي المطبوع : + «عزّوجلّ» .

ص: 70

من الناسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ والتفسير والتأويل والمحكم والمتشابه والنصّ والظاهر وغير ذلك، وهو خاصّ بالإمام عليه السلام.قلنا: يكفي دفعاً للحرج ولئلّا يكون للناس على اللَّه حجّة أن يعمل في زمن الغيبة أو تعذّر الوصول إلى العلم بوجه من الحكم ، حيث لا يكون خلافه معلوماً، فالعلم بمحكم - مثلاً - ظنّاً مع عدم العلم بأنّه متشابه يلزمه في زمن الغيبة، لما عرفت أن يكون مناطَ العمل كما هو المشهور وهو المتداول في فقهائنا الإماميّة رضوان اللَّه عليهم، لكن بعد بذل الجُهْد بقدر الوسع مع الفضل الممتاز وخلوص الإيمان .والحديث المشهور - في رخصة بعض الشيعة أن يكون حكماً بينهم بما علّم الإمام عليه السلام من وجوه علاج الاختلاف في زمن عدم إمكان الوصول إليه عليه السلام من دلائل جواز العمل بالظنّ المتآخم من الموصوف بما هو المعتبر في الحكم بالظنّ من الإيمان والفضل الممتاز. وسيجي ء تمام الكلام في بيان الحديث السابع من هذا الباب إن شاء اللَّه تعالى.نعم، يشكل على القول ببطلان العمل بالظنّ.وبرهان الفضلاء كالفاضل الاسترآبادي - صاحب الفوائد المدنية - مصرّ مبالغ في هذا القول حتّى أنّهما التزما في شرح الأحاديث ذِكْرَه ولو بتمحّلات بعيدة للتناسب في المقام.(هكذا ضلالاً) إشارة إلى عبادات المخالفين وبِدَعِهم ، والقدريّة وسيرهم برسومهم المبتدعة ، وطرقهم المخترعة ، وغيرهما من الاثنين والسبعين من هذه الاُمّة.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا: أي إنّما يعبده عبادةً من غير معرفة ضلالاً ؛ لأنّ العبادة لا لمعرفةٍ(1) باللَّه ، لم يكن عبادةً له حقيقةً، ويكون التعبّد به ضلالاً.(2)وقال برهان الفضلاء : «هكذا» إشارة بتغميض العينين إلى العمى. واحتمل «ضُلّالاً» بالضمّ والتشديد، جمع الضّالّ، فالتعدّد باعتبار المعنى، ثمّ احتمل «صَلاَلاً» بالمهملة كسحاب، وهو الماء الآجن.

.


1- .في المصدر: «لا بمعرفة».
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 549 .

ص: 71

(ومُوالاة عليّ عليه السلام) أي التصديق والرِّضا بإمامته وولايته بعد ولاية اللَّه وولاية رسوله صلى اللَّه عليه وآله كما في آية الولاية(1)، وكذا موالاة الأئمّة من ولده وعترة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله «ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ»(2) .(والبراءة إلى اللَّه من عدوّهم) أي المفارقة منهم قلباً ولساناً وإطاعةً ، تقرّباً إلى اللَّه ، ميلاً من باطلهم إلى الحقّ الذي أقامه اللَّه تعالى بلطفه وحججه المعصومين المعروفين حسباً ونسباً .واعتبار معرفة الإمامة فيما لا يتمّ العبادة إلّا به، فلأنّ عدم المعرفة باستناد الحكم إلى اللَّه تعالى يستلزم أن لا يكون العبادةُ عبادةً له تعالى، ولا يصحّ طريق العبادة إلّا بالأخذ عن الحجّة ، لما ثبت بالبراهين القاطعة مفصّلاً.فسَلْ القدريّ القائل بأنّ دعوى مثل الحلّاج والبسطامي والبغدادي حقٌّ ، هل أنت - كما تدّعي - من أهل المعرفة بتصديق اللَّه والنبيّ صلى اللَّه عليه وآله في كلّ ما جاء به وكذا الأئمّة عليهم السلام والتبرّي من أعدائهم، أو من الضالّين والمغضوب عليهم بالتصديق لأعداء اللَّه كما تُصرّ فيه؟ فما أسخفَ تصديقَ القائل بمقالة فرعون مع تصديق الشارع العاقل عن العدل الحكيم المدبّر لمثل هذا النظام العظيم .هل يليق بعظمته سبحانه الأمر بذكره بقول «سبحان اللَّه» ثمّ الأمر بارتداد من هو وليّه والحكمُ بقتله والنصّ بلعنه والإخبار بكونه مخلّداً في النار؟! أم يجوز في حكمته المتقنة إرسالُ الحجج للأنام بذلك الشأن والاهتمام بتلك الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة، ثمّ الأمر ظاهراً في دينه المبين وشرعه المتين بالتبرّي عمّن هو وليّه سرّاً؟! لا واللَّه، لا يليق ، لا يجوز ، سخيفٌ سخيفٌ، وأسخف من أن يُقال سخيف . ألا لعنة اللَّه على القوم الظالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله المعصومين، والحمد للَّه ربّ العالمين «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى»(3).

.


1- .المائدة (5) : 55 .
2- .آل عمران (3): 34.
3- .البقرة (2): 256.

ص: 72

الحديث الثاني 122.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَنْ الوشّاء(1)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِناً حَتّى يَعْرِفَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الْأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ وَ إِمَامَ زَمَانِهِ، وَ يَرُدَّ إِلَيْهِ، وَ يُسَلِّمَ لَهُ». ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ يَعْرِفُ الْآخِرَ وَ هُوَ يَجْهَلُ الْأَوَّلَ؟!».هديّة:(مؤمناً) أي متّصفاً بالإيمان الذي هو مناط النجاة من النار والخلود في الجنّة .(حتّى يَعرِفَ اللَّه) يعني بما عرّفه اللَّه حججه .(ورسولَه والأئمّةَ) أي بما عرّفوا عليهم السلام أنفسهم. وهذا مراد من قال : يعني يعرف اللَّه بالربوبيّة ، والرسول والأئمّة بالرسالة والإمامة.(ويَرُدَّ إليه) بيان لوجه الاحتياج إلى معرفة إمام زمانه التي لا تحصل إلّا بمعرفة النصّ من الإمام السابق عليه، فدلالةٌ على وجوب معرفة كلّهم بوجوب معرفة إمام زمانه. وأمّا وجوب معرفة إمام الزمان لتحقّق الإيمان فبقوله صلى اللَّه عليه وآله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة».(2)(كيف يَعرِف) استئناف بياني لبيان وجوب معرفة الجميع ، ووجهه أيضاً لأنّ معرفة كلّ لاحقٍ موقوفة على معرفة السابق ونصّه عليه؛ أو تعريض بالقائل بإمامة بعض الأئمّة عليهم السلام دون بعضٍ بالإيماء إلى علّة كفره، فالمعنى كيف يَعرِف إمام زمانه وهو يجهل أمير المؤمنين عليه السلام ، مع قوله بإمامته بعدم تصديقه بأنّه وليّ اللَّه بالنصّ، ووصيّ رسوله بغير الفصل، وأنّه لابدّ للدِّين من مثله في العلم والحكمة والعدل والعصمة إلى يوم القيامة؟

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين، عن معلّى، عن الحسن بن عليّ».
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 376 ، باب من مات و ليس له إمام من أئمّة الهدى ، ح 2 و 3، و في الطبعة الجديدة، ج 2 ، ص 264 - 265، ح 979 و 980 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 252 ، ح 175 ؛ و ج 2 ، ص 303 ، ح 119 ؛ ثواب الأعمال ، ص 205 ، ح 1 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 214 .

ص: 73

وقال برهان الفضلاء: «كيف يعرف» ردٌّ على من يدّعي معرفة إمام الزمان مع عدم عرضه المختلف فيه عليه ، وعدم توقّفه في العمل بظنّه فيه، وحمل «الآخر» على إمام الزمان، و«الأوّل» على ربوبيّة اللَّه سبحانه. قال: يعني كيف يعرف العامل بظنّه - وهو شَرِكَ غير اللَّه معه في الحكم - إمام زمانه وهو جاهل بربوبيّة ربّ العالمين؟أقول: ما حرّرناه آنفاً في المقام يكفيك لتحقيق المرام، فحمل الظنّ الممنوع في بياناته بتمام الاهتمام على الرأي والقياس في الأحكام ، كما هو دأب عامّة العوام أولى، وقوله تعالى في سورة الحجرات: «إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(1) ظاهر في عدم كلّية المنع ، والظنّ بما هو الأحوط حسن.

الحديث الثالث 124.الإمام عليّ عليه السلام ( _ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام ) روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ السرّاد(2)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ: لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: أَخْبِرْنِي عَنْ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ مِنْكُمْ وَاجِبَةٌ عَلى جَمِيعِ الْخَلْقِ؟

فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى (3) بَعَثَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ رَسُولًا وَ حُجَّةً لِلَّهِ عَلى جَمِيعِ خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَ اتَّبَعَهُ، وَ صَدَّقَهُ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ مِنَّا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ؛ وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ (4)، وَ لَمْ يَتَّبِعْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَ يَعْرِفْ (5)حَقَّهُمَا، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ وَ هُوَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ يَعْرِفُ 6حَقَّهُمَا؟!»

قَالَ: قُلْتُ: فَمَا تَقُولُ فِيمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ يُصَدِّقُ رَسُولَهُ فِي جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ؟ أَيَجِبُ عَلى أُولئِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِكُمْ؟ .


1- .الحجرات (49): 12.
2- .في الكافي المطبوع: «عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب».
3- .في الكافي المطبوع : «عزّوجلّ» .
4- .في الكافي المطبوع : «وبرسوله» .
5- .في حاشية «الف» : «ولم يعرف» .

ص: 74

124.الإمام عليّ عليه السلام ( _ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنِ عليه السلام ) قَالَ: «نَعَمْ، أَ لَيْسَ هؤُلَاءِ يَعْرِفُونَ فُلَاناً وَ فُلَاناً؟» قُلْتُ: بَلى، قَالَ: «أَ تَرى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مَعْرِفَةَ هؤُلَاءِ؟ وَ اللَّهِ، مَا أَوْقَعَ ذلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا الشَّيْطَانُ ، لَا وَاللَّهِ، مَا أَلْهَمَ الْمُؤْمِنِينَ حَقَّنَا إِلَّا اللَّهُ (1)».هديّة:(ويَعرِف حقَّهما) في الموضعين على النفي بتقدير «لم» و«لا» عطفاً على المنفي، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - بإثبات أداة النفي فيهما.والغرض في السؤال الأوّل الاستفسار عن حال المخالف بأنّه هل هو مؤمن بتصديق اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وآله، أم كافر بترك الولاية ، لتركه ضروريّاً من ضروريّات الدِّين؟وحاصل الجواب: أنّه كافر ؛ لأنّ الإيمان إنّما هو تصديق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في كلّ ما جاء به، ومنه الولاية، فيجب لتحقّق الإيمان تحقّق الإيمان بالولاية أيضاً، ومن لم يؤمن بجميع ما جاء من عند اللَّه تعالى فهو كافر ، والكافر لا يجب عليه معرفة الإمام قبل معرفة الرسول ، وبأمره ونصّه بإذن اللَّه بوجوب ولايته تجب معرفته.وقال بعض المعاصرين:في هذا الحديث دلالة على أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام - كما هو الحقّ - خلافاً لما اشتهر بين متأخّري أصحابنا.(2)أقول: ليس معنى قول المتقدّمين : «إلّا أنّ الكفّار ليسوا مكلّفين بشرائع الإسلام» قبل الإسلام، بل هم مكلّفون بالإسلام وشرائعه وإن كان وجوب العمل بعد وجوب الإيمان ، كالإيمان بالرسالة والولاية، وقد عرفت نصّه عليه السلام بوجوب التصديق بكلّ ما جاء من عند اللَّه ومنه الولاية، مع أنّ وجوب معرفة الإمام بعد وجوب معرفة الرسول صلى اللَّه عليه وآله، فنقل المُجمَع عليه بصورة المختَلَف فيه من سوء فهم الناقل.وقال برهان الفضلاء:حاصل الجواب الأوّل أنّ عموم وجوب المعرفة لا يتفاوت في معرفة الإمام والرسالة،

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عزّوجلّ» .
2- .الوافي ، ج 2 ، ص 82 .

ص: 75

ولعلّ هذا الإجمال يفصّله ما حرّرناه في بيان الجواب والسؤال.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا:هذا الجواب استدلالٌ على وجوب معرفة الإمام على المسلمين دون غيرهم ، بأنّ من لم يؤمن باللَّه ورسوله ولم يصدّق باللَّه ورسوله، لم يكن معرفة الإمام مطلوبة منه؛ لأنّ معرفة الإمام للتعريف وتبيين ما جاء به الرسول لمصدّقه وردّه إليه ، والتسليم والانقياد له ، واجتماعِ كلمة المسلمين وكونهم جماعةً ليظهروا باجتماعهم واتّفاق كلمتهم على غيرهم، فلم تكن مطلوبةً من غيرهم. فلعلّ المراد أنّ معرفة الإمام مطلوبة لا لذاتها ، بل لحفظ الشريعة والاقتداء به فيها، فوجوبها بالحقيقة على المؤمن باللَّه ورسوله؛ فإنّ المطلوب من غير المؤمن أن يؤمن باللَّه ورسوله ، ثمّ إذا أسلم فعليه أن يعرف الإمام ويطيعه. انتهى.(1)فلا يذهب عليك التفاوت في الأقوال بتفاوت تحرير المقال.والغرض في السؤال الثاني تكرار الأوّل ؛ لجمعيّة الخاطر باتّصاف المخالف بالكفر كالكافر، وإن كان مقرّاً بجميع ما أنزل سوى الولاية.وحاصل الجواب : زيادة التثبيت بزيادة التفصيل وبيان سرّ ذلك؛ يعني كما أنّ الإيمان بجميع ما أنزل اللَّه لا يتمّ إلّا بالإيمان بالولاية ، كذلك لا يتمّ إلّا بالتبرّي عن منكرها، وهو جزء الإيمان بالولاية، كما أنّه جزء الإيمان بجميع ما أنزل اللَّه. والسرّ في أنّ المؤمن بجميع ما أنزل اللَّه سوى الموالاة والتبرّي ليس بمؤمن البتّة ، بل كافر قطعاً، «أنّ السعيد سعيد في بطن اُمّه، والشقيّ شقيّ في بطن اُمّه»(2)فالإيمان الذي لا يطابق الإيمان يوم أخذ الميثاق بالولاية والتبرّي إنّما هو من الشيطان ، فكفر وضلالة ، لا إسلام ولا إيمان، والإيمان موهبة أزليّة لا يتغيّر أبداً كما يتغيّر المستودع، مع أنّه جامع لأجزائه

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 551 .
2- .تفسير القمّي ، ج 1، ص 227 ؛ التوحيد ، ص 356 ، باب السعادة والشقاوة ، ح 3 ؛ الزهد ، ص 14 ، باب الأدب والحثّ على الخير ، ح 28 .

ص: 76

وشرائطه في الدنيا من دون تحقّقه في الميثاق، فإسلام ما لم يتغيّر يحلّ به المناكح والمواريث ويحقن الدّم ، ونوره يحيط القلب من خارجه من غير أن يدخل داخله ، لا إيمان يمتنع تغيّره لأزليّته ودخوله داخل القلب، قال اللَّه تعالى: «قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ»(1). وقد مرّ هذا البيان في بيان الحديث الرابع من الباب الأوّل.وقال برهان الفضلاء:حاصل السؤال الثاني استعلام حال المخالفين في تبعيّتهم رؤساءهم المجتهدين الحاكمين بظنّهم، مع التصديق بتعليمهم بجميع ما أنزل اللَّه باعتقادهم. وحاصل الجواب: أنّ تبعيّتهم للحاكمين بالظنّ إنّما هو من الشيطان ، كتبعيّة الحاكمين بالظنّ للشيطان.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا:السؤال الثاني سؤال عن أنّه إذا كان المؤمن مصدّقاً للرسول في جميع ما أنزل اللَّه مفصّلاً ، فأيّ حاجة له إلى الإمام؟ والجواب: إشارة إلى جهة احتياجهم إلى الإمام بعد تصديق الجميع مفصّلاً، وهو أنّ هؤلاء العارفين من أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أضلّهم الشيطان حتّى أطاعوا فلاناً وفلاناً واتّخذوهم إماماً، فانجرّ إلى ما انجرّ إليه من الظلم والطغيان والضلال والعصيان، فالمصدّق للنبيّ في جميع ما أنزل اللَّه ليس يأمن من الشيطان وإضلاله ، فيحتاج إلى الإمام لرفع الأوهام والشُّبه الفاسدة التي يلقيها الشيطان في أذهانهم ويستحسنها نفوسهم على وفق أهويتها الباطلة وأمانيها الفاسدة. انتهى.(2)أقول: محملٌ جيّد نفيس لو لم يكن بناؤه على عدم دخول الإمامة في جميع ما أنزل اللَّه، فلعلّ بناء كلامه على حمله «الجميع» بجميع ما أنزل اللَّه في معرفة الرسول ومعرفة الإمام بعد معرفة الرسول على ما في كلامه المنقول آنفاً. وأنت خبير بما في المبنى عليه أيضاً ، فإنّ بَعديّة معرفة الإمام لا يستلزم عدم دخولها في جميع ما أنزل اللَّه ، وأنّ دخولها فيه ثابت بالإجماع.

.


1- .الحجرات (49): 14.
2- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 552 .

ص: 77

الحديث الرابع 120.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عنه، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ السرّاد(1)، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّمَا يَعْرِفُ اللَّهَ وَ يَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَ عَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ؛ وَ مَنْ لَا يَعْرِفِ اللَّهَ تَعَالى وَ يَعْرِفِ (2) الْإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا يَعْرِفُ وَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، هكَذَا - وَ اللَّهِ - ضَلَالاً».هديّة:(أهلَ البيت) في الموضعين بنصب المضاف على الاختصاص ، وهو أولى من الجرّ على البدل.و(يَعرِف الإمام) عطف على (يعرف اللَّه) والمنفي مجموع الفعلين من حيث المجموع كما هو التحقيق، وما قيل من احتمال أن يكون «الواو» للحال عن فاعل يعرف بعيدٌ، وعليه فدخول الواو للحال على المضارع المثبت إمّا باعتبار أنّه منفيّ في الحقيقة، أو من قبيل إدخال الواو في قوله تعالى في سورة الصفّ: «لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ»(3) عند مَن قال إنّه : «بتقدير وأنتم قد تعلمون» .(هكذا واللَّه ضلالاً) قد سبق بيانه في بيان الحديث الأوّل.

الحديث الخامس 117.أبو عبيدة الحذّاء :روى في الكافي عَنْ الاثنين (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ ذَرِيحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله، فَقَالَ: «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ الْحَسَنُ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ الْحُسَيْنُ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِمَاماً، ثُمَّ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام إِمَاماً، مَنْ أَنْكَرَ ذلِكَ، كَانَ كَمَنْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَ مَعْرِفَةَ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ». .


1- .في الكافي المطبوع: «عنه، أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب».
2- .في الكافي المطبوع : «لايعرف» .
3- .الصفّ (61): 5.
4- .أي «الحسن بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 78

117.أبو عبيدة الحذّاء :ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَعَدْتُهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لي : «إِنَّمَا(1) حَدَّثْتُكَ لِتَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ».هديّة:تأنيث الضمير في «أَعَدْتُها» للمقالة أو الكلمة يُعني .(ثمّ أنت جُعِلتُ فداك) على الاستفهام أو التصديق، فالسكوت عن التصريح رضى أو تقرير. قيل: يمكن أن لا يكون الاُولى من الثلاث، فأربع .في بعض النسخ بزيادة «انّي» قبل «إنّما» لتكون على الخطاب ، ناظر إلى قوله تعالى في سورة المائدة: «فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ»(2)؛ وعلى احتمال التكلّم مع الغير ، إلى قوله عزّ وجلّ في سورة الحديد: «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ»(3)، إذا كان الشهداء هنا عبارة عن الأئمّة عليهم السلام كالصدِّيقين، دون الشيعة.

الحديث السادس 113.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ البرقي، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتّى تَعْرِفُوا ، وَ لَا تَعْرِفُوا حَتّى تُصَدِّقُوا، وَ لَا تُصَدِّقُوا حَتّى تُسَلِّمُوا، أَبْوَاباً أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا، ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ، وَ تَاهُوا تَيْهاً عَظِيْماً(4)؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ، وَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ وَ الْعُهُودِ، فَمَنْ وَفى لِلَّهِ بِشَرْطِهِ، وَ اسْتَعْمَلَ مَا وَصَفَ فِي عَهْدِهِ، نَالَ مَا(5) عِنْدَهُ، وَ اسْتَكْمَلَ وَعْدَهُ؛ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطُرُقِ الْهُدى، وَ شَرَعَ لَهُمْ فِيهَا الْمَنَارَ، وَ أَخْبَرَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ، فَقَالَ: «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَنْ تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَلِحًا ثُمَّ اهْتَدَى»(6) وَ قَالَ: .


1- .في «الف» والكافي المطبوع : «إنّي إنّما» .
2- .المائدة (5): 53.
3- .الحديد (57): 19.
4- .في الكافي المطبوع : «بعيداً» .
5- .في «الف» : + «وظّف» .
6- .طه (20): 82.

ص: 79

113.امام صادق عليه السلام :«إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(1) فَمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُ، لَقِيَ اللَّهَ مُؤْمِناً بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَاتَ قَوْمٌ، وَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَهْتَدُوا، وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ آمَنُوا ، وَ أَشْرَكُوا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ؛ إِنَّهُ مَنْ أَتَى الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا اهْتَدى؛ وَ مَنْ أَخَذَ فِي غَيْرِهَا سَلَكَ طَرِيقَ الرَّدى؛ وَصَلَ اللَّهُ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ، فَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ وُلَاةِ الْأَمْرِ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَ لَا رَسُولَهُ، وَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا نُزِلَ (2) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (3) : «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»، وَ الْتَمِسُوا الْبُيُوتَ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ؛ فَإِنَّهُ أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُمْ «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلوةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصَارُ» إِنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَخْلَصَ الرُّسُلَ لِأَمْرِهِ، ثُمَّ اسْتَخْلَصَهُمْ مُصَدِّقِينَ لذلِكَ (4) فِي نُذُرِهِ، فَقَالَ: «وَ إِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» تَاهَ مَنْ جَهِلَ، وَ اهْتَدى مَنْ أَبْصَرَ وَ عَقَلَ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَ لَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ» وَ كَيْفَ يَهْتَدِي مَنْ لَمْ يُبْصِرْ؟! وَ كَيْفَ يُبْصِرُ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْ؟! اتَّبِعُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَ أَقِرُّوا بِمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ اتَّبِعُوا آثَارَ الْهُدى؛ فَإِنَّهُمْ عَلَامَاتُ الْأَمَانَةِ وَ التُّقى.

وَ اعْلَمُوا: أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ رَجُلٌ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليه السلام، وَ أَقَرَّ بِمَنْ سِوَاهُ مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يُؤْمِنْ؛ اقْتَصُّوا الطَّرِيقَ بِالْتِمَاسِ الْمَنَارِ، وَ الْتَمِسُوا مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ الْآثَارَ؛ تَسْتَكْمِلُوا أَمْرَ دِينِكُمْ، وَ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ».هديّة:«الصالح» : ضدّ الفاسد ؛ من صلح ، كمنع وحسن. والمراد هنا: القابل لدخول الجنّة بالشفاعة وغيرها، كما في قوله تعالى في سورة الرعد وسورة المؤمن: «وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ»(5).

.


1- .المائدة (5): 27.
2- .في الكافي المطبوع : «اُنزل» .
3- .في «د» : - «تعالى» .
4- .في «د» والكافي المطبوع : «بذلك» .
5- .الرعد (13): 23؛ غافر (40): 8.

ص: 80

المضبوط هنا في النسخ: (ولا تعرفوا) بإسقاط النون وكذا «لا تصدّقوا» من التفعيل كتسلّموا. وسيجي ء هذا الحديث في الباب الثالث والعشرين من كتاب الإيمان والكفر، والمضبوط ثمّة فيها : «ولا تعرفوا» وكذا «لا تصدّقون»، فالسهو هنا من كتاب الكافي أوّلاً .(أبواباً أربعةً) نصب على المفعوليّة، فسّرها الفاضل الاسترآبادي بخطّه : بالإيمان باللَّه، وبرسوله وبالذي أنزل، وبولاة الأمر(1). وبرهان الفضلاء : بالتوبة عن الشرك والإيمان بالوحدانيّة، والعمل الصالح، والاهتداء إلى الحجج عليهم السلام ، كما في قوله تعالى في سورة طه: «وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى»(2). والسيّد الأجل النائيني ميرزا رفيعا: بما يتعلّق بمعرفة اللَّه، ومعرفة الرسول، ومعرفة ولاة الأمر، ومعرفة أعدائهم بالبراءة منهم .(3)(لا يصلح أوّلها إلّا بآخرها) من المجرّد أو من الإفعال كما في آية سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»(4)، و«أوّلها» على التفسير الثاني (5) - كما صرّح - عبارةٌ عن كلّ واحد من التوبة والإيمان والعمل الصالح، و«آخرها» عن كلّ واحد من الإيمان والعمل الصالح والاهتداء ، و«الثلاثة» عن مجموع التوبة والإيمان والعمل الصالح، وقيل: يعني : الأوّل والثاني والثالث ، وقال المفسّر الثالث (6) : «ضلّ أصحاب الثلاثة» أي الذين يرون الاكتفاء بالثلاثة الاُوَل من الأربعة والغنى عن الرابع؛ أي البراءة عن أعداء الحجج عليهم السلام.(7)و«التيه» بالفتح والكسر ، تاه يتيه تيهاً : تحيّر ضالّاً .

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 140 .
2- .طه (20): 82.
3- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 555 .
4- .الأحزاب (33): 70 و 71.
5- .أي تفسير برهان الفضلاء .
6- .أي الميرزا رفيعا.
7- .الحاشية على اُصول الكافي لرفيع الدين الميرزا رفيعا النائيني ، ص 555 .

ص: 81

في بعض النسخ : «بعيداً» مكان (عظيماً) .(لا يَقبَلُ إلّا العملَ الصالحَ) على المعلوم من باب علم، وقيل: أو على المعلوم من الإفعال.والمضبوط هنا : (الوفاء) وفي كتاب الإيمان والكفر : «بالوفاء» بزيادة الباء و«بشروطه» مكان (بشرطه).في بعض النسخ المعتبرة كما ضبط السيّد حسن القايني : «نال ما وُظِّف عنده» بزيادة «وظّف» على المجهول ، من التوظيف من الوظيفة ، وهي ما عيّن كلّ يوم من طعام أو رزق، وظّفته توظيفاً.(إنّ اللَّه تعالى أخبر العباد بطرق الهدى) إلى قوله: (بما جاء به محمّد صلى اللَّه عليه وآله) استئنافٌ بياني للشروط والعهود.(فيما أمره) أي من المحرّمات على القلب والجوارح ، والأصل التقوى الباطني ، وهو التبرّي من أعداء الدِّين ، وبدونه لا يثمر فرعه حسنة، فويلٌ للمُصالح مع الجميع كالقدريّة لعنهم اللَّه، وقال في سورة المائدة: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ»(1).و«الواو» في (وأشركوا) حاليّة، أو عاطفة بتقدير «قد».(إنّه من أتى البيوت) بكسر الهمزة ، استئناف بيانيّ؛ أو بفتحها، فمفعول «يعلمون» ناظر إلى قوله تعالى في سورة البقرة: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(2).(وَصَلَ اللَّه) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(3).(والتَمِسُوا) عطفٌ على (خذوا) بعد الاقتباس من سورة الأعراف ، كآية سورة النور بعد العطف ، وهي هكذا: «فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ

.


1- .المائدة (5): 27.
2- .البقرة (2): 189.
3- .النساء (4): 59.

ص: 82

وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ»(1) الآية.قوله تعالى في الأعراف: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ»(2)، فسّر الفاضل الاسترآبادي «الزينة» بخطّه : بالتمسّك بأهل البيت عليهم السلام وبالكيفيّة المسموعة منهم عند كلّ صلاة، قال: وحيّ على خير العمل مفسّر في بعض الروايات بذلك (3). وبرهان الفضلاء وأكثرهم : بلباس التقوى والعلم بالأحكام الإلهيّة مأخوذةً عن المعصوم أو محكماتِ الكتاب والسنّة.أقول: نعم، الزينة : التقوى ، لكن بعد زينة الإيمان؛ وقد عبّر القرآن في سورة الحجرات عن معرفة الإمام ب «الزينة» ، قال اللَّه سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(4). قد عبّر عن الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام ب «الإيمان» بدليل «أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ» على المبالغة ، كعدل للعادل . والإفراد لعدم التفاوت في نور الولاية والعلم وفضل الحكمة والعصمة؛ وعن الإيمان ب «النِّعمة» في مواضع كثيرة ، منها: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»(5)، «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى»(6)، «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(7).وكما أنّ النعمة في نسق القرآن عبارةٌ عن التشيّع ، يعني موالاة الحجّة المعصوم والتبرّي من أعدائه بشروطهما في أيّ زمان كان ، من لدن آدم إلى آخر الزمان، كذلك التعبير فيه عن الأوّل بالكفر، وعن الثاني بالظلم أو الفسق - وهو لغةً الظلم - ، وعن

.


1- .النور (24): 36 - 37.
2- .الأعراف (7): 31.
3- .الحاشية على اُصول الكافي ، ص 140.
4- .الحجرات (49): 7 - 8 .
5- .الفاتحة (1): 7.
6- .المائدة (5): 3.
7- .الضحى (93): 11.

ص: 83

الثالث بالعصيان لما لا يخفى. والتعبير عن الثاني بالفسوق هنا - وهو مفرد وجمع - فلتناظره للطرفين ، وللإشارة إلى كثرة ظلمه وأنّه أكثر ظلماً من صاحبيه، وعن الأوّل بالكفر لوجوه، منها: ظهور طغيان كُفرِه أوّلاً وهو معيار سائر الوجوه، فتدبّر، وكانت مدّة خلافته سنتين، قال اللَّه تعالى في سورة الزمر: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(1)، وفي سورة المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ»(2)، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ»(3)، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»(4).ولا تغفل عن نزول «أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ» قبل اشتهار الخلفاء الراشدين فيما بين المخالفين ، بعد انقراض زمانهم. والمشار إليه لاُولئك: الذين عبّر عنهم بالإيمان ، لما عرفت، وليس في الآية ما يصلح أن يكون مشار إليه غيره، فقال في سورة الفاطر: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ»(5) إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول في سورة الحجّ: «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ»(6).والمراد ب «المسجد» في قوله: (عند كلّ مسجد) الإمامُ الحقّ، كما فسّرت «المساجد» في قوله تعالى في سورة الجنّ: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للَّهِ ِ»(7) بالأئمّة عليهم السلام، إذ لا تقبل عبادة بدون ولايتهم وهم مَحالّ سجود العباد وخضوعهم للَّه تبارك وتعالى.(استخلص الرسلَ لأمره): استمحضهم بما لا مزيد عليه بأن جَعَلَهم خالصين من كلّ منافٍ لفضل العصمة اللازمة للحجّية. وهذا ناظر إلى قوله تعالى في سورة ص ، بعد

.


1- .الزمر (39): 8 .
2- .المائدة (5): 44.
3- .المائدة (5): 45.
4- .المائدة (5): 47.
5- .فاطر (35): 24.
6- .الحج (22): 46.
7- .الجن (72): 18.

ص: 84

ذكر داود وسليمان وأيّوب: «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الْأَيْدِى وَالْأَبْصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ»(1) إلى قوله: «وَكُلٌّ مِنْ الْأَخْيَارِ»(2).(ثمّ استخلصهم) يعني : ثمّ اصطفاهم؛ هكذا هو المضبوط ، فلا يذهب عليك أنّ الظاهر ثمّ استخصّهم.(مصدِّقين لذلك في نذره). في بعض النسخ : «بذلك» بالمفردة، يعني : حال كون كلّ منهم مصدّقاً بالجميع في سائر منذريه أو في إنذاراته .(لو أنكر رجلٌ عيسى بن مريم) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة البقرة: «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ»(3).(اقتصّوا): اقتفوا .(والتمسوا من وراء الحجبِ الآثارَ) أي مع امتناع رؤية المدبّر تعالى آثار تدبيره، أو في زمن الغيبة أخبار الإمام وأحاديثه عليه السلام، وتنبيه على وجوب الإيمان بولاية الاثنى عشر ، وبعدم خلوّ الدنيا من الحجّة المعصوم من أوّلها إلى آخرها.

الحديث السابع 110.عنه عليه السلام : روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ (4)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ صَغِيرٍ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابٍ؛ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ سَبَباً، وَ جَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً، وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً، وَ جَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً ، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ وَ جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَنَحْنُ».هديّة:(أن يُجري) على المعلوم من الإفعال، ويحتمل خلافه منه، والمعلوم من المجرّد .

.


1- .ص (38): 45 و 46.
2- .ص (38): 48.
3- .البقرة (2): 285.
4- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد».

ص: 85

(سبباً) أي حكمة محكمة، ومصلحة متقنة.(شرحاً) أي من التنزيل .(علماً) أي معاني معيّنة من التفسير والتأويل ، لا يتجاوز غيرها منهما .(ناطقاً): حجّة معصوماً. وفي آخر الحديث دلالة على أنّهم عليهم السلام سببٌ في إفاضة العلوم من اللَّه تعالى على سائر المعصومين عليهم السلام.وقال الفاضل الاسترآبادي: «الشي ء»: دخول الجنّة ، و«السبب» : الطاعة ، و«الشرح» : الشريعة ، و«العلم» رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، و«الباب» أئمّة الهدى عليهم السلام.(1)وقال برهان الفضلاء:يعني : «أبى اللَّه أن يُجْري» الأحكام؛ أي أحكام الحلال والحرام إلّا بآيات من القرآن، لتكون كلُّ آية وسيلةً لحكم منها؛ فردٌّ على المخالفين ، لقولهم بأنّه ليس بعض الأحكام في القرآن. «شرحاً» أي من القرآن بمعنى أنّ بعض القرآن يفسّر بعضه؛ فردٌّ على المصوّبة ، لقولهم بأنّ المختَلَف فيه إنّما هو مجمل في القرآن أو شبيه بالمجمل. «علماً» أي جعل ذلك الشرح على نهجٍ يفيد العلم للمؤمن بولاية المعصوم بتعليم المعصوم، فلا يحكم في شي ء أصلاً بمجرّد الظنّ الحاصل له بالاجتهاد؛ فردٌّ على المخطّئة ، لقولهم بامتناع تحصيل العلم في المختلف فيه، وعلى من يحكم بظنّه الحاصل بالاجتهاد.أقول: قد مرَّ الكلام في معنى العمل بالظنّ في أوّل الباب، وأنت خبير بأنّ الحكم في المختلف فيه موافقاً لتعليم الإمام عليه السلام وإن كان حكماً بالعلم - لو لم نَقُلْ إنّه ظنّ متَآخم - لكن العلمَ بثبوت الاختلاف في وجوه التعليم باختلاف مآخذها ومستنداتها ثابتٌ في زمن الغيبة البتّة، فليس بدٌّ للمؤمن الممتاز في فضله من العمل بظنّه ، كما هو دأب الفضلاء الإماميّة.وإنّما قلنا: «لو لم نقل إنّه ظنّ متآخم» لأنّه من المعلوم أنّ العلم القسيم للظنّ لا يختلف بالشدّة والضعف، والفرق بين المسموع في الحضور وفي زمن الغيبة ظاهر،

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 141 .

ص: 86

فالعلم الحاصل في زمن الغيبة من وجوه التعليم مع ثبوت الاختلاف فيها ليس إلّا ظنّاً متآخماً من العلم ، شبيهاً به جدّاً ، كأنّه هو كعلم غير المعصوم بمحكمات الكتاب والسنّة - على ما عرفت في أوّل الباب - فلا يرد أنّ علاج الاختلاف بوجوه التعليم شاملٌ للاختلاف فيها أيضاً، ولا أنّ محكمات الكتاب والسنّة تكفي للحكم بالعلم.نعم، لا شكّ أنّ التوقّف في المختلف فيه إن أمكن ولم يلزم منه حرجٌ أولى وأسلم ، وكون عدمِ التوقّف في الحكم مع عدم تقاعد الحكّام عنه موجباً لعدم ظهور الإمام عليه السلام لا يمنع لزومَ الحرج ، وهو منفيّ بالنصّ عموماً ، من غير فرق بين أن يكون لزومه من جانبهم أو من جانب اللَّه، والمخاطب كلّ أحد بخصوصه، «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(1)، مع أنّ حكمة الغيبة كحكمة تعيين وقت الظهور في علمه تعالى ليست مجرّدَ خوف الإمام وعدمَ إطاعة الرعيّة له عليه السلام، فعموم نفي الحرج باقٍ إلى يوم القيام، كهذه المباحثة إلى ظهور الإمام عليه السلام.

الحديث الثامن 103.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ(2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ دَانَ اللَّه بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ، فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَ هُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَ اللَّهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ، وَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَ قَطِيعِهَا، فَهَجَمَتْ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةً يَوْمَهَا، فَلَمَّا جَنَّهَا اللَّيْلُ، بَصُرَتْ بِقَطِيعِ غَنَمٍ مَعَ غير(3) رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا، وَبَاتَتْ (4) مَعَهَا فِي مَرْبِضِهَا، فَلَمَّا أَنْ سَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ ، أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَ قَطِيعَهَا، فَبَصُرَتْ بِغَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا ، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَ اغْتَرَّتْ بِهَا، فَصَاحَ بِهَا الرَّاعِي: الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ؛ .


1- .الأنعام (6): 164.
2- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين».
3- .في الكافي المطبوع : - «غير» .
4- .في الكافي المطبوع : «فباتت» .

ص: 87

103.رسول خدا صلى الله عليه و آله :فَإنّك (1) تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ عَنْ رَاعِيكِ وَ قَطِيعِكِ، فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً نَادَّةً(2) لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلى مَرْعَاهَا أَوْ يَرُدُّهَا، فَبَيْنَا هِيَ كَذلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا، فَأَكَلَهَا .

وَ كَذلِكَ وَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - ظَاهِرٌ عَادِلٌ، أَصْبَحَ ضَالًّا تَائِهاً، وَ إِنْ مَاتَ عَلى هذِهِ الْحَالَةِ، مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَ نِفَاقٍ.

وَ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ وَ أَتْبَاعَهُمْ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ، قَدْ ضَلُّوا وَ أَضَلُّوا؛ فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَىْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ»(3)» .هديّة:«جهد نفسه» كمنع: أتعبها ، كأجهدها.«شانئ المرء» : عدوّه ومبغضه.«هجمت» كنصر : اضطربت ، من الهجوم ، وهو الدخول على الشي ء بغتةً، والانهدام دفعة. ضبطه برهان الفضلاء على البناء للفاعل ، بمعنى اضطربت، وقيل: الأنسب على المعنى الأوّل بنائه للمفعول بمعنى المهجوم عليها من جهة الاضطراب ، ولم يُسمع .«جَنَّه» كمدّ : ستره ، كأجنّه، وكذا جنّ عليه وأجنّ عليه ، بمعنى دخل عليه وستره .(مع راعيها) في أكثر النسخ ، وفي بعضها : «مع غير راعيها» أي مع راعٍ غير راعيها.(فلمّا أَنْ ساق) بفتح الهمزة وسكون النون ، زيدت لتأكيد اتّصال الإنكار بالسوق.(حنّت) بتشديد النون كفرّ : اشتاقت. و«الربض» بالتحريك وكمجلس بمعنى.و«الذَّعْر» بفتح الذال المعجمة وسكون العين المهملة : الخوف ، وهو ذَعِر كصعق.(نادّة) : شاردة نافرة .(إذا اغتنم) للمفاجأة ، ويجوز بدون الألف أيضاً للمفاجأة ، كما هو الأكثر بعد «بينا» و«بينما».

.


1- .في الكافي المطبوع : «فأنت» .
2- .في الكافي المطبوع : «تائهة» .
3- .إبراهيم (14): 18.

ص: 88

(ضَيْعتَها) بالفتح ، كضياعها ، بمعنى ضاع يضيع ضيعةً وضياعاً : تلف .(ظاهرٌ) أي حَسَبه ونسبه، وقرئ : «طاهراً» أي من الرجس. وضبط برهان الفضلاء : «ظاهرٌ عادلٌ» بالرفع ، صفةٌ بعد الصفة لاسم «لا» لنفي الجنس ، والخبر : «له» ، والاسم : «الإمام»، والصفة الاُولى : «من اللَّه».(ميتة) بالكسر للنوع ، مفعول مطلق للنوع ومضاف وناظر إلى الحديث المشهور .«يوم عاصف اشتدّت فيه الرّيح» ، فالوصف على المجاز العقلي للمبالغة ، كأنّ تمامه ريحٌ عاصفة.

الحديث التاسع 102.ابو درداء ، ابو اُمامه ، واثلة بن اسقع و انس بن م روى في الكافي عَنْ الاثنين (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ مُقَرِّنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «جَاءَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «وَعَلَى الأَْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَاهُمْ»؟ فَقَالَ: نَحْنُ عَلَى الْأَعْرَافِ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ؛ وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - إِلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا؛ وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ؛ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ؛ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ؛ إِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاء لَعَرَّفَ الْعِبَادَ نَفْسَهُ، وَ لكِنْ جَعَلَنَا أَبْوَابَهُ وَ صِرَاطَهُ وَ سَبِيلَهُ وَ الْوَجْهَ الَّذِي يُؤْتى مِنْهُ، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ وَلَايَتِنَا، أَوْ فَضَّلَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا، فَإِنَّهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ، فَلَا سَوَاءٌ مَنِ اعْتَصَمَ النَّاسُ بِهِ، وَ لَا سَوَاءٌ حَيْثُ ذَهَبَ النَّاسُ إِلى عُيُونٍ كَدِرَةٍ يَفْرَغُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَ ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَيْنَا إِلى عُيُونٍ صَافِيَةٍ تَجْرِي بِأَمْرِ رَبِّهَا، لَا نَفَادَ لَهَا وَ لَا انْقِطَاعَ».هديّة:«عبداللَّه بن الكَوّاء» بالفتح والتشديد والمدّ ، كان رئيساً لجماعة من خوارج النهروان.والآية في سورة الأعراف ، قال اللَّه تبارك و تعالى: «وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ

.


1- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 89

رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ»(1)؛ فسّر هكذا: أي بين أهل الجنّة وأهل النار حجابٌ، أي واسطة وهم الذين لم يحكم اللَّه بَعْدُ بأنّهم من أهل الجنّة أو من أهل النار، وهم سبعة أصناف:الأوّل: أهل خلط العمل الصالح بالعمل السيّئ.والثاني: المُرجون لأمر اللَّه.والثالث: المستضعفون لا يستطيعون حيلة إلى الكفر ، ولا يهتدون سبيلاً إلى الإيمان.والرابع: أصحاب الأعراف ، وهم طائفة من الإماميّة أدركوا صحبة إمام زمانهم ، وهم مبتلون بالمعاصي، فلكثرة ذنوبهم صاروا حجاباً، أي واسطة بذلك المعنى.والخامس: المؤلّفة قلوبهم.والسادس: من يعبد اللَّه على حرف.والسابع: المُعارون .«وأهل خلط العمل الصالح بالعمل السيّئ» فسّر بالذين أكثروا المعصية إلّا أنّ طاعتهم أكثر من معصيتهم، و«المُرجَون لأمر اللَّه» بالمؤخّرين لحكم اللَّه فيهم يوم القيامة من غير تصريح في القرآن بنجاتهم أو عذابهم، و«المستضعفون» بالنساء والولدان على الوصف، و«أصحاب الأعراف» بما ذكر، و«المؤلّفة قلوبهم» بما سيذكر في كتاب الإيمان والكفر مفصّلاً - كتفسير سائر الأصناف - إن شاء اللَّه تعالى، و«من يعبد اللَّه على حرف» بالشاكّين الذين ينتظرون (2) الفرج بأنّه إن حصل آمنوا وإلّا رجعوا، و«المعارون» بالذين استودع اللَّه فيهم الإيمان ، فإن شاء أن يتمّ لهم أتمَّه ، وإن شاء أن يسلبهم إيّاه سلَبهم.

.


1- .الأعراف (7): 46.
2- .في «د» : «ينظرون» .

ص: 90

و(الأعراف) جمع عارف ، كناصر وأنصار، وكما يُطلق في عرفهم عليهم السلام على الشيعة ؛ لمعرفتهم بالإيمان بالولاية، يُطلق على الأئمّة عليهم السلام ؛ لمعرفتهم بالربّ تعالى بما لا مزيد عليه في الخلق، فالأعراف أعمّ مطلقاً من أصحاب الأعراف.والمراد ب «الرجال» في الآية الأئمّة عليهم السلام.(يُعرِّفُنا اللَّهُ) على المعلوم من التفعيل ، دون المجرّد؛ لبُعد الاحتمال .(لعرّف العبادَ نفسَه) أي من دون توسّط المعصوم - كما جرت العادة - لحِكَم ومصالح شتّى.«نكب» عن الطريق كنصر : عَدَل .(فلا سواء من اعتصم) على الاقتصار في الكلام لظهور المراد ؛ أي لا يساوي متمسّك الناس متمسّككم .(ولا سواء) تكرار بالعطف والاقتصار للتأكيد .(يُفرَغ) على المجهول ، أي يصبّ حتّى يفرغ ويفني، فكما فيه إشارةٌ إلى اتّصال شعوب الكفر والضلال بعضها ببعض كنسج العنكبوت ، إشارةٌ إلى انتهاء أمرهم إلى الفناء والهلاك، والجامع لجميع تلك الشعوب طريقةُ القدريّة لعنهم اللَّه.

الحديث العاشر100.عنه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عَنْ الاثنين (1)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ الْخَرَّازِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، يَخْرُجُ أَحَدُكُمْ فَرَاسِخَ، فَيَطْلُبُ لِنَفْسِهِ دَلِيلاً، وَ أَنْتَ بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَجْهَلُ مِنْكَ بِطُرُقِ الْأَرْضِ، فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ دَلِيلاً».هديّة:(الرَّيَّان بن شَبيب) كأمير : خال المعتصم ، ثقةٌ ، سكن قم، ورَوى عنه أهلُها.

.


1- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 91

«طرق السماء» عبارة عن طرق الأحكام الدينيّة النازلة بالوحي من السماء ، أو طرق الجنان ، وهي في السماء .(دليلاً) أي هادياً يكون عندك ثقة قطعاً. والدليل الذي يؤمن معه المستدلّ من دون شكّ منه فيه أصلاً إنّما هو المعصوم، فكما أنّ الغرض هنا التعجّب من حال المستدلّ لسفر الدنيا مع قعوده عن طلب الدليل لسفر الآخرة ، كذلك فيه الإيماء إلى أنّ الدليل الذي تجب إطاعته والمقبول منه - سيّما إذا كان مخبراً عن طرق السماء هادياً إليها - تجب أن تكون ثقته قطعيّة، ولا تجب على أحد إطاعةُ من ليس كذلك ، لا عقلاً ولا سمعاً، حاشا أن يكون المدبّر الحكيم لمثل هذا النظام العظيم قادراً على خلق المعصوم ، فيهمل ويفوّض أمره إلى حكم غيره بالاجتهادات التي ترى (1)والآراء المضادّة لتضادّها في الهوى.

الحديث الحادي عشر96.امام باقر عليه السلام : روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي (2)، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالىَ : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خيراً كَثِيرًا» فَقَالَ: «طَاعَةُ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةُ الْإِمَامِ».هديّة:سيأتي نظير هذا الحديث ببيانه في باب تفسير الكبائر من كتاب الإيمان والكفر.والآية في سورة البقرة(3)، والعطف في تفسيرها من قبيل عطف الجزء الأعظم على كلّه.و(الحكمة) شأن العقل، وشأن العقل الإيمان، وشأن الإيمان معرفة الإمام، فظهر وجه التفسير ، وأنّ مسائل الحكمة في الحقيقة إنّما هي الاُصول الثابتة عند الشيعة ببراهينها القاطعة.

.


1- .في «الف» : «نرى» .
2- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
3- .البقرة (2) : 269 .

ص: 92

الحديث الثاني عشر97.رسول اللّه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «هَلْ عَرَفْتَ إِمَامَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: إِي وَ اللَّهِ، قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: «حَسْبُكَ إِذاً».هديّة:يعني هل عرفت أنّ هذا الدِّينَ المنهيَّ عنه التفرّق فيه ، لابدّ له من إمام معصوم مفترض الطاعة قطعاً لقطعيّة ثقته.وقوله: (قبل أَنْ أَخْرُجَ) إشارة إلى أنّ سبب خروجه للزيارة وعرض المطلب - من المختَلَف فيه وغيره - إنّما هو المعرفة.

الحديث الثالث عشر93.ابو اُمامه : روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ بُزُرْجَ ، عَنْ العِجْلِيِ (1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» فَقَالَ: «مَيْتٌ (2)لَا يَعْرِفُ شَيْئاً» ، وَ«نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ» : «إِمَاماً يُؤْتَمُّ بِهِ»، «كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّلُمَتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا» قَالَ: «الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ».هديّة:الآية في سورة الأنعام.(3)و(المَيْت) بالفتح وسكون الخاتمة : مخفّف «ميّت» بالتشديد ، والأصل «مَيْوِت» على فيعل ، فاُدغم ثمّ يخفّف ، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، قال اللَّه تعالى في سورة

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن بُريد».
2- .في «الف» : «ميتاً» .
3- .الأنعام (6) : 122 .

ص: 93

الفرقان: «لِنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً»(1).(لا يَعرِف شيئاً) أي إماماً. وفي التعبير في التفسير إشارةٌ إلى أنّ الجاهل بإمامه كأنّه لا يعرف شيئاً أصلاً كالجماد ، بعد الإشارة إلى أنّ المرادَ الميّتُ بموت الجهل، وهو الموت حقيقةً، قال اللَّه تعالى في سورة البقرة: «وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ»(2)، وفي سورة آل عمران: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(3)، وعليه قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس من مات فاستراح بميّت، إنّما الميّت ميّت الأحياء».(4)(كمن مَثَلُه) أي شأنه وحاله أنّه في الظلمات.

الحديث الرابع عشر91.حمّاد :روى في الكافي عَنْ الاثنين (5)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، فَقَالَ عليه السلام: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَ لَا أُخْبِرُكَ، بِقَوْلِ اللَّهِ : «مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَ هُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئذٍ ءَامِنُونَ * وَ مَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(6)؟ قَالَ: بَلى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ: الْحَسَنَةُ: مَعْرِفَةُ الْوَلَايَةِ وَحُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَالسَّيِّئَةُ: إِنْكَارُ الْوَلَايَةِ وَ بُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَةَ»(7). .


1- .الفرقان (25): 49.
2- .البقرة (2): 154.
3- .آل عمران (3): 169 - 170.
4- .الأمالي للطوسى ، ص 310 ، المجلس 11 ، ح 625 ؛ وعنه البحار ، ج 79 ، ص 175 ، ح 13 ، وفيهما عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله .
5- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
6- .النمل (27): 89 - 90.
7- .في الكافي المطبوع : «هذه الآية» .

ص: 94

هديّة:ضبط العلّامة طاب ثراه في إيضاحه : (محمّد بن اُورَمَة) بضمّ الهمزة وإسكان الواو وفتح الراء المهملة(1). وابن داود في رجاله بضمّ الراء(2). ومنهم من ضبط «محمّد بن اُرومة» بضمّ الراء وتقديمها على الواو . وهو قمّي يكنّى «أبا جعفر» ولبيان حاله تفصيل في كتب الرجال (3) .و(الجَدَلي) بالتحريك : في النسبة إلى جَدِيلة اُمّ قبيلة من حمير.و(الولاية) بالفتح والكسر : تولّى الأمر في ليلة القدر ومعرفة الإمام المعصوم المفترض الطاعة.(وحُبُّنا) عطف تفسير.و(أهل) بدل أو منصوب بالاختصاص على الأولى، كما هو دأب برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى .(ثمّ قرأ عليه الآية) له وجوه من الاحتمال. والآية في سورة النمل.

.


1- .إيضاح الاشتباه ، ص 271 ، الرقم 587 .
2- .رجال ابن داود ، ص 499 .
3- .راجع : رجال النجاشي ، ص 329 ، الرقم 891 ؛ رجال ابن داود ، ص 499 ، الرقم 417 ؛ الخلاصة ، ج 1 ، ص 252 ، الرقم 28 .

ص: 95

الباب الثامن: باب فرض طاعة الأئمّة

الباب الثامن : بَابُ فَرْضِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة عشر:

الحديث الأوّل 72.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي عَنْ الأربعة(1)، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «ذِرْوَةُ الْأَمْرِ وَ سَنَامُهُ وَ مِفْتَاحُهُ وَ بَابُ الْأَشْيَاءِ وَ رِضَا الرَّحْمنِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا»».هديّة:(الذروة) بالضمّ ويكسر ، واحدة ذرى الشي ء : أعاليه.والمراد ب (الأمر) هنا الدِّين الحقّ.و«السنام» كسحاب : البعير ، ويستعار لأعلى الشي ء ؛ يجوز رفعه، فالعطف تفسيري، و جرّه، فالمعنى وذورة ذروته .في بعض النسخ : «وسنائه» بالهمز مكان الميم، وهو الرِّفعة. و«السَّنا» بالفتح والقصر : ضوء البرق ، ونبت يتداوى به.و(مفتاحه) عطف على الذروة .

.


1- .أي «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز».

ص: 96

(وباب الأشياء) أي الخير كلّه ، على المفتاح عطفاً تفسيريّاً.(ورضا الرحمن) أيضاً يجوز رفعه وجرّه، و«الرضا» بالقصر : مصدر، وبالمدّ : اسم.والمراد ب (الإمام) هنا الحجّه المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى ، نبيّاً أو وصيّاً، بدليل الاستدلال بالآية في سورة النساء(1)، أو المعنى الطاعة للإمام المنصوص منّا أهل البيت من الرسول صلى اللَّه عليه وآله، فالآية استشهاد للنصّ؛ لأنّ المعنى من يطع الرسول في كلّ ما جاء به من عند اللَّه وأهمّه الولاية .(بعد معرفته) أي بأنّه من اللَّه ، لأنّه لابدّ لمثل الدِّين القويم - في مثل النظام العظيم مع انحصار الأعلميّه به في مدبّره - من إمام معصوم مفترض الطاعة لقطعيّة ثقته.وفي التفسير : «وَمَن تَوَلَّى» أي عن إطاعة الإمام فاتركهم «فَمَآ أَرْسَلْنَكَ» لتكون موكّلاً عليهم لإيصالهم إلى طريق الحقّ جبراً ، فإنّا منهم منتقمون.

الحديث الثاني 70.الإمام الصادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ (2)، قَالَ ، أنّي (3) أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ الْحَسَنَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ إِمَامٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ».هديّة:(أنّي أشهد) أي باللَّه، يعني واللَّه. قال الأخفش: قولهم: «أشهدُ بكذا» أي أحلِفُ.(4)والسكوت عن إظهار فرض طاعته عليه السلام للاكتفاء بظهوره.

.


1- .النساء (4) : 80 .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصبّاح» .
3- .في الكافي المطبوع : - «أنّي» .
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 494 (شهد) .

ص: 97

الحديث الثالث 56.البيان و التبيين :روى في الكافي بإسناده عَنْ بَشِيرٍ الْعَطَّارِ(1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، وَ أَنْتُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِهِ».هديّة:يعني عن دلائل معرفته ظاهرة ، وبراهين فرض طاعته باهرة ، بحيث لا يخفى على مكلّف ، فلا يعذر بجهالته. وذلك إمّا بنصّ الكتاب ، فبآيات محكمات، كآية الولاية(2)وآية عدم نيل الظالمين من عهد الإمامة(3)، وآية التبليغ (4)، وآية التطهير(5)، وآية المباهلة،(6)وآية إطاعة اُولي الأمر،(7) وغيرها من المحكمات الكثيرة ؛ وإمّا بتواتر السنّة ، فبنصوص متواترة متوافرة في كتب المخالفين أيضاً ، وهي أكثر من أن تُحصى؛ وإمّا بحكم العقل ، فلقطعه بوجوب إمام معصوم عاقل عن اللَّه سبحانه ، قطعيّ الوثوق به لأمر الدِّين، المنهيّ عنه التفرّق فيه ، بعد قطعه بأنّ الأعلم بما هو الحقّ - في مثل هذا النظام بهذه الآراء المختلفة المتضادّة فيه - إنّما هو مدبّره العدل الحكيم اللطيف الخبير تعالى شأنه.

الحديث الرابع 58.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ(8)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» قَالَ: «الطَّاعَةُ الْمَفْرُوضَةُ». .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ قال : حدّثنا حمّاد بن عثمان ، عن بشير العطّار» .
2- .المائدة (5) : 55 .
3- .البقرة (2) : 124 .
4- .المائدة (5) : 67 .
5- .الأحزاب (33) : 33 .
6- .آل عمران (3) : 61 .
7- .النساء (4) : 59 .
8- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار» .

ص: 98

هديّة:قال اللَّه تعالى في سورة النساء: «فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(1)، فسّر آل «إبراهيم» بذرّيته المعصومين إلى يوم القيامة، وجهة العظم الفضل على جميع الكائنات من جميع الجهات.

الحديث الخامس 53.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْقَمَّاطِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَطَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «أُشْرِكَ بَيْنَ الْأَوْصِيَاءِ وَ الرُّسُلِ فِي الطَّاعَةِ».هديّة:(اُشرك) على ما لم يسمّ فاعله من الإفعال، أو على الأمر منه .(في الطاعة): في افتراضها. والجهة الجامعة اُمور كثيرة ، منها: فضل العصمة والعقل عن اللَّه سبحانه.

الحديث السادس 52.عنه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ الْكِنَانِيِ (2)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، لَنَا الْأَنْفَالُ، وَ لَنَا صَفْوُ الْمَالِ، وَ نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَ نَحْنُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ»(3)».هديّة:«النَّفَل» بالتحريك : الغنيمة ، والجمع: أنفال، والمراد هنا الغنائم، وما لم يوجف عليه

.


1- .النساء (4): 54.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصبّاح الكناني» .
3- .النساء (4) : 54 .

ص: 99

بخيل ولا ركاب من الأرضين ورؤس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وما يجري مجرى ذلك .و(صفو المال) : ما اختاره الرئيس من الغنيمة قبل القسمة.(ونحن الراسخون في العلم) كما نطق به القرآن في سورة آل عمران (1).(ونحن المحسودون) أي على ما آتانا اللَّه من الفضل والمُلك العظيم، كما نطق به الكتاب في سورة النساء.«وجف» كوعد : اضطرب ، وقلبٌ واجفٌ، والوجيف : ضرب من سير الإبل والخيل، وَجَفَ البعير وأوجفته أنا، قال اللَّه تعالى في سورة الحشر: «فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ»(2) أي ما أعملتم.

الحديث السابع 45.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده بطريقين (3) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(4)، قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَوْلَنَا فِي الْأَوْصِيَاءِ: إِنَّ طَاعَتَهُمْ مُفْتَرَضَةٌ(5): فَقَالَ: «نَعَمْ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا»».هديّة:(قولنا) إمّا بالرّفع على الابتداء بتقدير الاستفهام، وخبريّةِ «أنّ» بالفتح والتشديد - كما ضبطه برهان الفضلاء - بمعنى هل قولنا فيهم هذا؟ أو بالنصب مفعولاً للذّكر، ف «إنّ» بالكسر.

.


1- .آل عمران (3) : 7 .
2- .الحشر (59): 6.
3- .الظاهر أنّ تعبير المصنّف عن السند هنا «بطريقين» خطأ . راجع : تعليقتنا في ذيل الحديث السادس عشر من هذا الباب .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء» .
5- .في الكافي المطبوع : + «قال» .

ص: 100

والآية الاُولى في سورة النساء(1)، والثانية في المائدة(2).

الحديث الثامن 43.امام على عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العدّة، عَنْ أَحْمَدَ(3)، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ فَارِسِيٌّ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام، فَقَالَ: طَاعَتُكَ مُفْتَرَضَةٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: مِثْلُ طَاعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أمير المؤمنين عليه السلام (4)؟ فَقَالَ : «نَعَمْ».هديّة:يعني أبا الحسن الثاني الرضا عليه السلام، وفي بعض النسخ : «عليّ بن أبي طالب عليه السلام» مكان (أمير المؤمنين عليه السلام).

الحديث التاسع 42.الإمام عليّ عليه السلام :روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ(5)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام : هَلْ يَجْرُونَ فِي الْأَمْرِ وَ الطَّاعَةِ مَجْرىً وَاحِداً؟ قَالَ عليه السلام: «نَعَمْ».هديّة:(يجرون) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من الإفعال .(في الأمر) أي الإمارة في ليلة القدر.(والطاعة) أي الملك العظيم ؛ لما عرفت آنفاً من التفسير.

الحديث العاشر35.امام على عليه السلام :روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الطَّبَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ .


1- .السناء (4) : 59 .
2- .المائدة (5) : 55 .
3- .في الكافي المطبوع : «بهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد» بدل «عن العدّة، عن أحمد» .
4- .في الكافي المطبوع : - «أميرالمؤمنين» .
5- .في الكافي المطبوع : «بهذا الإسناد عن أحمد» بدل «عن أحمد» .

ص: 101

35.امام على عليه السلام :قَائِماً عَلى رَأْسِ الرِّضَا عليه السلام بِخُرَاسَانَ - وَ عِنْدَهُ عِدَّةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ فِيهِمْ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى الْعَبَّاسِيُّ - فَقَالَ: «يَا إِسْحَاقُ، بَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ النَّاسَ عَبِيدٌ لَنَا، لَا وَ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَا قُلْتُهُ قَطُّ، وَ لَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ آبَائِي قَالَهُ، وَ لَا بَلَغَنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ آبَائِي قَالَهُ، وَ لكِنِّي أَقُولُ: النَّاسُ عَبِيدٌ لَنَا فِي الطَّاعَةِ، مَوَالٍ لَنَا فِي الدِّينِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».هديّة:«العَبِيد» على فَعِيل : جمع عبد، والمتبادر من مطلقه : الذي يجوز بيعه وعتقه ، ومقيّده بالطاعة : ممتاز.(1)و«الموالي» جمع المولى ، ويُطلق على العبد، والمالك، والصاحب، والقريب - كابن العمّ ونحوه - والعمّ، والابن، وابن الاُخت، والنزيل، والشريك، والمنعِم، والمُنعَم عليه، والناصر، والحليف، والأولى بالتصرّف في الأمر، والوليّ، والمُعتَق، والمُعتِق، والجار، وابن العمّ، والوليّ المحبّ، والصديق، والنصير؛ كلّه في القاموس.(2)

الحديث الحادي عشر31.الإمام زين العابدين عليه السلام _ مِن دُعائِهِ في روى في الكافي عَنْ عَلِيٍ (3)، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «نَحْنُ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، لَا يَسَعُ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَتُنَا، وَ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِنَا؛ مَنْ عَرَفَنَا كَانَ مُؤْمِناً، وَ مَنْ أَنْكَرَنَا كَانَ كَافِراً، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنَا وَ لَمْ يُنْكِرْنَا كَانَ ضَالّاً حَتّى يَرْجِعَ إِلَى الْهُدَى الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِنَا الْوَاجِبَةِ، فَإِنْ يَمُتْ عَلى ضَلَالَتِهِ يَفْعَلِ اللَّهُ بِهِ مَا يَشَاءُ».هديّة:(فرض اللَّه طاعتَنا) أي بمحكمات الكتاب والسنّة، وقد سبق آنفاً وجه عدم معذوريّة

.


1- .أي المتبادر من العبد المقيّد بالطاعة ، مثل أن يقال : عبد مطيع ، هو عبد ممتاز .
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 401 (ولي) .
3- .في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم» .

ص: 102

المكلّفين مفصّلاً.والخبر كما أنّه نصٌّ في كُفْر علماء المخالفين بكفر الشرك بالولاية المستلزم لكفر الشرك باللَّه ، نصٌّ في كُفْر عوامهم الذين ليس لهم علم بمحكمات الكتاب والسنّة بكفر الضلالة، فعلماؤهم من المغضوب عليهم، وعوامهم من الضالّين، يفعل اللَّه به ما يشاء، يعني من العذاب المناسب بمرتبته في ضلالته.

الحديث الثاني عشر22.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَفْضَلِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ، قَالَ: «أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - طَاعَةُ اللَّهِ وَ طَاعَةُ رَسُولِهِ وَ طَاعَةُ أُولِي الْأَمْرِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: حُبُّنَا إِيمَانٌ، وَ بُغْضُنَا كُفْرٌ».هديّة:البارز في (سألتُه) للصادق عليه السلام.و(قال) تتمّة مقول قوله عليه السلام ، بياناً له؛ يعني هذه الثلاثة بعد زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله إلى قيام الساعة كالأوّلين في زمنه صلى اللَّه عليه وآله. والمراد بالأمر إمارة ليلة القدر.

الحديث الثالث عشر10.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ(2)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: أَعْرِضُ عَلَيْكَ دِينِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ : «هَاتِ». قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ الْحَسَنُ عليه السلام إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ الْحُسَيْنُ عليه السلام إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِمَاماً فَرَضَ اللَّهُ .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن الفضيل» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان ، عن عبداللَّه بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر» .

ص: 103

10.امام على عليه السلام :طَاعَتَهُ حَتَّى انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ (1)، ثُمَّ قُلْتُ: أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ: «هذَا دِينُ اللَّهِ وَ دِينُ مَلَائِكَتِهِ».هديّة:(هاتِ) من أسماء الافعال يبنى على الكسر، أي أعطني، وللاثنين في المذكّر والمؤنّث: «هاتيا» ، وللجمع: «هاتوا»، وللمرأة: «هاتي»، وللنساء: «هاتين» كعاتين.(2) قال الخليل: أصل «هاتِ» من أتى يؤتي، فقُلبت الألف هاء.(3)(والإقرار) بالنصب ، أي مع الإقرار ، فالواو بمعنى «مع» ظاهر ؛ أو العطف معنى ، أي وأقرّ.وقال برهان الفضلاء:«أشهد» بالرفع والنصب، و«الإقرار» بالرفع، فإنّ في «أشهد» أن الناصبة مقدّرة ، بقرينة عطف «والإقرار» عليه، فمرفوع محلاً ، خبر عن المبتدأ المحذوف ، والتقدير : «ديني أن أشهد باللَّه» أي شهادتي باللَّه . قال : ويجوز في مثله الرفع والنصب، و في المعطوف عليه كالإقرار هنا الرّفع لا غير، ثمّ قال: والظاهر «قلت: ثمّ أنت».أقول: ظاهر «ثمّ قلت» ظاهر الدلالة على أنّ المراد «ثمّ أنت» ولذا اقتصر.

الحديث الرابع عشر1.ابو خالد كابلى :روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السّرّاد(4)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: «اعْلَمُوا أَنَّ صُحْبَةَ الْعَالِمِ وَ اتِّبَاعَهُ دِينٌ يُدَانُ اللَّهُ بِهِ، وَ طَاعَتَهُ مَكْسَبَةٌ لِلْحَسَنَاتِ، مَمْحَاةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَ ذَخِيرَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَ رِفْعَةٌ فِيهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَ جَمِيلٌ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ». .


1- .في «د» : «إليه الأمر» بدل «الأمر إليه» .
2- .في «الف» : «كعاطين» .
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 271 ؛ تاج العروس ، ج 3 ، ص 162 (هيت) .
4- .السند في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب».

ص: 104

هديّة:المراد ب (العالِم) هنا خصوص الحجّة المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى، ولذا أورده في هذا الباب، دون باب صحبة العلماء من كتاب العقل والجهل.(واتّباعه) عطف تفسيرٍ ، لبيان دخول من لم يدرك من الشيعة صحبة الإمام عليه السلام.(وطاعته) يحتمل الرفع والنصب ، للعطف والاستئناف البياني.(مكسبة) كمرتبة اسم مكان، وكذا (ممحاة) لإفادة الكثرة .(وذخيرة للمؤمنين) يعني كالذهب والفضّة للكافرين.و«الرِّفعة» بالكسر : الشرف.و(جميل) أي ذكرٌ جميل، أو جميل مذكور، أو أعمّ، فيشمل الحسنات الاُخرويّة أيضاً، وقيل: يعني مَلَكٌ اسمه جميل يُحشر معه.

الحديث الخامس عشر1170.عنه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ، بَلِ الْخَلْقُ يُعْرَفُونَ بِاللَّهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ». قُلْتُ: إِنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبّاً فَقَدْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ لِذلِكَ الرَّبِّ رِضًا وَ سَخَطاً، وَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ رِضَاهُ وَ سَخَطُهُ إِلَّا بِوَحْيٍ أَوْ رَسُولٍ، فَمَنْ لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الرُّسُلَ، فَإِذَا لَقِيَهُمْ عَرَفَ أَنَّهُمُ الْحُجَّةُ(1)، وَ أَنَّ لَهُمُ الطَّاعَةَ الْمُفْتَرَضَةَ.

فَقُلْتُ لِلنَّاسِ: أَ لَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ مِنَ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ؟ قَالُوا: بَلى، قُلْتُ : فَحِينَ مَضى صلى اللَّه عليه وآله مَنْ كَانَ الْحُجَّةَ؟ قَالُوا: الْقُرْآنُ، فَنَظَرْتُ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا هُوَ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَ الْقَدَرِيُّ وَ الزِّنْدِيقُ - الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ حَتّى يَغْلِبَ الرِّجَالَ بِخُصُومَتِهِ - فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ حُجَّةً إِلَّا بِقَيِّمٍ، فَمَا قَالَ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ كَانَ حَقّاً . .


1- .في «الف» : + «من اللَّه على خلقه» .

ص: 105

1170.عنه صلى الله عليه و آله :فَقُلْتُ لَهُمْ: مَنْ قَيِّمُ الْقُرْآنِ؟ فَقَالُوا: ابْنُ مَسْعُودٍ قَدْ كَانَ يَعْلَمُ، وَ عُمَرُ يَعْلَمُ، وَ حُذَيْفَةُ يَعْلَمُ، قُلْتُ: كُلَّهُ؟ قَالُوا: لَا، فَلَمْ أَجِدْ أَحَداً يُقَالُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَّا عَلِيّاً عليه السلام صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَ إِذَا كَانَ الشَّيْ ءُ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: لَا أَدْرِي، وَ قَالَ هذَا: أَنَا أَدْرِي، فَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ قَيِّمَ الْقُرْآنِ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، وَ كَانَ الْحُجَّةَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَنَّ مَا قَالَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَقٌّ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ».

فَقُلْتُ: إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام، لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ أَنَّ الْحُجَّةَ بَعْدَ عَلِيٍّ عليه السلام الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام، وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا تَرَكَ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ، وَ أَنَّ الْحُجَّةَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَيْنُ عليهما السلام، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ». فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، وَ قُلْتُ : وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ». فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، وَقُلْتُ: وَ أَشْهَدُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ كَانَتْ طَاعَتُهُ مُفْتَرَضَةً ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ».

قُلْتُ : أَعْطِنِي رَأْسَكَ حَتّى أُقَبِّلَهُ ، فَضَحِكَ.

قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَبَاكَ لَمْ يَذْهَبْ حَتّى تَرَكَ حُجَّةً مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا تَرَكَ أَبُوهُ، وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّكَ أَنْتَ الْحُجَّةُ، وَ أَنَّ طَاعَتَكَ مُفْتَرَضَةٌ، فَقَالَ: «كُفَّ رَحِمَكَ اللَّهُ».

قُلْتُ : أَعْطِنِي رَأْسَكَ أُقَبِّلْهُ، فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، فَضَحِكَ، وَ قَالَ: «سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ، فَلَا أُنْكِرُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَداً».هديّة:قد مرَّ هذا الحديث ببيانه في الباب الأوّل ، وذيله المتروك ثَمّة هو من قوله: (فقلت: إنّ عليّاً عليه السلام لم يذهب) إلى آخر الحديث.(كُفَّ) على صيغة الأمر، يعني عن عَرضِك معرفتَك ، فإنّه كمالها لا حقيقة لها سواه؛ أو عن الكلام اليوم لمكان (بعد اليوم).وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى : «كَفُّ» بالفتح والتشديد منوّناً بالرفع، خبراً عن

.

ص: 106

المبتدأ المحذوف، أي هذا كفّ. قال: و«الكفّ» : جمعك ما تحتاج إليه ومِلْأُك الإناء إلى رأسه، والنّعمة. والكلّ مناسب.و(اُقبّله) مجزوم في جواب الأمر، ويجوز نصبه بتقدير الناصب.(فلا اُنكرُك) أي لا أحسبك مُنكَراً أجنبيّاً ؛ لأنّك من خلّص الشيعة . وقيد (الأبد) دلالة على دخول الإيمان داخلَ قلبه ، فطوبى له ، ثمّ طوبى له.

الحديث السادس عشر1167.الإمام العسكريّ عليه السلام :روى في الكافي بإسناده بطريقين (1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(2)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: الْأَوْصِيَاءُ طَاعَتُهُمْ مُفْتَرَضَةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ»(3) وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالىَ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ»(4)».هديّة:طريقا إسناد هذا الحديث غيرُ طريقي نظيره، وهو الحديث السابع في هذا الباب.«الَّذِينَ يُقِيمُونَ» عطف بيان ، أو بدل ، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم الّذين.«وَهُمْ رَ كِعُونَ» حالٌ من فاعل «وَيُؤْتُونَ».وقد ورد في بعض الروايات صدور إعطاء الخاتم في الركوع عن جميع

.


1- .الظاهر هنا و كذا عند نقل الحديث السابع من هذا الباب وقوع خطأ في كلام الشارح في تعبيره «بطريقين» ، لأنّ للروايتين في الكافي المطبوع طريق واحد فقط ، اللّهم إلّا أن يراد من «الطريقين» مجموع طريق الحديث السابع و هذا الحديث المنتهيين إلى الحسين بن أبي العلاء ، و لكن هذا لايلائم مع قوله في الشرح بافتراق الطريقين في هذا الحديث مع الطريقين في الحديث السابع ، فتأمّل .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقي، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن الحسين بن أبي العلاء» .
3- .النساء (49: 59.
4- .المائدة (5): 55.

ص: 107

الأئمّة عليهم السلام (1)، فعلى هذا لا حاجة إلى ما قيل من أنّه إذا فعل واحد منهم عليهم السلام فعلاً ، جاز أن يُنسب إليهم جملةً ؛ لأنّه فعل المعصوم، وهم من نور واحد.ومن بطون الآية ما ذكر برهان الفضلاء من أنّ الركوع في الآية بمعنى الفقر أيضاً، أو الضعف أيضاً، قال الشاعر:لا تهين الفقير علّك أنتركعَ يوماً والدهر قد رفعه (2)أي وهم مستضعفون بأخذ أعداءِ اللَّه حقَّهم غصباً، قال اللَّه تعالى في سورة القصص: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ»(3). ولتخصيص الأوصاف بالأئمّة عليهم السلام لم يقصد بالإيمان - سواء كان بمعنى التصديق ، أو بمعنى إعطاء الأمان والأمنيّة - إلّا الفرد الأكمل الذي لا أكمل منه، وكذا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، مع الإشارة بأنّها باطلة من أعدائهم ؛ لعدم تحقّق الشروط والأركان وغيرهما من موجبات التقرّب والقبول.

الحديث السابع عشر1161.محمّدبن منصور مرادى:روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى (4) ، قَالَ ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «السَّمْعُ وَ الطَّاعَةُ أَبْوَابُ الْخَيْرِ ، السَّامِعُ الْمُطِيعُ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ، وَ السَّامِعُ الْعَاصِي لَا حُجَّةَ لَهُ، وَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ تَمَّتْ حُجَّتُهُ وَ احْتِجَاجُهُ يَوْمَ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالىَ» ثُمَّ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَمِهِمْ»». .


1- .الكافي ، ج 1 ، ص 288 ، باب ما نصّ اللَّه عزّوجلّ و رسوله على الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً ، ح 3 ؛ و عنه في الوسائل ، ج 9 ، ص 477 ، ح 12534 ، و فيهما هكذا : «فأنزل اللَّه عزّوجلّ فيه هذه الآية و صيّر نعمة اُولاده بنعمته ، فكلّ من بلغ من اُولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه الصفة مثله ، فيتصدّقون و هم راكعون» .
2- .هو من قصيدة للأضبط بن قريع السعدي . راجع : أمالي القالي ، ج 1 ، ص 108 ؛ و شرح شافية ابن الحاجب ، ج 2 ، ص 232 .
3- .القصص (28): 5.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن حمّاد ، عن عبدالأعلى» .

ص: 108

هديّة:أي السامع قول المعصوم ، والمطيع له بعد السماع، والأولى أن يكون من عطف العامّ والخاصّ اهتماماً بالخاصّ، أي (السمع) بالقبول و(الطاعة) في السمع والفعل والتقرير ، وكلّ من الكلّ باب من الخير ، فهما أبواب الخير.ولم يتعرّض لغير السامع ؛ لأنّه ممّن فيهم المشيئة للَّه تعالى، وقد سبق ذكرهم.(تَمَّت حجَّتُه) أي على الأئمّة سمعاً وعقلاً، وقد مرَّ بيانه.(واحتجاجُه) مبتدأ و(يوم يَلقَى اللَّه تعالى) خبره.ومن دلائل وجوب وجود المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى في كلّ قرن من أوّل الدنيا إلى آخرها، هذه الآية في سورة بني إسرائيل (1) ، كالآيات في الباب التالي.

.


1- .الإسراء (17) : 71 .

ص: 109

الباب التاسع: باب في أنّ الأئمّة شهداء اللَّه عزّ و جلّ على خلقه

الباب التاسع : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام شُهَدَاءُ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلى خَلْقِهِ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1153.منهال بن عمرو:روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِ (1)، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِ ّ أُمَّةِ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَآءِ شَهِيدًا» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً، فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ، وَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله شَاهِدٌ عَلَيْنَا».هديّة:«بِشَهِيدٍ» في آية سورة النساء(2) أي عليهم ، بدليل «عَلَى هَؤُلَآءِ» والشهيد على جماعة حجّةٌ عليهم على فرض عدم الامتثال، ولهم على السمع والطاعة.(3)ولا مانع من قصد الاستعلاء أيضاً في المقام ؛ إذ المراد شهادة قطعيِّ الوثوقِ بشهادته، وهو المعصوم لا غير .وقيل: الشهيد - كالرقيب والمهيمن - على المشهود له ، فقد يستعمل بكلمة الاستعلاء، ومنه قوله تعالى: «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيدٌ»(4). والمستفاد من تفسيره عليهم السلام أنّ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن زياد القندي» .
2- .النساء (4) : 41 .
3- .أي و حجةٌ لهم على فرض السمع والطاعة.
4- .المجادلة (58): 6.

ص: 110

المشارَ إليهم ل (هؤلاء) الشهداءُ المتضمّنُ لهم قوله تعالى: «بِشَهِيدٍ».وروى محمّد بن شهرآشوب المازندراني رحمة اللَّه عليه في مناقبه بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: «إنّما أنزل اللَّه: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(1)، قال: ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمّة والرُّسل، فأمّا الاُمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها اللَّه (2)وفيهم من لا يجوز شهادته في الدنيا على حُزْمة بَقْلٍ».(3)والآية في سورة البقرة.الجوهري : «الحُزْمة» بضمّ المهملة وسكون الزاي : من الحطَب وغيره.

الحديث الثاني 1151.الإمام الحسين عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِ (4)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَكَذ لِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ» فقَالَ: «نَحْنُ الْأُمَّةُ الْوُسْطى، وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ، وَ حُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ».

قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالىَ : «مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ هِيمَ»؟ قَالَ: «إِيَّانَا عَنى خَاصَّةً ، «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ» فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ «وَ فِى هَذَا» الْقُرْآنِ «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ»؛ فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالىَ، وَ نَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ صَدَّقَ، صَدَّقْنَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَ مَنْ كَذَّبَ، كَذَّبْنَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».هديّة:«وَسَطًا» أي عدلاً، أو واسطة بين الرسول وسائر اُمّته صلى اللَّه عليه وآله ؛ إذ ليس المراد إلّا الأئمّة عليهم السلام بنصّ «لِّتَكُونُوا» ونصوص من الأخبار، وقد روى العيّاشي في تفسيره

.


1- .البقرة (2): 143.
2- .في المصدر : + «على الناس» .
3- .المناقب ، ج 4 ، ص 179 ؛ و عنه في البحار ، ج 23 ، ص 351 ، ح 63 .
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ، عن عمر بن اُذينة، عن بريد العجلي» .

ص: 111

في تفسير هذه الآية من سورة البقرة(1) بإسناده عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال: «ظننتُ أنّ اللَّه تعالى عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحِّدين، أفترى من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاعٍ من تمرٍ ، يطلب اللَّه شهادتَه يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الاُمم الماضية؟ كلّا لم يعنِ اللَّه مثلَ هذا من خلقه ، يعني الاُمّة التي وجبت لها دعوة إبراهيم: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»(2).(3)والآية الثانية هكذا في سورة الحجّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»(4)، قيل: والتسمية هنا بمعنى رفع اللَّه تعالى ، وتَعْلِيَته إيّاهم عليهم السلام على الناس ، أنسب؛ لمكان الألف واللام، والمناسب لها بمعنى ذكر الاسم «مسلمين» بدون الألف واللام؛ يعني هو تعالى ذكر في كتبه إنّا أئمّة المسلمين، كما أنّ في هذا القرآن قوله: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ» دليلٌ على ذلك.(فمن صدّق) يعني تصديق إمامتنا في الدنيا يوجب تصديقُنا إيمان المصدِّق في الآخرة.وقرأ برهان الفضلاء: «فمن صَدَق» كنصر «ومن كَذَب» كضرب؛ يعني من صدق في الدنيا أنّه مؤمن بولايتنا في الدنيا ، فله تصديقُنا إيمانَه في الآخرة.وعلى هذا لا حاجة إلى حمل التصديق على الحقيقي المتحقّق بمطابقة القلب واللسان ، فأولى من الأوّل.

.


1- .البقرة (2) : 143 .
2- .آل عمران (3): 110.
3- .تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 63 ، ح 114 ؛ و عنه في البحار ، ج 23 ، ص 350 ، ح 58 .
4- .الحجّ (22): 76 - 78.

ص: 112

الحديث الثالث 1147.الإمام عليّ عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» فَقَالَ: «أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الشَّاهِدُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ».هديّة:(الحلّال) بالمهملة : بيّاع الشّيرج ، وهو دُهن السِّمسِم.(2)والمراد ب «أبي الحسن» هو الرِّضا عليه السلام، والآية في سورة هود.(3)«عَلَى بَيِّنَةٍ» أي حجّةٍ قاطعة بالدلالات والمعجزات . وأكبر معجزاته أميرُ المؤمنين عليه السلام وهو القرآن الناطق ، والقرآن وهو أكبر الثقلين إعزازاً، كما أنّه عليه السلام أعظمهما إعجازاً ، وأعلى المعجزاتِ الشاهداتِ على صدق دعواه صلى اللَّه عليه وآله، قال اللَّه تعالى في سورة الرّعد: «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»(4).«مِّنْهُ» أي ممّن كان على بيّنةٍ من ربّه.

الحديث الرابع 1143.عَبدُ اللّه ِ بنُ نُجَيٍّ عَن أبيهِ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(5)، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَكَذلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(6)؟

قَالَ: «نَحْنُ الْأُمَّةُ الْوُسَطى (7)، وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالىَ عَلى خَلْقِهِ، وَ حُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ». .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «و بهذا الإسناد عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ ، عن أحمد بن عمر الحلّال .
2- .يقال له بالفارسيّة : كنجد . راجع : لغة دهخدا ، مادّة (سمسم).
3- .هود (11) : 17 .
4- .الرعد (13): 43.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير» .
6- .البقرة (2): 143.
7- .في «الف» والكافي المطبوع : «الوسط» .

ص: 113

1143.عَبدُ اللّه ِ بنُ نُجَيٍّ عَن أبيهِ :قُلْتُ: قَوْلُهُ: «يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَ جَهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ» .

قَالَ: «إِيَّانَا عَنى، وَ نَحْنُ الْمُجْتَبَوْنَ، وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فِي الدِّينِ مِنْ ضَيْقٍ (1)، فَالْحَرَجُ أَشَدُّ مِنَ الضِّيقِ «مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَ هِيمَ» : إِيَّانَا عَنى خَاصَّةً(2)«هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمينَ» : اللَّهُ تَعَالىَ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ «مِنْ قَبْلُ» فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ «وَ فِى هَذَا»الْقُرْآنِ «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ»(3) فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ اللَّهِ تَعَالى، وَ نَحْنُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَمَنْ صَدَّقَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَدَّقْنَاهُ، وَ مَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاهُ».هديّة:بيانه كسابق سابقه. وقيل: «الفاء» في (فالحرج) للتفريع ، وضع الدليل موضع المدلول، والتقدير: فلم يجعل اللَّه في الدِّين من حرج؛ لأنّ الحرج أشدّ من الضيق.أقول: لعلّ المراد بيان وجه التعبير عن الضيق بالحرج وأنّه أشدّه، والمنفيّ هو أدناه ، بأنّ أدناه في الدِّين من اللَّه أشدّه .ونصب «مِّلَّةَ» بتقدير «أعني» .(يومَ القيامة صدّقناه) تقديم الظرف للاهتمام الحقيقي المفيد للحصر الادّعائي ، بأنّه كأنّه هو التصديق حقيقةً.

الحديث الخامس 1135.جابر:روى في الكافي بإسناده عَنْ الْيَمَانِيِ (4)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالىَ طَهَّرَنَا وَ عَصَمَنَا، وَ جَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلى خَلْقِهِ وَ حُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ، وَ جَعَلَنَا .


1- .في الكافي المطبوع : «حرج» .
2- .في الكافي المطبوع : + «و» .
3- .الحجّ (22): 77 - 78.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني» .

ص: 114

1135.جابر:مَعَ الْقُرْآنِ، وَ جَعَلَ الْقُرْآنَ مَعَنَا، لَا نُفَارِقُهُ وَ لَا يُفَارِقُنَا».هديّة:(طَهَّرَنا) ناظر إلى آية التطهير.(وعَصَمَنا) كضرب [ناظر] إلى شواهد العصمة من الآيات ، ك (شهداء) إلى شواهدها منها .(1)(وحجّته) [ناظر] إلى مثل قوله تعالى في سورة البقرة: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(2).و(مع القرآن) [ناظر] إلى دلائلها من الكتاب والسنّة، منها قوله تعالى في سورة يس: «وَكُلَّ شَىْ ءٍ أحْصَيْنَاهُ فِى إِمَامٍ مُبِينٍ»(3).وحديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين : كتاب اللَّه وعترتي ، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض».(4) والمنفيّ المؤبّد مفارقة علم الكتاب الخاصّ بهم عليهم السلام.

.


1- .أي «شهداء» ناظر إلى شواهد العصمة من الآيات .
2- .البقرة (2): 30.
3- .يس (36): 12.
4- .لقد جمع العالم المحقّق المتتّبع السيّد مير حامد حسين أسناد هذا الحديث و طرقه في كتاب القيّم «عبقات الأنوار» .

ص: 115

الباب العاشر: باب أنّ الأئمّة هم الهداة

الباب العاشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام هُمُ الْهُدَاةُوأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 1135.جابِرٌ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ(1)، عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقَالَ : «كُلُّ إِمَامٍ هُوَ(2) هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ».هديّة:قوله في العنوان: (هُم الهُداة) أي الذين ذكرهم اللَّه تعالى في سورة الرعد بقوله: «إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(3).في بعض النسخ : «للقرآن» مكان (للقرن). و«القرن»: طائفة من الزّمان ويُطلق على أهلها، والمعنى على نسخة «القرآن» أنّ علمه ليس إلّا عندهم عليهم السلام، وأنّ الهادي إليه ، كما أنزل ، إنّما هم عليهم السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد و فضالة بن أيّوب ، عن موسى بن بكر» .
2- .في الكافي المطبوع : - «هو» .
3- .الرعد (13): 7.

ص: 116

الحديث الثاني 1130.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُنْذِرُ ، وَ لِكُلِّ زَمَانٍ مِنَّا هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلى مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، ثُمَّ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِهِ عَلِيٌّ عليه السلام، ثُمَّ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ».هديّة:أي (ولكلّ) أهل (زمانٍ مِنّا هادٍ). وتقديم الظرف لإفادة الحصر .(يهديهم) يفيد أنّ المعنى: يهديهم من بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إلى ما جاء به وهدى إليه.وقد يُراد بكلمة التراخي مجرّد العطف على الاستئناف البياني كما هنا بقرينة (من بعده) يعني فالهداة من بعده أوصياؤه عليهم السلام : عليّ عليه السلام ثمّ الحسن عليه السلام ثمّ الحسين عليه السلام إلى قائمهم عليهم السلام. ووجه إفراد أوّلهم بالذِّكر أوّلاً ظاهر ، أو التقدير : (ثمّ) أعلَمْ (الهُداة) كما قال برهان الفضلاء. وقيل: «من بعده» أي أمّا الهادي من بعده.

الحديث الثالث 1222.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدَانَ (2)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ»؟ فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُنْذِرُ، وَ عَلِيٌّ الْهَادِي عليه السلام، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، هَلْ مِنْ هَادٍ الْيَوْمَ؟» قُلْتُ: بَلى جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا زَالَ مِنْكُمْ هَادٍ مِنْ بَعْدِ هَادٍ حَتّى دُفِعَتْ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَوْ كَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ آيَةٌ عَلى رَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ ذلِكَ الرَّجُلُ مَاتَتِ الْآيَةُ، مَاتَ الْكِتَابُ، وَ لكِنَّهُ حَيٌّ يَجْرِي فِيمَنْ بَقِيَ كَمَا جَرى فِيمَنْ مَضى». .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجلي» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن سعدان» .

ص: 117

هديّة:يحيى بن القاسم أبو محمّد، يُعرف بأبي بصير الأسدي ، مولاهم كوفي تابعي، مات سنة خمسين ومائة بعد أبي عبداللَّه عليه السلام؛ قال الشيخ في رجاله (1) . وقيل: كان يكنّى «أبا محمّد» في الحضور، و«أبا بصير» في الغيبة.ووقوع (بلى) في جواب الاستفهام المحض مقام «نعم» نادرٌ في كلامهم، ولذا قالت النُّحاة: وقوعها كذا كثير في كلام الرُّواة خلاف القياس (2). وأنت خبير بأنّ الأصل عبارة الكتاب والسنّة المسموعة من المعصوم أو المضبوطة من المتكلّم معه من غير إنكارٍ منه.(ماتت الآية) بمعنى زالت أو ذهبت، جزاءٌ ل (نزلت)، وكذا (مات الكتاب) للشرط الأوّل؛ يعني لو لم يكن في كلّ زمان عالم عاقل عن اللَّه تعالى ، هادٍ إلى آيات القرآن كما اُنزلت ، للزم ذلك ، ولكنّه حجّة إلى يوم القيامة ، فقيّمه أيضاً كذلك.وقيل: يعني «بعض الآيات» وإن كان نزوله في معيّن من السعداء أو الأشقياء يجري في جميع نظرائه من الفريقين .وهو كما ترى ؛ لمكان (على رجل) مكان «في رجل» وانتفاء المناسبة سياقاً والفائدة مقاماً.

الحديث الرابع 1230.امام رضا عليه السلام روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ(3)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِ ّ قَوْمٍ هَادٍ» فَقَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُنْذِرُ، وَ عَلِيٌّ عليه السلام الْهَادِي، أَمَا وَ اللَّهِ، مَا ذَهَبَتْ مِنَّا، وَ مَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ».هديّة:يعني الإمامة من عند اللَّه تعالى، أو الهداية إلى آيات القرآن كما اُنزلت إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.

.


1- .رجال الشيخ الطوسي ، ص 321 ، الرقم 4792 .
2- .راجع : مغني اللبيب ، ج 1 ، ص 113 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور ، عن عبدالرحيم القصير» .

ص: 118

الباب الحادي عشر: باب أنّ الأئمّة ولاة أمر اللَّه و خزنة علمه

الباب الحادي عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ وَ خَزَنَةُ عِلْمِهِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل 1138.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده (1) ، عَنْ عَليٍّ، عَنْ عَمِّه قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اللَّهِ، وَ خَزَنَةُ عِلْمِ اللَّهِ، وَ عَيْبَةُ وَحْيِ اللَّهِ».هديّة:«العَيْبَة» بالفتح: ما يجعل فيه الثياب، ومأمن كلّ نفيس، وحرز كلّ عزيز، وموضع السرّ. والسرّ في عرفهم عليهم السلام كلُّ ما يعقِلُ المعصوم عن اللَّه تعالى. وقالت القدريّة لعنهم اللَّه: ما هو باطل شرعاً وحقّ حقيقةً هو سرّ اللَّه ، كدعوى فرعون والبسطامي والحلّاج ونظائرهم من المشايخ الواصلين . هل يكون ما لا أسخف منه من القول عقلاً ، وهو كفر شرعاً ، من الواصل إلى الحقّ؟ لا واللَّه، لا يكون إلّا ممّن يتخبّطه الشيطان من المسّ. نعم، هم الواصلون عند الخَبير لكن إلى جهنّم، وبئس المصير.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن الحسن بن موسى ، عن عليّ بن حسّان ، عن عبدالرحمن بن كثير» .

ص: 119

الحديث الثاني 1138.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ (1)، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «وَ اللَّهِ، إِنَّا لَخُزَّانُ اللَّهِ فِي سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ، لَا عَلى ذَهَبٍ، وَ لَا عَلى فِضَّةٍ ، إِلَّا عَلى عِلْمِهِ».هديّة:(في سمائه وأرضه) يعني قبل الخلق وبعد الخلق، أو في العلم بأحوال السماء والأرض وما بينهما ، أو كناية عن العلم بحقائق جميع الكائنات.وفي التعبير عن المعصوم العاقل عن اللَّه ب «الخازن» - وهو لا يكون إلّا أميناً معتمداً عليه فيما استودع من مال السلطان عنده - إشارةٌ نفيسة .(لا على ذهب) على سبيل المثال، فلا يمنع الشمول لجميع الأعيان الموجودة في السماوات والأرض. والاستثناء منقطع، والمراد علمه الخاصّ لا الخاصّ، أي الخاصّ بأفضل المرسلين صلى اللَّه عليه وآله، لا الخاصّ بذاته تبارك وتعالى.

الحديث الثالث 1240.الإمام الصادق عليه السلام ( _ بَعدَ ذَمِّ بَعضِ الغُلاةِ ) روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ رَفَعَهُ، عَنْ سَدِيرٍ(2)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ، وَ نَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ اللَّهِ، نَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَ مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ».هديّة:لعلّ وجه التعجّب - بدلالة الجواب - اتّصافهم عليهم السلام ظاهراً بعلم الغيب (3)الخاصّ بذاته تعالى أو استجماعهم فضائل البشريّة وكمالات الملكيّة.«ترجم كلامه» : فسّره ، فهو «ترجَمان» بفتح الجيم كزعفَران. وقد تضمّ ، الجوهري:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عليّ بن أسباط ، عن أبيه أسباط ، عن سورة بن كليب» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن موسى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد و محمّد بن خالد البرقي ، عن النضر بن سويد رفعه، عن سدير» .
3- .في «د» : - «الغيب» .

ص: 120

ولك أن تضمّ التاء لضمّتها.(1)(نحن الحجّة البالغة) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: «فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(2)، وفسّر باختصاصها بحكمته تعالى، يعني وجوب وجود عالِم بجميع ما يحتاج إليه الناس ، عاقلاً عن اللَّه سبحانه في كلّ قرن من لدن آدم إلى قيام الساعة.(ومَن فوق الأرض) من عطف الخاصّ على العامّ الشامل للإنس والجنّ ، اهتماماً بشأن الخاصّ، وأنّهم هم الأصل في ذلك.

الحديث الرابع 1143.عبداللّه بن نُجىّ از قول پدرشروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (3)، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - : اسْتِكْمَالُ حُجَّتِي عَلَى الْأَشْقِيَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ تَرْكِ وَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِكَ؛ فَإِنَّ فِيهِمْ سُنَّتَكَ وَ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَ هُمْ خُزَّانِي عَلى عِلْمِي مِنْ بَعْدِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: لَقَدْ أَنْبَأَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ».هديّة:في بعض النسخ : «يا محمّد استكمال حجّتي».وفي بعضها : (ترك) بدون كلمة «من». وقرأ برهان الفضلاء : «مَن ترك» بفتح الميم ، فموصول ، بدل أو عطف بيان للأشقياء، أو خبر مبتدأ محذوف بتقديرهم : «من ترك». واحتمل كسر الميم ف «مِن» الجارّة للسببيّة .و«الولاية» بكسر الواو ويفتح . ووجه تماميّة الحجّة على تارك الولاية ثبوتُها بمحكمات الكتاب والسنّة على ما مرّ مفصّلاً.و«في» في (فيهم) للسببيّة .

.


1- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1928 (رجم) .
2- .الأنعام (6): 149.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 121

والإضافة في (سنّتك) من إضافة المصدر إلى الفاعل على التجوّز ، أو إلى المفعول بتقدير أداة الواسطة للتعدّي، يعني سنّة اللَّه فيك وفيمن قبلك من الأنبياء عليهم السلام.وفي بعض النسخ بزيادة : «قال» بعد (ثمّ قال).

الحديث الخامس 1249.امام سجاد عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ(1)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ، إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ، مُتَوَحِّدٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، مُتَفَرِّدٌ بِأَمْرِهِ، فَخَلَقَ خَلْقاً فَقَدَّرَهُمْ لِذلِكَ الْأَمْرِ، فَنَحْنُ هُمْ يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ، فَنَحْنُ حُجَجُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَ خُزَّانُهُ عَلى عِلْمِهِ، وَ الْقَائِمُونَ بِذلِكَ».هديّة:(المتوحِّد) على اسم الفاعل من التفعّل للمبالغة، وكذا (المتفرّد) .و(الوَحدانيّة) بفتح الواو نسبة إلى الوحدة ، بزيادة الألف والنون للمبالغة، والتاء لتكون علامةً لإرادة المعنى المصدري.(بأمره) أي بإمارته وحكومته في خلقه.(فقدّرهم) أي عيّنهم بتقدير حكمته ، محصورين عدداً كالنجوم والأبراج، فإشارةٌ إلى بطلان دعوى غيرهم ذلك بالرياضة أو غير ذلك من دون نصّ من معصومٍ على معصوم على ما هو الواجب في حكمة التقدير في مثل هذا النظام العظيم بذلك التدبير .(بذلك) أي بذلك الأمر بأمره تعالى.

الحديث السادس 1147.امام على عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ(2)؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنِ .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن محمّد بن خالد ، عن فضالة بن أيّوب، عن عبد اللَّه بن أبي يعفور» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم بن معاوية» .

ص: 122

1147.امام على عليه السلام:الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنَّ اللَّهَ تَعَالىَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا، وَ صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَتَنا(1)، وَ جَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ، وَ لَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ، وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللَّهُ، وَ لَوْلَانَا مَا عُبِدَ اللَّهُ».هديّة:(موسى بن القاسم بن معاوية) بن وهب البجلي ، من أصحاب الرضا عليه السلام ، ثقة ثقة ، واضح الحديث، حسن الطريقة .ونسخ الكافي هنا مختلفة؛ ففي بعضها : «عن معاوية» مكان «ابن معاوية».والفاء في (فأحسن) بيانيّة.وفي بعض النسخ : «صُوَرنا» على صيغة الجمع.واللام في : (لنا) سببيّة، أو للانتفاع، أو للاختصاص؛ فعلى الأوّل (نَطَقَت) كضرب ، استعارةٌ من أثمرت، وفي الحديث كما سيجي ء : «وبنا أثمرت الأشجار»، أو بمعنى «تكلّمت» أي وبتوسّط نورنا تكلّمت الشجر مع كليم اللَّه، أو مع غيره أيضاً من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام. وعلى الثاني يعني لحصول حجّتنا وغلبتنا بالمعجزات والدلالات .ووجوه المعنى على المعنيين ظاهرة في الاحتمالات الثلاث.و«الشجر» جمع ، والواحدة «شجرة».والباء في (بعبادتنا) سببيّة، أو بمعنى «على» النهجيّة، فوجْه ما عُبِد اللَّه على الأوّل بقاء الدنيا بوجود الحجّة المعصوم، أو عدم صحّة العبادة من غير مفترض الطاعة إلّا بطاعة مفترض الطاعة، أو الوجه الأوّل على الثاني (2)؛ وعلى الثاني أنّ العبادة حقيقةً عبادةُ المعصوم، أو أنّ صحيحها ما كانت على نهج عبادته.والخبر نصٌّ في بطلان غير الشيعة وإن كانت بمجاهداتٍ شاقّة نفسانيّة ورياضاتٍ صَعْبةٍ رَهْبانيّة ، كما هو دأب السالكين من القدريّة.

.


1- .في «الف» ، والكافي المطبوع : «صورنا» .
2- .أي عُبد اللَّه بسبب عبادة المعصوم ؛ لأنّ العبادة حقيقةً عبادةُ المعصوم .

ص: 123

الباب الثاني عشر: باب أنّ الأئمّة خلفاء اللَّه عزّ و جلّ في أرضه و...

الباب الثاني عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام خُلَفَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (1) فِي أَرْضِهِ وَ أَبْوَابُهُ الَّتِي يُؤْتى مِنْهَا(2)وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1150.يعقوبى ( _ در بيان رحلت فاطمه عليهاالسلام ) روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ(3)، عَنِ الْجَعْفَرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ: «الْأَئِمَّةُ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ».هديّة:(الجعفري) إمّا سليمان بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن جعفر الطيّار ، أبو محمّد الطالبي الجعفري ، فأبو الحسن هو الثاني ، يعني الرِّضا عليه السلام؛ وإمّا أبو هاشم الجعفري داود بن القاسم بن إسحاق بن عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب ، فأبو الحسن هو الثالث ، يعني الهادي عليه السلام .والمراد ب (خلفاء اللَّه) على نهج مصداق الخليفة في قوله تعالى في سورة البقرة: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(4) الحججُ المعصومون العاقلون عن اللَّه ، القائمون بأمر اللَّه في خلقه بأمر اللَّه.

.


1- .في «الف» : - «عزّوجلّ» .
2- .في الكافي المطبوع : «منها يؤتى» بدل «يؤتى منها» .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسبن بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي مسعود» .
4- .البقرة (2): 30.

ص: 124

الحديث الثاني 1261.عنه عليه السلام ( _ في خُطبَتِهِ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «الْأَوْصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ اللَّهِ تعالى الَّتِي يُؤْتى مِنْهَا، وَلَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ بِهِمُ احْتَجَّ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - عَلى خَلْقِهِ».هديّة:لا يخالف أمر «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا»(2) إلّا السارق، ولذا قطعت أيدي المخالفين عن التمسّك بذيل ولاية أئمّتنا عليهم السلام .(ما عرف اللَّه عزّ وجلّ) لأنّهم هم العاقلون عن اللَّه تعالى، وممّا لا شكّ فيه أنّ المعرفة التي يرضى اللَّه بها - مع انحصار الأعلميّة بهذا النظام العظيم في مدبّره - لا تحصل لأحد إلّا بتعريفه تعالى إيّاها، ولذا وجب تكفير القدريّ ومثله من المدّعين حصولها بالرياضة لكلّ أحد من غير العقل عن المعصوم العاقل عن اللَّه بإذن اللَّه ، محصوراً عدده في حكمة اللَّه.

الحديث الثالث 1154.امام باقر عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ (3)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّلِحَتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ» قال: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:تتمّة الآية وهي من سورة النور هكذا: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عنه ، عن معلّى ، عن محمّد بن جمهور ، عن سليمان بن سماعة ، عن عبداللَّه بن القاسم ، عن أبي بصير» .
2- .البقرة (2): 189.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبداللَّه بن سنان» .

ص: 125

مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»(1)، وكما فسّر «الفاسقون» بالكافرين ، اُوِّل التمكين لهم بزمان القائم عليه السلام ، كما في رواية الصدوق عن الصادق عليه السلام في كمال الدِّين وتمام النِّعمة (2).قال السيّد المرتضى علم الهدى في كتاب الشافي: إنّها - يعني تتمّة هذه الآية - مأوّلةٌ عند علماء أهل البيت عليهم السلام بزمان المهدي عليه السلام (3) .وهي من حجج أنّ الإمامة من اُصول الدِّين ، مَن لم يؤمن بها كافر قطعاً.

.


1- .النور (2): 55.
2- .كمال الدين ، ص 356 .
3- .الشافي في الإمامة ، ج 4 ، ص 47 .

ص: 126

الباب الثالث عشر: باب أنّ الأئمّة نور اللَّه عزّ و جلّ

الباب الثالث عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام نُورُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل 1266.اَنس:روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابِلِيِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : «فََامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا» فَقَالَ: «يَا أَبَا خَالِدٍ، النُّورُ وَ اللَّهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُمْ وَاللَّهِ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ، وَ هُمْ وَ اللَّهِ نُورُ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ (2)؛ وَاللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ، لَنُورُ الْإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وَهُمْ وَاللَّهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَحْجُبُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ، فَتُظْلِمُ (3) قُلُوبُهُمْ؛ وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ، لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَ يَتَوَلَّانَا حَتّى يُطَهِّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ، وَ لَا يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَ عَبْدٍ حَتّى يُسَلِّمَ لَنَا، وَ يَكُونَ سِلْماً لَنَا، فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ، وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَكْبَرِ».هديّة:«كابِل» ككامِل : مدينة، قاله في القاموس (4).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن مرداس ، قال حدّثنا صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن أبي خالد الكابلي» .
2- .في الكافي المطبوع : «في الأرض» .
3- .في «الف» : «فيظلم» .
4- .راجع: القاموس المحيط، ج 4، ص 44 (كبل).

ص: 127

(المضيئة) أي ذات الضوء تزول ظلمة الأرض. والآية في سورة التغابن (1).في بعض النسخ : «وفي الأرض» والأكثر أنسب بأن يكون ناظراً إلى آية النور في سورة النور(2)، وقد فسّر كما سيجي ء «مَثَلُ نُورِهِ»(3) في الآية بنور الأئمّة عليهم السلام.في بعض النسخ : «أنور من نور الشمس». ووجه الأنوريّة ظاهر من وجه أنوريّة الشمس من القمر، وأيضاً ب (الشمس المضيئة) أي ذات الضوء تزول ظلمة الليل ، وب (نورهم) عليهم السلام ظلمات الكفر وغياهب الضّلالة.«حَجَبَه» كنصر .(فيُظْلِمِ) على المعلوم من الإفعال للصيرورة، أي صار مظلماً ذا ظلمة؛ أو للتعدية والمفعول : (قلوبهم) كما في نظيره الآتي، ويحتمل غير المعلوم من المتعدّي.(ويتولّانا) عطف على المنفي .(حتّى يسلم) يحتمل الإفعال والتفعيل، والإسلام : الانقياد ، و«السِّلم» بالكسر : ضدّ الحرب، بمعنى العدوّ، ومنه قول الزوّار: إنّا سلمٌ لمَن سالمَكَ وحربٌ لمَن حاربك. و«السَّلَم» بالتحريك : الأسير أيضاً، والمعنى هنا على بُعد احتماله، ويكون مقيّداً ب «نا» و«لنا».(سلّمه اللَّه) من التفعيل .(من شديد الحساب) أي من شدائد يومه أو من الدقّة فيه.(وآمنه) من الإفعال . ويطلق المؤمن كثيراً في الكتاب والسنّة على الإمام بهذا المعنى ، ومنه: والمؤمن العائذات الطير.4والأكبر نعت ل «الفَزَع» بالتحريك، وهو الخوف أو شديده، فالأكبر بمعنى الأشدّ.

.


1- .التعابن (64) : 8 .
2- .النور (24) : 35 .
3- .النور (24): 35.

ص: 128

الحديث الثاني 1159.محمّدبن اسماعيل:روى في الكافي وقال: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِْنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائثَ - إِلى قَوْلِهِ - وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» قَالَ: «النُّورُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ (1) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:(في هذا الموضع) أي من سورة الأعراف ، والواسطة قوله تعالى: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ»(2).وعدم الفرق من وجوه : التعبير عن الأنوار بالنور، ومنها : الإشارة إلى أصلهم وأوّلهم من دون الفصل، والتناظر بين القرآن الناطق والصامت.

الحديث الثالث 1275.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْجَارُودِ(3)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام: لَقَدْ آتَى اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ خَيْراً كَثِيراً، قَالَ: «وَ مَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ - إِلى قَوْلِهِ - أُوْلَئكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا» قَالَ: فَقَالَ: «قَدْ آتَاكُمُ اللَّهُ كَمَا آتَاهُمْ» ثُمَّ تَلَا: «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ ءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ» «يَعْنِي إِماماً تَأْتَمُّونَ بِهِ».هديّة:الواسطة في سورة القصص بين «يُؤْمِنُونَ» و«أُوْلَئكَ» قوله تعالى: «وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ

.


1- .في الكافي المطبوع : + «عليّ» .
2- .الأعراف (7): 157.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي الجارود» .

ص: 129

قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ»(1)، ثمّ تلا من سورة الحديد.(2)و«الكفل»: الضِّعف والحظّ والنصيب، وفسّر بكفل للإيمان بالرسالة ، وكفل للإيمان بالولاية، وسيجي ء تفسير آخر لهما في باب السابع والمائة.(يعني إماماً) تفسير الإمام عليه السلام.

الحديث الرابع 1164.الإمام الكاظم عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابِلِيِ (3)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «فََامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا»(4) .

فَقَالَ: «يَا أَبَا خَالِدٍ، النُّورُ وَاللَّهِ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام؛ يَا أَبَا خَالِدٍ، لَنُورُ الْإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وَ هُمُ الَّذِينَ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ يَحْجُبُ اللَّهُ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ، فَيُظْلِمُ (5) قُلُوبُهُمْ، وَ يَغْشَاهُمْ بِهَا».هديّة:قد سبق نظيره ببيانه آنفاً.(ويغشاهم) كيرضى : عطف تفسير، والباء في (بها) للتعدية، أي بالظلمة وهي مفهومة من الإظلام . غَشِيَتِ الظّلمةُ فلاناً كعلم؛ وغشّاها فلان فلاناً تغشية، كغشى بها فلان فلاناً.

الحديث الخامس 1284.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ الْهَمْدَانِيِ (6)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ .


1- .القصص (28): 53.
2- .الحديد (57) : 28 .
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم بن عبداللَّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط و الحسن بن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن أبي خالد الكابلي» .
4- .التغابن (64): 8.
5- .في الكافي المطبوع : «فتظلم» .
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمّون ، عن عبداللَّه بن عبدالرحمن الأصمّ ، عن عبداللَّه بن القاسم ، عن صالح بن سهل الهمداني» .

ص: 130

1284.امام صادق عليه السلام:اللَّهِ تَعَالى : «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ»: «فَاطِمَةُ عليها السلام» «فِيهَا مِصْبَاحٌ»: «الْحَسَنُ عليه السلام» «الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ» : «الْحُسَيْنُ عليه السلام» «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ»: «فَاطِمَةُ عليها السلام كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا» «يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَرَكَةٍ» : «إِبْرَاهِيمُ عليه السلام» «زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ» : «لَا يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ» «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ» : «يَكَادُ الْعِلْمُ يَنْفَجِرُ بِهَا» «وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ» : «إِمَامٌ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ» «يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ»: «يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَئِمَّةِ عليهم السلام مَنْ يَشَاءُ «وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَلَ لِلنَّاسِ»».

قُلْتُ: «أَوْ كَظُلُمَتٍ»؟ قَالَ: «الْأَوَّلُ وَ صَاحِبُهُ ، «يَغْشَاهُ مَوْجٌ» : الثَّالِثُ «مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ [مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ]ظُلُمَتٌ» الثَّانِي «بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ» : مُعَاوِيَةُ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ فِتَنُ بَنِي أُمَيَّةَ «إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ» الْمُؤْمِنُ فِي ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ «لَمْ يَكَدْ يَرَلهَا وَ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا» : إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عليها السلام «فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ» : إِمَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وَ قَالَ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمَنِهِم» : «أَئِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَسْعى بَيْنَ أَيْدَيِ (1) الْمُؤْمِنِينَ وَ بِأَيْمَانِهِمْ حَتّى يُنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ».(2)هديّة:قد فسّر (النور) في أوّل آية النور من سورة النور(3) تارةً بالمنير، واُخرى بالهادي، أي هادي أهلهما، كما سبق في الرابع في الباب السادس عشر في كتاب التوحيد(4). وصريح ما في هذا الباب أنّ الأئمّة عليهم السلام أنوار، فالتقدير : «نور اللَّه نور السماوات والأرض» أو «اللَّه نوره نور السماوات والأرض»، فإنّ تقدير «السلطان نادى بين الناس» : «منادي السلطان

.


1- .في الكافي المطبوع : «يدي» .
2- .في الكافي المطبوع : + «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم البجلي و محمّد بن يحيى ، عن العمركي بن عليّ جميعاً ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام مثله» .
3- .النور (24) : 35 .
4- .الكافي ، ج 1 ، ص 115 ، باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح 4 .

ص: 131

نادى» أو «السلطان مناديه نادي» .«مَثَلُ نُورِهِ» مثل أمير المؤمنين عليه السلام «كَمِشْكَوةٍ» كما أنّ التشبيه دلالة على أنّهما عليهما السلام أصل لسائر المعصومين ، كذلك دلالةٌ على أنْ لا كفوَ لها سواه عليهما السلام.«الْمِصْبَاحُ» خبرٌ ، أي هو المصباح.و«فِى» في «زُجَاجَةٍ» بمعنى «مع»، (الزجاجة) خبرٌ ، أي هو الزجاجة، وفيها إيماء أيضاً إلى أرقّية قلبه عليه السلام في قلوب المظلومين أو إلى كسر قلبه عليه السلام في أصحابه بكربلاء.«دُرِّىٌّ»: ثاقب مضي ء ، نسبة إلى الدّرّ.«يُوقَدُ» على التذكير قراءةُ عاصم في رواية حفص عنه ، و«توقد» على التأنيث قراءته في رواية بكر عنه ، فنائب الفاعل على الأوّل «الكوكب» وعلى الثاني «المشكوة».وفي «المشكوة» دلالة على كثرة مصائبها ؛ لأنّها مِفعال من الشكاية أيضاً للمبالغة، كما صرّحِ برهان الفضلاء وغيره من الفضلاء، كما أنّها اسم الآلة من «الشَّكوة» بالفتح ، وهي ما يهيّأ من جلد الرضيع للّبن، ويكنّى به عن آلة الخير ، وبه سمّيت الكوّة الغير النافذة في جدار البيت المهيّئة للمصباح ب «المشكوة» والجامع خيريّة اللبن والضياء والعلم .«زَيْتُونَةٍ» بدل من الشّجرة بدل البعض من الكلّ، يعني أمير المؤمنين عليه السلام.«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى ءُ»: يكاد المعصومون العاقلون عن اللَّه يظهرون بالعلم من نسلها من دون مساس وازدواج ، كعيسى من مريم عليهما السلام، لكن اللَّه أراد أن يكون نورٌ على نور: إمامٌ منها بعد إمام، فالبارز في «لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ» للكوكب الدرّي ولو لم تمسسه نارُ كوكبٍ آخر كالشمس بنار نوره وحرارة شوقه .«يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ» للأئمّة عليهم السلام واحد بعد واحد.«أَوْ كَظُلُمَتٍ» للتقسيم لا للترديد . وسابق الآية: «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ * [فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا

.

ص: 132

بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (1) * وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ»(2) الآية.وفي الحديث: «إيّاك ومصاحبة الكذّاب ، فإنّه بمنزلة السراب، يُقرِّب لك البعيد ، ويُبعّد لك القريب».(3)و«القيعة» بالكسر : المفازة. و(الظمآن) كعطشان لفظاً ومعنى ، بزيادة الظّمآن في المعنى. و«اللجّيّ» بالتشديدين : في النسبة إلى اللجّة، وهي معظم الماء.قال الزمخشري في كشّافه: «المشكوة» هي الكوّة في الجدار غير النافذة فيه، و«المصباح» سراج ضخم ثاقب، و«الدّرّي» منسوب إلى الدّرّ، أي أبيض متلألأ .(4)«لَمْ يَكَدْ يَرَلهَا» مبالغة في لم يرها؛ أي لم يقرب أن يراها ، فضلاً عن أن يراها، وما أسخف هنا تفسير المخالفين والقدريّة بتمحّلات بعيدة واهية ، بعد بنائهم التفسير على تشبيه اللَّه سبحانه نوره بنور مشكوة دُكْنَة(5) مسودّة من دخّان غليظ كثيف كما ترى.والآية الأخيرة من سورة الحديد(6).وسيجي ء إن شاء اللَّه تعالى مثل الخبر ببيانه عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام.

.


1- .]مابين المعقوفتين أضفناه من المصحف الشريف.
2- .النور (24): 35 - 40.
3- .الكافي ، ج 2 ، ص 376 ، باب مجالسة أهل المعاصي ، ح 7 ؛ و ص 641 ، باب من تكره مجالسته و مرافقته ، ح 7 ؛ و عنه البحار ، ج 71 ، ص 208 ، ح 44 .
4- .الكشّاف ، ج 3 ، ص 241 .
5- .الدُكْنة : لون يضرب إلى الغُبرة بين الحمرة والسواد . راجع : لسان العرب ، ج 13 ، ص 157 (دكن).
6- .الحديد (57) : 12 .

ص: 133

الحديث السادس 1168.في دُعاءِ النُّدبَةِ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالىَ : «يُرِيدُونَ لِيُطْفُِوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَ هِهِمْ» قَالَ: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِأَفْوَاهِهِمْ».

قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالى : «وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ»؟ قَالَ: «يَقُولُ: وَ اللَّهُ مُتِمُّ الْإِمَامَةِ، وَ الْإِمَامَةُ هِيَ النُّورُ، وَ ذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «فََامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا»»، قَالَ: «النُّورُ هُوَ الْإِمَامُ».هديّة:سابق الآية في سورة الصفّ هكذا: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا»(2) الآية.وفي رواية حفص عن عاصم وقراءة الكسائي وابن كثير وحمزة «مُتِمُّ نُورِهِ» على الإضافة وقراءة الباقين : «مُتِمٌّ» بالتنوين ونصب «نوره». ومثل ذلك في تفسيره : (واللَّه متمّ الإمامة) أي في كلّ قرن إلى يوم القيامة.وفي قوله عليه السلام: (النور هو الإمام) في تفسير الآية من سورة التغابن (3) إشارةٌ إلى أنّ تفسير المخالفين «النور» هنا بالقرآن لا يضرّ؛ لأنّ نور القرآن لا يظهر إلّا بنور الإمام عليه السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيداللَّه ، عن محمّد بن الحسين و موسى بن عمر ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل .
2- .الصفّ (61): 7 و 8 .
3- .التغابن (64) : 8 .

ص: 134

الباب الرابع عشر: باب أنّ الأئمّة هم أركان الأرض

الباب الرابع عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام هُمْ أَرْكَانُ الْأَرْضِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1296.اِبنُ الكَوّاءِ :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (1)، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «مَا جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام أُخِذَ(2) بِهِ، وَ مَا نَهى عَنْهُ أُنْتَهِىَ عَنْهُ، جَرى لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مِثْلُ مَا جَرى لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله الْفَضْلُ عَلى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ، الْمُتَعَقِّبُ عَلَيْهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالْمُتَعَقِّبِ عَلَى اللَّهِ وَ عَلى رَسُولِهِ، وَ الرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَابَ اللَّهِ الَّذِي لَا يُؤْتى إِلَّا مِنْهُ، وَ سَبِيلَهُ الَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِهِ يَهْلَكَ، وَ كَذلِكَ يَجْرِي لِأَئِمَّةِ الْهُدى وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، وَ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ عَلى مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ وَ مَنْ تَحْتَ الثَّرى.

وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَثِيراً مَا يَقُولُ: أَنَا قَسِيمُ اللَّهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ، وَ أَنَا صَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ، وَ لَقَدْ أَقَرَّتْ لِي جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ وَ الرُّسُلُ بِمِثْلِ مَا أَقَرُّوا بِهِ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لَقَدْ حُمِلْتُ عَلى مِثْلِ حَمُولَتِهِ وَ هِيَ حَمُولَةُ الرَّبِّ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً عن محمّد بن سنان» .
2- .في الكافي المطبوع : «آخذ» .

ص: 135

1296.اِبنُ الكَوّاءِ :يُدْعى فَيُكْسى وَأُدْعى فَأُكْسى، وَ يُسْتَنْطَقُ فَأُسْتَنْطَقُ (1)، فَأَنْطِقُ عَلى حَدِّ مَنْطِقِهِ، وَ لَقَدْ أُعْطِيتُ خِصَالاً مَا سَبَقَنِي إِلَيْهَا أَحَدٌ قَبْلِي: عُلِّمْتُ الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا وَ الْأَنْسَابَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، فَلَمْ يَفُتْنِي مَا سَبَقَنِي، وَ لَمْ يَعْزُبْ عَنِّي مَا غَابَ عَنِّي، أُبَشِّرُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَ أُؤَدِّي عَنْهُ، كُلُّ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ، مَكَّنَنِي فِيهِ بِعِلْمِهِ».(2)هديّة:(أُخِذَ به) على ما لم يسمّ فاعله، وكذا (اُنْتُهِىَ عنه) فإنّ اللازم المتعدّي بالواسطة قد يجهل. ويحتمل «آخذ به» و«أنتَهِى عنه» على المتكلّم .و(المتعقّب) على اسم الفاعل من التفعّل : الطاعن والباحث عن عيب الناس .(في صغيرة) باعتبار الكلمة أو المسألة أو الخصلة أو نحوها.(يهلك) على المعلوم من باب ضرب، أو خلافه من الإفعال. والثاني أنسب لما لا يخفى .(واحداً) نصب بتقدير «أعني» أو بدل من الأئمّة ، وهي في محلّ النصب.(أن تميد) بتقدير «من أن تميد» والتعلّق ب «الأركان» باعتبار اشتمال الأركان على معنى الحفظ كما في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ»(3)، أي تحفظها من أن تميد. و«الباء» في (بأهلها) بمعنى «مع» . ماد الشي ء - كباع - : تحرّك واضطرب .(على من فوق الأرض) من الجنّ والإنس .(ومن تحت الثرى) دلالة على خلقٍ مِن خَلْق اللَّه ثَمّة ، مكلَّفين بالإيمان بالولاية. وقيل: هذا ناظر إلى قوله تعالى: «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ»(4).

.


1- .في الكافي المطبوع : «وأستنطق» .
2- .في الكافي المطبوع : + «الحسين بن محمّد الأشعري ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور العمّي ، عن محمّد بن سنان قال : حدّثنا المفضّل ، قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول ، ثمّ ذكر الحديث الأوّل» .
3- .الأنبياء (21): 31.
4- .الأعراف (7): 156.

ص: 136

و«ما» في (كثيراً ما) زائدة لتأكيد الكثرة .(قسيم اللَّه) فعيل بمعنى الفاعل للمبالغة كالفاروق ، أي قسيمٌ بإذن اللَّه.(وأنا صاحب العصا) فسّر الطبرسي في مجمع البيان «العصا» بعصا موسى ، و«المِيْسَم» بالكسر بخاتم سليمان.(1)وقال برهان الفضلاء: «صاحب العصا» يعني صاحب آلة إعانة الإسلام وتقويته وحفظه، ومن هنا يعبّر عن الاختلاف فيه بشقّ عصا المسلمين، أي توهينها وتضعيفها.و(المِيْسَم) بالكسر : المكواة : ما يكوى به أفخاذ الخيل واُصول آذان أنعام الصدقة وغير ذلك.(ولقد أقرّت) إشارة إلى تفسير قوله تعالى في سورة النجم: «إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى»(2)، وقد مرّ في الباب التاسع من كتاب التوحيد .(ولقد حُمِلْتُ) على ما لم يسمّ فاعله ، إمّا على المتكلّم من باب ضرب ، كما ضبطه برهان الفضلاء، فالحمولة بالضمّ بمعنى الأحمال، يعني أثقال منصب الإمامة ؛ يعني ولقد حمل ربّي على مثل ما حمل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من تحمّل مشاقّ منصب الإمامة. وإمّا على المتكلّم من التفعيل، فالحَمولة بالفتح، وهي الإبل التي تحمل ، وكلّ ما احتمل عليه الحيّ من فرس وغيره حمولةٌ، كذا في الصحاح (3).فالبناء على الأوّل على تشبيه المشاقّ بالأثقال، وعلى الثاني على تشبيه الدّولة مثلاً على المطيّة مثلاً.والأوّل أولى لما لا يخفى.والإضافة في (حَمولة الرّب) تفيد التخصيص ، بأنّ تعيين الإمام إنّما هو من عند اللَّه سبحانه .

.


1- .راجع : مجمع البيان ، ج 7 ، ص 366 ، ذيل آية 82 من سورة النمل .
2- .النجم (53): 16.
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1678 (حمل) .

ص: 137

(يدعى فيكسى) أي في الآخرة بحلل الجنّة وتشريف الإمامة ، كما في الدنيا، قال اللَّه تعالى: «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(1).و«الاستنطاق» في الآخرة طلب النطق بالحمد والثناء والشهادة والشفاعة .(وفصل الخطاب) أي المفصول المبيّن أو الفاصل بين الحقّ والباطل ، وهو علم القرآن.(ما سبقني) أي من علم ما مضى .(ما غاب عنّي) أي من علم ما يأتي.(اُبشّر) على المتكلّم المعلوم من التفعيل؛ أي بحسنة الدنيا والآخرة .(واُؤَدِّي) أي بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ما جاء به؛ كلّ ذلك استئناف لبيان أنّ كلّ ذلك إنّما هو بإذن اللَّه تبارك وتعالى.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِ (2)، عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ:دَخَلْتُ أَنَا وَ سُلَيْمَانُ بْنُ خَالِدٍ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَابْتَدَأَنَا، وَقَالَ (3): «يَا سُلَيْمَانَ بْنَ خالِدٍ(4)، مَا جَاءَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُؤْخَذُ بِهِ، وَ مَا نَهى عَنْهُ يُنْتَهى عَنْهُ، جَرى لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مَا جَرى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْفَضْلُ عَلى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ، الْمُعَيِّبُ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَحْكَامِهِ كَالْمُعَيِّبِ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ (5) صلى اللَّه عليه وآله، وَ الرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بَابَ اللَّهِ الَّذِي

.


1- .الإسراء (17): 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي» .
3- .في الكافي المطبوع : ««فقال» .
4- .في الكافي المطبوع : - «بن خالد» .
5- .في الكافي المطبوع: «رسوله» بدل «رسول اللَّه».

ص: 138

لَا يُؤْتى إِلَّا مِنْهُ، وَ سَبِيلَهُ الَّذِي مَنْ سَلَكَ بِغَيْرِهِ هَلَكَ، وَ بِذلِكَ جَرَتِ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، وَ الْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ عَلى مَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ وَ مَنْ تَحْتَ الثَّرى».وَ قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَا قَسِيمُ اللَّهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ، وَ أَنَا صَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ، وَ لَقَدْ أَقَرَّتْ لِي جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّتْ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، وَ لَقَدْ حُمِلْتُ عَلى مِثْلِ حَمُولَةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وَ هِيَ حَمُولَةُ الرَّبِّ، وَ إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله يُدْعى فَيُكْسى وَ يُسْتَنْطَقُ، وَ أُدْعى فَأُكْسى وَأُسْتَنْطَقُ، فَأَنْطِقُ عَلى حَدِّ مَنْطِقِهِ، وَ لَقَدْ أُعْطِيتُ خِصَالًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: عُلِّمْتُ عِلْمَ (1) الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا وَ الْأَنْسَابَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، فَلَمْ يَفُتْنِي مَا سَبَقَنِي، وَ لَمْ يَعْزُبْ عَنِّي مَا غَابَ عَنِّي، أُبَشِّرُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَ أُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، كُلُّ ذلِكَ مَكَّنَنِيَ اللَّهُ فِيهِ بِإِذْنِهِ».

هديّة:بيانه كسابقه الممتاز بتفاوت يسير في الألفاظ.و(المعيب) على اسم الفاعل من الإفعال أو التفعيل، عاب الشي ء وعابه غيره ، يتعدّى ولا يتعدّى، وأعابه، وعليه : نسبه إلى العيب ، كعيّبه وعليه تعييباً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ (2) ، عَنْ أَبي عَبْدِ اللَّهِ الرِّيَاحِيُّ، عَنْ أَبِي الصَّامِتِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «فَضْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : مَا جَاءَ بِهِ آخُذُ بِهِ، وَ مَا نَهى عَنْهُ أَنْتَهِي عَنْهُ، جَرى لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْفَضْلُ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالْمُتَقَدِّمِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِ

.


1- .في «الف» : - «علم» .
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و أحمد بن محمّد جميعاً ، عن محمّد بن الحسن ، عن عليّ بن حسّان» .

ص: 139

كَالْمُتَفَضِّلِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ الرَّادُّ عَلَيْهِ فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بَابُ اللَّهِ الَّذِي لَا يُؤْتى إِلَّا مِنْهُ، وَ سَبِيلُهُ الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ وَصَلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالىَ ، وَ كَذلِكَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنْ بَعْدِهِ، وَ جَرى لِلْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ .جَعَلَهُمُ اللَّهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا، وَ عُمُدَ الْإِسْلَامِ، وَ رَابِطَةً عَلى سَبِيلِ هُدَاهُ، لَا يَهِدِّي (1) هَادٍ إِلَّا بِهُدَاهُمْ، وَ لَا يَضِلُّ خَارِجٌ مِنَ الْهُدى إِلَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَقِّهِمْ، أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلى مَا أَهْبَطَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ عُذُرٍ أَوْ نُذُرٍ، وَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلى مَنْ فِي الْأَرْضِ، يَجْرِي لِآخِرِهِمْ مِنَ اللَّهِ مِثْلُ الَّذِي جَرى لِأَوَّلِهِمْ، وَ لَا يَصِلُ أَحَدٌ إِلى ذلِكَ إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالىَ.وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَنَا قَسِيمُ اللَّهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، لَا يَدْخُلْهُما(2) دَاخِلٌ إِلَّا عَلى حَدِّ قَسْمِي، وَ أَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ، وَ أَنَا الْإِمَامُ لِمَنْ بَعْدِي، وَ الْمُؤَدِّي عَمَّنْ كَانَ قَبْلِي، لَا يَتَقَدَّمُنِي أَحَدٌ إِلَّا أَحْمَدُ صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنِّي وَ إِيَّاهُ لَعَلى سَبِيلٍ وَاحِدٍ ، إِلَّا أَنَّهُ هُوَ الْمَدْعُوُّ بِاسْمِهِ، وَ لَقَدْ أُعْطِيتُ السِّتَّ: عِلْمَ الْمَنَايَا وَ الْبَلَايَا وَ الْوَصَايَا وَ فَصْلَ الْخِطَابِ، وَ إِنِّي لَصَاحِبُ الْكَرَّاتِ وَ دَوْلَةِ الدُّوَلِ، وَ إِنِّي لَصَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ، وَ الدَّابَّةُ الَّتِي تُكَلِّمُ النَّاسَ».

هديّة:(الرَّباحي)(3) نسبة إلى النسب و«رَباح» بالمفردة كسحاب : اسم جماعة.و«حُلوان» بالضمّ : اسم بلد.(قال: فضّل أمير المؤمنين عليه السلام) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل أو على المصدر - كما قرأ برهان الفضلاء - خبراً عن المحذوف؛ أي هذا .و(المتقدّم) على اسم الفاعل من التفعّل ، ناظر إلى قوله تعالى في سورة الحجرات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(4)، و«لا تقدّموا» في الآية من التفعيل

.


1- .في الكافي المطبوع : «يهتدي» .
2- .في الكافي المطبوع : «لايدخلها» .
3- .في المتن الذي ضبطه المصنف سابقاً: «الرياحي» بالياء.
4- .الحجرات (49): 1.

ص: 140

على القراءة المشهورة، وقرئ بالفتحات من التفعّل بمعنى المتفضّل، أي لا تطلبوا الزيادة والتعدّي عن حدّ الطاعة بالإفراط والتفريط.و«العَمَد» بفتحتين جمع العمود ، وكذا بضمّتين .و(رابطةً) بالنصب عطف على «الأركان»، وهو جمع الرابط بمعنى المرابط في الثغور للجهاد، أو بمعنى الناظم للاُمور؛ أو مفرد بمعنى الواسطة.واحتمال «رابطه» على الإضافة بالضمير الراجع إلى اللَّه أو إلى الإسلام، كما ترى.(اُمناء اللَّه) أي هم اُمناء اللَّه (على ما أَهْبَطَ). يحتمل المعلوم وخلافه .و«العذر» : الحجّة واستمحاء الإساءة . و«النذر» : التخويف .في بعض النسخ : «لا يدخلها» بإفراد الضمير، فإلى كلِّ واحد .(على حدّ قَسْمي) بفتح القاف وسكون السّين، و«القَسْم» بالفتح : مصدر «قسمت الشي ء» كضرب، وبالكسر : الحظّ والنصيب من الخير .(لمن بعدي) من الأئمّة .(عمّن كان قبلي) من الحجج .(المدعوّ باسمه) يعني في نصّ الكتاب بالنبوّة والرسالة، ولا نبيّ بعده.و(الستّ) وصف للخصال والوصايا .(وصايا) الأنبياء عليهم السلام.و(الكرّات) أي في الحروب التي لم تشتدّ قوّة الإسلام إلّا بها، ولم تكسّر فقرات الكفّار إلّا بسيفه ذي الفقار.(ودَولة الدول) بفتح الدال في المفرد وكسرها وضمّها وفتحها في الجمع.قال عيسى بن عمر: الدولة بفتح الدال وضمّها في المال والحرب سواء.(1) وقال عمرو بن العلاء: الدولة بالضمّ : في المال ، وبالفتح: في الحرب.(2) قال اللَّه تعالى في

.


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1700 (دول).
2- .نفس المصدر السابق .

ص: 141

سورة الحشر : «كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ»(1).وإنّما هو عليه السلام صاحب دولة الدول ؛ لأنّ بدولته عليه السلام اتّصلت دولة الإسلام إلى يوم القيام، أو لأنّ دولته دولة سيّد الكائنات صلى اللَّه عليه وآله ودولته دولة الدول ، فإشارة إلى عدم الفرق في افتراض طاعتهما عليهما السلام.وقال بعض المعاصرين:و«الكرّات»: الرجعات إلى الدنيا ، و«دولة الدول» : غلبة الغلبات، ثمّ قال: وقيل: وكلتاهما عبارة عن الخصلة الخامسة والبواقي عن السادسة، وقيل: العلوم الأربعة عبارة عن الخصلة الاُولى للاشتراك ، وعن الاُولى والثانية لامتياز أوّليها عن الأخيرين بالكلّية والجزئيّة ، فكلتا الخصلتين أي الكرّات والدول عبارة عن الثالثة، انتهى.(2)أقول : قصده من «الرجعات إلى الدنيا» إن كان رجعته عليه السلام في زمان المهدي عليه السلام ، فلا وجه للفظ الجمع إلّا بتأويل أنّ رجعته عليه السلام أصلٌ بالنظر إلى سائر الرجعات الصادرة من غيره عليه السلام، و إن كان بناء على طريقة القدريّة و أهل التناسخ و زنادقة الفلاسفة من القول بالقدم والإيجاب واقتضاء الطبائع أفاعيل الدنيا و النزول والصعود في سلسلتي البدو والعود ، و عود الأدوار بعد عدّة من الأحقاب إلى ما كانت عليه بعينه من الأحوال ، فبشّره بدخوله تحت قول ربّ العالمين «أُوْلَئكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلَئكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ».(3)(والدابّة التي تكلّم الناس) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النمل: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ»(4)، فإمّا مجرور معطوف على «العصا»، أو مرفوع معطوف على «الصاحب».

.


1- .الحشر (59): 7.
2- .الوافي ، ج 13 ، ص 517 .
3- .البقرة (2) : 161 .
4- .النمل (27): 82 .

ص: 142

وقال برهان الفضلاء:وفي بيان «دابّة الأرض» أقوال كثيرة ، فلعلّها ملك يخرجه اللَّه من الأرض على هيئة حسنة عجيبة معجبة قبل ظهور القائم عليه السلام لتبشّر المؤمنين وتُنذر الكافرين.أقول: لعلّ اللَّه خَلَقَ لأمير المؤمنين عليه السلام صوراً مثاليّة متعدّدة ، فلا إشكال في النصوص الظاهرة في أنّ دابّة الأرض أميرُ المؤمنين عليه السلام ، ولا في نصوص حضوره عليه السلام في طور سيناء وسفينة نوح للتكلّم مع الكليم وضرب العفريت القاصد للسفينة ، وحضوره عليه السلام ليلة المعراج في طريقه وعند السدرة ومنتهاها، وليلة الصيام للإفطار في أبيات كثيرة وفي الرفيق الأعلى، ولا في أمثال ذلك.(1)وقد روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «قال رجل لعمّار بن ياسر: يا أبا اليَقْظان آيةٌ في كتاب اللَّه قد أفسَدَتْ قلبي وشكَّكَتْني. قال عمّار: وأيّة آيةٍ هي؟ قال: قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ» فأيّة دابّة هذه؟ قال عمّار: واللَّه ما أجلسُ ولا آكُلُ ولا أشرَبُ حتّى اُرِيَكَها، فجاء عمّار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزُبْداً، فقال: يا أبا اليقظان هَلُمَّ، فجلس عمّار وأقبل يأكُلُ معه، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام عمّار قال الرجل: سبحان اللَّه ! يا أبا اليقظان حلفْتَ أنّك لا تأكُلُ ولا تشرَبُ ولا تجلِسُ حتّى تُرِيَنيِها؟ قال عمّار: قد أَرَيتُكَها إن كنتَ تعقل».(2)وقرأ العاصم والكسائي وحمزة : «أَنَّ النَّاسَ» بفتح الهمزة، والبواقي من القرّاء بكسرها.«وشكَّكَتْني» أي أقلقَتْ قلبي. وقيل: ولعلّ شكّ الرجل في هيئتها ، هل هي من الهيئات المتعارفة، أو هيئة غريبة غير مأنوسة؟

.


1- .أي: ولا إشكال في أمثال ذلك.
2- .تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 131 ؛ و عنه في البحار ، ج 39 ، ص 242 ، ح 30 .

ص: 143

الباب الخامس عشر: باب نادر جامع في فضل الإمام عليه السلام و صفاته

الباب الخامس عشر : بَابٌ نَادِرٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ عليه السلام وَ صِفَاتِهِ وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده مرفوعاً عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ (1)، قَالَ: كُنَّا مَعَ الرِّضَا عليه السلام بِمَرْوَ، فَاجْتَمَعْنَا فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي بَدْوِ(2) مَقْدَمِنَا، فَأَدَارُوا أَمْرَ الْإِمَامَةِ، وَ ذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلى سَيِّدِي عليه السلام، فَأَعْلَمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِيهِ، فَتَبَسَّمَ عليه السلام، ثُمَّ قَالَ:«يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ، جَهِلَ الْقَوْمُ، وَ خُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ؛ إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى أَكْمَلَ لَهُ الدِّينَ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ، بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ ، وَ الْحُدُودَ وَ الْأَحْكَامَ ، وَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلاً، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَبِ مِن شَىْ ءٍ» وَ أَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - وَ هِيَ آخِرُ عُمُرِهِ (3) - : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا» وَ أَمْرُ الْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ، وَ لَمْ يَمْضِ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَ أَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَ تَرَكَهُمْ عَلى قَصْدِ سَبِيلِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا : «أبو محمّد القاسم بن العلاء رحمة اللَّه رفعه عن عبدالعزيز بن مسلم» .
2- .في الكافي المطبوع : «بدء» .
3- .في الكافي المطبوع : + «صلَى اللَّه عليه و آله» .

ص: 144

الْحَقِّ، وَ أَقَامَ لَها(1) عَلِيّاً عليه السلام عَلَماً وَ إِمَاماً، وَ مَا تَرَكَ شَيْئاً تَحْتَاجُ (2) إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ، فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ، وَ مَنْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ.هَلْ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الْإِمَامَةِ وَ مَحَلَّهَا مِنَ الْأُمَّةِ؛ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ؟ إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَ أَعْظَمُ شَأْناً، وَ أَعْلى مَكَاناً، وَ أَمْنَعُ جَانِباً، وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ .إِنَّ الْإِمَامَةَ خَصَّ اللَّهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عليه السلام بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَ الْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً، وَ فَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا، وَ أَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ، فَقَالَ: «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» فَقَالَ الْخَلِيلُ عليه السلام سُرُوراً بِهَا: «وَ مِن ذُرِّيَّتِى» قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ : «لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ» فَأَبْطَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ صَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ.ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالى بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَ الطَّهَارَةِ، فَقَالَ : «وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَ يَعْقُوبَ نَافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنَا صَلِحِينَ * وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ تِ وَ إِقَامَ الصَّلَوةِ وَ إِيتَآءَ الزَّكَوةِ وَ كَانُواْ لَنَا عَبِدِينَ».فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ، يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ قَرْناً فَقَرْناً حَتّى وَرَّثَهَا اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله، فَقَالَ جَلَّ وَ تَعَالى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ» فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً، فَقَلَّدَهَا صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام بِأَمْرِ اللَّهِ - تَعَالى - عَلى رَسْمِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالى: «وَ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمَنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَبِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ» فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ عليه السلام خَاصَّةً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله، فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هؤُلَاءِ الْجُهَّالُ؟إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ ، إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ اللَّهِ وَ خِلَافَةُ الرَّسُولِ، وَ مَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع : «لهم» .
2- .في الكافي المطبوع : «يحتاج» .

ص: 145

إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا، وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي، وَ فَرْعُهُ السَّامِي؛ بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ، وَ تَوْفِيرُ الْفَيْ ءِ وَ الصَّدَقَاتِ، وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ، وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ.الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ، وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ، وَ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَ يَدْعُو إِلى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ.الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ، الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ (1)، وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ.الْإِمَامُ : الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَ السِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَ النُّورُ السَّاطِعُ، وَ النَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجى، وَ أَجْوَازِ الْبُلْدَانِ وَ الْقِفَارِ، وَ لُجَجِ الْبِحَارِ.الْإِمَامُ : الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَاَ، وَ الدَّالُّ عَلَى الْهُدى، وَ الْمُنْجِي مِنَ الرَّدى.الْإِمَامُ : النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلى بِهِ (2)، وَ الدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ.الْإِمَامُ : السَّحَابُ الْمَاطِرُ، وَ الْغَيْثُ الْهَاطِلُ، وَ الشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَ السَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَ الْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَ الْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ، وَ الْغَدِيرُ وَ الرَّوْضَةُ.الْإِمَامُ : الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ، وَ الْأُمُ (3) الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ.الْإِمَامُ : أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَ حُجَّتُهُ عَلى عِبَادِهِ، وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ.الْإِمَامُ : الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَ الْمُبَرَّأُ مِنَ (4) الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَ عِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَ غَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَ بَوَارُ الْكَافِرِينَ.

.


1- .في حاشية «الف» : «العالم» .
2- .في «الف» : «بها» .
3- .في حاشية «الف» : «والإمام : الأمّ» بدل «والاُمّ» .
4- .في الكافي المطبوع : «عن» .

ص: 146

الْإِمَامُ : وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَ لَا اكْتِسَابٍ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ.فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ، أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَ تَاهَتِ الْحُلُومُ، وَ حَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَ خَسَأَتِ الْعُيُونُ، وَ تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَ تَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَ تَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَ حَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَ جَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَ عَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ، وَ عَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَ أَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ، وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْ ءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَ يُغْنِي غِنَائَهُ (1)؟ لَا، كَيْفَ؟ وَ أَنّى؟ وَ هُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ ُ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ، وَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هذَا؟ وَ أَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هذَا؟ وَ أَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هذَا؟أَ يَظُنُّونَ (2) أَنَّ ذلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ(3) صلى اللَّه عليه وآله؟ كَذَبَتْهُمْ وَاللَّهِ أَنْفُسُهُمْ، وَ مَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقاً صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ، رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ، وَ آرَاءٍ مُضِلَّةٍ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً(4) ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ .(5)وَ لَقَدْ رَامُوا صَعْباً، وَ قَالُوا إِفْكاً، وَ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً، وَ وَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ إِذْ تَرَكُوا الْإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ، وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ .رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ وَ اخْتِيَارِ رَسُولِه (6) صلى اللَّه عليه وآله وَ أَهْلِ بَيْتِهِ (7) إِلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَ الْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ:

.


1- .في الكافي المطبوع : «غناه» .
2- .في الكافي المطبوع : «أتظنّون» .
3- .في «الف» : - «محمّد» .
4- .في «الف» : + «وقال الصفواني في حديثه» .
5- .في «الف» : + «ثمّ اجتمعا في الرواية» .
6- .في الكافي المطبوع : «رسول اللَّه» .
7- .في «الف» : - «وأهل بيته» .

ص: 147

«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» مِنْ أَمْرِهِمْ «سُبْحَنَ اللَّهِ وَ تَعَلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» الْآيَةَ، وَ قَالَ: «مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَنٌ عَلَيْنَا بَلِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَ لِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأْتُواْ بِشُرَكَآلِهِمْ إِن كَانُواْ صَدِقِينَ» .وَ قَالَ تَعَالى : «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ» أَمْ «طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ» أَمْ «قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِ ّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأََّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ» أَمْ «قَالُواْ سَمِعْنَا وَ عَصَيْنَا» بَلْ هُوَ «فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ؟!وَ الْإِمَامُ : عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَ دَاعٍ (1) لَا يَنْكُلُ، مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَ الطَّهَارَةِ، وَ النُّسُكِ وَ الزَّهَادَةِ، وَ الْعِلْمِ وَ الْعِبَادَةِ، مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ (2)، وَ نَسْلِ الْمُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ، وَ لَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ، فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَ الذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ، وَ الْعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ الرِّضَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، شَرَفُ الْأَشْرَافِ، وَ الْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ، نَامِي الْعِلْمِ، كَامِلُ الْحِلْمِ، مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، نَاصِحٌ لِعِبَادِ اللَّهِ، حَافِظٌ لِدِينِ اللَّهِ.إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ عَلَيْهِمُ السلام يُوَفِّقُهُمُ اللَّهُ، وَ يُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَ حِكَمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ؛ فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ (3) ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : «أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِ ّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّى إِلَّآ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» وَ قَوْلِهِ : «وَمَن يُؤْتَ

.


1- .في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «راعٍ» .
2- .في الكافي المطبوع : + «صلّى اللَّه عليه و آله» .
3- .في الكافي المطبوع : «الزمان» .

ص: 148

الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا» وَ قَوْلِهِ فِي طَالُوتَ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَ سِعٌ عَلِيمٌ» وَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» وَ قَالَ فِي الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَ عِتْرَتِهِ وَ ذُرِّيَّتِهِ صلى اللَّه عليه وآله : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا».وَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - لِأُمُورِ عِبَادِهِ، شَرَحَ صَدْرَهُ لِذلِكَ، وَ أَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ، وَ أَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً؛ فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَ لَا تَحَيَّزَ(1) فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ؛ فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ(2)، قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَأِ وَ الزَّلَلِ وَ الْعِثَارِ، يَخُصُّهُ اللَّهُ بِذلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلى عِبَادِهِ، وَ شَاهِدَهُ عَلى خَلْقِهِ، وَ «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ».فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلى مِثْلِ هذَا فَيَخْتَارُونَهُ ؟ أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ؟ تَعَدَّوْا - وَ بَيْتِ اللَّهِ - الْحَقَّ، وَ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْهُدى وَ الشِّفَاءُ، فَنَبَذُوهُ وَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللَّهُ وَ مَقَّتَهُمْ وَ أَتْعَسَهُمْ، فَقَالَ جَلَّ وَ تَعَالى: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَلهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ» وَ قَالَ: «فَتَعْسًا لَّهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمَلَهُمْ» وَ قَالَ: «كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَ عِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذ لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِ ّ قَلْبٍ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِ (3) وَ آلِهِ، وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً».

هديّة:«المقدَم» كمنصَب ، مصدر ميميّ بمعنى القدوم.

.


1- .في «د» : «لايحيّز» . وفي الكافي المطبوع : «لايحيّر» .
2- .في حاشية «الف» : + «من الخطأ» .
3- .في «الف» : - «النبيّ» . وفي الكافي المطبوع : «النبيّ محمّد» بدل «محمّد النبيّ» .

ص: 149

«خدعه» كمنع . «قبضه» كضرب .«حتّى» في (حتّى أكمل) للاستثناء .(كَمَلاً) بالتحريك بمعنى كاملاً ، نصب على الحال، أو صفة لمنصوب على المصدريّة، أي بياناً كاملاً.«مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْ ءٍ»(1) في سورة الأنعام.«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(2) الآية في سورة المائدة.و«المعالم» جمع مَعْلَم ، كمنصب ، وهو ما يعلم به الشي ء .و«القصد» الوسط بين الإفراط والتفريط .ليس في بعض النسخ المعتبرة «به» بعد قوله: (فهو كافر).(وأمْنَعُ جانباً) أي أعزّ جهةً أفعل التفضيل مِن منع - كحسُن - مَناعةً ، وفلان في عزّ ومَنَعَة بالتحريك.(والخُلَّة) بالضمّ صفة الخليل .(مرتبة ثالثة) لأنّ المراد بالنبوّة هنا الرسالة بعد النبوّة بدليل ما سبق في باب طبقات الأنبياء والرُّسل والأئمّة عليهم السلام .(أشاد): رفع .في بعض النسخ : «فأبطلت هذه الإمامة» بدل (هذه الآية) وهي في سورة البقرة.(3)«وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ»(4) الآية في سورة الأنبياء.و(الصَّفوة) والمصطفى والمعصوم كلّه بمعنى .(نافلةً): عطيّة ، ويُقال لولد الولد : النافلة أيضاً.و«الإقام» مصدر ، كالإقامة.

.


1- .الأنعام (6) : 38.
2- .المائدة (5): 3.
3- .البقرة (2) : 124 .
4- .الأنعام (6) : 84. الأنبياء (21) : 72.

ص: 150

و«القرن» من الزمان معروف، ومن الناس: أهل زمان واحد .(أولى الناس) أقربهم وأخصّهم ، من الوليّ بمعنى القُرب، وفي التفسير «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ»(1) في سورة آل عمران أنّ أحقّهم بأن يكون مصداقاً لدعاء إبراهيم عليه السلام.و(الرّسم): والأثر والطريقة الحسنة.«لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ»(2) في التفسير أنّ المخاطب بالآيات المذكورة سابقاً في قوله تعالى في سورة الروم: «إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا»(3) والمراد الأئمّة عليهم السلام ، كما في باب أنّ الآيات التي ذكرها اللَّه عزّ وجلّ في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام .و«الزمام» بالكسر للبعير .و«الاُسّ» : الأصل .و(السامي) : العالي.و(الفي ء) : الغنيمة والخراج.و«الذَّب» بالفتح : الدفع ، ذبّه كمدّ .(بالحكمة والموعظة الحسنة) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ»(4).و«التجليل» بالجيم : تعميم اللباس الجسدَ .و«الساطع»: المرتفع.و«الغياهب»: الظلمة.و(الدُّجى) : ظلمة الليل.و«الجَوْز» بالفتح : وسط الشي ء ومعظمه.و(القِفار) : جمع قَفْر ، وهو الأرض الخالية من الماء والكلاء من المفاوز .

.


1- .آل عمران (3): 68.
2- .الروم (30): 56.
3- .الروم (30): 53.
4- .النحل (16): 125.

ص: 151

و«لجّة الماء» : معظمه.و(الظَمَأ) كالعطش لفظاً ومعنى، أو شدّة العطش في حرّ النهار.و(الرَّدى) بالفتح والقصر : الهلاك.و(اليفاع) كسحاب : المرتفع من الأرض .و(الهاطل) : المطر المتتابع العظيم القطرة.وكثيراً يُطلق (السماء) على السحاب.و(الغزيرة) : الكثيرة .إذا انشقّ شي ء فكلّ واحد من شقّيه شقيق الآخر، وفلانٌ شقيقُ فلانٍ : أخوه.و(الدّاهية) و(النأد) كضلال بمعنى. و«البوار» كالهلاك لفظاً ومعنى .(بل اختصاص من المفضّل الوهّاب) ردٌّ على الصوفيّة القدريّة القائلين بإمكان الوصول إلى مراتب النبوّة والإمامة لكلّ أحد بالرياضة ، وإن كان جوكيّاً.(1) ونِعْمَ ما قال علويٌّ عَينٌ في بلادنا : أنّ الجواكي بتلك الرياضات لم يصلوا لا أقلّ إلى أوّل درجة من مدارج الإسلام، فلعنة اللَّه على الرأي المختَرع في الدِّين ومخترعه.(تاهت الحُلُوم): تحيّرت العقول والأفهام .(خَسَأَت العيون) : كلَّتْ . «خَسِأَ» كعلم ومنع : كَلَّ وبَعُد . و«خَساه» كمنع : أبعده. فيحتمل هنا : «خُسِأَت العيون» على المجهول .«حَصِر» لسانُه - كعلم - : كَلّ.و(الألبّاء) كالأطبّاء : جمع اللّبيب، أي العاقل.و(الاُدباء) كالعلماء : جمع الأديب ، أي المعلّم.(عَيِيَت) كعلم : عجزت.(وأقرّت) أي تلك الجماعة.و«الغَناء» بالفتح والمدّ : النفع .

.


1- .فرقة من المرتاضين بالهند . راجع : لغت نامه دهخدا (جوكى) .

ص: 152

و«حيث» يبنى على الضمّ والكسر أيضاً ، وظرف مكان، والباء بمعنى «في» ويضاف إلى الجملة، ونادراً إلى المفرد أيضاً. وقرأ : «بجنب» مكانه ، بالجيم والنون والمفردة .(مَنَّتْهُم) من التمنية ، تمنّاه ومنّاه غيره : ألقاه إلى تمنّي الأمر.و(الأباطيل) جمع الباطل على غير قياس.و«المُرتَقى» على اسم المفعول : اسم مكان من الارتقاء.(دحضاً): زلقاً.(يؤفكون): يصرفون. (إفكاً): كذباً. «لا ينكل»: لا يضعف. «اضطلع»: قوى. (ملكاً عظيماً) يعني الإمامة والطاعة المفروضة، كما ورد عنهم عليهم السلام.وفي بعض النسخ بعد قوله : (إلّا بُعداً) هكذا : «وقال الصفواني في حديثه: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ»(1) ثم اجتمعا في الرواية».وهكذا من إلحاقات النُّسّاخ. «ثم اجتمعنا» يعني الصفواني وابن قولويه. كما رواه الصفواني . هو أبو محمّد بن جعفر الكوفي، من تلامذة صاحب الكافي، و ابن قولويه هو شيخ الشيخ المفيد وتلميذ صاحب الكافي، من أعلام تلامذته.والمعنى: أنّ ابن قولويه رحمة اللَّه عليه لم يرو في حديثه عن صاحب الكافي: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ».و«زَيَّنَ لَهُمُ» إلى «مُسْتَبْصِرِينَ» اقتباس من سورة العنكبوت.(2)وفي سورة القصص هكذا: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ [وَتَعَالَى (3) عَمَّا يُشْرِكُونَ»(4) بدون «من الأمر»(5) «وتعالى»(6) فالمنقول مضمون الآية.

.


1- .التوبة (9): 30.
2- .العنكبوت (29) : 38 .
3- .]المصنّف قد ضبط المتن سابقاً بتوسّط «من أمرهم» بين «الخيرة» و «سبحان اللَّه» .
4- .القصص (28): 68.
5- .في «الف» و «د» : - «وتعالى» .
6- .ضبط المصنّف الآية في سورة القصص بدون «و تعالى» و هو سهو منه .

ص: 153

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ» الآية في سورة الأحزاب. (الآية) نصب بتقدير «أعني» يعني أعني مجموع الآية ، ما ذكر وما لم يذكر ، وهو قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً»(1).وكسر الهمزة في «إِنَّ لَكُمْ فِيهِ» باعتبار الاستئناف البياني، وفي «إِنَّ لَكُمْ لَمَا» باعتبار جوابيّة القسم السابق في سورة: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»(2)، و«ما» في «لَمَا» في الموضعين مصدريّة، و«إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ» متعلّق ب «لَكُمْ»؛ لأنّ البلوغ لا يتعلّق ب «إلى» إلّا على تضمين معنى الوصول.وقال عزّ وجلّ: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(3) في سورة محمّد.(أم طبعَ اللَّه على قلوبهم فهم لا يفقهون) اقتباس إمّا من قوله تعالى في سورة التوبة: «وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ»(4)، أو من قوله تعالى في سورة المنافقين: «فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ»(5).أم (قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) في سورة الأنفال هكذا: «وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا»(6) الآية.(أم قالوا سمعنا وعصينا) اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء: «مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا»(7).(بل هو فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذو الفضل العظيم) اقتباس من سورة الجمعة.(8)

.


1- .الأحزاب (33): 36.
2- .القلم (68): 1.
3- .محمّد (47): 24.
4- .التوبة (9): 87.
5- .المنافقون (63): 3.
6- .الأنفال (8): 21.
7- .النساء (4): 46.
8- .الجمعة (62): 4.

ص: 154

في بعض النسخ: «وراعٍ لا ينكُلُ» بالراء مكان الدال، نكل عن العدوّ، كنصر: جَبُنَ.(والنَسْك) بالفتح: الطاعة.(بدعوة الرسول) يعني مراراً في الغدير وغيره، كقوله عليه السلام: «اللّهمَّ والِ مَن والاه» الحديث.(1) وقوله عليه السلام: «ودعا اللَّه أن يعطيني فهمها وحفظها،(2) ثمّ وضع يده على صدري ودعا اللَّه لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً» الحديث.(3) وقد سبق في كتاب العقل.(لا مَغْمَزَ): لا مطعن.«أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ»(4) الآية في سورة يونس.في سورة البقرة هكذا: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ»(5).(وقوله في طالوت) في البقرة، في النساء هكذا: «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَىْ ءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ»(6) الآية، فنقل بالمعنى.«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ»(7) الآية في سورة النساء.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 293، باب الإشارة النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام ح 3؛ و ج 8، ص 27، ح 4؛ الفقيه، ج 1، ص 229، ح 686؛ تهذيب الأحكام، ج 3، ص 263، ح 66.
2- .في المصدر بين قوله «وحفظها» وبين «ثم وضع» زيادة.
3- .الكافي، ج 1، ص 64، باب اختلاف الحديث، ح 1؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 162، ح 193؛ كمال الدين، ج 1، ص 284، ح 27؛ وعنه في البحار، ج 36، ص 256، ح 75.
4- .يونس (10): 35.
5- .البقرة (2): 268 - 269.
6- .النساء (4): 113.
7- .النساء (4): 54.

ص: 155

«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ»(1) الآية في سورة القصص.«فَتَعْساً لَهُمْ»(2) الآية في سورة محمّد.«كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ»(3) الآية في سورة المؤمن.و«التّعس»: الهلاك. (أتعسهم): أهلكهم.وقرئ: (قلب متكبّر) على التوصيف والإضافة.

الحديث الثاني 1184.الإمام الصادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عن السّرّاد(4)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي خُطْبَةٍ لَهُ يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وَ صِفَاتِهِمْ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَوْضَحَ بِأَئِمَّةِ الْهُدى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ، وَ أَبْلَجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ مِنْهَاجِهِ، وَ فَتَحَ (5) بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ؛ فَمَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله وَاجِبَ حَقِّ إِمَامِهِ، وَجَدَ طَعْمَ حَلَاوَةِ إِيمَانِهِ، وَ عَلِمَ فَضْلَ طُلَاوَةِ إِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالى نَصَبَ الْإِمَامَ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلى أَهْلِ مَوَادِّهِ وَ عَالَمِهِ، وَ أَلْبَسَهُ اللَّهُ تَاجَ الْوَقَارِ، وَ غَشَّاهُ مِنْ نُورِ الْجَبَّارِ، يَمُدُّ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ، لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَوَادُّهُ ، وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِجِهَةِ أَسْبَابِهِ، وَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ؛ فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مُلْتَبِسَاتِ (6) الدُّجى، وَ مُعَمِّيَاتِ السُّنَنِ، وَ مُشَبِّهَاتِ الْفِتَنِ .

فَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ تَعَالى يَخْتَارُهُمْ لِخَلْقِهِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ عَقِبِ كُلِّ إِمَامٍ يَصْطَفِيهِمْ لِذلِكَ وَ يَجْتَبِيهِمْ، وَ يَرْضى بِهِمْ لِخَلْقِهِ وَ يَرْتَضِيهِمْ، كُلَّمَا مَضى مِنْهُمْ إِمَامٌ، نَصَبَ لِخَلْقِهِ مِنْ عَقِبِهِ إِمَاماً عَلَماً بَيِّناً، وَ هَادِياً نَيِّراً، وَ إِمَاماً قَيِّماً، وَ حُجَّةً عَالِماً، أَئِمَّةً مِنَ اللَّهِ، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ، وَ بِهِ .


1- .القصص (28): 50.
2- .محمّد (47): 8 .
3- .غافر (40): 35.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب».
5- .في حاشية «الف» و «د» : «منح».
6- .في حاشية «الف»: «ملبّسات».

ص: 156

1184.الإمام الصادق عليه السلام :يَعْدِلُونَ، حُجَجُ اللَّهِ وَ دُعَاتُهُ وَ رُعَاتُهُ عَلى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهِمْ (1) الْعِبَادُ، وَ يَسْتَهِلُ (2) بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ، وَ يَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلَادُ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ حَيَاةً لِلْأَنَامِ، وَ مَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ، وَ مَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ، وَ دَعَائِمَ لِلْإِسْلَامِ، جَرَتْ بِذلِكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ اللَّهِ عَلى مَحْتُومِهَا.

فَالْإِمَامُ هُوَ الْمُنْتَجَبُ الْمُرْتَضى، وَ الْهَادِي الْمُنْتَجى، وَ الْقَائِمُ الْمُرْتَجَى، اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِذلِكَ، وَ اصْطَنَعَهُ عَلى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ، وَ فِي الْبَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ ظِلاًّ قَبْلَ خَلْقِ (3) نَسَمَةٍ، عَنْ يَمِينِ عَرْشِهِ، مَحْبُوّاً بِالْحِكْمَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ، وَ انْتَجَبَهُ لِطُهْرِهِ؛ بَقِيَّةً مِنْ آدَمَ عليه السلام، وَ خِيَرَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، وَ مُصْطَفىً مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَ سُلَالَةً مِنْ إِسْمَاعِيلَ، وَ صَفْوَةً مِنْ عِتْرَةِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، لَمْ يَزَلْ مَرْعِيّاً بِعَيْنِ اللَّهِ يَحْفَظُهُ وَ يَكْلَؤُهُ بِسِتْرِهِ، مَطْرُوداً عَنْهُ حَبَائِلُ إِبْلِيسَ وَ جُنُودِهِ ، مَدْفُوعاً عَنْهُ وُقُوبُ الْغَوَاسِقِ، وَ نُفُوثُ كُلِّ فَاسِقٍ، مَصْرُوفاً عَنْهُ قَوَارِفُ السُّوءِ ، مُبَرَّأً مِنَ الْعَاهَاتِ، مَحْجُوباً عَنِ الْآفَاتِ، مَعْصُوماً مِنَ الْفَوَاحِشِ (4) كُلِّهَا، مَعْرُوفاً بِالْحِلْمِ وَ الْبِرِّ فِي يَفَاعِهِ، مَنْسُوباً إِلَى الْعَفَافِ وَ الْعِلْمِ وَ الْفَضْلِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ، مُسْنَداً إِلَيْهِ أَمْرُ وَالِدِهِ، صَامِتاً عَنِ الْمَنْطِقِ (5) فِي حَيَاتِهِ.

فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ وَالِدِهِ، إِلى أَنِ انْتَهَتْ بِهِ مَقَادِيرُ اللَّهِ إِلى مَشِيئَتِهِ، وَ جَاءَتِ الْإِرَادَةُ مِنَ اللَّهِ فِيهِ إِلى مَحَبَّتِهِ، وَ بَلَغَ مُنْتَهى مُدَّةِ وَالِدِهِ، فَمَضى وَ صَارَ أَمْرُ اللَّهِ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَ قَلَّدَهُ دِينَهُ، وَ جَعَلَهُ الْحُجَّةَ عَلى عِبَادِهِ، وَ قَيِّمَهُ فِي بِلَادِهِ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحِهِ، وَ آتَاهُ عِلْمَهُ، وَ أَنْبَأَهُ فَصْلَ بَيَانِهِ، وَ اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَ انْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، وَ أَنْبَأَهُ فَضْلَ بَيَانِ عِلْمِهِ، وَ نَصَبَهُ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلى أَهْلِ عَالَمِهِ، وَ ضِيَاءً لِأَهْلِ دِينِهِ، وَ الْقَيِّمَ عَلى عِبَادِهِ، رَضِيَ اللَّهُ بِهِ إِمَاماً لَهُمُ، اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَ اسْتَحْفَظَهُ عِلْمَهُ، وَ اسْتَخْبَأَهُ حِكْمَتَهُ، وَ اسْتَرْعَاهُ لِدِينِهِ،وَ انْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، .


1- .في حاشية «الف»: «بهداهم». وفي حاشية «د» والكافي المطبوع: «بهديهم».
2- .في الكافي المطبوع: «تستهلّ».
3- .في حاشية «الف»: «خلقه».
4- .في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «معصوماً من الزلّات، مصوناً من الفواحش» بدل «معصوماً من الفواحش».
5- .في حاشية «الف»: «النطق».

ص: 157

1184.الإمام الصادق عليه السلام :وَ أَحْيَا بِهِ مَنَاهِجَ سَبِيلِهِ، وَ فَرَائِضَهُ وَ حُدُودَهُ، فَقَامَ بِالْعَدْلِ عِنْدَ تَحْيِيرِ أَهْلِ الْجَهْلِ ، وَ تَجْبِيرِ(1)أَهْلِ الْجَدَلِ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَ الشِّفَاءِ النَّافِعِ، بِالْحَقِّ الْأَبْلَجِ، وَ الْبَيَانِ اللَّائِحِ مِنْ كُلِّ مَخْرَجٍ، عَلى طَرِيقِ الْمَنْهَجِ، الَّذِي مَضى عَلَيْهِ الصَّادِقُونَ مِنْ آبَائِهِ عليهم السلام، فَلَيْسَ يَجْهَلُ حَقَّ هذَا الْعَالِمِ إِلَّا شَقِيٌّ، وَ لَا يَجْحَدُهُ إِلَّا غَوِيٌّ، وَ لَا يَصُدُّ عَنْهُ إِلَّا جَرِيٌّ عَلَى اللَّهِ».هديّة:في بعض النسخ: «منح» بدل (فتح) أي أعطى بسببهم.(أبلج): أوضح.و«الطلاوة» مثلّثة الطاء: الحسن والقبول.(أهل موادّه) بالتشديد: جمع «المودّ» محلّ المحبّة، أي الطاعات؛ أو جمع «المادّة» أي موادّ رحمته، وهي سماواته وأرضه.(غشّاه) بالتشديد، و«من» للتبعيض.(يمدّ) على المعلوم: ينموا.(عنه): عن الإمام.(أسبابه): أسباب الإمام.(ملتبِسات) بكسر المفردة و«المشبّهات» بفتحها: من التفعيل.في بعض النسخ. «يرتضيهم» مكان (يرضى بهم).(أئمّة) على الرفع، أي هم أئمّة.(بالحقّ) أي بالقرآن، وبالقرآن يظهرون العدالة بين الخلق.(يدين بهم العباد). في بعض النسخ: «يدين بهداهم العباد» فعلى الأوّل أي بوسيلتهم، وعلى الثاني بهدايتهم أو بسيرتهم؛ لاحتمال الضمّ والفتح. و«الهَدْي» بالفتح وسكون الدال: السيرة.(يستهلّ): يتنوّر.

.


1- .في حاشية «ألف»: «تجبّر».

ص: 158

و(التِّلاد) ككتاب: المال القديم، ضدّ الطارف، وهو المستحدث من المال. وقال برهان الفضلاء: هو جمع «تَلَد» بالتحريك كولد، وأصل التاء الواو، أي الأموال والأولاد.و(الظلام) كسحاب.و«دعامة البيت» بكسر الدال: عماده.و(المنتجى) على اسم المفعول: صاحب السرّ، أي المنتجب للانتجاء وحفظ النجوى. و«الاصطناع» افتعال من الصنع.(على عينه) كناية عن كمال الاهتمام في حفظه ورعايته.و«الذرّ»: صغار النمل، كنّى به عن بني آدم حين استخرجوا من صلبه لأخذ الميثاق.(محبوّاً) يهمز ولا يهمز، من الحباء، وهو العطاء.و«الوقوب»: دخول الظلام. و«الغاسق»: الليل المظلم. و«النّفث»: النفخ.و«القرفة»: التّهمة والمجنة.في بعض النسخ: «معصوماً من الزلّات، مصوناً من الفواحش».(في يَفاعه): أوائل سنّه، «أيفع الغلام»: شارف الاحتلام.في بعض النسخ: «عن النطق» مكان (عن المنطق).وقرأ برهان الفضلاء: (إلى أن انتهت به) بالمدّ والتنوين. في بعض النسخ: «إلى حجّته» مكان (إلى محبّته).(انتدبه): اختاره.(واستخبأه) بالمعجمة والمفردة: أودع عنده وأمره بالكتمان.(واسترعاه): اعتنى بشأنه، وفي بعض النسخ: «استدعاه» بالدال.(وتخيير(1) أهل الجدل) أي الآمر أو الخليفة. وفي بعض النسخ: «وتجبّر أهل الجدل» بالجيم والمفردة.(جريّ) يُقرأ بالتشديد، والأصل «جرئ» بالهمز، على فعيل.

.


1- .ضبط المصنّف المتن سابقاً: «تحيير».

ص: 159

الباب السادس عشر: باب أنّ الأئمّة ولاة الأمر و هم الناس المحسودون...

الباب السادس عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام وُلَاةُ الْأَمْرِ وَ هُمُ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1180.امام باقر عليه السلام ( _ در تفسير همين آيه ) روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ» فَكَانَ جَوَابُهُ:

««أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَبِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلَآءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلاً» يَقُولُونَ لِأَئِمَّةِ الضَلَالِ (2) وَ الدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ: هؤُلاءِ أَهْدى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ سَبِيلًا «أُوْلَئكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ» يَعْنِي الْإِمَامَةَ وَ الْخِلَافَةَ «فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا» نَحْنُ النَّاسُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ. وَ النَّقِيرُ : النُّقْطَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» نَحْنُ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ عَلى مَا آتَانَا اللَّهُ مِنَ الْإِمَامَةِ دُونَ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا» يَقُولُ: جَعَلْنَا مِنْهُمُ الرُّسُلَ وَ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ، فَكَيْفَ يُقِرُّونَ بِهِ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري، عن معلّى بن محمّد، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجلي».
2- .في الكافي المطبوع: «الضلالة».

ص: 160

1180.امام باقر عليه السلام ( _ در تفسير همين آيه ) يُنْكِرُونَهُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله؟! «فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَِايَتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا»».هديّة:(فكان جوابه) يعني قراءة هذه الآية من سورة النساء(1) السابقة على هذه الآية(2)منها أيضاً.(يقولون لأئمّة الضلال) يحتمل فتح اللام للتّأكيد، وكسرها أولى.و«الفاء» في «فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ» عاطفة، و«إذا» من الحروف الناصبة، والكوفيّون يكتبونها بالنون، والبصريّون بالألف؛ لأنّ نونها في الوقف تنقلب بالألف، و«لَّا يُؤْتُونَ» مضارع بمعنى الحال؛ لأنّ الجملة السابقة عليه اسميّة، وبالحاليّة أولى، ولذا إذا لم يعمل عمل النصب - إذ في عملها كذا شرط - يكون المضارع بمعنى المستقبل. نعم، يحتمل أن يكون المضارع هنا بمعنى المستقبل؛ لأنّ عمل «إذ» أن بعد حرف العطف، كالفاء والواو، إنّما هو على سبيل الجواز لا الوجوب.«أصليته ناراً». أدخلته فيها.

الحديث الثاني 1184.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفُضَيْلِ (3)، عَنْ أَبِي الحَسَنِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» قَالَ: «نحْنُ المَحْسُودُونَ».هديّة:(محمّد بن الفضيل) يروى عن الكاظم والرضا عليهما السلام.

.


1- .النساء (4): 51.
2- .النساء (4): 59.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 161

الحديث الثالث 1188.عنه عليه السلام ( _ في خُطبَتِةِ يَومَ الجُمُعَةِ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ مُؤْمِنِ الطاقِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ» ؟ فَقَالَ: «النُّبُوَّةَ». قُلْتُ : «الْحِكْمَةَ» ؟ قَالَ : «الْفَهْمَ وَ الْقَضَاءَ». قُلْتُ: «وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»؟ فَقَالَ: «الطَّاعَةَ».هديّة:الآية في سورة النساء.(2)(والقضاء) يعني الحكم بين العباد بالعدل، بعد الفهم والعقل عن اللَّه سبحانه.(فقال: الطاعة) يعني افتراض طاعة الجميع للإمام المفترض الطاعة.

الحديث الرابع 1189.الإمام الباقر عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَن الكناني (3)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» فَقَالَ: «يَا أَبَا الصَّبَّاحِ، نَحْنُ وَاللَّهِ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ».هديّة:الآية في سورة النساء.(4) والمشهور في كنية (الكناني): أبو الصباح كسحاب، ونقل عن العلّامة - طاب ثراه - أنّه ضبط بصيغة المبالغة. و«الصباح» كسحاب و«الصبح» و«الصبيحة» كلّه بمعنى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن محمّد الأحول، عن حمران بن أعين».
2- .النساء (4): 54.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الصبّاح».
4- .النساء (4): 54.

ص: 162

الحديث الخامس 1191.الإمام الباقر عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عن الْعِجْلِيِ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»(2)«جَعَلَ مِنْهُمُ الرُّسُلَ وَ الْأَنْبِيَاءَ وَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام، فَكَيْفَ يُقِرُّونَ فِي آلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَ يُنْكِرُونَهُ فِي آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله؟!» قَالَ: قُلْتُ: «وَءَاتَيْنَهُم مُّلْكًا عَظِيمًا»؟ قَالَ: «الْمُلْكُ الْعَظِيمُ أَنْ جَعَلَ فِيهِمْ أَئِمَّةً مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللَّهَ؛ وَ مَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللَّهَ؛ فَهُوَ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ».هديّة:هل مُلك بعد مُلك اللَّه تعالى أعظم من ذلك؟ لا واللَّه العظيم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن بريد العجليّ».
2- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 163

الباب السابع عشر: باب أنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكرها اللَّه...

الباب السابع عشر : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام هُمُ الْعَلَامَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1191.امام باقر عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمُسْتَرِقِ (1)، عَنْ دَاوُدَ الْجَصَّاصِ ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «وَ عَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» قَالَ (2) : «النَّجْمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الْعَلَامَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:«الجصّ» بالكسر ويفتح: ما يُبنى به، و(الجصّاص) الذي يتّخذه.في سورة النحل هكذا: «وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(3)، والتقدير: «من أن تميد» أي تتحرّك وتضطرب، وكما فسّر «النجم» هنا ب «الأصل»، فسّر بأنّه استعارة من الكوكب، وضمير «هم» للعلامات.هل في علامات الربوبيّة للربّ تبارك وتعالى علامة أعظم من الإمام؟ لا واللَّه العظيم، ثمّ هل نعمة أعظم من التشيّع والولاية؟ لا واللَّه العظيم، فلا حاجة إلى ذكر وجه

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أبي داود المسترقّ».
2- .في الكافي المطبوع: «فقال».
3- .النجم (53): 15 و 16.

ص: 164

التعبير عن المعصوم - وهو أعلمُ جميعِ الخلق بالعلامة في نسق القرآن، وكذا عن الإيمان - بالنِّعمة؛ الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

الحديث الثاني 1195.امام صادق عليه السلام: روى في الكافي بإسناده عَنْ أسبَاطِ بنِ سَالِمٍ (1)، قَالَ: سَأَلَ الْهَيْثَمُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام - وَ أَنَا عِنْدَهُ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ عَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» فَقَالَ : «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله النَّجْمُ، وَ الْعَلَامَاتُ (2) الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:(الهيثم) هذا ابن عروة أو ابن واقد، كلاهما من رجال الصادق عليه السلام.

الحديث الثالث 1198.رسول اللّه صلى الله عليه و آله : روى في الكافي عن الاثنين (3)، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ عَلَمَتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» قَالَ: «نَحْنُ الْعَلَامَاتُ، وَ النَّجْمُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».هديّة:الحسن بن عليّ الخزّاز - بالمعجمات - يُعرف ب (الوشّاء) له كتاب.وبيان الحديث كنظائره.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أسباط بن سالم».
2- .في الكافي المطبوع: + «هم».
3- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 165

الباب الثامن عشر: باب أنّ الآيات التي ذكرها اللَّه عزّ و جلّ في كتابه هم الأئمّة

الباب الثامن عشر : بَابُ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1201.الإمام الباقر عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ مَا تُغْنِى الْآيَتُ وَ النُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ» قَالَ : « الْآيَاتُ هُمُ الْأَئِمَّةُ، وَ النُّذُرُ(2)، الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام (3)».هديّة:يعني (عن قول اللَّه تبارك وتعالى) في سورة يونس.(4)الجوهري: «ما يغني عنك هذا» أي ما يجدي (5) عنك وما ينفعك.(6)و«الإنذار»: الإبلاغ، ولا يكون إلّا في التخويف، والاسم: (النذر)، قال اللَّه تعالى في سورة القمر: «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ»(7).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن هلال، عن اُميّة بن عليّ، عن داود الرقّي».
2- .في الكافي المطبوع: + «هم».
3- .في الكافي المطبوع: «صلواتُ اللَّه عليهم أجمعين» بدل «عليه السلام».
4- .يونس (10): 101.
5- .في المصدر: «يجزي ء».
6- .الصحاح، ج 6، ص 2449 (غنى).
7- .القمر (54): 16، 18، 21، 30.

ص: 166

الحديث الثاني 1205.عَفّانُ البَصرِيُّ عَنِ الإمامِ الصّادِقِ عليه الروى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ (1) رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «كَذَّبُواْ بِآيَتِنَا كُلِّهَا»: «يَعْنِي الْأَوْصِيَاءَ كُلَّهُمْ».هديّة:(في قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة القمر.(2)(الأوصياء كلّهم) يعني أوصياء نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله، وقد سبق في الحديث أنّ أوصياء سائر الأنبياء كانوا أنبياء، وهذا من وجوه الاستثناء في حديث المنزلة: «يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»(3).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (4)، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ الشِّيعَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ تَفْسِيرِ هذِهِ الْآيَةِ : «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ»(5)؟ قَالَ: «ذلِكَ إِلَيَّ إِنْ شِئْتُ أَخْبَرْتُهُمْ، وَ إِنْ شِئْتُ لَمْ أُخْبِرْهُمْ» ثُمَّ قَالَ: «لكِنِّي أُخْبِرُكَ بِتَفْسِيرِهَا».قُلْتُ: «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ»؟ قَالَ: فَقَالَ : «هِيَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : مَا لِلَّهِ تَعَالى آيَةٌ(6) أَكْبَرُ مِنِّي، وَ لَا لِلَّهِ مِنْ نَبَأٍ أَعْظَمُ مِنِّي».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني، عن موسى بن محمّد العجلي، عن يونس بن يعقوب».
2- .القمر (54): 42.
3- .الخصال، ج 2، ص 573، أبواب السبعين وما فوقه، ضمن ح 1؛ وعنه في البحار، ج 31، ص 432.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير أو غيره، عن محمّد بن الفضيل».
5- .النبأ (78): 1 - 2.
6- .في الكافي المطبوع: + «هي».

ص: 167

هديّة:قد روى مثله: عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الرِّضا عليه السلام بزيادة في آخره، وهو قوله عليه السلام: «ولقد عرض فضلي على الاُمم الماضية على اختلاف ألسنتها، فلم تقرّ(1) بفضلي»(2) أي لم تجهل بفضلي.ومن المتّفقات عليها - كما سيجي ء - أنّ الإمام كما يجب على الرعيّة السؤال عنه، لا يجب عليه الجواب، بل ذلك إليه؛ لأنّه أعلم بالمصالح عاقلاً عن اللَّه سبحانه.الجوهري: عمّ الشي ء - كمدّ - عموماً: شمل الجماعة، و«عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ» أصله: «عمّا»، حذفت منه «الألف» في الاستفهام.(3)وقال برهان الفضلاء:«التساؤل» كالتجاوب يشمل السؤال والجواب، ولذا فسّر «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ» بأنّ جميع الخلائق من الأوّلين والآخرين هم مسؤولون يوم القيامة عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.ثمّ قال:و«عَمَّ» إمّا فعل ماض، فالتقدير: «أن يتساءلون» أهملت الناصبة المقدّرة عن العمل. و«عَنِ النَّبَإِ» متعلّق ب «يَتَسَآءَلُونَ» أو كلمةٌ في مقام الاستفهام، وأصلها «عن ما» فاُدغمت النون في الميم، وحذفت الألف بسبب حرف الجرّ، ف «عَمَّ» متعلّق ب «يَتَسَآءَلُونَ» و«عَنِ النَّبَإِ» بعامل محذوف، لا بدل عن «عَمَّ» بناءً على ما قيل: من أنّ في بدل الاستفهام يلزم تكرار الاستفهام، فيلزم «أعن النبأ».في بعض النسخ: «هي أكبر منّي» بزيادة «هي».والاستشهاد لتوضيح أنّ المراد ب «النَّبَإِ» هنا هو الآية، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ في سورة النبأ أيضاً: «وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً»(4) فيمن أنكروا النبأ العظيم.

.


1- .هكذا في المصدر. وفي «الف» و «د»: «تغو».
2- .تفسير القمّي، ج 2، ص 401.
3- .الصحاح، ج 5، ص 1993 (عمم).
4- .النبأ (78): 28.

ص: 168

وقد ذكر محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات في باب «في الأئمّة وأنّ الجنّ تأتيهم»: أنّ اسم أمير المؤمنين - صلوات اللَّه عليه - في التوراة «اليا» وفي الإنجيل «حيدار»(1) بزيادة الألف.(2)

.


1- .في المصدر: «هيدارا».
2- .بصائر الدرجات، ص 98، باب في الأئمّة عليهم السلام و أنّ الجنّ يأتيهم... ، ضمن ح 8 .

ص: 169

الباب التاسع عشر: باب ما فرض اللَّه و رسوله من الكون مع الأئمّة

الباب التاسع عشر : بَابُ مَا فَرَضَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ رَسُولُهُ صلّى اللَّه عليه وآله مِنَ الْكَوْنِ مَعَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل 1207.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي عن الاثنين (1) عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ الْعِجْلِيِّ ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ» قَالَ: «إِيَّانَا عَنى».هديّة:(عن قول اللَّه عزّ و جلّ) يعني في سورة التوبة.(2)وفي التفسير: أنّ «الصَّدِقِينَ» يعني الذين صدْقُهم قطعيٌّ لا شكّ فيه بوجه، فالصادقون هم المعصومون.

الحديث الثاني 1209.امام صادق عليه السلام ( _ درباره آيه «بندگانى از خود را كه سخت نيرومندند ) روى في الكافي بإسناده (3) عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ البزنطي، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام،

.


1- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .التوبة (9): 119.
3- .الظاهر انّ تعبير «بإسناده» هنا خطأ؛ لأنّ «محمّد» هو «محمّد بن يحيى» الذي من مشايخ الكليني رحمة اللَّه عليه كما في الحديث الرابع و السادس من هذا الباب، و السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام».

ص: 170

1209.امام صادق عليه السلام ( _ درباره آيه «بندگانى از خود را كه سخت نيرومندند ) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَ كُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ» قَالَ : «الصَّادِقُونَ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَ الصَّدِيقُونَ بِطَاعَتِهِمْ».هديّة:يعني (الصادقون) صنفان؛ الأوّل: (الأئمّة) عليهم السلام، والثاني: (الصدّيقون) يعني أصدقاء الأئمّة عليهم السلام، جمع «صَدِيق» على فعيل، يعني المحبّ؛ صرّح به برهان الفضلاء. والقيد للتخصيص، أي لا مطلق المحبّين لهم عليهم السلام، بل المتلبّسين بالإقرار بفرض طاعتهم. ويحتمل «الصدِّيقون» بكسر الصاد وتشديد الدال، على صيغة المبالغة، أي الصادقون - كما ينبغي - في الإقرار بفرض طاعتهم عليهم السلام، و«الصدِّيق»: الكثير الصدق الذي يطابق قوله فعله.

الحديث الثالث 1213.عنه عليه السلام :روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ ومُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَينِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ بُرُزْجَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَا حَيَاةً تُشْبِهُ حَيَاةَ الْأَنْبِيَاءِ، وَ يَمُوتَ مِيتَةً تُشْبِهُ مِيتَةَ الشُّهَدَاءِ، وَ يَسْكُنَ الْجِنَانَ الَّتِي غَرَسَهَا الرَّحْمنُ، فَلْيَتَوَلَّ عَلِيّاً عليه السلام، وَ لْيُوَالِ وَلِيَّهُ، وَ لْيَقْتَدِ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ عِتْرَتِي ، خُلِقُوا مِنْ طِينَتِي ؛ اللَّهُمَّ ارْزُقْهُمْ فَهْمِي وَ عِلْمِي، وَ وَيْلٌ لِلْمُخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ أُمَّتِي؛ اللَّهُمَّ لَا تُنِلْهُمْ شَفَاعَتِي».هديّة:«الميتة» بالكسر للنوع، كالرُّكْبة والجَلْسَة.«غرس شجراً» كضرب، و«غرس اللَّه سبحانه»: صنعه.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَيْبٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن سعد بن طريف».
2- .في «الف»: «سويد».

ص: 171

الْفُضَيْلِ، عَنْ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - يَقُولُ: اسْتِكْمَالُ حُجَّتِي عَلَى الْأَشْقِيَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ: مَنْ تَرَكَ وَلَايَةَ عَلِيٍّ، وَ وَالى أَعْدَاءَهُ، وَأَنْكَرَ فَضْلَهُ وَ فَضْلَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ ، فَإِنَّ فَضْلَكَ فَضْلُهُمْ، وَ طَاعَتَكَ طَاعَتُهُمْ، وَحَقَّكَ حَقُّهُمْ، وَ مَعْصِيَتَكَ مَعْصِيَتُهُمْ، وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِكَ، جَرى فِيهِمْ رُوحُكَ ، وَ رُوحُكَ (1) جَرى فِيكَ مِنْ رَبِّكَ، وَ هُمْ عِتْرَتُكَ مِنْ طِينَتِكَ وَ لَحْمِكَ وَ دَمِكَ، وَ قَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالى فِيهِمْ سُنَّتَكَ وَ سُنَّةَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ، وَ هُمْ خُزَّانِي عَلى عِلْمِي مِنْ بَعْدِكَ، حَقٌّ عَلَيَّ لَقَدِ اصْطَفَيْتُهُمْ وَ انْتَجَبْتُهُمْ وَ أَخْلَصْتُهُمْ وَ ارْتَضَيْتُهُمْ، وَنَجَا مَنْ أَحَبَّهُمْ وَ وَالَاهُمْ وَ سَلَّمَ لِفَضْلِهِمْ، وَ لَقَدْ أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَ أَحِبَّائِهِمْ وَ الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِمْ».

هديّة:(استكمال حجّتي) خبره (على الأشقياء). و(من ترك) بدل من «الأشقياء».في بعض النسخ: «وروحك ما جرى» بزيادة الموصول.وقرأ برهان الفضلاء: «ولقد آتاني» من الإيتاء، بمعنى الإعطاء، وضبط «المسلّمين» بدون الواو العاطفة.ولا بُعد في إرجاع الضماير الجمع في آخر الحديث إلى (من أحبّهم)، بل هو أولى؛ لما لا يخفى.

الحديث الخامس 1214.اسماعيل جعفى:روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ فَضَالَةَ(2)، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ (3)، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي، وَ يَمُوتَ مِيتَتِي ، وَ يَدْخُلَ جَنَّةَ عَدْنٍ الَّتِي غَرَسَهَا(4) رَبِّي بِيَدِهِ، فَلْيَتَوَلَّ .


1- .في «د» والكافي المطبوع: + «ما».
2- .في الكافي المطبوع: «عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب» بدل «عن الحسين، عن فضالة».
3- .في حاشية «الف»: «مسلم».
4- .في الكافي المطبوع: + «اللَّه».

ص: 172

1214.اسماعيل جعفى:عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَ لْيَتَوَلَّ وَلِيَّهُ، وَلْيُعَادِ عَدُوَّهُ، وَ لْيُسَلِّمْ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ عِتْرَتِي مِنْ لَحْمِي وَ دَمِي، أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فَهْمِي وَ عِلْمِي، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو أَمْرَ أُمَّتِي الْمُنْكِرِينَ لِفَضْلِهِمْ، الْقَاطِعِينَ فِيهِمْ صِلَتِي، وَ ايْمُ اللَّهِ، لَيَقْتُلُنَّ ابْنِي، لَا أَنَالَهُمُ اللَّهُ شَفَاعَتِي».هديّة:(أيم) بالفتح: مخفّف« أيمن» جمع «اليمين»، والمعنى كما صرّح به برهان الفضلاء: إيمان اللَّه يميني لتقتلنّ ابني، يعني أبا عبداللَّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام والحسنين عليهما السلام، على قراءة (ابنيّ) بإضافة التثنية إلى ياء المتكلِّم، كما قرأه برهان الفضلاء.

الحديث السادس روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْقَهَّارِ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي، وَ يَمُوتَ مِيتَتِي ، وَ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ الَّتِي وَعَدَنِيهَا رَبِّي، وَ يَتَمَسَّكَ بِقَضِيبٍ غَرَسَهُ رَبِّي بِيَدِهِ، فَلْيَتَوَلَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَ أَوْصِيَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُدْخِلُونَكُمْ فِي بَابِ ضَلَالٍ، وَ لَا يُخْرِجُونَكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى، فَلَا تُعَلِّمُوهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَ إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَلَّا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْكِتَابِ حَتّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ هكَذَا - وَ ضَمَّ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ - وَ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلى أَيْلَةَ، فِيهِ قُدْحَانُ فِضَّةٍ وَ ذَهَبٍ عَدَدَ النُّجُومِ».

هديّة:«القضيب»: غصن الشجر.و(الحوض) إمّا مجرور ب «على» أو منصوب، على أن يكون مفعولاً، فيقرأ: «عليّ» بالتشديد بإدغام الياءين.و«الاصبع» بكسر الهمزة وفتحها وضمّها، وكسر المفردة وفتحها وضمّها، والمراد منهما هنا: السبّابتان من اليدين.و(صنعاء) بالفتح والمدّ: قصبة اليمن، وقرية بباب دمشق.و(أيلة) بالفتح وسكون الخاتمة وفتح اللام: جبل بين مكّة والمدينة، وبلد بين ينبع

.

ص: 173

ومصر. وضبط برهان الفضلاء: «أبُلَّة» بضمّ الهمزة وضمّ المفردة أيضاً وفتح اللام المشدّدة: مدينة قرب البصرة، معروفة بأنّها جنّة من جنّات الدنيا، ثمّ احتمل: «أيلة» على ما عرفت.ويجمع «القدح» للماء على (قُدْحان) بضمّ القاف وسكون الدال.

الحديث السابع روى في الكافي عن الاثنين (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ الصَّيْقَلِ (2) ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّ الرَّوْحَ وَ الرَّاحَةَ وَ الْفَلْجَ (3) وَ الْعَوْنَ وَ النَّجَاحَ وَ الْبَرَكَةَ وَ الْكَرَامَةَ وَ الْمَغْفِرَةَ وَ الْمُعَافَاةَ وَ الْيُسْرَ(4) وَ الْبُشْرى وَ الرِّضْوَانَ وَ الْقُرْبَ وَ النَّصْرَ وَ التَّمَكُّنَ وَ الرَّجَاءَ وَ الْمَحَبَّةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالى لِمَنْ تَوَلّى عَلِيّاً عليه السلام وَ ائْتَمَّ بِهِ، وَ بَرِئَ مِنْ عَدُوِّهِ، وَ سَلَّمَ لِفَضْلِهِ وَ لِلْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِهِ، حَقّاً عَلَيَّ أَنْ أُدْخِلَهُمْ فِي شَفَاعَتِي، وَ حَقٌّ عَلى رَبِّي - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَنْ يَسْتَجِيبَ لِي فِيهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ أَتْبَاعِي، وَ مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي».

هديّة:الظاهر: «قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» فضماير المتكلّم للرسول صلى اللَّه عليه وآله، أو كذلك في حكاية الإمام عليه السلام كلام الرسول صلى اللَّه عليه وآله بعينه، أو لا ذا ولا ذا؛ ولا بُعد.وقرأ برهان الفضلاء إنّ (الرُّوح) بالضمّ، يعني ما به الحياة التي لا فناء معها، ثمّ احتمل «الرَّوح» بالفتح وهو النسيم؛ أي الريح الطيّبة. والرحمة والراحة والروح - بالتحريك - : الوسعة، والكلّ مناسب هنا.(والراحة): الخفّة بعد الشدّة.(والفلج) بالجيم محرّكة: الظفر على المطلوب. وفي بعض النسخ: «والفلح»

.


1- .أي: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع: «عن فضالة بن أيّوب، عن الحسن بن زياد» بدل «عن فضالة، عن الصيقل».
3- .في حاشية «الف»: «الفلاح».
4- .في حاشية «د»: «البشر».

ص: 174

بالمهملة، أي النجاة من التعب. وفي بعض آخر: «والفلاح» بزيادة الألف.(والعون) اسم الإعانة، أي من اللَّه بالتوفيق وغير ذلك. ويُطلق على المُعين واحداً أو جماعة.(والنجاح) بالفتح: الوصول إلى النِّعمة المطلوبة.(والبركة): تزايد النِّعمة آناً فآناً، أو يوماً فيوماً.(والكرامة): وصف العزيز والشريف.(والمعافاة) من العفو بمعناه.(واليُسر): سهولة العيش.(والبشرى): بشارة النجاة والثواب.«نصره على عدوّه»: أظفره عليه. (والتمكّن): كمال التقرّب من السلطان.

.

ص: 175

الباب العشرون: باب أنّ أهل الذكر الذين أمر اللَّه الخلق بسؤالهم هم الأئمّة

الباب العشرون : بَابُ أَنَّ أَهْلَ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِسُؤَالِهِمْ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الاثنين، عَنِ الْوَشَّاءِ(1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» قَالَ: «قَالَ (2)رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : الذِّكْرُ أَنَا ، وَ الْأَئِمَّةُ أَهْلُ الذِّكْرِ».وَ قَوْلِهِ تَعَالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «نَحْنُ قَوْمُهُ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».

هديّة:في بعض النسخ: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» بدون تكرار «قال»،(3) فالظرف مقدَّم على متعلّقه؛ يعني «قال» ولا إشكال في صورة التكرار.والآية الاُولى في سورتين: سورة النحل (4) وسورة الأنبياء،(5)والثانية في سورة الزخرف.(6)

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء».
2- .في الكافي المطبوع: - «قال».
3- .كما في الكافي المطبوع.
4- .النحل (16): 43.
5- .الأنبياء (21): 7.
6- .الزخرف (43): 44.

ص: 176

وكما يُطلق «الذكر» على القرآن، يُطلق على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال اللَّه تعالى في سورة الطلاق: «قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً»(1)، وفي سورة العنكبوت: «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»(2)؛ سيجي ء في الحديث في كتاب فضل القرآن: «نحن ذكر اللَّه ونحن أكبر»،(3) والمراد من الذِّكر على جميع إطلاقه ما هو أبين الأسباب لتذكّر ربوبيّة ربّ العالمين، والذكر في آية سورة الزخرف «القرآن»، وسوف يحتمل أن يكون لمحض التأكيد.ف «نحن المسؤولون» يعني عمّا يحتاج إليه الناس من الحلال والحرام، أو للاستقبال البعيد؛ وقد سبق أنّهم عليهم السلام أشهاد على الناس يوم القيامة.

الحديث الثاني 1225.الإمام الهادي عليه السلام ( _ فِي الزِّيارَةِ الجامِعَةِ الَّتي يُزارُ بِهَا ) روى في الكافي عن الاثنين، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ، عَنْ عَمِّهِ (4)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»؟ قَالَ: «الذِّكْرُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله، وَ نَحْنُ أَهْلُهُ الْمَسْؤُولُونَ».

قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُهُ: «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ»؟ قَالَ: «إِيَّانَا عَنى، وَ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الاثنين (5)، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ

.


1- .الطلاق (65): 10 - 11.
2- .العنكبوت (29): 45.
3- .الكافي، ج 2، ص 598، كتاب فضل القرآن، ضمن ح 1؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 4، ص 594، ح 3473.
4- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن اُورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير».
5- .أي «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».

ص: 177

«فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»؟ فَقَالَ: «نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».قُلْتُ: فَأَنْتُمُ الْمَسْؤُولُونَ، وَ نَحْنُ السَّائِلُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ».قُلْتُ: حَقّاً عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ».قُلْتُ: حَقّاً عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا؟ قَالَ: «لَا، ذَاكَ إِلَيْنَا، إِنْ شِئْنَا فَعَلْنَا، وَ إِنْ شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ، أَ مَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى : «هَذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»؟».

هديّة:(حقّاً) - في الموضعين - نُصِب على المصدريّة من عامل مقدّر.(قال: لا) قيل: لعلّ المعنى: لا دائماً، إذ قد يجب الجواب كما قد يجب الإمساك، وبهذا دفع برهان الفضلاء - سلّمه اللَّه تعالى - المنافاة بين هذا الخبر وما مرّ في كتاب العقل من أنّ اللَّه تعالى لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال.(1)أقول: لا شكّ أنّ معنى أخذ العهد ببذل العلم على العالم - بمعنى الإمام - أخذه ببذله بإذن اللَّه تعالى، فالمعنى: ذاك إلينا، إن شئنا الفعل بإذن اللَّه فعلنا، وإن شئنا الترك كذلك تركنا، ولعلّ في قوله تعالى في سورة ص: «هَذَا عَطَاؤُنَا»(2) إشارة إلى ما قلنا، فلا إشكال. وسيجي ء في الباب الثاني والخمسين أنّ المخاطب هو سليمان عليه السلام، فجرى في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وحكم أوصيائه حكمه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الرابع 1227.امام باقر عليه السلام ( _ در بيان كيفيت خطبه دوم نماز جمعه ) روى في الكافي بإسناده عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ(3)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ (4) : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ»: «فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الذِّكْرُ، وَ .


1- .الكافي، ج 1، ص 41، باب بذل العلم، ح 1؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 100، ح 95.
2- .ص (38): 39.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد».
4- .في حاشية «د»: «تعالى».

ص: 178

1227.امام باقر عليه السلام ( _ در بيان كيفيت خطبه دوم نماز جمعه ) أَهْلُ بَيْتِهِ عليهم السلام الْمَسْئُولُونَ ، وَ هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ».هديّة:قيل: تفسيره عليه السلام - على استقامة متن الخبر - يستقيم هكذا: وأنّ القرآن لذكر للذكر ولقوم الذكر، فإنّ المستفاد من الأخبار الماضية والآتية أنّ الذكر هنا له إطلاقان.وهو كما ترى. وقال بعض المعاصرين: كأنّ في الحديث إسقاطاً أو تبديلاً لإحدى الآيتين بالاُخرى سهواً من الراوي أو الناسخ.(1)أقول: الفاء بيانيّة، لبيان أنّ للذكر في القرآن إطلاقات على ما ذكرناه آنفاً، فلا إسقاط ولا تبديل ولا إشكال، وأحاديث الباب بيّنات عادلات، والتالي أبين.

الحديث الخامس 1231.الإمام الهادي عليه السلام ( _ في زِيارَةِ الإِمامِ المَهدِيِّ عليه السلام ) روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيٍ (2)، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ» قَالَ: «الذِّكْرُ : الْقُرْآنُ، وَ نَحْنُ قَوْمُهُ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».هديّة:الظاهر أنّ ضمير (قومه) للقرآن؛ أي قومه القيّمين له، ويحتمل للرسول صلى اللَّه عليه وآله كما أرجعه برهان الفضلاء؛ يعني المخاطب في الآية بقوله: «وَ لِقَوْمِكَ».

الحديث السادس 1232.امام عسكرى عليه السلام ( _ در درود فرستادن بر ولى امر منتظر عليه السلام ) روى في الكافي بإسناده عَنْ بزرج بِنْ الْحَضْرَمِيِ (3)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَرْدُ أَخُو الْكُمَيْتِ، فَقَالَ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ، اخْتَرْتُ لَكَ سَبْعِينَ مَسْأَلَةً مَا يَحْضُرُنِي (4) .


1- .الوافي، ج 3، ص 528، ذيل ح 1050.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد، عن ربعي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي».
4- .في الكافي المطبوع: «يحضرني».

ص: 179

1232.امام عسكرى عليه السلام ( _ در درود فرستادن بر ولى امر منتظر عليه السلام ) مِنْهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ:

«وَ لَا وَاحِدَةٌ يَا وَرْدُ؟» قَالَ: بَلى ، قَدْ حَضَرَنِي مِنْهَا وَاحِدَةٌ، قَالَ: «وَ مَا هِيَ؟» قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «نَحْنُ». قَالَ: قُلْتُ: عَلَيْنَا أَنْ نَسْأَلَكُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: عَلَيْكُمْ أَنْ تُجِيبُونَا؟ قَالَ : «ذَاكَ إِلَيْنَا».هديّة:احتمل برهان الفضلاء «ما احتزت» بالمهملة والزاي، مكان (اخترت) بالمعجمة والراء. احتازه: جمعه.(قال: ولا واحدة) تعجّباً.(قال: قلت:) يعني الحضرمي.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْعَلَاءِ(1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ قُلْتُ لَهُ: إِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» أَنَّهُمُ الْيَهُودُ وَ النَّصَارى؟ قَالَ (2) : «إِذاً يَدْعُونَكُمْ إِلى دِينِهِمْ».(3) ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ: «نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ، وَ نَحْنُ الْمَسْؤُولُونَ».

هديّة:(أنّهم) بالفتح بدل عن أنّ قول اللَّه تعالى.في بعض النسخ: «يدعونهم» أي يدعون السائلين، والمضارع هنا بمعنى الحال، ولذا لم يعمل (إذاً) عمل النصب كما عرفت في الباب السابق على السابق على سابق هذا الباب.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين».
2- .في حاشية «الف»: «فقال».
3- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 180

و(بيده) متعلّق ب (قال) على تضمين معنى «أشار» أو لأنّ «قال» هنا بمعنى أشار. قال ابن الأنباري: «قال» لها معان: منها: أشار.(1)وهذا الخبر ممّا روته العامّة أيضاً بمعناه؛ قد روى الشهرستاني في تفسيره المسمّى بمفاتيح الأسرار عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّ رجلاً سأله، فقال: من عندنا يقولون قوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2): إنّ الذكر هو التوراة، وأهل الذِّكر هم علماء اليهود، فقال عليه السلام: «إذاً واللَّه يدعوننا إلى دينهم، بل نحن واللَّه أهل الذِّكر الذين أمر اللَّه تعالى بردّ المسألة إلينا».(3) قال الشهرستاني: وكذا نقل عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «نحن أهل الذِّكر».(4)

الحديث الثامن 1239.المُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : عَلَى الْأَئِمَّةِ مِنَ الْفَرْضِ مَا لَيْسَ عَلى شِيعَتِهِمْ، وَ عَلى شِيعَتِنَا مَا لَيْسَ عَلَيْنَا، أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالى أَنْ يَسْأَلُونَا، قَالَ: «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُونَا، وَ لَيْسَ عَلَيْنَا الْجَوَابُ، إِنْ شِئْنَا أَجَبْنَا، وَ إِنْ شِئْنَا أَمْسَكْنَا».هديّة:(أمرهم اللَّه تعالى) استئنافٌ بياني ل (الفرض) في الفقرة المعطوفة، والجواب عن السؤال في الفرض الخاصّ بهم عليهم السلام أيضاً إليهم؛ لما عرفت آنفاً.

الحديث التاسع روى في الكافي عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ البزنطي (5)، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام كِتَاباً، فَكَانَ فِي بَعْضِ مَا كَتَبْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «وَمَا

.


1- .راجع: تاج العروس، ج 15، ص 640 (قول).
2- .النحل (16): 43.
3- .المطبوع منه مجلّدان وهما يتضمّنان تفسير سورة البقرة فقط، ولم نعثر على ما نقل فيهما.
4- .نقل هذان الخبران عن المصدر في الوافي، ج 3، ص 526، ذيل ح 1046؛ والبحار، ج 23، ص 172.
5- .في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».

ص: 181

كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِ ّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآلِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» فَقَدْ فُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْأَلَةُ، وَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْكُمُ الْجَوَابُ؟ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَلهُ»».

هديّة:الآية الاُولى في النحل والأنبياء(1)، وقد عرفت؛ والثانية في التوبة،(2) والثالثة في القصص.(3)(فقد فُرِضَت)(ولم يُفْرَضْ) سؤال عن وجه عدم فرض الجواب مع تحقّق فرض السؤال في آية سورة النحل والأنبياء والتوبة.والاستجابة هنا طلب الجواب كما صرّح به برهان الفضلاء، واللام في (لك) للسببيّة، أي بسبب أنّك حجّة.ومذهب صاحب الكشّاف أنّ (أنّما) بالفتح يفيد الحصر ك «إنّما» بالكسر.(4) وخالفه جماعة من النحاة.(5)وقيل: الاستجابة هنا بمعنى تسليم الجواب، ومراده عليه السلام من الجواب بذكر الآية في سورة القصص: أنّ عليكم أن تستجيبوا لنا في كلّ ما نقول لكم، وليس لكم السؤال ب «لِمَ» و«كيف».وقال بعض المعاصرين: «ولم يفرض» استفهام استبعاد، كأنّه استفهم السرّ فيه، فحاصل الجواب: أنّ الأولى بحالكم ألّا نجيبكم إلّا فيما نعلم أنّكم تستجيبونا فيه، فلو كنّا نُجيبكم عن كلّ ما سألتم، فربّما يكون في بعض ما نجيبكم ما لا تستجيبونا فيه، فتكونون من أهل هذه الآية.(6)

.


1- .النحل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
2- .التوبة (9): 122.
3- .القصص (28): 50.
4- .راجع: الكشّاف، ج 3، ص 184.
5- .راجع: مغني اللبيب، ج 1، ص 40.
6- .الوافي، ج 3، ص 530، ذيل ح 1054.

ص: 182

الباب الحادي والعشرون: باب أنّ من وصفه اللَّه تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمّة

الباب الحادي والعشرون : بَابُ أَنَّ مَنْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ بِالْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 1244.الإمام الصادق عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدٍ(1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ، وَ عَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ،(2)وَ شِيعَتُنَا أُولُو الْأَلْبَابِ».هديّة:في بعض النسخ هكذا: «والذين لا يعلمون عدوّنا».والآية في سورة الزمر،(3) والتفسير بيان لما هو العلم البشري حقيقة وما هو الجهل البشري كذلك، فلا منبع للعلم سوى المعصوم، فلا علم إلّا عنده وشيعته، فلو وجد حرف أو أكثر عند غيرهم، فمأخذه منهم البتّة.و«اللبّ»: العقل، ومن دلائل عقل الشيعة امتيازه عن جميع الفرق بإيجابه القول بوجوب وجود المعصوم في حكمة المدبِّر الحكيم لمثل هذا النظام العظيم.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري، عن سعد».
2- .في حاشية «الف» و الكافي المطبوع: «والذين لا يعلمون عدوّنا» بدل «وعدوّنا الذين لا يعلمون».
3- .الزمر (39): 9.

ص: 183

الحديث الثاني 1243.كامل تمّار: روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ(1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَبِ» قال : «نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ، وَعَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وَ شِيعَتُنَا أُولُو الْأَلْبَابِ».هديّة:بيانه كسابقه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد».

ص: 184

الباب الثاني والعشرون: باب أنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة

الباب الثاني والعشرون : بَابُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل 1247.الإمام عليّ عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ وَ عِمْرَانَ بْنِ عَلِيٍ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «نَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَ نَحْنُ نَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ».هديّة:أي (في العلم) بجميع القرآن؛ تفسير محكماته وتأويل متشابهاته. ومن الأوّليّات عند اُولي الألباب: أنّ العلم حقّاً بحقيقة الأشياء في مثل هذا النظام بذلك الشأن ليس لأحد - كما هو الحقّ - إلّا لمدبّره وصانعه ومن أخبره صانعُه، وأنّ صانعه العليم الحكيم لا يخبر عبداً من عباده بحقائق الأشياء إلّا أن يكون معصوماً وهو قادر على خلقه، ألا ترى أنّ السيّد لن يرضى في أمره الخطير إلّا أن يأمر به من هو ممتاز في غلمانه بالعقل والأمانة ونحوهما من الفضائل والمكارم.والحديث تفسير لقوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ»(2). وفي تفسير هذه الآية في سورة آل عمران أقوال مختلفة للناس، ولا اختلاف في كلام العاقل عن اللَّه تعالى، وكفى بالخبر التالي حسماً لمادّة الخلاف إن شاء اللَّه تعالى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أيّوب بن حرّ و عمران بن عليّ».
2- .آل عمران (3): 7.

ص: 185

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ العجلي (1)، عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّ سِخُونَ فِى الْعِلْمِ» : «فَرَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَفْضَلُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيلِ وَ التَّأْوِيلِ، وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأْوِيلَهُ، وَ أَوْصِيَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُونَهُ كُلَّهُ، وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ إِذَا قَالَ الْعَالِمُ فِيهِمْ بِعِلْمٍ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِقَوْلِهِ: «يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا» وَ الْقُرْآنُ خَاصٌّ وَ عَامٌّ، وَ مُحْكَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ، وَ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ، فَالرَّاسِخُونُ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَهُ».

هديّة:قال اللَّه عزّ وجلّ في سورة آل عمران: «هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(2).الفاء في (فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) بيانيّة، وقد توهّم قوم بناءً على قراءة الوقف في هذه الآية من سورة آل عمران على (إلّا اللَّه) أنّه نظير قوله: «ولا يعلم الغيب إلّا اللَّه» فيدلّ على أنّ الراسخين في العلم لا يعلمون تأويل المتشابهات، فزعموا أنّ هذا الوقف يضرّ القائلين بأنّ الراسخين في العلم هم الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، ولا يضرّ على فرض صحّته؛ لإقرارهم بأنّ النبيّ عليه السلام كان يخبر عن الغيب بإذن اللَّه، ويعلم تأويل المتشابه بإذن اللَّه، فلا حاجة في دفع شبهتهم إلى الفرق بين «ما» و«لا» بأنّ الأوّل لنفي الحال، والثاني لنفي الحال والاستقبال، ليقال: إنّ الوقف على «إلّا اللَّه» يفيد أنّ تأويل المتشابه إنّما هو من

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن عبد اللَّه بن عليّ، عن إبراهيم، بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن حمّاد، عن بريد بن معاوية».
2- .آل عمران (3): 7 و 8 .

ص: 186

الغيوب حال نزوله، ثمّ الإمام عليه السلام أشار بالقراءة إلى عدم صحّة قراءة الوقف على «إلّا اللَّه» وبالتفسير إلى دفع تلك الشبهة أيضاً، حيث قال: «فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» إلى آخر الحديث.(والذين لا يعلمون تأويلَهُ) يعني الشيعة (إذا قال العالم فيهم) يعني الإمام الذي بين أظهرهم.وفي بعض النسخ: «فيه» مكان «فيهم» أي في القرآن، أو في تأويل المتشابه.(فأجابهم اللَّه) يعني فأجاب اللَّه الشيعة بقوله في القرآن بلسان المعصوم.وقول بعض المعاصرين: يعني أجاب اللَّه الراسخين في العلم من قبل الشيعة بقوله (1)، مآله ببُعد طريقه إلى ما قلنا.(يقولون) يعني الشيعة إذا أجابهم المعصوم، وجوابه جواب اللَّه تعالى. يقولون (كلٌّ من عند ربّنا) يعني كلّ ما جاء به المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى. وقال بعض المعاصرين: يعني كلّ من المحكم والمتشابه.(2)(والقرآن خاصّ) - إلى آخره - استئنافٌ بياني تفسيراً لقوله تعالى: «كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» أي كلّ ما جاء به المعصوم من المذكورات، بدليل قوله: ف «وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ» يعلمونه.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّه (3)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام».

هديّة:يعني أنّ الراسخين في العلم الذين ذكرهم اللَّه في سورة آل عمران إنّما هم الأئمّة الاثنى عشر، فإيماء إلى أنّ أهل القبلة بعد الرسول صلى اللَّه عليه وآله أربعة أقسام: أهل تأويل المتشابهات بالآراء، وتابعوهم أهل الزيغ، والراسخون في العلم، وشيعتهم اُولوا الألباب.

.


1- .الوافي، ج 3، ص 532، ذيل ح 1057.
2- .نفس المصدر.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن اُورومة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير».

ص: 187

الباب الثالث والعشرون: باب أنّ الأئمّة قد اُوتوا العلم و اُثبت في صدورهم

الباب الثالث والعشرون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام قَدْ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ أُثْبِتَ فِي صُدُورِهِمْوأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1255.عنه عليه السلام ( _ لِلمُفَضَّلِ بنِ مَزيدٍ بَعدَ ماذَكَرَ أصحابَ أ ) روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ(1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ فِي هذِهِ الْآيَةِ: «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ.هديّة:(في هذه الآية) في سورة العنكبوت.(2)«بَلْ هُوَ» أي القرآن.(فأومأ) يقرأ بالهمز وبدونها.(إلى صدره) إشارة إلى أنّ قيّم القرآن والعالم بآياته البيّنات عاقلاً عن اللَّه تعالى لا يكون إلّا المعصوم، والواسطة سواه غير معقولة.

الحديث الثاني 1255.امام صادق عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ السّرّاد، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِ (3)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار».
2- .العنكبوت (29): 49.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه، عن محمّد بن عليّ، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي».

ص: 188

1255.امام صادق عليه السلام:اللَّهِ تَعَالى : «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الثالث 1257.ابو هاشم جعفرى:روى في الكافي بإسناده عَنْ سَمَاعَةَ(1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام فِي هذِهِ الْآيَةِ : «بَلْ هُوَ ءَايَتٌ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» ثُمَّ قَالَ:(2)«أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا قَالَ: بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ» . قُلْتُ: مَنْ هُمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «مَنْ عَسى أَنْ يَكُونُوا غَيْرَنَا؟!».هديّة:(قال: قال أبو جعفر عليه السلام) يعني قرأ.والظاهر أنّ «ما» في (ما قال) موصولة؛ بدليل القَسَم وضعف احتمال غير القسم، فتفسير للآيات وبيان لمرجع (هو) بأنّ المراد جميع ما بين دفّتي المصحف.(3) وقال بعض المعاصرين موافقاً لما قال برهان الفضلاء: «ما» في «ما قال» نافية؛ يعني ما قال آيات بيّنات بين دفّتي المصحف، بل قال: آيات بيّنات في صدور الذين أُوتوا العلم.(4)(من عسى) استفهام على الإنكار.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ الغنوي، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (5)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام خَاصَّةً».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وعنه، عن محمّد بن عليّ، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة».
2- .في حاشية «الف»: + «أبو جعفر عليه السلام».
3- .والعلّامة المجلسي بعد ذكر هذا الاحتمال قال: «لكنّه بعيد جدّاً». مرآة العقول، ج 2، ص 437.
4- .الوافي، ج 3، ص 534، ذيل ح 1063.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد شعر، عن هارون بن حمزة، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».

ص: 189

هديّة:(خاصّة) تأكيد للنصّ بأنّ علم القرآن خاصّ بالمعصوم.

الحديث الخامس 1260.امام على عليه السلام:روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَلْ هُوَ ءَايَتُ بَيِّنَتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:سألته يعني الكاظم أو الرضا عليهما السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 190

الباب الرابع والعشرون: باب في أنّ من اصطفاه اللَّه من عباده و أورثهم كتابه هم الأئمّة

الباب الرابع والعشرون : بَابٌ فِي أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ وَ أَوْرَثَهُمْ كِتَابَهُ هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 1265.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ (1)، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَ مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَ تِ بِإِذْنِ اللَّهِ» قَالَ : «السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: الْإِمَامُ، وَ الْمُقْتَصِدُ: الْعَارِفُ لِلْإِمَامِ، وَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ».هديّة:(عن قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة الفاطر.(2)«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ» في التفسير: يعني بعد وحيه إليك.«فَمِنْهُمْ» أي من عبادنا، وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أنّه قال: الظالم يحوم حول نفسه، والمقتصد يحوم حول قلبه، والسابق يحوم حول ربّه».(3)القاموس: «القصد»: ضدّ الإفراط كالاقتصاد.(4) وفي المثل: المقتصد لا يضلّ؛ يعني

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن عبد المؤمن».
2- .فاطر (35): 32.
3- .معاني الأخبار، ص 104، ح 1؛ وعنه البحار، ج 23، ص 214، ح 2.
4- .القاموس المحيط، ج 1، ص 327 (قصد).

ص: 191

لسلوكه وسط الطريق. وعند العامّة أنّ المصطفين في هذه جميع الاُمّة المرحومة، فعن عمرهم أنّ النبيّ عليه السلام قال: «سابقنا سابق ومقتصدنا ناجٍ وظالمنا مغفور».(1)فنِعْمَ ما قيل:بعد از پيمان دين شكستن (2)مشكل نبود دروغ بستن (3)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ(4)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»؟ فَقَالَ: «أَيَّ شَيْ ءٍ تَقُولُونَ أَنْتُمْ؟» قُلْتُ : نَقُولُ: إِنَّهَا فِي الْفَاطِمِيِّينَ، قَالَ: «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ، لَيْسَ يَدْخُلُ فِي هذَا مَنْ أَشَادَ(5) بِسَيْفِهِ، وَ دَعَا النَّاسَ إِلى الضَلَالِ (6)».فَقُلْتُ: فَأَيُّ شَيْ ءٍ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ: «الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ لَا يَعْرِفُ حَقَّ الْإِمَامِ، وَ الْمُقْتَصِدُ: الْعَارِفُ بِحَقِّ الْإِمَامِ، وَ السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: الْإِمَامُ».

هديّة:(سليمان بن خالد) أبو الربيع الهلالي، كوفيّ، مولاهم، خرج مع زيد فقطعت إصبعه، ولم يخرج من أصحاب الباقر عليه السلام مع زيد غيره. وفي كتاب سعد: أنّه تاب من مذهب الزيديّة ورجع إلى الحقّ قبل موته، ورضى عنه أبو عبداللَّه عليه السلام بعد سخطه، وتوجّع لموته.7 فسؤاله هذا عند ضلاله.وذهبت الزيديّة أنّ الإمام يفترض طاعته بشروط ثلاثة: أن يكون فاطميّاً، ومجتهداً

.


1- .معاني القرآن للنحّاس، ج 5، ص 457؛ الكشّاف، ج 3، ص 309؛ كنز العمّال، ج 2، ص 485، ح 4561 و 4562، 4563؛ الدرّ المنثور، ج 5، ص 252.
2- .في حاشية «الف»: + «ما».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين، عن معلّى، عن الوشّاء، عن عبد الكريم، عن سليمان بن خالد».
4- .في «د» والمطبوع: «أشار».
5- .في الكافي المطبوع: «خلاف».
6- .رجال ابن داود، ص 459، الرقم 214.

ص: 192

برأيه في الأحكام الشرعيّة، وخارجاً بالسيف. فقوله (في الفاطميّين) يعني كلّ من خرج منهم بالسيف، وكان عالماً بالاجتهاد.و«الإشادة»: رفع الصوت بالشي ء؛ أشاد بذكره: رفع من قدره؛ وبسيفه: رفعه وحرّكه. وقال أبو عمرو: قال العبسي: اشدّت بالشي ء: عرّفته.(1)وفي ذلك تعريض بانتفاء الشجاعة اللازمة للإمام كالتعريض بقوله: (الجالس في بيته).قد ذكر الشهرستاني في الملل والنّحل: أنّ زيداً لمّا خطر بخاطره الخروج على بني اُميّة اشتغل مدّة بالدرس عند واصل بن عطاء، رئيس المعتزلة، ثمّ بالجلوس في بيته للاجتهاد واستنباط الأحكام بالرأي.(2)(ليس حيث تذهب) ردٌّ على معتقد الزيديّة، لا على خروج زيد، وقد ثبت أنّ خروجه كان لرضا آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله، لا لدعوى الناس إلى الضلال والمذموم المنسوبون، لا المنسوب إليه.في بعض النسخ: «إلى ضلالٍ» منكّراً؛ وفي بعض آخر: «إلى خلافٍ».

الحديث الثالث 1268.امام صادق عليه السلام: روى في الكافي عَنْ الاثنين، عَن الوشاء(3)، عَن أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» الْآيَةَ ، قَالَ: فَقَالَ: «وُلْدُ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: الْإِمَامُ، وَ الْمُقْتَصِدُ: الْعَارِفُ بِالْإِمَامِ (4)، وَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ».هديّة:أي الّذين اصطفاهم اللَّه، هم المعصومون من ولد فاطمة عليها السلام بدليل السابق الدالّ على

.


1- .ترتيب إصلاح المنطق، ص 33 (أشاد).
2- .الملل والنحل، ج 1، ص 156 (نقل بالمضمون).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن».
4- .في «د»: - «بالإمام».

ص: 193

أنّهم هم الذين يهدون بالحقّ دون من يدعو الناس بإشادة سيفه إلى الضّلال، فلا منافاة بين الأخبار.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ،(1) عَنْ أَبِي وَلَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ ءَاتَيْنَهُمُ الْكِتَبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُوْلَئكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».

هديّة:(عن قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة البقرة.(2)وفي التفسير: أنّ قوله: «أُوْلَئكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» إنّما هو لتسلّي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عن اغتمامه بعدم إيمان أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالقرآن، فالمعنى: أنّه لو لم يؤمن بالقرآن أحد، فيكفي إيمان الأئمّة عليهم السلام به.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- .البقرة (29): 121.

ص: 194

الباب الخامس والعشرون: باب أنّ الأئمّة في كتاب اللَّه إمامان: ...

الباب الخامس والعشرون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ: إِمَامٌ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، وَإِمَامٌ يَدْعُو إِلَى النَّارِوفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 1274.عنه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ السّرّاد(1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ : «يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَمِهِمْ»، قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَ لَسْتَ إِمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَ لكِنْ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ عَلَى النَّاسِ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَقُومُونَ فِي النَّاسِ، فَيُكَذَّبُونَ، وَ يَظْلِمُهُمْ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ الضَّلَالِ وَ أَشْيَاعُهُمْ، فَمَنْ وَالَاهُمْ وَ اتَّبَعَهُمْ وَ صَدَّقَهُمْ، فَهُوَ مِنِّي وَ مَعِي وَ سَيَلْقَانِي، أَلَا وَ مَنْ ظَلَمَهُمْ وَ كَذَّبَهُمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَ لَا مَعِي، وَ أَنَا مِنْهُ بَرِي ءٌ».هديّة:الآية في سورة بني إسرائيل.(2)(وأشياعهم) بالرفع والعطف على البارز في (يظلمهم) يمنعه تعارف شيعتهم، وأشياع أئمّة الكفر والضلال.

.


1- .في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب».
2- .الإسراء (17): 71.

ص: 195

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: قَالَ: «إِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» لَا بِأَمْرِ النَّاسِ، يُقَدِّمُونَ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ أَمْرِهِمْ، وَ حُكْمَ اللَّهِ قَبْلَ حُكْمِهِمْ، قَالَ: «وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» يُقَدِّمُونَ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ، وَ حُكْمَهُمْ قَبْلَ حُكْمِ اللَّهِ ، وَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ».

هديّة:«وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» الآية في سورة الأنبياء.(2)«وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» الآية في سورة القصص.(3)وليس في بعض النسخ: (قال) قبل «وَ جَعَلْنَهُمْ أَلِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ».و«الأهواء»: جمع هوى بالقصر، ويجمع «الهواء» بالمدّ على «أهوية».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد».
2- .الأنبياء (21): 73.
3- .القصص (28): 41.

ص: 196

الباب السادس والعشرون: باب أنّ القرآن يهدي للإمام

الباب السادس والعشرون : بَابُ أَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلْإِمَامِ وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 1284.الإمام الصادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ (1)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ ا للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَلِكُلٍ ّ جَعَلْنَا مَوَ لِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَ لِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَنُكُمْ» قَالَ: «إِنَّمَا عَنى بِذلِكَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام ، بِهِمْ عَقَدَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَيْمَانَكُمْ».هديّة:ليس في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء لهذا الباب عنوان، وفي بعض آخر هكذا: «باب أنّ القرآن يهدي للإمام» فالمعنى إلى الإمام.و(الحسن بن محبوب) من رجال الكاظم والرضا عليهما السلام.والآية في سورة النساء هكذا: «وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيماً* وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ شَهِيداً»(2).فسّر «ما» في «مَا فَضَّلَ اللَّهُ» بالإمامة، و«الموالي» بأئمّة الهدى وأئمّة الضلال، و«من»

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب».
2- .النساء (4): 32 و 33.

ص: 197

في «ممّا» في الموضعين للسببيّة، و«ما» مصدريّة أو موصولة، إشارة إلى أنّ لدين الوالدين والأقربين مدخلاً في دين المكلّف الضالّ، وإمّا لدِين المكلّف المهتدى. فما عقد به يمينه، أي عهده في الميثاق والإقرار بالربوبيّة من وجوب وجود المعصومين؛ إذ لولاهم لما انعقدت إيمان المهتدين في الميثاق، والتقدير: «عقدت بهم».وقد سبق في الحديث في كتاب التوحيد: «أنّ ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق»(1).و«عقد» كنصر يتعدّى كالتعقيد، ولا يتعدّى كالانعقاد.«فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ» من العزّة والاحترام.

الحديث الثاني 1277.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ سَيَابَةَ(2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ» قَالَ: «يَهْدِي إِلَى الْإِمَامِ».هديّة:(في قوله تعالى) في سورة بني إسرائيل.(3)ومعرفة الطريقة التي هي أقوم الطرق، يعني حقّها وصحيحها إنّما هي بمعرفة الإمام المعصوم العاقل عن اللَّه تعالى؛ أبى اللَّه إلّا أن يكون الواسطة بينه وبين خلقه من لا يتطرّق الشكّ إلى عارفه من قوله.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 133، باب العرش والكرسي، ذيل ح 7؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 1، ص 326، ح 345.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن موسى بن أكليل النميري، عن العلاء بن سيابة».
3- .الإسراء (17): 9.

ص: 198

الباب السابع والعشرون: باب أنّ النعمة التي ذكرها اللَّه في كتابه الأئمّة

الباب السابع والعشرون : بَابُ أَنَّ النِّعْمَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ (1)، عَنِ الْأَصْبَغِ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «مَا بَالُ أَقْوَامٍ غَيَّرُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ عَدَلُوا عَنْ وَصِيِّهِ، لَا يَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ؟» ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَ أَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ» ثُمَّ قَالَ : «نَحْنُ النِّعْمَةُ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلى عِبَادِهِ، وَ بِنَا يَفُوزُ مَنْ فَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

هديّة:(ثمّ تلا هذه الآية) من سورة إبراهيم.(2)وقد سبق مراراً أنّ نسق القرآن كما قد عبّر كثيراً عن التشيّع والولاية ب «النعمة»، كذلك عبّر عن الأوّل ب «الكفر» كما في هذه الآية، وآية سورة الزمر: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(3). كانت مدّة خلافته سنتين، وآية سورة الحجرات: «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن بسطام بن مرّة، عن إسحاق بن حسّان، عن الهيثم بن واقد، عن عليّ بن الحسين العبدي، عن سعد الإسكاف».
2- .إبراهيم (14): 28.
3- .الزمر (39): 8.

ص: 199

الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(1)، وفي سورة المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفِرُونَ»(2) ثمّ «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّلِمُونَ»(3) ثمّ «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(4)، والمعتبر عند العامّة الشيخان؛ لإقرارهم بفسق عثمان.و(البوار): الهلاك.

الحديث الثاني 1287.الهَرَوِيُّ :روى في الكافي عن الاثنين (5)، رَفَعَهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَبِأَىِ ّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»(6) : «بِالنَّبِيِّ،(7) أَمْ بِالْوَصِيِّ تُكَذِّبَانِ؟» نَزَلَتْ فِي «الرَّحْمنِ».هديّة:(رفعه) يعني قال الصاحب عليه السلام، فالواسطة من السفراء؛ أو إمام آخر، فالواسطة من غيرهم.والمخاطب الإنس والجنّ.و«الآلاء»: النِّعم، واحدها: «ألا» بالفتح، وقد يُكسر ويُكتب بالياء، مثاله «معا» و«أمعاء»؛ قاله في الصحاح.(8)في بعض النسخ: «أ بالنبيّ» بإظهار همزة الاستفهام.(نزلت في الرّحمن) يعني بهذا الشرح من جبرئيل عليه السلام لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وقرأ برهان الفضلاء: «نُزّلت» على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، بمعنى فسّرت، فإنّ التفسير تنزيل اللفظ على المعنى.

.


1- .الحجرات (49): 7 .
2- .المائدة (5): 44.
3- .المائدة (5): 45.
4- .المائدة (5): 47.
5- .أي: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
6- .الرحمن (55): 13.
7- .في الكافي المطبوع: «أ بالنبيّ» بهمزة الاستفهام.
8- .الصحاح، ج 6، ص 2270 (ألا).

ص: 200

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ(1)، عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْبَزَّازِ، قَالَ: تَلَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام هذِهِ الْآيَةَ : «فَاذْكُرُواْ ءَالآَءَ اللَّهِ» قَالَ: «أَ تَدْرِي مَا آلَاءُ اللَّهِ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «هِيَ أَعْظَمُ نِعَمِ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ، وَ هِيَ وَلَايَتُنَا».

هديّة:(تلا) من سورة الأعراف.(2)(أعظم) إذ لا نجاة إلّا بالمعرفة، ولا معرفة إلّا بالولاية، فهل نعمة أعظم منها؟ لا واللَّه، ولذا عبّر نسق القرآن في مواضع عديدة عن الولاية ب «النِّعمة» وقد عرفت.

الحديث الرابع 1290.حَبَّةُ العُرَنِيُّ :روى في الكافي عن الاثنين (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا»(4) الْآيَةَ، قَالَ: «عَنى بِهَا قُرَيْشاً قَاطِبَةً، الَّذِينَ عَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ نَصَبُوا لَهُ الْحَرْبَ، وَ جَحَدُوا وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ».هديّة:(الذين عادوا) عطف بيان لقريشاً.(قاطبةً) أي الذين عادوا مواجهةً أو نفاقاً.(ونصبوا له الحرب) ولو بإعانة مخفيّة للناصب. (وجحدوا وصيّة وصيّه) ولو بالقلب ولو في زمن الرسول صلى اللَّه عليه وآله.و«قاطبةً» في هذا الخبر ك «أقوام» على الجمع في الخبر الأوّل.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن الهيثم بن واقد».
2- .الأعراف (7): 69، 74.
3- .أي: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
4- .إبراهيم (14): 28.

ص: 201

الباب الثامن والعشرون: باب أنّ المتوسّمين الذين ذكرهم اللَّه تعالى في كتابه...

الباب الثامن والعشرون : بَابُ أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ - الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ - هُمُ الْأَئِمَّةُ عليه السلام وَ السَّبِيلُ فِيهِمْ مُقِيمٌ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 1292.پيامبر خدا صلى الله عليه و آله ( _ به على عليه السلام ) روى في الكافي عَنْ أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عن أَسْبَاطٍ بَيَّاعِ الزُّطِّيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَآيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ» فَقَالَ (1): «نَحْنُ الْمُتَوَسِّمُونَ، وَ السَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ».هديّة:(أسباط) بن سالم الكوفي (بيّاع الزطّي). «الزطّ» بضمّ الزاي وتشديد المهملة أو تخفيفها كما قيل جيل من الهند، والواحد: «زطّيّ» كالزنج والزنجي، والروم والرومي. وقيل: هو معرّب «جت» بفتح الجيم والقياس فتحها في المعرّب أيضاً فمن الشواذّ.(2)والآية في سورة الحجر(3)، والمشار إليه ل (ذلك) القرآن أو قصّة لوط عليه السلام، ومن آياتها

.


1- .في الكافي المطبوع: «قال: فقال» بدل «فقال».
2- .أي فعلى الأخير ضمّ الزاى من الشواذ. راجع: القاموس المحيط، ج 1، ص 902 (زطط).
3- .الحجر (15): 75 - 76.

ص: 202

طلب بعض الأنبياء كلوط ونبيّنا صلى اللَّه عليه وآله من اللَّه تعالى أن يكون المؤذي المقدّر لكلّ مؤمن من يكون تحت تصرّفه كالزوجة.و«التوسّم»: التفرّس، ومعرفة سمة الشي ء أي وسمه وعلامته، وتوسّمت في فلان كذا: عرفت وسمه فيه، واللام للاختصاص.و«المقيم»: الثابت، والمراد هنا الباقي إلى انقراض زمان الدنيا، وقيل: يعني أنّ آيات الفراسة لبسبيل ثابت لا يتخلّف عنه.(والسبيل فينا مقيم) يعني الإمامة لا يخرج منّا أبداً.وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: والسبيل طريق الجنّة(1)، يعني يوصل سالكه إليها.وقال برهان الفضلاء بعد إفادته أنّ اللام للاختصاص ليكون إشارة إلى أنّ قوله تعالى بعد هذه الآية بلا فاصلة «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ»(2) إشارة إلى جواب الشيعة برضا لوط عليه السلام بتزويج بناته من الكفّار عن استدلال العامّة على إيمان عمرهم بتزويج عليّ عليه السلام ابنته منه، ثمّ قال: و«السبيل»: الطريق، والمراد هنا قوّة استنباط كلّ شي ء من القرآن. وتقديم الظرف للحصر وارْجِعِ الضمير في «أنّها» إلى الآيات، والباء جعلها للآلة.أقول: الظاهر من قوله عليه السلام: «والسبيل فينا مقيم» إنّ الباء في ب «لِبِسَبِيلٍ» زائدة كما في «وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً»(3)، فلعلّ المعنى: وأنّ إمامة المتوسّمين لسبيل ثابت إلى يوم الدِّين.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ (4)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ، فَقَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ

.


1- .تفسير القمّي، ج 1، ص 376.
2- .الحجر (15): 77.
3- .النساء (4): 79.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن يحيى بن إبراهيم، قال: حدّثني أسباط بن سالم».

ص: 203

لَأَيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ»؟ قَالَ: «نَحْنُ الْمُتَوَسِّمُونَ ، وَ السَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ».

هديّة:بيانه كسابقه.و(هيت) بالكسر اسم بلد على شاطئ الفرات، يُذكّر ويُؤنّث، فينصرف ولا ينصرف. قال الأصمعي: أصلها من «الهُوّة» بالضمّ والتشديد، أي المنخفض في الأرض كالهَوْتَة بالفتح والمثنّأتين من فوق.(1)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ رِبْعِيٍ (2)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَآيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ؛ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ»».

هديّة:«الفِراسة» بالكسر: اسم من التفرّس، وبالفتح: مصدر فَرُسَ كحَسُنَ: حَذِقَ أمر الخيل.(3)(في قول اللَّه تعالى) ثانياً متعلّق بقوله: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله).

الحديث الرابع 1298.حسن بن صهيب: روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ (4)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ» فَقَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام » ، «وَ إِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ» .


1- .راجع: الصحاح، ج 1، ص 271 (هيت).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللَّه».
3- .راجع: الصحاح، ج 3، ص 958 (فرس).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن عبيس بن هشام، عن عبد اللَّه بن سليمان».

ص: 204

1298.حسن بن صهيب:قَالَ: «لَا يَخْرُجُ مِنَّا أَبَداً».هديّة:قد عرفت بيانه مفصّلاً.

الحديث الخامس 1302.الإمام الصادق عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ(1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: «إِنَّ فِى ذَ لِكَ لَأَيَتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ» قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُتَوَسِّمَ، وَ أَنَا مِنْ بَعْدِهِ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِي الْمُتَوَسِّمُونَ».هديّة:في بعض النسخ (2) بعد المتوسّمون: «و في نسخة اُخرى: عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب بإسناده، مثله.قال الفاضل الاسترآبادي: ولعلّه من زيادات المفيد رحمه اللَّه تعالى.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن أسلم، عن إبراهيم بن أيّوب، عن عمرو بن شمر».
2- .كما في الكافي المطبوع.
3- .لم نجده في شرحه على الكافي المسمّى ب شرح اُصول الكافي.

ص: 205

الباب التاسع والعشرون: باب عرض الأعمال على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله و الأئمّة

الباب التاسع والعشرون : بَابُ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَعْمَالُ الْعِبَادِ - كُلَّ صَبَاحٍ: أَبْرَارُهَا وَ فُجَّارُهَا، فَاحْذَرُوهَا؛ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى: «اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ»» وَ سَكَتَ.

هديّة:(تُعرض) على ما لم يسمّ فاعله، من باب ضرب.(أعمالُ العباد) رفع على البدل.(كلَّ صباح) نصب على الظرفيّة باعتبار المضاف إليه.(أبرارُها) رفع على البدل من «الأعمال»، ك «الأعمال»، وضميرها للأعمال كضمير (فاحذروها) أي من فجّارها. وإطلاق البرّ والفاجر على العمل على المجاز في النسبة كما في جِدّ جِدّه.قال برهان الفضلاء: والخطاب في «اعملوا» للمؤمنين الذين «خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».

ص: 206

وَآخَرَ سَيِّئاً» فوعدهم اللَّه قبول التوبة في سورة التوبة بقوله تعالى: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)، ولذا قال: «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ» والسين للاستقبال القريب.وقوله تعالى في سورة التوبة أيضاً: «وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»(2) قرينة بيّنة لذلك؛ قال اللَّه تعالى في سورة التوبة: «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(3)، ثمّ قال بعد هذه الآية بفاصلة آيتين: «وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(4).(وسكت) يعنى (5) عن قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ» لحكمة ضرب من التقيّة، أو لغرض آخر، وهو أعلم.وهذا الخبر رواه في الفقيه (6) مرسلاً مقطوعاً، وزاد: «والأئمّة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» وذكر «والمؤمنون» مكان «وسكت» فعطف بيان للأئمّة.

الحديث الثاني 4.هشام بن سالم :روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ 7، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ: «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام».هديّة:قد عرفت أنّ الأكثر في إطلاق «المؤمن» على «الإمام» اعتبارُ اشتقاقه من الأمن،

.


1- .التوبة (9): 128.
2- .التوبة (9): 105.
3- .التوبة (9): 102.
4- .في «د»: - «يعني».
5- .الفقيه، ج 1، ص 191، ح 583.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن يعقوب بن شعيب».

ص: 207

يعني المؤمن شيعته من الفزع في الدنيا والآخرة، واعتبار اشتقاقه في ذلك من الإيمان بحسب الفرد الأكمل.

الحديث الثالث 5.يونس بن يعقوب :روى في الكافي بإسناده عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا لَكُمْ تَسُوؤُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله؟» فَقَالَ له (2) رَجُلٌ: كَيْفَ نَسُوؤُهُ؟ فَقَالَ: «أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذلِكَ؟ فَلَا تَسُوؤُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ سُرُّوهُ».هديّة:(ساءه) نقيض «سرّه» كمدّ.

الحديث الرابع 7.تصحيح الاعتقاد :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَانٍ الزَّيَّاتِ (3) - وَ كَانَ مَكِيناً عِنْدَ الرِّضَا عليه السلام - قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: ادْعُ اللَّهَ لِي وَ لِأَهْلِ بَيْتِي، فَقَالَ: «أَ وَ لَسْتُ أَفْعَلُ؟ وَ اللَّهِ، إِنَّ أَعْمَالَكُمْ لَتُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ» . قَالَ: فَاسْتَعْظَمْتُ ذلِكَ، فَقَالَ لِي : «أَ مَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ قُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ»؟» قَالَ: «هُمْ (4) وَاللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».هديّة:(مكيناً) أي ذا مكانة.(قال: هم) يعني هم هو عليه السلام وأولاده الأئمّة عليهم السلام، فاختصار في الكلام لقيام قرينة

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة».
2- .في الكافي المطبوع: - «له».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن عبد اللَّه بن أبان الزيّات».
4- .في الكافي المطبوع: «هو».

ص: 208

في المقام للمرام من السياق وضمير الجمع. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «هو» مكان «هم»، قال: يعني أوّلهم.

الحديث الخامس 8.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ المُسَاوِرٍ(1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ ذَكَرَ هذِهِ الْآيَةَ: «فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ: «هُوَ وَ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».هديّة:المضبوط هنا: (هو) في الجميع، فتعبير عن الجمع بالفرد الأوّل.

الحديث السادس 12.عنه عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَبْرَارَهَا وَ فُجَّارَهَا».هديّة:(أبرارها) على المجاز في النسبة - كما عرفت - إمّا منصوب على بدل للتفصيل من الافعال، أو مرفوع نيابة عن فاعل «تعرض»، أو على بدل التفصيل من مستترها.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللَّه الصامت، عن يحيى بن مساور».

ص: 209

الباب الثلاثون: باب أنّ الطريقة التي حثّ على الاستقامة عليها ولاية عليّ عليه السلام

الباب الثلاثون : [بَابُ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي حُثَّ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهَا وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام](1)وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل 14.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى: «وَ أَنْ لَّوِ اسْتَقَمُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَهُم مَّآءً غَدَقًا» قَالَ: «يَعْنِي لَوِ اسْتَقَامُوا عَلى وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِهِ عليه السلام، وَ قَبِلُوا طَاعَتَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ وَ نَهْيِهِمْ «لَأَسْقَيْنَهُم مَّآءً غَدَقًا» يَقُولُ: لَأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الْإِيمَانَ. وَ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْإِيمَانُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ وَ الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام».هديّة:الآية في سورة الجنّ.(2)و«الغدق»: الماء الكثير، يكنّى به عن العلم الوافر.

الحديث الثاني 17.زرارة :روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي أَيُّوبَ (3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

.


1- .ما بين المعقوفين لم يرد في «الف» و «د» و أضفناه من الكافي المطبوع.
2- .الجنّ (72): 16.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان، عن أبي أيّوب».

ص: 210

17.زرارة :عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَمُواْ» فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «اسْتَقَامُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ «تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لَا تَحْزَنُواْ وَ أَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ»» .هديّة:(عن قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة فصّلت.(1)(فقال) بيان ببيان تتمّة الآية.

.


1- .فصّلت (41): 30.

ص: 211

الباب الحادي والثلاثون: باب أنّ الأئمّة معدن العلم و شجرة النبوّة و...

الباب الحادي والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، عَنْ حَمَّادِ، عَنْ رِبْعِيِ (1)، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : «مَا يَنْقِمُ النَّاسُ مِنَّا؛ فَنَحْنُ وَ اللَّهِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ».

هديّة:لعلّ في الحديث إرسالاً، لأنّ ربعي بن عبداللَّه بن الجارود من أصحاب الصادق عليه السلام ولم يكن يدرك زمن عليّ بن الحسين عليهما السلام على المشهور.«نقم الأمر» كضرب وعلم: كرهه وأنكره، وكلمة «ما» للتعجّب. وقال برهان الفضلاء: كلمة «ما» إمّا شرطيّة، فالفعل مجزوم ويكسر لالتقاء الساكنين، أو استفهاميّة على الإنكار، أو نافية.(شجرة النبوّة) يعني أنّ الإمامة شجرة روضة النبوّة، وقيل: يعني أنّ الإمامة شجرة غرسها النبوّة، وقيل: والشجرة إمّا بمعنى الفرع، أو تشبيه لنور الإمام - وهو نور خاتم الأنبياء، المتفرّع منه أنوار الأنبياء والأوصياء - بشجرة ذات أغصان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن غير واحد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللَّه بن الجارود».

ص: 212

و«المعدن» كمجلس.و«المختلف» بفتح اللام: اسم مكان من الاختلاف، وهو تكرار المجي ء والذهاب يعني في ليالي القدر والجمعة وسائر الأوقات.

الحديث الثاني 21.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ السكوني (1)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ».هديّة:(الرّسالة) بالفتح: مصدر، وبالكسر: اسمه.

الحديث الثالث 25.الإمام عليّ عليه السلام _ لِعَبدِ اللّه ِ بنِ عَبروى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَشَّابِ (2)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «يَا خَيْثَمَةُ، نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ بَيْتُ الرَّحْمَةِ، وَ مَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ مَوْضِعُ سِرِّ اللَّهِ؛ وَ نَحْنُ وَدِيعَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ، وَ نَحْنُ حَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ، وَ نَحْنُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَ نَحْنُ عَهْدُ اللَّهِ، فَمَنْ وَفى بِعَهْدِنَا فَقَدْ وَفى بِعَهْدِ اللَّهِ، وَ مَنْ خَفَرَهَا فَقَدْ خَفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ وَ عَهْدَهُ».هديّة:«الخيثم» بالمعجمة والخاتمة والمثلّثة كجعفر: من أسماء الأسد، و«الخثم» بالتحريك: عِرَض الأنف (3)، ثور أخثم وخيثم، فالتاء للنقل أو للمبالغة.(ونحن وديعة اللَّه) ناظر إلى حديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن الخشّاب».
3- .لسان العرب، ج 12، ص 165 (خثم).

ص: 213

و«الحرم» بالتحريك: ذو الحرمة بالضمّ؛ أي الذي لا يحلّ انتهاكه بما لا ينبغي.و«الذمّة»: الأمان والضمان والعقد والعهد.«خفره» كضرب ونصر: نقض عهده، كأخفره. قيل: والظاهر «خفرنا» بالنون مكان ضمير التأنيث، فعلى المضبوط، أي الذمّة المفهومة من الفقرة السابقة. الجوهري: «الخفير»: المجير، «خفرته» كضرب: آجرته.(1) وقال برهان الفضلاء: «فمن خفرها» أي حفظها ورعاها.

.


1- .الصحاح، ج 2، ص 648 (خفر).

ص: 214

الباب الثاني والثلاثون: باب أنّ الأئمّة ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم

الباب الثاني والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام وَرَثَةُ الْعِلْمِ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً الْعِلْمَ وأحاديثه كما في الكافي سبعة:(1)

الحديث الأوّل 25.امام على عليه السلام ( _ وقتى عبداللّه بن عبّاس را براى گفتمان با خوارج ) روى في الكافي بإسناده عَنْ العجلي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (2)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ عَالِماً، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ، وَ لَنْ يَهْلِكَ عَالِمٌ إِلَّا بَقِيَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَعْلَمُ عِلْمَهُ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ».هديّة:(يُتوارث) على ما لم يسمّ فاعله.(عالم) أي إمام.قال برهان الفضلاء:ليست «أو» للشكّ ولا لتقسيم الإمام، بل هي لتقسيم زمان بقائه، فإنّ الإمام في مبدأ إمامته يعلم علم السابق ويزداد بعد في ليالي القدر والجمعة مع علم السابق أيضاً بما يزاد لوصيّه كلّياً، وعدم علمه بما يأتي مفصّلاً ليس بنقص.

.


1- .أحاديث هذا الباب في الكافي المطبوع جديداً سبعة، لكن الكافي المطبوع سابقاً ثمانية، والسبب زيادة الحديث السادس من هذا الباب بعينه بعد الحديث الثاني كما أشار إليه العلّامة المجلسي في مرآة العقول، ج 3، ص 12.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم».

ص: 215

وقيل: «أو ما شاء اللَّه» بيان لإمكان الزيادة للنصّ بانتفاء النقصان وهو الغرض، لا للنصّ بإمكان الزيادة كما قيل. وقال بعض المعاصرين:يعني من يعلم مثل علمه أو ما شاء اللَّه من العلم، ثمّ قال: ويحتمل أن يكون «ما شاء اللَّه» كناية عمّا بعد زمان الصاحب عليه السلام؛ يعني أو لم يبق.(1)أقول: لعلّ «أو» هنا بمعنى «بل» كما قيل في قوله تعالى في سورة الصافّات: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»(2) بمعنى: بل يزيدون، واللَّه لا يشكّ؛ فالمعنى: من يعلم علمه بما يحتاج إليه الناس، بل بما شاء اللَّه سوى ما يحتاج إليه الناس؛ فأحاديث تساويهم عليهم السلام في العلم محمولةٌ على العلم بما يحتاج إليه الناس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حريز(3)، عن زرارة والْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام عَالِمَ هذِهِ الْأُمَّةِ، وَ إِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ مِنَّا عَالِمٌ قَطُّ إِلَّا خَلَفَهُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ عَلِمَ مِثْلَ عِلْمِهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(خلفه) كنصر.

الحديث الثالث 27.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ(4)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ فِي عَلِيٍّ عليه السلام سُنَّةَ أَلْفِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَ إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ؛ وَ الْعِلْمُ يُتَوَارَثُ». .


1- .الوافي، ج 3، ص 550، ذيل ح 1092.
2- .الصافّات (37): 147.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن الفضيل بن يسار».

ص: 216

هديّة:«السنّة» هنا بمعنى الطريقة الحسنة، و«السنن»: السير: مكارم الأخلاق والأعمال المرضيّة، وفي التالي للتالي أنّ سنن الأنبياء علمُهم، فالألف كناية عن الجميع كما في قولهم: واحد كألف عالم؛ أي معصوم حجّة.

الحديث الرابع 31.امام زين العابدين عليه السلام ( _ در دعاى «مكارم الأخلاق» ) روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ (1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ فَذَهَبَ عِلْمُهُ».هديّة:نصّ كنظايره في وجوب وجود المعصوم العاقل عن اللَّه سبحانه ما دامت الدنيا بنظامها الذي ينحصر الأعلميّة به في مدبّره العدل الحكيم العليم تعالى شأنه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ (2) رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ (3): «يَمُصُّونَ الثِّمَادَ، وَ يَدَعُونَ النَّهَرَ الْعَظِيمَ». قِيلَ لَهُ : وَ مَا النَّهَرُ الْعَظِيمُ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ الْعِلْمُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى جَمَعَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله سُنَنَ الأَوَّلِينَ (4) مِنْ آدَمَ - وَ هَلُمَّ جَرّاً - إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .قِيلَ لَهُ: وَ مَا تِلْكَ السُّنَنُ؟ قَالَ: «عِلْمُ النَّبِيِّينَ بِأَسْرِهِ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَيَّرَ ذلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام» .فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَعْلَمُ أَمْ بَعْضُ النَّبِيِّينَ؟ فَقَالَ أَبُو

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن أحمد، عن عليّ بن النعمان».
3- .في الكافي المطبوع: + «أبو جعفر عليه السلام».
4- .في الكافي المطبوع: «النبيّين».

ص: 217

جَعْفَرٍ عليه السلام : «اسْمَعُوا مَا يَقُولُ؟! إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ مَسَامِعَ مَنْ يَشَاءُ؛ إِنِّي حَدَّثْتُهُ: أَنَّ اللَّهَ جَمَعَ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله عِلْمَ النَّبِيِّينَ، وَ أَنَّهُ جَمَعَ ذلِكَ كُلَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ هُوَ يَسْأَلُنِي: أَ هُوَ أَعْلَمُ ، أَمْ بَعْضُ النَّبِيِّينَ؟».

هديّة:مصّ الرضيع ثدي اُمّه كعضّ ومدّ، و«الثمد» كَنهْر ونَهَر: الماء القليل الذي لا مادّة له، وكذا الثماد ككتاب.في بعض النسخ: «سنن النبيّين» بدل (سنن الأوّلين).(هلمّ) اسم فعل يبنى على الفتح، أي تعالِ، و(جَرّاً) مفعوله بتضمين «انظر» أي انجرار تلك السلسلة.(اسمعوا) أي افهموا ما تسمعون من هذا السائل، خطاب للحاضرين توبيخاً للسائل على الاستفهام التعجّبي، فإنّ حديثه عليه السلام صريح في أنّ النبيّ وأوصيائه الاثنى عشر أعلم من الأنبياء جميعاً.

الحديث السادس 37.عنه عليه السلام ( _ وقَد سأَلَهُ زَيدُ بنُ صَوحانَ العَبديُّ : أيُّ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: «إِنَّ الْعِلْمَ يُتَوَارَثُ؛ فَلَا يَمُوتُ عَالِمٌ إِلَّا تَرَكَ مَنْ يَعْلَمُ مِثْلَ عِلْمِهِ ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ».هديّة:قد سبق مثله آنفاً.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ(2)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 218

الْعِلْمَ الَّذِي نَزَلَ مَعَ آدَمَ عليه السلام لَمْ يُرْفَعْ، وَ مَا مَاتَ عَالِمٌ إِلَّا وَ قَدْ وَرَّثَ عِلْمَهُ؛ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَبْقى بِغَيْرِ عَالِمٍ».

هديّة:أي بغير حجّة معصوم.

.

ص: 219

الباب الثالث والثلاثون: باب أنّ الأئمّة ورثوا علم النبيّ و...

الباب الثالث والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام وَرِثُوا عِلْمَ النَّبِيِّ وَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُنْدَبٍ (1)، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ الرِّضَا عليه السلام: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله كَانَ أَمِينَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ عليه السلام كُنَّا - أَهْلَ الْبَيْتِ - وَرَثَتَهُ؛ فَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، عِنْدَنَا عِلْمُ الْبَلَايَا وَالْمَنَايَا، وَ أَنْسَابُ الْعَرَبِ ، وَ مَوْلِدُ الْإِسْلَامِ، وَ إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَ حَقِيقَةِ النِّفَاقِ، وَ إِنَّ شِيعَتَنَا الْمَكْتُوبُونَ (2) بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، يَرِدُونَ مَوْرِدَنَا، وَ يَدْخُلُونَ مَدْخَلَنَا، لَيْسَ عَلى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ غَيْرُنَا وَ غَيْرُهُمْ، ونَحْنُ النُّجَبَاءُ والنُّجَاةُ(3)، وَ نَحْنُ أَفْرَاطُ الْأَنْبِيَاءِ، وَ نَحْنُ أَبْنَاءُ الْأَوْصِيَاءِ، وَ نَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ نَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَنَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله، وَ نَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ اللَّهُ لَنَا دِينَهُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: «شَرَعَ لَكُم» يَا آلَ مُحَمَّدٍ «مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا» قَدْ وَصَّانَا بِمَا وَصّى بِهِ نُوحاً «وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يَا مُحَمَّدُ«وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى» ، فَقَدْ عَلَّمَنَا وَ بَلَّغَنَا عِلْمَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد اللَّه بن جندب».
2- .في الكافي المطبوع: «لمكتوبون».
3- .في الكافي المطبوع: «نحن النجباء النجاة» بدل «ونحن النجباء والنجاة».

ص: 220

مَا عَلَّمَنَا، وَ اسْتَوْدَعَنَا عِلْمَهُمْ، نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ «أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ» يَا آلَ مُحَمَّدٍ «وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ» وَ كُونُوا عَلى جَمَاعَةٍ «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» : مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام إِنَّ «اللَّهُ» يَا مُحَمَّدُ «يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» : مَنْ يُجِيبُكَ إِلى وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام».

هديّة:(جُندب) كمفرد ضرب من الجراد، واسم رجل.و«المولد» كمجلس: مصدر ميميّ، يعني ولادة أهل الإسلام من أوّل الدنيا إلى آخرها.(إذا رأيناه) إشارة إلى أنّ ذلك ليس بعلم الغيب، بل بالعقل عن اللَّه سبحانه بالتفرّس والاستنباط من القرآن وتحديث الملك.وهنا إشكال للتنافي ظاهراً بين ذلك وبين قوله تعالى في سورة التوبة: «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ»(1)، فإذا لا يعلم النبيّ، فالوصيّ بالأولى.ودفعه ظاهر من بيان «إذا رأيناه» وأنّ المنفيّ عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله علم الغيب من عنده.وأجاب برهان الفضلاء أوّلاً بأنّ نزول سورة التوبة إنّما هو قبل إتمام نزول القرآن، وهو بمجموعه تبيان كلّ شي ء للمعصوم، فيمكن التفاوت بين علم الرسول بحسب أوائل البعثة وأواسطها وأواخرها. وثانياً بحمل عدم العلم على عدمه بمقدار النفاق، لا بأصله. والتعبير هنا بلفظ العلم وفي موضع آخر بلفظ المعرفة مؤيّد؛ قال اللَّه سبحانه في سورة محمّد: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ»(2).(المكتوبون) خبر، أو «هم المكتوبون» خبر. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «لمكتوبون» باللام.في بعض النسخ: «النجاة» بدون الواو، جمع الناجي. وقرأ برهان الفضلاء: «النَّجاة» بفتح النون تعبيراً عن الجمع بالمصدر مبالغة بمعنى اسم الفاعل، أي المنجين شيعتهم من النار.

.


1- .التوبة (9): 101.
2- .محمّد (47): 30.

ص: 221

و«الفرط» محرّكة: المتقدّم للماء، والولد الماضي قبل أن يدرك؛ وبالسكون: العلم المستقيم يهتدى به، والجمع فيهما: أفرط وأفراط؛ فعلى الأوّل أي الأولاد على التجريد.(ونحن أبناء الأوصياء) يعني المعصومين. وقرأ برهان الفضلاء بتقديم النون على المفردة، أي أخبارهم وآثارهم بمعنى ما اُخبروا به.(ونحن المخصوصون) أي الممتازون بالإمامة المخصوصة بنا.(شرع اللَّه لنا دينه) اللام هنا بمناسبة أكثر معانيها من السببيّة والنفع وغيرهما أولى من الباء، فقول من قال الظاهر «بنا» مكان «لنا» ليس بذا، وفي سورة الشورى هكذا: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ»(1).(فقد علّمنا وبلّغنا) يعني محمّد صلى اللَّه عليه وآله. (عِلْم ما علّمنا) أي نحن شيعتنا. (واستودعنا علمَهم) يعني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله علمه وعلم سائر اُولي العزم، فضمير المتكلّم في ثالث الأفعال الأربعة للفاعل، وفي البواقي للمفعول. وفي العبارة احتمالات اُخر.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ(2)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ أَوَّلَ وَصِيٍّ كَانَ عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ ، وَ مَا مِنْ نَبِيٍّ مَضى إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ. وَ كَانَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةَ أَلْفِ نَبِيٍّ وَ عِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ، مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ: نُوحٌ، وَ إِبْرَاهِيمُ، وَ مُوسى، وَ عِيسى، وَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ هِبَةَ اللَّهِ لِمُحَمَّدٍ ، وَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَوْصِيَاءِ وَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، أَمَا إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْمُرْسَلِينَ؛ عَلى قَائِمَةِ الْعَرْشِ مَكْتُوبٌ: حَمْزَةُ أَسَدُ اللَّهِ وَ أَسَدُ رَسُولِهِ وَ سَيِّدُ

.


1- .الشورى (42): 13.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرحمن بن كثير».

ص: 222

الشُّهَدَاءِ؛ وَ فِي ذُؤَابَةِ الْعَرْشِ : عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَهذِهِ حُجَّتُنَا عَلى مَنْ أَنْكَرَ حَقَّنَا وَ جَحَدَ مِيرَاثَنَا، وَمَا مَنَعَنَا مِنَ الْكَلَامِ وَ أَمَامَنَا الْيَقِينُ؟ فَأَيُّ حُجَّةٍ تَكُونُ أَبْلَغَ مِنْ هذَا؟».

هديّة:(ذؤابة) الشي ء بالضمّ والهمز - ويكتب بالواو - : أعلاه.(فهذه حجّتنا) أي هذه الرواية المشروحة المتّفقة عليها حجّةٌ لنا على المخالفين بقبول بعضها كالمكتوب على قائمة العرش وساقه، دون بعض كالمكتوب على ذؤابته وأعلاه.(وما منعنا)؛ قيل استفهاميّة، أي من دعوى حقّنا. (وأمامنا اليقين) فالحاليّة للإيماء إلى أنّ المانع ماذا.وقال برهان الفضلاء: «ما» زايدة للمبالغة في المنع، ومدخولها هو العامل في الحال. و«اليقين»: الموت عند الجميع، والعدل في الحشر عند المؤمنين.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ زُرْعَةَ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(1)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ، وَ إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ سُلَيْمَانَ، وَ إِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنَّ عِنْدَنَا عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ، وَ تِبْيَانَ مَا فِي الْأَلْوَاحِ» .قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ هذَا لَهُوَ الْعِلْمُ.قَالَ: «لَيْسَ هذَا هُوَ الْعِلْمَ؛ إِنَّ الْعِلْمَ: الَّذِي يَحْدُثُ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ، وَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ».

هديّة:(وتبيانَ) بالنصب عطفٌ على المضاف، واحتمال عطفه على المضاف إليه كما ترى.قد روى محمّد بن الحسن الصفّار في كتابه المسمّى ببصائر الدرجات، في باب ما عند الأئمّة عليهم السلام من كتب الأنبياء عليهم السلام بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال: «إنّ يوشع بن

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن زرعة بن محمّد، عن المفضّل بن عمر».

ص: 223

نون كان وصيّ موسى بن عمران، وكانت ألواح موسى من زمرّد أخضر، فلمّا غضب موسى ألقى (1) الألواح من يده، فمنها ما تكسر(2)ومنها ما ارتفع، فلمّا ذهب عن موسى الغضب قال يوشع بن نون: عندك (3) تبيان ما في الألواح؟ قال: نعم».(4) الحديث.وسيأتي بيان آخر للحديث في بيان تاليه إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ (5)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ عِنْدَهُ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «إِنَّ دَاوُدَ وَرِثَ عِلْمَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَ إِنَّ سُلَيْمَانَ وَرِثَ دَاوُدَ، وَ إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ سُلَيْمَانَ، وَ إِنَّا وَرِثْنَا مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله، وَ إِنَّ عِنْدَنَا صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ وَ أَلْوَاحَ مُوسى».فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: إِنَّ هذَا لَهُوَ الْعِلْمُ.فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، لَيْسَ هذَا هُوَ الْعِلْمَ، إِنَّمَا الْعِلْمُ مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ يَوْماً بِيَوْمٍ، وَ سَاعَةً بِسَاعَةٍ».

هديّة:لعلّ وجه الأفضليّة لذلك العلم - بعد كونه نعمة متجدّدة وفائدة مكتسبة وعلامة لبقاء لطفه تعالى - أنّ بحدوثه يوماً فيوماً يوجب اعتقادنا فيهم عليهم السلام العبوديّة، مع كونهم كاملين في الإنسانيّة بما لا مزيد عليه، على خلاف اعتقاد الصوفيّة فيهم عليهم السلام، كما يوجب الاعتقاد بأنّ الغيب لا يعلمه إلّا اللَّه، وبأنّ الاتّحاد باطل، وبأنّ التفويض على ما اعتقده المفوّضة باطل.

.


1- .في المصدر: «أخذ».
2- .في المصدر: + «ومنها ما بقي».
3- .في المصدر: «أ عندك».
4- .بصائر الدرجات، ص 141، باب ما يبيّن فيه كيفيّة وصول الألواح إلى آل محمّد... ، ح 6.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن شعيب الحدّاد، عن ضريس الكناسي».

ص: 224

وقال برهان الفضلاء:يعني ليس علمنا العظيم منحصراً في ذلك، بل هذا القسم أيضاً من علمنا العظيم وخاصّ بنا بالتفرّس الخاصّ والاستنباط الخاصّ من القرآن.وقال بعض المعاصرين:لعلّ المراد أنّ العلم ليس ما يحصل بالسماع وقراءة الكتب وحفظها، فإنّ ذلك تقليد، وإنّما العلم ما يفيض من اللَّه على قلب المؤمن يوماً فيوماً، فينكشف به من الحقائق ما يطمئنّ به النفس وينشرح له الصدر ويتنوّر به القلب، ويتحقّق به العالم كأنّه ينظر إليه ويشاهده.(1) انتهى كلامه.

الحديث الخامس 48.رسول خدا صلى الله عليه و آله :روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (2)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَمْ يُعْطِ الْأَنْبِيَاءَ شَيْئاً إِلَّا وَ قَدْ أَعْطَاهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله». قَالَ: «وَ قَدْ أَعْطى مُحَمَّداً جَمِيعَ مَا أَعْطَى الْأَنْبِيَاءَ، وَ عِنْدَنَا الصُّحُفُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «صُحُفِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى»».

قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هِيَ الْأَلْوَاحُ ؟ قَالَ: «نَعَمْ».هديّة:(وعندنا الصحف) يعني وقد أعطانا اللَّه تعالى جميع ما أعطى محمّداً صلى اللَّه عليه وآله إلّا أنّه لا نبيّ بعده.(هي الألواح) يعني هل (3) صحف موسى التي في سورة الأعلى (4) هي الألواح التي في مواضع من القرآن في حكاية موسى عليه السلام؟

.


1- .الوافي، ج 3، ص 554، ذيل ح 1102.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان».
3- .في «د»: - «هل».
4- .الأعلى (87): 19.

ص: 225

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ(1)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ»: مَا الزَّبُورُ؟ وَ مَا الذِّكْرُ؟ قَالَ: «الذِّكْرُ عِنْدَ اللَّهِ، وَ الزَّبُورُ: الَّذِي أُنْزِلَ عَلى دَاوُدَ عليه السلام؛ وَ كُلُّ كِتَابٍ مُنْزَلٍ (2) فَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَ نَحْنُ هُمْ».

هديّة:(عن قول اللَّه تعالى) في سورة الأنبياء.(3)(الذكر عند اللَّه) قيل: يعني الذكر هو اللوح المحفوظ.وقال برهان الفضلاء:المراد هنا ذكر اللَّه تعالى، وهو فعليّ وقوليّ؛ والفعليّ عبارة عن إيجاد السبب الأوّل من أسباب وجود شي ء، وذلك الإيجاد يسمّى ب «المشيّة» أيضاً. والقولي عبارة عن إعلام اللَّه تعالى معصوماً بشي ء. والمراد هنا القسم الأوّل.أقول: يحتمل أن يكون المراد هنا من «الذكر» التوراة، وهي رفعت إلى اللَّه سبحانه. وردّ اليهود في تمسّكهم بالتوراة أهمّ من ردّهم في تشبّثهم بالزبور.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ(4)، عَنْ أَخِيهِ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَخِيهِ (5)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَرِثَ النَّبِيِّينَ كُلَّهُمْ؟ قَالَ : «نَعَمْ».قُلْتُ: مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهى إِلى نَفْسِهِ؟ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا وَمُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله أَعْلَمُ مِنْهُ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد».
2- .في الكافي المطبوع: «نزل».
3- .الأنبياء (21): 105.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمّد بن حمّاد».
5- .في الكافي المطبوع: «عن أبيه» وكلاهما مجهولان.

ص: 226

قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ: «صَدَقْتَ»، وَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ يَفْهَمُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَقْدِرُ عَلى هذِهِ الْمَنَازِلِ؟قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ قَالَ لِلْهُدْهُدِ حِينَ فَقَدَهُ وَ شَكَّ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: «مَا لِىَ لَآ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآلِبِينَ» حِينَ فَقَدَهُ ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَنٍ مُّبِينٍ» وَ إِنَّمَا غَضِبَ لِأَنَّهُ كَانَ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ، فَهذَا - وَ هُوَ طَائِرٌ - قَدْ أُعْطِيَ مَا لَمْ يُعْطَ سُلَيْمَانُ، وَ قَدْ كَانَتِ الرِّيحُ وَ النَّمْلُ وَ الْجِنُّ وَ الْإِنْسُ (1) وَ الشَّيَاطِينُ والْمَرَدَةُ(2) لَهُ طَائِعِينَ ، وَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ، وَ كَانَ الطَّيْرُ يَعْرِفُهُ، وَ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «وَ لَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى» . وَ قَدْ وَرِثْنَا نَحْنُ هذَا الْقُرْآنَ الَّذِي فِيهِ مَا تُسَيَّرُ بِهِ الْجِبَالُ، وَ تُقَطَّعُ بِهِ الْبُلْدَانُ، وَ تُحْيَا بِهِ الْمَوْتى، وَ نَحْنُ نَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الْهَوَاءِ، وَ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَاتٍ مَا يُرَادُ بِهَا أَمْرٌ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ بِهِ مَعَ مَا قَدْ تَأَذّنَ (3) اللَّهُ مِمَّا دركَتَه (4)الْمَاضُونَ، جَعَلَهُ اللَّهُ لَنَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ: «وَ مَا مِنْ غَآلِبَةٍ فِى السَّمَآءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ» ثُمَّ قَالَ: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا» فَنَحْنُ الَّذِينَ اصْطَفَانَا اللَّهُ، وَأَوْرَثَنَا هذَا الَّذِي فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ».

هديّة:(أعلم منه) يعني أنّ جميع ما عندهم من العلوم عنده صلى اللَّه عليه وآله، وليس جميع ما عنده منها عندهم عليهم السلام.(وسليمان بن داود) إمّا عطف على (عيسى بن مريم) بعطف التلفيق، فمنصوب بغير تقدير الاستفهام في (وكان) ويحتمل الرفع على الابتداء، فالكلام للإمام عليه السلام، وإمّا

.


1- .في الكافي المطبوع: «والإنس والجنّ» بدل «والجنّ والإنس».
2- .في الكافي المطبوع: «المردة» بدون الواو.
3- .في «د» و الكافي المطبوع: «يأذن».
4- .في الكافي المطبوع: «كتبه».

ص: 227

معطوف بعطف النسق (1)على عيسى فمنصوب، والكلام للراوي، والاستفهام في «وكان» مقدّر؛ أي «أ وكان»، ف «قال: صدقت» معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.(قال للهدهد) أي للحاجة إلى الهدهد «مَا لِى لَا أَرَى الْهُدْهُدَ» الآية في سورة النمل.(2)في بعض النسخ: «وغضب عليه» بالواو مكان الفاء.و«بِسُلْطَنٍ مُّبِينٍ» أي بحجّة واضحة، وقيل: أي ببرهان مقبول في الاعتذار.في بعض النسخ: «والشياطين المردة» بدون الواو، على الوصف.(وكان الطير يعرفه) قيل: بالاستدلال من هواء فوق الماء إلى الماء الذي تحت الهواء. «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ» الآية في سورة الرعد،(3) قالوا: أي ولو كان في الدنيا قرآن كذلك فهو هذا القرآن، وتقطيع الأرض قطعها بالطّيّ؛ كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم.(4)و«التأذّن» على التفعّل: الإعلام. في بعض النسخ: «ممّا قد كتبه» مكان (ممّا دركته).(جعله اللَّه لنا) أي جميع ما ذكر (في اُمّ الكتاب). قال برهان الفضلاء: يعني محكمات القرآن؛ لقوله تعالى: «آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ»(5). وقيل: يعني فاتحة الكتاب.(إنّ اللَّه يقول: «وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ») الآية في سورة النمل.(6)(ثمّ قال: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا») الآية في سورة الفاطر.(7)(وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شي ء) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة النحل: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ»(8).

.


1- .النسق: النظم. قال الزبيدي: عطف النسق هو العطف على الأوّل يعني عطف الآخر من الاُمور كالأواسط على الأوّل، و عطف التلفيق هو العطف على غير ما عطف عليه سابقاً (منه سلّمه اللَّه تعالى).
2- .النمل (27): 20.
3- .الرعد (13): 31.
4- .تفسير القمّي، ج 1، ص 365، وتمامه فيه هكذا: «قال: لو كان شي ء من القرآن كذلك لكان هذا».
5- .آل عمران (3): 7.
6- .النمل (27): 75.
7- .فاطر (35): 32.
8- .النحل (16): 89 .

ص: 228

الباب الرابع والثلاثون: باب أنّ الأئمّة عندهم جميع الكتب...

الباب الرابع والثلاثون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام عِنْدَهُمْ جَمِيعُ الْكُتُبِ الَّتِي نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهَاوفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (1)، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، فِي حَدِيثِ بُرَيْهٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ مَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَلَقِيَ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهما السلام، فَحَكى لَهُ هِشَامٌ الْحِكَايَةَ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام لِبُرَيْهٍ : «يَا بُرَيْهُ، كَيْفَ عِلْمُكَ بِكِتَابِكَ؟» ، قَالَ: أَنَا بِهِ عَالِمٌ، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ ثِقَتُكَ بِتَأْوِيلِهِ؟» قَالَ: مَا أَوْثَقَنِي بِعِلْمِي فِيهِ! قَالَ: فَابْتَدَأَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِقَراءَةِ(2) الْإِنْجِيلَ ، فَقَالَ بُرَيْهٌ : إِيَّاكَ كُنْتُ أَطْلُبُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ مِثْلَكَ.قَالَ: فَآمَنَ بُرَيْهٌ، وَ حَسُنَ إِيمَانُهُ، وَ آمَنَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ، فَدَخَلَ هِشَامٌ وَ بُرَيْهٌ وَ الْمَرْأَةُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَحَكَى لَهُ هِشَامٌ الْكَلَامَ الَّذِي جَرى بَيْنَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام (3) وَ بُرَيْهٍ،(4) فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : ««ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»».فَقَالَ بُرَيْهٌ: أَنّى لَكُمُ التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: «هِيَ عِنْدَنَا وِرَاثَةً مِنْ عِنْدِهِمْ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس».
2- .في الكافي المطبوع: «يقرأ».
3- .في «الف»: - «موسى».
4- .في الكافي المطبوع: «و بين بريه».

ص: 229

نَقْرَؤُهَا كَمَا قَرَؤُوهَا، وَ نَقُولُهَا كَمَا قَالُوا؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَيْ ءٍ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي».

هديّة:(بُرَيه) كصهيب: مصغّر إبراهيم على ما ضبط برهان الفضلاء. وفي بعض النسخ: «بريهة» بزيادة التاء كما ضبط الشهيد الثاني بخطّه. وقرئ: «بُرَيَّة» كاُميّة على أنّها تصغير «البُرَة» بالضمّ والتخفيف، وهي حلقة من صُفْر يجعل في لحم أنف البعير. وذكره الصدوق في كتاب التوحيد في باب الردّ على الذين قالوا إنّ اللَّه ثالث ثلاثة، وضُبط فيه «بُرَيْهَة»(1) كحذيفة، وقصّته مذكورة هناك.(أنا به عالم) يحتمل السببيّة. في بعض النسخ: «يقرأ الإنجيل» مكان (بقراءة الإنجيل).(أو مثلك) ترديد من الراوي، وقال برهان الفضلاء: الهمزة للاستفهام، والواو للعطف، والتقدير: أ أكبر منك يعرف هذه المعرفة؟ أ ومثلك يعرف هذه المعرفة؟(أنّى لكم) أي من أين لكم.والآية في سورة آل عمران هكذا: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(2).

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3)، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَيْنَا بَابَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَاهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَوَهَّمْنَا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، ثُمَّ بَكى فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا الْغُلَامُ، فَأَذِنَ لَنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنا(4):

.


1- .التوحيد، ص 270، باب الردّ على الذين قالوا إنّ اللَّه ثالث ثلاثة...، ضمن الحديث الطويل 1.
2- .آل عمران (3): 33 و 34.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سنان».
4- .في «د» والكافي المطبوع: «فقلت».

ص: 230

أَصْلَحَكَ اللَّهُ، أَتَيْنَاكَ نُرِيدُ الْإِذْنَ عَلَيْكَ، فَسَمِعْنَاكَ تَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَتَوَهَّمْنَا أَنَّهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، ثُمَّ بَكَيْتَ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِكَ.فَقَالَ: «نَعَمْ، ذَكَرْتُ إِلْيَاسَ النَّبِيَّ عليه السلام ، وَ كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقُلْتُ كَمَا كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ» .ثُمَّ انْدَفَعَ فِيهِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَلَا وَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْنَا قَسّاً وَ لَا جَاثَلِيقاً أَفْصَحَ لَهْجَةً مِنْهُ بِهِ.ثُمَّ فَسَّرَهُ لَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ: «كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ أَظْمَأْتُ لَكَ هَوَاجِرِي؟ أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ عَفَّرْتُ لَكَ فِي التُّرَابِ وَجْهِي؟ أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدِ اجْتَنَبْتُ لَكَ الْمَعَاصِيَ؟ أَ تُرَاكَ مُعَذِّبِي وَ قَدْ أَسْهَرْتُ لَكَ لَيْلِي».قَالَ: فَقَالَ (1) «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ؛ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ» .قَالَ: «فَقَالَ: إِنْ قُلْتَ: لَا أُعَذِّبُكَ ثُمَّ عَذَّبْتَنِي فَمَاذَا؟(2) أَ لَسْتُ عَبْدَكَ وَ أَنْتَ رَبِّي؟» .قَالَ: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ؛ فَإِنِّي غَيْرُ مُعَذِّبِكَ؛ فَإِنِّي (3)إِذَا وَعَدْتُ وَعْداً وَفَيْتُ بِهِ».

هديّة:«السرياني» بكسر السين: لغة الإنجيل، كما أنّ العبراني - بالكسر أيضاً - لغة التوراة؛ قاله برهان الفضلاء.في بعض النسخ: «فقلت: أصلحك اللَّه» على المتكلّم وحده.(فقال: نعم) أي أنّه بالسريانيّة.و«القسّ» بالفتح والتشديد، وفي القاموس (4) مثلّثة القاف: رئيس النصارى في العلم ك «القسّيس» بكسر القاف وتشديد المهملة الاُولى، و«جاثليق» فوقه، وهو أعلمهم في بلاد الإسلام.

.


1- .في الكافي المطبوع: - «فقال».
2- .في حاشية «الف» و «د»: «كان ماذا». وفي الكافي المطبوع: «ماذا».
3- .في الكافي المطبوع: «إنّي».
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 240 (قسس).

ص: 231

و«الهاجرة»: نصف النهار عند اشتداد الحرّ.(منه به) أي بالمذكور بالسريانيّة.«ظمأ» كعلم: عطش، كعلم أيضاً؛ وأظمأه غيره وأظمأه الهاجرة؛ كنايةٌ عن صبره على العطش فيها.في بعض النسخ: «كان ماذا» مكان «فماذا» والمعنى عليهما: فلا اعتراض عليك؛ لأنّك الربّ العدل الحكيم الذي لا يُسأل عمّا يفعل بعباده، وهم يُسألون عمّا يعملون.

.

ص: 232

الباب الخامس والثلاثون: باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلّا الأئمّة و...

الباب الخامس والثلاثون : بَابُ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَّا الْأَئِمَّةُ عليه السلام وَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمَهُ كُلَّهُ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل 58.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ (1)، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «مَا ادَّعى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَمَا أُنْزِلَ إِلَّا كَذَّابٌ، وَ مَا جَمَعَهُ وَ حَفِظَهُ كَمَا أَنْزَلَهُ (2) اللَّهُ تَعَالى إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ عليهم السلام».هديّة:(أحد) يعني غير المعصوم.(كما اُنزل) أي بشرحه لمتنه من جبرئيل عليه السلام، فهذا الخبر لا ينافي بدليل الخبر التالي أيضاً ونحوه ما بيّنّاه سابقاً من معنى التحريف في القرآن لفظاً ومعنىً بالإعراب والقراءة.

الحديث الثاني 62.امام على عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُنَخَّلِ (3)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا يَسْتَطِيعُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام».
2- .في الكافي المطبوع: «نزّله».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسين، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخّل».

ص: 233

62.امام على عليه السلام :أَحَدٌ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ ظَاهِرِهِ وَ بَاطِنِهِ غَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ».هديّة:(كلّه) تأكيد القرآن، (ظاهره) بدل «الجميع».وفي الخبر دلالة ظاهرة على عدم وقوع التحريف في آي القرآن وسُوَره، وإن حرّف فيه كلمة أو إعراباً أو قراءة.

الحديث الثالث 66.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ (1)، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ عِلْمِ مَا أُوتِينَا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَ أَحْكَامَهُ، وَ عِلْمَ تَغْيِيرِ الزَّمَانِ وَ حَدَثَانِهِ، إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْراً أَسْمَعَهُمْ، وَ لَوْ أَسْمَعَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَوَلّى مُعْرِضاً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ» . ثُمَّ أَمْسَكَ هُنَيْئَةً، ثُمَّ قَالَ: «وَ لَوْ وَجَدْنَا أَوْعِيَةً أَوْ مُسْتَزَاحاً(2) لَقُلْنَا، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ».هديّة:(إنّ من علم ما اُوتينا) أي من جملة العلم الذي أعطينا. وقرأ برهان الفضلاء: «من علمٍ» بالتنوين، وقال: «ما» مبهمة للتعظيم و«اُوتينا» صفة العلم، والتقدير: «علم تفسير القرآن». وقرأ: «وإحكامه» بكسر الهمزة عطفاً على التفسير.و«الحَدَثان» - بالتحريك (3) - و«الحدث» و«الحادثة» كلّه بمعنى. وقرأ: «وحِدْثانه» على وزن الصّبيان، جمع «حديث» كالجديد لفظاً ومعنىً، ثمّ قرأ: «من لم يُسَمَّع» على المعلوم من التفعيل، قال: والتسميع: عدّ الشخص قابلاً لأن يسمع.(أوعية) أي حفظة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «علّي بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن القاسم بن الربيع، عن عبيد بن عبد اللَّه بن أبي هاشم الصيرفي، عن عمرو بن مصعب».
2- .في الكافي المطبوع: «مستراحا» بالراء المهملة.
3- .في «د»: - «بالتحريك».

ص: 234

(مستزاحاً) بالزاي، من زاح الشي ء زيحاً: بَعُد؛ وأزاحه غيره، أي محلّاً للمخفي البعيد عن الإذاعة. وقرأوا حتّى برهان الفضلاء: «مستراحاً» بالراء المهملة، بمعنى: موضع الاستراحة، قالوا: يعني موضعاً آمناً.(لقلنا): لأظهرنا إمامتنا وفضلنا والاسم الأعظم ونحو ذلك وهو سرّهم عليهم السلام، لا الكفر الذي أظهر الحلّاج ومثله من الصوفيّة زعماً منهم أنّه السرّ الذي كتم سلمان من أبي ذرّ لكونه غير أهله، مع أنّ الملائكة حفظوا دعائه، وذلك مقامه من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.(اُسمعهم) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الأنفال: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ»(1).وفي (هنيئة) بمعنى قليل من الزمان لغاتٌ ثلاثٌ، كحذيفة بالهمز أو الهاء، وكاُميّة بتشديد الخاتمة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِ (2)، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «وَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلى آخِرِهِ كَأَنَّهُ فِي كَفِّي، فِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ ، وَ خَبَرُ الْأَرْضِ ، وَ خَبَرُ مَا كَانَ، وَ خَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ».

هديّة:«التبيان»: البيان الكامل، قال اللَّه تعالى في سورة النحل: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ»(3)، قيل: وإنّما نقلت الآية هنا بالمعنى لتكون إيماء إلى أنّ «تبياناً» في الآية مفعول له، لا حالٌ.

.


1- .الأنفال (8): 23.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللَّه المؤمن».
3- .النمل (16): 89.

ص: 235

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَشَّابِ، عَنْ عَلِيٍ (1)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ(2)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ: ««قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»» قَالَ: فَفَرَّجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، فَوَضَعَهَا فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَ عِنْدَنَا وَاللَّهِ ، عِلْمُ الْكِتَابِ كُلِّهِ».

هديّة:(قال: قال) أي قرأ هذه الآية من سورة النمل.(3)«الَّذِى» آصف بن برخيا. «عِلْمٌ»: للتقليل. «بِهِ»: بعرش بلقيس. «قَبْلَ» قيل: قبل طرفة واحدة.وقيل: قبل مدّة القدرة على ضبطها، ولا ينافيه اختلافه بالنظر إلى الأشخاص؛ لأنّ المخاطب هو سليمان عليه السلام، فقدرها مضبوط.وهو كما ترى لما لا يخفى.

الحديث السادس 71.عنه عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ العجلي (4)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَ ا بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَبِ» قَالَ : «إِيَّانَا عَنى، وَ عَلِيٌّ عليه السلام أَوَّلُنَا وَ أَفْضَلُنَا وَ خَيْرُنَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله».هديّة:الآية في سورة الرعد.(5)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشّاب، عن عليّ بن حسّان».
2- .في «الف»: «عن عمّه» بدل «عن عبد الرحمن بن كثير».
3- .النمل (27): 40.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عمّن ذكره جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن بريد بن معاوية».
5- .الرعد (13): 43.

ص: 236

والضمير في (بينكم) لمنكري الرسالة.ولا يعلم جهة أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام من الأئمّة من أولاده سوى اللَّه وحججه؛ لثبوت عدم التفاوت بين الأئمّة عليهم السلام في الإمامة ولوازمها من الصفات الكماليّة من العلم والسخاوة والشجاعة ونحوها، كما ستعرف حديثهم في ذلك في الباب الثامن والخمسين إن شاء اللَّه تعالى.وفضل الاُبوّة عامّ لا كلام فيه، وقد روى سعد بن عبداللَّه في مختصر البصائر بإسناده عن أيّوب بن الحرّ عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلنا له: الأئمّة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال: «نعم، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد».(1) وهو صريح في أنّ للنبيّ والأوّل من أوصيائه عليهم السلام سوى العلوم التي اشترك الجميع فيها علوماً اُخَرَ من علم اللَّه الذي لا يتناهى، وعجائباته لا تُحصى كما للخضر عليه السلام، مع أنّ موسى عليه السلام من اُولي العزم، ومعه العلم بجميع ما يحتاج إليه الناس.

.


1- .بصائر الدرجات، ص 479، باب في الأئمّة أنّ بعضهم من بعض... ، ح 2؛ و عنه في البحار، ج 25، ص 358، ح 9.

ص: 237

الباب السادس والثلاثون: باب ما اُعطي الأئمّة من اسم اللَّه الأعظم

الباب السادس والثلاثون : بَابُ مَا أُعْطِيَ الْأَئِمَّةُ عليه السلام مِنِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ شُرَيْسٍ الْوَابِشِيِ (1)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ عَلى ثَلَاثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً، وَ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ آصَفَ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَتَكَلَّمَ بِهِ ، فَخُسِفَ بِالْأَرْضِ (2) مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ حَتّى تَنَاوَلَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ عَادَتِ الْأَرْضُ كَمَا كَانَتْ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَ نَحْنُ عِنْدَنَا مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً، وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالى اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ».

هديّة:(شريس) بتقديم المعجمة مصغّراً (الوابشي) كوفيّ، روى عنهما عليهما السلام. رجل شرس: سيّى ء الخُلق، بيِّن الشراسة. و«وابش» بالمفردة والمعجمة: أبو بطن من همدان.(فخسف بالأرض) على المعلوم من باب ضرب، والباء للتعدية، أي فخسف بوسطها كمن خسف بوسط عود ليصل كلّ من رأسيه إلى الآخر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و غيره، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن محمّد بن الفضيل، قال: أخبرني شريس الوابشي».
2- .في حاشية «د»: «به الأرض».

ص: 238

قال برهان الفضلاء:لا يتوهّم عدم إمكان ذلك مع غفلة خلق كثير يقظان في الوسط؛ لأنّ القدح المملوّ ماءً في يد مخلوق سريع الفعل يكفا بما لا مزيد عليه، فيعاد من غير أن يصبّ منه شي ء، فكيف بقدرة الخالق تعالى.(أسرع من طرفة عين) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة النمل: «قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»(1).في بعض النسخ: «وعندنا نحن».(2)(استأثر به) أي استبدّ به. والاستبداد بالشي ء: التفرّد به.والظاهر من ألفاظ مثل أحاديث الباب كلفظ «التكلّم» أنّ أجزاء الاسم الأعظم مجموع الأسماء بمعنى الألفاظ، والأسماء بمعنى المسمّيات معاً، والمسمّيات هي مقادير نور معرفة الذات وصفاتها التي ليست معرفة كنهها إلّا له تعالى شأنه.وقال برهان الفضلاء: الاسم الأعظم كنه اللَّه سبحانه، فالجزء المتفرّد به بعد اثنين وسبعين لا يتناهى أيضاً كما في سلسلة العدد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ (3)، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام لَمْ أَحْفَظ اسْمَهُ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أُعْطِيَ حَرْفَيْنِ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا، وَ أُعْطِيَ مُوسى أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ، وَ أُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ، وَ أُعْطِيَ نُوحٌ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً، وَ أُعْطِيَ آدَمُ خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ حَرْفاً، وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى جَمَعَ ذلِكَ كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً ، أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً، وَ حُجِبَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ».

.


1- .النمل (27): 40.
2- .أي بدل: «ونحن عندنا».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد و محمّد بن خالد، عن زكريّا بن عمران القمّي، عن هارون بن الجهم».

ص: 239

هديّة:قيل: النّاسي واحد من الرواة، والظاهر أنّه هارون.قيل: مستبعد أن يكون مع آدم من أحرف الاسم الأعظم أكثر ممّا مع كلّ من هؤلاء اُولي العزم، فأجاب برهان الفضلاء أوّلاً: بأنّ احتياج كلّ واحدٍ من الأنبياء عليهم السلام إلى قدر منه إنّما هو بالنظر إلى زمانه ومصالح اُمّته، فلا استبعاد في أفضليّة صاحب الأقلّ كإبراهيم من صاحب الأكثر كآدم عليهما السلام، وثانياً: بأنّه يمكن أن يكون المعنى أنّه أعطى كلّ من اُولي العزم زيادة على ما اُعطي آدم كذا وكذا، فآدم صاحب الأقلّ وعيسى صاحب سبعة وعشرين وهكذا.

الحديث الثالث 77.لقمان عليه السلامروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِ (1)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ عليه السلام، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ ثَلَاثَةٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً(2)، كَانَ عِنْدَ آصَفَ حَرْفٌ، فَتَكَلَّمَ بِهِ، فَانْخَرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَبَاً، فَتَنَاوَلَ عَرْشَ بِلْقِيسَ حَتّى صَيَّرَهُ إِلى سُلَيْمَانَ، ثُمَّ انْبَسَطَتِ الْأَرْضُ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ؛ وَ عِنْدَنَا مِنْهُ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً، وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ اسْتَأْثَرَ(3) بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ».هديّة:في بعض النسخ: «عن أبي الحسن العسكري عليه السلام».قوله: (فانخرقت) بالخاء المعجمة والقاف. وقرئ: «فانحرفت» بالمهملة والفاء، و«فانجرفت» بالجيم والفاء - على ما ضبطه برهان الفضلاء - انجرف الوادي وصار عميقاً بالسيل.في بعض النسخ: «مستأثر به» على اسم المفعول أي ممتاز به، فالظرف نايب الفاعل كما قاله برهان الفضلاء، أو اسم الفاعل أي متفرّد به.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن عليّ بن محمّد النوفلي».
2- .في «الف»: + «إنّما».
3- .في الكافي المطبوع: «مستأثر».

ص: 240

الباب السابع والثلاثون: باب ما عند الأئمّة من آيات الأنبياء

الباب السابع والثلاثون : بَابُ مَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل 83.الإمام عليّ عليه السلام : روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَيْضِ (1)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَتْ عَصَا مُوسى لِآدَمَ عليه السلام ، فَصَارَتْ إِلى شُعَيْبٍ ، ثُمَّ صَارَتْ إِلى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ، وَ إِنَّهَا لَعِنْدَنَا ، وَ إِنَّ عَهْدِي بِهَا آنِفاً ، وَ هِيَ خَضْرَاءُ كَهَيْئَتِهَا حِينَ انْتُزِعَتْ مِنْ شَجَرَتِهَا ، وَ إِنَّهَا لَتَنْطِقُ إِذَا اسْتُنْطِقَتْ ، أُعِدَّتْ لِقَائِمِنَا عليه السلام يَصْنَعُ بِهَا مَا كَانَ يَصْنَعُ مُوسى عليه السلام، وَ إِنَّهَا لَتُرَوِّعُ وَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، وَ تَصْنَعُ مَا تُؤْمَرُ بِهِ ، إِنَّهَا - حَيْثُ أَقْبَلَتْ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ - يُفْتَحُ لَهَا شُعْبَتَانِ : إِحْدَاهُمَا فِي الْأَرْضِ ، وَ الْأُخْرى فِي السَّقْفِ ، وَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً ، تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ بِلِسَانِهَا» .هديّة:انتزعه وانتزع هو، يتعدّى ولا يتعدّى، ف (انتزعت) على المعلوم أو المجهول.(لتروّع) على المجهول من الترويع من «الرُّوع» بالضمّ وهو القلب، يعني إلقاء الشي ء في القلب، فالمعنى لَتُلْهَم؛ أو على المعلوم منه من «الرَّوع» كالخوف لفظاً ومعنى، فالمعنى التخوّف.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن منيع بن الحجّاج البصري، عن مجاشع، عن معلّى، عن محمّد بن الفيض».

ص: 241

وقال برهان الفضلاء: ويحتمل من «الرَّوغ» بالفتح والغين المعجمة، وهو الميل من جانب إلى جانب والرجوع من شي ء إلى شي ء.والأنسب اُولى.(تلقف) من باب علم، ناظر إلى آية سورة الأعراف (1)، أي تأخذ تمامه سريعاً، وأيضاً تلقف: تلقم.(ما يأفكون): ما يصنعون، ويأتون به كذباً.في بعض النسخ: «ينتج» مكان (يفتح)، وفي بعض آخر - كما ضبط برهان الفضلاء - «شفتان» مكان (شعبتان).ولعلّ المراد ب «السقف» السماء، وقيل: المراد سقف عمارة فرعون.

الحديث الثاني 81.امام صادق عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ الثُّمَالِيِ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَلْوَاحُ مُوسى عليه السلام عِنْدَنَا ، وَ عَصَا مُوسى عِنْدَنَا ، وَ نَحْنُ وَرَثَةُ النَّبِيِّينَ».هديّة:«ثمالة» بالضمّ: حيّ من العرب.والقول بأنّ المراد علم ما في الألواح لا يناسب المقام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُرَاسَانِيِ (3)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ بِمَكَّةَ وَ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْكُوفَةِ ، نَادى مُنَادِيهِ : أَلَا لَا يَحْمِلْ أَحَدٌ

.


1- .الأعراف (7): 117.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللَّه بن القاسم، عن أبي سعيد الخراساني».

ص: 242

مِنْكُمْ طَعَاماً وَ لَا شَرَاباً ، وَ يَحْمِلُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عليه السلام وَ هُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ ، فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا انْبَعَثَتْ (1) عَيْنٌ مِنْهُ ، فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ ، وَ مَنْ كَانَ ظَامِئاً رَوِيَ ؛ فَهُوَ زَادُهُمْ حَتّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ».

هديّة:(لا يحمل) على المعلوم، المجزوم بلا الناهية من باب ضرب.و(يحملُ) مرفوع ومستتره للقائم عليه السلام.وحكاية (حجر موسى) في سورة البقرة.(2)و«الوقر» بالكسر: الحِمل بالكسر، وهو ما يحمل، وبالفارسيّة «بار».و«الظامئ» و«الظمآن»: العطشان.(رَوِي) كعلم، وأصل الواو الياء.

الحديث الرابع 87.الإمام عليّ عليه السلام ( _ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ ) روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَسَدِيِ (3)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ عَتَمَةٍ وَ هُوَ يَقُولُ - هَمْهَمَةً هَمْهَمَةً ، وَ لَيْلَةً مُظْلِمَةً - : خَرَجَ عَلَيْكُمُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ قَمِيصُ آدَمَ ، وَ فِي يَدِهِ خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَ عَصَا مُوسى».هديّة:(ذات) مؤنّث «ذو» أي ساعة ذات ليلة. وقيل: «ذات» في مثل المقام من الزوايد.و«العتمة» محرّكة: الثُّلُث الأوّل من الليل بعد غيبوبة الشفق.و«الهمهمة»: الخفيّ من الكلام. قيل: أوّلهما نصب على الحال أو التميز، والثاني تأكيد، (وليلة مظلمة) حاليّة. وقيل: كلاهما مرفوع بالخبر المكرّر من محذوف، فمقول يقول، أي ما أقول.

.


1- .في الكافي المطبوع: «انبعث».
2- .البقره (2): 60.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن الأسدي».

ص: 243

وقال برهان الفضلاء: أوّلهما مفعول مطلق وكلام الباقر عليه السلام، والثاني مقول يقول ومرفوع على الخبر من محذوف وكلام أمير المؤمنين عليه السلام، أي ما أقول همهمة وهذه ليلة مظلمة. والخطاب إمّا للأوّل وتابعيه، أو لمعاوية وعسكره وهم نائمون.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «أَ تَدْرِي مَا كَانَ قَمِيصُ يُوسُفَ عليه السلام ؟» . قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام لَمَّا أُوقِدَتْ لَهُ النَّارُ ، أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام بِثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ ، فَأَلْبَسَهُ إِيَّاهُ ، فَلَمْ يَضُرَّهُ مَعَهُ حَرٌّ وَ لَا بَرْدٌ ، فَلَمَّا حَضَرَ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْتُ ، جَعَلَهُ فِي تَمِيمَةٍ وَ عَلَّقَهُ عَلى إِسْحَاقَ ، وَ عَلَّقَهُ إِسْحَاقُ عَلى يَعْقُوبَ ، فَلَمَّا وُلِدَ يُوسُفُ عليه السلام عَلَّقَهُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ فِي عَضُدِهِ حَتّى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ ، فَلَمَّا أَخْرَجَهُ يُوسُفُ بِمِصْرَ مِنَ التَّمِيمَةِ ، وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ ، وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالى : «إِنِّى لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(2) فَهُوَ ذلِكَ الْقَمِيصُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِلى (3) مَنْ صَارَ ذلِكَ الْقَمِيصُ ؟ قَالَ : «إِلى أَهْلِهِ». ثُمَّ قَالَ : «كُلُّ نَبِيٍّ وَرِثَ عِلْماً أَوْ غَيْرَهُ ، فَقَدِ انْتَهى إِلى آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:«التميمة» يُقال لكلّ عَوذة يعلّق على الصبيان، وفي الأصل هي الخرزة التي تعلّق على الإنسان وغيره من الحيوانات.(وهو قوله) أي الذي حكاه القرآن في سورته.(تفنّدون) تنسبوني إلى «الفَنَد» بالتحريك، وهو نقصان العقل من الهَرَم بالتحريك، أي كبر السنّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن أبي الحسن الأسدي».
2- .يوسف (12): 94.
3- .في الكافي المطبوع: «فإلى».

ص: 244

الباب الثامن والثلاثون: باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله و متاعه

الباب الثامن والثلاثون : بَابُ مَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ عليه السلام مِنْ سِلَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله وَ مَتَاعِهِ وأحاديثه كما في الكافي تسعة باعتبار وعشرة بآخر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ سَعِيدٍ السَّمَّانِ (1) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ ، فَقَالَا لَهُ : أَ فِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «لَا».قَالَ : فَقَالَا لَهُ : قَدْ أَخْبَرَنَا عَنْكَ الثِّقَاتُ أَنَّكَ تُفْتِي وَ تُقِرُّ وَ تَقُولُ بِهِ ، وَنُسَمِّيهِمْ لَكَ : فُلَانٌ وَ فُلَانٌ ، وَ هُمْ أَصْحَابُ وَرَعٍ وَ تَشْمِيرٍ ، وَ هُمْ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ . فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَقَالَ : «مَا أَمَرْتُهُمْ بِهذَا». فَلَمَّا رَأَيَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، خَرَجَا .فَقَالَ لِي : «أَ تَعْرِفُ هذَيْنِ ؟» ، قُلْتُ : نَعَمْ ، هُمَا مِنْ أَهْلِ سُوقِنَا ، وَ هُمَا مِنَ الزَّيْدِيَّةِ ، وَ هُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ ، فَقَالَ : «كَذَبَا - لَعَنَهُمَا اللَّهُ - وَ اللَّهِ مَا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بِعَيْنَيْهِ ، وَ لَا بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ ، وَ لَا رَآهُ أَبُوهُ ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ ، فَمَا عَلَامَةٌ فِي مَقْبِضِهِ ؟ وَ مَا أَثَرٌ فِي مَوْضِعِ مَضْرَبِهِ ؟وَ إِنَّ عِنْدِي لَسَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَ دِرْعَهُ وَ لأَْمَتَهُ وَ مِغْفَرَهُ ، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ ، فَمَا عَلَامَةٌ فِي دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ وَ إِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن سعيد السمّان».

ص: 245

الْمَغْلَبَةَ ، وَ إِنَّ عِنْدِي أَلْوَاحَ مُوسى وَ عَصَاهُ ، وَ إِنَّ عِنْدِي لَخَاتَمَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ، وَ إِنَّ عِنْدِي الطَّسْتَ الَّذِي كَانَ مُوسى يُقَرِّبُ بِهِ الْقُرْبَانَ ، وَ إِنَّ عِنْدِي الِاسْمَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُشْرِكِينَ ، لَمْ يَصِلْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ نُشَّابَةٌ ، وَ إِنَّ عِنْدِي لَمِثْلَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ .وَ مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَيِّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلى أَبْوَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ ، وَ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ ، وَ لَقَدْ لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَخَطَّتْ عَلَى الْأَرْضِ خَطِيطاً ، وَ لَبِسْتُهَا أَنَا ، فَكَانَتْ وَ كَانَتْ ، وَ قَائِمُنَا مَنْ إِذَا لَبِسَهَا مَلَأَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ».

هديّة:(فقال: لا) أي ليس فينا مفترض الطاعة بالمعنى الذي زعمتم من أنّه هو المجتهد برأيه في الأحكام من بني فاطمة إذا كان عنده سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وخرج به.(وتقول) عطف تفسير لتقرّ. (به) أي بما قلنا من وجود إمام كذا فيكم.في بعض النسخ: «فلان وفلان وفلان» ثلاثاً، والمراد عليهما التعدّد والكثرة.و(عبداللَّه) هذا هو ابن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.و«التشمير» رفع الثوب للجدّ في الأمر، يكنّى به عن كثرة العبادة والتقوى. و«المقبض» كمجلس ومنصب، وكذا «المضرب» وهو صدره ما بين الرأس والوسط.و«اللأمة» بالفتح وسكون الهمزة: سرد الرأس. و«المِغفر» كمنبر. و«المغلبة» بالفتح كمشربة: مصدر ميميّ من «غلب» كضرب، واسم إحدى راياته صلى اللَّه عليه وآله.(يقرّب به القربان) أي فيه، على المضارع المعلوم من التفعيل. ويحتمل - كما قال برهان الفضلاء - «يقرب» على المضارع المعلوم من باب علم وحسن والباء للسببيّة.و«القربان» - كسبحان وعمران - مصدر ومفعول مطلق للنوع، واللام للعهد الخارجي، أي كان يصير على هذا الاحتمال متقرّباً إلى اللَّه تعالى بسبب ذلك الطست. والغسل منه ذلك التقرّب المعروف من شأنه. وسيجي ء في الحديث (1) تفسير «بَقِيَّةٌ مِّمَّا

.


1- .الكافي، ج 3، ص 471، باب صلاة الاستخارة، ح 5؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 6، ص 607، ح 5660.

ص: 246

تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَرُونَ»(1) كما في سورة البقرة، بأشياء، منها: الطست الذي كان موسى يقرّب فيه القربان، وقيل: كان يغسل فيه قلوب الأنبياء عليهم السلام.و«النشّابة» بالضمّ والتشديد: واحدة «النشّاب»، وهي السهام العربيّة.(لمثل الذي جاءت به الملائكة) قيل: لعلّه عليه السلام أشار به إلى ما أخبر اللَّه عنه في القرآن بقوله تعالى في سورة البقرة: «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ»(2).وقال برهان الفضلاء وجماعة: المراد ب «مثل ما جاءت به الملائكة» السلاح، وب «ما جاءت به الملائكة» التابوت. وفي بعض النسخ: «التابوت» مكان «لمثل».ونقل أنّ التابوت رفع عنهم بعد موسى عليه السلام مدّة، ثمّ جاءت به الملائكة وهم ينظرون إليه.وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عنهم عليهم السلام:أنّ ذلك هو التابوت الذي أنزل اللَّه على موسى، فوضعته فيه اُمّه وألقته في اليمّ، فكان في بني إسرائيل يتبرّكون به، فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوّة، وأودعه يوشع وصيّه، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه اللَّه منهم، فلمّا سألوا النبيّ بعث إليهم طالوت ملكاً يقاتل معهم ردَّ اللَّه عليهم التابوت (كما قال اللَّه: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ»، قال: البقيّة: ذرّية الأنبياء)3 وقوله: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ» فإنّ التابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيّبة، لها وجه كوجه الإنسان. قال: حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرّضا عليه السلام أنّه قال: «السّكينة ريح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان». (وكان إذا وضع التابوت بين يدي العدوّ وبين المسلمين يخرج

.


1- .البقرة (2): 248.
2- .ما بين القوسين لم يرد فى المصدر.

ص: 247

منه ريح طيّبة لها وجه كوجه الإنسان)(1) وكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفّار، فإن تقدّم التابوت رجل لا يرجع حتّى يُقتل أو يُغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الإمام، فأوحى اللَّه إلى نبيّهم أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى عليه السلام، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه داود بن آسي وكان آسي راعياً، وكان له عشر بنين أصغرهم داود عليه السلام، فلمّا بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن احضُر واحضِر وُلْدَك، فلمّا حضروا دعا واحداً واحداً من ولده، فألبسه الدرع درع موسى عليه السلام، فمنهم من طالت عليه، ومنهم من قصرت عنه، فقال لآسي: هل خلّفت من ولدك أحداً؟ قال: نعم أصغرهم تركته في الغنم راعياً، فبعث ابنه (2) فجاء به، فلمّا دعي أقبل ومعه مقلاع، قال: فناداه ثلاث صخرات في طريقه، فقالت: يا داود خذنا فأخذها في مخلاته، وكان شديد البطش، قويّاً في بدنه شجاعاً، فلمّا صار إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوى عليه.(3)انتهى كلام عليّ بن إبراهيم وروايته عن الرضا عليه السلام.في بعض النسخ: «كانت بنو إسرائيل كذا» بزيادة «كذا».«خطّ عليه» كمدّ: أحدث فيه أثراً وعلامة. و«الخطيط»: تصغير الخطّ.(فكانت وكانت) قيل: يعني كانت قد تصل إلى الأرض وقد لا تصل، وقيل: يعني لم يختلف عليَّ وعلى أبي اختلافاً محسوساً. وقال برهان الفضلاء: يعني فخطّت زيادة على خطّ أبي عليه السلام.وكلمة (إن شاء اللَّه) في مثل المقام للتبرّك إن شاء اللَّه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (4) ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا

.


1- .ما بين القوسين لم يرد فى المصدر.
2- .في المصدر: «يرعاها فبعث إليه ابنه» بدل «راعياً فبعث ابنه».
3- .تفسير القمّي، ج 1، ص 82.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 248

عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «عِنْدِي سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَا أُنَازَعُ فِيهِ».ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ السِّلَاحَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ ، لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ لَكَانَ خَيْرَهُمْ». ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ هذَا الْأَمْرَ يَصِيرُ إِلى مَنْ يُلْوى لَهُ الْحَنَكُ ، فَإِذَا كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ خَرَجَ ، فَيَقُولُ النَّاسُ : مَا هذَا الَّذِي كَانَ ؟! وَ يَضَعُ اللَّهُ لَهُ يَداً عَلى رَأْسِ رَعِيَّتِهِ».

هديّة:(لا اُنازع فيه) على ما لم يسمّ فاعله، أي لأنّه ميراثي من الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.(مدفوع عنه) قيل: يعني لا سبيل ليد إليه بالغصب والسرقة ونحوهما. وقال برهان الفضلاء: أي الشرّ والمحق وهلاك صاحبه.(لو وضع) شرطيّة بيانيّة، لكان على هذا التقدير: شرّ خلق اللَّه خير خلق اللَّه.(من يلوى له الحنك) إمّا على المعلوم من باب علم، أو خلافه من التفعيل.«لوي»: اعوجّ، لوى ولوّاه غيره، قيل: «لوى الحنك» أو «تلويته» كناية عن طول الانتظار لظهوره، وقيل: بل كناية عن انقياد الجميع لسلطانه.أقول: أو عبارة عن تحيّر الجميع في ملاحظة فضله الممتاز، وشرف نسبه إلى آدم وأمارات حجّيّته الظاهرة ودلالات إمامته الباهرة.(ما هذا الذي كان) يعني يتعجّبون من أمره وسيرته وعدله وامتيازه البيّن حسباً ونسباً.واللام في (له يداً) للاختصاص أو السببيّة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي الْمَتَاعِ سَيْفاً وَ دِرْعاً وَ عَنَزَةً وَ رَحْلاً وَ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ ، فَوَرِثَ ذلِكَ كُلَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان».

ص: 249

هديّة:(في المتاع) يعني - كما صرّح به برهان الفضلاء - ما يتمتّع به من أثاث البيت وغيره، ف «في» للظرفيّة أو للسببيّة، فالمعنى: ترك - بعد هبته لأمير المؤمنين عليه السلام طائفة منها - هذه المذكورات ليتمتّع بها في بقيّة الحياة ويرثها بعده صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام.و«العَنَزَة» محرّكة: رمح بين العصا والرمح. و«الرحل»: مركب الناقة.و(الشهباء) تأنيث أشهب، و«الشهبة» في الألوان: البياض الذي غلب على السواد.

الحديث الرابع روى في الكافي عن الاثنين عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ (1)، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : «لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ذَاتَ الْفُضُولِ فَخَطَّتْ ، وَ لَبِسْتُهَا أَنَا فَفَضَلَتْ» .

هديّة:(ذات الفضول) لقب دِرْعٍ من درعيه صلى اللَّه عليه وآله، قيل: لسعته.(ففضلت) على المعلوم من باب علم ونصر، أو على المجهول بصيغة المؤنّث من التفعيل، وقيل: بل عليه بصيغة المتكلّم منه ليطابق الحديث الأوّل.والدرع التي توافقها علامة الإمامة هي غير ذات الفضول، وذات الفضول هي التي لا يملأها من الأئمّة عليهم السلام غير القائم عليه السلام، فلا إشكال بالمنافاة. ويجمع الدرع - وهو قد يذكّر - على أدرع وإدراع ودروع.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (2)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ ذِي الْفَقَارِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنْ أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : «هَبَطَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام مِنَ السَّمَاءِ ، وَ كَانَتْ حِلْيَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَ هُوَ عِنْدِي» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه».

ص: 250

هديّة:(الفَقار) كسحاب: جمع «فَقارة»، فالتسمية إمّا لشقّه فَقار ظهر الأعداء، أو لكونه ذا فَقار من فضّة شبه فَقار الظهر.و«حلية السيف» بالكسر وقد يفتح.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ (1)، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ : «السِّلَاحُ مَوْضُوعٌ عِنْدَنَا ، مَدْفُوعٌ عَنْهُ ، لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ ، كَانَ (2) خَيْرَهُمْ ، لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ حَيْثُ بَنى بِالثَّقَفِيَّةِ - وَقَدْ كَانَ (3) شُقَّ لَهُ فِي الْجِدَارِ - فَنُجِّدَ الْبَيْتُ ، فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَةُ عُرْسِهِ رَمى بِبَصَرِهِ، فَرَأى حَذْوَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِسْمَاراً ، فَفَزِعَ لِذلِكَ ، وَ قَالَ لَهَا : تَحَوَّلِي ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ مَوَالِيَّ فِي حَاجَةٍ ، فَكَشَطَهُ ، فَمَا مِنْهَا مِسْمَارٌ إِلَّا وَجَدَهُ مُصَرَّفاً طَرَفُهُ عَنِ السَّيْفِ، وَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْهَا شَيْ ءٌ».

هديّة:(بنى بالثّقفيّة): تزوّج بها، وأصله أنّ الرجل كان إذا تزوّج بنى على امرأتها قبّة ليدخل بها فيها، يُقال: بنى بأهله وعلى أهله.(شقّ له) أي الإمام عليه السلام للسلاح، يعني السيف ليخفى في جوف الجدار من الأنظار. في بعض النسخ: «وكان قد شقّ له» بدخول «قد» على «شقّ» دون «كان».(فنجّد) على ما لم يسمّ فاعله. و«التنجيد»: التزيين، أي زيّن للعرس بعد إخفاء السلاح فيه.(حذوه) أي بإزائه بعد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن محمّد بن حكيم».
2- .في الكافي المطبوع: «لكان».
3- .في الكافي المطبوع: «وكان قد» بدل «وقد كان».

ص: 251

(ففزع لذلك) من باب علم، أي خاف من انكساره بالمسامير أو سرقته.وقال برهان الفضلاء: أي اضطرب شوقاً للنظر إلى كيفيّة الاندفاع؛ لئلّا يقال منافاة بين العلم بالاندفاع والخوف من الانكسار.(فكشطه): كشف عن السيف حجابه من الجصّ والسَّياع (1) ونحوهما، ولعلّ الحاجة هو الاستشهاد بأنّه مدفوع عنه.(مصرّفاً) على اسم المفعول من التفعيل.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حُجْرٍ(2) ، عَنْ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَمَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَتْ إِلى أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ ، فَقَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ عليه السلام عِلْمَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ مَا هُنَاكَ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَلَمَّا خَشِيَنَا أَنْ نُغْشَى اسْتَوْدَعَهَا أُمَّ سَلَمَةَ ، ثُمَّ قَبَضَهَا بَعْدَ ذلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام». قَالَ : فَقُلْتُ : نَعَمْ ، ثُمَّ صَارَ إِلى أَبِيكَ ، ثُمَّ انْتَهى إِلَيْكَ ، وَ صَارَ بَعْدَ ذلِكَ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ».

هديّة:«حجر بن زايدة» بضمّ المهملة وسكون الجيم: ثقة جليل القدر.(يتحدّث) على المضارع المعلوم من التفعّل، وفي بعض النسخ من التفعيل. و«التحدّث»: نقل الناس الحديثَ فيما بينهم بعضهم عن بعض، و«التحديث» أعمّ، وهو نقل الحديث.وهذه «الصحيفة» غير الكتاب الملفوف والوصيّة الظاهرة اللذين استودعهما الحسين عليه السلام بكربلاء عند ابنته الكبرى فاطمة، وسيجي ء في باب النصّ على عليّ بن

.


1- .«السياع» الطين، أو الطين بالتبن الذي يُطيّن به البيوت. لسان العرب، ج 8، ص 170 (سيع).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن حجر».

ص: 252

الحسين عليهما السلام إن شاء اللَّه تعالى.(وما هناك) لعلّ المشار إليه وعاء السلاح.(نُغشى) على ما لم يسمّ فاعله إمّا على المتكلّم مع الغير أو المؤنّث الغايبة، أي تفوت الصحيفة. «غشيه» كرضي: هجم عليه وأحاطه بالأخذ.(ثمّ صار إلى أبيك) إخبارٌ. (ثمّ انتهى إليك) استفهامٌ. (وصار بعد ذلك إليك) عطفُ تفسيرٍ.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ (1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَمَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ دُفِعَ إِلى أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيفَةٌ مَخْتُومَةٌ ، فَقَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا قُبِضَ وَرِثَ عَلِيٌّ عليه السلام عِلْمَهُ وَ سِلَاحَهُ وَ مَا هُنَاكَ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحَسَنِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليهما السلام» . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ صَارَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، ثُمَّ صَارَ إِلَى ابْنِهِ ، ثُمَّ انْتَهى إِلَيْكَ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ» .

هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ ، عَنْ أَبَانِ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْوَفَاةُ ، دَعَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لِلْعَبَّاسِ : يَا عَمَّ مُحَمَّدٍ ، تَأْخُذُ تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ، وَ تَقْضِي دَيْنَهُ ، وَ تُنْجِزُ عِدَاتِهِ ؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ (3) ، شَيْخٌ كَثِيرُ الْعِيَالِ ، قَلِيلُ الْمَالِ ، مَنْ يُطِيقُكَ وَ أَنْتَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن عمر بن أبان».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسين و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي، عن أبان بن عثمان» وفي الطبعة الجديدة من الكافي: «محمّد بن الحسن» بدل «محمّد بن الحسين».
3- .في الكافي المطبوع: + «بأبي أنت و اُمّي».

ص: 253

تُبَارِي الرِّيحَ؟» .قَالَ : «فَأَطْرَقَ صلى اللَّه عليه وآله هُنَيْئَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبَّاسُ ، أَ تَأْخُذُ تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ، وَ تُنْجِزُ عِدَاتِهِ وَ تَقْضِي دَيْنَهُ ؟ فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، شَيْخٌ كَثِيرُ الْعِيَالِ ، قَلِيلُ الْمَالِ ، وَ أَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ .قَالَ : أَمَا إِنِّي سَأُعْطِيهَا مَنْ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ ، يَا أَخَا مُحَمَّدٍ ، أَتُنْجِزُ عِدَاتِ مُحَمَّدٍ ، وَ تَقْضِي دَيْنَهُ ، وَ تَقْبِضُ تُرَاثَهُ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، ذاكَ عَلَيَّ وَ لِي ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حَتّى نَزَعَ خَاتَمَهُ مِنْ إِصْبَعِهِ ، فَقَالَ : تَخَتَّمْ بِهذَا فِي حَيَاتِي ، قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ حِينَ وَضَعْتُهُ فِي إِصْبَعِي ، فَتَمَنَّيْتُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَرَكَ الْخَاتَمَ .ثُمَّ صَاحَ : يَا بِلَالُ ، عَلَيَّ بِالْمِغْفَرِ وَ الدِّرْعِ وَ الرَّايَةِ وَ الْقَمِيصِ وَ ذِي الْفَقَارِ وَ السَّحَابِ وَ الْبُرْدِ وَ الْأَبْرَقَةِ وَ الْقَضِيبِ ، قَالَ : فَوَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُهَا قَبْلَ (1) سَاعَتِي تِلْكَ - يَعْنِي الْأَبْرَقَةَ - فَجِي ءَ بِشِقَّةٍ كَادَتْ تَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ، فَإِذَا هِيَ مِنْ أَبْرُقِ الْجَنَّةِ ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَتَانِي بِهَا ، وَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اجْعَلْهَا فِي حَلْقَةِ الدِّرْعِ ، وَ اسْتَذْفِرْ بِهَا مَكَانَ الْمِنْطَقَةِ .ثُمَّ دَعَا بِزَوْجَيْ نِعَالٍ عَرَبِيَّيْنِ جَمِيعاً : أَحَدُهُمَا مَخْصُوفٌ ، وَ الْآخَرُ غَيْرُ مَخْصُوفٍ ، وَ الْقَمِيصَيْنِ : الْقَمِيصِ الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ فِيهِ ، وَ الْقَمِيصِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَالْقَلَانِسِ الثَّلَاثِ : قَلَنْسُوَةِ السَّفَرِ ، وَ قَلَنْسُوَةِ الْعِيدَيْنِ وَ الْجُمَعِ ، وَ قَلَنْسُوَةٍ كَانَ يَلْبَسُهَا وَ يَقْعُدُ مَعَ أَصْحَابِهِ .ثُمَّ قَالَ : يَا بِلَالُ ، عَلَيَّ بِالْبَغْلَتَيْنِ : الشَّهْبَاءِ ، وَ الدُّلْدُلِ ؛ وَ النَّاقَتَيْنِ : الْعَضْبَاءِ ، وَ الْقَصْوَاءِ ؛ وَ الْفَرَسَيْنِ : الْجَنَاحِ - كَانَتْ تُوقَفُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ لِحَوَائِجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَبْعَثُ الرَّجُلَ فِي حَاجَتِهِ ، فَيَرْكَبُهُ فَيَرْكُضُهُ فِي حَاجَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ حَيْزُومٍ - وَ هُوَ الَّذِي كَانَ يَقُولُ : أَقْدِمْ يَا حَيْزُومُ - وَ الْحِمَارِ عُفَيْرٍ ، فَقَالَ : اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي .فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، قَطَعَ خِطَامَهُ ، ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتّى أَتى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا ، فَرَمى بِنَفْسِهِ فِيهَا ، فَكَانَتْ قَبْرَهُ».

.


1- .في الكافي المطبوع: «قبل».

ص: 254

وَ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ : «إِنَّ ذلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ عليه السلام فِي السَّفِينَةِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ عليه السلام ، فَمَسَحَ عَلى كَفَلِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذلِكَ الْحِمَارَ».

هديّة:«التراث» بالضمّ: الميراث، وأصل التاء الواو.(تبارى الريح): تسابقها، كناية عن علوّ الهمّة ونثر ما في اليد.في بعض النسخ - كما ضبط سيّدي وسندي أمير حسن القايني رحمة اللَّه عليه : «بخفّها» مكان (بحقّها)، قال: قوله «بخفّها» كناية عن غاية اقتداره عليه السلام؛ لأنّ من يأخذ خفّ البعير ويمسكه، له غاية القدرة.(فنظرت) القائل عليّ عليه السلام. قيل: وفي الكلام التفات في حكاية حال.(فتمنّيت) يعني قلت في نفسي: لو لم يكن غير هذا الخاتم لكفاني فخراً به شرفاً وعزّة وبركة.(والقميص) قميص آدم أو يوسف عليهما السلام، أو خاصّ به صلى اللَّه عليه وآله، كلاهما أو أحدهما.(والسحاب) اسم عمامته صلى اللَّه عليه وآله.(والابرقة) بالفتح: واحدة «الأبرق» كالأبلق لفظاً ومعنى. قيل: كأنّها ثوب مستطيل، وهي «الشقّة» بالضمّ والكسر. وفي الكلام تقديم وتأخير، يعني «فجي ء بشقّة، فواللَّه ما رأيتها». وهو عقال أبرق في الخبر الآتي. الجوهري: و«الأبرق»: الحبل الذي فيه لونان، وكلّ شي ء اجتمع فيه سواد وبياض فهو أبرق، «تيس أبرق» و«عنز برقاء».(1)وقيل: «الشّقّة» هي التي تسمّى ب «السبيبة»، والصحيح أنّها هنا ما من شأنه أن يشدّ مكان المنطقة، وكلّ ثوب قسم طولاً، فكلّ نصف منه «شقّة» بالضمّ والكسر.

.


1- .الصحاح، ج 4، ص 1449 (برق).

ص: 255

في بعض النسخ: «غير ساعتي» مكان (قبل ساعتي)و«الاستذفار» هنا: شدّ الوسط بالمنطقة ونحوها. و«العضباء»: الناقة المشقوقة الأذن، (والقصواء) بالقاف والمهملة: المقطوع طرف اُذنها. قالوا: وليس ناقتاه صلى اللَّه عليه وآله كذلك، ولكن لقّبتا بذلك.(الجناح) قيل: كسحاب، سمّي به مبالغة. وقرأ برهان الفضلاء بالتشديد، أي ذا الجناح، بمعنى الناحية؛ لعَدْوِه في النواحي والجوانب، أي من جانب إلى آخر.و«الفرس» يُذكّر ويُؤنّث، ولا يقال للاُنثى «فرسة».(وحيزوم) كجيحون: اسم فرس جبرئيل عليه السلام أيضاً. قال ابن الأثير في نهايته:«أقدم حيزوم» هو أمر بالإقدام، وهو التقدّم في الحرب، و«الإقدام»: الشجاعة، وقد تكسر همزة «أقدم» ويكون أمراً بالتقدّم لا غير، والصحيح الفتح.(1)و«حيزوم» في الأصل: الفرس المشدود حزامه على وسطه تهيئةً للجهاد.(عفير) اسم حماره صلى اللَّه عليه وآله بالفاء بعد المهملة كزبير.(ساعة قُبض) على ما لم يسمّ فاعله ومضاف إليه ل «ساعة» ظرف زمان، منصوب على الظرفيّة، مضاف إلى الجملة؛ قاله برهان الفضلاء. وللتركّب وجه آخر، بل وجهان آخران.و«الخطام» بالمعجمة قبل المهملة، ككتاب: الزمام.و(خطمة) بفتح المعجمة وسكون المهملة: بطن من الأنصار. و«قباء» بالضمّ ويذكّر ويقصر: موضع قرب المدينة المنوّرة؛ قاله في القاموس.(2)والظاهر أنّ (وروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام) كلام صاحب الكافي.وقال برهان الفضلاء: «وروى» كلام أبان بن عثمان المذكور في سند الحديث السابق. وبهذا أحاديث الباب عشرة.

.


1- .النهاية، ج 4، ص 26 (قدم).
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 376 (قبا).

ص: 256

الباب التاسع والثلاثون: باب أنّ مثل سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مثل التابوت في...

الباب التاسع والثلاثون : بَابُ أَنَّ مَثَلَ سِلَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل 108.امام على عليه السلام :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ (1) ، عَنْ سَعِيدٍ السَّمَّانِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيُّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلى بَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ ، فَمَنْ صَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ» .هديّة:(السلاح) ككتاب، و«السلح» كعنب، و«السلحان» بالضمّ: آلة الحرب أو حديدتها ويؤنّث، والسيف، والقوس بلا وتر، والعصا. و«تسلّح» لبسه؛ قاله في القاموس.(2)(أيّ أهل بيت) أي من بني إسرائيل.

الحديث الثاني روى في الكافي عَن الثَّلاثَةِ(3)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السُّكَيْنِ ، عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 229 (سلح).
3- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 257

يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَيْثُمَا دَارَ التَّابُوتُ دَارَ الْمُلْكَ ، فَأَيْنَمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا دَارَ الْعِلْمُ».

هديّة:(الملك) بالضمّ هنا: النبوّة. و(العلم): الإمامة.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام (1) : إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا مَثَلُ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَيْثُمَا دَارَ التَّابُوتُ أُوتُوا النُّبُوَّةَ ، وَ حَيْثُمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا فَثَمَّ الْأَمْرُ». قُلْتُ : فَيَكُونُ السِّلَاحُ مُزَايِلاً لِلْعِلْمِ ؟ قَالَ : «لَا» .

هديّة:يعني هل يوجد السلاح مع غير الإمام؟ وقيل: يعني هل يكتفى بالسلاح حيث لا علم؟ ولعلّ المآل واحد، والبيان الأوّل أولى؛ لبُعد السؤال على الثاني.

الحديث الرابع 115.على بن يقطين :روى في الكافي عَنْ العِدَّة، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ البَزَنْطي (2) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّمَا مَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أَيْنَمَا دَارَ التَّابُوتُ دَارَ الْمُلْكُ ، وَ أَيْنَمَا دَارَ السِّلَاحُ فِينَا دَارَ الْعِلْمُ» .هديّة:قد علم بيانه ببيان نظايره.

.


1- .في الكافي المطبوع: «كان أبو جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر».

ص: 258

الباب الأربعون: باب فيه ذكر الصحيفة و الجفر و الجامعة و...

الباب الأربعون : بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الصَّحِيفَةِ وَ الْجَفْرِ وَ الْجَامِعَةِ وَ مُصْحَفِ فَاطِمَةَ صلوات اللَّه عليهاوأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي ؟ قَالَ : فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام سِتْراً بَيْنَهُ وَ بَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ ، فَاطَّلَعَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ(2) ، سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ شِيعَتَكَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلَّمَ عَلِيّاً عليه السلام بَاباً يُفْتَحُ لَهُ مِنْهُ أَلْفُ بَابٍ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام أَلْفَ بَابٍ يُفْتَحُ مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ».قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَاللَّهِ الْعِلْمُ ، قَالَ : فَنَكَتَ سَاعَةً فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ مَا هُوَ بِذَاكَ».قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ ، وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَامِعَةُ ؟» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عبد اللَّه بن الحجّال، عن أحمد بن عمر الحلبي».
2- .في «د»: «يا با محمّد» بدون الهمزة، وكذا فيما بعد.

ص: 259

قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا الْجَامِعَةُ ؟ قَالَ : «صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ إِمْلَائِهِ مِنْ فَلْقِ فِيهِ وَ خَطِّ عَلِيٍّ عليه السلام بِيَمِينِهِ ، فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ ، وَ كُلُّ شَيْ ءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ (1)حَتَّى الْأَرْشُ فِي الْخَدْشِ» . وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «أ تَأْذَنُ (2) لِي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ؟» .قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّمَا أَنَا لَكَ ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ، قَالَ : فَغَمَزَنِي بِيَدِهِ ، وَ قَالَ : «حَتّى أَرْشُ هذَا» كَأَنَّهُ مُغْضَبٌ .قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ».ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ ، وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا الْجَفْرُ؟ » قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا الْجَفْرُ ؟ قَالَ : «وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَ الْوَصِيِّينَ ، وَ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» .قَالَ : قُلْتُ : إِنَّ هذَا هُوَ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ».ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «وَ إِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ مَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ؟» . قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ؟ قَالَ : «مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ».قَالَ : قُلْتُ : هذَا وَ اللَّهِ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ مَا هُوَ بِذَاكَ» .ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : «وإِنَ (3) عِنْدَنَا عِلْمَ مَا كَانَ ، وَ عِلْمَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا وَ اللَّهِ هُوَ الْعِلْمُ ، قَالَ : «إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَ لَيْسَ بِذَاكَ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَيُّ شَيْ ءٍ الْعِلْمُ ؟ قَالَ : «مَا يَحْدُثُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ ، الْأَمْرُ(4) بَعْدِ الْأَمْرِ ، وَ الشَّيْ ءُ بَعْدَ الشَّيْ ءِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «الناس إليه» بدل «إليه الناس».
2- .في الكافي المطبوع: «تأذن» بدون الهمزة.
3- .في الكافي المطبوع: «إنّ» بدون الواو.
4- .في الكافي المطبوع: + «من».

ص: 260

هديّة:الظاهر في أحاديث الباب أنّ «الصحيفة» و«الجامعة» شي ءٌ واحد، ولذا عنون صاحب بصائر الدرجات هذا الباب كصاحب الكافي على ما نقلناه (1).ومن وجوه حكمة سكوته عليه السلام مراراً في الأثناء العنايةُ بحفظ الراوي السائلِ وضبطه، وحكايةُ صنايع الإمام عليه السلام من النكت في الأرض ورفع الستر وغير ذلك إنّما هي بواسطة فائدة أو غيره.(ما هو بذاك) أي ليس علمنا منحصراً في هذا، أو ليس علمنا الأعظم هذا، أو معنى آخر. وقد مرّ بيانه مفصّلاً في بيان الرابع من الباب الثالث والثلاثين.و«التاء» في (الجامعة) للنقل وغلبة الإسميّة، أو للتأنيث باعتبار الصحيفة، أو للمبالغة.و«ما» في (ما يدريهم) للاستفهام الإنكاري.ولعلّ المراد ب (ذراع رسول) اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ذراعه المشهور بذراع النبيّ المقدّر بذراع نفسه صلى اللَّه عليه وآله من المرفق إلى رأس الإصبع الوسطى.(من فلق فيه) بكسر الفاء ويفتح وسكون اللام، أي شقّ فيه.(حتّى ارش هذا) قيل كناية عمّا يوجب وجعاً يسيراً بغمز وغيره. ولعلّ كونه عليه السلام شبه المغضب عند ذلك القول أو الفعل إنّما هو على الجاحدين علمهم عليهم السلام.أو المعنى: أنّ غمزه كان شبيهاً بغمز المغضب إيماءً إلى أنّ الغمز من غير غضب كما عند المطايبة - وإن كان موجعاً - لا أرش له. وقد مضى وجه الأفضليّة لأفضل علومهم عليهم السلام في باب أنّه يرث العلم بعضهم من بعض.(من أدم) إمّا بالتحريك: اسم جمع، أو بضمّتين: جمع أديم، والمراد عليهما جنس الأديم، لا التعدّد والكثرة؛ لما سيجي ء من قوله عليه السلام: «جلد ثور».(فيه علم النبيّين). قال برهان الفضلاء: المراد ب «النبيّين»: ذووا شريعة على حدة،

.


1- .الكافي، ج 1، ص 241.

ص: 261

وبعلمهم: كتبهم السماويّة، وبالوصيّين: أوصيائهم من النبيّين، وبالعلماء: النبيّون الذين لم يكونوا أوصياء، وبعلمهم: مثل المواعظ وكلمات الحكمة.(ثلاث مرّات) أي مماثلة ثلاث مرّات، ف «ثلاث» نصب وصفاً للمفعول المطلق المحذوف.(ما يحدث) على المعلوم من باب نصر، أي علم ما يحدث.و(الجفر): البئر الواسعة التي لا تنزف بالنزح.وسيذكر بيان مصحف فاطمة عليها السلام إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «تَظْهَرُ الزَّنَادِقَةُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ ، وَ ذلِكَ أَنِّي نَظَرْتُ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ عليها السلام» .قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ؟ قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا قَبَضَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله ، دَخَلَ عَلى فَاطِمَةَ عليها السلام مِنْ وَفَاتِهِ مِنَ الْحُزْنِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكاً يُسَلِّي عَنْهَا(2) وَ يُحَدِّثُهَا ، فَشَكَتْ ذلِكَ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهَا : إِذَا أَحْسَسْتِ بِذلِكَ وَ سَمِعْتِ الصَّوْتَ ، قُولِي لِي ، فَأَعْلَمَتْهُ بِذلِكَ ، فَجَعَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ حَتّى أَثْبَتَ مِنْ ذلِكَ مُصْحَفاً». قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ مِنَ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامِ ، وَ لكِنْ فِيهِ عِلْمُ مَا يَكُونُ».

هديّة:المراد ب (الزنادقة) هنا خلفاء بني العبّاس وأتباعهم، وكان ابن المقفّع - كما ذكر محمّد بن محمود السهروردي في كتاب تاريخ الحكماء(3) - أوّلَ من نقل كتب الفلاسفة

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن حمّاد بن عثمان».
2- .في الكافي المطبوع: «غمّها».
3- .لم نعثر على ذلك الكتاب للسهرودي، نعم ذكره القفطي في تاريخ الحكماء، ص 220.

ص: 262

للدوانيقي من اليونانيّة إلى العربيّة؛ ليصرف الناس عن أحاديث الأئمّة عليهم السلام إلى مقالات الزنادقة واُصولهم التي معادن لخرافات ضلالات متكثّرة، وخيالات جهالات متوافرة، منها وأعظمها طريقة الصوفيّة القدريّة. وزمان طغيان الحسن البصري وسفيان الثوري وأمثالهما من الصوفيّة مطابق لهذا التاريخ.(فشكت ذلك) قيل: لعلّها لرعبها عليها السلام عن صوت الملك أوّل الأمر، أو المعنى: فشكت حزنها وتسلية الملك عنها بالتصبير.وقرأ برهان الفضلاء: «فشكّت» بالتشديد، من الشكّ بالفتح بمعنى السّكّ بالمهملة المفتوحة، أي التسوية. قال: يعني لم تقل ذلك إلّا له عليه السلام، ثمّ قرأ: «يسلي» من الافعال و«غمّها» مكان «عنها».و«الإسلاء»: الإنساء، أسليته عن خاطره.وكان الملك هو جبرئيل عليه السلام بدليل مثل الخبر التالي لتالي التالي.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَبْيَضَ».قَالَ : قُلْتُ : وَأَيُ (2) شَيْ ءٍ فِيهِ ؟ قَالَ : «زَبُورُ دَاوُدَ ، وَ تَوْرَاةُ مُوسى ، وَ إِنْجِيلُ عِيسى ، وَ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ، وَ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ ، وَ مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ، مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً ، وَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْنَا وَ لَا نَحْتَاجُ إِلى أَحَدٍ ، حَتّى فِيهِ الْجَلْدَةُ وَ نِصْفُ الْجَلْدَةِ ، وَ رُبُعُ الْجَلْدَةِ ، وَ أَرْشُ الْخَدْشِ ؛ وَ عِنْدِي الْجَفْرَ الْأَحْمَرَ».قَالَ : قُلْتُ : وَ أَيُّ شَيْ ءٍ فِي الْجَفْرِ الْأَحْمَرِ ؟ قَالَ : «السِّلَاحُ ، وَ ذلِكَ إِنَّمَا يُفْتَحُ لِلدَّمِ ، يَفْتَحُهُ صَاحِبُ السَّيْفِ لِلْقَتْلِ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء».
2- .في الكافي المطبوع: «فأيّ».

ص: 263

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، أَ يَعْرِفُ (1) هذَا بَنُو الْحَسَنِ ؟ فَقَالَ : «إِي وَ اللَّهِ ، كَمَا يَعْرِفُونَ اللَّيْلَ أَنَّهُ لَيْلٌ ، وَ النَّهَارَ أَنَّهُ نَهَارٌ ، وَ لكِنَّهُمْ يَحْمِلُهُمُ الْحَسَدُ وَ طَلَبُ الدُّنْيَا عَلَى الْجُحُودِ وَ الْإِنْكَارِ ، وَ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ» .

هديّة:(الجفر الأبيض) وعاء من جلد الثور، كما في الحديث التالي للتالي، وقيل: من أديم الفرس شبه الصندوق، فلكونه وعاء للعلوم وُصِف بالأبيض، والعلاقة بياض النور.(أنّ فيه) أي في مصحف فاطمة عليها السلام.(وفيه) وكذا (حتّى فيه) أي في الجفر.(والحلال والحرام) عبارة عن الجامعة المعبّر عنها ب «كتاب عليّ عليه السلام»، فلا يرد قول من قال: كأنّ هنا سقط شي ء من القلم؛ لأنّ قوله: «وفيه ما يحتاج الناس إلينا» إلى قوله: «وعندي الجفر الأحمر» من صفات الجامعة، لا مصحف فاطمة عليها السلام، وقد مرّ بيانها.في بعض النسخ: «ما يحتاج الناس إليه» مكان «إلينا».(إنّما يفتح) ناظر إلى وجه الاستعارة.(بالحقّ) أي بالإقرار بفضلنا وحقّنا وافتراض طاعتنا على الجميع.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (2) ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ فِي الْجَفْرِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ لَمَا يَسُوؤُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ الْحَقَّ وَ الْحَقُّ فِيهِ ، فَلْيُخْرِجُوا قَضَايَا عَلِيٍّ وَ فَرَائِضَهُ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ، وَ سَلُوهُمْ عَنِ الْخَالَاتِ وَ الْعَمَّاتِ ، وَ لْيُخْرِجُوا مُصْحَفَ فَاطِمَةَ عليها السلام ؛ فَإِنَّ فِيهِ وَصِيَّةَ فَاطِمَةَ صلوات اللَّه عليها ، وَ مَعَهُ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ إِنَّ اللَّهَ - تَعَالى - يَقُولُ : «(فَأْتُواْ) بِكِتَبٍ مِّن قَبْلِ هَذَآ أَوْ أَثَرَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ»» .

.


1- .في حاشية «الف»: «فيعرف».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس».

ص: 264

هديّة:لعلّ التعريض لبني الحسن عليه السلام، كما قال برهان الفضلاء، قال: ولذا ذكر صاحب الكافي هذا الخبر بعد سابقه.(يذكرونه) أي بأنّه عندهم، (لما يسوؤهم) أي لتكذيبه إيّاهم بإظهار الحقّ؛ لأنّهم كاذبون وهو مكذّبهم بالحقّ.(وسلوهم عن الخالات والعمّات) أي عن علم الفرايض التي علمها كما نزل من دلائل الإمامة.وذكر الآية لعلّه نقل بالمعنى، وفي سورة الأحقاف: «ائتوني»(1) مكان «فأتوا».و«الإثارة» كالسحابة: البقيّة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحذّاء(2) ، قَالَ : سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ ، فَقَالَ : «هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً».قَالَ لَهُ : فَالْجَامِعَةُ ؟ قَالَ : «تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ ، وَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَ هِيَ فِيهَا حَتّى أَرْشُ الْخَدْشِ».قَالَ : فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام ؟ قَالَ : فَسَكَتَ طَوِيلاً ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَ عَمَّا لَا تُرِيدُونَ ، إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً ، وَ كَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلى أَبِيهَا ، وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَأْتِيهَا ، فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلى أَبِيهَا ، وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا ، وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ ، وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذلِكَ ، فَهذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام» .

.


1- .الأحقاف (46): 4.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة».

ص: 265

هديّة:(الأديم): الجلد.و(الفالج) بالجيم: الجمل الضخم ذو السنامين.(عمّا تريدون وعمّا لا تريدون) قيل: يعني عمّا نفعه عامّ وعمّا نفعه خاصّ ليس لكم. وقيل: يعني عمّا يصلح للحجّة لكم على الخصم وعمّا ليس كذلك. وقيل: بل كناية في مقام المدح عن بحث شيعتهم عليهم السلام عن حقيقة كلّ أمرٍ يسمعونه أو يبصرونه أو يخطر ببالهم. واحتمال كونه عتاباً، كما ترى.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكْرِ بْنِ كَرِبٍ الصَّيْرَفِيِ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عِنْدَنَا مَا لَا نَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى النَّاسِ ، وَ إِنَّ النَّاسَ لَيَحْتَاجُونَ إِلَيْنَا ، فَإِنَ (2)عِنْدَنَا كِتَاباً بإِمْلَاءِ(3) رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ خَطُّ عَلِيٍّ عليه السلام ، صَحِيفَةً فِيهَا كُلُّ حَلَالٍ وَ حَرَامٍ ، وَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَّا بِالْأَمْرِ ، فَنَعْرِفُ إِذَا أَخَذْتُمْ بِهِ ، وَ نَعْرِفُ إِذَا تَرَكْتُمُوهُ».

هديّة:في بعض النسخ: «إملاء» بدون الباء، فنصب أو رفع، أي هو إملاء.(صحيفة) نصب أو رفع.(لتأتونا) يقرأ بطريقين: بحذف نون الجمع والإدغام، وفي بعض النسخ: - كما ضبط برهان الفضلاء - «لتأتون» بدون علامة المتكلّم مع الغير، (بالأمر) أي بولايتنا، وقيل: أي بمسألة، ثمّ قيل: في بيان (نعرف) يعني بعدما نجيبكم فيه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن صالح بن سعيد، عن أحمد بن أبي بشر، عن بكر بن كرب الصيرفي».
2- .في الكافي المطبوع: «وإنّ».
3- .في الكافي المطبوع: «إملاء» بدون الباء.

ص: 266

الحديث السابع 129.امام على عليه السلام :روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَالعجلي وَ زُرَارَةَ(1) : أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ قَالَ (2) لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ الزَّيْدِيَّةَ وَ الْمُعْتَزِلَةَ قَدْ أَحَاطُوا(3)بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَهَلْ لَهُ سُلْطَانٌ؟ فَقَالَ : «وَ اللَّهِ ، إِنَّ عِنْدِي لَكِتَابَيْنِ فِيهِمَا تَسْمِيَةُ كُلِّ نَبِيٍّ وَ كُلِّ مَلِكٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ ؛ لَا وَ اللَّهِ ، مَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا» .هديّة:في بعض النسخ: «قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام».محمّد بن عبداللَّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب الملقّب ب «النفس الزكيّة» قد مضى حديث وصفه ودعواه، وأنّ زيد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام تلّمذ مدّةً قبل خروجه وشهادته عند واصل بن عطاء - رئيس المعتزلة - لكسب رتبة الاجتهاد بالرأي، زعماً أنّه من أسباب الإمامة، والزيديّة والمعتزلة متّفقتان في أنّ الحكم من الإمام إنّما هو بالاجتهاد، ومختلفان في اُمور كثيرة، منها القول بإمامة عليّ عليه السلام بلا واسطة وبها.وفي بعض النسخ المعتبرة: «قد أطافوا» مكان «قد أحاطوا».(لكتابين) قال برهان الفضلاء: لعلّهما جزء مصحف فاطمة عليها السلام. وقرأ «كلّ نبي ء» على فعيل بالهمز، بمعنى الطريق الواضح. قال: وهو هنا عبارة عن الإمام، فتنوين السلطان للتنكير يعمّ سلطنة الإمامة والرعيّة. ثمّ احتمل «كلّ نبيّ» بالتشديد، بحذف المضاف، أي كلّ وصيّ نبيّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن فضيل بن يسار و بريد بن معاوية وزرارة».
2- .في حاشية «الف»: + «قلت».
3- .في الكافي المطبوع: «أطافوا».

ص: 267

الحديث الثامن 133.امام حسين عليه السلام ( _ به ابن عباس ) روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1) ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ فُضَيْل (2)سُكَّرَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : فَقَالَ : «يَا فُضَيْلُ ، أَ تَدْرِي فِي أَيِّ شَيْ ءٍ كُنْتُ أَنْظُرُ قُبَيْلُ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «كُنْتُ أَنْظُرُ فِي كِتَابِ فَاطِمَةَ عليها السلام لَيْسَ مِنْ مَلِكٍ يَمْلِكُ (3) إِلَّا وَ هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِاسْمِهِ وَ اسْمِ أَبِيهِ ، وَ مَا وَجَدْتُ لِوُلْدِ الْحَسَنِ فِيهِ شَيْئاً» .هديّة:في بعض النسخ: «يملك الأرض». و(قبيل) مضموم القاف واللام هنا.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد».
2- .في الكافي المطبوع: + «بن».
3- .في الكافي المطبوع: + «الأرض».

ص: 268

الباب الحادي والأربعون: باب في شأن «إنّا أنزلناه في ليلة القدر» و تفسيرها

الباب الحادي والأربعون : بَابٌ فِي شَأْنِ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَ تَفْسِيرِهَاوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل 139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلٍ؛ وَ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ جَمِيعاً ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، قَالَ عليه السلام : «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: بَيْنَا أَبِي عليه السلام يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ إِذَا رَجُلٌ مُعْتَجِرٌ قَدْ قُيِّضَ لَهُ ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ أُسْبُوعَهُ حَتّى أَدْخَلَهُ إِلى دَارٍ جَنْبَ الصَّفَا ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَكُنَّا ثَلَاثَةً ، فَقَالَ : مَرْحَباً بِكَ (1) يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى رَأْسِي ، وَ قَالَ : بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ بَعْدَ آبَائِهِ .

يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، إِنْ شِئْتَ فَأَخْبِرْنِي ، وَ إِنْ شِئْتَ فَأَخْبَرْتُكَ ، وَ إِنْ شِئْتَ سَلْنِي ، وَ إِنْ شِئْتَ سَأَلْتُكَ ، وَ إِنْ شِئْتَ فَاصْدُقْنِي، وَإِنْ شِئْتَ صَدَقْتُكَ ، قَالَ: كُلَّ ذلِكَ أَشَاءُ.

قَالَ : فَإِيَّاكَ أَنْ يَنْطِقَ لِسَانُكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِي بِأَمْرٍ تُضْمِرُ لِي غَيْرَهُ ، قَالَ : إِنَّمَا يَفْعَلُ ذلِكَ مَنْ فِي قَلْبِهِ عِلْمَانِ يُخَالِفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ، فَإِنَ (2) اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَبى أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ فِيهِ اخْتِلَافٌ .

قَالَ : هذِهِ مَسْأَلَتِي وَ قَدْ فَسَّرْتَ طَرَفاً مِنْهَا ، أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْعِلْمِ - الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ - مَنْ يَعْلَمُهُ ؟

.


1- .في الكافي المطبوع: - «بك».
2- .في الكافي المطبوع: «وإِنَّ».

ص: 269

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) قَالَ : أَمَّا جُمْلَةُ الْعِلْمِ ، فَعِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ . وَ أَمَّا مَا لَا بُدَّ لِلْعِبَادِ مِنْهُ ، فَعِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ .

قَالَ : فَفَتَحَ الرَّجُلُ عَجِيرَتَهُ ، وَ اسْتَوى جَالِساً ، وَ تَهَلَّلَ وَجْهُهُ ، وَ قَالَ : هذِهِ أَرَدْتُ ، وَ لَهَا أَتَيْتُ ، زَعَمْتَ أَنَّ عِلْمَ مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ عِنْدَ الْأَوْصِيَاءِ ؛ فَكَيْفَ يَعْلَمُونَهُ ؟

قَالَ : كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَعْلَمُهُ ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَرى ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَبِيّاً وَ هُمْ مُحَدَّثُونَ ؛ وَ أَنَّهُ كَانَ يَفِدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالى ، فَيَسْمَعُ الْوَحْيَ ، وَ هُمْ لَا يَسْمَعُونَ .

فَقَالَ : صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، سَأَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً(1) صَعْبَةً : أَخْبِرْنِي عَنْ هذَا الْعِلْمِ ، مَا لَهُ لَا يَظْهَرُ كَمَا كَانَ يَظْهَرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟

قَالَ : فَضَحِكَ أَبِي عليه السلام ، وَ قَالَ : أَبَى اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَ عَلى عِلْمِهِ إِلَّا مُمْتَحَناً لِلْإِيمَانِ بِهِ ، كَمَا قَضى عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ يَصْبِرَ عَلى أَذى قَوْمِهِ ، وَ لَا يُجَادِلُهُمْ (2)إِلَّا بِأَمْرِهِ ، فَكَمْ مِنِ اكْتِتَامٍ قَدِ اكْتَتَمَ بِهِ حَتّى قِيلَ لَهُ : اصْدَعْ (3) بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَ ايْمُ اللَّهِ أَنْ لَوْ صَدَعَ قَبْلَ ذلِكَ لَكَانَ آمِناً ، وَ لكِنَّهُ إِنَّمَا نَظَرَ فِي الطَّاعَةِ وَ خَافَ الْخِلَافَ ، فَلِذلِكَ كَفَّ ، فَوَدِدْتُ أَنَّ عَيْنَكَ تَكُونُ مَعَ مَهْدِيِّ هذِهِ الْأُمَّةِ ، وَ الْمَلَائِكَةُ بِسُيُوفِ آلِ دَاوُدَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ تُعَذِّبُ أَرْوَاحَ الْكَفَرَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ ، وَ تُلْحِقُ بِهِمْ أَرْوَاحَ أَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ .

ثُمَّ أَخْرَجَ سَيْفاً ، ثُمَّ قَالَ : هَا ، إِنَّ هذَا مِنْهَا ، قَالَ : فَقَالَ أَبِي : إِي وَ الَّذِي اصْطَفى مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله عَلَى الْبَشَرِ .

قَالَ : فَرَدَّ الرَّجُلُ اعْتِجَارَهُ ، وَ قَالَ : أَنَا إِلْيَاسُ ، مَا سَأَلْتُكَ عَنْ أَمْرِكَ وَ بِي مِنْهُ جَهَالَةٌ ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ هذَا الْحَدِيثُ قُوَّةً لِأَصْحَابِكَ ، وَ سَأُخْبِرُكَ بِآيَةٍ أَنْتَ تَعْرِفُهَا ، إِنْ خَاصَمُوا بِهَا فَلَجُوا .

قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبِي : إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِهَا ، قَالَ : قَدْ شِئْتُ ، قَالَ : إِنَّ شِيعَتَنَا إِنْ قَالُوا لِأَهْلِ الْخِلَافِ لَنَا : إِنَّ اللَّهَ - تَعَالى - يَقُولُ لِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» إِلى آخِرِهَا .


1- .في الكافي المطبوع: «سآتيك بمسألة» بدل «سأسألك مسألة».
2- .في حاشية «الف» و «د» والكافي المطبوع: «يجاهدهم».
3- .في الكافي المطبوع: «فاصدع».

ص: 270

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) فَهَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَعْلَمُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، أَوْ يَأْتِيهِ بِهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام فِي غَيْرِهَا ؟ فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ : لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : فَهَلْ كَانَ لِمَا عَلِمَ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُظْهِرَ ؟ فَيَقُولُونَ : لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : فَهَلْ كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالى - اخْتِلَافٌ ؟

فَإِنْ قَالُوا : لَا ، فَقُلْ لَهُمْ : فَمَنْ حَكَمَ بِحُكْمِ اللَّهِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، فَهَلْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ - فَإِنْ قَالُوا : لَا ، فَقَدْ نَقَضُوا أَوَّلَ كَلَامِهِمْ - فَقُلْ لَهُمْ : «مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» .

فَإِنْ قَالُوا : مَنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ؟ فَقُلْ : مَنْ لَا يَخْتَلِفُ فِي عِلْمِهِ .

فَإِنْ قَالُوا : فَمَنْ هُوَ ذَاكَ ؟ فَقُلْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَاحِبَ ذلِكَ ، فَهَلْ بَلَّغَ أَوْ لَا ؟ فَإِنْ قَالُوا : قَدْ بَلَّغَ ، فَقُلْ : فَهَلْ مَاتَ صلى اللَّه عليه وآله وَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ يَعْلَمُ عِلْماً لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ؟ فَإِنْ قَالُوا : لَا ، فَقُلْ : إِنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مُؤَيَّدٌ ، وَ لَا يَسْتَخْلِفُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا مَنْ يَحْكُمُ بِحُكْمِهِ ، وَ إِلَّا مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُ إِلَّا النُّبُوَّةَ ، وَ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي عِلْمِهِ أَحَداً ، فَقَدْ ضَيَّعَ مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِمَّنْ يَكُونُ بَعْدَهُ .

فَإِنْ قَالُوا لَكَ : فَإِنَّ عِلْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَقُلْ : «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» إِلى قَوْلِهِ : «إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» .

فَإِنْ قَالُوا لَكَ : لَا يُرْسِلُ اللَّهُ - تَعَالى - إِلَّا إِلى نَبِيٍّ ، فَقُلْ : هذَا الْأَمْرُ الْحَكِيمُ - الَّذِي يُفْرَقُ فِيهِ - هُوَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ ، أَوْ مِنْ سَمَاءٍ إِلى أَرْضٍ ؟

فَإِنْ قَالُوا : مِنْ سَمَاءٍ إِلى سَمَاءٍ ، فَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ أَحَدٌ يَرْجِعُ مِنْ طَاعَةٍ إِلى مَعْصِيَةٍ ، فَإِنْ قَالُوا : مِنْ سَمَاءٍ إِلى أَرْضٍ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ أَحْوَجُ الْخَلْقِ إِلى ذلِكَ، فَقُلْ : فَهَلْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ سَيِّدٍ فَيَتَحَاكَمُونَ (1) إِلَيْهِ ؟ فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ هُوَ حَكَمُهُمْ ، فَقُلْ : «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» إِلى قَوْلِهِ «خالِدُونَ» لَعَمْرِي ، مَا فِي الْأَرْضِ وَ لَا فِي السَّمَاءِ وَلِيٌّ لِلَّهِ - تَعَالى - إِلَّا وَ هُوَ مُؤَيَّدٌ ، وَ مَنْ أُيِّدَ لَمْ يُخْطِ ؛ وَ مَا فِي الْأَرْضِ عَدُوٌّ لِلَّهِ .


1- .في الكافي المطبوع: «يتحاكمون» بدون الفاء.

ص: 271

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) - تَعَالى - إِلَّا وَ هُوَ مَخْذُولٌ ، وَ مَنْ خُذِلَ لَمْ يُصِبْ ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ لَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيلِهِ مِنَ السَّمَاءِ يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ ، كَذلِكَ لَا بُدَّ مِنْ وَالٍ .

فَإِنْ قَالُوا : لَا نَعْرِفُ هذَا ، فَقُلْ (1) : قُولُوا مَا أَحْبَبْتُمْ ، أَبَى اللَّهُ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ يَتْرُكَ الْعِبَادَ وَ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِمْ .

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : ثُمَّ وَقَفَ ، فَقَالَ : هَاهُنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ بَابٌ غَامِضٌ ، أَ رَأَيْتَ إِنْ قَالُوا : حُجَّةُ اللَّهِ الْقُرْآنُ ؟ قَالَ : إِذَنْ أَقُولَ لَهُمْ : إِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِنَاطِقٍ يَأْمُرُ وَ يَنْهى ، وَ لكِنْ لِلْقُرْآنِ أَهْلٌ يَأْمُرُونَ وَ يَنْهَوْنَ .

وَ أَقُولَ : قَدْ عَرَضَتْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْأَرْضِ مُصِيبَةٌ مَا هِيَ فِي السُّنَّةِ وَ الْحُكْمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، وَ لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ ، أَبَى اللَّهُ - لِعِلْمِهِ بِتِلْكَ الْفِتْنَةِ - أَنْ تَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ ، وَ لَيْسَ فِي حُكْمِهِ رَادٌّ لَهَا وَ مُفَرِّجٌ عَنْ أَهْلِهَا .

فَقَالَ : هَاهُنَا تَفْلُجُونَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالى - قَدْ عَلِمَ بِمَا يُصِيبُ الْخَلْقَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ، أَوْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الدِّينِ أَوْ غَيْرِهِ ، فَوَضَعَ الْقُرْآنَ دَلِيلاً .

قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : هَلْ تَدْرِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، دَلِيلُهُ مَا هُوَ ؟

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : نَعَمْ ، فِيهِ جُمَلُ الْحُدُودِ ، وَ تَفْسِيرُهَا عِنْدَ الْحَكَمِ ، فَقَالَ : أَبَى اللَّهُ أَنْ يُصِيبَ عَبْداً بِمُصِيبَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ في (2) مَالِهِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ مَنْ حُكْمُهُ قَاضٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمُصِيبَةِ .

قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : أَمَّا فِي هذَا الْبَابِ ، فَقَدْ فَلَجْتَهُمْ بِحُجَّةٍ إِلَّا أَنْ يَفْتَرِيَ خَصْمُكُمْ عَلَى اللَّهِ ، فَيَقُولَ : لَيْسَ لِلَّهِ - تَعَالى - حُجَّةٌ .

وَلكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِ «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ» : مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام «وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» قَالَ : فِي أَبِي فُلَانٍ وَ أَصْحَابِهِ ، وَاحِدَةٌ مُقَدِّمَةٌ ، وَ وَاحِدَةٌ مُؤَخِّرَةٌ «لا(3) .


1- .في الكافي المطبوع: + «لهم».
2- .في الكافي المطبوع: - «في».
3- .في الكافي المطبوع: «لكيلا».

ص: 272

139.الإمام الرضا عليه السلام ( _ لِعَبدِالعَظيمِ الحَسَنِيِّ ) تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ» مِمَّا خُصَّ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام «وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ» مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَكُمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .

فَقَالَ الرَّجُلُ : أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أَصْحَابُ الْحُكْمِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ وَ ذَهَبَ (1) ، فَلَمْ أَرَهُ».هديّة:أحاديث هذا الباب - كما في الكافي - كلّها مسندة بسند واحد متّصل إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام.و«المعجر» كمنبر: ثوب تشدّه المرأة على رأسها، ومنه: «رجل معتجر»: ذو ثوب على رأسه لغرض الاختفاء، والمستور بالاعتجار من الوجه والرأس وغير ذلك يسمّى ب «العجيرة» على فعيلة.(قيّض له) على المجهول من التفعيل، أي جي ء به لأجل أبي عليه السلام من حيث لا يحتسب، «قيّض اللَّه فلاناً لفلان»: جاء به وأتاحه له، أي قدّره سبباً لغرض، ومنه قوله تعالى: «وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ»(2).(اُسبوعه): طوافه، و«الاُسبوع»: كلّ شي ء يكون عدده سبعة كالطواف والسعي والأيّام من السبت إلى الجمعة.(يا أبا جعفر) في تقدير: «ثمّ التفت إلى أبي عليه السلام، فقال: يا أبا جعفر».في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «مرحباً بابن رسول اللَّه».(تضمر لي غيره) عبارة عن الفتوى بالرّأي والقياس، فإنّ في ضمير مثل المفتى كذا أنّه إن ظهر خطأه في فتياه أفتى بنقيض ما أفتى به.(هذه مسألتي) يعني كان في قصدي أن أسألك عن الفتوى بالرأي والقياس.

.


1- .في «الف»: «فذهب».
2- .فصّلت (41): 25.

ص: 273

قال برهان الفضلاء:والفتوى بالظنّ أيضاً كالفتوى بالرأي والقياس، بحجّة قوله: «وأنّ اللَّه تعالى أبى أن يكون له علم فيه اختلاف».ثمّ قال:وقولهم: ظنّية الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم - بمعنى أنّ المفتي بظنّه لا يحكم إلّا من علمٍ حاصلٍ له بالظنّ، فالمظنون هو الطريق، والحكم هو المقطوع به - حيلة يغرّون بها أنفسهم.أقول: نعم عند التمكّن من خدمة الإمام عليه السلام، وأمّا في زمن الغيبة وعدم التمكّن من الوصول أو السؤال، فنصوص الرخصة في العمل بحكم الفقيه الممتاز بالفضل والثقة من العصابة في العصابة كثيرةٌ مستفيضة، ستذكر طائفة منها في كتاب القضاء إن شاء اللَّه تعالى، ومنها: قول الصادق عليه السلام في السؤال عن اختلاف العدلين في الحكم: «ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه، ولا يلتفت إلى الآخر».(1)(جملة العلم) يعني كلّه.(تهلّل وجهه): تلألأ سروراً.(وهم محدّثون) على اسم المفعول من التفعيل، أي يحدّثهم الملك وهم لا يرونه.(يفد) من الوفود، وهو الإتيان إلى باب السلطان.(سأسألك مسألة صعبة). في بعض النسخ: «سآتيك بمسألة صعبة».(ما له لا يظهر) أي لا يغلب على الأعداء بالجهاد، كما كان يغلب به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عليهم ومعه الملائكة مسوّمين.(أن يطلع) من الإفعال، والمراد توفيق التصديق بأنّه خاصّ بالإمام.(اصدع بما تؤمر) أي اظهر واحكم بالحقّ جهاراً.(عينك). في بعض النسخ: «أعينك» بصيغة الجمع.

.


1- .الفقيه، ج 3، ص 8، ح 3232؛ التهذيب، ج 6، ص 301، ح 50؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 113، ح 33353.

ص: 274

(بسيوف آل داود) أي بسيوفٍ كسيوفهم في مقاتلة جالوت، أو بها بعينها.(قال) يعني أبا عبداللَّه عليه السلام. (فقال أبي عليه السلام) يعني قال بعد هذا الكلام تأكيداً له.(فلجوا): ظفروا وفازوا بالغلبة على الخصم.(يعلم) من العلم، أي يتعلّم بالوحي والتحديث؛ ليصير ذلك التعلّم الخاصّ سبباً لامتياز تلك الليلة من سائر الليالي.وجملة (أو يأتيه) عبارة عن السؤال عن تحقّق عدم امتيازها.(فإنّهم سيقولون: لا)، نفياً لتحقّق عدم الامتياز كما لتحقّق عدم التعلّم بالتحديث؛ لأنّ الوحي كان دائماً بالاتّفاق، وكذا التحديث في ليالي القدر للامتياز المجمع عليه.(بدّ من أن يظهر) كيمنع، (فيقولون: لا) أي ليس بدّ من أن يظهر في تلك السنة كما في سنة حجّة الوداع.(فقد نقضوا أوّل كلامهم) وهو اعترافهم بأن ليس اختلاف فيما أظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.إلى هنا تمام البرهان، (فقل لهم: ما يعلم تأويله) إلى قوله: (ممّن يكون بعده) برهانٌ آخر، والمفهوم من تقريره عدم وقفه عليه السلام على كلمة الجلالة بعطف «والراسخون» عليها، والغرض يحصل بالوقف أيضاً؛ إذ المتمسّك رسوخ العلم، يعني عدم اختلافه أبداً.(فهل مات) يعني فهل استخلف ومات، أو لا؟ فعلى الأوّل خليفته أعلم الناس مثله قطعاً بالتأييد من اللَّه البتّة، وعلى الثاني فقد ضيّع من في أصلاب الرجال إلى يوم القيامة.(فإن قالوا لك فإنّ علم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) إلى قوله: (من سيّد فيتحاكمون إليه) برهانٌ آخر للاضطرار إلى المعصوم. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «من سيّد يتحاكمون إليه» بلا فاء.والواسطة المطويّة قوله تعالى في سورةالدخان: «إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ

.

ص: 275

حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا»(1).(والروح التي تنزل) عطفٌ على (الملائكة) والمستتر في «تنزل» للجميع كما في القرآن، ف «من سماء إلى سماء» متعلّق على محذوف بدلالة السياق، يعني فهل تنزل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟(فإن قالوا: فإنّ الخليفة) إلى قوله: (لم يصب) برهانٌ آخر. والمراد ب «الخليفة» هنا خليفة زمانه عليه السلام من بني اُميّة، أو كلّ من كان خليفة من عند الناس في زمان.والواسطة المطويّة قوله تعالى في سورة البقرة: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(2).(كما أنّ الأمر) برهانٌ آخر عقليّ خامس البراهين.(ثمّ وقف) يعني الباقر عليه السلام. (فقال: هاهنا) يعني الياس عليه السلام والمشار إليه ل «هاهنا» برهانٌ آخر عقليّ.(قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الحديد: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ»(3) فإنّ جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة في القرآن، فعلمه الذين يستنبطون بإذنه تعالى أحوال كلّ سنة من القرآن بالتحديث في ليالي القدر.(دليل ما هو) أي دليل أيّ شي ءٍ هو.والمراد ب (أبي فلان) أبو بكر، فلعلّ التعبير للصادق عليه السلام عند نقل الحديث، فالقائل الباقر عليه السلام.(مقدّمة) أي آية أو فقرة أو قضيّة.

.


1- .الدخان (44): 3 - 5.
2- .البقرة (2): 257.
3- .الحديد (57): 23.

ص: 276

وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي (1):تقرير هذه الحجّة على ما يطابق عبارة الحديث مع مقدّماتها المطويّة أن يُقال: قال اللَّه تعالى: «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ»(2) على فعل المستقبل الدالّ على التجدّد في الاستقبال، فالمعنى إنّا أنزلنا القرآن في ليلة القدر التي تنزّل الملائكة و الروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر ببيان وتأويلٍ، سنةً فسنةً، فيقال: هل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله طريق إلى العلم الذي يحتاج إليه الاُمّة سوى ما يأتيه من السماء من عند اللَّه تعالى في ليلة القدر أو في غيرها أم لا؟ والأوّل باطل؛ لإجماع الاُمّة على أنّ علمه ليس إلّا من عند اللَّه تعالى؛ لقوله تعالى: «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى»(3)، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: هل يجوز أن لا يظهر هذا العلم الذي يحتاج إليه الاُمّة، أم لابدّ من ظهوره لهم؟ والأوّل باطل؛ لأنّه إنّما يرسل ويوحى إليه ليبلّغ إليهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: هل في ذلك العلم النازل من السماء اختلاف، أم لا؟ والأوّل باطل؛ لأنّه إنّما هو من عند اللَّه سبحانه، قال اللَّه تعالى: «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»(4)، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالذي يجتهد في الحكم الشرعي بالقياس والرأي، ثمّ رجع عن رأيه زعماً منه أنّه قد أخطأ فيه، [أقول: وكالذي يحكم شرعاً بكفر مثل الرومي والبسطامي والعطّار والشبستري من القدريّة، ثمّ يقول: هو كافر قطعاً لكن

.


1- .إنّ نسبة هذا الكلام إلى صدرا الشيرازي سهو منه؛ فإنّا لم نعثر عليه في مظانّه من كتبه، مضافاً إلى أنّه لم يوفّق لشرح هذه الأبواب من الكافي أصلاً. والعبارة من هنا إلى انتهاء شرح هذا الحديث منقولة بالمضمون عن الوافي، ج 2، ص 38 - 44.
2- .القدر (97): 4.
3- .النجم (53): 4.
4- .النساء (4): 82 .

ص: 277

شرعاً، لا طريقة ولا حقيقة.(1) هل وافق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في حكمه وقوله ذلك، أم خالفه؟ والأوّل باطل؛ لعدم الاختلاف في حكم اللَّه أصلاً، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فمن لم يكن في حكمه اختلاف، فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة اللَّه - بواسطة أو بغير واسطة - [أقول: كالمكاشفة التي يدّعي القدريّة - لعنهم اللَّه - حصولها بالرياضة لا غير.(2) ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه - وهو سبب الاختلاف - أم لا؟ والأوّل باطل، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فهل يعلم تأويل المتشابه غير اللَّه والرّاسخين في العلم، الذين ليس في علمهم اختلاف؛ لأنّه من عند اللَّه تعالى أم لا؟ والأوّل باطل؛ لقوله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ»3، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فرسول اللَّه الذي من الراسخين في العلم هل ذهب وذهب بعلمه ولم يبلّغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته من بعده، أم بلّغه؟ والأوّل باطل؛ لما فيه من تضييعه من في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده، فثبت الثاني.ثمّ يُقال: فهل خليفته من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطأ و الاختلاف في العلم، أم هو مؤيّد في الحكم من عند اللَّه تعالى، يحكم بحكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بأن يأتيه الملك ويحدّثه من غير وحي ورؤية، وهو مثله إلّا في النبوّة؟ والأوّل باطل؛ لعدم إغنائه حينئذٍ؛ لأنّ من يجوز عليه الخطأ لا يؤمن عليه الاختلاف ويلزم التضييع، فثبت الثاني.فلابدّ من خليفة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله راسخ في العلم، عالم بتأويل المتشابه، مؤيَّد من عند اللَّه، لا يجوز عليه الخطأ والاختلاف في العلم والحكم، يكون حجّة اللَّه على عباده، وهكذا ما دامت الدنيا؛ وهو المطلوب.(فإن قالوا: لك) إيراد على هذه الحجّة بأنّ علم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعلّه من القرآن حسب،

.


1- .]ما بين المعقوفتين استطردادٌ من المصنّف بين الكلام.
2- .آل عمران (3): 7.

ص: 278

ليس ممّا يتجدّد في ليلة القدر.وجوابه: أنّ اللَّه تعالى يقول في سورة الدخان: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ»(1)؛ فهذه الآية نصّ في تجدّد الفرق والإرسال في تلك الليلة المباركة بإنزال الملائكة والروح فيها من السماء إلى الأرض دائماً، فلابدّ من وجود مؤيّد من عند اللَّه يرسل إليه الأمر دائماً.(فإن قالوا: لك) إيراد آخر بأنّه يلزم ممّا ذكرتم إرسال الملائكة إلى غيرالنبيّ عليه السلام؟وجوابه: المعارضة بمدلول الآية الذي لا مردَّ له، ولا استبعاد من أن يكون للنبيّ عليه السلام خليفة يقرب مرتبته من مرتبته في التأييد وتحديث الملك وإن لم يكن نبيّاً يوحى إليه ويرى الملك. وقد روى المخالفون أيضاً عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «إنّ في اُمّتي محدّثين»(2) يعني يحدّثهم الملك ويسدّدهم.(فإن قالوا: فإنّ الخليفة هو حَكَمُهم) - بفتح الكاف - يعني هو السيّد المتحاكم إليه، فقل: إذا لم يكن مؤيّداً محفوظاً من الخطأ، فكيف يخرج اللَّه به عباده من الظلمات إلى النور، قال اللَّه تعالى: «اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ».(3)(ثمّ وقف) يعني أبا جعفر عليه السلام، (فقال) يعني الرجل.(مصيبة) يعني قضيّة معضلة، ومسألة غامضة، وبليّة مشكلة.(ما هي في السنّة) أي ليس حكمها في السنّة ولا في الحكم الموصوف ولا في القرآن.(أن تظهر) يعني أبى اللَّه أن تظهر تلك الفتنة في الأرض أو في أنفسهم. الأوّل للمال والجسد، والثاني للدِّين؛ قال اللَّه تعالى في سورة الحديد: «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى

.


1- .البقرة (2): 257.
2- .الدّخان (44): 4 و 5 .
3- .تمهيد الأوائل للباقلاني، ص 466؛ المستصفى للغزالي، ص 170؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج 14، ص 175؛ تاريخ الإسلام للذهبي، ج 36، ص 111.

ص: 279

الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»(1).(جمل الحدود): مجملاتها، (وتفسيرها عند الحكم) بالفتح، أي الحجّة.(ممّا خصّ به عليّ عليه السلام). قيل: هذا من كلام أبي جعفر عليه السلام يعني قال؛ ففي الكلام حذف.(أبي فلان) يعني الأوّل (وأصحابه): الثاني والثالث وسائر المنافقين.(واحدة مقدّمة) يعني تخصيص عليّ عليه السلام ممّا تقدّم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وفاتكم.(وواحدة مؤخّرة) أي فتنة خلافة الأوّل قد تأخّرت عن ذلك، ف «مقدّمة» يعني منصوصة و«مؤخّرة» يعني غير منصوصة.قيل: هذا الحديث يدلّ على أنّ القرآن اُنزل في ليلة القدر، مع ما ثبت أنّه اُنزل نجوماً في نحوٍ من عشرين سنة،(2) فقيل: إنّه اُنزل إلى السماء الدنيا جملةً في ليلة القدر، ثمّ إلى الأرض في تلك المدّة. وقيل: ابتداء نزوله كان في ليلة القدر. وقيل: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» يعني قرآن هذه السورة في شأن ليلة القدر إنّها خيرٌ من ألف شهر.وقال الأكثرون - كما يستفاد من هذا الحديث - : أنّ معنى إنزاله في ليلة القدر إنزال بيانه: بتفصيل مجمله، وتأويل متشابهه، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامّه؛ قال اللَّه تعالى في سورة الدخان: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ* فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أي محكم * أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ»(3)، وقال سبحانه في سورة البقرة: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»(4)؛ يعني هدىً وفرقاناً في كلّ سنة على التفصيل المذكور، وقال تعالى في سورة القيامة: «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ - أي حين أنزلناه نجوماً - * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ عليك حينئذٍ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ - أي جملته - * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا

.


1- .الحديد (57): 22 و 23.
2- .الوافي، ج 2، ص 41.
3- .الدّخان (44): 2 - 5 .
4- .البقرة (2): 185.

ص: 280

بَيَانَهُ»(1) أي في ليلة القدر بإنزال الملائكة عليك وعلى أهل بيتك من بعدك، ليُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ على التفصيل.وروى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن الصادق عليه السلام: «أنّ القرآن جملة الكتاب، والفرقان المحكم الواجب العمل به».(2) وقال في الفقيه: تكامل نزول القرآن في ليلة القدر.(3)وزيادة البيان في باب «متى نزل القرآن» إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثاني روى في الكافي وقال: وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «بَيْنَا أَبِي عليه السلام جَالِسٌ وَ عِنْدَهُ نَفَرٌ إِذَا اسْتَضْحَكَ حَتَّى اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ دُمُوعاً ، ثُمَّ قَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مَا أَضْحَكَنِي ؟ قَالَ : فَقَالُوا : لَا ، قَالَ : زَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مِنَ «الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ رَأَيْتَ الْمَلَائِكَةَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، تُخْبِرُكَ بِوَلَايَتِهَا لَكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْحُزْنِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» وَ قَدْ دَخَلَ فِي هذَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ ، فَاسْتَضْحَكْتُ .ثُمَّ قُلْتُ : صَدَقْتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ تَعَالى هَلْ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالى اخْتِلَافٌ ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا ، فَقُلْتُ : مَا تَرى فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلاً أَصَابِعَهُ بِالسَّيْفِ حَتّى سَقَطَتْ ، ثُمَّ ذَهَبَ وَ أَتى رَجُلٌ آخَرُ ، فَأَطَارَ كَفَّهُ ، فَأُتِيَ بِهِ إِلَيْكَ وَ أَنْتَ قَاضٍ ، كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ ؟قَالَ : أَقُولُ لِهذَا الْقَاطِعِ : أَعْطِهِ دِيَةَ كَفِّهِ ، وَ أَقُولُ لِهذَا الْمَقْطُوعِ : صَالِحْهُ عَلى مَا شِئْتَ ، وَ ابْعَثْ بِهِ إِلى ذَوَيْ عَدْلٍ .قُلْتُ : جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالى ، وَ نَقَضْتَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي

.


1- .القيامة (75): 17 - 19.
2- .معاني الأخبار، ص 189، باب معنى القرآن والفرقان، ح 1.
3- .الفقيه، ج 2، ص 99، ذيل ح 1843.

ص: 281

خَلْقِهِ شَيْئاً مِنَ الْحُدُودِ لَيْسَ تَفْسِيرُهُ فِي الْأَرْضِ ؛ اقْطَعْ قَاطِعَ الْكَفِّ أَصْلاً ، ثُمَّ أَعْطِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ ، هكَذَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالى لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا أَمْرُهُ ، إِنْ جَحَدْتَهَا بَعْدَ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَدْخَلَكَ اللَّهُ النَّارَ ، كَمَا أَعْمى بَصَرَكَ يَوْمَ جَحَدْتَهَا عَلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، قَالَ : فَلِذلِكَ عَمِيَ بَصَرِي ، قَالَ : وَ مَا عِلْمُكَ بِذلِكَ ؟ فَوَ اللَّهِ ، إِنْ عَمِيَ بَصَرُهُ إِلَّا مِنْ صَفْقَةِ جَنَاحِ الْمَلَكِ ، قَالَ : فَاسْتَضْحَكْتُ ، ثُمَّ تَرَكْتُهُ يَوْمَهُ ذلِكَ لِسَخَافَةِ عَقْلِهِ .ثُمَّ لَقِيتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، مَا تَكَلَّمْتَ بِصِدْقٍ مِثْلِ أَمْسِ ، قَالَ لَكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام : إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ ، وَ إِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ ، وَ إِنَّ لِذلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْتَ : مَنْ هُمْ ؟ فَقَالَ : أَنَا وَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ ، فَقُلْتَ : لَا أَرَاهَا كَانَتْ إِلَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَتَبَدّى لَكَ الْمَلَكُ الَّذِي يُحَدِّثُهُ ، فَقَالَ : كَذَبْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، رَأَتْ عَيْنَايَ الَّذِي حَدَّثَكَ بِهِ عَلِيٌّ - وَ لَمْ تَرَهُ عَيْنَاهُ ، وَ لكِنْ وَعى قَلْبُهُ ، وَ وُقِرَ فِي سَمْعِهِ - ثُمَّ صَفَقَكَ بِجَنَاحِهِ فَعَمِيتَ .قَالَ : فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا اخْتَلَفْنَا فِي شَيْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَهَلْ حَكَمَ اللَّهُ فِي حُكْمٍ مِنْ حُكْمِهِ بِأَمْرَيْنِ ؟ قَالَ : لَا ، فَقُلْتُ : هَاهُنَا هَلَكْتَ وَ أَهْلَكْتَ» .

هديّة:«ضحك» كعلم، وضحكت به ومنه بمعنىً، وتضاحك الرجل واستضحك بمعنىً، والاستضحاك للكثرة أيضاً كالاغريراق. (اغرورقت) افعيعال؛ من الغرق.«قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا» ممّا خصّت الشيعة به؛ في سورة فصّلت هكذا: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فِى الْأَخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ»(1)، أي وحّدوا اللَّه، ثمّ استقاموا على طاعة اللَّه ورسوله واُولي الأمر.كان وفاة ابن عبّاس في ثمان وستّين من الهجرة، وتولّد الباقر عليه السلام في سبع وخمسين،

.


1- .فصّلت (41): 30 و 31.

ص: 282

وإمامته عليه السلام بعد وفاة أبيه عليّ بن الحسين عليهما السلام وهو ابن ثمان وثلاثين، فمكالمته عليه السلام مع ابن عبّاس في سنّ الصِّبا قبل سلطنة الإمامة.آية «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» في سورة الأحزاب.(1)(فاستضحكت) أي لإقراره بعد إصراره على الإنكار.(أنشدك اللَّه) على المضارع المعلوم، من باب نصر؛ والنصب بنزع الخافض، أي باللَّه.(صدقت) تصديق لابن عبّاس بإقراره بأنّ هذه الآية تشمل غير الأئمّة عليهم السلام أيضاً وهو شيعتهم، وابن عبّاس ليس منهم؛ فشمول الآية لهم عليهم السلام حقيقةً، ولشيعتهم حكماً.(جاء الاختلاف في حكم اللَّه) لإمكان الحكم بطريق آخر كما ذكره عليه السلام.(ثمّ أعِطهِ دية الأصابع) أي المأخوذ من القاطع الأوّل، كما أفتى عليه الشيخ في نهايته (2) وتبعه عبد العزيز بن نحرير البرّاج من تلامذته (3). ومنع ابن إدريس من القصاص هنا؛ لعدم إمكان الوصول إليه إلّا بقطع الأصابع، وهي غير مستحقّة للقطع، فينتقل إلى الحكومة.(4)وتوقّف العلّامة في المختلف.(5)وقال برهان الفضلاء: وقيل يعني من بيت المال، وقيل: من مال المقتصّ منه، وقيل: من ماله إن كان له مال، وإلّا فمن بيت المال؛ واللَّه أعلم.(فقلت: لا أراها) أي بعد ذلك على المجهول، أي لا أعلمها.(فتبدّى) على الماضي المعلوم من التفعيل.«وَعاه»: حَفِظه.(هل رأيت الملائكة) ناظرٌ إلى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ

.


1- .هذا سهو، بل الآية في الحجرات (49): 10.
2- .النهاية، ج 1، ص 774.
3- .المهذّب، ج 2، ص 477؛ جواهر الفقه، ص 215.
4- .السرائر، ج 3، ص 404.
5- .مختلف الشيعة، ج 9، ص 408.

ص: 283

عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ» الآية، أي على أئمّتهم عليهم السلام لهم، صدّقه تهكّماً.(وأبعثُ به إلى ذوي عدل) أي اُرسِلُه إليهما لتقدير الحكومة.(جاء الاختلاف) قيل: لعدم إمكان الاتّفاق في مثله.(قال: فلذلك عمى بصري). قيل: تصديق وإقرار منه له عليه السلام، فمعنى قوله: (وما علمك بذلك؟) سؤالٌ عن سبب علمه عليه السلام بأنّ ذلك سبب عماه، كأنّه تعجّب من علمه بما هو بمنزلة الغيب. والأولى - لما لا يخفى - حمل الفقرتين كلتيهما على الاستفهام الإنكاري، وحمل (ما تكلّمت بصدقٍ مثل أمس) على ما حُمل عليه قوله عليه السلام: (صدقت يا ابن عبّاس).(فواللَّه) من كلام الصادق عليه السلام، معترض (1).(ولم تر عيناه) من تتمّة كلام المَلَك، والعائد في «عيناه» لعليّ عليه السلام، يعني لم تره عينا عليّ عليه السلام؛ لأنّه ليس بمَلَك ولا نبيّ؛ كذا قيل، لما يأتي في حديث التيمي والعَدَوِيّ في هذا الباب (2) من قوله: «ولما يرى قلب هذا» مكان عينه.(وقر في سمعه) أي ثبت فيه واستقرّ؛ من الوقرة بمعنى النقرة في الصخرة. وفي الحديث: «التعلّم في الصِّغر كالوقرة في الحجر».(3)و(ما اختلفنا في شي ء) ناظر إلى قوله تعالى في سورة الشورى: «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَىْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ»(4)، بأمرين يعني كحكمكم تارة(5) كذا بأمرٍ واُخرى بآخر.

الحديث الثالث روى في الكافي وقال: وَ بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَعَالى فِي لَيْلَةِ

.


1- .في «الف»: - «معترض».
2- .الحديث الخامس من هذا الباب.
3- .لم نجده بهذا اللفظ في الجوامع الروائية لكن نقله في النهاية، ج 5، ص 213؛ وتاج العروس، ج 7، ص 598 (وقر).
4- .الشورى (42): 10.
5- .في «د»: «مرّة».

ص: 284

الْقَدْرِ : «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» يَقُولُ : يَنْزِلُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . وَ الْمُحْكَمُ لَيْسَ بِشَيْئَيْنِ ، إِنَّمَا هُوَ شَيْ ءٌ وَاحِدٌ ، فَمَنْ حَكَمَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، فَحُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالى ؛ وَ مَنْ حَكَمَ بِأَمْرٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ ، فَرَأى أَنَّهُ مُصِيبٌ ، فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ ؛ إِنَّهُ لَيَنْزِلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلى وَلِيِّ الْأَمْرِ تَفْسِيرُ الْأُمُورِ سَنَةً سَنَةً ، يُؤْمَرُ فِيهَا فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بِكَذَا وَ كَذَا ، وَ فِي أَمْرِ النَّاسِ بِكَذَا وَ كَذَا ، وَ إِنَّهُ لَيَحْدُثُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ سِوى ذلِكَ كُلَّ يَوْمٍ عِلْمُ اللَّهِ الْخَاصُّ وَ الْمَكْنُونُ الْعَجِيبُ الْمَخْزُونُ مِثْلُ مَا يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الْأَمْرِ». ثُمَّ قَرَأَ : «وَ لَوْ أَنَّ ما فِى الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» .

هديّة:(يقول: ينزل) تفسير «يفرق» في آية سورة الدخان (1) ب «ينزل» لبيان أنّ المعنى: فيها يفرق جمع من الأحكام التي يحتاج إليها في السنة من مجموع الأحكام التي يحتاج إليها إلى يوم القيامة، فينزل ذلك المفصول عن الجملة إلى وليّ الأمر.(وأنّه ليحدث) يحتمل المعلوم من المجرّد، وخلافه من التفعيل.(لوليّ الأمر) نصٌّ في بطلان الكشف الذي تدّعيه الصوفيّة لكلّ مرتاض ولو كان كافراً، وكفى بهذه الآية من سورة لقمان (2) مبيّناً لمعنى قوله عليه السلام: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله».(3) وهل ما في قلب سلمان هو من عجائب العلوم - كما في قلب صاحب موسى - أو الكفر الذي يدّعيه القدريّ لعنه اللَّه.قال أمير المؤمنين عليه السلام: «اندمجت على مكنون علمٍ لو بُحتُ به لاضطربتم اضطراب الأرشِيَة في الطَّوِيّ البعيدة».(4) «باح»: ظهر، وسرّه بسرّه: أظهره.

.


1- .الدخان (44): 4.
2- .لقمان (31): 27.
3- .الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ضمن ح 2؛ وعنه في البحار، ج 22، ص 343، ح 53.
4- .نهج البلاغة، ص 52، ذيل الخطبة 5.

ص: 285

الحديث الرابع روى في الكافي وقال: وَ بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَقُولُ : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : لَا أَدْرِي .قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : وَ هَلْ تَدْرِي لِمَ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : لِأَنَّهَا تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِ ّ أَمْرٍ وَ إِذَا أَذِنَ اللَّهُ بِشَيْ ءٍ ، فَقَدْ رَضِيَهُ.«سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» يَقُولُ : يُسَلِّمُ (1) عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ، مَلَائِكَتِي وَ رُوحِي بِسَلَامِي مِنْ أَوَّلِ مَا يَهْبِطُونَ إِلى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ كِتَابِهِ : «وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً» فِي «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ، وَ قَالَ فِي بَعْضِ كِتَابِهِ «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِى اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» .يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْأُولى : إِنَّ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله حِينَ يَمُوتُ يَقُولُ أَهْلُ الْخِلَافِ لِأَمْرِ اللَّهِ : مَضَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؛ فَهذِهِ فِتْنَةٌ أَصَابَتْهُمْ خَاصَّةً ، وَ بِهَا ارْتَدُّوا عَلى أَعْقَابِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ قَالُوا : لَمْ تَذْهَبْ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ - تَعَالى - فِيهَا أَمْرٌ ، وَ إِذَا أَقَرُّوا بِالْأَمْرِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ صَاحِبٍ بُدٌّ» .

هديّة:البارز في «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» للقرآن، والمراد أوّله، والمراد ب «ما أَدْراكَ»: لا تدري.«خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يعني خيرٌ للمؤمنين بها من ألف شهر يملك فيها بنو اُميّة الأمر بعدك، ليس لهم فيها ليلة القدر لاختصاصها نفعاً بك وبأهل بيتك عليهم السلام، وإذا أذن اللَّه

.


1- .في الكافي المطبوع: «تسلّم» بالتاء.

ص: 286

بشي ء؛ أي بشي ء من الأمر الحقّ.وقرأ برهان الفضلاء: «أذن» من الإيذان، بمعنى الإعلام؛ لأنّ الإذن الذي من الخصال السبع ليس مطلقه مرضيّاً له تعالى؛ فتعريضٌ بأنّ أمارة أهل الضلال ليست بإعلامه سبحانه.(ثمّ قال في بعض كتابه) في سورة الأنفال: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً»(1) أي خلافاً لأمر اللَّه بإنكار ليلة القدر، فالمراد بالفتنة: ما به الفتنة، يعني ليلة القدر. لا تصيب تلك الفتنة، أي فائدة الإقرار بها «الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ» أي من هذه الاُمّة.(وقال في بعض كتابه) في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ» الآية.(2)

الحديث الخامس 145.الإمام العسكري عليه السلام :روى في الكافي وقال: وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام كَثِيراً مَا يَقُولُ : اجْتَمَعَ التَّيْمِيُّ وَ الْعَدَوِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ هُوَ يَقْرَأُ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» بِتَخَشُّعٍ وَ بُكَاءٍ، فَيَقُولَانِ : مَا أَشَدَّ رِقَّتَكَ لِهذِهِ السُّورَةِ! فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : لِمَا رَأَتْ عَيْنِي ، وَ وَعى قَلْبِي ، وَ لِمَا يَرى قَلْبُ هذَا مِنْ بَعْدِي .

فَيَقُولَانِ : وَ مَا الَّذِي رَأَيْتَ ؟ وَ مَا الَّذِي يَرى ؟

قَالَ : فَيَكْتُبُ لَهُمَا فِي التُّرَابِ : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ» قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ : هَلْ بَقِيَ شَيْ ءٌ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالى : «كُلِّ أَمْرٍ» ؟ فَيَقُولَانِ : لَا ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْلَمَانِ مَنِ الْمُنْزَلُ إِلَيْهِ بِذلِكَ ؟ فَيَقُولَانِ : أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَيَقُولُ : نَعَمْ .

فَيَقُولُ : هَلْ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مِنْ بَعْدِي ؟ فَيَقُولَانِ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : فَهَلْ يَنْزِلُ ذلِكَ الْأَمْرُ فِيهَا ؟ فَيَقُولَانِ : نَعَمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : إِلى مَنْ؟ فَيَقُولَانِ : لَا نَدْرِي ، فَيَأْخُذُ بِرَأْسِي وَ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تَدْرِيَا فَادْرِيَا ، هُوَ هذَا مِنْ بَعْدِي .

قَالَ : فَإِنْ كَانَا لَيَعْرِفَانِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ شِدَّةِ مَا يُدَاخِلُهُمَا مِنَ الرُّعْبِ» . .


1- .الأنفال (8): 25.
2- .آل عمران (3): 144.

ص: 287

هديّة:رئي في نسخةٍ على خلاف المضبوط في النسخ الجديدة والقديمة: «كثيراً يقول: ما اجتمع» بتقديم «يقول» على «ما»، وكان مكتوب على حاشيتها من غير متصفّح: كأنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً من النسّاخ، تقديره: «يقول كثيراً ما اجتمع» أو «كثيراً ما يقول اجتمع»، أو «ما» نافية بتقدير «إلّا» أو استفهام إنكار؛ فلا تلتفت أصلاً إلى أصلها، فضلاً عن توجيهاته التي كما ترى، ف «ما» للإبهام الدالّ على الكثرة بتجاوزها عن صدد العدّ.(ووعى قلبي) أي حفظ.(ولما يرى قلب هذا) يعني من الملائكة وتحديثهم إيّاه.(فيكتب لهما) يحتمل غير المعلوم، كما قرأ برهان الفضلاء، يعني فيكتب بقدرة اللَّه تعالى.(فإن كانا ليعرفان). قيل: «إن» مخفّفة من المثقّلة، وضمير الشأن محذوف بقرينة لام التأكيد، أي فإنّ الشأن أنّهما كانا كذا من الرعب في تلك الليلة.وقرأ برهان الفضلاء: «ليعرفان» على غير المعلوم، وهو أنسب بالشدّة.

الحديث السادس روى في الكافي وقال: وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ، خَاصِمُوا بِسُورَةِ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» تَفْلُجُوا ، فَوَ اللَّهِ ، إِنَّهَا لَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالى عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِنَّهَا لَسَيِّدَةُ دِينِكُمْ ، وَ إِنَّهَا لَغَايَةُ عِلْمِنَا .يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ، خَاصِمُوا بِ «حم * وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ» فَإِنَّهَا لِوُلَاةِ الْأَمْرِ خَاصَّةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى : «وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلّا خَلا فِيها نَذِيرٌ»» .قِيلَ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، نَذِيرُهَا مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ (1) : «صَدَقْتَ ، فَهَلْ كَانَ نَذِيرٌ - وَ هُوَ حَيٌّ - مِنَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «وقال».

ص: 288

الْبَعَثَةِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ ؟» فَقَالَ السَّائِلُ : لَا ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَ رَأَيْتَ بَعِيثَهُ ، أَ لَيْسَ نَذِيرَهُ ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي بِعْثَتِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالى نَذِيرٌ ؟» فَقَالَ : بَلى ، قَالَ : «فَكَذلِكَ لَمْ يَمُتْ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا وَ لَهُ بَعِيثٌ نَذِيرٌ».قَالَ : «فَإِنْ قُلْتُ : لَا ، فَقَدْ ضَيَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ مِنْ أُمَّتِهِ» . قَالَ : وَ مَا يَكْفِيهِمُ الْقُرْآنُ؟ قَالَ : «بَلى ، إِنْ وَجَدُوا لَهُ مُفَسِّراً». قَالَ : وَ مَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ قَالَ : «بَلى ، قَدْ فَسَّرَهُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَ فَسَّرَ لِلْأُمَّةِ شَأْنَ ذلِكَ الرَّجُلِ ، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام».قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، كَأَنَّ هذَا أَمْرٌ خَاصٌّ لَا يَحْتَمِلُهُ الْعَامَّةُ ؟ قَالَ : «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا سِرّاً حَتّى يَأْتِيَ إِبَّانُ أَجَلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ دِينُهُ ، كَمَا أَنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَعَ خَدِيجَةَ عليها السلام مُسْتَتِراً حَتّى أُمِرَ بِالْإِعْلَانِ».قَالَ السَّائِلُ : يَنْبَغِي لِصَاحِبِ هذَا الدِّينِ أَنْ يَكْتُمَ ؟ قَالَ : «أَ وَ مَا كَتَمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَوْمَ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى ظَهَرَ أَمْرُهُ ؟» قَالَ : بَلى ، قَالَ : «فَكَذلِكَ أَمْرُنَا حَتّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ».

هديّة:(لسيّدة دينكم) أي لسيّدة حجج دينكم.(لغاية علمنا) في بعض النسخ: «غاية ما علمنا».وقال برهان الفضلاء: «الغاية»: العلامة المرفوعة في العسكر كالراية، وقرأ: «علمنا» بالتحريك، يعني أنّها علامة عالية لديننا، فإنّ العلم يُقال لرأس الجبل أيضاً.و«المعشر» كمنصب: الجماعة، والجمع: المعاشر.(يقول اللَّه تعالى) في سورة الفاطر: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ»(1)استدلال آخر على بطلان إمامة أئمّة الضلالة؛ ليظهر أيضاً أنّ المراد مِن «المنذرين» في سورة الدخان (2)مَن هم.(فهل كان نذير). في بعض النسخ المعتبرة كما ضبط برهان الفضلاء: «فهل كان بدّ».

.


1- .فاطر (35): 24.
2- .الدخان (44): 3.

ص: 289

و«البعثة» بالفتح مصدر، وبالكسر للنوع؛ فعلى المضبوط في الأكثر معنى قوله: «من البعثة» أي من جهة بعثته صلى اللَّه عليه وآله أصحابه إلى أقطار الأرض؛ أو هي بفتحتين، جمع «بعيث» بمعنى المبعوث.(خاصّ) أي سماعه وقبوله بشيعتكم.(إبّان أجله) بكسر الهمزة وتشديد المفردة، أي وقت حلول أجله.

الحديث السابع روى في الكافي وقال: وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَوَّلَ مَا خَلَقَ الدُّنْيَا ؛ وَ لَقَدْ خَلَقَ فِيهَا أَوَّلَ نَبِيٍّ يَكُونُ ، وَ أَوَّلَ وَصِيٍّ يَكُونُ ؛ وَ لَقَدْ قَضى أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةٌ يَهْبِطُ فِيهَا بِتَفْسِيرِ الْأُمُورِ إِلى مِثْلِهَا مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ ؛ مَنْ جَحَدَ ذلِكَ ، فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالى عِلْمَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الرُّسُلُ وَ الْمُحَدَّثُونَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ (1) عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِمَا يَأْتِيهِمْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَعَ الْحُجَّةِ الَّتِي يَأْتِيهِمْ بِهَا جَبْرَئِيلُ عليه السلام».قُلْتُ : وَ الْمُحَدَّثُونَ أَيْضاً يَأْتِيهِمْ جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؟قَالَ : «أَمَّا الْأَنْبِيَاءُ وَ الرُّسُلُ فَلَا شَكَّ ، وَ لَا بُدَّ لِمَنْ سِوَاهُمْ - مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ خُلِقَتْ فِيهِ الْأَرْضُ إِلى آخِرِ فَنَاءِ الدُّنْيَا - أَنْ يَكُونَ عَلى أَهْلِ الْأَرْضِ حُجَّةٌ ، يَنْزِلُ ذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلى مَنْ أَحَبَّ مِنْ عِبَادِهِ .وَ ايْمُ اللَّهِ ، لَقَدْ نَزَلَ الرُّوحُ وَ الْمَلَائِكَةُ بِالْأَمْرِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلى آدَمَ ؛ وَ ايْمُ اللَّهِ ، مَا مَاتَ آدَمُ إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ ، وَ كُلُّ مَنْ بَعْدَ آدَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَدْ أَتَاهُ الْأَمْرُ فِيهَا ، وَ وَضَعَ لِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ .وَ ايْمُ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيُؤْمَرُ فِيمَا يَأْتِيهِ مِنَ الْأَمْرِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ آدَمَ إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله : أَنْ أَوْصِ إِلى فُلَانٍ ، وَ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله خَاصَّةً : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «تكون».

ص: 290

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» إِلى قَوْلِهِ : «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» يَقُولُ : أَسْتَخْلِفُكُمْ لِعِلْمِي وَ دِينِي وَ عِبَادَتِي بَعْدَ نَبِيِّكُمْ كَمَا اسْتَخْلَفَ وُصَاةَ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ حَتّى يَبْعَثَ النَّبِيَّ الَّذِي يَلِيهِ «يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً» يَقُولُ : يَعْبُدُونَنِي بِإِيمَانٍ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَمَنْ قَالَ غَيْرَ ذلِكَ «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ».فَقَدْ مَكَّنَ وُلَاةَ الْأَمْرِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِالْعِلْمِ ، وَ نَحْنُ هُمْ ؛ فَاسْأَلُونَا ، فَإِنْ صَدَقْنَاكُمْ فَأَقِرُّوا ، وَ مَا أَنْتُمْ بِفَاعِلِينَ ؛ أَمَّا عِلْمُنَا فَظَاهِرٌ ؛ وَ أَمَّا إِبَّانُ أَجَلِنَا - الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ الدِّينُ مِنَّا حَتّى لَا يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ اخْتِلَافٌ - فَإِنَّ لَهُ أَجَلاً مِنْ مَمَرِّ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ إِذَا أَتى ظَهَرَ ، وَ كَانَ الْأَمْرُ وَاحِداً .وَ ايْمُ اللَّهِ ، لَقَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ اخْتِلَافٌ ، وَ لِذلِكَ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ لِيَشْهَدَ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله عَلَيْنَا ، وَ لِنَشْهَدَ عَلى شِيعَتِنَا ، وَ لِتَشْهَدَ شِيعَتُنَا عَلَى النَّاسِ ، أَبَى اللَّهُ - تَعَالى - أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِهِ اخْتِلَافٌ ، أَوْ بَيْنَ أَهْلِ عِلْمِهِ تَنَاقُضٌ».ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «فَضْلُ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ بِجُمْلَةِ «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ» وَ بِتَفْسِيرِهَا عَلى مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْإِيمَانِ بِهَا كَفَضْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْبَهَائِمِ ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَيَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهَا عَنِ الْجَاحِدِينَ لَهَا فِي الدُّنْيَا - لِكَمَالِ عَذَابِ الْآخِرَةِ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتُوبُ مِنْهُمْ - مَا يَدْفَعُ بِالْمُجَاهِدِينَ عَنِ الْقَاعِدِينَ ، وَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي هذَا الزَّمَانِ جِهَاداً إِلَّا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ وَالْجِوَارَ» .قَالَ : وَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، لَا تَغْضَبْ عَلَيَّ ، قَالَ : «لِمَا ذَا ؟» قَالَ : لِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ ، قَالَ : «قُلْ». قَالَ : وَ لَا تَغْضَبُ ؟ قَالَ : «وَ لَا أَغْضَبُ» .قَالَ : أَ رَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ فِيهَا إِلَى الْأَوْصِيَاءِ : يَأْتُونَهُمْ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَدْ عَلِمَهُ ، أَوْ يَأْتُونَهُمْ بِأَمْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَعْلَمُهُ ، وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مَاتَ وَ لَيْسَ مِنْ عِلْمِهِ شَيْ ءٌ إِلَّا وَ عَلِيٌّ عليه السلام لَهُ وَاعٍ ؟قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَا لِي وَ لَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ ؟ وَ مَنْ أَدْخَلَكَ عَلَيَّ ؟» قَالَ : أَدْخَلَنِي عَلَيْكَ الْقَضَاءُ لِطَلَبِ الدِّينِ .قَالَ : «فَافْهَمْ مَا أَقُولُ لَكَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ ، لَمْ يَهْبِطْ حَتّى أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالى

.

ص: 291

عِلْمَ مَا قَدْ كَانَ وَ مَا سَيَكُونُ ، وَ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ عِلْمِهِ ذلِكَ جُمَلاً يَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَ كَذلِكَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَدْ عَلِمَ جُمَلَ الْعِلْمِ ، وَ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ كَمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ السَّائِلُ : أَ وَ مَا كَانَ فِي الْجُمَلِ تَفْسِيرٌ ؟قَالَ : «بَلى ، وَ لكِنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي بِالْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالى فِي لَيَالِي الْقَدْرِ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ إِلَى الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام : افْعَلْ كَذَا وَ كَذَا ، لِأَمْرٍ قَدْ كَانُوا عَلِمُوهُ ، أُمِرُوا كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ».قُلْتُ فَسِّرْ لِي هذَا . قَالَ : «لَمْ يَمُتْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا حَافِظاً لِجُمْلَةِ الْعِلْمِ وَ تَفْسِيرِهِ».قُلْتُ : فَالَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ عِلْمُ مَا هُوَ ؟قَالَ : «الْأَمْرُ وَ الْيُسْرُ فِيمَا كَانَ قَدْ عَلِمَ».قَالَ السَّائِلُ : فَمَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ(1) عِلْمٌ سِوى مَا عَلِمُوا ؟قَالَ : «هذَا مِمَّا أُمِرُوا بِكِتْمَانِهِ ، وَ لَا يَعْلَمُ تَفْسِيرَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالى».قَالَ السَّائِلُ : فَهَلْ يَعْلَمُ الْأَوْصِيَاءُ مَا لَا يَعْلَمُ الْأَنْبِيَاءُ ؟قَالَ : «لَا ، وَ كَيْفَ يَعْلَمُ وَصِيٌّ غَيْرَ عِلْمِ مَا أُوصِيَ إِلَيْهِ؟!» .قَالَ السَّائِلُ : فَهَلْ يَسَعُنَا أَنْ نَقُولَ : إِنَّ أَحَداً مِنَ الْوُصَاةِ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُ الْآخَرُ ؟قَالَ : «لَا ، لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ إِلَّا وَ عِلْمُهُ فِي جَوْفِ وَصِيِّهِ ، وَ إِنَّمَا تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالْحُكْمِ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ».قَالَ السَّائِلُ : وَ مَا كَانُوا عَلِمُوا ذلِكَ الْحُكْمَ ؟قَالَ : «بَلى ، قَدْ عَلِمُوهُ ، وَ لكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِمْضَاءَ شَيْ ءٍ مِنْهُ حَتّى يُؤْمَرُوا فِي لَيَالِي الْقَدْرِ كَيْفَ يَصْنَعُونَ إِلَى السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ».قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، لَا أَسْتَطِيعُ إِنْكَارَ هذَا ؟قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَنْ أَنْكَرَهُ فَلَيْسَ مِنَّا».

.


1- .في «د»: - «القدر».

ص: 292

قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، أَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله هَلْ كَانَ يَأْتِيهِ فِي لَيَالِي الْقَدْرِ شَيْ ءٌ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ ؟قَالَ : «لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ هذَا ، أَمَّا عِلْمُ مَا كَانَ وَ مَا سَيَكُونُ ، فَلَيْسَ يَمُوتُ نَبِيٌّ وَ لَا وَصِيٌّ إِلَّا وَ الْوَصِيُّ الَّذِي بَعْدَهُ يَعْلَمُهُ ، أَمَّا هذَا الْعِلْمُ الَّذِي تَسْأَلُ عَنْهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ أَبى أَنْ يُطْلِعَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ».قَالَ السَّائِلُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، كَيْفَ أَعْرِفُ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ ؟قَالَ : «إِذَا أَتى شَهْرُ رَمَضَانَ ، فَاقْرَأْ سُورَةَ الدُّخَانِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، فَإِذَا أَتَتْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِينَ ، فَإِنَّكَ نَاظِرٌ إِلى تَصْدِيقِ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ».قَالَ : وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَمَا(1) تَرَوْنَ مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالى بِالشَّقَاءِ(2) عَلى أَهْلِ الضَّلَالَةِ مِنْ أَجْنَادِ الشَّيَاطِينِ وَ أَرْوَاحِهِمْ (3) أَكْثَرُ مِمَّا تَرَوْنَ خَلِيفَةَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَهُ لِلْعَدْلِ وَ الصَّوَابِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ».قِيلَ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، وَ كَيْفَ يَكُونُ شَيْ ءٌ أَكْثَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ؟قَالَ : «كَمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالى».قَالَ السَّائِلُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، إِنِّي لَوْ حَدَّثْتُ بَعْضَ الشِّيعَةِ بِهذَا الْحَدِيثِ لَأَنْكَرُوهُ قَالَ : «كَيْفَ يُنْكِرُونَهُ ؟» قَالَ : يَقُولُونَ : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ أَكْثَرُ مِنَ الشَّيَاطِينِ .قَالَ : «صَدَقْتَ ، افْهَمْ عَنِّي مَا أَقُولُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَ لَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَ جَمِيعُ الْجِنِّ وَ الشَّيَاطِينِ يَزُورُ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ (4) ، وَ يَزُورُ إِمَامَ الْهُدى عَدَدُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، حَتّى إِذَا أَتَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَيَهْبِطُ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلى وَلِيِّ الْأَمْرِ ، خَلَقَ اللَّهُ تَعَالى - أَوْ قَالَ : قَيَّضَ اللَّهُ - مِنَ الشَّيَاطِينِ بِعَدَدِهِمْ ، ثُمَّ زَارُوا وَلِيَّ الضَّلَالَةِ ، فَأَتَوْهُ بِالْإِفْكَ وَ الْكَذِبِ حَتّى لَعَلَّهُ يُصْبِحُ

.


1- .في حاشية «الف»: «أما».
2- .في الكافي المطبوع: «للشقاء».
3- .في الكافي المطبوع: «أزواجهم».
4- .في الكافي المطبوع: «تزور أئمّة الضلالة» بدل «يزور أئمّة الضلال».

ص: 293

فَيَقُولُ : رَأَيْتُ كَذَا وَ كَذَا ، فَلَوْ سَأَلَ وَلِيَّ الْأَمْرِ عَنْ ذلِكَ ، لَقَالَ : رَأَيْتَ شَيْطَاناً أَخْبَرَكَ بِكَذَا وَ كَذَا حَتّى يُفَسِّرَ لَهُ تَفْسِيراً ، وَ يُعْلِمَهُ الضَّلَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا .وَ ايْمُ اللَّهِ ، إِنَّ مَنْ صَدَّقَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ لَيَعْلَمُ أَنَّهَا لَنَا خَاصَّةً ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِعَلِيٍّ عليه السلام حِينَ دَنَا مَوْتُهُ : هذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي ، فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ رَشَدْتُمْ ، وَ لكِنْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِمَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مُنْكِرٌ ، وَ مَنْ آمَنَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ - مِمَّنْ عَلى غَيْرِ رَأْيِنَا - فَإِنَّهُ لَا يَسَعُهُ فِي الصِّدْقِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ : إِنَّهَا لَنَا ، وَ مَنْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُنَزِّلَ الْأَمْرَ مَعَ الرُّوحِ وَ الْمَلَائِكَةِ إِلى كَافِرٍ فَاسِقٍ .فَإِنْ قَالَ : إِنَّهُ يُنَزِّلُ إِلَى الْخَلِيفَةِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا ، فَلَيْسَ قَوْلُهُمْ ذلِكَ بِشَيْ ءٍ .وَ إِنْ قَالُوا : إِنَّهُ لَيْسَ يُنَزِّلُ إِلى أَحَدٍ ، فَلَا يَكُونُ أَنْ يُنَزَّلَ شَيْ ءٌ إِلى غَيْرِ شَيْ ءٍ .وَ إِنْ قَالُوا(1) - سَيَقُولُونَ - : لَيْسَ هذَا بِشَيْ ءٍ ، فَقَدْ ضَلُّوا ضَلَالاً بَعِيداً» .

هديّة:المراد بأبي جعفر هو الجواد عليه السلام، وبقوله: (لقد خلق) في الموضعين «لقد قدّر»؛ لقوله: (ولقد قضى) فلا إشكال في خلق النبيّ والوصيّ في ليلةٍ واحدة.وقرأ برهان الفضلاء: «أوّل نبيّ تكوّن» على الماضي المعلوم من التفعّل، وجوّز المضارع المعلوم من المجرّد.(من جحد ذلك) يعني وجود عالم بتفسير الاُمور في الأرض عاقلاً عن اللَّه سبحانه.(إلّا أن يكون عليهم حجّة) أي لهم أو في أيديهم، فإنّ عامّة حروف الخفض قد يوضع بعضها موضع بعض.والمتكلّم ب «قلت» في الموضعين - على صيغة المتكلّم - : «الحسن بن العبّاس» المذكور في السند وهو الفاعل ل «قال» في مواضع على ما لا يخفى.(فلا شكّ) أي في إتيان جبرئيل عليه السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع: + «و».

ص: 294

وقيل: لم يتعرّض عليه السلام لجواب السائل بل أعرض عنه إلى غيره، تنبيهاً له على أنّ هذا السؤال غير مهمّ له، وإنّما المهمّ له التصديق بنزول الأمر على الأوصياء؛ ليكون حجّة لهم على أهل الأرض، وأمّا أنّ النازل بالأمر هو جبرئيل أو غيره، فليس العلم به بمهمّ له؛ أو لأنّه عليه السلام لم يرَ المصلحة في إظهار ذلك له؛ لكونه أجنبيّاً، أو لحضور أجنبيّ.ووجهه الثالث ليس بشي ء؛ لما لا يخفى.(ووضع). قد قرأ بالتنوين عوضاً عن المضاف إليه كالأمر. وقرأ برهان الفضلاء على الماضي المعلوم، أي قرّر ذلك الأمر لوصيّه، بمعنى بيّن جميعَه له إجمالاً، على ما فصّل الإمام عليه السلام في هذا الحديث.(وايم اللَّه، إن كان النبيّ) بكسر همزة «إن» وحذف ضمير الشأن، مخفّفة عن المثقّلة، أي أنّه كان كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام.والواسطة الغير المذكورة هنا قوله تعالى في سورة النور: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ»(1).(بإيمان) يحتمل التنوين والإضافة. (لا نبيّ بعد محمّد صلى اللَّه عليه وآله). قيل: يعني نفى الشرك عبارة عن أن لا يعتقدوا النبوّة في الخليفة الظاهر الغالب أمره.(ومن (2) قال غير ذلك) تفسير لقوله تعالى: «وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ».ليشهد محمّد صلى اللَّه عليه وآله، قال اللَّه تعالى في سورة الحجّ: «هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ».(3)(لكمال عذاب الآخرة) أي ليكمل عذاب الآخرة عليهم.(والجوار) بالكسر: المجاورة بالجار، يعني قضاء حقّ المجاورة والصبر على أذى

.


1- .النور (24): 55.
2- .ضبطه سابقاً: «فمن».
3- .الحج (22): 78.

ص: 295

الجار والعشيرة. وقال برهان الفضلاء: المراد ب «الجوار» هنا قرب الإمام للسؤال عن معالم الدِّين.(وقد علمت) يحتمل المتكلّم على البُعد. وقرأ برهان الفضلاء - سلّمه اللَّه تعالى - على الخطاب من التفعيل، أي وقد علّمت شيعتك.(أمروا كيف يعملون فيه). حاصل الجواب عدمُ لزوم تحصيل الحاصل.(قلت: فسّر لي) كلام حسن بن العبّاس، أي الذي قلت في جواب السائل.(الأمر واليسر) يعني سهولة الأمر بالتشخّص والتعيّن وتفصيل الإجمال.(فما يحدث)، نافية أو استفهام.(ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلّا اللَّه تعالى). قرأ برهان الفضلاء: على المعلوم من التفعيل، أي لستُ قادراً على تفهيم مثلك الغبي، بل اللَّه قادر على هذا حسب.(لا أستطيع إنكار هذا؟). قال برهان الفضلاء: على تقدير حرف الاستفهام. وهو كما ترى.(هل كان يأتيه في ليالي القدر) هذه هي المرتبة التاسعة لسؤاله ذلك.(أن يطلع) من باب الإفعال.(إلّا أنفسهم) أي خواصّهم، كما ورد في تفسير «وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» في آية المباهلة،(1) ويحتمل أفعل التفضيل أي أفضل شيعتهم.(لما ترون) اللام المفتوحة للتأكيد. وفي بعض النسخ: «أما ترون».(وأرواحهم) قيل: أي عظمائهم؛ لعظم روح كلّ شي ء من سائر أشيائه. وقرأ برهان الفضلاء: «وأزواجهم» بالمعجمتين، أي أمثالهم.(خليفة اللَّه الذي) نصب بنزع الخافض، أي لخليفة اللَّه، فيقول: رأيت كذا وكذا، كقول ابن العربي من الصوفيّة القدريّة في جملة من كتبه: «رقص ورقّصني وصورةُ الفرس»

.


1- .آل عمران (3): 61.

ص: 296

من هذياناته مشهورة.و«التقييض» بالقاف والمعجمة: كالتقدير لفظاً ومعنى. الجوهري: وقيّض اللَّه فلاناً لفلان، أي جاءه به وأتاحه له، ومنه قوله تعالى: «وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ».(1)(فلو سأل) أي وليُّ الضلالة (وليَّ الأمر).(ويعلمه الضلالة) من الإفعال أو التفعيل.(منكر) أي لنا عليها، أي على الضلالة أو أئمّتها.(سيقولون) أي وسيقولون، أو فسيقولون.

.


1- .الصحاح، ج 3، ص 1104 (قيض). والآية في سورة فصّلت (41): 25.

ص: 297

الباب الثاني والأربعون: باب في أنّ الأئمّة يزدادون في ليلة الجمعة

الباب الثاني والأربعون : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَزْدَادُونَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ (1) ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : «يَا أَبَا يَحْيى ، إِنَّ لَنَا فِي لَيَالِي الْجُمُعَةِ لَشَأْناً مِنَ الشَّأْنِ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ مَا ذَاكَ الشَّأْنُ ؟قَالَ : «يُؤْذَنُ لِأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَوْتى، وَ أَرْوَاحِ الْأَوْصِيَاءِ الْمَوْتى ، وَ رُوحِ الْوَصِيِّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتّى تُوَافِيَ عَرْشَ رَبِّهَا ، فَتَطُوفَ بِهِ أُسْبُوعاً ، وَ تُصَلِّيَ عِنْدَ كُلِّ قَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ تُرَدُّ إِلَى الْأَبْدَانِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا ، فَتُصْبِحُ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَوْصِيَاءُ قَدْ مُلِئُوا سُرُوراً ، وَ يُصْبِحُ الْوَصِيُّ الَّذِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ وَ قَدْ زِيدَ فِي عِلْمِهِ مِثْلُ جَمِّ الْغَفِيرِ».

هديّة:(الصنعاني) في النسبة إلى «صنعاء» بالفتح والمدّ، بزيادة النون في النسبة على غير قياس، كما قالوا في النسبة إلى «حرّان»: «حَرْناني». وقيل: أو نسبة إلى «صنعان» اسم

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «حدّثني أحمد بن إدريس القمّي ومحمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللَّه بن أيّوب».

ص: 298

رجل من أجداده.(بين ظهرانيكم) تثنية «الظهر» بزيادة الألف والنون المفتوحة للتأكيد. وفي بعض النسخ: «بين أظهركم» جمع «الظهر». والمعنى على كلا الاستعمالين المتداولين واحد، يعني وسطكم.قال ابن الأثير في نهايته: فيه: فأقاموا بين ظهرانيهم، أي بينهم، زيدت ألف ونون مفتوحة للتأكيد، وبمعناه «بين أظهرهم» يستعملان في الإقامة بين القوم.(1)(يعرج) على المضارع الغائب المجهول، و(بها) نائب الفاعل، و«الباء» للتعدية.(حتّى) داخلة على الجملة المستقبلة، ف «توافى» على المضارع الغائبة المعلوم، من المفاعلة، مرفوع تقديراً بأخذ الجملة حاليّة، بإرادة حالة الموافاة، ف «حتّى» حرف ابتداء يستأنف بها الكلام، والمعنى: «حتّى الأرواح هذه حالها»، أو منصوب بتقدير «أن» فحتّى للغاية - وقد مرّ في بيان الحديث الثاني في الباب الأوّل - والفاعل: الأرواح المذكورة، و«الموافاة»: الوصول إلى الشي ء، «وافاه»: أتاه.و«الاُسبوع» بالضمّ، من الأيّام، و«طفت اُسبوعاً» أي سبع مرّات وثلاثة أسابيع.(جمّ الغفير) بفتح الجيم وتشديد الميم، أي المجموع الجمع الكثير، على المضبوط هنا في الجميع، وإلّا فالجمّ الغفير على التوصيف - كما هو المتعارف في المكالمات - معناه: الجمع الكثير.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ يُوسُفَ الْأَبْزَارِيِ (2) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ - وَ كَانَ لَا يُكَنِّينِي قَبْلَ ذلِكَ - : «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ». قَالَ : قُلْتُ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : «إِنَّ لَنَا فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ سُرُوراً». قُلْتُ : زَادَكَ اللَّهُ ، وَ مَا ذَاكَ؟ قَالَ : «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ، وَافى رَسُولُ

.


1- .النهاية، ج 3، ص 166 (ظهر).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن جعفر بن محمّد الكوفيّ، عن يوسف الأبزاري».

ص: 299

اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْعَرْشَ ، وَ وَافَى الْأَئِمَّةُ عليهم السلام مَعَهُ ، وَ وَافَيْتُ (1) مَعَهُمْ ، فَلَا تُرَدُّ أَرْوَاحُنَا إِلى أَبْدَانِنَا إِلَّا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ لَأَنْفَدْنَا».

هديّة:«البزر» بفتح المفردة وسكون المعجمة، بزر البقل وغيره، والجمع: أبزار. القاموس: وأبزار كأصحاب أو كغراب: قرية بنيسابور.(2)الجوهري: الأبزار والأبازير: التوابل.(3)وفي بعض النسخ: «الانباري»، و«انبار» بالنون والمفردة: بيت التاجر، وبلدة بالعراق قديمة.(لا يكنّيني) على المعلوم من التفعيل. في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ووافينا معهم» على المتكلّم مع الغير، فالمراد من الأئمّة المعصومون السابقون من الأنبياء والأوصياء ومن نحن أئمّتنا عليهم السلام.(لأنفدنا) من الإفعال بالدال المهملة، على المتكلّم مع الغير، من الماضي المجهول، و«إنفاد المال»: جعله نافداً معدوماً. قال برهان الفضلاء: والمعنى هنا: لانتهى علمنا ونفد أمرنا؛ فإنّ علمهم بما يأتي على الإجمال، ويفصّل يوماً فيوماً وفي ليالي القدر.أقول: أوالمعنى: لكنّا مستغنين عن العلم بحصول جميع العلوم لنا، كما للَّه سبحانه والحديث الثالث والرابع من الباب التالي يؤيّدان؛ لما لا يخفى على الفطن.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِنْقَرِيِ (4) ، عَنْ يُونُسَ أَوِ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا مِنْ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ إِلَّا وَ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِيهَا سُرُورٌ» .

.


1- .في «د» والكافي المطبوع: «وافينا».
2- .القاموس المحيط، ج 1، ص 371 (بزر).
3- .الصحاح، ج 2، ص 589 (بزر).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد اللَّه بن محمّد، عن الحسين بن أحمد المنقري».

ص: 300

قُلْتُ : كَيْفَ ذلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟قَالَ : «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ ، وَافى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْعَرْشَ ، وَ وَافَى الْأَئِمَّةُ عليهم السلام ، وَ وَافَيْتُ مَعَهُمْ ، فَمَا أَرْجِعُ إِلَّا بِعِلْمٍ مُسْتَفَادٍ ، وَ لَوْ لَا ذلِكَ لَنَفِدَ مَا عِنْدِي» .

هديّة:«منقر» بالقاف كمنبر: أبو حيّ من تميم.ولا اختلاف هنا في النسخ كما في سابقه في «وافيت».

.

ص: 301

الباب الثالث والأربعون: باب لو لا أنّ الأئمّة يزدادون لنفد ما عندهم

الباب الثالث والأربعون : بَابُ لَوْ لَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَزْدَادُونَ لَنَفِدَ مَا عِنْدَهُمْ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «كَانَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عليهما السلام يَقُولُ : لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا» .

هديّة:بيانه ظاهرٌ ببيان الحديث الثاني في سابق هذا الباب.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِ (2) ، عَنْ ذَرِيحٍ الْمُحَارِبِيِّ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا ذَرِيحُ ، لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا» .

هديّة:(ذريح المحاربي) مكبّراً ممدوحٌ، له أصل، و«الذّريح»: الهضاب، قال أبو زيد:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن صفوان بن يحيى». وفيه بسند آخر أيضاً هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد محمّد، عن محمّد بن خالد، عن صفوان، عن أبي الحسن مثله».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ».

ص: 302

الأهاضيب واحدها: «الهضاب، وواحد الهضاب: هضب، وهي حلبات القطر.(1)و«محارب» كمصاحب أبو قبيلة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ثَعْلَبَةَ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لَأَنْفَدْنَا». قَالَ : قُلْتُ : تَزْدَادُونَ شَيْئاً لَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذلِكَ ، عُرِضَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ عَلَى الْأَئِمَّةِ ، ثُمَّ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْنَا» .

هديّة:(إلينا) مكان «إليّ» وجهه ظاهر، أو المراد الأئمّة الباقية من الاثنى عشر.ولا شكّ أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مضى وقد كان عالماً بجميع ما يحتاج إليه الناس، فمعنى (لأنفدنا): لانتهينا في العلم، ولا نهاية لعلمه سبحانه. ومن ضروريّات الدِّين اعتقاد أنّ علم اللَّه تعالى غير متناهٍ بالفعل، ومثل خاتم الأنبياء وسيّدهم صلى اللَّه عليه وآله يستفيد منه إلى يوم القيامة، من غير وصولٍ إلى نهايته ولا نهاية له، فسَل الصوفي وقل: أيّها القدريّ القائل بالبدو والعود والتنزّل والتشكّل في شأنه سبحانه! متى يصل هو إلى هو ويصير العائد عين البدئ؟ فإن أجاب فَالْعنهُ وإن سكت فَالْعنهُ، ثمّ احمد اللَّه على نعمة التشيّع زِنة نعمته، واللَّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العُبَيْدِي، عَنْ يُونُسَ (3)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَيْسَ يَخْرُجُ شَيْ ءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالى حَتّى يَبْدَأَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ بِأَمِيرِ

.


1- .الصحاح، ج 1، ص 238 (هضب).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن ثعلبة».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن».

ص: 303

الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، ثُمَّ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ ؛ لِكَيْلَا يَكُونَ آخِرُنَا أَعْلَمَ مِنْ أَوَّلِنَا» .

هديّة:(حتّى يبدأ) على ما لم يسمّ فاعله.(ثمّ بواحد بعد واحد) حتّى ينتهي الأمر إلى صاحب الأمر عليه السلام.

.

ص: 304

الباب الرابع والأربعون: باب أنّ الأئمّة يعلمون جميع العلوم...

الباب الرابع والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَعْلَمُونَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الَّتِي خَرَجَتْ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ (1) ، عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالى عِلْمَيْنِ : عِلْماً أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ ، فَمَا أَظْهَرَ عَلَيْهِ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ وَ أَنْبِيَاءَهُ فَقَدْ عَلِمْنَاهُ ، وَ عِلْماً اسْتَأْثَرَ بِهِ ؛ فَإِذَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ ءٍ مِنْهُ عَلِمْنَا(2) ذلِكَ ، وَ عَرَضَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِنَا» .

هديّة:«أظهره على الأمر»: أطلعه عليه.(علمناه) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من التفعيل، وكذا (علمنا ذلك). وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أعلمنا ذلك» على المجهول من الإفعال.«استأثر فلان بالشي ء»: استبدّ به، والاستبداد: التفرّد.«بدا له فيه» كدعا يدعو: ظهر له حكمٌ آخر فيه. وقد سبق تحقيق معنى البداء في شأنه

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن القاسم».
2- .في الكافي المطبوع: «أعلمنا».

ص: 305

تعالى في الحديث التاسع في الباب الرابع والعشرين من كتاب التوحيد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عِلْمَيْنِ : عِلْماً عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ ، وَ عِلْماً نَبَذَهُ إِلى مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ ، فَمَا نَبَذَهُ إِلى مَلَائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ ، فَقَدِ انْتَهى إِلَيْنَا» .

هديّة:«نبذ الشي ء» كضرب: ألقاه من يده، والمعنى هنا: أعطاه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ(2) ، عَنْ ضُرَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلَّهِ تَعَالى عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ مَبْذُولٌ ، وَ عِلْمٌ مَكْفُوفٌ . فَأَمَّا الْمَبْذُولُ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ ءٍ يَعْلَمُهُ (3) الْمَلَائِكَةُ وَ الرُّسُلُ إِلَّا نَحْنُ نَعْلَمُهُ . وَ أَمَّا الْمَكْفُوفُ ، فَهُوَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالى فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ نَفَذَ» .

هديّة:(ضريس) مصغّراً: ابن عبد الملك بن أعين الشيباني الكناسي، كان يتّجر بالكناسة موضع بالكوفة، وكان تحته بنت حمران، كان خيّراً فاضلاً.ولعلّ (اُمّ الكتاب) هنا عبارة عن اللوح المحفوظ الجامع للعلم المبذول والمكفوف الذي يبذل إذا شاء اللَّه تعالى.قال برهان الفضلاء:«اُمّ الكتاب» عبارة عن كتاب المحو والإثبات الذي ينزل في زمن المهديّ عليه السلام، ويسمّى ب

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير».
3- .في الكافي المطبوع: «تعلمه».

ص: 306

«اللوح المحفوظ»، قال اللَّه تعالى في سورة الرعد: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1). قال: ويظهر للمهديّ عليه السلام من اللوح المحفوظ - النازل عليه بالتحديث في ليالي قدره عليه السلام دون الوحي - مضامينَ جميع الكتب التي كانت تنزل على الأئمّة عليهم السلام في ليالي القدر.(نفذ) أي جرى، فينتهي من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إلينا.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سُوَيْدٍ الْقَلَّاءِ(2) ، [عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ،(3) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ ، وَ عِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ ، فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» .

هديّة:(سويد) مصغّراً: ابن مسلم القلّاء، ثقة، من أصحاب الصادق عليه السلام. و«القليّة» كالعطيّة: من الطعام، والجمع: قلايا، وقليت السويق واللحم كرمى فهو مقليّ، وقلوت فهو مقلوّ لغة، والرجل قلّاء.(وعلم علمه) على المعلوم من المجرّد أو التفعيل، وكذا (فما علمه).وقد سبق أخبار اُخر في هذا المعنى في أبواب التوحيد.

.


1- .الرعد (13): 39.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن النعمان، عن سويد القلّاء».
3- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.

ص: 307

الباب الخامس والأربعون: باب نادر فيه ذكر الغيب

الباب الخامس والأربعون : بَابٌ نَادِرٌ فِيهِ ذِكْرُ الْغَيْبِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ(1) ، قَالَ : سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ ، فَقَالَ لَهُ : أَ تَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ؟ فَقَالَ : «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ ، وَ يُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ ، وَ قَالَ : سِرُّ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَسَرَّهُ إِلى جَبْرَئِيلَ ، وَ أَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله إِلى مَنْ شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(معمّر بن خلّاد) على اسم المفعول من التفعيل، من أصحاب الرضا عليه السلام، بغداديّ ثقة.والمراد بأبي الحسن أبو الحسن الثاني الرضا عليه السلام.(إلى من شاء اللَّه) يعني أمير المؤمنين عليه السلام.قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره، في تفسير قوله تعالى في سورة الجنّ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(2): «يعني عليّاً المرتضى من الرسول صلى اللَّه عليه وآله وهو منه» الحديث.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد».
2- .الجنّ (72): 26 - 27.
3- .تفسير القمّي، ج 2، ص 390.

ص: 308

والتنوين للتعظيم، فحقٌّ أنّ اللَّه تبارك وتعالى لا يطّلع على غيبه إلّا من كان معصوماً ممتازاً بيّناً في الحسب، معلوماً في النسب إلى آدم عليه السلام، وأنّ سرّ اللَّه تعالى ليس كما وَهَمَ الصوفيّ القدريّ من الخيال الذي إذا أظهر كان كفراً بحكم شرع الحكيم تعالى، بل أسرار اللَّه سبحانه إنّما هي عجايبات علمه الذي لا يتناهى، وما لا نهاية له لا نهاية لعجائباته أيضاً، وكان مع الخضر عليه السلام منها - كما في سورة الكهف - ما لم يكن لموسى عليه السلام مع كونه من اُولي العزم، وعدم نقصه بحسب ما كان يحتاج إليه من العلوم في أمر النبوّة والرسالة وكونه من اُولي العزم، فلا إشكال بأحاديث الباب التالي للتالي الدالّة على أنّه لا يخفى عليهم - صلوات اللَّه عليه - شي ء، وبمثل حديث: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله [أو ]لكفّره».(1) ولو علم سلمان أيضاً ما في قلب أبي ذرّ لقتله أو لكفّره، أفلم يعلم القدريّ أنّ حمل مثل الحديث على السرّ الذي هو كفر شرعاً إذا أظهر، له مفاسد لا تحصى، كما ذكرنا طائفة منها في بيان أحاديث كتاب العقل، ولا معنى للمنافق سوى أنّه يكتم ما هو كفر شرعاً إذا أظهره، ألا يرى أنّ قتل غير المكلّف قبل أن يعلم موسى عليه السلام حكمته وبعد حكمه بقتل القاتل قصاصاً ليس كفراً بعد العلم بحكمته.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» فَقَالَ (3) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِعِلْمِهِ عَلى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ قَبْلَهُ ، فَابْتَدَعَ السَّمَاوَاتِ وَ

.


1- .الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ح 2؛ وعنه في البحار، ج 2، ص 190، ح 190، والحديث هكذا: «لو علم أبوذرّ ما في قلب سلمان لقتله».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن سدير الصيرفي».
3- .في الكافي المطبوع: «قال».

ص: 309

الْأَرَضِينَ ، وَ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُنَّ سَمَاوَاتٌ وَ لَا أَرَضُونَ ، أَ مَا تَسْمَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالى : «وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ»؟»فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : أَ رَأَيْتَ قَوْلَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً»؟فَقَالَ لَهُ (1) أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : ««إِلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» وَ كَانَ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله مِمَّنِ ارْتَضَاهُ .وَ أَمَّا قَوْلُهُ : «عالِمُ الْغَيْبِ» فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ - فِيمَا يُقَدِّرُ مِنْ شَيْ ءٍ وَيَقْضِيهِ فِي عِلْمِهِ - قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَ قَبْلَ أَنْ يُفْضِيَهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ ؛ فَذلِكَ يَا حُمْرَانُ ، عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَهُ ، إِلَيْهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، فَيَقْضِيهِ إِذَا أَرَادَ ، وَ يَبْدُو لَهُ فِيهِ ، فَلَا يُمْضِيهِ ؛ فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - ويَقْضِيهِ وَ يُمْضِيهِ ، فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهى إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ثُمَّ إِلَيْنَا» .

هديّة:«بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» في سورة البقرة والأنعام أيضاً، وهذا الحديث يناسب قوله تعالى في سورة الأنعام: «بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ»(2). و«البديع» بمعنى الفاعل، أو بمعنى المفعول، من باب منع، وعلى الأوّل وصف بحال الموصوف كضارب الرجل، وعلى الثاني وصف بحال متعلّق الموصوف كحسن الوجه، و«البدعة» و«الابتداع»: ابتداء فعل شي ء بلا مادّة سابقة، سواء كان الابتداء بإحداث ذلك الشي ء أو بإحداث مادّته بشرط علم الفاعل بأنّ تلك المادّة إنّما تحدث لذلك الشي ء خاصّة.و«المثال»: الشكل والصورة، والمراد هنا: المادّة القديمة.وقال برهان الفضلاء: والمراد بالمثال هنا الجسم. وفي الحديث - كما سيجي ء في

.


1- .في الكافي المطبوع: - «له».
2- .البقرة (2): 117؛ الأنعام (6): 101.

ص: 310

الحديث السادس في الباب الإحدى والثلاثين والمائة من كتاب الإيمان والكفر - : «أنّ الفحش لو كان مثالاً لكان مثال سوء».(1)وضمير (قبله) للكلّ في (كلّها)، أو للابتداع المفهوم من (فابتدع) و«الفاء» للتفريع، و«الواو» في (ولم يكن) عاطفة، قال اللَّه تعالى في سورة هود: «وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ»(2)، فلعلّ غرض الإمام عليه السلام من الاستشهاد أنّه عزّ وجلّ خلق الماء من كتم العدم بلا مادّةٍ مادّةً لجميع الأجسام والجسمانيّات، فابتداع الجميع بعلمه على غير مثال ومادّة قديمة قبلَه، فالماء المخلوق المجعول عذباً واُجاجاً - كما سيذكر حديثه - مادّةٌ حادثةٌ من غير مادّة لا قديمة ولا حادثة لغيره من الجسم والجسماني، قال اللَّه تعالى في سورة الأنبياء: «وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَىْ ءٍ حَىٍّ»(3) فلا تغفل عن الإشكال الوارد هنا بقول برهان الفضلاء: والمراد بالمثال هنا الجسم، وفي الحديث إلى آخر الحديث، قال اللَّه تعالى في سورة الجنّ: «قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَداً* عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً»(4)، وسيذكر في الحديث أنّ المراد بالغيب في هذه الآية وقت ظهور القائم عليه السلام.(فيما يقدّر من شي ء ويقضيه) التقدير بالإجمال، والقضاء بالتفصيل، وفيه البداء بعدُ إلّا أن يُمضى، ولا بداء بعد الإمضاء.(قبل أن يخلقه). قرأ برهان الفضلاء بالقاف على المعلوم من الإفعال، أي يُخلقه ويبليه بالإفضاء والإمضاء.(وقبل أن يفضيه) بالفاء على المعلوم من الإفعال.(فيقضيه إذا أراد) بالقاف، أي يفصّله بعد التقدير والإجمال. وقرأ برهان الفضلاء

.


1- .الكافي، ج 2، ص 324، باب البذاء، ح 6.
2- .هود (11): 7.
3- .الأنبياء (21): 30.
4- .الجنّ (72): 25 - 26.

ص: 311

بالفاء من الإفعال، وكذا في «يقضيه» في قوله: (ويقضيه ويمضيه) وكون الإقضاء والإمضاء هنا بمعنى: يَحكُم بما هو الأولى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَدِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ يَحْيَى الْبَزَّازُ وَ دَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وَ هُوَ مُغْضَبٌ ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ ، قَالَ : «يَا عَجَباً لِأَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ ، لاَ يَعْلَمُ (2)الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ؛ لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَرْبِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ ، فَهَرَبَتْ مِنِّي ، فَمَا عَلِمْتُ فِي أَيِّ بُيُوتِ الدَّارِ هِيَ ؟» .قَالَ سَدِيرٌ : فَلَمَّا أَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَ صَارَ فِي مَنْزِلِهِ ، دَخَلْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ وَ مُيَسِّرٌ ، وَ قُلْنَا لَهُ : جُعِلْنَا فِدَاكَ ، سَمِعْنَاكَ وَ أَنْتَ تَقُولُ كَذَا وَ كَذَا فِي أَمْرِ جَارِيَتِكَ ، وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ عِلْماً كَثِيراً ، وَ لَا نَنْسُبُكَ إِلى عِلْمِ الْغَيْبِ .قَالَ : فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، قَرَأْتَ (3) الْقُرْآنَ ؟» قُلْتُ : بَلى .قَالَ : «فَهَلْ وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ : «قالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» ؟» قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ قَرَأْتُهُ .قَالَ : «فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ ؟ وَ هَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ ؟» قَالَ : قُلْتُ : أَخْبِرْنِي بِهِ.قَالَ : «قَدْرُ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ ، فَمَا يَكُونُ ذلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ(4) ؟» قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا أَقَلَّ هذَا !فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، مَا أَكْثَرَ هذَا أَنْ يَنْسُبَهُ اللَّهُ تَعَالى إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي أُخْبِرُكَ بِهِ . يَا سَدِيرُ ، فَهَلْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عبّاد بن سليمان، عن محمّد بن سنان».
2- .في الكافي المطبوع: «ما يعلم».
3- .في الكافي المطبوع: «ألم تقرأ» بدل «قرأت».
4- .في الكافي المطبوع: - «والسنّة».

ص: 312

وَجَدْتَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَيْضاً : «قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِى وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ»؟» . قَالَ : قُلْتُ : قَدْ قَرَأْتُهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ .قَالَ : «فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ أَفْهَمُ ، أَمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ بَعْضُهُ ؟» قُلْتُ : لَا ، بَلْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ ، قَالَ : فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى صَدْرِهِ ، وَ قَالَ : «عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا ، عِلْمُ الْكِتَابِ وَ اللَّهِ كُلُّهُ عِنْدَنَا» .

هديّة:(فلمّا أن قام) بفتح الهمزة وتخفيف النون؛ لتأكيد الاتّصال.(يزعمون أنّا نعلم الغيب) يحتمل أن يكون المعنى يدّعون لأنفسهم إنّا كذلك، فالمراد من «الأقوام» أئمّة الضلالة، وأضلّهم مشايخ الصوفيّة القدريّة المدّعين علمَ الغيب بالكشف الحاصل من الرياضة لكلّ مرتاض وإن كان جوكيّاً طاعناً في الكفر لعنهم اللَّه.(لا يعلم الغيب إلّا اللَّه) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النمل: «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ»(1).(وصار في منزله) يعني بيت الخلوة.(وميسّر) على اسم المفعول من التفعيل، وقيل على اسم الفاعل منه: اسم رجل. قال ابن داود في رجاله: ميسّر بن عبد العزيز بضمّ الميم وفتح الخاتمة وكسر السين المهملة، وقيل: بفتح الميم، من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، ممدوح.(2)(ولا ننسبك إلى علم الغيب) يحتمل الإخبار والاستفهام الإنكاري. وقال برهان الفضلاء: مرادهم انّا مع علمنا بعدم اتّصافكم بعلم الغيب نريد أن نعلم مقدار علمكم.في بعض النسخ: «ألم تقرأ القرآن» مكان (قرأت القرآن).(أخبرني به) أي بقدر علم الرجل، وهو آصف بن برخيا وزير سليمان عليه السلام.

.


1- .النمل (27): 63 - 64.
2- .رجال ابن داود، ص 358، الرقم 1594.

ص: 313

و«خضرة البحر» كناية عن عمقه جدّاً، فإنّ عمق الماء الكثير يريه أسود، وكثيراً يطلق الأخضر على الأسود وبالعكس.(أخبرك به) على الغائب، ويحتمل المتكلّم.(أفهم) على أفعل التفضيل، أي أعلم أو أفضل. وذكر برهان الفضلاء أنّ المذكور في حواشي الشيخ محمّد بن الشهيد الثاني «أ فهم» على الاستفهام والفاء وضمير الجمع، والتقدير: «أ فهم أعلم» فلا يحتاج إلى تقدير الاستفهام في (فمن).والتكرار في آخر الحديث مضبوط فللتأكيد، سيّما بالقسم فلتأكيد الاهتمام بالفهم والضبط.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عن الفطحيّة(1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْإِمَامِ : يَعْلَمُ الْغَيْبَ ؟ قَالَ (2) : «لَا ، وَ لكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْ ءَ ، أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذلِكَ» .

هديّة:يعني إذا أراد بإذن اللَّه تعالى، سواء كان ممّا يحتاج إليه الناس، أم لا.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن أحمد بن الحسن بن عليّ، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار الساباطي».
2- .في الكافي المطبوع: «فقال».

ص: 314

الباب السادس والأربعون: باب أنّ الأئمّة إذا شاؤوا أن يعلموا علّموا

الباب السادس والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام إِذَا شَاؤُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُواوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ بَدْرِ بْنِ الْوَلِيدِ(1) ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الشَّامِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ ، عُلِّمَ» .

هديّة:(إذا شاء) أي بإذن اللَّه تعالى على ما عرفت آنفاً.

الحديث الثاني روى في الكافي (2) بطريق آخر أيضاً عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَعْلَمَ ، أُعْلِمَ» .

هديّة:بيانه كسابقه، وقوله عليه السلام: (أعلم) على المجهول من الإفعال مكان «علّم» المحتمل

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد و غيره، عن سهل بن زياد، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد».
2- .في «الف»: + «بإسناده».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع».

ص: 315

للمعلوم من المجرّد، وخلافه من التفعيل في سابقه.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِ (1) ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَدَائِنِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئاً ، أَعْلَمَهُ اللَّهُ ذلِكَ» .

هدية:بيانه كنظايره.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد المدائني».

ص: 316

الباب السابع والأربعون: باب أنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون ، و...

الباب السابع والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَعْلَمُونَ مَتى يَمُوتُونَ ، وَ أَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَطَلِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَيُّ إِمَامٍ لَا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَ إِلى مَا يَصِيرُ ، فَلَيْسَ ذلِكَ بِحُجَّةٍ لِلَّهِ عَلى خَلْقِهِ» .

هديّة:(البطل) بالتحريك وإهمال الطاء: الشجاع.قيل: والإشكال الوارد بعلم أمير المؤمنين عليه السلام مثلاً بذلك ووجوب حفظ النفس ومدافعة الخصم، وقد قال اللَّه تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(2)، يدفع بأنّ الوجوب إنّما هو مع الجهل بالمعيّن، لا مع العلم به، وبما يستفاد من أخبار الباب بأنّ لهم عليهم السلام الخيرة من اللَّه سبحانه في الذهاب في وقت خاصّ والبقاء فيه، وأنّهم عليهم السلام فوّضوا ذلك - بعد تفويض اللَّه تعالى ذلك إليهم - إلى اللَّه تعالى.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن سملة بن الخطّاب، عن سليمان بن سماعة و عبد اللَّه بن محمّد، عن عبد اللَّه بن القاسم البطل».
2- .البقرة (2): 195.
3- .راجع: الوافي، ج 3، ص 595.

ص: 317

وقيل: فرق بين إخباره تعالى بالوقت المعيّن الذي له فيه بداء، وبين إخباره بالمحتوم وعلمهم عليهم السلام بسبب ذلك الإخبار، وبهذا لم يجب عليهم المدافعة في بعض الحالات كالصلاة.وهذا الجواب لا يحسم سنخ الإشكال.وقال الفاضل الاسترآبادي:أحاديث هذا الباب صريحة في أنّ المقدّمة المشهورة بين المعتزلة وبين جماعة من أهل الجدل من الشيعة من أنّ حفظ النفس واجب عقلاً غير معقولة ولو خصّصنا بحالة رجاء الخلاص.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ(2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ قَطِيعَةِالرَّبِيعِ مِنَ الْعَامَّةِ بِبَغْدَادَ مِمَّنْ كَانَ يُنْقَلُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لِي : قَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ يَقُولُونَ بِفَضْلِهِ مِنْ أَهْلِ هذَا الْبَيْتِ ، فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ قَطُّ فِي فَضْلِهِ وَ نُسُكِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَنْ ؟ وَ كَيْفَ رَأَيْتَهُ ؟ قَالَ :جُمِعْنَا أَيَّامَ السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنَ الْوُجُوهِ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْخَيْرِ ، فَأُدْخِلْنَا عَلى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام ، فَقَالَ لَنَا السِّنْدِيُّ : يَا هؤُلَاءِ ، انْظُرُوا إِلى هذَا الرَّجُلِ هَلْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ ؟ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَدْ فُعِلَ بِهِ ، وَ يُكْثِرُونَ فِي ذلِكَ ، وَ هذَا مَنْزِلُهُ وَ فِرَاشُهُ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُضَيَّقٍ ، وَ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سُوءاً ، وَ إِنَّمَا يَنْتَظِرُ بِهِ أَنْ يَقْدَمَ فَيُنَاظِرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ هذَا هُوَ صَحِيحٌ ، مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ ، فَسَلُوهُ .قَالَ : وَ نَحْنُ لَيْسَ لَنَا هَمٌّ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى الرَّجُلِ وَ إِلى فَضْلِهِ وَ سَمْتِهِ ، فَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام : «أَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ التَّوْسِعَةِ وَ مَا أَشْبَهَهَا ، فَهُوَ عَلى مَا ذَكَرَ ، غَيْرَ أَنِّي أُخْبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّفَرُ ، أَنِّي قَدْ سُقِيتُ السَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ ، وَ أَنَا غَداً أَخْضَرُّ ، وَ بَعْدَ غَدٍ أَمُوتُ».

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 150.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محمّد بن بشّار».

ص: 318

قَالَ : فَنَظَرْتُ إِلَى السِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ يَضْطَرِبُ ، وَ يَرْتَعِدُ مِثْلَ السَّعَفَةِ .

هديّة:«القطيعة» على فعيلة: اسم لعدّة مواضع ببغداد أقطعها المنصور الدوانيقي اُناساً من أعيان دولته ليعمّروها لأنفسهم، منها قطيعة ربيع بن يونس، وكان من أهلها «إسماعيل بن إبراهيم بن يعمر» من محدِّثي العامّة.(ينقل عنه) أي الحديث لثقته في العامّة، وفي رواية الصدوق رحمة اللَّه عليه: «يقبل قوله». وقال في آخره: قال الحسن: وكان الشيخ من خيار العامّة شيخٌ صدوقٌ مقبول القول ثقة جدّاً، ثقة عند الناس.(1)(من يقولون) يحتمل الخطاب والغيبة، والمراد عليهما: الإماميّة.و«النّسك» مثلّثة النون، بسكون الوسط وبضمّتين: العبادة.(جمعنا) على ما لم يسمّ فاعله. كان السندي والياً على بغداد من عند الرشيد.(ثمانين) حال من ضمير «جمعنا».(قد فعل به) في رواية الصدوق رحمة اللَّه عليه: «قد فعل مكروه في ذلك».(2)(ينتظر به) على المجهول من الافتعال.(أن يقدم) من باب علم، أي لأجل أن يقدم هارون فيناظره في دعوى الإمامة، فالفعلان للفاعل المذكور.وقرأ برهان الفضلاء: «أن يقدم» من الإفعال. قال: و«الإقدام»: الشجاعة، يعني ليجترئ بإظهار دعوى الإمامة ويناظر مع هارون فيها، فيظهر هارون إمامته عليه السلام لمنكرها.و«السمت» بالفتح: سيماء أهل الصلاح.(اخضرّ) بالمعجمتين، أي اصير يضرب لوني إلى الخضرة. وقرأ برهان الفضلاء:

.


1- .الأمالي للصدوق، ص 149، المجلس 29، ح 20.
2- .نفس المصدر. وفي المصدر هكذا: «قد فعل مكروه به».

ص: 319

«أحضر» على المجهول، من الحضور، أي يحضرني الموت.و«السعف» بالتحريك: ورق النخل، والواحدة: سعفة.وروى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب عرض المجالس (1) وكتاب العيون وغيرها قصّة شهادته عليه السلام بالسمّ مفصّلةً.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ(3) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَخِي ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام : «أَنَّهُ أَتى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لَيْلَةً قُبِضَ فِيهَا بِشَرَابٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَتِ ، اشْرَبْ هذَا ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ هذِهِ اللَّيْلَةُ(4) أُقْبَضُ فِيهَا ، وَ هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:في بعض النسخ: «أنّ هذه الليلة التي» بزيادة «التي». وضبط برهان الفضلاء بدونها.(اُقبض فيها.) أي باختياري لقاء اللَّه تعالى على حياة الدنيا.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ (5) ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَدْ عَرَفَ قَاتِلَهُ ، وَ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا ، وَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ ؛ وَ قَوْلُهُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ صِيَاحَ الْإِوَزِّ فِي الدَّارِ - : «صَوَائِحُ تَتْبَعُهَا نَوَائِحُ» وَ قَوْلُ أُمِّ كُلْثُومٍ : لَوْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ دَاخِلَ الدَّارِ ، وَ أَمَرْتَ غَيْرَكَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ؛ فَأَبى عَلَيْهَا ، وَ كَثُرَ دُخُولُهُ وَ خُرُوجُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ

.


1- .«العرض على المجالس» عنوان كتابه المعروف بالأمالي. الذريعة، ج 15، ص 245، ذيل الرقم 1589.
2- .الأمالي للصدوق، ص 146، المجلس 29، ح 18؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 106، الباب 8، ح 10.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة».
4- .في الكافي المطبوع: + «التي».
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم».

ص: 320

بِلَا سِلَاحٍ ، وَ قَدْ عَرَفَ عليه السلام أَنَّ ابْنَ مُلْجَمٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - قَاتِلُهُ بِالسَّيْفِ ، كَانَ هذَا مِمَّا لَمْ يَجُزْ تَعَرُّضُهُ .فَقَالَ عليه السلام : «ذلِكَ كَانَ ، وَ لكِنَّهُ خُيِّرَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ؛ لِتَمْضِيَ مَقَادِيرُ اللَّهِ تَعَالى».

هديّة:(وقوله) إمّا مرفوع، عطف على مقدّر، فإنّ التقدير: معرفته عليه السلام كذا مع قوله كذا وفلان كذا كان هذا العزم مع هذه المذكورات لم يجز تعرّضه، أو منصوب، عطفاً على «قاتله» كما ذهب إليه برهان الفضلاء وصرّح به، ثمّ قال: كأنّ للتشبيه، لا للشّكّ ولا للظنّ.و(الإوزّ) بالكسر وفتح الواو وتشديد المعجمة: البطّ، ومنه: «القلولاء» ويجمع بالواو والنون: «إوزّون» والواحدة: إوزّة.في بعض النسخ: «ممّا لم يحلّ»، وفي بعض آخر: «ممّا لم يحسن» مكان (ممّا لم يجز).(خيّر) على المجهول من التخيير. وقرأ برهان الفضلاء: «حيّن» بالمهملة والنون أخيراً، على المجهول من التفعيل، وتحيين الشي ء: تأخيره إلى حين آخر، قال: يعني أخّر موته مع كمال اشتياقه إلى شهادته في سبيل اللَّه إلى ذلك الوقت ليجري مقادير اللَّه. وقراءة: «حيّر» بالمهملتين من الحيرة تصحيف سوء للنصوص الآتية، وبه قوى الإشكال المدفوع بما بيّنّاه آنفاً.وقوله عليه السلام: (لتمضي مقادير اللَّه تعالى) لعلّه إشارة إلى تقديره تعالى لشأن أمير المؤمنين عليه السلام بعد تقديره تولّده في جوف الكعبة، وكون عمره عمر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بعينه ثلاث وستّون سنة، ومضيّ عمره من أوّله إلى آخره كما هو أظهر من الشمس في كلّ الأبواب وجميع الأحوال أن يستشهد في خير الموضع من خير الأمكنة وهو موقف الإمامة، في خير الشهور، في خير أيّامها، في خير أوقات تلك الأيّام، في خير الأفعال وهو العبادة، في خيرها وهو الصلاة.

الحديث الخامس روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي

.

ص: 321

الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى غَضِبَ عَلَى الشِّيعَةِ ، فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ ، فَوَقَيْتُهُمْ - وَ اللَّهِ - بِنَفْسِي» .

هديّة:(وقيتهم) أي حفظتهم باختياري ذهابي وبقائهم، أو ابتلائي ببلاء الأعداء كالحبس وعافيتهم من ذلك.و(نفسي) مبتدأٌ محذوف الخبر، وكذا (هم)، والتقدير: نفسي مقتولة أو مُبتلاة، أو هم مقتولون أو مبتلون.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْوَشَّاءِ(1) ، عَنْ مُسَافِرٍ : أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ لَهُ : «يَا مُسَافِرُ ، هذِهِ الْقَنَاةُ فِيهَا حِيتَانٌ ؟» قَالَ : نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ : «إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْبَارِحَةَ وَ هُوَ يَقُولُ : يَا عَلِيُّ ، مَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ» .

هديّة:(مسافر) بالفاء: مولى أبي الحسن عليه السلام يكنّى أبا مسلم، ممدوح؛ قاله الكشّي.(2)قيل: كأنّه عليه السلام يعجبه القناة التي كانت في داره بحيتانها في سناباد طوس، فمعنى (ما عندنا خيرٌ لك) أي ممّا عندك ويعجبك من مثل القناة بحيتانها. وقيل: لعلّ المعنى: أنّ حدوث الحيتان فيها بعد أن لم تكن من علامات قرب شهادته عليه السلام بالسمّ. وقيل: يعني هذه الحيتان ستري في موضع قبري عند حفره - كما في حديث أبي الصلت، وقد رواه الصدوق في عيونه أيضاً(3) - والمراد على هذين القولين من قوله: «ما عندنا» إلى آخره:

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء».
2- .ذكر الكشّي في ذيل عنوان «في مسافر مولى أبي الحسن عليه السلام» رواية عن مسافر هكذا: «أخبرني مسافر، قال: أمرني أبو الحسن عليه السلام بخراسان، فقال: اِلحق بأبي جعفر فإنّه صاحبك» ولكن لم يمدحه صريحاً. والشيخ أيضاً ذكره في رجاله ويقول: «يكنّى أبا مسلم» ولم يوثّقه. نعم ذكر ابن داود في رجاله بأنّه ممدوح. راجع: رجال الكشّي، ص 506، الرقم 972؛ رجال الطوسي، ص 367، الرقم 5450؛ رجال ابن داود، ص 344، الرقم 1518.
3- .عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 242، ح 1.

ص: 322

الإخبار بقرب اللقاء، أي الباقي خيرٌ من الفاني.و(البارحة): أقرب ليلة مضت.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عليه السلام فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ، فَأَوْصَانِي بِأَشْيَاءَ فِي غُسْلِهِ وَ فِي كَفْنِهِ وَ فِي دُخُولِ (2) قَبْرَهُ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَةِ(3) ، وَ اللَّهِ ، مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ اشْتَكَيْتَ أَحْسَنَ مِنْكَ الْيَوْمَ ، مَا رَأَيْتُ عَلَيْكَ أَثَرَ الْمَوْتِ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، أَ مَا سَمِعْتَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يُنَادِي مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ : يَا مُحَمَّدُ ، تَعَالَ ، عَجِّلْ؟» .

هديّة:في بعض النسخ: «وفي دخوله قبره» بإضافة الدخول إلى البارز ونصب «قبره».«اشتكى فلان»: مرض.قيل: لعلّ (الجدار) كناية عن حجاب عالم البرزخ.(تعال) بفتح اللام: أمر من التعالي بمعنى الارتفاع، وتعارف في الأمر بالإتيان. وللمرأة: «تعالي»، وللمرأتين: «تعاليا»، وللنسوة: «تعالين»، بفتح اللام في الجميع، ولا يُقال منه: «تعاليت» على المتكلّم ولا ينهى عنه.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ (4) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - النَّصْرَ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام حَتّى كَانَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة».
2- .في الكافي المطبوع: «دخوله».
3- .في الكافي المطبوع: «أباه».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبد الملك بن أعين».

ص: 323

اللَّهِ ، فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ».

هديّة:قد عرفت وجوه دفع الإشكال في بيان الحديث الأوّل.(أنزل اللَّه - عزّ وجلّ - النصر) يعني بإنزال الملائكة حتّى إذا صاروا متجاوزين عن فلك القمر.(1) قرأ برهان الفضلاء: «خيّر» على المعلوم، أي ثمّ خيّره اللَّه بين الغلبة على الأعداء ومثل تقرّبه بشهادته عليه السلام في سبيل اللَّه.

.


1- .في «الف»: + «أيضاً».

ص: 324

الباب الثامن والأربعون: باب أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان و ما يكون ، و...

الباب الثامن والأربعون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ ، وَ أَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِم شَيْ ءٌ(1) صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ(2) ، عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جَمَاعَةً مِنَ الشِّيعَةِ فِي الْحِجْرِ ، فَقَالَ : «عَلَيْنَا عَيْنٌ؟» فَالْتَفَتْنَا يَمْنَةً وَ يَسْرَةً ، فَلَمْ نَرَ أَحَداً ، فَقُلْنَا : لَيْسَ عَلَيْنَا عَيْنٌ ، فَقَالَ : «وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ وَ رَبِّ الْبَنِيَّةِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - لَوْ كُنْتُ بَيْنَ مُوسى وَ الْخَضِرِ لَأَخْبَرْتُهُمَا أَنِّي أَعْلَمُ مِنْهُمَا ، وَ لَأَنْبَأْتُهُمَا بِمَا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا ؛ لِأَنَّ مُوسى وَ الْخَضِرَ عليهما السلام أُعْطِيَا عِلْمَ مَا كَانَ ، وَ لَمْ يُعْطَيَا عِلْمَ مَا يَكُونُ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ حَتّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَ قَدْ وَرِثْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وِرَاثَةً» .

هديّة:(جماعة) نصب على الحال من ضمير (كنّا).(عين) أي جاسوس. (يمنة) بالفتح، وكذا (يسرة).و(البنيّة) كالعطيّة: الكعبة. قال برهان الفضلاء: مأخوذة من «البناية» بالفتح

.


1- .في الكافي المطبوع: «الشي ء».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللَّه بن حمّاد».

ص: 325

والتخفيف، بمعنى الشرف.(ولم يعطيا علم ما يكون) أي جميعه، فلا إشكال بعلمهما مثلاً ببعض أحوال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله. والإشكال إنّما هو في حمل برهان الفضلاء: (علينا عين) على الاستفهام، والظاهر سياقاً حمله على الإخبار؛ ليكون تمام الحديث توبيخاً لهم في تفتيشهم بعد الإخبار، ولم يخطر ببالي وجه قريب لحمله؛ فتدبّر، فإنّه لا يرتكب مثله إلّا لوجهٍ وجيه، ولا يبعد أن يكون الباعث: (فلم نرَ أحداً).وفضل وارثي علم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كفضله من القطعيّات بالكتاب والسنّة، وحديث موسى وقطرات الساقطة من منقار الطير على الجهات الستّ فوق البحر عند عوده عن سفر مجمع البحرين مشهور، وقد عرفت الحديث الثالث من الباب الخامس والأربعين وأمثاله أكثر من أن يحصى.

الحديث الثاني روى في الكافي [بإسناده (1) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - مِنْهُمْ : عَبْدُ الْأَعْلى وَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيُّ - إِنَّهُمْ (2) سَمِعُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ ، وَ أَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ ، وَ أَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ ، وَ أَعْلَمُ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ» .قَالَ : ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً ، فَرَأى أَنَّ ذلِكَ كَبُرَ عَلى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ ، فَقَالَ : «عَلِمْتُ ذلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ» .

هديّة:و(لأعلم) يعني بالعلم المبذول، وقد مرّ ذكره في الباب السابق على سابق السابق، فلا إشكال. وأحاديث أكثر الأبواب السابقة بيّنات عادلات لما في هذا الباب، وكفى

.


1- .]أضفنا ما بين المعقوفتين حسب دأب المصنّف في نقل السند. والسند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة».
2- .في الكافي المطبوع: - «إنّهم».

ص: 326

بحظّهم عليهم السلام من أجزاء اسم اللَّه الأعظم أوفر من اُولي العزم شهيداً.(1)و«التبيان» مبالغة في البيان.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (2)، عَنْ البزنطي، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ جَمَاعَةَ بْنِ سَعْدٍ الجُعْفِيِ (3) ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ الْمُفَضَّلُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ الْمُفَضَّلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، يَفْرِضُ اللَّهُ تَعَالى طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ وَ يَحْجُبُ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِ ؟قَالَ : «لَا ، اللَّهُ أَكْرَمُ وَ أَرْحَمُ وَ أَرْأَفُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ ، ثُمَّ يَحْجُبَ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَ مَسَاءً» .

هديّة:(جماعة بن سعد الجعفي) بضمّ الجيم. وفي بعض النسخ: «الخثعمي» بالمعجمة المفتوحة قبل المثلّثة الساكنة. وهو وَهْمٌ، صرّح به العلّامة وابن داود وغيرهما في كتبهم.(4) و«جعفي» ككرسي: أبو قبيلة، والنسبة أيضاً كذلك.(خبر السماء) ممّا يحتاج إليه الناس، أو غيره أيضاً. قيل: (صباحاً) لليوم (ومساءً) للّيل، أو «صباحاً» لما يقع مساءً «ومساءً» لما يقع غداً.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ رِئَابٍ (5) ، عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ - وَ عِنْدَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - : «عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ يَتَوَلَّوْنَا ، وَ يَجْعَلُونَا أَئِمَّةً ، وَ يَصِفُونَ أَنَّ طَاعَتَنَا مُفْتَرَضَةٌ عَلَيْهِمْ كَطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ثُمَّ يَكْسِرُونَ حُجَّتَهُمْ ، وَ يَخْصِمُونَ أَنْفُسَهُمْ

.


1- .راجع: الكافي، ج 1، ص 230، باب ما أعطي الأئمّة عليهم السلام من اسم اللَّه الأعظم، ح 1 و 2 و 3.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل».
3- .في الكافي المطبوع: «الخثعميّ».
4- .الخلاصة، ج 1، ص 211، الرقم 5؛ رجال ابن داود، ج 1، ص 435، الرقم 96؛ رجال ابن الغضائري، ج 1، ص 46.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب».

ص: 327

بِضَعْفِ قُلُوبِهِمْ ، فَيَنْقُصُونَا حَقَّنَا ، وَ يَعِيبُونَ ذلِكَ عَلى مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ بُرْهَانَ حَقِّ مَعْرِفَتِنَا وَ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِنَا ؛ أَ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالى افْتَرَضَ طَاعَةَ أَوْلِيَائِهِ عَلى عِبَادِهِ ، ثُمَّ يُخْفِي عَنْهُمْ أَخْبَارَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ، وَ يَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ الْعِلْمِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِهِمْ ؟» .فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، وَ خُرُوجِهِمْ وَ قِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالى ، وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ الظَّفَرِ بِهِمْ حَتّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا؟فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا حُمْرَانُ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَ قَضَاهُ ، وَ أَمْضَاهُ ، وَ حَتَمَهُ عَلى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ ، ثُمَّ أَجْرَاهُ ، فَبِتَقَدُّمِ عِلْمٍ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَامَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام ، وَ بِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا ؛ وَ لَوْ أَنَّهُمْ يَا حُمْرَانُ حَيْثُ نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالى وَ إِظْهَارِ الطَّوَاغِيتِ عَلَيْهِمْ ، سَأَلُوا اللَّهَ تَعَالى أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ ذلِكَ ، وَ أَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مُلْكِ الطَّوَاغِيتِ وَ ذَهَابِ مُلْكِهِمْ ، إِذاً لَأَجَابَهُمْ ، وَ دَفَعَ ذلِكَ عَنْهُمْ ، ثُمَّ كَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الطَّوَاغِيتِ وَ ذَهَابُ مُلْكِهِمْ أَسْرَعَ مِنْ سِلْكِ مَنْظُومٍ انْقَطَعَ فَتَبَدَّدَ ، وَ مَا كَانَ ذلِكَ الَّذِي أَصَابَهُمْ - يَا حُمْرَانُ - لِذَنْبٍ اقْتَرَفُوهُ ، وَ لَا لِعُقُوبَةِ مَعْصِيَةٍ خَالَفُوا اللَّهَ فِيهَا ، وَ لكِنْ لِمَنَازِلَ وَ كَرَامَةٍ مِنَ اللَّهِ أَرَادَ أَنْ يَبْلُغُوهَا ؛ فَلَا تَذْهَبَنَّ بِكَ الْمَذَاهِبُ فِيهِمْ عليهم السلام».

هديّة:(يتولّونا ويجعلونا) و(فينقصونا) بنون واحدة مخفّفة للضمير، ونون الرفع محذوفة بالتقاء الساكنين. ويحتمل تشديد النون في «يجعلونا» و«فينقصونا» لضمّ اللام والصاد، فيجوز التقاء الساكين فيهما، دون «يتولّونا» لفتح اللام، كما يجوز في «تأمرونّي» في سورة الزمر(1)، قرأها نافع بنون واحدة مخفّفة، وابن عامر بنونين مخفّفتين: أولاهما بالفتح والثانية بالكسر، وباقي القرّاء السبعة بنون واحدة مشدّدة.(مفترضة) على اسم المفعول، من الافتعال الذي للمبالغة.

.


1- .الزمر (39): 64.

ص: 328

«كسره» كضرب، وشدّد للمبالغة. و«خصمه» كضرب أيضاً.(بضعف قلوبهم) يعني وهن اعتقادهم في فضل الإمام.(حقّنا) أي حقّ فضلنا.(أترون) يحتمل الخطاب والغيبة.(موادّ العلم) من القرآن وتحديث الملك والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام وغير ذلك ممّا مرَّ ذكره.و«القوام» ككتاب: ما يقوم به الشي ء كعماد البيت له.(قيام عليّ بن أبي طالب عليه السلام) لعلّه إشارة إلى وقعة صفّين، فإنّ شهادته عليه السلام كانت بعدها بأقلّ من أيّام الاُسبوع، و«قيام الحسن عليه السلام» إلى خروجه بعسكره إلى ساباط المدائن، و«قيام الحسين عليه السلام» إلى واقعة كربلاء.(وحتمه على سبيل الاختيار). قد سبق بيان مثله ببيان الحديث الأوّل من الباب السابع والأربعين. وقيل: يعني أنّ علمهم عليهم السلام بعد اختيارهم ما فيه رضى للَّه سبحانه متعلّق بالقضاء وفيه البداء، وإن كان علم اللَّه متعلّقاً بما هو المحتوم عنده غير متخلّف عن الإمضاء.(وإظهار الطواغيت) عطف تفسير للأمر.و«التبدّد»: التفرّق.و«الاقتراف»: الاكتساب.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ(1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِمِنى عَنْ خَمْسِمِائَةِ حَرْفٍ مِنَ الْكَلَامِ ، فَأَقْبَلْتُ أَقُولُ : يَقُولُونَ كَذَا وَ كَذَا ، قَالَ : فَيَقُولُ : «قُلْ كَذَا وَ كَذَا». قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا الْحَلَالُ وَ هذَا الْحَرَامُ أَعْلَمُ أَنَّكَ صَاحِبُهُ ، وَ أَنَّكَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ ، وَ هذَا هُوَ الْكَلَامُ ، فَقَالَ (2) : «وَيْسَكَ (3) يَا هِشَامُ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد».
2- .في الكافي المطبوع: + «لي».
3- .في الكافي المطبوع: «ويك».

ص: 329

يَحْتَجُ (1) اللَّهُ تَعَالى عَلى خَلْقِهِ بِحُجَّةٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ كُلُّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟» .

هديّة:يعني خمسمائة مسألة من علم الكلام.(هذا الحلال) وكذا: (وهذا الحرام) يحتمل النصب والرفع، وليس في بعض النسخ «هذا» الثانية، وفي بعض آخر كلمة (ويسك). و«ويس» كويح كلمة تستعمل في مقام رأفة واستملاح للصبيّ؛ قاله في القاموس.(2)وفي بعض النسخ: «لا يحتجّ اللَّه» بلا النافيه، وبدونها على الاستفهام الإنكاري.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (3) ، عَنْ الثُّمَالِىِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَا وَ اللَّهِ ، لَا يَكُونُ عَالِمٌ جَاهِلاً أَبَداً : عَالِماً بِشَيْ ءٍ ، جَاهِلًا بِشَيْ ءٍ». ثُمَّ قَالَ : «اللَّهُ أَجَلُّ وَ أَعَزُّ وَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ يَحْجُبُ عَنْهُ عِلْمَ سَمَائِهِ وَ أَرْضِهِ» ، ثُمَّ قَالَ : «لَا يَحْجُبُ ذلِكَ عَنْهُ» .

هديّة:(عالم) أي معصوم حجّة على عباد اللَّه.(عالماً بشي ء جاهلاً بشي ء) بدل عن (جاهلاً) أو عطف بيان ل «جاهلاً» لئلّا يتوهّم أنّ كلام السابق لغو، كما شرح برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى، وقال:يعني أنّ العالم حقيقة في الناس هو العالم بجميع ما يحتاج إليه الناس، فشي ء عبارة عمّا يحتاج إليه الناس، فلو كان العالم ببعضه دون بعضه عالماً، فكلّ أحدٍ من الناس عالم.

.


1- .في الكافي المطبوع: «لا يحتجّ».
2- .القاموس المحيط، ج 2، ص 258 (ويس).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 330

الباب التاسع والأربعون: باب أنّ اللَّه لم يعلّم نبيّه علماً إلّا...

الباب التاسع والأربعون : بَابُ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَمْ يُعَلِّمْ نَبِيَّهُ عِلْماً إِلَّا أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَ أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَهُ فِي الْعِلْمِ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَتى رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِحْدَاهُمَا ، وَ كَسَرَ الْأُخْرى بِنِصْفَيْنِ ، فَأَكَلَ نِصْفاً ، وَ أَطْعَمَ عَلِيّاً عليه السلام نِصْفاً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَا أَخِي ، هَلْ تَدْرِي مَا هَاتَانِ الرُّمَّانَتَانِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : أَمَّا الْأُولى فَالنُّبُوَّةُ ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ ؛ وَ أَمَّا الْأُخْرى فَالْعِلْمُ ، أَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ».فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، كَيْفَ كَانَ يَكُونُ شَرِيكَهُ فِيهِ ؟ قَالَ : «لَمْ يُعَلِّمِ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله عِلْماً إِلَّا وَ أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ عَلِيّاً صلوات اللَّه عليه».

هديّة:قد عرفت الفرق بين الرسول وبين الإمام بالمعنى الأخصّ بمعاينة الملك وعدمها، فلا حاجة إلى ما قيل، ولا حاجة إلى أن يُقال: قوله عليه السلام: (لا) ليس إخباراً عن عدم العلم؛

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن عبد اللَّه بن سليمان، عن حمران بن أعين».

ص: 331

لكونه شريكه صلى اللَّه عليه وآله فيما علم، بل إظهار الشوق لتكلّمه صلى اللَّه عليه وآله؛ إذ المراد أنّه عليه السلام مثله في العلم بما يحتاج إليه الناس بعد مضيّه صلى اللَّه عليه وآله.(كيف كان يكون شريكه) استفهام تعجّبي من توهّم الشراكة مع النبيّ في العلم بدون النبوّة.

الحديث الثاني روى في الكافي عَن الثلاثة(1)، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِرُمَّانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُمَا ، فَأَكَلَ وَاحِدَةً ، وَ كَسَرَ الْأُخْرى بِنِصْفَيْنِ ، فَأَعْطى عَلِيّاً عليه السلام نِصْفَهَا ، فَأَكَلَهَا ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، أَمَّا الرُّمَّانَةُ الْأُولَى الَّتِي أَكَلْتُهَا فَالنُّبُوَّةُ ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا شَيْ ءٌ ؛ وَ أَمَّا الْأُخْرى فَهُوَ الْعِلْمُ ، فَأَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ» .

هديّة:(هو) باعتبار الخبر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ(2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله بِرُمَّانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ ، فَلَقِيَهُ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَقَالَ : مَا هَاتَانِ الرُّمَّانَتَانِ اللَّتَانِ فِي يَدِكَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا هذِهِ فَالنُّبُوَّةُ ، لَيْسَ لَكَ فِيهَا نَصِيبٌ ، وَ أَمَّا هذِهِ فَالْعِلْمُ ، ثُمَّ فَلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِنِصْفَيْنِ ، فَأَعْطَاهُ نِصْفَهَا ، وَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله نِصْفَهَا ، ثُمَّ قَالَ : أَنْتَ شَرِيكِي فِيهِ ، وَ أَنَا شَرِيكُكَ فِيهِ».قَالَ : «فَلَمْ يَعْلَمْ وَ اللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حَرْفاً مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالى إِلَّا وَ قَدْ عَلَّمَهُ عَلِيّاً عليه السلام ، ثُمَّ انْتَهَى الْعِلْمُ إِلَيْنَا». ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدْرِهِ.

.


1- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن اُذينة».

ص: 332

هديّة:«فلقه» كضرب: شقّه.(ثمّ انتهى العلم إلينا) أي العلم الذي علّم النبيّ صلى اللَّه عليه وآله. قيل: لدفع المخالفة بين هذا الخبر والخبر الأوّل في السؤال عن حال الرمّانتين يحتمل تكرار هذه الحكاية.(ثمّ وضع يده إلى صدره) للإشارة إلى أنّ شريك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ليس منّا أهل البيت إلّا من كان فيه علامات الإمامة من العصمة وعلم الأنساب والمنايا(1)وغير ذلك، كما سيجي ء في بابه إن شاء اللَّه تعالى.

.


1- .في «د»: - «والمنايا».

ص: 333

الباب الخمسون: باب جهات علوم الأئمّة

الباب الخمسون : بَابُ جِهَاتِ عُلُومِ الْأَئِمَّةِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيع (1) ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ عَلِيٍّ السَّائِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ مُوسى (2) عليه السلام ، قَالَ : قَالَ : «مَبْلَغُ عِلْمِنَا عَلى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ : مَاضٍ ، وَ غَابِرٍ ، وَ حَادِثٍ ؛ فَأَمَّا الْمَاضِي ، فَمُفَسَّرٌ ؛ وَأَمَّا الْغَابِرُ ، فَمَزْبُورٌ ؛ وَ أَمَّا الْحَادِثُ ، فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ وَ هُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا ، وَ لَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:(البزيع) كالظريف بالظاء المعجمة وزناً ومعنى.و«الساية» كالراية: قرية قريبة من المدينة المنوّرة.و(غابر) هنا بمعنى «الآتي»، وفي الخبر الآتي بمعنى الماضي، وهو من لغات الأضداد. قيل: المراد به هنا ما هو مزبور في غير القرآن وب «المفسّر» ما هو مزبور في القرآن.(فمفسّر) يعني لنا، (فمزبور) مكتوب عندنا، (فقذف في القلوب) إلهاماً، (ونقر في الأسماع) بتحديث الملك.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن إسماعيل».
2- .في «الف»: - «موسى».

ص: 334

أقول: لا شكّ أنّ الإمام بالمعنى الأخصّ لا جهة لعلمه من أوّل عمره إلى آخر عمره سوى اللَّه تعالى فبواسطة أو بدونها، والثاني إلهام، والأوّل فبواسطة الحجّة السابق، أوِ الزُّبُر الحقّة من القرآن وغيره - كالجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام أو المَلَك. فالأوّل مسمّى ب «المفسّر» إمّا باعتبار تبيين الحجّة السابق وتفسيره، أو باعتبار تفسير القرآن؛ لشرفه في سائر ما علّمه السابق اللاحق. والثاني مسمّى ب «المزبور» للزّبر، وفيها ما فيه ما يأتي أكثر ممّا مضى وهو مصحف فاطمة عليها السلام. والثالث مسمّى ب «الحادث» لحدوثه بالنقر في الأسماع بالتحديث، ولكون التسمية في الأقسام الثلاثة بالاعتبارات التي عرفت لا ينافيها كون المعلوم في كلّ منها ممّا مضى أو ممّا يأتي، وكذا لا ينافي هذا البيان ما في الحديث الثالث من قوله عليه السلام: «أمّا الغابر فما تقدّم من علمنا، وأمّا المزبور فما يأتينا».(1) أو أنّ الغابر بمعنى الماضي وكذا للمزبور إطلاقين [على (2)ما عرفت، وأنّ الماضي العلم الحاصل والمزبور ما يحصل في المستقبل سيّما في ليالي الجمعة والقدر.ولبرهان الفضلاء هنا بيان ستعرف حاصله.(وهو أفضل علمنا) قيل: لأنّ لكلّ جديد لذّة.وقال برهان الفضلاء:«الأفضل» هنا إمّا بمعنى الأشكل - كما يظهر من كتاب بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار في باب ما يلهم الإمام ممّا ليس في الكتاب والسنّة من المعضلات - أو بمعنى الألذّ، فإنّ التّاجر سروره من الربح أكثر منه من البضاعة.وقيل: يمكن أن يكون الوجه خلوّ الأوّلين من إلهام اللَّه تعالى وتلاقي الملك بصوته.(ولا نبيّ بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله) إشارة إلى الفرق بين الإلهام والوحي، والأوّل عامّ، والثاني خاصّ بالأنبياء عليهم السلام.وقال بعض المعاصرين: والتحديث عند الأوهام خاصّ بالأنبياء، فلذا قال: «ولا نبيّ

.


1- .الكافي، ج 1، ص 264، باب جهات علوم الأئمّة عليهم السلام، ح 3.
2- .]ما بين المعقوفتين أضفناه حسب السياق.

ص: 335

بعد نبيّنا» والنبيّ يرى ويسمع، والمُحدَّث يسمع ولا يرى.(1)وقال برهان الفضلاء:«ولا نبيّ بعد نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله» للإشارة إلى أنّ القذف وكذا النقر إنّما هو تصوير للمعلومات السابقة، لا إلقاء العلم بقضيّة غير معلومة. وظاهرٌ أنّ استنباط المجهول من المعلوم ليس مختصّاً بالنبيّ، فيلزم بيان الفرق بين هذه المرتبة ومرتبة النبوّة.ثمّ قال:والحاصل أنّ علم الإمام على قسمين: علمه بالمكتوب في القرآن والجامعة وكتاب الوصيّة ومصحف فاطمة وأمثالها، وعلمه بغير ذلك من الحوادث. والثاني: على قسمين: علمه بالحوادث الصادرة قبل حدوث الإمامة بتعليم السابقِ اللاحقَ، وعلمه بالحوادث الصادرة بعد الإمامة يوماً فيوماً.وقريب ممّا قال ما قيل: إنّ البيان الواضح للثلاثة: أنّ الأوّل هو الذي قد حصل له عليه السلام فيما تقدّم من جهة القرآن بتعليم السابق أو الإلهام أو التحديث في ليالي القدر أو أزمنة اُخر قبل الإمامة أو حالتها، سواء كان المعلوم ممّا مضى، أو ممّا يأتي. والثاني ما يحصل له من الزُّبُر غير القرآن في ما يأتي كذلك. والثالث ما يحصل له بالإلهام أو بالتحديث. والتسمية بالاتّفاق ب «المفسّر» و«المزبور» و«الحادث» باعتبار الأهمّ، فتدبّر.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،(2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ عِلْمِ عَالِمِكُمْ ، قَالَ : «وِرَاثَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام » .قَالَ : قُلْتُ : إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَ يُنْكَتُ فِي آذَانِكُمْ ؟ قَالَ : «أَوْ ذَاكَ».

.


1- .قال الفيض في الوافي، ج 3، ص 606: «ولمّا كان هذا القول منه عليه السلام يوهم ادعاءه النبوّة، فإنّ الإخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالأنبياء، ردّ ذلك الوهم بقوله: «ولا نبيّ بعد نبيّنا» وذلك لأنّ الفرق بين النبيّ والمحدَّث إنّما هو برؤية الملك وعدم رؤيته، لا السماع منه».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن عليّ بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 336

هديّة:«التحدّث» على التفعّل: نقل الحديث فيما بين القوم بعضهم لبعض. و«النكت» كالنصر: خدش الأرض برأس عود ومثله، والمراد هنا الإسماع.(أو ذاك) يعني قد يكون ذاك أيضاً.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : رُوِينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ عِلْمَنَا غَابِرٌ ، وَ مَزْبُورٌ ، وَ نَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ ، وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ».فَقَالَ : «أَمَّا الْغَابِرُ ، فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِنَا ؛ وَ أَمَّا الْمَزْبُورُ ، فَمَا يَأْتِينَا ؛ وَ أَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ ، فَإِلْهَامٌ ؛ وَ أَمَّا النَّقْرُ فِي الْأَسْمَاعِ ، فَأَمْرُ الْمَلَكِ» .

هديّة:(روينا) على المجهول من المجرّد، أي روى لنا بالحذف والإيصال. وقرأ برهان الفضلاء مثله على المجهول من التفعيل، وقال بالفارسيّة: «يعني نقل كرده شده به ما» ثمّ قرأ: «فما تقدّم» على المجهول، من التفعّل، وقال: «التقدّم»: بيان و سفارش پيش از وقت». ثمّ قرأ: «تأتّانا» مكان (يأتينا) وقال: «التّأتّى»: سهولت ووضوحِ راهى. وآن مطاوع «تأتّيه» است كه مصدر باب تفعيل است، به معنى آسان كردن راهى براى كسى. «وتأتّانا» بتقدير «تأتّى لنا» است.(فأمر الملك) أي شأنه وفعله بالتحديث.

.

ص: 337

الباب الحادي والخمسون: باب أنّ الأئمّة لو ستر عليهم لأخبروا...

الباب الحادي والخمسون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام لَوْ سُتِرَ عَلَيْهِمْ لَأَخْبَرُوا كُلَّ امْرِىً بِمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ وفيه كما في الكافي حديثان:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (1)، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَوْ كَانَ لِأَلْسِنَتِكُمْ أَوْكِيَةٌ ، لَحَدَّثْتُ كُلَّ امْرِىً بِمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ».

هديّة:«الأوكية» جمع الوكاء بالكسر والمدّ، وهو رباط القِربة.(كلّ امرى ءٍ) أي منكم بما ينفعه أو يضرّه من الحوادث الآتية.

الحديث الثاني روى في الكافي بِهذَا الْإِسْنَادِ ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا بَصِيرٍ يَقُولُ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مِنْ أَيْنَ أَصَابَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ عليه السلام مَا أَصَابَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَنَايَاهُمْ وَ بَلَايَاهُمْ ؟قَالَ : فَأَجَابَنِي شِبْهَ الْمُغْضَبِ: «مِمَّنْ ذلِكَ إِلَّا مِنْهُمْ ؟!» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان».
2- .في الكافي المطبوع: «بهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان، عن عبد اللَّه بن مسكان».

ص: 338

قُلْتُ (1) : مَا يَمْنَعُكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟قَالَ : «ذلِكَ بَابٌ أُغْلِقَ إِلَّا أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام فَتَحَ مِنْهُ شَيْئاً يَسِيراً» ، ثُمَّ قَالَ : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ أُولئِكَ كَانَتْ عَلى أَفْوَاهِهِمْ أَوْكِيَةٌ».

هديّة:«من» في (من أين) للسببيّة، والمراد ب (أصحاب عليّ عليه السلام) هنا مثل رُشَيد الهجري وميثم التمّار وحجر بن عديّ ومحمّد بن أكثم وخالد بن مسعود وغيرهم ممّن أخبرهم عليه السلام بمناياهم وبلاياهم وكيفيّتها ومواضعها كما ضبط في أحاديثها.«هجرة» محرّكة: اسم بلدة باليمن، والنسبة: «هجريّ» و«هاجري» بكسر الجيم، والثاني على غير القياس.و«ميثم» بكسر الميم وفتح المثلّثة، من الوثم وهو الدقّ، و«خفٌّ ميثمٌ»: شديد الوطء كأنّه يثمّ الأرض، أي يدقّها.«حجر بن عدي» بضمّ المهملة وسكون الجيم، قال ابن داود: قال الشيخ: قال الكشّي: هو من عظماء أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام.(2)(شبه المغضب) نصب في موضع المفعول المطلق، أي فأجابني جواباً شبه المغضب.في بعض النسخ: «ممّن ذلك الأمر منهم». وعلى النسختين استفهامُ إنكارٍ، يعني هل تزعم أنّ قوله تعالى: «مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»(3)يشمل أصحاب الحسين عليه السلام مثلاً، بل ذلك لرضى منهم على ما سبق بيانه مفصّلاً.وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب العلل: «أنّ أصحاب الحسين عليه السلام كشف عنهم (4) الغطاء

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقلت».
2- .رجال ابن داود، ص 100، الرقم 382.
3- .الشورى (42): 30.
4- .في المصدر: «لهم».

ص: 339

حتّى رأوا منازلهم من الجنّة، فكان الرجل منهم يُقدم القتل ليتبادر(1) إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنّة».(2)(ما يمنعك) أي من الجواب مبيّناً، أو من أن تخبر أصحابك بمناياهم وبلاياهم؟ فأجاب عليه السلام: إنّ أولئك كانوا كاتمين للأسرار، وهؤلاء أكثرهم من أهل الإذاعة، وهو عليه السلام أخبر بذلك نفراً يسيراً، كما ورد في كتب الأخبار.(3)

.


1- .في المصدر: «يقدم على القتل ليبادر» بدل «يقدم القتل ليتبادر».
2- .علل الشرائع، ص 229، باب علّة إقدام أصحاب الحسين عليه السلام على القتل، ح 1.
3- .راجع: الأمالي للصدوق، ص 40، المجلس 10، ح 11؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 250، الباب 25، ح 4؛ بحار الأنوار، ج 47، ص 181، ذيل ح 27.

ص: 340

الباب الثاني والخمسون: باب التفويض إلى رسول اللَّه» صلى اللَّه عليه وآله و إلى الأئمّة فى أمر الدين

الباب الثاني والخمسون : بَابُ التَّفْوِيضِ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وآله وَ إِلَى الْأَئِمَّةِ عليه السلام فِي أَمْرِ الدِّينِ وأحاديثه كما في الكافي عشرة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ(1) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ النَّحْوِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَدَّبَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله عَلى مَحَبَّتِهِ ، فَقَالَ : «وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» ، وَ قَالَ تَعَالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ»» .ثُمَ (2) قَالَ : «وَ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ فَوَّضَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام وَ أئِمَّتِهِ عليهم السلام (3) ، فَسَلَّمْتُمْ وَ جَحَدَ النَّاسُ ؛ فَوَ اللَّهِ لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا ، وَ أَنْ تَصْمُتُوا إِذَا صَمَتْنَا ، وَ نَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالى ؛ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِأَحَدٍ خَيْراً فِي خِلَافِ أَمْرِنَا».

هديّة:(أدّب نبيّه صلى اللَّه عليه وآله) على نهج المحبّة وسبيل الرأفة، كما هو دأب المحبّ للحبيب، والوالد المشفق للولد، حتّى انتهى به إلى ما أراد من إتمام نوره ولو كره الكافرون بحيث

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد».
2- .في الكافي المطبوع: «قال: ثمّ قال».
3- .في الكافي المطبوع: «وائتمنه» بدل «وأئمّته عليهم السلام».

ص: 341

صار إلى حال لم يرد أمراً قطّ في الدِّين إلّا كان موافقاً بتقدير اللَّه لأمر اللَّه، فلمّا أكمل له الأدب قال اللَّه تعالى في سورة ن والقلم: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1)، ثمّ فوّض إليه وقال في سورة الحشر: «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»(2) الآية، وفي سورة النساء: «مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»(3).وليس المراد بالتفويض هنا ما يوجب استقلالاً تامّاً وتفرّداً كملاً للمفوَّض إليه في الأمر والحكم كما فهم الجاهلون، وأنّهم عليهم السلام لا يتنفّسون قطّ إلّا بإذن اللَّه تعالى؛ بل المعنى كرامة التشريف لهم بافتراض طاعتهم على الجميع بحيث ينقادونهم في جميع ما أتوا به فيما أتوه إيّاهم من غير اعتراض أو طلب دليل أو ظنّ أنّه ليس من اللَّه.وسيجي ء في الحديث السادس في الباب العاشر والمائة عن الجواد عليه السلام: «أنّ اللَّه تعالى فوّض الاُمور عليهم (4) وهم يحلّون ما يشاؤون ويحرِّمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلّا أن يشاء اللَّه تعالى».(5)في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وائتمنه» من الايتمان، مكان (وأئمّته عليهم السلام).

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ بَكَّارِ بْنِ بَكْرٍ(6) ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَشْيَمَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالى ، فَأَخْبَرَهُ بِهَا ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ ، فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ ، فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْأَوَّلَ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتّى كَأَنَّ

.


1- .القلم (68): 4.
2- .الحشر (59): 7.
3- .النساء (4): 80 .
4- .في المصدر: «اُمورها إليهم» بدل «الاُمور عليهم».
5- .الكافي، ج 1، ص 441، باب مولد النبي صلى اللَّه عليه وآله و وفاته، ح 5؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 439، ح 1196.
6- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن بكّار بن بكر».

ص: 342

قَلْبِي يُشَرَّحُ بِالسَّكَاكِينِ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : تَرَكْتُ أَبَا قَتَادَةَ بِالشَّامِ لَا يُخْطِئُ فِي الْوَاوِ وَ شِبْهِهِ ، وَ جِئْتُ إِلى هذَا يُخْطِئُ هذَا الْخَطَأَ كُلَّهُ ، فَبَيْنَا أَنَا كَذلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ آخَرُ(1) ، فَسَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْآيَةِ ، فَأَخْبَرَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَنِي وَ أَخْبَرَ صَاحِبِي ، فَسَكَنَتْ نَفْسِي ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذلِكَ مِنْهُ تَقِيَّةٌ .(2)ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ (3) : «يَا ابْنَ أَشْيَمَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَوَّضَ إِلى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام ، فَقَالَ : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكَ بِغَيْرِ حِسابٍ»، وَ فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : «وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فَمَا فَوَّضَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا».

هديّة:(يشرّح) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل للمبالغة.و«أبو قتادة»: تابعيّ من علماء العامّة اسمه «تميم بن نذير» بضمّ النون.(كلّه) نصب تأكيداً (لهذا).(ما أخبرني). قيل: لمّا كان الجواب موافقاً لما عنده نسبه إليه.وقال بعض المعاصرين: كأنّه كان شريكاً للسائل الأوّل في الاستماع والتوجّه، فنسبه إلى نفسه.(4)وقال برهان الفضلاء: «ما أخبرني» باعتبار السماع من قبل، فقرأ: «صاحبيّ» على التثنية و«بقيّة» بالمفردة مكان (تقيّة) بالمثنّاة من فوق، قال: يعني فعلمت أنّ خلاف ما أخبر به الأوّل بقيّة من علمه عليه السلام؛ لأنّ تكرار الخطأ في مسألة واحدة في مجلس واحد لا يكون من مثله إلّا لوجهٍ وجيه.

.


1- .في «الف»: «آخر عليه» بدل «عليه آخر».
2- .في الكافي المطبوع: + «قال».
3- .في الكافي المطبوع: + «لي».
4- .الوافي، ج 3، ص 618، ذيل ح 1196.

ص: 343

(فقال: «هَذَا عَطَاؤُنَا») الآية في سورة ص.(1) وفسّر (فامنن) بإذن اللَّه (أو امسك) بإذن اللَّه على ما عرفت آنفاً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ثَعْلَبَةَ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام يَقُولَانِ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ». ثُمَّ تَلَيَا(3) هذِهِ الْآيَةَ : «ما(4) آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» .

هديّة:(كيف طاعتهم) أي لمفترض الطاعة، وهذا بيّنة عادلة لما بيّناه آنفاً من معنى التفويض هنا، وهذا مراد من قال: أي كيف طاعتهم بأمر اللَّه تعالى لعبد من بني نوعهم، فيكشف عن إخلاصهم في طاعتهم للَّه سبحانه.

الحديث الرابع روى في الكافي عَن الثلاثة، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ(5) ، عَنْ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَدَّبَ نَبِيَّهُ ، فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ ، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ ، قَالَ : «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَ الْأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ ، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «ما(6) آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً ، مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ ، لَا يَزِلُّ وَ لَا يُخْطِئُ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ ، فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللَّهِ .

.


1- .ص (38): 39.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن ثعلبة».
3- .في الكافي المطبوع: «تلا».
4- .في «الف»: «وما».
5- .في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة».
6- .في «الف»: «وما».

ص: 344

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ ، فَأَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، وَ إِلَى الْمَغْرِبِ رَكْعَةً ، فَصَارَتْ عَدِيلَ الْفَرِيضَةِ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلَّا فِي السَّفَرِ ، وَ أَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَ الْحَضَرِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ كُلَّهُ ، فَصَارَتِ الْفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ(1) رَكْعَةً .ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله النَّوَافِلَ أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ ، وَ الْفَرِيضَةُ وَ النَّافِلَةُ إِحْدى وَ خَمْسُونَ رَكْعَةً ، مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ جَالِساً تُعَدَّانِ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الْوَتْرِ .وَ فَرَضَ اللَّهُ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ . وَ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَوْمَ شَعْبَانَ وَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ ، فَأَجَازَ اللَّهُ تَعَالى لَهُ ذلِكَ .وَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالى الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا ، وَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ ، فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ .وَ عَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَشْيَاءَ وَ كَرَّهَهَا ، لَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ ، إِنَّمَا نَهى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَ كَرَاهَةٍ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا ، فَصَارَ الْأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَاجِباً عَلَى الْعِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَ عَزَائِمِهِ ، وَ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ ، وَ لَا فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لَازِمٍ ، فَكَثِيرُ الْمُسْكِرِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ ، لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ ، وَ لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلى مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالى ، بَلْ أَلْزَمَهُمْ ذلِكَ إِلْزَاماً وَاجِباً ، لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي شَيْ ءٍ مِنْ ذلِكَ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ ، وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ شَيْئاً(2) لَمْ يُرَخِّصْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَمْرَ اللَّهِ تَعَالى ، وَ نَهْيُهُ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالى ، وَ وَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَعَالى» .

.


1- .في «الف» و «د»: «سبعة عشر» بدل «سبع عشرة». والصحيح ما أثبتناه. قال الشيخ البهائي في الصمديّة، ص 313: «وتقول: ثلاثة عشر رجلاً إلى تسعة عشر رجلاً في المذكّر وثلاث عشرة امرأة إلى تسع عشرة امرأة في المؤنّث».
2- .في الكافي المطبوع: + «ما». وفي حاشية «الف»: «يرخّص ما لم يرخّصه» بدل «يرخّص شيئاً لم يرخّصه».

ص: 345

هديّة:(قيس الماصر) من المتكلِّمين، تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين عليهما السلام وصَحِبَ الباقر والصادق عليهما السلام.«سُسْتُ الرعيّةَ سياسة»: ملكتُ أمرهم. قال الفرّاء: فلان مجرّب قد ساس وسيس، أي أمر واُمر عليه.(1)والآية الاُولى في سورة نون (2)، والثانية في سورة الحشر(3)، ولتكرار البيان بقرب العهد فوائد.(فتأدّب) يحتمل المصدر، وقرأ برهان الفضلاء على صيغة الأمر، وقال: يعني فلا تكن من المتجاوزين عن الحدّ بالعمل بالظنّ والرأي.(فصارت) أي الضميمة (عديل الفريضة) في عدم جواز الترك؛ فقوله: (لا يجوز) استئنافٌ بيانيٌّ.(فأجاز اللَّه له ذلك) يعني ما أضاف إلى الركعتين بأمره الموافق لأمر اللَّه وإذنه، بدلالة آخر الحديث الدالّ على أنّ إطاعته صلى اللَّه عليه وآله فيما أمر ونهى إطاعة اللَّه تعالى. وكذا الكلام في الفقرات الآتية.(مكان الوتر) بمعنى أنّه لو منع مانع من الوتر تكون هذه الركعة الوتيرة وهي زائدة على الخمسين مكانه بحسب ثواب الآخرة والمنافع المترتّبة على الوتر في الدنيا في كلّ شهر من الأشهر الباقية وهي عشرة.عاف الطعام أو الشراب يعافه - كيخافه - عيفاً بالفتح، وعيافاً بالكسر: كرهه فلم يشربه، فهو عائف. ولم يذكروا «أعافه» ولا «الإعافة» ولا «المعيف» ولكن على المضبوط في كتب الحديث يظهر أنّ «عافه» و«أعافه» بمعنىً. وفرّق برهان

.


1- .الصحاح، ج 3، ص 938 (سوس).
2- .القلم (68): 4.
3- .الحشر (59): 7.

ص: 346

الفضلاء بينهما، وكفى بقوله سنداً. قال في شرحه بالفارسي: «العيف» بالفتح: مصدر باب علم وضرب: ناخوش آمدن كسى را چيزى، و«الإعافة»: ناخوش شمردن چيزى را نزد كسى.ثمّ قرأ: «وكرّهها» بالتشديد، يعني إلى الاُمّة؛ إذ «التكريه» لا يستعمل إلّا متعدّياً ب «إلى»، قال اللَّه تعالى في سورة الحجرات: «وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(1).(فصار الأخذ برخصه واجباً) على صيغة الجمع. واحتمال «برخصة» على التنكير - كما قيل - ليس بشي ء. والمعنى: فوجب عدم عدّ المكروه حراماً؛ لأنّه ليس نهياً محضاً، بل مركّب من نهي ورخصة.(وعزائمه) أي لوازمه وواجباته من الأشربة.قال برهان الفضلاء: حال من «الكثير» بمعنى كثرة عدد أنواع المسكر من الأشربة، نظراً إلى عدد أنواعه من الجامد، فصريح في حرمة قليله وكثيره.وقال بعض المعاصرين:وفحوى «فكثير المسكر من الأشربة» يدلّ على عدم حرمة القليل منها، وتخصيص تحريم القليل بالخمر خاصّة. وفيه إشكال لما يأتي في كتاب المعايش ممّا ينافيه.(2)أقول: كفى بالإجماع حجّة، والمجمع عليه - لنصوص تأتي في كتاب المعايش وغيره - تحريم القليل أيضاً من كلّ مسكر مايع، فمن قال يحتمل إسقاط «وقليله» أو «ويسير المسكر» مكان «وكثير المسكر»، فأقرّ بالعجز عن تطبيقه ما عليه الإجماع.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ زُرَارَةَ(3) : أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام يَقُولَانِ : «إِنَّ اللَّهَ

.


1- .الحجرات (49): 7.
2- .الوافي، ج 3، ص 617، ذيل ح 1195.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة».

ص: 347

- تَبَارَكَ وَ تَعَالى - فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَمْرَ خَلْقِهِ ؛ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ»، ثُمَّ تَلَيَا(1) هذِهِ الْآيَةَ : «وما(2) آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» .

هديّة:بيانه كالحديث الثالث، والفرق بينهما إنّما هو في الرّواة عن زرارة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ(3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَدَّبَ نَبِيَّهُ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا انْتَهى بِهِ إِلى مَا أَرَادَ ، قَالَ لَهُ : «إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ، فَفَوَّضَ إِلَيْهِ دِينَهُ ، فَقَالَ : «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى فَرَضَ الْفَرَائِضَ ، وَ لَمْ يَقْسِمْ لِلْجَدِّ شَيْئاً ، وَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَطْعَمَهُ السُّدُسَ ، فَأَجَازَ اللَّهُ تَعَالى لَهُ ذلِكَ ؛ وَ ذلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكَ بِغَيْرِ حِسابٍ»» .

هديّة:بيانه بيِّن فيما سبق.(للجدّ شيئاً) مع الاخوة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ (4) ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله دِيَةَ الْعَيْنِ وَ دِيَةَ النَّفْسِ ، وَ حَرَّمَ النَّبِيذَ وَ كُلَّ مُسْكِرٍ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جَاءَ فِيهِ شَيْ ءٌ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، لِيُعْلَمَ مَنْ يُطِيعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَعْصِيهِ» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «تلا».
2- .في الكافي المطبوع: «ما» بدون الواو.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان».

ص: 348

هديّة:(وضع): قرّر وأثبت.(من غير أن يكون جاء فيه شي ء) أي وحي، وقد مرّ أنّ إلهام الحجّة من دون الوحي بتوسّط الملك لا يكون إلّا بإذن اللَّه، فلا إشكال فيما عرفت من معنى التفويض.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ(1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : وَجَدْتُ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ (2) ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَا وَ اللَّهِ ، مَا فَوَّضَ اللَّهُ إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا إِلَى الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله وَ إِلَى الْأَئِمَّةِ عليهم السلام ، قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ» ، وَ هِيَ جَارِيَةٌ فِي الْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام».

هديّة:في بعض النسخ: «إلى رسول اللَّه» مكان (إلى الرّسول).والظاهر من الاستشهاد بأمر اللَّه تعالى نبيّه صلى اللَّه عليه وآله بالحكم بين الناس في آية سورة النساء(3) ثمّ القول بأنّها جارية في الأوصياء، أنّ تفويض اللَّه تعالى إلى الأئمّة عليهم السلام إنّما هو في الحكم بما أراهم اللَّه - عزّ وجلّ - فيما ثبت حكمه من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله عندهم بالكتاب والسنّة. والفرق أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله يضع بإذن اللَّه تعالى بالإلهام من دون وحي، وهم يحكمون فيما وضع من قبل بما أراهم اللَّه عزّ وجلّ، فإنّ حلال محمّدٍ حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة، وقوله عليه السلام في الحديث التالي: «فما فوّض اللَّه إلى رسوله صلى اللَّه عليه وآله فقد فوّضه إلينا» مؤيّد، وهذا مراد من قال: يعني لا واللَّه، ما افترض اللَّه طاعة أحدٍ من خلقه في أمر الدِّين في هذه الاُمّة إلّا طاعة الرسول وأوصيائه المعصومين صلوات اللَّه عليهم.

.


1- .في الكافي المطبوع: + «بن يحيى».
2- .في «الف»: - «عن عبد اللَّه بن سنان».
3- .النساء (4): 105.

ص: 349

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَدَّبَ رَسُولَهُ صلى اللَّه عليه وآله حَتّى قَوَّمَهُ عَلى مَا أَرَادَ ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ تَعَالى : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فَمَا فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالى إِلى رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا».

هديّة:بيانه كنظايره.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ الشَّحَّامِ (2) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكَ بِغَيْرِ حِسابٍ» قَالَ : «أَعْطى سُلَيْمَانَ مُلْكاً عَظِيماً ، ثُمَّ جَرَتْ هذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا شَاءَ مَنْ شَاءَ ، وَ يَمْنَعَ مَنْ شَاءَ ، وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ أَفْضَلَ مَا(3)أَعْطى سُلَيْمَانَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»».

هديّة:في بعض النسخ: بتقديم (من شاء) على (ما شاء)، و«ممّا أعطى» مكان (ما أعطى).وقد سبق أنّ «الملك العظيم» هو الطاعة المفترضة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن زياد، عن محمّد بن الحسن الميثمي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن الحسين بن عبد الرّحمن، عن صندل الخيّاط، عن زيد الشحّام».
3- .في الكافي المطبوع: «ممّا».

ص: 350

الباب الثالث والخمسون: باب في أنّ الأئمّة بمن يشبّهون ممّن مضى و...

الباب الثالث والخمسون : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام بِمَنْ يُشَبَّهُونَ مِمَّنْ مَضى وَ كَرَاهِيَةِ الْقَوْلِ فِيهِمْ بِالنُّبُوَّةِوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا مَوْضِعُ الْعُلَمَاءِ ؟ قَالَ : «مِثْلُ ذِي الْقَرْنَيْنِ ، وَ صَاحِبِ سُلَيْمَانَ ، وَصَاحِبِ مُوسى عليهم السلام» .

هديّة:(بمن يشبّهون) في العنوان على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل، والباء في «بمن» تمنع أن يكون على المعلوم من الإفعال؛ صرّح به برهان الفضلاء أيضاً.قال في القاموس: أشبهه: ماثله، وشبّهه إيّاه، وبه تشبيهاً: مثَّله.(2)والمراد ب (العلماء): الأئمّة عليهم السلام، وب (صاحب سليمان): آصف بن برخيا، وب (صاحب موسى): يوشع بن نون، لم يكن صاحب السدّ اسكندر ذو القرنين نبيّاً - كما سيذكر - بل كان وصيّاً لنبيّ من الأنبياء عليهم السلام وعالماً بما علّم به نبيّه، وكذا «صاحب سليمان» آصف بن برخيا و«صاحب موسى» يوشع بن نون.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن حمران بن أعين».
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 286 (شبه).

ص: 351

قيل: ويمكن أن يكون المراد ب «صاحب موسى» الخضر عليه السلام، فقيل: نعم، إذا احتُمِل - كما قيل - كون الخضر عليه السلام وصيّاً لا نبيّاً، والظاهر من النصوص أنّه خلاف المشهور من الإجماع على كونه نبيّاً.وقيل: يعني مثل ذي القرنين في تسلّط قائمهم عليهم السلام على مشارق الأرض ومغاربها، أو كون أوّلهم مثله في الضرب على القرنين، ومثل صاحب سليمان في كون كلّ واحدٍ منهم وزيراً للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وصاحب الملك العظيم المفسّر بافتراض الطاعة واحداً بعد واحدٍ، ومثل صاحب موسى في كونهم عليهم السلام أوصياء النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، أو مثلهم في كونهم عالمين عاقلين عن اللَّه سبحانه من دون النبوّة كما في الخبر التالي. وروى عليّ بن إبراهيم في تفسير سورة الكهف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سئل عن ذي القرنين أنبيّاً كان، أم ملَكاً؟ فقال: «لا نبيّاً ولا مَلَكاً، عبدٌ أحبَّ اللَّه فأحبّه اللَّه، ونصح للَّه فنصح له، فبعثه إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء اللَّه أن يغيب، ثمّ بعثه اللَّه الثانية، فضربوه على قرنه الأيسر، فغاب عنهم ما شاء اللَّه،(1) فمكّن اللَّه له في الأرض، وفيكم مثله» يعني نفسه؛ الحديث.(2)قال صاحب القاموس وهو من العامّة:وذو القرنين: اسكندر الرومي؛ لأنّه لمّا دعاهم إلى اللَّه تعالى، ضربوه على قَرنه فمات، فأحياه اللَّه، ثمّ دعاهم، فضربوه على قرنه الآخر فمات، ثمّ أحياه اللَّه. أو لأنّه بلغ قُطْرَي الأرض، أو لضَفيرَتَين له، والمُنذِرُ بن ماء السماء لضَفيرتين كانتا في قرنَيْ رأسه، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام لقوله صلى اللَّه عليه وآله: «إنَّ لك في الجنّة بيتاً - ويروى: كنزاً - وأنّك لذو قَرنَيْها، أي ذو طَرَفَي الجنّة ومَلِكها الأعظم، تَسلُك مُلْك جميع الجنّة، كما سلك ذو القرنين جميع الأرض»، أو ذو قرني الاُمّة، فاُضمرت وإن لم يتقدّم ذكرها، أو ذو جَبَلَيْها للحسن والحسين عليهما السلام، أو ذو شجّتين في قرني رأسه: إحداهما من عمرو بن عبدودّ، والثانية من

.


1- .في المصدر: + «ثمّ بعثه ثالثة».
2- .تفسير القمّي، ج 2، ص 40، مع اختلاف يسير.

ص: 352

ابن ملجم لعنه اللَّه، وهذا أصحّ، انتهى.(1)أقول: نعم، إلّا أنّ الأصحّ في ذي القرنين أنّ صاحب السدّ هو غير «ابن فيلقوس الرومي» المعاصر لداراب من ملوك العجم، والاشتراك إنّما هو في الاسم واللقب.و«الودّ» بالضمّ والتشديد، ويفتح: اسم صنم من أصنام قريش.

الحديث الثاني روى في الكافي عن الثلاثة(2)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّمَا الْوُقُوفُ عَلَيْنَا فِي الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ ، فَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَلَا» .

هديّة:قيل: يعني الوقوف على طاعتنا من غير تجاوز إلى طاعة غيرنا.وقيل: في الحلال والحرام، يعني في إثبات علمنا وراثةً من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.أقول: - بدلالة ما سبق آنفاً - يعني الوقوف على مبلغ علمنا وعقلنا عن اللَّه سبحانه بافتراضه طاعتنا في الإخبار بكلّ ما جاء به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من حلاله الحلال إلى يوم القيامة وحرامه الحرام إلى يوم القيامة، فأمّا التفويض إلينا بوضع الحلال والحرام كما إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله فلا؛ بل فوّض إلينا العطاء والإمساك في ذلك الإخبار.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ(3) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالى خَتَمَ بِنَبِيِّكُمُ النَّبِيِّينَ ؛ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ أَبَداً ، وَ خَتَمَ بِكِتَابِكُمُ الْكُتُبَ ؛ فَلَا كِتَابَ بَعْدَهُ أَبَداً ، وَ أَنْزَلَ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ خَلْقَكُمْ ، وَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ ، وَ نَبَأَ

.


1- .القاموس المحيط، ج 4، ص 258 (قرن).
2- .أي «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن محمّد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن أيّوب بن الحرّ».

ص: 353

مَا قَبْلَكُمْ ، وَ فَضْلَ (1) مَا بَيْنَكُمْ ، وَ خَبَرَ مَا بَعْدَكُمْ ، وَ أَمْرَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ، وَ مَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ» .

هديّة:(وخلْقكم) بسكون اللام، نصب عطفاً على «التبيان»، أو مجرور عطفاً على (كلّ شي ء) وكذا في الفقرات التالية.وفيه ردّ على القول بأكثر اُصول الفلسفة كإيجاب الصانع وقِدَم العالم وحدوث الأكوان بمقتضى الطبائع القديمة، وغير ذلك من الخيالات المخالفة لما أخبر به الحجّة العاقل عن اللَّه الأعلم بديهة بما صنع.والقول بعدم المنافاة بين القِدَم والاختيار - للقول بالإيجاب الخاصّ بعد القول بامتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة - مجرّدُ قولٍ لا حقيقة له كما صرّح به برهان الفضلاء أيضاً.(وفضل ما بينكم) بالمعجمة، يعني علم الإمام عليه السلام، فإشارة إلى وجوب وجود قيّم معصوم عاقل عن اللَّه تعالى للقرآن؛ لما مرّ مراراً مفصّلاً.وقرأ برهان الفضلاء بالمهملة فقال: يعني ومحاكمة ما بين نوع الإنسان من القضايا عقلاً عن اللَّه تعالى؛ لثبوت الاختلاف بدونه، والاختلاف في أحكام دين اللَّه ممتنع.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ(2) ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ مُحَدَّثاً» ، فَقُلْتُ : فَتَقُولُ : نَبِيٌّ ؟ قَالَ : فَحَرَّكَ بِيَدِهِ هكَذَا ، ثُمَّ قَالَ : «أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ ، أَوْ كَصَاحِبِ مُوسى ، أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ ، أَ وَ مَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ؟!» .

.


1- .في الكافي المطبوع: «فصل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة».

ص: 354

هديّة:(فحرّك بيده هكذا) يعني فبالغ في الإنكار بتحريك اليد على ما هو المتعارف في مقام الإنكار.(أو كصاحب سليمان) يعني بل كصاحب سليمان، قال صاحب الصحاح أيضاً:وقد يكون «أو» بمعنى «بل» في توسّع الكلام، قال الشاعر:بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح يريد: بل أنت، وقوله تعالى: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ»(1)؛ بمعنى: بل يزيدون، ويقال: [معناه:(2) إلى مائة ألف عند اللَّه تعالى (3) أو يزيدون عند الناس؛ لأنّ اللَّه تعالى لا يشكّ، انتهى.(4)وقال برهان الفضلاء:«أو كصاحب» عطف على مقدّر؛ بمعنى أنّه أقول إنّه نبيّ أو كصاحب سليمان، فإشارة إلى أنّ التحديث لا يستلزم النبوّة، بل مستلزم للقدر المشترك بين النبوّة والولاية وإن كان انتفاء النبوّة في الأئمّة من المعلومات.ثمّ قال:وإنّما لم يعطف «كصاحب موسى» وكذا «كذي القرنين» بالواو - كما في الحديث الأوّل - ليكون إشارة إلى توارد الحالات الثلاث على أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّه عليه السلام كان في عهد الرسول صلى اللَّه عليه وآله وزيره كآصف، وفي زمن الأوّل والثاني والثالث معتزلاً خمولاً كيوشع صاحب موسى، ثمّ كذي القرنين.(أوما بلغكم) بهمزة الاستفهام، والواو العاطفة على مقدّر مثل «خفى» و«غفلتم».

.


1- .الصافّات (37): 147.
2- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
3- .في المصدر: «عند الناس» بدل «عند اللَّه تعالى».
4- .الصحاح، ج 6، ص 2275 (أو).

ص: 355

الحديث الخامس روى في الكافي عن الثلاثة، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ العجلي (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام ، قَالَ : قُلْتُ (2) : مَا مَنْزِلَتُكُمْ ؟ وَ مَنْ تُشْبِهُونَ مِمَّنْ مَضى ؟ قَالَ : «صَاحِبُ مُوسى وَ ذُو الْقَرْنَيْنِ كَانَا عَالِمَيْنِ ، وَلَمْ يَكُونَا نَبِيَّيْنِ» .

هديّة:(تشبهون) على المعلوم من الإفعال، أشبهه: صار شبيهاً به.(صاحب): مبتدأ و(كانا) خبره.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ سَدِيرٍ(3) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : إِنَّ قَوْماً يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ ، يَتْلُونَ عَلَيْنَا بِذلِكَ قُرْآناً «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ» ؟فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ شَعْرِي مِنْ هؤُلَاءِ بَرِي ءٌ(4) ، وَ بَرِئَ اللَّهُ (5) مِنْهُمْ ، مَا هؤُلَاءِ عَلى دِينِي ، وَ لَا عَلى دِينِ آبَائِي ؛ وَ اللَّهِ ، لَا يَجْمَعُنِي اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ».قَالَ : قُلْتُ : وَ عِنْدَنَا قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ رُسُلٌ ، يَقْرَؤُونَ عَلَيْنَا بِذلِكَ قُرْآناً: «يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّى بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ» ؟فَقَالَ : «يَا سَدِيرُ ، سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي مِنْ هؤُلَاءِ بَرِي ءٌ6 ، وَ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ رَسُولُهُ ، مَا هؤُلَاءِ عَلى دِينِي ، وَ لَا عَلى دِينِ آبَائِي ؛ وَ اللَّهِ ، لَا يَجْمَعُنِي اللَّهُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن بريد بن معاوية».
2- .في الكافي المطبوع: + «له».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقيّ، عن أبي طالب، عن سدير».
4- .في الكافي المطبوع: «براء».
5- .في الكافي المطبوع: + «ورسوله».

ص: 356

وَ إِيَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَ هُوَ سَاخِطٌ عَلَيْهِمْ».قَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَنْتُمْ ؟قَالَ : «نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللَّهِ ، نَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ (1) اللَّهِ ، نَحْنُ قَوْمٌ مَعْصُومُونَ ، أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِنَا ، وَ نَهى عَنْ مَعْصِيَتِنَا ، نَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَ فَوْقَ الْأَرْضِ» .

هديّة:الآية الاُولى في سورة الزخرف،(2) والثانية في سورة المؤمنون.(3)يا أخي هل رأيت أو سمعت قائلاً بإلهيّتهم عليهم السلام سوى الغلاة والصوفيّة القدريّة، فويلٌ، ثمّ ويلٌ لمن تبرّأ منه الإمام بذلك المبالغة والاهتمام، وقد عرفت مراراً أنّ أفضح ضروب الكفر وأفحش صنوف الضلالة والزندقة هو القول باتّحاد الخالق ومعيّته مع مخلوقه في الذات وتغايرهما بالاعتبار، ثمّ الاستشهاد والاستناد بمثل قوله تعالى: «إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ مُحِيطٌ»(4)، وقوله عزّ وجلّ: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ»(5)، ثمّ التمثيل بالبحر وأمواجه، والمشكوة وشبكاته وغير ذلك من مزخرفاتهم، ولا يخفى لطف ذكره عليه السلام طائفة من علامات المخلوقيّة من الجوارح والأجسام في هذا المقام.(نحن خزّان علم اللَّه) يعني بأمر اللَّه بما شاء اللَّه من علمه الذي لا يتناهى.(نحنُ تراجمة وحي اللَّه) دلالة على الفرق بين الوحي والإلهام، ومن شواهد الفرق على ما بيّناه آنفاً بين تفويض النبيّ وتفويض الإمام.(على من دون السماء وفوق الأرض) دلالة على افتراض طاعتهم عليهم السلام على الجنّ والإنس.

.


1- .في الكافي المطبوع: «أمر».
2- .الزخرف (43): 84.
3- .المؤمنون (23): 51.
4- .فصّلت (41): 54.
5- .الحديد (57): 4.

ص: 357

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ البصري، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «الْأَئِمَّةُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَّا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ، وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَا يَحِلُّ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، فَأَمَّا مَا خَلَا ذلِكَ ، فَهُمْ (2)بِمَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».

هديّة:مثله تفصيل لحديث المنزلة، ومثله من حديث الاشتراك في العلم وسائر الصفات الكماليّة اللازمة للإمامة بمعنى الأعمّ، وإشارة إلى أنّ جميع ما عدّ من خواصّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إنّما هو بالنظر إلى غير أوصيائه سوى تينك الخصلتين.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللَّه بن بحر، عن ابن مسكان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه، عن محمّد بن مسلم».
2- .في الكافي المطبوع: + «فيه».

ص: 358

الباب الرابع والخمسون: باب أنّ الأئمّة محدّثون مفهّمون

الباب الرابع والخمسون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عمّن ذكره، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ(1) ، قَالَ : أَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى زُرَارَةَ : أَنْ يُعْلِمَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ : «أَنَّ أَوْصِيَاءَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مُحَدَّثُونَ» .

هديّة:(محدّثون مفهّمون) في العنوان «التحديث» تفعيل، بمعنى ذكر الحديث للغير، أو تذكير الحديث له، كما قال برهان الفضلاء، والمراد هنا تحديث المَلَك للإمام. و«التفهيم» هنا أعمّ من التحديث؛ لمكان الإلهام وروح القدس.«أن» في (أن يعلم) مفسّرة، و«يعلم» على الغائب المعلوم من الإفعال أو من التفعيل. وقرأ برهان الفضلاء على الغائب المعلوم من ماضي التفعّل بقرينة المفهوم من الحديث التالي أنّ «الحَكَم» وهو من علماء الزيديّة، تعلّم ذلك من عليّ بن الحسين عليهما السلام، فإن مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن و«الحَكَم» فاعل، ثمّ احتمل الغائب المعلوم من مضارع المجرّد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن القاسم بن محمّد، عن عبيد بن زرارة» من دون «عمّن ذكره».

ص: 359

وتحديث الملك كما هو المستفاد من بعض الأخبار ليس من خاصّة المعصوم؛ لمكان سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه وسفراء صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه.إنّما قلنا لمكان الإلهام وروح القدس؛ لمكان تعدّد جهة علم الإمام، منها: الإلهام، وهو جهة من جهات علومهم عليهم السلام كما سبق، وقد روى سعد بن عبداللَّه في كتاب مختصر البصائر بإسناده، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: «إنّ الأوصياء محدّثون، يحدّثهم روح القدس ولا يرونه». الحديث.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادِ بْنِ سُوقَةَ(2) ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام يَوْماً ، فَقَالَ : «يَا حَكَمُ ، هَلْ تَدْرِي الْآيَةَ الَّتِي كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام يَعْرِفُ قَاتِلَهُ بِهَا ، وَ يَعْرِفُ بِهَا الْأُمُورَ الْعِظَامَ الَّتِي كَانَ يُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ ؟» .قَالَ الْحَكَمُ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : قَدْ وَقَعْتُ عَلى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، أَعْلَمُ بِذلِكَ تِلْكَ الْأُمُورَ الْعِظَامَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، لَا أَعْلَمُ ، قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ : الْآيَةُ تُخْبِرُنِي بِهَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ؟قَالَ : «هُوَ وَ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لَا نَبِىٍّ (وَ لَا مُحَدَّثٍ)» وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مُحَدَّثاً».فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ - يُقَالُ لَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ ، كَانَ أَخَا عَلِيٍّ لِأُمِّهِ - : سُبْحَانَ اللَّهِ! مُحَدَّثاً ؟ كَأَنَّهُ يُنْكِرُ ذلِكَ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ بَعْدُ قَدْ كَانَ يَعْرِفُ ذلِكَ».قَالَ : فَلَمَّا قَالَ ذلِكَ سَكَتَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : «هِيَ الَّتِي هَلَكَ فِيهَا أَبُوالْخَطَّابِ ، فَلَمْ يَدْرِ مَا تَأْوِيلُ الْمُحَدَّثِ وَ النَّبِيِّ» .

.


1- .مختصر البصائر، ص 63، ح 3.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة».

ص: 360

هديّة:في توجيه هذا الحديث لتناسب فقراته أقوالٌ.(قد وقعت) على المتكلّم، من الوقوع. وقرأ برهان الفضلاء: «قد وقفت» من الوقوف، بمعنى الاطّلاع على علم، أي علم عظيم تخبرني، بتقدير الاستفهام. ويحتمل أن يكون بمعنى الأمر، والخبريّة بمعنى الإنشائيّة كثيرة.و(هو واللَّه قول اللَّه تعالى) أي مطلوب السائل، أو التذكير باعتبار الخبر، والآية في سورة الحجّ.(1) وقد سبق أنّ قوله: «ولا محدّث» إمّا في قراءة أهل البيت عليهم السلام، أو ذكر الآية بشرحها، كما شرح جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله.قال برهان الفضلاء:«زياد بن سوقة» بضمّ السين المهملة، من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، و«أبو الخطّاب محمّد بن مقلاص» أدرك الصادق عليه السلام ولم يدرك الباقر عليه السلام، فالقائل لقوله: «فقال له رجل» زياد بن سوقة، أي فقال للحَكَم رجل في مجلس الباقر عليه السلام، بناءً على حكاية الحَكَم هذا الحديث في مجلسه عليه السلام بدلالة نظير هذا الخبر، وسيذكر إن شاء اللَّه تعالى، والمراد ب «عليّ» عليّ بن الحسين عليهما السلام، وضمير «لاُمّه» للرجل، وهو أخ رضاعي له عليه السلام، والمشار إليه ل «ذلك» في الموضعين: صدور حديث الحَكَم عن عليّ بن الحسين عليهما السلام، قال: و«بعد» مبنيّ على الضمّ، بحذف المضاف إليه، والتقدير: بعد صدور الحديث الذي نقله الحكم.ثمّ قرأ: «يعرف» على المضارع الغائب المعلوم من التفعيل، قال: وقائل «فقال هي التي» زياد بن سوقة حكايةَ زمان الصادق عليه السلام، والفاعل المستتر في «فقال» للرجل أو للحكم.قال السيّد الباقر الشهير بداماد:«أخا عليّ» يعني عليّ بن الحسين عليهما السلام، وكانت له اُمّ رضاعيّ هي جارية الحسين عليه السلام،

.


1- .الحجّ (22): 52.

ص: 361

وله ابن يُقال له: «عبداللَّه بن زيد». و«أبو الخطّاب» هو محمّد بن مقلاص الأسدي الكوفي، كان غالياً.(1)وذكر الشهرستاني في الملل والنحل: أنّ أبا الخطّاب قال أوّلاً بنبوّة الأئمّة عليهم السلام، ثمّ بإلهيّتهم صلوات اللَّه عليهم.(2)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ(3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «الْأَئِمَّةُ عُلَمَاءُ صَادِقُونَ، مُفَهَّمُونَ ، مُحَدَّثُونَ» .

هديّة:يحتمل (أبا الحسن) الأوّل والثاني عليهما السلام.(علماء) يعني بما شاء اللَّه ممّا يحتاج إليه الناس وغيره عاقلين عن اللَّه تعالى.وفسّر قوله تعالى في سورة التوبة: «وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(4)بالمعصومين.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (5) ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : ذُكِرَ الْمُحَدَّثُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «إِنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ ، وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ» . فَقُلْتُ لَهُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ (6)، كَيْفَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَلَامُ الْمَلَكِ ؟ قَالَ : «إِنَّهُ يُعْطَى السَّكِينَةَ وَ الْوَقَارَ حَتّى يَعْلَمَ أَنَّهُ كَلَامُ مَلَكٍ» .

.


1- .لم نعثر عليه في مظانّه.
2- .الملل والنحل، ج 1، ص 180.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد».
4- .التوبة (9): 119.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس».
6- .في الكافي المطبوع: «جعلت فداك» بدل «أصلحك اللَّه».

ص: 362

هديّة:في بعض النسخ: «جعلت فداك» مكان (أصلحك اللَّه).(يعطى السكينة والوقار) يعني السكينة التي تكون مع يقين المعصوم، فلا سبيل هنا لصوت الشيطان ووسوسته. ولعلّ هذا مراد من قال: كنّى بالسكينة والوقار عن سكون النفس وطمأنينة القلب اللذين يدلّان على أنّ المنكشف هو الحقّ والصواب.(حتّى يعلم) يحتمل الرفع والنصب؛ لما مرّ من أنّ «حتّى» قد يكون حرف ابتداء يستأنف بها الكلام بعدها، فإن أدخلتها على المستقبل نصبته بإضمار «أن»، وإن أردت حال الفعل رفعت، تقول: سرتُ إلى مكّة حتّى أدخلها، فالمعنى في صورة الرفع: وهذا زمان دخولي.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ (1) ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام كَانَ مُحَدَّثاً». فَخَرَجْتُ إِلى أَصْحَابِي ، فَقُلْتُ : جِئْتُكُمْ بِعَجِيبَةٍ ، فَقَالُوا : وَ مَا هِيَ ؟ فَقُلْتُ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام مُحَدَّثاً» . فَقَالُوا : مَا صَنَعْتَ شَيْئاً ، أَلَّا سَأَلْتَهُ : مَنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ؟فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي حَدَّثْتُ أَصْحَابِي بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالُوا : مَا صَنَعْتَ شَيْئاً ، أَلَّا سَأَلْتَهُ : مَنْ كَانَ يُحَدِّثُهُ ؟ فَقَالَ لِي : «يُحَدِّثُهُ مَلَكٌ». قُلْتُ : تَقُولُ : إِنَّهُ نَبِيٌّ ؟ قَالَ : فَحَرَّكَ يَدَهُ هكَذَا : «أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ ، أَوْ كَصَاحِبِ مُوسى ، أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْنِ ؛ أَوَ مَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ قَالَ : وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ؟!» .

هديّة:بيانه كالحديث الرابع من الباب السابق على هذا الباب.(ما صنعت) على النّفي، و(ألّا) للتخضيض، و(مَن) استفهاميّة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران بن أعين».

ص: 363

الباب الخامس والخمسون: باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمّة

الباب الخامس والخمسون : بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَرْوَاحِ الَّتِي فِي الْأَئِمَّةِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ الْيَمَانِيِ (1) ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى خَلَقَ الْخَلْقَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالى : «وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ * وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ * وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ »(2) .فَالسَّابِقُونَ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَاصَّةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ ، جَعَلَ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ : أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُدُسِ ، فَبِهِ عَرَفُوا الْأَشْيَاءَ ؛ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْإِيمَانِ ، فَبِهِ خَافُوا اللَّهَ تَعَالى ؛ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الْقُوَّةِ ، فَبِهِ قَدَرُوا عَلى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالى ؛ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ ، فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ كَرِهُوا مَعْصِيَتَهُ ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِهِ يَذْهَبُ النَّاسُ وَ يَجِيئُونَ .وَ جَعَلَ فِي الْمُؤْمِنِينَ - أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ - رُوحَ الْإِيمَانِ ، فَبِهِ خَافُوا اللَّهَ تَعَالى ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني».
2- .الواقعة (56): 7 - 11.

ص: 364

رُوحَ الْقُوَّةِ ، فَبِهِ قَدَرُوا عَلى طَاعَةِ اللَّهِ ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الشَّهْوَةِ ، فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللَّهِ ؛ وَ جَعَلَ فِيهِمْ رُوحَ الْمَدْرَجِ الَّذِي بِهِ يَذْهَبُ النَّاسُ وَ يَجِيئُونَ».

هديّة:(وخاصّة اللَّه من خلقه) يعني الأوصياء المعصومين المصطفين للرُّسُل والأنبياء بدلالة التالي، وأمّا بناءً على أنّ روح القدس نوع خاصّ من الأرواح، تحته أفراد متفاوتة في الفضل وأفضلها خاصّ بنبيّنا وأوصيائه عليهم السلام بدلالة الحديث الرابع من الباب التالي، فالمراد أعمّ منهم؛ ليشمل الممتاز بالتحديث والتفهيم من دون العصمة الخاصّة بالنبيّ والوصيّ كسلمان الفارسي وذي القرنين وهو لا نبيّ ولا وصيّ - وقد مرّ ذكره - وسفراء زمن الغيبة القصرى للصاحب عليه السلام.و«القدس» كعُمُر وعُمْر، و«الروح» يذكّر ويُؤنّث. و«روح القدس» الذي لا يكون إلّا مع المعصوم، أثره الطهارة من الرجس في جميع عمره.والألف واللام في (الأشياء) للاستغراق العرفي، أي ما يحتاج إليه، أو للعهد الخارجي، أي التي علّمها خاصّ بالمعصوم.و(المدرج) كالمصدر، إمّا مصدر ميميّ بمعنى الحركة الإراديّة، أو اسم مكان بمعنى طريق الحركة، من درج دروجاً: إذا مشى.في التفسير: أنّ «مَآ أَصْحَبُ الْمَيْمَنَةِ » في سورة الواقعة إشارة إلى تفاوت مراتب المؤمنين في الجنّة، و«مَآ أَصْحَبُ الْمَشْئمَةِ» إلى تفاوت دركات غيرهم في النار.في بعض النسخ في الموضعين: «فبه قووا على طاعة اللَّه» مكان (فبه قدروا على طاعة اللَّه). والواو قبل واو الجمع عند بعضهم يضمّ ويفتح، قال: فإن قوي عليه، يجي ء من البابين كبقي، والأفصح فيهما كرضى كما في القرآن: «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(1).ذكر بعض المعاصرين بناءً على طريقته أنّه إنّما خلقهم ثلاثة أصناف لأنّ اُصول

.


1- .الرحمن (55): 27.

ص: 365

العوالم ثلاثة؛ عالم الجبروت وهو عالم العقل المجرّد عن المادّة والصورة، وعالم الملكوت وهو عالم المثال والخيال المجرّد عن المادّة دون الصورة، وعالم الملك وهو عالم الشهادة المحسوس المادّي. فأصحاب الأوّل السابقون وفيهم روح القدس، وأصحاب الثاني أصحاب الميمنة وفيهم روح الإيمان، وأصحاب الثالث أصحاب المشئمة وفيهم روح المدرج، انتهى.(1)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُنْخُلِ (2) ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ الْعَالِمِ ، فَقَالَ لِي : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ : رُوحَ الْقُدُسِ ، وَ رُوحَ الْإِيمَانِ ، وَ رُوحَ الْحَيَاةِ ، وَ رُوحَ الْقُوَّةِ ، وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ ، فَبِرُوحِ الْقُدُسِ يَا جَابِرُ ، عَرَفُوا مَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِلى مَا تَحْتَ الثَّرى».ثُمَّ قَالَ : «يَا جَابِرُ ، إِنَّ هذِهِ الْأَرْبَعَةَ أَرْوَاحٌ يُصِيبُهَا الْحَدَثَانُ إِلَّا رُوحَ الْقُدُسِ ؛ فَإِنَّهَا لَا تَلْهُو وَ لَا تَلْعَبُ» .

هديّة:«نخلت الدّقيق»: غربلته، و«النُّخالة»: ما يخرج منه، و(المنخل) بضمّ الميم وسكون النون وضمّ الخاء: ما ينخل به، وهو أحد ما جاء من الأدوات على مُفعُل كمُدْهُن ومُكْحُل لآلة الدهن والكحل.ومنخل بن جميل الأسدي بيّاع الجواري من رجال الصادق والكاظم عليهما السلام. قال النجاشي: إنّه ضعيف، فاسد الرواية.(3) وقال الكشّي: هو متّهم بالغلوّ.(4)وقال الغضائري:

.


1- .الوافي، ج 3، ص 627، ح 1214، مع اختلاف يسير.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن موسى بن عمر، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخّل».
3- .رجال النجاشي، ص 421، الرقم 1127.
4- .رجال الكشّي، ص 368، الرقم 686.

ص: 366

أضاف إليه الغلاة أحاديث كثيرة.(1)(روح القدس) يحتمل النصب والرفع.(وروح الحياة) هو روح المدرج، وقد سبق أنّ العرش قد يُطلق على علمه تعالى، والمعنى: عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى ممّا يحتاج إليه، عقلاً عن اللَّه سبحانه بما شاء من علمه الذي لا يتناهى.و(الحدثان) بالتحريك: مفرد، كالحدث والحادثة، وبكسر الحاء وسكون الدال: جمع الحادثة.وضبط برهان الفضلاء على الأخير.(إلّا روح القدس) استثناء منقطع.(لا تلهو ولا تلعب) يعني روح القدس الذي خاصّ بالمعصوم، والمعصوم لا يُطلق في عرفهم عليهم السلام إلّا على النبيّ والوصيّ.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ(2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ الْإِمَامِ بِمَا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَ هُوَ فِي بَيْتِهِ مُرْخًى عَلَيْهِ سِتْرُهُ ، فَقَالَ : «يَا مُفَضَّلُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى جَعَلَ فِي النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ : رُوحَ الْحَيَاةِ ، فَبِهِ دَبَّ وَ دَرَجَ ؛ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ ، فَبِهِ نَهَضَ وَ جَاهَدَ ؛ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ ، فَبِهِ أَكَلَ وَ شَرِبَ وَ أَتَى النِّسَاءَ مِنَ الْحَلَالِ ؛ وَ رُوحَ الْإِيمَانِ ، فَبِهِ آمَنَ وَ عَدَلَ ؛ وَ رُوحَ الْقُدُسِ ، فَبِهِ حَمَلَ النُّبُوَّةَ ؛ فَإِذَا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله انْتَقَلَ رُوحُ الْقُدُسِ ، فَصَارَ إِلَى الْإِمَامِ ، وَ رُوحُ الْقُدُسِ لَا يَنَامُ وَ لَا يَغْفُلُ وَ لَا يَلْهُو وَ لَا يَزْهُو ، وَ الْأَرْبَعَةُ

.


1- .نسب هذا الكلام إلى الغضائري في رجال ابن داود، ص 520، الرقم 501. وأما في رجال ابن الغضائري يكون هكذا: «منخل بن جميل بيّاع الجواري، يروى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن عليهما السلام، كوفيّ، ضعيف، في مذهبه غلوّ». رجال ابن الغضائري، ج 1، ص 89، الرقم 121.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن عبد اللَّه بن إدريس، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر».

ص: 367

الْأَرْوَاحِ تَنَامُ وَ تَغْفُلُ وَ تَزْهُو وَ تَلْهُو ، وَ رُوحُ الْقُدُسِ كَانَ يَرى بِهِ» .

هديّة:(مرخى) على اسم المفعول، من الإفعال، خبر بعد الخبر، أو حال عن فاعل متعلَّقِ (في بيته).(بما في أقطار الأرض) يعني ممّا دون العرش إلى ما تحت الثرى، كما مرَّ آنفاً.و«الزهو» بالفتح: التكبّر والباطل والكذب، وعدّ الشي ء خفيفاً: زهاه كغزا، وعليه، وفيه. والمعنى على الأوّل: لا يترك طاعته تعالى تكبّراً، وعلى الثاني والثالث: لا يجي ء بهما، وعلى الرابع: لا يستخفّ بعبادة اللَّه سبحانه، أو بما قدّر وقضى وأمضى، أو بالمؤمنين من عباده.(كان يرى به) على ما لم يسمّ فاعله، أي جميع ما في أقطار الأرض ممّا دون العرش إلى ما تحت الثرى.

.

ص: 368

الباب السادس والخمسون: باب الروح التي يسدّد اللَّه تعالى بها الأئمّة

الباب السادس والخمسون : بَابُ الرُّوحِ الَّتِي يُسَدِّدُ اللَّهُ تَعَالى بِهَا الْأَئِمَّةَ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ الْكِنَانِيِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ» قَالَ : «خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ عليهما السلام ، كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يُخْبِرُهُ وَ يُسَدِّدُهُ ، وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ عليهم السلام مِنْ بَعْدِهِ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:إفراد هذا الباب بعنوانه عن سابقه دليل المغايرة بين «الروح» الذي من أمر الربّ تعالى و«روح القدس» بالعموم والخصوص، وسيذكر أنّ الأوّل منذ نزل ما صعد، وأنّه لم يكن مع أحدٍ ممّن مضى من المعصومين غير نبيّنا وأئمّتنا عليهم السلام، فالتي هي أعظم من الملائكة لها أفراد، يدلّ عليه ما مرّ في الحديث من نزول الروح والملائكة بالأمر في ليالي القدر على آدم وسائر الأنبياء عليهم السلام، ومن فضل نبيّنا وأوصيائه صلى اللَّه عليه وآله على سائر الأنبياء والأوصياء وفاقاً من الاُمّة، وما سيذكر من اختصاص هذه الروح بأفضل حجج اللَّه سبحانه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن أبي الصبّاح الكنانيّ».

ص: 369

والآية في سورة الشورى.(1) وفسّر «الكتاب» فيها - كما ذكر برهان الفضلاء أيضاً - بالنبيّ صلى اللَّه عليه وآله؛ لقوله: «أنا مدينة العلم»،(2) و«الإيمان» بأمير المؤمنين عليه السلام؛ لقوله تعالى في سورة الحجرات: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(3)، وأيضاً في التفسير عنهم عليهم السلام: «ما الكتاب» يعني القرآن وهو صامت و«لا الإيمان» يعني الأئمّة عليهم السلام، و«الإمام» هو القرآن الناطق.ومن نتائج أفكار الفاضل الدواني:خورشيدِ جهان نبى بُوَد، ماه ولىّ اسلام محمّد است وايمانست علي گر بيّنه اى بر اين سخن مى طلبى بنگر كه زبيّناتِ اسماست على 4

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ(4) ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ - وَ أَنَا حَاضِرٌ - عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا» ، فَقَالَ : «مُنْذُ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى ذلِكَ الرُّوحَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله مَا صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ ، وَ إِنَّهُ لَفِينَا» .

.


1- .الشورى (42): 52.
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 66، ح 298؛ وعنه في البحار، ج 40، ص 201، ح 4.
3- .الحجرات (49): 7.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط».

ص: 370

هديّة:(هيت) بالكسر: اسم بلد على شاطئ الفرات.و(أسباط بن سالم) روى عن الصادق والكاظم عليهما السلام، فالبارز في (سأله) محتمل.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى» ، قَالَ : «خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ عليهما السلام ، كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ ، وَ هُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ» .

هديّة:الآية في سورة بني إسرائيل.(2)و(الملكوت) من المُلك بالضمّ للمبالغة، كالرهبوت من الرهبة. والألف واللام في (الروح) للعهد الخارجي - كما ذكره برهان الفضلاء - أي الخاصّ بنبيّنا وأئمّتنا صلوات اللَّه عليهم.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ الْخَزَّازِ(3) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» قَالَ : «خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ عليهما السلام ، لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضى غَيْرِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ هُوَ مَعَ الْأَئِمَّةِ يُسَدِّدُهُمْ ، فَلَيْسَ (4) كُلُّ مَا طُلِبَ وُجِدَ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان».
2- .الإسراء (17): 85.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز».
4- .في الكافي المطبوع: «وليس».

ص: 371

هديّة:في بعض النسخ: «وليس» بالواو مكان الفاء، والمعنى: أنّه لا ينزل إلّا في ليالي القدر وفي بعض الأحيان بإذن اللَّه تعالى، أو أنّه لا يوجد في غير المعصوم في هذا الدين.وصرّح برهان الفضلاء باستقامة كلا الاحتمالين، وقال في الأخير:يعني أنّه ليس منوطاً باختيار الرعيّة - كما ذهب إليه الصوفيّ القائل بالكشف بصفاء الباطن بالرياضة - وبالاشتراك في الاسم أو التفاوت في الأفراد على التشكيك، وكذا بالاتّفاق على كون نبيّنا وأوصيائه صلى اللَّه عليه وآله أفضل الأنبياء وأوصيائهم، وبنصوص مثل هذا الباب في اختصاص الروح الذي من أمر الربّ تعالى.قد مرَّ آنفاً الإشارة إلى دفع المنافاة بين هذا الاختصاص وبين ما سبق في الباب الحادي والأربعون من نزول الروح والملائكة بالأمر في ليالي القدر على حجج اللَّه تعالى من لدن آدم عليه السلام إلى محمّد صلى اللَّه عليه وآله وإلى آخر الدنيا.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (1)، عَنْ الثمالي ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنِ الْعِلْمِ : أَ هُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُهُ الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ ، أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَؤُونَهُ فَتَعْلَمُونَ مِنْهُ ؟قَالَ : «الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذلِكَ وَ أَوْجَبُ ؛ أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالى : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ» ؟» .ثُمَّ قَالَ : «أَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ فِي هذِهِ الْآيَةِ ؟ أَ يُقِرُّونَ أَنَّهُ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَ لَا الْإِيمَانُ ؟» .فَقُلْتُ : لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا يَقُولُونَ .فَقَالَ : «بَلى ، قَدْ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَ لَا الْإِيمَانُ حَتّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالى الرُّوحَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عليّ بن أسباط، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 372

الَّتِي ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ ، فَلَمَّا أَوْحَاهَا إِلَيْهِ عَلَّمَ بِهَا الْعِلْمَ وَ الْفَهْمَ ، وَ هِيَ الرُّوحُ الَّتِي يُعْطِيهَا اللَّهُ تَعَالى مَنْ شَاءَ ، فَإِذَا أَعْطَاهَا عَبْداً عَلَّمَهُ الْفَهْمَ» .

هديّة:الألف واللام في (الأمر) للعهد الخارجي؛ للإشارة في قوله تعالى في سورة الشورى إلى: «رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا»(1).(أعظم) إشارة إلى أنّ التنوين في (روحاً) للتعظيم، والإضافة في (أمرنا) للاستغراق، و«الوجوب»: الثبوت والاستمرار، يعني أعظم وأثبت.قال برهان الفضلاء في قوله: (العلم والفهم): «العلم» عبارة عن الكتاب، وهو الرسول صلى اللَّه عليه وآله؛ لقوله: «أنا مدينة العلم»، و«الفهم» عبارة عن الإيمان، وهو أمير المؤمنين عليه السلام.(من شاء) من حججه المعصومين.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ(2) ، عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ ، قَالَ : أَتى رَجُلٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ الرُّوحِ أَ لَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «جَبْرَئِيلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحُ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ» فَكَرَّرَ ذلِكَ عَلَى الرَّجُلِ .فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قُلْتَ عَظِيماً مِنَ الْقَوْلِ ، مَا أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ .فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّكَ ضَالٌّ ، تَرْوِي عَنْ أَهْلِ الضَّلَالِ ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ (3)» وَ الرُّوحُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ» .

.


1- .الشورى (42): 52.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلاء».
3- .في الكافي المطبوع: - «من أمره على من يشاء من عباده».

ص: 373

هديّة:(يسألُه عن الروح) أي المذكور في سورة القدر والشورى وبني إسرائيل والنحل.(1)(فقال له) أي الرجل لأمير المؤمنين عليه السلام.(لقد قلت عظيماً من القول) أي مخالفاً لعظماء المفسّرين من العامّة.(تروى) يحتمل المعلوم من المجرّد، وخلافه منه. وقرأ برهان الفضلاء على المجهول من التفعيل؛ لما مرّ مراراً في بيان مثله، وقال: المراد ب «الأمر» في قوله تعالى في سورة النحل: «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ»(2) إيجاد الروح التي أوحاها اللَّه تعالى إلى نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ إلى أئمّتنا عليهم السلام واحداً بعد واحد إلى آخر الدنيا.

.


1- .القدر (97): 4؛ الشورى (42): 52؛ الإسراء (17): 85؛ النحل (16): 2.
2- .النحل (16): 1.

ص: 374

الباب السابع والخمسون: باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي قبله...

الباب السابع والخمسون : بَابُ وَقْتِ مَا يَعْلَمُ الْإِمَامُ جَمِيعَ عِلْمِ الْإِمَامِ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً السَّلَامُ وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ(1) ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَتى يَعْرِفُ الْأَخِيرُ مَا عِنْدَ الْأَوَّلِ؟ قَالَ : «فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى مِنْ رُوحِهِ» .

هديّة:حديث حضور الجواد عليه السلام بطيّ الأرض من المدينة المنوّرة في طوس في آخر دقيقة أبيه عليهما السلام وكسبه علمه مشهور، قد رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام وغيره (2)، قل للصوفي القدري هل ترى للرياضة والجهد هنا مدخلاً؟قال بعض المعاصرين:يحتمل أن يكون الضمير في «روحه» عائداً إلى الأخير ويكون الوجه فيه: أنّ ما عند الأوّل هو نهاية الكمال الممكن في حقّهم عليهم السلام، فإذا بلغه الأخير كمل أمره فيقبض، انتهى.(3)

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عليّ بن أسباط».
2- .عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 242، ح 1؛ والأمالي للصدوق، ص 661، ح 17؛ وعنهما في البحار، ج 49، ص 300، ح 10.
3- .الوافي، ج 3، ص 661، ذيل ح 1261.

ص: 375

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ (1) ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ وَ جَمَاعَةٍ مَعَهُ ، قَالُوا : سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَعْرِفُ الَّذِي بَعْدَ الْإِمَامِ عِلْمَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى مِنْ رُوحِهِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «ما كان قبله» مكان (من كان قبله).

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ(2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : الْإِمَامُ مَتى يَعْرِفُ إِمَامَتَهُ ، وَ يَنْتَهِي الْأَمْرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ : «فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى (3) مِنْ حَيَاةِ الْأَوَّلِ» .

هديّة:(وينتهي) عطف على (يعرف).وليس في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : (تبقى).

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن أسباط، عن الحكم بن مسكين».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يعقوب بن يزيد».
3- .في الكافي المطبوع: - «تبقى».

ص: 376

الباب الثامن والخمسون: باب في أنّ الأئمّة في العلم و الشجاعة و الطاعة سواء

الباب الثامن والخمسون : بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام فِي الْعِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ الطَّاعَةِ سَوَاءٌوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَشَّابِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام (1) ، قَالَ : «قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَىْ ءٍ»» ، قَالَ : «الَّذِينَ آمَنُوا : النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ وَ ذُرِّيَّتُهُ : الْأَئِمَّةُ وَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام ، أَلْحَقْنَا بِهِمْ ، وَ لَمْ نَنْقُصْ ذُرِّيَّتَهُمُ الْحُجَّةَ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله فِي عَلِيٍّ عليه السلام وَ حُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ ، وَ طَاعَتُهُمْ وَاحِدَةٌ» .

هديّة:الآية في سورة الطّور(2)«وَ ما أَلَتْناهُمْ»: وما نقصناهم، «ألته» كضرب وعلم: نقص حقّه، فقوله: (ولم ننقص ذرّيتهم الحجّة) على المتكلّم مع الغير بيانٌ لذلك وتفسير للعمل بما كانوا يحتجّون به على الناس، من النصّ عليهم، والعلم الممتاز، والعمل الصالح كذلك، وسائر صفات الكمال وفضائل الأعمال.(قال: الّذين آمنوا) يعني قال الإمام عليه السلام؛ هكذا في تفسيرها. وفي تفسير عليّ بن

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .الطور (52): 21.

ص: 377

إبراهيم: «والذرّية» مكان (وذرّيته) وهو أولى (1).(والأوصياء) عطف تفسير للخبر، يعني الأئمّة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ النَّهْدِيِ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي : «نَحْنُ فِي الْعِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ سَوَاءٌ ، وَ فِي الْعَطَاء(3) عَلى قَدْرِ مَا نُؤْمَرُ» .

هديّة:«نهد» بفتح النون: قبيلة من اليمن؛ «فرس نهد»: ضخمٌ جسيمٌ مشرفٌ، «رجل نهد»: كريم، «ينهد» أي ينهض إلى معالي الاُمور، و«النهود»: النهوض.(والشجاعة) يضمّ ويفتح.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وفي العطايا» على الجمع، وبيّن أنّ آثار أمر واحد قد يختلف بالكثرة والقلّة، كمَلَكة السخاء في الأئمّة عليهم السلام، ومنع غير المستحقّ ليس انتفاؤه، وقد ورد في الدعاء: «يا كريماً في إعطائه ومنعه».(4)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (5)، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : نَحْنُ فِي الْأَمْرِ وَ الْفَهْمِ وَ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ نَجْرِي مَجْرًى وَاحِداً . فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَلَهُمَا فَضْلُهُمَا» .

.


1- .تفسير القمّي، ج 2، ص 332.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن محمّد بن عيسى، عن داود النهدي».
3- .في الكافي المطبوع: «العطايا».
4- .لم نعثر عليه، نعم ورد مضمونه وما يدلّ عليه في الأخبار. راجع: الخصال، ج 1، ص 43، ح 36؛ التوحيد، ص 373، الباب 60، ح 16؛ كشف الغمّة، ج 2، ص 289.
5- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان».

ص: 378

هديّة:على نسخة «قال» - كما هو المضبوط في النسخ المعتبرة - يعني قال صلى اللَّه عليه وآله: الأئمّة من أهل بيتي كذا، فأمّا أنا وعليّ، فلنا فضلنا، يعنى فلنا فضل عليهم من جهات اُخر غير ما ذكر من الأمر، يعني افتراض الطاعة عموماً.(والفهم) يعني العقل عن اللَّه سبحانه بواسطة أو بغيرها على ما مرّ.(والحلال والحرام) يعني علمها.وقد روى سعد بن عبداللَّه في مختصر البصائر بإسناده، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، وعمّن رواه عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: قلنا له: الأئمّة بعضهم أعلم من بعض؟ فقال: «نعم، وعلمهم بالحلال والحرام وتفسير القرآن واحد».(1)وهو صريح في أنّ للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله وللأوّل من أوصيائه، سوى العلم الذي اشترك الجميع فيه، علومٌ من علم اللَّه الذي لا يتناهى ولا يتناهى عجائباته أيضاً، كما للخضر وموسى، مع كونه من اُولي العزم.وقرأ برهان الفضلاء: «فآل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» بالفاء، وإضافة «الآل» مكان «قال» بالقاف، وقال: «فآل» بالفاء: مبتدأ، وبالقاف تصحيف، و«نحن» خبر، و«في الأمر» متعلّق ب «نحن»، ثمّ قال: ويجوز أن يكون «نحن»(2) عطفَ بيان للآل، وجملة «في الأمر» خبراً.ولا بأس به لولا «الفاء».

.


1- .مختصر البصائر، ص 73، ح 21.
2- .في «د»: - «نحن».

ص: 379

الباب التاسع والخمسون: باب أنّ الإمام يعرف الإمام الذي من بعده، و...

الباب التاسع والخمسون : بَابُ أَنَّ الْإِمَامَ عليه السلام يَعْرِفُ الْإِمَامَ الَّذِي (1) مِنْ بَعْدِهِ ، وَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَنَتِ إِلَى أَهْلِهَا» فِيهِمْ عليه السلام نَزَلَتْ وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى بإسناده عَنْ الْعِجْلِيِ (2) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلَى أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» .فقَالَ (3) : «إِيَّانَا عَنى ، أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَوَّلُ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ الْكُتُبَ وَ الْعِلْمَ وَ السِّلَاحَ «وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ ؛ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» إِيَّانَا عَنى خَاصَّةً ؛ أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا «فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» كَذَا نَزَلَتْ ، وَ كَيْفَ يَأْمُرُهُمُ اللَّهُ تَعَالى بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ ، وَ يُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ ؟! إِنَّمَا قِيلَ ذلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ»».

.


1- .في الكافي المطبوع: + «يكون».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن اُذينة، عن بريد العجليّ».
3- .في الكافي المطبوع: «قال».

ص: 380

هديّة:(عن قول اللَّه تعالى) في سورة النساء.(1)(الأوّل) يشمل النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أيضاً وإن كان وصفاً للإمام.(بالعدل الذي في أيديكم) أي بالعدالة التي تلزم العصمة التي تلزم الإمامة التي من عند اللَّه سبحانه.(كذا نزلت) أي بشرحها من جبرئيل للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله. وقرأ برهان الفضلاء هنا وفي نظائره: «نزّلت» على المجهول، من التفعيل، قال: يعني كذا فسّرت وشرحت لمّا نزلت، فسّرها جبرئيل عليه السلام للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله؛ إذ المراد تنزيل اللفظ على المعنى.وفي سورة النساء أيضاً بعد قوله تعالى: «وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» هكذا: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»(2)، فسّر المخالفون هكذا: فإن تنازعتم أنتم وأولوا الأمر منكم في شي ء من اُمور الدِّين فارجعوا فيه إلى الكتاب، فردّه عليه السلام بقوله: (وكيف).

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ الْوَشَّاءِ(3) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ(4) إِلى مَنْ بَعْدَهُ ، وَ لَا يَخُصَّ بِهَا غَيْرَهُ ، وَ لَا يَزْوِيَهَا عَنْهُ» .

هديّة:(قال: هم) أي المخاطبين بضمير الجمع.(الإمامة) أي أسباب الإمامة.و(الأمانات) كما مرّ من الكتب والعلم والسلاح.

.


1- .النساء (4): 58.
2- .النساء (4): 59.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
4- .في الكافي المطبوع: «الأمانة».

ص: 381

(ولا يخصّ) يحتمل الرفع والنصب، والغرض عليهما: النهي عن تأديتها في حياته إلى غير المعصوم المنصوص؛ لئلّا يطمع في الإمامة إلّا أن يعلمه أنّ هذه أمانة عندك لفلان. وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «الأمانة» بالنون، مكان (الإمامة). وإنّما استثناه لئلّا يلزم الاحتياج إلى تجشّم دفع الإشكال بتأدية الحسين عليه السلام الوصيّة أمانةً إلى ابنته فاطمة عليها السلام؛ لتؤدّى عند الحاجة إلى صاحبها.(1)(ولا يزويها) بالمعجمة، كرَوَى بالمهملة، أي لا يمنعها عنه، أي عمّن بعده.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (2)، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» قَالَ : «هُمُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام يُؤَدِّي الْإِمَامُ إِلَى الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَ لَا يَخُصُّ بِهَا غَيْرَهُ ، وَ لَا يَزْوِيهَا عَنْهُ».

هديّة:بيانه كسابقه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ (3) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» قَالَ : «أَمَرَ اللَّهُ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَهُ كُلَّ شَيْ ءٍ عِنْدَهُ» .

.


1- .إشارة إلى ما ورد في الكافي، ج 1، ص 290، باب ما نصّ اللَّه عزّ و جلّ ورسوله على الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً، ضمن ح 6، وفيه هكذا: «ثمّ إنّ حسيناً حضره الذي حضره، فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام، فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن ابن أبي يعفور، عن المعلّى بن خنيس».

ص: 382

هديّة:(الإمام الأوّل) أي الحجّة السابق، فيشمل النبيّ وأوصيائه إلّا قائمهم عليهم السلام.(كلّ شي ء عنده) من أسباب الإمامة بالمعنى الأعمّ، وقد مرّ بيان ما عند الأئمّة عليهم السلام من ميراث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا يَمُوتُ الْإِمَامُ حَتّى يَعْلَمَ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ ، فَيُوصِيَ (2)» .

هديّة:(الإمام) يعني الحجّة الذي يشمله وصف الأوّليّة.(حتّى يعلم) على احتمال المجرّد المعلوم، والإفعال والتفعيل المعلومين أو خلافهما، يحتمل الرفع والنصب؛ لمكان (حتّى) وقد سبق بيان حالها.و(مَن) استفهاميّة، ويمكن أن تكون موصولة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَ يَعْرِفُ الْإِمَامَ الَّذِي مِنْ بَعْدِهِ ، فَيُوصِي إِلَيْهِ» .

هديّة:(يعرف) على المعلوم، من باب ضرب، ويحتمل التفعيل، المعلوم وخلافه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن عبد اللَّه بن أبي يعفور».
2- .في الكافي المطبوع: + «إليه».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عثمان، عن المعلّى بن خنيس». وفي الطبعة الجديدة من الكافي: «عن معلّى أبي عثمان» بدل «عن ابن أبي عثمان».

ص: 383

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «مَا مَاتَ عَالِمٌ حَتّى يُعْلِمَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - إِلى مَنْ يُوصِي» .

هديّة:(عالم) يعني إمام عاقل عن اللَّه عزّ وجلّ.(يعلمه) من الإفعال أو التفعيل.(مَن) استفهاميّة، ولا يحتمل هنا أن يكون موصولة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي عبد اللَّه البرقي، عن فضالة بن أيّوب، عن سليمان بن خالد».

ص: 384

الباب الستّون: باب أنّ الإمامة عهْد من اللَّه عزّ و جلّ معهود من واحدٍ إلى واحد

الباب الستّون : بَابُ أَنَّ الْإِمَامَةَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْهُودٌ مِنْ وَاحِدٍ إِلى وَاحِدٍ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عن الاثنين عَنْ الْوَشَّاءِ(1) ، عَنْ عُمَر بْنِ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَذَكَرُوا الْأَوْصِيَاءَ ، وَ ذَكَرْتُ إِسْمَاعِيلَ ، فَقَالَ : «لَا وَ اللَّهِ ، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، مَا ذَاكَ إِلَيْنَا ، وَ مَا هُوَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، يُنَزِّلُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ» .

هديّة:قد سبق أنّه بدا للَّه سبحانه في إمامة إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السلام.نزّلهم تنزيلاً: جعل كلّ واحدٍ منهم في مرتبته.(واحداً) إمّا مفعول أو بدل تفصيل عن المفعول المحذوف يعني «الأوصياء».ومثل الخبر ردّ على الصوفيّة القدريّة، وهم مصرّحون في كتبهم بإمكان كسب مراتب النبوّة والإمامة بالرياضة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده بطريقين عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

.


1- .في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عمرو بن أشعث» وبسند آخر أيضاً هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن حمّاد بن عيسى، عن منهال، عن عمرو بن الأشعث».

ص: 385

يَقُولُ : «أَ تَرَوْنَ الْمُوصِيَ مِنَّا يُوصِي إِلى مَنْ يُرِيدُ ؟ لَا وَ اللَّهِ ، وَ لكِنْ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله لِرَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلى صَاحِبِهِ» .

هديّة:أي الملقّب بين الناس ب «صاحب الأمر» و«صاحب الزمان»، أو إلى صاحبه الظاهر بالسيف، أو إلى صاحبه في كلّ زمان. صرّح باحتمال الأخير برهان الفضلاء أيضاً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ عَمَّارٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْإِمَامَةَ عَهْدٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - مَعْهُودٌ لِرِجَالٍ مُسَمَّيْنَ ، لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْوِيَهَا عَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ .إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَوْحى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : أَنِ اتَّخِذْ وَصِيّاً مِنْ أَهْلِكَ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِي أَنْ لَا أَبْعَثَ نَبِيّاً إِلَّا وَ لَهُ وَصِيٌّ مِنْ أَهْلِهِ ، وَ كَانَ لِدَاوُدَ عليه السلام أَوْلَادٌ عِدَّةٌ ، وَ فِيهِمْ غُلَامٌ كَانَتْ أُمُّهُ عِنْدَ دَاوُدَ عليه السلام ، وَ كَانَ لَهَا مُحِبّاً ، فَدَخَلَ دَاوُدُ عليه السلام عَلَيْهَا حِينَ أَتَاهُ الْوَحْيُ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَوْحى إِلَيَّ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّخِذَ وَصِيّاً مِنْ أَهْلِي ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : فَلْيَكُنِ ابْنِي ، قَالَ : ذَاكَ أُرِيدُ ، وَ كَانَ السَّابِقُ فِي عِلْمِ اللَّهِ الْمَحْتُومِ عِنْدَهُ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ .فَأَوْحَى اللَّهُ إِلى دَاوُدَ عليه السلام : أَنْ لَا تَعْجَلْ دُونَ أَنْ يَأْتِيَكَ أَمْرِي ، فَلَمْ يَلْبَثْ دَاوُدُ عليه السلام أَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي الْغَنَمِ وَ الْكَرْمِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلى دَاوُدَ عليه السلام : أَنِ اجْمَعْ وُلْدَكَ ، فَمَنْ قَضى بِهذِهِ الْقَضِيَّةِ وَأَصَابَ ، فَهُوَ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ .فَجَمَعَ دَاوُدُ عليه السلام وُلْدَهُ ، فَلَمَّا أَنْ قَصَّ الْخَصْمَانِ ، قَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام : يَا صَاحِبَ الْكَرْمِ ، مَتى دَخَلَتْ غَنَمُ هذَا الرَّجُلِ كَرْمَكَ ؟ قَالَ : دَخَلَتْ (2)لَيْلًا ، قَالَ : قَدْ قَضَيْتُ عَلَيْكَ يَا صَاحِبَ الْغَنَمِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن محمّد بن سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمّار».
2- .في الكافي المطبوع: «دخلته».

ص: 386

بِأَوْلَادِ غَنَمِكَ وَ أَصْوَافِهَا فِي عَامِكَ هذَا .ثُمَّ قَالَ لَهُ دَاوُدُ عليه السلام: فَكَيْفَ لَمْ تَقْضِ بِرِقَابِ الْغَنَمِ ، وَ قَدْ قَوَّمَ ذلِكَ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَ كَانَ ثَمَنُ الْكَرْمِ قِيمَةَ الْغَنَمِ؟فَقَالَ سُلَيْمَانُ : إِنَّ الْكَرْمَ لَمْ يُجْتَثَّ مِنْ أَصْلِهِ ، وَ إِنَّمَا أُكِلَ حِمْلُهُ وَ هُوَ عَائِدٌ فِي قَابِلٍ .فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : إِنَّ الْقَضَاءَ فِي هذِهِ الْقَضِيَّةِ مَا قَضى سُلَيْمَانُ بِهِ ؛ يَا دَاوُدُ ، أَرَدْتَ أَمْراً وَ أَرَدْنَا أَمْراً غَيْرَهُ .فَدَخَلَ دَاوُدُ عَلَى امْرَأَتِهِ ، فَقَالَ : أَرَدْنَا أَمْراً وَ أَرَادَ اللَّهُ أَمْراً غَيْرَهُ ، وَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالى ، فَقَدْ رَضِينَا بِأَمْرِ اللَّهِ وَ سَلَّمْنَا ذلك (1) ؛ وَ كَذلِكَ الْأَوْصِيَاءُ عليهم السلام لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَعَدَّوْا بِهذَا الْأَمْرِ ، فَيُجَاوِزُونَ صَاحِبَهُ إِلى غَيْرِهِ» .

هديّة:«يزويها عنه»: يمنعها ويبعدها.(كانت اُمّه عند داود عليه السلام) يعني كانت اُمّ ابنه ذلك في الحياة.(أن لا تعجل) من التفعيل، أو من باب علم.(دون أن يأتيك) استثناء.و«أن» المفتوحة المخفّفة في (أن ورد) و(أن قصّ) زائدةٌ للفوريّة، وفي (أن اجمع) مفسّرة.(فكيف لم تقض) استعلامٌ لحكمه، هل هو بالعلم أو اتّفاقاً.قال برهان الفضلاء: المراد هنا ب «علماء بني إسرائيل» أهل الخبرة منهم.و«الجثّ»بفتح الجيم و و تشديد المثلّثة: انتزاع الشجر من أصله، وكذا «الاجتثاث» على الافتعال.و«الحمل» بالكسر: ما يحمله الشجر من الثمرة.(2)

.


1- .في الكافي المطبوع: - «ذلك».
2- .في «د»: - «منهم والجثّ» إلى هنا.

ص: 387

في بعض النسخ: «فيتجاوزون» على التفاعل، مكان (فيجاوزون) على المفاعلة.قال في الكافي:قَالَ الْكُلَيْنِيُّ رحمة اللَّه عليه : مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْغَنَمَ لَوْ دَخَلَتِ الْكَرْمَ نَهَاراً ، لَمْ يَكُنْ عَلى صَاحِبِ الْغَنَمِ شَيْ ءٌ ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يُسَرِّحَ غَنَمَهُ بِالنَّهَارِ تَرْعَى ، وَ عَلى صَاحِبِ الْكَرْمِ حِفْظُهُ ، وَ عَلى صَاحِبِ الْغَنَمِ أَنْ يَرْبِطَ غَنَمَهُ لَيْلًا ، وَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَنْ يَنَامَ فِي بَيْتِهِ، انتهى .أقول (1): لعلّ (قال الكليني) من زيادات بعض تلامذته كالصفواني.و(الحديث الأوّل) إمّا عبارة عن كلام سليمان عليه السلام أوّلاً، وهو قوله عليه السلام: (يا صاحب الكرم، متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟)، أو عبارة عمّا قبل (وكذلك الأوصياء)، وهما حديثان نقلاً وإنشاءً.سرح وسرّحته كمنع، يتعدّى ولا يتعدّى، وسرّحته تسريحاً فلعلّ للمبالغة.وربطه كضرب. وسيجي ء تمام البيان في كتاب المعيشة إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ مُصْعَبٍ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «أَ تَرَوْنَ أَنَّ الْمُوصِيَ مِنَّا يُوصِي إِلى مَنْ يُرِيدُ ؟ لَا وَ اللَّهِ ، وَ لكِنَّهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلى رَجُلٍ فَرَجُلٍ» حَتّى انْتَهى إِلى نَفْسِهِ .

هديّة:قيل: يعني حتّى قال: إليّ، وقيل: يعني فسمّاهم بعد قوله: (إلى رجل فرجل) حتّى انتهى إلى نفسه. وقال بعض المعاصرين: يعني إلى نفس الموصي.(3)

.


1- .في «الف»: - «أقول».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير وجميل، عن عمرو بن مصعب».
3- .الوافي، ج 2، ص 258، ذيل ح 735.

ص: 388

الباب الحادي والستّون: باب أنّ الأئمّة لم يفعلوا شيئاً و لا يفعلون إلّا...

الباب الحادي والستّون : بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ عليه السلام لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئاً وَ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا بِعَهْدٍ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَ أَمْرٍ مِنْهُ لَا يَتَجَاوَزُونَهُ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ(1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْوَصِيَّةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله كِتَاباً لَمْ يَنْزِلْ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله كِتَابٌ مَخْتُومٌ إِلَّا الْوَصِيَّةُ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ وَصِيَّتُكَ فِي أُمَّتِكَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِكَ عليهم السلام ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أَيُّ أَهْلِ بَيْتِي يَا جَبْرَئِيلُ ؟ قَالَ : نَجِيبُ اللَّهِ مِنْهُمْ وَ ذُرِّيَّتُهُ ، لِيَرِثَكَ عِلْمَ النُّبُوَّةِ كَمَا وَرِثَهُ إِبْرَاهِيمُ ، وَ مِيرَاثُهُ لِعَلِيٍّ وَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ صُلْبِهِ».قَالَ : «وَ كَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِيمُ» قَالَ : «فَفَتَحَ عَلِيٌّ عليه السلام الْخَاتَمَ الْأَوَّلَ ، وَ مَضى لِمَا فِيهَا ؛ ثُمَّ فَتَحَ الْحَسَنُ عليه السلام الْخَاتَمَ الثَّانِيَ ، وَ مَضى لِمَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ عليه السلام وَ مَضى، فَتَحَ الْحُسَيْنُ عليه السلام الْخَاتَمَ الثَّالِثَ ، فَوَجَدَ فِيهَا : أَنْ قَاتِلْ فَاقْتُلْ وَتُقْتَلُ ، وَ اخْرُجْ بِأَقْوَامٍ لِلشَّهَادَةِ ، لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ» قَالَ : «فَفَعَلَ عليه السلام ؛ فَلَمَّا مَضى دَفَعَهَا إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام قَبْلَ ذلِكَ ، فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الرَّابِعَ ، فَوَجَدَ فِيهَا : أَنِ اصْمُتْ وَ أَطْرِقْ لَمَّا حُجِبَ الْعِلْمُ ؛ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَ مَضى ، دَفَعَهَا إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الْخَامِسَ ، فَوَجَدَ فِيهَا : أَنْ فَسِّرْ كِتَابَ اللَّهِ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن الحسين بن عليّ، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة، عن معاذ بن كثير».

ص: 389

وَ صَدِّقْ أَبَاكَ ، وَ وَرِّثِ ابْنَكَ ، وَ اصْطَنِعِ الْأُمَّةَ ، وَ قُمْ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالى ، وَ قُلِ الْحَقَّ فِي الْخَوْفِ وَ الْأَمْنِ ، وَ لَا تَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ؛ فَفَعَلَ ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ».قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَنْتَ هُوَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «مَا بِي (1) إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ يَا مُعَاذُ(2) ، فَتَرْوِيَ عَلَيَّ».قَالَ : فَقُلْتُ : أَسْأَلُ اللَّهَ - الَّذِي رَزَقَكَ مِنْ آبَائِكَ هذِهِ الْمَنْزِلَةَ - أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ مِثْلَهَا قَبْلَ الْمَمَاتِ ، قَالَ: «قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذلِكَ يَا مُعَاذُ»، قَالَ : فَقُلْتُ : فَمَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «هذَا الرَّاقِدُ» وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ .

هديّة:(لم ينزل) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من الإفعال.(أيّ أهل بيتي) يحتمل الجرّ والنصب والرفع بتقدير «عند» أو مثل «تعني» أو مثل «مرادك» مبتدأً أو خبراً، وكذا (نجيب اللَّه منهم وذرّيّته) على تلك الوجوه.«نجيب اللَّه» من النجابة بالفتح، أي صفوته ومصطفاه، و«النجيب»: الكريم الحسيب، والمراد هنا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو من ألقابه الغالبة، وقد يُطلق على الحجّة المعصوم المنصوص، الممتاز حسباً، المبيّن نسباً عند الجميع إلى آدم عليه السلام، وهو في هذه الاُمّة أمير المؤمنين عليه السلام وأحد عشر من ولده، يعني قال: نجيب اللَّه وذرّيّته من أهل بيتك؛ ليرثك علم النبوّة كما ورّثه إبراهيم عليه السلام، أي ليرث النجيب من أهل بيتك وذرّيته علمَك كما ورّث إبراهيم، فترثه. وقرأ برهان الفضلاء: «ليرثك» على الجزم بلام الأمر.(وذرّيّتك من صلبه) للعطف، أو للابتداء.«صمت» كنصر.(وأطرق) من الإفعال. (لمّا حجب العلم) للتوقيت. وقرأ برهان الفضلاء: «لما» بالكسر والتخفيف على المصدريّة، أي لكون العلم محجوباً عن الناس.

.


1- .في «د»: «لي».
2- .في «الف»: - «يا معاذ».

ص: 390

(واصطنع الاُمّة) أي كُن مربّيهم ومعلّمهم وأحسن إليهم. و«اصطناع المعروف»: الإحسان، وهو افتعال من الصُّنع.(ما بي). قال برهان الفضلاء: أَيُّ بأسٍ في الإظهار لك ما هو الحقّ سوى مخافة الاشتهار. وحاصل المعنى: نعم ولكن لا تُذِع.والقول بزيادة كلمة الاستثناء ليس بشي ء؛ أمّا لفظاً فلعدم التعارف بينهم، وأمّا معنىً فلرعايته عليه السلام التقيّة بتذكيرها للسائل، وأمره بترك الإذاعة حذراً من اُمور مكروهة غير القتل.أقول: لعلّ «إلّا» هنا بمعنى الواو. وقال الجوهري: وقد يكون «إلّا» بمنزلة الواو في العطف كقول الشاعر:وأرى لها داراً بأغدرةالسيدان لم يدرس لها رسم وإلّا رماداً هامداً دفعت عنه الرياح خوالد سحم (1)يريد: أرى لها داراً ورماداً، فالمعنى ما بي بأس في إظهاري ما هو الحقّ وفي إذاعتك إيّاه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِ (2) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْزَلَ عَلى نَبِيِّهِ كِتَاباً قَبْلَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، هذِهِ وَصِيَّتُكَ إِلَى النُّجَبَةِ مِنْ أَهْلِكَ ، قَالَ : وَ مَا النُّجَبَةُ يَا جَبْرَئِيلُ ؟ فَقَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ وُلْدُهُ عليهم السلام .وَ كَانَ عَلَى الْكِتَابِ خَوَاتِيمُ مِنْ ذَهَبٍ ، فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَفُكَّ خَاتَماً مِنْهُ ، وَ يَعْمَلَ بِمَا فِيهِ ، فَفَكَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَاتَماً ، وَ عَمِلَ بِمَا فِيهِ .

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 2545 (ألا).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمّد بن أحمد بن عبيد اللَّه العمري».

ص: 391

ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، وَ عَمِلَ بِمَا فِيهِ .(1)ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : أَنِ اخْرُجْ بِقَوْمٍ إِلَى الشَّهَادَةِ ؛ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ ، وَ اشْرِ نَفْسَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَفَعَلَ .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : أَنْ أَطْرِقْ وَاصْمُتْ ، وَ الْزَمْ مَنْزِلَكَ ، وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ، فَفَعَلَ .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى (2) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَفَكَ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : حَدِّثِ النَّاسَ وَ أَفْتِهِمْ ، وَ لَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ ؛ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ (3) .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ : حَدِّثِ النَّاسَ ، وَ أَفْتِهِمْ ، وَ انْشُرْ عُلُومَ أَهْلِ بَيْتِكَ ، وَ صَدِّقْ آبَاءَكَ الصَّالِحِينَ ، وَ لَا تَخَافَنَّ إِلَّا اللَّهَ وَ أَنْتَ فِي حِرْزٍ وَ أَمَانٍ ، فَفَعَلَ .ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ مُوسى عليه السلام ، وَ كَذلِكَ يَدْفَعُهُ مُوسى إِلَى الَّذِي بَعْدَهُ ، ثُمَّ كَذلِكَ أبداً(4) إِلى قِيَامِ الْمَهْدِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ» .

هديّة:(النُّجبة) بضمّ النون وفتح الجيم: مبالغة في «النجيب»، كما في الصحاح وغيره. (5)ولم يسمع «نجبة» بالفتحات في جمع النجيب، وقرئ: «إلى النخبة» بسكون الخاء المعجمة، أي المنتخب بالعصمة. وقد بيّن معنى النجيب آنفاً.«شراه» كرمى: باعه أيضاً، وهو من الأضداد.و(اليقين): الموت.(وأنت) حاليّة، فتدلّ على وجوب التقيّة؛ لدوام عدم خوفه عليه السلام إلّا من اللَّه؛ أو عاطفة،

.


1- .في «د»: - «ثمّ دفعه إلى» إلى هنا.
2- .في الكافي المطبوع: + «ابنه».
3- .في الكافي المطبوع: + «ففعل».
4- .في الكافي المطبوع: - «أبدا».
5- .راجع: الصحاح، ج 1، ص 222؛ النهاية، ج 5، ص 17 (نجب).

ص: 392

فتدلّ على جواز تركها، وقد قيل: إنّ تقيّتهم عليهم السلام لم تكن على الوجوب دائماً، بل كانت كثيراً، اتّقاءاً من اُمور مكروهة، كالخفّة بكلام ركيك وغير ذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَرَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام وَ خُرُوجِهِمْ وَ قِيَامِهِمْ بِدِينِ اللَّهِ ، وَ مَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَ الظَّفَرِ بِهِمْ حَتّى قُتِلُوا وَ غُلِبُوا ؟فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا حُمْرَانُ ، إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذلِكَ عَلَيْهِمْ وَ قَضَاهُ وَ أَمْضَاهُ وَ حَتَمَهُ ، ثُمَّ أَجْرَاهُ ؛ فَبِتَقَدُّمِ عِلْمِ ذلِكَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَامَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام ، وَ بِعِلْمٍ صَمَتَ مَنْ صَمَتَ مِنَّا» .

هديّة:(ضريس) مصغّراً: ابن عبد الملك بن أعين الشيباني، كان يتّجر بالكناسة، وكان تحته بنت حمران، خيّر فاضل.في بعض النسخ: «كان قدّر» بدون كلمة «قد»، و«علم بذلك» بزيادة المفردة. وقد سبق تخيير اللَّه تعالى إيّاهم عليهم السلام، واختيارهم لقاء اللَّه سبحانه.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ(2) أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهما السلام ، قَالَ : «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَ لَيْسَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَاتِبَ الْوَصِيَّةِ ، وَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمُمْلِي عَلَيْهِ ، وَ جَبْرَئِيلُ وَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ عليهم السلام شُهُوداً(3) ؟» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناني».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحارث بن جعفر، عن عليّ بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى بن المستفاد».
3- .في الكافي المطبوع: «شهودٌ».

ص: 393

قَالَ : «فَأَطْرَقَ طَوِيلاً ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ ، وَ لكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْأَمْرُ نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كِتَاباً مُسَجَّلاً ، نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ ؛ لِيَقْبِضَهَا مِنَّا ، وَ تُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْهِ ، ضَامِناً لَهَا - يَعْنِي عَلِيّاً عليه السلام - فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيّاً عليه السلام ، وَ فَاطِمَةُ عليها السلام فِيمَا بَيْنَ السِّتْرِ وَ الْبَابِ .فَقَالَ جَبْرَئِيلُ : يَا مُحَمَّدُ ، رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ : هذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ ، وَ شَرَطْتُ عَلَيْكَ ، وَ شَهِدْتُ بِهِ عَلَيْكَ ، وَ أَشْهَدْتُ بِهِ عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي ، وَ كَفى بِي يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً .قَالَ : فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله ، وَقَالَ : يَا جَبْرَئِيلُ ، رَبِّي هُوَ السَّلَامُ ، وَ مِنْهُ السَّلَامُ ، وَ إِلَيْهِ يَعُودُ السَّلَامُ ، صَدَقَ عَزَّ وَ جَلَّ وَبَرَّ ، هَاتِ الْكِتَابَ ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَقَالَ (1) لَهُ : اقْرَأْهُ ، فَقَرَأَهُ حَرْفاً حَرْفاً ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، هذَا عَهْدُ رَبِّي - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - إِلَيَّ ، وَ شَرْطُهُ عَلَيَّ وَ أَمَانَتُهُ ، وَ قَدْ بَلَّغْتُ وَ نَصَحْتُ وَ أَدَّيْتُ .فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : وَ أَنَا أَشْهَدُ لَكَ - بِأَبِي وَ أُمِّي أَنْتَ - بِالْبَلَاغِ وَ النَّصِيحَةِ وَ الصِّدْقِ (2)عَلى مَا قُلْتَ ، وَ يَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : وَ أَنَا لَكُمَا عَلى ذلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَا عَلِيُّ ، أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وَ عَرَفْتَهَا وَ ضَمِنْتَ لِلَّهِ وَ لِيَ الْوَفَاءَ بِمَا فِيهَا ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام :(3) بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي عَلَيَّ ضَمَانُهَا ، وَ عَلَى اللَّهِ عَوْنِي وَ تَوْفِيقِي عَلى أَدَائِهَا .فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَا عَلِيُّ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : نَعَمْ، أَشْهِدْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَكَ الْآنَ ، وَ هُمَا حَاضِرَانِ ، مَعَهُمَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لِأُشْهِدَهُمْ عَلَيْكَ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، لِيَشْهَدُوا ، وَ أَنَا

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقال».
2- .في الكافي المطبوع: «التصديق».
3- .في الكافي المطبوع: + «نعم».

ص: 394

- بِأَبِي (1) وَ أُمِّي - أُشْهِدُهُمْ ، فَأَشْهَدَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله .وَ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله بِأمْرِ(2) جَبْرَئِيلَ فِيمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْ قَالَ لَهُ : يَا عَلِيُّ ، تَفِي بِمَا فِيهَا ؛ مِنْ مُوَالَاةِ مَنْ وَالَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ الْبَرَاءَةِ وَ الْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ الْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ ، وَ عَلى كَظْمِ الْغَيْظِ ، وَ عَلى ذَهَابِ حَقِّكَ وَ غَصْبِ خُمُسِكَ وَ انْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ؟فَقَالَ : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ .فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ عليه السلام يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله : يَا مُحَمَّدُ ، عَرِّفْهُ أَنَّهُ يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ ، وَ هِيَ حُرْمَةُ اللَّهِ وَ حُرْمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ عَلى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُهُ مِنْ رَأْسِهِ بِدَمٍ عَبِيطٍ .قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : فَصَعِقْتُ حِينَ فَهِمْتُ الْكَلِمَةَ مِنَ الْأَمِينِ جَبْرَئِيلَ عليه السلام حَتّى سَقَطْتُ عَلى وَجْهِي ، وَ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَبِلْتُ وَ رَضِيتُ وَ إِنِ انْتَهَكَتِ الْحُرْمَةُ ، وَ عُطِّلَتِ السُّنَنُ ، وَ مُزِّقَ الْكِتَابُ ، وَ هُدِّمَتِ الْكَعْبَةُ ، وَ خُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي بِدَمٍ عَبِيطٍ صَابِراً مُحْتَسِباً أَبَداً حَتّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ .ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عليهم السلام ، وَ أَعْلَمَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللَّه عليه ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِ ، فَخُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ ، وَ دُفِعَتْ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام».فَقُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَ لَا تَذْكُرُ مَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ ؟ فَقَالَ : «سُنَنُ اللَّهِ وَ سُنَنُ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله».فَقُلْتُ : أَ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ تَوَثُّبُهُمْ وَ خِلَافُهُمْ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ؟فَقَالَ : «نَعَمْ وَ اللَّهِ ، شَيْئاً وشَيْئاً ، وَ حَرْفاً وحَرْفاً(3) ، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّا نَحْنُ

.


1- .في الكافي المطبوع: + «أنت».
2- .في الكافي المطبوع: «أمر».
3- .في الكافي المطبوع: «شيئاً شيئاً، و حرفاً حرفاً» بدون الواو.

ص: 395

نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ» وَ اللَّهِ ، لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ عليها السلام : أَ لَيْسَ قَدْ فَهِمْتُمَا مَا تَقَدَّمْتُ بِهِ إِلَيْكُمَا وَ قَبِلْتُمَاهُ ؟ فَقَالَا : بَلى ، وَ صَبَرْنَا عَلى مَا سَاءَنَا وَ غَاظَنَا» .وَفِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ زِيَادَةٌ .

هديّة:أمليت الكتاب، أمليه، وأمللته، أملّه: لغتان جيّدتان، جاء بهما القرآن، واستمليته الكتاب: سألته أن يمليه عليَّ.قال برهان الفضلاء: وحاصل السؤال طلب التوفيق بين نزولها من السماء وكتابتها في الأرض والإشهاد بها فيها، أو غرض السائل غرض حمران في سابق هذا الخبر، وهو الاستعلام من علمهم عليهم السلام بما سئل عنه، أو المعنى كما قيل: أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام متعيّناً بأنّه وصيّ الرسول صلى اللَّه عليه وآله بلا فصل، وهو غالب كلّ غالب، فأجاب عليه السلام بقوله: «قد كان ما قلت» إلى آخره.(قد كان ما قلت) من الإملاء والكتابة والإشهاد بعد نزول الأمر. و«الكتاب» و«التسجيل» أحكام الوثيقة بالخطوط والخواتيم والقيود الموضحة.(والصدق على ما قلت) في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «والتصديق على ما قلت»، قال: أي وبقبولك الحكم الإلهي على النهج الذي صرّحت به.(للَّه ولي) على العطف.و«الموافاة»: الإتيان بأداء حقّ بتمامه، يعني بإتيانك إليَّ بها يوم القيامة كما أدّيتك إيّاها في الدنيا.(لأشهدهم عليك) بكسر اللام، واحتمال الفتح للتأكيد كما ترى.(ليشهدوا) بكسر اللام للأمر.(تفي بما فيها) يعني هل تضمن وفائك بكذا وكذا.

.

ص: 396

ولا يتوهّم زيادة (والبراءة) في فقرته، بل التكرار للتأكيد، اهتمام في الردّ على الصوفيّة والقدريّة، ومن مخترعات خيالاتهم الفاسدة أنّ كمال العارف في الصلح مع الكلّ، وأكملهم لا يصبر على اللعن والطعن.و(النّسمة) بالتحريك: الإنسان.وهذه الفقرات من قوله: «فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبّة» إلى قوله: «ثمّ دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله» أوردت في الأثناء من حديث آخر تقريباً.(وعلى أن تخضب) أي ونبّهه على كذا، بتقدير «على» بعد (عرّفه)، بعد تضمينه معنى نبّهه.و«العبيط» على فعيل: الطّريّ.و«التمزيق»: التخريق.«هدمه» كضرب، فانهدم، وشدّد للكثرة.(حتّى أقدم) من القدوم، أي حتّى أقدم عليك من سفري.(لم تمسّه النار) أو لم تمسسه النار، بفكّ الإدغام: وصف الذّهب.و«التوثّب»: الاستيلاء على شي ء ظلماً.في بعض النسخ: «شيئاً شيئاً» بدون الواو، وكذا «وحرفاً حرفاً».فسّر «في إمام مبين» في سورة يس (1) بأمير المؤمنين عليه السلام، وهو القرآن الناطق، و«كتابٌ مبين» في سورة الأنعام في قوله تعالى: «وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ»(2)بالقرآن المجيد، وهو الكلام الصامت الناطق بقيّمه الناطق العاقل (3) عن اللَّه سبحانه.(وفي نسخة الصفواني زيادة) من زيادات النسّاخ كالمفيد رحمة اللَّه عليه في الأكثر، والصفواني من تلامذة ثقة الإسلام قدّس سره.

.


1- .يس (36): 12.
2- .الأنعام (6): 59.
3- .في «د»: - «العاقل».

ص: 397

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ(1) ، عَنْ حَرِيزٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا أَقَلَّ بَقَاءَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ أَقْرَبَ آجَالَكُمْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْكُمْ!فَقَالَ : «إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا صَحِيفَةً ، فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ فِي مُدَّتِهِ ، فَإِذَا انْقَضى مَا فِيهَا مِمَّا أُمِرَ بِهِ ، عَلِمَ (2) أَنَّ أَجَلَهُ قَدْ حَضَرَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله يَنْعى إِلَيْهِ نَفْسَهُ ، وَ أَخْبَرَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام قَرَأَ صَحِيفَتَهُ الَّتِي أُعْطِيَهَا ، وَ فُسِّرَ لَهُ مَا يَأْتِي بِنَعْيٍ ، وَ بَقِيَ فِيهَا أَشْيَاءُ لَمْ تُقْضَ ، فَخَرَجَ لِلْقِتَالِ .وَ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي بَقِيَتْ : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَأَلَتِ اللَّهَ فِي نُصْرَتِهِ ، فَأَذِنَ لَهَا ، فَمَكَثَتْ (3)تَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ ، وَ تَتَأَهَّبُ لِذلِكَ حَتّى قُتِلَ ، فَنَزَلَتْ وَ قَدِ انْقَطَعَتْ مُدَّتُهُ وَقُتِلَ عليه السلام ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : يَا رَبِّ ، أَذِنْتَ لَنَا فِي الِانْحِدَارِ ، وَ أَذِنْتَ لَنَافِي نُصْرَتِهِ ، فَانْحَدَرْنَا وَ قَدْ قَبَضْتَهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ : أَنِ الْزَمُوا قَبْرَهُ حَتّى تَرَوْهُ وَ قَدْ خَرَجَ ، فَانْصُرُوهُ وَ ابْكُوا عَلَيْهِ وَ عَلى مَا فَاتَكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ ؛ فَإِنَّكُمْ قَدْ خُصِّصْتُمْ بِنُصْرَتِهِ وَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ ، فَبَكَتِ الْمَلَائِكَةُ تَعَزِّياً وَ حُزْناً عَلى مَا فَاتَهُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ ، فَإِذَا خَرَجَ يَكُونُونَ أَنْصَارَهُ» .

هديّة:(بعضها) نصب على البدل من (آجالكم).(وإنّ الحسين عليه السلام) بمنزلة الاستثناء، والهمزة مكسورة.والباء في (بنعي) بمعنى «مع».(وكانت) تامّة، أي وحدثت، والحاصل أنّ علم سائر الأئمّة بالأجل لم يكن من تلك

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن أبي عبد اللَّه البزّاز».
2- .في حاشية «الف» و «د» والكافي المطبوع: «عرف».
3- .في الكافي المطبوع: «ومكثت».

ص: 398

الصحيفة، بل من وجه آخر.«تأهّب» من التفعّل: استعدّ.و(الانحدار): النزول، أي في النزول من السماء.(حتّى تروه) بتقدير أن، (وقد خرج) حاليّة، يعني في الرجعة في زمن القائم عليه السلام.(وابكوا) عطف على (إلزموا) لا على (فانصروه).وقد روى الحسن بن سليمان الحلّي بإسناده عن أحمد بن عقبة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، أنّه سئل عن الرجعة أحقٌّ هي؟ قال: «نعم»، فقيل: من أوّل من يخرج؟ قال: «الحسين عليه السلام يخرج على أثر القائم عليه السلام»، قلت: ومعه الناس كلّهم؟ قال: «لا، بل كما ذكره اللَّه في كتابه: «يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً»(1) قومٌ بعد قوم»(2).وأيضاً بإسناده، عنه عليه السلام، قال: «يبعث الحسين عليه السلام في أصحابه الّذين قُتلوا معه، ومعه سبعين نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم عليه السلام خاتمه، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه وإبلاغه حفرته».(3)وبإسناده، عن المعلّى بن خنيس، قال: قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: «أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن عليّ عليهما السلام، فيملك حتّى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر».(4) وقد ذكر في معناها أخباراً كثيرة.وروى أنّ أبا الصّباح الكناني سئل أبا جعفر عليه السلام عن الرجعة، فقال له: «تلك القدرة ولا ينكرها إلّا القدريّة، لا تنكرها تلك القدرة، لا تنكرها».(5)قوله عليه السلام: «إلّا القدريّة» يعني الصوفيّة، فإنّ بناء طريقتهم المبتدعة على القول بوحدة

.


1- .النبأ (78): 18.
2- .مختصر البصائر، ص 181، ح 39.
3- .مختصر البصائر، ص 181، ح 40، مع اختلاف يسير.
4- .مختصر البصائر، ص 107، ح 4، مع اختلاف يسير.
5- .مختصر البصائر، ص 117، ح 18.

ص: 399

الوجود، وهو المأوّل عند متأخّريهم بوحدة الموجود وإيجاب الموجد، وقِدَم العالم، واقتضاء الطبائع القديمة المستعدّة لما ظهر في الوجود عارضاً عليه، من الأكوان والشؤونات والنزلات والتشكّلات في سلسلتي البدو والعود باعتقادهم الفاسد.والقائل بها ليس بدّ له من إنكار مطلق البعث والنشور، واليومُ الآخر عندهم - كما صرّحوا به في كتبهم - عبارة عن عود نظام العالم بمقتضى طبيعة الوجود في كلّ أربعين ألف سنة أو في كلّ ستّ وثلاثين ألف سنة بعد انطباق المنطقتين إلى النظام الذي كان عليه بعينه في جميع الأحوال والأوضاع.وقد عرفت مراراً أنّ كفرهم كفر ممزوج من ضلالات شتّى، ومن كفرهم طريق كنسج العنكبوت إلى كلّ صنف من صنوف الكفر؛ كفر الفلاسفة والدهريّة والتناسخيّة والعامّة بصنوفهم وغيرها من ضروب الكفرة وكفر مقالاتهم الخادعة للجهلاء بالرياضة وصفرة الألوان وقراءة القرآن وذكر الأحاديث والأمثال وإنشاد الأشعار والجوع والصمت والسهر والعزلة، وغير ذلك من أفاعيلهم العنديّة كوسخ الحديد المرصّع بالجواهر واليواقيت والذهب، وهذا الترصيع إنّما هو من تدقيقات أفكار إبليس اللعين في أواخر عمره الطويل كي يضلّ بمثله الفرقة الناجية؛ لعلمه بأنّ الشفاعة من وراء ذنوبهم، وأنّهم لا يخدعون في الاعتقاد بعقيدة من عقائد الاثنين والسبعين الهالكة من الثلاث والسبعين الذين إحداها ناجية؛ والسلام على مَن اتّبع الهُدى.

.

ص: 400

الباب الثاني والستّون: باب الاُمور التي توجب حجّة الإمام

الباب الثاني والستّون : بَابُ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ حُجَّةَ الْإِمَامِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده، عَن البزنطي (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : إِذَا مَاتَ الْإِمَامُ بِمَ يُعْرَفُ (2) الَّذِي بَعْدَهُ ؟ فَقَالَ : «لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ : مِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ وُلْدِ أَبِيهِ ، وَ يَكُونَ فِيهِ الْفَضْلُ وَ الْوَصِيَّةُ ، وَ يَقْدَمَ الرَّكْبُ ، فَيَقُولَ : إِلى مَنْ أَوْصى فُلَانٌ ؟ فَيُقَالَ : إِلى فُلَانٍ ؛ وَ السِّلَاحُ فِينَا بِمَنْزِلَةِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، تَكُونُ الْإِمَامَةُ مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا كَانَ» .

هديّة:في العنوان: (توجب حجّة الإمام عليه السلام) أي تثبت حقّيّة دعواه الإمامة.في بعض النسخ: «بِمَ يُعرف الإمام الذي».(يكون أكبر ولد أبيه) يعني بعد الحسنين عليهما السلام بشرط أن لا تكون به عاهة، وسيذكر هذا الشرط، فلا يرد ادّعاء الأفطح الإمامة.قال المفيد في إرشاده:وكان «عبداللَّه بن جعفر» أكبر إخوته بعد إسماعيل، ولم يكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من وُلْده في الإكرام، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، ويُقال: إنّه يخالط

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر».
2- .في «الف»: + «إمام».

ص: 401

الحشويّة، ويميل إلى مذهب المرجئة.(1)و«الحشويّة»: طائفة من الأشاعرة يقولون نحن أهل السنّة، ويقدّمون الأحاديث الموضوعة على محكمات القرآن، و«المرجئة»: المؤخّرون إمامة أمير المؤمنين عليه السلام في أحد وجوه تسميتهم بذلك، فأعمّ من الأشاعرة والمعتزلة وسائر فرق العامّة، وقد سبق ذكر وجوه التسمية.و«الفطح» محرّكة: عرض الرّأس، وعرض أرنبة الأنف، واعوجاج في الرجلين يمشي به بعرضهما، و«الفطحيّة» بالفتحتين: رهط عبداللَّه الأفطح من ولد الصادق عليه السلام.(ويكون فيه الفضل) يحتمل النصب والرفع، وكذا (يقدم) و(فيقول)؛ إذ الواو عاطفة أو ابتدائيّة، يعني الفضل الممتاز والعلم بجميع ما يحتاج إليه الناس والعصمة الظاهرة والحسب المبين كالنسب المعلوم إلى آدم عليه السلام بحيث لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في حسبه ولا نسبه إلّا أن يرجع الناس طعنه عليه.(ويقدم الركب) أي المدينة، كما صرّح به في الخبر الآتي، قيل: هو جمع «الراكب» كالركبان، وقيل: بل اسم جمع. وسيجي ء ذكر الوصيّة الظاهرة وغيرها إن شاء اللَّه تعالى.و«سلاح الحرب» ككتاب:(2) سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كان بعده صلى اللَّه عليه وآله علامة(3) الإمامة حيثما كان، كالصندوق في بني إسرائيل علامةً للنبوّة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَن الغنوي ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى (4) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : الْمُتَوَثِّبُ عَلى هذَا الْأَمْرِ ، الْمُدَّعِي لَهُ ، مَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ؟

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 210.
2- .في «الف»: + «والمراد».
3- .في «د»: - «علامة».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن يزيد شَعَرٍ، عن هارون بن حمزة، عن عبد الأعلى».

ص: 402

قَالَ : «يُسْأَلُ عَنِ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ» . قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : «ثَلَاثَةٌ مِنَ الْحُجَّةِ لَمْ تَجْتَمِعْ (1) فِي أَحَدٍ إِلَّا كَانَ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ : أَنْ يَكُونَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَ يَكُونَ عِنْدَهُ السِّلَاحُ ، وَ يَكُونَ صَاحِبَ الْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ سَأَلْتَ عَنْهَا الْعَامَّةَ وَ الصِّبْيَانَ : إِلى مَنْ أَوْصى فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ : إِلى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» .

هديّة:(عن الحلال والحرام) كناية عن العلم بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم من المسائل والأحكام وغير ذلك، لكن بشاهد من القرآن، فلا ينافي ما في الحديث التالي لتالي التالي من أنّ المسائل ليس فيها حجّة؛ إذ المعنى - كما سيذكر - أنّ علم المسائل من دون العلم بدلائلها وشواهدها من القرآن لو طلبتا ليس حجّة الإمامة.فقول بعض المعاصرين: إنّما كان السؤال عن الحلال والحرام حجّة على المدّعي المتكلّف إذا عجز عن الجواب لا مطلقاً، وقد وقع التصريح بعدم حجّيته في حديث آخر كما يأتي،(2) كما ترى.(أولى الناس بمن كان قبله). قال المفيد رحمة اللَّه عليه: أي بإكرامه وتربيته ومحبّته له؛ صرّح به برهان الفضلاء أيضاً، ووجه العدول عن المتبادر ظاهر.

الحديث الثالث روى في الكافي عن الثلاثة(3)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قِيلَ لَهُ : بِأَيِّ شَيْ ءٍ يُعْرَفُ الْإِمَامُ ؟ قَالَ : «بِالْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ ، وَ بِالْفَضْلِ ؛ إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَطْعُنَ عَلَيْهِ فِي فَمٍ وَ لَا بَطْنٍ وَ لَا فَرْجٍ ؛ فَيُقَالَ : كَذَّابٌ ، وَ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ ، وَ مَا أَشْبَهَ هذَا» .

.


1- .في «الف»: «يجتمع».
2- .الوافي، ج 2، ص 131، ذيل ح 597.
3- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 403

هديّة:يعني من المذامّ والمطاعن حسباً ونسباً على ما سبق آنفاً.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : مَا عَلَامَةُ الْإِمَامِ الَّذِي بَعْدَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ : «طَهَارَةُ الْوِلَادَةِ ، وَ حُسْنُ الْمَنْشَاَ ، وَ لَا يَلْهُو ، وَ لَا يَلْعَبُ» .

هديّة:(طهارة الولادة) يعني في نسبه المعلوم إلى آدم عليه السلام.(وحسن المنشأ) تعبير عن عدم الطعن عليه صدقاً من أحد بوجه من الوجوه في وقتٍ من أوقات عمره، بنقص أو عيب أو عاهة ينفي الاستواء خلقة أوّلاً. و«حسن المنشأ» بالفارسيّة: «خوب بر آمدن»، وبعبارة اُخرى: «خوب بزرگ شدن».(ولا يلهو و لا يلعب) يعني في عمره أصلاً، أو بعد دعوى الإمامة، فعبارة عن العصمة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ(2) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّلَالَةِ عَلى صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ ، فَقَالَ : «الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ : الْكِبَرُ ، وَ الْفَضْلُ ، وَ الْوَصِيَّةُ ، إِذَا قَدِمَ الرَّكْبُ الْمَدِينَةَ فَقَالُوا : إِلى مَنْ أَوْصى فُلَانٌ ؟ قِيلَ : إِلى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، وَ دُورُوا مَعَ السِّلَاحِ حَيْثُمَا دَارَ ؛ فَأَمَّا الْمَسَائِلُ ، فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ» .

هديّة:(الكبر) أي كونه أكبر ولد أبيه بعد الحسنين عليهما السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن إسماعيل، عن عليّ بن الحكم، عن معاوية بن وهب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أحمد بن عمر».

ص: 404

(والفضل) قد فصّل آنفاً. (والوصيّة) أي الظاهرة لبيانه.وقد عرفت آنفاً في بيان رفع المنافاة أنّ معنى (فأمّا المسائل، فليس فيها حجّة) أنّ علمها من دون العلم بدلائلها وشواهدها من القرآن لو طلبتا ليس (1) حجّة الإمامة، فالقول بأنّ وجه الجمع جواز التقيّة في الأحكام ليس بوجه.وقال برهان الفضلاء لدفع المنافاة: المراد بقوله: «فأمّا المسائل» هي المسائل المشهورة بين الناس التي ليست من مسائل الحلال والحرام في شرعنا، فلا منافاة، وهو أيضاً كما ترى.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَبِيرِ مَا لَمْ تَكُنْ بِهِ عَاهَةٌ» .

هديّة:يعني آفة في الجسد ينفي الاستواء الجبلّي أوّلاً، وقد عرفت آنفاً فائدة الشرط.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(3) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ، بِمَ يُعْرَفُ الْإِمَامُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «بِخِصَالٍ: أَمَّا أَوَّلُهَا ، فَإِنَّهُ بِشَيْ ءٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ أَبِيهِ فِيهِ وَبِأِشَارَةٍ إِلَيْهِ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً ؛ وَ يُسْأَلُ فَيُجِيبُ ؛ وَ إِنْ سُكِتَ عَنْهُ ابْتَدَأَ ؛ وَ يُخْبِرُ بِمَا فِي غَدٍ ؛ وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ».ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، أُعْطِيكَ عَلَامَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ» فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ ، فَكَلَّمَهُ الْخُرَاسَانِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ ، فَأَجَابَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بِالْفَارِسِيَّةِ ، فَقَالَ لَهُ

.


1- .في «د»: - «ليس».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي بصير».

ص: 405

الْخُرَاسَانِيُّ : وَ اللَّهِ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - مَا مَنَعَنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ بِالْخُرَاسَانِيَّةِ غَيْرُ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُهَا ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! إِذَا كُنْتُ لَا أُحْسِنُ أُجِيبُكَ ، فَمَا فَضْلِي عَلَيْكَ ؟» .ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنَّ الْإِمَامَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ كَلَامُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ، وَ لَا طَيْرٍ ، وَ لَا بَهِيمَةٍ ، وَ لَا شَيْ ءٍ فِيهِ الرُّوحُ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ هذِهِ الْخِصَالُ فِيهِ ، فَلَيْسَ هُوَ بِإِمَامٍ» .

هديّة:(وإن سكت عنه) فيما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم.(ويخبر بما في غد) يعني بعلمه بإذن اللَّه تعالى من جهات علمه المذكورة فيما سبق من الإلهام والتحديث والزبر الحقّة وإخبار المعصوم السابق، ولا يعلم أحدٌ الغيبَ سوى اللَّه تعالى إلّا بإذنه، ولن يأذن في حكمته في هذا النظام العظيم إلّا لمن اصطفاه بالعصمة للحجّة.وقال برهان الفضلاء: يعني بالاستنباط من القرآن بالعلم التفصيلي الحاصل له في ليالي القدر، فذِكْر جهةٍ من الجهات على التمثيل، فلا يدلّ على الانحصار.(أعطيك علامة) تنوينها للتعظيم، وهي متضمّنة لعلامتين.

.

ص: 406

الباب الثالث والستّون: باب ثبات الإمامة في الأعقاب ، و أنّها لا تعود في أخ و...

الباب الثالث والستّون : بَابُ ثَبَاتِ الْإِمَامَةِ فِي الْأَعْقَابِ ، وَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ فِي أَخٍ وَ لَا عَمٍّ وَ لَا غَيْرِهِمَا مِنَ الْقَرَابَاتِ وأحاديثه كما في الكافي خمسة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا تَعُودُ الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام أَبَداً ، إِنَّمَا جَرَتْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» فَلَا يَكُونُ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلَّا فِي الْأَعْقَابِ وَ أَعْقَابِ الْأَعْقَابِ» .

هديّة:(ثوير) بالمثلّثة مصغّراً.«وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» في سورة الأنفال هكذا: «وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ»(2) الآية، وفي سورة الأحزاب هكذا: «النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ»(3)الآية، فسّر «الأَوْلى» بالأولى بالإمامة، بمعنى الإمارة للمسلمين بأمر اللَّه سبحانه وكتاب

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس».
2- .الأنفال (8): 75.
3- .الأحزاب (33): 6.

ص: 407

اللَّه باللوح المحفوظ، وهو المسمّى ب «الاسم الأكبر».(إلّا في الأعقاب) أي الأولاد، وأولاد الأولاد. والتكرار إيماء إلى التجاوز عن أقلّ مراتب الجمع.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : «أَبَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَخَوَيْنِ ، بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام» .

هديّة:يعني الإمامة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ (2) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ : أَ تَكُونُ الْإِمَامَةُ فِي عَمٍّ أَوْ خَالٍ ؟ فَقَالَ : «لَا» ، فَقُلْتُ : فَفِي أَخٍ ؟ قَالَ : «لَا»، قُلْتُ : فَفِي مَنْ ؟ قَالَ : «فِي وَلَدِي» وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ لَا وَلَدَ لَهُ .

هديّة:يعني لا بعد الحسنين عليهما السلام. و«الولد» بالضمّ: مفرد وجمع، وكذا «الولد» بفتحتين، إلّا أنّ أكثر استعمال الأوّل في الثاني، والثاني في الأوّل، فالأولى في (ولدي) بالضمّ، وفي (لا ولد له) بالفتح.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «لَا تَجْتَمِعُ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن حمّاد بن عيسى».

ص: 408

الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ، إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَعْقَابِ وَ أَعْقَابِ الْأَعْقَابِ» .

هديّة:بيانه كنظايره.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَ لَا أَرَانِي اللَّهُ - فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِهِ مُوسى (2). قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسى حَدَثٌ فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ». قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ ، وَ تَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَ ابْناً صَغِيراً ، فَبِمَنْ أَئْتَمُّ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ ، ثُمَّ وَاحِداً فَوَاحِداً».وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : «ثُمَّ هكَذَا أَبَداً» .

هديّة:(وفي نسخة الصفواني ثمّ هكذا أبداً) ليس من كلام صاحب الكافي كما يتوهّم، بل من زيادات النسّاخ كالمفيد في الأكثر، وكان الصفواني من تلامذة ثقة الإسلام، نسبةً إلى صفوان بن يحيى الكوفي، ويكنّى الصفواني: أبا محمّد، واسم أبيه: جعفر، فلعلّ نسخته من النسخ التي شرّفت بنظر المصنّف قدّس سرّه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللَّه».
2- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 409

الباب الرابع والستّون: باب ما نصّ اللَّه عزّ و جلّ و رسوله على الأئمّة...

الباب الرابع والستّون : بَابُ مَا نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولُهُ صلّى اللَّه عليه وآله عَلَى الْأَئِمَّةِ عليه السلام وَاحِداً فَوَاحِداًوأحاديثه كما في أكثر نسخ الكافي ستّة عشر، وعلى بعضها وفيه عنوان آخر بعد سبعة منها، فأحاديثه سبعة، وأحاديث تاليه تسعة، وننقل إن شاء اللَّه تعالى كما في بعضها:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده بثلاثة طرق عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قَالَ (2): فَقَالَ : «نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام».فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : فَمَا لَهُ لَمْ يُسَمِّ عَلِيّاً وَ أَهْلَ بَيْتِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ؟قَالَ : فَقَالَ : «قُولُوا لَهُمْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله نَزَلَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ، وَ لَمْ يُسَمِّ اللَّهُ لَهُمْ ثَلَاثاً وَ لَا أَرْبَعاً حَتّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ ؛ وَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ، وَ لَمْ يُسَمِّ لَهُمْ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَمٌ حَتّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ ؛ وَ نَزَلَ الْحَجُّ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الكلبيّ، عن أيّوب بن الحرّ وعمران بن عليّ الحلبيّ، عن أبي بصير».
2- .في الكافي المطبوع: - «قال».

ص: 410

فَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ (1) : طُوفُوا أُسْبُوعاً حَتّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله هُوَ الَّذِي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ ؛ وَ نَزَلَتْ «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وَ نَزَلَتْ (2) فِي عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي عَلِيٍّ عليه السلام : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ؛ وَ قَالَ عليه السلام : أُوصِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِي ؛ فَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا حَتّى يُورِدَهُمَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَأَعْطَانِي ذلِكَ ؛ وَ قَالَ عليه السلام : لَا تُعَلِّمُوهُمْ ؛ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ ، وَ قَالَ عليه السلام : إِنَّهُمْ لَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بَابِ هُدًى ، وَ لَنْ يُدْخِلُوكُمْ فِي بَابِ ضَلَالَةٍ ، فَلَوْ سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ لَادَّعَاهَا آلُ فُلَانٍ وَ آلُ فُلَانٍ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْزَلَ (3) فِي كِتَابِهِ ، تَصْدِيقاً لِنَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه وآله : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» فَكَانَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ فَاطِمَةُ عليهم السلام ، فَأَدْخَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله تَحْتَ الْكِسَاءِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ ، إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَهْلاً وَ ثَقَلاً ، وَ هؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَ ثَقَلِي ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : أَ لَسْتُ مِنْ أَهْلِكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ إِلى خَيْرٍ ، وَ لَكِنَّ هؤُلَاءِ أَهْلِي وَ ثَقَلِي .فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ ؛ لِكَثْرَةِ مَا بَلَّغَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ إِقَامَتِهِ لِلنَّاسِ ، وَ أَخْذِهِ بِيَدِهِ .فَلَمَّا مَضى عَلِيٌّ عليه السلام ، لَمْ يَكُنْ يَسْتَطِيعُ عَلِيٌّ عليه السلام - وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ - أَنْ يُدْخِلَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَ لَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ وَ لَا وَاحِداً مِنْ وُلْدِهِ ، إِذاً لَقَالَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام : إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - أَنْزَلَ فِينَا كَمَا أَنْزَلَ فِيكَ ، وَأَمَرَ4بِطَاعَتِنَا كَمَا أَمَرَ بِطَاعَتِكَ ، وَ بَلَّغَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَمَا بَلَّغَ فِيكَ ، وَ أَذْهَبَ عَنَّا الرِّجْسَ كَمَا أَذْهَبَهُ عَنْكَ .فَلَمَّا مَضى عَلِيٌّ عليه السلام ، كَانَ الْحَسَنُ عليه السلام أَوْلى بِهَا ؛ لِكِبَرِهِ .فَلَمَّا تُوُفِّيَ ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُدْخِلَ وُلْدَهُ ، وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذلِكَ ، وَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - يَقُولُ :

.


1- .في «الف» - «لهم».
2- .في «الف»: - «ونزلت».
3- .في الكافي المطبوع: «أنزله».

ص: 411

«وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» فَيَجْعَلَهَا فِي وُلْدِهِ ، إِذاً لَقَالَ الْحُسَيْنُ عليه السلام : أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِي كَمَا أَمَرَ بِطَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ أَبِيكَ ، وَ بَلَّغَ فِيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كَمَا بَلَّغَ فِيكَ وَ فِي أَبِيكَ ، وَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي الرِّجْسَ كَمَا أَذْهَبَ عَنْكَ وَ عَنْ أَبِيكَ .فَلَمَّا صَارَتْ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ هُوَ يَدَّعِي عَلى أَخِيهِ وَ عَلى أَبِيهِ لَوْ أَرَادَا أَنْ يَصْرِفَا الْأَمْرَ عَنْهُ ، وَ لَمْ يَكُونَا لِيَفْعَلَا ؛ ثُمَّ صَارَتْ حِينَ أَفْضَتْ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَجَرى تَأْوِيلُ هذِهِ الْآيَةِ : «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيًّ عليهما السلام». وَ قَالَ : «الرِّجْسُ هُوَ الشَّكُّ ، وَ اللَّهِ لَا نَشُكُّ فِي رَبِّنَا أَبَداً» .

هديّة:في العنوان كلمة: «ما» في (ما نصّ اللَّه) مصدريّة، و(واحداً) حال من (الأئمّة).(فقال: قولوا) أي في جوابهم على سبيل النقض الإجمالي.(ونزلت: «أَطِيعُوا اللَّهَ») الآية في سورة النساء.(1)(وقال عليه السلام: أوصيكم بكتاب اللَّه وأهل بيتي) وفي بعض ألفاظ الخطبة النبويّة في غدير خمّ: «القرآن يعرّفكم أنّ الأئمّة من ولد عليّ وولدي،(2) وعرّفتكم أنّهم منّي ومنه؛ لأنّه منّي وأنا منه، حيث يقول اللَّه عزّ وجلّ: «وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ»(3)، وقلت: لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهم».(4)و«عليّ» في (عليّ الحوض) قرأ على طريقين: على الجارّ، فالحوض مجرور، وعلى الجارّ والمجرور، فالحوض منصوب.

.


1- .النساء (4): 59.
2- .في المصدر: «من بعده ولده» بدل «من ولد عليّ وولدي».
3- .الزخرف (43): 28.
4- .الاحتجاج، ج 1، ص 65؛ وعنه في البحار، ج 37، ص 215، ح 86.

ص: 412

(فلم يبيّن من أهل بيته) قيل: يحتمل كسر الميم، أي فلم يكشف عنهم بالتصريح بهم.و(الكساء) بالكسر والمدّ: واحد «الأكسية»، وأصله «كساوٌ» بالواو؛ لأنّه من «كسوت» إلّا أنّ الواو لمّا جاءت بعد الألف همزت.و«الثقل» بالتحريك: متاع المسافر وحشمه، وسيجي ء في الحديث أنّ أهل بيت كلّ نبيّ أوصياءه.(ولكن هؤلاء أهلي وثقلي) هذا الاستدراك دلالة على أنّ الجميع إلى خيرٍ، وأنّ المراد بأهل البيت في آية التطهير في سورة الأحزاب: المعصومون من قرابات النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، وهم آل الرسول صلى اللَّه عليه وآله لا غيرهم من القرابات وغيرهم، ولذا لا فرق بين قولنا: اللّهُمَّ صلِّ على محمّد وآله، واللّهُمَّ صلِّ على محمّد وأهل بيته، كما ورد عنهم عليهم السلام في أحاديثهم المضبوطة والأدعية المنقولة. وقد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب معاني الأخبار بإسناده، عن عبداللَّه بن ميسرة، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّا نقول: اللّهُمَّ صلِّ على محمّد وأهل بيته، فيقول قومٌ: نحنُ آل محمّد، فقال: «إنّما آل محمّد من حرّم اللَّه عزّ وجلّ على محمّد صلى اللَّه عليه وآله نكاحه».(1)ومن الأحاديث الموضوعة من طرق العامّة: «آلي اُمّتي».(2) ونِعْم ما قيل: إنّه على تقدير صحّته دلالة على أنّ المؤمن بالرسول وما جاء به والمطيع له - كما أمر اللَّه تعالى - إنّما هو المعصوم من اُمّته.(واللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ») الآية في سورتين الأنفال والأحزاب.(3)

.


1- .معاني الأخبار، ص 93، باب معنى الآل والأهل والعترة والاُمّة، ح 1.
2- .لم نعثر عليه، نعم نقله علماء أهل العراق و خراسان عند مناظرتهم مع الإمام الرضا عليه السلام مع التقديم والتأخير في اللفظ. راجع: الأمالي للصدوق، ص 523، المجلس 79، ح 1؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 228، الباب 23، ح 1؛ تحف العقول، ص 426؛ بشارة المصطفى، ص 350، ضمن ح 43؛ ينابيع المودّة، ج 1، ص 133، ضمن ح 12.
3- .الأنفال (8): 75؛ الأحزاب (33): 6.

ص: 413

فقيل: «واللَّه عزّ وجلّ يقول» جملة معترضة، يعني لو أَدخل وُلدَه لكان وجهه أنّ اللَّه تعالى يقول: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» والولد أولى في الرحم من الأخ، وذلك بقرينة (فجرى تأويل هذه الآية) فيما بعد، وقيل: حاليّة من ضمير (ليفعل) كما صرّح به برهان الفضلاء. والمآل واحد.(فيجعلها) نصب عطف على «ليفعل»، واللام مكسورة في «ليفعل» بقرينة «ليفعلا» الآتية. وقيل: للتعليل، ولام التعليل تكون بمعنى «كي». وغلط، بل للجحود.قال الجوهري: ومن اللامات لام الجحود بعد«ما كان» و«لم يكن» ولا يصحب إلّا النفي كقوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ»، أي لأن يعذّبهم، انتهى.(1)(لم يكن أحد من أهل بيته) أي الحسن والحسين عليهما السلام.«أفضى إليه»: صار واصلاً إليه، وأفضاه غيره إليه، يتعدّى ولا يتعدّى.(فجرى تأويل هذه الآية) يعني المراد باُولي الأرحام في الآية: المعصومون من قراباته صلى اللَّه عليه وآله بعد الحسين عليه السلام.(ثمّ صارت) من الأفعال التامّة، أي انتقلت إلى الأعقاب، وأعقاب الأعقاب.(واللَّه لا نشكّ في ربّنا أبداً) بيان لوجه من وجوه الفرق بين المعصوم وغيره بانتفاء الرجس والشكّ عن المعصوم من أوّل عمره إلى آخر عمره، وعدم خلوّ غيره عنه ولو لحظة في مدّة عمره، والموجب للشكّ هو الرجس.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (2) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ رَوْحٍ الْقَصِيرِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «النَّبِىُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ

.


1- .الصحاح، ج 5، ص 2036 (لوم).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن ابن مسكان».

ص: 414

أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللَّهِ» فِيمَنْ نَزَلَتْ ؟قَالَ (1) : «نَزَلَتْ فِي الْإِمْرَةِ ، إِنَّ هذِهِ الْآيَةَ جَرَتْ فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ بَعْدِهِ ، فَنَحْنُ أَوْلى بِالْأَمْرِ وَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ».قُلْتُ : فَلِوَلَدِ جَعْفَرٍ(2) فِيهَا نَصِيبٌ ؟ فقَالَ (3) : «لَا». قُلْتُ : فَلِوُلْدِ الْعَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ ؟ فَقَالَ : «لَا» ، فَعَدَدْتُ عَلَيْهِ بُطُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، كُلَّ ذلِكَ يَقُولُ : «لَا».قَالَ : وَ نَسِيتُ وُلْدَ الْحَسَنِ عليه السلام ، فَدَخَلْتُ بَعْدَ ذلِكَ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ لِوُلْدِ الْحَسَنِ عليه السلام فِيهَا نَصِيبٌ ؟ فَقَالَ : «لَا وَ اللَّهِ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ ، مَا لِمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا» .

هديّة:تمام الآية في سورة الأحزاب: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهَجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآلِكُم مَّعْرُوفًا».4 قال برهان الفضلاء: أي إحساناً بالتقيّة والاعتزال؛ لمحافظة أوليائكم، أي شيعتكم في زمن دولة الباطل.و(الإمرة) بالكسر: الإمارة، والمراد هنا: الإمامة وصايةً عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.والقول بأنّ إمارة الشيعة وسلطنته في زمن الغيبة بعدله وحفظه بيضة الإسلام والسعي فيه على حسب المقدور والطاقة إمارة حسنة، حسنٌ. والقول بأنّ كفّ الأيدي يوجب ظهور الإمام عليه السلام مع العلم بأنّ زمان الظهور موقّت في علم اللَّه سبحانه، لا ينحسم إعضاله إلّا في زمن الظهور.وقرأ برهان الفضلاء: «في الأمَرَة» بالتحريك: جمع أمر، قال: وهذا أنسب هنا من «الإمرة» بالكسر، بمعنى الإمارة. ثمّ قال: «ما لمحمّديّ» أي لأحد من المنسوبين إليه صلى اللَّه عليه وآله نسباً أو سبباً بعد الحسين عليه السلام.

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقال».
2- .في الكافي المطبوع: «فولد جعفر لهم» بدل «فلولد جعفر».
3- .الأحزاب (33): 6.

ص: 415

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسى (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ تعالى : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» قَالَ : «إِنَّمَا يَعْنِي أَوْلى بِكُمْ ، أَيْ أَحَقُّ بِكُمْ وَ بِأُمُورِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (2) وَ أَمْوَالِكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، وَ الَّذِينَ آمَنُوا : يَعْنِي عَلِيّاً وَ أَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فَقَالَ : «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلواتُ اللَّه عَلَيه فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَ قَدْ صَلّى رَكْعَتَيْنِ وَ هُوَ رَاكِعٌ ، وَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ ، وَ كَانَ النَّبِيُّ صلى اللَّه عليه وآله كَسَاهُ إِيَّاهَا ، وَ كَانَ النَّجَاشِيُّ أَهْدَاهَا لَهُ ، فَجَاءَ سَائِلٌ ، فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، تَصَدَّقْ عَلى مِسْكِينٍ ، فَطَرَحَ الْحُلَّةَ إِلَيْهِ ، وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ : أَنِ احْمِلْهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - فِيهِ هذِهِ الْآيَةَ ، وَ صَيَّرَ نِعْمَةَ أَوْلَادِهِ بِنِعْمَتِهِ ، فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الْإِمَامَةِ يَكُونُ بِهذِهِ النِّعْمَةِ مِثْلَهُ ، فَيَتَصَدَّقُونَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ ، وَ السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ الْأَئِمَّةَ مِنْ أَوْلَادِهِ يَكُونُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» .

هديّة:المضبوط - كما قال برهان الفضلاء: (إنّما يعني)، فقيل: والظاهر: «يعني إنّما»، وقيل: بل المضبوط أولى؛ لأنّه أظهر في بيان الحصر، وهو المراد الأهمّ هنا.و«الحلّة» بالضمّ: من ثياب التجمّل.(وصيّر) على المعلوم من التفعيل، من الأفعال التامّة، أي أحضر.والباء في (بنعمته) للسببيّة.والمشهور التصدّق بالخاتم في الركوع كما في قوله تعالى في سورة المائدة، وورد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محمّد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسى».
2- .في الكافي المطبوع: «وأنفسكم» بدل «من أنفسكم».

ص: 416

به أخبار، منها: ما روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب عرض المجالس بإسناده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية، قال: «إنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبداللَّه بن سلام وأسد وثعلبة وابن أمين (1) وابن صوريا، فأتوا النبيّ صلى اللَّه عليه وآله فقالوا: يا نبيّ اللَّه إنّ موسى عليه السلام أوصى إلى يوشع بن نون، فمَن وصيّك يارسول اللَّه ومَن وليّنا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قوموا»، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: «يا سائل أما أعطاك أحدٌ شيئاً؟» قال: نعم، هذا الخاتم، قال: «مَن أعطاكه؟» قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يُصلّي، قال: «على أيّ حالٍ أعطاك؟» قال: كان راكعاً، فكبّر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وكبّر أهل المسجد، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «عليّ بن أبي طالب وليّكم بعدي»، قالوا: رضينا باللَّه ربّاً(3)، وبمحمّد نبيّاً، وبعليّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل اللَّه تعالى: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ»(4)، فروى عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: واللَّه لقد تصدّقتُ بأربعين خاتماً وأنا راكع؛ لينزل فيَّ ما نزل في عليّ بن أبي طالب، فما نزل».(5)فلا يخفى عدم المنافاة بين إعطاء الحلّة وإعطاء الخاتم في صلاة واحدة في ركوعها سائلاً واحداً.وقال برهان الفضلاء:الظاهر من الأخبار تكرار التصدّق في حال الركوع من صلاتين وهل صاحب الزمان - صلوات اللَّه عليه - سئل في ركوعه وتصدّق كآبائه عليهم السلام، أو يسأل عند الظهور ويتصدّق؟ العلم عند اللَّه وحججه عليهم السلام.

.


1- .في المصدر: «ابن يامين».
2- .المائدة (5): 55.
3- .في المصدر: + «وبالإسلام ديناً».
4- .المائدة (5): 56.
5- .الأمالي للصدوق، ص 124، المجلس 26، ح 4.

ص: 417

الحديث الرابع روى في الكافي عن الثلاثة(1)، عَن ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ وَ الْفُضَيْلِ وَ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَالْعِجْلِي وَ أَبِي الْجَارُودِ جَمِيعاً ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَمَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - رَسُولَهُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» وَ فَرَضَ وَلَايَةَ أُولِي الْأَمْرِ ، فَلَمْ يَدْرُوا مَا هِيَ ؟ فَأَمَرَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله أَنْ يُفَسِّرَ لَهُمُ الْوَلَايَةَ كَمَا فَسَّرَ لَهُمُ الصَّلَاةَ وَ الزَّكَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَّ ، فَلَمَّا أَتَاهُ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ ، ضَاقَ بِذلِكَ صَدْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ تَخَوَّفَ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ دِينِهِمْ وَ أَنْ يُكَذِّبُوهُ ، فَضَاقَ صَدْرُهُ ، وَ رَاجَعَ رَبَّهُ تَعَالى ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فَصَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، فَقَامَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ ، فَنَادَى : الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، وَ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».قَالَ عُمَرُ بْنُ أُذَيْنَةَ : قَالُوا جَمِيعاً غَيْرَ أَبِي الْجَارُودِ : وَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «وَ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ تَنْزِلُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْأُخْرى ، وَ كَانَتِ الْوَلَايَةُ آخِرَ الْفَرَائِضِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا»» .قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى : لَا أُنْزِلُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ هذِهِ فَرِيضَةً ، قَدْ أَكْمَلْتُ لَكُمُ الْفَرَائِضَ» .

هديّة:(بولاية عليّ عليه السلام) أي بإظهار وجوب ولايته بآية الولاية في سورة المائدة.(ضاق بذلك). قيل: لعلّ وجهه انتظاره صلى اللَّه عليه وآله نزول آية مصرّحة في ذلك بالاسم والنسب؛ لئلّا يقع الاختلاف، ونِعمَ ما قيل: لو لم يكن قوله تعالى في آية الولاية: «والّذين آمنوا» خاصّاً، لم يبق من المؤمنين مولّى عليه مشاراً إليه بضماير الجمع للخطاب، فأوحى اللَّه إليه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» الآية في سورة المائدة.

.


1- .أي: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 418

«صدعت الشي ء» كمنع: أظهرته وبيّنته، و«صدعت بالحقّ»، إذا تكلّمت به جهاراً، قال اللَّه تعالى: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ»(1). قال الفرّاء: أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك.(2)(الصلاة جامعة) نصب على الإغراء، و«جامعة» على الحاليّة، أي الزموا الصلاة حال كونها في جماعة؛ ليستمعوا ما أنزل اللَّه تعالى في عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه، وهو قوله تعالى في المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ»(3) الآية.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ(4) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَهُ جَالِساً ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : حَدِّثْنِي عَنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ؟ فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : «وَيْحَكَ ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَخْوَفَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ اللَّهُ ، بَلِ افْتَرَضَهُ كَمَا افْتَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَ الزَّكَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الْحَجَّ» .

هديّة:بيانه بيِّن. في القاموس:«ويح» كزيد، وويحاً له: كلمة رحمة، ورفعه على الابتداء، ونصبه بإضمار فعلٍ، وويح زيد، وويحه، نصبهما به أيضاً، وويحما زيد بمعناه، أو أصله: «وي»، فوصلت بحاء مرّة، وبلام مرّة، وبسين مرّة، وبياء مرّة.(5)

الحديث السادس .


1- .الحجر (15): 94.
2- .الصحاح، ج 3، ص 1242 (صدع).
3- .المائدة (5): 3.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة».
5- .القاموس المحيط، ج 1، ص 256 (ويح).

ص: 419

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «فَرَضَ اللَّهُ تَعَالى عَلَى الْعِبَادِ خَمْساً ، أَخَذُوا أَرْبَعاً ، وَ تَرَكُوا وَاحِدَةً».قُلْتُ : أَ تُسَمِّيهِنَّ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟فَقَالَ : «الصَّلَاةُ ، وَ كَانَ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يُصَلُّونَ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْهُمْ بِمَوَاقِيتِ صَلَاتِهِمْ .ثُمَّ نَزَلَتِ الزَّكَاةُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْهُمْ مِنْ زَكَاتِهِمْ مَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ .ثُمَّ نَزَلَ الصَّوْمُ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِذَا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ ، بَعَثَ إِلى مَا حَوْلَهُ مِنَ الْقُرى ، فَصَامُوا ذلِكَ الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَ شَوَّالٍ .ثُمَّ نَزَلَ الْحَجُّ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : أَخْبِرْهُمْ مِنْ حَجِّهِمْ مَا أَخْبَرْتَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَ زَكَاتِهِمْ وَ صَوْمِهِمْ .ثُمَّ نَزَلَتِ الْوَلَايَةُ ، وَ إِنَّمَا أَتَاهُ ذلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» وَ كَانَ كَمَالُ الدِّينِ بِوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، فَقَالَ عِنْدَ ذلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أُمَّتِي حَدِيثُو(1) عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ ، وَ مَتى أَخْبَرْتُهُمْ بِهذَا فِي ابْنِ عَمِّي ، يَقُولُ قَائِلٌ ، وَ يَقُولُ قَائِلٌ - فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ لِسَانِي - فَأَتَتْنِي عَزِيمَةٌ مِنَ اللَّهِ بَتْلَةٌ أَوْعَدَنِي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ أَنْ يُعَذِّبَنِي ، فَنَزَلَتْ : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ كَانَ قَبْلِي إِلَّا وَ قَدْ عَمَّرَهُ اللَّهُ تَعَالى ، ثُمَّ دَعَاهُ فَأَجَابَهُ ، فَأَوْشَكَ أَنْ أُدْعى فَأُجِيبَ ، وَ أَنَا مَسْؤُولٌ وَ أَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ ؛ فَمَا ذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟

.


1- .هكذا في حاشية «ألف» والمطبوع. وفي «ألف» و «د»: «حديث».

ص: 420

فَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ ، وَ نَصَحْتَ ، وَ أَدَّيْتَ مَا عَلَيْكَ ؛ فَجَزَاكَ اللَّهُ أَفْضَلَ جَزَاءِ الْمُرْسَلِينَ .فَقَالَ : اللَّهُمَّ اشْهَدْ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - ثُمَّ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، هذَا وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي ؛ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ».قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «كَانَ وَاللَّهِ أَمِينَ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ وَ غَيْبِهِ وَ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ .ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَه (1) ، فَدَعَا عَلِيّاً عليه السلام ، فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَئْتَمِنَكَ عَلى مَا ائْتَمَنَنِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْبِهِ وَ عِلْمِهِ وَ خَلْقِهِ وَ دِينِهِ (2) الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يُشْرِكْ وَاللَّهِ فِيهَا - يَا زِيَادُ - أَحَداً مِنَ الْخَلْقِ .ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، فَدَعَا وُلْدَهُ - وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً - فَقَالَ لَهُمْ : يَا بَنِيَّ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - قَدْ أَبى إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فِيَّ سُنَّةً مِنْ يَعْقُوبَ ، وَ إِنَّ يَعْقُوبَ دَعَا وُلْدَهُ - وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً - فَأَخْبَرَهُمْ بِصَاحِبِهِمْ ، أَلَا وَ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ ، أَلَا إِنَّ هذَيْنِ ابْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ، فَاسْمَعُوا لَهُمَا ، وَ أَطِيعُوا ، وَ وَازِرُوهُمَا ؛ فَإِنِّي قَدِ ائْتَمَنْتُهُمَا بِمَا(3) ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ (4) رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِمَا(5)ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ مِنْ غَيْبِهِ ، وَ مِنْ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ عَلِيٍّ عليه السلام مَا أَوْجَبَ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ عَلى صَاحِبِهِ إِلَّا بِكِبَرِهِ ، وَ إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام كَانَ إِذَا حَضَرَ الْحَسَنُ عليه السلام لَمْ يَنْطِقْ فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ حَتّى يَقُومَ .ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ عليه السلام حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، فَسَلَّمَ ذلِكَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام .ثُمَّ إِنَّ حُسَيْناً عليه السلام حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، فَدَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَدَفَعَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «حضر».
2- .في الكافي المطبوع: «و من خلقه ومن دينه» بدل «وخلقه و دينه».
3- .في الكافي المطبوع: «بما» بدل «على ما».
4- .في «د»: - «عليه».
5- .في الكافي المطبوع: «بما».

ص: 421

إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً ، وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً - وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام مَبْطُوناً لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ - فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ صَارَ وَاللَّهِ ذلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا» .

هديّة:(بين شعبان وشوّال). قال السيّد السند أمير حسن القائني طاب ثراه: يعني الشهر الذي بينهما لم يكن اسمه رمضان، فلمّا أمره اللَّه تعالى بصومه سمّاه شهر رمضان، ورمضان اسمٌ من أسماء اللَّه تعالى.إنّما لم يذكر الجهاد على حدة لاندراجها في الولاية.و«المواقيت»: جمع الموقوت، أي الأوقات المعيّنة والمعيّنات الموقّتة، فيعمّ، يدلّ عليه قوله عليه السلام: (فقال يا محمّد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم). و«ما» في «ما أخبرتهم» مصدريّة، فالمفعول المطلق للنوع.وجملة (أنزل اللَّه عزّ وجلّ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ») الآية في المائدة(1)معترضة.ولا يتوهّم نزول الولاية والآية في يومٍ واحد، فإنّ الولاية نزلت بعرفة في حجّة الوداع سنة عشر الهجريّة، والآية نزلت بعد التعيين في غدير خمّ، وللصلاة قوله تعالى في سورة المزمّل (2): «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ»، وللزكاة «وَآتُوا الزَّكَاةَ»، وللصوم قوله تعالى في سورة البقرة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»(3)الآية، وللحجّ قوله تعالى في سورة آل عمران: «وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»(4).في بعض النسخ: «حديثو عهد» بالجمع.(يقول قائل ويقول قائل) بحذف المفعول فيهما.

.


1- .المائدة (5): 3.
2- .المزمّل (73): 20.
3- .البقرة (2): 183.
4- .آل عمران (3): 97.

ص: 422

(فقلت في نفسي) إلى (يعذّبني) معترضة؛ لبيان سابقها ولاحقها، فالفاء بيانيّة بتقدير القول، أي فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: قلت(عزيمة من اللَّه) أي فجاءتني آية حتم محكمة. و«العزيمة» هي الجدّ في الأمر، والإحكام، والمحكم، والتعويذ، والفريضة.(بتلة) بتقديم المفردة، أي قطعاً البتّه.(أحداً من الخلق) أي بهواه، أو يعني لا بهواه ولا غيره.و(زياد) اسم أبي الجارود بن المنذر ينسب إليه الجاروديّة من الزيديّة.و«الموازرة»: المعاونة، ومنه: الوزير، بمعنى المُعين.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «على ما ائتمتني» مكان (بما ائتمني)، و«ممّا ائتمنه اللَّه» بالميمين، مكان (بما ائتمنه اللَّه).(إذا حضر الحسن عليه السلام) يحتمل الرفع والنصب.(كتاباً ملفوفاً) فيه كلّ ما يحتاج إليه الناس - كما سيأتي في باب النصّ على عليّ بن الحسين عليهما السلام - وقد مرَّ بيان «الوصيّة الظاهرة».(لا يرون إلّا أنّه لما به) أي لا يظنّون إلّا أنّه يستعدّ لما نزل به من المرض؛ للرحلة من دار الفناء.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ صَبَّاحٍ الْأَزْرَقِ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُخْتَارِيَّةِ لَقِيَنِي ، فَزَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ إِمَامٌ ؟فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : «أَ فَلَا قُلْتَ لَهُ ؟» قَالَ : قُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ ، مَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ .قَالَ : «أَ فَلَا قُلْتَ لَهُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَوْصى إِلى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهم السلام ، فَلَمَّا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن صبّاح الأزرق».

ص: 423

مَضى عَلِيٌّ عليه السلام ، أَوْصى إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، وَ لَوْ ذَهَبَ يَزْوِيهَا عَنْهُمَا ، لَقَالَا لَهُ : نَحْنُ وَصِيَّانِ مِثْلُكَ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذلِكَ .وَ أَوْصَى الْحَسَنُ إِلَى الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، وَ لَوْ ذَهَبَ يَزْوِيهَا عَنْهُ ، لَقَالَ : أَنَا وَصِيٌّ مِثْلُكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنْ أَبِي عليه السلام، وَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ ذلِكَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتَبِ اللَّهِ» هِيَ فِينَا وَ فِي أَبْنَائِنَا» .

هديّة:(المختاريّة) في النسبة إلى مختار بن أبي عبيدة الثقفي، وهو ممّن قال بإمامة محمّد بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام المشتهر ب «ابن الحنفيّة»، وكانت اُمّه من بني الحنفيّة، وكان رجلاً من عبيد مختار بن أبي عبيدة، اسمه كيسان، والكيسانيّة الذين قالوا بإمامة محمّد بن الحنفيّة نسبةً إليه، وكانوا رهطه.(أفلا قلت) الأوّل، أي أفلا تكلّمت للحجّة عليه. و«الزّوى» بالزّاي، كالمنع والدفع لفظاً ومعنى.(هي فينا) أي هذه الآية - وهي في سورتين: سورة الأنفال وسورة الأحزاب (1) - في ولد الحسين عليه السلام، وقيل: أي بعد الحسين عليه السلام. والمآل واحد.

.


1- .الأنفال (8): 75؛ الأحزاب (33): 6.

ص: 424

الباب الخامس والستّون: باب الإشارة و النصّ على أمير المؤمنين عليهما السلام

الباب الخامس والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي تسعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عن بزرج، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْجَهْمِ الْهِلَالِيِ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «لَمَّا نَزَلَتْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ كَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : سَلِّمُوا عَلى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَكَانَ مِمَّا أَكَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَا زَيْدُ ، قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَهُمَا : قُومَا فَسَلِّمَا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَا : أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ .فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» يَعْنِي بِهِ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لَهُمَا ، وَ قَوْلَهُمَا : أَ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ؟ «وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ (أَئِمَّةٌ هِيَ أَزْكَى مِنْ أَئِمَّتِكُمْ)»».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَئِمَّةٌ ؟ قَالَ : «إِي وَ اللَّهِ أَئِمَّةٌ» قُلْتُ : فَإِنَّا نَقْرَأُ «أَرْبى» فَقَالَ : «مَا أَرْبى؟ - وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ فَطَرَحَهَا - «إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ» يَعْنِي بِعَلِيٍّ عليه السلام «وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن زيد بن الجهم الهلالي».

ص: 425

الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ لَتُسْئَلُنَّ» يَوْمَ الْقِيَامَةِ «عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها» يَعْنِي بَعْدَ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي عَلِيٍّ عليه السلام «وَ تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» يَعْنِي بِهِ عَلِيّاً عليه السلام «وَ لَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»» .

هديّة:ليس هذا العنوان في أكثر النسخ بين الحديث السابع والثامن من الباب الرابع والستّون، ونحن نقلناه كما في بعضها، فعلى هذا أبواب كتاب الحجّة أزيد ممّا ذكر بواحد، وأحاديثه كما في الكافي على ما نقلناه تسعة.و(الإشارة) إذا تعدّى ب «على» فبمعنى الأمر بالشي ء، وإذا تعدّى ب «إلى» فبمعنى الإيماء، فلا مخلص إلّا بجعل. (والنص) عطفُ تفسيرٍ لها. والقول بحذف المتعلّق لقرينة بيّنة، كما ترى.(فكان ممّا) جواب (لمّا) ولا يذكر الفاء في جواب «لمّا» إلّا مع كثرة التراخي، وهنا قريب منها.(فأنزل اللَّه عزّ وجلّ) يعني آيات من سورة النحل، أوّلها قوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا»(1) الآية.(يعني به) أي بالكفيل، بمعنى الرديف، أخذاً من الكفل. والرديف يركب الكفل، أي يعني بالكفيل ردافة قولهما (قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله).«أَنْكاثاً»: جمع نكث بالكسر، وهو أن ينقض أخلاق الأكسية لتغزل ثانية، وكانت امرأة حمقاء من قريش تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار، ثمّ تأمرهنّ أن ينقضن ما غزلن، ولا يزال كذلك دأبها، وكان اسمها «ريطة بنت عمرو» وكانت تسمّى «خرقاء مكّة» ضرب اللَّه بها مثلاً لِناقضي البيعة والعهد واليمين بعد الإحكام والتوكيد في إمرة

.


1- .النحل (16): 91 - 94.

ص: 426

عليّ بن أبي طالب - صلوات اللَّه عليه - للمؤمنين دخلاً دغلاً وخيانة وخديعة.(إي واللَّه أئمّة). الجوهري: إي بالكسر: كلمة تتقدّم القسَم، معناها بلى؛ تقول: إي وربّي، وإي واللَّه.(1)قيل: يستفاد من هذا الخبر وغيره أنّها قراءة أهل البيت عليهم السلام يعني قراءة «أزكى» مكان (أربى)، و«أئمّة» مكان (اُمّة) أي لا تنقضوا البيعة والعهد لأجل أن يكون قوم أزكى من قوم، وأئمّة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأوصياء من عند اللَّه أعلى من أئمّتكم في نظر هواكم.وقيل: كأنّه عليه السلام أراد بقوله: «ما أربى» وتعجّبه وطرح يده أنّ «أربى» هاهنا ليس معناه إلّا «أزكى»، و«الاُمّة» ليس معناها إلّا «الأئمّة» خاصّة، على ما شرحه جبرئيل عليه السلام لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في القرآن هكذا: «وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»(2)، فقوله: (يوم القيامة) من كلام الإمام، للتفسير المنصوص من آبائه عليهم السلام من جبرئيل عليه السلام.والتنوين في (فتزلّ قدم) للتكثير.(بما صددتم): بما منعتم الناس من الهدى. قال سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه: تهلك هذه الاُمّة بنقض مواثيقها.(3)(يعني به) أي بسبيل اللَّه.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ الثُّمَالِيِ (4) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «لَمَّا أَنْ قَضى مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله نُبُوَّتَهُ ، وَ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ ، أَوْحَى اللَّهُ - عزَّ وَ جَلَّ - إِلَيْهِ : أَنْ يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ ، وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ؛ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَ

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 227 (أيا).
2- .النحل (16): 93.
3- .مجمع البيان، ج 6، ص 590.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، وأحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي».

ص: 427

الْإِيْمَانَ وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ، عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَ الْعِلْمَ وَ الْإِيمَانَ وَالِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ، كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ ذُرِّيَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ».

هديّة:لعلّ المراد بالعلم الذي عنده صلى اللَّه عليه وآله هو الذي به فضّل له على سائر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام على ما سيذكر في هديّة الحديث التالي إن شاء اللَّه تعالى.والمراد ب (الإيمان) هنا أيضاً نور الولاية، قال اللَّه تعالى في سورة الحجرات: «وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»(1)؛ يعني الفلان والفلان وفلان، وب (الاسم الأكبر) الكتاب الذي يعلم به علم كلّ شي ء ممّا يحتاج إليه - كما فسّر به فى خبر عبد الحميد الآتي - وب (ميراث العلم) العصمة أو علم الكتاب أو علم الأنبياء واُولي (2) العزم منهم، وب (آثار علم النبوّة) علم الشرائع والأحكام والجفر الأبيض والجفر الأحمر ونحوهما من الصحف، والعلم عند اللَّه والنبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده بطرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ وَ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الدَّيْلَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَوْصى مُوسى عليه السلام إِلى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَ أَوْصى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلى وَلَدِ هَارُونَ ، وَ لَمْ يُوصِ إِلى وَلَدِهِ ، وَ لَا إِلى وَلَدِ مُوسى ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَهُ الْخِيَرَةُ ، يَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ مِمَّنْ يَشَاءُ ، وَ بَشَّرَ مُوسى وَ يُوشَعُ بِالْمَسِيحِ عليهم السلام .فَلَمَّا أَنْ بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - الْمَسِيحَ ، قَالَ الْمَسِيحُ لَهُمْ : إِنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي نَبِيٌّ

.


1- .الحجرات (49): 7.
2- .في «الف»: «واولوا». وفي «د»: «أو اولي».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسين و غيره، عن سهل، عن محمّد بن عيسى؛ ومحمّد بن يحيى و محمّد بن الحسين جميعاً، عن محمّد بن سنان».

ص: 428

اسْمُهُ أَحْمَدُ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام ، يَجِي ءُ بِتَصْدِيقِي وَ تَصْدِيقِكُمْ ، وَ عُذْرِي وَ عُذْرِكُمْ ، وَ جَرَتْ مِنْ بَعْدِهِ فِي الْحَوَارِيِّينَ فِي الْمُسْتَحْفَظِينَ .وَ إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالى الْمُسْتَحْفَظِينَ ؛ لِأَنَّهُمُ اسْتُحْفِظُوا الِاسْمَ الْأَكْبَرَ ، وَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْ ءٍ الَّذِي كَانَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ»«وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ» الْكِتَابُ : الِاسْمُ الْأَكْبَرُ ، وَ إِنَّمَا عُرِفَ - مِمَّا يُدْعَى الْكِتَابَ - التَّوْرَاةُ وَ الْإِنْجِيلُ وَ الْفُرْقَانُ ، فِيهَا كِتَابُ نُوحٍ عليه السلام ، وَ فِيهَا كِتَابُ صَالِحٍ وَ شُعَيْبٍ وَ إِبْرَاهِيمَ عليهم السلام ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ هذا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى» فَأَيْنَ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ ؟ إِنَّمَا صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ الِاسْمُ الْأَكْبَرُ(1) ، وَ صُحُفُ مُوسَى الِاسْمُ الْأَكْبَرُ .فَلَمْ تَزَلِ الْوَصِيَّةُ فِي عَالِمٍ بَعْدَ عَالِمٍ حَتّى دَفَعُوهَا إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، أَسْلَمَ لَهُ الْعَقِبُ مِنَ الْمُسْتَحْفَظِينَ ، وَ كَذَّبَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَ دَعَا إِلَى اللَّهِ تَعَالى ، وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ .ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى إِلَيْهِ (2) : أَنْ أَعْلِنْ فَضْلَ وَصِيِّكَ ، فَقَالَ : رَبِ (3) ، إِنَّ الْعَرَبَ قَوْمٌ جُفَاةٌ ، لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كِتَابٌ ، وَ لَمْ يُبْعَثْ إِلَيْهِمْ نَبِيٌّ ، وَ لَا يَعْرِفُونَ فَضْلَ نُبُوَّاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَا شَرَفَهُمْ ، وَ لَا يُؤْمِنُونَ بِي إِنْ أَنَا أَخْبَرْتُهُمْ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِي ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ» وَ «قُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ».فَذَكَرَ مِنْ فَضْلِ وَصِيِّهِ ذِكْراً ، فَوَقَعَ النِّفَاقُ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ذلِكَ وَ مَا يَقُولُونَ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : يَا مُحَمَّدُ ، «وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ» ، «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» لكِنَّهُمْ يَجْحَدُونَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُمْ .وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يَتَأَلَّفُهُمْ ، وَ يَسْتَعِينُ بِبَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ ، وَ لَا يَزَالُ يُخْرِجُ لَهُمْ شَيْئاً فِي

.


1- .في «د»: - «الإسم الأكبر».
2- .في الكافي المطبوع: «عليه».
3- .في «د»: - «ربّ».

ص: 429

فَضْلِ وَصِيِّهِ حَتّى نَزَلَتْ هذِهِ السُّورَةُ ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ حِينَ أُعْلِمَ بِمَوْتِهِ وَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالى : «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَ إِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» يَقُولُ : فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ عَلَمَكَ ، وَ أَعْلِنْ وَصِيَّكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ فَضْلَهُ عَلَانِيَةً ، فَقَالَ صلى اللَّه عليه وآله : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .ثُمَّ قَالَ : لَأَبْعَثَنَّ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ ، يُعَرِّضُ بِمَنْ رَجَعَ ، يُجَبِّنُ أَصْحَابَهُ وَ يُجَبِّنُونَهُ .وَ قَالَ صلى اللَّه عليه وآله : عَلِيٌّ سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ .وَ قَالَ : عَلِيٌّ عَمُودُ الدِّينِ .وَ قَالَ : هذَا هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ النَّاسَ بِالسَّيْفِ عَلَى الْحَقِّ بَعْدِي .وَ قَالَ : الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ أَيْنَمَا مَالَ .وَ قَالَ : إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقْلَيْنِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا : كِتَابَ اللَّهِ ، وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ؛ أَيُّهَا النَّاسُ (1) ، اسْمَعُوا وَ قَدْ بَلَّغْتُ ، إِنَّكُمْ سَتَرِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَأَسْأَلُكُمْ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الثَّقَلَيْنِ (2) ، كِتَابُ اللَّهِ وَ أَهْلُ بَيْتِي ، فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَهْلِكُوا ، وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ .فَوَقَعَتِ الْحُجَّةُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله وَ بِالْكِتَابِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ النَّاسُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي فَضْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِالْكَلَامِ ، وَ يُبَيِّنُ لَهُمْ بِالْقُرْآنِ : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» وَ قَالَ تَعَالى : «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى» ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» .فَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام ، وَ كَانَ حَقُّهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ ، وَ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ ، وَ مِيرَاثَ الْعِلْمِ ، وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» ثُمَّ قَالَ : «وَ إِذَا (الْمَوَدَّةُ) سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» يَقُولُ : أَسْأَلُكُمْ عَنِ الْمَوَدَّةِ - الَّتِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ فَضْلَهَا - مَوَدَّةِ الْقُرْبى بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلْتُمُوهُمْ .

.


1- .في الكافي المطبوع: «وأهل بيتي عترتي؛ أيّها الناس» بدل «وعترتي أهل بيتي؛ يا أيّها الناس».
2- .في الكافي المطبوع: + «والثقلان».

ص: 430

وَ قَالَ تَعَالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» قَالَ : الْكِتَابُ : الذِّكْرُ ، وَ أَهْلُهُ : آلُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالى بِسُؤَالِهِمْ ، وَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِسُؤَالِ الْجُهَّالِ ، وَ سَمَّى اللَّهُ تَعَالى الْقُرْآنَ ذِكْراً ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ : «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ».وَ قَالَ تَعَالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وَ قَالَ تَعَالى : «وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» فَرَدَّ الْأَمْرَ - أَمْرَ النَّاسِ - إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ وَ بِالرَّدِّ إِلَيْهِمْ .فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» فَنَادَى النَّاسَ ؛ فَاجْتَمَعُوا ، وَ أَمَرَ بِسَمُرَاتٍ ؛ فَقُمَّ شَوْكُهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ صلى اللَّه عليه وآله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ وَلِيُّكُمْ وَ أَوْلى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ؟ فَقَالُوا : اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ، فَقَالَ : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.فَوَقَعَتْ حَسَكَةُ النِّفَاقِ فِي قُلُوبِ الْقَوْمِ ، وَ قَالُوا : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى هذَا عَلى مُحَمَّدٍ قَطُّ ، وَ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ .فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، أَتَتْهُ الْأَنْصَارُ ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا ، وَ شَرَّفَنَا بِكَ وَ بِنُزُولِكَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ، فَقَدْ فَرَّحَ اللَّهُ صَدِيقَنَا ، وَ كَبَتَ عَدُوَّنَا ، وَ قَدْ يَأْتِيكَ وُفُودٌ ، فَلَا تَجِدُ مَا تُعْطِيهِمْ ، فَيَشْمَتُ بِكَ الْعَدُوُّ ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ أَمْوَالِنَا حَتّى إِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ وَفْدُ مَكَّةَ ، وَجَدْتَ مَا تُعْطِيهِمْ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلَيْهِمْ شَيْئاً ، وَ كَانَ يَنْتَظِرُ مَا يَأْتِيهِ مِنْ رَبِّهِ ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، وَ قَالَ : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى»، وَلَمْ يَقْبَلْ أَمْوَالَهُمْ .فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هذَا عَلى مُحَمَّدٍ ، وَ مَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ بِضَبْعِ ابْنِ عَمِّهِ ، وَ يُحَمِّلُ عَلَيْنَا أَهْلَ بَيْتِهِ ، يَقُولُ أَمْسِ : مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ ، وَ الْيَوْمَ : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً

.

ص: 431

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبى» ، ثُمَّ نَزَلَ (1) عَلَيْهِ آيَةُ الْخُمُسِ ، فَقَالُوا : يُرِيدُ أَنْ نُعْطِيَهُمْ (2) أَمْوَالَنَا وَ فَيْئَنَا .ثُمَّ أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّكَ قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ ، وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ، فَاجْعَلِ الِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ عِنْدَ عَلِيٍ (3)عليه السلام ؛ فَإِنِّي لَمْ أَتْرُكِ الْأَرْضَ إِلَّا وَ لِيَ فِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ (4)بِهِ طَاعَتِي ، وَ يُعْرَفُ (5) بِهِ وَلَايَتِي ، وَ يَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يُولَدُ بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْآخَرِ ، قَالَ : فَأَوْصى إِلَيْهِ بِالِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَ مِيرَاثِ الْعِلْمِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ ، وَ أَوْصى إِلَيْهِ بِأَلْفِ كَلِمَةٍ وَ أَلْفِ بَابٍ ، يَفْتَحُ كُلُّ كَلِمَةٍ وَ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ كَلِمَةٍ وَ أَلْفَ بَابٍ» .

هديّة:في بعض التفاسير: أنّ «اسمه أحمد» تأويله أنّ علامته أحمد(6) وأفضل، وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وأوصياؤه أفضل الأوصياء، وهو صلى اللَّه عليه وآله نبيّ الرحمة، واُمّته الاُمّة المرحومة، وكتابه أفضل الكتب السماويّة باشتماله على آيات بيّنات معجزات، جامعةٍ لكلّ رطبٍ ويابس، فالفتنة أيضاً في دينه صلى اللَّه عليه وآله أعظم وأشدّ قطعاً، وقد ارتدّت الاُمّة يوم الرحلة جميعاً إلّا قليلاً من المؤمنين، ثمّ صار طائفة من المرتدّين راجعين، قال اللَّه تعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ»7، فسّر «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ» أي على الأبالسة يوم صعود الأوّل على المنبر وإجبار الثاني وغيره من الطواغيت الناس على البيعة، والنبيّ لم يُجهَّز، ولم يُصلَّ عليه بعد. «ظَنَّهُ»: بظنّه ترتّب الآثار على إظهار المنافقين نفاقهم بالغمز والهمز والنجوى بعد التهنية والتسليم

.


1- .في حاشية «الف»: «نزلت».
2- .في الكافي المطبوع: «يعطيهم».
3- .في «الف»: + «بن أبي طالب».
4- .في الكافي المطبوع: «تعرف».
5- .في «د»: - «تأويله أنّ علامته أحمد».
6- .سبأ (34): 20.

ص: 432

يوم غدير خمّ، و«فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» بسلمان وأبي ذرّ ومقداد، ثمّ بعد ذلك الامتحان العظيم سعى إبليس لعنه اللَّه وجدَّ حتّى افترقت الاُمّة على بضع وسبعين فرقة، إحداها ناجية والباقية هالكة، فانحصر سعي اللعين وجدّه في التفكّر في إضلال الناجية، كما كان سعيه منحصراً بعد الطوفان في غرق سفينة نوح عليه السلام، وحديث ذلك الجنّ المقطوع عضده من كتفه بضربة أمير المؤمنين عليه السلام، وحكايته قصّته يوم الطوفان عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مشهور،(1) فتفكّر اللعين وتعمّق في إضلال العصابة الناجية بذلك التفكّر في أواخر ذلك العمر، فجدّ وسعى وشاور أبالسته، مع علمه بأنّ الشيعة لا يتهوّد ولا يتنصّر ولا يتمجّس ولا يغترّ بسهولة بفرقة من الفرق الهالكة، وأنّ معصيتهم - وإن كانت كثيرةً عظيمةً - من ورائها التوبة والشفاعات والزيارات، فانتهى، فكره ذلك الفكر إلى وضع طريقة التصوّف المحفوفة بالأذكار والعبادات والتزهّد والرياضات والأحاديث والآيات والأمثال والأشعار والحكايات، وغير ذلك من الفنون والصناعات، فنعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم وخدعه وغروره، اللّهمَّ ثبّتنا على الصراط المستقيم.(عذري) أي حجّتي.(وجرت) أي الوصيّة.و«الحواري» من التحوير، بمعنى التبييض، فقيل: إنّهم كانوا قصّارين يبيّضون الثياب وينقّونها. وقيل: بل لكونهم قصّارين لثياب سراير الخلائق من ذمائم الصفات. وقال الأزهري: هم خُلْصانُ الأنبياء، وتأويله الذين خلّصوا ونقّوا من كلّ عيب.(2)وتسميتهم ب (المستحفظين) على اسم المفعول - كما ضبط برهان الفضلاء أيضاً - ناظر إلى قوله تعالى في وصف التوراة في سورة المائدة: «فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ»(3). «استحفظته»: سألته أن يحفظه.

.


1- .لم نعثر عليه.
2- .نقل بالمعنى. راجع: تهذيب اللغة، ج 5، ص 229 (حور).
3- .المائدة (5): 44.

ص: 433

ولم يسمع «استحفظه» بمعنى «حفظه». وعبّر أمير المؤمنين عليه السلام عن نور المعرفة الكاملة والعلم بصاحب الاسم الأكبر تارةً ب «العالم الأكبر» واُخرى ب «الكتاب المبين»، قال عليه السلام:دوائك فيك وما تشعروداؤك منك وما تُبصرُ(1)وتزعمُ (2) أنّك جرمٌ صغيروفيك انطوى العالم الأكبروأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر(3)وهل عالمٌ أكبر بعد عالَمِ نور الولاية من نور الإيمان الكامل بالولاية، قال اللَّه تعالى: «أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»(4)، وذكره عليه السلام آية: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ»(5) نقلاً بالشرح والمعنى، ففي سورة المؤمن: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ»(6) والباقي لا يوافق، وفي سورة الحديد: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ»(7).(وإنّما عرف ممّا يدعى الكتاب) أي بالكتاب، يعني وإنّما المعروف فيما بين الناس ممّا يسمّى بالكتاب هو هذه الثلاثة، مع أنّ كثيراً من الأنبياء كان معهم كتب سوى هذه، منها: كتاب فلان، ومنها: كتاب فلان.والكلام ردّ على من زعم أنّ المراد من المستحفظين لكتاب اللَّه أحبار اليهود الحافظون للتوراة، فبيّن عليه السلام أنّ المراد بكتاب اللَّه الاسم الأكبر مع الأنبياء والأوصياء الذي يعرفون به ما يعرفون، وليس هو إلّا نور العصمة، أو نورٌ معها، أو عليها، نورٌ على نور.

.


1- .في المصدر: «تنظر».
2- .في المصدر: «تحسب».
3- .ديوان الإمام عليّ عليه السلام، ص 178.
4- .المجادلة (58): 22.
5- .الرعد (13): 38 .
6- .غافر (40): 78 .
7- .الحديد (57): 25.

ص: 434

(فأخبر اللَّه عزّ وجلّ) يعني في سورة الأعلى: «إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى»(1) الآية. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ صحف إبراهيم كانت عشرين صحيفة، وصحف إدريس ثلاثين، وصحف شيث خمسين»،(2) يعني ما يتلى من الاسم الأكبر على الناس. وعن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه: أنّه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «اقرأ يا أبا ذرّ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى»(3)»،(4)يعني فيها أمثال هذه الكلمات من الحِكَم والمواعظ.«وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ» الآية في سورة النحل وسورة الحجر.(5)«وَقُلْ سَلَامٌ» في الزخرف.(6)«لَا يُكَذِّبُونَكَ» يعني بل يكذّبون اللَّه في الحقيقة، أو المعنى: لا يكذّبونك بقلوبهم وإن كانوا يجحدونك بألسنتهم، كذا في الكشّاف أيضاً،(7) نظير قوله تعالى في سورة النمل: «جَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ»(8).وقيل: يعني لا يكذّبونك ولا يجحدونك، ولكنّهم يجحدون بآيات اللَّه، وذلك أنّه صلى اللَّه عليه وآله كان ملقّباً عند الجاحدين أيضاً ب «الأمين» وكان أبوجهل يقول: ما نكذّبك وأنّك عندنا لمصدّق، وإنّما نكذّب ما جئتنا به.(9)

.


1- .الأعلى (87): 18.
2- .إرشاد القلوب، ج 2، ص 416؛ وعنه في البحار، ج 26، ص 221، ح 47.
3- .الأعلى (87): 14 - 19.
4- .الخصال، ج 2، ص 523، أبواب العشرين، ح 13؛ معاني الأخبار، ص 332، ح 1؛ وعنهما في البحار، ج 12، ص 71، ح 14.
5- .النحل (16): 127؛ الحجر (15): 88؛ وكذلك في سورة النمل 027): 70.
6- .الزخرف (43): 89 .
7- .الكشّاف، ج 2، ص 14.
8- .النمل (27): 14.
9- .نسب هذا القول إلى ابن عباس. راجع: الكشّاف، ج 2، ص 14.

ص: 435

وروى ثقة الإسلام في الروضة بإسناده، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: أنّه قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام هذه الآية، فقال: «بلى واللَّه، لقد كذّبوه أشدّ التكذيب، ولكنّها مخفّفة «فإنّهم لا يكذبونك»: لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك».(1)وهذا التفسير موافق لما فسّرها عليه السلام به هنا بقوله: (لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم) نقلت آية سورة الأنعام (2) بالمعنى وأوّلها في سورة الحجر(3) أيضاً.«أكذبه»: وجده كاذباً، وأظهر كذبه بحجّة.والمراد ب (هذه السورة) سورة ألم نشرح، وفي بعض النسخ: «هذه الآية» مكان «هذه السورة»، يعني آية «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ».قيل: الظاهر من أحاديث أئمّتنا عليهم السلام قراءة «فَانصَبْ» بكسر الصاد، يعني فإذا فرغت من حجّة الوداع فانصب علمك عليّاً عليه السلام، واعلن فضله.أقول: لا حاجة للغرض إلى كسر الصاد، بل المقصود على القراءتين - كما يستفاد من أخبارهم عليهم السلام - أمرٌ واحد، فإنّ المعنى على فتح الصاد من «النَّصب» بمعنى التّعب: فإذا فرغت فاتعب بالرجوع عن سفرك من منزل الغدير الذي سافرت عنه؛ لما علمت بتعليم جبرئيل عليه السلام وأمره إيّاك بالرجوع والنزول في الذي ارتحلت عنه، وكانت مسافة الرجوع ستّة أميال في أربعين ألفاً من الناس. أو المعنى: فاتعب برفع علمك ونصبه على يديك، أو فاتعب بالصبر على إظهار المنافقين نفاقهم بالغمز والهمز والنجوى عند الإعلان، فتبادرهم بالتهنئة والتسليم قولهم ما قالوا جهاراً رئاءً، ثمّ قولهم ما قالوا تخافتاً نفاقاً، وصاحب الكشّاف بعد قطعه بنصب الصاد من النّصب بمعنى التّعب على معنى إذا فرغت من عبادة عقّب نفسك باُخرى واتعبها بالاشتغال بعد الاشتغال، قال:ومن البدع ما روي عن بعض الرافضة أنّه قرأ فانصب بكسر الصاد، أي فانصب عليّاً

.


1- .الكافي، ج 8، ص 200، ح 241، وفي الطبعة الجديدة، ج 15، ص 467، ح 15057.
2- .الأنعام (6): 33.
3- .الحجر (15): 97.

ص: 436

للإمامة، - ثمّ قال - : ولو صحّ هذا للرافضي لصحّ للناصبي أن يقرأه هكذا ويجعله أمراً بالنصب الذي هو بغض عليّ وعداوته.أقول: لا يخلو قطّ قلب من قال بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام في الرابعة من بغضه وعداوته؛ لامتناع اجتماع الضدّين، فإنّ حبّه عليه السلام موالاة الحقّ، وحبّ الثاني موالاة الباطل، «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ».(1)(فأعلمهم فضله) على الأمر، وقرئ على الإخبار.(ثلاث مرّات) على النصب قيدٌ للمفعول، أو على الرفع خبرٌ عن المبتدأ المحذوف، والتقدير: هذا القول ثلاث مرّات.وفرّق برهان الفضلاء بين الحالتين قال: على الاُولى يعني في مجلس واحد يوم الغدير، وعلى الثانية يعني مرّة في أوائل النبوّة ومرّة في أواسطها ومرّة اُخرى في أواخرها يوم الغدير. فعلى هذا، الاُولى أولى؛ لما يأتي هنا، ولتضمّنها التأكيد بقولها في كلّ مرّة ثلاث مرّات.(يعرّض) على المعلوم من التفعيل، بيان لقوله: (لأبعثنّ) إلى آخره؛ يعني قوله هذا تعريض منه صلى اللَّه عليه وآله بالأوّل والثاني، وقد فرّا يوم خيبر من مرحب وهما على جمع كثير - ومرحب رجلٌ واحد - بعد تخويفهما أصحابهما من مرحب وبالعكس، فهما بعكس من يحبّ اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه ورسوله.(هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحقّ بعدي) تعريضٌ ببطلان جهاد الأوّل والثاني في زَمَنهما. وكلمة «هو» ليست في بعض النسخ، وثبوتها أولى. في بعض النسخ: «إنّي تاركٌ فيكم أمرين» مكان (الثقلين)، وزيادة «والثقلان» بعد «في الثقلين».(اسمعوا قد بلّغت) على المعلوم المتكلّم من التفعيل.وقرأ برهان الفضلاء على ما لم يسمّ فاعله، قال: «على الحوض» جارّ ومجرور، أو الياء للمتكلّم.

.


1- .الأحزاب (33): 4.

ص: 437

(ويبيّن لهم) أي لنفع أهل بيته عليهم السلام أو للمنافقين حجّةً عليهم، فاللام صلةٌ للتبيين لا للانتفاع.آية التطهير في الأحزاب،(1) والخمس في الأنفال.(2)«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» في بني إسرائيل.(3)«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً» في الشورى.(4)«وَإِذَا (الْمَوَدَّةُ» في التكوير.(5)«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» في النحل والأنبياء.(6) (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) في النحل.(7)«لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ» في الزخرف.(8)و«القربى» و«القرابة» بمعنى، والمراد في كلام اللَّه تعالى وكلام المعصوم في الأغلب من ذي القربى وأهل البيت بحجّة الحجّة إنّما هو المتّصف بالعصمة، قالت اُمّ سلمة: ألستُ من أهل البيت؟ فقال صلى اللَّه عليه وآله: «إنّك على خير».(9) وقد سبق نصّ كثير في هذا المعنى، فلا منافاة بين ما قلناه وبين مثل قول سليم بن قيس في حديثه في الباب التالي، قال: شهدت وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إليه ابنه الحسن عليه السلام وأشهدَ على وصيّته الحسين عليه السلام ومحمّداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، الحديث.(10)«وإذا المودّة سُئلت» بالتشديد، من الوداد؛ هكذا في قراءة أهل البيت عليهم السلام، ونسب في مجمع البيان إلى ابن عبّاس أيضاً.(11)

.


1- .الأحزاب (23): 33.
2- .الأنفال (8): 41.
3- .الإسراء (17): 26.
4- .الشورى (42): 23.
5- .التكوير (81): 8 .
6- .النحل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
7- .النحل (16): 44 .
8- .الزخرف (43): 44.
9- .الأمالي للطوسي، ص 263، المجلس 10، ح 20؛ وعنه في البحار، ج 35، ص 208، ح 7.
10- .الكافي، ج 1، ص 297، باب الإشارة والنصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام، ح 1.
11- .مجمع البيان، ج 10، ص 671.

ص: 438

والألف واللام في (اُولي الأمر) للاستغراق في المواضع كلّها، وكلمة «من» في (منكم) و(منهم) للابتداء، والظرف حال أو صفة ل «لأمر» أي جميع الاُمور الصادرة منكم أو منهم. وفي سورة النساء: «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِى اْلأَمْرِ مِنْهُمْ»(1) فهنا نقل بالمعنى.آية التبليغ في المائدة.(2)و«سمرة» بفتح السين المهملة وضمّ الميم: ضرب من الشجر، يكنّى اُمّ غيلان.(فقمّ) على المجهول، أي اُزيل ونقي شوكهنّ؛ ليقمّ بها من تحتهنّ شوكُهنّ التي كانت في الأرض وسائر القمامة تحتهنّ تهيئةً للمجلس عند النزول.(حسكة النفاق) بالمهملتين المفتوحتين: عداوته وحقده وضغينته.و«الضبع» بالضاد المعجمة المفتوحة وسكون المفردة قبل المهملة: العضد.(بين ظهرانينا) بفتح نون التثنية، يزاد الألف والنون للتأكيد، مع أنّ الأصل من المزيدات، يُقال: بين ظهرنا وبين ظهرانينا وبين أظهرنا، والمراد في الجميع: بيننا.«كبت اللَّه عدوّنا» بتقديم المفردة كضرب، ولا يشدّد: صرعه وأخزاه، وردّه بغيظه.«يشمت» من باب علم، من الشماتة.(ويحمّل علينا أهل بيته) على المعلوم من التفعيل، أي يسلّطهم علينا.و«الفي ء»: الغنيمة والخراج.«فتح اللَّه» كسأل، وشدّد للكثرة.(بألف كلمة وألف باب)، قيل: يعني بقواعد كلّية واُصول عامّة، فقد روى الصفّار بإسناده في بصائر الدرجات عن موسى بن بكر، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: الرجل يُغمى عليه اليوم واليومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، كم يقضى من صلاته؟ فقال: «ألا اُخبرك

.


1- .النساء (4): 83 .
2- .المائدة (5): 67.

ص: 439

بما ينتظم به هذا وأشباهه»، فقال: «كلّ ما غلب اللَّه عليه من أمر، فاللَّه أعذر لعبده». وزاد فيه غيره قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «وهذا من الأبواب التي يَفتح كلٌّ منها ألفَ باب».(1)

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَمَّرٍ الْعَطَّارِ(2) ، عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَبِطَرِيقٍ آخَرَ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِي، عَنْ بَشِيرِ الْكَنَاسِي، عَنْ أبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام،(3) قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ : ادْعُوا لِي خَلِيلِي ، فَأَرْسَلَتَا إِلى أَبَوَيْهِمَا ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَعْرَضَ عَنْهُمَا ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُوا لِي خَلِيلِي ، فَأُرْسِلَ إِلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُحَدِّثُهُ ، فَلَمَّا خَرَجَ لَقِيَاهُ، فَقَالَا لَهُ : مَا حَدَّثَكَ خَلِيلُكَ ؟ فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَلْفَ بَابٍ ، يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ» .

هديّة:(يحيى بن معمر) ضبط كمنصب، كما ضبط: «معمّر بن خلّاد» كمشدّد.(أكبّ عليه) أي أقبل عليه جدّاً كأنّه أكبّ بوجهه على صدره.الجوهري:أكبّ فلان على الأمر يفعله وانكبّ بمعنى. وكبّه لوجهه: صرعه، فأكبّ هو على وجهه، وهذا من النوادر أن يقال: أَفَعَلْتُ أنا وفعلتُ غيري، يُقال: كبّ اللَّه عدوّي، ولا يقال: أكبّ.(4)(فأرسلتا) عايشة وحفصة.(أعرض عنهما) أي بوجهه.

.


1- .بصائر الدرجات، ص 302، باب في ذكر الأبواب التي علّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام، ح 16.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وصالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن يحيى بن معمّر العطّار».
3- .لم يرد هذا الطريق الأخير في هذا الموضع من الكافي المطبوع، ولكنّ الكليني ذكر هذه الرواية بالطريق الأخير مع زيادة في أوّله في الكافي، ج 8، ص 147، ح 123.
4- .الصحاح، ج 1، ص 208، (كبب).

ص: 440

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله عَلِيّاً عليه السلام أَلْفَ حَرْفٍ ، كُلُّ حَرْفٍ يَفْتَحُ أَلْفَ حَرْفٍ» .

هديّة:(يفتح) من باب سأل، ويشدّد للكثرة.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ فِي ذُؤَابَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله صَحِيفَةٌ صَغِيرَةٌ». فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَيُّ شَيْ ءٍ كَانَ فِي تِلْكَ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ : «هِيَ الْأَحْرُفُ الَّتِي يَفْتَحُ كُلُّ حَرْفٍ أَلْفَ حَرْفٍ». قَالَ أَبُو بَصِيرٍ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «فَمَا خَرَجَ مِنْهَا حَرْفَانِ حَتَّى السَّاعَةِ» .

هديّة:«ذؤابة كلّ شي ء» بالضمّ: أعلاه، وأصلها بالهمز قُلبت واواً؛ لأنّهم استثقلوا أن تقع ألف الجمع بين الهمزتين في ذوائب.ولا منافاة بين هذا الخبر وخبر يونس بن رباط الآتي؛(3) لأنّ البابين بابٌ باعتبار، ولا بينه وبين حديث صحيفة الذؤابة(4)التي فيها ثلاث كلمات؛ لإمكان تعدّد الصحيفة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
3- .الحديث التاسع من هذا الباب.
4- .الكافي، ج 7، ص 274، باب آخر منه [القتل]، ح 4.

ص: 441

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ، عَنْ البَزَنْطِي ، عَنْ فُضَيْلٍ سُكَّرَةَ(1)، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هَلْ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغَسَّلُ بِهِ الْمَيِّتُ حَدٌّ مَحْدُودٌ ؟قَالَ : «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ لِعَلِيٍّ عليه السلام : إِذَا أَنَا مِتُّ فَاسْتَقِ سِتَّ قِرَبٍ مِنْ مَاءِ بِئْرِ غَرْسٍ ، فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي وَ حَنِّطْنِي ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ غُسْلِي وَ كَفْنِي ، فَخُذْ بِجَوَامِعِ كَفَنِي وَ أَجْلِسْنِي ، ثُمَّ سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ ، فَوَ اللَّهِ ، لَا تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْ ءٍ إِلَّا أَجَبْتُكَ فِيهِ» .

هديّة:رواه الشيخ أيضاً في التهذيب عن سهل، عن البزنطي، عن فضيل سكّرة، عن أبي عبداللَّه عليه السلام.(2)(إذا أنا متّ) بضمّ الميم ويكسر، والمضارع يموت ويمات أيضاً.و«القربة» بكسر القاف وسكون المهملة: ما يستقى به، وجمع الكثرة: «قرب» بالكسر قبل الفتحة، وجمع القلّة: «قربات» بالكسرة قبل السكون أو الفتحة مكانه.و(غرس): اسم بئر في المدينة المنوّرة عند مسجد قبا، و«قبا» بالضمّ يمدّ ويقصر، ويذكّر ويؤنّث، وفي الحديث: «غرس عين من عيون الجنّة».(3)و«الجوامع»: جمع جامعة بمعنى المجتمع، يعني مواضع اجتماع أطراف الجوانب. قيل: لعلّ الأمر بأخذها لئلّا ينكشف عن جسده صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ (4) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ رَسُولَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين جميعاً، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود؛ والحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود».
2- .التهذيب، ج 1، ص 435، ح 42.
3- .الطبقات الكبرى، ج 1، ص 504، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن ابن أبي سعيد، عن أبان بن تغلب».

ص: 442

اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمَوْتُ ، دَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيٌّ عليه السلام ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي ، ثُمَّ أَقْعِدْنِي ، وَ سَلْنِي ، وَ اكْتُبْ» .

هديّة:(فأدخل رأسه) لعلّ المعنى قدّم رأسه للمكالمة مناجاةً، أو أخذ برأسه وقرّبه إليه لذلك، أو أدخل رأسه على الثوب كما قيل.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِ (1) ، عَنْ يُونُسَ بْنِ رِبَاطٍ ، قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَ كَامِلٌ التَّمَّارُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ كَامِلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، حَدِيثٌ رَوَاهُ فُلَانٌ ؟ فَقَالَ : «اذْكُرْهُ». فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله حَدَّثَ عَلِيّاً عليه السلام بِأَلْفِ بَابٍ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، كُلُّ بَابٍ يَفْتَحُ أَلْفَ بَابٍ ، فَذلِكَ أَلْفُ أَلْفِ بَابٍ ؟ فَقَالَ : «لَقَدْ كَانَ ذلِكَ».قُلْتُ (2) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَظَهَرَ ذلِكَ لِشِيعَتِكُمْ وَ مَوَالِيكُمْ؟ فَقَالَ : «يَا كَامِلُ ، بَابٌ أَوْ بَابَانِ».فَقُلْتُ (3) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا يُرْوى مِنْ فَضْلِكُمْ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ بَابٍ إِلَّا بَابٌ أَوْ بَابَانِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : «وَ مَا عَسَيْتُمْ أَنْ تَرْوُوا مِنْ فَضْلِنَا ، مَا تَرْوُونَ مِنْ فَضْلِنَا إِلَّا أَلِفاً غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ» .

هديّة:قيل: الظاهر «قال» مكان «قلت» في (قلت: جعلت فداك، فظهر) ولا مانع من الاحتمالين.والقائل في (فقلت: جعلت فداك فما يروى) يونس، وقائل «قال» في (قال: فقال) شباب الصيرفي.(فما يروى) على ما لم يسمّ فاعله على الغيبة أو المتكلّم مع الغير.و(أن ترووا) على المعلوم أو خلافه، ومعنى الترديد: (باب) باعتبار (أو بابان) باعتبار

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي».
2- .في «الف»: «قال: قلت» بدل «قلت».
3- .في الكافي المطبوع: + «له».

ص: 443

آخر؛ إذ لا يشكّ الإمام، واحتمال الترديد من الراوي يمنعه الترديد المستثنى.(وما عسيتم) استفهام إنكاريّ.و(ما تروون) كأن ترووا ومنفيّ.(إلّا ألفاً غير معطوفة)يعني إلّا حرفاً واحداً ناقصاً، وعدم عطفها كنايةٌ عن نقصانها، فإنّ الألف تُكتب بالكوفيّ مايلاً طرفها، فبدون ميل طرفها تكون ناقصة. واختيار الألف لكونها أخفّ الحروف رسماً.وقال برهان الفضلاء: الألف في رسم الهندسة علامة الواحد؛ إذا لم يكن قبلها شي ء لا صفر ولا غيره، فالمعنى إلّا ألفاً غير مربوطة بما قبلها.وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمة اللَّه عليه:الظاهر أنّ المراد ب «الألف» العدد المعبّر عنه بالباب، أي ألفاً غير معطوفة عليها بألف آخر، والألف - كما قال الجوهري - مذكّر، فالتأنيث باعتبار الأبواب، وكلّ باب من الألف ألف باب.

.

ص: 444

الباب السادس والستّون: باب الإشارة و النصّ على الحسن بن عليّ عليهما السلام

الباب السادس والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي سبعة أو ستّة باعتبار آخر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبَانٍ (1)، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ وَصِيَّةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حِينَ أَوْصى إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ أَشْهَدَ عَلى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ مُحَمَّداً ، وَ جَمِيعَ وُلْدِهِ ، وَ رُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ ، وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَ السِّلَاحَ ، وَ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : «يَا بُنَيَّ ، أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ ، وَ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَ سِلَاحِي ، كَمَا أَوْصى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَدَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وَسِلَاحَهُ ، وَ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهَا إِلى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ» . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهَا إِلى ابْنِكَ هذَا» . ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : «وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهَا إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ أَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنِّي السَّلَامَ» .

هديّة:(أن تدفعها) في المواضع، أي الوصيّة، وعلى التثنية(2) - كما في بعض النسخ - أي الكتاب والسّلاح.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني و عمر بن اُذينة، عن أبان».
2- .أي أن تدفعهما.

ص: 445

«اقرئه السلام» على الإفعال، و«اقرأ عليه السلام» على المجرّد كسأل.

الحديث الثاني روى في الكافي عَن الثلاثة،(1) عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : ادْنُ مِنِّي حَتّى أُسِرَّ إِلَيْكَ مَا أَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إِلَيَّ ، وَ أَئْتَمِنَكَ عَلى مَا ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ ، فَفَعَلَ» .

هديّة:(على ما ائتمنني عليه) من الوصيّة، (ففعل) على ما لم يسمّ فاعله أولى.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِ (2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْأَجْلَحُ وَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ(3) وَ زَيْدٌ الْيَمَامِيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام حِينَ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ كُتُبَهُ وَ الْوَصِيَّةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ عليه السلام دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ .وَفِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ سَيْفٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنَّ عَلِيّاً - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - حِينَ سَارَ إِلَى الْكُوفَةِ ، اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ كُتُبَهُ وَ الْوَصِيَّةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ الْحَسَنُ عليه السلام دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ» .

هديّة:حديث واحد، وباعتبار آخر حديثان.(4)و(الأجلح) بالجيم، ثمّ المهملة بعد اللام: بيّن الجلح بالتحريك، وهو انحسار الشعر

.


1- .يعني «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي».
3- .في حاشية «د»: «زيد».
4- .في الكافي المطبوع: «حديثان».

ص: 446

عن جانبي الرأس.و«الحوشب» بالمهملة والشين المعجمة: كثعلب لفظاً ومعنى. و«الأرنب» و«العجل» و«الضّامر» و«المنتفخ الجنبين» ضدّ. وفي رجال الشيخ: شهر بن عبداللَّه بن حوشب.(1)(وفي نسخة الصفواني) من زيادات النسّاخ، والصفواني من تلامذة ثقة الإسلام قدّس سرّه.و«الواو» في (والوصيّة) للعطف، يعني: ووصيّة الرسول صلى اللَّه عليه وآله، أو بمعنى «مع»، أي مع وصيّته عليه السلام إليها لدفعها الكتب إلى الحسن عليه السلام، ولا يتوهّم التنافي بين هذا الخبر وخبر سليم بن قيس في أوّل الباب؛ لما لا يخفى من وجوه وجيهة واضحة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ(2) ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «أَوْصى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام إِلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، وَ أَشْهَدَ عَلى وَصِيَّتِهِ الْحُسَيْنَ عليه السلام وَ مُحَمَّداً ، وَ جَمِيعَ وُلْدِهِ ، وَ رُؤَسَاءَ شِيعَتِهِ ، وَ أَهْلَ بَيْتِهِ ، ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ وَ السِّلَاحَ ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : يَا بُنَيَّ ، أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ أُوصِيَ إِلَيْكَ ، وَ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ كُتُبِي وَ سِلَاحِي ، كَمَا أَوْصى إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ دَفَعَ إِلَيَّ كُتُبَهُ وَ سِلَاحَهُ ، وَ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَكَ إِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ أَنْ تَدْفَعَهُ إِلى أَخِيكَ الْحُسَيْنِ عليه السلام .ثُمَّ أَقْبَلَ عَلى ابْنِهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَ قَالَ : أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى ابْنِكَ هذَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ ابْنِ ابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام : يَا بُنَيَّ ، وَ أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَنْ تَدْفَعَهُ إِلَى ابْنِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ أَقْرِئْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ مِنِّي السَّلَامَ .ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، أَنْتَ وَلِيُّ الْأَمْرِ وَ وَلِيُّ الدَّمِ ، فَإِنْ عَفَوْتَ فَلَكَ ، وَ إِنْ قَتَلْتَ فَضَرْبَةٌ مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، وَ لَا تَأْثَمْ» .

.


1- .رجال الطوسي، ص 68، الرقم 624.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن عمرو بن شمر».

ص: 447

هديّة:(أن تدفعه) أي المدفوع إليك.قال برهان الفضلاء: «فضربة مكان ضربة» نهيٌ عن القصاص بأنواع مختلفة من السياسة والمَثُلات لقتلٍ بدونها، أي فالقصاص كذا، أو فاضرب ضربة، فجاز الرفع والنصب.(ولا تأثم) أي بالتعدّي، و«أثم» كعلم.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِيِ (1) رَفَعَهُ ، قَالَ : لَمَّا ضُرِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، حَفَّ بِهِ الْعُوَّادُ ، وَ قِيلَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَوْصِ ، فَقَالَ : «اثْنُوا لِي الوِسَادَةَ» ، ثُمَّ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ (2) قَدْرَهُ، مُتَّبِعِينَ أَمْرَهُ، وَ أَحْمَدُهُ كَمَا أَحَبَّ ، وَ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ كَمَا انْتَسَبَ ؛ أَيُّهَا النَّاسُ ، كُلُّ امْرِىً لَاقٍ فِي فِرَارِهِ مَا مِنْهُ يَفِرُّ ، وَ الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ إِلَيْهِ ، وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ ، كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الْأَمْرِ ، فَأَبَى اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - إِلَّا إِخْفَاءَهُ ، هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَكْنُونٌ .(3)أَمَّا وَصِيَّتِي ، فَأَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ تَعَالى شَيْئاً ، وَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ ، أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ ، وَ أَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ ، وَ خَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا ، حُمِّلَ كُلُّ امْرِىً مَجْهُودَهُ ، وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ ، رَبٌّ رَحِيمٌ ، وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ ، وَ دِينٌ قَوِيمٌ .أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ ، وَ الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ ، وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ ، إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ ، فَذَاكَ الْمُرَادُ ، وَ إِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ ، فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ ، وَ ذَرى رِيَاحٍ ، وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامَةٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفِّقُهَا ، وَ عَفَا فِي الْأَرْضِ مَحَطُّهَا .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن الحسن الحسني رفعه؛ ومحمّد بن الحسن، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري».
2- .في الكافي المطبوع: + «حق».
3- .في «الف»: + «مخزون».

ص: 448

وَ إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً ، وَ سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً ، سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَكَةٍ ، وَ كَاظِمَةً بَعْدَ نُطْقٍ ؛ لِيَعِظَكُمْ هُدُوئِي (1) ، وَ خُفُوتُ إِطْرَاقِي ، وَ سُكُونُ أَطْرَافِي ؛ فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لَكُمْ مِنَ النَّاطِقِ الْبَلِيغِ .وَدَّعْتُكُمْ وَدَاعَ مَرْصِّدٍ لِلتَّلَاقِي ، غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي ، وَ يَكْشِفُ اللَّهُ تَعَالى عَنْ سَرَائِرِي ، وَ تَعْرِفُونِّي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي ، وَ قِيَامِي غَيَرَ(2)مَقَامِي .إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي ، وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي ؛ الْعَفْوُ(3) لِي قُرْبَةٌ ، وَ لَكُمْ حَسَنَةٌ ، فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا ، أَ لَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ؟فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً ، أَوْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلى شِقْوَةٍ ؛ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ لَا يَقْصُرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - رَغْبَةٌ ، أَوْ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَقِمَةٌ ، فَإِنَّمَا نَحْنُ لَهُ وَ بِهِ». ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، ضَرْبَةً مَكَانَ ضَرْبَةٍ ، وَ لَا تَأْثَمْ» .

هديّة:(حفّ به) كفرّ: أطاف به، وأحاط حوله، واستدار عليه.(إثنوا لي الوسادة) من الثني: كالعطف لفظاً ومعنى، من باب رمى. في بعض النسخ: «وسادة» بدون التعريف، قيل: يعني ليرتفع فأتكلّم حسناً، وأرى الحاضرين جميعاً. و«الوسادة» مثلّثة الواو: المخدّة.(قدره) قرئ بالإضافة إلى الضمير، نصب على الخافض، المراد: أي على حسب قدره، وكما هو أهله.(متّبعين) على اسم الفاعل، من الإفعال أو الافتعال، حالٌ من «نحمده» في الضمن. وقرأ برهان الفضلاء: «قدرة متّبعين أمره» بإضافة «القدرة» إلى «متّبعين» نصباً على

.


1- .في الكافي المطبوع: «هدوّي».
2- .في الكافي المطبوع: «قيام غيري» بدل «قيامي غير».
3- .في الكافي المطبوع: «وإن أعف، فالعفو» بدل «العفو».

ص: 449

الظرفيّة للزمان، كرأيته حلب ناقة، أي مقدار حلب ناقة من الزمان، قال: يعني الحمد للَّه مقدار حمد هؤلاء من الزمان.و«المساق» بفتح الميم: مصدر ميميّ، أو اسم مكان كالمجرى. و(النفس): الروح.«وافاه»: أتاه قطعاً. في بعض النسخ: «كم» مكان (كما) فخبرية للتكثير.(كما انتسب) أي به في سورة التوحيد، وهي المسمّاة بنسبة الربّ.(لاق في فراره) ناظرٌ إلى قوله تعالى في سورة الجمعة: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»(1).(اطّردت الأيّام) قرئ على المتكلّم، أي أتيتها وجزتها. وقرأ برهان الفضلاء: على التأنيث الغائب المعلوم، ورفع «الأيّام»، يعني: تعاقبت الأيّام هذا الأمر. قيل: يعني عن تعيين وقت الموت، وقيل: كأنّه إشارة إلى أمر الخلافة، وسرّ عدم استقامتها كما ينبغي. وهو كما ترى.وقال برهان الفضلاء: «هذا الأمر» أي فساد أهل الزيغ باتّباعهم شبهات أئمّة الضلالة. و«مكنونه» عبارة عن سرّ القضاء والقدر فيه.(فأبى اللَّه - جلّ ذكره - إلّا إخفائه) عن غيره، فذاك من العلم الخاصّ به تعالى.(ومحمّداً صلى اللَّه عليه وآله) قيل: أي وأوصيكم محمّداً صلى اللَّه عليه وآله. وقال برهان الفضلاء: عطف على (شيئاً). وقيل: أي شيئاً في أمره تعالى، وفي أمر محمّد صلى اللَّه عليه وآله.(هذين العمودين) يعني الحسنين عليهما السلام، وهما عمودا دينكم. واحتمال التوحيد والنبوّة - كما ذكره بعض المعاصرين (2) - لا بأس به.(وأوقدوا هذين المصباحين) أي لظلمات الفتن في طريق دينكم. وفي بعض النسخ: «وارفدوا» بالراء والفاء، من الإفعال أيضاً، و«الإرفاد»: الإعطاء والإعانة، أي انصروا.

.


1- .الجمعة (62): 8 .
2- .الوافي، ج 2، ص 334.

ص: 450

(وخلاكم ذمّ) قرئ «خلاكم» بالتخفيف، و«ذمّ» بكسر المعجمة، يعني: مضى لكم ذمّة وعهد.(ما لم تشردوا) من باب نصر، أي ما لم تنفروا عن الدِّين. وقرأ برهان الفضلاء: «خلّاكم» بالتشديد، من التخلية، و«ذمّ» بالفتح، و«ما لم تشرّدوا» من التفعيل، قال: يعني ترككم مذمّة عظيمة أو كثيرة ما لم تفرّقوا في الدين بالآراء الباطلة.(حمّل) على المجهول من التفعيل، وكذا (وخفّف).(ربّ رحيم) أي لكم ربّ رحيم، أو ربّكم ربٌّ رحيم وهكذا. واحتمال المعلوم في الفعلين ف «رَبّ» فاعل بعيدٌ.و«العبرة» بالكسر: اسم من الاعتبار، واحتمال الفتح بمعنى سبب دمعتكم كما ترى.و(الوطأة) بالفتح وسكون الطاء والهمز: موضع القدم، والفعل على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من الإفعال، يعني: أن تثبتوا لي السلامة من الموت، وتتيقّنوا بها، وترون خلاصي منه. (تدحض) كمنع: تزلق.و«الأفياء»: جمع الفي ء، بمعنى الظلّ.(وذرى رياح): محالّ ذروها.(متلفّقها): مضمون بعضها إلى بعض.(عفا): انمحى واندرس.(محطّها): موضع ظلّها. وقرأ برهان الفضلاء: «مخطّها» بكسر الميم وفتح المعجمة، من الخطّ، بمعنى الوسم.(جاوركم بدني). وجه التخصيص ظاهر، ومن كلامه عليه السلام في إخوانه الذين تأوّه شوقاً إلى لقائهم: «كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلّقةٌ بالملأ الأعلى».(1)و«الخلاء» بالفتح والمدّ، ويقرأ بالتحريك: الخالي.

.


1- .نهج البلاغة، ص 497، الحكمة 150.

ص: 451

(كاظمة) أي ساكنة صامتة.(هدوئي) بالهمز: كسكوني بالنون لفظاً ومعنى.(خفوت إطراقي) بالقاف: جمع طرق بالكسر، بمعنى القوّة، أي سكون قواي، وقيل: بالفاء جمع طرف بالفتح، وهو العين. (وسكون أطرافي) أي أعضائي.(مرصّد) إمّا من التفعيل، رصد كنصر: راقب، وشدّد للمبالغة؛ أو من التفعّل كالمزّمّل والمدّثّر، يعني المترصّد المرتقب.(وتعرفونّي) بتشديد النون، أي في القيامة حين قسمتي الجنّة والنار.(العفو لي قربة). في بعض النسخ: «إن أعف، فالعفو لي قربة، ولكم حسنة»، فالمعنى: عفوكم أو عفوي لصبركم على عفوي مع قدرتي على الانتقام من قاتلي.(فاعفوا واصفحوا) قيل: يعني عمّن حمل قاتلي على قتلي؛ بدلالة ما سيذكر من كلامه عليه السلام في نهج البلاغة، ولئلّا يناقض قوله عليه السلام: «ضربة مكان ضربة». وقيل: بل المعنى إن لم تعف فضربة، واحتمال الأمر بالعفو عمّن يجني عليهم بمثل ما جُني عليه لا بأس به.ومن كلامه عليه السلام في نهج البلاغة يوصي به الحسنين عليهما السلام: «يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلُنَّ إلّا قاتلي، انظروا إذا أنا مُتّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربةً بضربةٍ، لا يُمثَّل الرّجل، فإنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقول: إيّاكم والمُثلة، ولو بالكلب العقور».(1) قوله عليه السلام: «ألا لا تقتلنّ» خطاب على الجمع، أو للحسن عليه السلام.(فيا لها حسرة) حذف المنادى، و«حسرة» نصب على التميز من الضمير المبهم في «لها».و(أن يكون) خبر للمبتدأ المحذوف، يعني هي أن يكون.(2)

.


1- .نهج البلاغة، ص 422، الكتاب 47.
2- .ضبط المصنّف سابقاً: «أو تحلّ» بالتاء.

ص: 452

(أو يحلّ) عطف على «يقصر» لا على «لا يقصر». والمضمون ناظر إلى قوله تعالى في سورة فاطر: «أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ»(1).

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده (2) عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَقِيلِيِّ رَفَعُهُ (3) ، قَالَ : لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ لعنه اللَّه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، قَالَ لِلْحَسَنِ عليه السلام : «يَا بُنَيَّ ، إِذَا أَنَا مِتُّ ، فَاقْتُلِ ابْنَ مُلْجَمٍ لعنه اللَّه ، وَ احْفِرْ لَهُ فِي الْكُنَاسَةِ - وَ وَصَفَ الْعَقِيلِيُّ الْمَوْضِعَ : عَلى بَابِ طَاقِ الْمَحَامِلِ ، مَوْضِعُ الشُّوَّاءِ وَ الرُّؤَّاسِ - ثُمَّ ارْمِ بِهِ فِيهِ ؛ فَإِنَّهُ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ» .

هديّة:«حفر الأرض» كضرب.و(الكناسة) بالضمّ: كالقمامة لفظاً ومعنى، وموضع في ظهر الكوفة.و(الشّواء) على الجمع كفسّاق، وكذا (الرّؤّاس): البايعون للشّواء - بالكسر والمدّ: اللّحم المشوي - والرؤوس المطبوخة، الواحد فيهما بالفتح.

.


1- .فاطر (35): 37.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن، فتعبير المصنّف ب «بإسناده» سهو.
3- .في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 453

الباب السابع والستّون: باب الإشارة و النصّ على الحسين بن عليّ عليهما السلام

الباب السابع والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا حَضَرَتْ (2) الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام الْوَفَاةُ ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : يَا أَخِي ، إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا : إِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ، ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ، ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلى أُمِّي ، ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالْبَقِيعِ ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنْ عَائِشَةَ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ وَ النَّاسُ ضَيْمَهَا(3) وَ عَدَاوَتَهَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَدَاوَتَهَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .فَلَمَّا قُبِضَ الْحَسَنُ عليه السلام وَ وُضِعَ عَلَى السَّرِيرِ ، ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِ إِلى مُصَلّى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ عَلَى الْجَنَائِزِ - فَصَلّى عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام ، وَ حُمِلَ وَ أُدْخِلَ (4) الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، قال الكليني وعدّة من أصحابنا، عن ابن زياد، عن محمّد بن مسلم الديلمي، عن هارون بن الجهم». والعلامة المجلسي يقول في تعليقته على هذا السند: بأن «قال الكليني» من كلام تلامذته وهو في هذا الموضع غريب. ولعل بكر أيضاً روى عن ابن جهم أو عن ابن سليمان، و احتمال إرسال الأوّل كما قيل بعيد، وابن زياد هو سهل. مرآة العقول، ج 3، ص 304.
2- .في الكافي المطبوع: «حضر».
3- .في الكافي المطبوع: «صنيعها».
4- .في الكافي المطبوع: + «إلى».

ص: 454

أُوقِفَ عَلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ذَهَبَ ذُو الْعَيْنَيْنِ إِلى عَائِشَةَ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا بِالْحَسَنِ لِيَدْفِنُوهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (1)صلى اللَّه عليه وآله ، فَخَرَجَتْ - مُبَادِرَةً - عَلى بَغْلٍ بِسَرْجٍ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَرْجاً ، فَقَالَتْ : نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي ؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِي بَيْتِي ، وَ يُهْتَكُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حِجَابُهُ .فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ عليه السلام : قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَدْخَلْتِ (2) عَلى بَيْتِهِ مَنْ لَا يُحِبُّ قُرْبَهُ ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى سَائِلُكِ عَنْ ذلِكِ يَا عَائِشَةُ» .

هديّة:«دفنه» كضرب ونصر، «فادّفن» على الافتعال، و«اندفن» بمعنى.و«الضيم» بالفتح: الظلم والضرر. وفي بعض النسخ: «من بغضها» مكان (من ضيمها)، وفي بعض آخر: «من صنيعها».(ثمّ انطلقوا). قرأ برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: «ثمّ» بفتح المثلّثة: اسم إشارة، أي في المكان الذي كان فيه، قال: يعني لمّا تمّ التجهيز.و«العوينة»: تصغير العين، وكذا «العيينة»، وذو العيينتين أو العوينتين تثنية، ويكنّى بذي العوينة وكذا بذي العوينتين عن الجاسوس.قال الجوهري: العين: حاسّة الرؤية وفلان وفلان، والجاسوس. والتصغير: عيينة. ومنه قيل: ذو العيينتين للجاسوس. ثمّ قال: ولا تقل ذو العوينتين (3).والأصل ما ضبط في كتب الأخبار، وأين من فضل أهل الأخبار فضل مثل الجوهري.قال برهان الفضلاء: كون الأصل بالياء لا يمنع صحّة التصغير بالواو والياء؛ لضمّة العين.

.


1- .في الكافي المطبوع: «النبيّ» بدل «رسول اللَّه».
2- .في الكافي المطبوع: + «عليه».
3- .الصحاح، ج 6، ص 2172 (عين).

ص: 455

(فخرجت مبادرة) مع كونها مأمورة بالقعود في بيتها بقوله عزّ وجلّ في سورة الأحزاب: «وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ»(1)، ومنهيّة عن ركوب السرج بقوله صلى اللَّه عليه وآله: لعن اللَّه الفروج على السروج.(2) وهو بظاهره مطلق من الركوب على القصد المباح وغيره.وفي قولها: «ابنكم» تعريضٌ منها بأنّه عليه السلام ليس ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.(فإنّه لا يُدفن) نهيٌ على المجهول، وكذا (يهتك) بالعطف.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (3)، عَنْ الدَّيْلَمِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَتِ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام الْوَفَاةُ ، قَالَ : يَا قَنْبَرُ ، انْظُرْ هَلْ تَرى مِنْ وَرَاءِ بَابِكَ مُؤْمِناً مِنْ غَيْرِ آلِ مُحَمَّدٍ ؟ فَقَالَ : اللَّهُ تَعَالى وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، قَالَ : ادْعُ لِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، فَأَتَيْتُهُ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، قَالَ : هَلْ حَدَثَ إِلَّا خَيْرٌ ؟ قُلْتُ : أَجِبْ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَعَجَّلَ عَلى شِسْعِ نَعْلِهِ ، فَلَمْ يُسَوِّهِ ، وَ خَرَجَ مَعِي يَعْدُو .فَلَمَّا قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، سَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام (4) : اجْلِسْ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ يَغِيبُ عَنْ سَمَاعِ كَلَامٍ يَحْيَا بِهِ الْأَمْوَاتُ ، وَ يَمُوتُ بِهِ الْأَحْيَاءُ ، كُونُوا أَوْعِيَةَ الْعِلْمِ وَ مَصَابِيحَ الْهُدى ؛ فَإِنَّ ضَوْءَ النَّهَارِ بَعْضُهُ أَضْوَأُ مِنْ بَعْضٍ .أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - جَعَلَ وُلْدَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَئِمَّةً ، وَ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَ آتى دَاوُدَ عليه السلام زَبُوراً ، وَ قَدْ عَلِمْتَ بِمَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْحَسَدَ ، وَ إِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْكَافِرِينَ ، فَقَالَ اللَّهُ

.


1- .الأحزاب (33): 33.
2- .المنقول في كتب الخاصة عن أمير المؤمنين هكذا: «لا تحملوا الفروج على السروج فتهيّجوهن للفجور». الكافي، ج 5، ص 516، باب في تأديب النساء، ح 4؛ الفقيه، ج 3، ص 468، ح 4226. وماذكره المصنّف عن النبيّ، فهو في كتب العامّة، منها: المبسوط للسرخسي، ج 6، ص 89؛ وبدائع الصنائع للكاشاني، ج 3، ص 143.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد».
4- .في الكافي المطبوع: + «بن عليّ».

ص: 456

تَعَالى : «كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» وَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ تَعَالى لِلشَّيْطَانِ عَلَيْكَ سُلْطَاناً .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، أَ لَا أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ فِيكَ ؟ قَالَ : بَلى ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ يَوْمَ الْبَصْرَةِ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبَرَّنِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، فَلْيَبَرَّ مُحَمَّداً وَلَدِي .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَكَ وَ أَنْتَ نُطْفَةٌ فِي ظَهْرِ أَبِيكَ ، لَأَخْبَرْتُكَ .يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام بَعْدَ وَفَاةِ نَفْسِي وَ مُفَارَقَةِ رُوحِي جِسْمِي إِمَامٌ مِنْ بَعْدِي ، وَ عِنْدَ اللَّهِ - جَلَّ اسْمُهُ - فِي الْكِتَابِ وِرَاثَةً عَنِ (1) النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وآله أَضَافَهَا اللَّهُ تَعَالى لَهُ (2) فِي وِرَاثَةِ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ عليها السلام ، فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ خِيَرَةُ خَلْقِهِ ، فَاصْطَفى مِنْكُمْ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، وَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً عليهما السلام ، وَ اخْتَارَنِي عَلِيٌّ عليه السلام بِالْإِمَامَةِ ، وَ اخْتَرْتُ أَنَا الْحُسَيْنَ عليه السلام ؟فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام : أَنْتَ إِمَامٌ ، وَ أَنْتَ وَسِيلَتِي إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ؛ وَ اللَّهِ ، لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي ذَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ مِنْكَ هذَا الْكَلَامَ ، أَلَا وَ إِنَّ فِي رَأْسِي كَلَاماً لَا تَنْزِفُهُ الدِّلَاءُ ، وَ لَا تُغَيِّرُهُ نَغْمَةُ الرِّيَاحِ ، كَالْكِتَابِ الْمُعْجَمِ ، فِي الرَّقِّ الْمُنْهَمِ (3) ، أَهُمُّ بِإِبْدَائِهِ ، فَأَجِدُنِي سُبِقْتُ إِلَيْهِ ، سَبَقَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ أَوْ مَا خَلَتْ (4) بِهِ الرُّسُلُ ، وَ إِنَّهُ لَكَلَامٌ يَكِلُّ بِهِ لِسَانُ النَّاطِقِ وَ يَدُ الْكَاتِبِ حَتّى لَا يَجِدَ قَلَماً ، وَ يُؤْتى (5) بِالْقِرْطَاسِ حُمَماً ، فَلَا(6) يَبْلُغُ فَضْلَكَ ، وَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُحْسِنِينَ ، وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ :الْحُسَيْنُ عليه السلام أَعْلَمُنَا عِلْماً ، وَ أَثْقَلُنَا حِلْماً ، وَ أَقْرَبُنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله رَحِماً ، كَانَ فَقِيهاً قَبْلَ أَنْ

.


1- .في الكافي المطبوع: «من».
2- .في «الف»: - «له».
3- .في الكافي المطبوع: «المنمنم».
4- .في الكافي المطبوع: «جاءت».
5- .في الكافي المطبوع: «يؤتوا».
6- .في الكافي المطبوع: «ولا».

ص: 457

يُخْلَقَ ، وَ قَرَأَ الْوَحْيَ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ ، وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي أَحَدٍ غَيْرَ مُحَمَّدٍ(1) خَيْراً ، مَا اصْطَفى مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله ، فَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ مُحَمَّداً ، وَ اخْتَارَ مُحَمَّدٌ عَلِيّاً ، وَ اخْتَارَكَ عَلِيٌّ إِمَاماً ، وَ اخْتَرْتَ الْحُسَيْنَ ، سَلَّمْنَا وَ رَضِينَا ؛ مَنْ هَوَ بِغَيْرِهِ يَرْضَى ؟ وَ مَنْ كُنَّا نَسْلَمُ بِهِ مِنْ مُشْكِلَاتِ أَمْرِنَا؟» .

هديّة:هذا الحديث بتمامه دلالة على أنّ منازعة محمّد بن عليّ في الإمامة مع عليّ بن الحسين عليهما السلام ثمّ رضاه بجعلهما الحجر الأسود حكماً بينهما - كما سبق ذكره - إنّما هي لمصلحة، لا لادّعاء منه جهلاً، فلعلّها بأمر أمير المؤمنين عليه السلام ووصيّته بذلك؛ لمصالح وحِكَم شتّى، منها: خلاصه من إصرار الناس بإمامته مع آبائه أيضاً جهاراً.وفي بعض النسخ: «لمّا حضر» بلا علامة التأنيث، وكلاهما جائز.(من وراء بابك) تعبير عن مثل «غيرك» تكريماً لقنبر، سواء كان بمعنى أنّ بابنا بابك، أو بمعنى أنّك بوّابنا، يعني لآمره في غرضٍ. والاستفهام إنكاريّ، فالمعنى: لمّا ليس أحد هنا غيرك فآمرك. ومعنى قول قنبر لبّيك، فأمر.(فأتيته) على تقدير: قال فأتيته.والفاء في (فلم يسوّه) بيانيّة، يفسّر قوله: (فعجّل على شسع نعله). وفي بعض النسخ: «عن» مكان «على». والمعنى عليهما تأكيدُ التعجيل.و«الشسع» بكسر المعجمة وسكون المهملة الاُولى: واحد شسوع النعل التي تشدّ إلى زمامها.(عن سماع كلام). في بعض النسخ: «عن أن يسمع كلاماً».(يُحيى به الأموات ويموت به الأحياء).قال برهان الفضلاء: يعني يُحيى به القلوب الميّتة بقبوله، ويموت به القلوب الحيّة بعدم قبوله.

.


1- .في الكافي المطبوع: - «غير محمّد».

ص: 458

وقال بعض المعاصرين: أي أموات الجهل، وأحياء اللذّات الدنيويّة.(1)أقول: يحتمل أن يكون المعنى يُحيى به السُّنَن الحقّة المتروكة، ويموت به البِدَع المتداولة. أو المراد من الأموات الآباء المهتدون المنسيّ ذكرهم، ومن الأحياء الأدعياء الضالّون الدائر كلامهم.(كونوا) خطابٌ إلى أولاد أمير المؤمنين عليه السلام.(أضوء من بعض) يعني لا تستنكفوا وإن كنتم علماء، وفوق كلّ ذي علمٍ عليم.(ولم يجعل اللَّه للشيطان عليك سلطاناً)، جملةٌ دعائية، أو إخبارٌ عن الماضي، وأعطى عليه السلام يوم البصرة العَلَمَ ابنه محمّداً.قيل: ذكر يوم البصرة هنا إشارة إلى مشاركة سائر المؤمنين مع ابن الحنفيّة في الثبات والحملة؛ لئلّا يتوهّم عصمته وإمامته من قوله عليه السلام: (مَن أحبّ أن يبرّني)، من البرّ بالكسر، بمعنى الامتثال والإطاعة. «برّه» كعلم وضرب: أطاعه.وقرأ برهان الفضلاء: «أن يُبرّني» من باب الإفعال، من البرّ بالكسر أيضاً، بمعنى الإحسان.(لو شئت) يحتمل المخاطب والمتكلّم، والمعنى (أن أخبرك) بأحوالك من الأوّل إلى الآخر.والبارز في (أضافها) للوراثة، والجملة نعتٌ لها، أو استئنافٌ بياني.(في رأسي كلاماً) أي من فضائلك ومناقبك.(لا تنزفه) كضرب، أي لا تفنيه بالنزح لكثرته.(ولا تغيّره) لثباته وعذوبته (نغمة الرياح) بالفتح وسكون المعجمة، أي صوتها.وضبط برهان الفضلاء بالقاف المكسورة، بمعنى النقيمة، على فعيلة، أي المكروهة. قال: حذفت الياء تخفيفاً.

.


1- .الوافي، ج 2، ص 339، ذيل ح 798.

ص: 459

و(المعجم) من الإفعال والتفعيل، بمعنى أي المنقوط. وقد يراد المعرب؛ لئلّا يشتبه. وهو المراد بقول من قال: «كالكتاب المعجم» من التعجيم، بمعنى إزالةُ العجم بالنقط.و(المنهم): الممتلي من النهمة، بمعنى بلوغ الهمّة في الشي ء؛ كذا قيل. وفي بعض النسخ: «المنمّم»، أي الملتفّ المجتمع. وضبط برهان الفضلاء: «المنمنم» كالمدحرج، أي المذهّب والمزيّن بالذهب.(سُبقت إليه) على ما لم يسمّ فاعله، والظاهر على المتكلّم، ويحتمل الخطاب. فالمعنى على الظاهر: أنت وأخوك سبقتماني إليه سبق القرآن، وفيه تبيان كلّ شي ء.(أو ما خلت). «أو» هنا بمعنى «بل» أي ما مضت. وفي بعض النسخ: «جاءت» مكان «خلت». أو المعنى عليهما - أي على المتكلّم والخطاب (1) - أنّ مناقب الرسول صلى اللَّه عليه وآله ثابتة في جميع الكتب وعند جميع الأنبياء عليهم السلام.و«الحمم» كصرد: الفحم.(2)(نسلم به) كعلم، من السلامة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٍ (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «لَمَّا احْتُضِرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام ، قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : يَا أَخِي ، إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا ، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَهَيِّئْنِي ، ثُمَّ وَجِّهْنِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِأُحْدِثَ بِهِ عَهْداً ، ثُمَّ اصْرِفْنِي إِلى أُمِّي فَاطِمَةَ عليها السلام ، ثُمَّ رُدَّنِي فَادْفِنِّي بِالْبَقِيعِ ، وَ اعْلَمْ أَنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِنَ الْحُمَيْرَاءِ مَا يَعْلَمُ النَّاسُ مِنْ صَنِيعِهَا وَ عَدَاوَتِهَا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ عَدَاوَتِهَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .

.


1- .في «الف»: - «أي على المتكلّم والخطاب».
2- .الحُمَم: الرماد والفحم وكلّ ما احترق النار. لسان العرب، ج 12، ص 157 (حمم).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد، عن سهل».

ص: 460

فَلَمَّا قُبِضَ الْحَسَنُ عليه السلام ، وُضِعَ عَلى سَرِيرِهِ ، وَانْطَلَقُوا بِهِ إِلى مُصَلّى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ عَلَى الْجَنَائِزِ - فَصَلّى عَلَى الْحَسَنِ عليه السلام ، فَلَمَّا أَنْ صَلّى عَلَيْهِ ، حُمِلَ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ ، فَلَمَّا أُوقِفَ عَلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، بَلَغَ عَائِشَةَ(1) الْخَبَرُ ، وَ قِيلَ لَهَا : إِنَّهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لِيُدْفَنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَخَرَجَتْ - مُبَادِرَةً - عَلى بَغْلٍ بِسَرْجٍ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ رَكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ سَرْجاً ، فَوَقَفَتْ وَ قَالَتْ : نَحُّوا ابْنَكُمْ عَنْ بَيْتِي ؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْفَنُ فِيهِ شَيْ ءٌ ، وَ لَا يُهْتَكُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله حِجَابُهُ .فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهما السلام: قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَ أَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَ أَدْخَلْتِ بَيْتَهُ مَنْ لَا يُحِبُّ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قُرْبَهُ ، وَ إِنَّ اللَّهَ سَائِلُكِ عَنْ ذلِكِ يَا عَائِشَةُ ؛ إِنَّ أَخِي أَمَرَنِي أَنْ أُقَرِّبَهُ مِنْ أَبِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله لِيُحْدِثَ بِهِ عَهْداً .وَ أَعْلَمُ (2) أَنَّ أَخِي أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ، وَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ مِنْ أَنْ يَهْتِكَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله سِتْرَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالى يَقُولُ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» وَ قَدْ أَدْخَلْتِ أَنْتِ بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الرِّجَالَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ» وَ لَعَمْرِي لَقَدْ ضَرَبْتِ أَنْتِ لِأَبِيكِ وَ فَارُوقِهِ عِنْدَ أُذُنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله الْمَعَاوِلَ ، وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالى : «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» وَ لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْخَلَ أَبُوكِ وَ فَارُوقُهُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِقُرْبِهِمَا مِنْهُ الْأَذى ، وَ مَا رَعَيَا مِنْ حَقِّهِ مَا أَمَرَهُمَا اللَّهُ بِهِ عَلى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْوَاتاً مَا حَرَّمَ مِنْهُمْ أَحْيَاءً ؛ وَ تَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ ، لَوْ كَانَ هذَا الَّذِي كَرِهْتِيهِ - مِنْ دَفْنِ الْحَسَنِ عليه السلام عِنْدَ أَبِيهِ صلى اللَّه عليه وآله - جَائِزاً فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ اللَّهِ ، لَعَلِمْتِ أَنَّهُ سَيُدْفَنُ وَ إِنْ رَغِمَ مَعْطِسُكِ».قَالَ : «ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَ قَالَ : يَا عَائِشَةُ ، يَوْماً عَلى بَغْلٍ ، وَ يَوْماً عَلى جَمَلٍ ، فَمَا

.


1- .في «الف»: «العائشة».
2- .في الكافي المطبوع: «اعلمي».

ص: 461

تَمْلِكِينَ نَفْسَكِ ، وَ لَا تَمْلِكِينَ الْأَرْضَ عَدَاوَةً لِبَنِي هَاشِمٍ .قَالَ : «فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَتْ : يَا ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ ، هؤُلَاءِ الْفَوَاطِمُ يَتَكَلَّمُونَ ، فَمَا كَلَامُكَ ؟ فَقَالَ لَهَا الْحُسَيْنُ عليه السلام : وَ أَنّى تُبْعِدِينَ مُحَمَّداً مِنَ الْفَوَاطِمِ ، فَوَ اللَّهِ ، لَقَدْ وَلَدَتْهُ ثَلَاثُ فَوَاطِمَ : فَاطِمَةُ بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حِجْرِ بْنِ عَبْدِ مُعِيصِ بْنِ عَامِرٍ».قَالَ : «فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : نَحُّوا ابْنَكُمْ ، وَ اذْهَبُوا بِهِ ؛ فَإِنَّكُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ».قَالَ : «فَمَضَى الْحُسَيْنُ عليه السلام إِلى قَبْرِ أُمِّهِ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ ، فَدَفَنَهُ بِالْبَقِيعِ» .

هديّة:بيان طائفةٍ من فقراته كما سبق آنفاً.و«حميراء» لقب عائشة بنت أبي بكر، تصغير «حمراء» مؤنّث «أحمر». يُقال: وطأةٌ حمراء، أي جديدة، ووطأةٌ دهماء، أي دارسة. وسمّي بالأحمر والحمراء والحميراء وحُمران.والوطأة بالهمز كصدمة: رسم القدم على الأرض.(أقرّبه) على المتكلّم، من التفعيل.(من أبيه) إبطالٌ لقولها (ابنكم).في بعض النسخ: «واعلمي» على الأمر الحاضرة مكان (وأعلم) على المتكلّم.(لأنّ اللَّه تعالى يقول)؛ يجوز بفتح اللام للتأكيد، وكسر الهمزة. واجتماع التي للتأكيد قليل في باب «أنّ» وشايع في باب «قد»، كتأخير اللام في باب إنّ، وتسمّى اللام المؤخّرة في باب إنّ. بالمزحلَقة بالزاي والمهملة واللام والقاف، كالمدحرجة على اسم المفعول لفظاً ومعنى.وفي ذكره عليه السلام آية بيوت النبيّ في سورة الأحزاب إبطال لقولها: (بيتي)، وليس للزوجة التي ليس لها ولد نصيب من الأرض في ميراث زوجها، مع أنّ لها على الفرض تسعاً من الثُّمن مُشاعاً، فلا وجه لتصرّفها بدون إذن سائر الورثة أصلاً.

.

ص: 462

نِعْمَ ما قال ابن عبّاس فيها في هذا المعنى:تجمّلت تبغّلت فإن عشت تفيّلت لك التُّسع من الثُّمن ففي الكلّ تطمّعت (1)وآية «لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ» في سورة الحجرات.(2)و(المعاول): جمع المعول كمنبر.وآية «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ» في سورة الحجرات.(3)(إنّ اللَّه حرّم على المؤمنين) إمّا بالكسر، استئنافٌ بياني لما سبق؛ أو بالفتح، عطفٌ بيان ل (ما أمرهما اللَّه به).والياء في (كرهتيه) حصلت من إشباع الكسرة.«رغم أنفه» كنصر وضرب وحسن: لصق بالتراب، ويطاوع للإرغام. ورغم الأنف كنايةٌ عن الذلّة والهوان. و«الرغام» كسحاب: التراب.و«المعطس» كمجلس ومنصب: الأنف.و(فاطمة بنت عمران) زوجة عبد المطّلب اُمّ أبي طالب وعبداللَّه وزبير.(وفاطمة بنت أسد) اُمّ أمير المؤمنين عليهما السلام.و(رواحة) بلا نقطة كسحابة.و(حجر) بإهمال الأوّل والجيم، كعمر وعمرو.(معيص) على اسم الفاعل من الإفعال.و«البقيع»: الموضع الذي فيه أروم الشجر من ضروبٍ شتّى، ومنه البقيع بالمدينة المنوّرة. «الأرومة» كالضرورة والحموضة: أصل الشجرة، والجمع «أروم» كذلك.

.


1- .راجع: الخرائج والجرائح، ج 1، ص 242؛ والاحتجاج، ج 2، ص 378.
2- .الحجرات (49): 2.
3- .الحجرات (49): 3.

ص: 463

الباب الثامن والستّون: باب الإشارة و النصّ على عليّ بن الحسين عليه السلام

الباب الثامن والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة أو ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ بزرج ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ(1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحُسَيْنَ (2) عليه السلام لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ ، دَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً ، وَ وَصِيَّةً ظَاهِرَةً ، وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام مَبْطُوناً مَعَهُمْ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ ، فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، ثُمَّ صَارَ وَ اللَّهِ ذلِكَ الْكِتَابُ إِلَيْنَا يَا زِيَادُ».قَالَ : قُلْتُ : مَا فِي ذلِكَ الْكِتَابِ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ؟قَالَ : «فِيهِ وَ اللَّهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلى أَنْ تَفْنَى الدُّنْيَا ؛ وَ اللَّهِ ، إِنَّ فِيهِ الْحُدُودَ حَتّى أَنَّ فِيهِ أَرْشَ الْخَدْشِ» .

هديّة:قد سبق مثل هذا الحديث بأدنى تفاوت ببيانه في باب ما نصّ اللَّه ورسوله على

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس».
2- .في الكافي المطبوع: + «بن عليّ».

ص: 464

الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً.(1)و«الكتاب الملفوف» كأنّه المسمّى بالجامعة، أو عبارة عن الملفوف من عدّة كتبٍ في لفافة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ (2) ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ الْحُسَيْنَ عليه السلام مَا حَضَرَهُ ، دَفَعَ وَصِيَّتَهُ إِلَى ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ ظَاهِرَةً فِي كِتَابٍ مُدْرَجٍ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مَا كَانَ ، دَفَعَتْ ذلِكَ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام».قُلْتُ لَهُ : فَمَا فِيهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ؟فَقَالَ : «مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا إِلى أَنْ تَفْنى» .

هديّة:(في كتاب مدرج). قد يجي ء «في» بمعنى «مع»، كما قيل في قوله تعالى: «ادْخُلِى فِى عِبَادِى»(3) أي مع عبادي، فالمعنى مع كتاب مدرج، أي ملفوف من الإفعال والتفعيل بمعنىً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ الْحَضْرَمِيِ (4) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَمَّا سَارَ(5) إِلَى الْعِرَاقِ ، اسْتَوْدَعَ أُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْكُتُبَ وَ الْوَصِيَّةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ» .

.


1- .الكافي، ج 1، ص 291، باب ما نصّ اللَّه عزّ و جلّ و رسوله على الأئمّة عليهم السلام واحداً فواحداً، ح 6؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 14، ح 764.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان».
3- .الفجر (89): 29.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي».
5- .في الكافي المطبوع: «صار».

ص: 465

الحديث الثالث وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : عَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الشَّيْبَانِيِّ ، قَالَ : وَ اللَّهِ ، إِنِّي لَجَالِسٌ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ إِذْ جَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَخَلَا بِهِ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أَخْبَرَنِي أَنِّي سَأُدْرِكُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ يُكَنّى أَبَا جَعْفَرٍ ، فَإِذَا أَدْرَكْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ .قَالَ : وَ مَضى جَابِرٌ ، وَ رَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَجَلَسَ مَعَ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام وَ إِخْوَتِهِ ، فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «أَيَّ شَيْ ءٍ قَالَ لَكَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ؟» فَقَالَ : «قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَالَ : إِنَّكَ سَتُدْرِكُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِيَ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، يُكَنّى أَبَا جَعْفَرٍ ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ».فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : «هَنِيئاً لَكَ - يَا بُنَيَّ - مَا خَصَّكَ اللَّهُ بِهِ مِنْ رَسُولِهِ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ بَيْتِكَ ، لَا تُطْلِعْ إِخْوَتَكَ عَلى هذَا ، فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ، كَمَا كَادَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِيُوسُفَ عليه السلام» .

هديّة:(وفي نسخة الصفواني) من زيادات بعض النسّاخ، يعني ليس حديث فُليح - وهو الحديث الرابع في هذا الباب - في نسخ الكافي إلّا في نسخة الصفواني من تلامذة ثقة الإسلام.وهو لا يناسب هذا الباب كما يناسب تاليه، وينافي أيضاً الحديث الثالث في باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام.ووجه التوفيق بين مثل الحديث الأوّل والثالث تعدّد الكتاب كتاب الوصيّة الظاهرة ومغايرته للكتاب الملفوف المسمّى بالجامعة، أو المشتمل على عدّة صحف على ما مرّ بيانه.و(فليح) مصغّراً بالفاء وإهمال الأخير: ابن أبي بكر، وفي رجال الشيخ: ابن بكير

.

ص: 466

مصغّراً: الشيباني بالفتح، من أصحاب عليّ بن الحسين عليه السلام.(1)كَنَيْتُه وكَنَوْتُه كنيةً وبكنيةٍ، كأكَنْيتُه وكنَّيتُه من الإفعال والتفعيل.(هنيئاً) نصب على الخبر بتقدير «كان»، والجملة دعائيّة، والاسم مؤخّر وهو الموصول هنا.والمراد ب (أهل بيتك) هنا الذُّكران من أولاده عليه السلام، وهم أحد عشر: محمّد، زيد، عمر، عبداللَّه، حسن، حسين، حسين الأصغر، عبد الرحمن، سليمان، محمّد الأصغر، عليّ بن عليّ بن الحسين عليهما السلام.(لا تطلع) على الإفعال، ويشعر بوجه كتمان جابر أيضاً عن إخوته عليه السلام.

.


1- .رجال الطوسي، ص 119، الرقم 1207، والمضبوط فيه: «فليح بن أبي بكر الشيباني» ولكن ذكر في الهامش عن نسخة منه: «فليح بن بكير الشيباني».

ص: 467

الباب التاسع والستّون: باب الإشارة و النصّ على أبي جعفر عليه السلام

الباب التاسع والستّون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ(1) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا حَضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليهما السلام الْوَفَاةُ قَبْلَ ذلِكَ ، أَخْرَجَ سَفَطاً أَوْ صُنْدُوقاً عِنْدَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، احْمِلْ هذَا الصُّنْدُوقَ» . قَالَ : «فَحَمَلَ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ ، جَاءَ إِخْوَتُهُ يَدَّعُونَ فِي الصُّنْدُوقِ ، فَقَالُوا : أَعْطِنَا نَصِيبَنَا فِي الصُّنْدُوقِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ ، مَا لَكُمْ فِيهِ شَيْ ءٌ، وَ لَوْ كَانَ لَكُمْ فِيهِ شَيْ ءٌ مَا دَفَعَهُ، إِلَيَّ وَ كَانَ فِي الصُّنْدُوقِ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ كُتُبُهُ ».

هديّة:المراد البتّة ب (أبي جعفر) هو الباقر عليه السلام؛ لأنّ إبراهيم بن أبي البلاد الكوفي الثقة روى عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام، ولم يدرك زمن أبي جعفر الثاني عليه السلام، ففاعل «قال» في (قال لمّا حضر) هو إسماعيل، فالقول بأنّ الظاهر «جاء إخوتي» و«فقلت: واللَّه ما لكم فيه شي ء» كما ترى.و«السفط» محرّكة كالجوالق أو كالقفّة، والجمع أسفاط.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمّد بن سهل، عن إبراهيم بن أبي البلاد».

ص: 468

كما ليس في لغة العرب «فعليل» بالفتح، ليس «فعلول» بالفتح أيضاً، فمثل «منديل» بالكسر، ومثل «صندوق» بالضمّ.(فحمل بين أربعة) على ما لم يسمّ فاعله من باب ضرب، أي باتّفاقهم بقبض كلّ واحدٍ منهم بجانب منه. ويحتمل المعلوم، أي في حضور أربعة نفر، قيل: الظاهر «من الصندوق» في الموضعين، أي بعضه في الأوّل، قيل: لا، ولا وجه، والمضبوط «في».

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (1) ، عَنْ (2) عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : الْتَفَتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام إِلى وُلْدِهِ - وَ هُوَ فِي الْمَوْتِ وَ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ - ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، هذَا الصُّنْدُوقُ اذْهَبْ بِهِ إِلى بَيْتِكَ» ، قَالَ : «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دِينَارٌ وَ لَا دِرْهَمٌ ، وَ لكِنَّهُ (3) كَانَ مَمْلُوءاً عِلْماً» .

هديّة:(في الموت) في حاله.قيل: «أمّا إنّه» إلى آخره من كلام الإمام عليه السلام. وقال برهان الفضلاء: بل كلام الراوي.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ (4) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ : «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ بِصَدَقَةِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللَّه».
2- .هكذا في الكافي المطبوع. وفي «الف» و «د»: «بن» بدل «عن». وهو سهو؛ فإنّ محمّد بن عبد اللَّه، هو محمّد بن عبد اللَّه بن زرارة، توسّط بين محمّد بن الحسين و بين عيسى بن عبد اللَّه. راجع: معجم رجال الحديث، ج 16، ص 431.
3- .في الكافي المطبوع: «لكن».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن، عن سهل، عن محمّد بن عيسى، عن فضالة بن أيّوب».

ص: 469

عَلِيٍّ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ ، وَ إِنَّ ابْنَ حَزْمٍ بَعَثَ إِلى زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ - وَ كَانَ أَكْبَرَهُمْ - فَسَأَلَهُ الصَّدَقَةَ ، فَقَالَ زَيْدٌ : إِنَّ الْوَالِيَ كَانَ بَعْدَ عَلِيٍّ الْحَسَنَ ، وَ بَعْدَ الْحَسَنِ الْحُسَيْنَ ، وَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، وَ بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَابْعَثْ إِلَيْهِ ؛ فَبَعَثَ ابْنُ حَزْمٍ إِلى أَبِي ، فَأَرْسَلَنِي أَبِي بِالْكِتَابِ إِلَيْهِ حَتّى دَفَعْتُهُ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ» .فَقَالَ لَهُ بَعْضُنَا : يَعْرِفُ هذَا وُلْدُ الْحَسَنِ عليه السلام ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، كَمَا يَعْرِفُونَ أَنَّ هذَا لَيْلٌ ، وَ لكِنْ غَلَبَهُمُ (1) الْحَسَدُ ، وَ لَوْ طَلَبُوا الْحَقَّ بِالْحَقِّ ، لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ، وَ لكِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا» .

هديّة:لعلّ غرض عمر بن عبد العزيز - وكان من خلفاء بني اُميّة - إحقاق الحقّ على تقدير تصرّف الغير في الموقوفات، وكان ابن حزم - بالمهملة كالجزم بالجيم - واليه على المدينة المنوّرة.(وكان أكبرهم) أي أكبر أولاد عليّ بن أبي طالب عليه السلام سنّاً.(فسأله الصّدقة) أي كتابها كما في قوله: (بصدقة عليّ) أي بما وقف وحبس من أمواله.(إنّ الوالي) أي على الصدقات بالكتاب، أي كتاب الصّدقات.(فقال له) يعني للصادق عليه السلام أو للباقر عليه السلام، (بعضنا) من الحاضرين عنده بالليل ظاهراً.(كما يعرفون) يحتمل الغيبة والخطاب.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «يحملهم» مكان (غلبهم)، أي يرفعهم من مكانهم، فيستنكفوا أن يطيعوا المفترض الطاعة، أو المعنى يحثّهم على الإنكار وعدم الطاعة.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو(2) ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا

.


1- .في الكافي المطبوع: «ولكنّهم يحملهم» بدل «ولكن غلبهم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عبد الكريم بن عمرو».

ص: 470

عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى ابْنِ حَزْمٍ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : «بَعَثَ ابْنُ حَزْمٍ إِلى زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ وَ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ أَبِي عليه السلام» .

هديّة:(مثله) أي مثل ما ذكر الحسين بن أبي العلاء في سابقه.

.

ص: 471

الباب السبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

الباب السبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي ثمانية:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ ، عَنْ الْكِنَانِيِ (1) ، قَالَ : نَظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَمْشِي ، فَقَالَ : «تَرى هذَا ؟ هذَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»» .

هديّة:تمام الآية في سورة القصص: «وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(2).فسّروا عليهم السلام «استضعفوا» بالمستضعفين بغصب حقّهم، والمستحقرين بالظلم، والتمكين بعد ظهور قائمهم عليهم السلام. وتأويل «فرعون وهامان» هنا الأوّل والثاني.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(3) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح الكناني».
2- .القصص (28): 6.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير».

ص: 472

قَالَ : «لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي عليه السلام الْوَفَاةُ ، قَالَ : يَا جَعْفَرُ ، أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً ، قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَ اللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ وَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ ، فَلَا يَسْأَلُ أَحَداً» .

هديّة:قيل (جعلت فداك) كلام الراوي.والواو في (والرجل) للحال.واللام في (المصر) للجنس، يعني لأتركنّهم على حالٍ يكون الرجل منهم في مصر، فلا يسأل أحداً لغناه علماً. وقال برهان الفضلاء: بل كلام الإمام عليه السلام، يعني واللَّه لأدعنّهم على هذه الحالة لغناه مالاً أو علماً أيضاً.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ الْمُثَنّى (1) ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَلَدُ يَعْرِفُ فِيهِ شِبْهَ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ وَ شَمَائِلِهِ ، وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنِ ابْنِي هذَا شِبْهَ خَلْقِي وَ خُلُقِي وَ شَمَائِلِي» يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام .

هديّة:يعني من زيادة سعادة السعيد، فإنّ ذلك للشقيّ زيادة في شقاوته. والولد سرّ أبيه غالباً.(يعرف) على المعلوم من باب ضرب.(خَلقه) أي شكله، (خُلقه) أي مكارمه، و«الشمال» ككتاب: خلاف اليمين والخلق أيضاً، والجمع: «شمائل»، على غير قياس، والقياس: «أشمُل» كأذرُع إلّا أنّه شاذّ مقبول، قال اللَّه تعالى في سورة النحل: «عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً للَّهِ ِ»(2).وقال برهان الفضلاء: «وشمائله» جمع «شمال» ككتاب، بمعنى الخُلُق، والمراد هنا كيفيّة الحركات والسكنات عند النطق والسكوت، وسائر الحركات والسكنات.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنّي».
2- .النحل (16): 48.

ص: 473

الحديث الرابع والخامس والسادس روى في الكافي بإسناده بِطُرُقٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَن طَاهِرٍ ؛ عَنْ يونس بن يعقوب، عن طاهر؛ عن عليّ بن الحكم، عن طاهر(1)، قَالَ : كُنْتُ قَاعِداً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَأَقْبَلَ جَعْفَرٌ عليه السلام ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «هذَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» أَوْ «أَخْيَر» .

هديّة:الترديد من عليّ بن الحكم؛ لأنّه ليس في آخر الحديث في الإسنادين الأوّلين، يعني: «أو قال عليه السلام: أخير البريّة»، وهذا الخبر في الكافي أخبارٌ ثلاثةٌ، فأخبار الباب ثمانية، وأنت خبير بأنّ العبرة بكلام أصحاب الحديث أكثر، فقول الجوهري: «تقول: فلانة خير الناس، فلا تقل: خيرة، وفلان خير الناس، فلا تقل أخير، لا يثنّى ولا يُجمع؛ لأنّه في معنى أفعل»(2) ضعيف السند.قال برهان الفضلاء: و«أخير» موافق لكلام جُلّ أهل العراق، يعني معظمهم وأكثرهم.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ (3) ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقَالَ : «هذَا وَ اللَّهِ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ».قَالَ عَنْبَسَةُ : فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذلِكَ ، فَقَالَ : «صَدَقَ جَابِرٌ» . ثُمَّ قَالَ : «لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ إِمَامٍ هُوَ الْقَائِمَ بَعْدَ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن طاهر؛ أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن يونس بن يعقوب، عن طاهر؛ أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ عن فضيل بن عثمان، عن طاهر».
2- .الصحاح، ج 2، ص 652 (خير).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم».

ص: 474

هديّة:يستفاد من آخر الحديث وجه تخصيص الصاحب عليه السلام باسم القائم؛ إذ لا قائم بعده.(ترون) أي تظنّون.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ (1)، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ أَبِي عليه السلام اسْتَوْدَعَنِي مَا هُنَاكَ ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قَالَ : ادْعُ لِي شُهُوداً ، فَدَعَوْتُ لَهُ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ نَافِعٌ مَوْلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَقَالَ : اكْتُبْ : هذَا مَا أَوْصى بِهِ يَعْقُوبُ بَنِيهِ : «يا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»، وَ أَوْصى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِي بُرْدِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ ، وَ أَنْ يُعَمِّمَهُ بِعِمَامَتِهِ ، وَ أَنْ يُرَبِّعَ قَبْرَهُ ، وَ يَرْفَعَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ ، وَ أَنْ يَحُلَّ عَنْهُ أَطْمَارَهُ عِنْدَ دَفْنِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِلشُّهُودِ : انْصَرِفُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ .فَقُلْتُ لَهُ (2) : يَا أَبَتِ مَا كَانَ فِي هذَا بِأَنْ يُشْهَدَ(3) عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ كَرِهْتُ أَنْ تُغْلَبَ ، وَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يُوصَ إِلَيْهِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لَكَ الْحُجَّةُ» .

هديّة:(ما هناك) من علم صدره والكتاب والسلاح، يعني قبل الوصيّة الظاهرة لحكمةٍ.(نافع) بن سرجس - بالجيم المكسورة وفتح المهملة الاُولى - الديلمي، مولى عبداللَّه بن عمر من المشاهير في محدّثي المخالفين.والمراد ب «الأطمار» الخَرْق الصغار التي يربط بها الكفن من جنس الكفن، وقيل: «أطماره»: أثوابه البالية، جمع طمر بالكسر، أي الثوب الخلق، فالضمير إمّا للوصيّ أو

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن».
2- .في الكافي المطبوع: + «بعد ما انصرفوا».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «تشهد».

ص: 475

للموصيّ، والمراد عُقَدُ أكفانه المبتذلة من قبل باللبس. وسوّى برهان الفضلاء بين الاحتمالين.الجوهري:قولهم: «يا أبت افعل» يجعلون علامة التأنيث عوضاً عن ياء الإضافة، كقولهم في الاُمّ يا اُمّه، وتقف عليها بالهاء إلّا في القرآن، فإنّك تقف عليها بالتاء [اتّباعاً(1) للكتاب. وقد يقف بعض العرب على هاء التأنيث بالتاء، فيقولون: يا طلحت.(2)(بأن يشهد) على المجهول الغائب من الإفعال أو المعلوم المخاطب منه.(لم يوص) على المعلوم أو خلافه. (أن يكون لك الحجّة) ناقصة أو تامّة.

.


1- .]ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
2- .الصحاح، ج 6، ص 2260 (أبا).

ص: 476

الباب الحادي والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام

الباب الحادي والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي الْحَسَنِ مُوسى بَنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَّاءِ(1) ، عَنِ الْفَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : خُذْ بِيَدِي مِنَ النَّارِ ، مَنْ لَنَا بَعْدَكَ ؟ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ - فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ ، فَتَمَسَّكوا(2) بِهِ» .

هديّة:(القلّاء) بالتشديد فعّال، من القليّة من الطعام كالعطيّة، قليت السويق واللحم، وقلوت أيضاً، فهو مقليّ كمرميّ، ومقلوّ كمدعوّ، وجمع القلّية: قلايا، والبايع: قلّاء.في بعض النسخ المعتبرة: «فتمسّك به» على الإفراد.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ الْخَرَّازِ(3) ، عَنْ ثُبَيْتٍ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللَّه القلاّء».
2- .في الكافي المطبوع: + «فتمسّك».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبي أيّوب الخرّاز».

ص: 477

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَسْأَلُ اللَّهَ - الَّذِي رَزَقَ أَبَاكَ مِنْكَ هذِهِ الْمَنْزِلَةَ - أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ قَبْلَ الْمَمَاتِ مِثْلَهَا ، فَقَالَ : «قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذلِكَ».قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟فَأَشَارَ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ عليه السلام وَ هُوَ رَاقِدٌ ، فَقَالَ : «هذَا الرَّاقِدُ» وَ هُوَ غُلَامٌ .

هديّة:(ثبيت) بضمّ المثلّثة.يعني أسأل اللَّه الذي رزق أباك مثله في الإمامة أن يرزقك مثلك فيها مثله. و«الرُّقاد» بالضمّ: النوم، والفعل كنصر.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبي عَلِيٍّ الْأَرَّجَانِيُّ الْفَارِسِيُّ ، عَنْ البجلي (1) ، قَالَ : سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمنِ فِي السَّنَةِ الَّتِي أُخِذَ فِيهَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَاضِي عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هذَا الرَّجُلَ قَدْ صَارَ فِي يَدِ هذَا ، وَ مَا يُدْرى (2) إِلى مَا يَصِيرُ ؟ فَهَلْ بَلَغَكَ عَنْهُ فِي أَحَدٍ مِنْ وُلْدِهِ شَيْ ءٌ ؟فَقَالَ لِي : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَسْأَلُنِي عَنْ هذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؛ دَخَلْتُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام فِي مَنْزِلِهِ ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ كَذَا مِنْ (3) دَارِهِ فِي مَسْجِدٍ لَهُ وَ هُوَ يَدْعُو ، وَ عَلى يَمِينِهِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليه السلام يُؤَمِّنُ عَلى دُعَائِهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ، قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلَيْكَ وَ خِدْمَتِي لَكَ ، فَمَنْ وَلِيُّ النَّاسِ بَعْدَكَ ؟ فَقَالَ : «إِنَّ مُوسى قَدْ لَبِسَ الدِّرْعَ وَ سَاوى عَلَيْهِ». فَقُلْتُ لَهُ : لَا أَحْتَاجُ بَعْدَ هذَا إِلى شَيْ ءٍ .

هديّة:«أرّجان» بالمهملة المشدّدة المفتوحة بين فتحة الهمزة وفتحة الجيم: معرّب أردكان.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد عن أحمد بن محمّد قال: حدّثني أبو عليّ الأرّجانيّ الفارسيّ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج».
2- .في الكافي المطبوع: «ندري».
3- .في الكافي المطبوع: «في».

ص: 478

و(عبد الرحمن) بن الحجّاج البجلي، مولاهم، كوفيّ، بيّاع السابري، سكن بغداد، ورمي بالكيسانيّة، بقي بعد أبي الحسن عليه السلام ورجع إلى الحقّ، ولقى الرضا عليه السلام، ثقة ثقة، شهد له الصادق عليه السلام بالجنّة.(ما يدرى) يحتمل الغائب المجهول والمتكلّم مع الغير.في بعض النسخ: «في داره» مكان (من داره).(ما ظننت) يعني لمّا لم أظنّ حاجتي إلى هذه المسألة لم أسأل عنها، لكن عندي ما يكفيك، فقد ثبت أنّ من علامات الإمام أن يُساويَ عليه درعُ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كما لداود عليه السلام في محاربة طالوت عليه السلام وجالوت.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسى الصَّيْقَلِ (1) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَدَخَلَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام - وَهُوَ غُلَامٌ - فَقَالَ : «اسْتَوْصِ بِهِ ، وَ ضَعْ أَمْرَهُ عِنْدَ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ» .

هديّة:يعني فقال عليه السلام للمفضّل: (استوص به) ولدك وأهلك وأصحابك ممّن تثق به.والأمر الثاني استئناف بيانيّ.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِ (2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي يَوْماً ، فَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِلى مَنْ نَفْزَعُ وَ يَفْزَعُ النَّاسُ بَعْدَكَ ؟فَقَالَ : «إِلى صَاحِبِ الثَّوْبَيْنِ الْأَصْفَرَيْنِ وَ الْغَدِيرَتَيْنِ - يَعْنِي الذُّؤَابَتَيْنِ - وَ هُوَ الطَّالِعُ عَلَيْكَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن موسى الصيقل».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن يعقوب بن جعفر الجعفريّ».

ص: 479

مِنْ هذَا الْبَابِ ، يَفْتَحُ الْبَابَيْنِ جَمِيعاً بِيَدِهِ (1)» ، فَمَا لَبِثْنَا أَنْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا كَفَّانِ آخِذَةً بِالْبَابَيْنِ ، فَفَتَحَهُمَا ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام.

هديّة:«الفزع» محرّكة: الخوف، «فزعت إليه» كعلم: لجأت إليه من الفزع، فأغاثني.و«الغديرة» بالمعجمة المفتوحة قبل المهملة المكسورة.و«الذؤابة» بالضمّ والهمز، قال في المصباح المنير: الخُصلة من الشعر ذؤابةٌ إذا كانت مرسلة، وعقيصةٌ إذا كانت مَلْويّة.(2)في بعض النسخ: «يفتح الباب بيديه جميعاً». و«أن» بالفتح والتخفيف لتأكيد السرعة.وقرئ (آخذة) على فاعلة، حالاً عن التثنية باعتبار الإفراد بالاجتماع. وقرأ برهان الفضلاء: «أخذة» على المصدر بتاء الوحدة، فمفعول له ل «طلعت»، ثمّ قال: ويحتمل أن يكون المصدر بمعنى الفاعل، فحال عن الكفّين، والإفراد لأنّه مصدر.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ التَمِيمِي، عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ مَنْصُورُ بْنُ حَازِمٍ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، إِنَّ الْأَنْفُسَ يُغْدى عَلَيْهَا وَ يُرَاحُ ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فَمَنْ ؟فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِذَا كَانَ ذلِكَ فَهُوَ صَاحِبُكُمْ» وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى مَنْكِبِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام الْأَيْمَنِ - فِيمَا أَعْلَمُ - وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ خُمَاسِيٌّ ، وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ جَالِسٌ مَعَنَا .

هديّة:(يُغدى عليها ويراح) على المجهول، يعني أنّها بمعرض الحَدثان ومنزل النقلان، والموت ليس بمعزل عن الإنسان.

.


1- .في الكافي المطبوع: «بيده جميعاً» بدل «جميعاً بيده».
2- .المصباح المنير، ج 2، ص 211 (ذاب).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمّال».

ص: 480

(فيما أعلم) إظهار لعلمه بذلك، نفياً لشكّه، بل ظنّه. وقيل: «فيما أعلم» يستعمل كثيراً في معنى فيما أظنّ.(خماسيّ) يعني قامته خمسة أشبار، فإذا بلغ ستّة أشبار فهو رجل، ولا يُقال سداسيّ ولا سباعيّ، والخماسيّ قد يُطلق - كما صرّح به برهان الفضلاء - أيضاً على ابن خمس سنين أيضاً. و(عبداللَّه) هو الأفطح، تنسب إليه الفطحيّة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ التميمي، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ :قُلْتُ لَهُ : إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَ لَا أَرَانِي اللَّهُ ذلِكَ - فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : فَأَوْمَأَ إِلَى ابْنِهِ مُوسى .قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِمُوسى حَدَثٌ ، فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ».قُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِوَلَدِهِ حَدَثٌ ، وَ تَرَكَ أَخاً كَبِيراً وَ ابْناً صَغِيراً ، فَبِمَنْ أَئْتَمُّ ؟ قَالَ : «بِوَلَدِهِ» ، ثُمَّ قَالَ : «هكَذَا أَبَداً».قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْهُ وَ لَا أَعْرِفْ مَوْضِعَهُ ؟ قَالَ : «تَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلّى مَنْ بَقِيَ مِنْ حُجَجِكَ مِنْ وُلْدِ الْإِمَامِ الْمَاضِي ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُجْزِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(عيسى بن عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب) ثقة، له كتاب، ذكره الشيخ في رجاله في رجال الصادق عليه السلام،(2) وقد سبق نصوص بمضمون هذا النصّ ببيانها.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلَّاءِ(3) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد اللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب».
2- .رجال الطوسي، ص 257، الرقم 552.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللَّه القلّاء».

ص: 481

اللَّهِ عليه السلام أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ ، فَقَالَ : «هذَا الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ فِينَا مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلى شِيعَتِنَا مِنْهُ» ثُمَّ قَالَ لِي : «لَا تَجْفُوا إِسْمَاعِيلَ».

هديّة:الخبر هو (المولود) بصلته.(فينا) أي في أولادنا.(أعظم بركة) من جهاتٍ، كما يظهر من النصوص، منها: رضاه عليه السلام بالحبس مرّتين مدّة مديدة لمصالح تعود إلى الشيعة إلى قيام القائم عليه السلام.(لا تجفوا) من الجفاء، وهو يُمدّ ويقصر: خلاف البرّ؛ فإمّا عن المجرّد كدعا، أو الإفعال، جفاه وأجفاه أيضاً: أتعبه. فقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه: أي لا تُتعبوه بذكر هذا عنده لعدم بقائه إلى زمان إمامته.وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمة اللَّه عليه (1): أي لا تذكروه بالسوء، بل عظّموه واعرفوا حقّه من دون أن تأخذوه صاحبكم، فإخبار عن اختلاف الناس فيه فيما بعد.وكان إسماعيل - على ما رواه الصدوق وغيره (2) - ممّن بدا للَّه في إمامته، تُنسب إليه الإسماعيليّة.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ الْمِيثَمِيِ (3) ، عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي أَمْرِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام حِينَ (4) قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «هُوَ صَاحِبُكَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ ، فَقُمْ إِلَيْهِ ، فَأَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ» . فَقُمْتُ حَتّى قَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ يَدَهُ ، وَ دَعَوْتُ اللَّهَ لَهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَمَا إِنَّهُ لَمْ

.


1- .إنّ ما نقل عن ميرزا رفيعا لم نجده في شرحه على الكافي الموجد لدينا؛ لأنّه تمّ عند أوائل أبواب كتاب الحجّة.
2- .التوحيد، ص 336، باب البداء، ح 10؛ كمال الدين، ج 1، ص 69؛ تصحيح الاعتقاد، ص 66.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن الميثمي».
4- .في الكافي المطبوع: «حتّى».

ص: 482

يُؤْذَنْ لَنَا فِي أَوَّلَ مِنْكَ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأُخْبِرُ بِهِ أَحَداً ؟ قَالَ (1) : «نَعَمْ ، أَهْلَكَ وَ وُلْدَكَ» . وَ كَانَ مَعِي أَهْلِي وَ وُلْدِي وَ رُفَقَائِي ، وَ كَانَ يُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ مِنْ رُفَقَائِي ؛ فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُمْ حَمِدُوا اللَّهَ تَعَالى .وَ قَالَ يُونُسُ : لَا وَ اللَّهِ حَتّى أَسْمَعَ ذلِكَ مِنْهُ ، وَ كَانَتْ بِهِ عَجَلَةٌ ، فَخَرَجَ فَأتْبَعْتُهُ ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ لَهُ - وَ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ - : «يَا يُونُسُ ، الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَكَ فَيْضٌ». قَالَ : فَقَالَ : سَمِعْتُ وَ أَطَعْتُ ، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «خُذْهُ إِلَيْكَ يَا فَيْضُ» .

هديّة:في بعض النسخ المعتبرة: «حتّى قال له» مكان (حين قال له).(فقمت) بتقدير القول، يعني: قال: فقمت.(في أوّل منك) على معنى أفعل التفضيل، أي أسبق منك، فأنت أوّل من أخبرناه بذلك.(وكان معي) أي في سفر مكّة. «حمدتُ اللَّه» كعلم، والتحميد للكثرة والمبالغة.(لا واللَّه) أي لا أكتفي واللَّه. و«العجلة» بالتحريك: خلاف البطؤ، يعني كان يونس ممّن يعجّل في الاُمور أو في تحقيق هذا الأمر.(فأتبعته) من الإفعال.(خذه) يعني اذهبا معاً، أو لأنّه ثقة دون يونس، قال الغضائري: «يونس بن ظبيان» كوفيّ، كذّاب،(2) وضّاع للحديث.(3)وقال النجاشي: مولى، ضعيفٌ جدّاً، لا يُلتفت إلى روايته، كلّ كتبه تخليط.(4) وقال الكشّي: متّهمٌ غالٍ.(5)وروي أنّ الكاظم عليه السلام لعنه ألفَ لعنةٍ يتبعها ألف لعنة كلّ لعنة منها، يبلغ قعر جهنّم.(6)

.


1- .في الكافي المطبوع: «فقال».
2- .في المصدر: «غال».
3- .رجال الغضائري، ص 448، الرقم 1210.
4- .رجال النجاشي، ص 448، الرقم 1210.
5- .رجال الكشّي، ص 363، الرقم 672.
6- .رجال الكشّي، ص 364، الرقم 673.

ص: 483

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ فُضَيْلٍ ، عَنْ طَاهِرٍ(1) ، قَالَ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَلُومُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَ يُعَاتِبُهُ ، وَ يَعِظُهُ ، وَ يَقُولُ : «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ أَخِيكَ ، فَوَ اللَّهِ ، إِنِّي لَأَعْرِفُ النُّورَ فِي وَجْهِهِ ؟» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لِمَ ؟ أَ لَيْسَ أَبِي وَ أَبُوهُ وَاحِداً ، وَ أُمِّي وَ أُمُّهُ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «إِنَّهُ مِنْ نَفْسِي وَ أَنْتَ ابْنِي» .

هديّة:(ظاهر) هذا كأنّه مولى أبي عبداللَّه عليه السلام، و(عبد اللَّه) هو الملقّب بالأفطح، قالت الفَطَحيّة عمّار الساباطي وأصحابه ومن تبعهم بإمامته. قال برهان الفضلاء: لمّا كان المشهور في الناس أيضاً أنّ الإمامة إنّما هي في بني فاطمة، وكانت اُمّ عبد اللَّه الأفطح غير اُمّ الكاظم عليه السلام، فمراده ب «اُمّي واُمّه» فاطمة عليها السلام.قال الفاضل الاسترآبادي:والأولى «وأصلي وأصله» مكان «واُمّي واُمّه» لمغايرة اُمّ موسى عليه السلام واُمّ عبداللَّه. وفي كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس رضي اللَّه عنه: «وأصلي وأصله واحداً» مكان «واُمّي واُمّه واحدة».(2)ومعنى (إنّه من نفسي وأنت ابني) أنّه ولدي الروحاني، وأنت ولدي الجسماني.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ (3) ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ هُوَ وَاقِفٌ عَلى رَأْسِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام وَهُوَ فِي الْمَهْدِ ، فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلًا ، فَجَلَسْتُ حَتّى فَرَغَ ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : «ادْنُ مِنْ مَوْلَاكَ ، فَسَلِّمْ» ، فَدَنَوْتُ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن فضيل، عن طاهر، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام».
2- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 158.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن محمّد بن سنان».

ص: 484

فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ، ثُمَّ قَالَ لِيَ : «اذْهَبْ ، فَغَيِّرِ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ ؛ فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ» ، وَ كَانَ وُلِدَتْ لِيَ ابْنَةٌ سَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «انْتَهِ إِلى أَمْرِهِ تُرْشَدْ» ، فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا .

هديّة:(يسارّه) يُناجيه.و«حميراء» في تصغير حمراء مؤنّث أحمر: لقب عائشة بنت أبي بكر، وقد ذكر وجهه في بيان الحديث الثالث من الباب السادس والستّون.(ترشد) على المعلوم من باب نصر وعلم، أو على خلافه من الإفعال.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : دَعَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَوْماً وَ نَحْنُ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَنَا : «عَلَيْكُمْ بِهذَا ؛ فَهُوَ وَ اللَّهِ صَاحِبُكُمْ بَعْدِي» .

هديّة:(ونحن عنده) أي جماعة من أصحابنا، فإنّ سليمان بن خالد أبو الربيع الهلالي رجع إلى الحقّ بعد خروجه مع زيد، وقطع إصبعه في الحرب. في كتاب سعد أنّه تاب من ذلك ورجع إلى الحقّ قبل موته، ورضي عنه أبو عبداللَّه عليه السلام بعد سخطه وتوجّح لموته.(2)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ زِرْبِيٍ (3) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ النَّحْوِيِّ ، قَالَ : بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ هُوَ جَالِسٌ عَلى كُرْسِيٍّ ، وَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةٌ ، وَ فِي يَدِهِ كِتَابٌ ، قَالَ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ رَمى بِالْكِتَابِ إِلَيَّ وَ هُوَ يَبْكِي ، فَقَالَ لِي : هذَا

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن مسكان».
2- .راجع: رجال ابن داود، ص 248، الرقم 221؛ وجامع الرواة، ج 1، ص 377.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل أو غيره، عن محمّد بن الوليد، عن يونس، عن داود بن زربيّ».

ص: 485

كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُخْبِرُنَا أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَدْ مَاتَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - ثَلَاثاً - وَ أَيْنَ مِثْلُ جَعْفَرٍ ؟ثُمَّ قَالَ لِيَ : اكْتُبْ ، قَالَ : فَكَتَبْتُ صَدْرَ الْكِتَابِ ، ثُمَّ قَالَ : اكْتُبْ : إِنْ كَانَ أَوْصى إِلى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ ، فَقَدِّمْهُ فَاضْرِبْ (1) عُنُقَهُ ، قَالَ : فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْجَوَابُ ، أَنَّهُ قَدْ أَوْصى إِلى خَمْسَةٍ ، وَاحِدُهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، وَ عَبْدُ اللَّهِ ، وَ مُوسى ، وَ حُمَيْدَةُ .

هديّة:(زربي) بكسر المعجمة ويضمّ وسكون المهملة، واحد الزرابيّ، أي النمارق والبسط. (محمّد بن سليمان) والي المدينة.(حميدة) مكبّرة، كما ضبط برهان الفضلاء، وقيل: مصغّرة، وهي حميدة البربريّة اُمّ موسى بن جعفر عليهما السلام.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ(2) نَحْواً مِنْ هذَا ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَوْصى إِلى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، وَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَ مُوسى ، وَ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَمَوْلًى لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : لَيْسَ إِلى قَتْلِ هؤُلَاءِ سَبِيلٌ .

هديّة:يعني: عن النضر بن سويد، عن أبي أيّوب النحوي، وهو فاعل (قال) قبل (فقال).

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ (3) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ ، فَقَالَ : «إِنَّ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ» وَ أَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام وَ هُوَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «واضرب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عليّ بن الحسن، عن صفوان الجمّال».

ص: 486

صَغِيرٌ ، وَ مَعَهُ عَنَاقٌ مَكِّيَّةٌ وَ هُوَ يَقُولُ لَهَا : «اسْجُدِي لِرَبِّكَ» فَأَخَذَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ ضَمَّهُ إِلَيْهِ ، وَ قَالَ : «بِأَبِي وَ أُمِّي مَنْ لَا يَلْهُو وَ لَا يَلْعَبُ» .

هديّة:(عناق) كسحاب: الاُنثى من ولد المعز.قال برهان الفضلاء: «بأبي واُمّي» هنا بتقدير «يفدى» على ما لم يسمّ فاعله جملة دعائيّة، أي لأجل أبي واُمّي، فكما لا حاجة إلى هذا لا بأس به.

الحديث السادس عشر روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ عُمَرَ الرُّمَّانِيِّ ، عَنْ فَيْضِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : إِنِّي لَعِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ أَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام - وَ هُوَ غُلَامٌ - فَالْتَزَمْتُهُ وَ قَبَّلْتُهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «أَنْتُمُ السَّفِينَةُ ، وَهذَا مَلَّاحُهَا» قَالَ : فَحَجَجْتُ مِنْ قَابِلٍ ، وَ مَعِي أَلْفَا دِينَارٍ ، فَبَعَثْتُ بِأَلْفٍ إِلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ أَلْفٍ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يَا فَيْضُ ، عَدَلْتَهُ بِي ؟» قُلْتُ : إِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِقَوْلِكَ ، فَقَالَ : «أَمَا وَاللَّهِ مَا أَنَا فَعَلْتُ ذلِكَ ، بَلِ اللَّهُ تَعَالى فَعَلَهُ بِهِ» .

هديّة:«الالتزام»: الاعتناق.(عدلته بي) كضرب، و«عادلته» من المفاعلة بمعنى. وقيل: أو من التعديل، بمعنى التسوية.(ذلك) أي كونه عديلي ومثلي، أو إمامته، أو كونه ملّاحاً؛ وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين، الحمد للَّه ربّ العالمين.

.

ص: 487

الباب الثاني والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي الحسن الرضا عليه السلام

الباب الثاني والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ السّرّاد، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ (1) ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ : كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ جَالِساً ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيٌّ ، فَقَالَ لِي : «يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ ، هذَا عَلِيٌّ سَيِّدُ وُلْدِي ، أَمَا إِنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي» فَضَرَبَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ ، كَيْفَ قُلْتَ ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ : سَمِعْتُ - وَ اللَّهِ - مِنْهُ كَمَا قُلْتُ ، فَقَالَ هِشَامٌ : أَخْبَرَكَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ .

هديّة:«الرّضى» بالكسر والقصر: مصدر، وبالمدّ: اسم.في بعض النسخ: «فقال لي له» بزيادة «له»، أي لفضل ابنه.«نحله» كمنع: أعطاه، والنحلة بالكسر: العطيّة من غير أن يؤخذ عوضٌ، كالنحلي بالضمّ والقصر.(فضرب) تعجّباً، أو تأسّفاً وتحزّناً للنعي.و«الراحة»: بطن الكفّ.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحّاف».

ص: 488

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ (1) ، عَنْ نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «إِنَّ ابْنِي عَلِيّاً أَكْبَرُ وُلْدِي ، وَ أَبَرُّهُمْ عِنْدِي ، وَ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ ، وَ هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي الْجَفْرِ ، وَ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ» .

هديّة:(الجفر) لغةً: البئر الواسعة، لا ينزف ماؤها بالنزح، وفي عرفهم عليهم السلام - كما قيل - : اسم لوعاء كتبهم وسلاحهم، منه الأبيض والأحمر والجامعة، صرّح به برهان الفضلاء أيضاً. وقيل: بل اسم للكتب الثلاثة: الجفر الأبيض، والجفر الأحمر، والجفر الجامعة.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّادٍ الْقَصْرِيِّ جَمِيعاً ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي قَدْ كَبِرَ سِنِّي ، فَخُذْ بِيَدِي مِنَ النَّارِ . قَالَ : فَأَشَارَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:«قصر»: عَلَمٌ لسبعة وسبعين موضعاً، وقرية، وحصن، وقصر بهرام جور من حَجَرٍ واحد قرب همذان. و(الرقّي) بالكسر والتشديد: نسبة إلى رقّة، قرية على شاطئ الفرات، وبلدة بقوهستان، ويظهر من الجوهري والقاموس (3) أنّها بالفتح، والنسبة بالكسر البتّة، والتغيير فيها شائع.و(كبر) كحسن: عظم، وكعلم: السنّ، والسنّ يؤنّث ويُذكّر.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي».
3- .راجع: الصحاح، ج 4، ص 1483؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 236 (رقق).

ص: 489

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : أَ لَا تَدُلُّنِي إِلى مَنْ آخُذُ عَنْهُ دِينِي ؟ فَقَالَ : «هذَا ابْنِي عَلِيٌّ ؛ إِنَّ أَبِي أَخَذَ بِيَدِي ، فَأَدْخَلَنِي إِلى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى : «قَالَ إِنِّى جاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى إِذَا قَالَ قَوْلًا وَفى بِهِ» .

هديّة:(ديني) أي من بعدك.(وفى به) أي ما دامت الأرض، يعني يمتنع خلوّ الدنيا - ما دام نظامها - عن إمامٍ معصوم عاقل عن اللَّه - تبارك وتعالى - لِيَلِي الأمر والصلاح، ويدفع الفساد وسفك الدماء بغير حقّ؛ بدليل تتمّة الآية في سورة البقرة: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»(2)، فسّر بأنّ المعنى: أتجعل كذا، فيجب جعل خليفة من عند اللَّه لدفع الفساد، وإصلاح ذات البين، وإعلام ما يحتاجون إليه في أمر المعاش والمعاد.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده (3) عَنْ يَحْيَى بْنِ عَمْرٍو(4) ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام : إِنِّي قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي ، وَ دَقَّ عَظْمِي ، وَ إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ عليه السلام ، فَأَخْبَرَنِي بِكَ ، فَأَخْبِرْنِي (5)؟ فَقَالَ : «هذَا أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللَّه، عن الحسن، عن ابن أبي عمير».
2- .البقرة (2): 30.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤيّ، عن يحيى بن عمرو».
4- .هكذا في الكافي المطبوع. وفي «الف» و «د»: «عمر» وهو سهو؛ لأنّ داود الرقّي من مشايخ يحيى بن عمرو بن خليفة الزيّات، وأمّا يحيى بن عمر بن كليع يروي عن إسحاق بن عمّار الصيرفي.
5- .في الكافي المطبوع: + «من بعدك».

ص: 490

هديّة:قد مرّ نظيره ببيانه.«دقّ الشي ء» كفرّ: صار دقيقاً، وأدقّه غيره، وكذا دقّقه تدقيقاً.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ الْقَنْدِيِ (1) - وَ كَانَ مِنَ الْوَاقِفَةِ - قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ عِنْدَهُ ابْنُهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «يَا زِيَادُ ، هذَا ابْنِي فُلَانٌ ، كِتَابُهُ كِتَابِي ، وَ كَلَامُهُ كَلَامِي ، وَ رَسُولُهُ رَسُولِي ، وَ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ» .

هديّة:(القندي) بالفتح: نسبة إلى أحد الأجداد.(وكان من الواقفة) في الكافي من كلام ثقة الإسلام، «جماعة واقفة» على الوصف، و«واقفيّة» على الوصف والنسبة: وقفوا على أبي الحسن الأوّل عليه السلام.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ (2) ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْمَخْزُومِيُّ - وَ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ : بَعَثَ إِلَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، فَجَمَعَنَا ، ثُمَّ قَالَ لَنَا : «أَ تَدْرُونَ لِمَ دَعَوْتُكُمْ ؟» فَقُلْنَا : لَا ، فَقَالَ : «اشْهَدُوا أَنَّ ابْنِي هذَا وَصِيِّي ، وَالْقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي ، مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ ، فَلْيَأْخُذْهُ مِنِ ابْنِي هذَا ؛ وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ ، فَلْيُنْجِزْهَا مِنْهُ ؛ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ لِقَائِي ، فَلَا يَلْقَنِي إِلَّا بِكِتَابِهِ» .

هديّة:«مخزوم» بالمعجمتين: أبو حيّ من قريش.غرض الرّاوي إبطال مذهب الواقفة، حيث قالوا بأنّه عليه السلام لم يوصِ كذا إلى أحدٍ وهو

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن زياد بن مروان القندي».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل».

ص: 491

حيّ، ولذا لم يصرّح باسم ابنه الرضا عليهما السلام، فاكتفى بالوضوح، قيل: كأنّ تلك الوصيّة كانت عند خروجه عليه السلام إلى بغداد بأمر هارون.(فلا يُلقني) أي في الحبس إلّا بكتابه؛ لأنّه أعلم بالتقيّة وحفظ الشيعة.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ جَمِيعاً ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : خَرَجَتْ إِلَيْنَا أَلْوَاحٌ مِنْ (2) أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ فِي الْحَبْسِ : «عَهْدِي إِلى أَكْبَرِ وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، وَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا ، وَ فُلَانٌ لَا تُنِلْهُ شَيْئاً حَتّى أَلْقَاكَ ، أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ الْمَوْتَ» .

هديّة:في بعض النسخ: «خرج» مكان (خرجت)، وكلاهما جائز، و«أولادي» مكان (ولدي).وكأنّ المراد ب (فلان) عبّاس بن موسى، وسيجي ء ذكره في هذا الباب في مشاجرته مع الرضا عليه السلام في الميراث، وخطاب النهي للوصيّ يعني الرضا عليه السلام.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ(3) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِالْبَصْرَةِ أَلْوَاحٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا بِالْعَرْضِ : «عَهْدِي إِلى أَكْبَرِ وُلْدِي : يُعْطى فُلَانٌ كَذَا ، وَ فُلَانٌ كَذَا ، وَ فُلَانٌ كَذَا ، وَ فُلَانٌ لَا يُعْطى حَتّى أَجِي ءَ أَوْ يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ الْمَوْتَ ؛ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ».
2- .في الكافي المطبوع: «من».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ الحكم، عن عبد اللَّه بن المغيرة».

ص: 492

هديّة:كان عليه السلام محبوساً حيناً بالبصرة، ثمّ اُرسل ببغداد، فسمّ بها في الحبس.قال برهان الفضلاء: «بالعرض» يعني كان طول السطور بطول الألواح من عِظَم ككتف الشاة أو ساجٍ أو نحوهما.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ مُحْرِزٍ(1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ مِنَ الْحَبْسِ : «أَنَّ فُلَاناً ابْنِي سَيِّدُ وُلْدِي ، وَ قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي» .

هديّة:تكرار الكلام بتعدّد المقام دليل الاهتمام بالمرام، فلا يتوهّم المنافاة بينه وبين الحديث الأوّل.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ (2) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ وَ لَا أَلْقَاكَ ، فَأَخْبِرْنِي مَنِ الْإِمَامُ الْعَدْلُ (3) بَعْدَكَ ؟ فَقَالَ : «ابْنِي فُلَانٌ» يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام .

هديّة:الجوهري: حدث شي ء، أي وقع. القاموس: ويضمّ داله.(4)ليس في بعض النسخ (العدل)، فلعلّه أسقط كاتبه.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن ابن محرز».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي عليّ الخزّاز، عن داود بن سليمان».
3- .في الكافي المطبوع: - «العدل».
4- .الصحاح، ج 1، ص 287؛ القاموس المحيط، ج 1، ص 164 (قدم). وفي القاموس هكذا: «وتضمّ داله إذا ذكر مع قدم».

ص: 493

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ (1) ، عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : إِنِّي سَأَلْتُ أَبَاكَ عليه السلام : مَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، ذَهَبَ النَّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالًا ، وَ قُلْتُ فِيكَ أَنَا وَ أَصْحَابِي ؛ فَأَخْبِرْنِي مَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِكَ مِنْ وُلْدِكَ ؟ فَقَالَ : «ابْنِي فُلَانٌ» .

هديّة:في بعض النسخ بزيادة: «يعني أبا الحسن عليه السلام»، ويكفي (ابني فلان) للردّ على الواقفة، كما مرَّ آنفاً.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ الْأَشْعَثِ (2) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ زَرْبِيٍّ ، قَالَ : جِئْتُ إِلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِمَالٍ ، فَأَخَذَ بَعْضَهُ وَ تَرَكَ بَعْضَهُ ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، لِأَيِّ شَيْ ءٍ تَرَكْتَهُ عِنْدِي ؟ قَالَ : «إِنَّ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ». فَلَمَّا جَاءَنَا نَعْيُهُ ، بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ابْنُهُ (3) ، فَسَأَلَنِي ذلِكَ الْمَالَ ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ .

هديّة:في بعض النسخ: «فأخذه» بالضمير البارز، فنصب «البعض» على بدل البعض.و«النعي» كالرمي: خبر الموت.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي الْحَكَمِ الْأَرْمَنِيِ (4) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزَّيْدِيِّ ؛ قَالَ أَبُو الْحَكَمِ : وَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن سعيد بن أبي الجهم».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن الضحّاك بن الأشعث».
3- .في «الف»: - «ابنه».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن أبي الحكم الأرمني».

ص: 494

بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ الْجَرْمِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَ نَحْنُ نُرِيدُ الْعُمْرَةَ - فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هَلْ تُثْبِتُ هذَا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، فَهَلْ تُثْبِتُهُ أَنْتَ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، إِنِّي أَنَا وَ أَبِي لَقِينَاكَ هَاهُنَا وَ أَنْتَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، وَ مَعَهُ إِخْوَتُكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ ، وَ الْمَوْتُ لَا يَعْرى مِنْهُ أَحَدٌ ، فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثْ بِهِ مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي ؛ فَلَا يَضِلُّ .قَالَ : «نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، هؤُلَاءِ وُلْدِي ، وَ هذَا سَيِّدُهُمْ - وَ أَشَارَ إِلَيْكَ - وَ قَدْ عُلِّمَ الْحُكْمَ وَ الْفَهْمَ وَ السَّخَاءَ وَ الْمَعْرِفَةَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَ دُنْيَاهُمْ ، وَ فِيهِ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَ حُسْنُ الْجَوَابِ ، وَ هُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ فِيهِ أُخْرى خَيْرٌ مِنْ هذَا كُلِّهِ» .فَقَالَ لَهُ أَبِي : وَ مَا هِيَ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ؟قَالَ عليه السلام : «يُخْرِجُ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - مِنْهُ غَوْثَ هذِهِ الْأُمَّةِ وَ غِيَاثَهَا ، وَ عَلَمَهَا وَ نُورَهَا ، وَ فَضْلَهَا وَ حِكْمَتَهَا(1) ، خَيْرُ مَوْلُودٍ ، وَ خَيْرُ نَاشِىً يَحْقُنُ اللَّهُ تَعَالى بِهِ الدِّمَاءَ ، وَ يُصْلِحُ بِهِ ذَاتَ الْبَيْنِ ، وَ يَلُمُّ بِهِ الشَّعْثَ ، وَ يَشْعَبُ بِهِ الصَّدْعَ ، وَ يَكْسُو بِهِ الْعَارِيَ ، وَ يُشْبِعُ بِهِ الْجَائِعَ ، وَ يُؤْمِنُ بِهِ الْخَائِفَ ، وَ يُنْزِلُ اللَّهُ بِهِ الْقَطْرَ ، وَ يَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ ، خَيْرُ كَهْلٍ ، وَ خَيْرُ نَاشِىً ، قَوْلُهُ حُكْمٌ ، وَ صَمْتُهُ عِلْمٌ ، يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، وَ يَسُودُ عَشِيرَتَهُ مِنْ قَبْلِ أَوَانِ حُلُمِهِ».فَقَالَ لَهُ أَبِي : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، وَ هَلْ وُلِدَ ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، وَ مَرَّتْ بِهِ سِنُونَ».قَالَ يَزِيدُ : فَجَاءَنَا مَنْ لَمْ نَسْتَطِعْ مَعَهُ كَلَاماً ، قَالَ يَزِيدُ : فَقُلْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : فَأَخْبِرْنِي أَنْتَ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَبُوكَ عليه السلام ، فَقَالَ لِي : «نَعَمْ ، إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ فِي زَمَانٍ لَيْسَ هذَا زَمَانَهُ».فَقُلْتُ لَهُ : فَمَنْ يَرْضى مِنْكَ بِهذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ، قَالَ : فَضَحِكَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ضَحِكاً شَدِيداً ، ثُمَّ قَالَ : «أُخْبِرُكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ ، فَإِنِّي (2) خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي ، فَأَوْصَيْتُ إِلَى ابْنِي

.


1- .في «الف»: «حكمها».
2- .في الكافي المطبوع: «إنّي».

ص: 495

فُلَانٍ ، وَ أَشْرَكْتُ مَعَهُ بَنِيَّ فِي الظَّاهِرِ ، وَ أَوْصَيْتُهُ فِي الْبَاطِنِ ، فَأَفْرَدْتُهُ وَحْدَهُ ، وَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ لَجَعَلْتُهُ فِي الْقَاسِمِ ابْنِي ؛ لِحُبِّي إِيَّاهُ وَ رَأْفَتِي عَلَيْهِ ، وَ لكِنْ ذلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، يَجْعَلُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، وَ لَقَدْ جَاءَنِي بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله (1) ، ثُمَّ أَرَانِيهِ ، وَ أَرَانِي مَنْ يَكُونُ مَعَهُ ؛ وَ كَذلِكَ لَا يُوصى إِلى أَحَدٍ مِنَّا حَتّى يَأْتِيَ بِخَبَرِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وَ جَدِّي عَلِيٌّ عليه السلام ، وَ رَأَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله خَاتَماً وَ سَيْفاً وَ عَصًا وَ كِتَاباً وَ عِمَامَةً ، فَقُلْتُ : مَا هذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ لِي : أَمَّا الْعِمَامَةُ ، فَسُلْطَانُ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا السَّيْفُ ، فَعِزُّ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا الْكِتَابُ ، فَنُورُ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا الْعَصَا ، فَقُوَّةُ اللَّهِ ؛ وَ أَمَّا الْخَاتَمُ ، فَجَامِعُ هذِهِ الْأُمُورِ .ثُمَّ قَالَ لِي : وَ الْأَمْرُ قَدْ خَرَجَ مِنْكَ إِلى غَيْرِكَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرِنِيهِ أَيُّهُمْ هُوَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : مَا رَأَيْتُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَحَداً أَجْزَعَ عَلى فِرَاقِ هذَا الْأَمْرِ مِنْكَ ، وَ لَوْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ بِالْمَحَبَّةِ ، لَكَانَ إِسْمَاعِيلُ أَحَبَّ إِلى أَبِيكَ مِنْكَ ، وَ لكِنْ ذلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ».ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «وَ رَأَيْتُ وُلْدِي جَمِيعاً : الْأَحْيَاءَ مِنْهُمْ وَ الْأَمْوَاتَ ، فَقَالَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : هذَا سَيِّدُهُمْ - وَ أَشَارَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ عليه السلام - فَهُوَ مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ ، وَ اللَّهُ مَعَ الْمُحْسِنِينَ».قَالَ يَزِيدُ : ثُمَّ قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «يَا يَزِيدُ ، إِنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ ، فَلَا تُخْبِرْ بِهَا إِلَّا عَاقِلًا ، أَوْ عَبْداً تَعْرِفُهُ صَادِقاً ، وَ إِنْ سُئِلْتَ عَنِ الشَّهَادَةِ ، فَاشْهَدْ بِهَا ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»(2) وَ قَالَ لَنَا أَيْضاً : «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ»(3)» .قَالَ : فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «فَأَقْبَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَقُلْتُ : قَدْ جَمَعْتَهُمْ لِي - بِأَبِي وَ أُمِّي - فَأَيُّهُمْ هُوَ ؟ فَقَالَ : هُوَ الَّذِي يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ، وَ يَسْمَعُ بِفَهْمِهِ ، وَ يَنْطِقُ بِحِكْمَتِهِ ، يُصِيبُ فَلَا يُخْطِئُ ، وَ يَعْلَمُ فَلَا يَجْهَلُ ، مُعَلَّماً حُكْماً وَ عِلْماً ، هُوَ هذَا - وَ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ ابْنِي - ثُمَّ

.


1- .في «الف»: + «وجدّي عليّ عليه السلام».
2- .النساء (4): 58.
3- .البقرة (2): 140.

ص: 496

قَالَ : مَا أَقَلَّ مُقَامَكَ مَعَهُ! فَإِذَا رَجَعْتَ مِنْ سَفَرِكَ ، فَأَوْصِ ، وَ أَصْلِحْ أَمْرَكَ ، وَ افْرُغْ مِمَّا أَرَدْتَ ؛ فَإِنَّكَ مُنْتَقِلٌ عَنْهُمْ ، وَ مُجَاوِرٌ غَيْرَهُمْ ، فَإِذَا أَرَدْتَ فَادْعُ عَلِيّاً فَلْيُغَسِّلْكَ وَ لْيُكَفِّنْكَ ؛ فَإِنَّهُ طُهْرٌ لَكَ ، وَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا ذلِكَ ، وَ ذلِكَ سُنَّةٌ قَدْ مَضَتْ ؛ فَاضْطَجِعْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَ صُفَّ إِخْوَتَهُ خَلْفَهُ وَ عُمُومَتَهُ ، وَ مُرْهُ فَلْيُكَبِّرْ عَلَيْكَ تِسْعاً ؛ فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَقَامَتْ وَصِيَّتُهُ ، وَ وَلِيَكَ وَ أَنْتَ حَيٌّ ، ثُمَّ اجْمَعْ لَهُ وُلْدَكَ مَنْ تَعُدُّهُمْ (1) ، فَأَشْهِدْ عَلَيْهِمْ ، وَ أَشْهِدِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً».قَالَ يَزِيدُ : ثُمَّ قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام : «إِنِّي أُؤْخَذُ فِي هذِهِ السَّنَةِ ، وَ الْأَمْرُ هُوَ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ ، سَمِيِّ عَلِيٍّ وَ عَلِيٍّ : فَأَمَّا عَلِيٌّ الْأَوَّلُ ، فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، وَ أَمَّا الْآخِرُ ، فَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، أُعْطِيَ فَهْمَ الْأَوَّلِ وَ حِلْمَهُ وَ نَصْرَهُ وَ وُدَّهُ وَ دِينَهُ وَ مِحْنَتَهُ وَ مِحْنَةَ الْآخِرِ ، وَ صَبْرَهُ عَلى مَا أَنْكَرَهُ (2) ، وَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ هَارُونَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ».ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا يَزِيدُ ، وَ إِذَا مَرَرْتَ بِهذَا الْمَوْضِعِ ، وَ لَقِيتَهُ - وَ سَتَلْقَاهُ - فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ أَمِينٌ مَأْمُونٌ مُبَارَكٌ ، وَ سَيُعْلِمُكَ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَنِي ، فَأَخْبِرْهُ عِنْدَ ذلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا هذَا الْغُلَامُ جَارِيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ جَارِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ، فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُبَلِّغَهَا مِنِّي السَّلَامَ ، فَافْعَلْ».قَالَ يَزِيدُ : فَلَقِيتُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام عَلِيّاً عليه السلام ، فَبَدَأَنِي ، فَقَالَ لِي : «يَا يَزِيدُ ، مَا تَقُولُ فِي الْعُمْرَةِ؟» فَقُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، ذلِكَ إِلَيْكَ ، وَ مَا عِنْدِي نَفَقَةٌ ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا كُنَّا نُكَلِّفُكَ وَ لَا نَكْفِيكَ» فَخَرَجْنَا حَتّى انْتَهَيْنَا إِلى ذلِكَ الْمَوْضِعِ ، فَابْتَدَأَنِي ، فَقَالَ : «يَا يَزِيدُ ، إِنَّ هذَا الْمَوْضِعَ كَثِيراً مَا لَقِيتَ فِيهِ جِيرَتَكَ وَ عُمُومَتَكَ» قُلْتُ : نَعَمْ ، ثُمَّ قَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لِي : «أَمَّا الْجَارِيَةُ ، فَلَمْ تَجِئْ بَعْدُ ، فَإِذَا جَاءَتْ بَلَّغْتُهَا مِنْهُ السَّلَامَ» فَانْطَلَقْنَا إِلى مَكَّةَ ، فَاشْتَرَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ ، فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتّى حَمَلَتْ ، فَوَلَدَتْ ذلِكَ الْغُلَامَ .قَالَ يَزِيدُ : وَ كَانَ إِخْوَةُ عَلِيٍّ يَرْجُونَ أَنْ يَرِثُوهُ ، فَعَادُونِي إِخْوَتُهُ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ ، فَقَالَ لَهُمْ

.


1- .في الكافي المطبوع: «من بعدهم».
2- .في الكافي المطبوع: «يكره».

ص: 497

إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ : وَ اللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَ إِنَّهُ لَيَقْعُدُ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بِالْمَجْلِسِ الَّذِي لَا أَجْلِسُ فِيهِ أَنَا .

هديّة:(يزيد بن سليط) بضمّ السين المهملة، وقيل: بفتحتها: من أصحاب الكاظم عليه السلام ذكره جماعة منهم: ابن داود في الموثّقين (1)، والعلّامة في خلاصته في المجروحين (2)، يكنّى أبا عمارة، وأبوه سليط أبا عبداللَّه، وكان من أولاد زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام.و(عمارة) بالفتح والتخفيف: التاج، وبالضمّ: آلات العمارة بالكسر، و«جرم» بفتح الجيم وسكون المهملة: بطنان، أحدهما في قضاعة، والآخر في طيّ.(لا يعرى) كعلم: لا يخلوا.(يخلفني) كنصر.(وقد علّم الحكم) أي فيما اختلف فيه الناس، أو لحكمة.(اُخرى) أي خصلة اُخرى.(هل تثبت) من الإفعال والتفعيل بمعنى، يعني هل تعرفه حقّ المعرفة؟وأثبته وثبّته تثبيتاً: ضبطه وحفظه.«الغوث» بالفتح، و«الغياث» بالكسر، الأوّل اسم من الاستغاثة، والثاني اسم من الإغاثة. والمراد منهما المستغاث والمغيث، استغاثني فلان فأغثته. صارت الواو في الغياث ياء لكسرة ما قبلها. أو المراد المستغيث والمغيث مبالغة، كأنّه يستغيث عن المظلوم ويغيثه أيضاً، كما صرّح به برهان الفضلاء.و«الناشي» يقرأ بالهمز وبدونها: من تجاوز عن حدّ الصبا.(ذات البين) لعلّها مطلق، وقيل: عبارة عن الخصومة بين العلويّين وبني العبّاس.«لمّه» كمدّ: جمعه. و«الشعث» بالتحريك ويسكّن: تفرّق الحال.

.


1- .رجال ابن داود، ص 378، رقم 1692.
2- .خلاصة الأقوال، ص 265.

ص: 498

(يلمّ به الشعث): يجمع به تفرّق الاُمور. (ويشعب به الصّدع) كمنع كذلك.و(القطر): المطر.(قوله حكم) بضمّ الحاء، أي حكمة.(ويسود) كيقول، أي يصير سيّدهم.(حلمه) أي قبل زمان بلوغه.(ولقد جاءني بخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) في المنام أو بالتمثّل في اليقظة كتمثّله صلى اللَّه عليه وآله لأبي بكر حين إنكاره الحقّ (1)، والقصّة مشهورة.(أجزع) أي لأجل القاسم ابنك، ف «هو منّي» محتمل.(بها) أي بالوصيّة أو بالقصّة أو بالمذكورات.(فإذا أردت) على ما لم يسمّ فاعله.(فإنّه طهر لك) قيل: أي تغسيله إيّاك طهرٌ لك من غير حاجة إلى غسل آخر بعد موتك. وهو كما ترى؛ لحديث تغسيله عليه السلام إيّاه عليه السلام بعد الموت بحضوره بطيّ الأرض.(وذلك سنّة قد مضت) فإنّ المعصوم لا يغسّله ولا يكفّنه إلّا المعصوم. وبظهور حكمة التكرار بالعلانيّة والسرّ يتلائم الأخبار.(وصفّ إخوته خلفه) قيل: جملة اسميّة حاليّة. وقرأ برهان الفضلاء: «وصفّ» على الأمر، صفّ القوم كمدّ، وصففتهم أنا فاصطفّوا، يتعدّى ولا يتعدّى، وذلك لأجل إمامته في الصلاة وتقدّمه عليهم.(فليكبّر عليك تسعاً) قيل: هو الواجب في الصلاة على الإمام، وقيل: بل مستحبّ في الإمام وغيره.

.


1- .والقصّة كما ورد في الحديث أنّه جرى فيما بين عليّ عليه السلام وأبي بكر كلامٌ حين احتجّ عليه وطالبه بحقّه، فأنكر دعواه وقال: ما أعرف لك حقّاً فيما أنا فيه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أترضى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بيني وبينك، فراجع أبو بكر وقال: أين رسول اللَّه وكيف لي به، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيده وجاء به إلى مسجد قبا، فرأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله هناك جالساً حقيقةً لا مجازاً، فقال له: يا أبا بكر! ارجع إلى ربّك وردّ الحقّ إلى أهله، الحديث (منه سلّمه اللَّه تعالى).

ص: 499

(فإنّه قد استقامت وصيّته) تعليلٌ لجواز الأفعال المذكورة لكونه معصوماً.(ووليك) كحسب، أي صار متولّياً لاُمورك.(من تعدّهم) من تعتني بشأنهم من الذين تعدّهم في عِداد الموقّرين.في بعض النسخ: «ما يكره» بدل (ما أنكره).(فإن قدرت) أي فأَخبِرْه وقل له: إن قدرت.و«ما» في (كثيراً ما لقيت) مبهمة لمبالغة الكثرة.(بلّغتها) على الخطاب المتكلّم.(فعادوني) أي لإخباري بالجارية وأمرها.(ليقعد) يعني يزيد، والغرض منعهم من عداوته ولومهم بها بإظهار قربه عند أبيهم أبي إبراهيم عليه السلام.

الحديث الخامس عشر روى في الكافي بهذا الإسناد عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ : لَمَّا أَوْصى أَبُو إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، أَشْهَدَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيَّ ، وَ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجَعْفَرِيَّ ، وَ إِسْحَاقَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَ جَعْفَرَ بْنَ صَالِحٍ ، وَ مُعَاوِيَةَ الْجَعْفَرِيَّ ، وَ يَحْيَى بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَ سَعْدَ بْنَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيَّ ، وَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيَّ ، وَ يَزِيدَ بْنَ سَلِيطٍ الْأَنْصَارِيَّ ، وَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّ - وَ هُوَ كَاتِبُ الْوَصِيَّةِ الْأُولى - أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ «يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ (1) ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا ، وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، وَ أَنَّ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ ، وَ أَنَّ الْوَعْدَ حَقٌّ ، وَ أَنَّ الْحِسَابَ حَقٌّ ، وَ الْقَضَاءَ حَقٌّ ، وَ أَنَّ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَقٌّ ، وَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه وآله حَقٌّ ، وَ أَنَّ مَا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ حَقٌّ ، عَلى ذلِكَ أَحْيَا ، وَ عَلَيْهِ أَمُوتُ ، وَ عَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى».وَ أَشْهَدَهُمْ أَنَّ «هذِهِ وَصِيَّتِي بِخَطِّي ، وَ قَدْ نَسَخْتُ وَصِيَّةَ جَدِّي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: + «وحده لا شريك له».

ص: 500

طَالِبٍ صَلَواتُ اللَّهِ وَ سَلامُهُ عَلَيْهِ ، وَ وَصِيَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام قَبْلَ ذلِكَ نَسَخْتُهَا حَرْفاً بِحَرْفٍ ، وَ وَصِيَّةَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام عَلى مِثْلِ ذلِكَ ، وَ إِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ إِلى عَلِيٍّ ، وَ بَنِيَّ بَعْدُ مَعَهُ إِنْ شَاءَ وَ آنَسَ مِنْهُمْ رُشْداً وَ أَحَبَّ أَنْ يُقِرَّهُمْ ، فَذَاكَ لَهُ ، وَ إِنْ كَرِهَهُمْ وَ أَحَبَّ أَنْ يُخْرِجَهُمْ ، فَذَاكَ لَهُ ، وَ لَا أَمْرَ لَهُمْ مَعَهُ .وَ أَوْصَيْتُ إِلَيْهِ بِصَدَقَاتِي وَ أَمْوَالِي وَ مَوَالِيَّ وَ صِبْيَانِيَ الَّذِينَ خَلَّفْتُ وَ وُلْدِي ، إِلى إِبْرَاهِيمَ وَ الْعَبَّاسِ وَ قَاسِمٍ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ أَحْمَدَ وَ أُمِّ أَحْمَدَ ، وَ إِلى عَلِيٍّ أَمْرُ نِسَائِي دُونَهُمْ ، وَ ثُلُثُ صَدَقَةِ أَبِي وَ ثُلُثِي ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَرى ، وَ يَجْعَلُ فِيهِ مَا يَجْعَلُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ ، إِنْ أَحَبَّ يُغَيِّرَ بَعْضَ مَا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي فَذَاكَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ ذلِكَ فَهُوَ إِلَيْهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَفْعَلُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ،(1)فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَهَبَ أَوْ يَنْحَلَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلى مَنْ سَمَّيْتُ لَهُ وَ عَلى غَيْرِ مَنْ سَمَّيْتُ ، فَذَاكَ لَهُ .وَ هُوَ أَنَا فِي وَصِيَّتِي فِي مَالِي وَ فِي أَهْلِي وَ وُلْدِي ، وَ إِنْ رَأَى (2) أَنْ يُقِرَّ إِخْوَتَهُ - الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ فِي صدر(3) كِتَابِي هذَا - أَقَرَّهُمْ ؛ وَ إِنْ كَرِهَ ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ غَيْرَ مُثَرَّبٍ عَلَيْهِ وَ لَا مَرْدُودٍ ؛ فَإِنْ آنَسَ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي فَارَقْتُهُمْ عَلَيْهِ ، فَأَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُمْ فِي وَلَايَةٍ ، فَذَاكَ لَهُ ؛ وَ إِنْ أَرَادَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يُزَوِّجَ أُخْتَهُ ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَ أَمْرِهِ ، فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ .وَ أَيُّ سُلْطَانٍ أَوْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ كَفَّهُ عَنْ شَيْ ءٍ ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شَيْ ءٍ - مِمَّا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي هذَا - أَوْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْتُ ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ بَرِي ءٌ ، وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْهُ بَراَءٌ ، وَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ ، وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يَكُفَّهُ عَنْ شَيْ ءٍ ، وَ لَيْسَ لِي عِنْدَهُ تَبِعَةٌ وَ لَا تِبَاعَةٌ ، وَ لَا لِأَحَدٍ مِنْ وُلْدِي وَلَهُ (4) قِبَلِي مَالٌ ؛ وَهُوَ(5) مُصَدَّقٌ فِيمَا ذَكَرَ ، فَإِنْ أَقَلَّ ، فَهُوَ أَعْلَمُ ؛ وَ إِنْ أَكْثَرَ ،

.


1- .في الكافي المطبوع: - «إن أحبّ يغيّر» إلى قوله: «ذو المال في ماله».
2- .في الكافي المطبوع: «يرى».
3- .في الكافي المطبوع: - «صدر».
4- .في الكافي المطبوع: «له» بدون الواو.
5- .في الكافي المطبوع: «فهو».

ص: 501

فَهُوَ الصَّادِقُ كَذلِكَ .وَإِنَّمَا أَرَدْتُ بِإِدْخَالِ الَّذِينَ أَدْخَلْتُهُمْ مَعَهُ مِنْ وُلْدِي التَّنْوِيهَ بِأَسْمَائِهِمْ ، وَ التَّشْرِيفَ لَهُمْ ؛ وَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي مَنْ أَقَامَتْ مِنْهُنَّ فِي مَنْزِلِهَا وَ حِجَابِهَا ، فَلَهَا مَا كَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا فِي حَيَاتِي إِنْ رَأى ذلِكَ ، وَ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُنَّ إِلى زَوْجٍ ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلى مَحْوَايَ إِلَّا أَنْ يَرى عَلِيٌّ غَيْرَ ذلِكَ ، وَ بَنَاتِي بِمِثْلِ ذلِكَ ، وَ لَا يُزَوِّجُ بَنَاتِي أَحَدٌ مِنْ إِخْوَتِهِنَّ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ وَ لَا سُلْطَانٌ وَ لَا عَمٌّ إِلَّا بِرَأْيِهِ وَ مَشُورَتِهِ ، فَإِنْ فَعَلُوا غَيْرَ ذلِكَ ، فَقَدْ خَالَفُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ، وَ جَاهَدُوهُ فِي مُلْكِهِ ، وَ هُوَ أَعْرَفُ بِمَنَاكِحِ قَوْمِهِ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ زَوَّجَ ، وَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ تَرَكَ .وَقَدْ أَوْصَيْتُهُنَّ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي هذَا ، وَ جَعَلْتُ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - عَلَيْهِنَّ شَهِيداً ، وَ هُوَ وَ أُمُّ أَحْمَدَ ؛ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْشِفَ وَصِيَّتِي وَ لَا يَنْشُرَهَا وَ هُوَ مِنْهَا عَلى غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ وَ سَمَّيْتُ ؛ فَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهِ ، وَ مَنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ ، وَ مَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ .وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ سُلْطَانٍ وَ لَا(1) غَيْرِهِ أَنْ يَفُضَّ كِتَابِي هذَا الَّذِي خَتَمْتُ عَلَيْهِ الْأَسْفَلَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ غَضَبُهُ ، وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ وَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ جَمَاعَةِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ ، وَ عَلى مَنْ فَضَّ كِتَابِي هذَا . وَ كَتَبَ وَ خَتَمَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَ الشُّهُودُ ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ».قَالَ أَبُو الْحَكَمِ : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ الْجَعْفَرِيُّ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ ، قَالَ : كَانَ أَبُو عِمْرَانَ الطَّلْحِيُّ قَاضِيَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا مَضى مُوسى عليه السلام قَدَّمَهُ إِخْوَتُهُ إِلَى الطَّلْحِيِّ الْقَاضِي ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسى : أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَ أَمْتَعَ بِكَ ، إِنَّ فِي أَسْفَلِ هذَا الْكِتَابِ كَنْزاً وَ جَوْهَراً ، وَ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجِبَهُ وَ يَأْخُذَهُ دُونَنَا ، وَ لَمْ يَدَعْ أَبُونَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَيْئاً إِلَّا أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ ، وَ تَرَكَنَا عَالَةً ، وَ لَوْ لَا أَنِّي أَكُفُّ نَفْسِي ، لَأَخْبَرْتُكَ بِشَيْ ءٍ عَلى رُؤُوسِ الْمَلَاَ ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَقَالَ : إِذاً وَاللَّهِ ، تُخْبِرَ بِمَا لَا نَقْبَلُهُ مِنْكَ وَ لَا نُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ تَكُونُ عِنْدَنَا مَلُوماً

.


1- .في «الف»: - «لا».

ص: 502

مَدْحُوراً ؛ نَعْرِفُكَ بِالْكَذِبِ صَغِيراً وَ كَبِيراً ، وَ كَانَ أَبُوكَ أَعْرَفَ بِكَ لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ ، وَ إِنْ كَانَ أَبُوكَ لَعَارِفاً بِكَ فِي الظَّاهِرِ وَ الْبَاطِنِ ، وَ مَا كَانَ لِيَأْمَنَكَ عَلى تَمْرَتَيْنِ .ثُمَّ وَثَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ عَمُّهُ ، فَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ لَسَفِيهٌ ضَعِيفٌ أَحْمَقُ ، اجْمَعْ هذَا مَعَ مَا كَانَ بِالْأَمْسِ مِنْكَ ، وَ أَعَانَهُ الْقَوْمُ أَجْمَعُونَ .فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْقَاضِي لِعَلِيٍّ عليه السلام : قُمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ ، حَسْبِي مَا لَعَنَنِي أَبُوكَ الْيَوْمَ ، وَ قَدْ وَسَّعَ لَكَ أَبُوكَ ، وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا أَحَدٌ أَعْرَفَ بِالْوَلَدِ مِنْ وَالِدِهِ ، وَ لَا وَ اللَّهِ ، مَا كَانَ أَبُوكَ عِنْدَنَا بِمُسْتَخَفٍّ فِي عَقْلِهِ ، وَ لَا ضَعِيفٍ فِي رَأْيِهِ .فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلْقَاضِي : أَصْلَحَكَ اللَّهُ ، فُضَّ الْخَاتَمَ وَ اقْرَأْ مَا تَحْتَهُ ، فَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ : لَا أَفُضُّهُ ، حَسْبِي مَا لَعَنَنِي أَبُوكَ مُنْذُ الْيَوْمِ ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : فَأَنَا أَفُضُّهُ ، فَقَالَ : ذَلِكَ (1) إِلَيْكَ ، فَفَضَّ الْعَبَّاسُ الْخَاتَمَ ، فَإِذَا فِيهِ إِخْرَاجُهُمْ وَ إِقْرَارُ عَلِيٍّ عليه السلام لَهَا وَحْدَهُ ، وَ إِدْخَالُهُ إِيَّاهُمْ فِي وَلَايَةِ عَلِيٍّ عليه السلام إِنْ أَحَبُّوا أَوْ كَرِهُوا ، وَ إِخْرَاجُهُمْ مِنْ حَدِّ الصَّدَقَةِ وَ غَيْرِهَا ، وَ كَانَ فَتْحُهُ عَلَيْهِمْ بَلَاءً وَ فَضِيحَةً وَ ذِلَّةً ، وَ لِعَلِيٍّ عليه السلام خِيَرَةً .وَ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ الَّتِي فَضَّ الْعَبَّاسُ تَحْتَ الْخَاتَمِ : هؤُلَاءِ الشُّهُودُ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَ إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَ جَعْفَرُ بْنُ صَالِحٍ ، وَ سَعِيدُ بْنُ عِمْرَانَ ؛ وَ أَبْرَزُوا وَجْهَ أُمِّ أَحْمَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي ، وَ ادَّعَوْا أَنَّهَا لَيْسَتْ إِيَّاهَا حَتّى كَشَفُوا عَنْهَا وَ عَرَفُوهَا ، فَقَالَتْ عِنْدَ ذلِكَ : قَدْ وَاللَّهِ ، قَالَ سَيِّدِي هذَا : إِنَّكِ سَتُؤْخَذِينَ جَبْراً ، وَ تُخْرَجِينَ إِلَى الْمَجَالِسِ ؛ فَزَجَرَهَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَ قَالَ : اسْكُتِي ؛ فَإِنَّ النِّسَاءَ إِلَى الضَّعْفِ ، مَا أَظُنُّهُ قَالَ مِنْ هذَا شَيْئاً .ثُمَّ إِنَّ عَلِيّاً عليه السلام الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ ، فَقَالَ : «يَا أَخِي ، إِنِّي أَعْلَمُ (2) إِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَلى هذَا(3) الْغَرَائِمُ وَ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْكُمْ ، فَانْطَلِقْ يَا سَعِيدُ ، فَتَعَيَّنْ لِي مَا عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ اقْضِ عَنْهُمْ ، وَ اقْبِضْ زَكَاةَ

.


1- .في الكافي المطبوع: «ذاك».
2- .في الكافي المطبوع: + «أنّه».
3- .في الكافي المطبوع: «هذه».

ص: 503

حُقُوقِهِمْ وَخُذْ لَهُمْ البَرَاءَةَ،(1) لَا وَ اللَّهِ ، لَا أَدَعُ مُؤَاسَاتَكُمْ وَ بِرَّكُمْ مَا مَشَيْتُ عَلَى الْأَرْضِ ، فَقُولُوا مَا شِئْتُمْ».فَقَالَ الْعَبَّاسُ : مَا تُعْطِينَا إِلَّا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِنَا ، و مَا لَنَا عِنْدَكَ أَكْثَرُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام (2) : «قُولُوا مَا شِئْتُمْ ، فَالْعِرْضُ عِرْضُكُمْ ، فَإِنْ تُحْسِنُوا فَذَاكَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَ إِنْ تُسِيئُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ؛ وَ اللَّهِ ، إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنَّهُ مَا لِي يَوْمِي هذَا وَلَدٌ وَ لَا وَارِثٌ غَيْرُكُمْ ، وَ لَئِنْ حَبَسْتُ شَيْئاً مِمَّا تَظُنُّونَ ، أَوِ ادَّخَرْتُهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ لَكُمْ ، وَ مَرْجِعُهُ إِلَيْكُمْ ، وَ اللَّهِ ، مَا مَلَكْتُ مُنْذُ مَضى أَبُوكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَيْئاً إِلَّا وَ قَدْ سَيَّبْتُهُ (3) حَيْثُ رَأَيْتُمْ».فَوَثَبَ الْعَبَّاسُ ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، مَا هُوَ كَذلِكَ ، وَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ مِنْ رَأْيٍ عَلَيْنَا ، وَ لكِنْ حَسَدُ أَبِينَا لَنَا وَ إِرَادَتُهُ مَا أَرَادَ مِمَّا لَا يُسَوِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، وَ لَا إِيَّاكَ ، وَ إِنَّكَ لَتَعْرِفُ أَنِّي أَعْرِفُ صَفْوَانَ بْنَ يَحْيى بَيَّاعَ السَّابِرِيِّ بِالْكُوفَةِ ، وَ لَئِنْ سَلِمْتُ لَأُغَصِّصَنَّهُ بِرِيقِهِ وَ أَنْتَ مَعَهُ .فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : «لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، أَمَّا إِنِّي يَا إِخْوَتِي ، فَحَرِيصٌ عَلى مَسَرَّتِكُمْ ، اللَّهُ يَعْلَمُ ؛ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ صَلَاحَهُمْ ، وَ أَنِّي بَارٌّ بِهِمْ ، وَاصِلٌ لَهُمْ ، رَفِيقٌ عَلَيْهِمْ ، أُعْنى بِأُمُورِهِمْ لَيْلًا وَ نَهَاراً ، فَاجْزِنِي بِهِ خَيْراً ، وَ إِنْ كُنْتُ عَلى غَيْرِ ذلِكَ ، فَأَنْتَ (4) عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، فَاجْزِنِي بِهِ مَا أَنَا أَهْلُهُ ، إِنْ كَانَ شَرّاً فَشَرّاً ، وَ إِنْ كَانَ خَيْراً فَخَيْراً ؛ اللَّهُمَّ أَصْلِحْهُمْ ، وَ أَصْلِحْ لَهُمْ ، وَ اخْسَأْ عَنَّا وَ عَنْهُمُ الشَّيْطَانَ ، وَ أَعِنْهُمْ عَلى طَاعَتِكَ ، وَ وَفِّقْهُمْ لِرُشْدِكَ ؛ أَمَّا أَنَا يَا أَخِي ، فَحَرِيصٌ عَلى مَسَرَّتِكُمْ ، جَاهِدٌ عَلى صَلَاحِكُمْ ، وَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ».فَقَالَ الْعَبَّاسُ : مَا أَعْرَفَنِي بِلِسَانِكَ! وَ لَيْسَ لِمِسْحَاتِكَ عِنْدِي طِينٌ . فَافْتَرَقَ الْقَوْمُ عَلى هذَا ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ .

.


1- .في الكافي المطبوع: - «اقبض زكاة» إلى هنا.
2- .في الكافي المطبوع: - «عليّ عليه السلام».
3- .في «الف»: «شتّته».
4- .في «الف»: «وأنت».

ص: 504

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «ومحمّد بن جعد بن سعد الأسلمي» بفتح الجيم مكان (جعفر).(وهو كاتب الوصيّة الاُولى) يعني أبا إبراهيم عليه السلام كان هو كاتب الوصيّة الاُولى أي المتعلّقة بالإيمان، من قوله: (أشهدهم) إلى قوله: (ووصيّة جعفر بن محمّد عليهما السلام، على مثل ذلك) يعني بلا تفاوت في المعني دون طائفة من الألفاظ، وكان كاتب البقيّة غيره عليه السلام صرّح به برهان الفضلاء.و(الجعفريّ) نسبة إلى جعفر الطيّار.(أشهدهم) أي هؤلاء العشرة نفراً.(وقد نسخت وصيّة جدّي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه و سلامه عليه) يعني بلا تفاوت في الألفاظ أيضاً فيما يتعلّق بالإيمان، وهو الوصيّة الاُولى، ولا تفاوت في وصيّة أهل البيت عليهم السلام المتعلّقة بالإيمان بحسب المضمون أصلاً.(وبنيّ بعد). قيل: أي بعد عليّ في المنزلة. (معه) أي مشاركين معه في الوصيّة بالشروط الآتية. وقال برهان الفضلاء: يعني وبنيّ موقوفون مع اختياره في كونهم أوصياء لي مثله. واحتمال «يعدّ» على المضارع المجهول، أي وبنيّ يعدّ كلّ منهم وصيّاً أو غير وصيّ مع اختيار عليّ عليه السلام كما ترى.«آنسته»: أبصرته، ومنه رشداً: عَلِمتُه.(ولا أمر لهم معه) مستقلّاً لو يخالفونه.(وولدي). قيل: يعني أوصيت إليه مع ولدي، أو وإلى ولدي. (إلى إبراهيم) بدل من «ولدي». وقال برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى: «وإلى» في «وإلى إبراهيم» بمعنى حتّى.(واُمّ أحمد) عطف على ضمير «إليه»، فيؤيّد ما ذهب إليه الكوفيّون من أنّ العطف على الضمير المجرور من دون إعادة الجارّ جائز.(ويجعل فيه): يصنع فيه.

.

ص: 505

ليس في بعض النسخ من قوله: (إن أحبّ أن يغيّر) إلى قوله: (في ماله) وكونه ساقطاً فيه من قلم النسّاخ أشبه من كونه زائداً.(ينحل) كمنع، أي يعطي، والنحلة أخصّ من الهبة، وهي إعطاء من غير توقّع عوضٍ.و«التثريب»: اللوم والتعيير.(غير الذي فارقتهم عليه) يدلّ على مساءة حالهم في زمنه عليه السلام.(براء) كسحاب: مصدر في الأصل، أي برئ. (تبعة) ككلمة. (ولا تباعة) ككتابة، قيل: أي ما يتبع المال من نوائب الحقوق، من تبعت الرجل بحقّي. وقال برهان الفضلاء: «تبعة» أي طلب حقّ لجناية وذنب. و«لا تباعة» أي ولا شكاية من وجه فيما ذكر من مقداره.(كذلك) أي هو كذلك، أو كذلك هو.و(التنويه): الرفع، أي لاشتهار أسمائهم بالحسن والخير فيما بين الناس وحصول الشرف لهم فيهم.(يجرى) بالجيم على المجهول من الإفعال.و«المحوى» كرمى: المنزل المحصور، و«المحوّى» كمعلّى: جماعة البيوت المتباينة المتدانية، من الحواية بمعنى الإحاطة. وقرأ برهان الفضلاء: «محوّ» أي بضمّ الميم وتشديد الواو كمعلّى: اسم المكان من التفعيل، حوّيته: جعلته محاطاً بمحيط.(وهو وأمّ أحمد) قيل معطوفان على اسم الجلالة، يعني وجعلت اللَّه وهما شهوداً. وقال برهان الفضلاء: يعني وهما شريكان في اختيار فتحها، قال: أو المعنى كما في الفارسيّة: «وجان» أو «وجان فلاني».(أن يفضّ) أي يكسر ختمه فيفتحه، فضّه كمدّ. وقرأ برهان الفضلاء: «أن يفضّ» من الإفضاض للتعريض، كقولهم أباع البعير، أي أن يجعله في معرض الفضّ بالعزم أو بعدم منع الغير من ذلك أو بأيّ وجهٍ كان.(وعلى من فضّ كتابي) يعني له عليه السلام فضّه دون غيره. وقرأ برهان الفضلاء على العطف والجارّ.

.

ص: 506

(الطلحي) بالفتحتين ويسكن اللام: نسبةً إلى طلحة، وقيل: «الطلح» بالفتح: موضع بين بدر والمدينة.(ألجأه إليه) بالجيم، أي أعطاه جميعاً. وقرأ برهان الفضلاء بالخاء المعجمة، واحتمل المهملة من الإلخاء والإلحاء، أي الإعطاء بغير حقّ، والإلقام بغير حقّ، ثمّ قرأ: «أليّة» كعطيّة، بمعنى التقصير والخطأ في الأمر، فنصب على أنّه مفعول له.(عالة) أي محتاجين.(مدحوراً): مطروداً.و«تلبيب الثوب»: جُرُبّانه.(1)(أجمع) قيل: تأكيد، وقيل: أمر من جمع كمنع. وقال برهان الفضلاء: مصدر على الاستفهام الإنكاري، أي أمجموع هذا؟(مع ما كان بالأمس منك) من الاُمور الشنيعة.(قم يا أبا الحسن حسبي ما لعنني أبوك) أي بقوله، أو لأنّه حالَ بينه وبين أمره وهو أوقفه عليه السلام للمرافعة، فحالَ بينه وبين اختياره. وقال بعض المعاصرين: لمّا رأى القاضي في أعلى الكتاب أنّه لعن من فضّه خاف على نفسه أن يلجئوه إلى الفضّ.(2)(فزجرها إسحاق بن جعفر) للتقيّة، فإنّ العلم بالغيب بإذن اللَّه تعالى من أمارات الإمامة.(إلى الضعف) يعني ضعف الرأي.(إنّما حملكم) يحتمل كسرة الهمزة فالمفعول محذوف، أي أعلم حالكم.(فتعيّن) من العينَة بالكسر، وهو اسم لتجارة مركّبة من عقدين، مثل أن يشترى نسيئة ويُباع نقداً بأقلّ ممّا يشترى به، عيّنه فتعيّن: باعه نسيئة بكذا فتقبّل ليبيع نقداً بكذا، فالبايع معيّن من التفعيل، والمتقبّل متعيّن من التفعّل.

.


1- .الجُرُبّان» بالضمّ وتشديد الباء: جيب القميص، والألف والنون زائدتان. النهاية، ج 1، ص 253 (جرب).
2- .الوافي، ج 2، ص 372، ذيل ح 845.

ص: 507

في بعض النسخ بعد قوله: (ثمّ أقض عنهم): «واقبض زكاة حقوقهم، وخذ لهم البراءة».(1)(وقد سيّبته) بالمهملة والمفردة من التفعيل، من السيب بالفتح، بمعنى العطاء، وفي بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «شتّته» من التشتيت، بمعنى التفريق.كان (صفوان بن يحيى) وكيلاً للرضا عليه السلام. و(السابري) بضمّ المفردة: ضرب من الثياب الرقاق، في النسبة إلى سابور قرية بفارس.(لأغصّصنّه بريقه) من التفعيل، أي بأخذ الأموال من يده بعد الإثبات بحجّة البيّنة أو الحلف المُلجِأة لكما إلى أداء الحقوق.(أعني باُمورهم) على افعل التفضيل، أي أهمّ بها. وقال برهان الفضلاء: «أعنى» من العناية، فإمّا على المجهول من عنى كضرب، أو على المعلوم من عني كعلم، عناه: جعله ذا اهتمام في كذا، عنى هو كعلم: صار ذا اهتمام في أمر كذا.«جزاه» كرمى.(فخيراً) نصب بفعل مقدّر، أي فأجزني خيراً.و«المسحاة» بالفارسيّة: بيل.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ سِنَانٍ (2) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدَمَ الْعِرَاقَ بِسَنَةٍ وَ عَلِيٌّ ابْنُهُ جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «يَا مُحَمَّدُ ، أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هذِهِ السَّنَةِ حَرَكَةٌ ، فَلَا تَجْزَعْ لِذلِكَ».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا يَكُونُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؛ فَقَدْ أَقْلَقَنِي مَا ذَكَرْتَ ؟ فَقَالَ : «أَصِيرُ إِلَى الطَّاغِيَةِ ، أَمَا

.


1- .ذكر المصنّف سابقاً هذه الزيادة في المتن.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عليّ وعبيد اللَّه بن المرزبان، عن ابن سنان».

ص: 508

إِنَّهُ لَا يَبْدَأُنِي مِنْهُ سُوءٌ وَ مِنَ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ (1)».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا يَكُونُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ، وَ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَا ذَاكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «مَنْ ظَلَمَ ابْنِي هذَا حَقَّهُ ، وَ جَحَدَهُ (2) إِمَامَتَهُ مِنْ بَعْدِي ، كَانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَقَّهُ ، وَ جَحَدَهُ إِمَامَتَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله».قَالَ : قُلْتُ : وَ اللَّهِ ، لَئِنْ مَدَّ اللَّهُ لِي فِي الْعُمُرِ ، لَأُسَلِّمَنَّ لَهُ حَقَّهُ ، وَ لَأُقِرَّنَّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ ، قَالَ : «صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ، يَمُدُّ اللَّهُ فِي عُمُرِكَ ، وَ تُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ ، وَ تُقِرُّ لَهُ بِإِمَامَتِهِ وَ إِمَامَةِ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ».قَالَ : قُلْتُ : وَ مَنْ ذَاكَ ؟ قَالَ : «مُحَمَّدٌ ابْنُهُ». قَالَ : قُلْتُ لَهُ : الرِّضَا وَ التَّسْلِيمُ .

هديّة:(أصير) من الأفعال الناقصة، أي أنتقل.والتاء في (الطاغية) للمبالغة، يعني الهادي، وهو أخو هارون، وهما ابنا مهدي بن منصور الدوانيقي من بني العبّاس.وقرأ برهان الفضلاء: «لا يبدأ بي» على المجهول من الإبداء، كالإظهار لفظاً ومعنىً، أي لا يظهر بشخصي أو بسببي.وليس في إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه الواو في (ومن الذي يكون بعده). والمعنى على النسختين: بل من الذي يكون بعد الهادي، يعني هارون أخاه.(من ظلم ابني هذا حقّه) منهم الواقفة بعد المأمون ومن تبعه وقبلهم.(له الرضا والتسليم) أي لمحمّد وإمامته عليه السلام.

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 252، وفيه هكذا: «أما إنّه لا ينداني منه سوء ولا من الذي يكون من بعده».
2- .في الكافي المطبوع: «جحد».

ص: 509

الباب الثالث والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي جعفر الثاني عليه السلام

الباب الثالث والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي أربعة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلِ (1)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام جَالِساً ، فَلَمَّا نَهَضُوا قَالَ لَهُمُ : «الْقَوْا أَبَا جَعْفَرٍ ، فَسَلِّمُوا عَلَيْهِ وَ أَحْدِثُوا بِهِ عَهْداً» فَلَمَّا نَهَضَ الْقَوْمُ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُفَضَّلَ ؛ إِنَّمَا كَانَ يَقْنَعُ (2) بِدُونِ هذَا» .

هديّة:(فلمّا نهضوا) بتقدير القول، أي قال فلمّا نهضوا، أي القوم.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللَّه تعالى - : «أنّه» مكان (إنّما)، «ليقنع» مكان (يقنع).(بدون هذا) أي هذا الإيماء. قيل: لعلّ ذلك لمعرفته من أحاديثهم عليهم السلام بأمارات الإمامة وخصائصها، ولعلّ المفضّل هو ذلك الجالس.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد».
2- .في الكافي المطبوع: «إنّه كان ليقنع» بدل «إنّما كان يقنع».

ص: 510

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ(1) ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام - وَ ذُكِّرَ شَيْئاً - فَقَالَ : «مَا حَاجَتُكُمْ (2) إِلى ذلِكَ ؟ هذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي ، وَ صَيَّرْتُهُ مَكَانِي».وَ قَالَ : «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ يَتَوَارَثُ أَصَاغِرُنَا عَنْ أَكَابِرِنَا الْقُذَّةَ بِالْقُذَّةِ» .

هديّة:(وذُكّر) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل.(شيئاً) أي من أمر الإمامة وما يتعلّق به، كأنّهم استفهموا هل يرث الإمام بعد الحسن والحسين عليهما السلام غير ولده إذا فقد؟و(القذّة) بضمّ القاف وتشديد المعجمة: ريش السهم، نصب بنزع الخافض، أي كالقذّة، يعني أشباه وأمثال كشباهة رياش السهم. قال ابن الأثير في نهايته: يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان.(3)

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ أَبِيهِ (4) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، فَنَاظَرَنِي فِي أَشْيَاءَ ، ثُمَّ قَالَ لِي : «يَا أَبَا عَلِيٍّ ، ارْتَفَعَ الشَّكُ ، مَا لِأَبِي عليه السلام غَيْرِي» .

هديّة:(في أشياء) أي من أمر الإمامة، كالمناظرة في آية اُولي الأرحام في سورة الأحزاب،(5) وهي نصّ بالنصّ في أنّها بعد الحسين عليه السلام إنّما هي في الأعقاب.(ارتفع الشكّ) أي في إمامتي لثبوت الإمامة بعد الحسين عليه السلام في الأولاد، وليس لأبي عليه السلام ولد غيري، يعني وصيّ وخليفة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد».
2- .في «د»: «صاحبكم».
3- .النهاية، ج 4، ص 28 (قذذ).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبيه محمّد بن عيسى».
5- .الأحزاب (33): 6.

ص: 511

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيى (1) ، عَنْ مَالِكَ بْنِ أَشْيَمَ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَشَّارٍ ، قَالَ : كَتَبَ ابْنُ قِيَامَا إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام كِتَاباً يَقُولُ فِيهِ : كَيْفَ تَكُونُ إِمَاماً وَ لَيْسَ لَكَ وَلَدٌ ؟! فَأَجَابَهُ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام شِبْهَ الْمُغْضَبِ - : «وَ مَا عَلَّمَكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِي وَلَدٌ ؟ وَ اللَّهِ ، لَا تَمْضِي الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتّى يَرْزُقَنِيَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - وَلَداً ذَكَراً يَفْرُقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ» .

هديّة:(قياما) بالكسر، وكذا «قواماً» من الأسماء المستعملة في العجميّة، والحسين بن قياما من الواقفة.ولعلّ السؤال بالكتاب في المجلس؛ لمكان: (فأجابه أبو الحسن عليه السلام شبه المُغضب).وغرض السائل الواقفي - القائل بأنّ المهدي هو الكاظم عليه السلام وهو حيّ غائب - أنّك لا تدّعي أنّك مهديّ، فكيف تكون إماماً وقد ثبت بالنصّ والإجماع أنّ الإمام يلزم أن يكون له ولد في حياته صامت إلّا أن يكون مهديّ هذه الاُمّة.(يفرّق به بين الحقّ والباطل) على المعلوم من باب نصر، أو خلافه منه، أو من التفعيل. والأخير على الوجهين أولى؛ لإفادة المبالغة.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ البزنطي (2)، قَالَ : قَالَ لِيَ ابْنُ النَّجَاشِيِّ : مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَ صَاحِبِكَ ؛ فَأَشْتَهِي أَنْ تَسْأَلَهُ حَتّى أَعْلَمَ ؟ فَدَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا عليه السلام ، فَأَخْبَرْتُهُ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «الْإِمَامُ ابْنِي». ثُمَّ قَالَ : «هَلْ يَتَجَرِئُ (3)أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ : ابْنِي وَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ؟» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن يحيى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «بعض أصحابنا، عن محمّد بن عليّ، عن معاوية بن حكيم، عن ابن أبي نصر».
3- .في حاشية «الف» و «د» والكافي المطبوع: «يتجرّأ».

ص: 512

هديّة:«جرّأته على كذا» من التفعيل، فاجترأ وتجرّأ أيضاً من الافتعال والتفعيل.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ(1) ، قَالَ : ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام شَيْئاً بَعْدَ مَا وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «مَا حَاجَتُكُمْ إِلى ذلِكَ ؟ هذَا أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ أَجْلَسْتُهُ مَجْلِسِي ، وَ صَيَّرْتُهُ فِي مَكَانِي» .

هديّة:بيانه كالحديث الثاني.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ (2) ، عَنِ ابْنِ قِيَامَا الْوَاسِطِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسى عليهما السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : أَ يَكُونُ إِمَامَانِ ؟ قَالَ : «لَا ، إِلَّا وَ أَحَدُهُمَا صَامِتٌ». فَقُلْتُ لَهُ : هُوَ ذَا أَنْتَ ، لَيْسَ لَكَ صَامِتٌ - وَ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام بَعْدُ - فَقَالَ لِي : «وَ اللَّهِ ، لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ مِنِّي مَا يُثْبِتُ بِهِ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ ، وَ يَمْحَقُ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَهْلَهُ». فَوُلِدَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ كَانَ ابْنُ قِيَامَا وَاقِفِيّاً .

هديّة:بيانه كالحديث الرابع، وكان كلام ثقة الإسلام أو أحد من رواة السند.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ (3) ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام جَالِساً ، فَدَعَا بِابْنِهِ وَ هُوَ صَغِيرٌ ، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِي ، فَقَالَ لِي : «جَرِّدْهُ ، وَ انْزِعْ قَمِيصَهُ». فَنَزَعْتُهُ ،

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن معمّر بن خلّاد».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد، عن محمّد بن عليّ».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن بن الجهم».

ص: 513

فَقَالَ لِيَ : «انْظُرْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا فِي أَحَدِ كَتِفَيْهِ شَبِيهٌ بِالْخَاتَمِ ، دَاخِلٌ فِي اللَّحْمِ ، ثُمَّ قَالَ : «أَ تَرى هذَا ؟ كَانَ مِثْلُهُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَبِي عليه السلام» .

هديّة:لا بأس باحتمال أن يكون المراد بالأب هنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله؛ لاشتهار ذلك فيه صلى اللَّه عليه وآله.

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي يَحْيَى الصَّنْعَانِيِ (1) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَجِي ءَ بِابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ صَغِيرٌ ، فَقَالَ : «هذَا(2) الْمَوْلُودُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلى شِيعَتِنَا مِنْهُ» .

هديّة:«صنعاء» بالفتح والمدّ: اسم قصبة اليمن، زيدت النون في النسبة على غير قياس، كما في «حرناني» في النسبة إلى حرّان.قيل: كان من جملة بركته عليه السلام خلاص الشيعة من طعن الواقفة وغيرهم من المعاندين أنّ الإمام لابدّ له من صامت في حياته.أقول: قد جعلت من جملة أورادي في أيّامي: «إنّي اليوم - وهو يوم السبت مثلاً - في حفظ حصن القرآن، والغد في حفظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ في حفظ أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه، ثمّ فاطمة عليها السلام، ثمّ الأئمّة عليهم السلام إلى صاحب هذا العصر والزمان صلوات اللَّه عليه، ثمّ في حفظ قنبر أمير المؤمنين عليه السلام» وكان يعود هذا الورد في كلّ ستّة عشر يوماً، فواللَّه في كلّ يوم الجواد عليه السلام أبى اللَّه إلّا أن يوسّع في رزقي ونفقتي، ويوفّق لي في الإنفاق والسخاء، وهكذا في كلّ الخمسة(3) عشر، كلّ يوم سنح أمر مناسب بيّن لخصلة مشهورة

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه، عن محمّد بن عليّ، عن أبي يحيى الصنعاني».
2- .في «د»: + «هو».
3- .في «د»: «الأربعة».

ص: 514

من خصال صاحبه، وكان ذلك وأنا ابن عشرين إلى الآن وعمري داخل في العشر السادس، ويتجاوز إن شاء اللَّه تعالى - كما دعوت في المستجار والمشاهد المقدّسة واستُجيب حقّاً - عن المائة ببركتهم عليهم السلام.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ ابن عيسى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام : قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَكُنْتَ تَقُولُ : «يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلَاماً» فَقَدْ وَهَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، فَأَقَرَّ عُيُونَنَا ، فَلَا أَرَانَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَكَ ، فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ ، فَإِلى مَنْ ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ هُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ ؟ فَقَالَ : «وَ مَا يَضُرُّهُ مِنْ ذلِكَ ، فَقَدْ قَامَ عِيسى عليه السلام بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلَاثِ سِنِينَ» .

هديّة:أي لا يضرّ سِنُّه حجّيتَه مع الصمت، وأمّا الحجّة الناطق فلا يكون بعد الحسنين عليهما السلام في أقلّ من خمس سنين، كما في حديث زياد بن أبي الحلال، وفي آخره: «ولا يكون لسواهما في أقلّ من خمس سنين»(2) فلا إشكال.وكان الجواد عليه السلام حجّةً ناطقاً بعد الخمس، وهو ابن ستّ سنين في قولٍ، وابن سبع سنين بزيادة خمسة أشهر على الأصحّ، كما يستفاد من الأخبار في أبواب التاريخ، وهو المشهور. وقيل: بعد الستّ، وهو ابن سبع سنين.والمراد من التمثيل بعيسى عليه السلام أنّ اللَّه تعالى حكى عنه في سورة مريم أنّه قال: «إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ»(3)، يعني علم التوراة وجميع الأحكام، فإذا كان كذلك في أوائل الولادة، ففي ثلاث سنين بطريق أولى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان بن يحيى».
2- .الفقيه، ج 4، ص 237، ح 5566؛ وعنه في وسائل الشيعة، ج 19، ص 376، ح 24796.
3- .مريم (19): 30.

ص: 515

وفي حديث يزيد الكناسي أنّ عيسى عليه السلام كان حجّة صامتاً حتّى بلغ سبع سنين، وحجّة على الخصوص قبل ذلك، وناطقاً على العموم بعد ذلك.(1)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ(2) ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ لِلرِّضَا عليه السلام : إِنَّ ابْنِي فِي لِسَانِهِ ثِقْلٌ ، فَأَنَا أَبْعَثُ بِهِ إِلَيْكَ غَداً تَمْسَحُ عَلى رَأْسِهِ وَ تَدْعُو لَهُ ؛ فَإِنَّهُ مَوْلَاكَ ، فَقَالَ عليه السلام : «هُوَ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ ؛ فَابْعَثْ بِهِ غَداً إِلَيْهِ» .

هديّة:نصّ في المقصود وإخبار ببقاء الابن، وكونه مسطوراً باسمه في صحيفة أسماء الشيعة، وأنّ الحجّة الصامت لا يخلو عن دلائل الإمامة.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمَّارٍ(3) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ جَالِساً بِالْمَدِينَةِ ، وَ كُنْتُ أَقَمْتُ عِنْدَهُ سِنِيِنَ (4) أَكْتُبُ عَنْهُ مَا يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ - يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام - إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا عليهما السلام الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ بِلَا حِذَاءٍ وَ رِدَاءٍ(5) ، فَقَبَّلَ يَدَهُ ، وَ عَظَّمَهُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا عَمِّ ، اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ» . فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، كَيْفَ أَجْلِسُ وَ أَنْتَ قَائِمٌ ؟!فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِلى مَجْلِسِهِ ، جَعَلَ أَصْحَابُهُ يُوَبِّخُونَهُ ، وَ يَقُولُونَ : أَنْتَ عَمُّ أَبِيهِ وَ أَنْتَ تَفْعَلُ بِهِ هذَا الْفِعْلَ ؟ فَقَالَ : اسْكُتُوا ، إِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالى - وَ قَبَضَ عَلى لِحْيَتِهِ - لَمْ يُؤَهِّلْ هذِهِ

.


1- .الكافي، ج 1، ص 382، باب حالات الأئمّة في السنّ، ح 1.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن محمّد بن خلّاد الصيقل، عن محمّد بن الحسن بن عمّار».
4- .في الكافي المطبوع: «سنتين».
5- .في الكافي المطبوع: «ولا رداء».

ص: 516

الشَّيْبَةَ ، وَ أَهَّلَ هذَا الْفَتى ، فَوَضَعَهُ (1) حَيْثُ وَضَعَهُ ، أُنْكِرُ فَضْلَهُ؟ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّا تَقُولُونَ ، بَلْ أَنَا لَهُ عَبْدٌ .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «سنتين» على التثنية مكان (سنين) على الجمع.(ما يسمع) أي ما كان يسمع. وقرأ برهان الفضلاء: «يسمّع» على المعلوم من التفعيل، أي يسمّع تلامذته ما سمع من أخيه عليه السلام.(وقبض على لحيته) معترضة. و(الشيبة) بالفتح: بياض الشعر، والمراد هنا الشعر الأبيض، المراد به صاحبه.(أنكر) بتقدير حرف الاستفهام.والبارز في (وضعه) للأمر.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنِ الْخَيْرَانِيِ (2) ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِخُرَاسَانَ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : يَا سَيِّدِي ، إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلى مَنْ ؟ قَالَ : «إِلى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي» فَكَأَنَّ الْقَائِلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - بَعَثَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عليها السلام رَسُولاً نَبِيّاً ، صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ، فِي أَصْغَرَ مِنَ السِّنِّ الَّذِي فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام» .

هديّة:(الخيراني) نسبة إلى أبيه: خيران الخادم القزويني الزاكاني القراطيسي نسبة إلى القراطيس التي كتب نسخة الرسالة فيها، وسيذكر في الباب التالي إن شاء اللَّه تعالى.(رسولاً نبيّاً) أي صاحب الرسالة بعد النبوّة، وقد ورد كما في حديث يزيد الكناسي

.


1- .في الكافي المطبوع: «و وضعه».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد، عن الخيراني».

ص: 517

أنّ عيسى عليه السلام كان حجّة صامتاً حتّى بلغ سبع سنين، فصار رسولاً وهو ابن سبع سنين،(1) وهذا الخبر من شواهد ما هو الأصحّ في سنّ إمامة الجواد عليه السلام من كونه عليه السلام حجّة وهو ابن سبع سنين بزيادة خمسة، وقد ذكر آنفاً.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ، عَنْ أَبِيهِ، والْقَاسَانِيِّ جَمِيعاً ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ المِصْرِي (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ، فَقَالَ : وَ اللَّهِ ، لَقَدْ نَصَرَ اللَّهُ تَعَالى أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : إِي وَ اللَّهِ ، جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَقَدْ بَغى عَلَيْهِ إِخْوَتُهُ ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ : إِي وَ اللَّهِ ، وَ نَحْنُ عُمُومَتُهُ بَغَيْنَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَيْفَ صَنَعْتُمْ ، فَإِنِّي لَمْ أَحْضُرْكُمْ ؟ قَالَ : قَالَ (3) لَهُ إِخْوَتُهُ وَ نَحْنُ أَيْضاً : مَا كَانَ فِينَا إِمَامٌ قَطُّ حَائِلَ اللَّوْنِ ، فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا عليه السلام : «هُوَ ابْنِي». قَالُوا : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله قَدْ قَضى بِالْقَافَةِ ، فَبَيْنَنَا وَ بَيْنَكَ الْقَافَةُ ، قَالَ : «ابْعَثُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِمْ ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا ، وَ لَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ ، وَ لْتَكُونُوا فِي بُيُوتِكُمْ».فَلَمَّا جَاؤُوا أَقْعَدُونَا فِي الْبُسْتَانِ ، وَ اصْطَفَّ عُمُومَتُهُ وَ إِخْوَتُهُ وَ أَخَوَاتُهُ ، وَ أَخَذُوا الرِّضَا عليه السلام وَ أَلْبَسُوهُ جُبَّةَ صُوفٍ وَ قَلَنْسُوَةً مِنْهَا ، وَ وَضَعُوا عَلى عُنُقِهِ مِسْحَاةً ، وَ قَالُوا لَهُ : ادْخُلِ الْبُسْتَانَ كَأَنَّكَ تَعْمَلُ فِيهِ ، ثُمَّ جَاؤُوا بِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالُوا : أَلْحِقُوا هذَا الْغُلَامَ بِأَبِيهِ ، فَقَالُوا : لَيْسَ لَهُ هَاهُنَا أَبٌ ، وَ لكِنَّ هذَا عَمُّ أَبِيهِ (4) ، وَ هذَا عَمُّ أَبِيهِ ، وَ هذَا عَمُّهُ ، وَ هذِهِ عَمَّتُهُ ، وَ إِنْ يَكُنْ أَبٌ لَهُ هَاهُنَا(5) ، فَهُوَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ ؛ فَإِنَّ قَدَمَيْهِ وَ قَدَمَيْهِ وَاحِدَةٌ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالُوا : هذَا أَبُوهُ .

.


1- .الكافي، ج 1، ص 382، باب حالات الأئمّة عليهم السلام في السنّ، ح 1.
2- .في الكافي المطبوع: «الصيرفي». ولم نعرف الرجل.
3- .في «د»: «فقال».
4- .في «د»: - «وهذا عمّ أبيه».
5- .في الكافي المطبوع: «هاهنا أب» بدل «أب هاهنا».

ص: 518

قَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ : فَقُمْتُ فَمَصَصْتُ رِيقَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، فَبَكَى الرِّضَا عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ : «يَا عَمِّ ، أَ لَمْ تَسْمَعْ أَبِي عليه السلام وَ هُوَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : يَأَتِي (1) ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ ، ابْنُ النُّوبِيَّةِ الطَّيِّبَةِ الْفَمِ ، الْمُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ ، وَيْلَهُمْ لَعَنَ اللَّهُ الْأُعَيْبِسَ وَ ذُرِّيَّتَهُ صَاحِبَ الْفِتْنَةِ ، وَ يَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وَ شُهُوراً وَ أَيَّاماً ، يَسُومُهُمْ خَسْفاً ، وَ يَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصْبَرَةً ، وَ هُوَ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ ، الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَ جَدِّهِ ، صَاحِبُ الْغَيْبَةِ ، يُقَالُ : مَاتَ أَوْ هَلَكَ ، أَيَّ وَادٍ سَلَكَ ، أَ فَيَكُونُ هذَا يَا عَمِّ إِلَّا مِنِّي ؟» . فَقُلْتُ : صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ .

هديّة:(بغى عليه) كرمى: ظَلَمَه.«الحائل»: المتغيّر اللون، وللذي لونه يميل إلى الخضرة، ويعني هنا أنّ لونه غير لون آبائه عليهم السلام، قيل: فكأنّ لون أبي جعفر عليه السلام كان شديد الخضرة؛ لمكان اُمّه وهي نوبيّة من الحبش، بضمّ النون وكسر المفردة.و«القافة»: جمع القائف، وهو الذي يحكم بالنسب من الآثار والأشباه. قال ابن الأثير: القائف الذي يتبع ويعرف شبه الرّجل بأخيه وأبيه، والجمع: القافة، فلان يقوف الأثر، ويقتافه قيافة، مثل قفا الأثر واقتفاه.(2)والحكم بعلم القيافة حجّة عند الشافعيّة، وسيذكر وجه قضائه صلى اللَّه عليه وآله بذلك في إلحاق اُسامة بن زيد بأبيه.قرأ برهان الفضلاء: «فإنّ قدمته»، و«قدمته» واحدة على المصدر كالجلسة بالكسر للنوع، يعني نوعاً من القدوم والتخطّي.(يأتي ابن خيرة الإماء) يعني المهدي صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه وكانت اُمّه بنت قيصر بلا واسطة واُمّ أبي جعفر عليه السلام نوبيّة من نسل مارية القطبيّة جارية رسول

.


1- .في الكافي المطبوع: «بأبي».
2- .النهاية، ج 4، ص 121 (قوف).

ص: 519

اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فانتسب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله القائم عليه السلام إلى جدّته اُمّ أبي جعفر الثاني عليه السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «بأبي» على التفدية مكان «يأتي»، وأحسن. وهو لما ضبط في إرشاد المفيد(1) مطابق.(منتجبة) على اسم المفعول من الافتعال، ويُقال: امرأة منتجبة على اسم الفاعل من الإفعال. ومنجاب كمحراب: تلد النجباء.والضمير في (ويلهم) لبني العبّاس. وقرأ برهان الفضلاء: «ويُلْهَمُ لعن اللَّه الأعبس وذرّيّته صاحب الفتنة ويقتلهم على المضارع المجهول من الإلهام، والواو للابتداء، وذكر نسخة: «الأعيبس» على التصغير، ونسخة: «يقتلهم» بدون الواو الابتدائيّة. وقال:والمراد إمّا العبّاس أو عبداللَّه ابنه - وزنادقة العبّاسيّة من نسله - أو المعتمد من بني العبّاس، والغيبة الصغرى في زمانه، ثمّ: «قال صاحب الفتنة» على الرفع مفعول «يلهم» مقام الفاعل، قال: يعني يلهم صاحب الفتنة البيّنة مثل هلاكو بتعليم علماء زمانه كالمحقّق الطوسي نصير الملّة والدِّين قدّس سرّه أنّ الأعبس وذرّيته ملعونون، وكان استيصال بني العبّاس وانقراض دولتهم في دولة هلاكو وطغيانه، ثمّ قال: «ويقتلهم» عطف على «يلهم»، أي ويقتل ذلك المفتّن ذرّية الأعبس حتّى يستأصلهم ويلزمهم الخسف والذلّة، ويسقيهم كأس الهلاك مملوّة «مصبرة» على اسم المفعول من الإصبار، أصبر فلان الكأس: ملأها إلى رأسها، وأصبار الجام على الجمع: جوانبها. وقتل المستعصم بأمر هلاكو بعد شدّ حبلٍ على خصيته وجرّه على الأرض في تحت أقدام الأتراك ذليلاً مدحوراً جدّاً، وهو أخير خلفاء العبّاسيّة، قال: والواو في «وهو الطريد» - أي ابن خيرة الإماء - حاليّة، وعاملها «يسومهم» و«يسقيهم». و«الموتور» أي المظلوم جدّاً بسبب حقدهم مع أبيه وجدّه.وقال بعض المعاصرين:و«الأعيبس» تصغير الأعبس، يعني المهدي العبّاسي، قال: وقيل: كناية عن العبّاس لاشتراكهما في معنى كثرة العبوس، والمستتر والبارز في تقتلهم بالفوقانيّة للذرّية

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 275.

ص: 520

والنجباء، أو المستتر لابن خيرة الإماء والبارز للذرّية فبالتحتانيّة فإشارة إلى ما يكون بعد ظهوره عليه السلام. «يسومهم خسفاً» يكلّفهم نقيصة أو ذهاباً في الأرض، وبالجملة كناية عن الإبادة والهلاك.(1)وقرئ مصبرة على اسم الفاعل من الإفعال، أي مهلكة.(وهو الطريد) أي ابن خيرة الإماء. وفي كشف الغمّة: إنّ ابن خيرة الإماء النوبيّة الجواد عليه السلام، والطريد صاحب الزمان عليه السلام.(2) وقال الفاضل الاسترآبادي: ومقتضى الأصل أنّ المراد بكليهما صاحب الأمر عليه السلام.(3)(الموتور بأبيه وجدّه) أي المجعول وتراً بلا أب وجدّ، (صاحب الغيبة) يعني مرّتين صغرى وكبرى، واللَّه أعلم وهو علّام الغيوب.

.


1- .الوافي، ج 2، ص 380، ذيل ح 864.
2- .لم نعثر عليه.
3- .المذكور في الحاشية على اُصول الكافي، ص 159 هكذا: «قوله: بأبي ابن خيرة الإماء، أي الجواد عليه السلام».

ص: 521

الباب الرابع والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي الحسن الثّالث الهادي عليه السلام

الباب الرابع والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ الهَادِي عليه السلام وفيه حديثان كما في الكافي، وعلى نسخة الصفواني ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، قَالَ : لَمَّا خَرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام مِنَ الْمَدِينَةِ إِلى بَغْدَادَ فِي الدَّفْعَةِ الْأُولى مِنْ خَرْجَتَيْهِ ، قُلْتُ لَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ فِي هذَا الْوَجْهِ ، فَإِلى مَنِ الْأَمْرُ بَعْدَكَ ؟ فَكَرَّ بِوَجْهِهِ إِلَيَّ ضَاحِكاً ، وَ قَالَ : «لَيْسَ الْغَيْبَةُ حَيْثُ ظَنَنْتَ فِي هذِهِ السَّنَةِ».فَلَمَّا أُخْرِجَ بِهِ الثَّانِيَةَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ ، صِرْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَنْتَ خَارِجٌ ، فَإِلى مَنْ هذَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ ؟ فَبَكى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ ، فَقَالَ : «عِنْدَ هذِهِ يُخَافُ عَلَيَّ ، الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِي إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ» .

هديّة:«كرّ» كفرّ: عطف.والباء في (به) للتقوية، فتدلّ على العنف والتعدّي.واسم (المعتصم) بكسر الصاد محمّد، وكنيته أبو إسحاق، صار خليفة بعد أخيه المأمون بلا واسطة، وهو غير محمّد الملقّب بالأمين من زبيدة امرأة هارون.(اخضلّت) بالمعجمتين: ابتلّت.

.

ص: 522

الحديث الثاني روى في الكافي عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْخَيْرَانِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ يَلْزَمُ بَابَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام لِلْخِدْمَةِ الَّتِي كَانَ وُكِّلَ بِهَا ، وَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى يَجِي ءُ فِي السَّحَرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِيَعْرِفَ خَبَرَ عِلَّةِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَ كَانَ الرَّسُولُ - الَّذِي يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام وَ بَيْنَ أَبِي - إِذَا حَضَرَ ، قَامَ أَحْمَدُ وَ خَلَا بِهِ أَبِي ، فَخَرَجَ (1)ذَاتَ لَيْلَةٍ ، وَ قَامَ أَحْمَدُ عَنِ الْمَجْلِسِ وَ خَلَا أَبِي بِالرَّسُولِ ، وَ اسْتَدَارَ أَحْمَدُ ، فَوَقَفَ حَيْثُ يَسْمَعُ الْكَلَامَ ، فَقَالَ الرَّسُولُ لِأَبِي : إِنَّ مَوْلَاكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ ، وَ يَقُولُ لَكَ : «إِنِّي مَاضٍ وَ الْأَمْرُ صَائِرٌ إِلَى ابْنِي عَلِيٍّ ، وَ لَهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَبِي عليه السلام» ثُمَّ مَضَى الرَّسُولُ وَ رَجَعَ أَحْمَدُ إِلى مَوْضِعِهِ ، وَ قَالَ لِأَبِي : مَا الَّذِي قَدْ قَالَ لَكَ ؟ قَالَ : خَيْراً . قَالَ : قَدْ سَمِعْتُ مَا قَالَ فَلِمَ تَكْتُمُهُ ؟ وَ أَعَادَ مَا سَمِعَ ، فَقَالَ لَهُ أَبِي : قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَا فَعَلْتَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالى يَقُولُ : «وَ لا تَجَسَّسُوا» فَاحْفَظِ الشَّهَادَةَ ، لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ إِلَيْهَا يَوْماً مَا ، وَ إِيَّاكَ أَنْ تُظْهِرَهَا إِلى وَقْتِهَا .فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبِي ، كَتَبَ نُسْخَةَ الرِّسَالَةِ فِي عَشْرِ رِقَاعٍ ، وَ خَتَمَهَا ، وَ دَفَعَهَا إِلى عَشْرَةٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِصَابَةِ ، وَ قَالَ : إِنْ حَدَثَ بِي حَدَثُ الْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ أُطَالِبَكُمْ بِهَا ، فَافْتَحُوهَا ، وَ اعْمَلُوا بِمَا فِيهَا ، فَلَمَّا مَضى أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ، ذَكَرَ أَبِي أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتّى قَطَعَ عَلى يَدَيْهِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ إِنْسَانٍ ، وَ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْعِصَابَةِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ يَتَفَاوَضُونَ هذَا الْأَمْرَ ، فَكَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ إِلى أَبِي يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَهُ ، وَ أَنَّهُ لَوْ لَا مَخَافَةُ الشُّهْرَةِ ، لَصَارَ مَعَهُمْ إِلَيْهِ ، وَ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ ، فَرَكِبَ أَبِي وَ صَارَ إِلَيْهِ ، فَوَجَدَ الْقَوْمَ مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ ، فَقَالُوا لِأَبِي : مَا تَقُولُ فِي هذَا الْأَمْرِ ؟ فَقَالَ أَبِي لِمَنْ عِنْدَهُ الرِّقَاعُ : أَحْضِرُوا الرِّقَاعَ ، فَأَحْضَرُوهَا ، فَقَالَ لَهُمْ : هذَا مَا أُمِرْتُ بِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ كُنَّا نُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ فِي هذَا الْأَمْرِ شَاهِدٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ أَتَاكُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِهِ ، هذَا أَبُو جَعْفَرٍ الْأَشْعَرِيُّ يَشْهَدُ لِي بِسَمَاعِ هذِهِ الرِّسَالَةِ ، وَ سَأَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عِنْدَهُ ، فَأَنْكَرَ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ هذَا شَيْئاً ، فَدَعَاهُ أَبِي

.


1- .في الكافي المطبوع: «فخرجت».

ص: 523

إِلَى الْمُبَاهَلَةِ ، فَقَالَ : لَمَّا حَقَّقَ عَلَيْهِ ، قَالَ : قَدْ سَمِعْتُ ذلِكَ ، وَ هذِهِ مَكْرُمَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ ، لَا لِرَجُلٍ مِنَ الْعَجَمِ ، فَلَمْ يَبْرَحِ الْقَوْمُ حَتّى قَالُوا بِالْحَقِّ جَمِيعاً .

الحديث الثالث وَ فِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ : أبي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ ، عَنْ العبيدي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَاسِطِيِ (1) : سَمِعَ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ - مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ - يَحْكِي أَنَّهُ أَشْهَدَهُ عَلى هذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمَنْسُوخَةِ :شَهِدَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ مَوْلى أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَات اللَّهِ عَلَيهِمْ أَشْهَدَهُ أَنَّهُ أَوْصى إِلى عَلِيٍّ ابْنِهِ بِنَفْسِهِ وَ أَخَوَاتِهِ ، وَ جَعَلَ أَمْرَ مُوسى - إِذَا بَلَغَ - إِلَيْهِ ، وَ جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُسَاوِرِ قَائِماً عَلى تَرِكَتِهِ مِنَ الضِّيَاعِ وَ الْأَمْوَالِ وَ النَّفَقَاتِ وَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذلِكَ إِلى أَنْ يَبْلُغَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، صَيَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَاوِرِ ذلِكَ (2) إِلَيْهِ ، يَقُومُ بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَ أَخَوَاتِهِ ، وَ يُصَيِّرُ أَمْرَ مُوسى إِلَيْهِ ، يَقُومُ لِنَفْسِهِ بَعْدَهُمَا عَلى شَرْطِ أَبِيهِمَا فِي صَدَقَاتِهِ الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا ، وَ ذلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ ، وَ كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ .وَ شَهِدَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهم السلام وَ هُوَ الْجَوَّانِيُّ - عَلى مِثْلِ شَهَادَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فِي صَدْرِ هذَا الْكِتَابِ (3) ، وَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِيَدِهِ . وَ شَهِدَ نَصْرٌ الْخَادِمُ ، وَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ بِيَدِهِ .

هديّة:(الخيراني) بفتح المعجمة وسكون الخاتمة: نسبة إلى أبيه خيران الخادم القزويني

.


1- .في الكافي المطبوع: + «إنّه».
2- .في الكافي المطبوع: + «اليوم».
3- .في «د»: + «وكتب في صدر هذا الكتاب».

ص: 524

الزاكاني القراطيسي، و«زاكان» بالمعجمة: محلّة بقزوين، وبالمهملة: قرية من قرى قزوين، و«القراطيس»: جمع القرطاس والقراطيسي - كما صرّح به برهان الفضلاء - : نسبة إلى القراطيس التي كتب نسخة الرسالة فيها على ما هو المذكور في هذا الحديث.في إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه (1): «كنت ألزم» مكان (كان يلزم)، وضمير «كان» و«يلزم» لأبيه.(ليعرف) على المعلوم من باب ضرب، أو على المصدر من التفعّل.و(العصابة) بالكسر: الجماعة، ولا يستعملها أصحابنا إلّا في الجماعة الإماميّة.(حتّى قطع على يديه) يعني لم يخرج نعش أبي جعفر الثاني عليه السلام من منزله حتّى قطع بإمامة عليّ بن محمّد عليهما السلام على يدي أبيه، يعني بسببه وإخباره نحو من أربعمائة نفر من العصابة.(يتفاوضون): يتكلّمون. قال ابن الأثير في نهايته: المفاوضة: المساواة والمشاركة، مفاعلة من التفويض وكذا التفاوض؛ لأنّ كلّ واحد من الشريكين يفوّض ما عنده إلى صاحبه.(2)(وهذه مكرمة) أي الشهادة بذلك الأمر.(لا لرجل من العجم) يعني خيران الخادم القزويني، ولعلّ إنكار أحمد أوّلاً وهو عظيم القدر جدّاً إنّما هو لمصلحة، كما نقل في تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ شمعون أنكر نبوّة عيسى عليه السلام ظاهراً وعارض مع رسله ليتّضح حقّيتها حقّ الاتّضاح.(3)(وفي نسخة الصفواني) من زيادات المفيد رحمة اللَّه عليه أو غيره.(وأبي محمّد بن جعفر الكوفي) عطف بيان للصفواني من تلامذة ثقة الإسلام طاب ثراه.(المنسوخة): المكتوبة، يعني هنا.

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 298.
2- .النهاية، ج 3، ص 479 (فوض).
3- .تفسير القمّي، ج 1، ص 103.

ص: 525

والبارز في (بنفسه) لعليّ عليه السلام.(أمر موسى) ابنه الملقّب بالمبرقع المدفون بقمّ، خلّف عليه السلام ابنين وثلاث بنات: عليّ الهادي عليه السلام وموسى المبرقع وفاطمة واُمامة وحكيمة.وضبط برهان الفضلاء: «المشاور» بالمعجمة مكان (المساور) بغيرها.(صيّر) أي أرجع وسلّم ما عنده إلى عليّ عليه السلام.(ويصير أمر موسى إليه، يقوم لنفسه بعد) أي بأمر نفسه بعد البلوغ (هما على شرط أبيهما) يعني عليّ وموسى.الجوهري: اُمامة بالضمّ: اسم امرأة.(1)و«جوّان» بالجيم ككتّان: قرية من قرى المدينة المنوّرة.

.


1- .الصحاح، ج 5، ص 1866 (أمم).

ص: 526

الباب الخامس والسبعون: باب الإشارة و النصّ على أبي محمّد عليه السلام

الباب الخامس والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ عَلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ الْيَسَارٍ الْقَنْبَرِيِ (1) ، قَالَ : أَوْصى أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَ أَشْهَدَنِي عَلى ذلِكَ وَ جَمَاعَةً مِنَ الْمَوَالِي .

هديّة:أي من الشيعة، وقيل من الخدمة.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ النَّوْفَلِيِ (2) ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي صَحْنِ دَارِهِ ، فَمَرَّ بِنَا مُحَمَّدٌ ابْنُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، هذَا صَاحِبُنَا بَعْدَكَ؟ فَقَالَ : «لَا ، صَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ عليه السلام».

هديّة:كنّى محمّد ابنه عليه السلام أبا جعفر، وهو أكبر أولاده عليه السلام، فمضى قبل أبيه عليه السلام وكان منتظراً

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن بشّار بن أحمد البصري، عن عليّ بن عمر النوفلي».

ص: 527

للإمامة صالحاً لها ومرجوّاً عند الأصحاب، فبدا للَّه سبحانه في إمامته، كما في إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْفَهَانِيِ (1) ، قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «صَاحِبُكُمْ بَعْدِيَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيَّ». قَالَ : وَ لَمْ نَعْرِفْ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام قَبْلَ ذلِكَ ، قَالَ : فَخَرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَصَلّى عَلَيْهِ .

هديّة:(قبل ذلك) أي قبل القول أو قبل مضيّه عليه السلام.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ : كُنْتُ حَاضِراً أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ ، فَقَالَ لِلْحَسَنِ (3) : «بُنَيَّ ، أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً ؛ فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً» .

هديّة:في بعض النسخ: «يا بُنيّ» بذكر حرف النداء.(أمراً) يعني جعلك إماماً بعدي بلا شكّ وريبة من العصابة بمضيّ أخيك أبي جعفر، بدا للَّه سبحانه فيك بعده كما في إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السلام وهو أكبر أولاده عليه السلام.

الحديث الخامس .


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه، عن بشّار بن أحمد، عن عبد اللَّه بن محمّد الأصفهاني».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «وعنه، عن موسى بن جعفر بن وهب».
3- .في «د» والكافي المطبوع: + «يا».

ص: 528

كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَجَاءَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، فَوُضِعَ لَهُ كُرْسِيٌّ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَ حَوْلَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ وَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام قَائِمٌ فِي نَاحِيَةٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ أَبِي جَعْفَرٍ ، الْتَفَتَ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، أَحْدِثْ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - شُكْراً ؛ فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء وشرح - : «عند أبي جعفر محمّد بن عليّ» بدون (مضيّ) فالمعنى عند وفاته أو جنازته أو مضيّه أو نحو ذلك.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنْ كَانَ كَوْنٌ - وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ - فَإِلى مَنْ ؟ قَالَ : «عَهْدِي إِلَى الْأَكْبَرِ مِنْ وَلَدَيَّ» .

هديّة:كان هذا السؤال بعد مضيّ أبي جعفر؛ لما عرفت آنفاً.قال برهان الفضلاء: «ولديّ» على التثنية مضافة، واحتمل الجمع.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْإِسْبَارِقِينِيِ (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الْعَطَّارِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ عليه السلام وَ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُهُ فِي الْأَحْيَاءِ ، وَ أَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ ، فَقُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَنْ أَخُصُّ مِنْ وُلْدِكَ ؟ فَقَالَ : «لَا تَخُصُّوا أَحَداً حَتّى يَخْرُجَ إِلَيْكُمْ أَمْرِي».قَالَ : فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بَعْدُ : فِيمَنْ يَكُونُ هذَا الْأَمْرُ ؟ قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيَّ : «فِي الْكَبِيرِ مِنْ وُلْدِي». قَالَ : وَ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام أَكْبَرَ مِنْ جَعْفَرٍ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن أحمد القلانسي، عن عليّ بن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الإسبارقيني». وفي «الف»: «الإستارقيني» بدل «الاسبارقيني».

ص: 529

هديّة:(من أخصّ) على المتكلّم أو أفعل التفضيل، وهذا السؤال أيضاً بعد مضيّ أبي جعفر.(من ولدي) على الجمع بقرينة «من ولدك». وقرأ برهان الفضلاء على التثنية، واحتمل الجمع في المواضع كلّها.و(جعفر) هذا هو الشهير بالكذّاب، ادّعى الإمامة، وروي فيه عن الصاحب عليه السلام: «أنّ مثلنا ومثل عمّي جعفر مثل يوسف واخوته»(1)، وفيه أنّ شفاعتهم عليهم السلام مرجوّة له إن شاء اللَّه تعالى.

الحديث الثامن روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ وَ غَيْرِهِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَفْطَسُ : أَنَّهُمْ حَضَرُوا - يَوْمَ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ - بَابَ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يُعَزُّونَهُ ، وَ قَدْ بُسِطَ لَهُ فِي صَحْنِ دَارِهِ وَ النَّاسُ جُلُوسٌ حَوْلَهُ - فَقَالُوا : قَدَّرْنَا أَنْ يَكُونَ حَوْلَهُ مِنْ آلِ أَبِي طَالِبٍ وَ بَنِي هَاشِمٍ وَ قُرَيْشٍ مِائَةٌ وَ خَمْسُونَ رَجُلاً سِوى مَوَالِيهِ وَ سَائِرِ النَّاسِ - إِذْ نَظَرَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام قَدْ جَاءَ مَشْقُوقَ الْجَيْبِ حَتّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ ، وَ نَحْنُ لَا نَعْرِفُهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ سَاعَةٍ ، فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، أَحْدِثْ لِلَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - شُكْراً ؛ فَقَدْ أَحْدَثَ فِيكَ أَمْراً». فَبَكَى الْفَتى ، وَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالى ، وَ اسْتَرْجَعَ ، وَ قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَ أَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَمَامَ النِّعْمَةِ عَلَيْنَا(2) ، وَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». فَسَأَلْنَا عَنْهُ ، فَقِيلَ : هذَا الْحَسَنُ ابْنُهُ - وَ قَدَّرْنَا لَهُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْجَحَ - فَيَوْمَئِذٍ عَرَفْنَاهُ ، وَ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ ، وَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ .

هديّة:(أن يكون) بالرفع، فإنّ «أن» مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشأن.

.


1- .إنّ ما ورد في التوقيع هكذا: «وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف». كمال الدين، ج 2، ص 483، ح 4؛ الغيبة للطوسي، ص 290. وأمّا ما ذكره المصنّف لم نعثر عليه.
2- .في الكافي المطبوع: «تمام نعمة لنا فيك» بدل «تمام النعمة علينا».

ص: 530

و«الفطس» محرّكة: انبساط قصبة الأنف، والرجل أفطس.(فقالوا) معترضة.(إذ نظر) ظرف ل (حضروا).(واسترجع) قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، (وقال: الحمد للَّه ربّ العالمين) ليس عطف تفسير، بل استرجع مرّتين وحمد كذلك لأجل أخيه وأبيه بالوقوع والنعي وإمامته بعد.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «وأنا أسأل اللَّه تمام نعمه لنا فيك» مكان (وأنا أسأل اللَّه تمام النعمة علينا). وضبط المفيد رحمة اللَّه عليه في إرشاده: «وإيّاه أسأل تمام النعمة علينا وإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون».(1)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دَرْيَابَ (2) ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ ، فَعَزَّيْتُهُ عَنْهُ - وَ أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام جَالِسٌ - فَبَكى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام ، فَقَالَ : «إِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - قَدْ جَعَلَ فِيكَ خَلَفاً مِنْهُ ؛ فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالى» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء وشرح - : «فأقبل عليه» مكان (فأقبل إليه) أي خلفاً وهو القائم عليه السلام من أجل مضيّ أخيك أبي جعفر. وقيل: المراد بالخلف عدم اشتباه القوم في إمامته من أجل مضيّ أكبر أولاد أبيه عليه السلام.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِ (3) ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 317.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى بن درياب».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن أبي هاشم الجعفري».

ص: 531

أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بَعْدَ مَا مَضَى ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَ إِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ : كَأَنَّهُمَا - أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا مُحَمَّدٍ - فِي هذَا الْوَقْتِ كَأَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام وَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، وَ إِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا ؛ إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَا بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ .فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ ، فَقَالَ : «نَعَمْ يَا بَا(1)هَاشِمٍ ، بَدَا لِلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ ، كَمَا بَدَا لِلَّهِ فِي مُوسى عليه السلام بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ ، وَ هُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَ إِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ ، وَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ، عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَ مَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَةِ» .

هديّة:فكر كنصر، وأفكر، وفكّر تفكيراً، وتفكّر: كلّه بمعنى.و(المرجا) على اسم المفعول من الإرجاء بمعنى التأخير، يقرأ بالهمزة وبدونها.قال برهان الفضلاء: يعني إذ كان أبو محمّد عليه السلام هو المؤخّر للإمامة ليكون أكبر الأولاد بعد مضيّ أكبرهم.وقال بعض المعاصرين: «المرجا»، أي المرجوّ للإمامة.(2)أخذه من الترجية.الجوهري: والرجاء من الأمل ممدود، يُقال: رجوت فلاناً رجواً ورجاءً ورجاوةً وترجّيته ورجّيته كلّه بمعنى، انتهى.(3) يعني رجوته مثلاً متعدّ، ورجوت منه مثلاً لازم.وهنا إشكال واضح، وهو: أنّ المستفاد من النصوص كحديث لوح جابر وغيره أنّ كلّ واحدٍ من الاثنى عشر عليهم السلام كان عالِماً بكلّ واحدٍ منهم باسمه وخصوصه ووصفه، وقد ثبت - كما سبق - أنّ البداء يشمل معلوم المعصوم أيضاً، مع أنّه لا يكون إلّا عاقلاً عن اللَّه عزّ وجلّ.والجواب بما رضى به برهان الفضلاء، بأنّ المجهول إنّما هو خصوصيّة وقت

.


1- .في الكافي المطبوع: «أبا».
2- .الوافي، ج 2، ص 388، ذيل ح 874.
3- .الصحاح، ج 6، ص 2352 (رجا).

ص: 532

الحدوث لآلة الإمامة وأسبابها، كما ترى؛ بل الأولى أن يُقال: إنّما البداء هنا بالنظر إلى علم غير المعصوم من أصل ثابت كأكبريّة السنّ، وعلم المعصوم حيناً بما فيه البداء لا ينافي ثبوت البداء شاملاً لمعلوم المعصوم أيضاً.وقد سبق ذكر آلة الإمامة وأسبابها من العلامات والسلاح والكتب (1)وسائر الأمارات. وقال برهان الفضلاء: المراد بآلة الإمامة هنا كونه عليه السلام أكبر الأولاد بلا عاهة.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ دَرْيَابَ (2) ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَهْفَكِيِّ ، قَالَ :كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي أَنْصَحُ آلِ مُحَمَّدٍ غَرِيزَةً ، وَ أَوْثَقُهُمْ حُجَّةً ، وَ هُوَ الْأَكْبَرُ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ الْخَلَفُ ، وَ إِلَيْهِ يَنْتَهِي عُرَى الْإِمَامَةِ وَ أَحْكَامُهَا ، فَمَا كُنْتَ سَائِلِي ، فَسَلْهُ عَنْهُ ؛ فَعِنْدَهُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ» .

هديّة:«الغريزة»: الطبيعة.(من ولدي) يحتمل الجمع والتثنية، كما فيما سبق.(وإليه ينتهي) قيل: أي إلى صلبه، وقال برهان الفضلاء: أي عرى إمامتي، يعني معتمدات أماراتها وأسبابها.(وأحكامها) يحتمل الجمع والمصدر.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3) ، عَنْ شَاهَوَيْهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّابِ ، قَالَ :كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام فِي كِتَابٍ : «أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ الْخَلَفِ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ ، وَ قَلِقْتَ

.


1- .في «د»: - «والكتب».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن محمّد بن يحيى بن درياب».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد».

ص: 533

لِذلِكَ ، فَلَا تَغْتَمَّ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَا يُضِلُّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ، وَ صَاحِبُكَ بَعْدِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي ، وَ عِنْدَهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، يُقَدِّمُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(1) ، وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ(2)«ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها» قَدْ(3) كَتَبْتُ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَ قِنَاعٌ لِذِي عَقْلٍ يَقْظَانَ» .

هديّة:(قلقت) كضرب: اضطربت.(فإنّ اللَّه عزّ وجلّ لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم) ناظر إلى آية سورة التوبة. فسّر «بعد إذ هداهم» بإمام مضى، لكن يبيّن لهم إماماً آخر ليتّقون بمعرفته أيضاً من النار ومن ولاية الأعداء والطواغيت. و«النسخ»: النقل والتغييب أيضاً، ومن الأوّل مناسخات المواريث. و«الإنساء»: الترك والإماتة أيضاً. وفي التفسير: «ما ننسخ من آية»: ما نغيّب من إمام نأتِ بزمان خير من زمان ظهوره، فدلالة على أفضليّة الإيمان زمن الغيبة، أو ننسها أو نمتها نأت بمثلها، فالنشر على ترتيب اللّف و«ما» جزائيّة كما في «ما تفعل أفعل»، وتفسير «أو ننسها» بتركها - كما في بعض كتب التفاسير - لا يضرّ بما ذكر.والباء في (بما فيه) للتقوية.و«القناع» بالفتح: كالقناعة، وبالكسر: طبق الهديّة والسلاح الذي يدفع به الخصم، وجمع القنع بالكسر وهو الطبق الذي فيه الرطب، ورجّح برهان الفضلاء «القناع» هنا بالكسر.و«اليقظان»: الخبير.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ (4) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «الْخَلَفُ

.


1- .في الكافي المطبوع: «ما يشاء اللَّه» بدل «اللَّه ما يشاء».
2- .في الكافي المطبوع: + «اللَّه».
3- .في «د»: - «قد».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عمّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم».

ص: 534

مِنْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ ؟» فَقُلْتُ : وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ؟ فَقَالَ : «إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» . فَقُلْتُ : فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ ؟ فَقَالَ : «قُولُوا : الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:سيجي ء أنّ الأحوط عموم النهي عن ذكره عليه السلام باسمه من غير تخصيصه بزمان دون زمان، فقيل: كان خاصّاً بزمن غيبة الصغرى، وقيل: بزمان التقيّة مطلقاً، والنصّ على التعليل بمدافعة أهل الكتاب وردّ احتجاجهم يؤيّد ما يدلّ عليه بعض النصوص صريحاً أيضاً من عموم النهي عن التصريح بالاسم.

.

ص: 535

الباب السادس والسبعون: باب الإشارة و النصّ إلى صاحب الدَّار

الباب السادس والسبعون : بَابُ الْإِشَارَةِ وَ النَّصِّ إِلى صَاحِبِ الدَّارِ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بِلَالٍ (1) ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام قَبْلَ مُضِيِّهِ بِسَنَتَيْنِ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ مُضِيِّهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُخْبِرُنِي بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ .

هديّة:المضبوط في أكثر النسخ في عنوان هذا الباب «إلى» مكان «علي» كما في الأبواب السابقة، ولعلّ وجهه أنّ مناسبة الإشارة هنا أكثر.والمراد ب (الدار) داره عليه السلام في العسكر بسرّ من رأى، وقيل: أي دار الدنيا لقيامها بوجود القائم عليه السلام. ومثل قوله عليه السلام في الحديث الآتي: «ما تصنع في داري»(2) دلالة الأوّل.(محمّد بن عليّ بن بلال) ثقة على الأقوى، وتوقّف بعضهم في قبول روايته لما قال الشيخ في كتاب الغيبة إنّه من المذمومين.(3)(خرج إليّ) أي توقيع بخطّه عليه السلام.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال».
2- .الكافي، ج 1، ص 332، باب في تسمية من رآه عليه السلام، ح 11.
3- .الغيبة للطوسي، ص 400.

ص: 536

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ (1) ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام : جَلَالَتُكَ تَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِكَ ، فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْأَلَكَ ؟ فَقَالَ : «سَلْ». قُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، هَلْ لَكَ وَلَدٌ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ». فَقُلْتُ : فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ ، فَأَيْنَ أَسْأَلُ عَنْهُ ؟ قَالَ : «بِالْمَدِينَةِ» .

هديّة:قيل: يعني مدينة الرسول صلى اللَّه عليه وآله. وسيذكر أنّ مقام القائم عليه السلام في غيبته الصغرى بالمدينة المنوّرة ولا سبيل لأحد إلى مقامه عليه السلام في الكبرى؛ صرّح بذلك الفاضل الاسترآبادي رحمة اللَّه عليه. وقال برهان الفضلاء: يعني بهذه المدينة بمعنى المصر، وهي مدينة سامرّا؛ لمكان مكان كثير من سفرائه عليه السلام في غيبة الصغرى فيها لقضاء حوائج العصابة بأمره وخطّه عليه السلام.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكْفُوفِ (2) ، عَنْ عَمْرٍو الْأَهْوَازِيِّ ، قَالَ : أَرَانِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنَهُ عليهما السلام ، وَ قَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي» .

هديّة:«الأهواز»: سبع كورٍ بين البصرة وفارس، لكلّ كورةٍ منها اسم يجمعهنّ الأهواز، لا واحد له.ليس كلمة (من) في بعض النسخ.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ حَمْدَانَ الْقَلَانِسِيِ (3) ، قَالَ : قُلْتُ لِلْعَمْرِيِّ : قَدْ مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ؟ فَقَالَ لِي :قَدْ مَضى ، وَ لكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُهُ مِثْلُ هذِهِ ، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي».

ص: 537

هديّة:«العمري» بالفتح، يكتب في النسبة بالواو وبدونها، والثاني أكثر والأوّل أولى، عثمان بن سعيد العمري يكنّى أبا عمرو السمّان، ويُقال له: الزيّات الأسدي، من أصحاب الجواد عليه السلام خدمه وله إحدى عشر سنة، ثقة جليل القدر، وكيل أبي محمّد عليه السلام؛ قاله العلّامة في خلاصته (1). وقال ابن داود كذلك إلّا قال: خدم الهادي عليه السلام وله إحدى عشر سنة.(2) وقال برهان الفضلاء: هو وكيل الصاحب عليه السلام وأوّل سفرائه الأربعة، وسيذكرون في الباب التالي وكيل أبيه عليهما السلام. وقيل: كان بوّاباً لأبيه وجدّه عليهم السلام، ثقة لهما، عظيم القدر في العصابة.(خلّف فيكم) من التفعيل ومن باب نصر بمعنى.قيل: «رقبته» كناية عن قامته عليه السلام، و«أشار بيده» أي إلى ارتفاع قامته برفع يده فوق رأسه جالساً. وقال برهان الفضلاء: أشار إلى رعونة رقبته عليه السلام مدحاً.

الحديث الخامس روى في الكافي عن الاثنين (3)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : خَرَجَ إِلَيَ (4) عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام حِينَ قُتِلَ الزُّبَيْرِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ : «هذَا جَزَاءُ مَنِ اجْتَرَأَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَوْلِيَائِهِ ، يَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْتُلُنِي ، وَ لَيْسَ لِي عَقِبٌ ، فَكَيْفَ رَأى قُدْرَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ؟» .وَ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ سَمَّاهُ «م ح م د» فِي سَنَةِ سِتٍّ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ .

هديّة:ليس في بعض النسخ «إليَّ» في (خرج إليّ).و(الزبيري) هو المهتدي من خلفاء بني العبّاس، وزبير اسم المعتزّ منهم، خلع نفسه

.


1- .رجال العلّامة، ص 126، الرقم 971.
2- .رجال ابن داود، ص 233، الرقم 2.
3- .يعني «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد».
4- .في الكافي المطبوع: - «إليّ».

ص: 538

من الخلافة وأقام المهتدي مقامه فنسب إليه.«اجترى» من الجرأة، يقرأ بالهمز وبدونها.(وولد له) كلام الراوي.«سمّاه كذا» أي موافقاً لاسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والباقر والجواد عليهما السلام كاسم أبيه عليهما السلام لاسم أمير المؤمنين والسجّاد والرضا عليهم السلام، وسيجي ء مثله في باب مولد الصاحب عليه السلام.

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدٍ ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ (2) عَبْدِ قَيْسٍ ، عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ سَمَّاهُ ، قَالَ : أَتَيْتُ سَامَرَّاءَ ، وَ لَزِمْتُ بَابَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ، فَدَعَانِي ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْتُ ، فَقَالَ : «مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ ؟» قَالَ : قُلْتُ : رَغْبَةٌ فِي خِدْمَتِكَ ، قَالَ : فَقَالَ لِي : «فَالْزَمِ الْبَابَ».قَالَ : فَكُنْتُ فِي الدَّارِ مَعَ الْخَدَمِ ، ثُمَّ صِرْتُ أَشْتَرِي لَهُمُ الْحَوَائِجَ مِنَ السُّوقِ ، وَ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ إِذَا كَانَ فِي الدَارِ رِجَالٌ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَ هُوَ فِي دَارِ الرِّجَالِ ، فَسَمِعْتُ حَرَكَةً فِي الْبَيْتِ ، فَنَادَانِي : «مَكَانَكَ لَا تَبْرَحْ» فَلَمْ أَجْسُرْ أَنْ أَدْخُلَ وَ لَا أَخْرُجَ ، فَخَرَجَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ مَعَهَا شَيْ ءٌ مُغَطًّى ، ثُمَّ نَادَانِيَ : «ادْخُلْ» فَدَخَلْتُ ، وَ نَادَى الْجَارِيَةَ ، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهَا : «اكْشِفِي عَمَّا مَعَكَ» فَكَشَفَتْ عَنْ غُلَامٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ اللَّوْنِ ، حَسَنِ الْوَجْهِ ، وَ كَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ ، فَإِذَا شَعْرٌ نَابِتٌ مِنْ لَبَّتِهِ إِلى سُرَّتِهِ ، أَخْضَرُ ، لَيْسَ بِأَسْوَدَ ، فَقَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ» ثُمَّ أَمَرَهَا فَحَمَلَتْهُ ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدَ ذلِكَ حَتّى مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام .

هديّة:أورد هذا الخبر في الكافي مرّة اُخرى في باب مولد الصاحب عليه السلام على اختلاف في

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن الحسين ومحمّد ابني عليّ بن إبراهيم».
2- .في الكافي المطبوع: «من».

ص: 539

بعض ألفاظه وذكر الحسن مكان الحسين وفيه زيادات أيضاً.(1)(فارس) بكسر الراء: بلاد الفرس ينصرف ولا ينصرف، يذكّر ويؤنّث البلد والبلدة.(سامرّا) بفتح الميم وتشديد الراء والقصر: مخفّف سرّ من رأى.في بعض النسخ المعتبرة - كما ضبط برهان الفضلاء - : «في دار الرجال» في الأوّل أيضاً. «جسر» كنصر: اجترأ.ليس في بعض النسخ: «حسن اللون».و«اللّبّة» بالفتح والتشديد: موضع القلادة من الصدر.

.


1- .الكافي، ج 1، ص 514، باب مولد الصاحب عليه السلام، ح 2؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 646، ح 1358.

ص: 540

الباب السابع والسبعون: باب في تسمية من رآه عليه السلام

الباب السابع والسبعون : بَابٌ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ رَآهُ عليه السلام وأحاديثه كما في الكافي خمسة عشر:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِ (1) ، قَالَ : اجْتَمَعْتُ أَنَا وَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، فَغَمَزَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الْخَلَفِ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا عَمْرٍو ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْ ءٍ(2) وَ مَا أَنَا بِشَاكٍّ فِيمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ اعْتِقَادِي وَ دِينِي أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ إِلَّا إِذَا كَانَ قَبْلَ (3) الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ يَوْماً ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ رُفِعَتِ الْحُجَّةُ ، وَ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً؛ فَأُولئِكَ أَشْرَارٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ هُمُ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ ، وَ لكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَزْدَادَ يَقِيناً ، وَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام سَأَلَ رَبَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - أَنْ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتى ؟ قَالَ : «أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى»(4) .وَ قَدْ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ : مَنْ أُعَامِلُ ؟ أَوْ عَمَّنْ آخُذُ ؟ وَ قَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ ؟ فَقَالَ لَهُ : «الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي ؛ فَمَا أَدّى إِلَيْكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يُؤَدِّي ، وَ مَا قَالَ لَكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يَقُولُ ؛ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ ؛ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن عبد اللَّه و محمّد بن يحيى جميعاً، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري».
2- .في «د»: - «عن شي ء».
3- .في الكافي المطبوع: + «يوم».
4- .البقرة (2): 260.

ص: 541

وَ أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام عَنْ مِثْلِ ذلِكَ ، فَقَالَ لَهُ : «الْعَمْرِيُّ وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ ؛ فَمَا أَدَّيَا إِلَيْكَ عَنِّي ، فَعَنِّي يُؤَدِّيَانِ ، وَ مَا قَالَا لَكَ ، فَعَنِّي يَقُولَانِ ؛ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا ؛ فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ».فَهذَا قَوْلُ إِمَامَيْنِ قَدْ مَضَيَا(1) فِيكَ ؛ قَالَ : فَخَرَّ أَبُو عَمْرٍو سَاجِداً وَ بَكى ، ثُمَّ قَالَ : سَلْ حَاجَتَكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ رَأَيْتَ الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام ؟ فَقَالَ : إِي وَ اللَّهِ، وَ رَقَبَتُهُ مِثْلُ ذَا ، وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ .فَقُلْتُ لَهُ : فَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ لِي : هَاتِ ، قُلْتُ : فَالِاسْمُ ؟ قَالَ : مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذلِكَ ، وَ لَا أَقُولُ هذَا مِنْ عِنْدِي ؛ فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَ لَا أُحَرِّمَ ، وَ لكِنَّهُ (2) عَنْهُ عليه السلام ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ مَضى وَ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً ، وَ قَسَّمَ مِيرَاثَهُ ، وَ أَخَذَهُ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ، وَ هُوَ ذَا عِيَالُهُ يَجُولُونَ لَيْسَ أَحَدٌ يَجْسُرُ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَيْهِمْ ، أَوْ يُنِيلَهُمْ شَيْئاً ، وَ إِذَا وَقَعَ الِاسْمُ وَقَعَ الطَّلَبُ ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَ أَمْسِكُوا عَنْ ذلِكَ .قَالَ (3) الْكُلَيْنِيُّ : وَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - ذَهَبَ عَنِّي اسْمُهُ - أَنَّ أَبَا عَمْرٍو سُئِلَ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مِثْلِ هذَا ، فَأَجَابَ بِمِثْلِ هذَا .

هديّة:كان أوّل سفراء الأربعة الممتازين في القدر والمنزلة عن سائر سفرائه عليه السلام أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري، ثمّ ابنه أبا جعفر محمّد بن عثمان، ثمّ أبا القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، ثمّ أبا الحسن عليّ بن محمّد السمري.«الحسين بن روح» بضمّ الراء وقيل بالفتح، و«نوبخت» بضمّ النون وفتح المفردة وسكون المعجمة ثمّ المثنّاة من فوق، وقيل: بضمّ المفردة أيضاً، معرّب.و«السمري» بفتح المهملة وضمّ الميم، نسبة إلى أحد الأجداد، و«سمرة»: شجر

.


1- .في «د»: «مضينا».
2- .في الكافي المطبوع: «لكن».
3- .في «د»: + «أبو جعفر».

ص: 542

الطلح، سمّيت بها جماعة، منهم: سمرة بن جندب صاحب النخلة العريّة التي أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بقلعها ليضرب رأس صاحبها، وقصّته مشهورة،(1)وقيل: بكسرتين وتشديد الميم، كما ضبط في الإيضاح،(2) وقيل: بالفتحتين والتخفيف، نسبة إلى السمر وهو المسامرة بالليل، وقيل: بتشديد الراء، مخفّف سامريّ نسبة إلى سامرّا.«غمزني»: نخسني بالإصبع، أو أشار إليّ بالعين والحاجب.(بأربعين يوماً) قد سبق في الباب السادس وجه عدم المنافاة بين مثله ومثل حديث: «آخِر من يموت الإمام» بمثل: آخِر من يموت مؤمناً هو الإمام.(فأُولئك أشرار من خلق اللَّه) يحتمل كسر الميم، وفتحها أولى، لما لا يخفى.(أو عمّن آخذ) الشكّ من أبي علي.(ورقبته مثل ذا) قد عرفت بيانه في الباب السابق.في بعض النسخ المعتبرة: «بيديه» على التثنية.(من لا حقّ له فيه) يعني عمّه جعفر الشهير بالكذّاب.(وهو ذا) للشأن.والمراد بالعيال الخدم ونحوهم.ليس في بعض النسخ: (قال الكليني) إلى آخره، فإمّا كلام ثقة الإسلام أو من زيادات تلامذته كالصفواني.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهما السلام (3)- وَ كَانَ أَسَنَّ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِالْعِرَاقِ - فَقَالَ : رَأَيْتُهُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ وَ هُوَ غُلَامٌ عليه السلام .

.


1- .الكافي، ج 5، ص 292، باب الضرار، ح 2؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 10، ص 476، ح 9317.
2- .إيضاح الاشتباه، ص 221، رقم 401.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر».

ص: 543

هديّة:يعني مرّتين، مرّة هناك ومرّة هناك، واحتمال بين مكّة والمدينة كما ترى.

الحديث الثالث روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ(1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ رِزْقِ اللَّهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عن مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام وَ هِيَ عَمَّةُ أَبِيهِ - أَنَّهَا رَأَتْهُ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ وَ بَعْدَ ذلِكَ .

هديّة:(حكيمة) مكبّرة بالكاف: ابنة الجواد عليه السلام، وقد سبق أنّه عليه السلام خلّف ابنين: عليّ الهادي عليه السلام وموسى المبرقع المدفون بقمّ، وثلاث بنات: فاطمة واُمامة وحكيمة.

الحديث الرابع روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ حَمْدَانَ الْقَلَانِسِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِلْعَمْرِيِّ : قَدْ مَضى أَبُو مُحَمَّدٍ عليه السلام ؟ فَقَالَ : قَدْ مَضى ، وَ لكِنْ قَدْ خَلَّفَ فِيكُمْ مَنْ رَقَبَتُهُ مِثْلُ هذَا ، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ .

هديّة:قد سبق نظيره ببيانه.

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ فَتْحٍ مَوْلَى الزُّرَارِيِ (2) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُطَهَّرٍ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ ، وَ وَصَفَ لَهُ قَدَّهُ .

هديّة:«القدّ» له معان، منها: القامة، واحتمل برهان الفضلاء من قدّ المسافر المفازة كمدّ قدّاً، قال: فالمعنى: ووصف الصاحب عليه السلام له كيفيّة سيره، قال: وهذا أنسب بقوله: (له) مكان «لي».

.


1- .في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن فتح مولى الزراريّ».

ص: 544

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ نُعَيْمٍ (1) ، عَنْ خَادِمٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهَا قَالَتْ : كُنْتُ وَاقِفَةً مَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَى الصَّفَا ، فَجَاءَ عليه السلام حَتّى وَقَفَ عَلى إِبْرَاهِيمَ ، وَ قَبَضَ عَلى كِتَابِ مَنَاسِكِهِ ، وَ حَدَّثَهُ بِأَشْيَاءَ .

هديّة:«الخادم»: واحد الخدم، غلاماً كان أو جارية؛ قاله الجوهري أيضاً.(2)و(عبدة) بالتحريك: من أسمائهم، وهو لغة القوّة، ويقرأ بسكون المفردة والتاء للمبالغة.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ : أَنَّهُ رَآهُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَ النَّاسُ يَتَجَاذَبُونَ عَلَيْهِ ، وَ هُوَ يَقُولُ : «مَا بِهذَا أُمِرُوا» .

هديّة:(عليه) أي على الحجر.(ما بهذا) أي بالتجاذب والتدافع في الازدحام عند الحجر للملامسة والاستلام والتقبيل.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ (4) ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْتُهُ عليه السلام بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام (5) حِينَ أَيْفَعَ ، وَ قَبَّلْتُ يَدَهُ (6) وَ رَأْسَهُ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن شاذان بن نعيم».
2- .الصحاح، ج 5، ص 1909 (خدم).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن أبي عليّ أحمد بن إبراهيم بن إدريس».
5- .في «د»: + «الحسن».
6- .في الكافي المطبوع: «يديه».

ص: 545

هديّة:(أيفع) من باب الافعال بالفاء بعد الخاتمة، أي ارتفع، وراهق العشرين فهو يافع لا موفع، وهو من النوادر.في بعض النسخ: «يديه» على التثنية.

الحديث التاسع روى في الكافي وقال: عَنْهُ (1) عَنْ أبي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ، عَنِ الْقَنْبَرِيِّ - رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ قَنْبَرٍ الْكَبِيرِ - مَوْلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : جَرى حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَذَمَّهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَلَيْسَ غَيْرُهُ ، فَهَلْ رَأَيْتَهُ ؟ فَقَالَ : لَمْ أَرَهُ ، وَ لكِنْ رَآهُ غَيْرِي ، قُلْتُ : وَ مَنْ رَآهُ ؟ قَالَ : قَدْ رَآهُ جَعْفَرٌ مَرَّتَيْنِ ، وَ لَهُ حَدِيثٌ .

هديّة:(وأحمد بن النضر) عطف على ضمير (عنه) يعني عليّ بن محمّد.(ومولى) عطف بيان ل (قنبر الكبير) كان للرضا عليه السلام قنبران في غلمانه كبير وصغير.والبارز في (قلت) كالمستتر في (قال) لكلّ واحد من عليّ وأحمد، وهكذا في التتمّة.(فليس غيره) أي وارث غيره ويحتمل رفع «غيره» على حذف الخبر، وضمير «غيره» لجعفر وهو الشهير بالكذّاب.قيل: الحديث التالي للتالي لعلّه أحد حديثي رؤية جعفر إيّاه عليه السلام مرّتين.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَجْنَانِيِ (2) ، أَنَّهُ أَخْبَرَنِي عَمَّنْ رَآهُ (3) : خَرَجَ مِنَ الدَّارِ

.


1- .في الكافي المطبوع: «عن عليّ».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي محمّد الوجناني». وفي الكافي المطبوع جديداً: «الوجنائي» بدل «الوجناني». وأبو محمّد هذا هو الحسن بن محمّد بن الوجناء أبو محمّد النصيبي. راجع: رجال النجاشي، ص 346، الرقم 935؛ كمال الدين، ص 443، ح 17؛ الغيبة للطوسي، ص 248 و 259.
3- .في الكافي المطبوع: + «أنّه».

ص: 546

قَبْلَ الْحَادِثِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ ، وَ هُوَ يَقُولُ : «اللَّهُمَّ ، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ لَوْ لَا الطَّرْدُ». أَوْ كَلَامٌ هذَا نَحْوُهُ .

هديّة:«الوجنان» بالفتح والجيم الساكنة ونونين: الدقّاق، والياء للنسبة.و(الحادث): وفات أبي محمّد عليه السلام، قيل: فخرج، يعني فخرج وذهب وغاب، وقيل: كان الحادث تفحّص السلطان عنه عليه السلام كما سيجي ء حديثه - والأخذ في الغيبة الصغرى،(1) يعني سامرّا أو الدار، والثاني أولى، أو صدر كلام مستأنف.

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ قَيْسٍ (2) ، عَنْ بَعْضِ جَلَاوِزَةِ السَّوَادِ ، قَالَ : شَاهَدْتُ سِيمَاء آنِفاً بِسُرَّ مَنْ رَأى وَ قَدْ كَسَرَ بَابَ الدَّارِ ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ وَ بِيَدِهِ طَبَرْزِينٌ ، فَقَالَ لَهُ : «مَا تَصْنَعُ فِي دَارِي ؟» . فَقَالَ سِيمَاء : إِنَّ جَعْفَراً زَعَمَ أَنَّ أَبَاكَ مَضى وَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ(3) ، فَإِنْ كَانَتْ دَارَكَ ، فَقَدِ انْصَرَفْتُ عَنْكَ ، فَخَرَجَ عَنِ الدَّارِ .قَالَ عَلِيُّ بْنُ قَيْسٍ : فَخَرَجَ عَلَيْنَا خَادِمٌ مِنْ خَدَمِ الدَّارِ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هذَا الْخَبَرِ ، فَقَالَ لِي : مَنْ حَدَّثَكَ بِهذَا ؟ فَقُلْتُ لَهُ : حَدَّثَنِي بَعْضُ جَلَاوِزَةِ السَّوَادِ ، فَقَالَ لِي : لَا يَكَادُ يَخْفى عَلَى النَّاسِ شَيْ ءٌ .

هديّة:في بعض النسخ: «وله ولد»، وفي آخر: «ولا ولد له» مكان (وليس له ولد).و«الجلواز» بكسر الجيم وسكون اللام: الشرطي وأمين القاضي و(السواد): القرى.و(سيماء): اسم رجل من أتباع السلطان.

.


1- .في «الف»: + «إنّها».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن عليّ بن قيس».
3- .في الكافي المطبوع: «ولا ولد له» بدل «وليس له ولد».

ص: 547

(وقد كسر باب الدار) قيل: كأنّه باتّفاق جعفر.و(طبرزين) معرّب.(حدّثني بعض جلاوزة السواد) أي بعض اُمناء القاضي على السواد.

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكْفُوفِ (1) ، عَنْ عَمْرٍو الْأَهْوَازِيِّ ، قَالَ :أَرَانِيهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عليهما السلام ، وَ قَالَ : «هذَا صَاحِبُكُمْ» .

هديّة:قد سبق بمضمونه في الباب السابق.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ(2) عليهما السلام ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ ظَرِيفٍ الْخَادِمِ أَنَّهُ رَآهُ عليه السلام.

هديّة:(ظريف) بإعجام أوّله، مكبّر، كما ضبط برهان الفضلاء، وقيل: بإهمال أوّله، مكبّر أو مصغّر، خادم أبي محمّد عليه السلام، وحديث رؤيته في كشف الغمّة مفصّل.(3)

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ ضَوْءِ بْنِ عَلِيٍّ الْعِجْلِيِ (4) ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ سَمَّاهُ :أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عليه السلام أَرَاهُ إِيَّاهُ .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن جعفر بن محمّد المكفوف».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللَّه بن موسى بن جعفر».
3- .كشف الغمّة، ج 2، ص 499.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن محمّد و الحسن ابني عليّ بن إبراهيم أنّهما حدّثاه في سنة تسع و سبعين و مائتين عن محمّد بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن عليّ العجلي».

ص: 548

هديّة:قد سبق في الباب السابق بمضمونه.

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ(1) ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ ، قَالَ : كُنْتُ حَاجّاً مَعَ رَفِيقٍ لِي ، فَوَافَيْنَا(2) الْمَوْقِفِ ، فَإِذَا شَابٌّ قَاعِدٌ ، عَلَيْهِ إِزَارٌ وَ رِدَاءٌ ، وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلٌ صَفْرَاءُ - قَوَّمْتُ الْإِزَارَ وَ الرِّدَاءَ بِمِائَةٍ وَ خَمْسِينَ دِينَاراً - وَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ؛ فَدَنَا مِنَّا سَائِلٌ ، فَرَدَدْنَاهُ ، فَدَنَا مِنَ الشَّابِّ ، فَسَأَلَهُ ، فَحَمَلَ شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَ نَاوَلَهُ ، فَدَعَا لَهُ السَّائِلُ ، وَ اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ وَ أَطَالَ ، فَقَامَ الشَّابُّ وَ غَابَ عَنَّا .فَدَنَوْنَا مِنَ السَّائِلِ ، فَقُلْنَا لَهُ : وَيْحَكَ ، مَا أَعْطَاكَ ؟ فَأَرَانَا حَصَاةَ ذَهَبٍ مُضَرَّسَةً - قَدَّرْنَاهَا عِشْرِينَ مِثْقَالاً - فَقُلْتُ لِصَاحِبِي : مَوْلَانَا عِنْدَنَا وَ نَحْنُ لَا نَدْرِي .ثُمَّ ذَهَبْنَا فِي طَلَبِهِ ، فَدُرْنَا الْمَوْقِفَ كُلَّهُ ، فَلَمْ (3) نَقْدِرْ عَلَيْهِ ، فَسَأَلْنَا مَنْ كَانَ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالُوا : شَابٌّ عَلَوِيٌّ يَحُجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَاشِياً .

هديّة:«وافاه»: أتاه ووصل إليه.قال برهان الفضلاء: «وليس عليه» أي على كلّ واحد من الإزار والرداء. وهو كما ترى، وكأنّ ردّ السائل حال بينهما وبين الوصول إلى المراد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي أحمد بن راشد».
2- .في الكافي المطبوع: + «إلى».
3- .في «د»: «و لم».

ص: 549

الباب الثامن والسبعون: باب في النهي عن الاسم

الباب الثامن والسبعون : بَابٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاسْمِ وأحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِ (1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيَّ عليه السلام يَقُولُ : «الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟» . فَقُلْتُ : وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : «إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ» .فَقُلْتُ : فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ ؟ فَقَالَ : «قُولُوا : الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله» .

هديّة:قد أورد هذا الحديث في الكافي في باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد عليه السلام (2)، وفي هذا الباب.(إنّكم لا ترون شخصه) عامّ، وقد خصّ بالأشخاص والأزمان، أو الحكم أكثريّ أو مقيّد بالغيبة الكبرى بقيد المعرفة حين الرؤية، فلا إشكال، وقد ذكرنا في آخر الباب الرابع والسبعون خلافهم في عموم النهي عن الاسم، وأنّ الأحوط عمومه إلى أوان

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عمّن ذكره، عن محمّد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري».
2- .الكافي، ج 1، ص 328، باب الإشارة والنصّ على أبي محمّد عليه السلام، ح 13؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 2، ص 121، ح 862.

ص: 550

الظهور، ويؤيّده ما في بيان التالي.(قولوا: الحجّة من آل محمّد صلى اللَّه عليه وآله) يعني ونحو ذلك.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيِ (1) ، قَالَ : سَأَلَنِي أَصْحَابُنَا بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام : أَنْ أَسْأَلَ عَنِ الِاسْمِ وَ الْمَكَانِ ، فَخَرَجَ الْجَوَابُ : «إِنْ دَلَلْتُهُمْ عَلَى الِاسْمِ أَذَاعُوهُ ، وَ إِنْ عَرَّفْتُهُمْ (2) الْمَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ» .

هديّة:في بعض النسخ: «أن أسأله» بالبارز، والمسؤول عن النسختين: الصاحب عليه السلام، وسائله: أحد سفرائه عليه السلام.(دللتهم) على الخطاب أو المتكلّم، وكذا (عرّفتهم) على التفعيل. في بعض النسخ: «وإن عرفوا المكان» على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من التفعيل.(أذاعوه) يعني فيصير تلك الشهرة فتنة وآفة من السلطان ومن تبعه على الخدم والعيال والشيعة، ولذا قيل: المستفاد من ظاهر التعليل تخصيص النهي عن الاسم بذلك الزمان، لكنّ الصدوق رحمة اللَّه عليه روى في كتاب الغيبة ما يدلّ على استمرار الحكم إلى زمان الظهور، فقد روى بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «سأل عمر أمير المؤمنين عليه السلام عن المهديّ، فقال: يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهديّ ما اسمه؟ قال: أمّا اسمه فلا، إنّ حبيبي وخليلي عَهِد إليَّ أن لا اُحدّث باسمه حتّى يبعثه اللَّه عزّ وجلّ وهو ممّا استودع اللَّه ورسوله في علمه».(3) «وهو ممّا» كلام الباقر عليه السلام. «في علمه» أي في علم وجهه وحكمته.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن أبي عبد اللَّه الصالحي».
2- .في الكافي المطبوع: «عرفوا».
3- .كمال الدين، ج 2، ص 648، ح 3.

ص: 551

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ (1) ، عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ - وَ سُئِلَ عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام - فَقَالَ : «لَا يُرى جِسْمُهُ ، وَ لَا يُسَمَّى اسْمُهُ» .

هديّة:بيانه كنظايره.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ السرّاد، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِلَّا كَافِرٌ» .

هديّة:قال برهان الفضلاء:لا خصوصيّة لهذا الحديث بهذا الباب إلّا بتكلّف، فانّ المخالفين دأبهم تسمية أئمّتنا عليهم السلام بالاسم من دون كنية أو لقب، وذلك استخفاف وكفر بالولاية، يقول المخالف: قال جعفر كذا، ويقول المؤمن: قال أبو عبداللَّه عليه السلام أو الصادق عليه السلام أو أبو عبداللَّه الصادق عليه السلام أو أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام؛ كما يقول المنافق: قال محمّد، ويقول المؤمن: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، انتهى.أقول: لا تكلّف فيما اختاره ثقة الإسلام قدّس سرّه، فإنّ الأرجح حمل الخبر على الخصوص لذكرهم عليهم السلام أسماءهم كثيراً في أحاديثهم سيّما اسم أمير المؤمنين عليه السلام، على أنّ في بعض الأدعية عنهم عليهم السلام ذكر الصاحب عليه السلام باسمه، فحمل الكافر أيضاً هنا بالشبيه بالكافر في عدم الامتثال في زمن التقيّة أو الغيبة الصغرى أولى، كما يقال: لا يجترئ على هذا الأمر إلّا أسد.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن جعفر بن محمّد، عن ابن فضّال».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب».

ص: 552

ويؤيّد ما ذكرنا ما قد روى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب الغيبة بإسناده، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي اللَّه عنه قال: سمعت أبا عليّ بن همّام العمري قدّس سرّه يقول: خرج توقيع بخطّه عليه السلام نعرفه: «من سمّاني باسمي في مجمع الناس، فعليه لعنة اللَّه».(1)وأيضاً بإسناده، عن عليّ بن عاصم الكوفي، قال: خرج في توقيعات صاحب الزمان عليه السلام: «ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس».(2)ولا يذهب عليك التنافي بين حمل مثل هذين الحديثين على النهي عن الاسم في الغيبة الصغرى وبين الاحتياط بحمل النهي على العموم والاستمرار إلى زمان الظهور.

.


1- .كمال الدين، ج 2، ص 483، ح 3.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 482، ح 1.

ص: 553

الباب التاسع والسبعون: باب نادر في حال الغيبة

الباب التاسع والسبعون : بَابٌ نَادِرٌ فِي حَالِ الْغَيْبَةِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنِ الْمُفَضَّلِ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعِبَادُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ أَرْضى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَ لَمْ يَعْلَمُوا مَكَانَهُ ، وَ هُمْ فِي ذلِكَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ (2)حُجَّةُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ لَا مِيثَاقُهُ ، فَعِنْدَ ذلِكَ (3)فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ صَبَاحاً وَ مَسَاءً ؛ فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ غَضَبُ اللَّهِ عَلى أَعْدَائِهِ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّتَهُ ، وَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ . وَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ (4) ، وَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَ لَا يَكُونُ ذلِكَ إِلَّا عَلى رَأْسِ شِرَارِ النَّاسِ» .

هديّة:(أقرب) رفع على الابتداء مضافاً إلى (ما) وهي مصدريّة، ومدخولها تامّة فاعله (العباد)، و(من) صلة «الأقرب» ليست تفصيليّة، وهكذا جملة المعطوف على «الأقرب». و«إذ» ظرفٌ خبراً للمبتدأ مضافاً إلى الجملة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عمّن حدّثه، عن المفضّل».
2- .في الكافي المطبوع: «تبطل».
3- .في الكافي المطبوع: «فعندها» بدل «فعند ذلك».
4- .في «د»: - «ولو علم أنّهم يرتابون».

ص: 554

في بعض النسخ: «فعندها» بدل «فعند ذلك».(1)قال برهان الفضلاء:والمراد بالعلم في «يعلمون» العمل بما علم من أنّ الحكم بالظنّ في زمن الغيبة في المختلف فيه خطأ، قال: «ولا ميثاقه» ناظر إلى قوله تعالى في سورة الأعراف: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ»(2).وقد عرفت مراراً أنّ حمل الظنّ الممنوع في كلامه - سلّمه اللَّه - على الرأي والقياس - الممنوعين عندنا وفاقاً - أولى.والفاء في «فعندها»(3) للتفريع، وفي (فإنّ) بيانيّة، فإنّ شدّة الكفر من كفّار زمان دلالة على قوّة الإيمان من مؤمنيه.(فإنّ أشدّ ما يكون) ك «أقرب ما يكون»، في بعض النسخ: «وإنّ أشدّ ما يكون» بالواو.(طرفة عين) قيد لنفي الارتياب، ولا خلاف في فضل الإيمان في غيبة الإمام عليه السلام، وقوله تعالى: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(4) مفسّر بذلك.والأخبار المناسبة لأخبار الباب كثيرة في كتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة، منها: ما رواه الصدوق رحمة اللَّه عليه بإسناده عن أبي الحسن عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: «أفضل أعمال اُمّتي انتظار فرج اللَّه»(5). وبإسناده عن الرضا عليه السلام قال: «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَانتَظِرُوا إِنِّى مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ»(6) فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجي ء الفرج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم».(7)

.


1- .في «د»: - «في بعض النسخ: فعندها بدل فعند ذلك».
2- .الأعراف (7): 169.
3- .ضبطه المصنّف سابقاً: «فعند ذلك».
4- .البقرة (2): 3.
5- .كمال الدين، ج 2، ص 644، ح 3.
6- .الأعراف (7): 71.
7- .كمال الدين، ج 2، ص 645، ح 5.

ص: 555

قوله عليه السلام: «على اليأس» يعني على الإشراف على اليأس، ولعلّ كونهم أصبر لأنّهم أطول عمراً.وفي كشف الغمّة عن عليّ بن الحسين عليهما السلام: «من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه اللَّه أجر ألف شهيد من شهداء بدرٍ واُحد».(1)وعنه عليه السلام: «طوبى لشيعتنا المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، اُولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمّةً ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، هم واللَّه معنا في درجتنا يوم القيامة».(2)

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِ (3) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : أَيُّمَا أَفْضَلُ : الْعِبَادَةُ فِي السِّرِّ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، أَوِ الْعِبَادَةُ فِي ظُهُورِ الْحَقِ (4) وَ دَوْلَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْكُمُ الظَّاهِرِ ؟فَقَالَ : «يَا عَمَّارُ ، الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ وَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلَانِيَةِ ، وَ كَذلِكَ وَ اللَّهِ عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، وَ تَخَوُّفُكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَ حَالِ الْهُدْنَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ - عَزَّ ذِكْرُهُ - فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ الإِمَامِ (5) الْحَقِّ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ ، وَ لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ مَعَ الْخَوْفِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ مِثْلَ الْعِبَادَةِ وَ الْأَمْنِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ .وَ اعْلَمُوا : أَنَّ مَنْ صَلّى مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي

.


1- .كشف الغمّة، ج 2، ص 522.
2- .كشف الغمّة، ج 2، ص 524.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن مرداس، عن صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمّار الساباطي».
4- .في «الف»: «ظهوره» بدل «ظهور الحقّ».
5- .في الكافي المطبوع: «إمام».

ص: 556

وَقْتِهَا ، فَأَتَمَّهَا(1) ، كَتَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ خَمْسِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً فِي جَمَاعَةٍ ؛ وَ مَنْ صَلّى مِنْكُمْ صَلَاةً فَرِيضَةً وَحْدَهُ مُسْتَتِراً بِهَا مِنْ عَدُوِّهِ فِي وَقْتِهَا ، فَأَتَمَّهَا ، كَتَبَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِينَ صَلَاةً فَرِيضَةً وَحْدَانِيَّةً ؛ وَ مَنْ صَلّى مِنْكُمْ صَلَاةً نَافِلَةً لِوَقْتِهَا ، فَأَتَمَّهَا ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ نَوَافِلَ ؛ وَ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ حَسَنَةً ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِشْرِينَ حَسَنَةً ، وَ يُضَاعِفُ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ مِنْكُمْ - إِذَا أَحْسَنَ أَعْمَالَهُ ، وَ دَانَ بِالتَّقِيَّةِ عَلى دِينِهِ وَ إِمَامِهِ وَ نَفْسِهِ ، وَ أَمْسَكَ مِنْ لِسَانِهِ - أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ؛ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - كَرِيمٌ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَدْ وَ اللَّهِ ، رَغَّبْتَنِي فِي الْعَمَلِ ، وَ حَثَثْتَنِي عَلَيْهِ ، وَ لكِنْ أُحِبُّ أَنْ أَعْلَمَ كَيْفَ صِرْنَا نَحْنُ الْيَوْمَ أَفْضَلَ أَعْمَالًا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ مِنْكُمْ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ ، وَ نَحْنُ عَلى دِينٍ وَاحِدٍ؟فَقَالَ : «إِنَّكُمْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَ إِلَى الصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ ، وَ إِلى كُلِّ خَيْرٍ وَ فِقْهٍ ، وَ إِلى عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - سِرّاً مِنْ عَدُوِّكُمْ مَعَ إِمَامِكُمُ الْمُسْتَتِرِ ، المُطِيعِينَ (2) لَهُ ، صَابِرِينَ مَعَهُ ، مُنْتَظِرِينَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ ، خَائِفِينَ عَلى إِمَامِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ ، تَنْظُرُونَ إِلى حَقِّ إِمَامِكُمْ وَ حُقُوقِكُمْ فِي أَيْدِي الظَّلَمَةِ قَدْ مَنَعُوكُمْ ذلِكَ ، وَ اضْطَرُّوكُمْ إِلى حَرْثِ الدُّنْيَا وَ طَلَبِ الْمَعَاشِ مَعَ الصَّبْرِ عَلى دِينِكُمْ وَ عِبَادَتِكُمْ وَ طَاعَةِ إِمَامِكُمْ وَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّكُمْ ، فَبِذَلِكَ ضَاعَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - لَكُمُ الْأَعْمَالَ ؛ فَهَنِيئاً لَكُمْ».قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا نَرى إِذاً أَنْ نَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ عليه السلام ، وَ يَظْهَرَ(3)الْحَقُّ ، وَ نَحْنُ الْيَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وَ طَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالاً مِنْ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ وَ الْعَدْلِ .فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللَّهِ! أَ مَا تُحِبُّونَ أَنْ يُظْهِرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْحَقَّ وَ الْعَدْلَ فِي الْبِلَادِ ، وَ يَجْمَعَ

.


1- .في «د»: «و أتمّها».
2- .في الكافي المطبوع: «مطيعين».
3- .في «ألف»: «تظهر».

ص: 557

اللَّهُ الْكَلِمَةَ ، وَ يُؤَلِّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ فِي أَرْضِهِ ، وَ يُقَامَ (1) حُدُودُهُ فِي خَلْقِهِ ، وَ يَرُدَّ اللَّهُ الْحَقَّ إِلى أَهْلِهِ ، فَيَظْهَرَ حَتّى لَا يُسْتَخْفى بِشَيْ ءٍ مِنَ الْحَقِّ ، مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ ؟ أَمَا وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ ، لَا يَمُوتُ مِنْكُمْ مَيِّتٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ كَثِيرٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ ؛ فَأَبْشِرُوا» .

هديّة:(الهدنة) بالضمّ: المصالحة مع الأعداء، والمراد هنا بحال الهدنة زمان ترك أهل الحقّ طلب حقّهم من غاصبيه تقيّةً.«الوحداني» بفتح الواو: نسبة إلى الوحدة بمعنى الانفراد، ويزاد الألف والنون للمبالغة، والتاء في (الوحدانيّة) مصدريّة ليفيد معنى المصدر.قال برهان الفضلاء: المراد بالسبق في قوله: «إنّكم سبقتموهم»، السبق باعتبار المرتبة دون الزمان، قال: «فهنيئاً» نصب بفعل محذوف، والتقدير: فاغتنموا هنيئاً، أي عيشاً هنيئاً.أقول: بل المراد السبق باعتبار الزمان، و«هنيئاً» نصب على أنّه مفعول مطلق لفعل محذوف في جملة دعائيّة، هنؤ الطعام كحسن يهنؤ هناءة بالفتح والمدّ، أي صار هنيئاً.و«ما» في (فما نرى) قيل: نافية وقيل استفهاميّة. وقرأ برهان الفضلاء «ترى» على الخطاب من الإفعال، قال: والمراد هنا الإراءة شيئاً عين القلب، كما في حالة مدح شي ء عند أحد.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ (2) ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ فِي خُطْبَةٍ

.


1- .في الكافي المطبوع: «تقام».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أسامة، عن هشام و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم».

ص: 558

لَهُ : «اللَّهُمَّ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ كُلُّهُ، وَ لَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ، وَ أَنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ - ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ - كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ ، وَ لَا يَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ بَلْ أَيْنَ هُمْ ؟ وَ كَمْ ؟ أُولئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، وَ الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ - قَدْراً ، الْمُتَّبِعُونَ لِقَادَةِ الدِّينِ ، الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ ، الَّذِينَ يَتَأَدَّبُونَ بِآدَابِهِمْ ، وَ يَنْهَجُونَ نَهْجَهُمْ ؛ فَعِنْدَ ذلِكَ يَهْجُمُ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ ، فَتَسْتَجِيبُ أَرْوَاحُهُمْ لِقَادَةِ الْعِلْمِ ، وَ يَسْتَلِينُونَ مِنْ حَدِيثِهِمْ مَا اسْتَوْعَرَ عَلى غَيْرِهِمْ ، وَيَأْنَسُونَ بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُمْ (1)الْمُكَذِّبُونَ، وَ أَبَاهُ الْمُسْرِفُونَ، أُولئِكَ أَتْبَاعُ الْعُلَمَاءِ، صَحِبُوا أَهْلَ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - وَ أَوْلِيَائِهِ ، وَ دَانُوا بِالتَّقِيَّةِ عَنْ دِينِهِمْ ، وَ الْخَوْفِ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَأَرْوَاحُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَلاَ(2) الْأَعْلى ، فَعُلَمَاؤُهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ خُرْسٌ ، صُمْتٌ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ ، يَنْتَظِرُونَ لِدَوْلَةِ الْحَقِّ ، وَ سَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ، وَ يَمْحَقُ الْبَاطِلَ ، هَاه ، هَاه (3)؛ طُوبى لَهُمْ عَلى صَبْرِهِمْ عَلى دِينِهِمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ ، وَ يَا شَوْقَاهْ إِلى رُؤْيَتِهِمْ فِي حَالِ ظُهُورِ دَوْلَتِهِمْ ، وَ سَيَجْمَعُنَا اللَّهُ وَ إِيَّاهُمْ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَ أَزْوَاجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ» .

هديّة:(يأرز) - بتقديم المهملة كنصر وضرب - في حجره أو في بيته: يختفي بحيث ينضمّ بعضه إلى بعض للاختفاء.قال ابن الأثير في نهايته: وفيه: «أنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحيّة إلى حجرها» أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.(4)(موادّه): جمع مادّة، أي أُصوله ومأخذه، ومنها: محكمات الكتاب والسنّة.(لا تخلى) من الإفعال أو التفعيل.

.


1- .في الكافي المطبوع: «منه».
2- .في الكافي المطبوع: «بالمحلّ».
3- .في الكافي المطبوع: «ها ها».
4- .النهاية، ج 1، ص 37 «أرز».

ص: 559

(مغمور): مستور، وفي بعض النسخ: «مغمود» بالدال، أي مختفي، كالسيف في غمده. في بعض النسخ: «حجّتك» مكان (حججك) على الجمع.و«القادة»: السّادة.«نهج» كمنع: سلك طريقاً واضحاً.(يهجم بهم العلم) كنصر: يرد عليهم من حيث لا يحتسبون.«يستجيب»: يطيع.«استلانه»: عدّه ليّناً.(ما استوعر) على المجهول: ما استصعب.(بطاعة اللَّه تبارك وتعالى) نصٌّ في أنّ المصاحبة مع غير المؤمن تقيّةً طاعةٌ مرضيّة مقبولة.(عن دينهم) أي ذابّين عنه أو الظرف صلة التقيّة.في بعض النسخ: «بالمحلّ الأعلى». و«الملأ»: الجماعة، ويطلق على المجمع أيضاً، والمراد خِدْمة الإمام عليه السلام وقربه.وقال بعض المعاصرين: يعني متوجّهة إلى مشاهدة جمال حضرة الربوبيّة،(1) فلو كان يتمّ الكلام بنحو قولنا: جمال اللَّه جمال حججه عليهم السلام.في بعض النسخ: «منتظرون» بالميم.(هاه هاه) بهاء السكت، ساكنة أو مفتوحة، و«هاها» بدونها، يُقال إظهاراً للشوق والتكرار تأكيد. و«ها» لها مقامات تكون للتنبيه، واسماً للفعل بمعنى خذ، وغير ذلك ممّا فصّل في كتب العربيّة.(ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم) ناظر إلى آية سورة المؤمن.(2)

.


1- .الوافي، ج 2، ص 411، ذيل ح 913.
2- .غافر (40): 8.

ص: 560

الباب الثمانون: باب في الغيبة

الباب الثمانون : بَابٌ فِي الْغَيْبَةِوأحاديثه كما في الكافي إحدى وثلاثون:

الحديث الأوّل روى في الكافي بإسناده عَنْ صَالِحِ بْنِ خَالِدٍ(1) ، عَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام جُلُوساً ، فَقَالَ لَنَا : «إِنَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ - ثُمَّ قَالَ هكَذَا بِيَدِهِ - فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ الْقَتَادِ بِيَدِهِ ؟»ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيّاً ، ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدٌ ، وَ لْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ».

هديّة:«الجلوس»: جمع جالس.(لصاحب هذا الأمر) أي لصاحبه في ظهوره بظهور دولة الحقّ ونوبتها.(ثمّ قال) أي أشار، وهذا أحد معاني «قال»، يعني ثمّ أشار بيده بجذبها من فوقٍ إلى سفلٍ.و(القتاد) كسحاب: شجر شوكه صلب كالاٍبرة، و«الخرط»: انتزاع الورق باليد بمجموعها اجتذاباً، و«خرط القتاد» و«خارط القتاد»: يضرب مثلاً لكلّ أمرٍ صعب، ومن ارتكب له.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، والحسن بن محمّد جميعاً، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن صالح بن خالد».

ص: 561

(مليّاً) أي ساعة طويلة أو زماناً طويلاً.

الحديث الثاني روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ ، لَا يُزِيلَنَّكُمْ (2)عَنْهَا أَحَدٌ ؛ يَا بُنَيَّ ، إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتّى يَرْجِعَ عَنْ هذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - امْتَحَنَ بِهَا خَلْقَهُ ، لَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَ أَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هذَا ، لَاتَّبَعُوهُ».قَالَ : فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي ، مَنِ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟ فَقَالَ : «يَا بُنَيَّ ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هذَا ، وَ أَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ ، وَ لكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ» .

هديّة:قيل: الظاهر زيادة «عن أبيه» بعد (موسى بن جعفر)، وعلى المضبوط من دون إسقاطٍ، ف (يا بنيّ) إمّا على التصغير، فخطاب للأخ باسم الابن، أو على الجمع بقرينة ضماير الجمع فيما يأتي، ولا مانع من وحدة السائل وتعدّد المخاطب بالجواب.(اللَّه) نصب بتقدير «اتّقوا» أو ما يفيد معناه ممّا يفيد التحذير، والتكرار تأكيد.في بعض النسخ: «من غيبة» بدون الضمير، (حتّى يرجع) يحتمل الرفع والنصب.(أصحّ من هذا) أي من الإسلام الذي من أركانه (3) وجوب وجود المعصوم لدين اللَّه ما دامت الدنيا.(آباؤكم) إلى إبراهيم عليه السلام، بل إلى آدم عليه السلام.(أحلامكم) أي حواصلكم، جمع الحلم بالكسر، وهو العقل والأناة.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن جعفر».
2- .في الكافي المطبوع: «لا يزيلكم».
3- .في «الف»: + «معرفة».

ص: 562

(عن هذا) أي عن وصف شأنه بطول غيبته للامتحان بسرّ حكمته.والاستدراك كناية عن تحقّق الوقوع والحثّ على الاعتقاد بذلك.

الحديث الثالث روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَاوِرِ(1) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِيَّاكُمْ وَ التَّنْوِيهَ ، أَمَا وَ اللَّهِ لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ ، وَ لَتُمَحَّصُنَّ حَتّى يُقَالَ : مَاتَ ؟ قُتِلَ ؟ هَلَكَ ؟ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ ؟ وَ لَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ لَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ ، فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ ، وَ كَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ ، وَ لَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ» .قَالَ : فَبَكَيْتُ ، ثُمَّ قُلْتُ : فَكَيْفَ يَصْنَعُ (2) ؟ قَالَ : فَنَظَرَ إِلى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ ، فَقَالَ : «يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، تَرى هذِهِ الشَّمْسَ ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «وَ اللَّهِ ، لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هذِهِ الشَّمْسِ» .

هديّة:نوّه باسمه تنويهاً: رفع ذكره وشهّره.(ليغيبنّ) على المعلوم من المجرّد، أو خلافه من التفعيل .والثاني أولى؛ لوجوه ظاهرة للفطن.(سنيناً) بالتنوين كما هو المضبوط، قال: المكوّدي في شرحه على ألفيّة ابن مالك: قد يستعمل باب سنين استعمال «حين»،(3) فلزم فيه الياء ويعرب بالحركات الثلاث في النون ولا يحذف النون للإضافة، ومنه قوله صلى اللَّه عليه وآله: «اللّهمَّ اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف»(4) في إحدى الروايتين.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نجران، عن محمّد بن المساور».
2- .في الكافي المطبوع: «نصنع».
3- .راجع شرح ابن عقيل، ج 1، ص 62.
4- .الخرائج والجرائح، ص 116؛ قرب الإسناد، ص 126.

ص: 563

وقرأ برهان الفضلاء: «سنيناً» بفتح السين من السنّ بالفتح أيضاً، قال: يُقال: سنّ الإبل كمدّ ساقه بسرعة، فالسنين فعيل بمعنى المفعول، أي مطروداً بطرد الأعداء له عليه السلام.و«التمحيص»: الابتلاء والاختبار. وقرأ برهان الفضلاء على الغائب المعلوم من باب منع، من المحص وهو عَدْو الغزال، والمراد الفرار من الأعداء، والنون على القراءتين للتأكيد.«دمعت عينه» كمنع.«تكفأ» على المجهول من الإفعال، أي تقلب، يعني أنتم أو المؤمنون تقلبون كما تقلب السفينة في الأمواج، والمراد شدّة الاضطراب.و«الرايات المشتبهات»: من أعلام ظهور القائم عليه السلام. وقرأ برهان الفضلاء: «مشتبهة» بفتح المفردة، على اسم المكان وكونها محالّ الاشتباه؛ لادّعائهم ظاهراً خلاف ما في قلوبهم، كادّعاء بعض الصوفيّة القدريّة التشيّع؛ فالمراد بها صاحبها.(أيّ من أيّ) يعني لا يدرى أيّ من الحقّ وأيّ من الباطل.وفي إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنى عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه».(1)(لا يدرى) على المجهول، (أيّ) مبتدأ، لا نائب الفاعل لمنع الاستفهام من أعمال أفعال القلوب.(فكيف يصنع) على الغائب المجهول أو المتكلّم مع الغير.(أبين من هذه الشمس) أي لكلّ مبصر، فالعدوان من خبث الولادة، فإنّ عداوة الحرباء - بالكسر والمدّ - للشمس ليست لإنكارها نورانيّتها، بل ناشئة من طينتها.

الحديث الرابع روى في الكافي بإسناده عَنْ فَضَالَةَ(2) ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام

.


1- .الإرشاد، ج 2، ص 372.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب».

ص: 564

يَقُولُ : «إِنَّ فِي صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ شَبَهاً مِنْ يُوسُفَ عليه السلام». قَالَ : قُلْتُ لَهُ : كَأَنَّكَ تَذْكُرُ حَيَاتَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ ؟قَالَ : فَقَالَ لِي : «وَ مَا تُنْكِرُ(1) مِنْ ذلِكَ هذِهِ الْأُمَّةُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ ؟! إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ ، تَاجَرُوا يُوسُفَ وَ بَايَعُوهُ وَ خَاطَبُوهُ وَ هُمْ إِخْوَتُهُ وَ هُوَ أَخُوهُمْ ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتّى قَالَ : أَنَا يُوسُفُ وَ هذَا أَخِي ، فَمَا تُنْكِرُ هذِهِ الْأُمَّةُ الْمَلْعُونَةُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِحُجَّتِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ ؟إِنَّ يُوسُفَ عليه السلام كَانَ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ ، وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ لَقَدَرَ عَلى ذلِكَ ، لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ عليه السلام وَ وُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلى مِصْرَ ، فَمَا تُنْكِرُ هذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَ جَلَّ - بِحُجَّتِهِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَمْشِيَ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَ يَطَأَ بُسُطَهُمْ ، حَتّى يَأْذَنَ اللَّهُ فِي ذلِكَ (2) كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ عليه السلام : «قَالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ»(3) .

هديّة:(حياته أو غيبته) الشكّ من فضالة أو الراوي عنه. وقرأ برهان الفضلاء: «حبوته» بالمفردة، أي العطاء من غير عوض، قال: والمراد هنا السلطنة مستقلّاً.(وما تنكر من ذلك) أي من غيبته في حياته على الاستفهام التعجّبي.و«السبط» بالكسر: ولد الولد، ف (أولاد الأنبياء) عطف بيان. وقال برهان الفضلاء: و«الأسباط» هنا جمع سبط بالتحريك، وهو كالصنو، أي الأغصان من أصلٍ واحد. وفي النهاية الأثيريّة: «السبط»: ولد الولد والاُمّة، والأسباط في أولاد إسحاق بمنزلة القبائل في أولاد إسماعيل.(4)

.


1- .في الكافي المطبوع: «ينكر».
2- .في الكافي المطبوع: + «له».
3- .يوسف (12): 90.
4- .النهاية، ج 2، ص 334 (سبط).

ص: 565

الحديث الخامس روى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ(1) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلْغُلَامِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ» . قَالَ : قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : «يَخَافُ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، وَ هُوَ الْمُنْتَظَرُ ، وَ هُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : حَمْلٌ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسَنَتَيْنِ ؛ وَ هُوَ الْمُنْتَظَرُ ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَ جَلَّ - يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ الشِّيعَةَ ، فَعِنْدَ ذلِكَ يَرْتَابُ الْمُبْطِلُونَ يَا زُرَارَةُ».قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْ ءٍ أَعْمَلُ ؟قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، إِذَا أَدْرَكْتَ ذلِكَ الزَّمَانَ ، فَادْعُ بِهذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».ثُمَّ قَالَ : «يَا زُرَارَةُ ، لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالْمَدِينَةِ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَ لَيْسَ يَقْتُلُهُ جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ ؟ قَالَ : «لَا ، وَ لكِنْ يَقْتُلُهُ جَيْشُ آلِ بَنِي فُلَانٍ ، يَجِي ءُ حَتّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ ، فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُهُ ، فَإِذَا قَتَلَهُ بَغْياً وَ عُدْوَاناً وَ ظُلْماً ، لَا يُمْهَلُونَ ؛ فَعِنْدَ ذلِكَ تَوَقُّعُ الْفَرَجِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .

هديّة:(يخاف) أي من القتل.(وأومأ بيده إلى بطنه) قيل: يعني إلى جسده، وقال برهان الفضلاء: يعني إلى أنّ عدوّه من صلبي، وهو جعفر الكذّاب، وهو منشأ الفساد الموجب أوّلاً للغيبة، وسيجي ء تفسيره بقوله: «يعني القتل»(2) ولا مانع من الجمع.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد اللَّه بن موسى، عن عبد اللَّه بن بكير».
2- .الحديث 9 من هذا الباب.

ص: 566

(حمل) أي مات أبوه وهو حمل، ويحتمل «حمل» على ما لم يسمّ فاعله من باب ضرب، والمعنى واحد؛ صرّح به برهان الفضلاء وقال: إذ المصدر أيضاً هنا بمعنى المفعول.(وهو المنتظر، غير أنّ اللَّه عزّ وجلّ) من كلام القائل الأخير، وهو حقّ عند جماعة من العصابة، وستعرف الاختلاف في أبواب التاريخ في سنّه عليه السلام عند مضيّ أبيه عليهما السلام، وهذا الحديث لا يقيم حجّة لهم؛ لما لا يخفى.ليس في بعض النسخ بعد (المبطلون يا زرارة) إلى قوله: (أيّ شي ء أعمل).(ضللت): كعلم، على لغة أهل العالية في الماضي، وكضرب، على لغة أهل نجد، قال الجوهري: وهي الفصيحة، قال اللَّه تعالى: «قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي»(1)، وأهل العالية يكسرون اللام في الماضي ويفتحون الضاد في المضارع.(2)«سفيان»: مثلّثة السين. ويستفاد من قوله عليه السلام في حديث الروضة بعد حديث يأجوج: «فيبتدر الحسنى إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكّة فيقتلونه»(3) أن يكون الغلام من بني الحسين، ويكون «بنو فلان» عبارة عن بني الحسن، و«الآل» يقال للعالي أيضاً؛ لأنّه يقال للأرفع من أعضاء الإبل أيضاً، قال: بني فلان يعني سيّدهم في زمانه، فالحسني قاتل بالمدينة مقتول بمكّة. قال برهان الفضلاء:والسفياني نسبة إلى سفيان، وهو اسم مشترك بين جماعة، منهم سفيان الثوري من الصوفيّة القدريّة، وفي الحديث: أنّ اسم السفياني عثمان، والمشهور أنّه من بني اُميّة.(توقّع الفرج) يحتمل الأمر والمصدر. وفي إرشاد المفيد رحمة اللَّه عليه بسند متّصل قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «ليس بين قيام القائم وبين قتل النفس الزكيّة أكثر من خمسة عشر ليلة».(4)

.


1- .سبأ (34): 50.
2- .لم نعثر عليه ولكن انظر: لسان العرب، ج 11، ص 390 (ضلل).
3- .الكافي، ج 8، ص 225، ح 285؛ وفي الطبعة الجديدة، ج 15، ص 515، ح 15101.
4- .الإرشاد، ج 2، ص 374.

ص: 567

الحديث السادس روى في الكافي بإسناده عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ(1) ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «يَفْقِدُ النَّاسُ إِمَامَهُمْ ، يَشْهَدُ الْمَوْسِمَ ، فَيَرَاهُمْ ، وَ لَا يَرَوْنَهُ» .

هديّة:الموقف في موسم الحجّ. قال برهان الفضلاء: يعني في غيبته الصغرى؛ للحديث الآتي وفيه: «أنّ للقائم غيبتان يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه».(2)أقول: يعني في الكبرى؛ لما ثبت من رؤيته في الصغرى، ولحديث إسحاق بن عمّار الآتي في هذا الباب.

الحديث السابع روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ(3) ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَوَجَدْتُهُ مُتَفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا لِي أَرَاكَ مُتَفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ ؟ أَ رَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا ؟فَقَالَ : «لَا وَ اللَّهِ ، مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَ لَا فِي الدُّنْيَا يَوْماً قَطُّ ، وَ لكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ مِنْ ظَهْرِي، يَكُونُ مِنْ ظَهْرِ(4) الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي ، هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلاً(5) ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، يَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَ حَيْرَةٌ ، يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ ، وَ يَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ».

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللَّه بن بكير، عن عبيد بن زرارة».
2- .الحديث 12 من هذا الباب.
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن عبد اللَّه بن محمّد بن خالد، قال: حدّثني منذر بن محمّد بن قابوس، عن منصور بن السندي، عن أبي داود المسترق، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الحارث بن المغيرة».
4- .في الكافي المطبوع: «في مولود يكون من ظهري» بدل «في مولود من ظهري يكون من ظهر».
5- .في الكافي المطبوع: «عدلاً و قسطاً» بدل «قسطاً و عدلاً».

ص: 568

فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ كَمْ تَكُونُ الْحَيْرَةُ وَ الْغَيْبَةُ ؟ قَالَ : «سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ» .فَقُلْتُ : وَ إِنَّ هذَا لَكَائِنٌ ؟ فَقَالَ : «نَعَمْ ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَ أَنّى لَكَ بِهذَا الْأَمْرِ يَا أَصْبَغُ ، أُولئِكَ خِيَارُ هذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ خِيَارِ أَبْرَارِ هذِهِ الْعِتْرَةِ».فَقُلْتُ : ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ ؟ فَقَالَ : «ثُمَّ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ؛ فَإِنَّ لَهُ بَدَاءَاتٍ وَ إِرَادَاتٍ ، وَ غَايَاتٍ وَ نِهَايَاتٍ» .

هديّة:نكت في الأرض - كنصر - بإصبعه أو برأس عود: ضرب فأثّر فيها.ليس في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : (من ظهري). قال: «من ظهر الحادي عشر من ولدي» بتقدير «من ظهري»، و«الحادي عشر»: مبتدأ، و«من ولدي»؛ حال أو صفة «الحادي عشر»، ثمّ احتمل إضافة «الظهر» إلى «الحادي عشر»، أي الإمام الحادي عشر، وكون «من ولدي» صفة للمولود، ومتعلّقاً بالمهدي. والواو في (وحيرة) بمعنى «مع»، والحيرة إنّما هي من الرعيّة. وجملة (يضلّ) صفة للحيرة، ولعلّ الستّ مدّة الغيبة عن الجميع في مبدأ الصغرى. يحتمل أن يكون الواو في (والغيبة) بمعنى «مع» فيقرأ بالنصب، فالمراد السؤال عن مدّة الحيرة لا مدّة الغيبة؛ صرّح به برهان الفضلاء وقال: ولذا عكس الترتيب الأوّل، فلو كانت الواو للعطف، فالسؤال عن مدّة المجموع من حيث المجموع، والمعنى واحد، والترديد لتقسيم المؤمنين باعتبار الحيرة، أو الشكّ من الراوي.(كما أنّه مخلوق) يعني كأنّه مخلوق بالفعل، أو المعنى :كما لا شكّ عند كونه مخلوقاً لا شكّ قبل ذلك أيضاً.(قال: ستّة أيّام) قال الفاضل الاسترآبادي:يعني آحاد مدّة الغيبة، فالظهور في السابع وهو الفرد؛ ليوافق الأحاديث الدالّة على أنّ الظهور في فرد من السنين، سواء كان من آحاد العشرات والمئات والاُلوف، والمراد ما

.

ص: 569

قدّر للغيبة القصرى وأنّى لك بهذا الأمر، يعني معرفة مرتبة شأنهم، انتهى.(1)وقال بعض المعاصرين:وإنّما حدّ الحيرة والغيبة بالستّ مع أنّ الأمر زاد على الستمائة لدخول البداء في أفعال اللَّه سبحانه كما أشار إليه عليه السلام بقوله: «يفعل اللَّه ما يشاء» يدلّ على ذلك رواية الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ وقّت هذا الأمر في السبعين، فلمّا قتل الحسين عليه السلام أخّره إلى أربعين ومائة» الحديث.(بداءات) يعني بداءة بعد بداءة غيرها، وكذا «الإرادات» و«الغايات»، انتهى.ليس «بداءات» جمع بداءة، بل جمع بداء، والتاء في بداءة لا معنى لها إلّا أن تكون للوحدة، والمصدر «بداء» بالفتح والمدّ، ولم يسمع بداءة، والجمع المؤنّث إذا كان مع المدّ على ثلاثة أقسام: إمّا همزته أصليّة، فيجب إبقاء الهمزة كقراءات، أو زائدة، فيجب قلبها بالواو كصحراوات، وإمّا منقلبة عن الواو والياء، فجائز إبقاء الهمزة كبداءات وقلبها بالواو كبداوات.

الحديث الثامن روى في الكافي بإسناده عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ(2) ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ ، حَتّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ وَ مِلْتُمْ بِأَعْنَاقِكُمْ ، غَيَّبَ اللَّهُ عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ ، فَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمْ يُعْرَفْ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ ، فَإِذَا طَلَعَ نَجْمُكُمْ فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ» .

هديّة:قد يطلق النجوم على البروج الاثنى عشر - كما هنا - تعبيراً عن صاحب العلامة بها.(حتّى إذا أشرتم بأصابعكم) أي إلى إمامكم، وكذا (وملتم بأعناقكم) أي إلى إمامكم، فكناية عن ظهور دلائل الحقّيّة وشيوعها بتواتر الطلوع بذلك الامتياز حسباً ونسباً.

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 160 مع اختلاف.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير».

ص: 570

وقال برهان الفضلاء: يعني حتّى إذا جعلتم إمامكم مشاراً إليه بالأصابع، وملتم بأعناقكم من ظلم الظَّلمة والطواغيت.(فاستوت) أي استولت، كما مرّ من تفسير استوى باستولى، والمراد بنو العبّاس، وقيل: يعني في عدم كونهم إماماً.(فلم يعرف أيّ من أيّ)، قال الفاضل الاسترآبادي: فإنّ أهل الخلاف والزيديّة يقولون هو محمّد بن عبداللَّه، ثمّ اختلفوا في أنّه هو حسنيّ أو حسينيّ.(1)

الحديث التاسع روى في الكافي بإسناده، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ ، عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ(2) ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلْقَائِمِ عليه السلام غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ». قال:(3)قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : «إِنَّهُ يَخَافُ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ، يَعْنِي الْقَتْلَ .

هديّة:التفسير من زرارة أو الراوي عنه.

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(4) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَةٌ ، فَلَا تُنْكِرُوهَا» .

هديّة:أي فلا تكونوا كالمعترض على الشيعة بأنّ غيبة الإمام تعطيل اللطف، واستمرار اللطف واجب عندكم، وتوقيع الصاحب عليه السلام في جواب مثل الشبهة - بأنّ ضوء النهار من

.


1- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 161.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن ابن بكير».
3- .في الكافي المطبوع: - «قال».
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».

ص: 571

الشمس وإن كان يوم غيم، وللَّه سبحانه في ذلك حِكَم ومصالح، وهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون - مشهور.(1)

الحديث الحادي عشر روى في الكافي بإسناده عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَلَفِ بْنِ عَبَّادٍ الْأَنْمَاطِيِ (2) ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ أُنَاسٌ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذلِكَ غَيْرِي ، فَقَالَ : «أَمَا وَ اللَّهِ لَيَغِيبَنَّ عَنْكُمْ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ، وَ لَيَخْمِلَنَّ حَتّى يُقَالَ : مَاتَ ؟ هَلَكَ ؟ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ ؟! وَ لَتُكْفَؤُنَّ كَمَا تُكْفَأُ السَّفِينَةُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ ، لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ ، وَ كَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ ، وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ ، وَ لَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».قَالَ : فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ : «مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟» . فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، كَيْفَ لَا أَبْكِي وَ أَنْتَ تَقُولُ : «اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ ؟!» قَالَ : وَ فِي مَجْلِسِهِ كَوَّةٌ تَدْخُلُ مِنهَا(3) الشَّمْسُ ، فَقَالَ : «أَ بَيِّنَةٌ هذِهِ ؟» فَقُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «أَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هذِهِ الشَّمْسِ» .

هديّة:بيان أكثر فقراته كما في هديّة الحديث الثالث.(أراد بذلك غيري) قيل: أي بالخطاب بقوله: (أما واللَّه). وقال برهان الفضلاء: إشارة إلى المذكور سابقاً المطويّ هنا، وهو قوله عليه السلام في الحديث الثالث: «إيّاكم والتنويه»، قال: يعني ثمّ ظهر أنّ قصده عموم الخطاب.و«الخمول»: الخفاء، خمل كنصر.و«الكوّة» بالفتح والتشديد: ثقب البيت، وبالضمّ لغة.

.


1- .كمال الدين، ج 2، ص 483؛ الاحتجاج، ج 2، ص 469؛ وعنه في البحار، ج 53، ص 180، ح 10.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن الحسن بن معاوية، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن إبراهيم بن خلف بن عبّاد الأنماطي».
3- .في الكافي المطبوع: «فيها».

ص: 572

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ(1) ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لِلْقَائِمِ عليه السلام غَيْبَتَانِ ، يَشْهَدُ فِي إِحْدَاهُمَا الْمَوَاسِمَ ، يَرَى النَّاسَ ، وَ لَا يَرَوْنَهُ» .

هديّة:(يرى الناس) حال من فاعل (يشهد).(غيبتان): صغرى وكبرى.

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ أَبِي حَمْزَةَ(2) ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام تَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلَامِ ، وَ حُفِظَ عَنْهُ ، وَ خَطَبَ بِهِ عَلى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ : «اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ حُجَجٍ فِي أَرْضِكَ ، حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ عَلى خَلْقِكَ ، يَهْدُونَهُمْ إِلى دِينِكَ ، وَ يُعَلِّمُونَهُمْ عِلْمَكَ ، كَيْلَا يَتَفَرَّقَ أَتْبَاعُ أَوْلِيَائِكَ ، ظَاهِرٍ غَيْرِ مُطَاعٍ ، أَوْ مُكْتَتَمٍ يُتَرَقَّبُ ، إِنْ غَابَ عَنِ النَّاسِ شَخْصُهُمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ ، فَلَمْ يَغِبْ عَنْهُمْ قَدِيمُ مَبْثُوثِ عِلْمِهِمْ ، وَ آدَابُهُمْ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مُثْبَتَةٌ ، فَهُمْ بِهَا عَامِلُونَ».وَ يَقُولُ عليه السلام فِي هذِهِ الْخُطْبَةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : «فِيمَنْ هَذَى (3) ؟ وَ لِهذَا يَأْرِزُ الْعِلْمُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ حَمَلَةٌ يَحْفَظُونَهُ ، وَ يَرْوُونَهُ كَمَا يَسْمَعُونَهُ (4) مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَ يَصْدُقُونَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ؛ اللَّهُمَّ فَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ كُلُّهُ ، وَ لَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ ، وَ إِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ عَلى خَلْقِكَ ، ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ ؛ كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ ، وَ لَا يَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسن بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري، عن يحيى بن المثنّى، عن عبد اللَّه بن بكير».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد و محمّد بن يحيى و غيره، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن أبي حمزة».
3- .في الكافي المطبوع: «هذا».
4- .في الكافي المطبوع: «سمعوه».

ص: 573

إِذْ هَدَيْتَهُمْ ، بَلْ أَيْنَ هُمْ ؟ وَ كَمْ هُمْ ؟ أُولئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، الْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً» .

هديّة:بيان أكثر فقراته كما في هديّة الحديث الآخر من الباب السابق.في بعض النسخ: «أتباع اُولئك» مكان (أتباع أوليائك)، وفي بعض آخر: «أتباع نبيّك».و(المبثوث): المنتشر.و(آدابهم) رفع على الابتداء، والواو ابتدائيّة.(فيمن هذى) في ذمّ من شأنه الهذيان في معارف الدِّين كالصوفيّة القدريّة المصرّحين بحقّية شرع الحكيم المكفّر لمن قال بمقالة مثل الحلّاج والرومي والبسطامي، ثمّ بحقّية تلك المقالة وكون صاحبها من أولياء اللَّه، بل من القطرات المتّصلة ببحرها صائرة عينها، وأمثال هذا الهذيان كثير في كتب محقّقيهم الواصلة لكن إلى جهنّم وبئس المصير.في بعض النسخ: «كما سمعوه» على الماضي.صدق عليه في القول كنصر.

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ(1) ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ» قَالَ : «إِذَا غَابَ عَنْكُمْ إِمَامٌ (2) ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ جَدِيدٍ؟» .

هديّة:الميم في (معين) في آية سورة الملك (3) إن كانت أصليّة، فبمعنى الجديد

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم بن معاوية البجليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام».
2- .في الكافي المطبوع: «إمامكم».
3- .الملك (67): 30.

ص: 574

والمستأنف، وإن كانت زائدة، فبمعنى المبصر والمرئي؛ قاله برهان الفضلاء. وقال الجوهري: ماء معين، أي جارٍ، ثمّ قال: يُقال هو مفعول من عنت الماء إذا استنبطته.(1)

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ (2) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِكُمْ غَيْبَةٌ ، فَلَا تُنْكِرُوهَا» .

هديّة:بيانه كمثله وهو الحديث العاشر.

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(3) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ ، وَ لَا بُدَّ لَهُ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ عُزْلَةٍ ، وَ نِعْمَ الْمَنْزِلُ طَيْبَةُ ، وَ مَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ» .

هديّة:«العزلة» بالضمّ، و«الطيبة» بالفتح وسكون الخاتمة: اسم المدينة الطيّبة المنوّرة.و«الثلاثون» كما قال برهان الفضلاء، هم النطسة، ثلاثون من خواصّ العصابة يكونون أبداً في خدمته عليه السلام في حوالى المدينة من جانب مكّة، إذا مات أحدهم يقام مقامه آخر مثله في مرتبته. ويذكر معنى النطسة في هديّة التالي بمزيد بيان للمقام.وقال الفاضل الاسترآبادي رحمة اللَّه عليه في بيان آخر الحديث: يعني كان طيبة منزله عليه السلام، وكان يستأنس بثلاثين رجلاً من أوليائه، ويحتمل أن يكون هذا في الغيبة الصغرى.(4)

.


1- .الصحاح، ج 6، ص 2205 (معن).
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم».
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير».
4- .الحاشية على اُصول الكافي، ص 161.

ص: 575

وقال بعض المعاصرين: كأنّه إشارة إلى الغيبة القصرى إذ في الطولى لا سبيل للشيعة إليه، ثمّ قال: يعني إذا اعتزل عليه السلام فيها ومعه ثلاثون من شيعته، فلا وحشة.(1)

الحديث السابع عشرروى في الكافي بهذا الإسناد عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا وَقَعَتِ الْبَطْشَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ ، فَيَأْرِزُ الْعِلْمُ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا ، وَ اخْتَلَفَتِ الشِّيعَةُ ، وَ سَمّى بَعْضُهُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ ، وَ تَفَلَ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ ؟» قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا عِنْدَ ذلِكَ مِنْ خَيْرٍ ، فَقَالَ لِي : «الْخَيْرُ كُلُّهُ عِنْدَ ذلِكَ» ثَلَاثاً .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «إذا وقعت النطسة» بالنون والمهملتين، جمع ناطس وهو الجاسوس، ومن له حظّ وافر من البصيرة في الاُمور، وهم ثلاثون من خواصّ الشيعة يكونون في خدمة الصاحب عليه السلام في غيبته بإذن اللَّه تعالى، ومقامهم فيما بين الحرمين قرب المدينة، وقيل: داخل المدينة، وقيل: في الروحا بالضمّ والقصر فيما بين المسجدين، إذا مات واحد منهم يقام مثله من العصابة مقامه بإذن اللَّه تعالى. وقول الصوفيّة القدريّة برجال الغيب وأنّهم أربعون من المرتاضين الواصلين مأخوذٌ من مثله، ألا ترى كلّ مدّع لحقّية بدعة يدّعي وليس باطله إلّا مخلوطاً بشي ء ظاهراً من الحقّ.وضبط بعض المعاصرين «البطشة» كما هو الأكثر، وقال: «البطشة»: السطوة والأخذ بالعنف، فكأنّها إشارة إلى واقعة قبل غيبته الكبرى، وقيل: بل إلى التي لم تقع بعد، وهي من علامات الظهور.وقال برهان الفضلاء: وضبط مولانا محمّد أمين الاسترآبادي «البطشة» بالمفردة والشين المعجمة، وقال: كأنّه إشارة إلى خسف السفياني، وهو تصحيف سيّما بناء

.


1- .الوافي، ج 2، ص 415، ذيل ح 925.

ص: 576

على حمله إيّاها على واقعة السفياني ونحوها من العلامات المقارنة للظهور؛ لعدم تناسبه لتتمّة الحديث.(ما عند ذلك) استفهاميّة، فمن للتبعيض، أو نافية، فمن زائدة، وإنّما يكون الخير كلّه في غيبة الإمام لتضاعف الحسنات فيها وفضل الإيمان بالغيب فشرّيّتها للمرتابين وخيريّتها للمؤمنين الصابرين المنتظرين فرجهم بإذن اللَّه سبحانه.

الحديث الثامن عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى (1) ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ؛ إِنَّهُ يَخَافُ» وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ ، يَعْنِي الْقَتْلَ .

هديّة:بيانه كالحديث التاسع.

الحديث التاسع عشرروى في الكافي بإسناده عَن السرّاد(2)، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لِلْقَائِمِ عليه السلام غَيْبَتَانِ : إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ ، وَ الْأُخْرى طَوِيلَةٌ ؛ الْغَيْبَةُ الْأُولى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِهِ ، وَ الْأُخْرى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيهِ» .

هديّة:لعلّ المراد ب «خاصّة شيعته» سفراؤه، وب «الموالي» الذين يخدمونه في بلدته الغائبة عن الأنظار كالنطسة فيما بين الحرمين وهم ثلاثون، فإنّ المشهور أنّ الشيعة ليس لهم سبيل إليه عليه السلام في الغيبة الطولى.

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «و بهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عيسى».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار».

ص: 577

وكان له عليه السلام في الغيبة القصرى سفراء يخرج إلى الشيعة بأيديهم توقيعات، ومعظم السفراء أربعة، وكان أوّلهم الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، فلمّا حضره ما حضره أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ، فلمّا حضرت وفاة السمري سئل أن يوصي، فقال: للَّه أمر هو بالغه، فالغيبة الكبرى هي التي وقعت بعد مضيّ السمري، وقد روي أنّه خرج توقيع منه صلوات اللَّه عليه إلى السمري في سنة كان يموت فيها: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم عليّ بن محمّد السّمري أعظم اللَّه أجر إخوانك فيك. فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلّا بإذن اللَّه عزّ وجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمَن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر؛ ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم».(1)

الحديث العشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ عَمِّهِ (2)، عَنْ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ : «لِصَاحِبِ هذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَانِ : إِحْدَاهُمَا يَرْجِعُ مِنْهَا إِلى أَهْلِهِ ، وَ الْأُخْرى يُقَالُ : هَلَكَ ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ».قُلْتُ : كَيْفَ نَصْنَعُ إِذَا كَانَ كَذلِكَ ؟ قَالَ : «إِذَا ادَّعَاهَا مُدَّعٍ ، فَاسْأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ يُجِيبُ فِيهَا مِثْلَهُ» .

هديّة:(يرجع) أي في بعض الأحيان، وجملة (يجيب) صفة ل «لأشياء».

.


1- .الغيبة للطوسي، ص 395؛ كمال الدين، ج 2، ص 516، ح 44.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى و أحمد بن إدريس، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير».

ص: 578

(مثله) أي مثل صاحب الأمر؛ يعني عن التي لا يجيب فيها إلّا الحجّة المعصوم الخاصّ به علم القرآن الجامع لكلّ رطبٍ ويابس والأنساب والمنايا والعلم بمستندات كلّ قول وحكم شرعيّ من القرآن، وغير ذلك من خصائص الإمام العاقل عن اللَّه جلّ ذكره. وقيل: «مثله» أي مثل الذي أجاب في كلّ ما يسأل عنه وأرى دليله (1) مطابقاً لما ثبت من المعصومين الماضين من اُصول المذهب.

الحديث الحادي والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ شُعَيْبٍ (2) ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ صَاحِبُ هذَا الْأَمْرِ ؟ فَقَالَ : «لَا». فَقُلْتُ : فَوَلَدُكَ ؟ فَقَالَ : «لَا» . فَقُلْتُ : فَوَلَدُ وَلَدِكَ هُوَ ؟ قَالَ : «لَا». فَقُلْتُ : فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ ؟ فَقَالَ : «لَا». قُلْتُ : مَنْ هُوَ ؟قَالَ : «الَّذِي يَمْلَؤُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بُعِثَ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ» .

هديّة:الجوهري: «الفترة» بالفتح: ما بين الرسولين من رسل اللَّه عزّ وجلّ.(3) والتفسير بما بين الحجّتين من حجج اللَّه - عزّ وجلّ - لما يستفاد من كلام أهل الأخبار أولى.

الحديث الثاني والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (4) ، عَنْ أُمِّ هَانِىً ، قَالَتْ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ» قَالَتْ : فَقَالَ (5) :

.


1- .في «ألف»: + «من القرآن».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن القاسم، عن محمّد بن الوليد الخزّاز، عن الوليد بن عقبة، عن الحارث بن زياد، عن شعيب».
3- .الصحاح، ج 2، ص 777 (فتر).
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن وهب بن شاذان، عن الحسن بن أبي الربيع، عن محمّد بن إسحاق».
5- .في «ألف»: + «الخنّس».

ص: 579

«إِمَامٌ يَخْنِسُ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ ، ثُمَّ يَظْهَرُ كَالشِّهَابِ ، تُوقَدُ(1)فِي اللَّيْلَةِ(2) الظَّلْمَاءِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ زَمَانَهُ قَرَّتْ عَيْنُكِ» .

هديّة:(اُمّ هاني) كنية بنت أبي طالب، وكنية امرأة من الأنصار تروي عن الباقر عليه السلام عن هذه الآية في سورة التكوير.(3)و«لا» في «فَلا أُقْسِمُ» قيل: زائدة، وقيل - كما ذهب إليه برهان الفضلاء - : نافية تنفي مضمون جملة مقدّرة، أي ليس الأمر كما ذهبتم إليه، وأنتم لا تقولون بوجوب وجود المعصوم لمثل (4) هذا النظام. وبعبارة اُخرى ليس الأمر كما ذهبت إليه آراء من لم يقل بوجوب وجود المعصوم لدين اللَّه إلى يوم الدِّين.و(الخنّس): مفرد كسكّر، من الخنوس بمعنى الانتهاء، أي إلى إمام آخر وجمع، فالتفسير لفرد من الافراد. و(الجوار) مصدر بمعنى الفاعل مبالغة تعبير عن نهاية التقرّب. وكذا (الكنّس) مفرد من الكنوس بمعنى الاختفاء، خنس كنصر وضرب، كنس كضرب: اختفى.(ثمّ يظهر) أي بعد غيبته الكبرى. قال برهان الفضلاء: «ثمّ» ليس للتراخي في الزمان، بل للتعجّب، قال: يعني ثمّ يظهر في عين غيبته على عيون قلوب المؤمنين بالبراهين الدالّة على وجوب وجوده، كالنار الظاهرة في الليلة الظلماء. ولا يخفى لطف تشبيه زمن الغيبة بالليل المظلم، ثمّ قال: و«زمانه» أي زمان غيبته لفضله على ما مرّ، أو زمان ظهوره عليه السلام. ومضيّ أبو محمّد عليه السلام في زمن المعتمد العبّاسي سنة ستّين ومائتين.وفي بعض كتب تفاسير الناس: «الخنّس»: الكواكب التي تدخل في المغيب (5)، وفي بعض

.


1- .في الكافي المطبوع: «يتوقّد».
2- .في «د»: «ظلمة».
3- .التكوير (18): 15.
4- .في «د»: «لمناسبة».
5- .تفسير القرطبي، ج 19، ص 237؛ فتح القدير، ج 5، ص 390.

ص: 580

آخر: «الكنّس»: الكواكب الخمسة المسمّاة بالمتحيّرة؛ لغيبوبتها ودخولها في المغيب.(1)

الحديث الثالث والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ(2) ، عَنْ أُمِّ هَانِىً ، قَالَتْ : لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عليهما السلام ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هذِهِ الْآيَةِ : «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ» قَالَ : «الْخُنَّسُ إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ النَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذلِكَ ، قَرَّتْ عَيْنُكِ» .

هديّة:في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «أتيت» مكان (لقيت)، و«زمانه» مكان (ذلك).(إمام يخنس) أي يصير آخر الأئمّة في زمانه.(من علمه) أي من معرفته.

الحديث الرابع والعشرون روى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ النخعي ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام ، قَالَ : «إِذَا رُفِعَ عَلَمُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ ، فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ» .

هديّة:(علمكم) بالتحريك: أمامكم.والأمر بتوقّع الفرج من تحت القدم مبالغة في الحثّ على رجاء الفرج، وإيماءٌ إلى تحقّق وقوعه كأنّه قد وقع. وقرأ برهان الفضلاء: «علمكم» بالكسر، بمعنى عالمكم، ثمّ قال: يعني فتوقّعوا الفرج متطأطأً ساكتاً من الحكم بالظنّ في المسائل المشكلة، واحتمل «علمكم» بفتحتين.

.


1- .راجع: تفسير الرازي، ج 31، ص 71.
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن الربيع الهمداني قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن أسيد بن ثعلبة».

ص: 581

الحديث الخامس والعشرون روى في الكافي عن العدّة، عَنْ سَعْدِ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام (1) : إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هذَا الْأَمْرِ ، وَ أَنْ يَسُوقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ بِغَيْرِ سَيْفٍ ؛ فَقَدْ بُويِعَ لَكَ وَ ضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ .فَقَالَ : «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ الْكُتُبُ ، وَ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ، وَ سُئِلَ عَنِ الْمَسَائِلِ ، وَ حُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلى فِرَاشِهِ ، حَتّى يَبْعَثَ اللَّهُ لِهذَا الْأَمْرِ غُلَاماً مِنَّا ، خَفِيَّ الْوِلَادَةِ وَ الْمَنْشَاَ ، غَيْرَ خَفِيٍّ فِي نَسَبِهِ» .

هديّة:(بويع لك) أي بأمر المأمون لولاية العهد والقصّة مشهورة.«اغتاله»: أهلكه وأخذه الغول من حيث لا يشعر، قال ابن الأثير: قتل فلان غيلة بالكسر، أي في خفية واغتيال، وهو أن ينخدع ويُقتل في موضع لا يراه أحد، والغيلة: فعلة من الاغتيال.(2)قيل: المراد من الاغتيال هنا الإهلاك بالسيف، ومن الموت الإماتة بالسمّ، واحتمال كون الترديد من الراوي وَهْمٌ.و(المنشأ) كالملجأ: مكان النشو والنماء.

الحديث السادس والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ هِلَالٍ الْكِنْدِيِ (3) ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرَةٌ ، وَ اللَّهِ مَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مِثْلُكَ ، فَكَيْفَ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام».
2- .النهاية، ج 3، ص 403 (غيل).
3- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد و غيره، عن جعفر بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس بن عامر، عن موسى بن هلال الكندي».

ص: 582

لَا تَخْرُجُ ؟! قَالَ : فَقَالَ : «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَطَاءٍ ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكى ، إِي وَ اللَّهِ ، مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ».قَالَ : قُلْتُ لَهُ : فَمَنْ صَاحِبُنَا ؟ قَالَ : «انْظُرُوا مَنْ عَمِيَ عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، فَذَاكَ صَاحِبُكُمْ ؛ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ، وَ يُمْضَغُ بِالْأَلْسُنِ إِلَّا مَاتَ غَيْظاً ، أَوْ رَغِمَ أَنْفُهُ» .

هديّة:«كندة» بالكسر: أبو حيّ من اليمن.(عبداللَّه بن عطاء) ممدوح، روى عن الباقر والصادق عليهما السلام.في بعض النسخ - كما ضبط برهان الفضلاء - : «كثير وواللَّه» بنقص التاء وزيادة الواو.و(قد أخذت): قد شرعت.و(النوكي) بالفتح والقصر: الحمقى، جمع أنوك، كأحمق لفظاً ومعنىً، أي تسمع وتقبل أقوالهم.(ما أنا بصاحبكم) أي الذي يخرج بالسيف، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.«عمى عليه» كعلم: خفى، ويحتمل بالمعجمة مجهولاً.(ويمضغ بالألسن) على ما لم يسمّ فاعله، أي يلقى بالأفواه.(غيظاً) أي ظلماً وعداوة، (أو رغم أنفه) أي ذلّة.قيل: والمراد من الأوّل السيف، ومن الثاني السمّ، أو الترديد من الراوي.

الحديث السابع والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ(1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «يَقُومُ الْقَائِمُ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ عَهْدٌ وَ لَا عَقْدٌ وَ لَا بَيْعَةٌ» .

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير».

ص: 583

هديّة:(عهد) أي عقد هدنةٍ ومصالحةٍ عجزاً عن المقاومة. قال برهان الفضلاء: المراد غيبته عليه السلام في المدّة المقدّرة عن الجميع.

الحديث الثامن والعشرون روى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَطَّارِ(1) ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ المَنْصُورِي (2) ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : إِذَا أَصْبَحْتُ وَ أَمْسَيْتُ لَا أَرى إِمَاماً أَئْتَمُّ بِهِ ، مَا أَصْنَعُ ؟قَالَ : «فَأَحِبَّ مَنْ كُنْتَ تُحِبُّهُ (3) ، وَ أَبْغِضْ مَنْ كُنْتَ تُبْغِضُهُ (4) حَتّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ» .

هديّة:نصّ في أنّ الإيمان ليس لحفظه وسلامته شي ء أفضل من الحبّ في اللَّه والبغض للَّه، سيّما للصوفي القدريّ المصالح مع كلّ شي ء.

الحديث التاسع والعشرون روى في الكافي بإسناده عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمّدٍ(5) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسى ، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : «لَا بُدَّ لِلْغُلَامِ مِنْ غَيْبَةٍ» . قُلْتُ : وَ لِمَ ؟ قَالَ : «يَخَافُ - وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى بَطْنِهِ - وَ هُوَ الْمُنْتَظَرُ ، وَ هُوَ الَّذِي يَشُكُّ النَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : حَمْلٌ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَاتَ أَبُوهُ وَ لَمْ

.


1- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن الحسن بن عليّ العطّار».
2- .في الكافي المطبوع: «المنصور».
3- .في الكافي المطبوع: «تحبّ».
4- .في الكافي المطبوع: «تبغض».
5- .في الكافي المطبوع: «أحمد». ثمّ إنّه نقل الكليني هذه الرواية مباشرة عن الحسين بن محمّد، فزيادة «بإسناده»سهو من المصنّف.

ص: 584

يُخَلِّفْ ؛ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : وُلِدَ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ عليه السلام بِسَنَتَيْنِ».قَالَ زُرَارَةُ(1) : وَ مَا تَأْمُرُنِي لَوْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ الزَّمَانَ ؟قَالَ : «ادْعُ اللَّهَ بِهذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ ، لَمْ أَعْرِفْكَ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَبِيَّكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَبِيَّكَ ، لَمْ أَعْرِفْهُ قَطُّ ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ، ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».

هديّة:بيانه كنظيره، وهو الحديث الخامس.

الحديث الثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ (2) ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : «فَإِذا نُقِرَ فِى النَّاقُورِ» قَالَ : «إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُظَفَّراً مُسْتَتِراً ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ - عَزَّ ذِكْرُهُ - إِظْهَارَ أَمْرِهِ ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً ، فَظَهَرَ ، فَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالى» .

هديّة:اُريد ب (الناقور) في آية سورة المدّثر(3) على تفسيره عليه السلام، محلّ النكت الشديد، ولا ينافي هذا التأويل تفسير «نقر الناقور» كما في كتب التفاسير بالنفخ في الصور.(فظهر) أي بإذن اللَّه تعالى.

الحديث الحادي والثلاثون روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (4) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو

.


1- .في الكافي المطبوع: + «فقلت».
2- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن حسّان، عن محمّد بن عليّ، عن عبد اللَّه بن القاسم».
3- .المدثّر (74): 8.
4- .السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، عن أحمد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللَّه».

ص: 585

جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِذَا غَضِبَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَ تَعَالى - عَلى خَلْقِهِ ، نَحَّانَا عَنْ جِوَارِهِمْ» .

هديّة:يعني الجواد عليه السلام.(على خلقه) يعني إذا عجّل في الغضب على شرار خلقه.والحديث دلالة على أنّ الشرار في غيبة الإمام عليه السلام شرٌّ منهم في ظهوره عليه السلام، كما أنّ المؤمن في الغيبة، له فضل على المؤمن في الظهور.واطلب أحاديث الغيبة بما لا مزيد عليها لطالبها في كتاب كمال الدِّين وتمام النعمة؛منها: ما روى الصدوق رحمة اللَّه عليه بإسناده عن محمّد بن معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيّوب بن نوح ومحمّد بن عثمان العمري رضي اللَّه عنه، قالوا: عرض إلينا أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام ابنه عليه السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلاً، فقال: «هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا بعدي، فتهلكوا في أديانكم، أما أنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا»، قالوا: فخرجنا فعنده، فما مضت إلّا أيّام قلائل حتّى مضى أبو محمّد عليه السلام.(1)ومنها: ما روى بإسناده عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، قال: «في القائم منّا سنن من الأنبياء عليهم السلام؛ سنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيّوب، وسنّة من محمّد صلى اللَّه عليه وآله؛ فأمّا من نوح فطول العمر، وأمّا من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمّا من موسى فالخوف والغيبة، وأمّا من عيسى فاختلاف الناس فيه، وأمّا من أيّوب فالفرج بعد البلوى، وأمّا من محمّد صلى اللَّه عليه وآله فالخروج بالسيف»، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «وسنّة من يوسف عليه السلام، قال: وأمّا سنّة من يوسف فالستر يجعل اللَّه بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ولا يعرفونه، وأمّا سنّة من محمّد صلى اللَّه عليه وآله فيهتدى بهداه ويسير بسيرته».(2)وبإسناده عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ للقائم منّا غيبة

.


1- .كمال الدين، ج 2، ص 435، ح 2.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 350، ح 46.

ص: 586

يطول أمدها»، فقلت له: ولِمَ ذلك يابن رسول اللَّه؟ قال: «لأنّ اللَّه عزّ وجلّ أبى إلّا أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وأنّه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال اللَّه تعالى: «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ»(1) أي سنن من كان قبلكم».(2)وبإسناده عن عبداللَّه بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل»، فقلت له: ولِمَ جعلت فداك؟ قال: «لأمرٍ لا يؤذن لنا في كشفه لكم». قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: «وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللَّه عزّ وجلّ؛ إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلّا وقت افتراقهما، يا ابن الفضل! إنّ هذا الأمر من أمر اللَّه عزّ وجلّ، وسرٌّ من سرّ اللَّه، وغيبٌ من غيب اللَّه، ومتى علمنا أنّه تبارك وتعالى حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا».(3)وبإسناده عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أو قال له رجل: أصلحك اللَّه ألم يكن عليّ عليه السلام قويّاً في دين اللَّه؟ قال: «بلى»، قال: وكيف ظهر عليه القوم، وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك؟ قال: «آية في كتاب اللَّه عزّ وجلّ منعته»، قال: قلت: وأيّة آيةٍ هي؟ قال: «قوله تعالى: «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً»(4) وأنّه كان للَّه عزّ وجلّ ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، ولم يكن عليّ عليه السلام ليقتل الآباء حتّى يخرج الودايع، فلمّا خرج الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبداً حتّى يظهر ودائع اللَّه عزّ وجلّ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر فيقتلهم».(5)

.


1- .الانشقاق (84): 19.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 480، ح 6.
3- .كمال الدين، ج 2، ص 481، ح 11.
4- .الفتح (48): 25.
5- .كمال الدين، ج 2، ص 641.

ص: 587

وبإسناده عن إسحاق بن يعقوب في التوقيع الذي ورد إليه عن مولانا صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه: «وأمّا علّة ما وقع من الغيبة، فإنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1) أنّه لم يكن أحد من آبائي عليهم السلام إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وأنّي لأخرج حين أخرج، ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي، وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب، وإنّي لامّان أهل الأرض كما أنّ النجوم أمّان لأهل السماء، فاغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى».(2)قوله عليه السلام: «غيّبتها» تأنيثها لفاعلها.الجوهري: «السحابة» يجمع على السحاب والسحب والسحائب.(3)و«الأمّان» كرمّان: الأمين.

.


1- .المائدة (5): 101.
2- .كمال الدين، ج 2، ص 483، ح 4.
3- .الصحاح، ج 1، ص 146 (سحب).

ص: 588

. .

ص: 589

فهرس المطالب .

ص: 590

. .

ص: 591

. .

ص: 592

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.