الهدایا لشیعه ائمه الهدی : شرح اصول کافی المجلد 2

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الهدایا لشیعه ائمه الهدی : شرح اصول کافی/شرف الدین محمدمجذوب التبریزی ؛ تحقیق محمدحسین الدرایتی، غلام حسین القیصریه ها

مشخصات نشر : قم: دارالحدیث، 1389.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : (مرکز بحوث دارالحدیث؛186)

(مجموعه آثار الموتمر الدولی لذکری الشیخ ثقه الاسلام الکلینی؛11)

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ دوم- ج.1

شماره کتابشناسی ملی : 2764459

ص: 1

اشاره

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

فهرس أبواب كتاب التوحيد من أجزاء كتاب الهدايا على نسق أبواب الكافي ، وهي خمسة وثلاثونباب حدوث العالم وإثبات المحدث.باب إطلاق القول بأنّه تعالى شيء.باب أنّه تعالى لا يُعرَف إلّا بهِ.باب أدنى المعرفة.باب المعبود.باب الكون والمكان.باب النسبة.باب النهي عن الكلام في الكيفيّة.باب في إبطال الرؤية.باب النهي عن الصِّفة بغير ما وصفَ به نفسه جلّ وتعالى.باب النهي عن الجسم والصورة.باب صفات الذات.باب آخر وهو من الباب الأوّل.باب الإرادة أنّها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل.باب حدوث الأسماء.باب معاني الأسماء واشتقاقها.باب آخر وهو من الباب الأوّل إلّا أنّ فيه زيادة ، وهو الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء اللّه وأسماء المخلوقين. .

ص: 6

باب تأويل الصمد.باب الحركة والانتقال.باب العرش والكرسيّ.باب الروح.باب جوامع التوحيد.باب النوادر.باب البداء.باب في أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبعة.باب المشيئة والإرادة.باب الابتلاء والاختبار.باب السعادة والشقاء.باب الخير والشرّ.باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين.باب الاستطاعة.باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة.باب (بلا عنوان).باب حجج اللّه على خلقه.باب الهداية أنّها من اللّه عزّ وجلّ. .

ص: 7

كتاب التوحيد

باب حدوث العالم وإثبات المحدث

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الجزء الثاني من كتاب الهدايا : كتاب التوحيدو هو يشتمل مطابقا للكافي على خمسة وثلاثين بابا

كِتَابُ التَّوْحِيدِالباب الأوّل : بَابُ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده عَنْ عَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَنْصُورٍ ، قَالَ : قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ : كَانَ بِمِصْرَ زِنْدِيقٌ يَبْلُغُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام أَشْيَاءُ ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُنَاظِرَهُ ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ بِهَا ، وَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ خَارِجٌ بِمَكَّةَ ، فَخَرَجَ إِلى مَكَّةَ وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَصَادَفَنَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي الطَّوَافِ ، وَكَانَ اسْمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ ، وَكُنْيَتَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ كَتِفَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَا اسْمُكَ»؟ قالَ : اسْمِي عَبْدُ الْمَلِكِ ، قَالَ : «فَمَا كُنْيَتُكَ؟» قَالَ : كُنْيَتِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَمَنْ هذَا الْمَلِكُ الَّذِي أَنْتَ عَبْدُهُ؟ أَمِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ ، أَمْ مِنْ مُلُوكِ السَّمَاءِ؟ وَأَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِكَ : عَبْدُ إِلَهِ السَّمَاءِ ، أَمْ عَبْدُ إِلَهِ الْأَرْضِ؟ قُلْ مَا شِئْتَ تُخْصَمْ» . قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ : فَقُلْتُ لِلزِّنْدِيقِ : أَمَا تَرُدُّ عَلَيْهِ؟ قَالَ : فَقَبَّحَ قَوْلِي ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِذَا فَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ، فَأْتِنَا» . فَلَمَّا فَرَغَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَتَاهُ الزِّنْدِيقُ ، فَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَنَحْنُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام (1) : «أَتَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَرْضِ تَحْتا وَفَوْقا؟» قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَدَخَلْتَ تَحْتَهَا؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «فَمَا يُدْرِيكَ مَا تَحْتَهَا؟» قَالَ : لَا أَدْرِي ، إِلَا أَنِّي أَظُنُّ أَنْ لَيْسَ تَحْتَهَا شَيْءٌ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَالظَّنُّ عَجْزٌ لِمَا لَا يَسْتَيْقِنُ (2) » . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «أَفَصَعِدْتَ السَّمَاءَ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «أَفَتَدْرِي مَا فِيهَا؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : «عَجَبا لَكَ! لَمْ تَبْلُغِ الْمَشْرِقَ ، وَلَمْ تَبْلُغِ الْمَغْرِبَ ، وَلَمْ تَنْزِلِ الْأَرْضَ ، وَلَمْ تَصْعَدِ السَّمَاءَ ، وَلَمْ تَجُزْ هُنَاكَ ؛ فَتَعْرِفَ مَا خَلْفَهُنَّ وَأَنْتَ جَاحِدٌ بِمَا فِيهِنَّ؟! وَهَلْ يَجْحَدُ الْعَاقِلُ مَا لَا يَعْرِفُ؟» . قَالَ الزِّنْدِيقُ : مَا كَلَّمَنِي بِهذَا أَحَدٌ غَيْرُكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَأَنْتَ مِنْ ذلِكَ فِي شَكٍّ ، فَلَعَلَّهُ هُوَ ، وَلَعَلَّهُ لَيْسَ هُوَ» . فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : وَلَعَلَّ ذلِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «أَيُّهَا الرَّجُلُ ، لَيْسَ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ حُجَّةٌ عَلى مَنْ يَعْلَمُ ، وَلا حُجَّةَ لِلْجَاهِلِ ، يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، تَفَهَّمْ عَنِّي ؛ فَإِنَّا لَا نَشُكُّ فِي اللّه ِ أَبَدا ، أَمَا تَرَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَلِجَانِ فَلَا يَشْتَبِهَانِ ، وَيَرْجِعَانِ قَدِ اضْطُرَّا لَيْسَ لَهُمَا مَكَانٌ إِلَا مَكَانُهُمَا ، فَإِنْ كَانَا يَقْدِرَانِ عَلى أَنْ يَذْهَبَا ، فَلِمَ يَرْجِعَانِ؟ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُضْطَرَّيْنِ ، فَلِمَ لَا يَصِيرُ اللَّيْلُ نَهَارا ، وَالنَّهَارُ لَيْلاً؟ اضْطُرَّا _ وَاللّه ِ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ _ إِلى دَوَامِهِمَا ، وَالَّذِي اضْطَرَّهُمَا أَحْكَمُ مِنْهُمَا وَأَكْبَرُ» . فَقَالَ الزِّنْدِيقُ : صَدَقْتَ . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، إِنَّ الَّذِي تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ، وَتَظُنُّونَ أَنَّهُ الدَّهْرُ ، إِنْ كَانَ الدَّهْرُ يَذْهَبُ بِهِمْ ، لِمَ لَا يَرُدُّهُمْ؟ وَإِنْ كَانَ يَرُدُّهُمْ ، لِمَ لَا يَذْهَبُ بِهِمْ؟ الْقَوْمُ مُضْطَرُّونَ يَا أَخَا أَهْلِ مِصْرَ ، لِمَ السَّمَاءُ مَرْفُوعَةٌ ، وَالْأَرْضُ مَوْضُوعَةٌ؟ لِمَ لَا يَنْحَدِرُ (3) السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ؟ لِمَ لَا تَنْحَدِرُ الْأَرْضُ فَوْقَ طاقَتِهَا ، (4) وَلَا يَتَمَاسَكَانِ ، وَلَا يَتَمَاسَكُ مَنْ عَلَيْهَا؟» . قَالَ الزِّنْدِيقُ : أَمْسَكَهُمَا اللّه ُ رَبُّهُمَا وَسَيِّدُهُمَا . قَالَ : فَ_آمَنَ الزِّنْدِيقُ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ آمَنَتِ الزَّنَادِقَةُ عَلى يَدَيْكَ فَقَدْ آمَنَ الْكُفَّارُ عَلى يَدَيْ أَبِيكَ . فَقَالَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي آمَنَ عَلى يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : اجْعَلْنِي مِنْ تَلَامِذَتِكَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، خُذْهُ إِلَيْكَ وَعَلِّمْهُ» ، فَعَلَّمَهُ هِشَامٌ ؛ وَكَانَ مُعَلِّمَ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ مِصْرَ الْاءِيمَانَ ، وَحَسُنَتْ طَهَارَتُهُ حَتّى رَضِيَ بِهَا أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «للزنديق» .
2- . في الكافي المطبوع : «لا تستيقن» .
3- . في الكافى المطبوع : «لا تسقط» .
4- . في الكافى المطبوع : «طباقها» .

ص: 8

. .

ص: 9

هديّة : .

ص: 10

. .

ص: 11

. .

ص: 12

. .

ص: 13

. .

ص: 14

. .

ص: 15

. .

ص: 16

. .

ص: 17

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَسِّنٍ الْمِيثَمِيِّ ، (1) قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمُتَطَبِّبِ ، فَقَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي ، قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُ اللّه ِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : تَرَوْنَ هذَا الْخَلْقَ؟ _ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلى مَوْضِعِ الطَّوَافِ _ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الْاءِنْسَانِيَّةِ إِلَا ذلِكَ الشَّيْخُ الْجَالِسُ _ يَعْنِي أَبَا عَبْدِ اللّه ِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام _ فَأَمَّا الْبَاقُونَ ، فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ . فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : وَكَيْفَ أَوْجَبْتَ هذَا الِاسْمَ لِهذَا الشَّيْخِ دُونَ هؤُلَاءِ؟ قَالَ : لِأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَهُ عِنْدَهُمْ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : لَابُدَّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : لَا تَفْعَلْ ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ ، فَقَالَ : لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ ، وَلكِنْ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلَالِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ : أَمَا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هذَا ، فَقُمْ إِلَيْهِ ، وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ ، وَلَا تَثْنِي عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ ؛ فَيُسَلِّمَكَ إِلى عِقَالٍ ، وَسِمْهُ مَا لَكَ و عَلَيْكَ . (2) قَالَ : فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، وَبَقِيتُ أَنَا وَابْنُ الْمُقَفَّعِ جَالِسَيْنِ ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ ، قَالَ : وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ ، مَا هذَا بِبَشَرٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِرا ، (3) وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِنا ، فَهُوَ هذَا ، فَقَالَ لَهُ : وَكَيْفَ ذلِكَ؟ قَالَ : جَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ، ابْتَدَأَنِي ، فَقَالَ :«إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلى مَا يَقُولُ هؤُلَاءِ _ وَهُوَ عَلى مَا يَقُولُونَ ، يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ _ فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلى مَا تَقُولُونَ _ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ _ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ ، وَهُمْ» ، فَقُلْتُ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللّه ُ ، وَأَيَّ شَيْءٍ نَقُولُ؟ وَأَيَّ شَيْءٍ يَقُولُونَ؟ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلَا وَاحِدا ، فَقَالَ : «وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِدا وَهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ لَهُمْ مَعَادا وَثَوَابا وَعِقَابا ، وَيَدِينُونَ بِأَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلها ، وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ؟!» . قَالَ : فَاغْتَنَمْتُهَا مِنْهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا مَنَعَهُ _ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ _ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ ، وَيَدْعُوَهُمْ إِلى عِبَادَتِهِ حَتّى لَا يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ؟ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ؟ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ ، كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْاءِيمَانِ بِهِ . فَقَالَ لِي : «وَيْلَكَ ، وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ؟! نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ ، وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ ، وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ ، وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ ، وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ ، وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ ، وَرِضَاكَ بَعْدَ غَضَبِكَ ، وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ ، وَحَزَنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ ، وَفَرَحَكَ بَعْدَ حَزَنِكَ ، وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ ، وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ ، وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ ، وَأَنَاتَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ ، وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ ، وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ ، وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ ، وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ ، وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ ، وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ ، وَخَاطِرَكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ ، وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِكَ» . وَمَا زَالَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ قُدْرَتَهُ _ الَّتِي هِيَ فِي نَفْسِي ، الَّتِي لَا أَدْفَعُهَا _ حَتّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عليّ ، عن عبدالرحمن بن محمّد بن أبي هاشم ، عن أحمد بن مُحَسِّنِ الميثمي» .
2- . في الكافي المطبوع : «أو عليك» .
3- . في «ب»: «ظهر» .

ص: 18

هديّة : .

ص: 19

. .

ص: 20

. .

ص: 21

. .

ص: 22

. .

ص: 23

الحديث الثالث (1)روى في الكافي ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَسَدِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَرْمَكِيِّ الرَّازِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بُرْدٍ الدِّينَوَرِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْخُرَاسَانِيِّ خَادِمِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ عَلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«أَيُّهَا الرَّجُلُ ، أَ رَأَيْتَ ، إِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَكُمْ _ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا تَقُولُونَ _ أَ لَسْنَا وَإِيَّاكُمْ شَرَعا سَوَاءً ، لَا يَضُرُّنَا مَا صَلَّيْنَا وَصُمْنَا ، وَزَكَّيْنَا وَأَقْرَرْنَا؟» فَسَكَتَ الرَّجُلُ . ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَنَا _ وَهُوَ قَوْلُنَا _ أَلَسْتُمْ قَدْ هَلَكْتُمْ وَنَجَوْنَا؟» . فَقَالَ : رَحِمَكَ اللّه ُ ، أَوْجِدْنِي كَيْفَ هُوَ؟ وَأَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ : «وَيْلَكَ ، إِنَّ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ غَلَطٌ ؛ هُوَ أَيَّنَ الْأَيْنَ بِلَا أَيْنٍ ، وَكَيَّفَ الْكَيْفَ بِلَا كَيْفٍ ، فَلَا يُعْرَفُ بِالْكَيْفُوفِيَّةِ ، وَلَا بِأَيْنُونِيَّةٍ ، وَلَا يُدْرَكُ بِحَاسَّةٍ ، وَلَا يُقَاسُ بِشَيْءٍ» . فَقَالَ الرَّجُلُ : فَإِذا إِنَّهُ لَا شَيْءَ إِذَا لَمْ يُدْرَكْ بِحَاسَّةٍ مِنَ الْحَوَاسِّ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «وَيْلَكَ ، لَمَّا عَجَزَتْ حَوَاسُّكَ عَنْ إِدْرَاكِهِ ، أَنْكَرْتَ رُبُوبِيَّتَهُ ، وَنَحْنُ إِذَا عَجَزَتْ حَوَاسُّنَا عَنْ إِدْرَاكِهِ ، أَيْقَنَّا أَنَّهُ رَبُّنَا بِخِلَافِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ» . قَالَ الرَّجُلُ : فَأَخْبِرْنِي مَتى كَانَ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : (2) «إِنِّي لَمَّا نَظَرْتُ إِلى جَسَدِي ، وَلَمْ يُمْكِنِّي فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ فِي الْعَرْضِ وَالطُّولِ ، وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ عَنْهُ ، وَجَرِّ الْمَنْفَعَةِ إِلَيْهِ ، عَلِمْتُ أَنَّ لِهذَا الْبُنْيَانِ بَانِيا ، فَأَقْرَرْتُ بِهِ ؛ مَعَ مَا أَرى _ مِنْ دَوَرَانِ الْفَلَكِ بِقُدْرَتِهِ ، وَإِنْشَاءِ السَّحَابِ ، وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ، وَمَجْرَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِنَ الْايَاتِ الْعَجِيبَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ _ عَلِمْتُ أَنَّ لِهذَا مُقَدِّرا وَمُنْشِئا» .

.


1- . ورد في الكافي المطبوع قبل هذا الحديث حديث آخر لم يذكره المصنّف هنا، كما لم يذكره صدرالمتألّهين والمازندراني والفيض . وقال في مرآة العقول ، ج 1 ، ص 249 : «وليس هذا الحديث [أي الذي لم يذكره المصنّف هنا] في أكثر النسخ» .
2- . في الكافي المطبوع : + «أخبرني متى لم يكن ، فاُخبرك متى كان؟» قال الرجل : فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن عليه السلام » .

ص: 24

هديّة :(محمّد بن عليّ) كما عيّنه الصدوق رحمه الله في إسناد هذا الحديث هو : «أبو سمينة الكوفي الصيرفي» (1) . و(أبو الحسن) هو الثاني ، يعني الرضا عليه السلام . (وليس هو كما تقولون) لأنّه مجرّد مقال بلا حجّة ، ومحض خيال بلا بيّنة . و«الشرع» بالكسر ، ويفتح ، وبفتحتين : المثل . والجمع أيضا بالكسر ، وبالفتح أيضا . وكعِنَب أيضا ؛ ولكونه مصدرا يستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع . و(سواء) إذا مددت فتحت ، وإذا قصرت كسرت . (وهو قولنا) لمكان الحجج القاطعة ، والمعجزات الساطعة ، والآيات الباهرة ، والدلالات الظاهرة . (ألستم قد هلكتم ونجونا ) قال اللّه تبارك وتعالى : «فَأَىُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (2) . (أوجدني) : أفْدِني وأفْهِمني . وقرأ برهان الفضلاء : «هو أيّن الأيّن» كسيّد ، يعني من له الأين ؛ «وكيّف الكيّف» يعني من له الكيف . في توحيد الصدوق رحمه اللهوعيونه : «بكيفوفيّةٍ» (3) منكّرةً ، كنظيرتها هنا في عامّة النسخ . والوجه لِما في هنا أنّ «الكيف» هنا مراد بجميع أفراده ، و«الأين» ببعض أفراده . (فاخبرني متى كان) لا خلاف في ظنّهم هنا بسقوط كلمات من قلم سالف من نسّاخ الكافي . وفي التوحيد والعيون هكذا : «قال الرجل فاخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن عليه السلام : «أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان » ، قال الرجل : فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن عليه السلام : «إنّي لمّا نظرت» . الحديث . قال السيّد الداماد ثالث المعلّمين قدس سره : قد تحقّق في الحكمة الإلهيّة أنّه لا يكون لوجود شيءٍ متى إلّا إذا كان لعدمه متى . وبالجملة ، لا يدخل الشيء في مقولة «متى» بوجوده فقط بل بوجوده وعدمه جميعا ، فإذا لم يصحّ أن يقال لشيء : متى لم يكن وجوده ، لم يصحّ أن يقال : متى كان وجوده . (4) (ومجرى الشمس والقمر) أي بقدرته تعالى وتقديره وتدبيره فيهما باختلاف مجراهما ومنطقيهما وحيّزيهما لغرض اختلاف الليل والنهار ، وفصول الدهور ، وأهلّة الشهور ، وسائر الآثار ؛ لفوائد عظيمة ، وأغراض مستقيمة .

.


1- . التوحيد ، ص 250 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 3 .
2- . الأنعام (6) : 81 .
3- . التوحيد ، ص 251 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 3 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 120 ، الباب 11 ، ح 28 .
4- . التعليقة على اُصول الكافي، ص 180.

ص: 25

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (1) قَالَ : إِنَّ عَبْدَ اللّه ِ الدَّيَصَانِيَّ سَأَلَ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ ، فَقَالَ لَهُ : أَلَكَ رَبٌّ؟ فَقَالَ : بَلى ، قَالَ : أَقَادِرٌ هُوَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَادِرٌ قَاهِرٌ ، قَالَ : يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا الْبَيْضَةَ ، لَا تَكْبُرُ الْبَيْضَةُ وَلَا تَصْغُرُ الدُّنْيَا؟ قَالَ هِشَامٌ : النَّظِرَةَ ، فَقَالَ لَهُ : قَدْ أَنْظَرْتُكَ حَوْلاً ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهُ . فَرَكِبَ هِشَامٌ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، أَتَانِي عَبْدُ اللّه ِ الدَّيَصَانِيُّ بِمَسْأَلَةٍ لَيْسَ الْمُعَوَّلُ فِيهَا إِلَا عَلَى اللّه ِ وَعَلَيْكَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«عَمَّا ذَا سَأَلَكَ؟» فَقَالَ : قَالَ لِي : كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا هِشَامُ ، كَمْ حَوَاسُّكَ؟» قَالَ : خَمْسٌ ، قَالَ : «أَيُّهَا أَصْغَرُ؟» قَالَ : النَّاظِرُ ، قَالَ : «وَكَمْ قَدْرُ النَّاظِرِ؟» قَالَ : مِثْلُ الْعَدَسَةِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهَا ، فَقَالَ لَهُ : «يَا هِشَامُ ، فَانْظُرْ أَمَامَكَ وَفَوْقَكَ وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَرى» فَقَالَ : أَرى سَمَاءً وَأَرْضا وَدُورا وَقُصُورا وَبَرَارِيَ وَجِبَالاً وَأَنْهَارا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ الَّذِي قَدَرَ أَنْ يُدْخِلَ الَّذِي تَرَاهُ الْعَدَسَةَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا قَادِرٌ أَنْ يُدْخِلَ الدُّنْيَا كُلَّهَا الْبَيْضَةَ لَا تَصْغُرُ الدُّنْيَا وَلَا تَكْبُرُ الْبَيْضَةُ» . فَأَكَبَّ هِشَامٌ عَلَيْهِ ، وَقَبَّلَ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ، وَقَالَ : حَسْبِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، وَانْصَرَفَ إِلى مَنْزِلِهِ ، وَغَدَا عَلَيْهِ الدَّيَصَانِيُّ ، فَقَالَ لَهُ : يَا هِشَامُ ، إِنِّي جِئْتُكَ مُسَلِّما ، وَلَمْ أَجِئْكَ مُتَقَاضِيا لِلْجَوَابِ ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ : إِنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَقَاضِيا ، فَهَاكَ الْجَوَابَ . فَخَرَجَ الدَّيَصَانِيُّ عَنْهُ حَتّى أَتى بَابَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا قَعَدَ ، قَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّنِي عَلى مَعْبُودِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «مَا اسْمُكَ؟» فَخَرَجَ عَنْهُ ، وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : كَيْفَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِاسْمِكَ؟ قَالَ : لَوْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ : عَبْدُ اللّه ِ ، كَانَ يَقُولُ : مَنْ هذَا الَّذِي أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ؟ فَقَالُوا لَهُ : عُدْ إِلَيْهِ ، وَقُلْ لَهُ : يَدُلُّكَ عَلى مَعْبُودِكَ ، وَلَا يَسْأَلُكَ عَنِ اسْمِكَ . فَرَجَعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، دُلَّنِي عَلى مَعْبُودِي ، وَلَا تَسْأَلْنِي عَنِ اسْمِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «اجْلِسْ» وَإِذَا غُلَامٌ لَهُ صَغِيرٌ ، فِي كَفِّهِ بَيْضَةٌ يَلْعَبُ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا غُلَامُ نَاوِلْنِي (2) الْبَيْضَةَ» ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «يَا دَيَصَانِيُّ ، هذَا حِصْنٌ مَكْنُونٌ ، لَهُ جِلْدٌ غَلِيظٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الْغَلِيظِ جِلْدٌ رَقِيقٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الرَّقِيقِ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ ، وَفِضَّةٌ ذَائِبَةٌ ، فَلَا الذَّهَبَةُ الْمَائِعَةُ تَخْتَلِطُ بِالْفِضَّةِ الذَّائِبَةِ ، وَلَا الفِضَّةُ الذَّائِبَةُ تَخْتَلِطُ بِالذَّهَبَةِ الْمَائِعَةِ ، فَهِيَ عَلى حَالِهَا ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا خَارِجٌ مُصْلِحٌ ؛ فَيُخْبِرَ عَنْ صَلَاحِهَا ، وَلَا دَخَلَ فِيهَا مُفْسِدٌ ؛ فَيُخْبِرَ عَنْ فَسَادِهَا ، لَا يُدْرى أ لِلذَّكَرِ (3) خُلِقَتْ أَمْ لِلْأُنْثى ، تَنْفَلِقُ عَنْ مِثْلِ أَلْوَانِ الطَّوَاوِيسِ ، أَتَرى لَهَا مُدَبِّرا؟» . قَالَ : فَأَطْرَقَ مَلِيّا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّكَ إِمَامٌ وَحُجَّةٌ مِنَ اللّه ِ عَلى خَلْقِهِ ، وَأَنَا تَائِبٌ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن إسحاق الخفّاف ، أو عن أبيه ، عن محمّد بن إسحاق» .
2- . في الكافي المطبوع : «ناولني يا غلام» .
3- . في الكافي المطبوع : «للذَّكَر» من دون همزة الاستفهام .

ص: 26

. .

ص: 27

هديّة :يُقال : فلان دَيَصاني بالتحريك ؛ أي زنديقٌ ملحدٌ حاد عن الطريق . داص يديص دَيَصانا : زاغ وحاد . قال الشهرستاني في الملل والنحل : الديصانيّة طائفة من الثنويّة القائلين بقدم النور والظلمة . (1) (قادر) على كلّ شيء . (قاهر) على جميع ما سواه . وبهذا فُسّر «اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ» . (2) (لا تكبر البيضة) على المعلوم من المجرّد ، أو التفعيل ، أو خلافه منه . وكذا (ولاتصغر الدنيا) . و(النَظِرة) ككَلِمَة : كالمُهلة ، أي ألتمس النَظِرَة . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : قال هشام النظرة لا يجب علينا دفع شبهة الملاحدة والكامل بذلك هو الإمام عليه السلام . (3) (حولاً) أي سَنة . (كيت وكيت) مثلّثة الحركة البنائيّة ، لا تستعمل إلّا مكرّرة ، يكنّى بهما عن الحكاية بتمامها . (كم حواسّك) أي الظاهريّة . (أيّها أصغر) أي محلّاً . (وكم قدر الناظر) تميزه محذوف ، أي كم شبرا مثلاً. (فأكبّ هشام عليه)، يقال: كبّه، أي صرعه بوجهه فأكبّ هو . وهذا من الشواذّ أن يكون «فَعَلَ» متعدّيا و«أفعل» لازما . (حسبي يا ابن رسول اللّه ) في جواب الإمام عليه السلام . هذا في توجيهه ليندفع به الشبهة بحذافيرها ، أقوال وبيانات ، وأنا أرجو فهمه بعون اللّه وتوفيقه . قال برهان الفضلاء : في هذا الجواب إشكال ، وهو أنّ السؤال إنّما هو عن إمكان تعلّق قدرته تعالى بما هو محال بالذات ، والجواب لا يطابقه ؛ لأنّه تمثيل بما هو ممكن . ثمّ أجاب: بأنّ ذلك السؤال صورة محضة لا حقيقة لها ؛ إذ لا يمكن الإخبار عن مفهومها بغير قضيّة طبيعيّة ؛ لأنّ صدق العنوان المحال ليس على فرد ممكن ليمكن انعقاد قضيّة غير طبيعيّة موجبة أو سالبة ، وليس هذا بارتفاع النقيضين ؛ لأنّ عدم إمكان أن تنعقد قضيّة متعارفة موجبة سالبة المحمول لا يستلزم إمكان انعقاد قضيّة طبيعيّة سالبة بسيطة ، كما اشتهر في المنطقيّين أنّ المجهول المطلق لا يخبر عنه ، فثبت أنّه تعالى لا عاجز عن ذلك ولا غير عاجز، ولا قادر ولا غير قادر . وقال السيّد الأجلّ النائيني نحوا ممّا قال برهان الفضلاء حيث قال في أواخر توجيهه : فمرجع السؤال إلى كون شيء واحد من جهة واحدة كبيرا صغيرا معا ، وهذا لفظ ليس له معنى محصّل . (4) وقال الفاضل الإسترابادي، بخطّه : قصده عليه السلام أنّ معنى القادر هو المتمكِّن من خلق الممكن ، ومعنى العاجز هو غير المتمكّن من خلق الممكن ، والذي يمكن هنا الدخول في المشاعر لا الوجود الخارجي . وإنّما أجمل عليه السلام في الكلام ؛ لأنّهم مكلّفون بأن يكلّموا الناس على قدر عقولهم . (5) وقال بعض المعاصرين مطابقا لما قاله استاذه الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي وجماعة من الفضلاء : هذه مجادلة بالتي هي أحسن ، وجواب جدليّ مسكت يناسب فهم السائل ، وقد صدر مثله عن أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما رواه الصدوق في توحيده . (6) والجواب البرهاني أن يقال : إنّ عدم تعلّق قدرته تعالى على ذلك ليس من نقصان في قدرته ، ولا لقصور في عمومها وشمولها كلّ شيء ، بل إنّما ذلك من نقصان المفروض ، وامتناعه الذاتي ، وبطلانه الصرف ، وعدم حظّه من الشيئيّة ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام فيما رواه الصدوق أيضا بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير تصغير الدنيا أو تكبير البيضة؟ قال : إنّ اللّه تعالى لا ينسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون » . (7) وفي رواية اُخرى : «ويلك أنّ اللّه لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممّن يلطّف الأرض ويعظّم البيضة » . (8) ولنا أن نجعل الجواب الأوّل أيضا برهانيّا على قاعدة الانطباع بأن نقول : إنّ ذلك إنّما يتصوّر ويتعقّل بحسب الوجود الانطباعي الارتسامي، واللّه سبحانه قادر على ذلك ؛ حيث أدخل الذى تراه جليدة ناظرك . (9) انتهى كلام بعض المعاصرين . أقول : لا شكّ أنّ الإيمان بمعراجه صلى الله عليه و آله على ما اُمرنا به إنّما هو الإيمان بأمرٍ ممكن مقدور له تعالى مع محاليّة دركنا كيفيّة إمكانه ونَهَج وقوعه ببدن جسماني في قليلٍ من الزمان، سائرا على البُراق من مكّة إلى البيت المقدّس ، ومنه من الصخرة إلى الرفيق الأعلى ، إلى سدرة المنتهى ، إلى الحجب ، إلى ما شاء اللّه تعالى بتلك المكالمات باللسان ، والمشاهدات بالبصر ، وتفرّس عجائبات الملكوت ، وتصفّح سرادقات الجبروت ، وتصرّف طرائف الجنان ، وإمامة الجماعة في ذلك المكان . فالمحال إدراكنا كيفيّة الإمكان ونهج الوقوع ، لا الوقوع والإمكان . (10) فمعنى الجواب أنّ الذي قدر على هذا بهذا النهج الذي لا يدركه الأكمه قبل وقوعه البتّة قادر على هذا أيضا ، لكن بنهج لا يدرك قبل أن يقع ، ولا يقع إلّا أن يشاء اللّه فيقع ويدرك من غير استبعاد واستحالة ، كما في مثال الناظر والمنظور للمبصر بعد كَمَهِه ، واللّه العظيم قادر على أن تنفلق سَفَرْجلةً في كفّ رسوله صلى الله عليه و آله عن حورائين مخلوقتين منذ ما شاء اللّه لسلمان وأبي ذرّ رضي اللّه عنهما ، وأن يحشران الناس جميعا أوّلاً في صعيدٍ واحدٍ . (11) وفسّر الصعيد الواحد بصخرة بيت المقدّس ألا يرى قول الصادق عليه السلام : «قادر» وقول أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «إنّ اللّه تعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون» أي لا يقع ، لا أنّه لا يمكن ، وعدم الوقوع لا يستلزم عدم الإمكان . ومعنى قوله عليه السلام : «ومن أقدر ممّن يلطّف الأرض ويعظّم البيضة» أنّ تقييد السائل سؤاله بقوله : «من غير تصغير الدنيا أو تكبير البيضة» دلالة على إمكان ذلك عنده، وتجويزه أن يكون مقدورا له تعالى بأحد هذين النهجين ، فمن أقدرُ ممّن قدر على ذلك بالتصغير أو التكبير؟ فإذا كان ذلك مقدورا له بهذا النهج كان مقدورا له أيضا بلا تصغير أو تكبير بنهج آخر غيرُ مدرَكٍ قبل الوقوع إلّا أن يشاء اللّه ، فيقع ويدرك من غير استحالة في إدراكه بنهجه، فإن خدشك شيء فاجمع خاطرك بالتأمّل في أنّ إيمانك بمعراجه صلى الله عليه و آله إيمان بمُحالٍ بالذات ، أو بممكن مقدورٍ له عزّ وجلّ «تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» (12) . (مسلّما) أي لأسلّم عليك . (فهاك الجواب) «ها» مقصورة من أسماء الأفعال يلحق بها كاف الخطاب ، أي خذ إليك الجواب . (ولم يخبره باسمه) حذرا عن الإلزام ، وخفّة عِلاوَة التوبيخ ، كما مرّ في هديّة الأوّل . ولا يبعد أن يقال : حذرا عن أن ينقلب منصبه في ولاية المناظرة ، فيصيرَ مستدلّاً بعد كونه مانعا فيخَبَرَ عن صلاحها . (ولا دخل فيها) في بعض النسخ : «ولم يدخل فيها» يعني ليس لك خبر عن داخل مثل الحصن في الكفّ ، لا عن صلاح داخله ، ولا عن فساد داخله ، فتعريض بأنّ القاصر فهمه عن مثل هذا _ فضلاً عن مثل الدنيا بسماواتها وأرضيها وما فيهنّ وما بينهنّ وما فوقهنّ وما تحتهنّ _ لا يمكنه درك الخالق المدبّر الحكيم لمثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم بكنهه ، فلا وجه لإنكاره سوى الجهل والحماقة ، أو العناد والسفاهة ، ودلائل ربوبيّته ظاهرة ، وآثار قدرته باهرة ، وشواهد صنعته متظافرة ، وآيات حكمته متوافرة ، وبيّنات حجّته متواترة . (فأطرق مليّا) أي زمانا طويلاً . بارك اللّه له في جودة تأمّله وحسن إيمانه .

.


1- . الملل والنحل ، ج 1 ، ص 250 .
2- . يوسف (12) : 21 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 103.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 259 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، 103 .
6- . التوحيد ، ص 130 ، باب القدرة ، ح 11 .
7- . التوحيد ، ص 130 ، باب القدرة ، ح 9 .
8- . التوحيد ، ص 130 ، باب القدرة ، ح 10 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 321 _ 322 .
10- . راجع : البحار ، ج 37 ، ص 101 ، ح 5 ؛ و ج 43 ، ص 307 _ 308 ، ح 72 .
11- . الكافي ، ج 2 ، ص 107 _ 108 ، باب العفو ، ح 4 ؛ الوسائل ، ج 12 ، ص 172 _ 173 ، ح 15994 ؛ البحار ، ج 2 ، ص 14 ، ح 26 .
12- . الملك (67) : 1 .

ص: 28

. .

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

الحديث الخامسروى في الكافي ، عَنْ عَلِيّ ، (1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ؛ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي أَتى أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَكَانَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«لَا يَخْلُو قَوْلُكَ : «إِنَّهُمَا اثْنَانِ» مِنْ أَنْ يَكُونَا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ ، أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّا وَالْاخَرُ ضَعِيفا ، فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ ، فَلِمَ لَا يَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ، وَيَتَفَرَّدَ بِالتَّدْبِيرِ؟ وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ ، وَالْاخَرَ ضَعِيفٌ ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ ؛ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي . فَإِنْ قُلْتَ : إِنَّهُمَا اثْنَانِ ، لَمْ يَخْلُوا (2) مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ وجِةٍ ، (3) أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِما ، وَالْفَلَكَ جَارِيا ، وَالتَّدْبِيرَ وَاحِدا ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَائْتِلَافُ الْأَمْرِ عَلى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ . ثُمَّ يَلْزَمُكَ _ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ _ فُرْجَةٌ مَّا بَيْنَهُمَا حَتّى يَكُونَا اثْنَيْنِ ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثا بَيْنَهُمَا ، قَدِيما مَعَهُمَا ، فَيَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ ، فَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلَاثَةً ، لَزِمَكَ مَا قُلْتُ فِي الِاثْنَيْنِ حَتّى يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرْجَةٌ ، فَيَكُونُوا خَمْسَةً ، ثُمَّ يَتَنَاهى فِي الْعَدَدِ إِلى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْكَثْرَةِ» . قَالَ هِشَامٌ : فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ : فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «وُجُودُ الْأَفَاعِيلِ دَلَّتْ عَلى أَنَّ صَانِعا صَنَعَهَا ، أَلَا تَرى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلى بِنَاءٍ مُشَيَّدٍ مَبْنِيٍّ ، عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِيا وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِيَ وَلَمْ تُشَاهِدْهُ؟» قَالَ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ : «شَيْءٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ ؛ ارْجِعْ بِقَوْلِي إِلى إِثْبَاتِ مَعْنىً ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم» .
2- . في الكافي المطبوع : «لم يخل» .
3- . في الكافي المطبوع : «جهةٍ» .

ص: 32

هديّة :قد أورد ثقة الإسلام طاب ثراه هذا الحديث في الكافي متفرّقا ، فأورد أوائله هنا ، ثمّ أعاد بعضها مع واسطة في الباب التالي تارةً ، وفي باب آخر بعد باب صفات الذات اُخرى مقتصرا على بعضها ، وبعض أواخره في باب الإرادة ، وبعضها في باب الاضطرار إلى الحجّة في كتاب الحجّة ، وكرّر ذكر الإسناد . و(الفُقَيمي) بالتصغير، نسبة إلى فُقَيم بن دارِم بن مالك بن حنظلة : أبو حيّ من تميم و«فُقَمي» ك «هُدلي» نسبة إلى فُقَم ، كصُرد : أبوحيّ من كنانة . (من أن يكونا قديمين قويّين) إشارة على الاتّفاق من الثنويّة أيضا على قدم المبدأ ؛ لحاجة الحادث إلى مؤثّر قديم لامحالة ولو بالواسطة . (فلم لايدفع) بيان للزوم فسادين على الفرض : أحدهما : محاليّة الفرض ؛ لأنّ معنى كون كلّ منهما قويّين قاهريّته على جميع ما سواه ، وكلّ منهما داخل فيما سوى الآخر . والثاني : لزوم التعطيل في التدبير من الجانبين كما إذا كانا عاجزين . فلظهور فساد هذا الشقّ ببيان الطرفين لم يذكر . فإن قلت : «إنّهما اثنان» دفع دخل في الشيء الأوّل ، أي لا يقال : لِمَ لا يجوز أن يكونا قويّين متّفقين في التدبير ؛ أو برهان آخر . وحاصل الجواب على التقديرين : أنّ وحدة نسق التدبير ونظم الانتظام واستمرارهما كما يدلّ على بطلان التخالف المقتضي للاختلاف يدلّ على عدم الحاجة إلى مدبّرين مستقلّين في التدبير مع التساوي في الاستقلال . (والفلك جاريا) يحتمل ضمّ الفاء وسكون اللام ، فعلى الاستعارة أو على الحقيقة ؛ أي بالرّياح بأمر مدبّرها . (ثمّ يلزمك) برهان آخر . والمراد ب_ «الفرجة» بالضمّ : ما به الامتياز ، واللّازم هنا خلاف الفرض والتسلسل . قال الفاضل الإسترابادي : «لا يخلو قولك: إنّهما اثنان» ذكر عليه السلام أدلّة ثلاثة [على أنّ خالق الممكنات شخص واحد جلّ جلاله ] (1) والأوّلان تقريران لبرهان التمانع المذكور في كتاب اللّه ، وهما مبنيّان على أنّ صانع الممكنات منزّه عن النقص ، وهذه مقدّمة واضحة . وتقرير برهان التمانع الدالّ على وحدة الخالق مذكور في الكتب الكلاميّة كشرح المقاصد . (2) وملخّص الدليل الثالث : أنّه يمتنع التعدّد ، وإلّا لزم التسلسل ؛ لأنّه لو وجد واجبان لوجد ذو فرجة ، أي مركّب من شخصين متمايزين فيكون واجبا ثالثا ؛ لأنّه وجد من غير تأثير فاعل، فيلزم ذو فرجتين اُخريين (3) أحدهما مركّب من الأوّل والثالث ، وثانيهما من الثاني والثالث ، وهكذا ، فيلزم اُمور قديمة غير متناهية غير ممكنة ؛ لأنّها وجدت من غير تأثير فاعل . فإن قلت : إنّما يكون التركيب بين الأشياء الخارجة بعضها عن بعض ، ولولا ذلك لزم وجود اُمور غير متناهية في كلّ ما وجد فيه أمران ، فيمتنع التركيب بين الشيء وجزئه . قلت : هذه المقدّمة ودليلها صحيحان ، لكن يلزم هنا أن يكون الموجود الثالث بسيطا غير مركّب من الجزئين ؛ لأنّه واجب الوجود ، وهكذا في باقي المراتب . ومن اطمأنّ قلبه بالبرهان المذكور في كتب القوم الدالّ على أنّ كلّ دور يستلزم تسلسلاً يطمئنّ قلبه بما حرّرناه ، وتلخيصه: أنّه لو توقّف «أ» على «ب» و «ب» على «أ» للزم توقّف «أ» على نفسها ولزم وجود «أ» ثانية مغايرة لنفسها؛ للمقدّمة الصادقة في نفس الأمر ، وهي أنّ الموقوف غير الموقوف عليه ، وللزم توقّف الألف الثانية أيضا على نفسها لمقدّمة اُخرى صادقة في نفس الأمر ، وهي أنّ الشيء ليس إلّا نفسه ، فيلزم ألفات غير متناهية متوقّفة بعضها على بعض ، وكذلك يلزم باءات غير متناهية . (4) أقول : ما أظهر الفرق بين التسلسل في اُمور قديمة يلزم من اعتبارها كونها أصلاً في الوجود ، وبين التسلسل في اُمور اعتباريّة لا يلزم من اعتبارها كونها كذلك ! والاُمور الاعتباريّة المحضة قد يكون بعض حيثيّاتها صادقا في نفس الأمر . و(الأفاعيل) جمع اُفعولة بالضمّ ؛ أي الأفعال العجيبة والآثار الغريبة، بتدبيرات محكمة وتقديرات متقنة، لفوائد ظاهرة ومصالح باهرة . وهذا البرهان كما يدفع التعطيل يدفع الإيجاب واقتضاء الطبيعة. (مشيّد) مرتفع ، مستحكم. (مبنيّ) مراعى في بنائه ما يراعى من المصالح والحِكم . (ارجع بقولي) أي افهم من قولي شيء بخلاف الأشياء . (إثبات) مسمّى له الأسماء الحسنى ، وهو أحديّ المعنى ، بمعنى أنّه لا ينقسم في وجود ، ولا عقل ، ولا وهم ، كذلك ربّنا ، فلا يشاركه شيءٌ في شيء حتّى في مفهوم الشيء ؛ فإنّ شيئيّته ليست كشيئيّة الأشياء ، كما أنّ وحدته ليست كوحدة الأعداد ، وهذا معنى أنّه شيء بحقيقة الشيئيّة . وفتح الهمزة في «أنّه» أولى لا إثبات مجرّد اسم ملتئم من الحروف . وقرأ برهان الفضلاء : «أرجع» على المتكلّم وحده . وضبط كما في بعض النسخ بزيادة : «ولا يجسّ» بالجيم بعد «ولا يحسّ»، وصرّح بأنّهما على المعلوم ؛ أي لا يحسّ بآلة ولا يجسّ بجارحة يد ، وكذا في«ولايدرك» أي ولا يدرك الأشياء بالحواسّ الخمس . «جسّه» بالجيم ، كمدّ : مسّه ، ومنه المجسّ ، الموضع الذي يجسّه الطبيب . وسنذكر تمام قول برهان الفضلاء . وقال بعض المعاصرين مطابقا لما قاله صدر الدِّين محمّد الشيرازي : قوله عليه السلام : «لا يخلو قولك _ إلى قوله _ : فإنّ قلت» مبنيّ على ثلاث مقدّمات مبيّنة في كتب الحكمة مضمّنة في كلامه عليه السلام إحداها : أنّ صانع العالم لابدّ أن يكون قويّا مستقلّاً بالإيجاد والتدبير لكلّ واحدٍ واحدٍ والجميع . والثانية : عدم جواز استناد حادثٍ شخصي إلى موجدين مستقلّين بالإيجاد . والثالثة : استحالة ترجّح أحد الأمرين المتساويّين على الآخر من غير مرجّح ، وقد وقعت الإشارة إلى الثلاث بقوله عليه السلام : «فلِمَ لا يدفع كلّ واحدٍ منهما صاحبه» ثمّ دفع كلّ واحدٍ منهما صاحبه مع أنّه محال في نفسه مستلزم للمطلوب . وقوله عليه السلام : «لِمَ لا يخلو» برهان آخر مبنيّ على ثلاث مقدّمات حدسيّة : إحداها : أنّ كلّ متّفقين من كلّ وجه بحيث لا تمايز بينهما أصلاً لا يكونان اثنين ، بل هما واحد ألبتّة ، كما قال الشيخ الإلهي صاحب حكمة الإشراق : صرف الوجود الذي لا أتمّ منه كلّما فرضته ثانيا فإذا نظرت فهو هو . والثانية : أنّ كلّ مفترقين من كلّ جهة لايكون صنع أحدهما مرتبطا بصنع الآخر ، ولاتدبيره مؤتلفا بتدبيره بحيث يوجد عنهما أمر واحد شخصي . والثالثة : أنّ العالم أجزاؤه مرتبط بعضها ببعض كأنّ الكلّ شخص واحد . وقوله عليه السلام : «ثمّ يلزمك» إمّا برهان ثالث مستقلّ على حياله ، وإمّا تنوير للثاني وتشييد له على سبيل الاستظهار ، بأن يكون إشارة إلى إبطال قسم ثالث، وهو أن يكونا متّفقين من وجه ومفترقين من وجه آخر ، فيقال : لو كانا كذلك يكون لا محالة ما به الامتياز بينهما غير ما به الاشتراك فيهما ، فيكونوا ثلاثة . وإلى البرهان الثاني أشار ما رواه الصدوق رحمه اللهفي كتاب التوحيد بإسناده عن هشام بن الحكم ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ اللّه واحد؟ قال : «اتّصال التدبير وتمام الصنع ، كما قال عزّ وجلّ : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّه ُ لَفَسَدَتَا» ». (5) وروى فيه أيضا بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : «إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام ؛ فوجهان منها لا يجوزان على اللّه تعالى ، ووجهان يثبتان فيه . فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه ؛ لأنّه تشبيه ، وجلَّ ربّنا وتعالى عن ذلك . وأمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ، كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه ربّنا أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ» (6) . (7) انتهى قول بعض المعاصرين مطابقا لاُستاذه . أقول : سبحان اللّه غرض صاحب حكمة الإشراق من قوله : صرف الوجود الذي لا أتمّ منه _ إلى قوله _ : فهو هو _ كما صرّح به فيها _ : بيان حقيقة التوحيد على معتقده، ولا حقيقة للتوحيد عند الصوفيّة القدريّة القائلين بوحدة الوجود سوى هذا ، وتوحيدهم هكذا كفر باللّه العظيم . ألا تعجب من استشهاد هذين الفاضلين بقوله ، ثمّ بحديث أمير المؤمنين عليه السلام ، وفيه : «أنّه ربّنا أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، كذلك ربّنا عزّ وجلّ » . والخالق عند القائلين بوحدة الوجود هو بحت الوجود ، والمخلوقات شؤوناته وأكوانه وتشكّلاته في سلسلتي البدو والعود على معتقدهم ، وليس بدّ لهم من القول بِقِدَم العالم ، والتناسخ صورة الوجود البحت ، وبهذيانات آخر ، كما عرفت مرارا . سبحان اللّه «هو خِلْوٌ من خَلقه، وخلقه خِلْوٌ منه» . (8) «لا تدركه الأوهام وهو بكلّ شيءٍ محيط ، وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة ، بمعنى أنّ شيئيّته مباينة بالذات لشيئيّة جميع ما سواه ، كما أنّ وحدته لوحدة كلّ واحد من الداخل وحدته في باب الأعداد . قال برهان الفضلاء : معنى «شّيء بخلاف الأشياء» أنّ أسماءه جميعا مشتقّات ، والذات _ كما ثبت عند أهل العربيّة _ مبهمة في المشتقّات وخارجة عن مفهومها ، فمعنى «أرجع بقولي إلى إثبات معنى» إلى إثبات مسمّى يكون اسمه غيره ؛ أي يكون اسمه مشتقّا ، فإنّ الجامد من الأسماء كالجسم والبلّور والخبز عين مسمّاه . وسيبيّن في الباب الخامس في أوّله إن شاء اللّه تعالى . وقول الشيخ إلالهي _ : صِرْف الوجود ، إلى آخره حجّة ثانية على بطلان وحدة الوجود من حيث لا يَشْعُر ؛ لأنّ كلّ شيء كلّما فرضته ثانيا ، فإذا نظرت فهو هو، إلّا اللّه سبحانه ، وهو «شيء بخلاف الأشياء». وفي الحديث الأوّل من الباب الثاني : «فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، ولا يشبهه شيء ، ولا تدركه الأوهام» الحديث . وليس معنى قوله عليه السلام : «دلّ بصحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد»: أنّ العالم بجميع أجزائه المرتبط بعضها ببعض كشخص واحد له أعضاء وشؤونات على قاعدة وحدة الوجود كما صرّحوا به في كتبهم ، بل المعنى أنّ كلّ واحد من صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر دلالة التوحيد . أمّا الأوّل فظاهر ؛ لصحّة أمر حجّيّة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة . وأمّا الثاني ؛ فلأنّ العالم بنظامه مدبَّرٌ لا محالة ، وكلّ مدبَّرٍ حادثٌ قطعا ، وسلسلة الحدوث ينتهي ألبتّة إلى قديم واحد ، وإلّا تسلسل بالعلّة في الحدوث ، وبالفرجة في التعدّد . وهذا معنى قوله عليه السلام : «اتّصال التدبير» . (9) وأمّا الثالث ، فله معنيان : الأوّل : عدم الاختلاف بين اُولي الأمر ذوي المعجزات المتوافرة والدلالات المتواترة في اُصول الدِّين وأصلها التوحيد . والثاني : اتّفاق جميع الناس في الحكم بأنّ الصنعة في خلقة الماء إنّما هي صنعة من خلق النار ، والصنعة في خلقة النار إنّما هي صنعة من خلق الهواء ، وهكذا من البَعوضِ إلى الفيل ، ومن الأرض إلى السماء ، من نجوم الأرض وأشجارها إلى ثوابت النجوم وسيّارها ، من ناشطات شواهق الجبال إلى ناشطات أبراج الأطباق ، من طرائف لجج البحار ونفائس نتايج المعادن إلى عجائبات أعنان الجوّ وأطراف الآفاق بلاتفاوت في صنائع القدرة ولطائف تدبير الصنع بالاتّفاق . وهذا هو توحيد الفطرة ، فطرة اللّه التي خلق الناس عليها ، (10) قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الملك : «بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقا مَا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ» (11) ، و«الفطور» جمع الفَطْرة بالفتح ، وهو الشَقّ ، يعني الذي ينافي اتّساق النظام ونسق الانتظام ، قال اللّه عزّ وجلّ في سورة الطول : «اللّه ُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ قَرَارا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللّه ُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللّه ُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَىُّ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (12) . ومن بيانات الفاضل الإسترابادي رحمه الله أنّه : قد ظهر من كلامه عليه السلام أدلّة اُخرى : منها : أنّه لو وجد واجبان للزم اجتماع الوجوب والإمكان في الموجود الثالث . ومنها : أنّه لو وجد واجبان للزم وجود ممكن ، وهو الموجود الثالث بغير تأثير فاعل ؛ لبداهة أنّ وجود المجموع غير محتاج إلى تأثير . ومنها : أنّه لو وجد واجبان للزم وجود واجب يمتنع أن يكون صانعا ؛ لأنّ الموجود الثالث بمنزلة الحجر الموضوع بجنب الإنسان ، وبمنزلة مجموع نفس زيد ونفس عمرو . وحاصل الدليل الأوّل : أنّه لو كان اثنين لدفع الآخر هذا الإله المُرسِل للرّسلِ ؛ لإقرار الناس بأنّه لا شريك له بمثل فعله ، ولم يدفع . وحاصل الثاني : أنّه لو كان اثنين لدفع الآخر آثار هذه الإله ولم يدفع ولم يفعل . ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام : «لو كان له سبحانه شريك، فأين رسل شريكه؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا» . (13)

.


1- . أضفناه من المصدر .
2- . شرح المقاصد ، ج 2 ، ص 63 .
3- . في جميع النسخ: «فرجتان آخران» . والصحيح ما أثبتناه ؛ لأن «ذو» لا تستعمل إلّا مضافة .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 105 .
5- . التوحيد ، ص 250 ، باب الردّ على الثنويّة والزنادقة ، ح 3 ، والآية في الأنبياء (21) : 22 .
6- . التوحيد ، ص 83 _ 84 ، باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 3 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 330 _ 331 .
8- . الكافي، ج 1، ص 82 _ 83، باب إطلاق القول بأنّه شيء، ح 3 و 5 .
9- . التوحيد ، ص 250 ، باب الرد على الثنويّة والزنادقة ، ح 2 .
10- . إشارة إلى الآية 30 من سورة الروم (30).
11- . الملك (67) : 1 _ 4 .
12- . غافر (40) : 64 _ 65 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 105 .

ص: 33

. .

ص: 34

. .

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

. .

ص: 39

الحديث السادسروى في الكافي، بإسناده عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ (1) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كَفى لِأُولِي الْأَلْبَابِ بِخَلْقِ الرَّبِّ الْمُسَخِّرِ ، وَمُلْكِ الرَّبِّ الْقَاهِرِ ، وَجَلَالِ الرَّبِّ الظَّاهِرِ ، وَنُورِ الرَّبِّ الْبَاهِرِ ، وَبُرْهَانِ الرَّبِّ الصَّادِقِ ، وَمَا أَنْطَقَ بِهِ أَلْسُنَ الْعِبَادِ ، وَمَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ ، وَمَا أَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ ، دَلِيلاً عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ» .

هديّة :(الزهري) كهذلي : نسبةٌ إلى زهرة . وزهرة بن كلاب : أبو حيّ من قريش . وبنو زهرة : جماعة من الشيعة بحلب . «الباء» في (بخلق الربّ) كما في «وَكَفَى بِاللّه ِ شَهِيدا» (2) . قال في القاموس : وتكون زيادة واجبة ، كأحسن بزيدٍ ، أي أحسن زيد ، أي صار ذا حسن . وهي في فاعل كفى : ك «كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» . (3) و(المسخّر) على اسم الفاعل من التفعيل . واحتمال اسم المفعول منه حتّى تكون الأوصاف كلّها للمضاف _ كما قيل _ ليس بشيء ، فغير الأوّل كذلك ؛ أي بمخلوقاته وهو مسخّر لها وبسلطنته إلى آخر الحديث . يعني كفى لذوي العقول دليلاً على توحيد ربّ العالمين بالتدبير المبين في الصنع المتين كلّ واحد من هذه الثمان من الحجج القاطعة والبراهين الساطعة القاصمة ظهور (4) الزنادقة من الفلاسفة وأهل التناسخ والثنويّة والدهريّة والقدريّة ، ومن مذاهبهم حدوث الأفاعيل والآثار باللزوم والإيجاب واقتضاء الطبائع والاتّفاق . أمّا الحجّة الاُولى : فإنّا رأينا وثبت أنّ العالم مسخّر بجميع نظامه من المركز إلى المحدّب في الحركات ، والسكنات ، والتحيّز ، ومقتضى الطبائع والإرادات ، فلا الرّبع المسكون يمكنه عدم الانكشاف بمقتضى الطبيعتين ، ولا الهواء في الجوّ يمكنه السكون إذا كان مقتضى طبيعته ذلك ، ولا التحرّك بنهج واحد وقدر مضبوط ووقت خاصّ كذلك ، ولا السحاب المسخّر بين السماء والأرض يمكنه السقوط على الأرض حين تثاقله جدّا . وأظهر من الشمس، أنّ الشمس لم يتحيّز بمقتضى طبعها في الفلك الرابع في ذلك الحيّز الخاصّ منه ، وكذا القمر في السماء الدنيا . وفوائد وضع المنطقتين في نظام المشارق والمغارب ، واختلاف الأيّام ، وليالي الدّهور ، وفصول السنين ، وأهلّة الشهور، وغير ذلك من الآثار الظاهرة والآيات الباهرة، بنظم واحد متّسق، ونسق خاصّ متّفق، علمنا وثبت أنّ القاهر لجميع هذه المدبّرات المسخّرات ربٌّ قديم واحد ؛ لوجوب الغلبة بالربوبيّة ، والتغاير بالخالقيّة ، وبطلان التعدّد عقلاً وجمعا . وأمّا الحجّة الثانية : فيبنى نظامها على الملك والسلطنة ، بأنّه ليس بدّ في مثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم، من ملك قادر وسلطان قاهر؛ لتخصيص كلّ جرم من الأجرام العلويّة بوضع خاصّ وحيّز مخصوص ، وكلّ قسم من الأجسام السفليّة بمحاذاة معيّنة ومكان معلوم مع اتّحاد الطبيعة في عامّة الأجزاء في غالب الأجرام ، كما في تمام بعض الأقسام في عامّة الأجسام . والحجّة الثالثة : ينتظم نسقها على الجلالة والعظمة ، بأنّ جلالة الآثار الظاهرة وعظمة الآيات الباهرة بحيث لا تدرك الأوهام قدرها بالأنظار ، وتحيّرت عقول الفحول عند ملاحظتها بالأفكار ، دلالة ظاهرة على أنّها إنّما هي بتدبير عظيم من ملك عظيم قادر ، وتقدير جليل من سلطان جليل قاهر ، سبّوح عن العجز والنقصان ، قدّوس عن الحاجة إلى الأعوان . وقد ثبت عقلاً وسمعا _ كما باختلاف المنظر في الهندسة _ أنّ مقدار جرم الشمس _ وهو يرى بالأنظار قدر وأحد من الأشبار _ ثلاثمائة وستّون أضعاف كرة الأرض . فانظر إلى فلك القمر وسعته، وهو كحلقة في جيب الثاني ، والثاني كحلقة في جيب الثالث وهكذا ، فلو جلّلته عدّة من الشموس كما قد يجلّل لبنات من الذهب سقفا من السقوف يكون مقدار كلّ لَبِنَة من تلك اللّبنات ثلاثمائة وستّين أمثال تمام الأرض ، والأرض ربعها مكشوف، ونصف ربعها _ لا بل نصف ثمنها تقريبا _ سبعة أقاليم من خطّ الاستواء إلى عرض التسعين ، ومن الاُفق الغربي إلى الاُفق المبين ، فتبارك اللّه ربّ العالمين ، عظمت قدرته وجلّت عظمته . والحجّة الرابعة : ينوّر برهانها بالنور الباهر الممتاز المتميّز به ، لا باقتضاء الطبيعة والإيجاب النور من النور والظلمة ، والظلمة من الظلمة والنور ، والحقّ من الباطل ، والصلاح من الفساد ، والإيمان من الكفر والضلال ، وهو نور الأنوار، وقد قال صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري»، (5) و«أنا وعليّ من نور واحد» (6) . والحجّة الخامسة : يبرهن بالبرهان الصادق القرآن المجيد وقَيِّمَه الناطق . والحجّة السادسة : يتنطّق بإحكام الصنع والتدبير في الإنسان، وإتقان الخلق والتقدير، وبتقدير في الأبدان ، من حالة العلقة إلى الصورة وتمام الخلقة . والعينان أوّلاً نقطتان في المضعة تدركان بالبصر أم لا ، ثمّ يصلان بصنع القدرة في طبقاتهما وجلدتيهما _ كما ترى _ إلى حيث يصل ، ويرى شعاع نورهما في لَمْحة هيئات النجوم وأشكال البروج في فلك البروج . وكذا الاُذنان أوّلاً ، ثمّ يصلان إلى حيث يسمعان الصوت الذي قد يصير بحركة الشفتين واللِّسان حروفا مبيّنة سائرة متدرّجة من مبدأ الفم على دُرَج تموّج الهواء إلى منتهى الصماخ . وكذا كلّ عضو من الأعضاء من الفرق إلى القدم بأفاعيله وخواصّه ، ثمّ مِنْ أوّل النشوء إلى أرذل العمر ، وما أنطق اللّه به اللّسان اُنمُوذَج من سائر الصنائع والتدابير في الأبدان . قال اللّه تبارك وتعالى في سورة المؤمنون : «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاما فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْما ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ» (7) . والجميع في جميع الأحوال باختلافها ، وتمام الأوضاع بتغايرها مربوب محتاج في بقاء بنيان البدن وسلامته من الآفات إلى ربٍّ متّصفٍ بما رخّص العباد في الاعتقاد بأنّه متّصف به من الصفات . وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» . (8) والأركان الأربعة لبيت المعرفة كما قال الصادق عليه السلام : «معرفة العبد ربّه ، ونفسه ، وأنّه لماذا خلقه ، وعدوّ دينه » (9) . وظاهر أنّ جميع البيانات والكلمات التي صدرت وتصدر إلى آخر الدنيا من أهل المعارف الحقّة إنّما هو بيان لهذه الكلمات الأربع ، ولقد كفى بإيماننا بيانا كافيا لأهل الإيمان . أمّا معرفة العبد ربّه ، فبما عرّفه به نفسه ، وأخبر به حججه المعصومون صلوات اللّه عليهم . وأمّا معرفة العبد نفسه ، فبما أشرنا إليه من العلم بالنطفة وحالاتها وعجائب صنائع الربّ تعالى ، وغرائب تدابيره فيها . وأمّا معرفة العبد أنّ خالقه لماذا خلقه ، فإيمانه بأنّه تبارك وتعالى إنّما خلقه للمعرفة والطاعة بطاعة مفترض الطاعة فيما أمر به ونهى عنه من العقائد والأعمال . وأمّا معرفة العبد عدوّ دينه ، فبما أخبر به الحجج عليهم السلام من ذلك أنّ ذلك اللّعين الرئيس للشياطين عدوٌّ مبين غير مبين لأنظار الناظرين يجيء ببغضه وعداوته؛ لكي يضلّ بني آدم من جهات الستّ، وهم لا يرونه ولا يشعرون به، وله مجرى في الأبدان مجرى الدم في العروق ، وقد ينفذ الرئيس _ وليس لهم سلطان على الذين آمنوا _ في بدن رئيس من الصوفيّة وجماعة من أبالسته في طائفة من المريدين فيرقصون ويَرْقُصُونهم ، فتجدهم حالة المصروعين الذين يتخبّطهم الشيطان من المسّ ، وتحمرّ عيونهم وألوانهم ويجدون فيهم قوّةً وحالة لم تكن من قبل، ولا يشعرون أنّها من الشيطان ، بل يقطعون أنّهم شربوا شراب التوحيد واتّصلوا كالقطرة إلى بحر التجريد، وهم واصلون إلى جهنّم وبئس المصير . لا يرضى هؤلاء الملحدون _ كما صرّح به ابن العربي في فتوحاته _ بمنزلة الإمامة أو بمرتبة النبوّة، ويدّعون ما يدّعون. قال اللّه عزّ وجلّ في سورة يس : «أَوَلَمْ يَرَ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» (10) . والحجّة السابعة : تعجز الزنادقة بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة للحجج المعصومين الممتازين عن الجميع حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام ، وقد ضبط نسب موسى بن جعفر عليهماالسلام عند فحول العلماء وأهل التاريخ من المؤالف والمخالف في الأصلاب الطاهرة إلى هابيل بن آدم عليهماالسلام ، فأين نسب الثاني وهو شرّ الثلاثة ومعتمدهم ؟ نعم، ضبط بالاتّفاق أنّ امرأة واحدة كانت اُخته واُمّه وعمّته ، وأين نسب ابن العربي صاحب الفتوحات المكّيّة ، والبسطامي صاحب سبعين معراجا في ليلة من ليالي الجمعة ، والحلّاج وهو على معتقدهم صاحب الصور وآية «وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ» (11) في سورة القارعة! وهم لا يشعرون أنّ حلّاجهم صار محلوجا من قبل في أي جهنّم من دركات النار ؟ وأين نسب الرومي؟ وهو عندهم صاحب القرآن الفارسي ، وفي الدفتر الخامس من قرآنه : أنّ الشريعة بمنزلة الدّواء للمريض والإكسير لعمل الكيمياء وأنّ السالك يصل برياضته الكاملة إلى حيث يصحّ ويبرأ من الأمراض النفسانيّة ، فيصير صفره ذهب ، فينجو عن قيد الشريعة وأسْرها ، حلالها وحرامها ، فيحلّ له ما كان حراما من شرب الخمر ونكاح الاُمّ والبنت والاُخت ونحو ذلك (12) ، كما في شرع المجوس ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» (13) . فاعرف عدوّ دينك واستعذ باللّه من الشيطان الرجيم ، وتوكّل على العزيز الرحيم . والحجّة الثامنة : كما تعاقب الملاحدة بتعاقب العقوبات النازلة العاجلة وتتابع الآفات المتواترة الشاملة على أهل العناد من العباد ، كأصحاب الفيل ، وقوم ثمود ، وعاد ، وآل فرعون ذي الأوتاد، تعذّبهم بالكتب النازلة ، والآيات الكاملة في كلّ دهرٍ وزمان إلى قيام القيامة بظهور القائم صاحب هذا العصر والزمان صلوات اللّه عليه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن البرقي ، عن أبيه ، عن عليّ بن النُعمان ، عن ابن مسكان» .
2- . النساء (4) : 79 .
3- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 480 (الباء) .
4- . جمع «ظَهْر» .
5- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 100 ، ح 140 ؛ وعنه في البحار ، ج1 ، ص 97 ، ح 7 .
6- . الخصال ، ص 31 ، ح 108 ؛ وعنه في البحار ، ج 35 ، ص 34 ، ح 33 .
7- . المؤمنون (23) : 12 _ 16 .
8- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ح 20 ، ص 292 ، ح 339 . ورواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في البحار ، ج 2 ، ص 32 ، ح 22 .
9- . لم نعثر عليه.
10- . يس (36) : 77 .
11- . القارعة (101) : 5 .
12- . إشارة إلى ما قاله المّلا الرومي في مقدمة الدفتر الخامس من المثنوي ، وما قاله المصنّف هنا وفهم من كلام الملّا الرومي غير صحيح . راجع المثنوى ، ص 726 .
13- . عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175 ؛ جامع الأخبار ، ص 161 ، الفصل 126 ؛ وعنهما في المستدرك ، ج 12 ، ص 317 ، ح 14190 ؛ و ج 18 ، ص 185 ، ح 22457 .

ص: 40

. .

ص: 41

. .

ص: 42

. .

ص: 43

. .

ص: 44

. .

ص: 45

باب إطلاق القول بأنّه تعالى شيء

الباب الثانى : بَابُ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تعالى شَيْءٌوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ عِيسى ، عَنْ التميمي (1) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقُلْتُ : أَتَوَهَّمُ شَيْئا؟ فَقَالَ :«نَعَمْ ، غَيْرَ مَعْقُولٍ ، وَلَا مَحْدُودٍ ، فَمَا وَقَعَ وَهْمُكَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ خِلَافُهُ ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، كَيْفَ تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُعْقَلُ ، وَخِلَافُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَوْهَامِ؟! إِنَّمَا يُتَوَهَّمُ شَيْءٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَحْدُودٍ» .

هديّة :يعني أبا جعفر الثاني الجواد عليه السلام . و«عبد الرحمان بن أبي نجران التميمي» من رجال الرّضا والجواد عليهماالسلام ثقة ثقة . (أتوهّم) على المتكلّم وحده من التفعّل بتقدير الاستفهام ، و«إنّما يتوهّم» في آخر الحديث يعضده . وضبط برهان الفضلاء : «أتوهّم» على المضارع المجهول الغائبة من باب وعد ، بمعنى هل تتوهّم الذات . «شيء» كلمة من العمومات ، عمومها كعموم «العين» وعموم نقيضها كعموم «الممتنع» بالاشتراك المعنوي . وقولك : «شيءٌ ممتنع» على نهج التجوّز . فكما ثبت أنّ الواحد ممّا سوى اللّه وحدته من باب الأعداد وشيئيّته كشيئيّة الأشياء ، ثبت أنّ وحدة الربّ تعالى إنّما هي حقيقة الوحدانيّة المباينة بالذات لوحدة باب الأعداد ، وشيئيّته حقيقة الشيئيّة المخالفة من جميع الجهات لشيئيّة سائر الأشياء . وقد عرفت في الخامس من الباب الأوّل، وهديّته أنّه تبارك وتعالى شيء بحقيقة الشيئيّة ، وأنّه أحديّ المعنى، لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد» . (2) (نعم ، غير معقول) في الأذهان ، (ولا محدود) في الأذهان والأعيان . وقال بعض المعاصرين : «نعم غير معقول» أي يصدق عليه مفهوم شيء وإن لم يكن شيئا معقولاً لغيره ، ولا محدودا بحدّ ؛ وذلك للفرق بين مفهوم الأمر وما صدق عليه ، فهو ليس مفهوم الشيء ولا شيئا من الأشياء المعقولة وإن صدق عليه أنّه شيء . (3) انتهى . أقول : ظاهر أنّ حاصل بيانه أنّه عزّوجلّ هو ما صدق مفهوم الشيء ، لا مفهوم الشيء ، وهو _ بعد بنائه على ما ذهب إليه القدريّة من وحدة الوجود _ مبنيّ على صحّة صدق بعض المفهومات عليه _ سبحانه _ بالاشترك المعنوي ، وهو شيء بخلاف الأشياء بحقيقة الشيء ، وكلّ ما وقع عليه الوهم من شيء فهو خلافه ، فلا يصدق عليه مفهوم بالاشتراك المعنوي أصلاً ، وهو محيط بجميع الأعيان والأذهان بمفهوماتها الخاصّة والعامّة ، ولذا من خاصّته _ تبارك وتعالى _ أنّه ليس لغيره العلم بكنه ما لا يتناهى . نعم، غير الحجّة إذا كان نظره في التحقيق من عند نفسه لا يلتفت إلى حديث الحجّة، وهو يشرحه أنّه حجّة له أو عليه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن عبدالرحمن بن أبي نجران».
2- . التوحيد ، ص 83 ، باب معنى الواحد والتوحيد والموحّد ، ح 3 ؛ الخصال ، ص 2 ، باب الواحد ، ح 1 ؛ إرشاد القلوب ، ح 1 ، ص 166 ، باب 50 ؛ البحار ، ج 3 ، ص 206 ، ح 1 .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 333 .

ص: 46

. .

ص: 47

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلّهِ عزّوجلّ : إِنَّهُ شَيْءٌ؟ قَالَ :«نَعَمْ ، يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ التَّعْطِيلِ ، وَحَدِّ التَّشْبِيهِ» .

هديّة :(محمّد بن إسماعيل) هو البرمكي ، صاحب الصومعة، عيّنه الصدوق رحمه الله في سند هذا الحديث في كتاب التوحيد (2) . والمضاف في (حدّ التعطيل) يحتمل الحالات الثلاث . و«التعطيل» عبارة عن زعم الملحد في الصانع ب«ليس» . وقيل : أو عبارة عن إيجاب المؤثّر ، فردٌّ على الفلاسفة القائلين به ، وبأنّ الواحد من جميع الجهات لا يصدر عنه إلّا الواحد ، وبانتساب جميع الأفاعيل سوى الأثر الأوّل إلى العقل الفعّال عاشر العشرة عندهم ، وإلى المؤثّر الأوّل بواسطة تلك الأعوان ، وبتعطيله بالذات عن سوى الأثر الأوّل ، قال اللّه تعالى في المائدة : «وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللّه ِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ (3) » . ونفي التشبيه ، عبارة عن القطع بأنّ كلّ ما يخطر بالبال ويقع عليه الوهم ليس عينه ولا مثله . وقال برهان الفضلاء بعد ضبطه يخرجه على الغيبة : «التعطيل» هنا بمعنى عدّ الشخص خاليا عن الزينة «عطلت المرأة» كعلم ، و«تعطّلت» : إذا لم يكن عليها حُليّ، فهي عاطل . والمراد تخليته تعالى عن الصفات الكماليّة المختصّة المسمّاة بالنعوت . قال : يعني قال عليه السلام : نعم القول بأنّه شيء معيّن موجود في الخارج ، لا أنّه هو نفس الشيئيّة فيكون من الاُمور الاعتباريّة الخالية عن الصفات الكماليّة ، يخرجه من تعطيله عن تلك الصفات . وكذا القول بأنّه شيء لا كالأشياء ، يخرجه عن التشبيه ، وهو كونه متّحدا مع الممكنات ذاتا ومتغايرا بالاعتبار كما قالت الصوفيّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : أي يجوز أن يُقال للّه عزّ وجلّ : إنّه شيء ، ويجب أن يخرجه القائل من الحدّين . والمراد من التعطيل : الخروج عن الوجود ، وعن الصفات الكماليّة والفعليّة والإضافيّة ؛ وبالتشبيه : الاتّصاف بصفات الممكن ، والاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات . (4) وقال الفاضل الإسترابادي : أي لا تقل: إنّه لا شيء ، ولا تقل : إنّه شيء كالنور أو كالشمس أو كالظلّ أو كغير ذلك من الماهيّات التي أدركناها . (5) وقال بعض المعاصرين : لمّا دلّ السؤال على أنّ السائل نفى التشبيهَ عن اللّه جلّ جلاله أجاب عليه السلام بقوله : «تخرجه من الحدّين» وإلّا فإطلاق الشيء عليه إخراج له من حدّ التعطيل فقط ، فينبغي أن يُقال : شيء لا كالأشياء . (6) أقول : بناءً على توجيه برهان الفضلاء _ سلّمه اللّه تعالى _ بل لمّا دلّ السؤال على جواز إطلاق الشيء عليه تبارك وتعالى بالاشتراك المعنوي قال عليه السلام : نعم ، القول بأنّه شيء لا كالأشياء يخرجه من الحدّين .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل» .
2- . التوحيد ، ص 107 ، باب أنه تبارك و تعالى شيء ، ح 7 .
3- . المائدة (5) : 64 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 271 _ 272 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 107 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 334 .

ص: 48

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ رَفَعَهُ ، (1) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ اللّه َ خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَا خَلَا اللّه َ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي المغراء رفعه» .

ص: 49

هديّة :«المغر» بالفتح وسكون المعجمة ويحرّك : طير أحمر . «جمل أمغر» كأنّه مصبوغ به . و«ناقة مغراء» . وحميد بن المثنّى العجلي الصّيرفي أبو المغراء من رجال الصادق عليه السلام ثقة . و«الخِلوّ» بالكسر وسكون اللام : «الخالي ، يعني أنّ اللّه خِلْو من خلقه من جميع الجهات والحيثيّات حتّى في صدق مفهوم الشيئيّة ، وهو شيء بخلاف الأشياء بحقيقة الشيئيّة . وقد عرفت آنفا أنّ معنى «أنّه عزّ وجلّ شيء بحقيقة الشيئيّة» أنّ حقيقة شيئيّته متفرّدة عن شيئيّة الأشياء الممكنة ، كما أنّ وحدته ممتازة بحقيقتها عن وحدة كلّ واحد منها ؛ لعدم كونها من باب الأعداد . وكذا في جميع الصفات ، فمعنى قوله عليه السلام : (وكلّ ما وقع عليه اسم شيء) وقع عليه بالاشتراك اللّفظي ، والاستثناء منقطع . وقال برهان الفضلاء : «خِلْو من خلقه» يعني ليس له ذهن يقع فيه صور الأشياء ، وليس محلّاً للعوارض والحوادث . «وخلقه خلو منه» يعني لا تعقل ذاته تعالى لأحدٍ ، ولا يحلّ فيه شيء . ومثل الحديث قامعيّته للزنادقة ، وقاصميّته ظهور الملاحدة عامّةً ، يعني حجّة على الجميع عند جميع المبتدئين والمنتهين وجميع العقول والأوهام . وقال بعض المعاصرين : والسرّ في خِلو كلّ منهما عن الآخر ، أنّ اللّه سبحانه وجود بحت خالص لا ماهيّة له سوى الإنّيّة ، والخلق ماهيّات صرفة لا إنّيّة لها من حيث هي ، وإنّما وجدت به سبحانه وبإنّيّته فافترقا . (1)

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 334 .

ص: 50

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ تبارك وتعالى خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» مَا خَلَا اللّه َ ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، تَبَارَكَ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .

هديّة :في بعض النسخ : «أبا جعفر عليه السلام ». وبرهان الفضلاء ضبط كالأكثر . ونسق هذا الحديث أصرح من نظائره في أنّ صدق مفهوم الشيئيّة على الأشياء بالاشتراك اللّفظي وإن كان صدقه على الممكنات منها بالاشتراك المعنوي ، كصدق «لا شيء» على الممتنعات . وقد يقال : شيء ممتنع ، ولا امتناع في صدق شيء على مفهوم بالاشتراك اللفظي، وصدق نقيضه بالاشتراك المعنويّ؛ لتغاير الاعتبار . وما أصرح «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (2) في هذا الأصل ، وهو اقتباس من سورة الشورى «وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» أزلاً وأبدا ، لا كخلقه ، فردٌّ بعد الردّ على الصوفيّة القدريّة . و«الكاف» في «كمثله» من الزوائد على المشهور . وقال برهان الفضلاء : «الكاف» للتشبيه ، فعلى الكناية ، كمثلك لا يبخل ، وإنّما زيد كاف التشبيه لأنّ «ليس مثله شيء» يوهم أنّه ليس بشيء ، كما تزعم الزنادقة لعنهم اللّه .

الحديث الخامسروى في الكافي ، عَنْ الثلاثة (3) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَطِيَّةَ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تعالى شأنه خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» مَا خَلَا اللّه َ تَعَالى ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، عن أبيه ، عن النضر بن سُويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن زرارة بن أعين» .
2- . شورى (42) : 11 .
3- . يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .

ص: 51

هديّة :«الخثم» بالمعجمة والمثلّثة محرّكة : عرض الأنف . و«خيثم» بتقديم الخاتمة على المثلّثة كجعفر : من أسماء الأسد ، كخيثمة وأخثم . وبيان الحديث كنظائره .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده (1) ، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَنَّهُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ حِينَ سَأَلَهُ : فَما هُوَ (2) ؟ قَالَ :«شَيْءٌ (3) بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ ، ارْجِعْ بِقَوْلِي إِلى إِثْبَاتِ مَعْنىً ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ وَلَا يُجَسُّ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ» . فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَتَقُولُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟ قَالَ : «هُوَ سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ؛ سَمِيعٌ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ آلَةٍ ، بَلْ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ ، وَيُبْصِرُ بِنَفْسِهِ ، لَيْسَ قَوْلِي : إِنَّهُ سَمِيعٌ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ ، وَ (4) يُبْصِرُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ شَيْءٌ ، وَالنَّفْسُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَلكِنْ أَرَدْتُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِي ؛ إِذْ كُنْتُ مَسْؤُولاً ، وَإِفْهَاما لَكَ ؛ إِذْ كُنْتَ سَائِلاً ، فَأَقُولُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ بِكُلِّهِ ، لَا أَنَّ الْكُلَّ مِنْهُ لَهُ بَعْضٌ ، وَلكِنِّي أَرَدْتُ إِفْهَامَكَ ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْ نَفْسِي ، وَلَيْسَ مَرْجِعِي فِي ذلِكَ إِلَا إِلى أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْعَالِمُ الْخَبِيرُ ، بِلَا اخْتِلَافِ الذَّاتِ ، وَلَا اخْتِلَافِ الْمَعْنى» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «هُوَ الرَّبُّ ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ ، وَهُوَ اللّه ُ ، وَلَيْسَ قَوْليَ : «اللّه ُ» إِثْبَاتَ هذِهِ الْحُرُوفِ : أَلِفٍ وَلَامٍ وَهاءٍ ، وَلَا رَاءٍ وَلَا بَاءٍ ، وَلكِنِ ارْجِعْ إِلى مَعْنىً وَشَيْءٍ خَالِقِ الْأَشْيَاءِ وَصَانِعِهَا ، وَنَعْتِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَهُوَ الْمَعْنى سُمِّيَ بِهِ اللّه ُ ، وَالرَّحْمنُ ، وَالرَّحِيمُ وَالْعَزِيزُ ، وَأَشْبَاهُ ذلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ جَلَّ وَعَزَّ» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ مَوْهُوما إِلَا مَخْلُوقا . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «لَوْ كَانَ ذلِكَ كَمَا تَقُولُ ، لَكَانَ التَّوْحِيدُ عَنَّا مُرْتَفِعا ؛ لِأَنَّا لَمْ نُكَلَّفْ غَيْرَ مَوْهُومٍ ، وَلكِنَّا نَقُولُ : كُلُّ مَوْهُومٍ بِالْحَوَاسِّ مُدْرَكٍ بِهَا تَحُدُّهُ الْحَوَاسُّ وَتُمَثِّلُهُ ؛ فَهُوَ مَخْلُوقٌ [وَلَابُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ صَانِعِ الْأَشْيَاءِ خَارِجا مِنَ الْجِهَتَيْنِ الْمَذْمُومَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : النَّفْيُ] ؛ (5) إِذْ كَانَ النَّفْيُ هُوَ الْاءِبْطَالَ وَالْعَدَمَ ، وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ : التَّشْبِيهُ ؛ إِذْ كَانَ التَّشْبِيهُ هُوَ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ الظَّاهِرِ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ ؛ لِوُجُودِ الْمَصْنُوعِينَ وَالِاضْطِرَارِ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مَصْنُوعُونَ ، وَأَنَّ صَانِعَهُمْ غَيْرُهُمْ ، وَلَيْسَ مِثْلَهُمْ ؛ إِذْ كَانَ مِثْلُهُمْ شَبِيها بِهِمْ فِي ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ وَالتَّأْلِيفِ ، وَفِيمَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْ حُدُوثِهِمْ بَعْدَ إِذْ لَمْ يَكُونُوا ، وَتَنَقُّلِهِمْ مِنَ صِغَرٍ إِلى كِبَرٍ ، وَسَوَادٍ إِلى بَيَاضٍ ، وَقُوَّةٍ إِلى ضَعْفٍ ، وَأَحْوَالٍ مَوْجُودَةٍ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلى تَفْسِيرِهَا ؛ لِبَيَانِهَا وَوُجُودِهَا» . فَقالَ (6) السَّائِلُ : فَقَدْ حَدَدْتَهُ إِذْ أَثْبَتَّ وُجُودَهُ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «لَمْ أَحُدَّهُ ، وَلكِنِّي أَثْبَتُّهُ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْاءِثْبَاتِ مَنْزِلَةٌ» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَلَهُ إِنِّيَّةٌ وَمَائِيَّةٌ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، لَا يُثْبَتُ الشَّيْءُ إِلَا بِإِنِّيَّةٍ وَمَائِيَّةٍ» . قَالَ لَهُ السَّائِلُ : فَلَهُ كَيْفِيَّةٌ؟ قَالَ : «لَا ؛ لِأَنَّ الْكَيْفِيَّةَ جِهَةُ الصِّفَةِ وَالْاءِحَاطَةِ ، وَلكِنْ لَابُدَّ عن (7) الْخُرُوجِ مِنْ جِهَةِ التَّعْطِيلِ وَالتَّشْبِيهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ نَفَاهُ ، فَقَدْ أَنْكَرَهُ وَدَفَعَ رُبُوبِيَّتَهُ وَأَبْطَلَهُ ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِغَيْرِهِ ، فَقَدْ أَثْبَتَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ الْمَصْنُوعِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الرُّبُوبِيَّةَ ، وَلكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّ لَهُ كَيْفِيَّةً لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ ، وَلَا يُشَارَكُ فِيهَا ، وَلَا يُحَاطُ بِهَا ، وَلَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ» . قَالَ السَّائِلُ : فَيُعَانِي الْأَشْيَاءَ بِنَفْسِهِ ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُعَانِيَ الْأَشْيَاءَ بِمُبَاشَرَةٍ وَمُعَالَجَةٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي لَا تَجِيءُ الْأَشْيَاءُ لَهُ إِلَا بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُعَالَجَةِ وَهُوَ مُتَعَالٍ ، نَافِذُ الْاءِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ ، فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «فما هو» .
3- . في الكافي المطبوع : «هو شيء» .
4- . في الكافي المطبوع : «وبصير» .
5- . ما بين المعقوفتين ليس في النسخ وأضفناه من التوحيد ، ص 243 ، ح 1 ؛ والاحتجاج ، ج 2 ، ص 331 تبعا للكافي المطبوع .
6- . في الكافي المطبوع : «قال له» .
7- . في الكافي المطبوع : «من» .

ص: 52

. .

ص: 53

هديّة :في بعض النسخ : «حين سأله فما هو» بزيادة الفاء . ومن قوله : «هذا» إلى قوله «ولا تغيّره الأزمان» قد ذكر في الخامس من الباب الأوّل ، وعلم بيانه في هديّته . وهذا من الخامس . وسيذكر تمامه في أوّل كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى . (فتقول : إنّه سميعٌ بصير) يعني فكيف يسمع ويبصر إذا كان غير جسم وغير صورة ؟! وقال برهان الفضلاء : يعني فكيف يسمع ويبصر إذا كان لا يحسّ شيئا ولا يجسّ شيئا ؟! فظهر وجه ضبطه على المعلوم . و(ليس قولي : اُءنّه سميع يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه) دفع لتوهّم السائل أنّ المراد بالنفس الذهن . (ولكن أردت عبارةً عن نفسي) يعني بل أردت بقولي بعد قولي (بغير جارحة) بغير آلة . (إنّه سميع يسمع بنفسه ويبصر بنفسه) التعبير عن نفس المخلوق ؛ لأنّ الأشياء تعرف بأضدادها . فمعنى «قولي هذا» : أنّه يسمع بنفسه لا بجارحة ، ويبصر بنفسه لا بآلة . وقال برهان الفضلاء : يعني ولكن أردت التعبير عمّا في نفسي إفهاما لك . ولسائر الأصحاب من الفضلاء في هذه العبارة توجيهات . (فأقول) أي بعبارة اُخرى : إفهاما لك . (إنّه سميع بكلّه لا أنّ الكلّ منه له بعض) سيجيء هذه الفقرات في الثاني من الباب الثالث عشر . وهناك هكذا : «لا أنّ الكلّ له بعض ؛ لأنّ الكلّ لنا له بعض» بإسقاط منه وزيادة الفقرة الأخيرة . ولعلّ «منه» بمعنى «عليه» . يعني لا أنّ الكلّ الموصوف بأنّه يصدق عليه ؛ فقد تكون «من» مرادفة «على» كما في «وَ نَصَرْنَ_هُ مِنَ الْقَوْمِ» (1) . وقال برهان الفضلاء : الظاهر أنّ «من» بمعنى «في» وضمير «ها» راجع إلى اللّه ، وضمير «له» للكلّ . (ولكنّي أردت إفهامك والتعبير عن نفسي) بيانه كما عرفت من نظيره . (بلا اختلاف الذات) بالتجزّي (ولا اختلاف المعنى) أي المسمّى بالتعدّد . وقول الفارابي : وجود كلّه ، وجوب كلّه ، علم كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه ، إرادة كلّه وإن كان دلالة على عينيّة الصفات الكماليّة إلّا أنّه ليس بمرخّص فيه ، بل الواجب مُوجِد كلّه . وهكذا وما لا رخصة في إطلاقه ؛ للنقص ؛ أو للمفسدة أو للمصلحة ، فإطلاقه من دون توقيف من الشارع شرك شرعا . (قال عليه السلام : هو الربّ ، وهو المعبود ، وهو اللّه ) هل سمعت هو الربوبيّة ، هو المعبوديّة ، هو الاُلوهيّة ؟! (قال له السائل : فما هو) يعني قال : لمّا قلت السميع البصير العالم ، الخبر ، ذكرت اسمه بحسب الصفات ، فما اسمه بحسب الذات؟ وقال برهان الفضلاء : «فما هو» هنا سؤال عن اسم غير مشتقّ ، واستفهام إنكاري ؛ بقرينة الاستفهام السابق . و«لا» في (ولا) زائدة كما في لا يستوي الظلمات ولا النور . (2) (وشيء خالق الأشياء) بالجرّ ، ويحتمل الرفع . (ونعت هذه الحروف) ، أي وصانع صورة هذه الحروف . قال برهان الفضلاء : «ونعت» عطف على معنى ، أي «إلى معنىً» وصفة هذه الحروف . وهو كما ترى . (سمّي به) أي بنعت هذه الحروف (اللّه والرحمن والرحيم) استيناف بياني لمرجع ضمير «به» ، أو عطف بيان . وقال برهان الفضلاء «اللّه » مبتدأ ، و«من أسمائه» خبره . وقيل : «وهو المعني سمّي به اللّه » من باب القلب ، أي سمّي ذلك المعنى باللّه والرحمن والرحيم . (قال السائل : فإنّا لم نجد موهوما إلّا مخلوقا) يعني لمّا قلت : «ولكن ارجع إلى معنى» فالمعنى لا يكون إلّا موهوما ، والموهوم محدود ، والمحدود حادث مخلوق . (قال أبو عبداللّه عليه السلام : لو كان ذلك كما تقول) يعني لو كان اسمه الذهني عين مسمّاه في الخارج كما في الأسماء الغير المشتقّة ، مثل الجسم والبِلَّورْ (3) (لكان التوحيد) بنفي الحدّين . واعتقاد أنّه ليس كمثله شيء لا في الذهن ولا في الخارج حتّى اسمه الذهني (مرتفعا عنّا) فلا نكون مكلّفين في التوحيد بنفي الحدّين ؛ حيث لا يوجب نفيهما أيضا أن يكون اسمه الذهني عين مسمّاه في الخارج . وضبط برهان الفضلاء «لأنّا لم نكلّف» على المتكلّم مع الغير معلوما من باب عَلِم من الكَلْف بالفتح بمعنى الميل على نهج الحرص ، أي لم نحرص . (إذ كان) يعني ثبت نفي الحدّين عن الخالق الواجب وجوده ؛ لمكان وجود المخلوقين المدبَّرين المحتاجين إلى المحدث القديم ضرورة ، حيث الاضطرار راجع إليهم في ذلك ، فمن ينكر أنّه مصنوع ؟! (والعدم) _ بالتحريك ، أو بالضمّ _ بمعنى الفقد كما ضبط برهان الفضلاء . (والتأليف) أي بين الأضداد فيه . في بعض النسخ «لا حاجة بنا» مكان «هنا ». (لبيانها) لوضوحها . (إذ أثبت وجوده) أي صفة لذاته زائدة عليها ، فبالتركيب محدود . وحاصل جوابه عليه السلام : أنّه لمّا لم يكن بدّ في إثبات شيء سواء كان موجودا بعين وجوده أو بوجود زائد على ذاته من أن يقال هو موجود ؛ إذ ليس بعد حدّ النفي عبارة لحدّ الإثبات إلّا هذه العبارتين وما يرادفهما ، ولو اختلف معناهما لفسدتا بالقصد أو بانضمام قيد . (فله إنّية) تصديق و إقرار ، أو استفهام . و«الإنيّة» بالكسر والتشديدين : التحقّق والثبوت ، والمائيّة الماهيّة والحقيقة ، بمعنى ما تحقّق في الخارج ونفس الأمر . قد عرفت ، في هدية الثالث قولَ بعض المعاصرين : والخلق ماهيات صرفة لا إنّيّة لها من حيث هي . وقد سمعت هنا قول الإمام عليه السلام : «نعم، لا يثبت الشّيء إلا بإنّيّة ومائيّة» . ومن اُصول زنادقة الفلاسفة الفرق بين الثبوت في الخارج والوجود في الخارج ، والحكم بثبوت الماهيّات في الخارج عارية عن الوجود ، والفرق بين الثبوت في نفس الأمر والوجود في الخارج لا يستلزم الفرق بين الثبوت والوجود في الخارج . (جهة الصفة) أي الزائدة . (ولكن لابدّ من الخروج عن جهة التعطيل والتشبيه) للاضطرار المذكور الراجع إلى المخلوقين المدبَّرين . (ولكن لابدّ من إثبات أنّ له كيفيّة) أي خصوصيّة (لا يستحقّها غيره) . (ولا يحاط بها) أي ولا تكون زائدة . و«معاناة الشيء» : ملابسته ومعاشرته ، وفي الأصل بمعنى المقاساة ، من العَناة _ بالفتح والمدّ _ بمعنى التعب والمشقّة ؛ يعني فيلابسَ الأشياء ، أو فيتعبَ بتدبيرها ؛ لعدم انقطاع التدبير عنه تعالى .

.


1- . الأنبياء (21) : 77 .
2- . إشارة إلى الآية 19 _ 20 ، من فاطر (35) .
3- . في مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 230 (بلر) : «البلّوْر _ وهو بكسر الباء مع فتح اللام كسنّور : حجر من المعادن ، واحدته : بلّورة» .

ص: 54

. .

ص: 55

. .

ص: 56

. .

ص: 57

الحديث السابعروي في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْن عيسى ، (1) عمّن ذكره ، قال : ، سُئِلَ أَبُو عَبداللّه عليه السلام : أيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنّ اللّه َ تعالى شيء؟ قَالَ :«نَعَمْ ، يُخْرِجُهُ (2) مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدِّ التَّعْطِيلِ ، وَحَدِّ التَّشْبِيهِ» .

هديّة:بيانه كنظيره ، وهو الحديث الثاني .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عيسى» .
2- . في حاشية ميرزا رفيعا ، ص 271 : «أي يجوز أن يقال للّه : إنّه شيء ، ويجب أن يخرجه الجاهل من الحدّين ، فقوله : يخرجه ، إنشاء في قالب الخبر».

ص: 58

باب أنّه تعالى لا يعرف إلّا به

الباب الثالث : بَابُ أَنَّهُ تعالى لَا يُعْرَفُ إِلَا بِهِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، (1) عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : اعْرِفُوا اللّه َ بِاللّه ِ ، وَالرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ ، وَأُولِي الْأَمْرِ بِالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْاءِحْسَانِ» .

هديّة :قال ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ بعد ذكر هذا الحديث في الكافي : وَمَعْنى قَوْلِهِ عليه السلام : «اعْرِفُوا اللّه َ بِاللّه ِ» يَعْنِي أَنَّ اللّه َ خَلَقَ الْأَشْخَاصَ وَالْأَنْوَارَ وَالْجَوَاهِرَ وَالْأَعْيَانَ ، فَالْأَعْيَانُ : الْأَبْدَانُ ، وَالْجَوَاهِرُ : الْأَرْوَاحُ ، فَهُوَ _ جَلَّ وَعَزَّ _ لَا يُشْبِهُ جِسْما وَلَا رُوحا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي خَلْقِ الرُّوحِ الْحَسَّاسِ الدَّرَّاكِ أَمْرٌ وَلَا سَبَبٌ ، هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ ، فَإِذَا نَفى عَنْهُ الشَّبَهَيْنِ : شَبَهَ الْأَبْدَانِ ، وَشَبَهَ الْأَرْوَاحِ ، فَقَدْ عَرَفَ اللّه َ بِاللّه ِ ، وَإِذَا شَبَّهَهُ بِالرُّوحِ أَوِ الْبَدَنِ أَوِ النُّورِ ، فَلَمْ يَعْرِفِ اللّه َ بِاللّه ِ . انتهى . (يعني) تكرار للتأكيد في قطعه _ طاب ثراه _ بحمله هذا . (أنّ اللّه ) يحتمل فتح الهمزة وكسرها . و(الشبه) بالكسر ومحرّكة : لغتان . قال برهان الفضلاء : المراد ب «الأشخاص» هنا : أفراد نوع الإنسان . وب «الأنوار» : علماء أهل الحقّ . وب «الجواهر» : النفائس وب «الروح» كما هو الحقّ : الجسم اللّطيف الحسّاس الدّرّاك . وهو _ سلّمه اللّه تعالى _ لا يقول بوجود المجرّدات كالفلاسفة ومن تبعهم ، لا عقولها ولا نفوسها . وضبط هو «المنفرد» من الانفعال ، فكأنّه فرار من استشمام شائبة التكلّف . وفاعل (نفى) على المعلوم ، مثل المكلّف والموحّد . وقال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد بعد ما أسند هذا الحمل إلى الكليني ثقة الإسلام طاب ثراه : والقول الصواب في هذا الباب أن يُقال : عرفنا اللّه باللّه ؛ لأنّا إن عرفناه بعقولنا فهو _ جلّ وعزّ _ واهبُها ، وإن عرفناه جلّ وعزّ بأنبيائه ورسله وحججه فهو _ عزّ وجلّ _ باعثُهم ومرسلُهم ومتّخذُهم حججا ، وإن عرفناه بأنفسنا فهو _ عزّ وجلّ _ محدثُها ، فبه عرفناه . وقد قال الصادق عليه السلام : «لولا اللّه ما عرفناه ، ولولا نحن ما عرف اللّه » (2) . انتهى . ما أرفع شأنه قوله ولد بدعاء المعصوم حقّا . «وإن عرفناه بأنفسنا» ؛ أي بأفاعيله تعالى وتدبيراته في خلقتنا من بدء نشوء النطفة إلى أرذل العمر . ولبرهان الفضلاء في بيان هذا الحديث تفصيل حاصله يظهر بتطبيق فقرات الصدوق رحمه اللهبفقرات ثقة الإسلام طاب ثراه . وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : هذا الحديث يحتمل وجوها : أحدها : أن يكون المراد بالمعروف به (3) ما يعرف الشيء به بأنّه هو هو ، فمعنى «اعرفوا اللّه باللّه » : اعرفوه بأنّه هو اللّه مسلوبا عنه جميع ما يُعرف به الخلق من الأجسام والأرواح والأعيان والأكوان (4) والأنوار ، وبالجملة من الجواهر والأعراض ومشابهة شيء منها أو مماثلته ، فهو هو اللّه معروفا بسلب المشابهة والمماثلة للمخلوقات . وهذا هو الذي ذكره ثقة الإسلام . ومعنى «والرسول بالرِّسالة» أي بأنّه أرسل بهذه الشريعة ، وهو مرسَل بهذه الأحكام وهذا الكتاب وهذا الدِّين ، ومعرفة اُولي الأمر بأنّه الآمر بالمعروف والعالم العامل به . و«العدل» أي الطريقة الوسطى . و«الإحسان» أي الاستقامة واتّباع طريقة السابقين عليه من الثابتين (5) على الطريقة المستقيمة . وفسّر _ كما ذكر في الغريبين _ قوله تعالى : «اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» (6) باستقامة وسلوك للطريق الذي درج عليه السابقون الهادون . (7) والحاصل أنّه يعرف الإمام بأنّه الذي عُيّن لإقامة المعروف والعدل والإحسان ، وهو العالم به عن اللّه ، والقائم عليه ، والمقيم له . وثانيهما : أن يكون المراد بما يُعرف به ما يعرف باستعانته من قوى النفس العاقلة والمدركة وما يكون بمنزلتها ويقوم مقامها . فالمعنى : أعرفوه بنور اللّه المشرق على القلوب ولو بواسطة (8) العقول المفارقة ؛ فإنّ القوى النفسانيّة بنفسها قاصرة عن معرفته سبحانه ، إنّما يعرف بنور اللّه المُطّلعَ على الأفئدة . واعرفوا «الرسول بالرسالة» ؛ أي بما يُشرق على النفوس بتوسّط رسالة الرسول . «واُولي الأمر بالمعروف» أي بالعلم بالمعروف والعدل والإحسان ، وما يحصل للنفس من استكمال القوّة العقليّة بها . وثالثها : أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلّة والحجّة (9) . فالمعنى : اعرفوه بالمقدّمات العقليّة البرهانيّة التي هداكم اللّه إليها وأعطاكم علمها ، وإن كانت قد تحتاج إلى تنبيه وهداية إليها ، لا بما اُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات ، وبقول الرسل ، فإنّها متأخّرة المعرفة عن معرفة اللّه . و«اعرفوا الرسول بالرسالة» أي بما اُرسل به من الآيات والدلالات بعد معرفة اللّه سبحانه . واعرفوا اُولي الأمر بعلمه بالمعروف ، وإقامة العدل والإحسان بعد معرفتكم المعروف بتوسّط معرفة اللّه ومعرفة الرسول والاطّلاع على ما جاء به . ووجه رابع ، وهو أنّ جميع ما يعرف به ينتهي إليه سبحانه كما ذكره الصدوق رحمه اللهفي كتاب التوحيد بقوله : الصواب في هذا الباب إلى آخره . (10) انتهى . الظاهر من بيانه رحمه الله أنّ المضبوط عنده هكذا «واُولي الأمر بالمعروف» بدون «بالأمر» . أو فسّر الأمر بالعلم ؛ إشارة إلى ما لا يخفى . وللفاضل الإسترابادي صاحب الفوائد المدنيّة نزيل مكّة المعظّمة ثمّ المدينة المنوّرة رحمه اللههنا عبارتان ؛ الاُولى : يعني تعقّلوا ربّنا بعنوان كلّي منحصر في الفرد وُضع [له] (11) لفظ اللّه ، أو جُعل آلةً للملاحظة عند وضع لفظة اللّه للشخص المنزّه عن كلّ نقص ، على اختلاف المذهبين . وذلك العنوان عند الفضلاء : «الذات المستجمع لجميع صفات الكمال» وفي الحديث : «المستولي على ما دقّ وجلّ» لا بعنوان آخر ، كما تعقّلتم الرسول بعنوان أنّه رسول اللّه ، واُولي الأمر بعنوان أنّه صاحب الأمر . الثانية : يعني اعرفوا اللّه بالعنوان الذي ألقاه في قلوبكم بطريق الضرورة ، أي بغير اكتساب واختيار منكم كما مرّ وسيجيء ، وهو أنّه شيءٌ موجود ليس له مثل ولا نظير ، خالق كلّ شيء ، وعَيِّنوا رسوله بإرساله تعالى إيّاه وإجراء المعجزة على يده ، وعيِّنوا الأئمّة بالآثار التي أجراها اللّه على أيديهم من الأمر بما هو معروف في حكم اللّه ، ورعاية الطريقة الوسطى ، والإتيان بما هو الحقّ في كلّ باب ؛ أي بما خصّهم اللّه به من العلم بكلّ معروف والعمل على وفقه . ومقصوده عليه السلام أنّه ليس لكم الاختيار في شيء من المقامات الثلاثة ، بل يجب عليكم تعيين ما عيّنه اللّه فيها . (12) أقول : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» لا في الذهن ولا في الخارج ، وهو سبحانه منزّه عن تعقّلنا إيّاه بعنوان كلّي منحصر في الفرد كتعقّلنا الشمس ، بل المرجع لنا في الجميع ما وصف به نفسه تعالى ، وهو منزّه عن جميع ما خطر بالخاطر . ولبعض المعاصرين أيضا هنا عبارتان ؛ الاُولى : قال أهل الحكمة: من عرف اللّه جلّ جلاله لا باستشهاد من الخلق عليه ، بل إنّما عرفه بالنظر إلى حقيقة الوجود بما هو وجود ، وأنّه لابدّ أن يكون قائما بذاته أو مستندا إلى من يقوم بذاته ، فقد عرف اللّه باللّه . (13) الثانية : طويلة أخذنا بعضها وهو خلاصة تمامها ، قال : يعني انظروا في الأشياء إلى وجوهها التي إلى اللّه سبحانه بعدما أثبتّم أنّ لها ربّا صانعا ، فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره لها ، وقيموميّته إيّاها ، وتسخيره لها ، وإحاطته بها ، وقهره عليها حتّى تعرفوا اللّه بهذه الصفات القائمة به ؛ ولا تنظروا إلى وجوهها التي إلى نفسها ، أعني من حيث إنّها أشياء لها ماهيّات لا يمكن أن توجد بذواتها بل مفتقرة إلى موجد يوجدها ؛ فإنّكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة تكونوا قد عرفتم اللّه بالأشياء فلن تعرفوه إذن حقّ المعرفة . (14) انتهى . ومن الوجوه لهذا الحديث أنّ قوله عليه السلام : (اعرفوا اللّه باللّه ) يعني بقول اللّه بما عرّف به نفسه تعالى ، وأخبركم بتوسّط الحجج المعصومين المنصوصين المحصورين عددا في حكمته تعالى ، لا بما عرّفه الصوفي القَدَري من أنّه تحت الوجود المتنزّل من العلّيّة إلى المعلوليّة ، سائرا في سلسلتي البدو والعود . (والرسول بالرسالة) المقرونة بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة، والامتياز حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام ، لا بما عرّفه الصوفي القَدَري من أنّه هو اللّه في صورة البشر كالإسكندر في رسالته منه إلى النوشابة البردعيّة . (واُولي الأمر بأمره بالمعروف والعدل والإحسان) بأمر اللّه تعالى واختياره ، لا بما عرّفه الصوفي القدري من أنّ أمره باختياره واختيار الناس . وقد ذكر ابن العربي في فتوحاته : أنّه خيّر في قبول الإمامة فلم يرض بها . وقال أيضا فيها : إنّي لم أسأل اللّه أن يعرّفني إمام زماني ولو كنت سألته لعرّفني . (15) وفسّر برهان الفضلاء «المعروف» : بالعلوم الحقّة ؛ يعني بتعلّمها ، و«العدل» : بالعدل بين الناس بحكم اللّه لا بالظنّ والرأي والقياس . و«الإحسان» : بالعصمه عن الخطأ ، و«العلم» : بالأحكام عند اللّه ، والعمل بما أمر به ونهى عنه في دين اللّه تبارك وتعالى .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن محمّد ، عمّن ذكره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن حمران» .
2- . التوحيد ، ص 290 ، ذيل حديث 10 ، من باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به .
3- . في المصدر : «بالمعرّف به» .
4- . في المصدر : «والألوان» .
5- . في المصدر : «السالكين» .
6- . التوبة (9) : 100 .
7- . الغربيين، ج 2، ص 444 (حسن).
8- . في المصدر : «بوساطة» .
9- . في المصدر : «والحجج» .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 281 _ 282 .
11- . أضفناه من المصدر .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 108 .
13- . الوافي ، ج 1 ، ص 338 .
14- . الوافي ، ج 1 ، ص 339 .
15- . لم نعثر عليهما رغم الفحص الأكيد والتتبّع الكثير.

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

. .

ص: 63

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ سِمْعَانَ بْنِ أَبِي رُبَيْحَةَ مَوْلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ : سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ :«بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسَهُ» . قِيلَ : وَكَيْفَ عَرَّفَكَ نَفْسَهُ؟ قَالَ : «لَا يُشْبِهُهُ صُورَةٌ ، وَلَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ ، وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ ، قَرِيبٌ فِي بُعْدِهِ ، بَعِيدٌ فِي قُرْبِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُقَالُ : شَيْءٌ فَوْقَهُ ، أَمَامَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُقَالُ : لَهُ أَمَامٌ ، دَاخِلٌ فِي الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ دَاخِلٍ فِي شَيْءٍ ، وَخَارِجٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ خَارِجٍ مِنْ شَيْءٍ ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هكَذَا وَلَا هكَذَا غَيْرُهُ ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ مُبْتَدَأٌ» .

هديّة :(سمعان) بالفتح ويكسر . ضبط العلّامة الحلّي في إيضاحه : «سمعان بن أبي رُبَيْحة» (2) مصغّرة بالراء والمفردة والمهملة . وفي بعض النسخ : «أبي ربيعة» مكبّرة بالعين المهملة . وضبطه برهان الفضلاء وجماعة : «أبي زيحة» بفتح الزاي وسكون الخاتمة والمهملة . (قال : لا يشبهه صورة) يعني علّمني بالإرسال والإخبار أنّه نفى عنه حدّ التشبيه ، وأنّه عزّ وجلّ كذا وكذا ، ولا يقاس بالناس في شيء أصلاً . فليس النسبة كنسبة الروح إلى البدن ، أو الأب إلى الابن ، أو الحال إلى المحلّ ، أو الفحل إلى الاُنثى ؛ فإنّ إضافته أيضا إلى خلقه منفردة عن سائر الإضافات . (قريب في بُعده) بالإحاطة الخاصّة الممتازة . (بعيدٌ في قربه) بالمباينة الكلّيّة (فوق كلٍّ) بالقدرة والغلبة . (أمام كلّ) بالأوّليّة المنفردة . (لا كشيء داخل) يعني قربه عين بُعده ، وفوقيّته عين أماميّته ، وهي عين دخوله في الأشياء ، وهو عين خروجه منها . قيل : «ولكلّ شيء مبتدأ» حاليّة يعني وكيف يكون مثله شيء وهو لكلّ شيء مبتدأ ولا مبتدأ له . وقال برهان الفضلاء : هذه كبرى البرهان ، يعني فلمعرفته أيضا مبتدأ لا يتمّ إلّا بإخبار المعصوم . وقال بعض المعاصرين : يعني يقع الابتداء به وبأثره من حيث هو أثره ، كلّما ينظر إلى شيء . (3) تقييده بالحيثيّة على زعمه زخرفة لستر سرّه الذي انكشف من مزخرفاتهم بالنثر والنظم في المجامع والأسواق لصبيان اللّاعين أيضا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي لا واجب غيره . (4) أقول : أي لا قديم غيره . ووجه الفرق هو الأولويّة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا» .
2- . إيضاح الاشتباه، ص 202، الرقم 333.
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 342 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 285 .

ص: 64

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : إِنِّي نَاظَرْتُ قَوْما ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ اللّه َ أَجَلُّ (2) وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ ، بَلِ الْعِبَادُ يُعْرَفُونَ بِاللّه ِ ، فَقَالَ :«رَحِمَكَ اللّه ُ» .

.


1- . السند في الكافي هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان» .
2- . في الكافي المطبوع : + «وأعزّ».

ص: 65

هديّة :قيل : يعني من أن يعرف بخلقه حقّ معرفته ، فلا إشكال بالأوّل ، بل العباد يعرفون باللّه . وقد قال الصادق عليه السلام : «لولا اللّه ما عُرِفنا ، ولولا نحن ما عُرِف اللّه » . (1) وقيل : بل العباد يعرفون بصنعه وتدبيره أنّهم مخلوقون محتاجون بكمال العجز ونهاية الاحتياج . وضبط برهان الفضلاء : «يعرفون» على المعلوم ، بخلاف «يعرف» على خلافه ، قال : يعني بل عباد اللّه المعصومون يعرفون اللّه بأسمائه وصفاته بإخباره تعالى وتعليمه إيّاهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني من أن يُعرَف بوجوده وصفاته الكماليّة وتقدّسه وتنزّهه عمّا لا يليق به بوساطة العلم بصدق خلقه كالنبيّ والحجج ، وبإخباره ؛ لأنّ اللّه سبحانه أوّل الأشياء ، وبرهانه أوّل البراهين وأظهر الأشياء ، وبرهانه أظهر البراهين ، وصدق الأنبياء والحجج إنّما يُعرف بمعرفة اللّه سبحانه [فكيف يُعرف اللّه سبحانه] (2) بقولهم؟! أو المراد من أن يتوقّف معرفته على وجود خلقه ، ولا يعرفه أحد إلّا بتوسّط معرفته بخلقٍ غيره وبمخلوقيّة خلقٍ ؛ لأنّه سبحانه أعظم وأجلّ من أن لا يقدر على إقامة البراهين لمعرفته بلا توسّط معرفة خلقٍ آخر أو معرفة مخلوقيّة شيء من الأشياء، وأكرم وألطف بعباده من أن يقدر عليها ولا يقيم لها ولا يهديهم إليها ، بل معرفة الأنبياء والحجج تتوقّف على معرفة باعثهم وخالقهم . ويحتمل «يعرفون» على المعلوم ؛ أي بل العقلاء من خلقه يعرفون اللّه باللّه ، لا بتوسّط المخلوق ، ويكون إشارةً إلى طريقة الصدِّيقين الذين يستدلّون بالحقّ ، لا عليه . (3) انتهى . لقوله : «بل معرفة الأنبياء والحجج تتوقّف على معرفة باعثهم وخالقهم» تفصيل ، إجماله أنّ المعرفة العقليّة مجملة ، والشرعيّة مفصّلة ، والإيمان المنجي إنّما هو الثانية بدعائمها، وهي درجات ، وأصل النجاة بأدناها ، على ما ستعرفه إن شاء اللّه تعالى . وقال الفاضل الإسترابادي : يعني من أن يتصوّر من باب التشبيه بخلقه ، كأن يقال : هو مثل ضوء الشمس أو مثل النور ، بل الخلق يعرفون الماهيّات الممكنة بسبب اللّه تعالى ، أي بسبب خلقه لهم ، أو بسبب فيضان المعاني من اللّه على نفوسهم ؛ فإنّ المعرفة صنع اللّه في قلوبهم ، أو بخلق يعرفون اللّه باللّه ؛ لأنّه لولا ألهمهم اللّه بنفسه لما عرفوه . (4)

.


1- . التوحيد ، ص 290 ، ذيل الحديث 10 من باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به .
2- . أضفناه من المصدر .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 281 _ 282 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 .

ص: 66

. .

ص: 67

باب أدنى المعرفة

الباب الرابع : بَابُ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ ، فَقَالَ :«الْاءِقْرَارُ بِأَنَّهُ لَا إِلهَ غَيْرُهُ ، وَلَا شِبْهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ ، مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» .

هديّة :الشيخ رحمه الله ذكر (الفتح) هذا في رجاله من رجال الهادي أبي الحسن الثالث عليه السلام ، (2) وكذا صاحب كشف الغمّة ، (3) وذكره الصدوق رحمه الله من أصحاب الرضا أبي الحسن الثاني عليه السلام ، (4) وقال ابن داود : الفتح بن يزيد الجرجاني صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السلام ، واختلف هو الرِّضا عليه السلام أم الثالث عليه السلام . (5) والمراد ب_(أدنى المعرفة) هنا : أقلّ مراتبه ، معرفة اللّه التي هي أوّل أركان الإيمان المنجي بدعائمه ، يعني أقلّ مراتبها مفصّلاً شرعا بعد نهاية مراتبها إجمالاً عقلاً . أو المراد أعمّ من أقلّ مراتب هذه ونهاية مراتب هذه ؛ لئلّا تخلو المعرفة العقليّة _ وهي قبل الشرعيّة _ من نفع النجاة لصاحبها ، كما لا تخلو من ضرر العقاب على الغافل عنها . وقد عرفت آنفا أنّ النجاة أصلها إنّما هو بأقلّ مراتب الإيمان المنجي ، ويحتجّ على العباد بمراتب إجمال المعرفة العقليّة ولا ينتفع بها إلّا من لم يسمع صيّت الإسلام ومضى . وقيل : لا يكون هذا أبدا ، بل يجب إتمام الحجّة ولو بإرسال الملك في صورة البشر . وقال برهان الفضلاء : «الأدنى» هنا بمعنى الأقرب ، وأقرب معرفة اللّه تعالى هي التي أعطاها اللّه المكلّفين بشواهد الربوبيّة من دون حاجتهم إلى وحي وإلهام ، وبها يحتجّ على الغافلين عنها ؛ فإنّ كلّ عقل مكلّف بها قبل معرفة الرسول وما جاء به ، ومسؤول عنها بحجّيّة العقل ، وأعلى شواهد الربوبيّة وأسناها حججه المعصومون الممتازون . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «سألته عن أدنى المعرفة» أي ما لابدّ لكلّ أحد من المكلّفين بالمعرفة ، ولا يكون بدونه من أهلها الإقرار والاعتقاد بوجود إله ؛ أي خالق مستحقّ أن يُعبد ، متفرّدٍ بالإلهيّة ، متنزّه عن الشبه ، فلا يشبه هو غيره . أو المراد لا شبه له في استحقاق العبادة . «ولا نظير له» أي المماثل الممانع ، فلا يشاركه غيره في مرتبته ولا يعارضه . «وأنّه قديم» أي غير محتاج إلى علّة «مثبت» أي محكوم عليه بالثبوت والوجود لذاته «موجود» أي حقيقة عينيّة لها ما ينتزع العقل ويدركه منه من المعنى البديهي المعبّر عنه بالوجود ، أو من الوجدان ، أي معلوم . «غير فقيد» أي غير مفقود زائل الوجود ، أو لا يفقده الطالب ، أو غير مطلوب عند الغيبة ؛ حيث لا غيبة له . وهذا الحديث قريب ممّا روى الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن ابن عبّاس، قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : يا رسول اللّه ، علّمني من غرائب العلم؟ قال : «ما صنعت في رأس العلم حتّى تسأل عن غرائبه؟» قال الرجل : ما رأس العلم يارسول اللّه ؟ قال : «معرفة اللّه حقّ معرفته» قال الأعرابيّ : وما معرفة اللّه حقّ معرفته؟ قال : «تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ندّ وأنّه واحد أحد ، ظاهر باطن ، أوّل آخر ، لا كفؤ له ولا نظير له ، فذلك حقّ معرفته» . (6) وفسّر الواحديّة بالتفرّد بحسب الصفات ، والأحديّة بحسب الذات ، والظاهريّة بشدّة ظاهريّة الآثار ، وبالخفاء لشدّة الظهور ، وبعدم الغيبة عن شيء ، والباطنيّة بالخفاء لشدّة الظهور ، وبالمحجوبيّة عن درك الأفهام والأوهام ، وبالاطّلاع على البواطن والخفايا ، والأوّليّة والآخريّة بالابتدائيّة التي لا بداية لها ، وبالانتهائيّة التي لا نهاية لها . وذكر «وأنّه ليس كمثله شيء» بعد نفي الشبه ؛ للتوضيح ، أو للتأكيد ، أو للإشارة إلى أنّ نفي الشّبه ليس مستندا إلى إدراك الذات ، بل إنّما هو مستند إلى إدراك الآثار . وكلّ من هذه الصفات ردّ على صنف من أصناف الكفّار ، وأسوأهم القدريّة لعنهم اللّه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن عبداللّه بن الحسن العَلَوي ؛ وعليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار الهمداني جميعا» .
2- . رجال الطوسي ، ص 390 ، الرقم 5741 ، وذكره في ص 436 ، الرقم 6239 بهذا العنوان أيضا في باب ذكر أسماء من لم يرو عن واحد من الأئمّة عليهم السلام .
3- . كشف الغمّة ، ج 3 ، ص 179 .
4- . التوحيد، ص 56، ح 14؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 117، ح 23.
5- . رجال ابن داود ، ص 266 ، الرقم 389 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 286 _ 287؛ والحديث في التوحيد ، ص 284 ، باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد ، ح 5 .

ص: 68

. .

ص: 69

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ سَهْلِ ، عَنْ طَاهِرِ بْنِ حَاتِمٍ فِي حَالِ اسْتِقَامَتِهِ : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الرَّجُلِ : مَا الَّذِي لَا يُجْتَزَأُ فِي مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ بِدُونِهِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ :«لَمْ يَزَلْ عَالِما وَسَامِعا وَبَصِيرا ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ» .

هديّة :«طاهر بن حاتم بن ماهويه القزويني أخو فارس بن حاتم» أظهر القول بالغلوّ بعد استقامته ، وهو يروي عن الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : كتب إلى الطيّب ، يعني أبا الحسن عليه السلام . (2) وقال برهان الفضلاء : «إلى الرجل» يعني إلى الرضا عليه السلام . وقيل : يعني إلى الكاظم عليه السلام . (لا يجتزأ) على ما لم يسمّ فاعله ، والفاعل هو اللّه ، ويكتب بالهمز وبالياء بدونها . في توحيد الصدوق رحمه اللههكذا : فكتب : «ليس كمثله شيء ، لم يزل سميعا وعليما وبصيرا وهو الفعّال لما يريد» . قال برهان الفضلاء : والغرض أنّ هذه الصفات من شواهد الربوبيّة ظاهرة على كلّ مكلّف قبل إرسال الرّسل ، وصريحة في صدق لا إله إلّا اللّه وبطلان العمل بالظنّ والرأي والقياس . وبياننا أدنى المعرفة في هديّة الأوّل أنسب ببيانه هذا من بيانه إيّاها هناك وإشارته إليه هنا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد» .
2- . التوحيد ، ص 284 ، باب أدنى ما يجزئ من معرفة التوحيد ، ح 4 .

ص: 70

الحديث الثالثروى في الكافي وقال : وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الَّذِي لَا يُجْتَزَأُ بِدُونِ ذلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ ، فَقَالَ :«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، لَمْ يَزَلْ عَالِما ، سَمِيعا ، بَصِيرا» .

هديّة :قيل : هذا الحديث وسابقه حديث واحد . والقائل بقوله : (وسئل) هو طاهر بن حاتم . والمراد بأبي جعفر _ كما صرّح به برهان الفضلاء _ هو الجواد عليه السلام .

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ أَمْرَ اللّه ِ كُلَّهُ عَجِيبٌ إِلَا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ بِمَا عَرَّفَكُمْ (2) مِنْ نَفْسِهِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن عليّ بن يوسفَ بن بقّاح» .
2- . في الكافي المطبوع : «احتجّ عليكم بما قد عرّفكم» .

ص: 71

هديّة :في بعض النسخ المعتبرة : «عجب» مكان «عجيب» : و : «قد احتجّ بما قد عرّفكم من نفسه» بزيادة كلمتي التحقيق ؛ يعني أنّ صنع اللّه كلّه عجيب جدّا باشتماله على حِكَم شتّى ومصالح لا تحصى . والكلّ دلالة على ربوبيّته ، و شهادة بتفرّده في أمره ؛ أي من الآثار الظاهرة والأفاعيل الباهرة من شواهد الربوبيّة ودلالات الاُلوهيّة . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «العجيب» : الأمر العظيم الغريب المخفيّ سببه . والمراد أنّ أمر اللّه كلّه من الخفايا التي لا يطّلع عليها إلّا بتعريف وتبيين من اللّه سبحانه ، وإعطائه القلوب مبادئ معرفته ، إلّا أنّه احتجّ على عباده بما عرّفهم من نفسه ، وإعطائه القلوب مبادئ معرفته ولم يحتجّ عليهم ولم يكلّفهم بما سواه ، فلا ينبغي لأحد أن يتعرّض لمعرفته ما لم يكلّفه به من أمره تعالى ، ويتكلّفَ تحقيق ما لم يعط مبادئ معرفته . (1) وقال برهان الفضلاء : «من نفسه» أي من عظمته التي يعلمها كلّ مكلّف قبل الوحي . وهذا الحديث يناسب هذا الباب بتفسير أدنى المعرفة وإجمال تعيينها ، كما أنّ سائر أحاديثه بتعيينها على التفصيل . وقال الفاضل الإسترابادي : «قد احتجّ عليكم» أي أوجب عليكم أن تقرّوا بوجوده بالعنوان الذي ألقاه في قلوبكم ، وقد مرّ في كلام أمير المؤمنين عليه السلام . (2)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 289 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 108 .

ص: 72

باب المعبود

الباب الخامس : بَابُ الْمَعْبُودِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، عَنْ عَلِيّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ السرّاد ، (1) عَنِ ابْنِ رِئَابٍ ، وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ عَبَدَ اللّه َ بِالتَّوَهُّمِ ، فَقَدْ كَفَرَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ أَشْرَكَ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى بِإِيقَاعِ الْأَسْمَاءِ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ ، وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ فِي سَرَائِرِهِ وَعَلَانِيَتِهِ ، فَأُولئِكَ أَصْحَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام حَقّا» . وفي حديث آخر : «اُولئك هم المؤمنون حقّا» .

هديّة :في العنوان يعني تعيين المعبود بالحقّ من معبود سائر الفِرَق . (بالتوهّم) أي بغير ما عرّف به نفسه بالإرسال والإخبار ، كما توهّم الصوفيّة القدريّة أنّه تعالى ذات وما سواه عوارض الذات وشؤوناتها . (ومن عبد الاسم دون المعنى) المراد بالمعنى الحقيقة العينيّة . والاسم لفظيّ وذهنيّ ، والثاني ذاتي ووصفي ، يعني إمّا صورة الذات في الذهن أو صورة الصفة فيه ، فعلى الأوّل ردّ على مثل الحروفيّة من الملاحدة ، وعلى الأوّل من الثاني على الصوفيّة القدريّة . وقد قال ابن عربيّهم ما قال في صورة الفَرَس ، وهو لم يعبد بعد غيبة الصورة عن نظره إلّا الصورة الذّهنيّة . وكذا على الثاني من الثاني . (ومن عبد الاسم والمعنى) ردّ على من ردّتهم الفقرتان السابقتان ، وإشارة إلى أنّهم طوائف . (بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه) أي باعتقاد عينيّة صفاته التي وصف بها نفسه ، بدليل الردّ في الفقرات السابقة . (فعقد) على ما لم يسمّ فاعله أولى ؛ لما لا يخفى . والمعرفة صنع اللّه في قلوب المؤمنين . (وفي حديث آخر) كلام ثقة الإسلام طاب ثراه . قال برهان الفضلاء : «التوهّم» تصوّر الشيء بلا توسّط عنوانه ، كما يكون في غير المشتقّات ، مثل العلم والقدرة من المصادر ، والجسم والبِلَّوْر والبدن من أسماء الجنس ، وزيد وعمرو من الأعلام . و«الاسم» يُطلق على اللفظ ، مثل لفظ «اللّه » و«العالم» و«القادر» وعلى الصورة الذهنيّة التي تحصل في الذهن من لفظ «اللّه » و«العالم» و«القادر» وأمثالها . والمراد هنا المعنى الثاني . والمراد ب_«المسمّى» الذي عبّر عنه هنا ب_«المعنى» ما يكون في خارج الذهن ويكون مطابقا لاسمه ، بمعنى أن يصحّ الكلام إذا جعل مبتدأ واسمه خبرا . وقد ثبت أنّ الأسماء الجامدة كالأعلام وأسماء الأجناس والمصادر ونحوها هي عين مسمّاها، بخلاف الأسماء المشتقّة ، بدليل أنّ الخبر لا يقال له : الخابر ، والنار لا يُقال لها : الناير . وسيجيء في بيان الثالث أنّ سرّ ذلك أنّ القيام الذي هو معتبر في المشتقّات حقيقي لا الأعمّ من الحقيقي والمجازي ، كما زعمه الفاضل الدّواني . وأمّا ما ذكره أهل المنطق من المشتقّات في أمثلة النوع والجنس والفصل فَوَهم ، أو على المسامحة . ومعنى الحديث أنّ العباد من العباد المنتسبين إلى الإسلام على أربعة أقسام : الأوّل : من اعتقد على التوهّم أنّ اسما من أسمائه تعالى عين المسمّى ، كمن اعتقد أنّه سبحانه جسم أو بدن ، أو اعتقد إمكان رؤيته بالبصر ، وكمن اعتقد مثل الدواني أنّه وجود وعلم وقدرة من دون قصد المجاز ، وأنّه العالم بمعنى العلم القائم بنفس العلم بالقيام المجازي ، وهكذا في أنّه موجود وقادر مثلاً ، وكمن زعم أنّ لفظ «اللّه » علم شخصي له تعالى، لا شبيه بالعلم كما هو الحقّ ، فبتوهّمه «الاسم» بمعنى الصورة الذهنيّة توهّم أنّه المسمّى فعبد المتوهّم وكفر . الثاني : من تعمّق في اسم من أسمائه وإن اعتقد أنّ اسما من أسمائه ليس عين المسمّى بل كلّها مشتقّات ، أو تجاوز عن الأسماء التي في المحكمات كأكثر المتكلّمين حيث يتّبعون الفلاسفة ولا يسكتون في الأسماء المختلف فيها، فيدخلون الاسم الغلط في الأسماء الصحيحة، ويحكمون أنّ المجموع من حيث المجموع من الأسماء، والحال أنّ المجموع لا يصدق على شيء ؛ إذ بعدم صدق الجزء يلزم عدم صدق المجموع من حيث المجموع ، فلا يكتفون باسم العالم مثلاً ، بل يقولون بالتعمّق في الفكر أنّه عالم بالعلم الإجمالي ، فعبد (2) الاسم فقط وكفر . الثالث : من عبد الاسم والمعنى ، كالأشاعرة وهم قائلون بأنّ المشتقّ منه لكلّ اسم من أسمائه تعالى موجود في الخارج قديم ؛ إذ من المعلوم أنّ كمال الذات المتّصفة بصفات موجودة كماليّة إنّما بتبعيّة صفاته ، فعبد الاسم والمعنى وأشرك . الرابع : من عبد المعنى بإيقاع الأسماء المنصوصة عليه عزّ وجلّ بلا تجاوز عنها إلى الاسم المختلف فيه كالمرئي والبادي والعائد والنازل والمتشكّل والوجود والمكر ونحو ذلك فاُولئك المؤمنون حقّا . وبعبارة اُخرى : فاُولئك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام حقّا . انتهى كلام برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى . كما أنّ لكلّ اسم لفظيّ صورة في الذهن كذلك لكلّ مسمّى عينيّ صورة فيه ، وكما أنّ الاسم يُطلق على اللفظ المؤلَّف من الحروف كذلك يُطلق على الصورة الذهنيّة للمسمّى العينيّ ، فكما لا خلاف أنّ الاسم بالمعنى الأوّل غير المسمّى لا خلاف في أنّه بالمعنى الثاني عينه إذا كان جامدا ، بمعنى أنّه لا يقال للخُبز خابز ، فصورة الذات وحدها . والأصحّ في الاسم المشتقّ بالمعنى الثاني أنّه غير مسمّاها ومباينه ، فصورة الذات وصفتها معا وجميع الأسماء المنصوصة التي لنا رخصة في إطلاقها عليه سبحانه مشتقّات بالمعنى الثاني ، بمعنى أنّها غير المسمّى ومباينها كما أنّها غيره بالمعنى الأوّل . وإن قلنا : إنّ المشتقّ بالمعنى الثاني عين مسمّاه أيضا كالجامد ، فمراده سلّمه اللّه تعالى _ كما يظهر من كلامه _ أنّ جميع أسماء اللّه تعالى مشتقّات بالمعنى الثاني ؛ بمعنى أنّها غير مسمّاها ومباينها حتّى لفظ الجلالة ، عَلَما كانت أو شبيهة بالعَلَم على القولين ؛ فإنّ ما يعقل منه سبحانه في معرفته بأسمائه بالمعنى الثاني ليس صورة المسمّى العيني ولا كنه له ، وهو غير محدود ، غير موهوم ، غير مدرك كما هو ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولذا لا رخصة لأحد في إطلاق اسم عليه تعالى إلّا بما عرّف به نفسه ، ووصف به ذاته تعالى ، وورد به الكتاب والسنّة ؛ لئلّا يقيس فيقول : هو وجود بحت ، هو علم بحت ونحوهما ، فيقعَ في المهالك ، كالصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : «من عبد اللّه بالتوهّم» أي بأن يتوهّمه محدودا مدركا بالوهم . «ومن عبد الاسم» أي بالحروف أو بالمفهوم الصفتي له «دون المعنى» أي المعبّر عنه بالاسم «فقد كفر»؛ لأنّ الحروف والمفهوم غير واجب الوجود الخالق إله الكلّ سبحانه ، إنّما الاسم بلفظه ومفهومه تعبير عن المعنى المقصود أن يعبّر عنه ؛ أي ذاته الأحديّ المتعالي عن إحاطة العقول والإدراكات . «ومن عبد الاسم والمعنى» أي مجموعهما أو كلّ واحدٍ منهما «فقد أشرك» حيث أدخل في عبادته غيره تعالى . «ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف بها نفسه» أي كما وصف «فعقد عليه قلبه» أي اعتقد المعنى والهيئة «ونطق به لسانه في سريرته وعلانيته» فإنّ الاعتقاد بالقلب إذا فارق اختيارا الإقرار باللِّسان لم يكن كافيا في الإسلام والإيمان ، «فاُولئك من أصحاب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه حقّا» . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن محبوب» .
2- . جواب لقوله: «من تعمّق».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 289 _ 290 .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

. .

ص: 76

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَاشْتِقَاقِهَا : اللّه ُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ؟ قَالَ : فَقَالَ لِي :«يَا هِشَامُ ، اللّه ُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلهٍ ، وَالْاءِلهُ يَقْتَضِي مَأْلُوها ، وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمّى ، فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ المَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئا ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى دُونَ الِاسْمِ ، فَذَاكَ التَّوْحِيدُ ، أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ؟» . قَالَ : فَقُلْتُ : زِدْنِي ، قَالَ : «إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ، فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمّى ، لَكَانَ كُلُّ اسْمٍ مِنْهَا إِلها ، وَلكِنَّ اللّه َ مَعْنىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ وَكُلُّهَا غَيْرُهُ ؛ يَا هِشَامُ ، الْخُبْزُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ ، وَالْمَاءُ اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ ، وَالثَّوْبُ اسْمٌ لِلْمَلْبُوسِ ، وَالنَّارُ اسْمٌ لِلْمُحْرِقِ ، أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ ، فَهْما تَدْفَعُ بِهِ وَتُنَاضِلُ بِهِ أَعْدَاءَنَا وَالْمُلحِدِينَ (2) مَعَ اللّه ِ غَيْرَهُ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَقَالَ : «نَفَعَكَ اللّه ُ بِهِ ، وَثَبَّتَكَ يَا هِشَامُ» . قَالَ هِشَامٌ : فَوَ اللّه ِ ، مَا قَهَرَنِي أَحَدٌ فِي التَّوْحِيدِ حَتّى قُمْتُ مَقَامِي هذَا .

هديّة :(اللّه مشتقّ من إله) يحتمل الفعل كنصر ، والمصدر كالنصر أو ككتاب . و«الإله» يحتمل المصدر على الوجهين . الجوهري : ألَه _ بالفتح _ إلهةً، أي عَبد عبادةً ، ومنه قرأ ابن عبّاس : «وَيَذَرَكَ وَ ءَالِهَتَكَ» قال : وعبادتك ، ومنه قولنا : «أللّه » ، وأصله إله على فعال ، بمعنى مفعول ؛ لأنّه مألوه أي معبود كقولنا : إمام فعال بمعنى مفعول ؛ لأنّه مؤتمّ به ، فلمّا اُدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام . ولو كانتا عوضا منها لما اجتمعتا مع المعوّض منه في قولهم : الإله . وقطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيما لهذا الاسم . (3) انتهى . والخلاف في اشتقاق كلمة الجلالة وعدم اشتقاقها ، وفي أنّ المألوه بمعنى المعبود أو العابد أو العبادة كثير . فقال الفاضل الإسترابادي بخطّه بعد ذكره ما ذكرنا من كلام الجوهري : سيجيء في باب جوامع التوحيد : كان إلها إذ لا مألوه . وقوله عليه السلام : «والإله يقتضي مألوها»: إنّ معنى الإله المألوه ، فوجه الجمع بين الكلامين أنّ اللّه تعالى سمّى نفسه بالإله قبل أن يعبده أحد من العباد . (4) وقال برهان الفضلاء : معنى «والإله يقتضي مألوها» قال صاحب القاموس : اختلفوا في لفظة الجلالة على عشرين قولاً ، والأصحّ أنّها عَلَم غير مشتقّ . (5) وهذا الحديث يبطل قوله، بل الأصحّ أنّها مشتقّة من الإله على فعال بالكسر ، مصدر بمعنى الفاعل من «ألَه» كنصر ، فعلٌ متعدّ فيقتضي مألوها ، ف_«الإله» يعني المستحقّ _ بكسر الحاء _ أن يعبده غيره ، أي الطالب حقّه من غيره وحقّه عبادة غيره له ، و«المألوه» يعني المستحقّ بفتح الحاء ، فأمّا منه فهو العابد ، وأمّا به فهو العبادة . وفي الصحيفة الكاملة في دعاء يوم عرفة : «وإله كلّ مألوه» (6) ، وفي الحديث وسيجيء : «وإلها إذ لا مألوه» . (7) والألف واللام في لفظ «اللّه » للعهد الخارجي ، يعني الإله الذي يستحقّ عبادة كلّ عابد ، ولا شيء يستحقّ عبادته تعالى إيّاه ، ولذا صارت شبيهة بالعَلَم في الاستعمالات ، وتوهّم جماعة أنّها عَلَم حقيقةً . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «مشتقّ من أله» يحتمل أن يكون المشتقّ منه «إله» كفعال ، وهو مضبوط في كثير من النسخ ، ويحتمل «ألِهَ» كفعل ، وعلى التقديرين ففيه معنى الإله كالنصر . «والإله يقتضي مألوها» أي من له إله ؛ فإنّ مفهوم الإله نسبيّ يقتضي نسبةً إلى غيره ، ولا يتحقّق بدون الغير ، والمسمّى لا حاجة له إلى غيره ، فيكون الاسم غير المسمّى كما قال عليه السلام : «والاسم غير المسمّى» . (8) والظاهر من كلامه عليه السلام أنّ المراد بالمألوه ما ذكرناه ، لمكان الاقتضاء ، ولمختار الزمخشري : أنّ المشتقّ منه في هذه التصاريف اسم عين وهو الإله ؛ لورود المألوه في مواضع من كلامهم عليهم السلام ظاهرا في هذا المعنى كقوله عليه السلام : «كان ربّا إذ لا مربوب ، وإلها إذ لا مألوه ، وعالما إذ لا معلوم ، وسميعا إذ لا مسموع» . (9) ويحتمل أن يكون المراد من «الإله» مفهوم المعبود بالحقّ . وب_«المألوه» ذاته ، لكنّه خلاف الظاهر . وأمّا حمله على أنّ «الإله» بمعنى «المألوه» كما قطع به الجوهري (10) فبعيد جدّا . أقول : نعم، لكنّ لقائلٍ أن يقول : لا يبعد أن يكون المعنى و«الإله» على فعال يجب أن يكون بمعنى المألوه ، أي المعبود ؛ لأنّه مصدر لا يجوز أن يكون بمعنى العبادة أو العابد ، فلابدّ أن يكون بمعنى المعبود . وقال بعض المعاصرين : الظاهر أنّ لفظة «إله» في الحديث فعال بمعنى المفعول ، فمعنى قوله (11) عليه السلام : «والإله يقتضي مألوها» معناه أنّ إطلاق هذا الاسم يقتضي أن يكون في الوجود ذات معبود يُطلق عليه هذا الاسم ؛ فإنّ الاسم غير المسمّى . (12) قوله «في الوجود» مكان في الخارج على زعمه مرموز . (فمن عبد الاسم دون المعنى) تفريع على المغايرة ، ولم يعبد شيئا أي شيئا موجودا في الخارج . قال السيّد الأجلّ النائيني : لأنّ الاسم غير موجود عينيّ لا بلفظه ولا بمفهومه ، (13) ولعدم وجود الاسم وبقائه لفظا ولا مفهوما . ولا يخفى لطف التعبير في زيادة البيان للمغايرة عن خصوص التعدّد المقصود بتسعة وتسعين . (يا هشام الخبز اسم للمأكول) ولعلّ المراد أنّ هذه الأسماء بمعنى الألفاظ أو الصور الذهنيّة ، كما أنّها غير مسمّياتها الموجودة في الخارج كذلك أسماؤه تعالى غير مسمّاها المحيط بالأذهان وخارجها من غير أن يكون الخارج ظرفا لوجوده . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا طلب الزيادة في البيان أجابه عليه السلام ببيان المغايرة بين الاسم والمسمّى بتعدّد الأسماء ووحدة المسمّى ، وبإيراد الأمثلة من الأسماء المغايرة للمسمّى _ ولا مفهومات لها صفتيّة يتوهّم اتّحادها مع المسمّى _ كالخبز والماء والثوب والنار ؛ فإنّها أسماء لموصوفات بصفات هي مغايرة لمفهومات الصفات والألفاظ . (14) وقال برهان الفضلاء : المراد أنّ هذه الأسماء من الخبز والماء وغيرهما من الجوامد ، وكلّ واحدٍ منها عين مسمّاه ، ولذا لم يصدق جميعها على مسمّى واحد ، وأسماؤه تعالى كلّها مشتقّات وكلّ واحدٍ منها غير المسمّى ، ولذا يصدق الجميع على مسمّى واحد، ولا اشتراك له تعالى في اسم غير مشتقّ . بناء بيانه هذا على بيانه الذي بيّناه في هديّة الأوّل . (وتناضل) على الخطاب المعلوم ، من المناضلة ، أو التناضل بحذف أحد التائين . والمناضلة ، وكذا التناضل : المراماة والمدافعة . وناضلوا : تفاخروا بالظفر على الخصم كتناضلوا . وهذا الحديث أورده في الكافي مرّتين : هنا ، وفي باب الأسماء . وهناك : «تناقل» مكان «تناضل» . والمناقلة : أن تحدّثه ويحدّثك . و«الإلحاد» هنا بمعنى الإشراك . وفي التعبير إشارات . (ما قهرني أحد في التوحيد حتى) ما صيّرني أحد ملزما مغلوبا في المباحثة في التوحيد حتّى اليوم .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «المتّخذين» .
3- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109.
5- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 280 (أله) .
6- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 244 ، الدعاء 47 .
7- . سيجيء في باب جوامع التوحيد ، ح 4 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 290 .
9- . الكافي ، ج 1 ، ص 139 ، باب جوامع التوحيد ، ح 4 .
10- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله) .
11- . كذا في جميع النسخ ، وفي المصدر : «وقوله» بدل «فمعنى قوله» .
12- . الوافي ، ج 1 ، ص 347 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 291.
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 291 .

ص: 77

. .

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عن التميمي، (1) قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، أَوْ قُلْتُ لَهُ : جَعَلَنِي اللّه ُ فِدَاكَ ، نَعْبُدُ الرَّحْمنَ الرَّحِيمَ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ؟ قَالَ : فَقَالَ :«إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمّى بِالْأَسْمَاءِ ، فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ وَجَحَدَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئا ، بَلِ اعْبُدِ اللّه َ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الصَّمَدَ _ الْمُسَمّى بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ _ دُونَ الْأَسْمَاءِ ؛ إِنَّ الْأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ تعالى» .

هديّة :يعني الجواد عليه السلام . والشكّ من بعض الرّواة . غرض السائل أنّ عبادة اسم المعبود عبادة المعبود أم لا . (بل عبد اللّه ) على الأمر ، أو المتكلّم وحده . (صفات) أي علامات . قال برهان الفضلاء : يعني هل لنا أن نعبد الاسم بمعنى الصورة الذهنيّة بأن نعتقد أنّ الاسم الرحمن _ مثلاً _ عين المسمّى ، وأنّ مسمّاه رحمة قائمة بنفسها كما ذهب إليه صاحب حكمة الإشراق الدواني تبعا للصوفيّة . فأجاب عليه السلام : «بل اعبد اللّه الواحد» أي الذي لا شريك له في صفات الربوبيّة . «الأحد» أي الذي لا ينقسم أصلاً . «الصمد» وسيذكر معناه وتأويله إن شاء اللّه تعالى . «لا أسماؤه» وهي اُمور حادثة في أذهان حادثة وصفات وصف بها نفسه . ولا يكون الاسم المشتقّ عين مسمّاه ، ولا الصفة الذهنيّة عين موصوفه العينيّ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فقد أشرك» أي بعبادة الأسماء المتعدّدة ، وكفر وجحد ؛ حيث لم يعبد المسمّى «ولم يعبد شيئا» أي موجودا عينيّا ؛ لعدم وجود الاسم وبقائه لفظا ولا مفهوما . (2) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : «إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه تعالى» يدلّ على أنّ لفظ «اللّه » ليس عَلَما لذاته تعالى ، كما هو مذهب بعض . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 291 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109 .

ص: 81

. .

ص: 82

باب الكون والمكان

الباب السادس : بَابُ الْكَوْنِ وَالْمَكَانِوأحاديثه كما في الكافي تسعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عن السرّاد ، (1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ مَتى كَانَ؟ فَقَالَ :«مَتى لَمْ يَكُنْ حَتّى أُخْبِرَكَ مَتى كَانَ؟ سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فَرْدا صَمَدا ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدا» .

هديّة :يعني باب نفي حدوث المحدث وتحيّزه ، أو باب إثبات الكون _ بمعنى الوجود العيني _ له تعالى ونفى التحيّز ، كما قيل . (نافع بن الأزرق) ينسب إلى الأزارقة : صنف خرجوا على بني اُميّة زمن عبد الملك بن مروان . فالحديث قد علم بيانه في الباب الأوّل . ولمّا كان (متى) سؤالاً عن زمان مخصوص بحدوث شيء فيه ، وكان السؤال ب_ «متى» فيما لا خصوصيّة لزمان به ، لقدمه ، أجاب عليه السلام أوّلاً بعدم صحّة سؤاله ، ثمّ بأزليّته عزّ وجلّ وتفرّده في ذلك ، واحتياج جميع ما سواه إليه ، وتنزّهه سبحانه عن صفات النقص وخواصّ الخلق .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب» .

ص: 83

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عن البرقي، عن البزنطي ، (1) قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام مِنْ وَرَاءِ نَهَرِ بَلْخَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَسأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَإِنْ أَجَبْتَنِي فِيهَا بِمَا عِنْدِي ، قُلْتُ بِإِمَامَتِكَ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«سَلْ عَمَّا شِئْتَ» . فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ مَتى كَانَ؟ وَكَيْفَ كَانَ؟ وَعَلى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ اعْتِمَادُهُ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَيَّنَ الْأَيْنَ بِلَا أَيْنٍ ، وَكَيَّفَ الْكَيْفَ بِلَا كَيْفٍ ، وَكَانَ اعْتِمَادُهُ عَلى قُدْرَتِهِ» . فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ ، فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ، وَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ ، (2) وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّه ِ ، وَأَنَّ عَلِيّا وَصِيُّ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَالْقَيِّمُ بَعْدَهُ بِمَا أتى (3) بِهِ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَأَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ الصَّادِقُونَ ، وَأَنَّكَ الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِهِمْ .

هديّة :قيل : الظاهر كما في توحيد الصدوق رحمه الله : «أين كان» (4) مكان «متى كان» إلّا أنّ المضبوط : «متى كان» فقيل : لمّا كان الزمان والمكان متصاحبين نبّه عليه السلام بنفي أحدهما على نفي الآخر . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني : لمّا كان «متى كان» لا يصحّ إلّا في الزماني ، وهو لا يكون إلّا ذا مادّة جسمانيّة يلزمه الأين ، أجاب عليه السلام . (6) وكأنّ السائل من العلماء بأنّه سبحانه منزّه عن لوازم معروض الزمان ؛ أي المادّة الجسمانيّة المخلوقة للّه عزّ وجلّ . (وعلى أيّ شيء كان اعتماده) أي بأيّ شيء كان استمداده في خلق الخلق . قرأ برهان الفضلاء : «أيّن الأيّن» كسيّد فيهما ، وكذا «كيّف الكيّف» واحتمل سكون الخاتمة في الأخيرتين كالأخيرتين المنفيّتين . في بعض النسخ بزيادة : «وحده لا شريك له» بعد كلمة التوحيد . وفي بعض آخر _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «بما أقام به» مقام «بما أتى به» أي بما أقامه به . وفي بعض آخر : «من بعده» أي من بعد عليّ عليه السلام . وفسّر الصادقين في قوله تعالى في سورة التوبة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (7) بالأئمّة عليهم السلام . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . في هامش «الف» : + «وحده لا شريك له» .
3- . في الكافي المطبوع : «قام» .
4- . التوحيد، ص 125، باب القدرة، ح 3.
5- . قاله الفيض في الوافي ، ج 1 ، ص 350 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 295 .
7- . التوبة (9) : 119 .
8- . الكافي ، ج 1 ، ص 208 ، باب ما فرض اللّه عزّوجلّ ورسوله صلى الله عليه و آله من الكون مع الأئمّة عليهم السلام ، ح 1 و 2 .

ص: 84

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مَحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَبِّكَ مَتى كَانَ؟ فَقَالَ :«وَيْلَكَ ، إِنَّمَا يُقَالُ لِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ : مَتى كَانَ ؛ إِنَّ رَبِّي تَعَالى كَانَ وَلَمْ يَزَلْ حَيّا بِلَا كَيْفٍ _ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ «كَانَ» ، وَلَا كَانَ لِكَوْنِهِ كَوْنُ كَيْفٍ ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ ، وَلَا كَانَ عَلى شَيْءٍ ، وَلَا ابْتَدَعَ لِمَكَانِهِ مَكَانا ، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ الْأَشْيَاءَ ، وَلَا كَانَ ضَعِيفا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئا ، وَلَا كَانَ مُسْتَوْحِشا قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئا ، وَلَا يُشْبِهُ شَيْئا مَذْكُورا ، وَلَا كَانَ خِلْوا مِنْ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ ، وَلَا يَكُونُ مِنْهُ خِلْوا بَعْدَ ذَهَابِهِ ، لَمْ يَزَلْ حَيّا بِلَا حَيَاةٍ ، وَمَلِكا قَادِرا قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئا ، وَمَلِكا جَبَّارا بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ ؛ فَلَيْسَ لِكَوْنِهِ كَيْفٌ ، وَلَا لَهُ أَيْنٌ ، وَلَا لَهُ حَدٌّ ، وَلَا يُعْرَفُ بِشَيْءٍ يُشْبِهُهُ ، وَلَا يَهْرَمُ لِطُولِ الْبَقَاءِ ، وَلَا يَصْعَقُ لِشَيْءٍ ، بَلْ لِخَوْفِهِ تَصْعَقُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا ، كَانَ حَيّا بِلَا حَيَاةٍ حَادِثَةٍ ، وَلَا كَوْنٍ مَوْصُوفٍ ، وَلَا كَيْفٍ مَحْدُودٍ ، وَلَا أَيْنٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ، وَلَا مَكَانٍ جَاوَرَ شَيْئا ، بَلْ حَيٌّ يُعْرَفُ ، وَمَلِكٌ لَمْ يَزَلْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْمُلْكُ ، أَنْشَأَ مَا شَاءَ حِينَ شَاءَ بِمَشِيئَتِهِ ، ولَا يُحَدُّ ، (2) وَلَا يُبَعَّضُ ، وَلَا يَفْنى ، كَانَ أَوَّلاً بِلَا كَيْفٍ ، وَيَكُونُ آخِرا بِلَا أَيْنٍ ، وَ «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» ، «لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، تَبَارَكَ اللّه ُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» . وَيْلَكَ أَيُّهَا السَّائِلُ ، إِنَّ رَبِّي لَا تَغْشَاهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تَنْزِلُ بِهِ الشُّبُهَاتُ ، وَلَا يجار ، 3 من شيء، وَلَا يُجَاوِرُهُ (3) شَيْءٌ ، وَلَا يَنْزِلُ بِهِ الْأَحْدَاثُ ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ ، وَلَا يَنْدَمُ عَلى شَيْءٍ ، وَ «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» ، «لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَاتَحْتَ الثَّرى» » .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن عليّ بن أبي حمزة» .
2- . في الكافي المطبوع : «لا يجدّ» بدون الواو .
3- . في الكافي المطبوع : «لا يجاوزه» .

ص: 85

هديّة :(كان ولم يزل) الواو للحال ؛ أي وأنّه قديم ، أو للعطف على كان ، ف_ «حيّا» خبر عنهما . (ولم يكن له كان) يحتمل أن يكون «كان» من الأفعال الناقصة ؛ أي لم يصحّ له متى كان و«كان» بالرّفع على المصدر كما احتمل برهان الفضلاء ؛ أي الاشتداد ، بمعنى صيرورة الشيء قويّا على التدريج . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : أي لا مجال للمعنى الحقيقي للفظ «كان» في حقّه تعالى ؛ لأنّه اعتبرت في معناه الحقيقي قطعة مخصوصة من الزمان الماضي ، ولا يستعمل في حقّه تعالى إلّا مجرّدا عن الزمان . (1) (ولا كان لكونه كون كيف ، ولا كان له أين) يحتمل إضافة «الكون» إلى «الكيف» والتنوين ، أي حدوث . ف_ «كيف» للاستفهام الإنكاري ، و«الواو» بعدها للحال . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «ولا كان لكونه كيف» بدون المضاف . (ولا ابتدع لمكانه مكانا) أي لمرتبة علوّه . والأوّل مصدر ميمي ، والثاني اسم مكان . (ولا كان مستوحشا) أي كالغريب من الغربة . (ولا يشبه شيئا مذكورا) أي كلّ يذكره الذّكر ويخطر بالخاطر . (خلوّا) بالكسر أي خاليا . و(الملك) بالضمّ : السلطنة ، فضمير (إنشائه) للملك بالكسر المفهوم سياقا ، أو للملك بالضمّ ، أي لبعض من خلقه ، أو _ كما قال برهان الفضلاء _ : للشيء المذكور . وكذا ضمير (ذهابه) . (بلا حياة) أي حادثة ، بدليل التصريح بعد . (وملكا جبّارا) أي ذا قوّة وغَلَبة في أفاعيله ؛ منها إبقاء ما شاء من خلقه المقتضي بذاته الفناء . والهرم محرّكة ، والمهرم ، والمهرمة : أقصى الكبر ، هرم كصعق . (ولا يصعق) لا يخاف ، ولا يدهش . (ولا كون موصوف) بالتوصيف أي محدود . واحتمل برهان الفضلاء الإضافة . وكذا (لا كيف محدود ، ولا أين موقوف عليه) فمعنى الأخيرة على التوصيف : ولا أين مستقرّ . وعلى الإضافة : ولا أين من حُبس على الأين ، أو «الموقوف» بمعنى الواقف . (بل حيّ يعرف) على ما لم يسمّ فاعله من المجرّد ، أي بآثار حياته ، نعت ل «الحيّ» كَ «لم» يزل ل «الملك» . (وكُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ) ناظر إلى آية سورة القصص ، (2) ومن تفاسيرها : «هالك» أي ساقط عن درجة الاعتبار إلّا دينه القائم بحجّته المعصوم . و(له الخلق والأمر) إلى آية سورة الأعراف . 3 ومن العلماء من فسّر «الأمر» بعالم المجرّدات ، و«الخلق» بعالم الأجسام . والمستفاد من أحاديثهم عليهم السلام تفسير الخلق بخلق ما خلق اللّه ، والأمر بوضع الشرائع . (لا تغشاه) : لا تحيطه . و«الشّبهة» بالضمّ : الالتباس والشكّ ، أي الوضوح حججه وسطوع براهينه ، أو «به» بمعنى «عليه» أي لا يتحيّر من الشكّ والالتباس عليه . (ولا يحار) على المعلوم من الحيرة . واحتمل برهان الفضلاء : «يجار» بالجيم على المجهول ، من الإجارة ، من الجوار بمعنى الكَنَف . و«يجأر» على المعلوم مهموز العين من الجأر ، بمعنى النداء والاستغاثة . (ولا يجاوره) شيء بالمجاورة المكانيّة . وقرئ : «ولا يجاوزه» بالجيم من المجاوزة ، أي بغفلته عن ذلك شيء . (ولا تنزل به الأحداث) أي ليس محلّاً للحوادث والعوارض كما زعمت الصوفيّة القدريّة ، قال شبستريهم : من وتو عارض ذات وجوديممشبّك هاى مشكوة وجوديم (ولا يسأل عن شيء) بل هم يُسألون . «ندم» كعلم . (ولا تأخذه سِنة ولا نوم) اقتباس من آية الكرسي . (3) ولبعض المعاصرين في بيان هذا الحديث كلام طويل يذكر مهمّه عنده، قال : ليعلم أنّ نسبة ذاته تعالى إلى مخلوقاته يمتنع أن يختلف بالمعيّة واللّا معيّة ، وإلّا فيكون بالفعل مع بعض وبالقوّة مع آخرين، فيتركّب ذاته من جهتي فعل وقوّة ، ويتغيّر صفاته حسب تغيّر المتجدّدات المتعاقبات تعالى عن ذلك ، بل نسبة ذاته التي هي فعليّة صرفة وغناء محض من جميع الوجوه إلى الجميع _ وإن كان من الحوادث الزمانيّة _ نسبة واحدة ومعيّة قيمومة ثابتة غير زمانيّة ولا متغيّرة أصلاً ، والكلّ بغنائه بقدر استعداداتها مستغنيات ، كلٌّ في وقته ومحلّه وعلى حسب طاقته ، وإنّما فَقْرها وفقدها ونقصها بالقياس إلى ذواتها ، وقوابل ذواتها، وليس هناك إمكان وقوّة ألبتّة فالمكان والمكانيّات بأسرها بالنسبة إلى اللّه تعالى كنقطة واحدة في معيّة الوجود «وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ» (4) ، والزمان والزمانيّات بآزالها وآبادها كان واحدا عنده في ذلك . جفّ القلم بما هو كائن ، ما من نسمة كائنة إلّا وهي كائنة والموجودات كلّها شهاديّاتها وغيبيّاتها كموجود واحد في الفيّضان عنه «مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ» (5) . وإنّما التقدّم والتأخّر والتجدّد والتصرّم والحضور والغيبة في هذه كلّها بقياس بعضها إلى بعض في مدارك المحبوسين في مطمورة الزمان المسجونين في سجن المكان لا غير وإن كان هذا لممّا يستغربه الأوهام ، ويشمئزّ عنه قاصروا الأفهام . وأمّا قوله عزّ وجلّ : «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ» (6) فهو كما قاله بعض أهل العلم: إنّها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها ، ولعلّ من لم يفهم بعض هذه المعاني يضطرب فَيَصُول ويرجع ، فيقول : كيف يكون وجود الحادث في الأزل؟ أم كيف يكون المتغيّر في نفسه ثابتا عند ربّه ؟ أم كيف يكون الأمر المتكثّر المتفرّق وحدانيّا جميعا؟ أم كيف يكون الممتدّ ، أعني الزمان واقعا في غير الممتدّ ، أعني اللّازمان مع التقابل الظاهر بين هذه الاُمور ؟ فلنمثّل له بمثالٍ حسّيّ يكسر سورة استبعاده ؛ فإنّ مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجة الحسّ والمحسوس فليأخذ أمرا ممتدّا كحبل مختلف الأجزاء في اللون ، ثمّ لَيُمرره في محاذاة نملة ، فتلك الألوان المختلفة متعاقبة في الحضور لديها يظهر لها شيئا فشيئا ؛ لضيق نظرها ، ومتساوية في الحضور لديه يراها كلّها دفعة ؛ لقوّة إحاطة نظره وسعة حدسه ، «وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ» (7) . (8) انتهى كلام بعض المعاصرين .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109 .
2- . القصص (28) : 88 .
3- . البقرة (2) : 255 .
4- . الزمر (39) : 67 .
5- . لقمان (31) : 28 .
6- . الرحمن (55) : 29 .
7- . يوسف (12) : 76 .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 354 _ 355 .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَنْ العِدَّةٌ ، عن البرقي ، (1) عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ ، قَالَ : اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ إِلى رَأْسِ الْجَالُوتِ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّ هذَا الرَّجُلَ عَالِمٌ _ يَعْنُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام _ فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ ؛ نَسْأَلْهُ ، فَأَتَوْهُ ، فَقِيلَ لَهُمْ : هُوَ فِي الْقَصْرِ ، فَانْتَظَرُوهُ حَتّى خَرَجَ ، فَقَالَ لَهُ رَأْسُ الْجَالُوتِ : جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ ، قَالَ :«سَلْ يَا يَهُودِيُّ ، عَمَّا بَدَا لَكَ» فَقَالَ : أَسْأَلُكَ عَنْ رَبِّكَ : مَتى كَانَ؟ فَقَالَ : «كَانَ بِلَا كَيْنُونِيَّةٍ ، كَانَ بِلَا كَيْفٍ ، كَانَ لَمْ يَزَلْ بِلَا كَمٍّ وَبِلَا كَيْفٍ ، كَانَ لَيْسَ لَهُ قَبْلٌ ، هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ وَلَا غَايَةٍ وَلَا مُنْتَهىً ، انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْغَايَةُ وَهُوَ غَايَةُ كُلِّ غَايَةٍ» . فَقَالَ رَأْسُ الْجَالُوتِ : امْضُوا بِنَا ؛ فَهُوَ أَعْلَمُ مِمَّا يُقَالُ فِيهِ .

هديّة :(رأس الجالوت) من الألقابِ لأعلم أحبار اليهود في أيّ زمان كان . و«جالوت» كان مَلِكا مشركا قتله داود عليه السلام وكان رأسه مثلاً في الكِبَر والعِظَم . وطائفة من اليهود من أولاد جالوت . (كان) في الجواب في أربعة مواضع على نسق واحد . وقرأ برهان الفضلاء : «كان بلا كَيْفَ كان» على بناء كيف على الفتح ، من قبيل «متى كان» في السؤال . وكذا و«بلا كَيْفَ كان» . «الغاية» الأخيرة وقبلها للنهاية ، وقبلهما لجزء من الزمان . (ولا غاية ولا منتهى) يحتمل الجرّ ، والظاهر الرفع ؛ يعني ليس له قبل ولا غاية ولا منتهى . و«الفاء» في (فهو) للبيان ويحتمل التفريع . وقال السيّد الأجلّ النائيني : قول السائل «متى كان» سؤال عن اختصاص وجوده تعالى بزمان يكون وجوده فيه ، فأجاب عليه السلام بنفي اختصاص وجوده تعالى بالزمان ، وتعاليه عن أن يكون فيه ، فنبّه أوّلاً على نفي ما هو مناط الكون في الزمان عنه سبحانه [بعد إثبات الوجود له والقولِ بوجوده سبحانه] (2) ، فقال : «كان بلا كينونة كان بلا كيف كان» . (3) فقرأ كبرهان الفضلاء ، وزاد في إضافة الكينونيّة . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : هو قبل القبل بلا قبل ؛ أي لا يتّصف بقبليّة زمانيّة ولا مكانيّة ، فقبليّته ترجع إلى معنى سلبي، أي ليس لوجوده أوّل ، بخلاف سائر الموجودات ؛ فإنّ لوجودها أوّلاً . «ولا غاية ولا منتهى» بالرفع عطف على «قبل » ، والسبب فيه أنّ أزليّته وأبديّته ترجعان إلى معنى سلبي ، أي ليس له أوّل ولا آخر . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد» .
2- . أضفناه من المصدر .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 3001 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 110 .

ص: 90

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده عن البرقي ، عن البزنطي ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«جَاءَ حِبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَتى كَانَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ لَهُ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، وَمَتى لَمْ يَكُنْ حَتّى يُقَالَ : مَتى كَانَ؟ كَانَ رَبِّي قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ ، وَبَعْدَ الْبَعْدِ بِلَا بَعْدٍ ، وَلَا غَايَةَ وَلَا مُنْتَهى لِغَايَتِهِ ، انْقَطَعَتِ الْغَايَاتُ عِنْدَهُ ، فَهُوَ مُنْتَهى كُلِّ غَايَةٍ . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَنَبِيٌّ (2) أَنْتَ؟ فَقَالَ : وَيْلَكَ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله » .

هديّة :«مَوْصِل» كمجلس : بلدة قرب بغداد . و«الحبر» بالفتح ويكسر : واحد أحبار اليهود . قال الجوهري : والكسر أفصح . (3) وضبط برهان الفضلاء بالفتح . (ولا غاية) واوها للابتداء ، فواو (ولا منتهى) للعطف ، أو للعطف فللابتداء . و«الفاء» في (فهو منتهى) للتفريع أو للتعليل ؛ يعني فهو غير كلّ غاية ، أو فوق كلّ غاية . قال برهان الفضلاء : «أفنبيٌّ أنت؟» يعني ما قلتَ إنّما هو ممّا يعلم بالوحي ، فقال عليه السلام : أنا عبد معلّم لمن أوحى اللّه إليه فعلّمني . وقال الصدوق رحمه الله في توحيده : يعني بذلك عبد طاعة لا غير ذلك . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . في الكافي المطبوع : «أ فنبيّ» .
3- . الصحاح ، ج 2 ، ص 620 (حبر) .
4- . التوحيد ، ص 175 ، باب نفي المكان والزمان ... ذيل حديث 3 .

ص: 91

الحديث السادسروى في الكافي ، وقال : وَرُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عليه السلام : أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ سَمَاءً وَأَرْضا؟ فَقَالَ عليه السلام :«أَيْنَ سُؤَالٌ عَنْ مَكَانٍ ، وَكَانَ اللّه ُ وَلَا مَكَانَ» .

هديّة :(سئل عليه السلام ) يعني أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وقيل : يعني النبيّ صلى الله عليه و آله .

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَأْسُ الْجَالُوتِ لِلْيَهُودِ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيّا عليه السلام مِنْ أَجْدَلِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِمْ ، اذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ لَعَلِّي أَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، أوَ أُخَطِّئُهُ (2) فِيهَا ، فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ ، قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَتى كَانَ رَبُّنَا؟ قَالَ لَهُ : يَا يَهُودِيُّ ، إِنَّمَا يُقَالُ : «مَتى كَانَ» لِمَنْ لَمْ يَكُنْ ؛ فَكَانَ «مَتى كَانَ» ، هُوَ كَائِنٌ بِلَا كَيْنُونةٍ (3) كَائِنٍ ، كَانَ بِلَا كَيْفٍ يَكُونُ ، بَلى يَا يَهُودِيُّ ، ثُمَّ بَلى يَا يَهُودِيُّ ، كَيْفَ يَكُونُ لَهُ قَبْلٌ؟! هُوَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا غَايَةٍ ، وَلَا مُنْتَهى غَايَةٍ ، وَلَا غَايَةَ إِلَيْهَا ، انْقَطَعَتِ الْغَايَاتُ عِنْدَهُ ، هُوَ غَايَةُ كُلِّ غَايَةٍ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ دِينَكَ الْحَقُّ ، وَأَنَّ مَا خَالَفَهُ بَاطِلٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمّد بن يحيى» .
2- . في الكافي المطبوع : «واُخطِّئه» .
3- . في الكافي المطبوع : «كينونيّة» .

ص: 92

هديّة :(من أجدل الناس) أي من أقواهم وأقدرهم على الخصومة في المناظرات . (أو اُخطّئه) يعني إلى أن اُخطّئه فيجوز الإعمال والإهمال . وقد يكون «أو» _ كما قال الجوهري _ بمعنى «إلى أن» تقول لأضربنّه أو يتوب . (1) أو «إلّا أن» . وفي الصحيفة الكاملة : «فإنّ نفسي هالكة أو تعصمها» . (2) وفي بعض النسخ : «واُخطّئه» بالواو يعني واُبيّن خطأه فيها . (فكان متى كان) أي فصحّ في حقّه متى كان . (هو كائن بلا كينونة كائن) أي ليست كينونته كما هو للمخلوق . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «بلا كينونيّة كائن» بياء مشدّدة للنسبة . وضبط الفاضل الإسترابادي هكذا بالتنوين ورفع كائن . (3) أي وهو كائن . (كان بلا كيف يكون) بإضافة «كيف» إلى «يكون» يعني لا أوّل لكينونته ولا آخر . وقرأ برهان الفضلاء : «يكوّن» على المعلوم من التفعيل مع فتح «كَيْفَ» قال : يعني كان قادرا على التكوين بلا تأمّل في أنّه كيف يكوّن إذا أراد التكوين . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «بلا كيف يكون» أي بلا كيف له تكوّن . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني كان بلا كيفٍ يوجد . (5) (بلى يا يهودي) يعني حقّ ما قلته لك ، ثمّ بلى يا يهودي، حقّ ما سمعته منّي . (بلا غاية ولا منتهى) أي بلا غاية لقبليّته وبلا منتهى لبعديّته . (غاية ولا غاية إليها) يعني هو غاية كلّ غاية ولا غاية لِوَهمٍ إليها بدليل (هو غاية كلّ غاية) . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «ولا غاية إليها غاية» . (6) وقال برهان الفضلاء : «إليها» أي معها . ولسائر الفضلاء في هذا الحديث توجيهات . و(دينك) مكان «دينكم» : تعريض على المخالفين .

.


1- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2274 (أو) .
2- . الصحيفة السجّادية ، ص 108 ، الدعاء 20 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 110 .
4- . المصدر .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 304 .
6- . التوحيد ، ص 175 ، باب نفي المكان والزمان و ... ، ح 6 .

ص: 93

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : أَكَانَ اللّه ُ وَلَا شَيْءَ غيره (2) ؟ قَالَ :«نَعَمْ ، كَانَ وَلَا شَيْءَ» . قُلْتُ : فَأَيْنَ كَانَ يَكُونُ؟ قَالَ : وَكَانَ عليه السلام مُتَّكِئا فَاسْتَوى جَالِسا ، وَقَالَ : «أَحَلْتَ يَا زُرَارَةُ ، وَسَأَلْتَ عَنِ الْمَكَانِ ؛ إِذْ لَا مَكَانَ» .

هديّة :ليس في بعض النسخ : «غيره» كما في الجواب . قيل : يعني فأين كان فيما سبق ، وأين يكون الآن وفيما يأتي ، وقيل : «كان» كلمة ربط . 3 وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فأين كان يكون؟» «كان» زائدة . (3) «أحال فلان» أتى بشيء محال وأيضا قاس مع الفارق ، وكلا المعنيين مناسب .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَنِ البزنطيّ ، (4) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«أَتى حِبْرٌ مِنَ الْأَحْبَارِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَتى كَانَ رَبُّكَ؟ قَالَ : وَيْلَكَ ، إِنَّمَا يُقَالُ : «مَتى كَانَ» لِمَا لَمْ يَكُنْ ، فَأَمَّا مَا كَانَ ، فَلَا يُقَالُ : «مَتى كَانَ» ، كَانَ قَبْلَ الْقَبْلِ بِلَا قَبْلٍ ، وَبَعْدَ الْبَعْدِ بِلَا بَعْدٍ ، وَلَا مُنْتَهى غَايَةٍ لِتَنْتَهِيَ غَايَتُهُ . فَقَالَ لَهُ : أَنَبِيٌّ أَنْتَ؟ فَقَالَ : لِأُمِّكَ الْهَبَلُ ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله » .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن محمّد رفعه» .
2- . في الكافي المطبوع - «غيره» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 305 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن ابن أبي نصر».

ص: 94

هديّة :(فأمّا ما كان) أي أزلاً وأبدا . (ولا منتهى غاية لتنتهي غايته) أي ليكون محدودا . لا ينافي ما سبق آنفا من قوله : «وهو منتهى كلّ غاية» لما مرّ من أنّ المعنى : وهو غير كلّ غاية أو فوق كلّ غاية . و(الهبل) بالمفردة والتحريك : مصدر قولك : هبلته اُمّه ، أي ثكلته وفقدته .

.

ص: 95

باب النسبة

الباب السابع : بَابُ النِّسْبَةِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالُوا : انْسِبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَلَبِثَ ثَلَاثا لَا يُجِيبُهُمْ ، ثُمَّ نَزَلَتْ : «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» إِلى آخِرِهَا» .

هديّة :«النسبة» بالضمّ والكسر : مصدر نسبه ، كنصر وضرب . قال الفاضل الإسترابادي : أي فيه بيان النسبة بالسلبيّة بين اللّه وبين الممكنات . (2) كانت اليهود قائلين بأكثر اُصول الفلاسفة من إيجاب الواجب ، وقِدَم العالَم ، ونسبة غير الجوهر الأوّل إلى الواجب بالواسطة ، كنسبة ولد الولد إلى الجدّ ؛ توهّما منهم أنّ نسبة الولد إلى الأب إنّما هي بظهوره منه ؛ «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» . (3) قال السيّد الأجلّ النائيني : أي اذكر لنا نسب ربّك ، أو نسبته إلى ما سواه ، و«النسب» محرّكة و«النسبة» بالضمّ والتحريك 4 : القرابة ، أو في الآباء خاصّة . وقد يطلق النسبة على حالِ شيء بالقياس إلى غيره . (4) (ثلاثا) أي ثلاث ساعات انتظارا لنزول القرآن في ذلك لمصالح . والصدوق أورد هذا الحديث في كتاب التوحيد وزاد في آخره : فقلت له : ما الصمد؟ فقال : «الذي ليس بمجوّف» . (5) وروى فيه أيضا عن الربيع بن مسلم، قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام وسئل عن «الصّمد ، فقال : «الصمد الذي لا جوف له» . (6) فقيل : هذا تفسيره لغةً . و«اللّه صمد» بالمعاني التي ستذكر إن شاء اللّه تعالى . ونقل بعض المعاصرين عن اُستاذه صدر الدِّين محمّد الشيرازي نزيل قم إنّه قال : لمّا كان الممكن وجوده أمرا زائدا على أصل ذاته ، وباطنه العدم واللّا شيء ، فهو يشبه الأجوف كالحُقّة الخالية عن شيء ، وأمّا الذي ذاته الوجوب والوجود من غير شائبة عدمٍ وفُرجة خلل فيستعار له الصمد . (7) أقول : ظاهر هذا الحديث : أنّ «هو» في «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» (8) ل «ربّي» والسؤال «انسب لنا ربّك» . والمشهور أنّه ضمير الشأن .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي أيّوب» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 111 .
3- . المائدة (5) : 64 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 306 .
5- . التوحيد ، ص 93 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 8 .
6- . التوحيد ، ص 93 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 7 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 363 _ 364 .
8- . الإخلاص (112) : 4 .

ص: 96

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عن السرّاد ، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو النَّصِيبِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتهُ (2) عَنْ «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» فَقَالَ :«نِسْبَةُ اللّه ِ إِلى خَلْقِهِ أَحَدا ، صَمَدا ، أَزَلِيّا ، صَمَدِيّا ، لَا ظِلَّ لَهُ يُمْسِكُهُ ، وَهُوَ يُمْسِكُ الْأَشْيَاءَ بِأَظِلَّتِهَا ، عَارِفٌ بِالْمَجْهُولِ ، مَعْرُوفٌ عِنْدَ كُلِّ جَاهِلٍ ، فَرْدَانِيّا ، لَا خَلْقُهُ فِيهِ ، وَلَا هُوَ فِي خَلْقِهِ ، غَيْرُ مَحْسُوسٍ وَلَا مَجْسُوسٍ ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، عَلَا فَقَرُبَ ، وَدَنَا فَبَعُدَ ، وَعُصِيَ فَغَفَرَ ، وَأُطِيعَ فَشَكَرَ ، لَا تَحْوِيهِ أَرْضُهُ ، وَلَا تُقِلُّهُ سَمَاوَاتُهُ ، حَامِلُ الْأَشْيَاءِ بِقُدْرَتِهِ ، دَيْمُومِيٌّ ، أَزَلِيٌّ ، لَا يَنْسى وَلَا يَلْهُو ، وَلَا يَغْلَطُ وَلَا يَلْعَبُ ، وَلَا لِاءِرَادَتِهِ فَصْلٌ ، وَفَصْلُهُ جَزَاءٌ ، وَأَمْرُهُ وَاقِعٌ «لَمْ يَلِدْ» فَيُورَثَ «وَلَمْ يُولَدْ» فَيُشَارَكَ ، «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» » .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب» .
2- . في الكافي المطبوع : «سألت أبا عبداللّه »، وفي «الف»: سألته أبا عبد اللّه عليه السلام » بدل «سألته» .

ص: 97

هديّة :«نصيبين» بفتح النون : بلدةٌ ، والنسبة «نصيبي» بإسقاط النون ، و«نصيبيني» بإثباتها ، والأوّل أكثر . قال السيّد الأجلّ النائيني : والأحد ما لا ينقسم أصلاً لا وجودا ولا عقلاً ولا وهما ، لا إلى أجزاء ولا إلى ماهيّة وذاتيّة (1) مغايرة لها ، ولا إلى جهة قابليّة وجهة فعليّة . (2) ونصب (أحدا صمدا) على التميز للنسبة ، و(أزليّا صمديّا) على النعت للصّمد ، وياء النسبة للمبالغة ، كالأحمري ، أو نصب الكلّ على المدح . وممّا رواه الصدوق ، عن أبي البختري وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام أنّه قال : «الصمد الذي لا جوف له ، والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصّمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصّمد الذي لا ينام ، والصّمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال» . وقال الباقر عليه السلام : «كان محمّد بن الحنفيّة يقول : الصّمد القائم بنفسه الغنيّ عن غيره . وقال غيره : الصمد: المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير» . وقال الباقر عليه السلام : «الصمد السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه» . قال : وسئل عليّ بن الحسين عليهماالسلام عن الصمد ، فقال : «الصمد الذي لا شريك له ، ولا يؤده حفظ شيء ، ولا يعزب عنه شيء» . (3) وقال زيد بن عليّ : الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له : كُن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالاً وأرواحا ، (4) وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ . (5) قال وهب بن وهب القرشي : وحدّثني الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه عليهم السلام : «إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام يسألونه عن الصمد ، فكتب إليهم : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد، فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، قد سمعت جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : مَن قال في القرآن بغير علمٍ فليتبوّأ مقعده من النار ، وأنّ اللّه سبحانه قد فسّر الصّمد فقال : «اللّه ُ أحد * اللّه الصمد» ، ثمّ فسّره فقال : «لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ * وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ» «لم يلد» لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا تتشعّب منه البدوات كالسِنَةِ والنوم والخطرة والوهم (6) والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والسأمة والجوع والشبع . تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف . «ولم يولد» لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء ، كما يخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها ، كالشيء من الشيء ، والدابّة من الدابّة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار ؛ ولا كما يخرج الأشياء اللّطيفة من مراكزها ، كالبصر من العين ، والسمع من الاُذن ، والشمّ من الأنف ، والذوق من الفمّ ، والكلام من اللِّسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو اللّه الصّمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ، مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم اللّه الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحد . (7) قل للصّوفي القدري : أرأيت معجزة أقصم لظهوركم من سورة نسبة الربّ تعالى شأنه ، فلولا البغض والعناد ليقول «وَ لَ_كِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَ_فِرِينَ» . (8) (لا ظلّ له يمسكه) أي لا حافظ عليه ممّا سواه . قال برهان الفضلاء : «الظلّ» يُقال لمن ألقى مظلّة على شيء قصد حفظه عن التلف ليترتّب عليه أثره ، كصاحب البستان على الفواكه ، فإن كان قصده خيرا يسمّى باليمين ، وإلّا بالشمال ، واللّه تبارك وتعالى يقرّر ظلالاً من خلقه على سائر خلقه ، فظلّ رحمة يقوم بأمره موافقا لرضاه وآخر على خلافه ، قال اللّه تعالى في سورة النحل : «يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدا للّه ِِ وَهُمْ دَاخِرُونَ» (9) ؛ إفراد اليمين ؛ لندرته ، وجمع الشمال ؛ لكثرته. فلان في ظلّ فلان : في كنفه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : لا ظلّ له ؛ أي لاكِنَّ له . (10) و«الكنّ» بالكسر والتشديد : وقاء كلّ شيء وستره ، كالكنّة والكنان بكسرهما ، والجمع : أكنان وأكنّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : الظلّ من كلّ شيء شخصه أو وقاؤه وستره ؛ أي لا شخص له ولا شبح له يمسكه ، كالبدن للنفس ، والفرد المادّي للحقيقة ، أو لا واقي له يقيه . «وهو يمسك الأشياء بأظلّتها» أي بأشخاصها وأشباحها ، أو بوقاياتها . وفيه تنبيه على أنّ صمديّته تعالى ليس بكونه مصمتا (11) لا تجويف له كما للأجسام ، بل بكونه جامعا في ذاته بمبادئ كلّ الكمالات والخيرات ، ولا يكون فيه قابليّة لشيء هو يفقده . (12) وقال بعض المعاصرين : أي لا مادّة له ، وقيل : أي لا جسم له . وفي حديث ابن عبّاس : الكافر يسجد لغير اللّه وظلّه يسجد للّه ؛ أي جسمه ، ويُقال للجسم الظلّ ؛ لأنّه عنه . وقيل : لأنّه ظلّ الروح ؛ لأنّه ظلمانيّ والروح نوراني وهو تابع له يتحرّك بحركته النفسانيّة ويسكن بسكونه النفساني . (13) أقول : «وظلّه» في حديث ابن عبّاس، يعني صنمه الذي اعتقد أنّه حافظه وحاميه . (عارف بالمجهول) أي لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ؛ (14) فإنّ نسبة علمه تعالى إلى الظواهر والخفايا نسبة كونه محيطا بكلّ شيء . (معروف عند كلّ جاهل) بشواهد الربوبيّة ، وبفطرة اللّه التي فطر الناس عليها . (15) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «معروف عند كلّ جاهل» بأنّه فردانيّ «لا خلقه فيه ولا هو في خلقه» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي ظاهر غاية الظهور حتّى أنّ ما من شأنه أن يخفى عليه الأشياء ويكون جاهلاً بها هو معروف عنده غير مخفيّ عليه ؛ لأنّ مناط معرفته مقدّمات ضروريّة ، ومعرفته بسلب صفات الأشياء عنه تعالى ونفي شبهها ، فمن جهل الأشياء ، وعرفه بأنّه منفيّ عنه صفات الممكن وشبهها ، كان عارفا به غاية العرفان ؛ حيث لا سبيل إلى معرفة حقيقته إلّا بسلب شبه الممكنات عنه ، ولا ينافيها الجهل بماهيّات الممكنات وأوصافها المخصوصة بها . (16) (فردانيّا) نسبة إلى الفرد بزوائد النسبة للمبالغة . نصب على الحال . و«المجسوس» بالجسم الممسوس . (علا فقرب ، ودنا فبعد) لهاتين الفقرتين تفسيرات : منها : أنّه تعالى علا جميع ما سواه ، فبشواهد ربوبيّته معروف عند كلّ جاهل ؛ ودنا بقطع الجميع على وجوده وقدرته وعلمه وصنعه وتنزّهه عن صفات المخلوقات ، فبعُد عن العقول والأوهام بكنهه وحقيقته . وقال برهان الفضلاء : يعني علا عند الذين علموا أنّ العلم بأسمائه وصفاته وأحكامه لا يمكن بدون توسّط الوحي والحجّة المعصوم ، فقرُب منهم ودنا ، أي انحطّت مرتبته عند من حكم في أسمائه وصفاته وأحكامه من عند نفسه فبعُد عنهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «علا فقرب ، ودنا فبعُد» أي علم بأعلى مراتب الماهيّات في الوجود «فقرب» منها ؛ لمعرفتها به بحسب تلك المراتب ، وذلك الإيجاد والماهيّات (17) بحسب مرتبتها بالعقل كما قال الفيلسوف : العقل هو الأشياء كلّها . «ودنا» أي علم بمرتبتها الدّنيا التي هي بحسب مادّيتها وجسمانيّتها ، «فبعُد» عنها؛ لعدم معرفتها بحسب تلك المرتبة . (18) وقال الفاضل الإسترابادي : أي علا عن مشابهة (19) الممكنات ، وكان كاملاً من جميع الجهات ، فلأجل ذلك قرب إليها من حيث العلم بها ، ودنا من حيث العلم بها ، فبُعد عنها من حيث الذات . (20) (فشكر) أي فرضي وجزى . (لا تحويه أرضه) أي لا يحيطه أهل أرضه بالأوهام . (ولا تقلّه) على المعلوم من الإفعال ، أقلّه : رفعه على كتفه للحمل وأطاق حمله . أي ولا تطيق حمل جلالته أهل سماواته ولا سمواته. «غلط فيه» كعلم ، وكذا «لعب» . (ولا لإرادته فصل) ناظر إلى قوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» . (21) (وفصله جزاء) أي حكمه بالعدل جزاء الأعمال . (وأمره واقع) أي أمر السّاعة كلمح بالبصر ، (22) وحشر جميع الأجساد من الأوّلين والآخرين . (لم يلد فيورث) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل ؛ أي فيورث ولده سلطنته . (ولم يولد فيشارك) والده في السلطنة «قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ» . (23) (ولم يكن له كفوا أحد) جامع لجميع ما عرفت في بيان النسبة .

.


1- . في المصد : «إنّيّة» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، 307 .
3- . التوحيد ، ص 90 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 3 ؛ معاني الأخبار ، ص 7 ، باب معنى الصمد ، ح 3 .
4- . في المصدر : «أزواجا» .
5- . التوحيد ، ص 90 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 4 ؛ معاني الأخبار ، ص 7 ، باب معنى الصمد ، ح 3 .
6- . في المصدر : «الهمّ» .
7- . التوحيد ، ص 90 _ 91 ، باب تفسير قل هو اللّه أحد ، ح 5 .
8- . الزمر (39) : 71 .
9- . النحل (16) : 48 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 111 .
11- . في المصدر : «تنبيه على أنّه ليس صمديّته بكونه مصمتا» .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 309 .
13- . الوافي ، ج 1 ، ص 364 . وليس في المصدر : «أي لا مادّة له . وقيل» .
14- . إشارة إلى آية 5 من آل عمران (3) .
15- . إشارة إلى آية 30 من الروم (30) .
16- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 309 _ 310 .
17- . في المصدر : «وذلك لاتّحاد الماهيّات» .
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 310 _ 311 .
19- . في المصدر : «مشاهدة» .
20- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 111 .
21- . يس (36) : 82 .
22- . إشارة إلى آية 77 من النحل (16) .
23- . الزخرف (43) : 81 .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنِ النَّضْرِ ، (1) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، (2) قَالَ : سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ تبارك وتعالى _ عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ مُتَعَمِّقُونَ ؛ فَأَنْزَلَ اللّه ُ «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» وَالْايَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ إِلى قَوْلِهِ : «وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» فَمَنْ رَامَ وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَقَدْ هَلَكَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن سعيد ، عن النضر بن سُوَيد» .
2- . في الكافي المطبوع: + «قال».

ص: 103

هديّة :(متعمّقون) أي متفكّرون جدّا في درك حقيقة الأشياء سيّما حقيقة الربّ تعالى بالاستدلالات القياسيّة الشيطانيّة والانكشافات الرياضيّة النفسانيّة ، كالصوفيّة والقدريّة القائلين بوحدة الوجود وتنزّلاته وتشكّلاته ، وغير ذلك من المزخرفات الكفرانيّة . ومن مقالاتهم المزخرفة : إنّ كمال التوحيد حصر السجود له وإن كان هو الأمر بسجود غيره ، وبذلك لقّب عندهم اللّعين برئيس الموحِّدين ، وكالفلاسفة المتفكّرين في أنّ علمه تعالى حضوريّ أو حصوليّ ، إجماليّ أو تفصيليّ ، فِعلي علّة للمعلوم ، أو انفعالي تابع للمعلوم . والآيات من سورة الحديد : «بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ للّه ِِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْىِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللّه ُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللّه ِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» . (1) «ذو» بمعنى الصاحب ، تأنيثه «الذات»، وفسّرت «ذات الصدور» بالأفكار والضمائر والوساوس ، وكلّ ما خطر في الخاطر . قال برهان الفضلاء : الظاهر من تفسير عليّ بن إبراهيم أنّ «جوامع الكلم» في حديث النبيّ صلى الله عليه و آله حيث قال : «واُوتيت جوامع الكلم» عبارة عن هذه الآيات السبع . (2) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» دلالة على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشخاص والأمكنة ، فلا يعزب عنه سبحانه شيء منها . «فمن رامَ وراء ذلك» أي قصد خلافه ووصفه بخلاف ما أتى به سبحانه كمَن وصفه بالجسم ، أو بالشكل والصورة ، أو بالصّفات الزائدة ، أو بالإيلاد ، أو بالشريك ، أو بالجهل بشيء ، أو بإيجاد غيره ، أو نفي قدرته عن شيء «فقد هلك» وضلّ عن سواء الطريق ، واُحيط بجهنّم وهو بها حقيق . (3) قال الفاضل الإسترابادي : «علم أنّه يكون في آخر الزمان» نهيٌ عن التعمّق في أدلّة التوحيد . ثمّ قال : «والآيات من سورة الحديد» كأنّها من أوّل السورة . (4) وقال بعض المعاصرين : أشار بالمتعمّقين إلى أكابر أهل المعرفة . ولعمري إنّ في سورتي التوحيد والحديد ما لا يدرك غوره إلّا الأوحديّ الفريد ، ولا سيّما الآيات الاُول من سورة الحديد، وخصوصا قوله تعالى : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ» . (5) انتهى .

.


1- . الحديد (57) : 1 _ 6 .
2- . تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 351 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 314 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 112 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 369 .

ص: 104

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، 1 عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ :«كُلُّ مَنْ قَرَأَ «قُلْ هُوَ اللّه ُ أَحَدٌ» وَآمَنَ بِهَا ، فَقَدْ عَرَفَ التَّوْحِيدَ» . قُلْتُ : كَيْفَ يَقْرَؤُهَا؟ قَالَ : «كَمَا يَقْرَؤُهَا النَّاسُ ، وَزَادَ فِيها : ذلِكَ اللّه ُ رَبِّي» . (1)

هديّة :(وآمن بها) أي على ما فسّرها الحجّة المعصوم القيّم العاقل عن اللّه . (وزاد فيها) أي فقرأها وزاد فيها ، وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وزاد فيه» أي في الجواب . وكذلك اللّه ربّي» مرّتين مكان «ذلك اللّه ربّي مرّة» قال : «وزاد» بلفظ الماضي إشارة إلى أنّها داخلة في الإيمان بها لا فيها .

.


1- . في الكافي المطبوع : «وزاد فيه : كذلك اللّه ربّي ، كذلك اللّه ربّي» .

ص: 105

. .

ص: 106

باب النهي عن الكلام في الكيفيّة

الباب الثامن : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْكَيْفِيَّةِوأحاديثه كما في الكافي عشرة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«تَكَلَّمُوا فِي خَلْقِ اللّه ِ ، وَلَا تَتَكَلَّمُوا فِي اللّه ِ ؛ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اللّه ِ لَا يَزْدَادُ صَاحِبَهُ إِلَا تَحَيُّرا» . وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى ، عَنْ حَرِيزٍ : «تَكَلَّمُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا تَتَكَلَّمُوا فِي ذَاتِ اللّه ِ» .

هديّة :(في الكيفيّة) في العنوان ؛ أي في خصوص الذات . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «في الكيفيّة» أي الماهيّة . (2) وقال السيّد النائيني : يعني في حقيقة الذات إلّا بسلب التشابه والتشارك بينه وبين ما سواه . (في خلق اللّه ) أي في مخلوقاته وآلائه وآثار قدرته وآياته . (في اللّه ) أي في ذات اللّه وحقيقته وكنهه سبحانه . (إلّا تحيّرا)؛ لاستحالة إدراك الكنه ، فالنهي نهي عن طلب المحال المؤدّي إلى الهلاك . (وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام . وفي توحيد الصدوق رحمه الله عن عليّ بن رئاب ، عن ضريس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «اذكروا من عظمة اللّه ما شئتم ، ولا تذكروا ذاته، فإنّكم لا تذكرون منه إلّا وهو أعظم منه» . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 112 .
3- . التوحيد ، ص 445 ، باب النهي عن الكلام والجدال و ... ، ح 3 .

ص: 107

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ المُنْتَهى» فَإِذَا انْتَهَى الْكَلَامُ إِلَى اللّه ِ ، فَأَمْسِكُوا» .

هديّة :الآية في سورة النجم ، (2) و«الفاء» للتفسير . (إلى اللّه ) أي إلى ذات اللّه وحقيقته . ليس لأحد بحث عن أنّ حقيقة الوجود ما هي ، أو حقيقة الضوء ما هي ، أو حقيقة الظلّ ونحوها ، بل المباحثة في أنّ الاتّصاف بالوجود في كلّ نوع من الموجود على أيّ نحوٍ من الأنحاء . فبشّر القدريّ _ المصرّح بأنّ حقيقة الربّ ما هي ، وأنّ ما سوى اللّه تعيّنات وشؤون وأشكال _ بعذابٍ أليم بالخلود في الجحيم .

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الخزّاز ، (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ النَّاسَ لَا يَزَالُ بِهِمُ الْمَنْطِقُ حَتّى يَتَكَلَّمُوا فِي اللّه ِ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ ذلِكَ ، فَقُولُوا : لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج» .
2- . النجم (53) : 42 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب» .

ص: 108

هديّة :في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «لهم» باللّام مكان (بهم) بالمفردة . و(المنطق) من المصادر الميميّة أيضا . قال برهان الفضلاء : يعني فقولوا ردّا على الذين يخوضون في كيفيّة الذات _ كالصوفيّة _ : هذه الكلمات الصريحة في أنّه سبحانه لا يعرف بكنهه باسمٍ ؛ إذ «ليس كمثله شيء» في اسمٍ غير مشتقّ ، يعنى لا صورة له تعالى في ذهن تكون عينه ، وقد سبق أنّ كلّ اسم جامد عين مسمّاه وأن جميع أسماء اللّه تعالى غير المسمّى ومباينه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : في بعض النسخ : «بهم» مكان «لهم» أي يجوز لهم ، أو معهم الكلام وآخر الحديث بالباء أنسب . (1) (فقولوا) يعني فاقتصروا على التوحيد ونفي الشريك ؛ إذ لا يجوز الكلام في معرفته إلّا بسلب التشابه والتشارك بينه وبين غيره .

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، (2) قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«يَا زِيَادُ ، إِيَّاكَ وَالْخُصُومَاتِ ؛ فَإِنَّهَا تُورِثُ الشَّكَّ ، وَتُحْبِطُ الْعَمَلَ ، وَتُرْدِي صَاحِبَهَا ، وَعَسى أَنْ يَتَكَلَّمَ في الشَّيْءِ (3) ، فَلَا يُغْفَرَ لَهُ ؛ إِنَّهُ كَانَ فِيمَا مَضى قَوْمٌ تَرَكُوا عِلْمَ مَا وُكِّلُوا بِهِ ، وَطَلَبُوا عِلْمَ مَا كُفُوهُ ، حَتّى انْتَهى كَلَامُهُمْ إِلَى اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَتَحَيَّرُوا ، حَتّى أَنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُدْعى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ ، وَيُدْعى مِنْ خَلْفِهِ ، فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى : «حَتّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 316 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبيدة الحذّاء».
3- . في الكافي المطبوع : «بالشيء» .

ص: 109

هديّة :(إيّاك والخصومات) أي المباحثات مع الذين ينكرون دينكم . وفي الحديث _ كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى في الباب الخامس والثلاثين _ : «ولا تخاصموا الناس لدينكم» . 1 «أردأه» بالهمزة : أهلكه . ويقرء مثل تردي بالهمزة وبدونها . (ما وكلوا به) على المجهول من الكلة بمعنى الحوالة ، أو التوكيل . فعلى الأوّل إمّا من باب القلب ، أو لا حاجة إليه . «وكلّ باللّه » كوعد ، وتوكّل وأوكل واتّكل : استسلم وفوّض إليه الأمر . «ما كفّوه» على المجهول أيضا من الكفّ ، أي مُنِعوه . قال السيّد الأجلّ النائيني : «وكّلوا به» على المجهول من التوكيل ؛ أي أمروا بتحصيله واُقدروا عليه . و«كفوا» من الكفاية . (1) وضبط برهان الفضلاء : «ما كفوه» من باب رمى من الكفاية . قال : يعني علم ما هم معذورون في تركه . الجوهري : مَنعتُ الرجل عن الشيء فامتنع منه ، ومانعته الشيء . (2) فالظاهر جواز «كفّوه» بالتشديد من الكفّ على تضمين معنى الممانعة بمعنى المنع ، فجائز تعدّيه بلا واسطة ، ويمكن على الحذف والإيصال أيضا . وضبط بعض المعاصرين كبرهان الفضلاء وقال : يعني ما كفاهم اللّه مؤونته . (3) (إن كان) بكسر الهمزة مخفّفة عن المثقّلة بحذف ضمير الشّأن . (وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام . (تاهو) : تحيّروا . ألم تر أنّ الصوفيّة القدريّة من بهتهم ودهشتهم يحسبون أنّ زوال العقل كمال ، والمجانين من الواصلين ، والجنون مقدّم في الحديث والدّعاء على الجذام والبرص ؛ (4) لأنّه شرّ منهما .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 317 . وليس فيه : «وكفوا ، من الكفاية» .
2- . الصحاح ، ج 3 ، ص 1287 (منع) .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 373 .
4- . ليس أمرا كلّيّا ، راجع على سبيل المثال : الكافي ، ج 2 ، ص 531 ، باب القول عند الإصباح والإمساء ، ح 25 و 26 و 28 .

ص: 110

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَنْ نَظَرَ فِي اللّه ِ : كَيْفَ هُوَ ، هَلَكَ» .

هديّة :ماحَ يميحُ ميحا : جاد وتبختر ونزل البئر فملأ الدّلو فهو مائح . والمبالغة : ميّاح . (من نظر في اللّه ) : من تفكّر في حقيقة الذات (هلك) فضلاً عمّن قطع _ كالقدري _ بأنّه لا إنيّة .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ مَلِكا عَظِيمَ الشَّأْنِ كَانَ فِي مَجْلِسٍ لَهُ ، فَتَنَاوَلَ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَفُقِدَ ، فَمَا يُدْرى أَيْنَ هُوَ» .

هديّة :(فما يدرى) على المجهول ؛ أي إلى القيامة . والفعلان على المعلوم . يعني ففقد نفسه من تخبّطه من المسّ ، (3) فما يدري أين هو أبدا ؛ فإنّ إبليس تسلّطه بحسب عِظَم الذنب والخطأ وصِغَره . وقال الفاضل الإسترابادي : أي فلم يوجد . وقد يستعمل «لا» مكان «لم» وبالعكس ، وقيل : الظاهر : «فما دُرِي» . وقرأ برهان الفضلاء : «مَلَكا» بفتح اللام . و«فقد» على المعلوم . وكذا «فما يدرى» . قال : يعني فتفكّر ذلك المَلَك في ذات الربّ فلم يجد ما هي فما يدري ذلك الملك أبدا أين هو . والغرض أنّ محاليّة درك الذات والكنه ليست مختصّة بالبشر . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي ملكا من الملوك عظيم الشأن «كان في مجلسه ، فتناول الربّ تعالى» وتكلّم في حقيقته ، أو حقيقة صفاته الحقيقيّة «ففقد» وصار مفقودا عن مجلسه، «فما يدرى أين هو» أو فقد ما كان واجدا له ، فما يدري أين هو ؛ لحيرته . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابه» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة بن أعين» .
3- . إشارة إلى آية 275 من البقرة (2) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 318 .

ص: 111

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عَنِ الْعَلَاءِ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي اللّه ِ ، وَلكِنْ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلى عَظَمَتِهِ ، فَانْظُرُوا إِلى عَظِيمِ خَلْقِهِ» .

هديّة :(في اللّه ) أي في حقيقته . قال برهان الفضلاء : أي في عظمة ذاته بصورة اسم غير مشتقّ . (إلى عظيم خلقه) قيل : هو السماء ، وقيل : هو الإنسان ، وقيل : هو الحجّة المعصوم ، والكلّ صحيح وعظيم ، والأخير أعظم من كلّ مخلوق عظيم . في بعض النسخ : «في عظمته» . وفي آخر : «إلى عظم خلقه» كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن العلاء بن رزين» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 318 .

ص: 112

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«ابْنَ (1) آدَمَ ، لَوْ أَكَلَ قَلْبَكَ طَائِرٌ ، لَمْ يُشْبِعْهُ ، وَبَصَرُكَ لَوْ وُضِعَ عَلَيْهِ خَرْتُ (2) إِبْرَةٍ ، لَغَطَّاهُ ، تُرِيدُ أَنْ تَعْرِفَ بِهِمَا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ إِنْ كُنْتَ صَادِقا ، فَهذِهِ الشَّمْسُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ ، فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تَمْلَأَ عَيْنَيْكَ مِنْهَا ، فَهُوَ كَمَا تَقُولُ» .

هديّة :في بعض النسخ : «ياابن آدم» بإظهار حرف النداء . و«الخرت» بضمّ المعجمة وسكون المهملة والمثنّاة الفوقيّة : الثقب في الاُذن والإبرة وغيرهما . و«الإبرة» بكسر الهمزة وسكون المفردة . و«الملكة» : عظمة السلطنة والشأن . في بعض النسخ : «عينك» بالإفراد . أنت خبير بأنّ مقدار جرم الشمس _ وهو في الأنظار قدر شبر _ ثلاثمائة وستّون ضِعفا لمقدار مجموع كرة الأرض ونصف ثمنها تقريبا سبعة أقاليم ، فانظر إلى السماء الدنيا وهي في جيب سائر السماوات كحلقة في فلاة أنّها تسع عدّة من الشمس لو تعدّدت ، ونِعْمَ ما قيل : كما يعتري العين الظاهرة عند التحدّق في جرم الشمس عَمَش يُثبّطه عن تمام الإبصار ، فكذلك يعتري العين الباطنة عند التعمّق في شأن حججه تعالى دَهَش يُكْمِه عن اكتناه أوّل درجة من درجات أنوارهم . (3) «العمش» محرّكة : ضعف البصر بسيلان دمعها غالبا . «ثبّطه عن الأمر» : شغله عنه . و«الدهش» محرّكة : الحيرة ، فهو كما تقول . (4) قال برهان الفضلاء : ادّعت الصوفيّة أنّ أهل القلب يصلون أوّلاً قبل مقام الوصول والاتّحاد إلى مقام مشاهدة ذات اللّه ، وصحّت عند الأشاعرة الرؤية بالإمكان في الدنيا والوقوع في الآخرة ، وهذا الحديث ردّ على كفرهما . وقال بعض المعاصرين : الخطاب في هذا الحديث خاصّ بمن لا يتجاوز درجة الحسّ والمحسوس ، فأمّا من جاوزها منهم وبلغ إلى درجة العقل والمعقول وهم أصحاب القلوب الملكوتيّة ، فلهم أن يعرفوا بقلوبهم ملكوت السماوات والأرض ، فلذا حثّ اللّه تعالى في غير موضع من كتابه على النظر في الملكوت ، قال اللّه تعالى : «أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِى مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» (5) ، وقال : «وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» (6) . (7) أقول : بل الخطاب في هذا الحديث خطاب من الحجّة المعصوم المحصور عدده في حكمة اللّه تعالى إلى غير المعصوم . والمعنى تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض كما هي . والحثّ على النظر فيهما إنّما هو على قدر المقدرة للاستدلال بالآثار الظاهرة والآيات الباهرة .

.


1- . في الكافي المطبوع : «يا ابن» .
2- . في الكافي المطبوع و حاشية «ب» و «ج» : «خرق» .
3- . هذا الكلام اُخذ من الوافي ، ج 1 ، ص 376 ، وفيه : «قيل : «كما يعترى العين الظاهرة التي هي بصر الجسد عند التحدّق في جرم الشمس عمش يثبطه عن تمام الإبصار ، فكذلك يعتري العين الباطنة التي هي بصر العقل عند إداراك البارئ القدّوس تعالى دهش يكمهه عن اكتناه ذاته سبحانه» .
4- . كذا في الأصل، والظاهر أنّ فيها سقطا.
5- . الأعراف (7) : 185 .
6- . الأنعام (6) : 75 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 374 .

ص: 113

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ الْبَعْقُوبِيِّ ، (2) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى مَوْلى آلِ سَامٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ يَهُودِيّا يُقَالُ لَهُ :«سُبُّخْت» (3) جَاءَ إِلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللّه ِ ، جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ رَبِّكَ ، فَإِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ ، وَإِلَا رَجَعْتُ . قَالَ : سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، قَالَ : (4) أَيْنَ رَبُّكَ؟ قَالَ : فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَكَانِ الْمَحْدُودِ ، قَالَ : وَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ : وَكَيْفَ أَصِفُ رَبِّي بِالْكَيْفِ وَالْكَيْفُ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ لَا يُوصَفُ بِخَلْقِهِ؟ قَالَ : فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّكَ نَبِيُّ؟ (5) » ، قَالَ : «فَمَا بَقِيَ حَوْلَهُ حَجَرٌ وَلَا غَيْرُ ذلِكَ إِلَا تَكَلَّمَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ : يَا سُبُّخَتُ ، إِنَّهُ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله . فَقَالَ سُبُّخْت : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ أَمْرا أَبْيَنَ مِنْ هذَا ، ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّه ِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع: «البعقوبي» بالباء. قاله في حاشيته: «اليعقوبي هنا بالمثنّاة على ما في أكثر النسخ، والصحيح بالموحّدة نسبة إلى بعقوبة، وهي قصبة على ساحل نهر ديالى ببغداد».
3- . في الكافي المطبوع : «سُبِحَتْ» .
4- . في الكافي المطبوع : «قال : هو» .
5- . في الكافي المطبوع : + «اللّه » .

ص: 114

هديّة :صحّ في الإيضاح «اليعقوبي» بالخاتمة أوّلاً والمفردة آخرا ، (1) وأورده الفاضل الفريد الملقّب بعد الصدوق برئيس المحدّثين، ميرزا محمّد الإسترابادي نزيل مكّة المعظّمة رحمه الله في رجاله أيضا في حرف الخاتمة . (2) وقال الشهيد الثاني زين الدِّين العاملي قدس سرهبخطّه : «البعقوبي» بالمفردة أوّلاً وآخرا نسبةً إلى بعقوبة قرية من قرى بغداد ، واسمه داود بن عليّ الهاشمي ثقة . (3) و(سبّخت) ضبطه برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى بضمّ السين المهملة والمفردة المضمومة المشدّدة وسكون الخاء المعجمة وضمّ المثنّاة الفوقانيّة لمنع صرفه بالعجمة . القاموس : سبّخت بضمّ السين والباء المشدّدة لقب أبي عبيدة . (4) (وإلّا رجعت) على المتكلّم وحده . وقرأ برهان الفضلاء على الخطاب ، يعني عن دعوى النبوّة . (قال : هو في كلّ مكان) أي بالإحاطة العلميّة . قال السيّد الأجلّ النائيني : أي هو حاضر في كلّ مكان بالحضور العلمي ، وليس بحاضر في شيء من الأمكنة كائن فيه بالحضور والكون الأيني والوضعي ؛ فإنّ القرب والحضور على قسمين : قرب المفارقات والمجرّدات وحضورها بالإحاطة العلميّة بالأشياء ، وقرب المقارنات وذوات الأوضاع وحضورها بالحصول الأيني ، والمقارنة الوضعيّة في الأمكنة مع (5) المتمكّنات والمتحيّزات . وحضور الأوّل سبحانه من القسم الأوّل دون الثاني ، والحضور العلمي في شيء لا ينافي الحضور العلمي في آخر؛ فإنّ الإحاطة العلميّة بالأشياء المتباينة (6) بالوضع ، والمتباينة بالحدود معا جائزة ، فهو سبحانه محيط علمه بجميع الأمكنة والأيون ، وحاضر بالحضور العلمي في كلّ منها ، والمقارنة الوضعيّة تختلف بالنسبة إلى ذوات الأوضاع ، والقرب من بعضها يوجب البُعد من بعض ، وحضور البعض يوجب غيبة البعض ، وهو سبحانه منزّه عن هذه المقارنة ، وليس في شيء من المكان المحدود . «بالكيف» أي بصفة زائدة على ذاته تعالى ، وكلّ ما هو غير ذاته (7) فهو مخلوق ، واللّه لا يوصف بخلقه . (8) واحتمل برهان الفضلاء : «بخلقة» كفطرة . (فمن أين يعلم) يحتمل الغائب المجهول والمتكلّم مع الغير . وفي بعض النسخ : «فمن أين نعرف (9) أنّك نبيّ اللّه » مكان «يعلم» وظهور لفظة الجلالة . (أمرا) بدل (كاليوم) . واحتمل برهان الفضلاء كونه مفعولاً لفعل محذوف مقدّر فيه الاستفهام الإنكاريّ ؛ أي اطلب أمرا . وروى الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد في باب السّبخت اليهودي بإسناده عن عبداللّه بن جعفر الأزهري ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه عليهم السلام قال : «قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في بعض خطبه : من الذي حضر سبّخت الفارسي وهو يكلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال القوم ما حضره منّا أحد ، فقال عليّ عليه السلام : لكنّي كنت معه صلى الله عليه و آله وقد جاء سبّخت وكان رجلاً من ملوك فارس وكان ذَرِبا ، فقال له : يا محمّد، إلى ما تدعو؟ قال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، فقال سبّخت : وأين اللّه يا محمّد؟ فقال : هو في كلّ مكانٍ موجود بآياته ، فقال : فكيف هو؟ فقال : لا كيف له ، ولا أين ؛ لأنّه عزّ وجلّ كيّف الكيف وأيّن الأين ، قال : فمن أين جاء؟ قال : لا يُقال له : جاء ، وإنّما يقال : جاء للزائل من مكان إلى مكان وربّنا لا يوصف بمكان ولا بزوال ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال ، فقال : يا محمّد، إنّك لتصف ربّا عظيما بلا كيف ، فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك؟ فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلّا قال مكانه : أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، وقلت أنا أيضا : أشهدُ أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، فقال : يا محمّد مَن هذا؟ قال : هذا خير أهلي ، وأقرب الخلق منّي ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وروحه من روحي ، وهو الوزير منّي في حياتي ، والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، فاسمع له وأطع فإنّه على الحقّ ، ثمّ سمّاه عبداللّه . (10) قوله عليه السلام : «وكان ذربا» كصعق بالمعجمة والمهملة والمفردة ؛ أي منطيقا . و«الذّرب» : الحادّ من كلّ شيء .

.


1- . الإيضاح ، ص 178 ، الرقم 286 .
2- . منهج المقال، ص 400 من الطبعة الحجريّة.
3- . راجع: أعيان الشيعة، ج 2، ص 137.
4- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 149 .
5- . في المصدر : «ومع» .
6- . في المصدر : «المختلفة» .
7- . في المصدر : «وكل ما يغاير ذاته» بدل «وكل ما هو غير ذاته فهو» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 319 _ 320 .
9- . في «الف» : «يعرف» .
10- . التوحيد ، ص 310 ، ح 2 .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

الحديث العاشرروى في الكافي ، عن الثلاثة ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقَصِيرِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصِّفَةِ ، فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ قَالَ :«تَعَالَى الْجَبَّارُ ، تَعَالَى الْجَبَّارُ ، مَنْ تَعَاطى مَا ثَمَّ هَلَكَ» .

هديّة :(عتيك) مصغّرا من عتك يعتك ، كضرب كرّ في القتال ، والفرس : حمل للعضّ ، وعلى يمين فاجرة : أقدم ، والقوسُ احمرّت قِدَما ، فهي عاتك ، واللّبن : اشتدّت حموضته ، والعاتك : الكريم والخالص والصافي من النبيذ وغيره . (2) وله معانٍ اُخر . (من الصفة) أي من كيفيّة الذات ؛ بدليل الجواب ، ومناسبة الباب . (تعاطى) : تناول . في بعض النسخ «ما ثمّة» .

.


1- . يعني ، «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .
2- . راجع: لسان العرب ، ج 10 ، ص 463 (عتك) .

ص: 118

باب في إبطال الرؤية

الباب التاسع : بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِوأحاديثه كما في الكافي ثمانية . وفي وجه أحد عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، (1) عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام أَسْأَلُهُ : كَيْفَ يَعْبُدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ لَا يَرَاهُ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام :«يَا أَبَا يُوسُفَ ، جَلَّ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَالْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَعَلى آبَائِي أَنْ يُرى» . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ : هَلْ رَأى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله رَبَّهُ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَرى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ» .

هديّة :«التوقيع» : ما يوقّع في الكتاب ، وأكثر إطلاقه ما يوقّع السلطان بخطّه في الكتاب . (وهو لا يراه) يعني كيف يَعْبد وهو لا يعرفه معرفةً ممتازةً بامتيازه عن غيره وعدم مشابهته بغيره، وهي لا يحصل إلّا بالرؤية . (والمنعم عليَّ وعلى آبائي) أي بنعمة الولاية ، وهي خير النِعَم بعد النبوّة . (بقلبه) «من» في (من نور عظمته) تبعيضيّة ، أي لم تكن تلك الرؤية بالبصر _ إذ المبصَرْ محدود مخلوق البتّة _ بل بإدراك القلب ، ولم تكن رؤية القلب متعلّقة بالذات بل بنور عظيم مخلوق بعظمته سبحانه ، وفسّر _ كما سيجيء نصّه _ بنور الوصيّ الواجب على اللّه تعالى تعيينه والتنصيص عليه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن عليّ بن أبي القاسم» .

ص: 119

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، قَالَ : سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذلِكَ ، فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْأَحْكَامِ حَتّى بَلَغَ سُؤَالُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ : إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ اللّه َ قَسَمَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلَامَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ ، فَقَسَمَ الْكَلَامَ لِمُوسى ، وَلِمُحَمَّدٍ الرُّؤْيَةَ . فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«فَمَنِ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللّه ِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْاءنْسِ «لَاتُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَ «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ؟ أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وسلم؟» قَالَ : بَلى ، قَالَ : «كَيْفَ يَجِيءُ رَجُلٌ إِلَى الْخَلْقِ جَمِيعا ، فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ ، وَأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللّه ِ بِأَمْرِ اللّه ِ ، فَيَقُولُ : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» ، وَ «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي ، وَأَحَطْتُ بِهِ عِلْما ، وَهُوَ عَلى صُورَةِ الْبَشَرِ؟! أَمَا تَسْتَحُونَ؟ مَا قَدَرَتِ الزَّنَادِقَةُ أَنْ تَرْمِيَهُ بِهذَا أَنْ يَكُونَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللّه ِ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ يَأْتِي بِخِلَافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَإِنَّهُ يَقُولُ : «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى» ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ بَعْدَ هذِهِ الْايَةِ مَا يَدُلُّ عَلى مَا رَأى ؛ حَيْثُ قَالَ : «ماكَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى» يَقُولُ : مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا رَأى ، فَقَالَ : «لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» فَآيَاتُ اللّه ِ غَيْرُ اللّه ِ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ : «وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» فَإِذَا رَأَتْهُ الْأَبْصَارُ ، فَقَدْ أَحَاطَ (2) بِهِ الْعِلْمَ ، وَوَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ» . فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَاتِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ ، كَذَّبْتُهَا ، وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْما ، وَ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» » .

هديّة :(أبو قُرّة) بضمّ القاف . (المحدّث) بكسر الدال المشدّدة . (روينا) على المجهول من الرواية، ويضمّن معنى الإخبار . وقرأ برهان الفضلاء على المجهول من التروية ، يعني من ماءٍ . نقل الحديث لنا عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ اللّه قسم كذا ، وأنّه عليه السلام رأى ربّه في صورة شابّ موفّق ابن ثلاثين . كما سيذكر في الثالث في الباب العاشر . «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» في سورة الأنعام . (3) وفي التفسير لا تدركه أبصار الأفئدة فضلاً عن الأنظار . فالأبصار جمع البصر بمعنى البصيرة ، من غير خلاف في أنّ الأبصار مفسّرة في هذه الآية بالأوهام ، وستعرف في هديّة آخر الباب إن شاء اللّه تعالى . «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» في سورة طه (4) «وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» في سورة الشورى . (5) قال السيّد الأجلّ النائيني : أمّا دلالة «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» فظاهرة . وأمّا دلالة «لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما» فلأنّ الأبصار إحاطة علميّة ، وأمّا دلالة «وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» فلأنّ الإبصار إنّما يكون بصورة للمرئيّ وهي شيء تماثله وتشابهه ، وإلّا لم يكن صورة له . (6) أقول : هذا بناؤه على قاعدة الانطباع فالأولى على الإطلاق أن يقال : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» مفسّر بنفي المشابهة أصلاً ؛ يعني ليس يشبهه شيء من الأشياء في شيء من الأنحاء ، والمبصريّة نحوٌ من الأنحاء المشتركة ، وحده لا شريك له ، لا بحسب الذات ، ولا بحسب الصفات الحقيقيّة . (محمّد صلى الله عليه و آله ) رفع واسم ليس والخبر محذوف . يعني أ ليس محمّد صلى الله عليه و آله المبلِّغ؟ (أما تستحون؟) يقرأ بطريقين : ك «لّا يستحيي» و«لا يستحي» في القرآن . (أن ترميه) أي النبيّ صلى الله عليه و آله ، لثبوت صدقه وأمانته وديانته عند الجاحدين أيضا . (ما كذّب فؤاد محمّد) بحذف المفعول لعلّه تقيّة، وهو : «ما رأى» أي من نور وصيّه صلى الله عليه و آله حالة التعيين . فجملة (ما رأت عيناه) جملة اُخرى منفيّة بدليل ما رواه الصدوق رحمه اللهفي توحيده بإسناده ، عن محمّد بن الفضل، (7) قال : سألت أبا الحسن عليه السلام : هل رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ربّه؟ فقال : نعم بقلبه رآه ؛ أما سمعت أنّه عزّ وجلّ يقول : «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى» (8) لم يره بالبصر ولكن يراه بالفؤاد . (9) وفي بعض النسخ «فآيات اللّه غيره»، وستعرف تفسير سورة والنجم من أحاديثهم عليهم السلام ، وأنّها نزلت في أمر الوصاية والولاية ، «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» فكان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه قرب كماله من كمال رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرب البيتين المتّصلين من قوس واحدة «أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى» (10) فلان وفلان وفلان . أيّتها القدريّة، كيف يجيء رسول من اللّه إلى الخلق جميعا فيقول : كلّ من نطق بكلمة الكفر وأصرّ فهو مرتدّ ، نجس ، واجب القتل ، مخلّد في النار ، فيكون قصده أنّه كذا ظاهرا وفي الحقيقة هو من المقرّبين، بل من الواصلين على خلاف قصده ؟! إنّه من الواصلين إلى النار وبئس المصير ، وقد قال فرعون : «أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى» (11) ، وجُنَيدُكم : ليس في جُبّتي سوى اللّه ! وبسطاميّكم : سبحاني ! وكذا سائر طواغيتكم من الحلّاج ومثله . ومن اُكذوبتكم ومفترياتكم ماذكرتم في كتبكم أنّ حلّاجكم رأى في المنام حصنا حصينا من حديد من الأرض إلى السماء، لا خلل فيه سوى ثقبة واحدة ، فسأل في المنام ما هذه الثقبة والخلل في مثل هذا الحصن الحصين والبنيان المرصوص؟ فقيل له : هذا حصن الشريعة لا خلل فيها سوى الخلل الذي يقع فيها من لسانك ، ولا يسدّ إلّا برأسك المقطوع من جسدك . أما شعرتم أيّتها النّوكى أنّ إنكاركم كفركم عين الإقرار به كالرستاقي؟! وقد أقررتم في عين إنكاركم أنّ مثل قول مثل الحلّاج خلل وكفر شرعا بحكم الشارع المخبر عن اللّه العدل الحكيم ، فكيف يحكم الشارع بكفر من هو من المقرّبين بل الواصلين؟ أم كيف يفرّق بين مقالة فرعون ومقالة مثل الحلّاج؟ وكذا روايتكم عن بسطاميّكم أنّ مريديه وأبالسته اعترضوا عليه أنّك تتكلّم في حالة الوجد والسماع بكلمات الكفر والزندقة ، فقال : فواجب عليكم أن تقتلوني عند ذلك ، فلمّا سمعوا ذلك من الشيخ تهيّئوا لقتله وأحضروا السكاكين والخناجر ، فلمّا أدرك الشيخ وجده وحالته أخذ في كلماته الكفرانيّة ومقالاته الشيطانيّة، فوثبوا من الجوانب بحكم الشارع وأمر الشيخ وإقراره بحقّيّة أمر الشارع، فضربوه بالخناجر والسكاكين، فلمّا فرغوا كان الجارحون مجروحين والضاربون مضروبين ؟!!

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار» .
2- . في الكافي المطبوع : «أحاطت» .
3- . الأنعام (6) : 103 .
4- . طه (20) : 110 .
5- . الشورى (42) : 11 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 322 .
7- . في المصدر : «الفضيل» .
8- . النجم (53) : 11 .
9- . التوحيد ، ص 116 ، باب ما جاء في الرؤية ، ح 17 .
10- . النجم (53) : 19 _ 20 .
11- . النازعات (79) : 24 .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا تَرْوِيهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَشْرَحَ لِي ذلِكَ . فَكَتَبَ بِخَطِّهِ :«اتَّفَقَ الْجَمِيعُ _ لَا تَمَانُعَ بَيْنَهُمْ _ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةٌ ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى اللّه ُ سبحانه بِالْعَيْنِ ، وَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً ، ثُمَّ لَمْ تَخْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إِيمَانا ، أَوْ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَانا ، فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّهُ ، فَلَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوُا اللّه َ عَزَّ ذِكْرُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَانا ، لَمْ تَخْلُ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ _ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الِاكْتِسَابِ _ أَنْ تَزُولَ ، وَلَا تَزُولُ فِي الْمَعَادِ ، فَهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ اللّه َ _ تعالى ذكره _ لَا يُرى بِالْعَيْنِ ؛ إِذِ الْعَيْنُ تُؤَدِّي إِلى مَا وَصَفْنَاهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».

ص: 123

هديّة :(وما ترويه العامّة) أي في الرؤية في الدنيا للنبيّ صلى الله عليه و آله وفي الآخرة للجميع . (والخاصّة) أي في امتناعها أصلاً لأنّها ضدّه؛ لأنّ الضرورة ضدّ الاكتساب في أمرٍ واحد في وقتٍ واحد . (من أن تكون إيمانا) أي الإيمان التصديقي ؛ إذ العمل من الإيمان ، بل الإيمان كلّه عمل بالاتّفاق كما سيذكر مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء في بيان البرهان : يعني «ثمّ لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا» لا غيرها ، بمعنى أن لا يكون مكلّفا به في الدنيا أصلاً ، أو لا تكون كذلك ؛ بمعنى أن يكون الإيمان مكلّفا به في الدنيا فقط ، فيكون منحصرا في الاكتسابي . والأوّل باطل ؛ لاقتضائه أن لا يكون أحد مؤمنا في الدنيا ، وأن يكون النبيّ عليه السلام كذلك قبل ليلة المعراج ، وكذا الثاني ؛ لاقتضائه إمّا اجتماع الكسب والضرورة في أمر واحد في القيامة وهما ضدّان ، ولا قائل بتجويزه في ملّة سوى الصوفيّة . أو زوال الكسبي بتحقّق الضروريّ ، ولا قائل بزواله في المعاد حتّى الصوفيّة . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : «ثمّ لم تخل تلك المعرفة» يعني إن كانت تلك المعرفة إيمانا فالمعرفة الكسبيّة ليست بإيمان كامل ، فيلزم أن يكون إيمان الأنبياء في الدنيا أضعف من إيمان أدنى رعيّةٍ في الآخرة ، وأن لا يكون إيمان كامل في الدنيا ، وإن لم يكن إيمانا فلابدّ من زوال المعرفة الاكتسابيّة في الآخرة ، ويلزم منه زوال الإيمان بالكلّيّة . ويمكن تقرير هذا البرهان بوجهين : أحدهما مبنيّ على أنّه انعقد الإجماع على أنّه ليس الإيمان نوعين ، (1) أحدهما حاصل بالرؤية وثانيهما بالكسب والنظر . والآخر مبنيّ على أنّه انعقد الإجماع على أنّ الإيمان الكامل غير متوقّف على الرؤية . لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب ، أي لابدّ أن تزول عند حصول المعرفة من جهة الرؤية ، والحال أنّها لا تزول في الواقع . وملخّص البرهان : أنّ المعرفة من جهة الرؤية غير متوقّفة على الكسب والنظر وقوّته ، (2) والمعرفة التي في دار الدنيا متوقّفة عليه وضعيفة بالنسبة إلى الاُولى ، فتخالفتا مثل الحرارة القويّة والضعيفة . فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة من جهة الكسب إيمانا كاملاً ؛ لأنّ المعرفة من جهة الرؤية أكمل منها . وإن لم تكن إيمانا يلزم سلب الإيمان عن الرائين ؛ لامتناع اجتماع المعرفتين في زمان واحد في قلب واحدٍ ، يعني قيام تصديقين أحدهما أقوى من الآخر بذهن واحد ، أحدهما حاصل من جهة الرؤية ، والآخر من جهة الدليل ، كما يمتنع قيام حرارتين بماء واحد في زمان واحد . (3) انتهى . وقال السيّد الداماد رحمه الله : «ولا تزول» يعني لا تزول في نشأة المعاد عن النفس، علم قد اكتسبته في هذه النشأة ، فلو كان اللّه يرى بالعين في تلك النشأة لكان يتعلّق به الإدراك الإحساسي الضروري والعلم العقلي الاكتسابي معا ؛ وذلك محال بالضرورة البرهانيّة، ولا سيّما إذا كان الإدراكان المتباينان بالنوع _ بل المتنافيان بالحقيقة _ في وقت واحد . (4) وأورد عليه بعض المعاصرين : أنّ الإدراك الاكتسابي لم يتعلّق إلّا بالتصديق بوجوده ونعوته لا ذاته وهويّته ، فلعلّ الإدراك الإحساسيّ يتعلّق بذاته وهويّته . ثمّ أجاب بما حاصله : إنّ الرؤية تستلزم الإحاطة بالعلم ، وهو سبحانه لا يحاط به علما . (5) ما أقبح الصوفيّة؟! تارةً بأنّ السالك يصل أوّلاً قبل الوصول والاتّحاد إلى مقام مشاهدة الذات، واُخرى بما سمعت . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا تمانع بينهم» إلى آخره، في أنّ حصول معرفة المرئيّ بالصفات التي يرى عليها ضروريّ . «فلو جاز أن يرى اللّه سبحانه بالعين وقعت المعرفة» من جهة الرؤية عند الرؤية «ضرورة»، فتلك المعرفة «لا تخلو» من أن تكون إيمانا ، أو لا تكون إيمانا ، وهما باطلان ؛ لأنّه إن كانت تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة الحاصلة في الدنيا من جهة الاكتساب إيمانا ؛ لأنّهما متضادّان ؛ فإنّ المعرفة الحاصلة بالاكتساب أنّه ليس بجسم ، وليس في مكان ، وليس بمتكمّم ولا متكيّف . والرؤية بالعين لا تكون إلّا بإدراك صورة متحيّزة من شأنها الانطباع في مادّة جسمانيّة ، والمعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئي بأنّه متّصفة بالصفات المدركة في الصورة ، فهما متضادّان لا يجتمعان في المطابقة للواقع ، فإن كانت هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا ، فلا يكون في الدنيا مؤمن ؛ لأنّهم لم يروا اللّه عزّ ذكره ، وليس لهم المعرفة من جهة الرؤية إنّما لهم المعرفة من جهة الاكتساب ، فلو لم تكن إيمانا لم يكن في الدنيا مؤمن . «وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا» أي اعتقادا مطابقا للواقع يقينيّا وكانت المعرفة الاكتسابيّة إيمانا «لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب من أن تزول» عند المعرفة من جهة الرؤية في المعاد ؛ لتضادّهما ، ولا تزول ؛ لامتناع زوال الإيمان في الآخرة . وهذه العبارة يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية والمعرفة من جهتها؛ لتضادّهما ، والزوال مستحيل لا يقع ؛ لامتناع زوال الإيمان في الآخرة . وثانيها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال وتكون متّصفةً بكليهما في المعاد عند وقوع الرؤية والمعرفة من جهتها ؛ لامتناع اجتماع الضدّين ، وامتناع زوال الإيمان في المعاد ، والمستلزم لاجتماع النقيضين مستحيل . وثالثها : لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ولابدّ من أحدهما، فكلّ منهما محال . وأمّا بيان أنّ الإيمان لا يزول في المعاد _ بعد الاتّفاق والإجماع عليه _ أنّ الاعتقاد الثابت المطابق للواقع الحاصل بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا ، يمتنع زوالها عند ارتفاع الوساوس والموانع . على أنّ الرؤية عند مجوّزيها إنّما يقع للخواصّ من المؤمنين والكمّل منهم في الجنّة ، فلو زال إيمانهم لزم كون غير المؤمن أعلى درجة من المؤمن ، وكون الأحطّ مرتبة أكمل من الأعلى درجةً . وفساده ظاهر . (6) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : سمعت السيّد السند الشيخ محمّد الحائري سبط الشهيد الثاني _ رحمهما اللّه _ قال : قلت لمولانا أحمد الأردبيلي قدس سره : كأنّ راوي هذا الحديث محمّد بن عبيد بن صاعد الواقفي الغير الموثّق ، وعداوة الواقفة له عليه السلام وجرأتهم وعنادهم معلومة ، فكأنّه افترى عليه عليه السلام هذا الدليل المدخول؟ فقال : قد مضى في كلام ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ أنّه لم يذكر في كتابه هذا إلّا الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام فكأنّه عليه السلام كلّم الراوي بكلام إقناعي بقدر ما وجد فيه من العقل .

.


1- . في «ب» و «ج» : «على نوعين» .
2- . في المصدر : «قويّةٌ» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 .
4- . التعليقة على اُصول الكافي، ص 223.
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 380 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 325 _ 327 .

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ . فَكَتَبَ عليه السلام :«لَا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ يَنْفُذُهُ الْبَصَرُ ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ ، لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ ، وَكَانَ فِي ذلِكَ الِاشْتِبَاهُ ؛ لِأَنَّ الرَّائِيَ مَتى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ ، وَجَبَ الِاشْتِبَاهُ ، وَكَانَ ذلِكَ التَّشْبِيهَ ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ» .

هديّة :يعني (أسأله) عن شيئين (عن الرؤية) التي قالت عامّة العامّة بجوازها في الآخرة بهذا البصر ، وعن اختلافهم بعد هذا الاتّفاق في التجسيم اللّازم من تجويز الرؤية ؛ فطائفة منهم قالوا به ، كالحنابلة وغيرها ، لا كالأشاعرة وسائر طوائف العامّة بتجويزهم رؤية غير الجسم والجسماني بهذا البصر على خلاف العادة ، حتّى أنّهم قالوا : يجوز على خلاف العادة رؤية الصوت والطعم والرائحة بهذا البصر . في بعض النسخ : «ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذ البصر» بإثبات «لم» قبل «ينفذ» وإسقاط الضمير المنصوب بعده . والمراد بالهواء في الجواب : الفضاء شاغلاً بعنصر الهواء أو لا ، ولكون مثله من السفسطيّات لم يلتفت عليه السلام إلى الجواب عنه واكتفى بالجواب عن الأوّل . (فإذا انقطع الهواء) يعني فإذا امتنع بالاتّفاق توسّط فضاء بين الرائي والمرئي المفروضين ؛ لاستلزامه بالانتهاء إلى المرئي أن يكون المرئي محدودا شبيها بما له حدّ وغاية امتنعت الرؤية قطعا . (وكان في ذلك الاشتباه) يعني وثابت في ذلك التوسّط التشبيه و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» . (1) (لأنّ الرائي) تعليل لاستلزام التوسّط التشبيه . و(السبب الموجب) بكسر الجيم يعني الشرط الرابط . (وكان ذلك التشبيه) يعني وثابت أنّ الاشتباه هو التشبيه الممنوع . (لأنّ الأسباب) تعليل للزوم الاشتباه . وقال الفاضل الإسترابادي : «وكان في ذلك الاشتباه» يعني كون الرّائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم مشابهة المرئي بالرّائي في الوقوع في جهة ، وفي الجسميّة ؛ فإنّ كون الشيء في طرف مخصوص من الهواء سبب عقلي ؛ لكونه جسما ، فيلزم المشابهة بين الربّ وبين الرائي في الكون في الجهة وفي الجسميّة ، وقد مضى أنّه أخرجه عن الحدّين . (2) وقال برهان الفضلاء : «لا تجوز الرؤية» _ إلى قوله _ : «لم تصحّ الرؤية» توطئة مقدّمةٍ لتحرير محلّ النزاع . والمراد بالهواء الفضاء . «وكان في ذلك الاشتباه» إلى قوله : «وجب الاشتباه» تحرير محلّ النزاع ، «وكان» عطف على «لم يصحّ» . و«في ذلك» أي في انقطاع الهواء عنهما . «الاشتباه» يعني غلط الناس بسبب المشابهة بين الحقّ والباطل ، يعني امتناع الرؤية وصحّتها . و«السبب» بمعنى الوسيلة ، وهي هنا الفضاء . و«الموجبة» بكسر الجيم ، أي ما يوجب الرابط بين الشيئين . «وكان ذلك التشبيه» إلى آخر الحديث : دليل عقليّ على امتناع الرؤية . و«الواو» في «وكان» عطف على «كان» في «ذلك الاشتباه» . واحتمل : «وكأن ذلك التشبيه» بفتح الهمزة والنون الساكنة في «وكان» والفعل الماضي من الدلالة متّصلاً بالمفعول بدل ذلك ، قال : يعني وكأنّ دليل الذي سمّي بدليل التشبيه أراك طريق امتناع الرؤية . وحمل «الأسباب» على الأدلّة ، و«المسبّبات» بالنتائج . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لا تجوز الرؤية» يعني الحقّ أنّه لا تجوز الرؤية بالعين ، وما بعده دليل على عدم جواز الرؤية . وتقريره أنّه «ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء لم ينفذ البصر» سواء كان الإبصار بالانطباع ، كما هو الظاهر من الرواية السابقة . وذهب إليه المشاؤون ؛ أو بالشعاع ، كما هو مذهب آخرين من الحكماء . «فإذا» لم يكن بينهما هواء «وانقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية» بالبصر . «وكان في ذلك» أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي «الاشتباه» يعني شَبَه كلّ منهما بالآخر . يقال : اشتبها : إذا أشبه كلّ منهما الآخر . «لأنّ الرائي متى ساوى المرئيّ» وماثله في النسبة «إلى السبب» الذي أوجب بينهما في الرؤية «وجب الاشتباه» ومشابهة إحداهما الآخر في توسّط الهواء بينهما . (3) «وكان ذلك التشبيه» أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي للرائي في الوقوع في الجهة حتّى يصحّ كون الهواء بينهما ، فيكون متحيّزا ذا صورة وضعيّة ؛ فإنّ كون الشيء في طرف مخصوص من طرفي الهواء ، وتوسّط الهواء بينه وبين شيء آخر سببٌ عقليّ للحكم بكونه في جهة ، ومتحيّزا ذا وضع وصورة وضعيّة ومشابها لمخلوقه في الصورة ، وهو المراد بقوله : «لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات». (4) انتهى . ضبط «لم ينفذ البصر» كالبعض ، وقرأ «الموجب» بفتح الجيم «وكان ذلك التشبيه» برفع «التشبيه» . وفي كتاب التوحيد روى الصدوق بإسناده ، عن أحمد بن إسحاق، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما فيه الناس ، فكتب : «لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ، فإذا انقطع عن الرائي والمرئي لم تصحّ الرؤية ، وكان في ذلك الاشتباه ؛ لأنّ الرائي متى ساوى المرئي لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات» . (5) وفي توجيه آخر الحديث _ كما في كتاب التوحيد _ أقوال ، أقربها أنّ المحاذوات . بمعنى المحاذاة ، وضمير «اتّصالها» للواسطة المفهومة سياقا ، و«المسبّبات» عبارة عن كلّ ما يرى ، والأقرب أنّ الحمل على الإسقاط أولى .

.


1- . الشورى (42) : 11 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 .
3- . في «ب» و «ج» : + «فيكون متحيّزا» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 328 _ 329 .
5- . التوحيد ، ص 109 ، ح 7 ، بتفاوت وزيادة في المصدر .

ص: 127

. .

ص: 128

. .

ص: 129

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : حَضَرْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، أَيَّ شَيْءٍ تَعْبُدُ؟ قَالَ :«اللّه َ تَعَالى» قَالَ : رَأَيْتَهُ؟ قَالَ : «بَلْ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْاءِبْصَارِ ، وَلكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْاءِيمَانِ ، لَا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ ، وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَلَا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ ، مَوْصُوفٌ بِالْايَاتِ ، مَعْرُوفٌ بِالْعَلَامَاتِ ، لَا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ ، ذلِكَ اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا هُوَ» . قَالَ : فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ : اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد» .

ص: 130

هديّة :الأولى (بمشاهدة الإبصار) بكسر الهمزة؛ لما لا يخفى . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «بمشاهدة العيان .» القاموس : لقيته عيانا _ ككتاب _ أي معاينة لم يشكّ في رؤيته إيّاه . (1) ولعلّ الغرض من (ولكن) أن الانكشاف بالإيمان الحقيقي والاعتقاد الثابت الذي لا يغلط أكثر منه بالبصر الظاهري الذي قد يغلط . (ولا يشبه) على المعلوم من الإفعال . أشبه : صار شبيها . وضبط برهان الفضلاء على المجهول من التفعيل . (موصوف بالآيات) القرآنيّة صامتها وناطقها ، (معروف بالعلامات) وآثار القدرة وشواهد الربوبيّة من الأنبياء والأوصياء . وفسّر النجم في قوله تعالى : «وَ عَلَ_مَ_تٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (2) بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، والعلامات بالأئمّة عليهم السلام . (3) «اللَّهُ أَعْلَمُ» مأخوذ من آية سورة الأنعام، (4) قرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه : «رسالته» بالإفراد ، وسائر القرّاء : «رسالاته» بالجمع . (5) ولعلّ تعجّب الرجل من مشاهدة آثار الإمامة وشأنها عنده عليه السلام . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولمّا سمع منه السائل هذا الكلام أقرّ بمنزلته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرج وهو يقول : «اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» . (6)

.


1- . القاموس المحيط، ج 4، ص 251 (عين).
2- . النحل (16) : 16 .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 206 _ 207 ، باب أن الأئمّة هم العلامات ... ، ح 1 _ 3 ؛ تفسير العيّاشي ، ج 2 ، ص 256 ، ح 10 .
4- . الأنعام (6) : 124 .
5- . مجمع البيان ، ج 4 ، ص 557 ذيل الآية 124 ، من الأنعام (6) .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .

ص: 131

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قال :«جَاءَ حِبْرٌ إِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ حِينَ عَبَدْتَهُ؟» قَالَ : «فَقَالَ : وَيْلَكَ ، مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّا لَمْ أَرَهُ ، قَالَ : وَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ : وَيْلَكَ ، لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ ، وَلكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْاءِيمَانِ» .

هديّة :«الحبر» واحد أحبار اليهود . وقد مرّ بيانه . (وكيف رأيته) يعني على أيّ صورة . (وفي) للسببيّة أو ظرف الزمان . وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله بإسناده ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : أخبرني عن اللّه _ عزّ وجلّ _ هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال : «نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة» فقلت : متى؟ قال : «حين قال «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى» (2) » ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال : «وإنّ المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا؟» قال أبو بصير : فقلت له : جُعلت فداك، فاُحدّث بهذا عنك؟ قال : «لا ، فإنّك إذا حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول له ، ثمّ قدّر أنّ ذلك تشبيه، كفر ، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى اللّه عمّا يصفه المشبّهون والملحدون» . (3) قوله عليه السلام : «ألست تراه» بالقلب بحقيقة الإيمان ؛ لقوله : «وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين» ؛ ولعدم قول السائل : «لا» استئذانه للتحديث عنه عليه السلام . «ثمّ قدّر» والتقدير بمعنى التخمين .

.


1- . في الكافيالمطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . الأعراف (7) : 172 .
3- . التوحيد ، ص 117 ، ح 20 .

ص: 132

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ ، فَقَالَ :«الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ ، وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ الْعَرْشِ ، وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ الْحِجَابِ ، وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءا مِنْ نُورِ السِّتْرِ ، فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ، فَلْيَمْلَؤُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» .

هديّة :(الشمس) أي نور الشمس ، وكذا في سائر الفقرات . ولعلّ «السبعين» فيها كناية عن الكثرة التي حسابها مع اللّه تعالى ، وكثيرا يكنّى بمثل السبعين والمأة والألف عن الكثرة البالغة كذلك . كما في قوله تعالى في سورة التوبة : «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّه ُ لَهُمْ» (2) . قال برهان الفضلاء : «يروون» بالواوين من الرواية . وقوله : «الشمس» إلى قوله «من نور الستر» حكاية رواية المخالفين ، بقرينة ما يجيء في الثالث من الباب الحادي عشر ، وأحاديث الباب العشرين . يعني فقال عليه السلام : هذا حديث صحيح عندهم . (فإن كانوا صادقين) في بعض النسخ : «فإذا كانوا صادقين» . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فيما يَرون» من الرؤية . وفي بعض النسخ : «يروون» من الرواية ، أي فيما ينقلونه من رواية الرؤية . والمراد بالشمس نور الشمس . وكذا في أمثاله . (3) وهذه الأنوار الأربعة فوق نور الشمس منشأها بنصّهم عليهم السلام نور نبيّنا صلى الله عليه و آله وأوّل خلق اللّه نوره صلى الله عليه و آله . (4) وقال بعض المعاصرين : الأنوار الأربعة إشارة إلى النور الخيالي والنفسي والعقلي والإلهي ؛ فالخيالي مظاهره أبدان الحيوانات الأرضيّة وصدر الإنسان الصغير ، وأعظم المظاهر لأعظم أفراده هو الكرسيّ الذي هو صدر الإنسان الكبير ، والنور النفسي مظاهره في هذا العالم قلوب بني آدم ، وأعظم المظاهر لأعظم أفراده هو العرش ، وهو قلب العالم الكبير ، ولهذا نسبه إلى العرش ، وهو مظهر النور العقلي الذي نسبه إلى الحجاب ؛ لأنّ العقل حجاب المشاهدة ، وهو مظهر النور الإلهي الذي نسبه إلى الستر ؛ لأنّه مستور عن العقول . وهذه الأنوار كلّها من سنخ واحد بسيط لاتفاوت بينها إلّا بالشدّة والضعف ؛ لأنّ حقيقة النور ليست إلّا نفس الظهور ؛ أعني الظاهر لنفسه المظهر لغيره ، فلا شيء أظهر منه ، ولا يمكن الاطّلاع على شيء من أفرادها إلّا بالمشاهدة الحضوريّة ، وكلّ ما كان منها أشدّ ظهورا فهو أخفى من إدراك هذه الحواسّ الظاهرة الجسمانيّة ونسبتها إلى الذات الإلهيّة التي هي نور الأنوار نسبة المتناهي إلى غير المتناهي . (5) انتهى .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن صفوان بن يحيى» .
2- . التوبة (9) : 80 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 333 .
4- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 ؛ بحارالأنوار ، ج 54 ، ص 170 ، ح 117 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 383 .

ص: 133

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابن عيسى ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ، بَلَغَ بِي جَبْرَئِيلُ مَكَانا لَمْ يَطَأْهُ قَطُّ جَبْرَئِيلُ ، فَكُشِفَ لَهُ ، فَأَرَاهُ اللّه ُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ» .

هديّة :«الباء» في (بلغ بي) للتعدية ، أو للمصاحبة فأولى؛ لما لا يخفى . (فكشف له) إلى آخر الحديث ، كلام الرضا عليه السلام . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «فكشف لي فأراني» وبتقديم «جبرئيل» على «قطّ .» (2) والمراد بطائفة من نور عظمة اللّه تعالى : نور ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بدليلٍ ، وكأنّ هو مطلوبه صلى الله عليه و آله . قال برهان الفضلاء : «نور العظمة» منقسم بعظمة اللّه تعالى إلى أنوار أربعة ، كما سيجيء في الأوّل في الباب العشرين ، باب العرش والكرسي : «إنّ العرش خلقه اللّه تعالى من أنوار أربعة : نور أحمر منه احمرّت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرّت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرّت الصفرة ، ونور أبيض ومنه البياض . وهو العلم الذي حمّله اللّه الحَمَلة» . ونور الولاية نور العظمة ، أحبّ اللّه أن يريه رسوله صلى الله عليه و آله وأحبّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يراه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فكشف له فأراه اللّه من نور عظمته ما أحبّ» يحتمل أن يكون من كلام الرضا عليه السلام . و[لا] (3) يبعد أن يكون من تتمّة قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيحمل على الالتفات من التكلّم إلى الغيبة ، أو على كون الضمير في «فأراه اللّه » لجبرئيل عليه السلام . واعلم أنّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ قال في الكافي بعد هذا الحديث بلا فاصلة بباب ، أو كلام ، أو مثلهما : (في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» ثمّ ذكر قبله (4) باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جلّ وتعالى ثلاثة أحاديث ، فقال برهان الفضلاء _ بعد ذكره أنّ أحاديث الباب، باب في إبطال الرواية، أحد عشر _ : إنّ قوله : «في قوله «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَ_رَ» تتمة هذا الحديث . و«في» بمعنى «مع» كما في «خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ» (5) ، فذكر عليه السلام هذه الفقرة دفعا لتوهّم من توهّم الرؤية ليلة المعراج _ ثمّ قال _ : ولا يبعد ما قال الفاضل المحقّق مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله : إنّه ليس من تتمّة الحديث ، بل ابتداء كلام من صاحب الكافي بمنزلة عنوان الباب للأحاديث الثلاثة التي بعده . وقال الفاضل الإسترابادي مولانا محمّد أمين رحمه الله : في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ» كلام مستأنف في تفسير قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» أي الكلام في قوله تعالى . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» كلام مستأنف عن محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله ومعناه : الكلام في تفسير قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَ_رُ» وما ورد فيه من الأحاديث أورده في ذيل باب إبطال الرؤية بالعين ؛ للمناسبة ، ولكون (7) الإدراك بالأوهام في حكم الإبصار بالعيون ؛ ولأنّ نفي الإدراك بالأوهام يلزمه نفي الإدراك بالعيون . (8) أقول : قد أشار السيّد الأجلّ إلى أنّ «الأبصار» في هذه الآية مفسّرة بالأوهام من غير خلاف ، كما في الأحاديث الثلاثة التالية ، فنحن نقتفي الأكثر فنقول : قال ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ في الكافي في قوله : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر» .
2- . التوحيد ، ص 108 ، ح 4 .
3- . أضفناه من المصدر . وفي جميع النسخ : «يبعد» بدون «لا» .
4- . كذا في جميع النسخ ولعلّ الصحيح : «بعده» ؛ لأنّ باب النهي عن الصفة ... بعد هذا الباب لا قبله ، وأيضا ذكر الكليني _ طاب ثراه _ بعد قوله : في قوله تعالى : لا تدركه ... ثلاثة أحاديث في معنى هذه الآية . فلاحظ وتدبّر لعلّ في العبارة سقط أو سهو .
5- . القصص (28) : 79 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 .
7- . في جميع النسخ : «ويكون» بدل «ولكون» . و ما أثبتناه من المصدر .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 334 .

ص: 134

. .

ص: 135

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ التميمي، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ» قَالَ :«إِحَاطَةُ الْوَهْمِ ؛ أَ لَا تَرى إِلى قَوْلِهِ : «قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ» ؟ لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ «فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ» : لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ «وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْها» : لَيْسَ يَعْنِي عَمَى الْعُيُونِ ، إِنَّمَا عَنى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ ، وَفُلَانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ ، اللّه ُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرى بِالْعَيْنِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن عبداللّه بن سنان» .

ص: 136

هديّة :قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الأنعام : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» (1) ، والمراد بالوهم في (إحاطة الوهم) بصيرة القلب ، كما نصّ عليه في التاليين . (ألا ترى إلى قوله) يعني بلا فاصلة . قال برهان الفضلاء : ولذا لم يستدلّ عليه السلام بقوله تعالى : «فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الْأَبْصَارِ» (2) . الظاهر : «يعني من أبصر» مكان «يعني من البصر» . قيل : ويستفاد من هذا الخبر أنّ المراد بالأبصار في الآية الكريمة ما يشمل أبصار العيون وأبصار القلوب ، فالمعنى : إنّما عنى إحاطة بصر القلب مجرّدة عن بصر العين فضلاً عنها بتوسّطه . وقال الفاضل الإسترابادي : «إحاطة الوهم» يعني المراد أنّ القلوب لا تدرك كنهه تعالى ؛ فإنّ امتناع الرؤية بالعين أظهر من أن يحتاج إلى البيان . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إحاطة الوهم» أي المراد نفي إحاطة الوهم ، ويلزمه نفي الإبصار بالعين ، فأفاد نفي الإبصار بالأوهام مطابقةً ، ونفي الإبصار بالعيون التزاما . وقوله : «ألاترى» استشهاد لصحّة إرادة إدراك الأوهام من إدراك الأبصار . وقوله : «اللّه أعظم» تأييد لكون المراد إدراك الأوهام لا إدراك العيون . وتقريره: أنّه سبحانه أعظم من أن يشكّ ويتوهّم فيه أنّه يدرك بالعين حتّى يُنفى عنه ويُتعرّض لنفيه ، إنّما المتوهّم إدراكه بالقلب فهو الحقيق بأن يتعرّض لنفيه ، ويلزم منه نفي الإدراك بالعين . قال : وفي بعض النسخ : «اللّه أعلم من أن يرى بالعين» وينبغي أن يحمل على أنّه أوسع علما من أن يُحاط بالعين ، ويكونَ علمه علم ما يحاط بالعين ويحدّد به . (4) أقول : أو يحمل بعد قراءة «يرى» على المعلوم على أنّ بعض المخالفين كالحنابلة القائلين بالتجسيم لمّا زعموا أنّ «وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» دلالة بحكم التناظر على أنّه تعالى يرى الأبصار بالبصر ، وهم قالوا : يعني لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يدركها ، فقال عليه السلام ردّا عليهم : «اللّه أعلم من أن يرى بالعين» أي يعلم بها ، واللّه أعلم .

.


1- . الأنعام (6) : 103 _ 104 .
2- . الحشر (59) : 2 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113 _ 114 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 334 _ 335 .

ص: 137

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَحْمَدَ ، (1) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ اللّه ِ : هَلْ يُوصَفُ؟ قَالَ (2) :«أَ مَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» ، قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «أَ مَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ؟» ، قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «فَتَعْرِفُونَ الْأَبْصَارَ؟» ، قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : «مَا هِيَ؟» ، قُلْتُ : أَبْصَارُ الْعُيُونِ ، فَقَالَ : «إِنَّ أَوْهَامَ الْقُلُوبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ ، فَهُوَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَوْهَامَ» .

هديّة :(هل يوصف) أي بحدِّ أو بكيفيّة كالمحسوسات لتعرف ذاته مثلنا . (أكبر) بالمفردة ؛ أي أكبر إدراكا وأدقّ ، فمقتضى مقام الثناء دركه تعالى أوهام القلوب ، فالمنفيّ في القرينة درك الأوهام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أكبر» لإحاطتها بما لا يصل إليها أبصار العيون ، فهو أحقّ بأن يتعرّض لنفيه _ قال _ : والمراد بأوهام القلوب إدراك القلوب . ولمّا كان إدراك القلب بالإحاطة بما لا يمكن أن يحاط به وهما عبّر عنه بأوهام القلوب . (3) أقول : وأيضا في هذا التعبير لطف ظاهر في المقام ، وإشارة إلى أنّ غير المعرفة بالكنه وَهْم، وهو شأن جميع ما سوى اللّه ، وقد قال صلى الله عليه و آله : «ما عرفناك حقّ معرفتك» . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد» .
2- . في الكافي المطبوع : «فقال» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 335 .
4- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 132 ، ح 227 ؛ بحارالأنوار ، ج 68 ، ص 23 .

ص: 138

الحديث الحادي عشرروى في الكافي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ» ؟ فَقَالَ :«يَا أَبَا هَاشِمٍ ، أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ ؛ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلَا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ ، وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لَا تُدْرِكُهُ ، فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ؟!»

هديّة :يعني الجواد عليه السلام . «الأبصار» في الجواب في الموضعين يحتمل الإفراد والجمع ، والمآل واحد . قال برهان الفضلاء : «لا تدخلها» من باب الإفعال ، من دَخِلَ كعلم بمعنى فسد _ قال _ : وإن كان من باب نصر كان المراد بالإدراك إدراك كنه الذات لا الشخص، وهو في المحسوسات لا يمكن بدون إحساسها . و«لا تدركها» عطف على «تدرك» . وهو كما ترى . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «أدقّ» حيث يصل إلى ما لا يصل إليه إدراك العيون ، ويدقّ عن أن يدرك بها . «فكيف أبصار العيون» أي يلزم من نفي أوهام القلوب نفي أبصار العيون ، فنفيها نفي لهما . (2) قال ثقة الإسلام: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : الْأَشْيَاءُ (3) لَا تُدْرَكُ إِلَا بِأَمْرَيْنِ : بِالْحَوَاسِّ ، وَالْقَلْبِ ؛ وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : إِدْرَاكا بِالْمُدَاخَلَةِ ، وَإِدْرَاكا بِالْمُمَاسَّةِ ، وَإِدْرَاكا بِلَا مُدَاخَلَةٍ وَلَا مُمَاسَّةٍ . فَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ ، فَالْأَصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ . وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ ، فَمَعْرِفَةُ الْأَشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ ، وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ . وَأَمَّا الْاءِدْرَاكُ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ ، فَالْبَصَرُ ؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِلَا مُمَاسَّةٍ وَلَا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلَا فِي حَيِّزِهِ ، وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ ، فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ ، وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ ، فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ ، أَدْرَكَ مَا يُلَاقِي مِنَ الْأَلْوَانِ وَالْأَشْخَاصِ ، فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلى مَا لَا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ ، رَجَعَ رَاجِعا ، فَحَكى مَا وَرَاءَهُ ، كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لَا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ ، رَجَعَ رَاجِعا يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ، وَكَذلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي ، يَرْجِعُ رَاجِعا فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ . فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ ، فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ ويتمثّله ، 4 فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودا ، رَجَعَ رَاجِعا فَحَكى مَا فِي الْهَوَاءِ . فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلى مَا لَيْسَ مَوْجُودا فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ اللّه ُ وَعَزَّ ؛ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذلِكَ ، لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلَا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ ، كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ ، تَعَالَى اللّه ُ أَنْ يُشبه (4) خَلْقُهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عمّن ذكره» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 336 .
3- . في الكافي المطبوع : + «كلّها» .
4- . في الكافي المطبوع : «أن يشبهه» .

ص: 139

هديّة :أورد ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ بإسناده هذا الكلام عن هشام بن الحكم في ذيل هذا الباب لمناسبته أحاديث الباب . (ولا في حيّزه) أي ولا يداخله غيره في حيّزه . ولعلّ مراده من قوله : (فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء ، فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ويتمثّله) إنّ القلب إنّما يدرك بسبب إدراكه بواسطة الحواس الظاهريّة جميع ما في فضاء الدنيا فضاءً خياليّا بجميع ما فيه من الاُمور المتوهّمة والمتمثّلة بما في فضاء الدنيا وإن كان فضاؤه الخيالي أضعاف أضعاف الفضاء الظاهري ، فهو لا يدرك إلّا الاُمور المحدودة المتناهية ، فإذا حمل على إدراك ما لا حدّ له ولا نهاية رجع راجعا، فحكى المحدود والمتناهي ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما لا حدّ له ولا نهاية، ولا يمكنه إحاطته بالفضاء الخيالي وإن بالغ في توسّعه عالم الخيال . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : الظاهر أنّ هذا الكلام لهشام في بيان مضمون ما سمع من الإمام ، وهو مضمون الحديث الرابع في هذا الباب عن أبي الحسن الثالث عليه السلام فكان قد سمعه عن آبائه عليهم السلام . فقوله : «الأشياء لا تدرك» إلى قوله : «ولا في حيّزه» توطئة منه لبيان مضمون الرابع . وقوله : «وإدراك البصر له سبيل وسبب» إلى قوله : «إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره» لبيان ذلك على ما فهم من كلام الإمام على خلاف ما فهمنا منه وبيّنّا . وعلى ما فهمه وبيّنه يرد أشياء ، منها : أنّ الظاهر من بيانه أنّ الضياء شرط لمطلق الرؤية وهو منتقص برؤية الخفّاش في الظلام . وقوله : «فأمّا القلب» إلى آخر الحديث ، تقوية لمضمون التاسع والعاشر والحادي عشر قصدا منه إلى تقريب امتناع إحاطته تعالى بأوهام القلوب إلى العقول ، لا ذكرا منه على نهج البرهان . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «أن يشبهه خلقه» بزيادة البارز المتّصل المنصوب . وقال بعض المعاصرين في كتابه : أورد في الكافي بعد هذه الأخبار الثلاثة خبرا آخر في هذا المعنى من كلام هشام بن الحكم، تركنا ذكره لعدم وضوحه . (1) وقال الفاضل الإسترابادي : قال الاُستاد المحقّق رئيس المحدِّثين مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله : لمّا كان ذهن هشام بن الحكم في غاية الاستقامة ، والتزم أن لا يتكلّم إلّا بما أخذه منهم صلوات اللّه عليهم أمروا الأئمّة عليهم السلام جمعا من الشيعة أن يأخذوا منه معالم دينهم ، فلذلك يروون كلامه كما يروون كلامهم . (2) ثمّ قال مولانا محمّد أمين رحمه الله بخطّه : «فأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء» المراد من الهواء عالَم الأجسام، أي الهواء وما في حكمه من جهة الجسميّة . والمراد أنّ القلب يتمكّن من إدراك عالم الأجسام إدراكا على وجه جزئيّ ، ولا يتمكّن من إدراك ما ليس بجسم ولا جسماني على وجه قال جزئي . لا يقال : ينتقض بإدراك النفس الناطقة ذاتها على وجه جزئي ، لأنّا نقول : الكلام في إدراك النفس الناطقة غيرها ، أو الكلام في العلم الحصولي لا الحضوري الذي يكفي في تحقّقه مجرّد حضور المعلوم عند العالم ؛ أي عدم غيبوبته عنه . أو المراد أنّ القلب يتمكّن من إدراك عالم الأجسام على وجه التخييل والتمثيل ، ولا يتمكّن من إدراك غير عالم الأجسام على ذلك الوجه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله : لمّا أورد محمّد بن يعقوب الكليني _ طاب ثراه _ تلك الأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام في نفي الإبصار بالعيون وأوهام القلوب ذيّل الباب بما نقل عن هشام بن الحكم الذي هو رأس أصحاب الصادق عليه السلام ورئيسهم في الكلام الذي إنّما يظنّ به أنّه كلامٌ (4) مأخوذ عن أحاديث أهل البيت وأقوالهم عليهم السلام . قال : قوله : «إذ لا سبيل له في إنفاذ بصره» يحتمل أن يكون المراد به : إذ لا سبيل للناظر إلى إنفاذ بصره ، حيث لا سبيل هنا ينفذ البصر فيه . ويحتمل أن يكون المراد : إذ لا سبيل للناظر من جهة إنفاذ البصر ؛ أي لا سبيل ينفذ بصره فيه . قال : «وأمّا القلب فإنّما سلطانه على الهواء» أي البُعد الذي يسمّونه حيّزا «فهو يدرك جميع ما في الهواء» من المتحيّزات بذواتها أو صورها، «فإذا حمل القلب على» إدراك «ما ليس في الهواء موجودا» وليس يصحّ عليه التحيّز بذاته ، أو بصورة ذهنيّة (5) مناسبة له لائقة به «رجع راجعا» عمّا لا سبيل له إليه إلى ما يقابله من المتحيّزات . (6)

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 386 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 114 .
3- . المصدر .
4- . في المصدر : «كلامه» .
5- . في المصدر : «وهيئة» بدل «ذهنيّة» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 337 _ 338 .

ص: 140

. .

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جل و تعالى

الباب العاشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصِّفَةِ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ جلّ و تَعَالىوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَتِيكٍ الْقَصِيرِ ، قَالَ : كَتَبْتُ عَلى يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَنَّ قَوْما بِالْعِرَاقِ يَصِفُونَ اللّه َ بِالصُّورَةِ وَبِالتَّخْطِيطِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ _ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ _ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنَ التَّوْحِيدِ . فَكَتَبَ إِلَيَّ :«سَأَلْتَ _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ عَنِ التَّوْحِيدِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قِبَلَكَ ، فَتَعَالَى اللّه ُ الَّذِي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ، تَعَالى عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ ، الْمُشَبِّهُونَ اللّه َ بِخَلْقِهِ ، الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللّه ِ ، فَاعْلَمْ _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فِي التَّوْحِيدِ مَا نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ في (2) صِفَاتِ اللّه تَعالى ، فَانْفِ عَنِ اللّه ِ عزّ ذكره الْبُطْلَانَ وَالتَّشْبِيهَ ، فَلَا نَفْيَ وَلَا تَشْبِيهَ ، هُوَ اللّه ُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ ، تَعَالَى اللّه ُ عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ ، وَلَا تَعْدُوا الْقُرْآنَ ؛ فَتَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ» .

هديّة :(بالصورة) قيل _ بدليل التالي للتالي _ : أي بأنّه جسد مجوّف إلى السُرّة . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : قال ابن الأثير في نهايته : الخطّ: علم معروف وللناس فيه تصانيف كثيرة ، يستخرجون به الضمير وغيره . (3) فيمكن أن يكون المراد بالتخطيط أنّهم أخرجوا توصيفه تعالى بالصورة من علم الخطّ . وقال برهان الفضلاء : أي بالهيكل المجوّف . و«بالتخطيط» أي بتناسب أعضاء الجسد، وقد يقال : شابّ مخطّط ، أي موفّق ، حسن الهيكل ، متوافق الأعضاء . وبالفارسيّة : جوان خوش اندام . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بالصورة والتخطيط» أي الشكل الحاصل بإحاطة الحدود والخطوط . (4) وقيل : مخطّط ؛ أي متهيّأ بهيئة حَسَنةٍ لظهور مبدأ شعر اللّحية كالخطّ الحسن على صفحة العارض . (مَنْ قِبَلك) بفتح الميم وكسر القاف ؛ أي من عندك . قد سبق بيان نفي الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه في هديّة الثاني من الباب الثاني . (هو اللّه الثابت الموجود) ناظر إلى نفي البطلان . و(تعالى اللّه عمّا يصفه الواصفون) إلى نفي التشبيه . (ولا تعدوا) من باب غزا ، أي ولا تجاوزوا ما فيه على ما فسّره قيّمه المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن ابن أبي نجران» .
2- . في الكافي المطبوع : «من» .
3- . النهاية ، ج 2 ، ص 117 (خطط) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 339 .

ص: 144

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام :«يَا أَبَا حَمْزَةَ ، إِنَّ اللّه َ تعالى لَا يُوصَفُ بِالمَحْدُودِيَّةٍ ، (2) عَظُمَ رَبُّنَا عَنِ الصِّفَةِ ، وَكَيْفَ (3) يُوصَفُ بِمَحْدُودِيَّةٍ مَنْ لَا يُحَدُّ وَ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُوَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» ؟!» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير» .
2- . في الكافي المطبوع : «بمحدوديّة» .
3- . في الكافي المطبوع : «وكيف» .

ص: 145

هديّة :(بالمحدوديّة) أي بالصفات التي تحيط بالأوهام كما في الأجسام والجسمانيّات . وفي بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «بمحدوديّة» وقال : من الحدّة ، يعني بمحدوديّة الأذهان والأوهام وذكائها ودقّتها ، فالباء للآلة ؛ أي بمدد حدّتها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بمحدوديّة» أي بانتهاء الحقيقة العقليّة والعينيّة بالعوارض والصفات العرضيّة العقليّة أو الحسّيّة . ثمّ قال : «عظم ربّنا عن الصفة» ؛ أي كلّ خارج عارض لاحق بالحقيقة . (1) أقول : أو الألف واللام للعهد الخارجي ، يعني عن الوصف المذكور ، والآية في سورة الأنعام . (2)

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (3) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَا : دَخَلْنَا عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَحَكَيْنَا لَهُ أَنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَأى رَبَّهُ فِي صُورَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ فِي سِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ، وَقُلْنَا : إِنَّ هِشَامَ بْنَ سَالِمٍ وَصَاحِبَ الطَّاقِ وَالْمِيثَمِيَّ يَقُولُونَ : إِنَّهُ أَجْوَفُ إِلَى السُّرَّةِ ، وَالْبَقِيَّةُ صَمَدٌ . فَخَرَّ سَاجِدا لِلّهِ ، ثُمَّ قَالَ :«سُبْحَانَكَ مَا عَرَفُوكَ ، وَلَا وَحَّدُوكَ ، فَمِنْ أَجْلِ ذلِكَ وَصَفُوكَ ، سُبْحَانَكَ لَوْ عَرَفُوكَ ، لَوَصَفُوكَ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، سُبْحَانَكَ كَيْفَ طَاوَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يُشَبِّهُوكَ بِغَيْرِكَ؟! اللّهُمَّ ، لَا أَصِفُكَ إِلَا بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، وَلَا أُشَبِّهُكَ بِخَلْقِكَ ، أَنْتَ أَهْلٌ لِكُلِّ خَيْرٍ ، فَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا ، فَقَالَ : «مَا تَوَهَّمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَوَهَّمُوا اللّه َ غَيْرَهُ» . ثُمَّ قَالَ : «نَحْنُ _ آلَ مُحَمَّدٍ _ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ الَّذِي لَا يُدْرِكُنَا الْغَالِي ، وَلَا يَسْبِقُنَا التَّالِي ؛ يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حِينَ نَظَرَ إِلى عَظَمَةِ رَبِّهِ كَانَ فِي هَيْئَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ ، وَسِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ سَنَةً ؛ يَا مُحَمَّدُ ، عَظُمَ رَبِّي وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَنْ كَانَتْ رِجْلَاهُ فِي خُضْرَةٍ؟ قَالَ : «ذاكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلى رَبِّهِ بِقَلْبِهِ ، جَعَلَهُ فِي نُورٍ مِثْلِ نُورِ الْحُجُبِ حَتّى يَسْتَبِينَ لَهُ مَا فِي الْحُجُبِ ؛ إِنَّ نُورَ اللّه ِ مِنْهُ أَخْضَرُ ، وَمِنْهُ أَحْمَرُ ، وَمِنْهُ أَبْيَضُ ، وَمِنْهُ غَيْرُ ذلِكَ ؛ يَا مُحَمَّدُ ، مَا شَهِدَ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَنَحْنُ الْقَائِلُونَ بِهِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 340 _ 341 .
2- . الأنعام (6) : 103 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بَكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد» .

ص: 146

هديّة :(فحكينا له) أي ما يرويه العامّة ويعتقدونه . في بعض النسخ : «في هيئة الشابّ الموفّق» يقال : شابّ موفّق ، أي حسن الهيئة ، متوافق الأعضاء ، كما قيل : أي الكامل في شبابه وخلقته وجماله . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : يحتمل أن يكون هذا من باب الاشتباه الخطّي ، وأن يكون في الأصل : «الشابّ الريّق» (1) كسيّد . راق الشيء : لمع . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الشابّ الموفّق» أي المستوي ، من أوفق الإبل : إذا اصطفّت واستوت . وقيل : يحتمل أن يكون هذا من باب الاشتباه الخطّي ، وأن يكون في الأصل : «الشابّ الرّيّق» . والظاهر على هذا الاحتمال أن يكون «الموقّف» بتقديم القاف على الفاء ؛ أي المزيّن ؛ فإنّ الوقف سِوار من عاج ، يُقال : وقّفه ، أي ألبسه الوقف . فالمراد المزيّن بأيّ زينةٍ كانت . (2) وقد يطلق على الذي هيّأت له أسباب الطاعة والصلاح . (وصاحب الطاق) هو أبو جعفر الأحول ، محمّد بن النعمان الملقّب بمؤمن الطاق . (والميثمي) هو أحمد بن الحسن . وهذه الثلاثة من أصحاب الصادق عليه السلام ثقات لا كلام في عِظَم شأنهم واستقامتهم ، إلّا أنّ أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم قيل: إنّه واقفي . (3) فقيل : ولم يثبت . وقد قال الشيخ في فهرسته : إنّه صحيح الحديث سليم . (4) وقال النجاشي : وهو على كلّ حال ثقة صحيح الحديث معتمدٌ عليه . (5) في بعض النسخ : «والباقي صمد» مكان «والبقيّة صمد» . و«الصمد» لغةً غير الأجوف ، زعمت القدريّة كما ذكر بعض المعاصرين في كتابه : أنّ العالم كلّه شخص واحد وذات واحدة ، له جسم وروح ؛ فجسمه جسم الكلّ ، أعني الفلك الأقصى بما فيه ، وروحه روح الكلّ ، والمجموع صورة الحقّ الإله . فقسمه الأسفل الجسماني أجوف ؛ لما فيه من معنى القوّة الإمكانيّة والظلمة الهيولانيّة الشبيهة بالخلا والعدم . وقسمه الأعلى الروحانيّ صمد ؛ لأنّ الروح العقلي موجود فيه بالفعل بلا جهة إمكان استعداديّ ومادّة ظلمانيّة . (6) سبحانه وتعالى شأنه عمّا يقول الملحدون ، كيف طاوعتهم أنفسهم _ أي الشيطان _ بالطوع والرغبة في القول بالتشبيه؟! (ما توهّمتم من شيء) نفي لحدّ التشبيه . وفي الحديث عن الباقر عليه السلام : «كلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم . ولعلّ النّمل الصغار تتوهّم أنّ للّه سبحانه زبانيّين، فإنّ ذلك كمالها ، وتتوهّم أنّ عدمها نقصان لمن لم يتّصف بهما ، وهكذا حال العقلاء فيما يصفون اللّه تعالى به» (7) الحديث . و«الزّبانا» بالضمّ والقصر : القرن ، وزبانيا العقرب : قرناها . (نحن آل محمّد النمط الأوسط) «الآل» نصب على الاختصاص ، و«النّمط» محرّكة : الطريقة والنوع من الشيء والجماعة من الناس أمرهم واحد ، و«الأوسط» : إشارة إلى اختصاص الخطاب في قوله تعالى في البقرة : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» (8) بالأئمّة عليهم السلام . وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «خير هذه الاُمّة النمط الأوسط ، يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي» . (9) وهو غير مناف لما في هنا من قوله عليه السلام : (لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي) ؛ فإنّ المراد بالغالي : الغالي في التوحيد ، كالصوفيّة القائلين بوحدة الوجود . فالمعنى هنا : لا يدركنا الغالي ؛ للمباينة التامّة بين توحيدنا وتوحيدهم ، وهي بعينها مباينة الإيمان والشرك . وهناك : ويرجع إليهم الغالي في رجوعه عن غلوّه في التوحيد ؛ وهذا مراد من قال : الغالي لا يدركهم عليهم السلام إلّا أن يرجع إليهم ، والتالي لم يصل بعدُ إليهم وليس له أن يسبقهم . وقال برهان الفضلاء : «التالي» أي المتأخّر كالمجسّمة ، و«الغالي» : من لم يعلم موجودا سوى اللّه كالصوفيّة . ثمّ قال : وغرض الإمام عليه السلام إنّنا وشيعتنا كهشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي في تقيّة، فسبقنا تقيّة على التالي في مذهبه بحيث لا يسبقنا (10) هو ، ولا يصل في رجوعه إلينا الغالي . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : قد مضى في كلام ثقة الإسلام أنّه لم يذكر في كتابه هذا إلّا الآثار الصحيحة عنهم عليهم السلام بالمعنى المعتبر عند القدماء . والسرّ في أمثال هذا الحديث أنّ بعض العامّة كذبوا على المشهورين من أصحاب الأئمّة عليهم السلام وشنّعوا عليهم بمذاهب باطلة لأن يسقطوهم من أعين الناس ، والراوي يذكر عند الإمام عليه السلام مااشتهر بين الناس في حقّهم وقد يذمّهم الإمام من باب التقيّة ، فلا قدح فيهم ولا في الرواية . (11) (حين نظر إلى عظمة ربّه) يعني إلى نورٍ من نورها ، بدليل الأوّل في الباب التاسع . (جعله في نور مثل نور الحجب) في الحديث : «إنّ للّه عزّ وجلّ سبعا وسبعين حجابا من نور لو كشف عن وجهه لأحرقت سُبُحات وجهه ما أدركه بصره» وفي رواية : «سبعمائة حجاب» وفي اُخرى : «سبعين ألف حجاب» . (12) وفي اُخرى : «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» . (13) وفسّر الوجه بالذات وبنور الإمام أيضا ، والعلم بالعلم الجوهري . «سُبُحات وجه ربّنا» بضمّ السين والباء أي: جلالته . «استبان» : ظهر فانكشف .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 114 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 341 .
3- . كما في خلاصة الأقوال ، ص 319 ، الرقم 4 .
4- . الفهرست ، ص 22 ، الرقم 56 .
5- . رجال النجاشي ، ص 74 ، الرقم 179 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 407 .
7- . البحار ، ج 66 ، ص 293 .
8- . البقرة (2) : 143 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 408 ؛ ورواه بهذا اللفظ عن عليّ عليه السلام في تاج العروس ، ج 10 ، ص 435 (نمط) . وراجع : الأمالي للمفيد ، ص 3 ، المجلس الأول ، ح 3 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 125 ، ح 1292 .
10- . في «ب» و «ج» : «لم يسبقنا» .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115 .
12- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 106 ، ح 158 .
13- . بحارالأنوار ، ج 55 ، ص 54 .

ص: 147

. .

ص: 148

. .

ص: 149

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عن هَارُونُ بْنُ الْجَهْمِ ، (1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ : قَالَ :«لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنْ يَصِفُوا اللّه َ بِعَظَمَتِهِ ، لَمْ يَقْدِرُوا» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن بشير البرقي ، قال : حدّثني عبّاس بن عامر القصباني ، قال : أخبرني هارون بن الجهم» .

ص: 150

هديّة :يعني أن يصفوه ويثنوا عليه من عندهم بدون توسّط الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه تعالى ، وهو الذي لا إله إلّا هو ، فلا عالم به إلّا هو ، ولذا لا يجوز لغيره وصفه إلّا بما وصف به نفسه . قال برهان الفضلاء : يعني لا يعلم أحد بوصفه الموافق ، وثنائه اللّايق بدون الوحي ؛ لأنّه تعالى لا يحسّ فالعلم به بالنظر إلى الجميع من علم الغيب ، ولا يعلم الغيب إلّا اللّه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : وذلك لأنّ الوصف إنّما هو بألفاظ وعبارات موضوعة لمعاني مدركة للعقول والمدارك القاصرة من الإحاطة بقطرة من قطراتِ بحرِ عظمته ، وكيف يقدر أحدٌ على وصف من لا يعرفه حقّ معرفته _ لا بذاته ولا بصفات عظموته (1) وجبروته _ بما يعجز عن إدراكه من عظموته وجبروته؟! فغاية قصارى مقدور أكابر هذه البقعة الإمكانيّة والهياكل الجسمانيّة والروحانيّة أن يُقرّوا بالعجز عن وصفه بما هو أهل ، وباتّصافه بما هو وصف به نفسه قائلين : لا نُحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك . (2)

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَدانِيِّ ، (3) قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام : أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ مَوَالِيكَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : جِسْمٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : صُورَةٌ . فَكَتَبَ عليه السلام بِخَطِّهِ :«سُبْحَانَ مَنْ لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُوصَفُ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ _ أَوْ قَالَ _ : الْبَصِيرُ» .

.


1- . في المصدر في الموضعين : «عظمته» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 345 .
3- . في الكافي المطبوع : «الهمذاني» بالذال المعجمة .

ص: 151

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . (فمنهم من يقول) أي تبعا لروايات العامّة زعما منهم أنّها صحيحة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ ففي بعضها : أنّه (جسم) صمد مصمت ، وفي اُخرى : أنّه (صورة) . قال برهان الفضلاء : أي هيكل مجوّف . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «صورة» أي ذات صورة مشكّلة . (1) (من لا يحدّ) كالجسم ، ويخلق من الأجسام وغيرها ما يشاء . (ولا يوصف) كالصورة ، ويصوّر لخلقه ما يشاء من الصور . (أو قال البصير) يعني مكان العليم ، كما في سورة الشورى . (2) والشكّ من سهل .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عن سَهْلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : كَتَبَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عليهماالسلام إِلى أَبِي :«أَنَّ اللّه َ أَعْلى وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُبْلَغَ كُنْهُ صِفَتِهِ ؛ فَصِفُوهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَكُفُّوا عَمَّا سِوى ذلِكَ» .

هديّة :يظهر من الكشّي رحمه الله أنّ هذا الكتاب كان منه عليه السلام في جواب السؤال عن مباحثة الهشامين تقيّة في الجسم والصورة . (3)

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (4) عَنْ حَفْصٍ أَخِي مُرَازِمٍ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ ، قَالَ : سَأَ لْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصِّفَةِ ، فَقَالَ :«لَا تَجَاوَزْ مَا فِي الْقُرْآنِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 345 .
2- . الشورى (42) : 11 .
3- . رجال الكشي ، ص 279 ، الرقم 500 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «سهلٌ ، عن السندي بن الربيع ، عن ابن أبي عمير» .

ص: 152

هديّة :أي (من الصفة) في التوحيد . (لا تجاوز) من المفاعلة ، أو التفاعل بحذف إحدى التائين ، نهي أو نفي بمعناه . وفي بعض النسخ : «لا تجاوزوا» على الجمع .

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقَاسَانِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَيْهِ عليه السلام : أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ . قَالَ : فَكَتَبَ عليه السلام :«سُبْحَانَ مَنْ لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُوصَفُ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» » .

هديّة :يعني إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام . وبيان الحديث كنظائره .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ بِشْرِ بْنِ بَشَّارٍ النَّيْسَابُورِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام : أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : جِسْمٌ ، (3) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : صُورَةٌ . (4) فَكَتَبَ :(5) «سُبْحَانَ مَنْ لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُوصَفُ ، وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» » .

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . في بعض النسخ بزيادة «إليّ» قبل «سبحان» وبيان الحديث كنظيره ، وهو الخامس .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عن سهلٍ» .
2- . يعني عن سهل .
3- . في الكافي المطبوع: «هو جسم».
4- . في الكافي المطبوع : «هو صورة» .
5- . في الكافي المطبوع : + «إليّ» .

ص: 153

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده عَنْ سَهْلٌ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ : قَدِ اخْتَلَفَ _ يَا سَيِّدِي _ أَصْحَابُنَا فِي التَّوْحِيدِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هُوَ جِسْمٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : صُورَةٌ ، (1) فَإِنْ رَأَيْتَ يَا سَيِّدِي ، أَنْ تُعَلِّمَنِي مِنْ ذلِكَ مَا أَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا أَجُوزُهُ ، فَعَلْتَ مُتَطَوِّلاً عَلى عَبْدِكَ . فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ عليه السلام :«سَأَلْتَ عَنِ التَّوْحِيدِ ، وَهذَا عَنْكُمْ مَعْزُولٌ ، اللّه ُ وَاحِدٌ أَحَدٌ «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» ، خَالِقٌ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، يَخْلُقُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَجْسَامِ وَغَيْرِ ذلِكَ وَلَيْسَ بِجِسْمٍ ، وَيُصَوِّرُ مَا يَشَاءُ وَلَيْسَ بِصُورَةٍ ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبْهٌ ، هُوَ لَا غَيْرُهُ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» » .

هديّة :(وهذا عنكم معزول) قيل : يعني ومثل السؤال بدولتنا وتعليمنا عن شيعتنا مثلكم بعيد مبعد ، وقيل : يعني اعتقاد الجسم أو الصورة . وقيل : أي المعرفة بالكنه عنكم ؛ أي عن المخلوق . وقال برهان الفضلاء : يعني أنّ سؤالك دلالة على أنّ التوحيد زال عنكم ؛ لحصر الاختلاف في أمرين باطلين . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «معزول» أي تحقيقه بمدارككم وعقولكم ساقط عنكم ؛ لعجز عقولكم عن الإحاطة به ، وعن الوصول إلى حقّ تحقيقه ، إنّما المرجع لكم في التوحيد وصفه سبحانه بما وصف به نفسه من أنّه واحد . (2) إلى آخر الحديث .

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، (3) عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ لَا يُوصَفُ ، وَكَيْفَ يُوصَفُ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ : «وَما قَدَرُوا اللّه َ حَقَّ قَدْرِهِ» ؟! فَلَا يُوصَفُ بِقَدَرٍ إِلَا كَانَ أَعْظَمَ مِنْ ذلِكَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «هو صورة» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 347 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى» .

ص: 154

هديّة :(لا يوصف) قيل : أي بالكنه وكيفيّة الحقيقة . وقال برهان الفضلاء : أي بالرأي بلا توسّط الوحي . أقول : أي لا يقدر أحد على وصفه من عند نفسه، ولا يبلغ كنه عظمته كما في التالي . والآية في الأنعام والزّمر . (1) (بقدر) أي من العظمة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وما قدروا اللّه حقّ قدره» أي ما عظّموه حقّ تعظيمه، «فلا يوصف بقدر» ولا يعظّم تعظيما «إلّا كان أعظم من ذلك» . (2)

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ اللّه َ عَظِيمٌ رَفِيعٌ ، لَا يَقْدِرُ الْعِبَادُ عَلى صِفَتِهِ ، وَلَا يَبْلُغُونَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ ، «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» وَلَا يُوصَفُ بِكَيْفٍ ، وَلَا أَيْنٍ وَحَيْثٍ ، وَكَيْفَ أَصِفُهُ بِالْكَيْفِ وَهُوَ الَّذِي كَيَّفَ الْكَيْفَ حَتّى صَارَ كَيْفا ، فَعُرِفَتِ الْكَيْفُ بِمَا كَيَّفَ لَنَا مِنَ الْكَيْفِ؟! أَمْ كَيْفَ أَصِفُهُ بِأَيْنٍ وَهُوَ الَّذِي أَيَّنَ الْأَيْنَ حَتّى صَارَ أَيْنا ، فَعُرِفَتِ الْأَيْنُ بِمَا أَيَّنَ لَنَا مِنَ الْأَيْنِ؟! أَمْ كَيْفَ أَصِفُهُ بِحَيْثٍ وَهُوَ الَّذِي حَيَّثَ الْحَيْثَ حَتّى صَارَ حَيْثا ، فَعُرِفَتِ الْحَيْثُ بِمَا حَيَّثَ لَنَا مِنَ الْحَيْثِ؟! فَاللّه ُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ دَاخِلٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَخَارِجٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» لَا إِلهَ إِلَا هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ «وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» » .

.


1- . الأنعام (6) : 91 ؛ الزمر (39) : 67 ؛ الحجّ (22) : 74 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 347 .

ص: 155

هديّة :(على صفته) أي من عند أنفسهم بلا توسّط الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (ولا يبلغون كنه عظمته) أصلاً . (لا تدركه الأبصار) لا أوهام القلوب كنهه ، ولا أبصار العيون شخصه . و«الحيث» : وصف أعمّ من الكيف والأين والزمان . قرأ برهان الفضلاء : «وهو الذي كيّف الكيّف حتّى صار كيِّفا» كسيّد . وكذا : «بما كيّف لنا من الكيّف» . وهكذا في «الأيّن» و«الحيّث» في الفقرات الباقية . قال الفاضل الإسترابادي : «فعرفت الكيف بما كيّف» تفسير لقوله : بل الخلق يعرفون باللّه . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وهو الذي كيّف الكيف» أي هو موجد الكيف ومحقّق حقيقته في موضوعه حتّى صار كيفا له ، فعرفت الكيفيّة بما أوجده فينا وجعله حالاً لنا من الكيف ، فالمعلوم لنا من الكيف ما نجده فينا منه وأمثالنا ، (2) ولا تعرف كيفا سوى أنواع هذه المقولة التي نجدها من حقائق صفاتنا وطبائعها ، واللّه سبحانه أجلّ من أن يوصف بها بالاتّحاد أو القيام والحلول . كذا الكلام في الأين والحيث ، والمراد بالأين كون الشيء في المكان ، أو الهيئة الحاصلة للمتمكّن باعتبار كونه في المكان ، وهو أيضا ممّا أوجده سبحانه ، وحقّق حقيقته في موضوعه حتّى صار أينا له . والحيث اسم للمكان للشيء ، واللّه سبحانه موجده ومحقّق حقيقته وجاعله مكانا للمتمكّن فيه ، فاللّه سبحانه أجلّ من أن يوصف بما ذكر ، وبسائر ما لا يفارق الإمكان . «داخل في كلّ مكان» أي حاضر بالحضور العقلي والإحاطة العلمي ، غير غائب فلا يعزب عن المكان ولا المتمكّن فيه ، ولا يخلو عنه مكان بأن لا يحضره بالحضور العقلي والشهود العلميّ . وأمّا الدخول كما للمتمكّن في المكان أو للجزء العقلي أو الخارجي في الكلّ ، فهو سبحانه منزّه عنه وخارج من كلّ شيء . (3) تفسير لقوله : «هو خلوّ من خلقه وخلقه خلوّ منه» . (4)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 308 .
2- . في المصدر : «أمثالها» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 348 ، بتفاوت .
4- . تقدّم في باب إطلاق القول بأنّه شيء .

ص: 156

. .

ص: 157

باب النهي عن الجسم و الصورة

الباب الحادي عشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْجِسْمِ وَ الصُّورَةِوأحاديثه كما في الكافي ثمانية :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ يَرْوِي عَنْكُمْ : أَنَّ اللّه َ جِسْمٌ صَمَدِيٌّ نُورِيٌّ ، مَعْرِفَتُهُ ضَرُورَةٌ ، يَمُنُّ بِهَا عَلى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ . فَقَالَ عليه السلام :«سُبْحَانَ مَنْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلَا هُوَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» لَا يُحَدُّ ، وَلَا يُحَسُّ ، وَلَا يُجَسُّ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَلَا الْحَوَاسُّ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ ، وَلَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا تَخْطِيطٌ وَلَا تَحْدِيدٌ» .

هديّة :(عليّ بن أبي حمزة) البطائني قائد أبي بصير يحيى بن أبي القاسم ، واقفيّ كذّاب . قال الكشّي : قال له أبو الحسن عليه السلام : أنت وأصحابك أشباه الحمير . (2) وقال الرضا عليه السلام : سئل عليّ بن أبي حمزة في قبره عنّي فوقف فضرب على رأسه ضربةً فامتلأ قبره نارا . (3) وقال الغضائري : هو لعنه اللّه أشدّ الخلق عداوةً للوليّ بعد أبي إبراهيم عليه السلام . (4) فما سمعه من هشام على تقدير الصحّة تقيّة منه ؛ إذ لا قدح فيه لأحد من العصابة ، وعدم تكذيبه عليه السلام إيّاه مؤيّد . (ضرورة) على الرفع بالخبريّة عن «المعرفة» . واحتمل برهان الفضلاء النصب على الحاليّة على جوازها عن المبتدأ . وفي نسخة الفاضل الإسترابادي اُعربتْ بالرّفع، وكتب بخطّه : معرفة اللّه اضطراريّ على كلّ نفس لا كلّ مخلوق؛ لشموله الجمادات . (ولا جسم) إلى آخر الحديث ، يحتمل النصب ، ف «لا» لنفي الجنس . (ولا يجسّ) أي لا يمسّ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . رجال الكشي ، ص 443 _ 445 ، الرقم 832 ، 835 ، 836 .
3- . . رجال الكشي ، ص 444 ، الرقم 833 _ 834 .
4- . رجال ابن الغظائري ، ص 83 ، الرقم 107 ؛ وحكاه عنه في خلاصة الأقوال ، ص 363 ، الرقم 1 .

ص: 158

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلِ ، (1) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الْجِسْمِ وَالصُّورَةِ ، فَكَتَبَ :«سُبْحَانَ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السميع البصير ، (2) لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ» . وَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ إِلَا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَ .

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . «لا» في «لا جسم» لتأكيد النفي . ومدخولها يحتمل النصب والرفع . و(رواه) كلام ثقة الإسلام . (لم يسمّ) أي لم يعيّن لا بالاسم ، ولا بالكنية ، ولا باللّقب كالهادي .

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، (3) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : جِئْتُ إِلَى الرِّضَا عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَأَمْلى عَلَيَّ :«الْحَمْدُ لِلّهِ فَاطِرِ الْأَشْيَاءِ إِنْشَاءً ، وَمُبْتَدِعِهَا ابْتِدَاءً (4) بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لَا مِنْ شَيْءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الِاخْتِرَاعُ ، وَلَا لِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الِابْتِدَاعُ ، خَلَقَ مَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ ، مُتَوَحِّدا بِذلِكَ لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ ، لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، ولَا تُدْرِكُهُ (5) الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ ، عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وَضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ ، احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد» .
2- . في الكافي المطبوع : - «وهو السميع البصير» .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع» .
4- . في الكافي المطبوع : «ابتداعا» .
5- . في الكافي المطبوع : «لا تدركه» بدون الواو .

ص: 159

هديّة :أمليت الكتاب، اُملي إملاء ، وأمللته اُملّ إملالاً لغتان جيّدتان جاء بهما القرآن . (1) ولا همز في أملا عليّ ؛ فإنّ أصله الواو لا الهمزة . والتعريف في (الأشياء) للاستغراق . (إنشاء) بلا موادّ قديمة وماهيّات ثابتة ، فنفي للجعل المركّب . (ابتداءً) بلا اقتضاء شيء من الطبائع القديمة ، فنفى للإيجاب ، فيبطل الاختراع ، أي الإنشاء الموصوف ، فلا يصحّ الابتداع ، أي الإيجاد المذكور . (وحقيقة ربوبيّته) أي لإظهار تفرّده بالحكمة وحقيقة الربوبيّة ، بدليل قوله بلا فاصلة (لا تضبطه العقول ، ولا تبلغه الأوهام ، ولا تدركه الأبصار) لا أوهام القلوب ولا أبصار العيون . (ولا يحيط به مقدار) لا عقليّا ولا خارجيّا . (عجزت دونه) أي دون وصفه بالكنه . (وكلّت دونه الأبصار) عجزت دون إدراكه البصائر والأبصار . (وضلّ فيه تصاريف الصفات) يعني فَقَد واضمحلّ في بابه صفات الإمكانيّة المتغايرة المتغيّرة . (بغير حجاب محجوب) أي محاط بالأوهام . (بغير سترٍ مستور) أي محصور بالأنظار . وكأنّه هذا مراد من قال : يعني بحجاب غير محجوب ، وستر غير مستور . وكذا من قال : «محجوب» أي محدود ، «مستور» أي محفوف . وقرئ : «حجابِ محجوبٍ ، وسترِ مستورٍ» على الإضافة في بعض النسخ ، كما ضبط برهان الفضلاء : «لا إله إلّا هو الكبير المتعال» بالضمير مكان الجلالة . قال برهان الفضلاء : الفطر والإنشاء والاختراع هنا بمعنى ، وهو الإيجاد بلا مادّة قديمة . ولمّا كان الفطر أكثر استعمالاً في هذا المعنى _ فإنّه بمعنى الشقّ ، فكأنّه تعالى شقّ حصار العدم وأخرج من كتمه العالم _ قدّمه عليه السلام ثمّ ذكر الإنشاء ، لتناسبه لفظ الابتداء ، كالاختراع لفظ الابتداع . وكلّ من الإنشاء والابتداء مفعول مطلق للنوع ؛ يعني الإنشاء العجيب والابتداء الغريب . «بقدرته» متعلّق بالفاطر ، و«حكمته» بالمبتدع . «لا من شيء» خبر مبتدأ محذوف ، يعني حدوث الأشياء لا من شيء ، يعني لا من مادّة قديمة _ كما زعمت المشّاؤون من زنادقة الفلاسفة _ ولا لعلّة ، أي فائدة عائدة إلى الإيجاد ، كما زعمت الإشراقيّون منهم . «خلق ما شاء» لبيان سابقه . و«التوحّد» : مبالغة في الوحدة . «وحقيقة ربوبيّته» أي خلوص ربوبيّته . «بغير حجاب محجوب» أي حجاب يكون له حجاب ، و«بغير سترٍ مستور» كذلك . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي بغير حجاب يحجبه وهو الحجاب الذي يكون باطنه محجوبا ؛ فإنّ ما لا يكون باطنه محجوبا لا يكون حاجبا ، وما لا يكون باطنه مستورا لا يكون ساترا . (2) وقد مرّ بيان محتملات الفقرتين في شرح خطبة الكافي مفصّلاً .

.


1- . لسان العرب ، ج 15 ، ص 291 (ملا) .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 352 .

ص: 160

. .

ص: 161

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : وَصَفْتُ لِأَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام قَوْلَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ ، وَحَكَيْتُ لَهُ قَوْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، أَنَّهُ جِسْمٌ . فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ تَبارك وتَعَالى لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، أَيُّ فُحْشٍ أَوْ خَنا أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَصِفُ خَالِقَ الْأَشْيَاءِ بِجِسْمٍ أَوْ صُورَةٍ ، أَوْ بِخِلْقَةٍ ، أَوْ بِتَحْدِيدٍ وَأَعْضَاءٍ؟ تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا» .

هديّة :(وصفت) يعني ما اشتهر بين الناس من قول الِهشامَين . وقد ثبت أنّ أمثال القول من مثلهما إنّما هي على التقيّة والأغراض الصحيحة بتعليم الإمام ، ولذا سكت عليه السلام عن ذكرهما وذمّهما بخصوصهما . وذكر الكشّي _ بعد الإطراء في مدحهما كما هو المشهور بل المجمع عليه؛ لأخبار صحيحة في مدحهما وثقتهما واستقامتهما في المذهب _ : أنّهما باحثا لغرض صحيح منعقد من نحو عشرين ، فأخذ ابن الحكم في الاستدلال للقول بالجسم ، والجواليقي للقول بالصورة فاشتهر ذلك . وقال الفاضل الإسترابادي : وصفت يعني الخيالات الواهية المنسوبة إلى الهشامين . (2) و«الجواليق» كمصابيح : جمع الجُوالَق بضمّ الجيم وفتح اللام معرّب جوال . و«الخناء» بفتح المعجمة والنون والمدّ : الفحش بالضمّ ، أو أفحشه بخلقةٍ ، أي بهيكل وشكل . قال السيّد الأجلّ النائيني : «أيّ فحش» أي أيّ قبيح شديد القبح في المناهي ، أو أيّ قول في المخاطب ، والمحكيّ عنه بوصفه بما لا يليق به بالغا في الظلم والعدوان غايته . «أعظم من قول من يصف سبحانه بجسم أو صورة»، ولعلّ الفحش ناظر إلى الجسم ، والخناء إلى الصورة ؛ فإنّ الأوّل تعبير عن الذات ، والثاني عن الصفات . ولم يتعرّض عليه السلام لتوبيخهما ؛ لعدم ثبوت القولين ، إنّما بالغ في بطلان المحكيّ عنهما . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عمّن ذكره ، عن عليّ بن العبّاس ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 353 .

ص: 162

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ الرُّخَّجِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَمَّا قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ فِي الجِسْمِ ، وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ فِي الصُّورَةِ . فَكَتَبَ عليه السلام :«دَعْ عَنْكَ حَيْرَةَ الْحَيْرَانِ ، وَاسْتَعِذْ بِاللّه ِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، لَيْسَ الْقَوْلُ مَا قَالَ الْهِشَامَانِ» .

هديّة :(حيرة الحيران) أي الضالّ عن الطريق بالتفكّر في الذات كالصوفيّ القدريّ . وقد قال ابن العربي : رأيت ربّي على صورة فرس . (واستعذ باللّه من الشيطان) ؛ فإنّ التصوّف من أفكاره العميقة في أواخر عمره، ذلك العمر بذلك الاجتهاد في اُموره وقد صلّى في السماء ركعتين في أربعة آلاف سنة . (2) وكلمة «ما» في (ما قال) كما قال برهان الفضلاء موصولة ، أو استفهاميّة ، أو نافية . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «دع عنك حيرة الحيران» يحتمل وجهين : أحدهما : أن يحمل السؤال على أنّه كيف قالا بهذين القولين مع اختصاصهما بالأئمّة عليهم السلام وشناعةِ القولين؟! والثاني : أن يحمل السؤال على أنّه هل يجوز أن يقال : إنّه سبحانه جسم ، أو يطلق فيه الصورة كما يحكى عن الهشامين؟ وهل يجوز له حقيقةً ، أو مجازا ، أو اصطلاحا؟ وهل المراد المعاني الظاهريّة ، أو غيرها؟ (3) فالحيرة عليهما تشمل الحيرة في أمرهما .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد رفعه» .
2- . في الأصل: «سنين»، والصواب ما اُثبت.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 353 _ 354 .

ص: 163

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ ظَبْيَانَ يَقُولُ : دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ يَقُولُ قَوْلاً عَظِيما إِلَا أَنِّي أَخْتَصِرُ لَكَ مِنْهُ أَحْرُفا ، يَزَعَمَ (2) أَنَّ اللّه َ تعالى جِسْمٌ ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ شَيْئَانِ : جِسْمٌ ، وَفِعْلُ الْجِسْمِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّانِعُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ . فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«وَيْلَهُ ، (3) أَمَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ ، وَالصُّورَةَ مَحْدُودَةٌ مُتَنَاهِيَةٌ؟ فَإِذَا احْتَمَلَ الْحَدَّ ، احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، وَإِذَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، كَانَ مَخْلُوقا» . فقَالَ : قُلْتُ : فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ : «لَا جِسْمٌ وَلَا صُورَةٌ ، وَهُوَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ ، وَمُصَوِّرُ الصُّوَرِ ، لَمْ يَتَجَزَّأْ ، وَلَمْ يَتَنَاهَ ،وَلَمْ يَتَزَايَدْ ، وَلَمْ يَتَنَاقَصْ ، لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ ، لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَرْقٌ ، وَلَا بَيْنَ الْمُنْشِئِ وَالْمُنْشَاَ?، لكِنْ هُوَ الْمُنْشِئُ ، فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَصَوَّرَهُ وفرّقه (4) وَأَنْشَأَهُ ؛ إِذْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُ هُوَ شَيْئا» .

هديّة :(يونس بن ظبيان) كذّاب ملعون . وقال الغضائري : كوفيّ كذّاب وضّاع للحديث . (5) وقال النجاشي : مولى ضعيف جدّا لا يلتفت إلى روايته ، كلّ كُتُبه تخليط . (6) وقال الكشّي : متّهم غال . وروى أنّ الكاظم عليه السلام لعنه ألف لعنة يتبعها ألف لعنة ، كلّ لعنة منها يبلغ قعر جهنّم . (7) وقوله : «غال» يحتمل الغالي في التوحيد ، كالصوفيّة ، كما مرّ في الثالث في الباب العاشر . في بعض النسخ _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني (8) _ : «فزعم» مكان «يزعم» أي يدّعي . يحتمل (يجوّز) على المعلوم من التفعيل في الموضعين . والبارز في (ويله) والمستتر في «علم» لقائلِ ذلك القول اعتقادا لا تقيّة ، كهشام على الفرض . وفي قوله عليه السلام : (لو كان كما يقولون) على الجمع ، إشارة لطيفة على التوبيخ للقائلين بذلك اعتقادا . (لم يتجزّأ) يهمز على الأصل ، ولا يهمز تخفيفا . وكذا (المنشئ والمنشأ). (فرق بين من جسّمه) . قال برهان الفضلاء : من «الفرق» أو من «التفريق» يعني فرّق بين من جسّمه بتدبيره من وجوه ، كالفرق بين أفراد الإنسان والحيوان وغيرهما . وكذا فرّق بين أفراد من فرّقه وجزّاه ، وكذا بين أفراد من أنشأه واخترعه . وقال بعض المعاصرين : يعني فَرْق بينه وبين من جسّمه ، (9) فقرأ «فرق» على المصدر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي بين من جسّمه و«صوّره وأنشأه» وبين من لم يجسّمه ولم يصوّره ، أو بين كلّ ممّن جسّمه و غيره من المجسّمات . (10)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد ، عن عبداللّه بن المغيرة» .
2- . في الكافي المطبوع ، و هامش «الف» : «فزعم» .
3- . في الكافي المطبوع : «ويحه» .
4- . في الكافي المطبوع : - «وفرّقه» .
5- . رجال ابن الغضائري، ص 101، الرقم 152؛ وحكاه عنه في الخلاصة، ص 419، الرقم 2.
6- . رجال النجاشي ، ص 448 ، الرقم 1210 .
7- . رجال الكشي ، ص 363 _ 364 ، الرقم 672 _ 673 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 354 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 481 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 355 _ 356 .

ص: 164

. .

ص: 165

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ الْجِمَّانِيِّ ، (2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام : إِنَّ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ جِسْمٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، سَمِيعٌ ، بَصِيرٌ ، عَالِمٌ ، (3) قَادِرٌ ، مُتَكَلِّمٌ ، نَاطِقٌ ، وَالْكَلَامُ وَالْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ يَجْرِي مَجْرى وَاحِدٍ ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مَخْلُوقا . فَقَالَ :«قَاتَلَهُ اللّه ُ ، أَ مَا عَلِمَ أَنَّ الْجِسْمَ مَحْدُودٌ ، وَالْكَلَامَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ؟ مَعَاذَ اللّه ِ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللّه ِ مِنْ هذَا الْقَوْلِ ، لَا جِسْمٌ ، وَلَا صُورَةٌ ، وَلَا تَحْدِيدٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ سِوَاهُ مَخْلُوقٌ ، إِنَّمَا يُكَوَّنُ الْأَشْيَاءُ بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ ، وَلَا تَرَدُّدٍ فِي نَفَسٍ ، وَلَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ» .

هديّة :(الجماني) نسبة إلى أحد الأجداد . و«جمان» _ بالجيم والنون _ كغُراب : «اللّؤلؤ» . (مجرى واحد) على الإضافة . وما نسبه إلى ابن الحكم مذهب الحنابلة من العامّة بغفلتهم عن التناقض بين قولهم بالجسم وإقرارهم بأنّه ليس كمثله شيء ، وعن امتناع قدم الكلام . (قاتله اللّه ) أي قائله بغير تقيّة ، أو غرض صحيح . وقال برهان الفضلاء : لعلّ الهشام قال هذا الكلام قبل تشرّفه بخدمة الإمام ، و«زعم» على الماضي مؤيّد ، أو هذا الكلام منه كان في مجلس مباحثته تقيّة مع الجواليقي ، كما مرّ ، ف «قاتله اللّه » إنشاءُ التعجّب لا دعاءٌ عليه ، وقوله عليه السلام : «وأبرأ إلى اللّه من هذا القول» مكان القائل كما هو المتعارف مؤيّدٌ . (ولا تحديد) أي ولا محدود ، فالمصدر بمعنى المفعول . واحتمال الرفع والنصب جارٍ في المعطوف والمعطوف عليه . (إنّما يكون الأشياء بإرادته) دفع لشبهة توهّمت من قوله تبارك وتعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (4) ؛ وهي أنّ الكلام لو كان مخلوقا لكان مسبوقا بكلام آخر وهو قوله تعالى : «كُن» فيتسلسل . والجواب أنّ المراد منه إرادته ومشيّته . قال الزمخشري في كشّافه : «كُن» مجاز من الكلام ، وتمثيل ؛ لأنّه لا يمتنع عليه شيء من المكنونات ، وأنّه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع . (5) ضبط برهان الفضلاء «في نفس» بالتحريك . ويحتمل سكون الفاء ، فالمراد إرادة النفس .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبداللّه ، عن محمّد بن إسماعيل» .
2- . في الكافي المطبوع : «الحِمّاني» .
3- . في الكافي المطبوع : «عالم ، سميع ، بصير» بدل «سميع ، بصير ، عالم» .
4- . يس (36) : 82 .
5- . الكشّاف ، ج 4 ، ص 31 ، ذيل الآية 82 من يس (36) .

ص: 166

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : وَصَفْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَوْلَ هِشَامٍ الْجَوَالِيقِيِّ وَمَا يَقُولُ فِي الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ ، وَوَصَفْتُ لَهُ قَوْلَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ» .

هديّة :قد سبق بيان (الشابّ الموفّق) وتوجيه قول الهشامين . قال السيّد الدّاماد الملقّب بثالث المعلّمين : كلّ ما نسب إلى الهشامين من التشبيه _ وهما على الأصحّ من الموثّقين بل توثيقهما واستقامتهما كالمجمع عليه _ فمأوّل إلى وجهٍ صحيح وغرض صريح . (2) وقال الشهرستاني في الملل والنحل بعدما نقل أنّ هشام بن الحكم غلا في حقّ عليّ عليه السلام : وهذا هشام بن الحكم صاحب غور في الاُصول لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة ؛ فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنّه ألزم أبا هذيل العلّاف فقال : إنّك تقول : الباري تعالى عالم بعلمه (3) وعِلْمُه ذاتُه ، فيشارك المحدثات في أنّه عالم بعلم ، ويباينها في أنّ علمه ذاته فيكون عالما لا كالعالمين ، فلِمَ لا تقول : إنّه جسم لا كالأجسام ، وصورة لا كالصور ، وله قدر لا كالأقدار . (4) انتهى . وهو أيضا دليل منشأ الاشتباه على الناس في مذهب المشّائين . وما قيل : لعلّ صدور مثل ذلك عنهما قبل رجوعهما إلى الحقّ ، (5) فقد قيل : إنّ ابن الحكم كان قبل وصوله إلى خدمة الصادق عليه السلام حينا عند أبي شاكر الدّيصاني ، وحينا على رأي جهم بن صفوان، فلمّا وُفِّق لخدمة الصادق عليه السلام تاب ورجع إلى الحقّ ، فخلاف الظاهر من الأحاديث .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس» .
2- . لم نعثر عليه منه الفحص الأكيد .
3- . في المصدر : «بعلمٍ» .
4- . الملل والنحل ، ج 1 ، ص 185 .
5- . من القائلين الفيض في الوافي ، ج 1 ، ص 392 ؛ والسيّد بدرالدين العاملي في الحاشية على اُصول الكافي ، ص 88 .

ص: 167

. .

ص: 168

باب صفات الذات

الباب الثاني عشر : بَابُ صِفَاتِ الذَّاتِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ رَبَّنَا ، وَالْعِلْمُ ذَاتُهُ وَلَا مَعْلُومَ ، وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلَا مَسْمُوعَ ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلَا مُبْصَرَ ، وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلَا مَقْدُورَ ، فَلَمَّا أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَكَانَ الْمَعْلُومُ ، وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْهُ عَلَى الْمَعْلُومِ ، وَالسَّمْعُ عَلَى الْمَسْمُوعِ ، وَالْبَصَرُ عَلَى الْمُبْصَرِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُورِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَلَمْ يَزَلِ اللّه ُ مُتَحَرِّكا؟ قَالَ : فَقَالَ : «تَعَالَى اللّه ُ ؛ (2) إِنَّ الْحَرَكَةَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ بِالْفِعْلِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَلَمْ يَزَلِ اللّه ُ مُتَكَلِّما؟ قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّةٍ ، كَانَ اللّه ُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَلَا مُتَكَلِّمَ» .

هديّة :الألف واللام في (الذّات) في العنوان للعهد الخارجي ؛ يعني ذات الربّ تبارك وتعالى . وكلّ ما يحمل على الشيء بواسطة يُقال له : الصفة ، كالعلم يحمل على زيد في ضمن العالم وذي العلم ، وكذا القدرة في ضمن القادر وذي القدرة . وما يحمل على الشيء بلا واسطة يُقال له : الاسم . قال برهان الفضلاء : والمراد بالصفة الذات : الصفة التي يكون ثبوتها لذاته تعالى أزليّا وأبديّا بدوام الذات . وبعبارة اُخرى : هي التي لا يكون لها مصداق سوى الذات . وأمّا صفة الفعل ، فهي الصفة التي يكون ثبوتها (3) للذّات حادثا ومخصوصا بزمان وجود فعل من الأفعال ، فمصداقها المجموع المركّب من الذات والفعل ، والمجموع المركّب من الفعل وغير الفعل فعل ، كما سيجيء بيانه في آخر الباب الرابع عشر . وقال الفاضل الإسترابادي مولانا محمّد أمين رحمه الله : قد تقرّر في الحكمة والكلام أنّ الصفة قسمان : قسم له وجودان : وجود لغيره ، ووجود في نفسه كالبياض والسّواد . وهذا القسم له أسماء : منها : الصفة الحقيقيّة ، ومنها : الصفة الاستفهاميّة ، ومنها : الصّفة الزائدة على ذات الموصوف . وقسم له وجود لغيره فقط ، كالزوجيّة والفرديّة والإمكان والوجوب والعمى . وهذا القسم أيضا [له] أسماء : منها : الصفة الانتزاعيّة ، ومنها : الصفة الغير الحقيقيّة ، ومنها : الصفة الغير الزائدة . وقد تقرّر أيضا أنّ القسم الثاني ينقسم إلى قسمين : قسم منشأ انتزاعه مجرّد ذات الموصوف ، وقسم منشأ انتزاعه ذات الموصوف مع ملاحظة شيء آخر عدميّ أو وجوديّ معه . والمستفاد من كلامهم عليهم السلام أنّ صفاته تعالى كلّها انتزاعيّة ، وأنّ منشأ انتزاع بعضها مجرّد ذاته تعالى ، وعبّروا عليهم السلام عن هذا القسم بصفات الذات ، أي التي عين الذّات . ومنشأ انتزاع بعضها ذاته تعالى مع ملاحظة أثر من آثاره ، وعبّروا عليهم السلام عن هذا القسم بصفات الفعل ؛ أي التي مصداقها عين الفعل . ويستفاد من تصريحاتهم عليهم السلام أنّ كلّ صفة توجد هي ونقيضها في حقّه تعالى فهي من صفات الفعل ، وكلّ صفة ليست كذلك فهي من صفات الذات ، ولا ينتقض (4) تلك القاعدة بالأوّل والآخر ؛ لأنّ المراد من الأوّل في حقّه تعالى أنّه ليس قبله شيء و من الآخر أنّه ليس بعده شيء ، فلا تناقض بينهما . ثمّ قال : وأقول : يمكن إرجاع صفات الذات كلّها إلى معان سلبيّة ، مثلاً: نقول : ليس معنى القادر من قام به القدرة ، ولا معنى العالم من قام به العلم ، بل معناهما من ليس بعاجز ومن ليس بجاهل . ويمكن إرجاع صفات الفعل كلّها إلى معان وجوديّة ، مثلاً: معنى المشيئة والإرادة والتقدير : خلق نقوش في اللّوح المحفوظ مسمّاة بتلك الأسماء . ويمكن حمل صفات الذات على معان وجوديّة يصحّ انتزاعها منه تعالى . (5) وقال السيّد الداماد أمير محمّد باقر الحسيني رحمه الله : صفات الذات على قسمين : قسم لا إضافة له إلى غيره تعالى أصلاً ، كالحياة والبقاء . وقسم له إضافة إلى غيره ولكن يتأخّر إضافته عنه ، كالعلم والسّمع والبصر ؛ فإنّها عبارة عن انكشاف الأشياء في الأزل كلّيّاتها وجزئيّاتها ، كلٌّ في وقته وبحسب مرتبته وعلى ما هو عليه ، فيما لا يزال مع علمه بها في الأزل كما فيما لا يزال . وتسمّى مثل الخالقيّة والرازقيّة صفة الفعل ، وهي إضافة محضة . (6) ضمير «إضافته» و«عنه» في قوله للقسم . والغرض من حكاية قوله حكاية الاصطلاح لا غير . (لم يزل اللّه تبارك وتعالى ربّنا) لمّا ذهب أكثر الأشاعرة إلى أنّ صفات اللّه تعالى سبع : الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والتكلّم ؛ وكلّ منها موجودة في نفسها زائدة على الذات ، فأبطل عليه السلام بقوله هذا إلى قوله : «والقدرة على المقدور» قولهم في الخمس الاُول ، تعبيرا عن الحياة بالربوبيّة أزلاً وأبدا ؛ لاشتمالها على الحياة وزيادة . (وقع العلم منه) أي حدث لعلمه إضافة . قال الفاضل الإسترابادي : «وقع العلم منه على المعلوم» لا بمعنى أن التعلّق لم يكن بالفعل في الأزل ، بل الانطباق على المعلوم الخارجي ليس في الأزل ، أو يقال : العلم الحضوري ليس في الأزل . (7) ثمّ صرّح عليه السلام في الجوابين بعدُ : أنّ الإرادة والتكلّم حادثان فليسا بقديمين موجودين في نفسهما وإلّا لزم كون الذات محلّاً للحوادث . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا كان العلم عبارةً عمّا هو مناط انكشاف المنكشف على العالِم وكون العالم مطّلعا عليه ، والسمع كذلك إلى المسموع ، وكذا البصر بالنسبة إلى المبصَر ؛ والقدرة عبارةً عمّا هو مناط صحّة الصّدور واللّاصدور عن القادر حتّى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، وهي فينا كيفيّات وقوىً قائمة بذواتنا وأنفسنا ، ولا كذلك في حقّه سبحانه ، إنّما مناط هذه الاُمور ثمّة ذاته الأحديّة المقدّسة عن شوب الكيفيّات والقوى والعوارض والطوارئ ، فهو سبحانه موصوف بها بذاته ، ولا يسلب شيء منها عنه بالنسبة إلى شيء ممّا يصحّ نسبته إليه ، فلا يكون عالما بشيء وغير عالم بشيء يصحّ عليه المعلوميّة ، ولا يكون سميعا بشيء وغير سميع بشيء يصحّ عليه المسموعيّة ، وبصيرا بشيء وغير بصير بشيء يصحّ عليه المبصَريّة ، وقادرا على شيء وغير قادر على شيء يصحّ عليه المقدوريّة . (8) فهي صفات الذات ، وللذات بذاته المناطيّة فيها ، ولا مدخل للغير فيه . (قال : قلت : فلم يزل اللّه متحرّكا؟) أي متغيّرا بتغيّر الإرادة إذا كانت عين الذات . فأجاب عليه السلام : بأنّ الإرادة محدثة بسبب الفعل ، وهي نفس الإيجاد ، أو الفعل ، بمعنى المفعول ، كما سيفصّل بيانه في باب حدوث الأسماء . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فلم يزل اللّه متحرّكا؟» سؤال عن كونه منتقلاً من حال إلى حال . والجواب : نفي جواز اتّصافه بالحركة ؛ لكونها محدثة بالفعل ، أي بالإيجاد والتأثير ، فيكون من الموجودات الزائدة على الذات ، لا من السّلوب والإضافات ، فلا يمكن اتّصافه بها فضلاً عن أن يتّصف بها لذاته . (9) وقرأ برهان الفضلاء : «محدّثة» في الموضعين بالتشديد ، أي معدودة من الحوادث . قال : ويحتمل : «ولا متكلَّم» بفتح اللام ، أي المتكلّم به ، وهو الكلام أو المتكلّم له ؛ أي المخاطب . والمضبوط كسر اللام . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فلم يزل اللّه متكلّما؟» سؤال عن كون الكلام من صفاته الحقيقيّة الذاتيّة . والجواب : أنّ الكلام صفة محدَثة غير أزليّة ، والكلام فيه كالكلام في الحركة ، فلا اتّصاف له به حقيقة ، لا أزلاً ولا فيما يزال . والاتّصاف به فيما لا يزال إنّما يكون بالاتّصاف بالإضافة إليه ؛ حيث لا يعتبر في كون الكلام كلامَه قيامُ الكلام به ، كما هو في الحاضر ، وذلك بخلاف الحركة ؛ حيث يعتبر في كونها حركة للمتحرّك بها قيامها به . (10)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . في الكافي المطبوع : + «عن ذلك» .
3- . في جميع النسخ الثلاث : «ثبوته» .
4- . في المصدر : «و إلّا تنقض» بدل «ولا ينتقض» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 116 .
6- . لم نعثر عليه، نعم يمكن استفادة ذلك من تضاعيف كلامه في تقويم الإيمان، ص 309 _ 314 و 378 _ 380.
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 117 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 357 _ 358 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 358 .
10- . المصدر .

ص: 169

. .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«كَانَ اللّه ُ وَلَا شَيْءَ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَزَلْ عَالِما بِمَا يَكُونُ ؛ فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ» .

هديّة :من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين ، وعلمه بما في السماوات العُلى كعلمه بما في الأرضين السُّفلى» . (2) وقال عليه السلام : «لم يسبق له حال حالاً ، فيكون أوّلاً قبل أن يكون آخرا ، ويكون ظاهرا بعد أن يكون باطنا» (3) يعني حتّى يكون كذلك تعالى عن ذلك . قال برهان الفضلاء : الحديث ردّ على من قال : العلم بما لم يوجد بعدُ غير العلم به إذا وجد . ومن الحجج على بطلانه ، أنّ هذا القول على فرض صحّته لزم بطلانه ؛ لاستلزامه أن لا يكون العلم الأوّل بعلمٍ ؛ إذ لا يحدث علم إلّا بزوال جهل سابق ، ولا يزول علم إلّا بحدوث جهل لاحق . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ولم يزل عالما بما يكون» أي كان اللّه عالما لذاته (4) بجميع الأشياء ولم يكن شيئا موجودا غيره ، فهو لذاته بذاته مناط انكشاف جميع الأشياء [لا الأشياء بوجودها] (5) فعلمه بكلّ ما يوجد قبل كونه ، كعلمه به بعد كونه ؛ لعدم الاختلاف في مناط الانكشاف . (6) أقول : لا يلزم من اختلاف نسبة شيء وإضافته اختلافه بالاتّفاق ، فلا يلزم من تغيّر إضافات العلم وهو عين الذات إلّا التغيّر في الاعتبارات ، وهذا ملخّص البيانات .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين» .
2- . نهج البلاغة ، ص 233 ، الخطبة 163 .
3- . نهج البلاغة ، ص 96 ، الخطبة 65 .
4- . في المصدر : «لذاته عالما» .
5- . أضفناه من المصدر .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 359 .

ص: 173

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) عَنِ الْكَاهِلِيِّ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : فِي دُعَاءٍ : الْحَمْدُ لِلّهِ مُنْتَهى عِلْمِهِ؟ فَكَتَبَ إِلَيَّ :«لَا تَقُولَنَّ مُنْتَهى عِلْمِهِ ؛ فَلَيْسَ لِعِلْمِهِ مُنْتَهىً ، وَلكِنْ قُلْ : مُنْتَهى رِضَاهُ» .

هديّة :وذلك لأنّ العلم من صفات الذات والرّضا من صفات الفعل ، فإنّ مصداقه إعطاء الثواب ، ورضاه سبحانه عن عبده غير الرضا عن الآخر . قال برهان الفضلاء : «منتهى» مصدر ميميّ ، وقد يستعمل المصادر بمعنى مقاديرها ، كرأيته حَلَب ناقة، ومن هذا القبيل «منتهى علمه ومنتهى رضاه» أي مقدار انتهائهما . ولا منتهى لعلمه ورضاه من صفات الفعل . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فليس لعلمه منتهى» أي ليس لمعلوماته عدد متناهٍ ، فلا يكون لعلمه عدد مُنْتَهٍ إلى حدّ ، أو ليس لعلمه بحمده نهاية بانتهاء حمده إلى حدّ لا يتصوّر فوقه حمد ، فلا يصحّ «الحمد للّه منتهى علمه» بمعنى «الحمد للّه حمدا بالغا عددا هو عدد منتهى علمه» . ولا بمعنى «الحمد للّه حمدا بالغا حدّا لا يتصوّر حمد فوقه، ويكون هو نهاية معلومه سبحانه في حمده . (2) وقوله : «ولكن قل : منتهى رضاه) أي قل : هذا منتهى علمه ؛ فإنّه يصحّ على الوجه الأوّل ؛ فإنّ لرضاه بحمد العبد منتهىً عددا ، وعلى الوجه الثاني ؛ فإنّ لرضاه بحمد العبد حدّا لا تجاوزه ، ولا ريب في جواز انتهاء الرّضا على الوجهين .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 361 .

ص: 174

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَعْدِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ النخعي : (1) أَنَّهُ كَتَبَ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام يَسْأَلُهُ عَنِ اللّه ِ تعالى : أَ كَانَ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَكَوَّنَهَا ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذلِكَ حَتّى خَلَقَهَا وَأَرَادَ خَلْقَهَا وَتَكْوِينَهَا ، فَعَلِمَ مَا خَلَقَ عِنْدَ مَا خَلَقَ ، وَمَا كَوَّنَ عِنْدَ مَا كَوَّنَ؟ فَوَقَّعَ عليه السلام بِخَطِّهِ :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ تعالى عَالِما بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَشْيَاءَ كَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ بَعْدَ مَا خَلَقَ الْأَشْيَاءَ» .

هديّة :يعني إلى أبي الحسن الثالث الهادي عليه السلام . وأيّوب بن نوح بن درّاج النخعي ثقة ، له كتب وروايات ومسائل عن الهادي عليه السلام ، وكان وكيلاً للعسكريّين عليهماالسلام . وجميل عمّه . (2) وحاصل جوابه عليه السلام _ كما سبق _ : أنّ الاختلاف في المعلوم بالوجود العيني وعدمه لا يوجب الاختلاف في العلم الذي عين الذات ، بل في نسبته في الوقوع على المعلوم قبل الإيجاد وبعده . قال السيّد الأجلّ النائيني : «لم يزل اللّه تعالى عالما» أي كان اللّه عالما بكلّ شيء قبل أن يخلقه ، كعلمه به بعد خلقه بلا اختلاف وتفاوت في العلم والانكشاف قبل الخلق وبعده ، فلا يحصل بالحضور الوجوديّ زيادةٌ في الانكشاف ، ولا يحصل به شيء له لم يكن قبله ، إنّما الاختلاف في المعلوم بالوجود العيني وعدمه ... فذاته سبحانه مناط لجميع أنحاء الانكشافات، فعالم بنحو الإدراك الجزئي كما هو عالم بنحو الإدراك الكلّي ، ووجود الظلّي والمثالي اللّازم للانكشاف للأشخاص لا يتوقّف على المادّة العينيّة وتوابعها ، فيصحّ قبل الخلق كما يصحّ بعده ، فهو لم يزل عالم بجميع الأشياء كلّيّاتها وجزئيّاتها ، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماء ولا في الأرض . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عيسى ، عن أيّوب بن نوح» .
2- . رجال النجاشي ، ص 102 ، الرقم 254 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 59 ، الرقم 1 . وفي المصدرين : «وأخوه جميل بن درّاج» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 361 و 363 . بتقطيع في العبارة .

ص: 175

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلِ ، (1) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام أَسْأَلُهُ أَنَّ مَوَالِيَكَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلْمِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما قَبْلَ فِعْلِ الْأَشْيَاءِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا نَقُولُ : لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما ؛ لِأَنَّ مَعْنى «يَعْلَمُ» «يَفْعَلُ» ، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعِلْمَ ، فَقَدْ أَثْبَتْنَا فِي الْأَزَلِ مَعَهُ شَيْئا ، فَإِنْ رَأَيْتَ _ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ _ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِنْ ذلِكَ مَا أَقِفُ عَلَيْهِ وَلَا أَجُوزُهُ . فَكَتَبَ بِخَطِّهِ عليه السلام :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما تَبَارَكَ وَتَعَالى ذِكْرُهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد» .

ص: 176

هديّة :(إلى الرجل) يعني أبا الحسن الثالث الهادي عليه السلام . عالم بالأشياء قبل خلقها ، كعلمه بها بعد خلقها . (لأنّ معنى يعلم يفعل) تقرير لدليل الشبهة بأنّ العلم قبل الإيجاد محال ؛ إذ لابدّ للعلم أزلاً بالشيء من تحقّقه أزلاً ؛ لأنّ العلم لا ينفكّ عن المعلوم ، فأجاب عليه السلام بما مفاده أنّ علمه تعالى عين ذاته ، وانكشاف الممكنات المعدومة لا يوجب وجودها في الأزل . وقال برهان الفضلاء : «لأنّ معنى يعلم يفعل» يعني لأنّ مصداق يعلم أن يفعل ، فيجوز النصب بالإعمال والرّفع بالإهمال . ثمّ قال : وهذا الدليل بناؤه على مقدّماتٍ ثلاث : الاُولى: أنّ العلم بلا شيء محض محال . والثانية : أنّ الشيئيّة منحصرة في الوجود ذهنا أو خارجا . والثالثة : أنّ ما سوى اللّه موجود بالإيجاد ، سواء كان موجودا في نفسه في الذّهن ، أو موجودا في نفسه في الخارج . فالإمام عليه السلام أجاب بما أجاب من غير توجّه إلى دفع الشبهة ؛ لظهور دفعها بمنع المقدّمة الاُولى . والمعتزلة أجابوا عن هذه الشبهة بمنع المقدّمة الثانية؛ لقولهم بثبوت المعدومات في الخارج . وقال الفاضل الإسترابادي : قد ذكر ابن سينا شبهة عجز عن جوابها، وكان قول السائل : «فقد أثبتنا في الأزل شيئا» إشارة إليها ، وهي أنّ علمه تعالى في الأزل متعلّق بكلّ مفهوم ، فلابدّ للمفهومات من وجود أزلي ، فوجودها في الأزل إمّا خارجيّ أو ذهني ، وعلى التقديرين هي قائمة بأنفسها أو بغيرها . وعلى تقدير قيامها بغيرها فهي قائمة بذاته تعالى أو بغيره تعالى ، والكلّ محال . فذكر صاحب المحاكمات احتمالاً في الوجود الذهني ، وهو أن يكون وجود ذهني من غير قيام الموجود الذهني بشيء . وجواب الشبهة منحصر في التمسّك بهذا الاحتمال بأن يقال : ذاته تعالى وجود ذهني لكلّ المفهومات الغير المتناهية من غير قيام الوجود بها ، ومن غير قيامها بشيء ، ومن غير قيامها بنفسها . وتوضيحه: أنّه تعالى علم بتلك المفهومات ، ووجودها الذهني عين علمه تعالى ، وليست للمفهومات بحسب هذا الوجود تشخّصات بها يمتاز بعضها عن بعض ، ولا يتّصف في هذا الوجود بشيء من صفاتها ، وإلّا لزم تعدّد الموصوفات في الأزل ، وهو محال . ثمّ قال : وأقول: بعد أن ثبت بالأدلّة العقليّة والنقليّة أنّه علمه تعالى أزليّ متعلّق في الأزل بجميع المفهومات ، وانحصر جواب الشبهة في الاحتمال الذي ذكره صاحب المحاكمات ، صار ذلك الاحتمال ثابتا بالبرهان . والمستفاد من كلامهم عليهم السلام أنّ علمه (1) تعالى من صفات الذات وأنّه قديم ، فبطل ما زعمه جمعٌ من أنّ له تعالى علمين : أزليّ إجماليّ حصوليّ هو عين ذاته تعالى ، وتفصيليّ حضوريّ هو عين سلسلة الممكنات التي خلقها اللّه تعالى . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لأنّ معنى يعلم يفعل» يحتمل وجهين : أحدهما : أنّ تعلّق علمه تعالى بشيء يوجب وجود ذلك الشيء وتحقّقه ، فلو كان لم يزل عالما ، كان لم يزل فاعلاً وكان معه شيء في الأزل في مرتبة علمه ؛ أعني ذاته ، أو غير مسبوق بعدم زمانيّ ، وهذا على تقدير كون علمه فعليّا . وثانيها : أنّ تعلّق العلم بشيء يستدعي انكشاف ذلك الشيء ، وانكشاف الشيء يستدعي نحو حصول له ، وكلّ حصولٍ ووجودٍ لغيره سبحانه مستندا إليه تعالى ، فيكون من فعله ، فيكون معه في الأزل شيء من فعله . فأجاب عليه السلام : بأنّه لم يزل اللّه عالما ، ولم يلتفت إلى بيان فساد متمسّك نافيه ؛ لأنّه أظهر من أن يحتاج إلى البيان ؛ فإنّه على الأوّل مبنيّ على كون العلم فعليّا ، وهو ممنوع ، ولو سلّم فلا يستلزم فعليّة العلم عدم انفكاك المعلوم عنه عينا ، بمعنى عدم مسبوقيّته بعدمٍ زمانيّ ، أو كون المعلوم في مرتبة العالم . وعلى الثاني مبنيّ على كون الصور العلميّة صادرةً عنه صدور الاُمور العينيّة ، فيكون من أقسام الموجودات العينيّة ومن أفعاله سبحانه ، وهو ممنوع ، فإنّ الصور العلميّة توابع غير عينيّة لذات العالِم ، ولا يحصل لها عدا الانكشاف لدى العالِم ، ولا حظّ لها من الوجود والحصول العيني أصلاً ، ولا مسبوقيّة لها إلّا بذات العالِم ، لكنّها ليست في مرتبة ذاته ، ولا يجب فيها نحو التأخّر الذي للأفعال الصادرة عن المبدأ بالإيجاد . (3) أقول : قد سمعت وفهمت أقوال هؤلاء الفضلاء المتبحّرين ، وأيقنت أنّ مفاد بياناتهم في دفع تلك الشبهة يؤول إلى أمر واحد ، وهو الإقرار بالعجز عن دركهم كيفيّة علمه تعالى بمعلوماته ، وذلك لاجتهادهم جدّا في الفرار عن القياس ، ولا يمكنهم درك شيء بحقيقة كيفيّة إلّا بالقياس إلى ما هو معلوم لهم حقيقةً ، مثل كيفيّة علم المخلوق ، وعلم المخلوق غير ذاته ، وعلم الخالق تعالى عين ذاته ؛ ولذا اكتفى عليه السلام في الجواب بما هو الثابت المقطوع به عن الحجّة المعصوم العالم العاقل عن اللّه ، فأشار بل صرّح فيه بأنّ علم المخلوق بكيفيّة علمه تعالى محال ، كعلمه بكيفيّة ذاته وحقيقة كنهه تعالى وعلمه سبحانه عين ذاته ، سبحان من لم يزل ربّا عالما ، تعالى شأنه عمّا يقولون .

.


1- . كذا في المصدر ، وفي المخطوطة : «أنّه» بدل «أنّ علمه» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 117 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 363 _ 364 .

ص: 177

. .

ص: 178

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُكَّرَةَ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعَلِّمَنِي هَلْ كَانَ اللّه ُ _ جَلَّ وَجْهُهُ _ يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَنَّهُ وَحْدَهُ؟ فَقَدِ اخْتَلَفَ مَوَالِيكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ كَانَ يَعْلَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئا مِنْ خَلْقِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّمَا مَعْنى «يَعْلَمُ»: «يَفْعَلُ» ، فَهُوَ الْيَوْمَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا غَيْرُهُ قَبْلَ فِعْلِ الْأَشْيَاءِ ، فَقَالُوا : إِنْ أَثْبَتْنَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَالِما بِأَنَّهُ لَا غَيْرُهُ ، فَقَدْ أَثْبَتْنَا مَعَهُ غَيْرَهُ فِي أَزَلِيَّتِهِ ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَا سَيِّدِي ، أَنْ تُعَلِّمَنِي مَا لَا أَعْدُوهُ إِلى غَيْرِهِ . فَكَتَبَ عليه السلام : «مَا زَالَ اللّه ُ عَالِما تَبَارَكَ وَتَعَالى ذِكْرُهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد» .

ص: 179

هديّة :(سكّرة) واحدة «السّكر» بالضمّ والكاف المفتوحة المشدّدة فارسيّ معرّب . و(فضيل) هذا من أصحاب الباقر عليه السلام . وبيان الحديث كسابقه ببياناته .

.

ص: 180

باب آخر و هو من الباب الأوّل

الباب الثالث عشر : بَابٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ الْقَدِيمِ :«إِنَّهُ وَاحِدٌ ، صَمَدٌ ، أَحَدِيُّ الْمَعْنى ، لَيْسَ بِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ» . قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، يَزْعُمُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهُ يَسْمَعُ بِغَيْرِ الَّذِي يُبْصِرُ ، وَيُبْصِرُ بِغَيْرِ الَّذِي يَسْمَعُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «كَذَبُوا ، وَأَلْحَدُوا ، وَشَبَّهُوا ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، يَسْمَعُ بِمَا يُبْصِرُ ، وَيُبْصِرُ بِمَا يَسْمَعُ» . قَالَ : قُلْتُ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ بَصِيرٌ عَلى مَا يَعْقِلُونَهُ؟ قَالَ : فَقَالَ : «تَعَالَى اللّه ُ ، إِنَّمَا يُعْقَلُ مَا كَانَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ وَلَيْسَ اللّه ُ كَذلِكَ» .

هديّة :هذا الباب من تمام سابقه ، إلّا أنّ المقصود هناك إثبات أزليّة صفات الذات ، وهنا إثبات لازم تلك الأزليّة بنفي التعدّد في مصداق تلك الصفات . و(في صفة القديم) إشارة إلى امتناع تعدّد القديم . (واحد) متفرّد في صفاته . (صمد) مصمود إليه لجميع ما سواه . (أحديّ المعنى) متوحّد في الوحدة . (ليس بمعاني كثيرة) بزيادة الصفات على الذات . (قال : فقال : كذبوا) يحتمل التشديد ، يعني الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (وشبّهوا) وقاسوا . «على» في (على ما يعقلونه) نهجيّة . (إنّما يعقل) على المعلوم أو خلافه ، من باب ضرب ، فدليل لما قلناه في آخر هديّة الخامس في الباب السابق ؛ يعني إنّما يعقل بالعقل والذّهن . وضبط برهان الفضلاء : «إنّما يُعقل» على المجهول . قال : «على ما يعقلونه» أي على نهج هيكل يعقلونه باسم غير مشتقّ . (ليس اللّه كذلك) أي محال أن يعقل في ذهن باسم غير مشتقّ . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لعلّ المراد بواحديّته أن لا يشاركه غيره في حقيقته ، بل أن لا يجوز عليه المشاركة ؛ لتشخّصه بذاته تعالى ، وبصمديّته كونه غير محتمل لأن يحلّه غيره ، ولا يصحّ عليه الخلوّ عمّا يمكن أن يدخل فيه . وبأحديّته أن لا يصحّ عليه الائتلاف من معانٍ متعدّدة ، أو الانحلال إليها . و«ليس بمعانٍ كثيرة» تفسير لأحديّ المعنى . ويحتمل أن يكون بمنزلة المفسّر لكلّ واحدٍ من الثلاثة ؛ فإنّ ما يصحّ عليه المشاركة لا محالة له حقيقة وتشخّص متغايرين ، (2) وما يصحّ عليه القبول لشيء وحلول الشيء فيه يكون مستكملاً بمعانٍ كثيرة مختلفة ، فنفي المعاني الكثيرة المختلفة بتصحيح الواحديّة والصمديّة والأحديّة . وقوله : «إنّه يسمع بغير الذي يبصر» أي مناط الإبصار فيه غير مناط السّمع ، وبالعكس . ولمّا كان هذا إنّما يصحّ بالتألّف والتركّب ردّ عليهم بقوله : «كذبوا وألحدوا وشبّهوا» أي قالوا بما لا يطابق الواقع ، ومالوا عمّا هو الحقّ في توحيده من أحديّته ، وشبّهوه بمخلوقه «تعالى اللّه عن ذلك» علوّا كبيرا . ثمّ صدع بالحقّ وقال : «يسمع بما يبصر ، ويبصر بما يسمع» أي مناطهما فيه سبحانه واحد ، ويصحّ على مناط إبصاره أن يكون مناطا لسمعه وبالعكس ؛ لأنّه مناط لكلّ واحدٍ منهما بذاته الأحديّة . وقوله : «إنّما يعقل ما كان بصفة المخلوق» أي تعالى اللّه عن أن يتّصف بما يحصل ويرتسم في العقول والأذهان ؛ لأنّه لا يحاط بالعقول إلّا ما كان بصفة المخلوق . (3) أقول : يعني إنّما يعقل بالعقل والوجود الذهني . وفي توحيد الصدوق رحمه الله بإسناده عن الصادق عليه السلام أنّه قيل له : إنّ رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول : إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ لم يزل سميعا بسمع ، وبصيرا ببصر وعليما بعلم وقادرا بقدرة ، فغضب عليه السلام ثمّ قال : «من قال بذلك ودان به فهو مشرك ، وليس من ولايتنا على شيء ؛ إنّ اللّه تبارك وتعالى ذاتٌ علّامة سميعة بصيرة قادرة» . (4) وفي رواية اُخرى عن الرضا عليه السلام : «مَن قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع اللّه آلهةً اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء» ثمّ قال عليه السلام : «لم يزل اللّه عزّ وجلّ عليما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته تعالى عمّا يقول المشركون [والمشبّهون] علوّا كبيرا» . (5) وبإسناده عن محمّد بن عروة، قال : قلت للرضا عليه السلام : خلق اللّه الأشياء بقدرة أم بغير قدرة؟ فقال : «لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة ؛ لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك ، وإذا قلت : خلق الأشياء بقدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره» . (6) وبإسناده عن هشام بن سالم، قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقال لي : «أتنعت اللّه ؟» قال : قلت : نعم ، قال : «هات» فقلت : هو السميع البصير ، قال : «هذه صفة يشترك فيها المخلوقون .» قلت : فكيف تنعته؟ قال : «هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياةٌ لا موت فيه ، وعلمٌ لا جهل فيه ، وحقٌّ لا باطل فيه» ، فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد . (7) وبإسناده عن الصادق عليه السلام قال : «هو نورٌ ليس فيه ظلمة ، وصدقٌ ليس فيه كذب ، وعدلٌ ليس فيه جور ، وحقٌّ ليس فيه باطل ، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين . وكذلك كان إذ لم تكن أرضٌ ولا سماء ، ولا ليلٌ ولا نهار ، ولا شمسٌ ولا قمر ولا نجوم ، ولا سحاب ولا مطر ولا رياح» . (8) قوله عليه السلام : «هو نورٌ لا ظلمة فيه» يعني ليس كمثله شيء لا في الذّهن ولا في الخارج، فثبت أنّ نوارنيّته تعالى ليست من مقولة النورانيّة المعقولة التي تقابلها الظلمانيّة كذلك ، كما مرّ من أنّ وحدته تعالى ليست داخلة في وحدة الأعداد ، وهكذا صدقه ليس من مقولة صدق المخلوق ، وهكذا في الجميع ؛ وسرّه أنّ صفات ذاته تعالى عين ذاته، وهو سبحانه متفرّد بالخالقيّة وجميع ما سواه بالمخلوقيّة . وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، ومَن قرنه فقد ثنّاه ، ومَن ثنّاه فقد جزّأه، ومَن جزّأه فقد جهله .» الحديث . (9) «فقد قرنه» أي بقديم آخر . «فقد جزّاه» ؛ لأنّ كلّ واحد من اثنين بعض المجموع . «فقد جهله» يحتمل التشديد .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى عبيد».
2- . في المصدر : «المتغايران» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 365 _ 366 .
4- . التوحيد ، ص 143 _ 144 ، ح 8 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 63 ، ح 2 .
5- . التوحيد ، ص 139 _ 140 ، ح 3 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 62 ، ح 1 .
6- . التوحيد ، ص 130 ، ح 12 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، 136 ، ح 3 .
7- . التوحيد ، ص 146 ، ح 14 ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 70 ، ح 16 .
8- . التوحيد ، ص 128 ، ح 8 ؛ وعنه في البحار ، ج 3 ، ص 306 ، ح 44 .
9- . نهج البلاغة ، ص 39 ، الخطبة 1 .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ _ الَّذِي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام _ أَنَّهُ قَالَ لَهُ : أَ تَقُولُ : إِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، سَمِيعٌ بِغَيْرِ جَارِحَةٍ ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ آلَةٍ ، بَلْ يَسْمَعُ بِنَفْسِهِ ، وَيُبْصِرُ بِنَفْسِهِ ، وَلَيْسَ قَوْلِي : إِنَّهُ سَمِيعٌ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ شَيْءٌ وَالنَّفْسُ شَيْءٌ آخَرُ ، وَلكِنِّي أَرَدْتُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِي ؛ إِذْ كُنْتُ مَسْؤُولاً ، وَإِفْهَاما لَكَ ؛ إِذْ كُنْتَ سَائِلاً ، فَأَقُولُ : يَسْمَعُ بِكُلِّهِ لَا أَنَّ كُلَّهُ لَهُ بَعْضٌ ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَنَا لَهُ بَعْضٌ ، ولكِنْ أَرَدْتُ إِفْهَامَكَ ، وَالتَّعْبِيرَ عَنْ نَفْسِي ، وَلَيْسَ مَرْجِعِي فِي ذلِكَ كُلِّهِ إِلَا إِلى أَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْعَالِمُ الْخَبِيرُ ، بِلَا اخْتِلَافِ الذَّاتِ ، وَلَا اخْتِلَافِ مَعْنىً» .

هديّة :قد سبق هذا الحديث بتفاوت يسير ببيانه في السادس من الباب الثاني . قال برهان الفضلاء : لعلّ هذا التفاوت من سهو نسّاخ الكافي لعدم التفاوت سندا وحكايةً .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العبّاس بن عمرو» .

ص: 185

باب الإرادة أنّها من صفات الفعل ، و سائر صفات الفعل

الباب الرابع عشر : بَابُ الْاءِرَادَةِ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ ، وَ سَائِرِ صِفَاتِ الْفِعْلِوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنِ النَّضْرِ ، (1) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : لَمْ يَزَلِ اللّه ُ تعالى مُرِيدا؟ قَالَ :«إِنَّ الْمُرِيدَ لَا يَكُونُ إِلَا لِمُرَادٍ مَعَهُ ، لَمْ يَزَلِ اللّه ُ عَالِما قَادِرا ، ثُمَّ أَرَادَ» .

هديّة :في بعض النسخ : «إلّا المراد» بالألف واللام . وعليهما يعني أنّ إرادة اللّه تعالى من صفات الفعل وحادثة كسائر صفات الفعل من المشيئة والرّضا والغضب وأمثالها ، كما سيبيّن إن شاء اللّه تعالى . قيل : اُريد بالإرادة هنا الإيجاد والإحداث _ كما نصّ عليه في الثالث _ دون الإرادة بمعنى العلم الذي هو عين ذاته سبحانه . (2) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : قوله : «لا يكون إلّا لمراد معه» يمكن حمل المعيّة على المعيّة في طرف الإرادة ، فحينئذٍ يجوز حمل الإرادة على ما يعمّ أقسامها الثلاثة ؛ أعني إرادته تعالى فعله ، وإرادته تعالى أفعال العباد ، وإرادة العباد أفعالهم . ويمكن حملها على المعيّة بحسب الوجود الخارجي ، فحينئذٍ يتعيّن حمل الإرادة على فرد منها ، وهو إرادته تعالى الحتميّة المتعلّقة بفعله تعالى المشار إليها بقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» . (3) وقال برهان الفضلاء : «لا يكون» تامّة ، أو ناقصة بتقدير لا يكون مريدا . والاستثناء مفرّغ ، أي لا يكون لمصداق إلّا لمراده . واللام في «لمراد» للآلة ومدخولها مصداق الإرادة . و«مع» مكان واو العطف ، كاشتريت العبد مع ثيابه . ثمّ قال : والإرادة على أربعة أقسام : الأوّل : ما هو المتعلّق بفعل المريد ، أو بفعل فعله ، أو بفعل سبب من أسباب فعله . والثاني : ما هو المتعلّق بفعل المريد لا على النهج المذكور ، كالميل إلى فعل شيء، سواء كان مع العزم بذلك أم لا ، كما نقل في حكاية يوسف عليه السلام . والثالث : ما هو المتعلّق بفعل الغير على نهج الطلب . والرابع : ما هو المتعلّق بفعل الغير لا على نهج الطلب ، كمجرّد الميل إلى وقوع شيء من شيء . وهي بأقسامها حادثة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ المريد لا يكون إلّا المراد معه» أي لا يكون المريد بحال إلّا حال كون المراد معه ، ولا يكون مفارقا عن المراد . وحاصله : أنّ ذاته سبحانه مناط لعلمه وقدرته ؛ أي صحّة الصدور واللّا صدور ، بأن يريد فيفعل ، وأن لا يريد فيترك ، فهو بذاته مناط لصحّة الإرادة وصحّة عدمها ، فلا يكون بذاته مناطا للإرادة وعدمها ، بل المناط فيها الذات مع حال المراد . فالإرادة ، أي المخصّصة لأحد الطرفين لم يكن من صفات الذات ، فهو بذاته عالم قادر مناط لهما ، وليس بذاته مريدا مناطا لها ، بل بمدخليّة مغاير متأخّر عن الذات ، وهذا معنى قوله : «لم يزل عالما قادرا ثمّ أراد» . (4) فردّ على القائلين بالإيجاب وقدم العالم؛ فإنّ الإرادة عندهم عبارة عن اقتضاء الطبيعة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، عن الحسين بن سعيد الأهوازي ، عن النضر بن سويد» .
2- . قاله الفيض في الوافي ج 1 ، ص 455 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 118، والآية في يس (36) : 82 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 367 .

ص: 186

. .

ص: 187

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : عِلْمُ اللّه ِ وَمَشِيئَتُهُ هُمَا مُخْتَلِفَانِ أَوْ مُتَّفِقَانِ؟ فَقَالَ :«الْعِلْمُ لَيْسَ هُوَ الْمَشِيئَةَ ؛ أَ لَا تَرى أَنَّكَ تَقُولُ : سَأَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللّه ُ تعالى ، وَلَا تَقُولُ : سَأَفْعَلُ كَذَا إِنْ عَلِمَ اللّه ُ ، فَقَوْلُكَ : «إِنْ شَاءَ اللّه ُ» دَلِيلٌ عَلى أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ ؛ فَإِذَا شَاءَ ، كَانَ الَّذِي شَاءَ كَمَا شَاءَ ، وَعِلْمُ اللّه ِ السَّابِقُ لِلْمَشِيئَةِ» .

هديّة :«المشيئة» قد يطلق مترادفة للإرادة ، وقد يفرّق بينهما بانضمام الجِدّ في الإرادة دون المشيئة . قال برهان الفضلاء : ذهبت الفلاسفة إلى اتّحاد علم اللّه ومشيّته ، وعلمُه تعالى عندهم فعلي سبب لوجود المعلوم لا انفعالي تابع للمعلوم . وإلى أنّ نسبة علمه تعالى إلى معلومه كنسبة كلام إنشائي إلى مضمونه، لا كنسبة كلام خبريّ إلى مضمونه . و(علم اللّه ) مبتدأ و(السابق المشيئة) خبر ، كزيد الحسن الوجه ، أي سابق على مشيّته . واحتمل برهان الفضلاء : «السائق» بالهمز مكان المفردة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ولا تقول سأفعل كذا إن علم اللّه » أي ليس معنى المشيئة معنى العلم بعينه ؛ فإنّ العلم هو مناط الانكشاف ، والمشيئة مخصّص المنكشف برجحان الوقوع والصدور ، فمن المعلوم ما يشاء ، ومنه ما لا يشاء . ويحتمل إعمال «السابق» ونصب «المشيئة» وإضافة «السابق» إلى «المشيئة» من باب الضارب الرجل . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن عليّ بن أسباط» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 367 _ 368 .

ص: 188

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَخْبِرْنِي عَنِ الْاءِرَادَةِ مِنَ اللّه ِ وَمِنَ الْخَلْقِ؟ قَالَ : فَقَالَ :«الْاءِرَادَةُ مِنَ الْخَلْقِ : الضَّمِيرُ وَمَا يَبْدُو لَهُمْ بَعْدَ ذلِكَ مِنَ الْفِعْلِ ، وَأَمَّا مِنَ اللّه ِ ، فَإِرَادَتُهُ إِحْدَاثُهُ لَا غَيْرُ ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَوِّي ، وَلَا يَهُمُّ ، وَلَا يَتَفَكَّرُ ، وَهذِهِ الصِّفَاتُ مَنْفِيَّةٌ عَنْهُ ، وَهِيَ صِفَاتُ الْخَلْقِ ؛ فَإِرَادَةُ اللّه ِ تَعَالى هي (2) الْفِعْلُ لَا غَيْرُ ذلِكَ ؛ يَقُولُ لَهُ : «كُنْ» فَيَكُونُ بِلَا لَفْظٍ ، وَلَا نُطْقٍ بِلِسَانٍ ، وَلَا هِمَّةٍ ، وَلَا تَفَكُّرٍ ؛ وَلَا كَيْفَ لِذلِكَ ، كَمَا أَنَّهُ لَا كَيْفَ لَهُ» .

هديّة :(الضمير) : الخاطر ، يعني تصوّر الفعل مع ما يظهر للمريد من اعتقاد النفع أو ظنّه ، ثمّ الرويّة ، أي القصد الراجح ، ثمّ الهمّة ، أي تأكّد القصد وهو العزم الجازم ، ثمّ انبعاث الشوق ، ثمّ تأكّده إلى أن يصير إجماعا باعثا على الفعل . وكلّ ذلك فينا إرادة بأعوانها بين ذاتنا وبين الفعل ، وهي أسباب الفعل فقوله : (من الفعل) أي من أسباب الفعل . وقيل : المشار إليه ل«ذلك» مجموع ما يتوسّط . (3) (وكيف لذلك) أي خصوصيّة متعلّقة للأذهان . (كما أنّه لا كيف له) تعالى بهذا المعنى . والمنفيّ عنه تعالى الكيف بهذا المعنى دون خصوصيّة الحقيقة التي كيّف الكيف فصار كيفا . وقال برهان الفضلاء : «الضمير» على خمسة أقسام : الأوّل : القدر المشترك بين التصوّر والتصديق . والثاني : التفكّر في شيء . والثالث : طلب شيء في الكلام النفسي الذي هو مدلول الكلام اللّفظي . والرابع : ميل الطبع إلى شيء، سواء كان مع عزم فعله أو لا . وهذا القسم يسمّى بالهمّة أيضا كقوله تعالى في سورة يوسف : «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا» (4) ، والميل أعمّ من الميل إلى صدور من المائل أو من غيره . والخامس : العزم على الفعل . والأوّل لا يسمّى بالإرادة وكذا الثاني ، بخلاف البواقي . و«البداء» بالمدّ : حدوث إرادة فعل لفاعلٍ مختار لا يكون فعله لازما عقليّا لعلّة تامّة لفعله . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أخبرني عن الإرادة من اللّه ومن الخلق» الظاهر أنّ المراد بالإرادة المخصّص أحد الطرفين وما به يرجِّح القادر أحد مقدورَيْه على الآخر ، لا ما يطلق في مقابل الكراهة كما يقال : يريد الصّلاح والطاعة ويكره الفساد والمعصية . والجواب : أنّ «الإرادة من الخلق الضمير» أي أمر يدخل خواطرهم وأذهانهم ويوجد في نفوسهم ، ويحلّ فيها بعدما لم يكن فيها وكانت هي خالية عنه . «وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل» يحتمل أن يكون جملة معطوفة على الجملة السابقة ، والظرف خبرا للموصول . ويحتمل أن يكون الموصول معطوفا على قوله : «الضمير» ضمن عطف المفرد على المفرد ، فيكون «من الفعل» بيانا للموصول . والمعنى على الأوّل : أنّ الإرادة من الخلق الضمير الذي يدخل في قلبهم ، والذي يكون لهم بعد ذلك من الفعل لا من إرادتهم . وعلى الثاني : أنّ إرادتهم مجموع ضمير يحصل في قلبهم وما يكون لهم من الفعل المرتّب عليه . والمقصود هنا بالفعل ما يشمل الشوق إلى المراد وما يتبعه من التحريك إليه والحركة ، فالإرادة من الخلق (5) حادثة في ذواتهم حاصلة فيها بدخولها فيهم وقيامها بهم بعد خلوّهم بذواتهم عنها . وأمّا الإرادة من اللّه فيستحيل أن يكون كذلك ؛ فإنّه يتعالى عن أن يقبل شيئا زائدا على ذاته ويدخله ما يزيد عليه ويغايره ، إنّما إرادته المرجّحة للمراد من مراتب إلاحداث لا غير ذلك ؛ إذ ليس في الغائب إلّا ذاته الأحديّة ، ولا يتصوّر هناك كثرة معانٍ ، ولا له بعد ذاته وما لذاته بذاته إلى ما ينسب إلى الفعل ممّا لا يدخله ولا يجعله بحالة وهيئة له مغايرة لحالة وهيئة اُخرى يصحّ عليه دخول هذه فيه أو تلك ، فإنّ الاتّصاف بالصفات الحقيقيّة الزائدة إنّما هو من شأن المخلوق لا الخالق تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فإرادته تعالى من مراتب الفعل المنسوب إليه لا غير ذلك . (6) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «فإرادته إحداثه» هذه العبارة صريحة في أنّ إرادته تعالى زيدا _ مثلاً _ عين إيجاده إيّاه ، وقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (7) ناظر إلى هذا المعنى . وما في كلامهم عليهم السلام من أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها ناظر إلى هذا المعنى أيضا . وسيجيء في كلامهم عليهم السلام إطلاق المشيئة والإرادة على معنى آخر . (8) أقول : نصّه عليه السلام بأنّ إرادته تعالى هي إحداثه لا غير ذلك دلالة على أنّ الخلق الأوّل من مخلوقاته تعالى هو الإرادة ، فبتأويل قوله صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري» (9) ب«أوّل ما خلق اللّه بالإرادة نوري» يندفع الإشكال . وأيضا جميع المخلوقات بتوسّط الإيجاد ولا واسطة للإيجاد ، فأوّليّته في المخلوقات لا ينافي تلك الأوّليّة ، وهذا معنى قولهم عليهم السلام _ كما سيجيء _ : خلق اللّه المشيئة بنفسها ، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى» .
2- . في الكافي المطبوع : - «تعالى هي» .
3- . راجع الوافي ، ج 1 ، ص 456 .
4- . يوسف (12) : 24 .
5- . في المصدر : + «حالة» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 368 _ 369 ، بتفاوت يسير .
7- . يس (36) : 82 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 118 .
9- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 ؛ بحار الأنوار ، ج 15 ، ص 24 ، ح 44 .

ص: 189

. .

ص: 190

. .

ص: 191

الحديث الرابعروى في الكافي عن الثلاثة ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«خَلَقَ اللّه ُ الْمَشِيئَةَ بِنَفْسِهَا ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِالْمَشِيئَةِ» .

هديّة :دفع لشبهة مشهورة هي: أنّه تعالى إن كان خلق الأشياء بالمشيئة وكانت المشيئة مخلوقة فتحتاج إلى مشيئة اُخرى ، وهكذا فيتسلسل . والجواب أنّ المشيئة من صفات الفعل وجميع ما خلق اللّه تعالى خلق بالمشيئة إلّا المشيئة فإنّها خُلقت بنفسها . وظاهر أنّ توسّط فعل الفاعل بين قدرته ووجود المفعول لا يحتاج إلى فعل الفعل ، كما أنّ وجود المفعول يحتاج إلى توسّط الفعل . ويوضّح الجواب بظهور الفرق بين الفعل والمفعول ، فجميع العالم سوى المشيئة فعل بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، والمشيئة فعل لا بهذا المعنى ، غاية ما في الباب اشتهار التجوّز في الإطلاق وهو أوجب الإشكال ولا يوجب ، فخلقه مخلوقه ومخلوقه خلقه ، ولذا جرى وشاع إطلاق الخلق على المخلوق وبالعكس ، وهو الخالق لجميع ما سواه تعالى شأنه . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد بالمشيئة هنا مصداق المشيئة ، وهو ما لا يتحقّق المشيئة بدونه ، وليس هو _ كما ورد في النصّ _ سوى الماء الذي هو أوّل المخلوقات ومادّتها . (2) وسيجيء في الحديث أنّ المشيئة متقدّمة على الإرادة والتقدير والقضاء والإمضاء . (3) و(بنفسها) متعلّق ب(خلق) يعني لا بمادّة . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «خلق اللّه المشيئة بنفسها» . الأئمّة عليهم السلام تارةً يطلقون المشيئة والإرادة على معنى واحد ، وتارةً يطلقونهما على معنيين مختلفين كما سيجيء . والمراد بهذه العبارة الشريفة أنّ اللّه تعالى خلق اللّوح المحفوظ ونقوشها من غير سبق سبب آخر من لوح ونقش ، وخلق سائر الأشياء بسببهما ، وهذا مناسب لقولهم عليهم السلام : «أبى اللّه أن يجري الأشياء إلّا بأسبابها» . (4) أقول : سبحان اللّه كلّ حديث من أحاديثهم عليهم السلام في كلّ باب لا سيّما في باب التوحيد بحر زخّار لا ينزف ولو بالفرض والتقدير ، ولا يصل إلى ساحله سيّاح بالعلاج والتدبير بل كلّ متبحّرٍ يسيح في حوالي لجّته بقدر قوّته من التصوّر والتصوير ، وكثير من القوّة هنا قليل من الكثير . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «خلق اللّه المشيئة بنفسها» أي أبدع المشيئة واخترعها بنفسها لا بمشيئةٍ اُخرى ، فكانت المشيئة أوّل صادر عنه ، ثمّ أبدع الأشياء المرادة بالمشيئة ، فكان صدور الأشياء عنه بعد صدور المشيئة عنه . ولمّا كان بين المشيئة والمراد مراتب _ كما ستطّلع عليه _ أتى بلفظة «ثمّ» الدالّة على التراخي . وإطلاق الخلق هنا بمعناه الأعمّ ، ولذا صحّ إسناده بالمشيئة التي هي من عالم الخلق . (5) وقال السيّد الدّاماد رحمه الله : المراد ب«المشيئة» في هذا الحديث : مشيئة العباد لأفعالهم الاختياريّة ؛ لتقدّسه سبحانه عن مشيئة مخلوقه، زائدة على ذاته عزّ وجلّ . وب«الأشياء» : أفاعيلهم المترتّب وجودها على تلك المشيئة ، وبذلك تنحلّ شبهة ربّما اُوردت هاهنا : أنّه لو كانت أفعال العباد مسبوقة بإرادتهم لكانت الإرادة مسبوقة بإرادة اُخرى وتسلسلت الإرادات لا إلى نهاية . (6) وقال بعض المعاصرين : أفاد عليه السلام أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة ، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة اُخرى ، بل هي مخلوقة بنفسها ؛ لأنّها نسبة وإضافة بين الشّائي والمشيء ، تتحصّل بوجوديهما (7) العيني والعلمي ، ولذا أضاف خلقها إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ كلا الوجودين له وفيه ومنه . وفي قوله عليه السلام : «بنفسها» دون أن يقول : «بنفسه» إشارة لطيفة إلى ذلك ، نظير ذلك ما يقال : إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود ، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر ، بل إنّما يوجد بنفسه . فافهم راشدا . (8) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة» .
2- . الكافي ، ج 8 ، ص 94 ، ح 67 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 83 ، باب 77 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار ، ج 5 ، ص 240 ، ح 23 .
3- . سيجيء في السادس عشر من باب البداء .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 118 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 370 .
6- . راجع التعليقة على اُصول الكافي ، ص 248 .
7- . ما أثبتناه من المصدر ، و في المخطوطات : «بوجوديها» .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 458 _ 459 .

ص: 192

. .

ص: 193

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْمَشْرِقِيِّ حَمْزَةَ بْنِ الْمُرْتَفِعِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، قَالَ : كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَوْلُ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : «وَ مَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوى» مَا ذلِكَ الْغَضَبُ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«هُوَ الْعِقَابُ يَا عَمْرُو ؛ إِنَّهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ قَدْ زَالَ مِنْ شَيْءٍ إِلى شَيْءٍ ، فَقَدْ وَصَفَهُ صِفَةَ مَخْلُوقٍ ، (2) إِنَّ اللّه َ تَعَالى لَا يَسْتَفِزُّهُ شَيْءٌ ؛ فَيُغَيِّرَهُ» .

هديّة :في توحيد الصدوق رحمه الله : عن المشرقي ، عن حمزة بن الربيع ، عمّن ذكره ، قال : كنت . (3) الحديث . (عمرو بن عبيد) من رؤساء المعتزلة . قول اللّه تعالى في سورة طه: «هَوى» (4) يهوي هويّا _ ك_رمى _ : سقط وهلك . وهَوِي كرضي هوىً : أحبّ . (هو العقاب) يعني لا كيفيّة نفسانيّة ، كما في المخلوق . «استفزّه» : أزعجه من مكانه ، وأيضا أفزعه . واستفزّه الخوف : استخفّه . وفي توحيد الصدوق رحمه الله «لا يستفزّه شيء ولا يغيّره» . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «هو العقاب» أي ليس فيه سبحانه قوّةُ تغيّره (5) من حالة إلى حالة يكون إحداهما رضاه والاُخرى غضبه ، إنّما أسند إليه الغضب باعتبار صدور العقاب عنه تعالى ، فليس التغيّر إلّا في فعله . «صفة مخلوق» من إضافة المصدر إلى المفعول ؛ أي وصف مخلوق ، وذلك لما بيّن أنّ القابليّة لصفة لا يجامع وجوب الوجود . وإليه أشار عليه السلام بقوله : «لا يستفزّه شيء» أي لا يستخفّه ولا يجده خاليا عمّا يكون قابلاً له ، «فيغيّره» بالحصول له تغيّر الصفة لموصوفها . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّدٍ البرقي» .
2- . في الكافي المطبوع : «وإنّ» .
3- . التوحيد، ص 168، باب 26، ح 1 .
4- . طه (20) : 81 .
5- . في المصدر : «تغيّرٍ» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 371 ، بتفاوت يسير .

ص: 194

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ _ الَّذِي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام _ فَكَانَ مِنْ سُؤَالِهِ : أَنْ قَالَ لَهُ : فَلَهُ رِضا وَسَخَطٌ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«نَعَمْ ، وَلكِنْ لَيْسَ ذلِكَ عَلى مَا يُوجَدُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ؛ وَذلِكَ أَنَّ الرِّضَا حَالٌ تَدْخُلُ عَلَيْهِ ، فَتَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ أَجْوَفُ ، مُعْتَمِلٌ ، مُرَكَّبٌ ، لِلْأَشْيَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ ، وَخَالِقُنَا لَا مَدْخَلَ لِلْأَشْيَاءِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ : وَأحدِيُّ الذَّاتِ ، وَأحدِيُّ (2) الْمَعْنى ؛ فَرِضَاهُ ثَوَابُهُ ، وَسَخَطُهُ عِقَابُهُ ، مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَتَدَاخَلُهُ ؛ فَيُهَيِّجُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ الْعَاجِزِينَ الْمُحْتَاجِينَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «واحديّ» بدل «وَأحديّ» في الموضعين .

ص: 195

هديّة :«السُخط» بالضمّ ، وبفتحتين : الغضب . (عليه) أي على المخلوق . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «عليه» أي على الراضي من الخلق «فينقله من حالٍ إلى حال» حيث كان قبل الرّضا قابلاً له ، ثمّ اتّصف به بالفعل . (1) وضبط في توحيد الصدوق رحمه الله : «وذلك أنّ الرّضا [والغصب] دخّال يدخل عليه» . (2) (أجوف) أي ضعيف محتاج في أفعاله إلى قوىً زائدة على ذاته وأسباب وآلات كذلك . وقيل : أجوف ؛ لأنّه مزدوج الحقيقة من الوجود والعدم . ومضى بيانه في باب النسبة . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «أجوف» له قابليّة ما يحصل فيه ويدخله . (4) وقال السيّد الدّاماد رحمه الله : قد تبرهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة ، وهي العلم الأعلى : أنّ كلّ ممكن مزدوج تركيبيّ ، وكلّ مركّب مزدوج الحقيقة فإنّه أجوف الذات لا محالة ، فما لا جوف لذاته على الحقيقة هو الأحد الحقّ سبحانه لا غير ، فإذن الصمد الحقّ ليس هو إلّا الذات الأحديّة الحقّة من كلّ جهة ، فقد تصحّ من هذا الحديث الشريف تأويل الصمد بما لا جوف له ، ولا مدخل لمفهوم من المفهومات وشيء من الأشياء في ذاته أصلاً . (5) وقيل : أي قابل لأن يدخل فيه شيء . وقال برهان الفضلاء : أي قابل للكيفيّة . (معتمل) أي معمول حسنا من أشياء . قال برهان الفضلاء : «المعتمل» المعمول بتدبير . و«المدخل» اسم المكان ، وبالضمّ مصدر ميمي . في توحيد الصدوق : «لأنّه واحد أحديّ الذات ، أحديّ المعنى» (6) بدون الواوين للعطف . وقد مرّ بيان «أحديّ المعنى» في مواضع . والياء للمبالغة كالأحمريّ . وقال برهان الفضلاء : «أحديّ المعنى» كناية عن عدم كونه معقولاً ذهنيّا باسم غير مشتقّ أيضا ؛ فإنّ المغاير لاسمه الغير المشتقّ لا مصداق لأحديّته معنىً سوى أحديّته ذاتا . وفي توحيد الصدوق زيادة بعد «المحتاجين» هكذا : «وهو تبارك وتعالى القويّ العزيز الذي لا حاجة به إلى شيء ممّا خلق ، وخلقه جميعا محتاجون ، إليه إنّما خلق الأشياء من غير حاجة و سبب (7) ، بل اختراعا وابتداعا» . وقال السيّد الدّاماد رحمه الله : «من غير حاجة» في زيادة رواية الصدوق ، نفي لمبادئ الأفعال الاختياريّة التي فينا عنه سبحانه وعن أفعاله الاختياريّة . وقوله : «ولا سبب» تصريح بأنّ السبب الغائي الحقيقي الذي هو غاية الغايات لأفعاله تعالى نفس ذاته لا أمر وراء ذاته عزّ وجلّ . (8)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 371 .
2- . التوحيد ، ص 169 ، باب 26 ، ح 3 .
3- . قاله في الوافي ، ح 1 ، ص 460 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 371 .
5- . التعليقة على اُصول الكافي ، ص 250 _ 251 .
6- . التوحيد ، ص 169 ، باب 26 ، ح 3 . و فيه : «وأحديّ المعنى» .
7- . في المصدر : «ولا سبب» .
8- . التعليقة على اُصول الكافي ، ص 251 .

ص: 196

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عن ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«الْمَشِيئَةُ مُحْدَثَةٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير .

ص: 197

هديّة :أي مشيئة اللّه تبارك وتعالى من صفات الفعل على ما علم بيانه مفصّلاً . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي متأخّر عن الذات تأخّر الصادر المخرج عن العدم إلى الوجود عن مبدئه الذي يفيض وجوده . (1) وقال بعض المعاصرين : المراد بهذه المشيئة الإيجاد دون مشيّته الأزليّة التي هي عين ذاته سبحانه . (2) إطلاق المشيئة على العلم وهو عين الذات عرف جديد لا مشاحّة فيه لو لم يكرهه الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه عزّ وجلّ . قال ثقة الإسلام طاب ثراه في آخر هذا الباب : جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ إِنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ وَصَفْتَ اللّه َ بِهِمَا ، وَكَانَا جَمِيعا فِي الْوُجُودِ ، فَذلِكَ صِفَةُ فِعْلٍ ؛ وَتَفْسِيرُ هذِهِ الْجُمْلَةِ : أَنَّكَ تُثْبِتُ فِي الْوُجُودِ مَا يُرِيدُ وَمَا لَا يُرِيدُ ، وَمَا يَرْضَاهُ وَمَا يَسْخَطُهُ ، وَمَا يُحِبُّ وَمَا يُبْغِضُ ، فَلَوْ كَانَتِ الْاءِرَادَةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ مِثْلِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، كَانَ مَا لَا يُرِيدُ نَاقِضا لِتِلْكَ الصِّفَةِ ، وَلَوْ كَانَ مَا يُحِبُّ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، كَانَ مَا يُبْغِضُ نَاقِضا لِتِلْكَ الصِّفَةِ ؛ أَ لَا تَرى أَنَّا لَا نَجِدُ فِي الْوُجُودِ مَا لَا يَعْلَمُ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَكَذلِكَ صِفَاتُ ذَاتِهِ الْأَزَلِيّة (3) لَسْنَا نَصِفُهُ بِقُدْرَةٍ وَعَجْزٍ (4) وَذِلَّةٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ ، وَيُبْغِضُ مَنْ عَصَاهُ ، وَيُوَالِي مَنْ أَطَاعَهُ ، وَيُعَادِي مَنْ عَصَاهُ ، وَإِنَّهُ يَرْضى وَيَسْخَطُ ؛ وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ : اللّهُمَّ ارْضَ عَنِّي ، وَلَا تَسْخَطْ عَلَيَّ ، وَتَوَلَّنِي وَلَا تُعَادِنِي . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يَقْدِرُ أَنْ يَعْلَمَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَعْلَمَ ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَمْلِكَ ولَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَمْلِكَ ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزا حَكِيما وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَكُونَ عَزِيزا حَكِيما ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ جَوَادا وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَكُونَ جَوَادا ، وَيَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ غَفُورا وَلَا يَقْدِرُ أَنْ لَا يَكُونَ غَفُورا . ولَا يَجُوزُ أَيْضا أَنْ يُقَالَ : أَرَادَ أَنْ يَكُونَ رَبّا وَقَدِيما وَعَزِيزا وَحَكِيما وَمَالِكا وَعَالِما وَقَادِرا ؛ لِأَنَّ هذِهِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، وَالْاءِرَادَةُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ ؛ أَ لَا تَرى أَنَّهُ يُقَالُ : أَرَادَ هذَا وَلَمْ يُرِدْ هذَا ، وَصِفَاتُ الذَّاتِ تَنْفِي عَنْهُ بِكُلِّ صِفَةٍ مِنْهَا ضِدَّهَا ؛ يُقَالُ : حَيٌّ وَعَالِمٌ وَسَمِيعٌ وَبَصِيرٌ وَعَزِيزٌ وَحَكِيمٌ ، غَنِيٌّ ، مَلِكٌ ، حَلِيمٌ ، عَدْلٌ ، كَرِيمٌ ؛ فَالْعِلْمُ ضِدُّهُ الْجَهْلُ ، وَالْقُدْرَةُ ضِدُّهَا الْعَجْزُ ، وَالْحَيَاةُ ضِدُّهَا الْمَوْتُ ، وَالْعِزَّةُ ضِدُّهَا الذِّلَّةُ ، وَالْحِكْمَةُ ضِدُّهَا الْخَطَأُ ، وَضِدُّ الْحِلْمِ الْعَجَلَةُ وَالْجَهْلُ ، وَضِدُّ الْعَدْلِ الْجَوْرُ وَالْظُّلْمُ .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 372 .
2- . راجع الوافي ، ج1 ، ص 459 .
3- . في الكافي المطبوع : «الأزليّ» .
4- . في الكافي المطبوع : + « وعلم وجهل ، وسفه وحكمة وخطأ ، وعزّ» .

ص: 198

هديّة :الظاهر أنّ (جملة القول) إلى آخره بعد السابع بلا فاصلة كلام ثقة الإسلام ، كما صرّح به معظم الأصحاب . وأمّا احتمال كونه من تمام الحديث فكماترى . (أنّ كلّ شيئين) أي متقابلين يجتمعان في الوجود وصفا للّه تبارك وتعالى كالرّضا والغضب ، بخلاف الحياة والعلم والقدرة ؛ فإنّ الرّضا يجتمع مع ضدّه وهو السخط في الوجود وصفا للّه سبحانه ، وليس كذلك الحياة والموت والعلم والجهل والقدرة والعجز . وملخّص كلامه طاب ثراه أنّ كلّ صفة اُذِنّا في إطلاقها عليه سبحانه من غير أن نُمنَع من إطلاق ضدّها عليه تعالى كالرّضا والإرادة فهي من صفات الفعل ومخلوقةٌ بالنصّ والإجماع من العصابة ، وأمّا ما اُذِنّا من الصفات أن نعتقد اتّصافه تعالى به ومُنِعنا من اعتقاد اتّصافه بضدّه فهو من صفات الذات . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «جملة القول» إلى قوله : «وضدّ العدل الجور والظلم» من كلام ثقة الإسلام ؛ فإنّ أحاديث هذا الباب مذكور في كتاب التوحيد لمحمّد بن عليّ بن بابويه رحمه اللهوليس فيه : « جملة القول»، بل فيه بيان المعيار المميّز بين صفات الذات وصفات الفعل بوجهٍ قريب من كلام المصنّف . (1) وحاصل الكلام: أنّ ثقة الإسلام ذكر معيارين للتميز بين صفات الذات وبين صفات الفعل : أحدهما : أنّ كلّ صفة من صفاته تعالى توجد هي في حقّه _ تعالى _ دون نقيضها فهي من صفات الذات ، وكلّ صفة توجد هي ونقيضها في حقّه _ عزّ وجلّ _ فهي من صفات الفعل . وثانيهما : أنّ كلّ صفة يمكن أن تتعلّق بها قدرته تعالى وإرادته فهي من صفات الفعل ، وكلّ صفة ليست كذلك فهي من صفات الذات . ومعنى قوله : «كان ما لا يريد ناقضا لتلك الصفة» أنّه كان ما لا يريد مستلزما لاجتماع النقيضين ؛ لأنّ صفات الذات نسبتها إلى جميع المتعلّقات واحدة . (2) انتهى . في بيانه المعيار الثاني نظر ، وقد ثبت أنّ الإرادة من صفات الفعل . وقال برهان الفضلاء : صفات الذّات عين الذات ليس لها وجود في أنفسها بغير وجود الذات ، ولها وجود رابطيّ وإطلاق الوجود على الوجود الرابطيّ مجاز . وصفات الفعل حوادث ، ولها وجود في أنفسها ووجود آخر رابطيّ . وقوله : «جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل» عبارة المصنّف طاب ثراه . «وصفتَ اللّه بهما» على الخطاب ، واحتراز عن مثل الحياة والموت ؛ إذ وصفه تعالى لا يمكن بكليهما . «جميعا» خبر ل«كانا» . «في الوجود» متعلّق ب«جميعا» و«الوجود» : الوسعة والقدرة . والمراد هنا قدرة اللّه تعالى ؛ فإنّها أوسع الأقدار . «وكانا جميعا» احتراز عن العلم والحياة ؛ إذ ليسا في طرفي [القدرة باعتبار أنّهما ليسا بمتقابلين ، وأيضا احتراز عن العلم وعدم العلم ؛ إذ تصفه تعالى بكلٍّ منهما وهما متقابلان ، إلّا أنّهما ليسا في طرفي] (3) قدرته تعالى . أمّا وصفه بالعلم فظاهر ، وأمّا وصفه بعدم العلم كما في سورة الرعد : «وَجَعَلُوا للّه ِِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ» (4) ، وهذا لا ينافي بأنّه تعالى عالم بكلّ شيء ؛ فإنّ لصفات الذات قسمين : الأوّل : ما اتّصافه تعالى بنقيضه ممكن كالعلم ، وهو متعلّق بكلّ شيء وعدمه بشريك له تعالى . الثاني : ما لا يكون كذلك كالحياة . أقول : صفات الذات كلّها في امتناع اتّصافه تعالى بنقائضها متّفقة اللّفظ والمعنى ، وعدم العلم بالشريك عبارة عن المخلوق عن علمه تعالى بعدم الشريك وامتناعه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «جملة القول» إلى آخره ، ليس من تتمّة الحديث ، بل كلام صاحب الكافي _ طاب ثراه _ للتنبيه على معنى صفات (5) الذات وصفة الفعل والتميز بينهما . وتلخيص كلامه أنّ كلّ صفة يوصف بها بالنسبة إلى شيء وبمقابلها بالنسبة إلى آخر ، فهي من صفات الفعل وبالنسبة إلى الفعل كالإرادة والرّضا والحبّ ؛ فإنّ في الوجود ما يريده وما لا يريده ، وما يرضاه وما يسخطه ، وما يحبّه وما يبغضه . وكلّ صفة من صفات الذات لا يصحّ الاتّصاف بمقابلها كالعلم والقدرة والحلم والحكمة والعزّ والمُلك ، ولا يصحّ أيضا أن يسند بالإرادة . وتحقيقه أنّ ما للذات بذاته من دون أن يكون متحصّلاً بالنسبة إلى غيره من أفعاله فهو صفة الذات ، كالعلم والقدرة والحلم والعزّ والحكمة ، فإنّها وإن كانت ذات نسبةٍ إلى الغير ويتبعها نسبة ، إلّا أنّها ليست متحصّلة المعاني بالنسب . وما له من الصفات المتحصّلة المعاني بالنسبة إلى فعله فهو من صفات الفعل ، كالإرادة والرِّضا والحبّ ومقابلاتها . والذي ينبغي أن يُنبَّه عليه في هذا المقام أنّ كون الإرادة من صفات الفعل ، وكونها متحصّل المعنى بالنسبة إلى الغير لا ينافي كونها غير زائدة على الدّاعي ، يعني العلم بالنفع ؛ لأنّه لا يلزم من كون العلم غير متحصّل المعنى بالغير كون العلم بالنفع _ بما هو علم بالنفع _ غير متحصّل المعنى بالغير ، كما أنّ الخشب بما هو خشب غير متحصّل المعنى والحقيقة بشيء من العوارض ، وبما هو سرير متحصّل المعنى والقوام بالهيئة السريريّة ، فكما أنّ السرير اسم للخشب بهيئة السّريريّة ، والخشب اسم له بما هو خشب من غير اعتبار شيء آخر فيه ، كذا الدّاعي اسم للعلم بتعقّله بالنفع ، والعلم اسم له من غير اعتبار التعلّق والمتعلّق وإن كان يتبعه ويلزمه التعلّق بمتعلّق . وأيضا لا ينافي كونها من صفات الفعل كونها من الصفات الحقيقيّة ، فلا يلزم من الحكم بكونها من صفات الفعل كونها خارجة عن الصفات الحقيقيّة ، ومِنْ عدّها في الصفات الحقيقيّة الحكم بخروجها عن صفات الفعل . وأيضا لا ينافي كونها من صفات الفعل نفي المعاني والصفات الزائدة عينا ؛ فإنّه لا يلزم من كونها صفة الفعل كونها معنىً قائما بالذات حالّاً فيه ولا صفة زائدة عينيّة ، كما لا يخفى . (6) أقول : لا يخفى عليك أنّ كلّ هذه التحقيقات من هؤلاء المتبحّرين يؤول إلى أمرٍ واحد وهو التميز بين صفات الذات وصفات الفعل بالاعتبارات والاُمور النسبيّة . والفرق بين القديم والحادث إنّما هو بالتباين الكلّي الحقيقي لا بالفرق من وجه دون وجه ، فالأولى من التوجيهات ما بيّناه أوّلاً من الإذن في الإطلاق على ما عرفت ، وعدمه فيه كذلك ، وفوائد نقلنا بياناتهم مع أنّ الغرض الأصلي إظهار شمّة (7) من شأن أحاديثهم عليهم السلام كثيرة . قال بعض المعاصرين : وملخّص كلام صاحب الكافي: أنّ ما يختلف من صفاته سبحانه بالنسبة إلى المخلوقات فهو من صفات الفعل ، وما لا يختلف بالإضافة إليها بل يشمل كلّها على نسقٍ واحد فهو من صفات الذات كالعلم والقدرة . (8) انتهى . كأنّه وجد الفرق بين العلم والإرادة بما قاله ، فإن تجده وإلّا فافهم . قوله (ولا يقدر أن لا يعلم) يعني من أمارة صفات الذات أنّها لا تحمل المقدوريّة عليها ، ولا معنى لحمل اللّامقدوريّة أيضا عليها . وصفات الفعل إمّا يحمل عليها المقدوريّة فقط كالإرادة ، أو هي والمراديّة أيضا كسائر صفات الفعل ، ف«لا» في «لا يقدر» إمّا لتأكيد النفي أو من مقول القول المنفيّ . قال برهان الفضلاء : «لا» في «لا يقدر» زائدة للتأكيد ، أو ثانيتها من تصرّف النسّاخ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه اللّه تعالى : «ولا يقدر أن لا يعلم» يحتمل أن يكون كلمة «لا» مؤكّدة للنفي ، فالمعنى : لا يجوز أن يقال : يقدر أن لا يعلم ، كما لا يجوز أن يُقال : يقدر أن يعلم . ويؤيّده ترك كلمة «لا» في قوله : «ويقدر أن لا يكون جوادا» . وفي قوله : «يقدر أن لا يكون غفورا» على أظهر الاحتمالين فيهما . ويحتمل أن تكون كلمة «لا» في «ولا يقدر أن لا يعلم» من مقول القول الذي لا يجوز . وتوجيهه أنّ القدرة لا ينسب إلّا إلى الفعل نفيا أو إثباتا ، فيُقال : يقدر أن يفعل أو يقدر أن لا يفعل ، ولا ينسب إلى ما لايعتبر الفعل فيه لا إثباتا ولا نفيا . فما يكون من صفات الذات التي لا شائبة للفعل فيها كالعلم والقدرة والملك وغيرها من صفات الذات ، لا يجوز أن ينسب إليها القدرة ؛ فإنّ القدرة إنّما يصحّ استعمالها مع الفعل أو الترك . فإن قيل : يصحّ أن يقال : إنّه يقدر أن يغفر ويقدر أن لا يغفر ، ويقدر أن يجود بشيء ويقدر أن لا يجود به . قلنا : فرق بين الجواد والغفور ، وبين فعل الجود والمغفرة ؛ فإنّ معنى الجواد ذات يليق به الجود ؛ أي حصول ما ينبغي وفيضه منه بلا غرض لذاته ، أو من يكون في ذاته بحيث يكون منه إفادة ما ينبغي لا لعوض وإن كانت الإفادة بإرادة . فمرجع الجود إلى التماميّة وفوقها ومناطيّة الانكشاف . وأمّا النسبة التابعيّة المتأخّرة فليست معتبرة فيه إنّما هي تتبعه ، ولذا يعدّ من صفات الذات . وكذا الغفور من هو في ذاته بحيث يتجاوز عن المؤاخذة لمن يشاء فمرجعه إلى خيريّته وكماله وقدرته . (9) أقول : فيه ما فيه ، واُشيرُ إليه آنفا .

.


1- . التوحيد ، ص 148 ، ذيل الحديث 19 من باب 11 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 312 .
3- . ما بين المعقوفتين من «ألف» ولم يرد في «ب» و«ج» .
4- . الرعد (13) : 33 .
5- . في «ألف» والمصدر : «صفة» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 373 _ 374 ، بتفاوت يسير .
7- . في «ب» و«ح» : «مشمّة» .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 461 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 375 _ 376 ، بتفاوت .

ص: 199

. .

ص: 200

. .

ص: 201

. .

ص: 202

. .

ص: 203

. .

ص: 204

باب حدوث الأسماء

الباب الخامس عشر : بَابُ حُدُوثِ الْأَسْمَاءِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ خَلَقَ اسْما بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوَّتٍ ، وَبِاللَّفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ ، وَبِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ ، وَبِالتَّشْبِيهِ غَيْرَ مَوْصُوفٍ ، وَبِاللَّوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ ، مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْأَقْطَارُ ، مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ ، مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ ، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مُسَتَّرٍ . (2) فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامَّةً عَلى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعا ، لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الْاخَرِ ، فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ ؛ لِفَاقَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهَا ، وَحَجَبَ واحدا مِنْهَا ، (3) وَهُوَ الِاسْمُ الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ . فَهذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي ظَهَرَتْ ، فَالظَّاهِرُ هُوَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَسَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هذِهِ الْأَسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ ، فَذلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْنا ، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ اسْما فِعْلاً مَنْسُوبا إِلَيْهَا ، فَهُوَ الرَّحْمنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ «الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» الْعَلِيمُ ، الْخَبِيرُ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، الْحَكِيمُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْعَلِيُّ ، الْعَظِيمُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْقَادِرُ ، السَّلَامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْبَارِئُ ، الْمُنْشِئُ ، الْبَدِيعُ ، الرَّفِيعُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّازِقُ ، الْمُحْيِي ، الْمُمِيتُ ، الْبَاعِثُ ، الْوَارِثُ . فَهذِهِ الْأَسْمَاءُ وَمَا كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنى _ حَتّى تَتِمَّ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ اسْما _ فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَهذِهِ الْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ ، وَحَجَبَ الِاسْمَ الْوَاحِدَ الْمَكْنُونَ الْمَخْزُونَ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ _ عزّوجلّ _ : «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَ_نَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» » .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة».
2- . في الكافي المطبوع ، وحاشية «ألف» : «مستور» .
3- . في الكافي المطبوع : «واحدا منها» بدل «منها واحدا» .

ص: 205

هديّة :لفحول المتبحّرين من الأصحاب في شرح هذا الحديث أقوال من كلّ باب ، والكلّ مقرّ بالعجز عن فهمه على ما هو الصواب ؛ لظهور انحصار فهمه في الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه المفيض الوهّاب ، فقد يكون له في التكلّم بمثله بإذن الحكيم حِكَم وأغراض ومصالح خلا التفهيم فلمّا لا مانع من الحمل الغير المنافي للمذهب المستقيم . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «فالظاهر هو اللّه » كأنّ مراده عليه السلام أنّ لفظة «اللّه » عَلَم شخصيّ ، وسائر أسمائه تعالى موضوعة لمفهومات كلّيّة منحصر مصداقها ، ومنشأ انتزاعها ذلك الشخص جلّ جلاله ، ولمّا امتنع تعقّل ذلك الشخص إلّا بعنوان كلّي فجعل اللّه تعالى اثنى عشر عنوانا كلّيّا آلة لملاحظة ذلك الشخص ، وهذا معنى قوله : «سخّر» . ثمّ خلق لكلّ من تلك العنوانات ثلاثين أسماء أفعال . «بهذه الأسماء» أي بسبب الاستغناء بهذه الأسماء من غيرها . (1) وقال برهان الفضلاء : «الأسماء» جمع الاسم بمعنى العلامة ، فيعمّ الألفاظ المستعملة في اللّه تعالى على أنّها أسماء اللّه ومفهومات تلك الألفاظ ، وهي أجزاء الكلام النفسي ، المدلول للكلام النفسي والحجج المعصومين العالمين بجميع الأحكام كما في التالي . والمراد بحدوثها حدوثها باعتبار وجودها في نفسها لا باعتبار وجودها الرابطي ؛ فإنّ استعمال لفظ الوجود في الوجود الرابطي مجاز ، وهي باعتبار وجودها الرابطي على قسمين : أسماء صفات الذات ، كما سيجيء في السابع من الباب السادس عشر من قوله : «فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها فَنَعم» . وأسماء صفات الفعل ، كما مرّ في الأبواب السابقة . وفي هذا الباب إبطال لخمسة من أقوال أهل الضلال : الأوّل : قول الأشاعرة : إنّ كلام اللّه قديم ، ويلزم من حدوث الأسماء حدوث كلام اللّه بطريق أولى دون العكس . الثاني : قول الأشاعرة وتابعيهم : إنّ بعض أسمائه تعالى عَلَم الذات . الثالث : قول الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام باتّحاده مع اللّه ، كقول النصارى في عيسى عليه السلام . الرابع : قول الأشاعرة : إنّ صفات الذات _ وهي سبع : العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والكلام والبصر _ زائدة على الذات وقائمة بها بوجودها في أنفسها لا بوجودها الرابطي كما هو الحقّ والمتّفق عليه ، فإنّهم يقولون لهذه السبع وجودان : الوجود الرابطي للذات، وهو المتّفق عليه منهم ومن غيرهم . والوجود في أنفسها ، كالبياض القائم بالجسم . ولا شريك لهم في هذا القول إلّا في الصفتين : العلم والحياة . والنصارى مثلهم فيهما كما قال اللّه تعالى في سورة المائدة : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» (2) لم يقل : «أحد ثلاثة» ؛ للإشارة إلى أنّ الصفة لو كانت زائدة وموجودة في نفسها، فيكون شرف الذات بانضمام الصفة أكبر من الذات ، كما قال في سورة التوبة للنبيّ صلى الله عليه و آله : «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ» (3) للإشارة إلى نفاق صاحبه وتابعية النبيّ صلى الله عليه و آله إيّاه في مبادي الإسلام لئلّا يظهر كفره ، وكما في الحديث: «أنّ القرآن أكبر الثقلين وأهل البيت عليهم السلام أصغرها» . (4) فإذا كان القائلون بثالث ثلاثة كافرين فما حال الأشاعرة القائلين بثامن ثمانية . وما ذكر ثقة الإسلام في بيان معنى زيادة صفات الفعل في آخر الباب السابق جارٍ في صفات الذات أيضا ، إلّا أنّهم لا يسمّونها بصفات الفعل ؛ فإنّ اعتقادهم أنّ تلك الصفات ليست داخلة تحت القدرة والاختيار مع قولهم بأنّها موجودة في نفسها في الخارج . ودلالة حدوث الأسماء _ كالعالم والقادر _ على حدوث الصفات _ كالعلم والقدرة _ مبنيّة على مقدّمتين : الاُولى : أنّ المشتقّات والمبادئ _ كالضاحك والضحك _ متّحدتان بالذات ومتغايرتان بالاعتبار ، فالضاحك عين الضحك وبالعكس . الثانية : أن تكون الأشياء موجودة في الذهن بأنفسها لا بصورها ومثلها ، وإلّا لا يستلزم حدوث الأسماء الذهنيّة حدوث الصفات الخارجيّة . الخامس : قول المعتزلة : إنّ صفاته تعالى عين الذات حقيقة لا بالمعنى الذي ذكره ثقة الإسلام في آخر الباب السابق . «خلق اسما» على الماضي المعلوم من باب نصر ، إخبار عن تدبير اللّه تعالى ومشيئته في أوّل وقت إحداث الماء الذي أوّل الحوادث ، ومادّة كلّ حادث مشيئته التي تعلّقت في وقتها على جميع الحوادث ولم يكن لا مَلَك ولا إنسٌ ولا جنّ ولا لفظ ولا لافظ كما يظهر من السابع من الباب العشرين . (5) «اسما» على إلافراد ، عبارة عن لفظ الاسم ، كما يقال : ضرب فعل ماض ، أو عبارة عن لفظ الاسم ومدلوله ؛ إذ هو فرد من أفراده ، كما يوضّح في تمام الكلام إن شاء اللّه تعالى . قوله : «بالحروف» ونظائره متعلّق بمدخول «غير» . وتقديم الظرف لإفادة الحصر ؛ إذ الألف واللام في «الحروف» ونظائره للعهد الخارجي ، بمعنى حروف موجودة في أنفسها بالفعل في الخارج ، فإشارة إلى كونها بالقوّة عند الخلق . و«غير» في خمسة مواضع حال من «اسما» على الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ «اسما» على هذا في حكم المعرفة . ووصف ل«اسما» على الاحتمال الثاني . والأوّل أولى ؛ لأنّ هذه الصفات تحقّقها عند المشيئة لا بعدها ، وكلام النحاة يأبى أن يكون ذو الحال نكرة محضة . و«المتصوّت» على اسم المفعول من التفعّل . و«المنطق» عليه من الإفعال للتعريض . «الانطاق» : جعل الشيء في عرضة المنطوقيّة . و«المجسّد» عليه من التفعيل ؛ أي بجسد النعمة . و«التشبيه» أي المشابهة الحاصلة بينهما في لباس الصوت بالهمس والجهر مثلاً . و«المصنوع» بالنون ، يعني المكتوب ؛ فإنّ الكتابة من الصنائع . و«الأقطار» الجوانب الستّ . و«الحدود» الفواصل بين الأشياء . و«المستتر» على اسم الفاعل من الافتعال . و«المستور» ما عليه ستر . و«الفاء» في «فجعله» للتعقيب . وضمير المنصوب ل«الاسم» ، فإخبار عن وقت الشروع في الإيجاد، إيجاد إيجاد المَلَك والإنس والجنّ . و«كلمة تامّة» عبارة عن لفظ الاسم ومدلوله . و«على» في «على أربعة أجزاء» بنائيّة ؛ إذ اللفظ بناؤه على المعنى والكلّ بناؤه على الأجزاء . والمراد أنّ مدلول لفظ الاسم له أربعة أجزاء : الأوّل : الذات المستعمل فيها لفظ الاسم ، كما في «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» و «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» بعنوان عموم المجاز ، كالأسد المستعمل في الأعمّ من الرجل الشجاع والحيوان المفترس ؛ إذ الاسم موضوع لمفهومه واستعمل هنا في الأعمّ من المفهوم والذات ؛ فإنّ ذات الشيء كاسمها الغير المشتقّ وتحقّقه هنا في ضمن الذات . الثاني : اللّه ، مدلول همزة الاسم . الثالث : السَنِيّ مدلول سين الاسم ، مأخوذ من السناء بالفتح والمدّ ، بمعنى فتح الباب . والمراد هنا مفتّح أبواب الخير . الرابع : الماجد ، مدلول ميم الاسم . فإشارة إلى الثالث والرابع في الأوّل من الباب السادس عشر . (6) «معا» حال من «أربعة أجزاء» . «ليس» استئناف بياني ل«معا» . والمراد أنّ واحدا منها ليس نسبة الآخر ، كما أنّ «الثلاثمائة والستّين» نسبة «الاثني عشر»، وهي نسبة «الثلاثة» الأخيرة . ف«هذه الأسماء» مبتدأ وخبر . و«الفاء» في «فالظاهر» للتفريع . والمراد الظاهر الأوّل من الثلاثة ، أو المراد أنّ «اللّه » مدلول همزة الاسم ، و«تبارك» مدلول سين الاسم ؛ لأنّ السّني والمتبارك يؤولان إلى معنى . و«تعالى» مدلول ميم الاسم ؛ لأنّ الماجد والمتعالي يؤلان إلى معنى . و«الركن» : الأصل الذي يكون مدارا عليه . وأهل الحساب من العرب يقولون : فذلك مكان جمعا ، ولذا يسمّى حاصل الجمع بالفذلكة . ويظهر ممّا يجيء في كتاب الدّعاء في الباب التاسع والخمسين (7) أن يكون الأركان الاثني عشر : «الظاهر الطهر ، المبارك المقدّس ، الحيّ القيّوم ، نور السماوات ، نور الأرض ، الرحمن الرحيم ، الكبير المتعالي» . ويجيء في الحديث : «نحن واللّه الأسماء الحسنى ، لا يقبل اللّه من العباد عملاً إلّا بمعرفتنا » . (8) ويجيء في كتاب الدُّعاء : «اللّهُمَّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم ، الأجلّ الأكرم ، المخزون المكنون» . (9) فلعلّ المراد هناك أمير المؤمنين عليه السلام نظير ما في الثاني في هذا الباب . «لكلّ ركن منها» أي من الأركان . والمراد ب«الفعل» المفهوم المشتقّ . فتمهيد لدفع توهّم أن يكون اسما من أسماء اللّه تعالى من قبيل الأعلام أو أسماء الأجناس . «منسوبا» للتصريح بذلك ؛ أي بأن ليس واحد منها رئيسا برأسه ، بل كلّ منها تحت كلّ من الأركان الاثني عشر لو فصّل . فعلى ما ذكرناه من كتاب الدّعاء يكون «الرحمن» و«الرحيم» و«الحيّ» و«القيّوم» من الأركان ، فيحتمل أن يكون هنا سهو من النسّاخ ؛ لأنّ «البارئ» وقع مكرّرا . ولا ينافي هذا ما يجيء في التّالي من أنّ «العليّ العظيم» أوّل الأسماء ؛ لأنّ له معنى آخر . فللّه تعالى ستّة وثلاثون اسما _ مثلاً _ جميعها مخلوقة في الأذهان وألسِنَة الخلائق : «الرحمن والرحيم ، الملك القدّوس» إلى آخر ما ذكر المصنّف، وهو «الوارث» . «لا تأخذه سِنة» اسم و«لا نوم» اسم . و«الفاء» في «فهذه الأسماء» للتفريع . وعلى ما نقلنا من كتاب الدّعاء فالمشار ل«هذه» الأركان ؛ لأنّ المشار إليه لو كانت الستّة والثلاثين ينضمّ إليها الأركان الاثنا عشر، فيكون عدد المجموع اثنين وسبعين وثلاثمائة . «حتّى يتمّ» على الغائب من باب ضرب ، فالمستتر ل«ما» . أو على الغائبة فل«الأسماء الحسنى» أو ل«هذه الأسماء» و«أسماء» قبل . «وهي نسبة» على الجمع خبر المبتدأ وهو «فهذه» و«الواو» حاليّة ، والحال من غير الفاعل والمفعول يجوز عند محقّقي النحاة . والمراد بالنسبة هنا التفضيل . «بهذه» متعلّق ب«حجب» . والمراد أنّ اللّه سبحانه لا يدرك لا بالكنه ولا بالشخص ، فمعرفته تعالى منحصرة في معرفة الأسماء الثلاثة ، وهي علامة الربوبيّة ، وهذه الثلاثة لا تعرف إلّا بمعرفة الاثني عشر ، وهي لا تعرف إلّا بمعرفة الثلاثمائة والستّين ، بمعنى أنّ الغلط في واحد منها يستلزم عدم معرفته تعالى . والآية في سورة بني إسرائيل . (10) والمشار إليه ل«ذلك» محجوبيّة ذاته تعالى بهذه الأسماء . انتهى كلام برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه خلق أسماء بالحروف غير متصوّت» في كثير النسخ : «أسماء» بلفظ الجمع . وفي بعضها : «اسما» بالإفراد . والجمع بين النسختين أنّه اسم واحد على أربعة أجزاء كلّ جزء منه اسم ، فيصحّ التعبير عنه بالاسم وبالأسماء . «غير متصوّت» بمتعلّقه المقدّم صفة للاسم ، أو حال من فاعل «خلق» أي الاسم موصوف بأنّه غير ذي صوت متصوّر بصورة الحرف . وبأنّه «غير منطَق» باللّفظ ، أي لم يجعل ناطقا باللفظ كما ينطق الاسم فينا باللفظ . وإسناد النطق إلى الاسم من باب التوسّع . وبأنّه «غير مجسّد» بالشخص ، أي ليس له سواد يرى فيكون مجسّدا . وبأنّه «غير موصوف» بالتشبيه ، أي بكونه مشبّها بغيره من خلقه . وبأنّه «غير مصبوغ» بالكون . وكذا ما بعدها من الصفات . أو المراد أنّه سبحانه خلق الاسم حال كونه سبحانه غير متصوّت بالحروف ، وغير منطق باللّفظ ، أي لم يجعل الاسم ناطقا باللّفظ بالتوسّع في إلاسناد على قياس ما سبق إلى آخر ما ذكر . وهذا أنسب بقوله و«بالشخص غير مجسّد» إلى آخره ؛ لأنّ هذه ممّا كثر الاشتباه فيها بالنسبة إليه سبحانه فيحتاج إلى البيان . وفائدة إيرادها في هذا المقام أنّه يعرف منها حال الاسم من كونه غير مؤلّف من الحروف ، غير متنطّق به باللّسان بلفظٍ (11) غير دالّ على التجسّد والتشبّه واللّون والأقطار والحروف والمدركيّة بالحواسّ والأوهام . وقوله «مستتر غير مستور» أي متغطّى، بينه وبين غيره ستر وغطاء غير مستور هو بذلك الستر ، أي ليس ذلك الستر له إنّما هو لغيره من نقص الماهيّة والقوّة والإمكان ، وليس من طرفه إلّا غاية الظهور لا ستر منه وفيه له أصلاً ، إنّما الحاجب الذي يمنع من ظهوره على غيره [ما] (12) لغيره من النقص والضعف اللازم لطبيعة الإمكان ، فبظلمة القوّة والاستبعاد في غيره حُجبوا عنه واستتر عنهم . «فجعله كلمة تامّة» أي فجعل ما خلقه من الاسم كلمة تامّة محيطة بجميع الأشياء لا يخرج شيء عنها وعن نسبتها ، مشتملة على أربعة أجزاء كلّ جزء منها اسم ، ليس بين تلك الأجزاء ترتيب وضعيّ أو لفظيّ ، فلا واحد منها قبل الآخر . «فأظهر منها ثلاثة أسماء» أي جعلها ظاهرة على خلقه ؛ لحاجتهم إليها وانتظام اُمورهم في العادات بها ، وجعل واحدا منها محجوبا عنهم مستترا عن مداركهم وهو الاسم المكنون المخزون ، فهذه الأجزاء الثلاثة الأسماء التي ظهرت ، فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى بأسمائه . أو المراد أنّ من الأسماء الثلاثة الظاهرة المدلول عليه باسم اللّه تبارك وتعالى . «وسخّر لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركنا» أي ذلّل لكلّ اسم منها أربعة أركان ، وجعلها آلة لفعله ومَظاهرَ لآثاره . ولعلّ المراد بالأركان الاثني عشر البروج الفلكيّة ، وأنّه يظهر فعل كلّ اسم منها وأثره بأربعة أركان هي أربعة من البروج الاثني عشر . «ثمّ خلق لكلّ ركن» من الأركان الاثني عشر بعدد درجاتها الثلاثين «ثلاثين أسماء فعلاً منسوبا إليها» أي لحصول الفعل المنسوب إلى الأركان أو الأسماء ، وظهوره بإعمال درجات الأركان . أو المراد أنّ هذه الأسماء هي الأفعال بحقيقتها ، فقوله «فعلاً» منصوب بنزع الخافض ، أو على البدليّة . وبقوله : «هو الرحمن الرحيم» _ إلى آخره _ عدّ جملة من الأسماء الثلاثمائة والستّين ، وأجمل عن البواقي منها بقوله : «وما كان من الأسماء الحسنى حتّى يتمّ ثلاثمائة وستّين اسما فهي» الأسماء الثلاثمائة والستّين نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، ومعتبرة بحسب نسبتها في الأفعال، «وهذه الأسماء الثلاثة» الظاهرة «هي الأركان» التي باقي الأسماء تنسب إليها ويعتمد عليها . «وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة» أي هو منضمّ فيها محجوبة بها عن الخلق . «وذلك قوله تعالى» أي ما ذكر _ من إيجاد الذات الأحديّ اسما على أربعة أجزاء وإظهار ثلاثة منها ، والظاهر هو اللّه تبارك وتعالى ، وأنّه سخّر لكلّ اسم من الثلاثة التي هي من أجزاء الاسم المخلوق على أربعة أجزاء أربعة أركان ، وأنّه خلق لكلّ ركن ثلاثين اسما_ تفصيل لما أجمله سبحانه بقوله : «قُلْ ادْعُوا اللّه َ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ» (13) الآية ، فإنّه دلّ على أنّه يجوز دعاؤه بالاسم الظاهر من أجزاء الاسم المخلوق أوّلاً، الدال على الذات الموجود بلا ماهيّة كلّيّة له، المشار إليه بالإشارة العقليّة بما هو وجود بلا ماهيّة ، لا كالوجود للماهيّة الممكنة ، وباسم من الأسماء الدالّة على الأفعال كالرحمن ؛ فإنّ الأسماء الحسنى كلّها مختصّة بالذات الأحديّ ويستوي في صحّة التعبير عنه بها . (14) انتهى كلام السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله . وقال بعض المعاصرين : الاسم ما دلّ على الذات الموصوفة بصفة معيّنة، سواء كان لفظا أو حقيقةً من الحقائق الموجودة في الأعيان ؛ فإنّ الدلالة كما تكون بالألفاظ كذلك تكون بالذوات من غير فرق بينهما فيما يؤول إلى المعنى ، بل كلّ موجود بمنزلة كلام صادر عنه تعالى دالّ على توحيده وتمجيده ، بل كلّ منها عند اُولي البصائر لسان ناطق بوحدانيّته ، يسبّح بحمده ، ويقدّسه عمّا لا يليق بجنابه كما قال تعالى : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (15) ، بل كلّ الموجودات ذكر وتسبيح له تعالى ؛ إذ يفهم منه وحدانيّته وعلمه واتّصافه بسائر صفات الكمال ، وتقدّسه عن صفات النقص والزوال . وكأنّ الاسم الموصوف بالصفات المذكورة إشارة إلى أوّل ما خلق اللّه ، أعني النور المحمّدي والروح الأحمدي ، والعقل الكلّي . وأجزاؤه الأربعة إشارة إلى جهته الإلهيّة ، والعوالم الثلاثة التي يشتمل الاسم (16) عليها ؛ أعني عالم العقول المجرّدة عن الموادّ والصور ، وعالم الخيال المجرّد عن الموادّ دون الصور ، وعالم الأجسام المقارنة للموادّ . وبعبارة اُخرى إلى الحسّ والخيال والعقل والسرّ . وبثالثة إلى الشهادة والغيب وغيب الغيب وغيب الغيوب . وبرابعة إلى الملك والملكوت والجبروت واللّاهوت . ومعيّة الأجزاء عبارة عن لزوم كلّ منها الآخر ، وتوقّفه عليه في تماميّة الكلمة . وجزؤه المكنون : السرّ الإلهيّ والغيب اللاهوتي . «فالظاهر هو اللّه » يعني أنّ الظاهر بهذه الأسماء الثلاثة هو اللّه ؛ فإنّ المسمّى يظهر بالاسم ويعرف به . و«الأركان الأربعة» : الحياة والموت والرزق والعلم التي وكل اللّه بها أربعة أملاك : إسرافيل وعزرائيل وميكائيل وجبرائيل . وفعل الأوّل : نفخ الصور والأرواح في قوالب الموادّ والأجساد ، وإعطاء قوّة الحسّ والحركة لانبعاث الشوق والطلب وله ارتباط مع المفكّرة ، ولو لم يكن هو لم ينبعث الشوق والحركة لتحصيل الكمال في أحد . وفعل الثاني : تجريد الأرواح والصور عن الأجساد والموادّ ، وإخراج النفوس من الأبدان وله ارتباط مع المصورة ، ولو لم يكن هو لم يمكن الاستحالات والانقلابات في الأجسام ، ولا الاستكمالات والانتقالات الفكريّة في النفوس ، ولا الخروج من الدنيا والقيام عند اللّه للأرواح ، بل كانت الأشياء كلّها واقفة في منزل واحد ومقام أوّل . وفعل الثالث : إعطاء الغذاء والإنماء على قدر لائق وميزان معلوم لكلّ شيء بحسبه ، وله ارتباط مع الحفظ والإمساك ، ولو لم يكن هو لم يحصل النشوء والنّماء في الأبدان ، ولا التطوّر في أطوار الملكوت في الأرواح ، ولا العلوم الجمّة للفطرة . وفعل الرابع : الوحي والتعليم ، وتأدية الكلام من اللّه سبحانه إلى عباده ، وله ارتباط مع القوّة النطقيّة ، ولو لم يكن هو لم يستفد أحد معنى من المعاني بالبيان والقول ، ولم يقبل قلب أحد إلهام الحقّ وإلقاءه في الرّوع . وهاهنا أسرار لا يحتملها المقام . (17) انتهى كلام بعض المعاصرين . أقول _ تبعا لأصحابنا رضوان اللّه عليهم في جرأتهم في حمل الحديث المستصعب عنهم عليهم السلام على ما لا ينافي المذهب وفاقا منهم على أنّهم مأذونون في إقامة الاحتمال الصحيح _ : إنّ هذا الحديث لعلّه من تفاسير «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيمِ» وليس اسمٌ أقرب من هذه الآية إلى الاسم الأعظم المكنون المخزون ، وقربها منه كقرب بياض العين إلى سوادها . (إنّ اللّه تعالى خلق اسما) أي نورا في النور المخلوق أوّلاً ليكون مدلوليّا نفسيّا للاسم اللّفظي حين يخلق ويتجسّد بالحروف ، يعني لجميع أسمائه الحسنى اللّفظيّة ، قال اللّه تعالى في سورة الشورى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْاءِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (18) ، وكان ذلك النور في النور ، وهو نور معرفة القائل ب«ما» عرفناك حقّ معرفتك» . غير متّصف حين خلق بالصفات المذكورة بل جسّده بعد خلقه لذلك الروح يتّصف بها . (غير مستّر) أو (غير مستور) على اختلاف النسخ ، أي بحجاب جسماني . (فجعله كلمة تامّة) بأنّها نهاية المعارف الحقّة على قدر غاية الطاقة البشريّة التي فوق طاقة المَلَكيّة . (على أربعة أجزاء معا) أي فجعل أيضا قبل خلق الجسد لذلك النور منشعبا على أربع شعب ، كما جعل المخلوق الأوّل من النور منشعبا على نور النبوّة والولاية ؛ ليكون واحد من الأنوار الأربعة مدلولاً للاسم اللفظي الذي لا ينطق به قطّ بعد خلقه تعالى إيّاه ، ولا يعلم به أبدا غير الحجّة المعصوم المحصور عدده في علم اللّه وحكمته . وثانيها للفظ الجلالة . وثالثها للرّحمن . ورابعها للرحيم . (فأظهر منها) من تلك الأنوار الأربعة بعد خلق الأسماء اللّفظيّة لها . (ثلاثة أسماء منها لفاقة الخلق إليها) يعني اللّه ، والرحمن ، والرحيم . (وحجب واحدا منها ، وهو الاسم) اللفظي الذي لا ينطق به قطّ سوى المعصوم ، ولا يبلغ غاية معرفة اسمه النفسي سواه . ولعلّ الباء والسين والميم إشارة إلى أنّ محجوبيّة الاسم الأعظم في الأربعة كمحجوبيّة المدرج فيها وهو الهمز ، وأنّها من جملة حُجُبه . (فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى) يعني فالأوّل من الثلاثة التي ظهرت من الأربعة ، أو فالظاهر الأوّل هو اللّه تبارك وتعالى ، والظاهر الثاني هو الرحمن ، والظاهر الثالث هو الرحيم . (وسخّر سبحانه لكلّ اسم) من الثلاثة التي ظهرت من الأربعة (أربعة) أبراج ، لكلّ حرف من كلّ واحدٍ منها برجا ، كلّ برج من السماء العليا إلى الأرض السفلى قابلاً لظهور الآثار فيها بإذن اللّه تعالى ، (ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسما) لأجل الأفعال المنسوبة إليها ، فالمنسوب إليه المؤثّر بإذن اللّه هو الرحمن والرحيم والملك والقدّوس إلى ثلاثمائة وستّين اسما ، فكلّ يوم بآثارها وحوادثها نسبة إلى اسم ، وكلّ برج بالثلاثين إلى إمام كنسبة كلّ حرف من الثلاثة الظاهرة ، فهمزة «اللّه » إشارة إلى الإمام الأوّل عليه السلام ، و«اللامان» إلى ولديه وشبليه عليهم السلام ، و«الهاء» إلى خامس أهل البيت عليهم السلام ، و«الراء» إلى باقر العلوم عليه السلام ، و«الحاء» إلى حاشر الحديث وحامي حمى الدِّين وحافظ بيضة الإسلام والحقّ المبين عليه السلام ، و«الميم» إلى الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ، و«النون» إلى الثامن الضامن عليه السلام ، و«الراء» إلى ابن الرضا الملقّب بالمرتضى عليه السلام ، و«الحاء» إلى أبي الحسن الملقّب بالناصح والفتاح عليه السلام ، و«الباء» إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام ، و«الميم» إلى المهدي صاحب الأمر والزمان صلوات اللّه عليه .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 119 .
2- . المائدة (5) : 73 .
3- . التوبة (9): 40 .
4- . تفسير العيّاشي ، ج 1 ، ص 5 ؛ بصائر الدرجات ، ص 414 ، باب 17 ، ح 5 ؛ البحار ، ج 23 ، ص 140 ، ح 89 ؛ و ج 89 ، ص 27 ، ح 29 .
5- . وهو باب العرش والكرسي .
6- . وهو باب معاني الاسم واشتقاقها .
7- . وهو باب الدعاء في حفظ القرآن .
8- . الكافي ، ج 1 ، ص 143 _ 144 ، باب النوادر من كتاب التوحيد ، ح 4 .
9- . الكافي ، ج 2 ، ص 582 ، باب دعوات موجزات ... ، ح 17 .
10- . الإسراء (17) : 110 .
11- . في المصدر : «بلفظه» .
12- . أضفناه من المصدر.
13- . الإسراء (17) : 110 .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 376 _ 379 .
15- . الإسراء (17) : 44 .
16- . في «الف» والمصدر : - «الاسم» .
17- . الوافي ، ص 464 _ 465 .
18- . الشورى (42) : 52 .

ص: 206

. .

ص: 207

. .

ص: 208

. .

ص: 209

. .

ص: 210

. .

ص: 211

. .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : هَلْ كَانَ اللّه ُ _ تعالى _ عَارِفا بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ؟ قَالَ :«نَعَمْ» . قُلْتُ : يَرَاهَا وَيَسْمَعُهَا؟ قَالَ : «مَا كَانَ مُحْتَاجا إِلى ذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهَا ، وَلَا يَطْلُبُ مِنْهَا ، هُوَ نَفْسُهُ ، وَنَفْسُهُ هُوَ ، قُدْرَتُهُ نَافِذَةٌ ، فَلَيْسَ يَحْتَاجُ إلى أَنْ يُسَمِّيَ نَفْسَهُ ، وَ لكِنَّهُ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَسْمَاءً لِغَيْرِهِ يَدْعُوهُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُدْعَ بِاسْمِهِ ، لَمْ يُعْرَفْ ، فَأَوَّلُ مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ : الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، فَمَعْنَاهُ : اللّه ُ ، وَاسْمُهُ : الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ، هُوَ أَوَّلُ أَسْمَائِهِ عَلَا عَلى كُلِّ شَيْءٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبد اللّه ، عن محمّد بن عبد اللّه و موسى بن عُمَر والحسن بن عليّ بن عثمان» .

ص: 217

هديّة :(يراها ويسمعها) يعني هل يرى نفسه كما يرى غيره؟ وهل يسمع كلامه كما يسمع كلام غيره ؟ (لأنّه لم يكن يسألها) أي لم يكن يدعو نفسه كما يدعوه خلقه ويطلب منه الحاجة . (قدرته نافذة) استئناف بياني ؛ أي في كلّ ما شاء ، (فليس يحتاج) إلى (أن يسمّي نفسه) فيطلب منه الحاجة . (لم يعرف) بأنّه الربّ المدعوّ منه الحاجة . (فأوّل ما اختاره لنفسه العليّ العظيم) أي من الأسماء اللفظيّة ، كما أنّ أوّل ما اختاره لخلقه منها «اللّه الرحمن الرحيم» وقد ذكر في الحديث الأوّل . (فمعناه اللّه ) أي مدلول لفظة الجلالة . وقرأ برهان الفضلاء : «ويُسمعها» على المعلوم من الإفعال ، يعني وهل يُسْمع نفسه الكلام اللفظي ، ثمّ قال : «هو نفسه ، ونفسه هو» إبطال لمذهب الغلاة القائلين بالاتّحاد بين اللّه وبين الإمام ، ومذهب الصوفيّة القائلين باتّحاده تعالى مع كلّ شيء كالشمعة بتشكّلاته والبحر بأمواجه . ونفوذ قدرته تعالى عبارة عن تجرّده ، إشارة إلى انحصار التجرّد فيه تعالى ، وتعلّق قدرته بكلّ شيء بلا وجوب توسّط مجرّد فيما بينه وسائر مخلوقاته ، فإبطال لمذهب الفلاسفة والصوفيّة التابعين لهم في هذا الأصل أيضا ، وهو أصل من اُصول الكفر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قلت يراها ويسمعها» لمّا زعم السائل أنّ المعرفة بالإدراك الجزئي كالرؤية والاسم الخاصّ ، وأنّ الخلق بذكر اسمه سبحانه ، فإذا كان عارفا بنفسه قبل الخلق كان يرى نفسه قبل الخلق ، وإذا كان عارفا بنفسه قبل الخلق وكان خلقه بذكر اسمه كان يسمّي نفسه قبل الخلق ويسمعها بذكر اسمه ، سأله عمّا كان يزعمه بقوله : «يراها ويسمعها» . ولا يبعد أن يكون مكان «يسمعها» «يسمّيها» وإن لم يوجد في النسخ التي وصلت إلينا . فأجاب عليه السلام بقوله : «ما كان محتاجا إلى ذلك» لعدم المغايرة بين المدرك والمدرك ، والرؤية تقتضي المغايرة بينهما وهو نافذ القدرة لا يحتاج إلى أن يسمّى نفسه وأن يستعين بالاسم . (1) «فأوّل ما اختاره لنفسه العليّ العظيم» أي هذا الاسم أحقّ الأسماء كلّها بأن يختار له سبحانه ، أو أنّه من الأسماء الثلاثة الظاهرة ، وأوّليّته بالنسبة إلى غيرها من الأسماء ؛ لأنّه من نسب الأسماء الثلاثة ، أو أنّه أوّل الثلاثة في الترتيب إن قدّر ولوحظ ترتيب بينها ، فإذن يكون أوّل بالنسبة إلى الكلّ . «لأنّه أعلى الأشياء» أي جميع الأشياء حتّى الأسماء ، فهو أحقّ الأسماء بالتعبير عنه سبحانه ، أو أوّل الأسماء النسبيّة ومقدّم عليها ، أو أوّل جميع الأسماء ومقدّم على ما سواه . «فمعناه اللّه » أي ذاته المقصود بالاسم «اللّه » . وفيه دلالة على أنّ «اللّه » اسم بإزاء الذات لا باعتبار صفة من الصفات . «واسمه العليّ العظيم» أي هذا الاسم «هو أوّل أسمائه» التي باعتبار الصفات والنسب إلى الغير . (2)

.


1- . من قوله : «فأجاب»إلى «بالاسم» في المصدر مع إضافات اُخرى لعلّها سقطت من قلم المصنّف ولم يكن في مقام التلخيص .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 380 _ 381 .

ص: 218

الحديث الثالثروى في الكافي بهذا الإسناد ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الِاسْمِ : مَا هُوَ؟ قَالَ :«صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ» .

هديّة :قيل : يعني علامة للمسمّى . وقال برهان الفضلاء : يعني سألت الرضا عليه السلام عن الاسم ما هو؟ قال : «صفة» أي ثناء في الأذهان الحادثة للمثني عليه، ليس فيه ولا عينه بل أمر حادث له . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «صفة لموصوف» يعني كيفيّة قائمة بالهواء ، فيمتنع أن يكون عين المسمّى كما توهّم جمع . أو معناه مفهوم كلّي هو صفة انتزاعيّة لذلك الشخص جلّ جلاله . (1) أقول : يعني علامة لفظيّة بمدلولها النفسيّ لموصوفٍ قديمٍ أو حادث ، فدلالة على حدوث مطلق الأسماء .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 119 .

ص: 219

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«اسْمُ اللّه ِ غَيْرُ اللّه ، (2) وَكُلُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» فَهُوَ مَخْلُوقٌ مَا خَلَا اللّه َ ، فَأَمَّا مَا عَبَّرَتْهُ الْأَلْسُنُ أَوْ عَمِلَتِ الْأَيْدِي ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ ، وَاللّه ُ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتهُ ، (3) وَالْمُغَيَّا غَيْرُ الْغَايَةِ ، وَالْغَايَةُ مَوْصُوفَةٌ ، وَكُلُّ مَوْصُوفٍ مَصْنُوعٌ ، وَصَانِعُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِحَدٍّ مُسَمّىً ، لَمْ يَتَكَوَّنْ ؛ فَتُعْرَفُ كَيْنُونِيَّتُهُ بِصُنْعِ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَتَنَاهَ إِلى غَايَةٍ إِلَا كَانَتْ غَيْرَهُ ، لَا يَذِلُّ (4) مَنْ فَهِمَ هذَا الْحُكْمَ أَبَدا ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْخَالِصُ ، فَارْعَوْهُ ، وَصَدِّقُوهُ ، وَتَفَهَّمُوهُ بِإِذْنِ اللّه ِ . مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ اللّه َ بِحِجَابٍ أَوْ بِصُورَةٍ أَوْ بِمِثَالٍ ، فَهُوَ مُشْرِكٌ ؛ لِأَنَّ حِجَابَهُ وَمِثَالَهُ وَصُورَتَهُ غَيْرُهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ ، مُوَحِّدٌ ، (5) فَكَيْفَ يُوَحِّدُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَرَفَهُ بِغَيْرِهِ؟! وَإِنَّمَا عَرَفَ اللّه َ مَنْ عَرَفَهُ بِاللّه ِ ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِهِ ، فَلَيْسَ يَعْرِفُهُ ، إِنَّمَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ ، لَيْسَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ شَيْءٌ ، وَاللّه ُ خَلَقَ (6) الْأَشْيَاءِ لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ، وَاللّه ُ يُسَمّى بِأَسْمَائِهِ وَهُوَ غَيْرُ أَسْمَائِهِ ، وَالْأَسْمَاءُ غَيْرُهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن بكر بن صالح ، عن عليّ بن صالح» .
2- . في حاشية «الف» والكافي المطبوع : «غيره» .
3- . في الكافي المطبوع : «مَنْ غاياه» .
4- . في حاشية «الف» والكافي المطبوع: «لا يزلّ».
5- . في الكافي المطبوع : «متوحّد» .
6- . في الكافي المطبوع : «خالق» .

ص: 220

هديّة :في كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله عن الحسن بن محمّد ، عن خالد بن يزيد . (1) في بعض النسخ : «اسم اللّه غيره» بالضمير مكان لفظة الجلالة ، يعني اسمه اللفظيّ والنفسيّ . (وكلّ شيء) في الخارج (وقع عليه اسم شيء) أي اسم من الأسماء ، أو اسم الشيئيّة ، فالغرض صحّة الإطلاق بأنّه تعالى شيء كما مرّ بابه . أو المراد من «الاسم» الاسم النفسيّ ، ومن «الشيء» الاسم اللّفظي ، فالمعنى أنّ كلّ موجود يمكن أن يطابقه مفهومه ما خلا اللّه . فالغرض بيان وجه من وجوه المباينة الكلّيّة بين الخالق والمخلوق . (فأمّا ما عبرته الألسن) بالتخفيف ، من العبارة . يقال : عبرت الرؤيا عبارةً ، كنصر : فسّرتها . قال اللّه تعالى في سورة يوسف : «إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ» (2) . (أو عملت الأيدي) يعني الأسماء المكتوبة . (فهو مخلوق) أي باتّفاق من العقلاء . (واللّه غاية من غاياته) أو «من غايات» كما في بعض النسخ ، يعني والمفهوم من «اللّه » في الأذهان مفهوم من مفهوماته بأسمائه اللفظيّة فيها ، فمحصور متناه ذو غاية . و(المغيّا) يعني وذو الغاية (غير الغاية) قطعا، (والغاية موصوفة) محدودة، (وكلّ موصوف) محدودٍ (مصنوع) والصانع غير موصوف محدود بحدّ معيّن . (بصنع غيره) متعلّق ب«الكينونيّة» . (لا يذلّ) بالذال المعجمة على المعلوم من باب فرّ . وفي بعض النسخ : «لا يزلّ» بالزاي على المعلوم أيضا منه . (وهو التوحيد الخالص) ناظر إلى نفي الحدّين : حدّ التعطيل ، وحدّ التشبيه . (بحجاب أو بصورة أو بمثال) ردّ على طوائف من أهل الشرك لا سيّما الصوفيّة القدريّة . وقد مضى بيان «من عرف اللّه باللّه » . (ليس بين الخالق والمخلوق شيء) استئناف بيانيّ ، وناظر إلى حديث «هو خلو من خلقه ، وخلقه خلوّ منه» . (3) أي شيء مشترك . (لا من شيء كان) ردّ على طوائف من أهل الشرك أيضا . وقال الفاضل الإسترابادي : الظاهر «عن خالد» كما في كتاب التوحيد . «اسم اللّه غيره» سيجيء في باب ما اُعطي الأئمّة من اسم اللّه الأعظم ما ينفع ذلك . «فأمّا ما عبرته» إشارة إلى اللّفظ وإلى النقش . ومعنى «عبرته» جعلته عبارة . «واللّه غاية من غاياته» أي لفظ اللّه اسم من أسمائه . و«المعنى» بالمهملة والنون «غير الغاية» أي المعنى غير اللّفظ . «والغاية موصوفة» أي الاسم موصوفة ، أي يجوز تحديدها ، أي تعريفها بأن يقال : كيفيّة عارضة للهواء معتمدة على المخارج . «مسمّى لم يتكوّن» خبر بعد خبر . «ولم تتناه» على لفظ الخطاب ، يعني أنّه لم يبلغ ذهنك إلى اسم إلّا كان ذلك الاسم غيره تعالى . (4) وقال برهان الفضلاء : «اسم اللّه غيره» يعني ليس اسم من أسمائه مفهوما عَلَميّا كما توهّم جمع أنّ «اللّه » عَلَمَ ، وآخرون أنّ «الرّحمن» أيضا عَلَم . «وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء» بمعنى أنّه موجود في نفسه ، في الخارج أو في الذهن ، جوهرا كان أو عرضا، فهو حادث بالتدبير . «ما خلا اللّه » يعني ليس اسم من أسمائه قديما ، فردّ على الأشاعرة القائلين بأنّ سبعة من أسمائه . (5) وقد ذكرت في بيان الأوّل : كلّ منها موجود في نفسه في الخارج ، قديم بكلا وجوديه : وجوده في نفسه ، ووجوده الرابطي ، وقائم بذاته تعالى «فهو مخلوق» ثانيا، أي بلا نزاع فيه لأحد . «فأمّا ما عبرته الألسن» من العبور من باب نصر كما من النهر بالتدريج . والمراد عبور اللسان من اللفظ حرفا حرفا . ولمّا بيّن أنّه ليس اسم من أسمائه تعالى عَلَما شخصيّا له ، وكان أكثر التوهّم في لفظ «اللّه » صرّح بخصوصه ليرتفع الاشتباه . و«الغاية» بمعنى العلامة ؛ فإنّ غاية العسكر وعلامته بمعنى ، يعني ولفظة «اللّه » علامة من علاماته تعالى . «والمعنى غير الغاية» بالعين المهملة والنون ؛ بمعنى المقصد أو المقصود ، يعني والذي يتصوّر بتلك العلامة فهو غير تلك العلامة ؛ لأنّ العلامة متصوّرة بالكنه فحادثة مدبّرة لغيرها ، والمدبّر للأشياء لا يتصوّر بالكنه بل بالوجه فقط . «من فهم هذا الحكم» أي الحكمة . وقال بعض المعاصرين : «واللّه غاية من غاياته» أي المفهوم من اسم اللّه حدّ من حدود ما عبرتْه الألسن ، أو عملتْه الأيدي ينتهيان إليه ، وهما غير المفهوم منهما ، والمفهوم منهما موصوف بهما فمصنوع يصفه الواصف في ذهنه . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «اسم اللّه غيره» أي اسم اللّه تعالى غير ذاته الذي هو المسمّى بالاسم . «وكلّ شيء وقع عليه اسم شيء» يُقال له : إنّه اسم شيء «فهو مخلوق» غير اللّه وما خلاه . وقوله : «ما خلا اللّه » إمّا استثناء من المبتدأ ، أو خبر بعد خبر ، أو صفة للخبر . ولمّا كان مظنّة أن يتوهّم من قوله : «ما خلا اللّه » أنّ اللّه غير مخلوق ولو بلفظه أو نقشه ، دفعه بقوله : «فأمّا ما عبرته الألسن» وجعلته عبارة «أو عملت الأيدي» أي اللّفظ أو النقش «فهو مخلوق» . «واللّه عانة من عاناه» يحتمل أن يكون لفظ «اللّه » موردا على سبيل القسم . و«عانة من عاناه» خبر لقوله : «هو» أو خبر مبتدأ محذوف . وتقدير الكلام: فهو مخلوق واللّه هو عانة من عاناه . ويحتمل أن يكون «اللّه » مبتدأ ، ويكون المراد به الاسم ، و«عانة من عاناه» خبره ، فالمعنى وهو أو الاسم ملابس مَنْ لابسه ومباشر مَنْ باشره . وفي النهاية الأثيريّة : معاناة الشيء : ملابسته ومباشرته . (7) أو مهمّ من اهتمّ به . وفي النهاية : عنيتُ به فأنا عانٍ ، أي اهتممت به واشتغلت . (8) أو هو أسير من أسره وذليل من أذلّه . وفي النهاية : العاني الأسير . وكلّ من ذلّ واستكان وخضع فقد عنا يعنو فهو عان . (9) أو هو محبوس من حبسه . وفي النهاية : وعنّوا بالأصوات ، أي احبسوها واخفوها . (10) «والمعنى غير العانة» أي المقصود بالاسم المتوسّل به إليه غير العانة ؛ أي غير ما تتصوّره وتفعله . «والعانة موصوفة» أي كلّ ما تتصوّره أو تفعله فتلابسه أو تسخّره أو تهتمّ به، أو هو ذليل مخلوق مأسور موصوف بصفات الممكن وتوابع الإمكان، «وكلّ موصوف بها مصنوع» . والمحفوظ في النسخ التي رأيناها «غاية من غايات» بالغين المعجمة فيهما ، ويفسّر بأنّ اسم اللّه غاية من غايات ، أي اسم من أسمائه تعالى ، ولكن في أكثر ما رأيناه من النسخ العتيقة وقع إصلاح في لفظ «غايات» حيث كانت مكتوبة بالهاء المدوّرة، فحُكّت وأصلحت وكُتبت بالتاء المستطيلة . و«العانة» أصله عانية حذفت الياء كما حذفت عن العاني في حديث المقدام: «الخال وارث من لا وارث له، يفكُّ عانه» . (11) وفي النهاية : أي عانيه ، فحذفت الياء . (12) وأمّا «التاء» في «العانة» فإذا جعل خبرا لقوله : «هو» يكون للمبالغة ، وفي غيره يحتمل المبالغة والتأنيث . «لا يذلّ من فهم هذا الحكم أبدا» أي لا يذلّ ذلّ الجهل والضلال من فهم هذا الحكم وعرف سلب جميع ما يغايره عنه . «وهو» أي سلب جميع ما يغايره عنه «التوحيد الخالص» . «فارعوه» من الرعاية . وفي بعض النسخ : «فاوعوه» بالواو ، أي فاحفظوه . وفي بعضها بالدال ، أي كونوا مدّعين له مصدّقين به . والمعاني فيها متقاربة . (13)

.


1- . التوحيد ، ص 192 ، باب 29 ، ح 6 . وفيه «عليّ بن الحسن بن محمّد» .
2- . يوسف (12) : 43 .
3- . تقدّم في باب إطلاق القول بأنّه شيء .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
5- . كذا في النسخ التي بأيدينا .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 468 ، بتفاوت يسير .
7- . النهاية لابن الأثير ، ج 3 ، ص 598 (عنا) .
8- . المصدر .
9- . المصدر .
10- . المصدر .
11- . سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 138 ، ح 2901 ؛ سنن البيهقي ، ج 6 ، ص 243 ، ح 12179 .
12- . النهاية لابن الأثير ، ص 598 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 381 _ 384 ، بتفاوت يسير .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

باب معاني الأسماء و اشتقاقها

الباب السادس عشر : بَابُ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَ اشْتِقَاقِهَاوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر .

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ جَدِّهِ ، (1) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ تَفْسِيرِ «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَ_نِ الرَّحِيم» قَالَ :«الْبَاءُ بَهَاءُ اللّه ِ ، وَالسِّينُ سَنَاءُ اللّه ِ ، وَالْمِيمُ مَجْدُ اللّه ِ _ وَرَوى بَعْضُهُمْ : الْمِيمُ مُلْكُ اللّه ِ _ وَاللّه ُ إِلهُ كُلِّ شَيْءٍ ، الرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ ، وَالرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً» .

هديّة :في العنوان يعني أسماء اللّه . (واشتقاقها) عطف على «المعاني» . قال برهان الفضلاء : يعني وبيان أنّ جميع أسمائه مشتقّات ليست من قبيل الأعلام وأسماء الأجناس ، وقد ثبت عند أهل العربيّة أنّ الذات في المشتقّات خارجة من مفهومها ومبهم . وروى بعضهم كلام ثقة الإسلام ، أي بعض العدّة . قال العلّامة طاب ثراه : قال محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه : كلّما ذكرته في كتابي الكافي عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فهم : عليّ بن إبراهيم وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة وأحمد بن عبداللّه اُميّة (2) وعليّ بن الحسن . (3) قال برهان الفضلاء : الاسم يستعمل في أربعة معان : الأوّل : لفظ اللّه ، والرحمن ونحوهما . الثاني : مفهوم ذلك اللفظ . الثالث : مفهوم لفظ الذات . الرابع : الإمام العالم بجميع الأحكام . والمراد هنا المعنى الثالث . وإذا كان كنه شيء وشخصه غير معلوم فلابدّ من أن يعبّر عنه بالذات أو الاسم، فيُضاف إلى اسم من الأسماء بالمعنى الأوّل والثاني ، وبهذا يسمّى ذلك بالاسم الأعظم . قال السيّد الأجلّ النائيني : «البهاء» : الحسن . و«السّناء» بالمدّ : الرفعة . و«المجد» : الكرم والشرف . ولمّا كان تفسيره بحسب معنى حرف الإضافة ولفظ الاسم غير محتاج إلى البيان للعارف باللغة أجاب عليه السلام بالتفسير بحسب المدلولات البعيدة المنظورة ، أو لأنّه صار مستعملاً للتبرّك مخرجا عن المدلول الأوّلي ففسّره بغيره ممّا لوحظ في التبرّك . والمراد بهذا التفسير إمّا أنّ هذه الحروف لمّا كانت أوائل هذه الألفاظ الدالّة على هذه الصفات اُخذت للتبرّك ، أو أنّ هذه الحروف لها دلالة على هذه المعاني ، إمّا على أنّ للحروف مناسبة مع المعاني بها وصفت (4) لها ، وهي أوائل هذه الألفاظ وأشدّ حروفها مناسبة وأقواها دلالة لمعانيها ، أو لأنّ الباء لمّا دلّت على الارتباط والانضياف _ ومناط الارتباط والانضياف إلى الشيء وجدان حسن مطلوب للطالب _ ففيها دلالة على حسن وبهاء مطلوب لكلّ طالب ، وبحسبها فسّرت ببهاء اللّه . ولمّا كان الاسم من السموّ الدال على الرفعة والعلوّ والكرم والشرف ، فكلّ من الحرفين بالانضمام إلى الآخر دالّ على ذلك المدلول ، فنُسبت (5) الدلالة على «السناء» بحسب المناسبة إلى السين ، وفسّرها بسناء اللّه ، والدلالة على المجد أو المُلك بحبسها إلى الميم وفسّرها بالمجد أو المُلك . «واللّه إله كلّ شيء» أي مستحقّ العبوديّة لكلّ شيء والحقيق بها . «والرحمن بجميع خلقه» أي فيه مبالغة الرحمة ودلالة على شمولها لجميع خلقه ، فهي كصفات الذات لا يختلف الأشياء بالنسبة إليها إثباتا ونفيا . «والرحيم بالمؤمنين خاصّة» فهي بحال صفات الفعل من الاختلاف إثباتا ونفيا . (6) وقال بعض المعاصرين : اُشير بهذا التفسير إلى علم الحروف ، فإنّه علمٌ شريف يمكن أن يستنبط منه جميع العلوم والمعارف كلّيّاتها وجزئيّاتها إلّا أنّه مكنون عند أهله . (7) انتهى . لو كان علم يستنبط منه جميع العلوم والمعارف كلّيّاتها وجزئيّاتها لكان خاصّا بالحجّة المعصوم القيّم للقرآن المنكر لثبوته لغيره عموما وخصوصا ، والمكفّر للحروفيّة من الزنادقة عموما . ولكلّ حرف من القرآن سبعون بطنا في موضعها إن تكرّر، فلعلّ هذا بطنٌ من بطونها .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد».
2- . في المصدر : «عبد اللّه بن اُميّة» .
3- . خلاصة الأقوال ، ص 430 ، الفائدة الثالثة .
4- . في المصدر : «وضعت» .
5- . في المصدر : «فنسب» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 385 _ 386 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 469 .

ص: 226

. .

ص: 227

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَاشْتِقَاقِهَا : اللّه ُ مِمَّا هُوَ مُشْتَقٌّ؟ فَقَالَ :«يَا هِشَامُ ، اللّه ُ مُشْتَقٌّ مِنْ إِلهٍ ، وَإله (1) يَقْتَضِي مَأْ لُوها ، وَالِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمّى ، فَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمَعْنى ، فَقَدْ كَفَرَ وَلَمْ يَعْبُدْ شَيْئا ؛ وَمَنْ عَبَدَ الِاسْمَ وَالْمَعْنى ، فَقَدْ أَشْرَكَ وَعَبَدَ اثْنَيْنِ ؛ وَمَنْ عَبَدَ الْمَعْنى دُونَ الِاسْمِ ، فَذَاكَ التَّوْحِيدُ ، أَفَهِمْتَ يَا هِشَامُ؟» . قَالَ : قُلْتُ : زِدْنِي ، قَالَ : «لِلّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْما ، فَلَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمّى ، لَكَانَ كُلُّ اسْمٍ مِنْهَا إِلها ، وَلكِنَّ اللّه َ مَعْنىً يُدَلُّ عَلَيْهِ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ وَكُلُّهَا غَيْرُهُ . يَا هِشَامُ ، الْخُبْزُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ ، وَالْمَاءُ اسْمٌ لِلْمَشْرُوبِ ، وَالثَّوْبُ اسْمٌ لِلْمَلْبُوسِ ، وَالنَّارُ اسْمٌ لِلْمُحْرِقِ ؛ أَ فَهِمْتَ يَا هِشَامُ فَهْما تَدْفَعُ بِهِ ، وَتُنَاقِلُ (2) بِهِ أَعْدَاءَنَا الْمُلحدين (3) مَعَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَهُ؟» قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : «نَفَعَكَ اللّه ُ بِهِ وَثَبَّتَكَ يَا هِشَامُ» . قَالَ هِشَامٌ : فَوَ اللّه ِ ، مَا قَهَرَنِي أَحَدٌ فِي التَّوْحِيدِ حَتّى قُمْتُ مَقَامِي هذَا .

.


1- . في الكافي المطبوع : «و الإله» .
2- . في الكافي المطبوع : «تناضل» .
3- . في الكافي المطبوع : «المتّخذين» .

ص: 228

هديّة :قد سبق هذا الحديث في الباب الخامس باب المعبود بتفاوت يسير . وضبط برهان الفضلاء هنا : «تناقل» بالنون مكان «تناضل» هناك . و«التناقل» : التجاوب في المناظرة بلا تأمّل وعجز . وفي بعض النسخ هنا «تثاقل» بالمثلّثة كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني . وقال : أي تجعلهم متباطئين غير ناهضين للجدال . (1) وفي بعض آخر : تناضل هناك . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : الظاهر _ كما مرّ _ : «وتناضل به» مكان «وتناقل به» . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني : قد سبق هذا الحديث في باب المعبود بسنده ومتنه ، إلّا أنّه هناك وقع «والإله يقتضي مألوها»، وهنا «وإله يقتضي مألوها» بدون لام التعريف . ولو جرّد النظر عمّا هناك لم يبعد أن يقرأ هنا «ألِهَ» بلفظ الفعل الماضي . وأله آلهة واُلوهة والُوهيّة : عبد عبادة . ومنه لفظ الجلالة كذا ذكره اللّغويّون . (3) «و إله يقتضي مألوها» أي معبودا لتعدّي معناه ، كما أنّ الإله يقتضي مألوها ، أي يوجبه ليكون مطابقه ومصداقه ؛ لأنّه بمعنى المألوه أو _ كما ذكرنا في باب المعبود _ أنّ المألوه مَن له إلهٌ يعبده وهو أولى . وسيجيء في باب جوامع التوحيد ما يؤيّده . (4) (الخبز اسم للمأكول) تمثيل فيه تنبيه على مغايرة الاسم للمسمّى بمغايرة أسماء الأشياء كلّها لمسمّياتها .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 338 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
3- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 ؛ القاموس المحيط ، ص 1603 (أله) .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 386 .

ص: 229

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنْ مَعْنَى اللّه ِ ، فَقَالَ :«اسْتَوْلى عَلى مَا دَقَّ وَجَلَّ» .

هديّة :قيل : مبنى الجواب على أنّ اشتقاق لفظة الجلالة من أله بالفتح آلهة ، أي عبد عبادةً . وأصلها «إله» على فِعال ، بمعنى المفعول . و«المألوه» هو المعبود . والمعبود الحقّ هو الخالق الغالب على جميع المخلوقات دقيقها وجليلها باطنها وظاهرها . وقد سبق في باب المعبود أنّ التحقيق: أنّ أصلها «إله» على فِعال بمعنى الفاعل ، من ألهَ كنصر ، فعلاً متعدّيا فيقتضي مألوها . ف«الإله» يعني المستحِقّ _ بكسر الحاء _ أن يعبده غيره . والمألوه يعني المستحقّ منه _ بفتح الحاء _ عبادة الإله . وفي الصحيفة الكاملة في دعاء يوم عرفة : «وإله كلّ مألوه»، (2) والظاهر أنّه عليه السلام لم يرد «وإله كلّ إله» . وكذا ما في الحديث من قولهم عليهم السلام : «وإلها إذ لا مألوه»، (3) فلا عبرة بمثل قول الجوهري: وأصلها إله على فعال بمعنى مفعول ؛ لأنّه مألوه أي معبود كقولنا : إمام [فِعال] بمعنى مفعول ؛ لأنّه مؤتمّ به ، فلمّا اُدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام . (4) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب«المعنى» هنا المرجع ، يعني سئل عليه السلام عن مرجع لفظ «اللّه » بأنّ الألف واللام للعهد الخارجي بأيِّ سبب دخلت عليه؟ فقال عليه السلام : مرجع ذلك أنّه تعالى غالب جدّا ، كما هو غير مخفيّ بشواهد ربوبيّته على الأصاغر والأكابر ، بمعنى أنّه وليّ جميع النِّعم صغائرها وكبائرها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «عن معنى اللّه » أي عن مفهوم هذا الاسم ومناطه . «استولى على ما دقّ وجلّ» أي على جميع الأشياء دقيقها وجليلها ، والاستيلاء على جميع الأشياء مناط المعبوديّة بالحقّ لكلّ شيء . (5) أقول : يُقال _ كما قال في القاموس _ : ألِهه كفرح : أجاره وآمنه . فلا يبعد أن يكون الجواب إشارة إلى أنّ مأخذ الاشتقاق ل «الإله» كما يكون «أله» كنصر بمعنى عبد يكون «أله» كعلم ، بمعنى أجار ، والمجير مستول كملاً على المجار في كنفه ولذا آمنه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد» .
2- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 244 ، الدعاء 47 .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 138 ، باب جوامع التوحيد ، ح 4 ؛ التوحيد ، ص 309 ، باب 43 ، ح 2 .
4- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله) .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 388 .

ص: 230

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ هِلَالٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ الرِّضَا عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ تعالى : «اللَّهُ نُورُ السَّمَوتِ وَالْأَرْضِ» فَقَالَ :«هَادٍ لِأَهْلِ السَّمَوات ، (2) وَهَادٍ لِأَهْلِ الْأَرْضِ» . وَفِي رِوَايَةِ الْبَرْقِيِّ : «هُدى مَنْ فِي السَّمَاءِ ، وَهُدى مَنْ فِي الْأَرْضِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد» .
2- . في الكافي المطبوع : «السماء» .

ص: 231

هديّة :في (قول اللّه تعالى) في سورة النور . (1) (وفي رواية البرقي) كلام ثقة الإسلام . في بعض النسخ : «هدى» بالضمّ في المواضع الأربعة مكان «هاد» و«هدى» . لا خفاء لوجه تفسير النور بالهادي أو بالهدى ، ويمكن تأويل هذا التفسير إلى ما يستفاد من تفسير هذه الآية في الخامس في الباب الثالث عشر باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللّه عزّ وجلّ من أنّ نور اللّه هو الإمام، فالتقدير : نور اللّه نور السموات والأرض ، أو : اللّه نوره نور السموات والأرض ؛ فإنّ تقدير السلطان نادى بين الناس : أنّ منادي السلطان نادى ، أو : السلطان مناديه نادى . قال برهان الفضلاء : يعني أنّ نور السراج مثلاً كما هو هاد للخلق في ظلمة الليل كذلك اللّه هاد لأهل السموات وأهل الأرض بأنوار حجبه وآياته إلى معرفته ، كما أنّ أهل الجنّة يقولون «وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللّه ُ» (2) . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا كان النور مناط الهداية فهو الهدى ، أي ما يهتدى به ويصحّ أن ينسب الهداية إليه ، ويطلق عليه الهادي ، فعبّر عن كونه سبحانه هاديا أو هدى لمن في السماء والأرض بأنّه نور السموات والأرض . (3)

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (4) عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ تباك و تعالى : «هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْاخِرُ» وَقُلْتُ : أَمَّا «الْأَوَّلُ» فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ، وَأَمَّا «الْاخِرُ» فَبَيِّنْ لَنَا تَفْسِيرَهُ . فَقَالَ :«إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ إِلَا يَبِيدَ (5) أَوْ يَتَغَيَّرَ ، أَوْ يَدْخُلَهُ التَّغَيُّرُ وَالزَّوَالُ ، أَوْ يَنْتَقِلَ مِنْ لَوْنٍ إِلى لَوْنٍ ، وَمِنْ هَيْئَةٍ إِلى هَيْئَةٍ ، وَمِنْ صِفَةٍ إِلى صِفَةٍ ، وَمِنْ زِيَادَةٍ إِلى نُقْصَانٍ ، وَمِنْ نُقْصَانٍ إِلى زِيَادَةٍ إِلَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ بِحَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ الْاخِرُ عَلى مَا لَمْ يَزَلْ ، وَلَا تَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ كَمَا تَخْتَلِفُ عَلى غَيْرِهِ ، مِثْلُ الْاءِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ تُرَابا مَرَّةً ، وَمَرَّةً لَحْما وَدَما ، وَمَرَّةً رُفَاتا وَرَمِيما ، وَكَالْبُسْرِ الَّذِي يَكُونُ مَرَّةً بَلَحا ، وَمَرَّةً بُسْرا ، وَمَرَّةً رُطَبا ، وَمَرَّةً تَمْرا ، فَيَتَبَدَّلُ (6) عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ ، وَاللّه ُ _ تعالى _ بِخِلَافِ ذلِكَ» .

.


1- . النور (24) : 35 .
2- . الأعراف (7) : 43 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 389 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن فضيل بن عثمان» .
5- . في الكافي المطبوع : «أن يبيد» .
6- . في الكافي¨ المطبوع : «فتتبدّل» .

ص: 232

هديّة :(أمّا الأوّل فقد عرفناه) أي من قولكم بأنّه تعالى هو القديم ، ليس قديم سواه ، فإشارة إلى بطلان ما توهّمت الأشاعرة في السبع من صفاته تعالى : العلم والقدرة والحياة والإرادة والكلام والسمع والبصر من أنّها كيفيّات قديمة له تعالى موجودة في أنفسها زائدة على الذات ، ووجودها في أنفسها غير وجود الذات ، وغير وجودها الرابطي أيضا . وكذا إلى بطلان القائلين مَنْ الفلاسفة ومن تبعهم كالصوفيّة القدريّة بثبوت الحقائق والطبائع والماهيّات القديمة . (وأمّا الآخر فبيّن لنا تفسيره) يعني فإنّه إن كان بمعنى أنّ كلّ شيء يفنى وهو سبحانه يبقى ، فيتوهّم منه عدم إعادة أهل المعصية والطاعة ، وعدم النار والجنّة كما زعمت القدريّة وأوّلوا الجسماني من المذكورات بما أوّلها التناسخيّة لعنهم اللّه . أو أنّ الأنسب على الإعادة الأوسط مكان الآخر . فأجاب عليه السلام بما حاصله : إنّ المعنى من الآخر هو المستمرّ على الربوبيّة أزلاً أبدا . «باد عدوّي» كباع : فنى وهلك . «على» في (على ما لم يزل) استعلائيّة ، كما في قوله تعالى : «أُوْلَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ» (1) . ف«ما» إمّا موصولة ، فالتقدير : على ما لم يزل هو عليه . أو مصدريّة ، يعني على أزليّة الربوبيّة وأبديّتها . و«الرُفات» كالفُتات لفظا ومعنىً ، أي السّاقط من المدقوق أو المكسور أو المفتّت . وأوّل ما يبدو من النخلة يقال له : «طلع» ثمّ «خَلال» بالمعجمة كسحاب ، ثمّ «بلح» بالمفردة واللام المفتوحتين والمهملة ، ثمّ «بسر» ، ثمّ «رطب» ، ثمّ «تمر» .

.


1- . البقرة (2) : 5 .

ص: 233

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مَيْمُونٍ الْبَانِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْأَوَّلِ وَالْاخِرِ ، فَقَالَ :«الْأَوَّلُ لَا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ ، وَلَا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ ؛ وَالْاخِرُ لَا عَنْ نِهَايَةٍ كَمَا يُعْقَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَلكِنْ قَدِيمٌ ، أَوَّلٌ ، آخِرٌ ، لَمْ يَزَلْ ، وَلَا يَزُولُ ، بِلَا بَدْءٍ وَلَا نِهَايَةٍ ، لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ ، وَلَا يَحُولُ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» .

هديّة :مفعول (سمعت) محذوف يدلّ عليه (فقال) وما بعده . قيل: والتقدير : سمعت قوله عليه السلام ، فاُقيم المضاف إليه مقام المضاف . والأصحّ أنّ المحذوف : «يقول» . (لا عن أوّل قبله) يحتمل إضافة «الأوّل» إلى «القبل» و«البدء» إلى «السبق»، أي لا عن جهة أوّله الزمانيّ ولا عن جهة سبقه كذلك . أو «الأوّل» منوّن ، وكذا «البدء» و«قبله» نصب على الظرفيّة ، و«سبقه» على الفعل الماضي ؛ فإنّ كلّ ما أوّليّته زمانيّة مسبوق بزمان قطعا . (والآخر لا عن نهاية) أي لا جهة نهاية زمانيّة ، بل بمعنى أنّه قديم لا بداية له ولا نهاية له . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «ولا يزال» مكان «ولا يزول» وهو أظهر . (لا يقع عليه الحدوث) ردّ على القائلين بأنّه سبحانه محلّ الحوادث كالقدريّة القائلين بأنّ الحوادث بأجمعها شكله «قَ_تَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» . (2) قال الفاضل الإسترابادي : «لاعن أوّل قبله» يعني معنى الأوّل والآخر يرجعان إلى السلب . (3) وقرأ برهان الفضلاء : «لا عن أوّل قبلة» بإضافة «الأوّل» إلى «القبلة» بالتحريك ، والتاء للوحدة . وكذا «ولا عن بديء سبقة» بقراءة «البديء» كالبديع لفظا ومعنىً ، و«السّبقة» بالفتح وسكون المفردة . قال : «القَبَل» بفتحتين : الاستيناف . قال الهروي في الغريبين في حديث آدم عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى كلّمه قِبَلاً» بكسر القاف وفتح المفرد . ويجوز في العربيّة قَبَلاً بفتحتين ؛ أي مستأنفا للكلام يقال : سقى إبله قَبَلاً، أي استأنف بها السّقي . قال : يعني سمعته عليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى في سورة الحديد «الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ» (4) ، فقال : الأوّل هنا ليس مأخوذا عن أوّل يكون مع استئناف ، ولا عن ابتداع يكون مع سبق واحد على أمثاله . ثمّ قال : «لم يزل ولا يزال» من الأفعال الناقصة وخبرهما محذوف يدلّ عليه «أوّل آخر» فالتقدير : لم يزل أوّلاً آخرا ، ولا يزال أوّلاً آخرا . قال السيّد الداماد رحمه الله : «أوّل آخر» بدون العطف إشارة إلى أنّ أوّليّته عين آخريّته ؛ لأنّ قدمه ليس قدما زمانيّا ؛ أي الامتداد الكمّي بلا نهاية ، فهو تبارك وتعالى أزليّ بما هو أبديّ وأبديّ بما هو أزليّ . «لا يقع عليه الحدوث» ناظر إلى الأوّليّة . «لا يحول من حال إلى حال» ناظر إلى الآخريّة . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اُذينة» .
2- . المنافقون (63) : 4 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
4- . الحديد (57) : 3 .
5- . لم نعثر عليه.

ص: 234

. .

ص: 235

الحديث السابعروى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ إِلى أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، لَهُ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ فِي كِتَابِهِ ، وَأَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ هِيَ هُوَ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «إِنَّ لِهذَا الْكَلَامِ وَجْهَيْنِ : إِنْ كُنْتَ تَقُولُ : «هِيَ هُوَ» ، أَيْ إِنَّهُ ذُو عَدَدٍ وَكَثْرَةٍ ، فَتَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ ؛ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ : هذِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ لَمْ تَزَلْ ، فَإِنَّ «لَمْ تَزَلْ» مُحْتَمِلٌ مَعْنَيَيْنِ : فَإِنْ قُلْتَ : لَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ فِي عِلْمِهِ وَهُوَ مُسْتَحِقُّهَا ، فَنَعَمْ ؛ وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ : لَمْ يَزَلْ تَصْوِيرُهَا وَهِجَاؤُهَا وَتَقْطِيعُ حُرُوفِهَا ، فَمَعَاذَ اللّه ِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ ، بَلْ كَانَ اللّه ُ وَلَا خَلْقَ ، ثُمَّ خَلَقَهَا وَسِيلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، يَتَضَرَّعُونَ بِهَا إِلَيْهِ ، وَيَعْبُدُونَهُ وَهِيَ ذِكْرُهُ ، وَكَانَ اللّه ُ وَلَا ذِكْرَ ، وَالْمَذْكُورُ بِالذِّكْرِ هُوَ اللّه ُ الْقَدِيمُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ ، وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ مَخْلُوقَاتٌ ، وَالْمَعَانِي ، وَالْمَعْنِيُّ بِهَا هُوَ اللّه ُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ الِاخْتِلَافُ وَلَا الِائْتِلَافُ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ وَيَأْتَلِفُ الْمُتَجَزِّئُ ، فَلَا يُقَالُ : اللّه ُ مُخْتَلِفٌ وَ لا (1) مُؤْتَلِفٌ ، وَلَا اللّه ُ قَلِيلٌ ولَا كَثِيرٌ ، وَلكِنَّهُ الْقَدِيمُ فِي ذَاتِهِ ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ ، وَاللّه ُ وَاحِدٌ ، لَا مُتَجَزِّئٌ وَلَا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، وَكُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالٌّ عَلى خَالِقٍ لَهُ ؛ فَقَوْلُكَ : «إِنَّ اللّه َ قَدِيرٌ» خَبَّرْتَ أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، فَنَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْعَجْزَ ، وَجَعَلْتَ الْعَجْزَ سِوَاهُ ، وَكَذلِكَ قَوْلُكَ : «عَالِمٌ» إِنَّمَا نَفَيْتَ بِالْكَلِمَةِ الْجَهْلَ ، وَجَعَلْتَ الْجَهْلَ سِوَاهُ ، وَإِذَا أَفْنَى اللّه ُ الْأَشْيَاءَ ، أَفْنَى الصُّورَةَ وَالْهِجَاءَ وَالتَّقْطِيعَ ، وَلَا يَزَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ عَالِما» . فَقَالَ الرَّجُلُ : فَكَيْفَ سَمَّيْنَا رَبَّنَا سَمِيعا؟ فَقَالَ : «لِأَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْأَسْمَاعِ ، وَلَمْ نَصِفْهُ بِالسَّمْعِ الْمَعْقُولِ فِي الرَّأْسِ . وَكَذلِكَ سَمَّيْنَاهُ بَصِيرا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْأَبْصَارِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ شَخْصٍ أَوْ غَيْرِ ذلِكَ ، وَلَمْ نَصِفْهُ بِبَصَرِ لَحْظَةِ الْعَيْنِ . وَكَذلِكَ سَمَّيْنَاهُ لَطِيفا ؛ لِعِلْمِهِ بِالشَّيْءِ اللَّطِيفِ مِثْلِ الْبَعُوضَةِ وَأَخْفى مِنْ ذلِكَ ، وَمَوْضِعِ النُّشُوءِ مِنْهَا ، وَالْعَقْلِ وَالشَّهْوَةِ ؛ لِلسَّفَادِ وَالْحَدَبِ عَلى نَسْلِهَا ، وَإِقَامِ بَعْضِهَا عَلى بَعْضٍ ، وَنَقْلِهَا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إِلى أَوْلَادِهَا فِي الْجِبَالِ وَالْمَفَاوِزِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْقِفَارِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ خَالِقَهَا لَطِيفٌ بِلَا كَيْفٍ ، وَإِنَّمَا الْكَيْفِيَّةُ لِلْمَخْلُوقِ الْمُكَيَّفِ . وَكَذلِكَ سَمَّيْنَا رَبَّنَا قَوِيّا لَا بِقُوَّةِ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَلَوْ كَانَتْ قُوَّتُهُ قُوَّةَ الْبَطْشِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، لَوَقَعَ التَّشْبِيهُ ، وَلَاحْتَمَلَ الزِّيَادَةَ ، ومَا احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ احْتَمَلَ النُّقْصَانَ ، وَمَا كَانَ نَاقِصا كَانَ غَيْرَ قَدِيمٍ ، وَمَا كَانَ غَيْرَ قَدِيمٍ كَانَ عَاجِزا ، فَرَبُّنَا _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَا شِبْهَ لَهُ وَلَا ضِدَّ ، وَلَا نِدَّ وَلَا كَيْفَ ، وَلَا نِهَايَةَ ، وَلَا تَبْصَارَ بَصَرٍ ، وَمُحَرَّمٌ عَلَى الْقُلُوبِ أَنْ تُمَثِّلَهُ ، وَعَلَى الْأَوْهَامِ أَنْ تَحُدَّهُ ، وَعَلَى الضَّمَائِرِ أَنْ تُكَوِّنَهُ ، جَلَّ وَعَزَّ عَنْ إِدَاتِ خَلْقِهِ ، سِمَاتِ بَرِيَّتِهِ ، وَتَعَالى عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا» .

.


1- . في الكافي المطبوع : - «مختلف ولا» .

ص: 236

هديّة :(وأسماؤه وصفاته هي هو) بتقدير الاستفهام ، يعني وهل أسماؤه وصفاته هي هو لثبوت عينيّة الصفات؟ وقيل : الظاهر أنّ الواو حاليّة ، يعني والحال أنّ أسماءه وصفاته عين الذات . قال برهان الفضلاء : الواو حاليّة ، احتراز عن صفات الفعل ؛ فإنّها ليست عين الذات . ومراد السائل أنّ كون الصفات عين الذات فهمه مشكل، فبيّن لنا . والمراد هنا من الأسماء مفهومات المشتقّات ، ومن الصفات مفهومات مباديها ، كمفهوم القويّ والعزيز في آية «إِنَّ اللّه َ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ» (1) ، ومفهوم القوّة والعزّة في آية «ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» (2) وآية «وَللّه ِِ الْعِزَّةُ» (3) . ثمّ احتمل على البعد أن يكون المراد منهما ألفاظ المشتقّات والمبادئ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : استفسر عليه السلام بقوله : «إن كنت تقول هي هو» عن مراد السائل بقوله : «هي هو» فذكر محتملاته وحُكَم كلّ منها . (4) و«الهجاء» بالكسر والمدّ : إحصاء عدد أشياء متغايرة . و«معاذ اللّه » : مصدر ميميّ نصب على المصدر من عاملٍ محذوف ، أي فَعُذتُ عياذا باللّه ، وإضافة المصدر كما في شكرَ للّه مكان شكرا للّه . و(غيره) بالرّفع وصف ل«شيءٍ» بناءً على المشهور من أنّ مثل «غير» ومثل «لا» يكسبان التعريف بالإضافة . قال برهان الفضلاء : يعني إن كنت تقول بعينيّة الصفات ، بمعنى أنّه سبحانه ذو عدد وكثرة كالأشاعرة والصوفيّة فذاك شرك وكفر . وإن كنت تقول : إنّها أزليّة أبديّة ، بمعنى كون حدوثها في الأذهان معلوما له سبحانه ، وكذا كونه مستحقّا لأن يدعوه الخلائق بها «فنعم» . وإن كنت تقول : إنّها أزليّة بكيفيّاتها وكمّيّاتها التي تتّصف بها بعد الحدوث في الأذهان أو الألفاظ ، فعياذا باللّه أن نعتقد كون شيء شريكا له في أزليّته . وتقييد «شيء» ب«غيره» إنّما هو لدفع توهّم أنّ الاستحقاق المدلول لقوله عليه السلام : «وهو مستحقّها» أيضا شيء أزليّ ، بأنّ المراد نفي كلّ شيء أزليّ غيره حتّى الاستحقاق ، فالحكم بأزليّة الاستحقاق على المجاز بناءً على ضيق العبارة . فظهر من هذا أنّ إطلاق الوجود الرابطي على المستحقّ _ بفتح الحاء _ أيضا على المجاز وضيق العبارة ، بل كان اللّه ولا غير معه ، فليس كما تقول الأشاعرة في الصفات السبع أنّ كلّ واحدة منها موجودة في نفسها وقائمة بذاته سبحانه ، ولا كما تقول المعتزلة بثبوت المعدومات ، ولا كما تقول أكثر الفلاسفة وجماهير الصوفيّة بِقِدَم العالم وحضور كلّ جزء من أجزائه عنده تعالى في وقته أزلاً وأبدا ، ولا كما يقول بعض الفلاسفة وجمع من الصوفيّة بقدم العالم وحضور كلّ جزء من أجزائه بصورته في اللّه سبحانه أو في واحدٍ من العقول العشرة . (ثمّ خلقها) أي الأسماء جميعا، وصفات الفعل جميعا . وللسيّد الأجلّ النائيني هنا كلام فهمه مشكل ، أو قياس الانكشاف الأزلي بالانكشاف الحاصل من علم المخلوق ؛ حيث قال : و«هجاؤها» أي شكلها ، أو تقطيع الكلمات بحروفها . والثاني كالمفسّر ل«هجاؤها» على ثاني الاحتمالين . فعلى جميع هذه الشقوق يلزم أن يكون مع اللّه سبحانه موجود عينيّ مغاير له غير مسبوق بالعدم ، ومعاذ اللّه أن يكون معه شيء مغاير له عينا غير محدث . ولا كذلك الظلّيّات ؛ فإنّها كالتوابع والأظلال للعينيّات لا تأصّل لها في الوجود حتّى يجب أن يكون موجودا بذاته ، أو مخرجا من العدم إلى الوجود ، فكلّ ما يغايره من الموجودات العينيّة مسبوق بالعدم ، عري عن الأزليّة . «بل كان اللّه ولا خلق ، ثمّ خلقها» أي الأسماء والصفات بعد عدمها المقابل للوجود العيني وإن كان أظلالها العلميّة التابعة لذاته الأحديّة مسبوقة بالذات لا بالعدم ، حيث لم يصر مخرجا من العدم إلى الوجود العيني ، وثبوتها نفس تابعيّتها للذات الأحديّة ، وكذا مسبوقيّتها بالذات ، فليس كالاُمور العينيّة التي مقتضى تأخّرها وانفصال وجودها عن الوجود الأزلي مسبوقيّتها بالعدم . (5) انتهى . أقول : والحقّ _ كما هو المستفاد من أحاديثهم عليهم السلام ، وعليه انعقد إجماع العصابة _ أنّه تعالى علمه عين ذاته فلا علم لغيره بخصوصيّة علمه تعالى بأنّه حصوليّ أو حضوريّ ، كما لا علم لأحد بخصوصيّة الذات . فالمراد بالأظلال العلميّة إن كان هو الصور كما في الأذهان فقياس ، وإلّا فكما قلنا ، وذلك قوله عليه السلام : (وإن كنت تقول لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها ، فمعاذ اللّه أن يكون معه شيء غيره) . وأيضا بنفي الوجود العيني عن الظلّ الأزليّ ، وثبوت الثبوت الأزلي لا يندفع الإشكال ؛ فإنّ ذلك يستلزم إمّا ثبوت قديم غيره تعالى ، أو عينيّة الظلّ التابع مع ذي الظلّ المتبوع ، والأظلال المذكورة في أحاديثهم عليهم السلام مخلوقات قطعا فلا مخلص إلّا بما قلنا . (وهي ذكره) على المصدر . وقرئ «ذكرة» بالتاء بدل الضمير بمعنى الذكرى . (والمعاني) قيل : عطف على الصفات ؛ أي مخلوقات . وقال برهان الفضلاء : «الواو» بمعنى «مع» . واحتمل العطف وحذف الخبر . ولا بأس بالاستئناف فالواو في «والمعنيُّ بها» لعطف التفسير . قال بعض المعاصرين : والأولى أن يجعل «والمعاني» مبتدأ ويجعل «المعنيّ بها» عطف تفسير له بإرجاع الضمير المجرور إلى «الأسماء والصفات» . وقيل : وفي بعض النسخ «مخلوقات المعاني» بدون الواو . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «والأسماء والصفات مخلوقات» . المراد بالأسماء والصفات الألفاظ والحروف الدالّة على ما وصفت له . (7) «والمعاني» عطف على «الأسماء» أي والمعاني _ وهي حقائق مفهومات الصفات _ مخلوقة . أو المراد بالأسماء الألفاظ ، وبالصفات ما وضع ألفاظها له . وقوله : «مخلوقات والمعاني» خبر لقوله «والأسماء والصفات»، أي الأسماء مخلوقات والصفات هي المعاني . وقوله : «والمعنيّ بها هو اللّه » أي المقصود بها ، المذكور بالذّكر ، ومصداق تلك المعاني المطلوب بها هو ذات اللّه تعالى «الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف» . (8) انتهى . (لا يليق به الاختلاف) باشتماله على أمرين مختلفين حقيقة ، كالجسم والبياض والنوع والفصل . (ولا الائتلاف) باشتماله على شيئين متّفقين حقيقةً كجسم واحد منقسم إلى نصفين ، وهو تعالى واحد من جميع الوجوه «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (9) وتنزيهه عن الوحدة العدديّة معيار لجميع صفاته الذاتية ، ولذا يرجع جميع صفاته تعالى في التوحيد الخالص إلى السلب . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولعلّ «الاختلاف» إشارة إلى كثرة الأفراد و«الائتلاف» إلى كثرة الأجزاء «وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّي» . (10) (ولكنّه القديم في ذاته) لا في أسمائه وصفاته ؛ لأنّ فرض ما سوى الواحد بحقيقة الوحدة يستلزم التجزّي والتعدّد والتحديد والكمّية والكيفيّة وغير ذلك من سمات المخلوق . و«التخبير» : مبالغة في الإخبار . والمراد بنفي العجز : إثبات أنّ مصداق قدرته تعالى إنّما هو نفس ذاته ، فنفي العجز كناية عن عموم القدرة . وكذا الكلام في نفي الجهل ، وكلّ ما لا يليق بجنابه تبارك وتعالى . وبهذا أشار ثقة الإسلام في آخر باب صفات الفعل بقوله : «وصفات الذات ينفي عنه تعالى بكلّ صفة منها ضدّها» . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : قوله : «لأنّه لا يخفى عليه» تصريح بأنّ صفاته تعالى كلّها يرجع إلى السلب . (11) أي السلب الذي عين الثبوت الخاصّ الذي لا علم لأحدٍ سواه تعالى بخصوصيّته . (أفنى الصورة) يعني صورة الأسماء والصفات التي في الأذهان ، كما أفنى الأذهان وسائر ما سوى اللّه ، فلا يبقى شيء ممّا سوى اللّه ، كما لم يكن شيء قديم عالم قدير سميع بصير ملكٌ قدّوس سوى اللّه . قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له مذكورة في نهج البلاغة : «وإنّه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه ، كما كان قبل ابتدائها ... ثمّ يعيدها من هذا الفناء» (12) يعني ينشئها كما أنشأها أوّل مرّة . (فكيف سمّينا ربّنا سميعا؟) يعني إذا كان إثبات الصفة بنفي الضدّ . (13) وقال برهان الفضلاء : يعني إذا امتنع الاختلاف والائتلاف فكيف اتّصافه بصفة السمع مثلاً . (بالسمع المعقول في الرأس) يحتمل العقل بمعنى التصوّر ، والعقل بمعنى العقد . والأوّل أولى معنى ، والثاني لفظا . و(النشوء) بالضمّ على فُعول : الحدوث ، وبالكسر كالعلم : الشمّ ، وبالفتح كالفتح : أوّل النموّ . والكلّ مناسب . و«السّفاد» بالكسر : نزو الذكر على الاُنثى . و(الحدب) محرّكة العطف والشفقة . (وإقام بعضها) بكسر الهمزة ؛ أي إقامته وكونه مقيما قواما قويّا عليه قائما بأُموره حافظا لأحواله . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «وإفهام بعضها عن بعض ، أي منطقها» (14) موافقا لخبر فتح الآتي في الباب التالي . و«القفر» بفتح القاف وسكون الفاء : المفازة التي لا نبات فيها ولا ماء ، والجمع قِفار كرجال . (لوقع التشبيه) لأنّ جميع صفاته تعالى كوحدته ، وهي ليست من باب الأعداد ، فلا شبه لصفاته و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (15) . (ولاحتمل الزيادة) لأنّ كلّ ما كان من باب الأوصاف المخلوقة لكان كذا . (وما كان ناقصا) أي وما احتمل النقصان ، بدليل السياق (16) (كان غير قديم) لأنّ القديم الواحد بحقيقة الوحدة لا يحتمل الزيادة والنقصان ، والقلّة والكثرة . كيف؟! وهو قبل العدد والمعدود ، والزائد والناقص ، والقليل والكثير ، وغير ذلك ممّا سوى الذات الأحديّ تعالى شأنه وجلّ برهانه . وأبديّة باب العدد بمعنى لا يقف إنّما هي في الخيال ، والخيال فانٍ «وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّ_كَ ذُو الْجَلَ_لِ وَ الْاءِكْرَامِ» . (17) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أبطل عليه السلام كون قوّته قوّة البطش المعروف من المخلوق بوجهين : أحدهما : لزوم وقوع التشبيه ، وكونه مادّيا مصوّرا بصورة المخلوق . وثانيهما : لزوم كونه سبحانه محتملاً للزيادة ؛ لأنّ الموصوف بمثل هذه الكيفيّة لابدّ لها ، من مادّة قابلة لها متقوّمة بصورة جسمانيّة ، موصوفة بالتقدّر بقدر ، والتناهي والتحدّد بحدّ لا محالة ، فيكون لا محالة حينئذٍ موصوفا بالزيادة على ما دونه من ذوي الأقدار ، فكلّ موصوف بالزيادة الإضافيّة موصوف بالنقصان الإضافي لوجهين : أحدهما : أنّ المقادير الممكنة لا حدّ لها تقف عنده ، كما لا حدّ لها في النقصان ، فالمتقدّر بمقدار متناهٍ يتّصف بالنقص الإضافي بالنسبة إلى بعض الممكنات وإن لم يكن يدخل في الوجود . وثانيهما : أنّه يكون حينئذٍ لا محالة موصوفا بالنقص الإضافي بالنسبة إلى مجموع الموصوف بالزيادة الإضافيّة والمقيس إليه ، فيكون أنقص من مجموعهما ، وما كان ناقصا بالنسبة إلى غيره من الممكنات لا يكون قديما واجب الوجود لذاته ؛ لأنّه علّة ومبدأ لكلّ ما يغايره ، والمبدأ المفيض أكمل وأتمّ من المعلول الصادر عنه المفاض عليه منه ، فكلّ ناقص إضافيّ أحقُّ بالمعلوليّة من المبدئيّة لما هو أكمل وأزيد منه ، وهذا ينافي ربوبيّته ويتمّ به المطلوب . (18) أقول : ليس غرض جمع من متأخّري أصحابنا _ رضوان اللّه عليهم _ من بناء الكلام في بيان أحاديث الأئمّة عليهم السلام لا سيّما أحاديث اُصول الدِّين على حكمة قواعد حكمة الفلسفة ومسائلها ، إلّا إظهار قوّة الطبيعة وجَوْدة القريحة بأنّهم يمكنهم توجيه المستصعبات من أحاديث الاُصول باُصول غيرها بحيث لا يلزم منه قدح في المذهب وإن كانت تلك الاُصول غير مذكورة في أحاديث الاُصول وغير مطابقة لها أصلاً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «البطش» أخذك عدوّك بالعُنْف . قال اللّه تعالى في سورة البروج : «إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ» (19) . وأيضا «البطش» : العداوة ؛ قال اللّه تعالى في سورة الشورى : «وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ» . (20) وكلا المعنيين يناسب هنا . (لوقع التشبيه) أي بغيره في الأعضاء والكيفيّة . (وما كان غير قديم كان عاجزا) لأنّه مخلوق . (لا شبه له) أي لا شبيه له . قال برهان الفضلاء : أي لا شبيه له في اسم غير مشتقّ . وضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا شية له» (21) أي لا لونَ له ولا نقش . وأصلها «وشي» ومنه الوشّاء لنقّاش الثوب . قال : لأنّ شية الممكن ممكن . (ولا ضدّ) لأنّ ما سواه مخلوق . (ولا ندّ) لأنّ المخلوق ليس له قوّة المعاندة لخالقه بحيث يغلب . قال برهان الفضلاء : «التبصار» بالفتح : مصدر من باب التفعيل للمبالغة ، كما يقال في العرف : فلان مبصّر بكسر الصاد المشدّدة . و«التبصار» بالكسر : اسم المصدر ، كالتكرار ، وكلاهما هنا مناسب . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «تبصار بصر» أي التبصّر بالبصر ، و«تبصار» مصدر «تبصّر» لمن قال : كِلّام وكذّاب في كلّم وكذّب . وفي التنزيل : «وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابا» (22) ، وقال الشاعر : ثلاثة أحباب فحبّ علاقةوحبّ تِملاق وحبّ هو القتل . فكأنّه قال : ولا تبصّر بصر. (ومحرّم على القلوب أن تمثّله) أي ممتنع عليها أن تشبّهه أو تصوّره كما هو . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي أن تجعل حقيقته موجودا ظلّيّا مثاليّا ، وتأخذ منه حقيقة كلّيّة معقولة ؛ لكونه واجب الوجود بذاته لا ينفكّ حقيقته عن كونه موجودا عينيّا شخصيّا . (23) (وعلى الأوهام أن تحدّه) أي تحيط به . (وَعَلَى الضَّمَائِرِ أَنْ تُكَوِّنَهُ) أي تجد خصوصيّته وحقيقته المخصوصة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وعلى الأوهام أن تحدّه» لعجزها عن أخذ المعاني الجزئيّة عمّا لا يحصل في القوى والأذهان ولايخاط بها . «وعلى الضمائر أن تكوّنه» الضمير : السرّ وداخل الخاطر والبال ، ويطلق على محلّه ، كما أنّ «الخاطر» في الأصل ما يخطر بالبال ويدخله ، ثمّ يطلق على محلّه الذي هو البال . و«التكوين» : التحريك . والمعنى أنّه محرّم على ما يدخل الخواطر أن يدخله وينقله من حالٍ إلى حال ؛ لاستحالة قبوله لما يغايره . أو المراد بالضمائر خواطر الخلق وقواهم الباطنة ، وأنّه يستحيل أن يخرجه من الغيبة إلى الحضور والظهور عليهم ، أي ليس لها أن يجعله بأفعالها مستنزلاً إلى مرتبة الحضور عندهم ، إنّما يمكن الحضور بجذبة منه للنفوس الذكيّة ، وإخراج لها من مرتبتها التي يليق بها ويتمكّن من الوصول إليها بسعيها إلى مرتبة الحضور . والمراد (24) أنّه لا يمكن حضور ذاته سبحانه للنفوس ما دامت في مرتبتها النفسيّة ، إنّما المراد بالحضور في تلك المرتبة حضور الأنوار والملائكة والآيات لا حضور ذاته الأحديّة ، والظهور العلمي الحضوري لذاته بحقيقته عليها . 25 انتهى . وقال برهان الفضلاء : «التكوين» : التصوير بعنوان التشخّص . ثمّ قال : و«الأدات» بفتح الهمزة والدال والتاء الممدودة في الكتابة بعد الألف : جمع «الأداة» بالتاء المدوّرة ، يعني آلات خلقه . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «عن آداب خلقه» جمع «الأدب» بالمفردة ، وقال : يعني جلّ وعزّ عن آداب خلقه وما يليق بهم من الصفات ، واستعمال الآلات . ثمّ قال : وفي بعض النسخ : «عن أداة خلقه» أي آلتهم التي بها يفعلون ويحتاجون في أفعالهم إليها . «و»جلّ عن «سمات بريّته» أي صفات خليقته وصورها . (25)

.


1- . الحجّ (22) : 40 .
2- . الذاريات (51) : 58 .
3- . المنافقون (63) : 8 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 391 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 391 _ 392 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 474 .
7- . في المصدر : «وضعت له» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 392 .
9- . الشورى (42) : 11 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 392 .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 .
12- . نهج البلاغة ، ص 276 ، الخطبة 186 . وفيه «بعد الفناء» بدل «من هذا الفناء» .
13- . في «الف» : + «فكيف» .
14- . التوحيد ، ص 63 ، باب 2 ، ح 18 .
15- . الشورى (42) : 5 .
16- . في «الف» : «بدلالة السياق» .
17- . الرحمن (55) : 27 .
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 395 .
19- . البروج (85) : 12 .
20- . الشعراء (26) : 130 .
21- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 396 . وفيه «لاشبه» .
22- . النبأ (78) : 28 .
23- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 396 .
24- . في المصدر : «أو المراد» .
25- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 397 .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

. .

ص: 244

. .

ص: 245

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ السرّاد ، (1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ : اللّه ُ أَكْبَرُ ، فَقَالَ :«اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟» فَقَالَ : مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «حَدَّدْتَهُ» فَقَالَ الرَّجُلُ : كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ : «قُلْ : اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ» .

هديّة :«حدّده تحديدا» : جعل له حدّا ، أو أخذه محدودا . وضبط برهان الفضلاء : «حددته» كنصر ، بمعنى دفعته عن مقامه . وفي بعض النسخ : «قل : اللّه أكبر ، أكبر من أن يوصف» بتكرار لفظ «أكبر» . والمقدّر عليهما : يعني . والمعنى ، من أن يوصف بوصف المخلوقين ، أو من [أن] يعقل وصفه كما هو حقّه . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أكبر من أيّ شيء؟» استعلام عن مراد القائل إنّه هل أراد اتّصافه تعالى بالشدّة والزيادة في الكِبَر الذي يعقل في المخلوق ، فيلزم اتّصافه بالكِبَر الإضافي ، أو أراد نفي اتّصافه سبحانه بما يعقل من الصفات التي في المخلوقات؟ فلمّا أجاب القائل بقوله : «من كلّ شيء» علم أنّه أراد الاتّصاف بالكِبرَ الإضافي ، فنبّه على فساده بقوله : «حدّدته»؛ لأنّ المتّصف بصفات الخلق محدّد بحدود الخلق . ولفظ «أكبر» هنا ليس مستعملاً فيما يعقل من المعاني الحقيقيّة للتفضيل ، إنّما استعمل في نفي صفات المخلوقات وتعاليه عن الاتّصاف بها ، فيكون استعمالاً للّفظ في لازم معناه الحقيقي ؛ فإنّ الأشدّ والأزيد في صفة مشتركة بين المفضّل والمفضّل عليه خارج عن مرتبة المفضّل عليه ، غير محاط بها ، فاستعمل في الخروج عن مرتبة غيره ونفى المحاطيّة بتلك المرتبة مجرّدا عن الاشتراك في أصل الصفة . كأنّ (2) القدرة من لوازمها نفي العجز ، والعلم من لوازمها نفي الجهل ، والسمع من لوازمه نفي خفاء ما يدرك بالسمع ، والبصر من لوازمه نفي خفاء المدرك بالبصر ، واستعملت هذه الصفات فيه سبحانه باعتبار اللوازم [لا] (3) باعتبار تحقّق المعقول من صفاتنا (4) فيه سبحانه . (5) أقول : نعم ، إن قلنا بالاشتراك المعنوي ، والحقّ الاشتراك اللفظي في الألفاظ المستعملة في الخالق والمخلوق ، وإلّا لزم التجوّز في الجميع نظرا إلى الخالق تعالى . وقول السيّد _ كما ستعرفه في هديّة التالي _ لاستحالة كون المخلوق مشاركا للخالق مشاركة مصحّحة للنسبة، بيّنة عادلة لنا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب» .
2- . في المصدر : «كما أنّ» بدل «كأنّ» .
3- . أضفناه من المصدر .
4- . كذا في المصدر وحاشية «ج» وهو الصواب ، وفي المخطوطات : «صفاته» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 397 _ 398 .

ص: 246

الحديث التاسعروى في الكافي وقال : وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ جُمَيْعِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَيُّ شَيْءٍ اللّه ُ أَكْبَرُ؟» فَقُلْتُ : اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، فَقَالَ : «وَكَانَ ثَمَّ شَيْءٌ ؛ فَيَكُونَ أَكْبَرَ مِنْهُ؟» فَقُلْتُ : فَمَا هُوَ؟ قَالَ : «اللّه ُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ» .

.

ص: 247

هديّة :يعني أيّ معنى معنى (اللّه أكبر) . (وكان ثمّ شيء) على الاستفهام الإنكاري ، أي وهل كان قديما شيء أزليّ غيره تعالى؟ وقيل : أي شيء مناسب أو شبيه فيوازن بينهما . وقال برهان الفضلاء : «ثمّ» إشارة إلى الملكوت ، يعني مرتبة القديم الواحد من جميع الجهات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أي شيء اللّه أكبر؟» ؛ أي ما المراد به؟ وما معناه؟ ولمّا أجابه بقوله : «اللّه أكبر من كلّ شيء» دلّ كلامه على أنّ المراد به اتّصافه بالشدّة أو الزيادة في الصفة الموجودة في المخلوقات . ونبّه على خطئه بقوله : «وكان ثمّ شيء؟» وهذا استفهام إنكاري ، أي أ كان (1) في مرتبة تُداني مرتبته تعالى ، ويصحّ فيها النسبة بينه وبين غيره شيء؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا . ولمّا علم القائل خطأه _ لاستحالة كون المخلوق مشاركا للخالق مشاركة مصحّحة للنسبة _ قال : «وما هو؟» أي ما معناه؟ وما المراد به؟ فأجابه عليه السلام بقوله : «اللّه أكبر من أن يوصف» . (2)

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، (3) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ «سُبْحَانَ اللّه ِ» فَقَالَ :«أَنَفَةٌ لِلّهِ» .

.


1- . ما أثبتناه من المصدر ، وفي النسخ : «كان» بدون همزة الاستفهام .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 398 _ 399 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد» .

ص: 248

هديّة :«أنف من الشيء» كعلم أنَفَةً بالتحريك ، إذا استنكف عنه وكرهه وشرّف نفسه عنه . يعني تنزّهٌ للّه سبحانه عن كلّ متصوّر ، وما لا يليق بشأنه تعالى في علمه . و(سبحان) مصدر منصوب بفعل مضمر . قال برهان الفضلاء : «سبحان» : مصدر باب منع . والمعنى عدّ الشيء منزّها من النقصان ، ومفعول مطلق لفعل محذوف ؛ أي أ سبح سبحانا كأمنع . و«الأنفة» بالتحريك ، مصدر باب علم : الإباء والاستنكاف . أقول : لعلّ قصده أنّه مصدر من المجرّد بمعنى التسبيح لكون المبالغة مقصود ألبتّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أنفة» أي براءةٌ، وتعالٍ وتنزّهٌ له سبحانه عن صفات المخلوقات . ونصب «سبحان اللّه » على المصدر ، أي اُسبّح اللّه سبحانا يليق به ، يعني اُبرّئ اللّه من السوء وممّا لا يليق به براءةً ، واُنزّهه تنزيها . (1)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ سُلَيْمَانَ مَوْلى طِرْبَالٍ ، عَنْ هِشَامٍ الْجَوَالِيقِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ : «سُبْحَانَ اللَّهِ» : مَا يُعْنى بِهِ؟ قَالَ :«تَنْزِيهُهُ» .

هديّة :خلاف بين علماء الرجال في اسم (مولى طربال) فضبط جماعة «سليمان» (3) وآخرون «سليم» (4) مصغّرا ، وقيل مكبّرا . و«طربال» بالكسر : كلّ بناء عال ، واسم رجل . وطرابيل الشام : صوامعها . في بعض النسخ : «عن قول اللّه سبحانه ، سبحان اللّه كأنّ سبحانه تصرّف تنزيه شاهد لما قلنا آنفا أنّ المبالغة مرادة ألبتّة . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «تنزيهه» بالنصب مضافا إلى الضمير المنصوب . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في بعض النسخ : «سليم مولى طربال» وفي «قر» (5) من رجال الشيخ : «سليمان مولى طربال» وفي (ق) : (6) سليم مولى طربال» . «تنزيه» في بعض النسخ : «تنزيهه» أي معنى سبحان اللّه ، والمقصود به تنزيه اللّه سبحانه . (7)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 399 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن مهران ، عن عبدالعظيم بن عبد اللّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط» .
3- . كما في رجال النجاشي، ص 185، الرقم 489؛ رجال الطوسي، ص 137، الرقم 1448، في أصحاب الباقر عليه السلام .
4- . كما في رجال الطوسي ، ص 219 ، الرقم 2907 ، في أصحاب الصادق عليه السلام .
5- . يعنى أصحاب الباقر عليه السلام .
6- . يعنى أصحاب الصادق عليه السلام . والصحيح من العبارة ما أثبتناه ، وفي النسخ : «وفي «قر» و«ق» من رجال الشيخ : «سليمان مولى طربال» . وفي «ن» ...» . وفي المصدر : وفي «قر» و«ق» من رجال الشيخ : «سليمان مولى طربال» . وفي «ق» ...» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 399 .

ص: 249

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ؛ وَمُحَمَّدٌ ، عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا ، (1) عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِيَ عليه السلام : مَا مَعْنَى «الْوَاحِدِ»؟ فَقَالَ :«إِجْمَاعُ الْأَلْسُنِ عَلَيْهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالى : «وَ لَ_ل_ءِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» » .

هديّة :الألف واللام في المسؤول عنه للعهد الخارجي يعني ما معنى (الواحد) الممتاز من كلّ واحدٍ ، أو الواحد المأخوذ في صفاته تعالى ، فقال : (إجماع الألسن) يعني الواحد من وحدانيّته متّفقة عليها يوم أخذ الميثاق . قال برهان الفضلاء : «إجماع» مبتدأ ، والضمير في «عليه» للّه سبحانه ، و«بالوحدانيّة» خبر ، و«الباء» للسببيّة ، والألف واللام للعهد الخارجي ؛ يعني إنّما كان إجماع الألسن عليه يوم الميثاق بسبب ذلك الوحدانيّة ، كما قال في سورة الزخرف : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» (2) . وقال بعض المعاصرين : كما أنّ الغرائز الإنسانيّة مجبولة بحسب الفطرة الاُولى على الاعتراف بأنّ اللّه تعالى واحد لا شريك له ، ولهذا لمّا سألهم «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا» بالاتّفاق «بَلَى» (3) كذلك في الفطرة الثانية لو خلّوا وطبائعهم ولم يكن لهم غرض آخر وسئلوا : من الخالق إيّاهم ليقولنّ اللّه . وقد روي أنّ زنديقا دخل على أبي عبداللّه عليه السلام فسأله عن الدليل على إثبات الصانع فأعرض عليه السلام عنه ، ثمّ التفت عليه السلام إليه وسأله: «من أين أقبلت وما قصّتك؟» فقال الزنديق : إنّي كنت مسافرا في البحر فعصفتْ علينا الريحُ وتقلّبتْ بنا الأمواج ، فانكسرت سفينتنا ، فتعلّقت بساجة منها ، فلم يزل الموج يقلبها حتّى قذفتْ بي إلى الساحل فنجوت عليها ، فقال عليه السلام : «أرأيت الذي كان قلبك إذا انكسرت السفينةُ وتلاطمتْ عليكم الأمواج فزعا عليه ، مخلصا له في التضرّع ، طالبا منه النجاة ، فهو إلهك» . فاعترف الزنديق بذلك وحسن اعتقاده ، وذلك من قوله عزّ وجلّ : «وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَا إِيَّاهُ» (4) . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إجماع الألسن عليه بالوحدانيّة» أي معنى الواحد في أسمائه وصفاته سبحانه ما أجمع عليه الألسن من وحدانيّته وتفرّده بالخالقيّة والاُلوهيّة، كقوله : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» . (5) لا يخفى أنّ صنيعه من عدم تخصيصه الإجماع بيوم الميثاق أولى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّدٍ ، ومحمّدُ بنُ الحسنِ ، عن سهلِ بن زيادٍ ؛ ومحمّدُ بنُ يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا» .
2- . الزخرف (43) : 87 .
3- . الأعراف (7) : 172 .
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 477 . والآية في الإسراء (17) : 67 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 400 . والآية في الزخرف (43) : 87 .

ص: 250

. .

ص: 251

باب آخر و هو من الباب الأوّل إلّا أنّ فيه زيادةً و

الباب السابع عشر : بَابٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إِلَا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً وَ هُوَ الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَأَسْمَاءِالْمَخْلُوقِينَوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُخْتَارِ الْهَمْدَانِيِّ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» ، لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُ الْمُشَبِّهَةُ ، لَمْ يُعْرَفِ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَلَا الْمُنْشِئُ مِنَ الْمُنْشَاَ?، لكِنَّهُ الْمُنْشِئُ ، فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَصَوَّرَهُ وَأَنْشَأَهُ ؛ إِذْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُ هُوَ شَيْئا» . قُلْتُ : أَجَلْ _ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ _ لكِنَّكَ قُلْتَ : الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، وَقُلْتَ : لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَاللّه ُ وَاحِدٌ ، وَالْاءِنْسَانُ وَاحِدٌ ، أَ لَيْسَ قَدْ تَشَابَهَتِ الْوَحْدَانِيَّةُ؟ قَالَ : «يَا فَتْحُ ، أَحَلْتَ _ ثَبَّتَكَ اللّه ُ _ إِنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الْمَعَانِي ، فَأَمَّا فِي الْأَسْمَاءِ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُسَمّى ، وَذلِكَ أَنَّ الْاءِنْسَانَ وَإِنْ قِيلَ : وَاحِدٌ ، فَإِنَّهُ يُخْبَرُ أَنَّهُ جُثَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ بِاثْنَيْنِ ، وَالْاءِنْسَانُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِوَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَأَلْوَانَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَمَنْ أَلْوَانُهُ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَجْزَاءٌ مُجَزَّأٌ (2) لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ : دَمُهُ غَيْرُ لَحْمِهِ ، وَلَحْمُهُ غَيْرُ دَمِهِ ، وَعَصَبُهُ غَيْرُ عُرُوقِهِ ، وَشَعْرُهُ غَيْرُ بَشَرِهِ ، وَسَوَادُهُ غَيْرُ بَيَاضِهِ ، وَكَذلِكَ سَائِرُ جَمِيعِ الْخَلْقِ ؛ فَالْاءِنْسَانُ وَاحِدٌ فِي الِاسْمِ ، وَلَا وَاحِدٌ فِي الْمَعْنى ، وَاللّه ُ _ تَباركَ وتعالى _ هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَيْرُهُ ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ ، وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ ، فَأَمَّا الْاءِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجَوَاهِرَ شَتّى غَيْرَ أَنَّهُ بِالِاجْتِمَاعِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللّه ُ عَنْكَ ، فَقَوْلَكَ : اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فَسِّرْهُ لِي كَمَا فَسَّرْتَ الْوَاحِدَ ؛ فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لُطْفَهُ عَلى خِلَافِ لُطْفِ خَلْقِهِ لِلْفَصْلِ ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَشْرَحَ ذلِكَ لِي ، فَقَالَ : «يَا فَتْحُ ، إِنَّمَا قُلْنَا : اللَّطِيفُ ؛ لِلْخَلْقِ اللَّطِيفِ ، لِعِلْمِهِ (3) بِالشَّيْءِ اللَّطِيفِ ، أَ وَلَا تَرى _ وَفَّقَكَ اللّه ُ وَثَبَّتَكَ _ إِلى أَثَرِ صُنْعِهِ فِي النَّبَاتِ اللَّطِيفِ وَغَيْرِ اللَّطِيفِ ؛ وَمِنَ الْخَلْقِ اللَّطِيفِ ، وَمِنَ الْحَيَوَانِ الصُّغَارِ ، وَمِنَ الْبَعُوضِ وَالْجِرْجِسِ ، وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا مَا لَا يَكَادُ تَسْتَبِينُهُ الْعُيُونُ ، بَلْ لَا يَكَادُ يُسْتَبَانُ _ لِصِغَرِهِ _ الذَّكَرُ مِنَ الْاُنْثى ، وَالْحَدَثُ الْمَوْلُودُ مِنَ الْقَدِيمِ . فَلَمَّا رَأَيْنَا صِغَرَ ذلِكَ فِي لُطْفِهِ ، وَاهْتِدَاءَهُ لِلسَّفَادِ ، والْهَرَبَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَالْجَمْعَ لِمَا يُصْلِحُهُ ، وَمَا فِي لُجَجِ الْبِحَارِ ، وَمَا فِي لِحَاءِ الْأَشْجَارِ وَالْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ ، وَإِفْهَامَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ مَنْطِقَهَا ، وَمَا يَفْهَمُ بِهِ أَوْلَادُهَا عَنْهَا ، وَنَقْلَهَا الْغِذَاءَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ تَأْلِيفَ أَلْوَانِهَا : حُمْرَةٍ مَعَ صُفْرَةٍ ، وَبَيَاضٍ مَعَ حُمْرَةٍ ، وَأَنَّهُ مَا لَا تَكَادُ عُيُونُنَا تَسْتَبِينُهُ ، لِدَمَامَةِ خَلْقِهَا لَا تَرَاهُ عُيُونُنَا ، وَلَا تَلْمِسُهُ أَيْدِينَا ، عَلِمْنَا أَنَّ خَالِقَ هذَا الْخَلْقِ لَطِيفٌ ، لَطُفَ بِخَلْقِ مَا سَمَّيْنَاهُ بِلَا عِلَاجٍ وَلَا أَدَاةٍ وَلَا آلَةٍ ، وَأَنَّ كُلَّ صَانِعِ شَيْءٍ فَمِنْ شَيْءٍ صَنَعَ ، وَاللّه ُ _ الْخَالِقُ اللَّطِيفُ الْجَلِيلُ _ خَلَقَ وَصَنَعَ لَا مِنْ شَيْءٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم» .
2- . في الكافي المطبوع : «مجزّأة» .
3- . في الكافي المطبوع: «ولعلمه».

ص: 252

هديّة :«جرجان» بالضمّ معرّب كركان . والمراد ب«أبي الحسن عليه السلام » إمّا الثاني الرضا عليه السلام وإمّا الثالث الهادي عليه السلام . و«الفتح» هذا مجهول لا يعرف منه إلّا أنّه صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السلام . قال ابن داود في رجاله : واختلف هل هو الرضا عليه السلام أم الثالث عليه السلام . (1) في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «لو كان كما يقول المشبّهة» بعد «كفوا أحد» وقبل «لم يعرف الخالق من المخلوق» . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : «لم يعرف الخالق من المخلوق» في حكم الاستفهام الإنكاري ، أي ألم يعرف؟ . وفي توحيد الصدوق رحمه الله بعد قوله : «كفوا أحد» : «منشئ الأشياء ، ومجسّم الأجسام ، ومصوّر الصور ، ولو كان كما يقولون لم يعرف الخالق من المخلوق» . (2) وربّما يوجد في بعض نسخ الكافي : «ولو كان كما تقول المشبّهة لم يعرف» . و«فرق» منوّن ، أو فعل ماضٍ ، أي بينه و«بين من جسّمه» انتهى . أو المعنى فرق بين أفراد من جسّمه . وقرأ برهان الفضلاء «فرّق» من التفريق للمبالغة . قال : أي فرّق واضحا مبيّنا بين ذوي العقول الذين جسّمهم وصوّرهم وأنشأهم . واحتمل «فرق» كنصر . ولقوله بعدم تجرّد النفوس الناطقة . قال : فإنّ لكلّ نفس من النفوس الناطقة مكان ومقدار وكيفيّة ووقت لحدوثه، والدليل على التدبير وعدم الإيجاب أنّ شيئا لا يشبهه وهو لا يشبه شيئا ، و هذا من خاصّة واجب الوجود لذاته المفرّق بالتدبير بين المختلفات والمشتبهات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لم يعرف الخالق» أي خالق الكلّ من المخلوق ؛ لأنّه ليس المخلوق ذاتيّا لخالقه ، ولا مرتبطا به ارتباطا يصحّح الحمل والقول عليه . والمراد بالخلق إمّا مطلق الإيجاد ، فقوله «ولا المنشئ من المنشأ» كالمفسّر والمؤكّد لما سبق . أو المراد به التقدير والتصوير ، فقوله : «ولا المنشئ» تعميم . والضمير في «لكنّه» إمّا للشأن ، أو راجع إليه سبحانه . والمراد أنّه أو «المنشئ فرّق بين من جسّمه وأوجده حقيقة متعدّدة (3) متكمّمة . «ومن صوّره» وأوجده متصوّرا بصورة خاصّة . «و»من «أنشأه» وأوجده متميّزا (4) بماهيّة وإنيّة، وجعل لكلّ من كلّ قسم حقيقة خاصّة وصفة مخصوصة . وكلّ مخلوقاته مقولة بعضها على بعض معرّف لما يقال عليه ، ولا يحمل شيء منها عليه سبحانه ، ولا يعرف هو به «إذ كان لا يشبهه شيء» ولو عُرف ممّا (5) عرف به شيء منها لوقعت المشابهة . (6) أقول : فقرات هذا البيان كفقرات هذا الحديث بيّنات عادلات لما قلناه في هديّة الثامن في الباب السابق من الاشتراك اللفظي ، فلا تنس ليفيدك في مواضع إن شاء اللّه تعالى . (أجل) مثل «نعم» . وقيل أحسن في التصديق و«نعم» أحسن في الاستفهام . (أحلت) من الإحالة ، وهو القياس ، والتكلّم بشيء محال ، وكلا المعنيين حسن هنا . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : أي قلت بالمحال . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي قلت بمحال حيث قلت بالتشابه . (8) وقال برهان الفضلاء : يعني أثبتّ بمحال ، وهو قياسك الاشتراك في الأسماء المشتقّة بالاشتراك في المعاني ، أو قِسْتَ الاشتراك في المعاني بالاشتراك في الأسماء المشتقّة . «إنّما التشبيه» المنفيّ «في المعاني» أي المسمّيات والحقائق «فأمّا في الأسماء» أي الصور الذهنيّة التي هي مدلولات الأسماء اللّفظيّة «فهي» في الخالق والمخلوق «واحدة» بحسب اشتراكهما فيها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «إنّما التشبيه» بالتشارك «في المعاني أمّا» الاشتراك «في الأسماء» فلا يوجب التشابه، «فهي واحدة» أي كلّ منها واحد وإن اُطلق على المتعدّد وعبّر عن كلّ منها به ، ولا تشابه هنا في معنى الوحدانيّة . وبيان ذلك : أنّ الإنسان وإن اُطلق عليه الواحد فقولك : إنّه واحد «يخبر أنّه جثّة واحدة» أي مجتمع من أجزاء وأعضاء وصور وكيفيّات مختلفة متعدّدة موقوف (9) بالوحدة بالاجتماع ، لا أنّ ذاته المشتمل على هذه الاُمور شيء واحد ؛ لظهور أنّ هذه مختلفة متعدّدة ، وهو مجموع أجزاء مجزّأ بها . (10) أقول : (إنّما التشبيه في المعاني) يعني لا شكّ أنّ التشبيه المتفرّع على التعدّد إنّما هو بحسب ما يطلق عليه لفظ «الواحد» لا بحسب لفظ «الواحد» ، وأنّ الإطلاق لا يوجب الاشتراك المعنوي فيوجب التشبيه والوحدة حقيقة وعدديّة ، والتباين بينهما كلّي . وقوله عليه السلام : (وذلك أنّ الإنسان) إلى آخره : تفصيل الفرق بين الواحد بحقيقة الوحدة ، وبين الواحد الذي وحدته من باب العدد . و(ليست بسواء) أي تلك الأجزاء في الكمّيّة والكيفيّة والتحيّز وغيرها من لوازم الحدوث . قال السيّد الأجلّ النائيني : يعني ليست تلك الأجزاء بسواء في الحقيقة النوعيّة حتى تكون واحدةً بالماهيّة أو بالاتّصال ، إنّما وحدتها وحدة بالاجتماع ، وهو _ سبحانه وتعالى _ واحد بالذات لا تكثّر فيه أصلاً ، فوحدة الإنسان اجتماع أجزاء واُمور متكثّرة متعدّدة ، ووحدته سبحانه نفي الكثرة والتجزّؤ والتعدّد فيه مطلقا . (11) وقرأ برهان الفضلاء : «لَبِسَتْ بُسوُءا» و«البُسُوء» _ بالمفردة المضمومة على فعول _ : المؤالفة . قال : يعني لبست لباس الاُلفة والمؤالفة . (لا واحد غيره) أي لا واحد فيه غيره ، أو لا واحد في المعنى غيره . وحذف الفاء في خبر مدخول (12) «أمّا» نادر ، أو سهو من النسّاخ . وحاصل تفسيره عليه السلام «الواحدَ» أنّ الوحدة حقيقيّة وعدديّة ، والأوّل حيث لا يتعقّل الشركة ، والثاني لا يتعقّل إلّا بها . قال برهان الفضلاء : توهّم الفاضل المدقّق مولانا محمّد أمين الإسترابادي من عبارات هذا الحديث ومثله أنّ إطلاق مثل لفظ «الواحد» على الخالق تعالى والمخلوق بالاشتراك اللفظي ، وبناء توهّمه على أنّ المراد من «المعنى» هو المستعمل فيه لا المصداق والمعتمد عليه في استعمال اللفظ ، وهو خلاف البديهة ، إلّا على مذهب جمع يقولون : إنّ الموضوع له للألفاظ الاُمور الخارجيّة دون الصور الذهنيّة ، وهو ضعيف لا سيّما في لفظ «لا شيء» ونحو ذلك ؛ على أنّه خلاف الاصطلاح في الاشتراك اللفظي والحقيقة والمجاز ؛ لأنّه يستلزم أن يكون إطلاق الموجود على الجوهر والعرض بالاشتراك اللّفظي ، أو الحقيقة والمجاز . أقول : قول المعصوم أصدق ، ولا شكّ أنّ غرض الإمام من الاختلاف في المعنى _ كما سيذكر في مواضع في التالي أيضا _ التباين الكلّي الخاصّ بحيث لا يكون بينها مصحّحا للحمل بوجه أصلاً ، والاشتراك المعنوي لابدّ له من الاشتراك في معنى ولو من وجه ؛ فإنّه لا يعقل حيث لا اشتراك بوجه ، كالإمكان المشترك بين الجواهر والأعراض والامتناع بين المحالات ؛ على أنّ مثل «اللّاشيء» ليس من الألفاظ الموضوعة قصدا ، بل من المتداولات تبعا في استعمال الموضوعات قصدا ، ألا يُرى أنّ الشيئيّة أيضا ليست تصحّح حمل مطلق الشيء عليه سبحانه، وهو شيء بحقيقة الشيئيّة بخلاف ما سواه من الأشياء ، وما أظهر التباين الكلّي الخاصّ بين الأشياء وبين شيء خاصّ به وُصف القِدَم والوحدة التي ليست من باب الأعداد . (للفصل) أي للفرق الذي بيّنتَ لي . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي لِما علمتُ من وجوب «الفضل» (13) ونفي التشابه بينه وبين خلقه (14) . وكان «الفضل» في بيانه منقّطا في بعض نسخ الكتاب ، وتوحيد الصدوق رحمه الله . (15) «ولعلمه بالشيء اللطيف» بالواو . قال السيّد الأجلّ النائيني : «إنّما قلنا : اللّطيف للخلق اللطيف» لعلّ المراد أنّ اللطيف هو الشيء الدقيق ، ثمّ استعمل فيما هو (16) مبدأ وسبب للدقيق من القوّة على صنعه (17) والعلم به ، فيقال لصانعه : إنّه دقّ ولطف بصنعه وهو صانع دقيق في صنعه ، وللعالم به : إنّه دقّ ولطف بدركه وهو عالم دقيق في دركه ، وهو سبحانه قويّ على خلق الدقيق لا بقوّة استعمال آلة وأداة ، وعالم بالدقيق لا بكيفيّة نفسانيّة، ولا باستعمال أداة وآلة . ولمّا لا يجهلها ويحيط علمه بها لا بكيفيّة نعقلها في نفوسنا ، فالمقصود باللطف فيه سبحانه نفي العجز عن خلق الدقيق ، ونفي الجهل بالدقيق . وقوله : «أَوَلا ترى وفّقك اللّه وثبّتك إلى أثر صنعه في النبات» تنبيه على نفي عجزه سبحانه عن خلق الدقيق ، ونفي جهله بالشيء الدقيق وأدقّ ما فيه من الدقائق . (18) قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ومن الحيوان الصغار» إلى آخره ، تصريحات بأنّ حيوانات العجم يدركون بعض المعاني الكلّيّة . (19) و(الجرجس) كزبرج : صغار البعوض . ويقال : «القرقس» أيضا بالقافين بدل الجيمين . و(الحدث) بالتحريك : الحادث الجديد . (وما في لجج البحار) في بعض النسخ «ممّا» بيانا «لما يصلحه» . و«اللحاء» بالكسر والمهملة والمدّ : قشر الشجر . في توحيد الصدوق : «وفهمه بعضها عن بعض» . (20) (وبياض مع حمرة) في بعض نسخ العيون : «وبياضا» (21) بالنصب . و«الواو» في (وأنّه ما لا تكاد) للحال ، والضمير للشان أو التأليف . وقرأ برهان الفضلاء : «وأبه» بالمفردة ؛ والواو للعطف أمرا من الإبهاء ، بمعنى ترك طلب البيان التفصيلي لشيء . «استبان» : ظهر ، و«استبانه» : رآه ظاهرا ، يتعدّى ولا يتعدّى . و«الدمامة» بفتح المهملة والتخفيف : الحقارة . قال السيّد الأجلّ النائيني : «لدمامة خلقها» أي لكونها مستورة بما يغطّيها . (22) و«العلاج» المزاولة والمباشرة . قال برهان الفضلاء : يعني لا بالمباشرة بل بنفوذ الإرادة . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «بلا علاج» أي بلا عمل . (23)

.


1- . رجال ابن داود ، ص 266 ، الرقم 389 .
2- . التوحيد ، ص 185 ، باب 29 ، ح 1 . ولاحظ أيضا ، ص 61 ، باب 2 ، ح 18 .
3- . في المصدر : «متقدّرة» .
4- . في المصدر : «ذاتا متميّزا» .
5- . في المصدر : «بما» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 400 _ 401 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 401 .
9- . في المصدر : «موصوف» .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 401 .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 401 _ 402 .
12- . في «ب» و «ج» : «مدلول» .
13- . في المصدر : «الفصل» .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 402 .
15- . التوحيد ، ص 186 ، باب 29 ، ح 1 . وفيه أيضا : «للفصل» بدون النقطة .
16- . في جميع النسخ: - «هو» وما اُثبت من المصدر .
17- . في جميع النسخ: «صفة»، وما اُثبت من المصدر.
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 402 _ 403 . بتفاوت يسير .
19- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .
20- . التوحيد ، ص 186 ، باب 29 ، ح 2 . وفيه «وفهم» .
21- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 118 ، باب 11 ، ح 23 . وفيه : «وبياضها مع خضرة» .
22- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 403.
23- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

الحديث الثانيروى في الكافي وقال : عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«اعْلَمْ _ عَلَّمَكَ اللّه ُ الْخَيْرَ _ أَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ قَدِيمٌ ، وَالْقِديمُ (1) صِفَتُهُ الَّتِي دَلَّتِ الْعَاقِلَ عَلى أَنَّهُ لَا شَيْءَ قَبْلَهُ ، وَلَا شَيْءَ مَعَهُ فِي دَيْمُومِيَّتِهِ ، فَقَدْ بَانَ لَنَا بِإِقْرَارِ الْعَامَّةِ مُعْجِزَةَ الصِّفَةِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ قَبْلَ اللّه ِ ، وَلَا شَيْءَ مَعَ اللّه ِ فِي بَقَائِهِ ، وبَطَلَ (2) قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ ؛ وَذلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ فِي بَقَائِهِ ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ خَالِقا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ ، فَكَيْفَ يَكُونُ خَالِقا لِمَنْ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ؟! وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ شَيْءٌ ، كَانَ الْأَوَّلَ ذلِكَ الشَّيْءُ ، لَا هذَا ، وَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلى بِأَنْ يَكُونَ خَالِقا لِلثَّانِي . (3) ثُمَّ وَصَفَ نَفْسَهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ بِأَسْمَاءٍ دَعَا الْخَلْقَ _ إِذْ خَلَقَهُمْ وَتَعَبَّدَهُمْ وَابْتَلَاهُمْ _ إِلى أَنْ يَدْعُوهُ بِهَا ، فَسَمّى نَفْسَهُ سَمِيعا ، بَصِيرا ، قَادِرا ، قَائِما ، نَاطِقا ، ظَاهِرا ، بَاطِنا ، لَطِيفا ، خَبِيرا ، قَوِيّا ، عَزِيزا ، حَكِيما ، حليما ، (4) عَلِيما ، وَمَا أَشْبَهَ هذِهِ الْأَسْمَاءَ . فَلَمَّا رَأى ذلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِ الْغَالُونَ (5) الْمُكَذِّبُونَ _ وَقَدْ سَمِعُونَا نُحَدِّثُ عَنِ اللّه ِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِثْلُهُ ، وَلَا شَيْءَ مِنَ الْخَلْقِ فِي حَالِهِ _ قَالُوا : أَخْبِرُونَا _ إِذَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا مِثْلَ لِلّهِ وَلَا شِبْهَ لَهُ _ كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنى ، فَتَسَمَّيْتُمْ بِجَمِيعِهَا؟! فَإِنَّ ذلِكَ (6) دَلِيلاً عَلى أَنَّكُمْ مِثْلُهُ فِي حَالَاتِهِ كُلِّهَا ، أَوْ بَعْضِهَا (7) دُونَ بَعْضٍ ؛ إِذْ جَمَعَتْكُم (8) الْأَسْمَاءَ الطَّيِّبَةَ . قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ اللّه َ تَعَالى أَلْزَمَ الْعِبَادَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي ؛ وَذلِكَ كَمَا يَجْمَعُ الِاسْمُ الْوَاحِدُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَالدَّلِيلُ عَلى ذلِكَ قَوْلُ النَّاسِ الْجَائِزُ عِنْدَهُمُ الشَّائِعُ ، وَهُوَ الَّذِي خَاطَبَ اللّه ُ بِهِ الْخَلْقَ ، فَكَلَّمَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً فِي تَضْيِيعِ مَا ضَيَّعُوا ؛ فَقَدْ يُقَالُ لِلرَّجُلِ : كَلْبٌ ، وَحِمَارٌ ، وَثَوْرٌ ، وَسُكَّرَةٌ ، وَعَلْقَمَةٌ ، وَأَسَدٌ ، كُلُّ ذلِكَ عَلى خِلَافِهِ وَحَالَاتِهِ ، لَمْ تَقَعِ الْأَسَامِي عَلى مَعَانِيهَا الَّتِي كَانَتْ بُنِيَتْ عَلَيْه ؛ (9) لِأَنَّ الْاءِنْسَانَ لَيْسَ بِأَسَدٍ وَلَا كَلْبٍ ، فَافْهَمْ ذلِكَ رَحِمَكَ اللّه ُ . وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه ُ بِالْعِلْمِ لِغَيْرِ (10) عِلْمٍ حَادِثٍ عَلِمَ بِهِ الْأَشْيَاءَ ، و (11) اسْتَعَانَ بِهِ عَلى حِفْظِ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِهِ ، وَالرَّوِيَّةِ فِيمَا يَخْلُقُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَيُفْسِدُ مَا مَضى بِما (12) أَفْنى مِنْ خَلْقِهِ ، مِمَّا لَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ ذلِكَ الْعِلْمُ وَيَعِينُهُ (13) كَانَ جَاهِلاً ضَعِيفا ، كَمَا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا عُلَمَاءَ الْخَلْقِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْعِلْمِ لِعِلْمٍ حَادِثٍ ؛ إِذْ كَانُوا فِيهِ جَهَلَةً ، وَرُبَّمَا فَارَقَهُمُ الْعِلْمُ بِالْأَشْيَاءِ ، فَعَادُوا إِلَى الْجَهْلِ . وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللّه ُ عَالِما ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُ شَيْئا ، فَقَدْ جَمَعَ الْخَالِقَ وَالْمَخْلُوقَ اسْمُ الْعَالِمِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى عَلى مَا رَأَيْتَ . وَسُمِّيَ رَبُّنَا سَمِيعا لَا بِخَرْتٍ فِيهِ يَسْمَعُ بِهِ الصَّوْتَ وَلَا يُبْصِرُ بِهِ ، كَمَا أَنَّ خَرْتَنَا _ الَّذِي بِهِ نَسْمَعُ _ لَا نَقْوى بِهِ عَلَى الْبَصَرِ ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَصْوَاتِ ، لَيْسَ عَلى حَدِّ مَا سُمِّينَا نَحْنُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ بِالسَّمْعِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهكَذَا الْبَصَرُ لَا بِخَرْتٍ مِنْهُ أَبْصَرَ ، كَمَا أَنَّا نُبْصِرُ بِخَرْتٍ مِنَّا لَا نَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِهِ ، وَلكِنَّ اللّه َ بَصِيرٌ لَا يَحْتَمِلُ شَخْصا مَنْظُورا إِلَيْهِ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهُوَ قَائِمٌ لَيْسَ عَلى مَعْنَى انْتِصَابٍ وَقِيَامٍ عَلى سَاقٍ فِي كَبَدٍ كَمَا قَامَتِ الْأَشْيَاءُ ، وَلكِنْ «قَائِمٌ» يُخْبِرُ أَنَّهُ حَافِظٌ ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : الْقَائِمُ بِأَمْرِنَا فُلَانٌ ، وَاللّه ُ هُوَ الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، وَالْقَائِمُ أَيْضا فِي كَلَامِ النَّاسِ : الْبَاقِي ؛ وَالْقَائِمُ أَيْضا يُخْبِرُ عَنِ الْكِفَايَةِ ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : قُمْ بِأَمْرِ بَنِي فُلَانٍ ، أَيِ اكْفِهِمْ ، وَالْقَائِمُ مِنَّا قَائِمٌ عَلى سَاقٍ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ وَلَمْ يَجْمَعِ (14) الْمَعْنى . وَأَمَّا اللَّطِيفُ ، فَلَيْسَ عَلى قِلَّةٍ وَقَضَافَةٍ وَصِغَرٍ ، وَلكِنْ ذلِكَ عَلَى النَّفَاذِ فِي الْأَشْيَاءِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُدْرَكَ ، كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : لَطُفَ عَنِّي هذَا الْأَمْرُ ، وَلَطُفَ فُلَانٌ فِي مَذْهَبِهِ وَقَوْلِهِ ، يُخْبِرُكَ أَنَّهُ غَمَضَ فِيهِ الْعَقْلُ وَفَاتَ الطَّلَبُ ، وَعَادَ مُتَعَمِّقا مُتَلَطِّفا لَا يُدْرِكُهُ الْوَهْمُ ، فَكَذلِكَ لَطُفَ اللّه ُ تَعَالى عَنْ أَنْ يُدْرَكَ بِحَدٍّ ، أَوْ يُحَدَّ بِوَصْفٍ ؛ وَاللَّطَافَةُ مِنَّا : الصِّغَرُ وَالْقِلَّةُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَأَمَّا الْخَبِيرُ ، فَالَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَفُوتُهُ ، لَيْسَ لِلتَّجْرِبَةِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ بِالْأَشْيَاءِ ، فَعِنْدَ التَّجْرِبَةِ وَالِاعْتِبَارِ عِلْمَانِ وَلَوْ لَا هُمَا مَا عُلِمَ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ ، كَانَ جَاهِلاً وَاللّه ُ لَمْ يَزَلْ خَبِيرا بِمَا يَخْلُقُ ، وَالْخَبِيرُ مِنَ النَّاسِ : الْمُسْتَخْبِرُ عَنْ جَهْلٍ ، الْمُتَعَلِّمُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَأَمَّا الظَّاهِرُ ، فَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلَا الْأَشْيَاءَ بِرُكُوبٍ فَوْقَهَا ، وَقُعُودٍ عَلَيْهَا ، وَتَسَنُّمٍ لِذُرَاهَا ، وَلكِنْ ذلِكَ لِقَهْرِهِ وَلِغَلَبَتِهِ الْأَشْيَاءَ وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ : ظَهَرْتُ عَلى أَعْدَائِي ، وَأَظْهَرَنِي اللّه ُ عَلى خَصْمِي ، يُخْبِرُ عَنِ الْفَلْجِ وَالْغَلَبَةِ ، فَهكَذَا ظُهُورُ اللّه ِ عَلَى الْأَشْيَاءِ . وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ ظَّاهِرُ (15) لِمَنْ أَرَادَهُ وَلَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَأَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِكُلِّ مَا يُرى ، (16) فَأَيُّ ظَاهِرٍ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنَ اللّه ِ تَعَالى؟ لِأَنَّكَ لَا تَعْدَمُ صَنْعَتَهُ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ ، وَفِيكَ مِنْ آثَارِهِ مَا يُغْنِيكَ ، وَالظَّاهِرُ مِنَّا : الْبَارِزُ بِنَفْسِهِ ، وَالْمَعْلُومُ بِحَدِّهِ ، فَقَدْ جَمَعَنَا الِاسْمُ وَلَمْ يَجْمَعْنَا الْمَعْنى . وَأَمَّا الْبَاطِنُ ، فَلَيْسَ عَلى مَعْنَى الِاسْتِبْطَانِ فِي الْأَشْيَاءِ (17) بِأَنْ يَغُورَ فِيهَا ، وَلكِنْ ذلِكَ مِنْهُ عَلَى اسْتِبْطَانِهِ لِلْأَشْيَاءِ عِلْما وَحِفْظا وَتَدْبِيرا ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : أَبْطَنْتُهُ : يَعْنِي خَبَرْتُهُ وَعَلِمْتُ مَكْتُومَ سِرِّهِ ، وَالْبَاطِنُ مِنَّا : الْغَائِبُ فِي الشَّيْءِ ، الْمُسْتَتِرُ ، وَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَأَمَّا الْقَاهِرُ ، فَلَيْسَ عَلى مَعْنى عِلَاجٍ وَتَصَلُّبٍ (18) وَاحْتِيَالٍ وَمُدَارَاةٍ وَمَكْرٍ ، كَمَا يَقْهَرُ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَالْمَقْهُورُ مِنْهُمْ يَعُودُ قَاهِرا ، وَالْقَاهِرُ يَعُودُ مَقْهُورا ، وَلكِنْ ذلِكَ مِنَ اللّه ِ تَعَالى عَلى أَنَّ جَمِيعَ مَا خَلَقَ مُلَبَّسٌ بِهِ الذُّلُّ لِفَاعِلِهِ ، وَقِلَّةُ الِامْتِنَاعِ لِمَا أَرَادَ بِهِ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَنْ يَقُولَ لَهُ : «كُنْ» فَيَكُونُ ، وَالْقَاهِرُ مِنَّا عَلى مَا ذَكَرْتُ وَوَصَفْتُ ، فَقَدْ جَمَعْنَا الِاسْمَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَعْنى . وَهكَذَا جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ وَإِنْ كُنَّا لَمْ نَسْتَجْمِعْهَا كُلَّهَا ، فَقَدْ يَكْتَفِي الِاعْتِبَارُ بِمَا أَلْقَيْنَا إِلَيْكَ ، وَاللّه ُ عَوْنُكَ وَعَوْنُنَا فِي إِرْشَادِنَا وَتَوْفِيقِنَا» .

.


1- . في حاشية «ج» والكافي المطبوع : «والقِدَم» .
2- . في الكافي المطبوع : «بطل» بدون الواو .
3- . في المخطوطات : «للأوّل» . وقال في هامش الكافي المطبوع بعد ضبطه «للثاني» : «هكذا في «ف» وهو الصحيح . وفي سائر النسخ والمطبوع : «للأوّل» . والمراد به الأوّل المفروض أوّلاً . وفي التوحيد : «خالقا للأوّل الثاني» .
4- . في الكافي المطبوع : - «حليما» .
5- . كذا في حاشية «الف» والكافي المطبوع . وفي المخطوطات : «القالون» .
6- . في الكافي المطبوع : «في ذلك» .
7- . في الكافي المطبوع : «في بعضها» .
8- . في الكافي المطبوع وحاشية «ج»: «جمعتم».
9- . في الكافي المطبوع : «عليها» .
10- . في الكافي المطبوع : «بغير» .
11- . في الكافي المطبوع : - «و» .
12- . في الكافي المطبوع: «ممّا».
13- . في الكافي المطبوع : «يغيبه» .
14- . في الكافي المطبوع : «لم نجمع» .
15- . في الكافي المطبوع : «الظاهر» .
16- . في الكافي المطبوع: «برأ».
17- . في الكافي المطبوع : «للأشياء» . وفي حاشية «ب» : «بالأشياء» .
18- . في الكافي المطبوع : «ونَصَبٍ» .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

هديّة :(مرسلاً) عبارة ثقة الإسلام طاب ثراه . والصدوق رحمه الله رواه عن ثقة الإسلام مسندا ، قال في عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن محمّد المعروف بعلّان ، عن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام . (1) الحديث . قال الفاضل الإسترابادي : هذا الحديث منقول في توحيد الصدوق رحمه الله مسندا لا مرسلاً . (2) (ولا شيء معه في ديموميّته) بيان لمعنى قوله تعالى : «إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» (3) ردّا على القدريّة القائلين بوحدة الوجود. وتفسير المعيّة بها . و«الديمومة» : فعولة من الدوام . قال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : «الديمومة» : الصحراء البعيدة الأرجاء . واللّه تعالى ديمومي ، يعني انقطع الغايات دونه ، فمعيّته تعالى مع الأشياء عبارة عن تمام الحضور وكمال الإحاطة ، وهو تعالى «خِلْو من خلقه ، وخلقه خلوّ منه» . (4) قال برهان الفضلاء : «في ديموميّته» أي أزليّته ؛ إذ الكلام في صفة القديم (5) واختصاصها . فتعريف «القدم» هنا بوجوب الوجود كماترى . كما قال السيّد الأجلّ النائيني : المراد بالقدم وجوب الوجود بالذات والسرمديّة ، ووجوب الوجود بالذات يدلّ على التوحيد بالسرمديّة ؛ لامتناع التعدّد في الواجب بذاته واستحالة سرمديّة غيره ، فلا شيء قبله بسرمديّته ، (6) ولا شيء معه وفي مرتبته في ديمومته واستمرار وجوده ؛ لكون كلّ شيء مخلوق له ؛ لأنّ كلّ شيء سواه ممكن ، وكلّ ممكن إنّما يوجد بإيجاب خالق له يخرجه من العدم إلى الوجود ، وينتهي لا محالة إلى الواجب . (7) أنت خبير بأنّ بيانه هذا ليس بمانع صريحا من تعدّد القديم ، والغرض الأصلي _ كما بدأ به الإمام عليه السلام _ إبطال تعدّد القديم ثبوتا ووجودا عينيّا ، وإثبات اختصاص صفة القِدَم بذاته سبحانه . على أنّ الأولى «بإيجاد خالق له» بالدال مكان المفردة . (معجزة الصفة) قرئ بكسر الجيم والنصب على المفعوليّة ل«الإقرار» مضافا إلى «الصفة» أي الخالقيّة ، يعني فقد بان وظهر لنا بإقرار جميع الناس بخالقيّته التي أعجزت واضطرّت جميعهم إلى الإقرار بها . ففاعل (بان) مضمون (أنّه لا شيء قبل اللّه ، ولا شيء مع اللّه في بقائه) . وقال بعض المعاصرين : «معجزة الصفة» بكسر الجيم والرّفع فاعل ل«بان» وما بعدها بدل عنها ؛ أي بان لنا بإقرار العامّة بأنّ اللّه قديم معجزة هذه الصفة ؛ أي إعجازها لمن زعم أنّ شيئا قبله أو معه . وقيل : معجزة الصفة بفتح الجيم والجرّ صفة للعامّة أي الذين أعجزتهم الصفة عن نيلها . (8) وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : الظاهر «هذه الصفة» مكان «معجزة الصفة» . (9) وقرأ برهان الفضلاء : «معجِّرة الصفة» بالجرّ على اسم الفاعل من التعجير ، بالجيم والرّاء المهملة بمعنى توسيع البطن . وفسّر «العامّة» الموصوفة بالتعجير بالذين لم يهتدوا إلى باب «أنا مدينة العلم» (10) ووسّعوا صفة القِدَم فأدرجوا فيها قدماء كالفلاسفة والأشاعرة والصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فقد بان لنا بإقرار العامّة معجزة الصفة» بيان لخالقيّته لكلّ شيء بما يناسب أفهام العامّة من أنّ إقرار العامّة _ أي كلّ الناس _ بأنّه سبحانه خالق كلّ شيء ، وأنّه لم يسعهم إنكاره كما قال سبحانه : «وَ لَ_ل_ءِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (11) يدلّ على خالقيّته لكلّ شيء ، وأنّ مقدّمات بيانها ظاهرة لا يضرّها تشكيك المشكّكين ، وإذا كان خالقا لكلّ شيء فلا شيء قبله ولا شيء معه . واكتفى بهذا عن تفصيل بيانها ؛ لغناء العلماء عن التفصيل ، وعدم انتفاع العوام والمبتدئين بالتفصيل ، بل ربّما ينفتح لهم به أبواب الشُبه والشكوك التي لا يسعها الوقت لرفعها وإزالتها . والمراد بقوله : «إقرار العامّة» إذعانهم ، أو الإثبات . وعلى الأوّل متعلّق الإذعان ؛ إمّا «معجزة الصفة» بحذف الصّلة ، أو محذوف ؛ أي إقرار العامّة بأنّه خالق كلّ شيء ، و«معجزة الصفة» صفة ل«الإقرار» ، أو بدل عنه ، أي إقرار العامّة بأنّه خالق كلّ شيء معجزة الصفة ، أي صفة الخالقيّة لكلّ شيء أو صفة القدم لا يسع أحدا أن ينكره . وعلى الثاني ف«معجزة الصفة» مفعول «الإقرار» أو صفة ل«الإقرار» أو بدل عنه والمفعول محذوف . وعلى تقدير كونه مفعولاً ف«معجزة الصفة» من إضافة الصفة إلى الموصوف ؛ أي الصفة التي هي معجزة لهم عن أن لا يثبتوا له خالقيّة كلّ شيء ، أو المعجزة بمعناه المتعارف ، والإضافة لاميّة ، أي إثباتهم الخالقيّة للكلّ معجزة هذه الصفة ؛ حيث لا يسعهم أن ينكروها وإن أرادوا الإنكار . ويحتمل أن يكون «معجزة الصفة» فاعل «بان» ويكون «أنّه لا شيء قبل اللّه » بيانا أو بدلاً ل«معجزة الصفة» . «ثمّ وصف نفسه تعالى» أي ثمّ اعلم أنّه ، أو ثمّ بعدما كان قديما وصف نفسه «بأسماء» محدثة . (12) (تعبّدهم) كلّفهم العبادة . «القالون» : المكذّبون ، بالقاف ، أي أعدائنا المكذّبين لإمامتنا . من «القلى» بالكسر والقصر : البغض والعداوة . فإن فتحت القاف مُددتْ . وضبط السيّد الأجلّ النائيني بالغين المعجمة ؛ حيث قال : «فسمّى نفسه» تعالى بهذه الأسماء المحدثة، فلمّا رأى الغالون المجاوزون في عباد اللّه عن مرتبتهم ، المكذّبون لأهل الحقّ من أسمائه ذلك ، أي وصفَه تعالى نفسه بها «وقد سمعونا نحدّث» ونحكي «عن اللّه » أنّه (13) أي «لا شيء مثله» ومشاركة في الحقيقة «ولا شيء» يشاركه «من الخلق في حاله» اعترضوا و«قالوا : أخبرونا إذا زعمتم أنّه لَا مِثْلَ لِلّهِ وَلَا شِبْهَ لَهُ ، كَيْفَ شَارَكْتُمُوهُ فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنى» . وصفاته العلى «فَتَسَمَّيْتُمْ بِجَمِيعِهَا؟! وفي مثل ذلِكَ (14) دَلِيل عَلى أَنَّكُمْ مِثْلُهُ فِي حَالَاتِهِ» . إن انحصرت حالاته فيها «أو بعضها» الظاهر «دون بعض» إن كان له حال غيرها . ف«قيل لهم» في الجواب : «إنّ اللّه تعالى ألزم العباد أسماء من أسمائه» وأطلقها عليهم وسمّاهم بها لا بوضع واحد وبمعنى واحد ، بل «على اختلاف المعاني» باشتراك الاسم بين معنيين ، أو بالنقل ، أو بالحقيقة والمجاز، «وذلك كما يجمع الاسم الواحد» في اللّغات «معنيين مختلفين» بالاشتراك أو النقل أو الحقيقة والمجاز ، «والدليل على ذلك» والمصحّح له «قول الناس» في مقالاتهم «الجائز عندهم» أي الشائع (15) أو الجائز من موضع إلى موضع ، ف«الشائع» على الثاني كالمفسّر والموكِّد للجائز . (16) وضبط برهان الفضلاء بالقاف وقال : وفي بعض النسخ : «الغالون» كما في كتاب التوحيد بالغين المعجمة ، فيشمل الغالين في التوحيد كالصوفيّة القدريّة ، حيث قالوا بوحدة الوجود وأنّ العالم صورته . في بعض النسخ : «جمعتم» مكان «جمعتكم» أي جمعتم الأسماء الطيّبة لأنفسكم . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني مراد الأعداء أن ليس كمثله شيء ليس نفي التشبّه بل نفى الموافق في تمام الحقيقة . وسمّيت الأشاعرة بأصحاب المعاني لقولهم بوجود صفات له تعالى في أنفسها زائدةً على الذات ، مشتركة بينه تعالى وبين الخلق . (أسماء من أسمائه) يحتمل الإفراد في الأوّل على التمثيل ، والمعنى على التقديرين : أنّه سبحانه لم يمنع العباد من التسمية حقيقة أو مجازا بالأسماء الموضوعة حقيقةً له تعالى ، كما لا مانع في كلامهم من صدق الاسم الواحد حقيقةً ومجازا أو بالاشتراك اللّفظي على حقيقتين مختلفتين ، فلمّا خاطبهم اللّه في كلامه بكلامهم وكلّمهم بما يعقلون أنّ فيه _ كما في كلامهم _ نقل ومجاز واشتراك وتشابه ثبت احتياجهم في امتياز الحقّ من الباطل إلى قيّم معصوم عاقل عن اللّه تبارك وتعالى . قيل : (خاطب اللّه به الخلق) مثل اليهود بالحمار ، وبلعم بالكلب . وعبّر عن القدرة باليد إلى غير ذلك . و«العلقمة» : واحدة العلقم ، وهو شجر مُرّ ، والحنظل وكلّ شيء مرّ . قال الفاضل الإسترابادي : «وسكّرة» نسخة بدل «وبقرة» كما في كتاب التوحيد . (17) (وهو الذي خاطب اللّه به) حال من فاعل (الحائز) . والواو في (وحالاته) بمعنى «مع» أو للعطف ، فمؤيّد لما ذهب إليه الكوفيّون من جواز العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار . والبارز في (بنيت عليه) لكلّ واحد من المعاني . وفي العيون : «عليها» . (18) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني قيل في جواب الاعداء أنّه تعالى ألزم عباده «إسما من أسمائه» على اختلاف مدلول ذلك الاسم من جميع الوجوه مع جميع مدلولاته الاُخر ، بمعنى عدم كون اسم غير مشتقّ مشتركا بينه وبينهم ، وكون اشتراكه معهم في اسم مشتقّ شبيها بجميع اسم غير مشتقّ مدلولين مختلفين ، مع أنّ المستعمل فيه اللفظ لذلك الاسم الغير المشتقّ فيهما واحد . وحاصل الجواب : أنّ مشاركته تعالى مع خلقه في اسم من أسمائه ليست مستلزمة للتشبيه ، ولا منافية لنفي المثل ، إلّا أن لا (19) يكون الاختلاف في جميع المدلولات ، وهو ثابت في جميعها باختلاف واحد من مدلولاته اختلافا كلّيّا مع جميع مدلولاته الاُخر ؛ إذ ليس اسم غير مشتقّ بينه وبين خلقه ، مع أنّه ليس مجازا فيهما ولا في واحدٍ منهما أصلاً ، لا مجازا لغويّا ولا مجازا عقليّا ، إلّا أنّه شبيه بالحقيقة العقليّة والمجاز العقلي ، والفرق أنّه لابدّ في مشاركة الخلق معه تعالى في اسم من الاختلاف في ما بين مدلول واحد من مدلولاته وجميع مدلولاته الاُخر كلّيّا ، ويكفي في اشتراك شيئين من الخلق في اسم بأن يكون في أحدهما حقيقة عقليّة وفي الآخر مجازا عقليّا اختلافهما في الجملة وإن كانا متّفقين من وجه أو أكثر ، كالرجل والاسم وكلاهما جسم . أقول : هذا البيان لا سيّما قوله : «على اختلاف مدلول ذلك الاسم من جميع الوجوه» دليل الاشتراك اللفظي . (ويفسد ما مضى بما أفنى) على المعلوم من الإفعال عطفا على (يخلق) . وضبط برهان الفضلاء : «ممّا أفنى» بالميم مكان «بما» بالمفردة . وقال : «من» في «ممّا لو لم يحضره» للتعليل و«ما» مصدريّة . وقرأ «تغيّبه» على الماضي من التفعّل ، بمعنى «وجده غائبا» وعلى الحذف والإيصال ؛ أي تغيّب عنه مكان «يعينه» من الإعانة عطفا على (لم يحضره) كما في العيون . 20 وفي بعض النسخ : «ويعيّنه» من التعيين . فجواب «لو رأينا» إلى قوله : «فعادوا إلى الجهل» محذوف ، وهو «لحكمنا بضعفهم» . ليس في التوحيد والعيون (20) كلمة «لو» . وضبط _ كما في بعض النسخ _ «قبله» مكان «فيه» في (إذ كانوا فيه) . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «ويعيّنه» من التعيين . و«فئة» بمعنى الجماعة مكان «فيه» ؛ حيث قال : «ممّا لو لم يحضره ذلك العلم» أي من العلم الذي لو لم يحضر العالم ذلك العلم «ويعيّنه» ويحصّله تعيينا وتحصيلاً لا يكون (21) إلّا بحصوله بعد خلوّه عنه بذاته «كان جاهلاً ضعيفا» . ثمّ قال : وفي بعض النسخ «يغيبه» من الغيبة مكان «يعيّنه» من التعيين ، فيكون مفسّرا لقوله : «لم يحضره» . «إذ كانوا فئة جهلةً» بيان لمسبوقيّة علمهم بالجهل ، يعني «إذ كانوا قبل علمهم فئة جهلة» . وفي بعض النسخ «فيه» بحرف الإضافة والضمير ؛ أي كانوا في حال العلم الحاصل لهم جَهَلَةً خالية عن مناط الانكشاف بذواتهم . (22) (لا يحتمل شخصا منظورا إليه) أي لا بطريق احتمال البصر الا?شخاص المرئيّة . (فقد جمعنا الاسم) بالرفع (ولم يجمع المعنى) أي ولم يجمعنا المعنى . وقيل : «ولم نجمع المعنى» على المتكلّم مع الغير ، أو الغيبة ف«الاسم» بعد «فقد جمعنا» نصب أو رفع . قال الفاضل الإسترابادي : «فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم» حاصل الكلام: أنّ المعاني اللغويّة لتلك الألفاظ مفقودة في حقّه تعالى ، فإطلاق تلك الألفاظ عليه تعالى بطريق المجاز اللغوي أو العقلي . (23) ومثل الحديث صريح في أنّ كلّ اسم من أسمائه تعالى يكون مأخذ اشتقاقه من الصفات الانتزاعيّة بالنسبة إلى الخلائق ، كالموجود والثابت والرازق والصانع ، فإطلاقه عليه تعالى حقيقة . وكلّ اسم يكون مأخذ اشتقاقه في حقّ الخلق من الصفات الانضماميّة كالعلم والقادر ، فإطلاقه عليه تعالى بطريق المجاز لا الحقيقة . (24) والخرت بضمّ المعجمة صماخ الاُذن وثقب الاُبرة ونحوها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «الخَرْت» ويضمّ : الثقب في الاُذن وغيرها . (25) كما في القاموس . (26) و«الكبد» بالتحريك : الشدّة والتعب والضيق . و«القضافة» بفتح القاف والمعجمة : النحافة والدقّة . و«القضيف» : النحيف والدّقيق . (على النفاذ) بفتح النون ، يعني على استيلائه على جميع الأشياء بنفوذ القدرة والإرادة ظواهرها وبواطنها . وضبط برهان الفضلاء بالمهملة ، يعني على فقد شبيهه في الأشياء يخبرك ، أي هذا القول . وفي بعض النسخ : «وقولك يخبرك غمض فيه العقل» بضمّ الميم وفتحها ، أي خفي واشتدّ غوره . والغامض من الكلام : خلاف الواضح . وفي التوحيد والعيون : «فبهر العقل» (27) من «بهره» : إذا غلبه معلوما ومجهولاً . (فعند التجربة) في التوحيد والعيون : «فيفيده التجربة والاعتبار علما» . (المستخبر عن جهل) أي العالم بعد جهل سابق (المتعلّم) أي من غيره . (وتسنّم لذراها) : ارتفاع لأعلاها . سنمه وتسنّمه : علاه . و«الذرى» بالضمّ والقصر : جمع «ذروة» بالضم ويكسر : أعلى الشيء . و(الفلج) بالتحريك : الظفر . (ووجه آخر أنّه ظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء) وجه من وجوه ظاهريّته تعالى . قال الفاضل الإسترابادي : «ووجه آخر أنّه الظاهر لمن أراده ولا يخفى عليه شيء» تصريح بأنّ اللّه تعالى ظاهر في ذهن كلّ من أراده ، بل أظهر من كلّ شيء ؛ لأنّك لا تُعْدِم صنعته حيث شئت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، فالمنكر كالمنكر وجود نفسه من السوفسطائيّة . والشاكّ في وجوده كالشاكّ في وجود نفسه من السوفسطائيّة ، ومن المعلوم أنّ الإنكار والشكّ هناك إمّا من باب الجنون أو من باب العناد فكذلك هنا . (28) وقال السيّد الداماد رحمه الله : «ولا يخفى عليه شيء» هذا وجه آخر لظاهريّته جلّ سلطانه وراء أنّه الظاهر لمن أراده ؛ فإنّ ظهور كلّ شيء للّه سبحانه إنّما هو بنفس ظهور ذاته تعالى لذاته عزّ وجلّ . (29) وقال بعض المعاصرين : تعدّد الوجه بعيد عن العبارة ، والأولى أن يقال : لمّا كان سبحانه محيطا بالأشياء وله المعيّة مع كلّ شيء فعدم خفاء شيء عليه يستلزم ظهوره للأشياء ، وكذا تدبيره لها يستلزم ظهوره لديهم ، فكأنّه أكّد ظهوره لمن أراده بالأمرين . (30) انتهى . قال سيّد الشهداء صلوات اللّه عليه في دعاء عرفة : «كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقرٌ إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟ ومتى بعُدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عينٌ لا تراك ، ولا تزال عليها رقيبا ، وخسرت صفقةُ عبدٍ لم تجعل له من حبّك نصيبا . (31) قوله عليه السلام : (أبطنته) قيل : يعني بطنته ، أو الهمزة للاستفهام . الجوهري : بطنت الأمر كنصر : إذا عرفت باطنه . ومنه الباطن في أسماء اللّه . (32) (خبرته) كنصر من الخُبر بالضمّ اسم من الاختبار . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : (ونصب) محرّكة ؛ أي وتعب ، مكان (وتصلّب) أي تشدّد وقوّة السعي في العمل . و«الاحتيال» جودة النظر والقدرة على التصرّف . و«المداراة» وقد يحتاج في العمل إليها . (لم يخرج منه طرفة عين) أي من سلطانه تبارك وتعالى .

.


1- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 132، باب 11، ح 50. وفيه في صدر الحديث : «عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق».
2- . لم نعثر عليه.
3- . المجادلة (58) : 7 .
4- . الكافي ، ج 1 ، ص 82 _ 83 ، باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح 3 _ 5 .
5- . في «الف»: «القِدَم».
6- . في المصدر : «لسرمديّته» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 403 _ 404 .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 487 . بتفاوت يسير وتقدّم وتأخّر في العبارة .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 .
10- . نهج الحقّ، ص 221؛ المناقب، ج 2، ص 35؛ البحار، ج 40، ص 201، ح 4.
11- . الزخرف (43) : 87 .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 404 _ 405 .
13- . كذا في المصدر، وفي جميع النسخ : «أي» .
14- . في المصدر : «فإنّ في ذلك» بدل «وفي مثل ذلك» .
15- . في المصدر: «السائغ».
16- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 405 _ 406 . بتفاوت .
17- . التوحيد ، ص 187 ، باب 29 ، ح 2 . وفيه أيضا : «وسكّرة» .
18- . عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 133 ، باب 11 ، ح 50 .
19- . في «ب ، ج» : - «لا» .
20- . التوحيد ، ص 188 ، باب 29 ، ح 2 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 133 ، باب 11 ، ح 50 .
21- . في المصدر : + «له» .
22- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 407 _ 408 . بتفاوت وتلخيص .
23- . في المصدر : «فائدة : هذا الأحاديث صريحة» مكان «ومثل الحديث» .
24- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122 .
25- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 408 .
26- . القاموس ، ج 1 ، ص 146 (خرت) .
27- . التوحيد، ص 189، باب 29 ، ح 2؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2، ص 134، باب 11، ح 50 .
28- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 122.
29- . التعليقة على الكافي ، ص 292 _ 293 .
30- . الوافي ، ج 1 ، ص 488 .
31- . الإقبال ، ص 349 ؛ البحار ، ج 95 ، ص 225 _ 226 ، ح 2 .
32- . الصحاح ، ج 5 ، ص 2079 (بطن) .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

. .

ص: 266

. .

ص: 267

. .

ص: 268

. .

ص: 269

. .

ص: 270

. .

ص: 271

. .

ص: 272

باب تأويل الصمد

الباب الثامن عشر : بَابُ تَأْوِيلِ الصَّمَدِوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ _ وَلَقَبُهُ شَبَابٌ الصَّيْرَفِيُّ _ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مَا الصَّمَدُ؟ قَالَ :«السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ» .

هديّة :«صمد إليه» كنصر : قصد . قد سبق بيان معاني الصمد في الأخبار في باب النسبة وهو الباب السابع . قال ابن الأثير في نهايته : الصمد : السيّد الذي انتهى إليه السُؤدد ، وقيل : هو الدائم الباقي ، وقيل : الذي لا جوف له ، وقيل : الذي يصمد إليه في الحوائج ؛ أي يقصد . (2) قال برهان الفضلاء : «في القليل والكثير» في كلّ حاجة ، وكلّ تنازع في المختلف فيه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما الصمد؟» أي ما معنى الصمد في أسمائه سبحانه؟ وأجاب عليه السلام : بأنّ المراد به السيّد المصمود إليه في كلّ شيء قليلهِ وكثيرهِ ؛ يعني الذي يكون عنده كلّ ما يحتاج إليه كلّ شيء ، ويكون رفع حاجة الكلّ إليه ، ولم يفقد في ذاته شيئا ممّا يحتاج إليه الكلّ . فالصّمد _ بالتحريك _ مأخوذ من الصمد بمعنى القصد . (3) أقول : يمكن تأويل جميع معاني الصّمد ممّا ذكر هنا وفيما سبق إلى هذا التأويل ، فما لا جوف له مثلاً ، أي ما لا خلل ولا نقصان فيه أصلاً ؛ لاستجماعه جميع صفات الكمال أزلاً أبدا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد» .
2- . النهاية ، ج 3 ، ص 99 (صمد) .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 414 .

ص: 273

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ شَيْءٍ مِنَ التَّوْحِيدِ ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ الَّتِي يُدْعى بِهَا ، وَتَعَالى فِي عُلُوِّ كُنْهِهِ _ وَاحِدٌ تَوَحَّدَ بِالتَّوْحِيدِ فِي تَوَحُّدِهِ ، ثُمَّ أَجْرَاهُ عَلى خَلْقِهِ ؛ فَهُوَ وَاحِدٌ ، صَمَدٌ ، قُدُّوسٌ ، يَعْبُدُهُ كُلُّ شَيْءٍ ، وَيَصْمُدُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ ، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْما» .

هديّة(السريّ) كالسخي لفظا ومعنى . (تباركت أسماؤه) جملة وصفيّة (وتعالى) عطف عليها . (في توحّده) أي في وحدانيّته ذاتا ووصفا ؛ حيث لا يدخل وحدته في باب العدد ، ولا صفة من سائر صفاته في باب المتصوّر بالكنه ، والمعقول بالأذهان الحادثة . والبارز في (أجراه) للفظ الواحد ، ودلالة على أنّ الأسماء الحسنى حقيقة فيه تعالى ، وهو الواضع ، وعلمه بوسعه كلّ شيء قبل كلّ شيء ؛ ففي غيره، حقيقة أيضا أو مجاز (فهو واحد صمد) على التوصيف للإشارة إلى التباين الكلّي الخاصّ بين الواحد الخالق والواحد المخلوق .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .

ص: 274

قَالَ ثقة الإسلام طاب ثراه بعد هذا الحديث بلا فاصلةفَهذَا هُوَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ فِي تَأْوِيلِ الصَّمَدِ ، لَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُشَبِّهَةُ أَنَّ تَأْوِيلَ الصَّمَدِ : الْمُصْمَتُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ لَا يَكُونُ إِلَا مِنْ صِفَةِ الْجِسْمِ ، وَاللّه ُ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ مُتَعَالٍ عَنْ ذلِكَ ، هُوَ أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَقَعَ الْأَوْهَامُ عَلى صِفَتِهِ ، أَوْ تُدْرِكَ كُنْهَ عَظَمَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ الصَّمَدِ فِي صِفَةِ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ الْمُصْمَتَ ، لَكَانَ مُخَالِفا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» ؛ لِأَنَّ ذلِكَ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ الْمُصْمَتَةِ الَّتِي لَا أَجْوَافَ لَهَا ، مِثْلِ الْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمُصْمَتَةِ الَّتِي لَا أَجْوَافَ لَهَا ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيرا ، فَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ مِنْ ذَلِكَ ، فَالْعَالِمُ عليه السلام أَعْلَمُ بِمَا قَالَ . وَهذَا الَّذِي قَالَ عليه السلام _ أَنَّ الصَّمَدَ هُوَ السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ _ هُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» . وَالْمَصْمُودُ إِلَيْهِ : الْمَقْصُودُ فِي اللُّغَةِ . قَالَ أَبُو طَالِبٍ صلوات اللّه عليه فِي بَعْضِ مَا كَانَ يَمْدَحُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله مِنْ شِعْرِهِ : وَ بِالْجَمْرَةِ الْقُصْوى إِذَا صَمَدُوا لَهَايَؤُمُّونَ قَذْفا رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِ يَعْنِي قَصَدُوا نَحْوَهَا يَرْمُونَهَا بِالْجَنَادِلِ ، يَعْنِي الْحَصَى الصِّغَارَ الَّتِي تُسَمّى بِالْجِمَارِ . وَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ (1) : مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ بَيْتا ظَاهِرالِلّهِ فِي أَكْنَافِ مَكَّةَ يُصْمَدُ يَعْنِي : يُقْصَدُ . وَقَالَ ابن (2) الزِّبْرِقَانُ : [ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .....]وَ لَا رَهِيبَةَ إِلّا سَيِّدٌ صَمَدٌ وَ قَالَ شَدَّادُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ : عَلَوْتُهُ بِحُسَامٍ ثُمَّ قُلْتُ لَهُخُذْهَا حُذَيْفُ فَأَنْتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ وَ مِثْلُ هذَا كَثِيرٌ ، وَاللّه ُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ هُوَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ الَّذِي جَمِيعُ الْخَلْقِ _ مِنَ الْجِنِّ وَالْاءِنْسِ _ إِلَيْهِ يَصْمُدُونَ فِي الْحَوَائِجِ ، وَإِلَيْهِ يَلْجَؤُونَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ ، وَمِنْهُ يَرْجُونَ الرَّخَاءَ وَدَوَامَ النَّعْمَاءِ لِيَدْفَعَ عَنْهُمُ الشَّدَائِدَ .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «شعرا» .
2- . في الكافي المطبوع : - «ابن» .

ص: 275

هديّة(فهذا هو المعنى الصحيح) أي التأويل الصحيح الذي لا خلاف فيه ؛ لموافقته نصّ الكتاب والسنّة . و(المشبّهة) المجسّمة من الحنابلة وغيرهم . «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» في سورة الشورى . (1) فأمّا ما جاء في الأخبار من ذلك كما ذكرنا طائفة منها في الباب السابع ، وأشرنا هنا إلى إمكان تأويل الجميع إلى ما هنا . (فالعالم عليه السلام ) أي الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه (أعلم بما قال) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني له احتمالات : الأوّل : التقيّة . الثاني : الاستفهام الإنكاري . الثالث : الاستعارة على التشبيه بالصمد في الاعتماد عليه ؛ فإنّ الاعتماد في الأجسام على مُصْمِتها أكثر . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: كان المصمت في الحديث بمعنى الوحدة المختصّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : لعلّ تفسير الصمد بالمصمت بمعنى أنّه سبحانه لا جوف له ، بمعنى الخلوّ عمّا يصحّ الاتّصاف به ، لكونه تامّا مستكملاً في ذاته بذاته فيطلق عليه الصمد لذلك الاستكمال الذاتي والتماميّة ، بمعنى أنّه لا يخلو في ذاته عمّا يصحّ أن يتّصف به ويعدّ من كماله ، وبمعنى أنّه يقصد إليه كلّ ما يغايره في كمالاته ويكون انتهاء الكلّ إليه في الوجود والكمالات . (2) و«الباء» في (وبالجمرة القصوى) للقسم ، وجواب القسم في بيت آخر . (صمدوا) : قصدوا . (يؤمّون) : يقصدون . (قذفا) رميا . في بعض النسخ : «رضخا» أي دقّا وكسرا . يقال : رضخت رأس الحيّة بالحجارة كمنع . و(الزبرقان) بكسر الزاي والراء وسكون المفردة بينهما : القمر ، واسم شاعر . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وقال : ابن الزبرقان» . قال في المُغْرب : «الزبرقان» لقب ابن بدر ، وهو في الأصل القمر . (3) وفي القاموس : «الزبرقان» لقب الحصين بن بدر الصحابي [لجماله] (4) أو لصغر عمامته . (5) و(رهيبة) بالتصغير اسم رجل . في بعض النسخ : «في حذيفة بن مرو» مكان «بدر» . و«الحسام» كغراب : السيف القاطع ، من «الحسم» بمعنى القطع . وتأنيث الضمير في (خذها) للضربة أو الحربة . ويحتمل التنبيه . «حذيف» : منادى مرخَّم . و(الرخاء) بالفتح والمدّ : السُمولة والراحة .

.


1- . الشورى (42) : 11 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 415 بتفاوت يسير .
3- . المُغْرِب ، ج 1 ، ص 180 (حجج) ؛ وص 360 (زنبق) .
4- . أضفناه من المصدر .
5- . القاموس المحيط ، ص 1148 (زبرق). وفيه : «أو لصُفرَة عمامته» .

ص: 276

. .

ص: 277

باب الحركة و الانتقال

الباب التاسع عشر : بَابُ الْحَرَكَةِ وَ الِانْتِقَالِوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَهُ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ لَا يَنْزِلُ ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلى أَنْ يَنْزِلَ ، إِنَّمَا مَنْظَرُهُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ سَوَاءٌ ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَرِيبٌ ، وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ بَعِيدٌ ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلى شَيْءٍ ، بَلْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ ذُو الطَّوْلِ ، لَا إِلهَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . أَمَّا قَوْلُ الْوَاصِفِينَ : إِنَّهُ يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَإِنَّمَا يَقُولُ ذلِكَ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلى نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ ، وَكُلُّ مُتَحَرِّكٍ مُحْتَاجٌ إِلى مَنْ يُحَرِّكُهُ أَوْ يَتَحَرَّكُ بِهِ ، فَمَنْ ظَنَّ بِاللّه ِ الظُّنُونَ ، هَلَكَ ؛ فَاحْذَرُوا فِي صِفَاتِهِ مِنْ أَنْ تَقِفُوا لَهُ عَلى حَدٍّ تَحُدُّونَهُ بِنَقْصٍ ، أَوْ زِيَادَةٍ ، أَوْ تَحْرِيكٍ ، أَوْ تَحَرُّكٍ ، أَوْ زَوَالٍ ، أَوِ اسْتِنْزَالٍ ، أَوْ نُهُوضٍ ، أَوْ قُعُودٍ ؛ فَإِنَّ اللّه َ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِينَ ، وَنَعْتِ النَّاعِتِينَ ، وَتَوَهُّمِ الْمُتَوَهِّمِينَ «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِالرَّحِيمِ * الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ» » .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل البرمكي ، عن عليّ بن عبّاس الجراذيني .

ص: 278

هديّة :في العنوان يعني امتناع (الحركة والانتقال) عليه سبحانه مطلقا ؛ ردّا على المجسّمة ، وكفر الصوفيّة القدريّة أيضا ، وهم مصرّحون بتنزّله سبحانه عن مرتبة العِلّيّة إلى مراتب المعلوليّة في سلسلتي البدو والعود على اصطلاحهم الميشوم . في بعض النسخ «إلى سماء الدنيا» بالإضافة ، والأكثر أكثر . والحكاية إشارة إلى ما روي «أنّ اللّه ينزل في الثلث الأخير ، أو النصف الأخير في كلّ ليلة ، وفي ليالي الجمعة في أوّل الليل إلى السماء الدنيا فينادي هل من داع؟ هل من مستغفر؟ هل من سائل»، (1) الحديث . واُوّل في بعض الأخبار بإنزاله سبحانه ملكا ينادي ، فالظاهر صحّة الحديث ، وأنّه مأوّل . و«المنظر» كمنصب : مصدر ميمي وهنا بمعنى التدبير ، أو اسم مكان ؛ يعني محلّ التدبير . (لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد) لتساوي نسبة جميع ما سواه تعالى إليه جلّ وعلا ، فالفقرتان بأجمعهما كناية عن تساوي نسبة كلّ مُحاط مكاني إلى محيطه اللّامكانيّ . قال برهان الفضلاء : «لم يبعد منه قريب» أي باعتبار مكان قريب منّا ، «ولم يقرب منه بعيد» أي باعتبار مكان بعيد عنّا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّما منظره» أي ما ينظر إليه «في القرب والبُعد منه سواء» أي لا يختلف اطّلاعه على الأشياء بالقرب والبُعد ؛ لأنّهما إنّما يجريان في المكاني ، بالنسبة إلى المكاني ، وهو سبحانه متعال عن المكان . (2) (ولم يحتجّ إلى شيء) أي في تدبيره . (بل يحتاج إليه) على المجهول، والظرف نائب الفاعل . (وهو ذو الطول) أي الفضل والخير . وفيه _ وهو اقتباس من سورة المؤمن (3) _ إشارةٌ إلى غنائه عن كلّ شيء وحاجة كلّ شيء إليه ؛ إذ لا إله للعالمين إلّا هو ، وهو العزيز الحكيم . (إلى من يحرّكه) في الحركة القسريّة والنفسانيّة ، أو ما يتحرّك به في الحركة الطبيعيّة . قال السيّد الأجلّ النائيني : «من أن تقفوا» إمّا من «وقف يقف» أي أن يقفوا في الوصف له وتوصيفه إلى (4) حدّ، فتحدّونه بنقص أو زيادة ، أو تحريك ، أو تحرّك . أو من «قفا يقفوا» أي أن تتّبعوا له في البحث عن صفاته تتبّعا «على حدّ تحدّونه» بما ذكر . (5) «استنزله» و«أنزله» بمعنى . قال برهان الفضلاء : و«التوهّم» هنا بمعنى التصوّر باسم غير مشتقّ . «وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ» (6) أي في جميع اُمورك موقنا بعلمه بجميع الأحوال أزلاً وأبدا ، أو توكّل عليه في توصيفه، فصفه بما وصف به نفسه لا بما يذهب إليه الأوهام . «وَ تَقَلُّبَكَ فِى السَّ_جِدِينَ» (7) أي تصرّفك في قلوب أهل التوحيد . والاقتباس من سورة الشعراء .

.


1- . البحار ، ج 84 ، ص 168 _ 169 ، ح 12 ؛ وراجع أيضا الوسائل ، ج 7 ، ص 77 _ 79 ، ح 8778 _ 8781 ؛ والبحار ، ج 84 ، ص 163 ، باب دعوة المنادي في السحر و ... .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 417 .
3- . غافر (40) : 3 .
4- . في «الف» : «على» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 418 .
6- . الشعراء (26) : 217 .
7- . الشعراء (26) : 219 .

ص: 279

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ :«لَا أَقُولُ : إِنَّهُ قَائِمٌ ؛ فَأُزِيلَهُ عَنْ مَكَانِهِ ، وَلَا أَحُدُّهُ بِمَكَانٍ يَكُونُ فِيهِ ، وَلَا أَحُدُّهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَرْكَانِ وَالْجَوَارِحِ ، وَلَا أَحُدُّهُ بِلَفْظِ شَقِّ فَمٍ ، وَلكِنْ كَمَا قَالَ (2) تَبَارَكَ وَتَعَالى : «كُن فَيَكُونُ» بِمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي نَفْسٍ ، صَمَدا فَرْدا ، لَمْ يَحْتَجْ إِلى شَرِيكٍ يَذْكُرُ لَهُ مُلْكَهُ ، وَلَا يَفْتَحُ لَهُ أَبْوَابَ عِلْمِهِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه رفعه» .
2- . في الكافي المطبوع : + «اللّه » .

ص: 280

هديّة :(إنّه قائم) أي عن قعود ، وهو قول بانتقاله عن وضعه في مستقرّه إلى وضع آخر فيه ، أو بانتقاله (عن مكان) بمعنى السطح الباطن للحاوي . قال السيّد الأجلّ النائيني : أي لا يتّصف بالقيام اتّصاف الأجسام والمكانيّات ؛ لاستلزامه الزوال في الجملة عن مكانه الذي استقرّ فيه . (1) (ولا أحدّه أن يتحرّك) أي بأن يتحرّك . (في شيء من الأركان) أي عمدة الأطراف حركة كمّيّة ، أو المعنى بشيء منها ؛ أي حركة أينيّة . وحروف الأدوات ينوب بعضها مناب بعض . (ولكن كما قال) أي ولكن يكون الأشياء بقوله : «كن» لا بآلة جارحة بل بمشيئته . (من غير تردّد نفس) إمّا بالتحريك ، أو بسكون الفاء ، أي من غير تردّد وتفكّر . (صمدا فردا) نصب على المدح . قرئ «يذكّر ، ولا يفتّح» على المعلوم من التفعيل . وقرأ السيّد الأجلّ النائيني على المجهول من المجرّد ، وقال : أي لم يحتج ملكه إلى شريك يذكر له . (2) واحتُمل المعلوم من المجرّد والتفعيل . وقال برهان الفضلاء : «صمدا» نصب بالمدح بتقدير أعني . «ويذكر» على المعلوم من باب نصر . والمستتر فيه ل«للّه » والضمير في «له» للشريك . «ولا يفتح» عطف على «يذكر» . و«لا» زائدة لتذكير النفي في «لم يحتج» كما في «ولا الضالّين» أي لم يحتج إلى شريك يذكر له ربوبيّته نفسه تعالى ويفتح له أبواب علمه عزّ وجلّ . والمراد أنّ بعثة الأنبياء والرّسل لتعليم الخلق ليس على وجه الاحتياج بل بمحض الحكمة والرحمة والتفضّل . أقول : يعني لم يحتج في عجائب صنعه وتدبيره إلى معين يعينه في سلطنة تدبيره وتقديره وكمال إحاطة علمه بالجميع أزلاً أبدا وعموم قدرته الكاملة .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 419 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 419 .

ص: 281

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي بَعْضِ مَا كَانَ يُحَاوِرُهُ : ذَكَرْتَ اللّه َ ، فَأَحَلْتَ عَلى غَائِبٍ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«وَيْلَكَ ، كَيْفَ يَكُونُ غَائِبا مَنْ هُوَ مَعَ خَلْقِهِ شَاهِدٌ ، وَإِلَيْهِمْ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ ، وَيَرى أَشْخَاصَهُمْ ، وَيَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ؟!» فَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ : أَ هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟ أَ لَيْسَ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ ، كَيْفَ يَكُونُ فِي الْأَرْضِ؟! وَإِذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ ، كَيْفَ يَكُونُ فِي السَّمَاءِ؟! فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّمَا وَصَفْتَ الْمَخْلُوقَ الَّذِي إِذَا انْتَقَلَ عَنْ مَكَانٍ ، اشْتَغَلَ بِهِ مَكَانٌ ، وَخَلَا مِنْهُ مَكَانٌ ، فَلَا يَدْرِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مَا يَحْدُثُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، فَأَمَّا اللّه ُ _ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ ، الْمَلِكُ ، الدَّيَّانُ _ فَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ ، وَلَا يَكُونُ إِلى مَكَانٍ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلى مَكَانٍ» .

هديّة :(محمّد بن إسماعيل) هو البرمكي . و(عمرو بن محمّد) هو الأسدي من رجال الكاظم عليه السلام . وقيل : عمر بضمّ العين . و(عيسى بن يونس) هو الشاكري الكوفي . و«المحاورة» : المكالمة . (فأحلت) من الإحالة من الحوالة . وهمز تاء الاستفهام للإنكار . و(الديّان) من الدين بمعنى الجزاء . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : ولعلّ بعظمته وملكه أشار إلى وجوبه الذاتي وعدم مشاركته لشيء من الممكنات ، وهو مناط الحكم بعدم جواز التمكّن عليه ، والاختلاف بالقرب والبُعد المكاني بالنسبة إلى ما سواه . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن محمّد بن أبي عبد اللّه » .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 420 .

ص: 282

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام : جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ يَا سَيِّدِي ، قَدْ رُوِيَ لَنَا أَنَّ اللّه َ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا . وَرُوِيَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلى مَوْضِعِهِ ، فَقَالَ بَعْضُ مَوَالِيكَ فِي ذلِكَ : إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ ،فَقَدْ يُلَاقِيهِ الْهَوَاءُ ، وَيَتَكَنَّفُ عَلَيْهِ ، وَالْهَوَاءُ جِسْمٌ رَقِيقٌ يَتَكَنَّفُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِقَدْرِهِ ، فَكَيْفَ يَتَكَنَّفُ عَلَيْهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلى هذَا الْمِثَالِ؟! فَوَقَّعَ عليه السلام :«عِلْمُ ذلِكَ عِنْدَهُ ، وَهُوَ الْمُقَدِّرُ لَهُ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ تَقْدِيرا . وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَهُوَ كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ ، وَالأَشْيَاءُ كُلُّهَا لَهُ سَوَاءٌ عِلْما وقُدْرَةً وَمُلْكا وَإِحَاطَةً» .

هديّة :(على العرش استوى) يعني أنّه في عرشه لا في موضع آخر فمن تمام الرواية ، أو المعنى بدليل قوله تعالى : «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» (2) ، وحديث أنّه ينزل . «تكنّفه» و«اكتنفه» بمعنى ، أي أحاط به . والتعدية ب«على» على التضمين ، كيدور ويستولي . و«على» في (على هذا المثال) نهجيّة . (علم ذلك) أي استوائه على العرش المخلوق المحيط بالكرسي وسع السماوات والأرض . وضمير «له» للعرش . قال برهان الفضلاء : «علم ذلك عنده» جواب عن استدلالهم بقوله تعالى : «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» والمشار إليه العرش ، يعني علم تدبير العرش وتقديره واستيلائه عليه ؛ فإنّ الاستواء مفسّر بالاستيلاء قدرةً والإحاطة علما وملكا، لا الاستواء بتوهّم جسم محيط أو شيء الآخر من الأشياء المتوهّمة . واعلم أنّه جواب عن استدلالهم بحديث «أنّه ينزل كلّ ليلة» يعني ليس المراد من النزول هنا انتقال الذات من مكان آخر ، بل المراد نزول الرحمة أو الملك أو غيرهما كما في تفسير قوله تعالى : «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ» (3) ، وقوله : «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا» (4) . «والأشياء كلّها له سواء» تفسير لقوله «عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» . وإنّما لم يَجِبْ عن استدلالهم بحديث «أنّه ينزل عشيّة عرفة» ؛ اكتفاءً بالجواب المعلوم عن الحديث المعلوم ؛ وإشارة إلى أنّه من طرقهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «علم ذلك عنده» أي علم كيفيّة نزوله بعدما لم يكن عنده سبحانه ، وليس عليكم معرفة ذلك ، ثمّ أشار إشارةً خفيّةً إلى أنّ المراد بنزول تقديره نزول رحمته وإنزالها بتقديره بقوله : «وهو المقدّر له بما هو أحسن تقديرا»، ثمّ أفاد أنّ ما عليكم علمه أنّه لا يجري عليه أحكام الأجسام والمتغيّرات (5) من المجاورة والقرب المكاني والتمكّن في الأمكنة ، بل حضوره سبحانه حضور وشهود علميّ وإحاطة بالعلم والقدرة والملك بقوله : «واعلم أنّه إذا كان في السماء الدنيا» . (6) وقال الفاضل الإسترابادي : أي علم كيفيّة نزوله ، نزول الملائكة أو نزول أمره . وقال بعض المعاصرين : «فهو كما هو على العرش» أي إذا كان مع شيء لم تبطل معيّته لشيء آخر، بل هو دائما بحال واحد . (7) أنت خبير بأنّ معيّته تعالى مع الأشياء بمعنى إحاطته علما جميع الأشياء أزلاً أبدا ، وعلمه عين ذاته ، وهو خِلْو من خلقه وخلقه خلو منه ، وكان مع الأشياء كما كان ولم يكن شيء . وأمّا المعيّة بالمعنى المبتني على وحدة الوجود عند القدريّة فمن أسوء صنوف الكفر وأفحشها .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد» .
2- . طه (20) : 5 .
3- . الرعد (13) : 41 .
4- . الفجر (89) : 22 .
5- . كذا في النسخ ، وفي المصدر : «المتحيّزات» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 421 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 404 .

ص: 283

. .

ص: 284

الحديث الخامسروى في الكافي وقال : وَ عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْكُوفِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى مِثْلُهُ .

هديّة :بيانه كبيان مثله .

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَ فِي قَوْلِهِ : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» : عَنه ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَل_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَاخَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» فَقَالَ :«هُوَ وَاحِدٌ وَاحِدِيُّ الذَّاتِ ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَبِذَاكَ وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ بِالْاءِشْرَافِ وَالْاءِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةِ «لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِى السَّماواتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلَا أَكْبَرُ» بِالْاءِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ ، لَا بِالذَّاتِ ؛ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ ، فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الْحَوَايَةُ» .

.

ص: 285

هديّة :الظاهر أنّ «الواو» في قوله (وفي قوله) للابتداء ، يعني وورد في قوله تعالى في سورة المجادلة (1) عنه متّصلاً بابن اُذينة عنه عليه السلام أنّه قال في قوله تعالى فلا تكرار معنى . وقال برهان الفضلاء _ بعد ذكره قوله : «وفي قوله : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» » في آخر الحديث الخامس متّصلاً ب«مثله» _ : «الواو» للعطف على «مثله» بتقدير : «وما في قوله» . قال يعني روى محمّد بن عيسى بطريق آخر مثله مع ما يذكر في السادس . وقال الفاضل الإسترابادي : «وفي قوله» كلام المصنّف ، أي الكلام في قوله [تعالى] (2) قال : والظاهر أنّ قوله : «عنه» من كلام تلامذة المصنّف ، والضمير راجع إليه ، ويؤيّده ما سيجيء كثيرا من الضمائر الراجعة إلى المصنّف . (3) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : الظاهر أنّ ضمير «عنه» للمصنّف لا لعليّ بن محمّد ؛ فإنّ الرواية عن العدّة من دأب المصنّف . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وفي قوله : «مَا يَكُونُ» كلام المؤلّف رحمه الله، أي روي في بيان قوله تعالى هذا هذه الرواية الآتية . (4) و(ما) في الآية نافية ، و(يكون) تامّة و(من) زائدة ؛ لإفادة العموم ، و(نجوى) مصدر ، أو اسم مصدر ، أو جمع الناجي ، أو مصدر مستعمل في الجمع للمبالغة ، ف«ثلاثة» على الأخيرين بدل ؛ قاله برهان الفضلاء . وقال بعض المعاصرين : «نجوى» صيغة جمع بمعنى متناجين . (5) وقال الجوهري : النجو : السرّ بين اثنين . نجوته نجوا ساررته كناجيته وانتجيته إذا خصّصته بمناجاتك والاسم النجوى . ثمّ قال : وقوله تعالى «وَ إِذْ هُمْ نَجْوَى» (6) فجعلهم هم النجوى ، وإنّما النجوى فعلهم كما تقول : قوم رضى ، وإنّما الرّضى فعلهم ويكون النجوى اسما مصدرا . (7) انتهى . وسيجي في الحديث أنّ هذه الآية من سورة المجادلة وآية «أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ» من سورة الزخرف (8) ، نزلتا في أصحاب الصحيفة الملعونة وكانوا ستّة ملاعين (9) ، وذكروا في هديّة الثاني عشر من الباب الأوّل في كتاب العقل . وتمام الآية في سورة المجادلة ، «وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» . (واحد) بحقيقة الوحدة لا ثاني له . (واحديّ الذات) لا تركيب فيه (بائن من خلقه) لايشبههم ، وهو خِلْو من خلقه وخلقه خلو منه . قال برهان الفضلاء : «الواو في «وأحدي الذات» للعطف ، و«بائن من خلقه» تفسير له ، ولذا لم يعطف . قال : ويحتمل أن يكون الواو جزء الكلمة والنسبة للمبالغة ، كالأحمري . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «واحديّ» مبالغة الواحد ، كالأحدي للأحد . والمبالغة في واحديّة الذات إشارة إلى الواحديّة من جميع الجهات ، وعدم التكثّر في الذّات ولا الصفات الحقيقيّة التي مرجعها إلى الذات . (10) (وبذلك وصف نفسه) أي في كتاب الكريم بقوله في سورة الشورى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» (11) ، فلا يجوز لأحد وصفه إلّا بما وصف به نفسه ، فإنّما العلم به هو كما هو ولا إله إلّا هو . (لا يعزب) لا يذهب ولا يغيب ، اقتباس من سورة السبأ . (12) و«الذرّة» : واحدة الذرّ ، وهو صغير النمل . قال برهان الفضلاء : ووزن مقدار مائة منها مقدار شعيرة . قيل : (بالإحاطة) متعلّق بالآية ؛ يعني إنّما هو رابع ثلاثة المتناجين وسادس الخمسة بالإشراف والإحاطة بالعلم (لا بالذات) أي لا بالذات الجسدانيّة . (حدود أربعة) اليمين ومقابله والقدّام . و(الحواية) بالفتح مصدر بمعنى الإحاطة . (لزمها الحواية) أي المحيطيّة أو المحاطيّة . وقال برهان الفضلاء : يعني لا يعزب عنه باعتبار الإحاطة بالعلم لا باعتبار قرب الذات بالقرب المتعقّل في الجسم والجسماني . وقال السيّد الأجلّ النائيني : فهو بائن من خلقه وهو سبحانه بذلك وصف نفسه في كتابه الكريم ، فإحاطته سبحانه بكلّ طائفة ليست إحاطة بجهة الذات ، بل إحاطة بالإشراف والاطّلاع ، فعلمه محيط بالكلّ وكلّ شيء معلوم له ، وقدرته محيطة بالكلّ وكلّ شيء مقدور له ، لا يعزب عنه مقدار ذرّة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالإحاطة والعلم ، (13) وليس إحاطته سبحانه بكلّ شيء بالذات ؛ لأنّ الأماكن محدودة ، فإذا كان إحاطته بالذات فإن كانت بالدخول في الأمكنة لزم كونه محاطا بالمكان ، وإن كانت بالانطباق على المكان لزم كونه محيطا بالمتمكّن كالمكان . (14) وهنا سؤال وهو أنّ اللّه تعالى قال : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ» ، (15) فما التوفيق بين الآيتين؟ والجواب : أنّ إضافة الثالث إلى الثلاثة يفيد أنّ الثالث من جنس الثلاثة ورابع الثلاثة لا يلزم أن يكون من جنسهم وفي عدادهم ، والمحيط على الثلاثة بالعلم يجوز أن يكون غيرهم ، وهو لم يزل بلا مكان ولا زمان والآن كما كان . وفي توحيد الصدوق رحمه اللهبإسناده ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهماالسلامقال : «إنّ اللّه تعالى لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يحلّ في مكان «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا» . (16) ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب ، واستتر بغير سترٍ مستور ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال» . (17) قوله عليه السلام : «ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه» دلالة على أنّ كون خلقه حجابا عبارة عن امتناع عقل الخلق عن خصوصيّة ذات الخالق ، فلا عالم به كما هو إلّا هو ، ولا إله إلّا هو . وقد مرّ بيان حجاب محجوب وستر مستور في هديّة الثالث في الباب الحادي عشر . وفي توحيد الصدوق أيضا بإسناده ، عن يونس بن عبد الرحمن قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : لأيّ علّة عرج اللّه بنبيّه صلى الله عليه و آله وسلم إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه وناجاه هناك واللّه لا يوصف بمكان؟ فقال عليه السلام : «إنّ اللّه لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنّه _ عزّ وجلّ _ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ، ويكرمهم بمشاهدته ، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون «سُبْحَ_نَهُ وَ تَعَ__لَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» » . (18)

.


1- . المجادلة (58) : 7 .
2- . أضفناه من المصدر .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122 _ 123 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 421 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 401 .
6- . الإسراء (17) : 47 .
7- . الصحاح ، ج 6 ، ص 2503 (نجا).
8- . الزخرف (43) : 80 .
9- . الكافي ، ج 8 ، ص 179 ، ح 202 .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 422 ، بتفاوت .
11- . الشورى (42) : 11 .
12- . السبأ (34) : 3 .
13- . في المصدر : «للإحاطة بالعلم» .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 422 .
15- . المائدة (5) : 73 .
16- . المجادلة (58) : 7 .
17- . التوحيد ، ص 179 _ 180 ، باب 28 ، ح 12 .
18- . التوحيد ، ص 175، باب 28، ح 5 . والآية في يونس (10) : 18؛ النحل (16) : 1؛ الروم (30) : 40؛ الزمر (39) : 67 .

ص: 286

. .

ص: 287

. .

ص: 288

. .

ص: 289

الحديث السابعروى في الكافي وقال : فِي قَوْلِهِ : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فَقَالَ :«اسْتَوى عَلى كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ» .

هديّة :(في قوله «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» ) كلام ثقة الإسلام . يعني وورد في قوله هذا حديث عليّ بن محمّد . والآية في سورة طه. (1) (على) في التفسير ، إمّا فعل وكلّ مفعوله ؛ يعني «استوى» بمعنى «علا»، يعني علا الرحمنُ العرشَ ، وعلا العرشُ كلَّ شيءٍ ، فعلا الرحمانُ كلَّ شيء بالاستواء، (فليس شيء أقرب إليه من شيء)، وهذا حاصل المعنى ، لا أنّ لفظة «على» في الآية الكريمة فعل لا حرف ، أو حرفٌ ، فالتعدية إشارة إلى تضمين معنى «استولى» ، وأن العرش هنا عبارة عن جميع المخلوقات ، وهو أحد معاني العرش كما سيذكر ، وأنّ نسبة استيلائه بعلمه وقدرته وملكه ونفوذ إرادته على نهج «كُن فَيَكُونُ» (2) على الجميع على السواء، لا يتفاوت بالقُرب والبُعد، والضعف والشدّة، والقلّة والكثرة وغير ذلك من أوصاف الخلق . قال برهان الفضلاء : «في قوله : الرحمن على العرش استوى» كلام المصنّف . وفرّق بهذا بين السابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر وسائر أحاديث الباب ؛ للإشارة إلى أنّ نفي الحركة والانتقال ليس بصريح فيها بل بعنوان الاستدلال . ثمّ قال : وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ «على العرش» متعلّق ب«استوى» على تضمين معنى استولى ، وأنّ المراد بالعرش جميع المخلوقات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «في قوله «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» » كلام المؤلّف ، أي روي في بيان قوله تعالى هذا، هذه الروايات الآتية ، ثمّ قال : «فليس شيء أقرب إليه من شيء» أي ليس استواؤه على العرش بمعنى الاستقامة والاعتدال في الجلوس أو القيام ، بل استواؤه الاعتدال بالنسبة إلى كلّ شيء وعدم اختلاف نسبته من الأشياء أي بالقُرب والبُعد . ولعلّ المراد بكونه «على العرش» علمه به وما فيه مشرفا عليه . والمراد بالعرش ، العرش الذي فيه كلّ شيء علما وحوايةً وهو المحيط بالكرسي والسماوات وما فيهنّ ، والأرض وما بينهنّ بما فيه من النفس والروح الجسماني والعقلاني . وتسميته عرشا باعتبار الأنوار التي فيه وهي المحيطة بالعلوم بأنواعها ، فاُطلق على متعلّق النور الجامع لهذه العلوم كما اُطلق على العلوم نفسها . (3)

.


1- . طه (20) : 5 .
2- . يس (36) : 82 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 422 _ 423 .

ص: 290

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنِ السرّاد ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَادٍ (1) : أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فَقَالَ :«اسْتَوى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «مارد» . وفي حاشية «الف» : «مارد ، زياد» .

ص: 291

هديّة :بيانه كنظيره . وفي ضبط (محمّد بن مادّ) بالميم والدالّ المشدّدة خلاف ، فقيل : زياد . وقيل : مارد ، والأخير ضبط العلّامة في خلاصته وابن داود في رجاله . قال في الخلاصة : محمّد بن مارد _ بالرّاء والدال المهملة _ التميمي ، عربيّ ، صميم ، ختن محمّد بن مسلم ، ثقة ، عين . 1 وقال ابن داود : محمّد بن مارد التميمي (ق، م، ست) (1) عربيّ ، صميم ، ثقة ، عين ، ختن محمّد بن مسلم . (2) والمضبوط في أكثر نسخ الكافي «مادّ» بالميم والدال المشدّدة .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ البجلي ، (3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ تبارك وتعالى : «الرَّحْمَ_نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» فَقَالَ :«اسْتَوى فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ ، لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ بَعِيدٌ ، وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ قَرِيبٌ ، اسْتَوى فِي كُلِّ شَيْءٍ» .

هديّة :بيان آخره كما في هديّة الأوّل .

.


1- . «ق» يرمز بها لمن روى عن الإمام الصادق عليه السلام ، و «م» لمن روى عن الإمام الكاظم عليه السلام ، و «ست» الفهرست للطوسي .
2- . رجال ابن داود ، ص 332 ، الرقم 1459 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «وعنه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج».

ص: 292

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ مِنْ شَيْءٍ ، أَوْ فِي شَيْءٍ ، أَوْ عَلى شَيْءٍ ، فَقَدْ كَفَرَ» . قُلْتُ : فَسِّرْ لِي ، قَالَ : «أَعْنِي بِالْحَوَايَةِ مِنَ الشَّيْءِ لَهُ ، أَوْ بِإِمْسَاكٍ لَهُ ، أَوْ مِنْ شَيْءٍ سَبَقَهُ» .

هديّة :يعني (أعني) بقولي : (من شيء) معنيين : الأوّل : محاطيّته من جهة شيء . والثاني : كونه من شيء سبقه . وبقولي : (في شيء) تمكّنه في مكان وكونه محصورا به . وبقولي : (على شيء) استقراره على عرشه ، وإمساك عرشه له كالمركب والسفينة كما توهّم المشبّهة . قال برهان الفضلاء : يعني أقصد من قولي : «في شيء» محاطيّته بشيء . ومن قولي : «على شيء» محفوظيّته بشيء مركوب له ، ومن قولي «من شيء» مسبوقيّته بشيء . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بالحواية من الشيء له» تفسير لقوله : «في شيء» . «أو بإمساك له» تفسير لقوله : «على شيء» . «أو من شيء سبقه» تفسير لقوله : «من شي» . (2)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مُحْدَثا ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْصُورا ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلى شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولاً» .

هديّة :(محصورا) أي محاطا محدودا . (محمولاً) أي كالراكب على مركب أو على سفينة ، فلزم التحيّر والافتقار وغيرهما من أوصاف المخلوق .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 424 .

ص: 293

الحديث الثاني عشرروى في الكافي وقال : فِي قَوْلِهِ : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَهٌ» . عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّيَصَانِيُّ : إِنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَةً هِيَ قَوْلُنَا ، قُلْتُ : مَا هِيَ؟ فَقَالَ : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ» فَلَمْ أَدْرِ بِمَا أُجِيبُهُ ، فَحَجَجْتُ ، فَخَبَّرْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ :«هذَا كَلَامُ زِنْدِيقٍ خَبِيثٍ ، إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِ ، فَقُلْ لَهُ : مَا اسْمُكَ بِالْكُوفَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ : فُلَانٌ ، فَقُلْ لَهُ : مَا اسْمُكَ بِالْبَصْرَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ : فُلَانٌ ، فَقُلْ : كَذلِكَ اللّه ُ رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ إِلهٌ ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ، وَفِي الْبِحَارِ إِلهٌ ، وَفِي الْقِفَارِ إِلهٌ ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ إِلهٌ» . قَالَ : فَقَدِمْتُ ، فَأَتَيْتُ أَبَا شَاكِرٍ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : هذِهِ نُقِلَتْ مِنَ الْحِجَازِ .

هديّة :(في قوله : «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ» ) قول ثقة الإسلام كنظريّة السابقين ، «داص يديص ديصانا» بالتحريك : زاغ وحاد وألحد . فلان ديصانيّ ، أي ملحد زنديق . قيل : كان أبو شاكر زنديقا ثنويّا (1) . وقيل : كان من الطبيعيّين القائلين بأنّ أفاعيل العلويّات من طبائع الأجرام العلويّة وأفاعيل السفليّات من طبائع الأجسام السفليّة . وقال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل : الديصانيّة طائفة من طوائف الثنويّة القائلين بأصلين قديمين أي النور والظلمة (2) . وبهذا فرّق بين الثنويّة والمجوس ؛ فإنّهم يقولون بِقِدَم النور وحدوث الظلمة ، ولذا ورد حديث : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» . (3) قال : وكانت طائفة من الديصانيّة قبل الماني النقّاش قائلين بأنّ فاعل الخير هو النور من فوق ، وفاعل الشرّ هو الظلمة من جهة التحت ، وهما مع ذلك متلاقيان . وطائفة اُخرى منهم يقولون بأنّ النور والظلمة من جنس واحد كالمنشار والحديد، فإنّ صفحته ملائمة لا تؤذي وأسنانه بخلاف صفحته . (4) كما تقول الصوفيّة إنّ الوجود أصل وكلّ شيء سواه أكوانه وشؤوناته ، وقد قال ذلك الشبستري : من و تو عارض ذات وجوديممشبّكهاى مشكوة وجوديم ومثله كثير في كتبهم، هل يكون كفر أفحش من استناد كلّ شيء إلى طبيعة بحت الوجود بالإيجاب؟! والآية في سورة الزخرف . (5) (فخبّرت) من التخبير . أخبرته وخبّرته تخبيرا بمعنى . وقرأ برهان الفضلاء : «خبرت» من باب نصر ، أي سألت وأخذت الخبر ، ثمّ احتمل «خبّرت» من التفعيل . (في السماء إله) أي مستحقّ العبادة لأهلها، وفي الأرض إله كذلك، وهكذا . و(القفار) : البراري والصحاري . (هذه) أي الحجّة . قال برهان الفضلاء : أي هذه الدقيقة ، أو المعنى هذه آية اُخرى نقلت من المدينة . قال السيّد الأجلّ النائيني : «ما اسمك بالكوفة؟» المراد بالاسم هنا ما يشتمل الاسم وما بمنزلته من الصفات التي يطلق على الشيء ويعبّر بها عنه . (6) وقال بعض المعاصرين : «في السماء إله» أي معبود ؛ لأنّ الجامد العَلَمي لا يتعلّق بالظرف ، فالزمه عليه السلام بما هو أوضح وأقرب إلى فهمه . (7) أقول : كأنّه توهّم عدم مطابقة الجواب ؛ غفلة عن الجواب المطابق . والمعنى أنّ تسميتك باسمك في مكان لا تكون فيه لا يقتضي كونك فيه ، والمطابقة أتمّ لو كان ورود الجواب عليه وهو لا في البصرة ولا في الكوفة .

.


1- . رجال الكشّي ، ص 278 ، الرقم 497 .
2- . راجع : الملل والنحل ، ج 1 ، ص 250 .
3- . التوحيد ، ص 382 ، باب 60 ، ح 29 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175 ؛ المستدرك ، ج 18 ، ص 185 ، ح 22457 .
4- . راجع: الملل والنحل ، ج 1 ، ص 250 . ولم نجد نصّ العبارة فيها .
5- . الزخرف (43) : 84 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 425 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 401 .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

باب العرش و الكرسيّ

الباب العشرون : بَابُ الْعَرْشِ وَ الْكُرْسِيِّوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (1) رَفَعَهُ ، قَالَ : سَأَلَ الْجَاثَلِيقُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ تعالى يَحْمِلُ الْعَرْشَ أَمِ الْعَرْشُ يَحْمِلُهُ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :«اللّه ُ حَامِلُ الْعَرْشِ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَ_و تِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَ لَ_ل_ءِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» » . قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَ_ل_ءِذٍ ثَمَ_نِيَةٌ» فَكَيْفَ قَالَ ذاكَ ، (2) وَقُلْتَ : إِنَّهُ يَحْمِلُ الْعَرْشَ وَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟! فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «إِنَّ الْعَرْشَ خَلَقَهُ اللّه ُ تَعَالى مِنْ أَنْوَارٍ أَرْبَعَةٍ : نُورٍ أَحْمَرَ ، مِنْهُ احْمَرَّتِ الْحُمْرَةُ ، وَنُورٍ أَخْضَرَ ، مِنْهُ اخْضَرَّتِ الْخُضْرَةُ ، وَنُورٍ أَصْفَرَ ، مِنْهُ اصْفَرَّتِ الصُّفْرَةُ ، وَنُورٍ أَبْيَضَ ، مِنْهُ الْبَيَاضُ ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي حَمَّلَهُ اللّه ُ الْحَمَلَةَ ، وَذلِكَ نُورٌ مِنْ عَظَمَتِهِ ، فَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ أَبْصَرَ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ عَادَاهُ الْجَاهِلُونَ ، وَبِعَظَمَتِهِ وَنُورِهِ ابْتَغى مَنْ فِي السَّمَاءِ (3) وَالْأَرْضِ مِنْ جَمِيعِ خَلَائِقِهِ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَدْيَانِ الْمُشْتَّةِ ، (4) فَكُلُّ مَحْمُولٍ _ يَحْمِلُهُ اللّه ُ بِنُورِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ _ لَا يَسْتَطِيعُ لِنَفْسِهِ ضَرّا وَلَا نَفْعا وَلَا مَوْتا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورا ، فَكُلُّ شَيْءٍ مَحْمُولٌ ، وَاللّه ُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْمُمْسِكُ لَهُمَا أَنْ تَزُولَا ، وَالْمُحِيطُ بِهِمَا مِنْ شَيْءٍ ، وَهُوَ حَيَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَنُورُ كُلِّ شَيْءٍ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاكَبِيرا» » . قَالَ لَهُ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «هُوَ هَاهُنَا ، وَهَاهُنَا ، وَفَوْقُ ، وَتَحْتُ ، مُحِيطٌ بِنَا ، وَمَعَنَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَبارك تَعَالى : «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَ لَا أَدْنَى مِن ذَ لِكَ وَ لَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ» فَالْكُرْسِيُّ مُحِيطٌ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرى «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى» ، وَذلِكَ قَوْلُهُ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَ_?ودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» فَالَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ هُمُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ حَمَّلَهُمُ اللّه ُ عِلْمَهُ ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ عَنْ هذِهِ الْأَرْبَعَةِ شَيْءٌ خَلَقَ اللّه ُ فِي مَلَكُوتِهِ ، وَهُوَ الْمَلَكوُتُ الَّذِي أَرَاهُ اللّه ُ أَصْفِيَاءَهُ وَأَرَاهُ خَلِيلَهُ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ : «وَكَذَ لِكَ نُرِى إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» وَكَيْفَ يَحْمِلُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ اللّه َ ، وَبِحَيَاتِهِ حَيِيَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَبِنُورِهِ اهْتَدَوْا إِلى مَعْرِفَتِهِ؟!» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي» .
2- . في الكافي المطبوع : «ذلك» .
3- . في الكافي المطبوع : «السماوات» .
4- . في الكافي المطبوع : «المشتبهة» .

ص: 297

هديّة :في العنوان يعني (العرش والكرسيّ) اللّذين لهما إطلاقات على ما يستفاد من أحاديثهم عليهم السلام . وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن العرش والكرسي ما هما؟ فقال : «العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسيّ وعاؤه ، وفي وجه آخر العرش هو العلم الذي أطلع اللّه أنبياءه ورسله وحججه عليهم السلام عليه ، والكرسي هو العلم الذي لم يطّلع عليه أحد من أنبيائه ورسله عليهم السلام . (1) ولعلّ «الوعاء» نور مخلوق محيط ، أو عبارة عن البُعد المجرّد المخلوق لتمكّن العالم فيه . وقوله عليه السلام : «العرش في وجه هو جملة الخلق» ناظر إلى قوله عزّ وجلّ في سورة طه «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى» يعني استولى على جميع خلقه بالعلم والقدرة والسلطان . «والكرسيّ وعاؤه» إلى قوله تعالى : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» وهو نور مخلوق لا يخرج عنه شيء خلق اللّه في ملكوته الذي أراه أصفياءه . وقال بعض المعاصرين : كأنّ «جملة الخلق» في هذا الحديث عبارة عن مجموع العالم الجسماني ، و«وعاؤه» عن عالمي الملكوت والجبروت ؛ لاستقراره عليهما وقيامه بهما ، وقد ثبت أنّ العلم والمعلوم متّحدان بالذات متغايران بالاعتبار . (2) انتهى . قال برهان الفضلاء : يفهم من أحاديث هذا الباب أنّ العرش قد يكون عبارة عن علامة علمه وقدرته وسلطانه ، كما أنّ عرش الملوك علامة سلطنتهم ، فهو بهذا المعنى عبارة عن جميع الممكنات الموجودة ، وهي منحصرة حصرا عقليّا في أربعة أقسام : فعل اللّه تعالى ، وفعل الخلق متّصفا بالحسن ، وفعل الخلق متّصفا بالقبح ، وفعل الخلق بلا اتّصاف بحسن أو قبح كفعل الأطفال والحيوانات . وقد يستعمل لفظ العرش في العلم بأنّ العرش منقسم إلى هذه الأقسام وأنّ جميعها بإذن اللّه وأمره وقوله : «كُن» ، ونفوذ إرادته من دون جبر على فاعله . وقد يستعمل في محكمات القرآن ، أو في العلم التفصيلي بالقرآن، محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وغير ذلك من وجوهه ، وهو خاصّ بالحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . وأنّ الكرسيّ عبارة أيضا عن علمه وقدرته تعالى ، والعرش عن علم اللّه الذي اطّلع عليه أنبياءه ورسله وحججه عليهم السلام خاصّة . (اللّه حامل العرش) أي الحافظ الذي يحفظ المحفوظ عن الزوال والسقوط لقوله عليه السلام في جواب الجاثليق . و«جاثليق» : اسم رئيس النصارى في بلد الإسلام . (وذلك قوله : «إِنَّ اللّه َ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ» ) الآية في سورة الفاطر . (3) ( «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ» ، في سورة الحاقّة . 4 و(ثمانية) يحتمل الأصناف والأشخاص ؛ لما سيذكر في السادس والسابع ؛ ولأنّ سيّد القوم بمنزلة جميعهم . والمضبوط (ونور أبيض، منه البياض) وقيل : الظاهر «ابيضّ منه البياض» . قال برهان الفضلاء : «من» في «من أنوار» للسببيّة ، يعني أنّ العرش _ بمعنى جميع المخلوقات _ خلقه اللّه بنور أحمر وهو قوله: «كُن» في أفعاله تعالى ، وبنور أخضر وهو قوله : «كُن» في أفعال العباد الحسنة ، وبنور أصفر وهو قوله «كُن» في أفعالهم القبيحة ولا جبر ، وبنور أبيض وهو قوله : «كُن» في أفعال المخلوقات غير متّصفة بشيء من الحسن والقبح . وكلّ من «الحمرة» ونظائرها مصدر بمعنى اسم الفاعل ، فالوصف باعتبار المتعلّق . و«الحمرة» عبارة عن فعله تعالى ؛ لعدم استطاعة أحد على دفعه ، و«احمرارها» عبارة عن اشتدادها باعتبار تعلّق المشيئة عليها حتما وبسائرها عزما . واستعمال «الحمرة» في الشدّة كثير . يقال : احمرّ الحرب ، وموتٌ أحمر ، وسنةٌ حمرة ؛ أي شديدة بالجدب ونحوه . و«الخضرة» عبارة عن الأفعال الحسنة للخلق ، و«اخضرارها» عبارة عن استحقاق المدح عليها . و«الصفرة» عبارة عن أفعالهم السيّئة، و«اصفرارها» عن استحقاق الذمّ عليها . و«البياض» عبارة عن أفعال المخلوقات غير متّصفة بالحسن والقبح . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله بناءً على دأبه من توجيه الحديث باُصول الفلسفة التي لا يلزم من القول بها خلاف المذهب عنده : لمّا كان العرش يطلق على الجسم المحيط وعلى النفس العقلانيّة المتعلّقة (4) وعليهما ، كما أنّ الإنسان يطلق على هذا البدن المحسوس وعلى النفس المتعلّقة به وعليهما . وذلك الجوهر العقلاني عاقل بذاته . وعقل يعقل معقولاته في نفسه وما ارتبط به من النفوس الكاملة ارتباطا يعلم به ما فيه ويعقلها فيه ويتحمّلها منه ، فهو الحامل الحافظ لذلك العقل والعلم المتجلّي فيه ، ففسّر العرش في قوله تعالى : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» بالعلم، وقال : «إنّ العرش خلقه اللّه من أنوار أربعة»، وتلك الأنوار جواهر عقلانيّة متناسبة، لحقتها مناسبة لخفّتها جهة وحدة ، أو جواهر (5) عقلاني ذو جهات أربع باعتبارها يعدّ أربعة أنوار، وهذه القسمة لحب مراتب المعقولات العقلانيّة والنازلة منها إلى الظهور العيني . ولعلّ الحمرة كناية عمّا يناسبها من آثار الملك وغلبة السلطانيّة والقهر و لواحقها . الخضرة كناية عمّا يناسبها من النموّ والنضارة وحركة الأشياء من مبادئ نشوئها نحو كمالاتها . والصفرة كناية عن الوصول إلى قرب استكمالها وانتهاء فعل تلك القوى المحرّكة . والبياض عبارة عن الظهور التامّ والانكشاف الكامل الغير المختلفة (6) بحجاب لما كان أو هو كائن أو يكون ، وللأديان والملل والحقائق الحِكميّة . (7) انتهى . أقول : لا خلاف لأصحابنا أنّ «العرش» هو مخلوق من مخلوقاته تعالى محيط بما تحته ، وكذا «الكرسي» بمعنى وعاء العرش بمعنى جميع العالم ، وأمّا «الكرسي» بمعنى العلم الذي لم يطلع اللّه عليه أحدا، فمخلوقيّته باعتبار معلومه ممّا لا عالم به من العالم سواه تعالى . ولا قائل بعدم مخلوقيّة العرش والكرسيّ بأيّ معنى كانا . وحدوث العرش بمعنى جميع المخلوقات من حيث الجميع ظاهر ، وأمّا حدوثه بمعنى العلم الذي أطلع اللّه عليه حججه عليهم السلام فباعتبار المعلوم أو التعلّم والتعليم . و«الأنوار الأربعة»: أركان أربعة ، فالركن الذي هو نور أحمر ، نور التقديس والتنزيه ؛ ولمناسبة شدّة التقديس وغاية خلوص التنزيه كُتب عليه : سبحان اللّه . والركن الذي هو نور أخضر ، نور الأنعام والأفضال ؛ ولمناسبة نضرة الشكر وسرور الرضا كُتب عليه : والحمد للّه . والركن الذي هو نور أصفر ، نور التوحيد ونفي الأنداد ؛ ولمناسبة اضمحلال الأنداد واصفرارها بالإشراف على الزوال والقرب من الغروب والغروب، كُتب عليه : ولا إله إلّا اللّه . والركن الذي هو نور أبيض ، نور علوّ الشأن وتعاليه عن أن يوصف بالنعوت المتوهّمة ؛ ولمناسبة خلق الذات من خلقه وقراحيّته من الاتّصاف بصفات الخلق كُتب عليه : واللّه أكبر ، وهو العلم الذي حمّله اللّه الحَمَلَة . قال برهان الفضلاء : «وهو» راجع إلى مضمون قوله : «إنّ العرش خلقه اللّه من أنوار أربعة» . وقيل : الضمير للعرش . وقيل : للنور الأبيض . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الضمير للعرش ، أو للنور الأبيض . (8) (وذلك نور من عظمته) إشارة إلى نور القرآن ونور علم الإمام ، وهو المرجع لضمير (فبعظمته ونوره)، فإنّ فوز الهداية لا تكون إلّا أثرا لتلك العظمة ، وذلك النور يهدي لنوره من يشاء . (وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) يعني فبسبب عظمة الإمام ونور القرآن والاه العارفون بهما للهداية ، وكذا بسببهما عاداه الجاهلون بهما للضلالة والغواية . وقال بعض المعاصرين : (9) «وعاداه الجاهلون» ؛ لأنّهم افتقدوه لشدّة قربه ، قال اللّه تعالى : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ» (10) . ومن أشعار هذا المعاصر بالفارسيّة : سالك ومسلوك ومسلوكٌ إليهجمله ما بوديم ما كرديم كم (والأديان المتشتّتة) أي المتفرّقة . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «المشتبهة» . ألا يرى أنّ بشموله كرمه العظيم وصبره الجميل بعد إكمال التبليغ بحسب أبغض خلقه إليه كالقدري أنّه قطب لمدار هذا النظام ، وقد ذكروا في كتبهم أنّ القطب في زمان كلّ إمام فلان الصوفي وفي زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام حلّاجهم . وفي توقيعات الصاحب عليه السلام _ كما ذكر مولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة ، والشيخ المفيد في حدائقه : «أنّ حلّاجهم كذّاب ملعون عدوّ اللّه وعدوّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم» . (11) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «وذلك من نور عظمته» يعني مجموع الأنوار الأربعة . و«من» سببيّة . و «اُبصر» على ما لم يسمّ فاعله . و«الأعمال المختلفة» ناظر إلى من في السماء ؛ إذ بعضهم ساجد أبدا أو راكع أبدا . و«الأديان المشتبهة» ناظرا إلى من في الأرض من الجنّ والإنس . وقال بعض المعاصرين في وجه الأوّل : لأنّ بنور العقل يكون إبصار القلوب . وفي وجه الثاني : لأنّ الجهل منشأؤه الظلمة التي هي ضدّ النور . والمعاداة إنّما تكون بين الضدّين . وفي وجه الثالث : لأنّ كلّ شيء يرجع إلى أصله وغايته اللّذين منهما نشأ ويطلبهما ويتوسّل بهما . (12) أقول : غفل عن قوله عليه السلام : «ابتغى من في السماء والأرض من جميع خلائقه ، إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المتشتّتة» والإيمان أصله النور ، والكفر أصله الظلمة ، وكلاهما من مخلوقات اللّه سبحانه . (فكلّ محمول) مبتدأ وخبر ، أي فكلّ واحد ممّا ذكر . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فكلّ محمول» أي لا يصحّ عليه سبحانه المحموليّة ، وكلّ محمول يحمله اللّه ويحفظه «بنوره» أي بعلمه «وعظمته» أي بإحاطته بالكلّ «وقدرته» أي بالغلبة على الكلّ بالإيجاد والخالقيّة . وذلّ الكلّ له بالإمكان والمخلوقيّة . (13) لا يأبى بيانه من احتمال الإضافة ، فالخبر «يحمله اللّه » . (لا يستطيع) أي لا يقدر مستقلّاً وهو أحد معنيي الاستطاعة . قال الفاضل الإسترابادي : «لايستطيع لنفسه ضرّا ولا نفعا» دلالة على أنّ العبد لا يتمكّن تمكّنا تامّا من الفعل إلّا في آنِ إحداثه . (14) والسرّ في ذلك ما تواترت به الأخبار من أنّ من جملة مقدّمات الفعل إذنه تعالى وهو نقيض الحيلولة ، والإذن إنّما يحصل في آنِ الإحداث لا قبله . (15) (الممسك لهما) أي الحافظ للسماوات والأرض من شيء . قيل : يعني بجميع ما فيهما . وقال برهان الفضلاء : يعني من زوال وتصرّف فيهما . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني لا يخرج من إحاطته شيء . (16) (وهو حياة كلّ شيء) . قال برهان الفضلاء : أي نور الكتاب المنوط بنور الإمام . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وهو حياة كلّ شيء» ومحييه الذي به حياته «ونور كلّ شيء» . (17) وقيل : من شيء خبر للمبتدأ الموصوف ، يعني فكلّ شيء محمول . فالجملة بينهما حاليّة ومنوّره . (سبحانه وتعالى عمّا يقولون) من كون شيء حاملاً وممسكا له . (أين هو؟) . قال برهان الفضلاء : هذا السؤال بجوابه معترضة بين أجزاء الجواب عن السؤال الأوّل ؛ يعني قال : فإذا لم يكن محمولاً فأين هو؟ فالكرسي تتميم للجواب الأوّل . وآية «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوى ثَلثَةٍ» في سورة المجادلة . (18) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «أين هو» سؤال عن مكان يحضره تعالى . «وهو هاهنا وهاهنا» بيان لحضوره سبحانه حضورا علميّا كلّ شيء وكلّ مكان ، وحضور كلّ شيء له بإحاطته العلميّة واستواء نسبته إلى الفوق والتحت ، وإحاطته بالكلّ من حيث العلم غير مختلف ، (19) فعلمه بالأواخر كعلمه بالأوائل لا يعزب عنه مثقال ذرّة . وقوله : «فالكرسي محيط بالسماوات والأرض» إن كان المراد بالسماوات الأفلاك كلّها فإحاطة الكرسيّ إما باعتبار الإحاطة العلميّة ، أو باعتبار إطلاق الكرسيّ على المحيط بالكلّ ، فهو من حيث العلم عرش ، ومن حيث الوسعة الجسمانيّة كرسيّ . وإن كان المراد بالسماوات الأفلاك السبعة فالكرسيّ تحت المحيط ، ومحيط بالسموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى كما قاله عليه السلام . ويحتمل أن يكون هذا القول منه عليه السلام إشارة إلى أنّ الكرسيّ أيضا عبارة عن علمه ، كما قيل في تفسير قوله تعالى : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» (20) . (21) وذكر آية «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ» من سورة طه (22) هنا توضيح لبيان إحاطة العلم . (علمه) أي العلم الذي اطلّع اللّه عليه حججه . قال برهان الفضلاء : أي علم العرش إضافة المصدر إلى المفعول ، أو علمه الذي أوحى إلى المعصومين والمآل واحد . (هذه الأربعة) أي الأنوار الأربعة على ما فسّرت ، و«هذا» إشارة إلى أنّ الحصر عقليّ دائر بين النفي والإثبات ؛ فإنّ ما يتعلّق به قوله عزّ وجلّ : «كن» فعل اللّه ، أولا ، والثاني مع استحقاق المدح أو الذمّ ، أو لا معهما . وآية : «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» في سورة الأنعام . (23)

.


1- . معاني الأخبار ، ص 29 ، باب معنى العرش والكرسي ، ح 1 ؛ وعنه في البحار ، ج 55 ، ص 28 ، ح 47 .
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 497 .
3- . فاطر (35) : 41 .
4- . في المصدر : + «به» .
5- . في المصدر : «جوهر» .
6- . في «الف» : «المختلفة» ؛ وفي المصدر : «المختلط» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 425 _ 426 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 426 .
9- . يريد ببعض المعاصرين الفيض في الوافي، ولم أجده في الوافي .
10- . الواقعة (56) : 85 .
11- . لم نعثر على الحدائق، وذكر في حديقة الشيعة، ص 561 خروج توقيع في لعنه.
12- . الوافي ، ص 497 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 .
14- . في المصدر : «أن أحدثه» .
15- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123 .
16- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 .
17- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 .
18- . المجادلة (58) : 7 .
19- . في المصدر : «مختلفة» .
20- . مجمع البيان ، ج 2 ، ص 928 ، ذيل الآية 255 من البقرة (2) .
21- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 427 _ 428 .
22- . طه (20) : 7 .
23- . الأنعام (6) : 75 .

ص: 298

. .

ص: 299

. .

ص: 300

. .

ص: 301

. .

ص: 302

. .

ص: 303

. .

ص: 304

. .

ص: 305

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، قَالَ : سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ ، فَأَذِنَ لِي ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَ فَتُقِرُّ أَنَّ اللّه َ مَحْمُولٌ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«كُلُّ مَحْمُولٍ مَفْعُولٌ بِهِ ، مُضَافٌ إِلى غَيْرِهِ ، مُحْتَاجٌ ، وَالْمَحْمُولُ اسْمُ نَقْصٍ فِي اللَّفْظِ ، وَالْحَامِلُ فَاعِلٌ وَهُوَ فِي اللَّفْظِ مِدْحَةٌ ، وَكَذلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ : فَوْقَ ، وَتَحْتَ ، وَأَعْلى ، وَأَسْفَلَ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ تَعَالى : «وَلِلّهِ الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» وَلَمْ يَقُلْ فِي كُتُبِهِ : إِنَّهُ الْمَحْمُولُ ، بَلْ قَالَ : إِنَّهُ الْحَامِلُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَالْمُمْسِكُ للسَّمَاوَاتِ (2) وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ، وَالْمَحْمُولُ مَا سِوَى اللّه ِ ، وَلَمْ يُسْمَعْ أَحَدٌ آمَنَ بِاللّه ِ وَعَظَمَتِهِ قَطُّ قَالَ فِي دُعَائِهِ : يَا مَحْمُولُ» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَإِنَّهُ قَالَ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَ_ل_ءِذٍ ثَمَ_نِيَةٌ» وقَالَ : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ» ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «الْعَرْشُ لَيْسَ هُوَ اللّه َ ، وَالْعَرْشُ اسْمُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ وَعَرْشٍ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ ، ثُمَّ أَضَافَ الْحَمْلَ إِلى غَيْرِهِ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِحَمْلِ عَرْشِهِ وَهُمْ حَمَلَةُ عِلْمِهِ ، وَخَلْقا يُسَبِّحُونَ حَوْلَ عَرْشِهِ وَهُمْ يَعْمَلُونَ بِعِلْمِهِ ، وَمَلَائِكَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَ عِبَادِهِ ، وَاسْتَعْبَدَ أَهْلَ الْأَرْضِ بِالطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِهِ ، وَاللّه ُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كَمَا قَالَ . وَالْعَرْشُ وَمَنْ يَحْمِلُهُ وَمَنْ حَوْلَ الْعَرْشِ ، وَاللّه ُ الْحَامِلُ لَهُمُ ، الْحَافِظُ لَهُمُ ، الْمُمْسِكُ ، الْقَائِمُ عَلى كُلِّ نَفْسٍ ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يُقَالُ : مَحْمُولٌ ، وَلَا أَسْفَلُ _ قَوْلاً مُفْرَدا لَا يُوصَلُ بِشَيْءٍ _ فَيَفْسُدُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنى» . قَالَ أَبُو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ : أَنَّ اللّه َ إِذَا غَضِبَ إِنَّمَا يُعْرَفُ غَضَبُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يَجِدُونَ ثِقْلَهُمْ (3) عَلى كَوَاهِلِهِمْ ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدا ، فَإِذَا ذَهَبَ الْغَضَبُ ، خَفَّ وَرَجَعُوا إِلى مَوَاقِفِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «أَخْبِرْنِي عَنِ اللّه ِ تَعَالى مُنْذُ لَعَنَ إِبْلِيسَ ، إِلى يَوْمِكَ هذَا هُوَ غَضْبَانُ عَلَيْهِ ، فَمَتى رَضِيَ؟ وَهُوَ فِي صِفَتِكَ لَمْ يَزَلْ غَضْبَانا (4) عَلَيْهِ وَعَلى أَوْلِيَائِهِ وَعَلى أَتْبَاعِهِ ، كَيْفَ تَجْتَرِئُ أَنْ تَصِفَ رَبَّكَ بِالتَّغَيُّرِ مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ ، وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَى الْمَخْلُوقِينَ؟! سُبْحَانَهُ ، لَمْ يَزُلْ مَعَ الزَّائِلِينَ ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ الْمُتَغَيِّرِينَ ، وَلَمْ يَتَبَدَّلْ مَعَ الْمُتَبَدِّلِينَ ، وَمَنْ دُونَهُ فِي يَدِهِ وَتَدْبِيرِهِ ، وَكُلُّهُمْ إِلَيْهِ مُحْتَاجٌ ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّنْ سِوَاهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن عبد الجبّار» .
2- . في الكافي المطبوع : «السماوات» .
3- . في الكافي المطبوع : «ثِقَلَهُ» .
4- . في الكافي المطبوع : «غضبانَ» .

ص: 306

هديّة :(كلّ محمول مفعول به) أي فُعل به وتصرّف فيه بفعل غيره ، فمخلوق منسوب إلى فعل غيره وهو خالقه، وكلّ مخلوق ناقص (محتاج) إلى خالقه . (والمحمول اسم نقص) أي مع أنّ المحمول ، أو والحال أنّ المحمول علامة النقص . ووصف المخلوق وكلّ لفظ ليس من الألفاظ الكماليّة لا يجوز إطلاقه عليه سبحانه بوجه ، والألفاظ الكماليّة يطلق عليه لكن بإذن الشرع صريحا بالاتّفاق ، أو فحوى على الخلاف ، كواجب الوجود وأعلى الموجودات توصيفا لا تسمية ، والمشهور الجواز . (والحامل) فاعل ، وفسّر بالحافظ . (مدحة) بالكسر ، أو بالتحريك . في القاموس : مدحه كمنعه مدحا بالفتح ومدحة بالكسر : أحسن الثناء عليه ، كمدّحه وامتدحه وتمدّحه ، والمديح والمدحة بالتحريك والأمدوحة : ما يمدح به . الجمع : مدائح وأماديح . (1) (وكذلك قول القائل فوق وتحت) يعني فوق وأعلى مدحة واسم كمال ، وتحت وأسفل ذمّ واسم نقص . (وقد قال اللّه : «وَللّه ِِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» ) في سورة طه وسورة الحشر . (2) (بل قال إنّه الحامل) قال اللّه تعالى في سورة بني إسرائيل : «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» . (3) (والممسك للسماوات والأرض أن تزولا) كما في سورة الفاطر . (4) (فإنّه قال : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» ) في سورة الحاقّة (5) (وقال : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ» ) الآية في سورة المؤمن . (6) (والعرش اسم عِلْمٍ) ، أي الذي اطلّع اللّه عليه حججه . (وقدرة) أي واسم قدرة ، بمعنى علامة القدرة ، وهو جميع المخلوقات . (وعرش) أي واسم عرش (فيه كلّ شيء) يعني الكرسيّ ، بمعنى وعاء جملة الخلق . وقرأ برهان الفضلاء : «وعَرَش» كنصر وضرب ونصب «كلّ شيء» أي وبنى في ذلك الاسم _ بمعنى العلامة _ كلّ شيء . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كلّ شيء» أي العرش اسم مشترك يطلق على علمه سبحانه علم تفصيلي في موجود عينيّ ، وعلى قدرته تعالى في مظهرها . ويطلق على ما فيه كلّ شيء علما أو عيانا ، كالروحاني من المحيط أو الجسماني منه . (7) (ثمّ أضاف الحمل إلى غيره) أي مجازا (خلقٍ من خلقه) بالجرّ على البدل ؛ ليفيد التنوين التعظيم . (لأنّه استعبد خلقه) أي بعضا من خلقه ، فالذكر بصورة الإطلاق للاهتمام والامتياز . وقرأ برهان الفضلاء : «لأنّه استعبد خِلقة» بكسر المعجمة وسكون اللام والتاء للوحدة النوعيّة ، أي نوعا من المخلوق . (وهم يعملون بعلمه) بتقديم الميم في الفعل ، كما ضبط برهان الفضلاء والسيّد الأجلّ النائيني . (8) والأكثر ، أي بالعلم الذي أوحى اللّه إليهم . وفي بعض النسخ : «يعلمون» بتقديم اللام . (واللّه على العرش استوى كما قال : والعرش ومن يحمله) إلى قوله : (وعلى كلّ شيء) يحتمل وجوها : فعليّة «على» وحرفيّتها في الموضعين ، وجرّ «العرش» وما عطف عليه بعد «قال» على البدل ونصبهما . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولمّا كان اللّه سبحانه هو الحامل والحافظ بالحقيقة لكلّ شيء قال : ثمّ أضاف الحمل إلى خلقه ؛ لأنّه استعبد خلقه بحمل عرشه وهم حَمَلة علمه ، واستعبد خلقا بتسبيحه وهم يعملون بعلمه ، واستعبد ملائكة بكتابة أعمال عباده فهم الكاتبون لها ، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته . «واللّه على العرش» أي فوقه ، وهو الممسك القائم على كلّ شيء وفوق كلّ شيء وعلى كلّ شيء، و«استوى» نسبته من الفوق والتحت «كما قال» _ ثمّ قال السيّد _ : في بعض النسخ : «والعرش ومن عليه» وفي بعض آخر : «والعرش ومن يحمله» بزيادة الواو فيهما . وعلى النسخ أي هم محمولون ؛ بقرينة قوله : «واللّه الحامل لهم» . (9) وقال برهان الفضلاء : «كما قال» خبر عن جملة الآية، «العرش» تفسيرٌ . ومن فوائد المقام على ما أفاد برهان الفضلاء أنّ المنسوبين إلى العرش _ يعني (10) علم كتابه سبحانه _ ثلاثة أقسام : الأوّل : حَمَلة العرش ليعرضوا يوم القيامة أعمال العباد حسناتها وسيّئاتها على كتاب اللّه عزّ وجلّ ، وهم ثمانية أصناف : آدم وأوصياؤه عليهم السلام ، نوح وأوصياؤه عليهم السلام ، إبراهيم وأوصياؤه عليهم السلام ، موسى وأوصياؤه عليهم السلام ، عيسى وأوصياؤه عليهم السلام ، محمّد وأوصياؤه عليهم السلام ، رضوان وسائر خزنة الجنّة ، مالك وسائر خزنة النار . القسم الثاني : من حول العرش وهم صنفان : الأوّل : المؤمنون الذين أدركوا خدمة الحجّة نبيّا أو وصيّا من أصناف الثمانية المذكورة على حقيقة الإيمان ، كثلاثين نفرا من الشيعة يكونون بإذن اللّه سبحانه فيما بين المسجدين في خدمة الصاحب عليه السلام في غيبته الكبرى يُقال لهم : النَطَسة جمع ناطس بالنون والمهملتين بمعنى الجاسوس ، إذا مات واحدٌ منهم أو أكثر يبدّل اللّه _ عزّ وجلّ _ مكانه من خلّص الشيعة ، وبهذا يُقال لهم : الأبدال أيضا . والثاني : الكتبة من الملائك ، فمن اليمين رضوان وتبعته من خَزَنة الجنّة ، ومن الشمال مالك وتبعته من الزبانية خزنة النار ، وكلّ من الخزنة والزبانية يسلّم كتب الأعمال إلى متبوعه . القسم الثالث : المؤمنون الذين لم يدركوا خدمة المعصوم وحملة العرش ومن حوله يستغفرون لهم ، قال اللّه تبارك وتعالى في سورة المؤمن : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (11) الآية . (قولاً مفردا) قيل : متعلّق ب «أسفل» خاصّة ، يعني لا يقال : هو أسفل إلّا أن يوصل بشيء فيُقال : هو أعلى وأسفل . قال برهان الفضلاء : يعني ولا يقال في حقّه تعالى : هو محمول بدون قرينة دالّة على أنّ هذا القول مجاز لا حقيقة . وكذا : هو أسفل، «فيفسد اللفظ» لسوء الأدب ، وكذا المراد ؛ لأنّ الإطلاق حقيقة دون قصد التجوّز باطل ، فإشارة إلى أنّ الإطلاق مع القرينة يفسد اللفظ ظاهرا دون المراد . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قولا» أي بلا ضميمة تدلّ على المراد أو على إثباته لغيره سبحانه ، كقولك : اللّه محمول عرشه أو علمه أو دينه ، فإذا اُفرد ولم يضمّ بضميمة يفسد اللفظ والمعنى ، أمّا فساد اللفظ ؛ فلأنّه لفظ نقصٍ . وأمّا فساد المعنى ؛ فلاستحالة إمساك شيء له . (12) (فتكذّب بالرواية) كضرب ، أي فتنكر ، أو على الإفعال أو التفعيل . قال اللّه تعالى : «وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابا» . (13) (فمتى رضي) يعني إذا كان حال غضبه غير حال رضاه ، فبغضبه على إبليس دائما يلزم أن لا يكون له تعالى حال رضى منذ لعن إبليس ، وقد مرّ في باب صفات الفعل أنّ مثل الرضا والغضب من صفات الفعل . ولا يخفى لطف قوله عليه السلام (وهو في صفتك لم يزل غضبانا عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه) . (سبحانه لم يزل مع الزائلين) بضمّ الزاي من باب صان . (في يده) : في تحت قدرته ونفوذ إرادته . وليس في الجواب دلالة على بطلان الرواية ، بل فيه إشارة إلى محملها الصحيح من أنّ المراد بالغضب إنزال العذاب ، وبوجدان الحملة ثقل العرش اطّلاعهم على ذلك بالوحي إليهم وخوفهم من غضب اللّه وتعوّذهم إليه منه سجّدا خُضّا خُشّعا ، أو شدّة سرورهم وبهجتهم وشكرهم ممّا أنعم اللّه به عليهم من العصمة المانعة عمّا يوجب العذاب ، وبذهاب الغضب وحصول الخفّة اطّلاعهم على إنزال الرحمة كذلك .

.


1- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 248 (مدح) .
2- . الآية في سورة الأعراف (7) : 180 ؛ وفي سورة طه (20) : 8 : «اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» ؛ وفي سورة الحشر (59): 24: «هُوَ اللَّهُ الْخَ__لِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» .
3- . الإسراء (17) : 70 .
4- . فاطر (35) : 41 .
5- . الحاقّة (69) : 17 .
6- . غافر (40) : 7 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 429 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 430 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 429 _ 430 . وما نقله من السيّد رحمه الله بقوله : «ثمّ قال السيّد _ إلى «واللّه الحامل لهم» ليس في المصدر .
10- . في «الف» : «بمعني» .
11- . غافر (40) : 7 .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 430 .
13- . النبأ (78) : 28 .

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

. .

ص: 310

. .

ص: 311

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ رِبْعِيٍّ (1) عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» فَقَالَ :«يَا فُضَيْلُ ، كُلُّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ ، السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ» .

هديّة :(وكلّ شيء) أي غير السماوات والأرض من المخلوقات . قيل: قد مرّ أنّ الكرسي قد يراد به العلم الذي لم يطّلع عليه أحد سوى اللّه تعالى ، وقد يراد به وعاء العرش ، وقد يراد به العلم . وقد روى الصدوق رحمه الله في توحيده بإسناده عن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» (2) قال : «علمه» . (3) وفي الحديث : «ما السماوات والأرضون السبع مع الكرسيّ إلّا كحلقة مُلقاة في فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة» . (4) فبتعدّد الإطلاق يندفع المنافاة بين كون العرش في الكرسيّ كما في التالي ، وبين كون الكرسي في العرش كما في أحاديث اُخر ، فالعرش بمعنى جملة الخلق، وسعة الكرسي بمعنى العلم ، وبمعنى العلم وسع الكرسي بمعنى جملة الخلق . وقال برهان الفضلاء : «الكرسي» : علم اللّه ، وقدرته السماوات والأرض «وكلّ شيء في الكرسي» يعني كلّها خُلق بالعلم والقدرة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «وكلّ شيء في الكرسي» هذا إن حُمل على حقيقة العموم في الممكنات دلّ على كون العرش في الكرسي . وإن حُمل على العموم في كلّ ما هو من جنسه ويجري فيه الكون الذي للكائنات (5) دلَّ على كون العرش فيه إن حُمل على الجسم ، وإن حمل على العلم ، أو الجوهر العقلاني فلا . وإن لم يحمل على حقيقة العموم في الممكنات أو ما يجري فيه الإحاطة بالمحيطيّة أو المحاطيّة المكانيّة، فيجوز أن يكون الكرسي محيطا بالسماوات السبع والأرض وما فيهنّ وما بينهنّ وكلّ شيء من السماوي والأرضي وكون العرش _ إذا حمل على الجوهر الجسماني المحيط _ محيطا بها وبالكرسي . (6) والقول بأنّ أحدهما عبارة عن العلم الإجمالي والآخر عن العلم التفصيلي ، فكون كلّ واحدٍ منهما في الآخر ليس بمستبعد، مستبعدٌ جدّا ؛ لعدم النصّ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبد اللّه » .
2- . البقرة (2) : 255 .
3- . التوحيد ، ص 327 ، باب 52 ، ح 1 .
4- . تفسير العيّاشي، ج 1، ص 137، ح 455؛ معاني الأخبار، ص 333، باب معنى تحيّة المسجد و... ، ح 1؛ البحار، ج 55، ص 17، ح 10.
5- . في المصدر : «للمكانيّات» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 432 .

ص: 312

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (2) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ _ تبارك وتعالى _ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» : السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَسِعْنَ الْكُرْسِيَّ ، أَمِ الْكُرْسِيُّ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَقَالَ :«بَلِ الْكُرْسِيُّ وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْعَرْشَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ وَسِعَ الْكُرْسِيُّ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع: «زرارة بن أعين».

ص: 313

هديّة :(والعرش) بالنصب عطف على المفعول ف(كلّ) نصب على المفعول المقدّم . والبيان كسابقه . قال برهان الفضلاء : «العرش» هنا عبارة عن كتاب اللّه ، وكونه في الكرسيّ عبارة عن نزوله بالعلم والقدرة . ووجه السؤال إمّا الشكّ في الإعراب ، أو احتماله القلب في الآية كما في قوله : «الشكر مربوط بالمزيد» . 1 وقال الفاضل الإسترابادي : سمعت من اُستادي رئيس المحدّثين مولانا ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه اللهيقول : والعرش يعني والعلم الذي في أيدي الثمانية . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني : يحتمل أن يكون قوله «والعرش» عطفا على «الكرسيّ» يعني والعرش أيضا وسع السماوات والأرض . ويحتمل أن يكون عطفا على السماوات والأرض ، أي الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش كلّها وكلّ شيء ، ويكون قوله : «وسع الكرسيّ» تأكيدا لما سبقه . (2)

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (3) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ» : السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَسِعْنَ الْكُرْسِيَّ ، أَم الْكُرْسِيُّ (4) وَسِعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَقَالَ :«إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْكُرْسِيِّ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 432 .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن زرارة بن أعين» .
4- . في الكافي المطبوع : «أو الكرسيّ» .

ص: 314

هديّة :قد علم بيانه . والأخبار متلائمة .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«حَمَلَةُ الْعَرْشِ _ وَالْعَرْشُ : الْعِلْمُ _ ثَمَانِيَةٌ : أَرْبَعَةٌ مِنَّا ، وَأَرْبَعَةٌ مِمَّنْ شَاءَ اللّه ُ» .

هديّة :(والعرش : العلم) ابتدائيّة معترضة بين المبتدأ وخبره ؛ أي العلم الذي أطلع اللّه عليه حججه المعصومين من الأنبياء والرسل والأوصياء . في الحديث عن الكاظم عليه السلام قال : «إذا كان يوم القيامة كان حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، وأربعة من الآخرين : محمّد وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم» . (2) فلعلّ عليه السلام عبّر عن السبعة عشر بثمانية بعدّة الحسين والمعصومين من ولده عليهم السلام واحدا . وفي اعتقادات الصدوق رحمه الله : فأمّا العرش الذي هو جملة الخلق فَحَمَلته أربعة من الملائكة لكلّ واحدٍ منهم ثماني أعين ، كلّ عين طباق الدنيا ، واحد منهم على صورة بني آدم يسترزق اللّه لولد آدم ، والآخر على صورة الثور يسترزق اللّه للبهائم كلّها ، والآخر على صورة الأسد يسترزق اللّه للسباع ، والآخر على صورة الديك يسترزق اللّه للطير كلّها ، فهم اليوم هؤلاء الأربعة ، وإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية . وأمّا العرش الذي هو العلم فحملته أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ؛ فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، وأمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم ، هكذا روى بالأسانيد الصحيحة عن الأئمّة عليهم السلام في العرش وحملته . انتهى كلام الصدوق رحمه الله . 3 وقول بعض المعاصرين : ويشبه أن يكون الملائكة كناية عن أرباب الأنواع العقليّة ، وتكون أربعة في جانب البدو والنشأة الاُولى ، وتصير ثمانية في جانب العود والنشأة الاُخرى التي تصير إليها الأنواع بعد تحصيل كمالاتها . (3) فخروج عن الشرع إلى مسلك الفلسفي والقدري . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : في هذا الحديث إشارة إلى تفسير قوله تعالى : «وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ» (4) وحملهم العرش فوق الخلائق يوم القيامة عبارة عن رفعهم الأعمال للعرض على كتاب اللّه ، وظاهر بعض الأخبار _ كما في الصحيفة الكاملة (5) _ أنّ بعض حملة العرش من الملائكة ، وبعضها أنّ كلّ واحد من أئمّتنا عليهم السلام داخل في حملة العرش . (6) فالمراد بثمانية الأصناف لا الأشخاص . ويمكن أن يكون المراد بقوله : «منّا» أهل بيت إبراهيم عليه السلام فهذه الأربعة : إبراهيم وأوصياؤه ، وموسى وأوصياؤه، وعيسى وأوصياؤه ، ومحمّد وأوصياؤه عليهم السلام . وتلك الأربعة : آدم وأوصياؤه ، ونوح وأوصاؤه ، ورضوان بتوابعه ، ومالك بزبانيته . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «أربعة منّا» : نبيّنا وعليّ والحسن والحسين صلوات اللّه الرحمن عليهم . وفسّرت في بعض الأخبار أربعة منّا بأمير المؤمنين ، وسيّدة نساء العالمين ، والحسنين صلوات اللّه عليهم ؛ والأربعة الثانية بسلمان ، والمقداد ، وعمّار ياسر ، وأبي ذرّ الغفاري رضي اللّه عنهم . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 503 ؛ ورواه بتفاوت مرسلاً في البحار ، ح 55 ، ص 27 ، ح 43 .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 504 .
4- . الحاقّة (69): 17.
5- . الصحيفة الكاملة ، ص 33 ، الدعاء 3 .
6- . تقدّم قبيل هذا .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .

ص: 315

. .

ص: 316

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ» فَقَالَ :«مَا يَقُولُونَ؟» قُلْتُ : يَقُولُونَ : إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ ، وَالرَّبُّ فَوْقَهُ ، فَقَالَ : «كَذَبُوا ، مَنْ زَعَمَ هذَا ، فَقَدْ صَيَّرَ اللّه َ مَحْمُولاً ، وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ ، وَلَزِمَهُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوى مِنْهُ» . قُلْتُ : بَيِّنْ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَقَالَ : «إِنَّ اللّه َ حَمَّلَ دِينَهُ وَعِلْمَهُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ ، أَوْ جِنٌّ أَوْ إِنْسٌ ، أَوْ شَمْسٌ أَوْ قَمَرٌ ، فَلَمَّا أَرَادَ اللّه ُ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ ، نَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَنْ رَبُّكُمْ؟ فَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَالْأَئِمَّةُ عليهم السلام ، فَقَالُوا : أَنْتَ رَبُّنَا ، فَحَمَّلَهُمُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : هؤُلَاءِ حَمَلَةُ دِينِي وَعِلْمِي ، وَأُمَنَائِي فِي خَلْقِي ، وَهُمُ الْمَسْؤُولُونَ ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِي آدَمَ : أَقِرُّوا لِلّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَلِهؤُلَاءِ النَّفَرِ بِالْوَلَايَةِ وَالطَّاعَةِ ، فَقَالُوا : نَعَمْ ، رَبَّنَا أَقْرَرْنَا ، فَقَالَ اللّه ُ لِلْمَلَائِكَةِ : اشْهَدُوا ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : شَهِدْنَا عَلى أَنْ لَا يَقُولُوا غَدا : «إِنَّا كُنَّا عَنْ هَ_ذَا غَ_فِلِينَ» أَوْ يَقُولُوا : «إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَافَعَلَ الْمُبْطِ_لُونَ» يَا دَاوُدُ ، وَلَايَتُنَا مُؤَكَّدَةٌ عَلَيْهِمْ فِي الْمِيثَاقِ» .

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ: «وَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ» ) في سورة هود . (2) (ما يقولون؟) يعني المخالفين . (كذبوا) على المعلوم من باب ضرب ، أو التفعيل ، يعني قول الحجّة أو الكتاب والسنّة ؛ للفقرة التالية . وجوابه عليه السلام للبيان دلالة على أنّ المخلوق الأوّل في العالم الجسماني الماء ، كما أنّ المخلوق الأوّل في العالم الروحاني نور «أنا وعليّ من نور واحد» . (3) (فلمّا أراد أن يخلق الخلق) أي أبدانهم بعد خلق أرواحهم . (فحمّلهم العلم والدِّين) أي اللّذين حمّلهما أوّلاً الماء . (وهم المسؤولون) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل وسورة الأنبياء : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . (4) (ثمّ قال لبني آدم _ إلى قوله : «أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ» (5) ) إلى آية سورة الأعراف : «وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ» (6) الآية . (على أن يقولوا) ليس تتمّة كلام الملائكة بل متعلّق ب«نثرهم بين يديه» . قال برهان الفضلاء : «حمّل دينه وعلمه الماء» يعني خلق قبل خلق السماوات والأرض ماء ليصير مادّة لمن يكون قابلاً لتحميل الدِّين والعلم عليه . فالمراد من التحميل على الماء مشيئة التحميل ، ونثرهم عبارة عن أخذ الميثاق على كلّ واحدٍ بخصوصه بحيث لا يمكن لأحد ادّعاء الغفلة أو استلزام شرك الآباء شركه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه حمّل دينه وعلمه الماء» لعلّ المراد به أنّ العرش هو علمه سبحانه الفائض من الجوهر العقلاني إلى النفوس والأرواح الجسمانيّة ، وكان فيضان هذا العلم على الماء من الجسمانيّات قبل خلق الأرض والسماء والجنّ والإنس والشمس والقمر ، وذلك أنّ القابل لأن يفاض عليه من الأنوار العقلانيّة المستعدّ له إنّما هو الماء الذي منه حياة كلّ شيء ، وإنّما الحياة هي المصحّحة للعلم والقدرة كما في قوله تعالى : «مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَىٍّ» (7) ، وقبل خلق السماوات والأرض كان علمه سبحانه على الماء كما أنّ بعد خلق هذه الأشياء على المخلوق من الماء ؛ فإنّ الماء أقرب الأجسام إلى المبادئ العقلانيّة والأسباب الروحانيّة ، ومحلّ الحياة في الجسمانيّات المصحّحة للعلم والقدرة ، ولذا نِيطَ التطهير من الأدناس المانعة من قرب المبادئ باستعمال الماء والتطهير به مع زوال أعيانها . (8) انتهى . لو لم يقل هذا السيّد الأجلّ ، كما لم يقل بأكثر اُصول الفلاسفة كإيجاب الصانع وقِدَم العالم وغيرهما من عمدة اُصولهم باقتضاء الطبائع وقابليّة الموادّ ونحوهما من اُصولهم ، لكان خيرا لفهم المبتدئين وأنسب ؛ لقوله : باختيار الصانع ، وحدوث العالم ، وبطلان كلّ ما أبطله الشرع . وقال بعض المعاصرين : قد يُراد بالماء المادّة الجسمانيّة . وقد يُراد به العقل ؛ لقبوله الكمالات . (9) «نثرهم» أي نثر ماهيّاتهم وحقائقهم بين يدي علمه فاستنطق الحقائق بألسنة قابليّات جواهرها ، وألسن استعدادات ذواتها . 10 إلى آخر ما قال من هذا القبيل .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب» .
2- . هود (11) : 7 .
3- . معاني الأخبار ، ص 56 ، باب معاني أسماء محمّد و ... ، ح 4 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج 2 ، ص 58 ، ح 219 . وعنهما في البحار ، ج 35 ، ص 34 ، ح 33 .
4- . النحل (16) : 43 ؛ الأنبياء (21) : 7 .
5- . الأعراف (7) : 173 .
6- . الأعراف (7) : 172 .
7- . الأنبياء (21) : 30 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 433 _ 434 .
9- . في المصدر : «وقد يراد به ما خلق منه الأصفياء والجنّة باعتبار قبوله الكمالات من اللّه سبحانه» . بدل : «وقد يراد به العقل القبوله الكمالات» .

ص: 317

. .

ص: 318

. .

ص: 319

باب الروح

الباب الحادي والعشرون : بَابُ الرُّوحِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنِ الْأَحْوَلِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الرُّوحِ الَّتِي فِي آدَمَ ، و (2) قَوْلُهُ : «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» قَالَ :«هذِهِ رُوحٌ مَخْلُوقَةٌ ، وَالرُّوحُ الَّتِي فِي عِيسى مَخْلُوقَةٌ» .

هديّة :يعني في العنوان (الروح) الذي أضافه اللّه سبحانه في القرآن إليه تبارك وتعالى . و«الروح» يذكّر ويؤنّث ، وقوله : «فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» في سورة ص . (3) والإضافة للتكريم والتشريف . (هذه) أي الروح التي في هذه الآية ، والروح التي في عيسى . (مخلوقة) أي التي في آية سورة النساء . (4) قال برهان الفضلاء _ بناءً على قوله بوجود المجرّدات _ : «الرّوح» بالضمّ ما به الحياة وهو جسم هوائي ، وإطلاقه على جبرئيل والقرآن والرسول والقرآن والرسول والوصيّ على سبيل التشبيه ، وبهم الحياة الباقية . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : المراد من «الروح» الشيء الذي يكون مبدأ للتأثير ، سواء كان مجرّدا عن الكثافة الجسمانيّة أو لا ؛ ليشمل الأقسام الآتية كلّها . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله _ بناءً على قوله بتجرّد النفس الناطقة _ : هذا الباب في الروح الذي أضافها اللّه إلى ذاته سبحانه ، ومعنى إضافته إليه . و«الروح» بالضمّ ما به حياة الأنفس وهو منشأ الحركات الإراديّة والإدراكات . وقد يطلق على الموصوف به ، ومحلّه ومتعلّقه القريب الأوّلي . ولمّا كان ما هذا شأنه منتقلاً نحوا من الانتقال اشتقّ له اسم من الريح الذي اعتبر في معناه الانتقال . وإضافتها إليه سبحانه في قوله : «وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي» (6) باعتبار انتسابها إليه سبحانه بمخلوقيّتها وشرفها من بين سائر الأرواح المخلوقة ، وقربها منه سبحانه بكمال المعرفة والتقدّس . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع : - «و» .
3- . ص (38): 72؛ الحجر (15): 29.
4- . النساء (4) : 171 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
6- . الحجر (15) : 29 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 434 _ 435 .

ص: 320

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ حُمْرَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبدِ اللّه عليه السلام (2) عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَرُوحٌ مِّنْهُ» قَالَ :«هِيَ رُوحُ اللّه ِ مَخْلُوقَةٌ ، خَلَقَهَا اللّه ُ فِي آدَمَ وَعِيسى» .

هديّة :في سورة النساء : «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّه ِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ» (3) . قال برهان الفضلاء : المراد ب_«الكلمة» مصداق ما وجب دائما من وجوب وجود حجّة معصوم عاقل عن اللّه . وب«الرّوح» مصداق ما به حياة الناس إيمانا ، يعني الأحكام النازلة من السماء . وقال الفاضل الإسترابادي : «خلقها اللّه في آدم وعيسى» أي من غير جري العادة ، وخلقها في غيرهما بجري العادة . فهاهنا زيادة اختصاص به تعالى . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجّال» .
2- . في الكافي المطبوع : «أبا جعفر» .
3- . النساء (4) : 171 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .

ص: 321

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» : كَيْفَ هذَا النَّفْخُ؟ فَقَالَ :«إِنَّ الرُّوحَ مُتَحَرِّكٌ كَالرِّيحِ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ رُوحا لِأَنَّهُ اشْتَقَّ اسْمَهُ مِنَ الرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ عَنْ لَفْظَةِ الرِّيحِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ مُجَانِسَ (2) لِلرِّيحِ ، وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلى سَائِرِ الْأَرْوَاحِ ، كَمَا قَالَ لِبَيْتٍ مِنَ الْبُيُوتِ : بَيْتِي ، وَلِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ : خَلِيلِي ، وَأَشْبَاهِ ذلِكَ ، وَكُلُّ ذلِكَ مَخْلُوقٌ ، مَصْنُوعٌ ، مُحْدَثٌ ، مَرْبُوبٌ ، مُدَبَّرٌ» .

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة ص . (3) (كيف هذا النفخ؟) يعني هل هو كنفخ الهواء في جسم ، أو عبارة عن تعلّق مجرّد بمادّي كما قالت الفلاسفة به؟ والجواب صريح في أنّه كالأوّل . قال برهان الفضلاء : الروح التي عبّرت الفلاسفة عنها بالنفس الناطقة ليست مجرّدة كما قالت الفلاسفة ، بل جسم لطيف يتحرّك وينتقل كالهواء من مكان إلى مكان . قال الفاضل الإسترابادي : الحركة إنّما تصحّ في الروح بمعنى الجسم البخاري الذي يتكوّن من لطافة الأخلاط وبخاريّتها لا في الروح المجرّدة . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وإنّما أخرجه على لفظة الريح» لعلّ إخراجه على لفظة الريح عبارة عن التعبير عن إيجاده في البدن بالنفخ فيه ؛ لمناسبة الروح للريح ومجانسته إيّاه . وإنّما أضافه إلى نفسه سبحانه ؛ لأنّه اصطفاه بتقدّسه وتشرّفه على سائر الأرواح ، كما أضاف البيت إلى نفسه ، والخليل إلى نفسه سبحانه للتشرّف والتقدّس ، وكلّ ذلك مخلوق محدث مربوب . فلا يتوهّم أنّه سبحانه له روح به حياته الذاتيّة نفخ منه في آدم وعيسى عليهماالسلام . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن عروة» .
2- . في الكافي المطبوع: «مجانسة» .
3- . ص (38) : 72 ؛ الحجر (15) : 29 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 435 .

ص: 322

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزّازِ ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَمَّا يَرْوُونَ أَنَّ اللّه َ خَلَقَ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ ، فَقَالَ :«هِيَ صُورَةٌ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ ، اصْطَفَاهَا اللّه ُ وَاخْتَارَهَا عَلى سَائِرِ الصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَأَضَافَهَا إِلى نَفْسِهِ ، كَمَا أَضَافَ الْكَعْبَةَ إِلى نَفْسِهِ ، وَالرُّوحَ إِلى نَفْسِهِ ؛ فَقَالَ : «بَيْتِىَ» (3) وَ «نَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى» » .

هديّة :(عمّا يروون) عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . (فقال : «بيتي» ) في سورة البقرة . (4) (و «نفخت فيه من روحي» ) في سورة ص . (5) قال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : هذا جواب بحسب الظاهر للتقيّة ، فلا منافاة بينه وبين الجواب الذي نقل في كتاب التوحيد عن الرضا عليه السلام من أنّ أوّل الحديث حذف . (6) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «على صورته» أي على الصورة الشريفة التي اصطفاها من بين الصور المخلوقة يستحقّ أن يضاف إليه سبحانه ؛ فإنّ الصور كلّها مخلوقات له سبحانه ، وهو منزّه عن الصورة والمثال ، تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن بحر» .
2- . في الكافي المطبوع : «الخرّاز» بالراء المهملة .
3- . في الكافي المطبوع : «وبيتي» .
4- . البقرة (2) : 125 ؛ الحجّ (22) : 26 ؛ نوح (71) : 28 .
5- . ص (38) : 72 ؛ الحجر (15) : 29 .
6- . لم يوجد في الحاشية المطبوعة .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 435 .

ص: 323

. .

ص: 324

باب جوامع التوحيد

الباب الثاني والعشرون : بَابُ جَوَامِعِ التَّوْحِيدِوأحاديثه كما في الكافي سبعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، عَنْ مُحَمّدْ ومُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ (1) رَفَعَاهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام اسْتَنْهَضَ النَّاسَ فِي حَرْبِ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ، فَلَمَّا حَشَدَ النَّاسُ ، قَامَ خَطِيبا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلّهِ الْوَاحِدِ ، الْأَحَدِ ، الصَّمَدِ ، الْمُتَفَرِّدِ ، الَّذِي لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ ، قُدْرَةٌ بَانَ بِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَبَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ ، فَلَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ ، وَلَا حَدٌّ تُضْرَبُ لَهُ فِيهِ الأَمْثَالُ ، كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ اللُّغَاتِ ، وَضَلَّ هُنَاكَ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ ، وَحَارَ فِي مَلَكُوتِهِ عَمِيقَاتُ مَذَاهِبِ التَّفْكِيرِ ، وَانْقَطَعَ دُونَ الرُّسُوخِ فِي عِلْمِهِ جَوَامِعُ التَّفْسِيرِ ، وَحَالَ دُونَ غَيْبِهِ الْمَكْنُونِ حُجُبٌ مِنَ الْغُيُوبِ ، تَاهَتْ فِي أَدْنى أَدَانِيهَا طَامِحَاتُ الْعُقُولِ فِي لَطِيفَاتِ الْأُمُورِ . فَتَبَارَكَ اللّه ُ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَتَعَالَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْدُودٌ ، وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ ، وَلَا نَعْتٌ مَحْدُودٌ ، وسُبْحَانَ (2) الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ مُبْتَدَأٌ ، وَلَا غَايَةٌ مُنْتَهىً ، وَلَا آخِرٌ يَفْنى . سُبْحَانَهُ هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ ، وَالْوَاصِفُونَ لَا يَبْلُغُونَ نَعْتَهُ ، حَدَّ (3) الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عِنْدَ خَلْقِهِ ؛ إِبَانَةً لَهَا مِنْ شِبْهِهِ ، وَإِبَانَةً لَهُ مِنْ شِبْهِهَا ، فَلَمْ يَحْلُلْ فِيهَا ؛ فَيُقَالَ : هُوَ فِيهَا كَائِنٌ ، وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا ؛ فَيُقَالَ : هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ ، وَلَمْ يَخْلُ مِنْهَا ؛ فَيُقَالَ لَهُ : آئنَ ، (4) لكِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَاطَ بِهَا عِلْمُهُ ، وَأَتْقَنَهَا صُنْعُهُ ، وَأَحْصَاهَا حِفْظُهُ ، لَمْ يَعْزُبْ عَنْهُ خَفِيَّاتُ غُيُوبِ الْهَوَاءِ ، وَلَا غَوَامِضُ مَكْنُونِ ظُلَمِ الدُّجى ، وَلَا مَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلى إِلَى الْأَرَضِينَ السُّفْلى ، لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا حَافِظٌ وَرَقِيبٌ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ مُحِيطٌ ، وَالْمُحِيطُ بِمَا أَحَاطَ مِنْهَا الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَا تُغَيِّرُهُ صُرُوفُ الْأَزْمَانِ ، وَلَا يَتَكَأَّدُهُ صُنْعُ شَيْءٍ كَانَ ،إِنَّمَا قَالَ لِمَا شَاءَ : «كُنْ» فَكَانَ . ابْتَدَعَ مَا خَلَقَ بِلَا مِثَالٍ سَبَقَ ، وَلَا تَعَبٍ وَلَا نَصَبٍ ، وَكُلُّ صَانِعِ شَيْءٍ فَمِنْ شَيْءٍ صَنَعَ ، وَاللّه ُ لَا مِنْ شَيْءٍ صَنَعَ مَا خَلَقَ ، وَكُلُّ عَالِمٍ فَمِنْ بَعْدِ جَهْلٍ تَعَلَّمَ ، وَاللّه ُ لَمْ يَجْهَلْ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ ، أَحَاطَ بِالْأَشْيَاءِ عِلْما قَبْلَ كَوْنِهَا ، فَلَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهَا عِلْما ، عِلْمُهُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَهَا كَعِلْمِهِ بَعْدَ تَكْوِينِهَا ، لَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ ، وَلَا خَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَلَا نُقْصَانٍ ، وَلَا اسْتِعَانَةٍ عَلى ضِدٍّ مُنَاوٍ ، وَلَا نِدٍّ مُكَاثِرٍ ، وَلَا شَرِيكٍ مُكَابِرٍ ، لكِنْ خَلَائِقُ مَرْبُوبُونَ ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ . فَسُبْحَانَ الَّذِي لَا يَؤُودُهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ ، وَلَا تَدْبِيرُ مَا بَرَأَ ، وَلَا مِنْ عَجْزٍ وَلَا مِنْ فَتْرَةٍ بِمَا خَلَقَ اكْتَفى ، عَلِمَ مَا خَلَقَ ، وَخَلَقَ مَا عَلِمَ ، لَا بِالتَّفْكِيرِ فِي عِلْمٍ حَادِثٍ أَصَابَ مَا خَلَقَ ، وَلَا شُبْهَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَخْلُقْ ، لكِنْ قَضَاءٌ مُبْرَمٌ ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ ، وَأَمْرٌ مُتْقَنٌ . تَوَحَّدَ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَخَصَّ نَفْسَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَاسْتَخْلَصَ بِالْمَجْدِ وَالثَّنَاءِ ، وَتَفَرَّدَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْمَجْدِ وَالسَّنَاءِ ، وَتَوَحَّدَ بِالتَّحْمِيدِ ، وَتَمَجَّدَ بِالتَّمْجِيدِ ، وَعَلَا عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ ، وَتَطَهَّرَ وَتَقَدَّسَ عَنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ ، وَعَزَّ و جَلَّ عَنْ مُجَاوَرَةِ الشُّرَكَاءِ ، فَلَيْسَ لَهُ فِيمَا خَلَقَ ضِدٌّ ، وَلَا لَهُ فِيمَا مَلَكَ نِدٌّ ، وَلَمْ يَشْرَكْهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الْمُبِيدُ لِلْأَبَدِ ، وَالْوَارِثُ لِلْأَمَدِ ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ وَحْدَانِيّا أَزَلِيّا قَبْلَ بَدْءِ الدُّهُورِ ، وَبَعْدَ صُرُوفِ الْأُمُورِ ، الَّذِي لَا يَبِيدُ وَلَا يَنْفَدُ . بِذلِكَ أَصِفُ رَبِّي ، فَلَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ مِنْ عَظِيمٍ مَا أَعْظَمَهُ! وَمِنْ جَلِيلٍ مَا أَجَلَّهُ! وَمِنْ عَزِيزٍ مَا أَعَزَّهُ! وَتَعَالى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّا كَبِيرا» . قال ثقة الإسلام بعد هذا الحديث في الكافي : وَ هذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ مَشْهُورَاتِ خُطَبِهِ عليه السلام حَتّى لَقَدِ ابْتَذَلَهَا الْعَامَّةُ ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِمَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّوْحِيدِ إِذَا تَدَبَّرَهَا وَفَهِمَ مَا فِيهَا ، فَلَوِ اجْتَمَعَ أَلْسِنَةُ الْجِنِّ وَالْاءِنْسِ _ لَيْسَ فِيهَا لِسَانُ نَبِيٍّ _ عَلى أَنْ يُبَيِّنُوا التَّوْحِيدَ بِمِثْلِ مَا أَتى بِهِ _ بِأَبِي وَأُمِّي _ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَا إِبَانَتُهُ عليه السلام ، مَا عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ يَسْلُكُونَ سَبِيلَ التَّوْحِيدِ . أَ لَا تَرَوْنَ إِلى قَوْلِهِ : «لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى بِقَوْلِهِ : «لَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ» مَعْنَى الْحُدُوثِ ، وَكَيْفَ أَوْقَعَ عَلى مَا أَحْدَثَهُ صِفَةَ الْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ بِلَا أَصْلٍ وَلَا مِثَالٍ ؛ نَفْيا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ ، بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ؛ وَإِبْطَالاً لِقَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئا إِلَا مِنْ أَصْلٍ ، وَلَا يُدَبِّرُ إِلَا بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ ، فَدَفَعَ عليه السلام بِقَوْلِهِ : «لَا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» جَمِيعَ حُجَجِ الثَّنَوِيَّةِ وَشُبَهِهِمْ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَعْتَمِدُ الثَّنَوِيَّةُ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنْ يَقُولُوا : لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَالِقُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ مِنْ شَيْءٍ ، أَوْ لَا مِنْ شَيْءٍ ، (5) فَقَوْلُهُمْ : «مِنْ شَيْءٍ» خَطَأٌ ، وَقَوْلُهُمْ : «مِنْ لَا شَيْءٍ» مُنَاقَضَةٌ وَإِحَالَةٌ ؛ لِأَنَّ «مِنْ» تُوجِبُ ثُبُوتا ، (6) وَ«لَا شَيْءٍ» تَنْفِيهِ ، فَأَخْرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هذِهِ اللَّفْظَةَ عَلى أَبْلَغِ الْأَلْفَاظِ وَأَصَحِّهَا ، فَقَالَ عليه السلام : «لا مِنْ شَيْءٍ خَلَقَ مَا كَانَ» فَنَفى «مِنْ» ؛ إِذْ كَانَتْ تُوجِبُ شَيْئا ، وَنَفَى الشَّيْءَ ؛ إِذْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مَخْلُوقا مُحْدَثا ، لَا مِنْ أَصْلٍ أَحْدَثَهُ الْخَالِقُ كَمَا قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ : إِنَّهُ خَلَقَ مِنْ أَصْلٍ قَدِيمٍ ، فَلَا يَكُونُ تَدْبِيرٌ إِلَا بِاحْتِذَاءِ مِثَالٍ . ثُمَّ قَوْلِهِ عليه السلام : «لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ ، وَلَا حَدٌّ يُضْرَبُ لَهُ فِيهِ الْأَمْثَالُ ، كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ اللُّغَاتِ» فَنَفى عليه السلام أَقَاوِيلَ الْمُشَبِّهَةِ حِينَ شَبَّهُوهُ بِالسَّبِيكَةِ وَالْبِلَّوْرَةِ ، وَغَيْرَ ذلِكَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ مِنَ الطُّولِ وَالِاسْتِوَاءِ ، وَقَوْلَهُمْ : «مَتى لَمْ تَعْقِدِ (7) الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلى كَيْفِيَّةٍ ، وَلَمْ تَرْجِعْ إِلى إِثْبَاتِ هَيْئَةٍ ، لَمْ تَعْقِلْ شَيْئا ، فَلَمْ تُثْبِتْ صَانِعا» فَفَسَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ وَاحِدٌ بِلَا كَيْفِيَّةٍ ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ تَعْرِفُهُ بِلَا تَصْوِيرٍ وَلَا إِحَاطَةٍ . ثُمَّ قَوْلِهِ عليه السلام : «الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَتَعَالَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْدُودٌ ، وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ ، وَلَا نَعْتٌ مَحْدُودٌ» . ثُمَّ قَوْلِهِ عليه السلام : «لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ ؛ فَيُقَالَ : هُوَ فِيهَا كَائِنٌ ، وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا ؛ فَيُقَالَ : هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ» فَنَفى عليه السلام بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ صِفَةَ الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ ؛ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ الْأَجْسَامِ التَّبَاعُدَ وَالْمُبَايَنَةَ ، وَمِنْ صِفَةِ الْأَعْرَاضِ الْكَوْنَ فِي الْأَجْسَامِ بِالْحُلُولِ عَلى غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَمُبَايَنَةِ الْأَجْسَامِ عَلى تَرَاخِي الْمَسَافَةِ . ثُمَّ قَالَ عليه السلام : «لكِنْ أَحَاطَ بِهَا عِلْمُهُ ، وَأَتْقَنَهَا صُنْعُهُ» أَيْ هُوَ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْاءِحَاطَةِ وَالتَّدْبِيرِ ، وَ عَلى غَيْرِ مُلَامَسَةٍ .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن يحيى جميعا» .
2- . في الكافي المطبوع: «سبحان» بدون الواو.
3- . في الكافي المطبوع : «وحدّ» .
4- . في الكافي المطبوع : «أين» .
5- . في الكافي المطبوع : «من لا شيء» .
6- . في الكافي المطبوع : «شيئا» .
7- . في الكافي المطبوع : «ما لم تعقد» .

ص: 325

. .

ص: 326

. .

ص: 327

هديّة :«الجوامع» : جمع جامعة ، والتأنيث للكلمة ، بمعنى الكلام أو الخطبة أو الفقرة أو نحوها . والمورد في هذا الباب طائفة من خطب أمير المؤمنين عليه السلام فيها كفاية لمن أراد علم التوحيد وما يتعلّق به بما لا مزيد عليه لعقول العقلاء . و«الاستنهاض» : طلب القيام . (حشد) القوم كنصر وضرب : اجتمعوا على أمر واحد كاحشدوا واحتشدوا وتحاشدوا . و(لا من شيء خلق ما كان) أي ما خلق . قال السيّد الداماد رحمه الله : هذه الفقرة تحقيق لمعنى الإبداع والجعل البسيط الذي هو تأييس الآيس من اللّيس المطلق لا من مادّة ولا بمدّة . (1) وقال بعض المعاصرين : وهذا في كلّ الوجود أو على ما هو التحقيق عند العارفين ، وإن كان في الكائنات تكوين من موادّها المخلوقة إبداعا لا من شيء عند الجماهير . (2) (قدرة) قيل : نصب على التمييز ، أو نزع الخافض . يعني ولكن خلق الأشياء قدرة ، أو بقدرة . وقرى ء بالرفع أي له قدرة ، أو هو قدرة ، وعينيّة الصفات ثابتة . قال السيّد الأجلّ النائيني : أي له قدرة بان بها من الأشياء ، فلا يحتاج أن يكون الصدور والحدوث عنه في مادّة كما يحتاج غيره إلى ذلك . «وبانت الأشياء منه سبحانه» بعجزها عن التأثير لا في مادّة . (3) وقال برهان الفضلاء : «قدرة» نصب مفعول له لقوله «لا من شيء خلق ما كان» مثل : قعدت عن الحرب جبنا . وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله : «قدرته» 4 ففاعل «خلق» أو مبتدأ مضاف . (بان) من البين بمعنى الافتراق . (تضرب له فيه الأمثال) كأمثال الصوفيّة من البحر وأمواجه ، والسمعة وأشكاله ، ونحوهما من مزخرفاتهم . قال السيّد الأجلّ النائيني : إذ لا مماثلة بينه وبين المدركات بالعقول والمشاعر . (4) (كَلَّ) أي عجز . من الكلال بمعنى الإعياء . (دون صفاته) عند التأمّل فيها . وقال بعض المعاصرين : أي قبل الوصول إليها . (5) و«التحبير» : التزيين . واحتمل السيّد الأجلّ النائيني : «التخبير» بالمعجمة بمعنى البيان والإخبار . (6) و«التصاريف» : جمع التصريف مبالغة في الصرف والتحويل . والتعريف في الصفات للعهد الخارجي ؛ أي لم يهتد إليه قطّ وصف الواصفين بأنحاء المبالغة في إرجاع الصفات المدركة بالأذهان إليه سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي : «تصاريف الصفات» أي التغيّرات اللازمة للصفات المتغايرة المدركة لأذهاننا . (7) و«التفكير» و«الإفكار» و«التفكّر» و«الفكر» كلّه بمعنى . (دون الرسوخ في علمه) أي القطع بكيفيّة علمه أنّه حضوريّ أو حصوليّ أو لا ذا ولا ذا . والمعنى عند تفسير المعصوم كتابه وهو العالم بعلم كتابه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني وانقطع قبل الوصول إلى الرسوخ في علمه ، أي في معلومه بما هو معلوم ، أو في العلم به سبحانه ومعرفته أو في إبانة حقيقة علمه بالأشياء التفاسير (8) الجامعة . (9) (حجب من الغيوب) دلالة على محجوبيّة الحجاب أيضا . (تاهت) : حارت ودهشت . والضمير في (أدانيها) للحجب . و«الطامح» : المرتفع ، أي العقول الكاملة الماهرة في درك الاُمور الدقيقة . (بعد الهمم) : تعمّقها ، أي الهمم العالية . و(غوص الفطن) الغائصة . في بعض النسخ : «سبحان الذي» بدون الواو . (أوّل مبتدأ) على التوصيف ، يعني لا أوّل لأوّليّته ولا نهاية لآخريّته . (عند خلقه) أي إيجاده إيّاها . (إبانة لها من شبهه) قيل : نصب على الحال ، وقيل : مفعول له . وقال برهان الفضلاء : نصب على المصدريّة ، أي أبنت إبانةً ، مثل : الحمد للّه إقرارا بنعمته . و(آئن) على وزن «كائن» من «الأون» بالفتح . وهو أحد شقّي الخُرْج ، (10) يعني هو خِلْوٌ من خلقه ، لا بمعنى كونه متفرّدا منها في جانب كتفرّد عديل من عديله ، بل بمعنى استحالة الحلول والاتّحاد وغيرهما من الأنحاء الممتنعة . وقرأ السيّد الأجلّ النائيني : «أين» بفتح الهمزة وسكون الياء ، قال : يعني ولم يخل من الأشياء خلوّ المحلّ عن الحالّ ، أو المكان من المتمكّن ، فيُقال له : أين هو منها . وهذا القول بالنسبة إلى المكان حقيقي وبالنسبة إلى المحلّ توسّعي . (11) وضبط برهان الفضلاء : «آئن» ك«كائن» . وهذه الفقرات الثلاث ردّ على الصوفيّة القدريّة والفلاسفة وسائر ملل الشرك . قالت الصوفيّة باتّحاده سبحانه مع كلّ موجود . وقالت الفلاسفة بوساطة العقل الأوّل بينه وبين سائر الموجودات وهو فاعل مُوجِب . «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» . (12) قال الشهرستاني في الملل والنحل في بيان مذاهب النصارى : ولهم في كيفيّة الاتّحاد والتجسّد كلام ، فمنهم من قال : أشرق على الجسد إشراق النور على الجسم . ومنهم من قال : انطبع فيه انطباع النقش في الشمعة . ومنهم من قال : ظهر ظهور الروحانيّ بالجسماني . ومنهم من قال : تدرّع اللّاهوت بالناسوت . ومنهم من قال : مازجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللّبن بالماء . (13) وكلّ ما قالت النصارى في جسد المسيح قالت الصوفيّة في جسد العالم . و(الهواء) بالمدّ : هواء الجوّ . و«الهوى» بالقصر : هوى النفس . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «غيوب الهوى» بالقصر ، وفسّر بالمتمنّيات الخفيّة . و(العُلى) بالضمّ والقصر جمع «علياء» بالضمّ والمدّ : المكان المشرف على سائر الأمكنة . (حافظ ورقيب) من ملائكته . (بشيء محيط) بتدبيره . و(المحيط) مبتدأ خبره (الواحد) يعني والمحيط بعلمه بجميع المحيط والمحاط ، منها الذي ليس كمثله شيء . (لا يتكأّده) أي لا يشقّ عليه ولا يثقله . قال السيّد الأجلّ النائيني : ولعلّ عليه السلام أورد «فكان» مكان «فيكون» تنبيها على تجرّد صيغة الماضي والمضارع في أمثال هذه البيانات عن الزمان ؛ لتأخّره عن الخلق والإيجاد بمراتب . (14) (فلم يزدّد بكونها علما) دلالة على انحصار علمه تعالى في العلم الأزلي السابق على الإيجاد . صرّح به الفاضل الإسترابادي بخطّه . (15) و«المناواة» : المعاداة . وفي كتاب التوحيد للصدوق رحمه الله «مثاور» (16) مكان «مناو» . و«المثاورة» : المواثبة، أي بالعداوة . و«المكاثر» : ذو الكثرة والشدّة ليغلب بكثرته . و«المكابر» ذو المكابرة واللّجاج ليعارض بلجاجه . (داخرون) : صاغرون ذليلون . (لا يؤوده) : لا يثقله . «براه» كمنع : خلقه . (ولا من عجز) أي ليس اكتفاؤه بما خلق من عجز . و«الإبرام» : الإحكام . و«الاستخلاص» : مبالغة في الخلوص . و(السناء) بالمدّ : الضياء ، وبالقصر : الرفعة . (المبيد للأبد) قيل : من «الإبادة» بمعنى الإهلاك ، أي المجاوز عنه . وقرئ _ كما في بعض النسخ _ : «المؤبّد» من التأبيد بالمفردة ، أي أبّد الأبد فصار أبدا . وضبط برهان الفضلاء : «المئيد» بالهمز على الإفعال من الأيد بمعنى القوّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : و«المبيد للأبد» أي الخالق المعطي لوجوده ، (17) على اسم الفاعل من «أباد يبيد» من باب الإفعال ، بمعنى ذهب وانقطع _ والهمزة للإزالة ؛ أي مزيل بطلانه وذهابه وانقطاعه بإعطاء وجوده وإبقائه فهو خالقه ومبقيه . ويمكن أن يحمل الإبادة على الإذهاب ، أي المذهب لما لا ينتهي من الزمان أو الدّهر وأنّه في الذهاب دائما، وهو سبحانه مُذهبه (18) كما أنّه محدّده . (19) و«الأبد» ما لا منتهى له من الزمان أو الدّهر والأمد هو المنتهى ، فبطل قول الدهري في أنّ المبدأ هو الدهر، والدهر في الطرف المتأخّر متجدّد مستلزم للحدوث، والحادث ممكن محتاج، وفي الطرف المقدّم له نهايات وهو منقض عندها . والمبدأ للممكنات واجب الوجود بذاته الذي يستحيل العدم والانقضاء فيه، فهو وارث كلّ منقض . (20) و«الأمد» بالميم : المدّة ؛ يعني الزمان والزماني . (من عظيم ما أعظمه) كلمة «من» للتبيين . وكلمة «ما» للتعجّب . أدام اللّه فيوضاتك ثقة الإسلام بأبي أنت واُمّي ما أشبه بيانك ببيان المعصومين صلوات اللّه عليهم! انظر وتأمّل واستح واخجل أيّها المعاصر المفتون المغبون في كدّ السعي والعمل ، ألم ترَ إلى بيانات مشايخنا الثلاثة المسمّين بمحمّد ، والمكنّين بأبي جعفر _ رضوان اللّه عليهم _ في كتبهم الأربعة كأنّها لنورانيّتها واستقامتها وعدم تناكرها للأحاديث من تمام الأحاديث ، بيانا لكلام المعصوم من كلام المعصوم، لا سيّما في الكافي من الخطبة إلى الروضة ، وهو مؤلّفه بذلك النّظم والنسق بأمر صاحب الأمر عليه السلام . فانظر كيف أشار بقوله : (ولولا إبانته عليه السلام ) إلى وجوب وجود الإمام لمثل هذا النظام بذلك الشأن وعظم المقام وجوامع مناقبه عليه السلام كحديث «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» . (21) وبقوله : (ألا ترون) إلى قوله عليه السلام : (إلّا باحتذاء مثال) إلى إبطال ما ذهب إليه الفلاسفة ، وما ثبت عند الثنويّة ؛ فإنّ الفلاسفة _ بعد الاتّفاق على امتناع تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ، وإيجاب الصانع ، وقِدَم العالم ، وتوسّط العقول _ ذهب الإشراقيّون منهم إلى قِدَم العالم ، بمعنى قدم النوع والمفهوم الكلّي المشترك بين الأجسام ؛ لقولهم بإمكان فناء كلّ جسم من الأجسام بالكلّيّة ، وهي متوافقة عندهم في الحقيقة ومتخالفة في العوارض والتشخّصات بناءً على نفيهم تركّب الجسم من الجواهر الفردة ومن الهيولى والصورة أيضا ؛ وعدم قولهم بالصور النوعيّة الجوهريّة . وذهب المشّاؤون منهم إلى قدم العالم ، بمعنى قدم هيولائه ، وقدم طائفة من الأجسام بناءً على عدم قولهم بتوافق الأجسام في الحقيقة ؛ لقولهم بتركّبها من الهيولى القديمة والصورة الحادثة ووجود الصور النوعيّة الجوهريّة ، فقالوا بتعدّد القديم الشخصي . والثنويّة قالوا بشخصين قديمين فاعلين مستقلّين ، يَعْنُون النور والظلمة ، ويزدان وأهريمن . والصوفيّة أخذوا ضغثا من هنا وضغثا من هناك فاخترعوا مذهبا يكون ضلالة كفره شاملاً لجميع صنوف الكفر والزندقة ، فيكون أسوأها وأفحشها . وبقوله : (وشُبههم) على الجمع إلى أنّ حججهم شُبهات ، وعلى الاسم _ بكسر المعجمة _ إلى نظائرهم من الصوفيّة ؛ لقولهم بالوحدة في التعدّد والتعدّد في الوحدة . وكلمة «ما» في قوله : (أكثر ما يعتمد) مصدريّة . و(أن يقولوا) في تقدير : «على أن يقولوا» يعني أكثر اعتمادهم على هاتين المقدّمتين في ترتيب القياس لشبههم ، اُولاهما خطاهم المراد ؛ لما عرفت ، والثانية مناقضة لما ذكر . وبقوله : (ثبوتا) أو «شيئا» _ كما في بعض النسخ _ إلى الجعل البسيط . وبقوله : (كما قالت الثنويّة : إنّه خلق من أصل قديم) إلى أنّ كلّ من قال بتعدّد القديم فهو من الثنويّة . وبقوله : (حين شبّهوه بالسبيكة والبلّورة) _ بكسر المفردة وفتح اللام المشدّدة _ إلى ما هو السرّ عند الصوفيّة القائلين بأنّ العالم صورة بحت الوجود، والوجود كالشمعة والعالم كتشكّلاتها . ثمّ انظر أيُّها المعاصر _ المفتون المغبون إلى صنيعك المضمون في عنقك المَحْبون (22) بالكتب الأربعة، لاسيّما بكافي ثقة الإسلام، وهو مؤّلف بذلك النسق والنظام بأمر صاحب الأمر عليه السلام فمثلك ومثلهم في عدم رضاك بنظمهم ونسقهم ، ثمّ كدّك البليغ بالتعب الذي أنت أعلم به في جمع كتبهم وجعلك إيّاها كتابا واحدا بدون ترتيب نظمهم ونسق ترتيبهم بتصرّفات ركيكة وبيانات مزخرفة واهية ، كمثل سعي رجل غاصب وكدّ غاصب راجل جمع لَبِنات وأحجارا من بيوت أربعة في جوانب أربعة، المشرق والمغرب والجنوب والشمال حجرا حجرا لَبِنةً لَبِنةً من غير تناوله حجرين مرّة أو لبنتين دفعة ، فبنى بيتا في وسط الدنيا في غاية الوهن والإشراف على الانهدام، فأمر حكم الشرع في تخريب ذلك البيت ورجم الغاصب الظلّام بتلك الأحجار واللّبنات في أعين الأنام تشنيعا إلى يوم القيام .

.


1- . التعليقة على اُصول الكافي ، ص 325 ، بتفاوت .
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 429 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 436 ، بتفاوت يسير .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 437 .
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 429 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 437 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
8- . في «ب» و «ج» : «النفائس» .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 437 .
10- . «الخُرج» بالضمّ : الجوالق ذو اُونين . مجمع البحرين ، ج 2 ، ص 294 ؛ لسان العرب ، ج 2 ، ص 252 (خرج) .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 438 .
12- . المائدة (5) : 64 .
13- . الملل والنحل ، ج 1 ، ص 220 .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 440 ، بتفاوت يسير .
15- . لم يوجد في الحاشية المطبوعة .
16- . التوحيد ، ص 41 ، باب 2 ، ح 3 .
17- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 443 .
18- . في «ب» و «ج» : «يذهبه» .
19- . في المصدر : «مجدّده» .
20- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 443 ، بتفاوت . ومن قوله : «على اسم الفاعل» إلى قوله : «كما أنّه محدّده» في حاشية المصدر .
21- . الاختصاص ، ص 237 ؛ الإرشاد ، ج 1 ، ص 33 ؛ التوحيد ، ص 307 ، باب 43 ، ح 1 ؛ البحار ، ج 40 ، ص 70 ، ح 104 ؛ و ص 87 ، وص 202 ، ح 6 .
22- . المحبون: أي الوارم. اُنظر: القاموس المحيط، ج 2، ص 562 (حبن).

ص: 328

. .

ص: 329

. .

ص: 330

. .

ص: 331

. .

ص: 332

. .

ص: 333

. .

ص: 334

. .

ص: 335

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (1) عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالى ذِكْرُهُ ، وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ وسُبْحَانُهُ وَتَقَدَّسَ وَتَفَرَّدَ وَتَوَحَّدَ ، وَلَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ ، وَ «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْاخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» ، فَلَا أَوَّلَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، رَفِيعا فِي أَعْلى عُلُوِّهِ ، شَامِخُ الْأَرْكَانِ ، رَفِيعُ الْبُنْيَانِ ، عَظِيمُ السُّلْطَانِ ، مُنِيفُ الْا لَاءِ ، سَنِيُّ الْعَلْيَاءِ ، الَّذِي يَعْجِزُ الْوَاصِفُونَ عَنْ كُنْهِ صِفَتِهِ ، وَلَا يُطِيقُونَ حَمْلَ مَعْرِفَةِ إِلهِيَّتِهِ ، وَلَا يَحُدُّونَ حُدُودَهُ ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَيْفِيَّةِ لَا يُتَنَاهى إِلَيْهِ» .

هديّة :(إبراهيم) هذا يحتمل الصيقل ، والبصري ، والكرخي . (تبارك اسمه) بالمعطوفات عليه خبر (إنّ) (وسبحانه) عطف على (ثناؤه) . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «سبحانه» بدون العطف ، فنصب على المصدريّة . وفي بعض آخر : «وجلّ ثناءُ سُبُحاتِه» بضمّتين والمثنّاة من فوق ، أي أنوار ربوبيّته التي منها علوم حججه عليهم السلام . وفي العبارة وجوه اُخر . (وتقدّس) عن جميع ما يحيطه الخواطر . (وتفرّد) بالقِدَم . (وتوحّد) بالإلهيّة . (شامخ الأركان) خبر بعد الخبر ، أو لمبتدأ محذوف . و«الشامخ» : العالي جدّا . و«الإنافة» : الإشراف على الشيء . و«السّنام» بالمدّ : الضياء ، وبالقصر : الرفعة . و«العلياء» بالضمّ والمدّ : المكان المشرف على سائر الأمكنة . والمراد علوّه القدر والمنزلة . (حدوده) أي الشرعيّة ؛ لأنّه علّة لقوله (ولا يطيقون) بل لقوله الذي (يعجز) . (بالكيفيّة) أي بالعلم بالكيفيّة المعقولة قياسا . (لا يتناهى) على ما لم يسمّ فاعله ، و(إليه) نايب الفاعل . قال السيّد الأجلّ النائيني : «إنّ اللّه تبارك اسمه» أي تقدّس اسمه عن لحوق النقصان ، وتعالى ذكره عن الوصف بما يليق بالإمكان ، وجلّ ثناؤه سبحانه عن إحصاء الألسن وإحاطة الأذهان ، وتقدّس عن الاتّصاف بما هو في بقعة الإمكان ، وتفرّد بقدرته عن مشاركة الأعوان ، وتوحّد بعزّ جلاله عن مجاورة الأمثال واتّخاذ الأزواج والولدان ، وهو بذاته لم يزل ولا يزال لابإحاطة الدهور والأزمان ، وهو الأوّل الذي يُبتدأ منه وجود كلّ موجود ، والآخر الذي ينتهي إليه كلّ معدود ، (2) والظاهر الغالب على الأشياء والمحيط بها بقدرته وعلمه الشاملة ، والباطن الذي لا يصل إليه ولا يحيط به إدراك الأوهام والعقول الكاملة ، فلا أوّل لأوّليّته لأزليّته . وقوله : «رفيعا» نصب على الحاليّة أو على المدح . «في أعلى علوّه» أي في علوّه الأعلى من الوصف والبيان ، والأعلى (3) من كلّ علوّ يصل إليه ويدركه الأوهام والأذهان ، أو يعبّر عنه بالعبارة واللّسان ، وهو «شامخ الأركان» وطويلها وعاليها، «رفيع البنيان» وهو خالقها وبانيها، «عظيم السلطان» لا يعارض في سلطانه . «منيف الآلاء» مشرفها على الخلق بالفَيَضان من بحر جوده ، أو زائدها مَن أناف عليه ، أي زاد . «سنيّ العلياء» : رفيعه . و«العلياء» : السّماء ، ورأس الجبل ، والمكان المرتفع ، وكلّ ما علا من شيء . ولعلّ المراد هنا كلّ مرتفع يليق بأن ينسب إليه . ثمّ أشار عليه السلام إلى أنّ معرفته سبحانه ليس بالسبيل إلى معرفة كنه صفاته ؛ إذ لا سبيل إلى معرفة كنه صفاته ، كما لا معرفة (4) إلى معرفة (5) كنه ذاته بقوله : «الذي يعجز الواصفون عن كنه صفته ، ولا يطيقون حمل معرفة ذاته وصفاته كما يليق بإلهيّته». والعجز مستند إلى قصورهم عن إدراك ما يتعالى عنهم وعن إحاطتهم . «ولا يحدّون حدوده»، ولا يقدرون على تحديده ؛ لأنّهم إنّما يقدرون على التحديد بالكيفيّات وأشباهها، وهو سبحانه متعالٍ عن الكيفيّات والصفات الزائدة عينا . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة» .
2- . في المصدر : «أمد كلّ معدود» .
3- . في المصدر : «أو الأعلى» .
4- . كذا في النسخ، وفي المصدر : «لاسبيل» .
5- . في «ب» و «ج» : «معرفته» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 445 _ 446 .

ص: 336

. .

ص: 337

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُخْتَارِ ؛وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، قَالَ : ضَمَّنِي وَأَبَا الْحَسَنِ عليه السلام الطَّرِيقُ فِي مُنْصَرَفِي مِنْ مَكَّةَ إِلى خُرَاسَانَ ، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنِ اتَّقَى اللّه َ يُتَّقى ؛ وَمَنْ أَطَاعَ اللّه َ ، يُطَاعُ» فَلَطَفْتُ (2) فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ ، فَوَصَلْتُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ ، ثُمَّ قَالَ : «يَا فَتْحُ ، مَنْ أَرْضَى الْخَالِقَ ، لَمْ يُبَالِ بِسَخَطِ الْمَخْلُوقِ ؛ وَمَنْ أَسْخَطَ الْخَالِقَ ، فَقَميِنٌ (3) أَنْ يُسَلِّطَ اللّه ُ عَلَيْهِ سَخَطَ الْمَخْلُوقِ ، وَإِنَّ الْخَالِقَ لَا يُوصَفُ إِلَا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَأَنّى يُوصَفُ الَّذِي تَعْجِزُ الْحَوَاسُّ أَنْ تُدْرِكَهُ ، وَالْأَوْهَامُ أَنْ تَنَالَهُ ، وَالْخَطَرَاتُ أَنْ تَحُدَّهُ ، وَالْأَبْصَارُ عَنِ الْاءِحَاطَةِ بِهِ؟ جَلَّ عَمَّا وَصَفَهُ الْوَاصِفُونَ ، وَتَعَالى عَمَّا يَنْعَتُهُ النَّاعِتُونَ ، نَأى فِي قُرْبِهِ ، وَقَرُبَ فِي نَأْيِهِ ، فَهُوَ فِي نَأْيِهِ قَرِيبٌ ، وَفِي قُرْبِهِ بَعِيدٌ ، كَيَّفَ الْكَيْفَ ، فَلَا يُقَالُ : كَيْفَ؟ وَأَيَّنَ الْأَيْنَ ، فَلَا يُقَالُ : أَيْنَ؟ إِذْ هُوَ مُنْقَطِعُ الْكَيْفُوفِيَّةِ وَالْأَيْنُونِيَّةِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم» .
2- . في الكافي المطبوع : «فتلطّفت» .
3- . في الكافي المطبوع : «فَقَمن» .

ص: 338

هديّة :يعني أبا الحسن الرضا عليه السلام عيّنه الصدوق في عيونه . (1) وقال برهان الفضلاء : يعني الثاني أو الثالث عليهماالسلام . و«المنصرف» مصدر ميمي بمعنى الانصراف . (من اتّقى اللّه يتّقى) أي منه ، أو المعنى يحفظ . (فلطفت) على المتكلّم المعلوم من باب حسن ، أي فعلت تدبيرا لطيفا في الوصول إليه سريعا . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فلطفت» أي رفقتُ أو دنوتُ ساعيا في الوصول إليه بتضمين معنى السعي . (2) وفي بعض النسخ : «فتلطّفت» من التفعّل . و«السخط» بفتحتين وبالضم : الغضب . و«القمين» : كالخليق والجدير لفظا ومعنى . و«القمن» كالفَطِن _ كما في بعض النسخ _ بمعناه . (أن تدركه) في تقدير «من أن تدركه» . وكذا (أن تناله) . (والخطرات) جمع الخطرة ، أي جميع ما يخطر بالخواطر . (والأبصار) أي أوهام القلوب . وقال السيّد الأجلّ النائيني : الإطلاق إشارة إلى شمول الأبصار لأبصار العيون وأبصار الأوهام . (3) (نأى) من باب منع ، قلبت الياء ألفا ، أي بعُد في قربه ؛ لتعاليه عن أوصاف المخلوقات وتقدّسه عن إحاطة الأوهام والخطرات . (وقرُب في نأيه) لإحاطته علما بظواهر الموجودات وبواطن الذوات من الأسرار والخفيّات . قرأ برهان الفضلاء : «كيّف الكيِّف وأيّن الأيّن» كسيّد في المفعولين . و«المنقطع» اسم مكان . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «منقطع الكيفوفيّة والأينونيّة» يحتمل أن يكون من باب الوصف بحال المتعلّق وعلى صيغة اسم الفاعل ، أي الكيفوفيّة والأينونيّة منقطعة عنه . ويحتمل أن يكون على صيغة اسم المفعول بأن يكون اسم مفعول ، أي هو منقطع فيه وعنده الكيفوفيّة والأينونيّة . أو اسم مكان ، أي مرتبته مرتبة انقطع فيه الكيفوفيّة والأينونيّة . والتعبير بلفظ الانقطاع ؛ لأنّ الكيف تحديد لحال الشيء بما به ينقطع بعده هذا الحال، كما أنّ الأين تحديد بما به ينقطع بعده حاله بحسب الكمّيّة أو التحيّز ، فهو سبحانه منقطع هذا القطع . (4)

.


1- . لم أجده في عيون أخبار الرضا عليه السلام .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 446 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 447 ، ذكره في هامشه نقلاً عن حاشية بعض النسخ .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 447 _ 448 .

ص: 339

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَخْطُبُ عَلى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ _ يُقَالُ لَهُ : ذِعْلِبٌ _ ذُو لِسَانٍ بَلِيغٍ فِي الْخُطَبِ ، شُجَاعُ الْقَلْبِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقال : وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ ، مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّا لَمْ أَرَهُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ : وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ ، لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ ، وَلكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْاءِيمَانِ ، وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ ، إِنَّ رَبِّي لَطِيفُ اللَّطَافَةِ لَا يُوصَفُ بِاللُّطْفِ ، عَظِيمُ الْعَظَمَةِ لَا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ ، كَبِيرُ الْكِبْرِيَاءِ لَا يُوصَفُ بِالْكِبَرِ ، جَلِيلُ الْجَلَالَةِ لَا يُوصَفُ بِالْغِلَظِ ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، لَا يُقَالُ : شَيْءٌ قَبْلَهُ ، وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ، لَا يُقَالُ : لَهُ بَعْدٌ ، شَاءَ الْأَشْيَاءَ لَا بِهِمَّةٍ ، دَرَّاكٌ لَا بِخَدِيعَةٍ ، فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ، غَيْرُ مُتَمَازِجٍ بِهَا ، وَلَا بَائِنٍ مِنْهَا ، ظَاهِرٌ لَا بِتَأْوِيلِ الْمُبَاشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لَا بِاسْتِهْلَالِ رُؤْيَةٍ ، نَاءٍ لَا بِمَسَافَةٍ ، قَرِيبٌ لَا بِمُدَانَاةٍ ، لَطِيفٌ لَا بِتَجَسُّمٍ ، مَوْجُودٌ لَا بَعْدَ عَدَمٍ ، فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَارٍ ، مُقَدِّرٌ لَا بِحَرَكَةٍ ، مُرِيدٌ لَا بِهَمَامَةٍ ، سَمِيعٌ لَا بِآلَةٍ ، بَصِيرٌ لَا بِأَدَاةٍ ، لَا تَحْوِيهِ الْأَمَاكِنُ ، وَلَا تَضَمَّنُهُ الْأَوْقَاتُ ، وَلَا تَحُدُّهُ الصِّفَاتُ ، وَلَا تَأْخُذُهُ السِّنَاتُ ، سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ ، وَالْعَدَمَ وُجُودُهُ ، وَالِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ ، بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لَا مَشْعَرَ لَهُ ، وَبِتَجْهِيرِهِ الْجَوَاهِرَ عُرِفَ أَنْ لَا جَوْهَرَ لَهُ ، وَبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا ضِدَّ لَهُ ، وَبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِينَ لَهُ ، ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ ، وَالْيُبْسَ بِالْبَلَلِ ، وَالْخَشِنَ بِاللَّيِّنِ ، وَالصَّرْدَ بِالْحَرُورِ ، مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا ، وَمُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا ، دَالَّةً بِتَفْرِيقِهَا عَلى مُتَفرِّقِهَا ، (1) وَبِتَأْلِيفِهَا عَلى مُؤلِّفِهَا ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّه تبارك وَ تَعَالى : «وَ مِن كُلِّ شَىْ ءٍخَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» فَفَرَّقَ بَيْنَ قَبْلٍ وَبَعْدٍ ؛ لِيُعْلَمَ أَنْ لَا قَبْلَ لَهُ وَلَا بَعْدَ ، (2) شَاهِدَةً بِغَرَائِزِهَا أَنْ لَا غَرِيزَةَ لِمُغْرِزِهَا ، مُخْبِرَةً بِتَوْقِيتِهَا أَنْ لَا وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا ، حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ ؛ لِيُعْلَمَ أَنْ لَا حِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، كَانَ رَبّا إِذْ لَا مَرْبُوبَ ، وَإِلها إِذْ لَا مَأْلُوهَ ، وَعَالِما إِذْ لَا مَعْلُومَ ، وَسَمِيعا إِذْ لَا مَسْمُوعَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «مفرّقها» .
2- . في الكافي المطبوع : + «له» .

ص: 340

هديّة :(ذعلب) كزبرج بالذال المعجمة والعين المهملة : الناقة القويّة . وهنا اسم أو لقب . (بمشاهدة الأبصار) يحتمل الجمع والإفراد . وضبط برهان الفضلاء بالكسر . (لطيف اللّطافة) أي بحسب تدابيره في مصنوعاته ، ولُطْف النافذ في شيء بحيث لا يدرك صفة الممكن . واللّه سبحانه لطيف ، أي عالم بدقائق المصالح وغوامضها . (لا يوصف باللّطف) الذي من صفات الممكن ، وهو الصغر والدقّة والقلّة والنحافة ورقّة القوام ونحو ذلك ، وكذا الكلام في العظم المنفيّ ونظائره . قال برهان الفضلاء : تركيب «لطيف اللّطافة» ونظائره للمبالغة ، كما يُقال : جدّ جدّه . والمستتر في «لا يوصف» ل«اللّطافة» . والألف واللام في «اللطف» للعهد الخارجي ؛ أي اللطف الذي في المخلوقين . وقال السيّد الأجلّ النائيني : وقد أورد هنا الغلظ الذي من مناسبات الجلالة في الخلق ؛ تنبيها على أنّ المنفيّ عنه ما هو مدرَك العقول من صفات الخلق في كلّ ذلك كما في الجلالة . (1) (شاء) على صيغة الفاعل . واحتمال الماضي كما ترى . وقرئ «شيّئا» على التفعيل و«شيّاء» كدرّاك على صيغة المبالغة . وقال برهان الفضلاء : «شاء» في الأصل : «شائي» اُسقطت الياء بالتقاء الساكنين بعد إسقاط الضمّة ، أو لثقل الضمّة على الياء فمضاف إلى «الأشياء» . قال السيّد الأجلّ النائيني : شيّئ الأشياء ومعطي شيئيّتها وموجدها لا بقصد واهتمام وحركة نفسانيّة . (2) فضبط كسيّد . (لا بهمّة) بكسر الهاء وتفتح ، أي لا بقصد ذهني وإرادة خُلقي . (درّاك لا بخديعة) أي علّام لا بدقّة الفكر وتعمّقه . قال السيّد الأجلّ النائيني : وهو درّاك لا بآلة يتصرّف فيها ، أو حركة نفسانيّة [منتهية إليها] (3) وما يشبهها من الحيل والخدائع في التوصّل إلى المطالب . (4) وقال برهان الفضلاء : «الدرّاك» من «الدرك» بالتحريك ، بمعنى الغلبة على العدوّ . «في» في (في الأشياء كلّها) بمعنى «مع» . (متجلٍّ لا باستهلال رؤية) أي ظاهر غير خفيّ على عناديه بآياته ودلائل ربوبيّته لا بظهور من رؤيته . قال ابن الأثير في نهايته : اُهلّ واستُهلّ إذا اُبصر ، وأهللتُه أبصرته . (5) (ناء) بعيد (لا بمسافة) بل عن درك العقول والأوهام . (قريب) بالإحاطة العلميّة (لا بمداناة) كما في المخلوقات . (لطيف لا بتجسّم) لا برقّة قوام ونحو ذلك من معاني اللّطف في الممكنات . و«الهمامة» كسحابة : الكدّ والسعي ؛ أي لا بذلك بل بالداعي إلى فعله من علمه وحكمته وعنايته بالخير . (ولا تضمنه الأوقات) من باب علم : لا تشمله كيف تضمن المخلوق خالقه . و(المشاعر) : جمع المشعر بالفتح : محلّ الشعور ، كالعين والاُذن: أو بالكسر: آلة الشعور . (وبتجهيره الجواهر) يعني بتأصيله الاُصول والأركان . «قارن بينهم» : جعل بعضهم قرينا لبعض . (ضادّ النور بالظلمة) ردّ على الثنويّة . (والصّرد) : البرد ، فارسيّ معرّب . (دالّة) أي هي دالّة . (بغرائزها) : بذواتها . (لمغرزها) على اسم الفاعل من الإفعال أو التفعيل . وضبط برهان الفضلاء : «مؤلّفا» بالنصب . وكذا «مفرّقا» قال : وهما و«دالّة» و«شاهدة» و«مخبرة» حالات خمس من مفاعيل «ضادّ» . وآية «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ» في سورة والذاريات . (6) وقد سبق بيان الخلاف في معنى المألوه في الباب الخامس وهو باب المعبود . قال برهان الفضلاء : _ هنا كما قال هناك _ أي كان مستحقّا للعبادة بكسر الحاء ؛ إذ لا مستحقّ لها بفتحها . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «إذ لا مألوه» أي لم تحصل العبادة بعد ، ولم يخرج وصف المعبوديّة من القوّة إلى الفعل . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي وإلها مستحقّا بذاته لأن يُعبد قبل وقت وجود المتعبّد الذي له الإله ، فالمألوه هنا بمعنى النسبة لا الاشتقاق ؛ لئلّا يخرج الكلام عن الانتظام والاتّساق كما حملناه عليه في باب المعبود ، وباب معاني الأسماء . (8)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 448 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 449 .
3- . أضفناه من المصدر .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 449 .
5- . النهاية ، ج 5 ، ص 629 (هلل) .
6- . الذاريات (51) : 49 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 453 .

ص: 341

. .

ص: 342

. .

ص: 343

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ شَبَابٍ الصَّيْرَفِيِّ _ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ _ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، (1) قَالَ : دَخَلْتُ أَنَا وَعِيسى شَلَقَانُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فَابْتَدَأَنَا ، فَقَالَ :«عَجَبا لِأَقْوَامٍ يَدَّعُونَ عَلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ قَطُّ ، خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام النَّاسَ بِالْكُوفَةِ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ ، وَفَاطِرِهِمْ عَلى مَعْرِفَةِ رُبُوبِيَّتِهِ ، الدَّالِّ عَلى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ ، وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلى أَزَلِهِ ، وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلى أَنْ لَا شِبْهَ لَهُ ، الْمُسْتَشْهِدِ بِآيَاتِهِ عَلى قُدْرَتِهِ ، الْمُمْتَنِعَةِ مِنَ الصِّفَاتِ ذَاتُهُ ، وَمِنَ الْأَبْصَارِ رُؤْيَتُهُ ، وَمِنَ الْأَوْهَامِ الْاءِحَاطَةُ بِهِ ، لَا أَمَدَ لِكَوْنِهِ ، وَلَا غَايَةَ لِبَقَائِهِ ، لَا تَشْمُلُهُ الْمَشَاعِرُ ، وَلَا تَحْجُبُهُ الْحُجُبُ ، وَالْحِجَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ خَلْقُهُ إِيَّاهُمْ ؛ لِامْتِنَاعِهِ مِمَّا يُمْكِنُ فِي ذَوَاتِهِمْ ، وَلِاءِمْكَانٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ ، وَلِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ مِنَ الْمَصْنُوعِ ، وَالْحَادِّ مِنَ الْمَحْدُودِ ، وَالرَّبِّ مِنَ الْمَرْبُوبِ ، الْوَاحِدُ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ ، وَالْخَالِقُ لَا بِمَعْنى حَرَكَةٍ ، وَالْبَصِيرُ لَا بِأَدَاةٍ ، وَالسَّمِيعُ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ ، وَالشَّاهِدُ لَا بِمُمَاسَّةٍ ، وَالْبَاطِنُ لَا بِاجْتِنَانٍ ، وَالظَّاهِرُ الْبَائِنُ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ ، أَزَلُهُ نُهْيٌ (2) لِمَجَاوِلِ الْأَفْكَارِ ، وَدَوَامُهُ رَدْعٌ لِطَامِحَاتِ الْعُقُولِ ، قَدْ حَسَرَ كُنْهُهُ نَوَافِذَ الْأَبْصَارِ ، وَقَمَعَ وُجُودُهُ جَوَائِلَ الْأَوْهَامِ ، فَمَنْ وَصَفَ اللّه َ ، فَقَدْ حَدَّهُ ؛ وَمَنْ حَدَّهُ ، فَقَدْ عَدَّهُ ؛ وَمَنْ عَدَّهُ ، فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : أَيْنَ؟ فَقَدْ غَيَّاهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : عَلَامَ؟ فَقَدْ أَخْلى مِنْهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : فِيمَ؟ فَقَدْ ضَمَّنَهُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «قال : حدّثني إسماعيل بن قتبة» .
2- . في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «نهية» .

ص: 344

هديّة :(شلقان) _ بفتح المعجمة واللام أيضا ويسكّن _ : لقب عيسى بن أبي منصور . (ما يتكلّم به قطّ) من أقوال الصوفيّة القدريّة والغُلاة وسائر أصناف الكفر والإلحاد . قالت القدريّة : خرقة التصوّف وصلت إلينا من عليّ عليه السلام وسلسلة أطوارنا وأسرارنا ينتهي إليه عليه السلام ، واستند الغلاة إلى بعض ما ذكره العامّة في كتابهم المسمّى ب«خطبة البيان» من الأقوال التي لم يتكلّم بها قطّ ، بل أمر بتكفير قائله، وحكم بأنّ قائله مرتدّ نجس مخلّد في النار ، وعلى تقدير الصحّة فالحجّة المعصوم العاقل عن اللّه محصور العدد في علمه تعالى وتقديره كجميع ما قدّر ودبّر في هذا النظام من العلويّات والسفليّات ، فليس لغيره أيّ مَن كان أن يدّعي التوسّط لأفاعيله سبحانه فيقول : أنا المورّق في الأشجار ، أنا المصوّر في الأرحام . وقال برهان الفضلاء : كان جماعة ادّعت أنّ عليّا عليه السلام قال : إنّ معرفة وجود الربّ تعالى لا تحصل لأحد بدون بيان الرسول بالوحي إليه منه سبحانه ، أو ادّعت أنّه عليه السلام قال : إنّ معرفة استحقاقه للحمد بمعنى كونه مختارا في أفعاله لا تحصل لأحد بدون ما ذكر . ومآل المقالتين واحد ، فأظهر عليه السلام بطلان هذا الاعتقاد ؛ ليظهر أنّ معرفة وجوب وجود الحجّة المعصوم أيضا عقلي من غير حاجة إلى وحي من اللّه تعالى، كمعرفة وجوب وجود الربّ المدبّر لهذا النظام المتقن الظاهر أنّه مدبَّر من حكيم عظيم ؛ إذ ليس أحد أن لا يعلم أنّ لهذا النظام مدبِّر أعظم وصانع أعلم . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي يدّعون افتراءً على أمير المؤمنين عليه السلام من المذاهب والآراء العاطلة في التوحيد «ما لم يقل به قطّ» . (1) (حمده) أي حمدهم إيّاه سبحانه (وفاطرهم) وخالقهم (على معرفة ربوبيّته) بآثاره العجيبة وصنائعه الغريبة . (الدالّ على وجوده) وصف بعد الوصف ، أو هو الدالّ ، أو نصب على المدح . وكذا ما عطف عليه . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وبإشباههم» على الإفعال . قال : يعني وباشتراكهم في اسم غير مشتقّ على أن لا شريك له في اسم غير مشتقّ . ثمّ قال : ومن جملة طلبه الشهادة عن عباده بآياته على قدرته قوله عزّ وجلّ في سورة فصّلت : «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ» . (2) (الممتنعة من الصفات ذاته) أي من الكيفيّات والصّفات الزائدة ؛ فإنّ صفاته سبحانه عين الذات ليست موجودة في الخارج بأنفسها كما توهّمت الأشاعرة ، بل وجودها في أنفسها إنّما هو في الأذهان الحادثة . (لا أمد لكونه) أي لا مدّة لأزليّته ، وكون المدّة من مخلوقاته . (ولا غاية لبقائه) ؛ لأبديّته ، وكون كلّ غاية من مصنوعاته . (لا يشمله المشاعر) : لا يدركه ولا يحيط به . (ولا تحجبه الحُجب) ؛ لأنّه أظهر من كلّ ظاهر بظهور آثار قدرته ظاهرا وباطنا . (خلقه إيّاهم) يعني خالقيّته لهم وهو مصداق الوجوب الذاتي ، ومخلوقيّتهم له سبحانه وهو مصداق الإمكان الذاتي . والواجب لذاته يمتنع عليه ما عليه سمة الإمكان من الأوصاف والإدراكات، فيمتنع عليه تعالى ما يمكن فيهم، وما يمكن فيهم يمتنع عليه . وهذا دليل الافتراق الكلّي الخاصّ والمباينة التامّة المخصوصة . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «ولإمكان ذواتهم ممّا يمتنع منه ذاته» . (3) قال برهان الفضلاء : «ولإمكانٍ» بالتنوين لإفادة التبعيض ؛ فإنّ في «لإ مكانهم» بدل «لإمكانٍ» يتوهّم أنّ كلّ محال في شأنه تعالى فهو جائز في مخلوقاته، وليس كذلك ؛ فإنّ من المحال فيهما اجتماع النقيضين وشباهة الخالق بالمخلوق في اسم غير مشتقّ وخلق الشريك . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني إنّما الحجاب بينه وبين خلقه كونه خالقا بريئا من الإمكان ، وكونهم مخلوقة وممكنة قاصرة عن نيل البريء بذاته وصفاته من الإمكان ، والحجاب بينه وبين صنعه قصورهم وكماله . (4) (الواحد لا بتأويل عدد) ؛ لأنّ وحدة العدديّة من مخلوقاته ، سبحانه وهو قبل العدد والمعدود والحدّ والمحدود . وفي الصحيفة الكاملة : «لك يا إلهي وحدانيّة العدد» . (5) يعني الأحديّة الحقيقيّة التي لا يتصوّر الشركة معها ؛ للتنافي بينهما حيث يمتنع الشركة ، والشركة مخلوقة كالمشتركين . وقال بعض المعاصرين : المراد بوحدانيّة العدد جهة وحدة الكثرات واحديّة جمعها لا إثبات الوحدة العدديّة، فافهم . (6) انتهى . (لا بمعنى حركة) بل بمعنى إبداع واختراع من دون تدريج وتدرّج وتغيّر وتبدّل وتعاقب وتفنّن . لا يشغله خلق عن خلق ، ولا صنع عن صنع ، ولا تدبير عن تدبير . (لا بتفريق آلة) قيل : أي آلة مغايرة لذاته . وقيل : يعني لا بتخريق الهواء الداخل في الصّماخ . قال السيّد الأجلّ النائيني : «لا بتفريق آلة» أي بإدخال شيء فيها كما في الحيوان ، أو المراد بتفريق الآلة قلع المقلوع أو قرع المقروع المحصّل للصوت المسموع ، وكذا الآلة في الحديث السابق . (7) و«الاجتنان» : الاستتار . (أزله نهي) في بعض «نُهية» بالضمّ اسم من نهاه ينهاه وبمعنى النهاية . وواحدة النُهى بمعنى العقول . «طامحات العقول» أي العقول العالية الكاملة . (نوافذ الأبصار) أي الأوهام العميقة النافذة . (قمع) كمنع : غلب وقهر . (جوائل الأوهام) أي الأوهام الجائلة ، من الجولان . قال الفاضل الإسترابادي : «فمن وصف اللّه فقد حدّه» . المراد بالوصف هنا القول بأنّ له صفة زائدة كما تدلّ عليه لفظة فاء التفريعيّة . وفي القاموس : الحدّ تمييز الشيء عن الشيء . (8) والمعنى : من قال بأنّ له صفة زائدة فقد ميّزه عن صفته ، ومَن ميّزه عن صفته قال بالتعدّد ، ومَن قال بالتعدّد فقد أبطل أزله . (9) (غيّاه) على التفعيل : جعله ذا غاية . (علاما ، أو _ علام) بالاكتفاء بفتحة الميم ، أي على أيّ شيء اعتماده . (فقد أخلى منه) أي قدرته وغنائه . وقال برهان الفضلاء : يعني فقد أخلى من سلطانه الأشياء الاُخر . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني فقد أخلى منه غير ما جعله سبحانه عليه . (ضمّنه) من التضمين : جعله في ضمن شيء وداخله .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 454 .
2- . فصّلت (41) : 9 _ 10 .
3- . التوحيد ، ص 56 ، باب 2 ، ح 14 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 455 .
5- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 152 ، الدعاء 28 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 438 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 456 ، بتفاوت يسير .
8- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 286 (حدد) .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 .

ص: 345

. .

ص: 346

. .

ص: 347

. .

ص: 348

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَمْزَةَ ، عَنْ فَتْحِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ مَوْلى بَنِي هَاشِمٍ ، قَالَ : كَتَبْتُ إِلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ التَّوْحِيدِ ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ :«الْحَمْدُ لِلّهِ الْمُلْهِمِ عِبَادَهُ حَمْدَهُ» . وَ ذَكَرَ مِثْلَ مَا رَوَاهُ سَهْلُ (1) إِلى قَوْلِهِ : «وَقَمَعَ وُجُودُهُ جَوَائِلَ الْأَوْهَامِ» . ثُمَّ زَادَ فِيهِ : «أَوَّلُ الدِّيَانَةِ بِهِ مَعْرِفَتُهُ ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ تَوْحِيدُهُ ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ ؛ لِشَهَادَةِ (2) كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ ، وَشَهَادَةِ الْمَوْصُوفِ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ ، وَشَهَادَتِهِمَا جَمِيعا بِالتَّثْنِيَةِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ الْأَزَلُ ، فَمَنْ وَصَفَ اللّه َ ، فَقَدْ حَدَّهُ ؛ وَمَنْ حَدَّهُ ، فَقَدْ عَدَّهُ ؛ وَمَنْ عَدَّهُ ، فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : كَيْفَ؟ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : فِيما؟ (3) فَقَدْ ضَمَّنَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : عَلى ما؟ (4) فَقَدْ حَمّلَهُ (5) ؛ وَمَنْ قَالَ : أَيْنَ؟ فَقَدْ أَخْلى مِنْهُ ؛ وَمَنْ قَالَ : مَا هُوَ؟ فَقَدْ نَعَتَهُ ؛ وَمَنْ قَالَ إلى ما (6) ؟ فَقَدْ غَايَاهُ ، عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومَ ، وَخَالِقٌ إِذْ لَا مَخْلُوقَ ، وَرَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبَ ، وَكَذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنَا ، وَ فَوْقَ مَا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «زياد» .
2- . في الكافي المطبوع : «بشهادة» .
3- . في الكافي المطبوع : «فيم» .
4- . في الكافي المطبوع : «علامَ» .
5- . في الكافي المطبوع : «جهله» .
6- . في الكافي المطبوع : «إلام» .

ص: 349

هديّة :الظاهر أنّ (ورواه) كلام ثقة الإسلام طاب ثراه . وقال برهان الفضلاء : «ورواه» إلى قوله : «فيه» كلام عليّ بن محمّد . و(الدّيانة) بالكسر : الاستكانة والعبوديّة . وتعديته بالباء على تضمين معنى الإيمان به . قال السيّد الأجلّ النائيني : «الدِّيانة» : مصدر دان يدين . وفي المصادر : «الديانة» : دين دار كَشتن . ويعدّى بالباء . والمعنى : أوّل التدّين بدين اللّه _ الذي أمر عباده بالتديّن به والدخول في العبوديّة والتذلّل له كما ينبغي ويليق بكبرياء كماله وعزّ جلاله _ معرفته سبحانه ، فمن لم يكن ذا معرفة به سبحانه لم يكن ذا دين . (1) (وكمال معرفته توحيده) دلالة على أنّ المعرفة الفطريّة التي فطر اللّه الناس عليها قبل التوحيد ؛ فإنّ لكلّ أحد علم _ بإعطاء اللّه _ بأنّ لهذا النظام العظيم صانع أعظم ومدبّر أعلى . وقال السيّد الأجلّ النائيني : المراد بمعرفته العلم بوجوده وإنّيّته وعينيّته بصفات كماله والتقدّس عمّا لا يليق بجبروته وجلاله . (2) أقول : نعم ، لكن المراد بمعرفته ما قلناه لما قلناه . (نفي الصفات) أي نفي الزائدة والمعقولة في الأذهان الحادثة . في بعض النسخ : «بشهادة كلّ صفة» بالباء مكان اللام . و«التثنية» و«التثنّي» : جعل الشيء قرينا للآخر فتذكير «منه» للمصدر . وفي بعض النسخ : «الممتنعة من الأزل» . (فقد عدّه) أي في عداد الممكنات . (فقد استوصفه) أي بالأوصاف الإمكانيّة والكيفيّات الجسمانيّة . (فقد حمّله) على المعلوم من التفعيل ، أي زعم أنّ اعتماده على غير قدرته . ونسخة : «فقد جهله» كعلم ، أو على التفعيل ، بمعنى عدّه جاهلاً كأنّها تصحيف . (فقد أخلى منه) أي إحاطته بالزمان والزمانيّات والمكان والمكانيّات . و«التنعيت» : توصيف الشيء بالكنه . قيل : «والمغاياة» : اطّلاع كلّ من الشيئين على كنه الآخر . وقال برهان الفضلاء : «المغاياة» : قيام الرجل على رأس الآخر بالسيف على قصد هلاكه ، والمراد هنا الحكم بفناء شيء . وفي توحيد الصدوق رحمه الله : «ومن قال إلامَ فقد وقّته» . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فمن قال : كيف؟ فقد استوصفه» ووصفه بصفة ، «ومن قال : فيما؟ فقد ضمّنه» وجعله مضمّنا محاطا بشيء ، «ومن قال : على ما؟ فقد حمّله» وجعله محمولاً منتهٍ إلى ما يحمله ، «ومَن قال : أين؟ فقد أخلى منه» حيث جعله مخصوصا بأين خاصّ منتهٍ إلى حدّ أينه ، «ومن قال : ما هو؟ فقد نعته» بما يقع في حقّه جواب «ما هو» «ومن قال : إلى ما؟ فقد غاياه» وجعله منتهٍ إلى ما هو ينتهي إليه . (4) (وخالق إذ لا مخلوق) أي قادر على الخلق قبل الخلق . قال برهان الفضلاء : هذا وأمثاله على سبيل المجاز ، يعني كأنّه قبل الخلق _ لقدرته عليه من غير مانع _ خالق ، كما أنّ غير الأصمّ عند عدم صوت سميع . أقول : تمثيله _ سلّمه اللّه تعالى _ دلالة على أنّ التجوّز إنّما هو بالنسبة بين الخالق وفعليّة المخلوق ، وهو سبحانه خالق حقيقة دائما ، كما أنّه عالم أزلاً أبدا ، وربّ إذ لا مربوب . وقد سبق أنّ صفات الفعل حدوثها باعتبار النسب والمتعلّقات ، وهي أفعال حادثة لا صفات حقيقيّة .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 458 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 458 .
3- . التوحيد ، ص 57 ، باب 2 ، ح 14 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 460 .

ص: 350

. .

ص: 351

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ ، قَالَ : خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْما خُطْبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حُسْنِ صِفَتِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعْظِيمِ اللّه ِ جَلَّ جَلَالُهُ ؛ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : فَقُلْتُ لِلْحَارِثِ : أَ وَمَا حَفِظْتَهَا؟ قَالَ : كَتَبْتُهَا ، (2) فَأَمْلَاهَا عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ :«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ؛ لِأَنَّ (3) كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ مِنْ إِحْدَاثِ بَدِيعٍ لَمْ يَكُنِ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ ؛ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكا ، وَلَمْ يُولَدْ ؛ فَيَكُونَ مَوْرُوثا هَالِكا ، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ ؛ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحا مَاثِلاً ، وَلَمْ تُدْرِكْهُ الْأَبْصَارُ ؛ فَيَكُونَ بَعْدَ انْتِقَالِهَا حَائِلاً ، الَّذِي لَيْسَتْ فِي أَوَّلِيَّتِهِ نِهَايَةٌ ، وَلَا لِاخِرِيَّتِهِ حَدٌّ وَلَا غَايَةٌ ، الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ وَقْتٌ ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ زَمَانٌ ، وَلَا يَتَعَاوَرُهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ ، وَلَا يُوصَفُ بِأَيْنٍ وَلَا بِمَ وَلَا مَكَانٍ ، الَّذِي بَطَنَ مِنْ خَفِيَّاتِ الْأُمُورِ ، وَظَهَرَ فِي الْعُقُولِ بِمَا يُرى فِي خَلْقِهِ مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ ، الَّذِي سُئِلَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَنْهُ فَلَمْ تَصِفْهُ بِحَدٍّ وَلَا بِبَعْضٍ ، بَلْ وَصَفَتْهُ بِفِعَالِهِ ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ بِآيَاتِهِ ، لَا تَسْتَطِيعُ عُقُولُ الْمُتَفَكِّرِينَ جَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِطْرَتَهُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَهُوَ الصَّانِعُ لَهُنَّ ، فَلَا مَدْفَعَ لِقُدْرَتِهِ ، الَّذِي نَأى مِنَ الْخَلْقِ ، فَلَا شَيْءَ كَمِثْلِهِ ، الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ لِعِبَادَتِهِ ، وَأَقْدَرَهُمْ عَلى طَاعَتِهِ بِمَا جَعَلَ فِيهِمْ ، وَقَطَعَ عُذْرَهُمْ بِالْحُجَجِ ، فَعَنْ بَيِّنَةٍ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ ، وَبِمَنِّهِ نَجَا مَنْ نَجَا ، وَلِلّهِ الْفَضْلُ مُبْدِئا وَمُعِيدا . ثُمَّ إِنَّ اللّه َ _ وَلَهُ الْحَمْدُ _ افْتَتَحَ الْحَمْدَ لِنَفْسِهِ ، وَخَتَمَ أَمْرَ الدُّنْيَا وَمَحَلَّ الْاخِرَةِ بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ : «وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ» . الْحَمْدُ لِلّهِ اللَابِسِ الْكِبْرِيَاءِ بِلَا تَجْسِيدٍ ، وَالْمُرْتَدِي بِالْجَلالِ بِلَا تَمْثِيلٍ ، وَالْمُسْتَوِي عَلَى الْعَرْشِ بِلا زَوَالٍ ، (4) وَالْمُتَعَالِي عَلَى الْخَلْقِ بِلَا تَبَاعُدٍ مِنْهُمْ وَلَا مُلَامَسَةٍ مِنْهُ لَهُمْ ، لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُنْتَهى إِلى حَدِّهِ ، وَ لَا لَهُ مِثْلٌ ؛ فَيُعْرَفَ بِمِثْلِهِ ، ذَلَّ مَنْ تَجَبَّرَ غَيْرَهُ ، وَصَغُرَ مَنْ تَكَبَّرَ دُونَهُ ، وَتَوَاضَعَتِ الْأَشْيَاءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَانْقَادَتْ لِسُلْطَانِهِ وَعِزَّتِهِ ، وَكَلَّتْ عَنْ إِدْرَاكِهِ طُرُوفُ الْعُيُونِ ، وَقَصُرَتْ دُونَ بُلُوغِ صِفَتِهِ أَوْهَامُ الْخَلَائِقِ ، الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا قَبْلَ لَهُ ، وَالْاخِرِ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا بَعْدَ لَهُ ، الظَّاهِرِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ بِالْقَهْرِ لَهُ ، وَالْمُشَاهِدِ لِجَمِيعِ الْأَمَاكِنِ بِلَا انْتِقَالٍ إِلَيْهَا ، لَا تَلْمِسُهُ لَامِسَةٌ ، وَلَا تَحُسُّهُ حَاسَّةٌ «هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» أَتْقَنَ مَا أَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْأَشْبَاحِ كُلِّهَا ، لَا بِمِثَالٍ سَبَقَ إِلَيْهِ ، وَلَا لُغُوبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي خَلْقِ مَا خَلَقَ لَدَيْهِ ، ابْتَدَأَ مَا أَرَادَ ابْتِدَاءَهُ ، وَأَنْشَأَ مَا أَرَادَ إِنْشَاءَهُ عَلى مَا أَرَادَ مِنَ الثَّقَلَيْنِ : الْجِنِّ وَالْاءِنْسِ ؛ لِيَعْرِفُوا بِذلِكَ رُبُوبِيَّتَهُ ، وَتَمَكَّنَ فِيهِمْ طَاعَتُهُ ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا عَلى جَمِيعِ نَعْمَائِهِ كُلِّهَا ، وَنَسْتَهْدِيهِ لِمَرَاشِدِ أُمُورِنَا ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، وَنَسْتَغْفِرُهُ لِلذُّنُوبِ الَّتِي سَبَقَتْ مِنَّا ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيّا دَالًا عَلَيْهِ ، وَهَادِيا إِلَيْهِ ، فَهَدى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَاسْتَنْقَذَنَا بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ؛ «مَنْ يُطِعِ اللّه َ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزا عَظِيما» وَنَالَ ثَوَابا جَزِيلاً ؛ وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ وَرَسُولَهُ ، فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا ، وَاسْتَحَقَّ عَذَابا أَلِيما ، فَأَبْخِعُوا 5 بِمَا يَحِقُّ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِخْلَاصِ النَّصِيحَةِ وَحُسْنِ الْمُؤَازَرَةِ ، وَأَعِينُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ بِلُزُومِ الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ ، وَهَجْرِ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ ، وَتَعَاطَوُا الْحَقَّ بَيْنَكُمْ ، وَتَعَاوَنُوا بِهِ دُونِي ، وَخُذُوا عَلى يَدِ الظَّالِمِ السَّفِيهِ ، وَمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاعْرِفُوا لِذَوِي الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ ، عَصَمَنَا اللّه ُ وَإِيَّاكُمْ بِالْهُدى ، وَثَبَّتَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى التَّقْوى ، وَأَسْتَغْفِرُ اللّه َ لِي وَلَكُمْ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر و غيره ، عمّن ذكره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل سمّاه» .
2- . في الكافي المطبوع : «قد كتبتها» .
3- . في الكافي المطبوع : «لأنّه» .
4- . في الكافي المطبوع : «بغير زوال» .

ص: 352

. .

ص: 353

هديّة :«السبيع» كأمير : أبو بطن من همدان . في القاموس : منهم الإمام أبو إسحاق عمرو بن عبداللّه . ومحلّة بالكوفة منسوبة إليهم أيضا . (1) «عجب» كعلم ، و«تعجّب» بمعنى . (من حسن صفته) أي وصفه وثنائه . (وما ذكره) أي ومن حسن ما ذكره ، فعطف تفسير على صفته . «أمليت» الكتاب و«أمللته» بمعنى أي قرأته . (لا يموت) ؛ إذ الموت والحياة من مخلوقاته ؛ «خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» . (2) (عجائبه) أفاعيله ، أي أفعاله العجيبة ؛ لأنّ كلّ يوم من أيّام الدنيا والآخرة . (مشاركا) يحتمل فتح الراء وكسرها والفتح أولى . والولد مشارك لوالده في شرفه وعزّه . (هالكا) مفعول ل«الموروث» بمعنى الوارث ؛ إذ الموروث بمعنى الموصول إليه الميراث . قال السيّد الأجلّ النائيني : «فيكون موروثا هالكا» لهلاك كلّ حادث ، وحدوث كلّ مولود . (3) (ولم تقع عليه الأوهام) أي بالإحاطة . (ماثلاً) أي شبيها . شبّهه بالأشباح المدركة بالأذهان . قال برهان الفضلاء : وقوع الوهم على شيء عبارة عن تصوّره باسم غير مشتقّ . و«الماثل» : شبيه الشيء في اسم غير مشتقّ . (حائلاً) أي متغيّرا ، من حال يحول ، إذا تغيّر عن حاله . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «خايلاً» بالمعجمة . قال : أي فيكون بعد انتقاله تعالى عن ذلك من مقابلتها وما في حكمها «خايلاً» أي ذا خيال وصورة متمثّلة في المدرك . (4) وقال برهان الفضلاء : يعني بعد انتقالها عنه ومرور الأيّام متغيّرا عن حال إلى حال . (نهاية) أي ليس لأوّليّته أوّل ولا لآخريّته آخر ؛ لأزليّته وأبديّته سبحانه . (لم يسبقه) ؛ إذ الوقت من مخلوقاته . و«التعاور» : التناوب . (ولا يوصف) أي لا يقع الجواب بوضعٍ وكيفٍ عن السؤال عن أينه وحقيقته . (ومكان) ؛ لأنّ الأين والمكان من مخلوقاته وحقيقته لا تدرك لمخلوق . (بطن من خفيّات الاُمور) أي أخفى من كلّ خفيّ بالعدم السبيل لدركٍ إلى ذاته ، وأظهر من كلّ ظاهر بآثاره وآياته . (بحدّ) أي بمعرّف لتمام حقيقته أو بعضها . وضبط السيّد الأجلّ النائيني : «ولا بنغض» بالنون والغين والضاد المعجمتين ، أي ولا بحركة وانتقالٍ من حالٍ إلى حال . (5) وقال برهان الفضلاء : أي فلم يصفوه باسم غير مشتقّ يكون تمام حقيقته ولا باسم غير مشتق يكون بعض حقيقته . (ودلّت عليه بآياته) أي اُممهم بآيات ربوبيّته ، وإشارة إلى قوله تعالى في سورة الشعراء : «قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا» (6) ، وفي سورة طه : «قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» . (7) (فلا مدفع لقدرته) حتى يثبتون إيجابه ، أو ينسبون التدبير إلى الطبائع . (وأقدرهم) : أعطاهم القدرة . في بعض النسخ _ كما في توحيد الصدوق رحمه الله _ : «وعن بيّنة» (8) مكان «وبمنّه» . (و للّه الفضل) أي التفضّل والكرم . (ومعيدا) أي لهم ليوم الحساب . (افتتح الحمد لنفسه) ناظر إلى قوله : «وللّه الفضل مبدئا» كنظيره إلى قوله : «معيدا» . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ومعيدا» حيث لطف بهم ومنَّ عليهم بالحجج من النبيّ والوصيّ . (9) قيل : «افتتح» أي في القرآن . وقال برهان الفضلاء : أي أبواب عبادة الخلق له تعالى ، بمعنى ترغيبهم إليها بجعله فاتحة الكتاب لازمة لصلاتهم . (ومحلّ الآخرة) : مصدر ميمي بمعنى الحلول . وقال برهان الفضلاء : «ومحلّ الآخرة» بفتح الميم وسكون الحاء شدّتها وصعوبتها . (فقال : «وقُضِىَ بَيْنَهُم» ) في سورة الزمر . (10) في بعض النسخ : «بلا تجسّد» على التفعّل مكان التفعيل . وكذا «بلا تمثّل» . وقد سبق معنى الاستواء على العرش . (ينتهى) على ما لم يسمّ فاعله . (إلى حدّه) : إلى كنهه . (وكلّت) : عجزت . و«الطروف» : جمع الطّرف ، وهو تحريك الجَفْن (11) بالنظر . (بالقهر له) أي بالتسلّط والغلبة ، أو اللام للاختصاص ، والضمير له سبحانه . (والمشاهد) أي الحاضر . وقد ذكرت آية «هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ» (12) في الثاني عشر في الباب التاسع عشر . (من الأشباح كلّها) أي من الأعيان كلّها . و«اللغوب» : الإعياء والتعب . و«الإرادة» في (على ما) بمعنى الطلب التكليفي . (وتمكّن) على المضارع الغائبة بحذف إحدى التائين . و«المحامد» : جمع محمدة بكسر الميم الثانية ، وتفتح مصدر ميمي بمعنى الحمد . (كلّها) : مبالغة في التأكيد ؛ للشمول . و«النّعماء» بالفتح والمدّ: النعمة . و«المراشد» : جمع المرشد كمنصب ، من الرُّشد بمعنى استواء الطريق واستقامتها . (فهدى به) مكان «فهدانا» _ كما يقتضيه السياق _ دلالة على أنّ الهداية هنا بمعنى إراءة الطريق ، وإشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» (13) ، وإلى أنّ الهداية المنفيّة في هذه الآية بمعنى الاستنقاذ والإيصال إلى المطلوب . (ومن يعص اللّه ورسوله) أيّ عصيان أفحش؟ وأيّ كفر أغلظ؟ وأيّ عناد أفضح؟ وأيّ قول أقبح؟ وأيّ طريق أهلك من القول بولاية من ادّعى الربوبيّة لنفسه كحلّاج القدريّة وجنيدهم وبسطاميّهم. (فابخعوا بما يحقّ عليكم) بالمفردة ثمّ المعجمة ثمّ المهملة ؛ أي فبالغوا في أداء ما يجب عليكم . قال ابن الأثير في نهايته : فيه: أتاكم أهل اليمن أرقّ قلوبا وأبخع طاعةً ؛ أي أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم ، كأنّهم بالغوا في بَخْع أنفسهم ، أي قهرها وإذلالها بالطاعة . (14) الجوهري : بخع بالحقّ خضع له وأقرَّ به . (15) ونحوه في القاموس . (16) وضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فأنجعوا» بالنون والجيم والمهملة ، على الأمر من الإفعال . قال : «الإنجاع» : الوصول إلى المطلب . ولم أقف على مأخذه . وفي كتب اللغة : نجع الطعام : هنّأ أكله ، والوعظ فيه : دخل وأثّر . وانتجع : طلب الكلأ في موضعه . (17) فلعلّه قصد لازم المعنى . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فانجعوا بما يحقّ عليكم » أي فأفلحوا بما يجب عليكم من الأخذ سمعا وطاعةً وإخلاص النصيحة ، وأن لا تغشّ بخدعة وميل إلى الفساد والضلال، «وتناولوا الحقّ بينكم» . (18) و«الموازرة» : المعاونة . و(المكروهة) هنا بمعنى الممنوعة . (دوني) قيل: أي من غير مراجعة إليّ في كلّ أمر أمر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «دوني» أي عندي وقريبا منّي ، أو قبل الوصول إليّ . (19) وقال برهان الفضلاء : «دوني» أي عندي . ومن الظالمين السفهاء الشيعة المبتلى بالتصوّف؛ مغترّا بما ترى ظاهرا في الصوفي من العزلة والخضوع والاستكانة ومداومة الذكر والسهر وترك الدنيا وغيرها من الأعمال الحسنة ، والتصوّف كوسخ حديد رُصّع بالجواهر النفيسة، وهو من غوامض أفكار الشيطان في أواخر عمره بعد تفريقه الاُمّة على بضع وسبعين فرقة ، (20) وعلمه بأنّ الناجية منهم لا يتهوّد بوسوسته ولا يتنصّر مثلاً وقلّما تهلك بالمعصية ؛ لمكان الزيارات والشفاعات وانفتاح أبواب التوبة إلى المعاينة .

.


1- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 36 (سبع) .
2- . الملك (67) : 2 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 462 .
4- . المصدر .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 463 .
6- . الشعراء (26) : 23 _ 24 .
7- . طه (20) : 49 _ 50 .
8- . التوحيد، ص 32، باب 2، ح 1.
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 464 .
10- . الزمر (39) : 75 .
11- . «الجَفْن» بفتح الجيم وسكون الفاء : جفن العين وهو غطاؤها من أعلاها ومن أسفلها . مجمع البحرين ، ج 6 ، ص 225 (جفن) .
12- . الزخرف (43) : 84 .
13- . القصص (28) : 56 .
14- . النهاية ، ج 1 ، ص 258 (بخع) .
15- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 3 (بخع) .
16- . الصحاح، ج 3، ص 183 (بخع).
17- . الصحاح ، ج 3 ، ص 1288 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 87 (نجع) .
18- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 466 .
19- . المصدر .
20- . إشارة إلى حديث الافتراق الذي رواه الخاصّة والعامّة . راجع الوسائل ، ج 27 ، ص 49 ، ح 33180 ؛ البحار ، ج 36 ، ص 336 ، ح 198 ؛ وج 28 ، ص 29 _ 30 ؛ سنن أبي داود ، ج 2 ، ص 608 ، ح 4597 ؛ سنن ابن ماجه ، ج 2 ، ص 1322 ، ح 3993 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 145 ، ح 12501 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 4 ، ص 477 ، ح 8325 .

ص: 354

. .

ص: 355

. .

ص: 356

. .

ص: 357

. .

ص: 358

. .

ص: 359

باب النوادر

الباب الثالث والعشرون : بَابُ النَّوَادِرِوأحاديثه كما في الكافي أحد عشر .

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عزّوجلّ : «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» فَقَالَ :«مَا يَقُولُونَ فِيهِ؟» قُلْتُ : يَقُولُونَ : يَهْلِكُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَا وَجْهَ اللّه ِ ، فَقَالَ : «سُبْحَانَ اللّه ِ! لَقَدْ قَالُوا قَوْلاً عَظِيما ، إِنَّمَا عَنى بِذلِكَ وَجْهه (2) الَّذِي يُؤْتى مِنْهُ» .

هديّة :المراد ب«النوادر» في العنوان طائفة من الأحاديث الغريبة القريبة من أحاديث التوحيد . (عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة القصص . (3) (قولاً عظيما) بتفسيرهم من عندهم ، وإرادتهم من الوجه الذات ، أو عضوا من الأعضاء تعبيرا بالخبر عن الكلّ . قال برهان الفضلاء : فإنّ اسم الفاعل في المستقبل مجاز بالاتّفاق والتجزّي من لوازم المخلوق ، فاسم الفاعل في الآية ليس بمعنى المستقبل قطعا . فالمعنى كلّ إمامٍ ضالٌّ ومذهبٍ باطلٌ إلّا الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه وطريقته المستقيمة . وقالت الصوفيّة في تفسير هذه الآية للوجود وجهان ؛ وجه الباقي ، ووجه تشكّلاته الفاني . فلقد قالوا قولاً عظيما . و(وجهه الذي يؤتى منه) إنّما هو المعصوم وصراطه المستقيم . وقال بعض المعاصرين : في حديث آخر جعل الضمير راجعا إلى شيء ، وفسّر الوجه بالذات . (4) في بعض النسخ : «وجه اللّه الذي يؤتى منه» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن النعمان ، عن سيف بن عميرة ، عمّن ذكره» .
2- . في الكافي المطبوع : «وجه اللّه » .
3- . القصص (28) : 88 .
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 418 .

ص: 360

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البزنطي ، (1) عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «كُلُّ شَىْ ءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ» قَالَ :«مَنْ أَتَى اللّه َ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَهْلِكُ ، وَكَذلِكَ قَالَ : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» » .

هديّة :(بما أمر به) يحتمل المعلوم وخلافه . و(لا يهلك) على المعلوم من باب ضرب ، أو خلافه من الإفعال . وقرأ برهان الفضلاء على غير المعلوم من التفعيل . هلّكه تهليكا : نسبه إلى الهلاك . قال : والمراد البطلان . (وكذلك قال) أي بإرادة الحصر في سورة النساء (2) : ( «مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ» ) فسّر ب : في جميع ما جاء به صلى الله عليه و آله وسلموأهمّه الإمامة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
2- . في جميع النسخ: «النور» بدل «النساء»، ولكنّ الصحيح ما اُثبت. نعم، الوارد في سورة النور (24): 52 هكذا: «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» الآية .

ص: 361

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سلام ، (2) عَنْ أَبِي سَلَامٍ النَّخَّاسِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«نَحْنُ الْمَثَانِي الَّتِي أَعْطَاها اللّه ُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله ، وَ نَحْنُ وَجْهُ اللّه ِ نَتَقَلَّبُ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، وَنَحْنُ عَيْنُ اللّه ِ فِي خَلْقِهِ ، وَيَدُهُ الْمَبْسُوطَةُ بِالرَّحْمَةِ عَلى عِبَادِهِ ، عَرَفْنَا مَنْ عَرَفَنَا ، وَجَهِلْنَا مَنْ جَهِلَنَا وَإِمَامَةَ الْمُتَّقِينَ» .

هديّة :(نحن المثاني) ناظر إلى قوله تعالى في سورة الحجر : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» ، (3) فسبعا بحسب أسمائهم عليهم السلام : عليّ وفاطمة والحسن والحسين ومحمّد وجعفر وموسى . والمثاني : القرآن . يعني نحن المعصومون بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمالقرآن الناطق . القاموس : والمثاني : القرآن ، أو ما ثنّي منه مرّة بعد مرّة ، أو الحمد ، أو البقرة إلى براءة ، أو كلّ سورة دون الطوال ودون المأتين وفوق المفصّل . واحدها مثنى . (4) الجوهري : والمثاني من القرآن: ما كان أقلّ من المأتين، وتسمّى فاتحة الكتاب مثاني ؛ لأنّها تثنّى في كلّ ركعة ، ويسمّى جميع القرآن مثاني أيضا ؛ لاقتران آية الرحمة بآية العذاب . (5) وقال الصدوق رحمه الله : معنى قوله عليه السلام : «نحن المثاني» أي نحن الذين قرننا النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسّك بالقرآن وبنا وأخبر اُمّته إنّنا لا نفترق حتّى نردّ عليه حوضه . (6) وفي واحد «مثاني» أقوال ؛ فقيل : واحدها «مثنى» بمعنى اثنين اثنين . وقيل : «المثناة» من التثنية وقيل : «مثنية» من الثناء . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «المثاني» جمع «مثناة» بفتح الميم وسكون المثلّثة وفتح النون . قبل الألف وتاء التأنيث : اسم مكان ، بمعنى موضع التكرار . وصيغة منتهى الجموع للكثرة ، يعني الآيات الكثيرة التي نهي فيها عن تبعيّة الرأي والظنّ . و«أعطاها اللّه » إشارة إلى حديث النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «واُعطيت المثاني مكان الزبور» ، (7) أو إشارة إلى قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعا مِنْ الْمَثَانِي» ، (8) أي من جملة الآيات الكثيرة التي هي موضع التأكيد والتكرار . ثمّ قال : والمشهور أنّ المراد بالآيات السبع سورة فاتحة الكتاب ؛ لاشتمالها على ثناء اللّه بصفات الربوبيّة التي لها دلالة صريحة على وجوب وجود إمام مفترض الطاعة عالم بجميع الأحكام في كلّ زمان ؛ ليكون مصداقا لربوبيّة ربّ العالمين . فالمعنى نحن الأئمّة أهل البيت مدلولون للمثاني التي أعطاها اللّه نبيّنا صلى الله عليه و آله وسلم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : إن كان المراد بالمثاني كتاب اللّه وكلامه المجيد أو ما ثنّي منه ، فكون الأئمّة عليهم السلام مثاني باعتبار استقرار كلام اللّه في أنفسهم واشتمالهم عليه وإحاطتهم العلميّة به ، كقول أمير المؤمنين عليه السلام : «أنا كلام اللّه الناطق» . (9) وإن كان المقصود ما بعد الأوّل من جنسه ، فكونهم عليهم السلام من جنسه مثاني باعتبار أنّ كلّ واحد منهم عالم بما اُنزل عليه صلى الله عليه و آله ومتخلّق بأخلاقه يحصل منه الهداية وتعليم علوم الشرائع للناس وانتشارها منه ؛ وذلك من حيث الإمامة لا الرسالة ، وكان في بيته إلى أواخر زمان السابع من الأئمّة كاظمهم عليهم السلام ، ثمّ اشتدّت التقيّة في آخر زمانه ، وحيل بينهم بعد ذلك وبين الأئمّة عليهم السلام (10) بالحبس أو ما يقوم مقامه من التقيّة الشديدة ، وكان بمنزلة الغيبة حتّى لا يتمكّن الطالبون من الاُمّة من سؤالهم ، ولا يتمكّنوا من بيان الحقّ لهم ، ولذا ورد في الكلام العزيز : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» . (11) (ونحن وجه اللّه ) أي وجه رحمته وجهة تقرّبه . (بين أظهركم) أي بينكم . وقال برهان الفضلاء : يعني ونحن طريق معرفة ربوبيّته تعالى بينكم ، نسير بينكم فسهل عليكم امتحاننا في دعوانا أنّ طاعتنا مفترضة على جميع من في الأرض ، وأنّ الجميع في تحت حكمنا ؛ قال اللّه تعالى في البقرة : «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه ِ» (12) . وقال السيّد الأجلّ النائيني : أي نحن وجه اللّه الذي اُمرتم بإتيانه منه ، نتصرّف في الاُمور في الأرض «بين أظهركم» أي وسطكم وفي معظمكم . ويحتمل «يتقلّب» على الغائب ونحن عين اللّه في خلقه ؛ قيل : أي مصطفاه وصفوته . (13) وقال برهان الفضلاء : و«العين» إشارة إلى النظر بالمرحمة ، و«اليد» إلى مسّها على الرأس بالرعاية . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي ينظر بنا إليهم نظر الرحمة بولايتنا أو النقمة ببغضنا ونحن يده المبسوطة بالرحمة فبنا شملتهم الرحمة . (14) وقال بعض المعاصرين : وإنّما هم عين اللّه من حيث كونهم واسطة في رؤيته تعالى للمخلوقين باعتبارٍ ، وباعتبارٍ آخر بالعكس . (15) أقول : كأنّ زعمه أنّه بيان مرموز لا يفهمه العلماء القشريّة عندهم ، أي المنكرين للتصوّف واُصول القدريّة التي يفهم أسرارها كلّ مُشَعبذ وقّاح بل كلّ قلندر شطّاح . (عرفنا من عرفنا) أي عرفنا بطيب الولادة من عَرَفنا بالإمامة ، (وجَهِلَنا) بخبث الولادة من جَهِلَ إمامتنا . واحتمال «عَرْفنا» و«جَهِلْنا» على المتكلّم مع الغير ؛ يعني عرفنا بالميلاد الحلال من عرفنا بالإمامة ولم نعرف به من لم يعرف بها كما ترى . وقال برهان الفضلاء : يعني عرف قدرنا من عرف قدرنا ، وجهل قدرنا من جهل قدرنا وقدر إمامة المتّقين . والمراد أنّ مطلوبنا شيعتنا ولا نبالي بإنكار غيرهم ، كما قال اللّه تعالى في سورة الفرقان : «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما» (16) . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني عرفنا بهذه المعرفة «من عرفنا» بالتقوى الذي لنا بفضله وعصمته ، وعرف إمامة المتّقين «وجهلنا» بهذه من جهل ما لنا من المعرفة والتقوى والعصمة وجهل إمامة المتّقين . (17) وهذه الأوصاف خاصّة بالمعصومين المصابيح للمناهج ، وعددهم مضبوط منحصر بتقدير العزيز العليم وتدبير العدل الحكيم كالسيّارات والأبراج .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن سنان» .
3- . الحجر (15) : 87 .
4- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 309 (ثنى) .
5- . الصحاح، ج 6، ص 2296 (ثنى).
6- . التوحيد ، ص 151 ، باب 12 ، ذيل الحديث 6 .
7- . الكافي ، ج 2 ، ص 601 ، كتاب فضل القرآن ، ح 10 ؛ البحار ، ح 89 ، ص 27 ، ح 31 .
8- . الحجر (15) : 87 .
9- . التوحيد ، ص 164 ، باب 22 ، ح 1 ؛ بصائر الدرجات ، ص 64 ، باب 3 ، ح 13 . وفيهما «لسان» مكان «كلام» . البحار ، ج 30 ، ص 546 .
10- . في المصدر : «الاُمّة» .
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 468 ، بتفاوت يسير .
12- . البقرة (2) : 115 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 468 .
14- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 469 ، بتفاوت .
15- . الوافي ، ج 1 ، ص 420 _ 421 .
16- . الفرقان (25) : 74 .
17- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 469 ، بتفاوت .

ص: 362

. .

ص: 363

. .

ص: 364

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ ابْنِ عَمَّارٍ : (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلِلَّهِ الأَْسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» قَالَ :«نَحْنُ _ وَاللّه ِ _ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللّه ُ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلاً إِلَا بِمَعْرِفَتِنَا» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري ومحمّد بن يحيى جميعا، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمّار».

ص: 365

هديّة :(في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأعراف . (1) «الاسم» : العلامة الدالّة على المسمّى ، وظاهر أنّ من أكمل علامات الربوبيّة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه الدالّ عليه دلالة ظاهرة والهادي إليه هداية باهرة ، فتأويل الآية كما قال عليه السلام ، وللّه الحجج المعصومون فاطلب التقرّب إليه بمعرفتهم عليهم السلام . في بعض النسخ _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني _ : «ونحن واللّه أسماء اللّه الحسنى » وقال : أي الحافظ لها ومظهرها المحيط بمعرفتها .

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ مَرْوَانَ بْنِ صَبَّاحٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِنَّ اللّه َ خَلَقَنَا ، فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا ؛ وَصَوَّرَنَا ، فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا ؛ وَجَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ ، وَلِسَانَهُ النَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ ، وَيَدَهُ الْمَبْسُوطَةَ عَلى عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَوَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتى مِنْهُ ، وَبَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَخُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ ؛ بِنَا أَثْمَرَتِ الْأَشْجَارُ ، وَأَيْنَعَتِ الثِّمَارُ ، وَجَرَتِ الْأَنْهَارُ ؛ وَبِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّمَاءِ ، وَيَنْبُتُ عُشْبُ الْأَرْضِ ؛ وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللّه ُ ، وَلَوْ لا نَحْنُ مَا عُبِدَ اللّه ُ» .

هديّة :(فأحسن خلقنا) أي من الطينة الطاهرة . فإشارة إلى آية التطهير . (3) (وجعلنا عينه في عباده) أي بمنزلة عينه بدلالة خلقنا . و«الوجه» هنا مفسّر صريحا بالجهة والطريق . و«الإثمار» إفعال للصيرورة . وكذا «الإيناع» من «الينع» بتقديم الخاتمة المفتوحة على النون ، وهو نضج الثمر وإدراكه ، أي صار نضيجة . (وينبت) على المعلوم من باب نصر . و«العُشب» بالضمّ وسكون المعجمة : الكلاء الرطب . (وبعبادتنا عبد اللّه ) إمّا بمعنى أنّ حقّ عبادته سبحانه لا يصدر إلّا عن المعصوم ، أو المعنى أنّ بطاعة مفترض الطاعة تقبل العبادة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وبعبادتنا عبد اللّه » أي بمعرفتنا وعبادتنا التي بها نعرفه ونعبده ونهدي عباده إليها ونعلّمها إيّاهم عُبِد اللّه لا بغيرها عمّا يسمّيها العامّةُ معرفةً وعبادةً ، وهذه المعرفة والعبادة إنّما تكون لمن انتجبه اللّه واختاره لحملها وأفاضها عليه ، وأمر عباده بالأخذ منهم والمراجعة إليهم فيها ؛ لئلّا يضلّوا بإغواء الشيطان . (4) واحتمل برهان الفضلاء : «ولولا نحن ما عبد اللّه » على التفعيل المعلوم . فدلالة واضحة على وجوب وجود الإمام ؛ فإنّ الأعلم بالحقائق في هذا النظام صانعها ومدبّرها ألبتّة ، فانحصر الحقّ فيما أخبر به فلابدّ لامتناع الرؤية والمعاشرة الجسمانيّة من واسطة معصوم عاقلٍ عنه تعالى .

.


1- . الأعراف (7) : 180 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الحُسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد اللّه » .
3- . الأحزاب (33) : 33 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 471 .

ص: 366

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عن ابْنِ بَزِيعٍ ، (1) عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تَبارِك وتعالى : «فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ» فَقَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا ، وَلكِنَّهُ خَلَقَ أَوْلِيَاءَ لِنَفْسِهِ يَأْسَفُونَ وَيَرْضَوْنَ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَا نَفْسِهِ ، وَسَخَطَهُمْ سَخَطَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمُ الدُّعَاةَ إِلَيْهِ ، وَالْأَدِلَاءَ عَلَيْهِ ، فَلِذلِكَ صَارُوا كَذلِكَ ، وَلَيْسَ أَنَّ ذلِكَ يَصِلُ إِلَى اللّه ِ كَمَا يَصِلُ إِلى خَلْقِهِ ، لكِنْ هذَا مَعْنى مَا قَالَ مِنْ ذلِكَ ، وَقَدْ قَالَ : «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّا ، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ، وَدَعَانِي إِلَيْهَا» وَقَالَ : «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» وَقَالَ : «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» فَكُلُّ هذَا وَشِبْهُهُ عَلى مَا ذَكَرْتُ لَكَ ، وَهكَذَا الرِّضَا وَالْغَضَبُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يُشَاكِلُ ذلِكَ ، وَلَوْ كَانَ يَصِلُ إِلَى اللّه ِ الْأَسَفُ وَالضَّجَرُ _ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُمَا وَأَشَبأَهُهمَا (2) _ لَجَازَ لِقَائِلِ هذَا أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْخَالِقَ يَبِيدُ يَوْما مَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَهُ الْغَضَبُ وَالضَّجَرُ ، دَخَلَهُ التَّغَيُّرُ ، وَإِذَا دَخَلَهُ التَّغَيُّرُ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ الْاءِبَادَةُ ، ثُمَّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُكَوِّنُ مِنَ الْمُكَوَّنِ ، وَلَا الْقَادِرُ مِنَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ، وَلَا الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، تَعَالَى اللّه ُ عَنْ هذَا الْقَوْلِ عُلُوّا كَبِيرا ؛ بَلْ هُوَ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ لَا لِحَاجَةٍ ، فَإِذَا كَانَ لَا لِحَاجَةٍ ، اسْتَحَالَ الْحَدُّ وَالْكَيْفُ فِيهِ ، فَافْهَمْ إِنْ شَاءَ اللّه ُ تَعَالى» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع» .
2- . في الكافي المطبوع : «وأنشأهما» .

ص: 367

هديّة :(في قول اللّه تبارك وتعالى) في سورة الزخرف . (1) و«الأسف» محرّكة : أشدّ الحزن . أسف على ما فاته كعلم وتأسّف بمعنى . وأسف أيضا عليه : غضب ، وآسفه إيسافا : أغضبه ، أسفونا : أغضبونا . أي صاروا بأعمالهم باعثين على أن نغضب عليهم وننتقم منهم . (أولياء لنفسه) : حججا معصومين ممتازين عن الجميع حسبا ونسبا . (وهم مخلوقون مربوبون) ردّ على القدريّة ؛ إذ بعد الاتّصال على رأيهم الفاسد لا مخلوق قبل الممات أيضا . (فلذلك) أي فلانحصار وصف الاصطفاء والاجتباء فيهم . (صاروا كذلك) أي مختصّين بالإضافات المذكورة . (وليس أنّ ذلك) بفتح الهمزة وتشديد النون ، أي وليس المعنى أنّ ذلك . (وقد قال) في الحديث القدسي : (مَن أهان لي وليّا ...) الحديث . وآية ( «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ» ) في سورة النساء ، (2) وتاليها في سورة الفتح . (3) (على ما ذكرت لك) على الوجه الذي ذكرت . (وهكذا الرِّضا والغضب) قد سبق أنّهما وأمثالهما من صفات الفعل وهي أفعال حادثة . قال السيّد الأجلّ النائيني : قد مرّ مرارا أنّه سبحانه لا يتّصف بصفات المخلوق ، فإطلاق الأسف فيه سبحانه إمّا تجوّز باستعماله في صدور الفعل الذي يترتّب فينا مثله على الأسف ، وإمّا مجاز في الإسناد ، أو من مجاز الحذف كما حمله عليه السلام في هذا الحديث . (4) (والضجر) بالتحريك : السامّة . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وأنشأهما» مكان (وأشباههما) ثمّ قال : وفي بعض النسخ : «وأشباههما» . «بادَ» : زالَ وهلك ، و«الإبادة» : الإهلاك ، قيل : ولعلّ هنا للصيرورة كما يدلّ عليه كلام برهان الفضلاء ؛ حيث فسّرها بالهلاك والزوال . أقول : المضبوط في عامّة النسخ : (التغيير) على التفعيل في الموضعين ، فالمناسب «الإبادة» بمعنى الإهلاك ، وأيضا دخول الضجر من سِمات المخلوق ، فالإدخال والتغيير والإبادة من الغير . (دخله التغيير) أي من حال إلى حال . (لم يعرف المكوّن) أي الخالق الغني من جميع الجهات . (من المكوّن) أي المخلوق المحتاج كذلك ؛ فإنّ المتّصف بالتغيّر ممكن فناقص محتاج إلى مكوّن واجب الوجود لذاته ، غنيّ قادرٍ على كلّ شيء ؛ لكماله من جميع الجهات باستجماعه جميع صفات الكمال . (لا لحاجة) أي لا لنقص من جهة الإمكان والاحتياج . ف(استحال الحدّ) أي التناهي والكيف ؛ إذ كلّ منهما خاصّ بالمتناهي في ذاته . (لا لحاجة) أي منه إلى خلقه في وجوده ، أو كمالاته ؛ لكونه المبدأ الأوّل الأزلي السرمدي الأحديّ المتقدّس عن التكثّر بجهة من الجهات كالفعليّة والقوّة وغيرها، (فإذا كان) كذلك (استحال) عليه (الحدّ) الموقوف على الماهيّة الإمكانيّة (والكيف . فافهم إن شاء اللّه تعالى) . قال برهان الفضلاء : حاصل الاستدلال أنّ شيئا من الكيف لا يمكن أن يكون واجب الوجود ؛ لاحتياجه إلى محلّه ، فممكن بالذات ، وكلّ ممكن حادث مدبَّرٌ بتدبير مُحْدِثِه ، فيستحيل أن يكون خالق العالَمْ ذا كيف ، فإنّ كيفه يكون إذا حادثا بتدبيره ، فيكون الخالق في كماله محتاجا إلى غيره وهو كيفه ، وذلك نقص ينافي الوجوب بالذات باتّفاق أهل الإسلام والزنادقة من الفلاسفة ، وينافي أيضا الخالقيّة باتّفاق أهل الإسلام . فظهر من هذا التقرير أنّ «لأنّه» إلى آخره إشارةٌ إلى الاستدلال الذي مقدّماته مشتركة بين أهل الإسلام والزنادقة . و«ثمّ لم يعرف» إلى آخره إشارةٌ إلى قسم آخر من الاستدلال وهو مختصّ بأهل الإسلام ، فلمّا كان الفرق بينهما دقيقا قال عليه السلام «فافهم إن شاء اللّه » .

.


1- . الزخرف (43) : 55 .
2- . النساء (4) : 80 .
3- . الفتح (48) : 10 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 471 .

ص: 368

. .

ص: 369

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عن البزنطي ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ _ ابْتِدَاءً مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَهُ _ :«نَحْنُ حُجَّةُ اللّه ِ ، وَنَحْنُ بَابُ اللّه ِ ، وَنَحْنُ لِسَانُ اللّه ِ ، وَ نَحْنُ وَجْهُ اللّه ِ ، وَنَحْنُ عَيْنُ اللّه ِ فِي خَلْقِهِ ، وَ نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اللّه ِ فِي عِبَادِهِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر» .

ص: 370

هديّة : (1)يعني نحن أهل البيت المعصومون المنصوصون الممتازون حسبا جميع الأحساب ، ونسبا إلى آدم عليه السلام ذلك تقدير العزيز العليم ليميز الخبيث من الطيّب . وقد علم منّا آنفا بيان «الباب» و«اللّسان» و«الوجه» و«العين» . و«الولاة» : جمع الوالي بمعنى الحاكم . قال برهان الفضلاء : والمراد من «أمر اللّه » هنا : كتاب اللّه ، كما في قوله تعالى في سورة الشورى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا» (2) ، والروح فيها فسّر بما به الحياة الباقيّة . قال السيّد الأجلّ النائيني : هذا القول يعني «ونحن ولاة أمر اللّه في عباده» منه عليه السلام كقول أبي عبداللّه عليه السلام في الحديث السابق : (3) «ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة» . (4)

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، عن البزنطي ، (5) عَنْ حَسَّانَ الْجَمَّالِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي هَاشِمُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ الْجَينيُّ ، (6) قَالَ : سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ :«أَنَا عَيْنُ اللّه ِ ، وَأَنَا يَدُ اللّه ِ ، وَأَنَا جَنْبُ اللّه ِ ، وَأَنَا بَابُ اللّه ِ» .

هديّة :«جين» بالجيم كصين : اسم رجل . وقيل : نسبة إلى «حُبين» كزبير بالمهملة والمفردة اسم رجل . وقيل : إلى «حنين» كذلك بالنون بدل المفردة . قيل : «الجنب» عبارة عن كنف الحماية كما يستفاد من التالي . وقال برهان الفضلاء : يعني أنا مذكور في جنب اللّه كما في آيتي الولاية والإطاعة : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ» الآية ، «أَطِيعُواْ اللَّهَ» الآية .

.


1- . اقتباس من الآية 96 الأنعام (6) : والآية 37 من الأنفال (8) .
2- . الشورى (42) : 52 .
3- . أراد الحديث الخامس من الباب .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 473 .
5- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .
6- . في الكافي المطبوع : «الجنبيّ» .

ص: 371

الحديث التاسعروى في الكافي، بإسناده ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، (1) عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ : عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «يَ_حَسْرَتَى عَلَى مَافَرَّطتُ فِى جَنم_بِ اللَّهِ» قَالَ :«جَنْبُ اللّه ِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه ، وَكَذا (2) مَا كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ بِالْمَكَانِ الرَّفِيعِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلى آخِرِهِمْ» .

هديّة :(في قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الزمر (3) حكايةً عن أهل النار . في بعض النسخ _ : كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وكذلك» مكان «كذا» وقال : يعني الأوصياء الإثني عشر جميعا مذكورون في جنب اللّه ، كما في آيتي الولاية ، (4) والطاعة . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني أنّ المراد بجنب اللّه الحجج عليهم السلام في كلّ اُمّة ، وفي هذه الاُمّة المرحومة أمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء من بعده إلى آخرهم صاحب الزمان عليهم السلام . (6) (بالمكان الرفيع) أي المخصوص بالإمامة . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع» .
2- . في الكافي المطبوع : «كذلك» .
3- . الزمر (39) : 56 .
4- . . المائدة (5): 55 .
5- . النساء (4) : 59 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 473 . وفيه - : «إلى آخرهم صاحب الزمان عليه السلام » .
7- . المائدة (5): 55؛ النساء (4): 59.

ص: 372

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الصَّلْتِ ، عَنِ الْحَكَمِ وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ حَبِيبٍ ، عَنْ الْعِجْلِيِّ ، (2) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«بِنَا عُبِدَ اللّه ُ ، وَبِنَا عُرِفَ اللّه ُ ، وَبِنَا وُحِّدَ اللّه ُ ، وَمُحَمَّدٌ حِجَابُ اللّه ِ تَبَارَكَ وَتَعَالى» .

هديّة :قد علم بيان (بنا عُبِدَ اللّه ) ونظيريه في هديّة الخامس . (ومحمّد حجاب اللّه ) أي أوّلنا وأقدم الحجج في التوسّط بين اللّه وبين خلقه للدلالة إلى ما هو الحقّ والهداية إلى الصراط المستقيم ، ونوره صلى الله عليه و آله أوّل الأنوار المخلوقة وأقدمها ومنتهاها نور الحجاب ، فلا واسطة بينهما من سائر مخلوقاته سبحانه . وفسّر برهان الفضلاء «الحجاب» بالرسول ، من الحجابة بمعنى الرسالة ، وظاهر بيانه أنّه قرأ على صيغة المبالغة ، قال : يعني رسول اللّه والواسطة بين اللّه وبين خلقه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله أي هو الواسطة والحائل بين اللّه وبين كلّ خلقه ، وكما لا يمكن الوصول إلى المحبوب إلّا بالوصول إلى حجابه كذلك هو صلى الله عليه و آله بالنسبة إلى جميع خلقه حتّى الأئمّة عليهم السلام والأرواح النوريّة . أو المراد أنّ نفسه صلى الله عليه و آله النور المشرق منه سبحانه ، وأقرب شيء منه كما يدلّ عليه قوله عليه السلام : «أوّل ما خلق اللّه نوري» (3) ومنه الحجاب لنور الشمس .

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، (4) عَنْ مُوسَى بْنِ قَادِمٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ مَا ظَ_لَمُونَا وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تَعَالى أَعْظَمُ وَأَعَزُّ وَأَجَلُّ وَأَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ ، وَلكِنَّهُ خَلَطَنَا بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ ظُلْمَنَا ظُلْمَهُ ، وَوَلَايَتَنَا وَلَايَتَهُ ؛ حَيْثُ يَقُولُ : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ» يَعْنِي الْأَئِمَّةَ مِنَّا» . ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : «وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور» .
2- . في الكافي المطبوع : «بريد العجلي» .
3- . عوالي اللآلي ، ج 4 ، ص 99 ، ح 140 ؛ وعنه في البحار ، ج 1 ، ص 97 ، ح 7 ؛ وعن جابر في ج 15 ، ص 24 ، ح 44 . وقريب منه في معاني الاخبار ، ص 306 ، ح 1 ؛ الخصال ، ص 481 ، ح 55 .
4- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عبد اللّه ، عن عبد الوهّاب بن بشر» .

ص: 373

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة البقرة . (1) (وأمنع) وأرفع . (خلطنا) على المعلوم من باب نصر؛ حيث يقول في سورة المائدة . (2) قيل : (ثمّ قال في موضع آخر) : كلام زرارة يعني ثمّ قرأ الإمام عليه السلام في مكان آخر هذه الآية من سورة البقرة . (3) (ثمّ ذكر) وفسّر كما فسّر أوّلاً . وقال برهان الفضلاء : «في موضع آخر» يعني في سورة الأعراف . «ثمّ ذكر» يعني مضمون الآية في البقرة والأعراف بلفظ آخر ، ومثل ما قال في أواخر سورة الأعراف وهو قوله تعالى : «وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ» ؛ (4) إذ تقديم المفعول دلالة على قصر القلب . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يعني ثمّ قال اللّه سبحانه في موضع آخر من كتابه «وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (5) ، ثمّ ذكر سبحانه مثله في كتابه من إسناد ما لهم من الرضا والغضب والأسف وأمثالها إلى نفسه في مواضع كثيرة . (6)

.


1- . البقرة (2) : 57 ؛ الأعراف (7) : 160 .
2- . لعلّه أراد بهذا ما قاله النائيني في الحاشية على اُصول الكافي من أنّ اللّه خلط الأئمّة بنفسه وذكرهم مع ذكره، وجعل ظلمهم ظلمه وولايتهم ولايته ، واستشهد بآية الولاية. المائدة (5) : 55 .
3- . في «ب» و «ج» : + «والأعراف بلفظ آخر» .
4- . الأعراف (7) : 177 .
5- . البقرة (2) : 57 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 474 ، بتفاوت يسير .

ص: 374

باب البداء

الباب الرابع والعشرون : بَابُ الْبَدَاءِوأحاديثه كما في الكافي سبعة عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ، (1) عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ :«مَا عُبِدَ اللّه ُ بِشَيْءٍ مِثْلِ الْبَدَاءِ» .

هديّة :يعني مثل الإقرار بالبداء وحقّيّته ؛ فإنّه الإقرار باختصاص علم الغيب باللّه تبارك وتعالى ، وبكونه قادرا مختارا في الفعل والترك يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء . يُقال : بدا له في هذا الأمر كغزا بدوّا . والاسم : «البداء» بالفتح والمدّ ، أي نشأ وظهر له أمر آخر وحكم جديد لم يكن من قبل . قال في المصباح : بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أوّلاً . والاسم : «البداء» مثل سلام . (2) و«البداء» في أفعال اللّه : عبارة عن المحو والإثبات ؛ قال اللّه عزّ وجلّ في سورة الرعد : «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . (3) و«البداء» في حقّه تعالى حقّ بالكتاب والسنّة وإجماع أهل الحقّ وثبوت المعجزات الظاهرة الباهرة المتظافرة المتوافرة المتواترة أيضا من البراهين القاطعة لحقّيّته في حقّه تعالى . ومنها أنّه لولاه لانتفى فائدة كثير من الأوامر والنواهي لا سيّما الأمر بالدّعاء والتصدّق . وبالإقرار بحقّيّته يبطل الإيجاب كما زعمت الفلاسفة ، وكون الأفاعيل والآثار باقتضاء الطبائع كما توهّم الطبيعيّون في كلّ شيء والصوفيّة في ذات الوجود ، وقول اليهود ومن يقفوا إثرهم ؛ حيث قالوا : فرغ اللّه من الأمر ؛ (4) ولذا بالغ الحجج عليهم السلام في إثباته والحثّ على الإقرار بمثل قولهم : «ما عبد اللّه بشيء مثل البداء» . والوجه بينه وبين ما سبق في الثاني عشر من الباب الأوّل في كتاب العقل حيث قال : «يا هشام، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما عُبد اللّه بشيءٍ أفضل من العقل» أنّ الإقرار بحقّيّة البداء في حقّه تعالى هو العقل . وبالبداء يظهر المعجزات ، فيمحو اللّه ما هو المقتضي العادي للطبائع ويثبت خلافه . وبالبداء يقطع باختصاص علم الغيب به سبحانه . والقول بحقّيّة البداء في حقّه سبحانه من خواصّ مذهب أهل البيت عليهم السلام . وتوضيح المقام : أنّ الإخبار مثلاً بصدور أمر دون الإخبار باستثنائه أو شرط صدوره أو سبب انتفائه أو تعليقه بالمشيئة بقوله : إن شئت ، أو إن شاء اللّه مع علم المخبر بالجميع لا يستلزم عدم علمه بالجميع وعنده اُمّ الكتاب . وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا عاديّا كإحراق النار ، أو ثابتا بدون العلم بشرط انتفائه _ مثلاً _ كإماتة إسماعيل ؟ أو هل يثبت إلّا ما لم يكن ثابتا عاديّا كتكلّم الشجر والحجر ، أو لم يكن ثابتا بدون العلم بشرط صدوره كإمامة الكاظم عليه السلام ؟ والخامس عشر توضح لك خلاصة ما في الباب إن شاء اللّه تعالى ، فكما أنّه تعالى يخبر بالمحتوم يخبر بما يقع إن شاء ولا يقع إن لم يشأ . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : البداء في حقّه تعالى أن يظهر في ثاني الحال علما كان مخفيّا عنده تعالى ، وفي حقّ الخلق أن يظهر له رأي بعد أن لم يكن . فمعنى البداء في حقّه تعالى ظهور إرادة وتقدير عند الخلق لم يكن ظاهرة قبل ، سواء كان مظنونهم خلافه أو لم يكن . (5) وقال برهان الفضلاء : البداء في حقّه تعالى صدور شيء من أفعاله تعالى في وقت لم يكن ذلك الصدور قبل ذلك الوقت معلوما لغيره تعالى ، فمظنون لغيره أو مشكوك فيه . فالبداء مستلزم لمحو ظنّ الإمام إن كان ظنّه خلاف مقتضى ذلك ، ومستلزم لإثبات علم الإمام إن كان شكّ في مقتضى ذلك . وبهذا يدفع طعن الحشويّة في جملة جهالاتهم على الإماميّة: أنّ قولهم بالبداء يرجع إلى نسبة الجهل السابق وحدوث العالَم . وفي الصحيح (6) البخاري في حديث الأقرع والأبرص والأعمى : «بدا للّه أن يبتليهم» . (7) وإنّما لم يعبد اللّه بشيء مثل البداء ؛ لأنّ الإقرار به إيمان بالغيب بمعنى الإقرار باختصاص علم الغيب باللّه سبحانه . أقول : ثابت أنّ الحجّة لا يخبر إلّا بإذن اللّه وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بأجَلِ ذلك اليهوديّ الحطّاب واُخّر بتصدّقه فأخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بأنّ للّه بدا فيما أخبرت به للصدقة . فقول برهان الفضلاء : فالبداء مستلزم لمحو ظنّ الإمام أو إثباته ، إيماءٌ إلى ما هو الحقّ الدافع للإشكال ، كما سنتلو عليك في هديّة الخامس إن شاء اللّه تعالى . فقصده من ظنّ الإمام أنّ الإمام يعلم بعلامة باهرة أنّ المُخْبَر به بعضُ العلم أو تمامه ، فإذا كان بعضه فظنّ أو شكّ وقوعه أو لا وقوعه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : تحقيق القول في البداء أنّ الاُمور كلّها _ عامّها وخاصّها ، ومطلقها ومقيّدها ، ومنسوخها وناسخها ، مفرداتها ومركّباتها ، وإخباراتها وإنشاءاتها بحيث لا يشذّ عنها شيء _ منتقشة في اللّوح ، والفائض منه على الملائكة والنفوس العِلْويّة والنفوس السفليّة قد يكون الأمر العامّ ، أو المطلق ، أو المنسوخ حسب ما يقتضيه الحكمة الكاملة من الفَيَضان في ذلك الوقت، ويتأخّر المبيّن إلى وقت يقتضي الحكمة فَيَضانَه فيه ، وهذه النفوس العِلْويّة وما يشبهها يعبّر عنها بكتاب المحو والإثبات . والبداء عبارة عن هذا التغيّر في ذلك الكتاب من إثبات ما لم يكن مثبتا ، ومحو ما اُثبت فيه . والروايات كلّها تنطبق عليه . وبملاحظة جميعها يُهتدى إليه . وإنّما بالغوا عليهم السلام في إثبات البداء ؛ ردّا على اليهود ومن تابعهم ؛ حيث قالوا : إنّ اللّه تبارك وتعالى فرغ من الأمر ، (8) فقالوا عليهم السلام _ كما ورد به التنزيل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ» . الرعد (13): 39. وهل يمحى إلّا ما كان مثبَتا؟ وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟ وإنّما لم يعبد اللّه بشيء مثل البداء ؛ لأنّ فيه الإقرارَ بما في كتاب اللّه ، وتصديقَه وتصديقَ أنبيائه ورسله والراسخين في العلم ، وسدّ سبيل الوساوس النفسانيّة والشيطانيّة في إنكار الأنبياء والأوصياء بالتغيّر فيما أضمروا (9) به من غير ما اُمروا بتبليغه من الشرائع إن خصّص البداء بما دون النسخ في الأوامر والنواهي ، وفيما جاءوا به مطلقا إن عمّم . (10) انتهى . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله : القول في حقّه تعالى بالبداء ؛ ردّ على اليهود ؛ حيث قالوا : إنّه تعالى فرغ من الأمر ؛ لأنّه عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدّر كلّ شيء على وفق علمه . وملخّص الردّ : أنّ له تعالى إرادات حادثة ، والبداء بحسب الإرادة لا بحسب العلم المحيط بالجميع فيقدّم المؤخّر بالإرادة ويؤخّر المقدّم بالإرادة . قول المتكلّمين : إنّ إرادته أزليّة ، يعني علمه أزليّ . وإنّما لم يعبد اللّه ولم يعظّم بشيء مثل البداء ؛ لأنّ مدار استجابة الدعاء والرغبة إليه سبحانه والرهبة منه وتفويض الاُمور إليه وأمثال ذلك على ثبوت البداء في حقّه تعالى . وقال بعض المعاصرين : اعلم أنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الاُمور دفعة واحدة ؛ لعدم تناهي تلك الاُمور ، بل إنّما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا وجملة فجملة مع أسبابها وعللها على نهج مستمرّ ونظام مستقرّ ؛ فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة للّه ونتايج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا كان كذا ، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمرٍ مّا في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربما تأخّر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقية الأسباب لولا ذلك السبب ولم يحصل لها العلم بذلك بعد ؛ لعدم الاطّلاع لها على سبب ذلك السبب ، ثمّ لمّا جاء أوانه واطّلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فيمحى عنها نقش الحكم السابق ويثبت الآخر . (11) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة بن أعين».
2- . المصباح ، ج 1 ، ص 40 (بدا) .
3- . الرعد (13) : 38 _ 39 .
4- . تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 171 ، ذيل الآية 64 من المائدة (5) ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 98 ، ح 6 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 .
6- . كذا في جميع النسخ.
7- . صحيح البخاري ، ج 3 ، ص 1276 ، ح 3277 .
8- . تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 171 ، ذيل الآية 64 من المائدة (5) ؛ وعنه في البحار ، ج 4 ، ص 98 ، ح 6 .
9- . في المصدر : «بالتغيير فيما أخبروا به» مكان «بالتعيّر فيما أضمروا به» .
10- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 475 .
11- . الوافي ، ج 1 ، ص 507 _ 508 .

ص: 375

. .

ص: 376

. .

ص: 377

. .

ص: 378

الحديث الثانيروى في الكافي ، وَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَا عُظِّمَ اللّه ُ بِمِثْلِ الْبَدَاءِ» .

هديّة :(ما عظّم اللّه ) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل ؛ فإنّ الإقرار بحقّيّة البداء في حقّه تعالى إيمان بالربّ الصانع القادر المختار الذي لا إله إلّا هو لا يعلم الغيب إلّا هو ، وبكتبه ورسله وأئمّته عليهم السلام . قال برهان الفضلاء : إنّما لم يعظّم اللّه بمثل البداء ؛ لأنّ تعظيم هذا الإقرار رأس سائر تعظيماته تعالى كما ظهر من شرح السابق . وقال الفاضل الإسترابادي : لأنّ القول بالبداء في حقّه تعالى ردّ على اليهود ؛ حيث زعموا أنّه فرغ من الأمر ؛ لأنّه عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدّر كلّ شيء على وفق علمه . وملخّص الردّ : أنّه يتجدّد له إرادات وتقديرات كلّ يوم بحسب المصالح المنظورة له تعالى . (1)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 .

ص: 379

الحديث الثالثروى في الكافي عن الثلاثة ، (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ فِي هذِهِ الْايَةِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ» قَالَ : فَقَالَ :«وَهَلْ يُمْحى إِلَا مَا كَانَ ثَابِتا؟ وَهَلْ يُثْبَتُ إِلَا مَا لَمْ يَكُنْ؟» .

هديّة :(في هذه الآية) في سورة الرعد . (2) و(هل) في الموضعين للاستفهام الإنكاري . يعني هذه الآية من البراهين القاطعة على حقّية البداء في حقّه تعالى وبطلان الإيجاب وتعميم علم الغيب . (وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا) كعلم الإمام بشيء بدون العلم بشرطه ، وكإحراق النار . (وهل يثبت إلّا ما لم يكن) كتقديم المعلوم تأخيره للغير لعدم علمه بالمانع للتأخير ؛ أو الباعث للتقديم وكتكلّم الشجر . قال السيّد الأجلّ النائيني : «وهل يمحى» استدلال منه عليه السلام بهذه الآية التي قال وتكلّم فيها بحقّيّة البداء ومحو المثبَت وإثبات ما لم يكن في كتاب المحو والإثبات . (3) يعني النفوس العلويّة وما يشبهها . وقال برهان الفضلاء : فسّر عليه السلام هذه الآية في سورة الرعد : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلَا بِإِذْنِ اللّه ِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» (4) ، وفيه إشارة إلى أنّ النزاع في الخلافة إذا وقع بين المنسوبين إلى رسول فلمّا لا يجوز له تعيين الوصيّ _ وهو آية بيّنة من آيات الربوبيّة _ إلّا بإذنه تعالى ووحيه ، فيجب الرجوع حينئذٍ إلى المعيار الذي قرّره اللّه تعالى لذلك ، وذلك أنّ لكلّ سَنَةٍ كتاب على حدة لَيعيّن فيه وقت الحوادث التي يحتاج الإمام إلى العلم بها إلى القابل ، تتنزّل الملائكة والروح فيها بذلك الكتاب على إمام الزمان ، لا على نهج الوحي لاختصاصه بالنبيّ بل على طريق التحديث ، بمعنى تذكير مقدّمات معلومة مترتّبة منتجة لِتُعيِن على استنباط أحكام متشابهات القرآن من محكماتها ؛ قال اللّه في سورة النساء : «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ» ، (5) فإن كان ما في كتاب كلّ سَنَةٍ بعضه غير مطابق لما ظنّه الإمام، فما يمحى هو ذلك الظنّ ، وإلّا فما يثبت هو علم الإمام بصيرورة شكّه علما ثابتا . واُمّ الكتاب عبارة عن كتاب وقت الظهور ظهور القائم عليه السلام . ويظهر من ذلك الكتاب مضامين جميع كتب المحو والإثبات السابقة ، كظهور الولد من بطن اُمّه . وليس مضمون ذلك الكتاب معلوما لأحد قبل القائم عليه السلام وعلمه عند اللّه إلى زمان ظهور صاحب الزمان صلوات اللّه عليه . وكما يسمّى كتاب المحو والإثبات باُمّ الكتاب يسمّى باللوح المحفوظ وبالبيت المعمور .

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .
2- . الرعد (13) : 39 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 476 .
4- . الرعد (13) : 38 _ 39 .
5- . النساء (4) : 83 .

ص: 380

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا بَعَثَ اللّه ُ نَبِيّا حَتّى يَأْخُذَ لَه (2) ثَلَاثَ خِصَالٍ : الْاءِقْرَارَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ ، وَخَلْعَ الْأَنْدَادِ ، وَأَنَّ اللّه َ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .
2- . في الكافي المطبوع : «عليه» .

ص: 381

هديّة :(الإقرار له بالعبوديّة) يعني بأنّ العبد عبد دائما حتّى أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه و آله والمعبود معبود دائما ومنزّه عن أن يكون تارةً عبدا ومعبودا اُخرى ، كما قالت الصوفيّة: إنّ وصف العبوديّة تنقلب في نهاية سلسلة العود باصطلاحهم أخذا من التناسخيّة . (وخلع الأنداد) أي بالتوحيد الخالص ونفي الشركاء في القِدَم كما زعمت الفلاسفة والثنوية والأشاعرة ومن يقفوا إثرهم . (وأنّ اللّه يقدّم ما يشاء) يعني الإقرار بأنّه قادر مختار لا يعلم الغيب إلّا هو . ليس بدّ للقدريّ أن يقول معنى هذا الحديث: إنّ اللّه ما بعث نبيّا حتّى يأخذ عليه الإقرار بكونه عبدا في سلسلة البدو ، ومعبودا في منتهى العود ، وبأنّ تشكّلاته ليست أندادا له ، وبثبوت العلم والحكم والبداء ، ونقش كلّ حادث أوّلاً للقوى المنطبعة الفلكيّة ثمّ للنفوس المرتاضة المتّصلة بالعقل الفعّال والمبادئ العالية. ولو كان جوكيّا من الجواكي لم يتفكّر ما بال ولد الزّنا حيث يمتنع نجاته من النار وإن صرف عمره في الطاعة وتتبّع الآثار . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لا يخفى ما في هذا الحديث من المبالغة في إثبات البداء بجعله ثالث الإقرار بالاُلوهيّة والتوحيد؛ ولعلّه ذلك لأنّ إنكاره يؤدّي إلى إنكاره سبحانه . (1) وقال الفاضل الإسترابادي : يقدّم ما يشاء ؛ أي يقدّره في اللوح المحفوظ أوّلاً على وجه ، ثمّ يغيّر ذلك إلى وجه آخر ، وهذا هو البداء في حقّه تعالى . (2)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 476.
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125.

ص: 382

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ حُمْرَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» قَالَ :«هُمَا أَجَلَانِ : أَجَلٌ مَحْتُومٌ ، وَأَجَلٌ مَوْقُوفٌ» .

هديّة :(عن قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنعام : «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ» (2) ، قيل : «وأجل» مبتدأ خصّص بمقابلته ب«أجلاً» و«مسمّى عنده» خبره. وقيل : بل مخصّص بالصفة ، والخبر «عنده». (هما) أي الأجل المقضيّ ، والأجل المسمّى. و«الأجل المحتوم» هو الذي قضاه وعلّمه ملائكته ورسله علما تامّا ، بمعنى عدم كونه موقوفا على شرط لا يعلم مثلاً أو معلّقا بالمشيئة. و«الأجل الموقوف» هو المخزون عنده تعالى من دون أن يطّلع عليه أحد من خلقه كما في الأخبار الآتية . ولعلّ المراد بالتعليم كما قلنا ، ويجيء في السابع ونظيره: تعليم العلم بأمر تمام العلم دون الأعمّ من التعليم بتمامه وبعضه ، فلا إشكال إذا أخبر حجّة من حججه تعالى بأمر ولا يخبر إلّا بما أخبره اللّه به فظهر خلافه بدعاء أو تصدّق أو حِكْمة من حِكَم اللّه سبحانه . ومثل العلم بعضه مُخْبَر به وبعضه مخزون ، أو إخبار معلّق بالمشيئة ، فالإخبار يكون ببعض العلم دون بعض ، بخلاف التعليم فإنّه لا يكون إلّا بتمام العلم. وإنّما لا يقدح ذلك في حُجّيّة الحجّة لأنّها لا تقبل إلّا من الحجّة المعصوم المنصوص الثابت حجّيّته بآيات الحجّيّة ودلالتها . قال برهان الفضلاء : «المحتوم» ما هو المعلوم للمعصوم في ليلة القدر . و«الموقوف» ما هو المخزون عنده تعالى . فالمحتوم تفسير للمقضيّ ، والموقوف تفسير للمسمّى عنده . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «هما أجلان» فالذي قضاه مقترنا بالإمضاء «أجل محتوم»؛ لأنّه ثابت بقضائه سبحانه ، والذي سمّاه وجعله مُعْلما بالعلامات في تقديره «أجل موقوف» فإن قضاه وأمضاه حُتم ، وإن غيّره قضاء بالإمضاء حُتم غيره ولا يقع سواه . (3) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : يعني النقوش اللوح المحفوظ _ وهي المشيئة والإرادة والتقدير كما سيجيء في كلامهم عليهم السلام _ قسمان ؛ قسم حتمه اللّه تعالى ؛ أي لن يمحوه ويعمل على وفقه . وقسم موقوف حتمه على مشيئة جديدة . فعلم من ذلك تجدّد إرادته تعالى ، هذا هو معنى البداء في حقّه تعالى . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد».
2- . الأنعام (6): 2 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 476 _ 477.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 _ 126 .

ص: 383

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «أَوَ لَمْ يَرَ الْاءِنسَ_نُ أَنَّا خَلَقْنَ_هُ مِن قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْ_?ا» قَالَ : فَقَالَ :«لَا مُقَدَّرا وَلَا مُكَوَّنا» . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ : «هَلْ أَتَى عَلَى الْاءِنسَ_نِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْ_?ا مَّذْكُورًا» فَقَالَ : «كَانَ مُقَدَّرا غَيْرَ مَذْكُورٍ» .

هديّة :الآية الاُولى نقل بالمعنى ، أو سهو من النسّاخ؛ فإنّها في سورة مريم هكذا : «أَوَلَا يَذْكُرُ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئا» (2) ، وفي سورة يس هكذا : «أَوَلَمْ يَرَ الْاءِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» . (3) قل للقدري : ألا ترى أنّ مخلوقا من أخسّ الأشياء وأخبثها بكمال جهالته _ كفرعون _ لا يرضى بالإمامة والنبوّة ويدّعي الاُلوهيّة؟! ألم يقل ابن عربيّكم: إنّي كلّفت الإمامة وألقيت على منكبي كالرداء فلم أرض بها؟! ألم يقُل حلّاجكم ما قال بذلك الحسب والنسب ، وكذا بسطاميّكم؟! . وتفسير الآية الاُولى دلالة على أنّ المعنى: إنّا أردنا خلقه من طين أو نطفة إرادةً حادثةً بدت بعد أن لم تكن من قبل أن يولد أو يكلّف. (لا مقدّرا) بصورته بتقدير حادث بمعنى إرادة حادثة ، (ولا مكوّنا) بتمام خلقته بتكوين كذلك . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «شيئا» أي شيئا معتدّا به . «لا مقدّرا» أي بصورته «ولا مكوّنا» أي لا مسكّنا في الرحم. من التكوين بمعنى تسكين الشيء في مكان معيّن . والمراد من التفسيرين بيان جهل الخلائق بالغيب ليثبت البداء . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «لا مقدّرا و لا مكوّنا» يعني قد مضى على الإنسان وقت لم يكن هو موجودا في الأرض ، مذكورا بين أهل الأرض ، ولم يكن تقديره أيضا _ أي نقشه _ موجودا في اللّوح المحفوظ ، فعلم تجدّد إرادته تعالى وتجدّد تقديره ، وهو معنى البداء في حقّه تعالى . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالخلق في الآية إمّا التقدير ، أو الإيجاد والإحداث العيني . وعلى الأوّل معناه قدّرنا الإنسان أو وجوده ، ولم يكن تقديرا في الإنسان مسبوقا بكونه مقدّرا أو مكوّنا في فرد . وعلى الثاني أوجدناه ولم يكن إيجادا مسبوقا بتقدير سابق أزليّ ، بل بتقدير كائن ، ولا مسبوقا بتكوين سابق . وقوله : «غير مذكور» أي غير مذكور ومثبت في الكتاب الذي يقال لذلك الكتاب: كتاب المحو والإثبات ، أو غير مذكور لما تحت اللّوح المحفوظ . (5) انتهى . قد عرفت في هديّة الأوّل تفسير السيّد كتاب المحو والإثبات بالنفوس العِلْويّة وما يشبهها ، وقد سمعت أخي الصّلبي الفاضل الثقة سراج الإمام مولانا محمّد قاسم التبريزي سلّمه اللّه تعالى وكان قد تلمّذ حينا من الدهر في خدمة السيّد رحمه اللهبعد تلمّذه مدّة مديدة في ملازمة برهان الفضلاء سلّمه اللّه يقول : سمعت السيّد يقول : من أراد فلسفة غير مخالفة للإسلام فعليه بتعليقاتي هذه على اُصول الكافي .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني ، عن عليّ بن أسباط ، عن خَلَف بن حمّاد».
2- . مريم (19) : 67 .
3- . يس (36) : 77 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 477.

ص: 384

. .

ص: 385

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيٍّ ، (1) عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«الْعِلْمُ عِلْمَانِ : فَعِلْمٌ عِنْدَ اللّه ِ مَخْزُونٌ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدا مِنْ خَلْقِهِ ؛ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ ، فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ ؛ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ وَلَا مَلَائِكَتَهُ وَلَا رُسُلَهُ ؛ وَعِلْمٌ عِنْدَهُ مَخْزُونٌ ، يُقَدِّمُ (2) مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ (3) مَا يَشَاءُ ، وَيُثْبِتُ منه (4) مَا يَشَاءُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمادّ بن عيسى ، عن ربعي بن عبد اللّه ».
2- . في الكافي المطبوع: + «منه».
3- . في الكافي المطبوع: + «منه».
4- . في الكافي المطبوع: - «منه».

ص: 386

هديّة :قد علم في هديّة الخامس أنّ الأثنينيّة في علمه تعالى إنّما هي باعتبار التعليم وعدمه ، وأنّ الإشكال لا يندفع إلّا بتخصيص التعليم بالمحتوم على ما عرفت. (لا يكذب) على المعلوم من الإفعال أو التفعيل ؛ يعني لا يجعل نفسه كاذبا عند الملائكة والرُّسل ، ولا ملائكته عند الرسل ، ولا رسله عند الناس . قال برهان الفضلاء : «لم يُطلع عليه أحدا من خلقه» كوقت ظهور القائم عليه السلام «فما علّمه ملائكته ورسله في ليالي القدر فإنّه سيكون». والبداء إنّما هو في المخزون الموقوف عنده تعالى ، إمّا مستلزم لمحو ظنّ الإمام ، أو إثبات علمه على ما سبق بيانه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «العلم علمان» إلى آخره . الحاصل : أنّ التقدير _ وهو النقش في اللوح المحفوظ _ قسمان : قسمٌ مكتوب فيه: إن شئت ، وقسمٌ ليس بمكتوب فيه ذلك . والثاني هو المحتوم. واللّه سبحانه وتعالى يُعلِّم أنبياءه المنقوش بقسميه على ما نقش ، ولا يُعلّمهم ما ليس بمنقوش من الاحتمالات الثلاثة التي سيكون في القسم الأوّل من النقش ، ثمّ إذا صار أحد الاحتمالات الثلاثة محتوما يصير منقوشا ، وحينئذٍ يعلّم أنبياءه النقش الثاني أيضا . (1) انتهى بيانه. مؤيّد لبياننا في دفع الإشكال في هديّه الخامس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لعلّ المراد به تقسيم العلم إلى علم علّمه الملائكةَ والرّسلَ للتبليغ فما فيه من الأخبار سيكون ، وعلم لم يأمر بتبليغه كالمعدود من الغيب. وهذا علمٌ مخزون لم يُنزله على أحد للتبليغ ، والمُفاض منه ومن الداخل فيه على النفوس العِلْويّة وما يتلوها يجري فيه التقدّم والتأخّر . «فما علّمه ملائكته ورسله» للتبليغ والإرسال «فإنّه سيكون» ولا يدخله التغيّر ؛ لأنّ دخول التغيّر فيما يبلّغه منه سبحانه ينجرّ إلى تكذيب المخبر به والحكيم لا يفعل ما ينقض غرضه ، وينجرّ إلى تكذيب ملائكته ورسله ، أو تكذيب نفسه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا . (2) أقول : أنت خبير بأنّ الإشكال المذكور في هديّة الخامس لا يندفع ببيانات هؤلاء الفضلاء كما ينبغي إلّا بتمحّلات بعيدة فيها ، على (3) أنّ المنسوخ من الأحكام بالتبليغ قبل النسخ وبعده فالأولى ما بيّناه من تخصيص التعليم موافقا لهذا الحديث الصريح في أنّ ما أخبر به مَلَك أو حجّة من حجج اللّه سيكون ألبتّة ولا يتغيّر بالبداء قطعا ، فالإخبار ببعض العلم قد يتغيّر لمخزونيّة تمامه ففيه البداء ، وللحجّة إذن الإخبار بالمعلّق بالمشيئة معلّقا بها صريحا أولا . وأمّا التعليم يعني الإخبار بتمامه فمحتوم لا يتغيّر أبدا. والعلم بأنّ إخبارا بأمر كذا إخبارٌ ببعض علمه أو تعليم بتمامه خاصّ بالمعصوم. وإنّما لا نكذّب المُخْبِر لو أخبر بالأوّل الذي فيه البداء فتخلّف وتغيّر؛ لأنّ حجّيّته ثابتة بالنصّ ، ودلالاتها المذكورة مفصّلة في أحاديث كتاب الحجّة ، وستعرفها ببيانها إن شاء اللّه تعالى . وقال بعض المعاصرين _ بناءً على الأصل الثابت عنده من الفلاسفة والقدريّة _ : العلم علمان؛ وذلك لأنّ صور الكائنات كلّها منتقشة في اُمّ الكتاب المسمّى باللّوح المحفوظ تارةً _ وهو العالم العقليّ والخلق الأوّل _ وكتاب المحو والإثبات اُخرى ، وهو العالم النفسيّ والخلق الثاني. وأكثر اطّلاع الأنبياء والرسل على الأوّل وهو محتوم من المحو والإثبات ، وحكمه محتوم بخلاف الثاني فإنّه موقوف. (4) قد عرّفنا لك تحقيقه في معنى البداء في هديّة الأوّل فلا تنس إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126.
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 477 _ 478.
3- . في «ب» و «ج» : - «على» .
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 512.

ص: 387

. .

ص: 388

الحديث الثامنروى في الكافي بهذا الإسناد ، (1) عَنِ الْفُضَيْلِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«مِنَ الْأُمُورِ أُمُورٌ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ اللّه ِ ، يُقَدِّمُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ ، وَيُؤَخِّرُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ» .

هديّة :(موقوفة) أي مخزونة عند اللّه سبحانه لم يطّلع عليه أحدا من خلقه . والبداء فيه على ما فصّل .

الحديث التاسعروى في الكافي بإسناده، (2) عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ؛ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ لِلّهِ تبارك وتعالى عِلْمَيْنِ : عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَا هُوَ ، مِنْ ذلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ ؛ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ ، فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» .

هديّة :أي جميعه. قد عرفت الفرق بين العلم المعلَّم وبين العلم المخبر به، وأنّ الإخبار ببعض المخزون الذي يكون البداء فيه لا ينافي مخزونيّته من حيث التمام . قال السيّد الأجلّ النائيني : «علمٌ مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو» يعني ما في اللوح المحفوظ والسابق عليه. «من ذلك يكون البداء» أي التغيّر في كتاب المحو والإثبات . «وعلمٌ علّمه ملائكته ورسله» أي العلم الحاصل لهم بتعليمه للتبليغ. «فنحن نعلمه» أي الأئمّة عالمون به حافظون له. (3) وتمام البيان كما في هديّة السابع .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد ، عن حمّاد ، عن ربعي».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر بن عثمان».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 478 _ 479.

ص: 389

الحديث العاشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ السرّاد ، عَنْ ابْنِ سِنَانٍ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا بَدَا لِلّهِ فِي شَيْءٍ إِلَا كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ» .

هديّة :دفع لشبهة مشهورة نشأت من خطوات الشيطان ، وهي أنّه كيف يصحّ نسبة البداء إليه سبحانه وعلمه محيط بكلّ شيء أبدا أزلاً على ما هو عليه في نفس الأمر وهو تعالى وتقدّس عمّا يوجب التغيّر في علمه ؟ والجواب المفصّل يظهر من تقرير السؤال؛ إذ العلم المحيط بما يُقدّم ويُؤخّر لا يمكن أن يتغيّر؛ لأزليّته بتقديم الأمر الحادث أو تأخيره ، فالتغيّر في صفات الفعل كالمشيئة الحادثة والإرادة الحادثة . وأمّا في العلم الأزليّ فعلى ما عرفت آنفا من أنّ اثنينيّته ترجع إلى التعليم ، يعني الإخبار بتمام علمٍ أمر ، وإلى الإخبار ببعضه لحكمة البداء . قال برهان الفضلاء : التغيّر في ظنّ الإمام وشكّه . وقال الفاضل الإسترابادي : قد غفل جمع من علماء الإسلام عمّا نطقت (2) به أصحاب العصمة عليهم السلام _ كما مرّ مجملاً وسيجيء مفصّلاً _ من أنّ المراد بمشيّة اللّه وإرادته وتقديره أنّه ينتقش في اللوح المحفوظ أنّه سيفعل كذا ، فزعموا أنّ إرادته تعالى مثل العلم عين ذاته بل حملوها على علم مخصوص . (3) فقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما بدا للّه في شيء» أي ممّا في كتاب المحو والإثبات «إلّا كان في علمه» بما في لوح المحفوظ «قبل أن يبدو له» بمحو المثبت ، وإثبات غير المثبت ، والبداء منه سبحانه مسبوق بعلمه الأزليّ ، وليس البداء منه من جهل كما من غيره . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحُسين بن سعيد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد اللّه بن سنان».
2- . في المصدر: «نطق».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 479 ، بتفاوت يسير.

ص: 390

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ فَضَّالٍ ، (1) عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ لَمْ يَبْدُ لَهُ مِنْ جَهْلٍ» .

هديّة :قد علم بيانه ممّا سبق من أنّ البداء في حقّه سبحانه حقّ ومسبوق بعلمه الأزليّ وليس من جهل ، كما أنّ البداء من غيره تعالى بعلم حادث مسبوق بالجهل .

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ العبيدي ، (2) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : هَلْ يَكُونُ الْيَوْمَ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ اللّه ِ بِالْأَمْسِ؟ قَالَ :«لَا ،مَنْ قَالَ هذَا ، فَأَخْزَاهُ اللّه ُ» . قُلْتُ : أَ رَأَيْتَ ، مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَ لَيْسَ فِي عِلْمِ اللّه ِ؟ قَالَ : «بَلى ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ» .

هديّة :(هل يكون) أي على القول بحقّيّة البداء في حقّه تعالى. (فأخزاه اللّه ): دعائيّة . قال برهان الفضلاء : «قبل أن يخلق الخلق» أي أوّل المخلوقات، وهو الماء؛ فإنّ عند إحداث الماء قد وقع تدبير جميع المخلوقات، كما يجيء في كتاب الحجّة في الباب الخامس والأربعين في ثاني من أحاديثه . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بلى قبل أن يخلق الخلق» أي يعلم كلّ كائن إلى يوم القيامة بعلمه السابق على خلقه، (3) وهو علمه الأزليّ السابق على الأزمان والأوقات . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عنه ، عن أحمد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى».
3- . في المصدر: «جميع خلقه».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 479.

ص: 391

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده، عَنْ العبيدي ، (1) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي الْقَوْلِ بِالْبَدَاءِ مِنَ الْأَجْرِ ، مَا فَتَرُوا عَنِ الْكَلَامِ فِيهِ» .

هديّة :(ما فتروا) على المعلوم، من باب نصر؛ ولتعديته ب«عن» فسّره برهان الفضلاء ب«ما عدلوا ورجعوا». قال : وذلك؛ لأنّ الإقرار به من الإيمان بالغيب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما في القول بالبداء» أي ما في الاعتقاد به وإظهاره وإفشائه «من الأجر ما فتروا» ولم يمسكوا «عن الكلام فيه ». ولعلّ ذلك؛ لأنّه مناط الخوف والرجاء والباعث على التضرّع والدُّعاء السعي في أمر المعاش والمعاد . (2)

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده، (3) عَنْ مُرَازِمِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَا تَنَبَّأَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتّى يُقِرَّ لِلّهِ بِخَمْسِ خِصَالٍ : بِالْبَدَاءِ ، وَالْمَشِيئَةِ ، وَالسُّجُودِ ، وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَالطَّاعَةِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ، عن محمّد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 480.
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن عمرو الكوفي أخي يحيى».

ص: 392

هديّة :لعلّ التفعّل هنا للمطاوعة لا للتكلّف ، ويحتمل مجيء «المتنبّئ» بمعنى صاحب النبوّة كالمتطبّب بمعنى صاحب الطبابة . (بالبداء) أي بأنّه حقّ في حقّه تعالى على ما فصّل، وبأنّ جميع أفعال الخلائق لا يصدر عنهم إلّا بمشيّة اللّه تعالى ولا جبر؛ لما سبق من تفصيل معنى المشيئة، وبحقّيّة ما جرى في أوّل الأمر من الأمر بسجود الملائكة لآدم عليه السلام ؛ لما في صلبه من طينة خاتم الأنبياء وآله، وما قدّر في الآخر للتكليف بعبوديّة من المعاد للمكافأة وبالولاية لأهل البيت عليهم السلام . وقال برهان الفضلاء : أي بالإقرار بالبداء على ما سبق. وبالإقرار بأنّ كلّ ما يقع من أفعال الخلائق إنّما هو بمشيئة اللّه من دون أن يكونوا مجبورين في أفعالهم. وهذا ردّ على المعتزلة والمجوس كما سنبيّن في أوّل الباب الخامس والعشرين . وبالإقرار بأنّ له تعالى جميع السماوات والأرض وما فيهما وهو على كلّ شيء قدير . قال اللّه تعالى في سورة آل عمران وسورة النور : «وَللّه ِِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» ، (1) وفي سورة النحل : «وَللّه ِِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» . (2) وهذا ردّ على الفلاسفة؛ حيث قالوا : إنّ لكلّ جسم مكانا طبيعيّا، وسكون الأرض طبيعيّ وحركة الأفلاك إراديّة لا أنّهما بتدبير الفاعل، والفاعل عندهم مُوجَب . وردّ على المعتزلة أيضا؛ حيث قالوا : إنّ العباد مستقلّون في القدرة على الفعل والترك من دون التوقّف على إذنه تعالى . وبالإقرار بأنّ جميع المخلوقين عباد اللّه ؛ ردّا على الفلاسفة القائلين بالإيجاب ، وعلى الذين يقولون إنّ عيسى عليه السلام ابن اللّه ، وعلى القائلين من المشركين بأنّ الملائكة بنات اللّه . وبالإقرار بوجوب الطاعة للّه سبحانه على كلّ مكلّف وإن كان نبيّا أو وصيّا، وهذا ردّ على الصوفيّة؛ حيث قالوا بما قال روميّهم _ في الدفتر الخامس من كتابه المشهور بالمثنوي في بيان قولهم الباطل: إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع _ : من أنّ السالك يصل بالرياضة الكاملة من مرتبة العبوديّة إلى منزلة المعبوديّة، ثمّ مثّل بأنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والإكسير للكيمياء، فلا الصحيح محتاج إلى الدواء ولا الذهب إلى الكيمياء. (3) غلطوا وضلّوا وهلكوا ، أولم يتفكّروا هؤلاء الضالّون المتخبّطون من المسّ أنّه لو كان كما قالوا لكان الحكم بكفر قائله، وبأنّه مرتدّ نجس مخلّد في النار أسخف من قولهم؟! هل الشرع بهذه الجلالة والمتانة والحسب والنسب سخيف أم قولهم؟! . وقال السيّد الأجلّ النائيني: «بالبداء» أي أوّل الخمس البداء، والثاني أنّ كلّ شيء بمشيّة اللّه ، وإنّما يقع الأشياء بالمشيئة منه سبحانه. والثلاثة الاُخر: السجود للّه ، والعبوديّة له، والطاعة له والانقياد لأوامره ونواهيه . وهي اُصول كلّ الشرائع بعد المعرفة والتوحيد . (4)

.


1- . آل عمران (3) : 189؛ النور (24): 42؛ ومواضع اُخرى .
2- . النحل (16) : 49 .
3- . مثنوى معنوى، ص 726، مقدّمة الدفتر الخامس.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 480.

ص: 393

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده، (1) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمَةَ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ تعالى أَخْبَرَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِمَا كَانَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا ، وَبِمَا يَكُونُ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَحْتُومِ مِنْ ذلِكَ ، وَاسْتَثْنى عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ» .

هديّة :بكمال إيجازه وإجماله مفصّل لتمام أحاديث الباب. (واستثنى عليه) قال : يكون كذا إن شئت، أو إن شاء اللّه فيما سواه ؛ يعني في الموقوف المخزون الذي يكون البداء فيه . قال برهان الفضلاء : المراد بالاستثناء التعليق بالمشيئة باعتبار الوقت المعيّن، أو الشخص المعيّن لا باعتبار أصل الوقوع. وتعديته ب«على» على تضمين معنى اشتراط إقراره صلى الله عليه و آله باختصاص علم الغيب باللّه سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «وأخبره بالمحتوم من ذلك» يعني بقسمي المنقوش على ما نقش، وذلك بأن أخبره في قسم بنقش من غير قيد «إن شئت» وفي قسم بنقش مع قيد «إن شئت» . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بما كان منذ كانت الدُّنيا» أي بكلّيّاتها وعظامها المعتدّ بشأنها أو بكلّها على وجه كلّي إجمالي يستنبط منه التفاصيل والجزئيّات . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمّد، عن جعفر بن محمّد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 126 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 480.

ص: 394

الحديث السادس عشرروى في الكافي بإسناده، (1) عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ :«مَا بَعَثَ اللّه ُ نَبِيّا (2) إِلَا بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَأَنْ يُقِرَّ لِلّهِ بِالْبَدَاءِ» .

هديّة :ردّ على الذين قالوا _ تمسّكا بالتوراة المصنوع (3) بعد الرفع _ : إنّ الخمر كان حلالاً في الاُمم السابقة إلى أن نزلت آية تحريمه إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله ، ونقلوا عن ذلك التوراة أو الإنجيل أنّ إسحاق عليه السلام صار أعمى فقال يوما مّا: «مَنْ أتى مِنْ بَنِيّ بالخمر ولحم الظبي لي حتّى أشربَ وآكل أدعو له من اللّه أن يُعطي بعدي النبوّة له» وكان ميله إلى عيص، وكان كثير شَعْر الساعِدَين، فلمّا سمعت اُمّ يعقوب ذلك أسرعت في تحصيل الخمر ولحم الظبي، وجعلت يد ابنها بشَعْر المَعْز كَيَدِ عيص، فلمّا أقدمها مسّ إسحاق يده فظنّ أنّه عيص، فشرب وأكل وسرّ فدعا للآتي بهما، فصارت النبوّة في يعقوب وولده !! لا تعجب ومن البضع والسبعين من هذه الاُمّة إحداها ناجية وهم الممتازون بالإمامة الممتازة في الاُصول .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه».
2- . في الكافي المطبوع: + «قطّ».
3- . في «الف»: + «أو الإنجيل المصنوع».

ص: 395

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سُئِلَ الْعَالِمُ عليه السلام : كَيْفَ عِلْمُ اللّه ِ؟ قَالَ :«عَلِمَ وَشَاءَ ، وَأَرَادَ وَقَدَّرَ ، وَقَضى وَأَمْضى ؛ فَأَمْضى مَا قَضى ، وَقَضى مَا قَدَّرَ ، وَقَدَّرَ مَا أَرَادَ ؛ فَبِعِلْمِهِ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ ، وَبِمَشِيئَتِهِ كَانَتِ الْاءِرَادَةُ ، وَبِإِرَادَتِهِ كَانَ التَّقْدِيرُ ، وَبِتَقْدِيرِهِ كَانَ الْقَضَاءُ ، وَبِقَضَائِهِ كَانَ الْاءِمْضَاءُ ، وَالْعِلْمُ يَتَقَدِّمٌ (2) الْمَشِيئَةِ ، وَالْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ ، وَالْاءِرَادَةُ ثَالِثَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْاءِمْضَاءِ ؛ فَلِلّهِ تَعَالى الْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتى شَاءَ ، وَفِيمَا أَرَادَ لِتَقْدِيرِ الْأَشْيَاءِ ، فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْاءِمْضَاءِ ، فَلَا بَدَاءَ ، فَالْعِلْمُ بِالْمَعْلُومِ قَبْلَ كَوْنِهِ ، وَالْمَشِيئَةُ فِي الْمُنْشَاَ?قَبْلَ عَيْنِهِ ، وَالْاءِرَادَةُ فِي الْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ لِهذِهِ الْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وَتَوْصِيلِهَا عِيَانا وَوَقْتا ، وَالْقَضَاءُ بِالْاءِمْضَاءِ هُوَ الْمُبْرَمُ مِنَ الْمَفْعُولاتِ ذَوَاتِ الْأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ وَرِيحٍ وَوَزْنٍ وَكَيْلٍ ، وَمَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ وَطَيْرٍ وَسِبَاعٍ ، وَغَيْرِ ذلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، فَلِلّهِ _ عَزَّوَجلَّ _ فِيهِ الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَهُ ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ ، فَلَا بَدَاءَ ، وَاللّه ُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ؛ فَبِالْعِلْمِ عَلِمَ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا ؛ وَبِالْمَشِيئَةِ عَرَّفَ صِفَاتِهَا وَحُدُودَهَا ، وَأَنْشَأَهَا قَبْلَ إِظْهَارِهَا ؛ وَبِالْاءِرَادَةِ مَيَّزَ أَنْفُسَهَا فِي أَلْوَانِهَا وَصِفَاتِهَا ؛ وَبِالتَّقْدِيرِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَعَرَّفَ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا ؛ وَبِالْقَضَاءِ أَبَانَ لِلنَّاسِ أَمَاكِنَهَا ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا ؛ وَبِالْاءِمْضَاءِ شَرَحَ عِلَلَهَا ، وَأَبَانَ أَمْرَهَا ، وَذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد» .
2- . في «ألف» : «متقدّم» ؛ وفي الكافي المطبوع : «متقدّم على» .

ص: 396

هديّة :المراد ب(العالم) إمّا صاحب الزمان عليه السلام ، فالحديث مرسل عن سفير من سفرائه عليه السلام ؛ إذ المعلّى بن محمّد لا يروي عن المعصوم بلا واسطة . وإمّا أبو محمّد العسكري عليه السلام ، أو واحد من آبائه عليهم السلام . (كيف علم اللّه ؟) يحتمل الفعل والمصدر . (قال : علم) يعني بعلمه الأزليّ المحيط بالجميع بحيث لا يشذّ عنه شيء . إنّ الأصلح ممّا هو ممكن الوقوع اُمور : كنظام فلك الشمس من الممثّل والخارج المركز ، أو من الممثّل والحامل الموافق المركز والتدوير ، وله سبحانه أن يفعل أيّها شاء ويترك أيّها شاء ، وهذا معنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل لكن شاء ففعل . والمرجّح هو المشيئة الحادثة ، فما (شاء) منها (أراد) إيجاده ، ثمّ (قدّر) بحكمته قَدْره ووزنه ووقته وغير ذلك من الأوصاف . ثمّ (قضى) وحكم فأوجب ، ثمّ (أمضى) وحتم فأوجد وترك التتمّة ، يعني وأراد ما شاء وشاء ما علم للظهور . (والعلم متقدّم المشيئة) أي العلم الأزليّ المشيئة الحادثة . (والمشيئة في المنشأ) على اسم المفعول من الإنشاء ، أي في إنشاء ما شاء إنشاءه ممّا هو ممكن الوقوع . وفي بعض النسخ : «في المُشاء» على اسم المفعول من «شاء يشاء» كالمنال من نال ينال . صار مشيوء مشيا كما صار مرموي مرمىً ، فنقلت فتحة الياء إلى ما قبلها ثمّ حذفت الياء بالتقاء الساكنين لمنافرة الألف المتجانسة للفتحة عن الياء المتجانسة للكسرة . و«المشاء» بضمّ الميم اسم مفعول من أشاءه بمعنى ألجأه ، ولا يجيء كالمجيء مِنْ شاء . (قبل عينه) أي وجوده العيني . (قبل قيامه) أي تمكّنه في مكانه . (قبل تفصيلها) أي تفريق بعضها عن بعض بالتمييز ، وتوصيل بعضها إلى بعض بالتأليف بحسب وجودها العيني وأوقاتها المعيّنة . (والقضاء) المتلبّس (بالإمضاء ، هو المبرم) المحكم لا رادّ له . (ومادبّ ودرج) أي مشى وتحرّك . (وغير ذلك) ابتدائيّة ، أي وغير ما هو المبرم بالقضاء بالإمضاء (ممّا يدرك بالحواسّ) إذا وجد . و«من» في (ممّا لا عين له) تعليليّة ، و«ما» كافّة . و(المفهوم) بمعنى المعلوم المعيّن ، أو المعنى المفهوم ذهنا والمدرك حسّا . ولعلّ في هذه الفقرة إشارة إلى الفرق بين البداء والتبديل ، فالبداء قبل الوجود العيني ، والتبديل أعمّ ، فله سبحانه التبديل بعد العين وصفا وصورةً أو عينا بالكلّيّة . وفي القرآن في سورة محمّد : «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْما غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ» (1) ، وفي الدُّعاء : «ولا تبدّل اسمي ولا جسمي» . (2) و«تعريف الصفات» بمعنى تعيينها . (شرح عللها) أي وجوهها وحكمها ومصالحها وفوائدها . (ذلك تقدير العزيز العليم) اقتباس من سورة الأنعام ، ويس ، وفصّلت . (3) و«العزيز» دلالة على جبّاريّته تعالى بالقهر والغلبة على كلّ شيء ، وعلى حكمته وعدالته . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الظاهر من السؤال أنّه كيف علم اللّه ؟ أبعلم مستند إلى الحضور العيني والشهود في وقته لموجود عينيّ أو في موجود عيني أو في موجود عيني كما في علومنا ، أو بعلم مستند إلى الذات سابق على خلق الأشياء ؟ فأجاب عليه السلام : بأنّ العلم سابق على وجود المخلوق بمراتب ، وقال : «علم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى » . ف «العلم» : ما به ينكشف الشيء . و«المشيئة» : ملاحظته بأحوال مرغوب فيها يوجب فينا ميلاً دون المشيئة له سبحانه ، لتعاليه عن التغيّر والاتّصاف بالصفة الزائدة . و«الإرادة» : تحريك الأسباب نحوه وبحركة نفسانيّة فينا ، بخلاف الإرادة فيه سبحانه . و«التقدير» : (4) التحديد ، وتعيين الحدود والأوقات . و«القضاء» هو الإيجاب . و«الإمضاء» هو الإيجاد . «فامضي ما قضى» أي فاوجد ما أوجب ، وأوجب ما قدّر ، وقدّر ما أراد . «والعلم متقدّم على المشيئة» وهو الأوّل بالنسبة إليها . «والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع» وقوعا سابقا «على القضاء» والإيجاب المتلبّس «بالإمضاء» والإيجاد . «وللّه تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء» فإنّ الدخول في العلم أوّل مراتب السلوك إلى الوجود العيني ، وله البداء ؛ لعدم (5) الإيجاد فيما علم (6) أن يبدوا ، وفيما أراد وحرّك الأسباب نحو تقديره متى شاء وقبل القضاء والإيجاب ، فإذا وقع القضاء والإيجاب متلبّسا «بالإمضاء» والإيجاد «فلا بداء» ، فعلم أنّ في المعلوم العلم قبل كون المعلوم وحصوله في الأذهان والأعيان ، وفي المُشاء المشيئة قبل عينه ووجوده العيني . وفي أكثر النسخ «المنشأ» ولعلّ المراد الإنشاء قبل الإظهار كما في آخر الحديث ، وفي المراد الإرادة قبل قيامه والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها وحضورها العيني في أوقاتها «والقضاء بالإمضاء هو المبرم» الذي يلزمه وجود المَقْضيّ . وقوله : «من المفعولات» يحتمل تعلّقه بالمبرم ، ويكون قوله «ذوات الأجسام» ابتداءَ الكلام . ويحتمل كونه من الكلام المستأنف وتعلّقه (7) بما بعده ، والمعنى أنّ هذه الأشياء المحدثة للّه فيه البداء قبل وقوع أعيانها ، فإذا وقع العين فلا بداء . (8) وقال الفاضل الإسترابادي : قوله : «وبتقديره كان القضاء » أي التقدير واقع في اللوح المحفوظ على نهج القضاء المتلبّس بالإمضاء ، ف«على» نهجيّة لا استعلائيّة . وفي كلامه عليه السلام إشارة إلى شيئين : الأوّل : أنّ التقدير مشتمل على كلّ التفاصيل الموجودة في الخارج . والثاني : أنّ الإمضاء لا ينفكّ عن القضاء ، ومعنى القضاء هو النقش الحتمي . (9) وقال بعض المعاصرين _ بناء على أصل ثابت عنده _ : المشيئة والإرادة والقدر والقضاء والإمضاء كلّه من أسماء علمه الأزلي ، كلّ اسم باعتبار حال من الأحوال المختلفة سبحانه . وفي الأخبار أنّ القضاء بمعنى الحكم والإيجاب متأخّر عن القدر . «فالعلم بالمعلوم قبل كونه» إشارة إلى أنّ لهذه الموجودات الواقعة في الأكوان المادّية لها ضرب من الوجود والتحقّق في العلم الإلهي قبل تحقّقها في العالَم الكوني . (10) والحقّ أنّه إشارة إلى العلم الأزلي الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل أبدا بحال من الأحوال من الزيادة والنقصان والانعدام والتجدّد وغير ذلك ، كتعلّق الإيجاد بمعلوم دون معلوم ، والكلّ من معلوماته سبحانه . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «علم وشاء» يعني قال عليه السلام : علم اللّه تعالى هذا النظام قبل أن يوجد ، ولم يوجد كلّه دفعةً _ كما زعمت الفلاسفة من أنّ وجود الأجسام والحوادث والأزمنة ليس على الترتيب من حيث الصدور ، بل الترتيب الذي يشاهد إنّما هو بالنظر إلى الزمانيّات ؛ لكون الزمان الصادر عن واجب الوجود دفعة ، ويسمّونها دفعة دهريّة هو ماض وحال ومستقبل بالنسبة إلى الزمانيّ _ بل أوجد تدريجا بمراتب . فبعد العلم «شاء» يعني خلق ماءً ليصير مادّة خلق الأجسام بهذا النظام . ثمّ «أراد» والإرادة : تأكيد المشيئة ، يعني جعل بعض ذلك الماء عذبا ليخلق منه الجنّة وأهله ، وبعضه ملحا اُجاجا ليخلق منه النار وأهله . ثمّ «قدّر» والتقدير : تأكيد الإرادة بفعل آخر ، كخلقه السماوات والأرض بحيث يوجد الليل والنهار والفصول والأهلّة وغير ذلك لفائدة الأرزاق وغير ذلك . ثمّ «قضى» والقضاء : فعل التتمّة ، كخلق المكلّف وبعث الرّسل وإنزال الكتب . ثمّ «أمضى» والإمضاء : بتقيّة الفعل التامّ إلى أوان ترتّب الفائدة المطلوبة منه إليه ، كتبقية هذا النظام إلى الوقت المعلوم . «وغير ذلك ممّا يدرك بالحواسّ » أي غير ما ذكر ممّا لم يوجد 11 ويدرك من بعد «فللّه فيه البداء» قبل أن يصير موجودا عينيّا ، ولا بداء بعد تحقّقه موجودا عينيّا معلوما مدركا . «فبالعلم علم الأشياء قبل» إيجادها . «وبالمشيئة» أعطى ريح الوجود صفات الأشياء . يُقال : «عرّفه تعريفا» : صيّره ذا ريح ، من العَرْف بالفتح ، وهو الريح ، طيّبة أو منتنة . وأنشأها «قبل إظهارها» أي مهّد لها بخلق الماء قبل إيجادها بخصوصيّاتها . «وبالإرادة» بين ذوات الأرواح وبينها وبين غيرها . «وبالتقدير» قدّر أقواتها . «وعرّف أوّلها وآخرها» أي أوّل الأشياء وآخرها . «وبالقضاء أبان للناس» أماكن الأشياء ممتازة من السماوات والأرض والنجوم والعناصر والجبال والمعادن والأنهار وغير ذلك ممّا علم اللّه «ودلّهم» على منافعها ، «وبالإمضاء» أوضح الأغراض من إيجادها وأبان شغلها ، ومآلها كمثال أهل الجنان وأهل النيران «ذلك تقدير العزيز العليم» .

.


1- . محمّد (47) : 38 .
2- . راجع الكافى ، ج 3 ، ص 469 ، باب صلاة فاطمه عليهاالسلام و ... ، ح 7 ؛ و ج 4 ، ص 407 ، باب الطواف واستلام الأركان ، ح 1 ؛ الوسائل ، ج 8 ، ص 106 ، ح 10182 .
3- . الأنعام (6) : 96 ؛ يس (36) : 38 ؛ فصّلت (41) : 12 .
4- . في المصدر : «القدر» .
5- . في المصدر : «بعدم» .
6- . في المصدر : + «متى شاء» .
7- . في «ب» و «ج» : «تعليقه» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 481 _ 482 .
9- . لم نعثر عليه في الحاشية المطبوعة .
10- . الوافي ، ج 1 ، ص 518 ، بتفاوت .

ص: 397

. .

ص: 398

. .

ص: 399

. .

ص: 400

. .

ص: 401

باب في أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا فيالسماء إلّابسبعة

الباب الخامس والعشرون : بَابٌ فِي أنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فيالسَّمَاءِ (1) إِلَابِسَبْعَةٍوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ حَرِيزِ وَابْنِ مُسْكَانَ جَمِيعا ، (2) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ :«لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ إِلَا بِهذِهِ الْخِصَالِ السَّبْعِ : بِمَشِيئَةٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَقَدَرٍ ، وَقَضَاءٍ ، وَإِذْنٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلى نَقْضِ وَاحِدَةٍ ، فَقَدْ كَفَرَ» .

هديّة :يعني لا يحدث شيء في العالَم إلّا بعد حدوث هذه الخصال السبع ، فلا يفعل عبد يحبّه اللّه ، خيرا، أو يبغضه اللّه شرّا (إلّا بمشيئة ، وإرادة ، وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل) من اللّه سبحانه . ولا جبر ؛ إذ الجبر إذا أجبر مَنْ من شأنه الخير على الشرّ ، ومَنْ من شأنه الشرّ على الخير . ولا تفويض أيضا ؛ لعدم استقلال العبد قدرةً، وقدرته تؤثّر بإذن من اللّه سبحانه ، فأمر بين الأمرين . و«المشيئة» : جعله تعالى في العبد القدرة على الفعل بإذنه ، والترك بإذنه . و«الإرادة» : خلقه الخير فيمن يحبّه والشرّ فيمن يبغضه ، ثمّ تقديره وتحديده ما أراد بمثاله وأجله ، ثمّ القضاء والحكم ، ثمّ الإذن والإمضاء ، فيصدر أمر بين أمرين بفعل الفاعل وإيجاد الخالق تعالى . وتوضح لك مصاديق الحالات الثلاث من هذه الأمثلة : إذا كان رجل على مرتفع وآخر أسفل منه فيعلو منه في الأسفل بأنحاء ثلاثة ، إمّا بأخذ مَنْ في العالي على يد مَنْ في الأسفل من غير علاج ممّن في الأسفل فهو الجبر ، وإمّا بسعي مَنْ في الأسفل وقوّته بلا شائبة علاج وتأثير ممّن في العالي فهو التفويض ، وإمّا بأخذ الأعلى على يد مَنْ في الأسفل وقوّتهما وعلاجهما وتأثير سعيهما فهو أمرٌ بين الأمرين . ثمّ اعلم أنّ المشيئة تؤكّد بالإرادة ، والإرادة بالتقدير _ تقدير القَدْر والوصف _ والتقدير بالحكم ، والحكم بالإذن ، ويثبت بالإذن النقش والمثال الممتاز عن غيره في الأعيان بمدّتها أيضا من أوّلها إلى آخرها ، فحقيقة مشيّته تعالى جعله في العبد قدرةً على الخير والشرّ ، فإذا شاء خيره فعل الخير بتوفيقه ، وإذا شاء شرّه فعل الشرّ بخذلانه ، فالجاعل بقدرته هو اللّه سبحانه والفاعل باختياره هو العبد . والفرق بين الأمر والمشيئة ظاهر كما سيجيء في الثالث من الباب التالي ، فلا يصدر شيء من عبد إلّا بإذن اللّه ، لكن الخير بإذن منضمّا بأمر اللّه ورضائه ، والشرّ بإذن منضمّا بنهيه وإكراهه . ومَثَل اختيار العبد كَمَثَلِ العصير العنبي من شأنه أن يصير دِبسا أو خمرا . والعلم عند اللّه وحججه صلوات اللّه عليهم . وفي الحديث القدسي _ كما سيذكر في باب الخير والشرّ _ : «إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا ، خلقت الخير ، وخلقت الشرّ ، فطوبى لمن أجريتُ على يديه الخير ، وويلٌ لمن أجريتُ على يديه الشرّ ، وويلٌ لمن يقول : كيف ذا؟ وكيف ذا ؟». (3) يعني على يديه الخير دائما أو غالبا ، وكذا في أجزاء الشرّ ؛ لما سيذكر في بيان الثالث من الباب التالي . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «إلّا بهذه الخصال السبع » يعني وجود كلّ حادث مسبوق بسبعة أشياء . وسيجيء في باب الجبر رواية في الإذن ، وسيجيء في باب الاستطاعة ما يدلّ على أنّ الإذن هو القدر المشترك بين الحيلولة والتخلية . (4) وقيل : الإذن هو الإمضاء ، والكتاب هو المثبت في اللّوح المحفوظ ، والأجل هو تعيين الوقت . (5) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني لا يكون شيء من أفعال جوارح العباد من الإنس والجنّ في الأرض ، والملائكة وغيرها في السماء إلّا بهذه الخصال السبع . والأربع الاُول للردّ على المجوس والمعتزلة ؛ لنسبة المجوس جميع تدبيرات الظُلْمَة يعني الشيطان إليها ، بمعنى إثباتهم الاستطاعة والاستقلال في القدرة لها . وقول المعتزلة القائلين بتفويضين اللّذين أحدهما نشأ من اعتقادهم بوجوب كلّ لطف نافع على اللّه ، والثاني من اعتقادهم بأنّ قدرة العبد على الفعل إنّما هو قبل وقت الفعل _ لقولهم باستطاعة العبد في الفعل والترك على الاستقلال _ بأنّ اللّه سبحانه فوّض تدبيرات أفعال العباد إلى قدرتهم واختيارهم وليس لتدبير اللّه تعالى مدخلاً في تدبير العبد فعلاً وتركا ، وبأنّه تعالى لا يقدر على لطف يوجب الحيلولة بين العاصي والعصيان ؛ لقولهم بوجوب كلّ لطف نافع على العادل القادر ، فقالوا : لو كان ذلك من مقدوراته لفعل ، ولهذا سمّيت المعتزلة بالمفوّضة والأشاعرة يسمّون المعتزلة بالقدريّة ؛ لنسبتهم القَدَر إلى أنفسهم . وحاصل الردّ: أنّ فعلاً من أحد لا يصدر في هذا النظام إلّا بمشيئة اللّه سبحانه عند أربعة أوقات : عند خطور الفعل في خاطر فاعله ويسمّى هذا الخطور بمشيّة العبد . وعند بقاء العبد على مشيّته هذه ويسمّى هذا بإرادة العبد ، كما سمّي ما من اللّه عند ذلك بإرادة اللّه ، وعند وقت أخذه وشروعه في الفعل قبل الإتمام ويسمّى هذا بقدر العبد ، كما يسمّى ما من اللّه عند ذلك بقدر اللّه . وعند وقت إتمام الفعل ويسمّى هذا بقضاء العبد ، كما يسمّى ما من اللّه عنده بقضاء اللّه . واللّه تبارك وتعالى قادر عند الأوقات الأربعة على فعل أو ترك يصير مانعا من فعل العبد ، لكن لحكمته تعالى وعلمه بالمصالح لا يمنع العبد من فعله طاعةً كان أو معصية ؛ لئلّا يبطل الحجّة والعدالة . ويحتمل أن يكون لَمَعنى «شاء» : «ما شاء» بأن يكون المشيئة عبارة عن إعلام السعادة والشقاء قبل وجود المكلّفين . و«الإرادة» عبارة عن الإعلام الموافق للإعلام الأوّل قبل وجود المكلّفين أو بعده . و«القَدَر» عبارة عن مشيّته تعالى عند قصد المكلّف فعلاً قبل الشروع . و«القضاء» عبارة عن مشيّته تعالى عند الفعل . و«الإذن» عبارة عن عدم إحداثه تعالى مانعا عقليّا لفعل العبد عند فعله مع قدرته على إحداث المانع . و«الكتاب والأجل» _ ردّا على الأشاعرة القائلين بعدم وجوب شيء عقلاً على اللّه تعالى _ أوّلهما عبارة عن وجوب الخلق والتدبير . و«الأجل» عبارة عن وقت معيّن لو شاء قبله أو بعده كان على خلاف المصلحة . و«النقض» بالمعجمة هنا بمعنى «النقص» بالمهملة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني لا يحدث شيء في الأرض ولا في السماء إلّا ما يتوسّط ويدخل في كونه سبعة أشياء ، وكلّ واحد منها يسبقه . ولمّا كانت المشيئة أوّل ما له اختصاص بشيء دون شيء أخذ في عدّ سوابق وجود الأشياء وصدورها منه سبحانه من المشيئة ، وبعدها الإرادة ، وبعدها القَدَر ، وبعدها القضاء وبالترتيب المذكور في الحديث . وأمّا «الإذن» وهو الإعلام وإفاضة العلم ، أي الإذن في الشيء : الإعلام بإجازته والرخصة فيه ، وإفاضة العلم بالرخصة والإباحة . قال الراغب : الإذن في الشيء : إعلام بإجازته والرخصة فيه . (6) وفي القاموس : أذن له في الشيء _ كسمع _ إذنا وأذينا : أباحه له . (7) وأمّا حمل الإذن هنا على العلم فلا يخلو عن بُعد إلّا أن يحمل على علم خاصّ كالمشيئة والإرادة ، فلا يخلو عن غرابة . (8) و«الكتاب» وهو ما ثبت فيه الأشياُء وتقرّر فيه . و«الأجل» وهو المدّة المعيّنة الموقّتة للأشياء فهي داخلة في الإرادة والقَدَر ، أو متخلّلة بين الأربعة بأن يكون الإذن متخلّلاً بين المشيئة والإرادة ، والكتاب بينهما وبين القَدَر ، والأجل بين القَدَر والقضاء ، أو كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة داخل في واحد من هذه الثلاثة الاُول من الأربعة . وذكر الثلاثة مع الأربعة على تقدير الدخول ؛ للدلالة على دخولها في الأربعة وثبوت الوساطة في الإيجاد لها كالأربعة . وعلى تقدير التخلّل ؛ للدلالة على ترتّب هذه الثلاثة على الثلاثة الاُول من الأربعة ، فهي كالتتمّة لها . «على نقص واحدة » أي إسقاطها من مقدّمات الإيجاد وجعلها أقلّ من سبعة . «فقد كفر» ؛ لأنّه كذب على اللّه ، وقال فيه خلاف الحقّ ، وردّ على اللّه ؛ حيث أنكر ما ثبّته في الكتاب المبين . وفي بعض النسخ : «نقض واحدة» بالضاد المعجمة ؛ أي الردّ على واحدة منها . وهذه النسخة بقوله : «فقد كفر» أنسب . والنسخة الاُولى للغرض المسوق له الكلام وللحديث الثاني أوفق . (9)

.


1- . في الكافي المطبوع : «في السماء والارض» بدل «في الأرض ولا في السماء» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيدٍ ومحمّد بن خالد جميعا ، عن فضالة بن أيّوب ، عن محمّد بن عُمارة ، عن حريز بن عبد اللّه وعبد اللّه بن مسكان جميعا» .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 154 ، باب الخير والشرّ ، ح 2 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 127 .
5- . قاله الفيض في الوفي ، ج 1 ، ص 519 .
6- . المفردات ، ص 71 (أذن) .
7- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 195 (أذن) .
8- . من قوله : «أي الإذن في الشيء _ إلى _ فلا يخلو عن غرابة» أورده في المصدر في الهامش نقلاً عن حاشية بعض النسخ .
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 484 _ 485 .

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

. .

ص: 405

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عِمْرَانَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام ، قَالَ :«لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَا بِسَبْعٍ : بِقَضَاءٍ ، وَقَدَرٍ ، وَإِرَادَةٍ ، وَمَشِيئَةٍ ، وَكِتَابٍ ، وَأَجَلٍ ، وَإِذْنٍ ، فَمَنْ زَعَمَ غَيْرَ هذَا ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ، أَوْ رَدَّ عَلَى اللّه ِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «ورواه أيضا عن أبيه ، عن محمّد بن خالد» .

ص: 406

هديّة :الظاهر أنّ الترديد من الراوي . وقد عرفت بيان السبع بأنحائه مفصّلاً . والتقديم والتأخير في التعداد قد لا يستدعي وجها . ويمكن أن يكون الوجه في تقديم «القضاء» و«القَدَر» هنا اشتهارهما في السبع ؛ حيث يكتفى بهما منها في المحاورات ، أو الإشارة إلى الردّ على من اكتفى بهما عن مقدّمات الأحداث . وفي تأخير «الإذن» التصريح بامتناع الحيلولة بينه وبين الوقوع بخلاف سائره بدونه . وقال برهان الفضلاء : «لا يكون شيء » أي من أفعال العباد وتروكهم . وعكس الترتيب هنا في الأربع الاُول ؛ لقربه إلى بعض الأذهان ، وأخّر «الإذن» ؛ ليظهر أنّ الردّ هنا على المعتزلة في مسألة اُخرى غير التي كان الردّ عليهم فيها بالأربع الاُول ، كما بيّنّاه في بيان سابقه . والترديد من الراوي . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الكلام في هذا الحديث كالكلام في الحديث الأوّل ، إلّا أنّه أخذ في هذا الحديث من أقرب الاُمور والخصال من المعلول ووجوده ، وفي الحديث السابق من أقربها من المبدأ . (1)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 485 .

ص: 407

باب المشيئة و الإرادة

الباب السادس والعشرون : بَابُ الْمَشِيئَةِ وَ الْاءِرَادَةِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الدَّيْلَمِيِّ ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهماالسلام يَقُولُ :«لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَا مَا شَاءَ اللّه ُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى» . قُلْتُ : مَا مَعْنى «شَاءَ»؟ قَالَ : «ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ» . قُلْتُ : مَا مَعْنى «قَدَّرَ»؟ قَالَ : «تَقْدِيرُ الشَّيْءِ مِنْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ» . قُلْتُ : مَا مَعْنى «قَضى»؟ قَالَ : «إِذَا قَضى أَمْضَاهُ ، فَذلِكَ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ» .

هديّة :(شيء ) أي في السماوات والأرض من أفعال العباد ، أو منها و من أفعال اللّه ، كإنشاء السحاب وإنزال الغيث . وقوله : (ابتداء الفعل) على المصدر ، أو الفعل قرينة التعميم . وقد عرفت آنفا أنّ مشيّته تعالى بالنسبة إلى أفعال العباد جعلهم قادرا على الفعل والترك بإذنه وإرادته سبحانه ، إرادة الخير ممّن يحبّه أو الشرّ ممّن يبغضه ، ثمّ التقدير وصفا ووقتا ، ثمّ الحكم والإمضاء ؛ ففي الخير بإذن منه منضمّ إلى الأمر والرّضا ، وفي الشرّ بإذن منه منضمّ إلى النهي والكراهة . وفي محاسن البرقي بعد قوله : «قال : ابتداء الفعل » قلت : ما معنى أراد؟ قال : «الثبوت عليه » (2) أي على الفعل أو الترك ، أو على الخير ممّن يحبّه أو الشرّ ممّن يبغضه على التفصيل من طوله وعرضه على التمثيل . (قال : إذا قضى أمضاه ) يعني إذا قضى وأمضى ، فدلالة (فذلك الذي لا مردَّ له ). و«المردّ» من المصادر الميميّة . قال برهان الفضلاء : «شيء » أي من أفعال جوارح العباد . «ابتداء الفعل » يعني مشيئة العبد ابتداء قصد الفعل ، ومشيئة اللّه تدبيره فعلاً موافقا لذلك . «إذا قضى أمضاه» يعني أنّ القضاء خلقه تعالى آخر الأجزاء ، فإذا قضى بالإمضاء فلا بداء . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «قال : ابتداء الفعل» أي المشيئة ابتداء الفعل ، أي أوّل ما يحصل من جانب الفاعل ، أو يصدر عنه ممّا يؤدّي إلى وجود المعلول . «من طوله وعرضه » أي من التحديدات والتعيينات بالأوصاف والأحوال كالطول والعرض . «إذا قضاه أمضاه» أي إذا أوجبه باستكمال الشرائط لوجوده وجميع ما يتوقّف عليه المعلول ، أوجده . «وذلك الذي لا مردَّ له» لاستحالة تخلّف المعلول عن الموجب التامّ . (3) أقول : كأنّ النزاع بين برهان الفضلاء _ سلّمه اللّه تعالى _ لقوله بجواز تخلّف المعلول عن علّته التامّة كما في حدوث العالم ، وبين القائلين بامتناعه لفظيّ ، لا سيّما في صورة قول الفريقين بحدوث العالم ؛ فإنّ الوقت الأصلح له مدخل في تماميّة الفاعل باعتبار ، وبآخر (4) لا . وإنّما قلنا في تمامية الفاعل ، (5) أي بالاختيار ؛ لئلّا يرد عدم تخلّف النتيجة من البرهان . فتدبّر .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن أبيه ، عن محمّد بن سليمان الديلمي» .
2- . المحاسن ، ج 1 ، ص 244 ، ح 237 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 485 _ 486 .
4- . في «ب» و «ج» : «باعتبار» مكان «بآخر» .
5- . في «ب» و «ج» : - «وإنّما قلنا في تمامية الفاعل» .

ص: 408

. .

ص: 409

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى؟ قَالَ : «نَعَمْ» . قُلْتُ : وَأَحَبَّ؟ قَالَ : «لَا» . قُلْتُ : وَكَيْفَ شَاءَ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى وَلَمْ يُحِبَّ؟! قَالَ : «هكَذَا خَرَجَ إِلَيْنَا» .

هديّة :(شاء ) أي في أفعال العباد أو مطلقا ، ف«نعم» أي مطلقا ، و(لا) أي لا مطلقا ، بل أحبّ ورضى إذا أمر ، وأبغض وكره إذا نهى على ما مرّ بيانه آنفا . (قلت : وكيف شاء) تقرير لشبهة مشهورة هي أنّه قد ثبت وجوب الرضا بالقضاء وعدم جواز الرضا بالكفر والمعاصي ؛ فإذا كان الكفر والمعاصي بالقضاء فكيف التوفيق؟ والجواب : أنّ القضاء لا منافاة بين تعلّقه بالخير لمن أحبّه ، (2) وبين تعلّقه بالشرّ لمن أبغضه ، كما لا منافاة بين محبّته لمن أحبّه وبغضه لمن أبغضه . ويعضد هذا الجواب أنّه لا منافاة بين الرضا بإجرائه تعالى الخير على يد من أحبّه والشرّ على يد مَنْ أبغضه ، وبين البغض لما أبغضه تعالى ، بل لا يتخلّف كلّ منهما عن الآخر في مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ؛ فإنّه لا يرضى بالقضاء إلّا ببغضه لما أبغضه اللّه ، ولا يبغض ما أبغضه اللّه إلّا برضاه بقضاء اللّه وكفّه عن قول : كيف ذا؟ وكيف ذا؟ ولِمَ أحبّ هذا؟ ولِمَ يحبّ هذا ، وحكمة إعراض الإمام عن تفصيل الجواب معه عليه السلام (هكذا خرج إلينا ) أي بالتحديث ، أو من الكتب الإلهيّة . وقيل : «لا» يعني لا دائما ؛ لمكان التوفيق للطاعة والخذلان للمعصية . وقال برهان الفضلاء : المراد من الجواب أنّ هذا النزاع ليس في المعنى ، والمذكور في الآيات القرآنية أنّ كلّ واقع حتّى المعصية إنّما هو بمشيّة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه ، قال اللّه عزّ وجلّ في سورة البقرة : «لَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا اقْتَتَلُوا» (3) ، وفي سورة هود : «وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللّه ُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ» (4) ، وفي سورة الدهر وسورة التكوير : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» 5 . وأنّه سبحانه لا يحبّ المعصية ؛ قال اللّه تعالى في سورة النساء : «لَا يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ» (5) ، وفي البقرة : «إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (6) . وفي بعض النسخ _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله _ : «هكذا اُخرج إلينا» على المجهول من الإفعال ، قال : يعني هكذا نقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله ووصل منه إلينا . ولمّا كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحةٍ والحكمةُ مقتضية لعدم بيانه للسائل اكتفى ببيان المأخذ النقلي عن التبيين العقلي . ثمّ قال : ولعلّ عدم المنافاة بين تعلّق الإرادة والمشيئة بشيئين (7) وأن لا يحبّه ؛ لأنّ (8) تعلّق المشيئة والإرادة بما لا يحبّه بتعلّقها (9) بوقوع ما يتعلّق به إرادة العباد وبإرادتهم وترتّبه عليها ، فتعلّقهما بالذات بكونهم قادرين مريدين لأفعالهم وترتّبها على إرادتهم ، وتعلّقهما بما هو مرادهم بالتّبع ، ولا بجبر (10) في كون متعلّقهما بالتّبع شرّا غير محبوب له ؛ فإنّ دخول الشرّ وما لا يحبّه في متعلّق مشيّته وإرادته بالعرض جائز ، فلكلّ من تعلّق مشيّته وإرادته بخير وعلم لزوم شرّ له شرّيةً لا تقاوم خيريّته تعلّق (11) بذلك الشرّ بالتّبع ، وذلك التعلّق بالتّبع لا ينافي أن يكون المريد خيّرا محضا ، ولا يكون شرّيرا ومحبّا للشرّ . (12) أقول : أنت خبير بأنّ الغرض من ذكر بيانات جماعة من معظم الأصحاب معرفتك مقادير قوّة كلّ منهم في السباحة في بحار أحاديثهم عليهم السلام حيث لا يتجاوزون _ وإن بالغوا في بذل الجهد لها _ عن أداني سواحلها .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . في «ب» و «ج» : «لمن أحبّه» .
3- . البقرة(2) : 253 .
4- . هود (11) : 34 .
5- . النساء (4) : 148 .
6- . البقرة (2) : 222 .
7- . في حاشية «ج» والمصدر : «بشيء» .
8- . في هامش المصدر : قوله : «لأنّ» خبر «لعلّ» . وقوله : «وأن لايحبّه» عدلُ مدخول «بين» أي عدم المنافاة بين تعلّقهما بشيء وعدم حبّه لأجل هذا .
9- . في المصدر : «بتعلّقهما» .
10- . في المصدر : «لا حَجْر» مكان «ولا يجبر» .
11- . في المصدر : «تعلّقتا» .
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 486 .

ص: 410

. .

ص: 411

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ وَاصِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«أَمَرَ اللّه ُ وَلَمْ يَشَأْ ، وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ ؛ أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِادَمَ ، وَشَاءَ أَنْ لَا يَسْجُدَ ، وَلَوْ شَاءَ لَسَجَدَ ، (2) وَنَهى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ ، وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ، وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ» .

هديّة :قد سبق وحقّ أنّ شيئا لا يقع إلّا بمشيّته تعالى مأمورا به كان أو منهيّا عنه ، وأنّه سبحانه لا يأمر إلّا بالخير ولا ينهى إلّا عن الشرّ ، وأنّه لا يشاء إلّا أن يجري الخير على يد مَنْ يحبّه والشرّ على يد من لا يحبّه . وسيجيء أنّ له تعالى إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم ، وإرادة عزم ، فلذا يأمر ولا يشاء ويشاء ولا يأمر ؛ يأمر بالخير مَنْ يحبّه ومن لا يحبّه . وقد لا يشاء أن يصدر (3) عمّن لا يحبّه ؛ لعلمه الأزلي بأنّه مع قدرته على الفعل والترك يختار الترك ، وقد يشاء أن لا يصدر عمّن يحبّه ؛ لحكمةٍ ، كالعلم بالأصلح له ، كما في التالي من أنّه «أمر إبراهيم بذبح إسحاق ولم يشأ أن يفعل » . وسيجيء في الخامس : أنّه «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه» الشامل على ما يجري على يد العبد على خلاف ما يفعله باختياره لولا غلبة مشيئة اللّه _ لحكمة _ على مشيّته ، وهو من البداء قبل الإمضاء . وينهى عن الشرّ من يحبّه ومن لا يحبّه ، فقد يشاء صدور ما علم بعلمه الأزلي أنّ فاعله يختاره وقد لا يشاء لحكمةٍ (4) كما مرّ . والإشكال المتوهّم في المقام يدفع بأنّه سبحانه عَلِم بعلمه الأزلي أنّ بعض من يحبّه لا يفعل باختياره وتوفيق اللّه إلّا الخير ، وبعضه كذلك غالبا ؛ وأنّ من لا يحبّه لا يفعل باختياره وخذلان اللّه إلّا الشرّ أو غالبا . ومصداق الأوّل في الثاني مثل الكافر الذي يكون عمره بين إدراكه وموته قليلاً . وصدور الخير دائما أو كثيرا عمّن يحبّه (5) اللّه ، وكذا الشرّ عمّن لا يحبّه اللّه دلالة واضحة على قدرته سبحانه على الحيلولة بين العبد ومراده بالتوفيق أو الخذلان ، وعلى جعله العبد قادرا على الفعل والترك ، فلا جبر ؛ ولذا قد يتخلّف الخير عمّن يحبّه والشرّ عمّن لا يحبّه . قال برهان الفضلاء في شرح هذا الحديث : وذلك لأنّ مشيّته تبارك وتعالى يتعلّق بكلّ واقع حتّى بالمعاصي ، وأمره سبحانه لا يتعلّق إلّا بالطاعة تقع أم لا ، فلا تلازم بينهما . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني أمر اللّه بشيء لم يشأه مشيئةً منجرّة إلى وقوعه ، وشاء مشيئةً منجرّةً إلى وقوع المُشاء ولو بالتّبع ، كما أمر إبليس بالسجود لآدم عليه السلام ولم يشأ أن يسجد ، بل شاء أن لا يسجد بالتّبع مشيئةً منجرّةً إلى الوقوع ، ولو شاء كذلك لسجد ، ونهى آدم عن أكل الشجرة ولم يشأ تركه بل شاء أن يأكل بالتّبع ، ولو لم يشأ لم يأكل . (6) وقال بعض المعاصرين : سرّ هذا الحديث أنّ للّه سبحانه بالنسبة إلى عباده أمرين : أمرا إراديّا إيجاديّا ، وأمرا تكليفيّا إيجابيّا . والأوّل بلا واسطة الأنبياء عليهم السلام ولا يحتمل العصيان ، والمطلوب منه وقوع المأمور به (7) ويوافق مشيّته تعالى طردا وعكسا لا يتخلّف عنها البتّة ، فيقع المأمور به لا محالة وإليه اُشير بقوله عزّ وجلّ : «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (8) . والثاني يكون بواسطة الأنبياء عليهم السلام ، والمطلوب منه قد يكون وقوع المأمور به فيوافق مشيّته تعالى ويقع المأمور به من غير معصية فيه ، كالأوامر التي كلّف اللّه بها الطائعين . وقد يكون نفس الأمر من دون وقوع المأمور به ؛ لحِكَم ومصالح يرجع إلى العباد ، فهذا الأمر الذي لا يوافق المشيئة ولا الإرادة ؛ يعني وما لم يشأ اللّه به وقوع المأمور به ولا إرادة ، وإن شاء الأمر به وأراد وأمر ؛ ولذلك لم يقع المأمور به . (9) انتهى . وفيه _ بعد ما فيه من أنّ الأمر من غير طلب ليس بأمر _ أنّ تحقيقه هذا لا يوافق سرّه تحقيق (10) السابق في البداء في بابه ، على أنّ أمر إبليس بالسجود قبل بعث الأنبياء عليهم السلام .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد» .
2- . في «ج» : «لسجدون» .
3- . في «ب» و «ج» : «أن لا يصدر» .
4- . في «ب» و «ج» : - «لحكمة» .
5- . في «ب» و «ج» : «لا يحبّه» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 487 .
7- . في «ألف»: - «به».
8- . النحل (16) : 40 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 522 .
10- . في «ألف» : «تحقيقه» .

ص: 412

. .

ص: 413

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَنْ عَلِيٍّ ، 1 عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدٍ بنِ المُختارٍ (1) الْهَمْدَانِيِّ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ لِلّهِ _ تبارك وتعالى _ اِءِرَادَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ : إِرَادَةَ حَتْمٍ ، وَإِرَادَةَ عَزْمٍ ، يَنْهى وَهُوَ يَشَاءُ ، وَيَأْمُرُ وَهُوَ لَا يَشَاءُ ؛ أَ وَمَا رَأَيْتَ أَنَّهُ نَهى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ ذلِكَ؟ وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا ، لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمَا مَشِيئَةَ اللّه ِ تَعَالى ، وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أن يذبحه ، (2) لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَةَ اللّه ِ تَعَالى» .

.


1- . في الكافي المطبوع: - «بن المختار».
2- . في الكافي المطبوع : - «أن يذبحه» .

ص: 414

هديّة :المراد أبو الحسن الثاني الرِّضا عليه السلام ، أو الثالث الهادي عليه السلام . والفرق بين الإرادتين ، وكذا بين المشيئتين أنّ في صورة الحتم لا يقدر العبد أن يفعل خلاف المراد والمُشاء ، فيغلب مشيّته مشيئة اللّه ، بخلاف صورة العزم ؛ فإنّ له أن يفعل خلاف المراد والمُشاء ، فيوافق مشيّته مشيئة الحتم ومشيئة العزم قدر مشترك . فلا يخالفه شيء . وسائر بيان الحديث كسابقه . وفي الأمر بذبح إسحاق أقوال ؛ فقيل كما وقع الأمر بذبح إسماعيل وقع بعده مرّة اُخرى بذبح إسحاق أيضا ، فالمحكي في الصافّات عن إسماعيل قوله : «يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ» (1) ، أوّلهما لأوّليّته . والصدوق رحمه اللهصرّح في كتاب معاني الأخبار بحصر الذبيح في إسماعيل ، (2) ووجّه في كتاب الخصال في باب الإثنين _ بعد الحكم باختلاف الروايات في هذا الباب _ بأنّ الذبيح حقيقةً هو إسماعيل ، واُطلق هذا الاسم على إسحاق مجازا ؛ لتمنّاه منزلة أخيه وثوابه وإعطاء اللّه ذلك إيّاه . (3) وقال برهان الفضلاء : الظاهر من هذا الحديث أنّ الذبيح المأمور بذبحه بأمر اللّه هو إسحاق والمشتبه به على إبراهيم في منامه هو إسماعيل . ووجوه دعوى الظهور مذكورة في شرحه لم نذكرها لبُعدها ولما لا يحفى . وقال الفاضل الإسترابادي : وسيجيء في أوّل كتاب الحجّ في رواية أبي بصير وفي رواية زرارة أنّ الذبيح إسماعيل . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في هذه الرواية دلالة على الأمر بذبح إسحاق وأنّه عليه السلام لم يشأه ، وأمّا على أنّ ما وقع من الإقدام على الذبح والفداء بالنسبة إليه فلا ؛ أي فلا دلالة . ويحتمل وقوع هذا الأمر ونسخه وتغيّره إلى الأمر بذبح إسماعيل ووقوع الإقدام على الذبح ومقدّماته بالنسبة إليه . (5) انتهى . الدلالة على الأمر بذبح إسحاق ظاهرة ، وأمّا على أنّه عليه السلام لم يشأه فلا ؛ فإنّ معنى «لَما غلبت مشيئة إبراهيم» محتمل أو صريح في المشيئة المفروضة ؛ لأنّه شاء أن يذبح كما هو المشهور والأنسب بحاله عليه السلام .

.


1- . الصافّات (37) : 102 .
2- . معاني الأخبار ، ص 391 ، باب نوادر المعاني ، ح 34 .
3- . الخصال ، ج 1 ، ص 56 ، باب الاثنين ، ذيل الحديث 78 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 127 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 488 .

ص: 415

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ دُرُسْتَ (1) عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«شَاءَ وَأَرَادَ ، وَلَمْ يُحِبَّ وَلَمْ يَرْضَ ؛ شَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ إِلَا بِعِلْمِهِ ، وَأَرَادَ مِثْلَ ذلِكَ ، وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ يُقَالَ : ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ، وَلَمْ يَرْضَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ» .

هديّة :يعني شاء اللّه تبارك وتعالى وجعل في العبد قدرته على الفعل والترك ، وأراد ما علم أنّ هذا يفعل باختياره في وقت كذا إيّاه من الخير والشرّ ، وهذا كذلك بعكسه . وله البداء في هذه الإرادة قبل الإمضاء لحكمه ، فيريد الخير ويحبّ ويرضى . ويريد الشرّ ولا يحبّ ولا يرضى . فإرادته سبحانه على الحتم لا يتعلّق إلّا بما يعلم صدوره عن العبد باختياره المتروك في طرفيه ، أو المغلوب المقلوب بغلبة إرادة اللّه من أحدهما إلى الآخر لمصلحة علمها اللّه . وهذا معنى (شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وأراد مثل ذلك) والإشكال الناشئ هنا من أنّ ما يطابق الحكمة يرضى به سبحانه البتّة ؛ ففي كون ما يرضى به وما لا يرضى به مطابقا للحكمة تناقض لا محالة ، مدفوع بأنّه لا شكّ لنا في عدم المنافاة بين حكمة الصدور واللّا صدور ، وبين عدم الرضا به لنصّ المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه وإن لم يكن وجهه معلوما لنا ، على أنّ العلم المحيط بجميع الحِكَم والمصالح عِلْمُه حَسْبُ ، وما اُوتي البشر من العلم إلّا قليلاً . (2) وخلاصة الكلام : أنّ جميع المكالمات سؤالاً وجوابا ينتهي في هذا الباب إلى هذا الإشكال ولا مدفع له إلّا بما قلنا ، وثبت اعتقادنا عليه بعون اللّه تعالى وحسن توفيقه . وتوضيح الجواب : أنّه لا منافاة بين رضائه تعالى باعتبار تعلّقه بحكمته و أفعاله ، وبين عدم رضائه باعتبار تعلّقه بأفعال العباد . واللّه عليمٌ حكيم ، وهو لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون . (3) قال برهان الفضلاء : «شاء» في «شاء أن لا يكون شيء» مبتدأ ؛ لأنّه محكيّ ، و«أن لا يكون» خبر ، و«أن» مخفّفة عن المثقّلة ، أو مفسّرة عند من لم يشترط تقدّم الجملة ، وذهب إلى أنّ «أن» في و«آخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين» مفسّرة ، و«لا يكون» على التقديرين مرفوع ، و«الباء» في «بعلمه» للسببيّة ، وكذا «وأراد» مبتدأ و«مثل ذلك» مرفوع وخبره ، فالمعنى معنى شاء أنّه لا يكون شيء إلّا بعلمه مع قدرته على الحيلولة بينه وبين فاعله المختار في الفعل والترك ، فقد يحول لحكمةٍ وقد لا يحول . «ولم يحبّ أن يُقال : ثالث ثلاثة» كما قالت النصارى: إنّه سبحانه ذات لها صفتان قائمتان عليها موجودتان في نفسهما : إحداهما العلم ، والاُخرى الحياة . وقال الفاضل الإسترابادي : «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وأراد مثل ذلك» المراد من العلم هنا نقوش اللّوح المحفوظ ، والمشيّة والإرادة والتقدير والقضاء كلّها نقوش اللوح المحفوظ ، والتفاوت بينها أنّ كلّ لاحق تفصيله (4) أكثر من سابقه ، وتوقّف أفعال العباد على تلك الاُمور السبعة إمّا بالذات أو بجعل اللّه تعالى . وتحقيق المقام : أنّ تحرّك القوى البدنيّة بأمر النفس الناطقة المخصوصة المتعلّقة به ليس من مقتضيات الطبيعة ، فيكون بجعل اللّه تعالى . وهنا احتمالان : أحدهما : أنّه جعل اللّه بدنا مخصوصا مسخّرا لنفس مخصوصة بأن قال : كُن متحرّكا بأمرها ، ثمّ جعل ذلك موقوفا على الاُمور السبعة بأن قال : لا يكن شيء إلّا بعد السبعة . وثانيهما : أنّ بهذه السبعة يجعل اللّه تعالى البدن مسخّرا لنفس مخصوصة كلّ يوم في أفعال مخصوصة ، وعلى التقديرين ظهر معنى قولهم عليهم السلام : «لا جبر ولا تفويض ، وبينهما منزلة أوسع ممّا بين السماء والأرض » . (5) وسيجيء أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة ، وخلق المشيئة بنفسها . والمراد أنّ هذه السبعة ومحلّها _ أعني اللّوح المحفوظ _ ليست موقوفة على مثلها وإلّا لزم التسلسل . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «شاء أن لا يكون شيء إلّا بعلمه » أي شاء بالمشيئة الحتميّة أن لا يكون شيء إلّا بعلمه وعلى طباق ما في علمه بالنظام الأعلى وما هو الخير والأصلح ولوازمها «وأراد» بالإرادة الحتميّة «مثل ذلك ولم يحبّ» الشرور اللّازمة التابعة للخير والأصلح ، ك«أن يقال : ثالث ثلاثة» وأن يكفر به ولم يرض بها . (7) انتهى . كأنّ قصده من هذا البيان ما فصّلناه أوّلاً من عدم المنافاة بين رضائه سبحانه باعتبار تعلّقه بحكمة أفعاله ، وبين عدم رضائه باعتبار تعلّقه بأفعال العباد .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن درست بن أبي منصور» .
2- . اقتباس من الآية 85 من الإسراء (17) .
3- . اقتباس من الآية 23 من الأنبياء (21) .
4- . في المصدر : «تفضيله» .
5- . راجع: الكافي ، ج 1 ، ص 159 ، باب الجبر والقَدَر ... ، ح 9 و 11 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 488 .

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

الحديث السادسروى في الكافي ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ البزنطي ، (1) قَالَ : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام :«قَالَ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ : ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ لِنَفْسِكَ مَا تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ، جَعَلْتُكَ سَمِيعا بَصِيرا قَوِيّا «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه ِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» وَذَلكَ (2) أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذَلكَ (3) أَنَّنِي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» .

هديّة :من بيّنات براهين ما بيّناه أوّلاً في هديّة سابقه . في بعض النسخ : «ياابن آدم» بإثبات حرف النّداء . (بمشيّتي) المراد هنا بالمشيئة : القدر المشترك بين المشيئة السابقة على الإرادة والإرادة ، أي بجعلي فيك القدرة على الفعل والترك ، وبإرادتي إجراء الخير أو خلافه على يدك بعلمي وحكمتي . (أنت الذي تشاء لنفسك) باختيارك وقدرتك التي تحت قدرتي ومغلوبة لها ؛ لقدرتي على قلبها إن شئتُ بعلمي وحكمتي من كلّ واحد من طرفي الاختيار إلى الآخرَ ما تشاء من الخير وخلافه . (وبقوّتي أدّيت فرائضي ) أي بقوّتي الغالبة على قوّتك عند صدور فعل عنك لا بالجبر ولا بالتفويض ، بل بأمرٍ بين الأمرين ، أو المعنى : وبخلقي القدرة فيك وتوفيقيلك على اختيارك فعل الحسنة . وهذا أنسب بالفقرة التالية . في بعض النسخ : «فريضتي» مكان «فرائضي» . (وبنعمتي قويت على معصيتي) أي وبكرامتي وخلقي فيك القدرة والقوّة والجوارح والآلات . وفسّر التكريم في قوله : «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» (4) بإعطاء القدرة والاختيار . (5) وهذه الفقرة توبيخيّة بدليل تاليها وهي تعليليّة . (ما أصابك من حسنة ) أي باختيارك بتوفيق اللّه (فمن اللّه ) بعلمه وحكمته .(وما أصابك من سيّئة) باختيارك بخذلان اللّه (فمن نفسك) كذلك (وذلك أنّي) بفتح الهمزة تعليليّة ، أي ولذلك حسناتك بعلمي وحكمتي وتوفيقي منسوبة إلى رضائي ، وسيّئاتك بعلمي وحكمتي وخذلاني إيّاك منسوبة إليك وعدم رضائي بها . وفي الصحيفة الكاملة السجّادية : «وإذا هممنا بهمّين يرضيك أحدهما عنّا ، ويسخطك الآخر علينا ، فَمِلْ بنا إلى ما يرضيك عنّا ، وأوهن قوّتنا عمّا يسخطك علينا ، ولا تُخَلّ في ذلك بين نفوسنا واختيارها ؛ فإنّها مختارة للباطل إلّا ما وفّقت ، أمّارةٌ بالسوء إلّا ما رحمت» . (6) ولمّا كان وجه الرّضاء وعدمه المتعلّقين معا بحكمة الخذلان مع قدرته سبحانه ، على الحيلولة غير معلوم لنا ، قال عليه السلام : (وذلك أنّني لا اُسأل عمّا أفعل وهم يُسألون) . قال برهان الفضلاء ما حاصله : إنّ معصية العبد بمحض تمكين اللّه إيّاه عليها ، وأمّا طاعته فبانضمام تقويته سبحانه إيّاه عليها بالتمكين . (7) وحاصله : أنّ الطاعة بالتوفيق والمعصية بالخذلان فإنّ كلّاً من المعصية والطاعة إنّما هو بأمر بين الأمرين . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بمشيّتي » أي بالمشيئة التي خلقتها فيك وجعلتك ذا مشيئة ، _ وهي من آثار مشيئة اللّه سبحانه _ كنتَ أنت الذي تشاء لنفسك على وفق هواها ما تشاء ، وبالقوّة التي خلقتها فيك _ وهي من آثار قوّة اللّه ، ولعلّ المراد هنا القوّة العقلانيّة _ أدّيت فريضتي ، وبنعتمي التي أنعمتها عليك من قدرتك على ما تشاء ، والقوى الشهوانيّة والغضبيّة _ التي بها حفظ الأبدان والأنواع وصلاحها _ قويت على معصيتي . (8) «جعلتك سميعا بصيرا قويّا» . السمع باعتبار حمل القوّة على القوّة العقلانيّة ، والبصر ناظر إلى الفقرة الثانية ، والقوّة إلى الفقرة الثالثة . «ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه » لأنّه من آثار ما اُفيض عليه من جانب اللّه . «وما أصابك من سيئة فمن نفسك» لأنّه من طغيانها هواه . «وذلك أنّي أولى بحسناتك منك » بيان للفرق مع أنّ الكلّ مستند إليه ومُنْتهٍ به بالأخرة . وللعبد في الكلّ مدخل بالترتّب على مشيّته وقوّة (9) العقلانيّة والنفسانيّة بأنّ ما يؤدّي إلى الحسنات منها أولى به سبحانه ؛ لأنّه من مقتضيات خيريّته سبحانه وآثاره الفائضة من ذلك الجناب بلا مدخليّة النفوس إلّا القابليّة لها . وما يؤدّي إلى السيّئات منها أولى بالأنفس ؛ لأنّها مناقص من آثار نفسها (10) لا يستند إلّا إلى ما فيه منقصة . «وذلك أنّني لا اُسأل عمّا أفعل وهُم يُسألون » بيان لكونه أولى بالحسنات بأنّ ما يصدر ويفاض من الخيّر المحض من الجهة الفائضة منه لا يسأل عنه ولا يؤاخذ به ؛ فإنّه لا مؤاخذة بالخير الصرف ، وما ينسب إلى الخيّر المحض ، ومن فيه شرّية ينبعث منه الشرّ يؤاخذ بالشرّ ، والشرور وإن كان من حيث وجودها منتسبة إلى خالقها فمن حيث شرّيتها منتسبة إلى منشئها وأسبابها القريبة المادّية . صدق اللّه العظيم . 11 انتهى . لو سأل السائل عن منقصة بيانه لا منقصة فيه سوى أنّه يُستشمّ من عدّة من فقراته أنّها كأنّها مبتنية على طائفة من اُصول الفلاسفة من الإيجاب وكون الآثار باقتضاء الطبائع ، وفي وجه وهو لا يسئل ما فيه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2- . في الكافي المطبوع : «ذاك» .
3- . في الكافي المطبوع : «ذاك» .
4- . الإسراء (17) : 70 .
5- . راجع : مجمع البيان ، ج 6 ، ص 662 ، ذيل الآيه 70 من الإسراء (17) .
6- . الصحيفة السجّاديّة ، ص 59 _ 60 ، الدعاء التاسع .
7- . في «ألف» : «إلى التمكين» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 488 _ 489 .
9- . في المصدر : «قواه» .
10- . في المصدر : «نقصها» مكان «نفسها» .

ص: 419

. .

ص: 420

. .

ص: 421

باب الابتلاء و الاختبار

الباب السابع والعشرون : بَابُ الِابْتِلَاءِ وَ الِاخْتِبَارِوفيه كما في الكافي حديثان :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا مِنْ قَبْضٍ وَلَا بَسْطٍ إِلَا وَلِلّهِ فِيهِ مَشِيئَةٌ وَقَضَاءٌ وَابْتِلَاءٌ» .

هديّة :كأنّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ وضع هذا الباب بعد سابقه ؛ لدفع شبهة نشأت من أنّ الأشياء إذا كانت لا تكون إلّا بعلمه تعالى وحكمته على ما فصّل ، فما وجه التكليف والأمر والنهي ؟ والجواب : أنّ وجه التكليف الابتلاء والامتحان ؛ يعني إتمام الحجّة «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . (2) ولعلّ «القبض» كناية عن الخذلان لحكمته ، و«البسط» كناية عن التوفيق لحكمته . أو «القبض» عبارة عن حالة الشكّ بالوسوسة ، و«البسط» عن حالة القطع بالمسموع من الحجّة . قال برهان الفضلاء : لمّا ذكر في آخر الباب السابق تقويته تعالى جانب الطاعة لبعض وعدمها لآخر وفيه توهّم الجبر وعدم الامتحان التكليفي ، فوضع هذا الباب لدفع ذلك التوهّم . والمراد ب«القبض» هنا عدم إعطاء اللّه المكلّف مقوّي الطاعة ، و«البسط» ضدّه ، يعني ما من هذا وهذا للعاصي والمطيع إلّا بمشيئته وإرادته وقَدَره وقضائه للابتلاء والاختبار . والاختصار بترك الثاني والثالث ؛ للظهور . والامتحان من اللّه سبحانه إتمام الحجّة على العباد لا استعلام الحال . وقال بعض المعاصرين : الابتلاء من اللّه سبحانه إظهار ما كتب لنا أو علينا في القَدَر ، وإبراز ما أودع فينا وغرز في طباعنا بالقوّة بحيث يترتّب عليه الثواب والعقاب ؛ فإنّه ما لم يخرج من القوّة إلى الفعل لم يوجد بعد وإن كان معلوما للّه سبحانه ، فلا يحصل ثمرته وتبعته اللازمتان . (3) انتهى . وقال الفاضل الإسترابادي : المراد من القبض والبسط الفرح والألم ، سواء كان ورودهما بطريق ظلم أحدٍ أم لا . وقد سبق أنّ كلّ حادث مسبوق بسبعة ، وذكر هنا اثنين منهما ، إمّا بإرادة معنى أعمّ من المشيئة ، أو بالاكتفاء بالبعض . فلعلّ قصده أنّ ورود كلّ منهما على صاحبه منشأه إمّا منه أو من غيره فله في صورة الفرح وعليه في صورة الألم . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما من قبض ولا بسط » أي ما من تضييق ولا توسعة إلّا قُدّر فيه مشيئة وقضاء لذلك القبض والبسط ، أو لما يؤدّي إليه ، وابتلاء واختبار لعباده . والحديث الذي بعده كهذا الحديث إلّا أنّه خصّ بما أمر اللّه به أو نهى عنه ، ولعلّه (5) لاختصاص الحكم به ، بل لبيان الحكم في الخاصّ وإن لم يختصّ به . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . الأنفال (8) : 42 .
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 524 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128، بتفاوت في النقيصة في المصدر .
5- . في المصدر: + «ليس».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 490 .

ص: 422

. .

ص: 423

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ فِيهِ قَبْضٌ و بَسْطٌ (2) _ مِمَّا أَمَرَ اللّه ُ بِهِ أَوْ نَهى عَنْهُ _ إِلَا وَلِلّهِ فِيهِ (3) _ عَزَّ وَجَلَّ _ ابْتِلَاءٌ وَقَضَاءٌ» .

هديّة :قد علم بيانه ببيان سابقه فتدبّر . و«الواو» في «وبسط» بمعنى «أو» . و«ممّا» وصف الشيء و«مِنْ» بيانيّ أو تبعيضيّ ، كما احتمل برهان الفضلاء .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن حمزة بن محمّد بن الطيّار» .
2- . في «ب» و «ج» : «ولا بسط» ؛ وفي الكافي المطبوع : «أو بسط» .
3- . في الكافي المطبوع : «وفيه للّه » .

ص: 424

باب السعادة و الشقاء

الباب الثامن والعشرون : بَابُ السَّعَادَةِ وَ الشَّقَاءِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ صَفْوَانَ ، (1) عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ تبارك وتعالى _ خَلَقَ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ، فَمَنْ خَلَقَهُ اللّه ُ سَعِيدا ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَدا ، وَإِنْ عَمِلَ شَرّا ، أَبْغَضَ عَمَلَهُ وَلَمْ يُبْغِضْهُ ، وَإِنْ كَانَ شَقِيّا ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَدا ، وَإِنْ عَمِلَ صَالِحا ، أَحَبَّ عَمَلَهُ وَأَبْغَضَهُ ؛ لِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَحَبَّ اللّه ُ شَيْئا ، لَمْ يُبْغِضْهُ أَبَدا ، وَإِذَا أَبْغَضَ شَيْئا ، لَمْ يُحِبَّهُ أَبَدا» .

هديّة :(السعادة) بالفتح لغةً : سعة العيش ، ومجازٌ متروك الحقيقة ، أو حقيقة عرفيّة في علامة النجاة . و(الشقاء) بالفتح يمدّ ويقصر : ضدّ السعادة . القاموس : الشّقا : الشدّة والعسر ، ويمدّ ، شقي _ كرضي _ شقاوة وشقا وشقاءً وشَقْوةً ، ويكسر . وشقاه اللّه وأشقاه . (2) ولعلّ المراد هنا النور والظلمة ، أو طينة الجنّة والنار . فالمعنى قبل أن يخلق الأبدان . (فمن خلقه اللّه سعيدا) لإطاعته في التكليف بدخول النار يوم أخذ الميثاق على الإقرار بربوبيّة ربّ العالمين ، ونبوّة الأنبياء ، وولاية الأوصياء عليهم السلام . (وإن عمل شرّا) إشارة إلى أنّ الأبدان المخلوقة لأهل الجنّة قسمان : قسمٌ من بحت طينة الجنّة فللحجج عليهم السلام ، وقسمٌ من الطينتين بغلبة طينة الجنّة على ضدّها على ما شاء اللّه من التفاوت وقدّر بحكمته ، فلشيعتهم الثابتين على إقرارهم الأزلي في الصراط المستقيم . (وإن عمل صالحا) إشارة إلى ما علم من بيان الضدّ . (فإذا أحبّ اللّه شيئا) يعني يوم أخذ الميثاق . قال برهان الفضلاء : لمّا ذكر ثقة الإسلام في الباب السابق ما يدلّ بظاهره على استطاعة العبد وقدرته مستقلّاً في الفعل والترك وهو يوهم التفويض فوضع هذا الباب وآخر لدفع ذلك التوهّم ، ثمّ وضع بعدهما بابا لإثبات الواسطة . «قبل أن يخلق خلقه» إشارة إلى مثل الحديث الذي يجيء في كتاب الإيمان والكفر عن الباقر عليه السلام «إنّ اللّه عزّ وجلّ قال قبل أن يخلق الخلق : كُن ماءً عذبا أخلقُ منك جنّتي وأهل طاعتي ، وكُن ملحا اُجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي» . (3) الحديث . و«لم يبغضه أبدا» و«لم يحبّه أبدا» للدلالة على أنّ ما ورد في الأدعية المأثورة من طلب السعادة على فرض الشقاء مجاز ليس طلبا حقيقةً ، بل الغرض إظهار كمال الرغبة في الثواب والخوف من العذاب . انتهى . أقول : لا يذهب عليك أنّ بيانه هذا يوهم الجبر ؛ إذ لا شكّ في الفرق بين الامتناع الذاتي والعادي . ومن عادة اللّه سبحانه ما يمتنع أن لا يدوم ، كقدرته على فعل القبيح وامتناعه منه عادةً أبدا ، ودوام الامتناع العادي لا يمنع الإمكان الذاتي ، ومنها ما لا امتناع في عدم دوامه وله التبديل في خلقه ، فطلب السعادة مجاز باعتبار وحقيقة بآخر ، إلّا أن يدّعى أنّ تبديل السعادة أو الشقاوة قبيح في عادة اللّه سبحانه فمجاز ليس إلّا . وبالجملة : الحمل على المجاز ، كما قال سلّمه اللّه تعالى _ أوفق بظاهر الأحاديث وأسلم للمتأمِّل في مثل المعضل . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «خلق السعادة والشقاء» المراد خلق تقدير لا خلق تكوين ، كما وقع التصريح به في الأحاديث . وخلق التقدير نقوش اللّوح المحفوظ ، وخلق التكوين الوجود في الخارج وهو من فعلنا . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه خلق السعادة والشقاوة» أي قدّرهما لعباده تقديرا سابقا على الخلق ، فمن خلق (5) اللّه سعيدا على وفق تقديره لم يبغضه أبدا ، إنّما يبغض عمله إن عمل سوءا ، ولم يبغضه ، ومَن قدّره شقيّا وخلقه شقيّا على وفق تقديره لم يحبّه أبدا ، وإن عمل عملاً صالحا أحبّ عمله ؛ لأنّه يحبّ الخير والصلاح ، وأبغضه لشقاوته ولما يصير إليه من عدم الثبات على الإيمان . (6) وقال بعض المعاصرين : والسرّ في تفاوت النفوس في الخير والشرّ واختلافها في السعادة والشقاوة ، اختلاف الاستعدادات وتنوّع الحقائق ؛ فإنّ المواد السُفْلِيّة بحسب الخلقة والماهيّة متباينة في اللطافة والكثافة ، وأمزجتها مختلفة في القُرب والبُعد من الاعتدال الحقيقي ، والأرواح الإنسيّة التي بإزائها مختلفة بحسب الفطرة الاُولى في الصفاء والكدورة ، والقوّة والضعف مترتّبة في درجات القرب والبُعد من اللّه تعالى ؛ لأنّ بإزاء كلّ مادّة ما يناسبه من الصُوَر ، فأجود الكمالاتِ لأتمّ الاستعدادات وأخسّها لأنقصها ، فلا يمكن لشيء من المخلوقات أن يظهر في الوجود ذاتا وصفةً وفعلاً إلّا بقدر خصوصيّة قابليّته واستعداده الذاتي . ثمّ قال : ووجه آخر : أنّه قد ثبت أنّ للّه عزّ وجلّ صفات وأسماء متقابلة هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال ، ولها مظاهر متباينة بها يظهر أثر تلك الأسماء . مثلاً لمّا كان قهّارا أوجد المظاهر القهريّة التي لا يترتّب عليها إلّا أثر القهر ، ولمّا كان غفورا أوجد مجالي للعفو والغفران ، وقس على هذا . فظهر أن لا وجه لاستناد الظلم والقبائح إلى اللّه سبحانه ؛ لأنّ هذا الترتيب والتمييز من وقوع فريق في طريق اللطف وآخر في طريق القهر من ضروريّات الوجود والإيجاد ، ومن مقتضيات الحكمة والعدالة . ومن هنا قال بعض العلماء : لَيْتَ شِعري لِمَ لا يُنسب الظلم إلى المَلِك المجازي حيث يجعل بعض من تحت تصرّفه وزيرا قريبا وبعضهم كنّاسا بعيدا ؛ لأنّ كلّاً منهما من ضروريّات مملكته ، وينسب إلى اللّه تعالى في تخصيص كلّ من عبيده بما خصّص ، مع أنّ كلّاً منهما ضروريّ في مقامه؟! . (7) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى» .
2- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 349 (شقا) .
3- . الكافي ، ج 2 ، ص 6 ، باب آخر منه وفيه زيادة وقوع التكليف الأوّل ، ح 1 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128 .
5- . في المصدر : «خلقه» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 490 .
7- . الوافي ، ج 1 ، ص 528 ، بإسقاط بعض العبارات .

ص: 425

. .

ص: 426

. .

ص: 427

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْعَقَرْقُوفِيِّ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام جَالِسا وَقَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتّى حَكَمَ (2) لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَيُّهَا السَّائِلُ ، حُكْمُ اللّه ِ _ تعالى _ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمَّا حَكَمَ بِذلِكَ ، وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْرِفَتِهِ ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ ثِقَلَ الْعَمَلِ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ ، وَوَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلى مَعْصِيَتِه ؛ (3) لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَمَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ ، فَوَاقَعُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالاً تُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ وَهُوَ مَعْنى «شَاءَ مَا شَاءَ» وَهُوَ سِرُّهُ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد رفعه ، عن شعيب العقرقوفي» .
2- . في الكافي المطبوع : + «اللّه » .
3- . . في الكافي المطبوع : «معصيتهم» .

ص: 428

هديّة :«اللام» في (حكم لهم) للاستحقاق ، كما في قوله تعالى : «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (1) و «لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (2) و «لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ» (3) و «لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» (4) . وتوضيح السؤال : أنّ اللّه سبحانه بقدرته على خلقه جميع العباد سعيدا «وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» (5) . قوله : هل أجبر الشقيّ على شقاوته والسعيد على سعادته ، أم ذلك باقتضاء الطبيعة واستعداد المادّة كما قالت القَدَريّة؟ وحاصل الجواب : أنّ مِنْ علمه تعالى ما هو خاصّ لم يطلع عليه أحدا من خلقه وهو سرّه ، فلا علم لأحدٍ على الباعث على محبّته سبحانه لمن أحبّه أو بغضه لمَن أبغضه ، ولو كان لقوله : (لا يقوم له أحد) وسع الاستثناء ، فالمعنى إلّا الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . (فلمّا حكم بذلك) بسعادة أهل الطاعة وشقاء أهل المعصيّة أعطى من أحبّه _ بعد جعله مختارا في الفعل والترك _ أن يختار الفعل باختياره وبتوفيق اللّه سبحانه ، كما يختار من أبغضه الترك باختياره مخذولاً بالخذلان ، فلذا لا يثقل العمل والطاعة على من أحبّه بخلاف مَن أبغضه . في بعض النسخ هكذا : «فواقعوا معصيتهم على ما سبق لهم في علمه» بزيادة «معصيتهم على» . وفي آخر : «فوافقوا ما سبق لهم في علمه» من الموافقة بالفاء والقاف . و«القدرة» في (ولم يقدروا) عبارة عن الاستطاعة وكماليّة القدرة . ومعنى التعليل أنّ علمه الأزلي بأنّ ما يختاره المختار باختياره بالتوفيق أو الخذلان ماذا من الطرفين لن ينقلب ولن يتخلّف معلومه ، والعلم عند اللّه وأهل ذكره عليهم السلام . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : معنى السؤال : أنّ أيّ شيء صار سببا للحكم العلمي الأزلي بعذاب أهل الشقاء ؟ ومعنى الجواب : أنّ حكمه العلمي الأزلي بعذاب أهل المعصية أو بثواب أهل الطاعة حقّ ليس موقوفا اتّصافه بالحقّيّة على وجود أحد ولِلحوق صفة به . ولا يقاس علمه تعالى المتعلّق بالغيب والشهادة بعلم المخلوق وهو علمٌ حادث تابعٌ للمعلوم وليس بعلم الغيب ، فكما لا يجوز أن يُقال : إنّ علمه تعالى علّة لمعلومه لا يجوز أن يُقال تابع للمعلوم . «فلمّا حكم بذلك » أي بعدم القيام المفهوم من «لا يقوم» و«الباء» للملابسة لا صلة للحكم . والإضافة في «محبّته» إضافة المصدر إلى المفعول ، أي محبّة اللّه . والمراد ب«القوّة» هنا الأمر الدالّ والعلامة ، وهو خلق الماء العذب والماء الملح الاُجاج . «وهب لأهل المعصية» من باب مجاز المشاكلة . يعني فلمّا حكم بعلمه _ وحُكْمُه غير موقوف على وجود أحد ولا لحوق صفة _ وهب لأهل الطاعة علامةً دالّة على نجاتهم ، وأبعد عنهم ثقل العمل بالطاعة بقدر تفاوت مراتبهم في المحبّة التي كلّ منهم متّصفٌ في علمه سبحانه بقَدْرٍ منها ، ووهب لأهل المعصية علامة دالّة على هلاكهم . وفي بعض النسخ المعتبرة : «على معصيتهم» مكان «معصيته» . «ومنعهم» أي لم يعطهم استطاعة قبول الأحكام الدينيّة من اللّه تعالى . «فواقعوا ما سبق لهم» أي أوقعوا . «ولم يقدّروا» على المعلوم من التفعيل ؛ أي ولم يصيّروا أنفسهم راغبةً في الإتيان بما يُنجيهم من العذاب . «وهو سرّه» يعني العلم بوجه خلق السعادة والشقاء قبل خلق الخلق ، أو وجهه سرّ لا يعلمه إلّا اللّه . أو المعنى : إلّا اللّه وخزنة علمه المعصومون . انتهى . الأولى كون الإضافة في «محبّته» إضافة المصدر إلى الفاعل مع التساوي في ترتّب الفائدة ؛ إذ السرّ المسؤول عنه إنّما هو سبب الحكم العلمي لأجل المحبّة وعدمها قبل الخلق . على أنّ منشأ محبّة العبد محبّة المعبود تعالى ، وأوّل التالي مؤيّد . ونِعْمَ ما قيل : گرت عزّت دهد رو ناز مى كنو گرنه چشم حسرت باز مى كن وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : «فلمّا حكم بذلك وهب» إلى آخره . المراد حُكْمه تعالى في التكليف الأوّل يوم الميثاق (6) قبل تعلّق الأرواح بالأبدان ؛ حيث ظهرت ذلك اليوم الطاعة والمعصية ، فقال _ جلّ وعلا _ مشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه الطاعة : هؤلاء للجنّة ، ومشيرا إلى من ظهرت منه المعصية : هؤلاء للنار ولا اُبالي . فلمّا علم اللّه تعالى أنّ أفعال الأرواح بعد تعلّقهم بالأبدان موافقة لفعلهم يوم الميثاق مهّد لكلّ روح شروطا تناسب ما في طبعه من السعادة والشقاوة . «منعهم إطاقة القبول» معناه أنّه لم يشأ ولم يقدّر قبولهم ، ومن المعلوم أنّ المشيئة والتقدير شرطان في وجود الحوادث _ كما مرّ _ وإن لم يكونا من الأسباب . وأمّا قوله : «ولم يقدروا أن يأتوا» فمعناه _ واللّه أعلم _ أنّهم لم يقدروا على قلب حقائقهم بأن يجعلوا أرواحهم من جنس أرواح السعداء . وسيجيء في اُصول هذا الكتاب : لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء . «لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق» تعليل لقوله : «فوافقوا ما سبقوا لهم في علمه » . وهنا فائدتان : إحداهما : أنّ الجمادات إذا خُلّيت وأنفسها كانت في أمكنة مخصوصة مناسبة لطبعها ، فكذلك الأرواح إذا خُلّيت وإرادتها اختارت الطاعة أو المعصية ، فمقتضى الطبع قسمان . وثانيتهما : إنّ لعلمه تعالى بأنّ بعض الأرواح يختار المعصية ما خلق الأشياء السبعة التي هي شرط الطاعة ، وخلق السبعة التي هي شرط المعصية ولا يلزم الجبر ؛ لأنّ التمهيد وقع على وفق اختياره . وبعبارة اُخرى : الجبر هو خلق الفعل في العباد ، أو خلق ما يخلق الفعل فيهم ، كالميول القسريّة . والاضطرار جاء بمعنى الجبر ، وجاء بمعنى الإكراه وهو أن يفعل الإنسان بإرادته فعلاً لا يحبّه بخوف ونحوه . (7) انتهى . ومن المعلوم أنّ صرف طائفة من العمر في مطالعة المصنّفات في اُصول الفلاسفة لضرّه أكثر من نفعه ، ومن ضرّه ظنّ مثل الفاضل من أصحابنا أنّه لو لم يتمسّك بحبل تلك الاُصول لما أمكنه توجيه طائفة من أحاديثهم عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : لمّا سأل السائل عمّا يستند إليه حكم اللّه لعذاب أهل الشقاء ، وأنّه لابدّ أن يكون لحوق الشقاء لهم مقدّما على حكم اللّه في علمه حتّى يترتّب عليه ذلك الحكم ، وعمّا يستند إليه لحوق الشقاء سابقا على حكمه في علمه ، وأنّه لا شيء قبل علمه يستند إليه لحوق الشقاء لهم . أجاب عليه السلام : بأنّ حكم اللّه لا يقوم له أحد من خلقه بموجبه وبيان سببه ، أو بما يليق به ، وبأن يكون بيانا بسببه ولا بإدراكه وفهمه ، وما هو كذلك فحقيقٌ بأن لا يتعرّض لبيانه ، والسّكوت عمّا يعجز اللّسان عن بيانه أولى من التعرّض للبيان . ثمّ بيّن بقوله : «فلمّا حكم بذلك» أنّ حكمه بذلك في علمه يترتّب عليه إعطاء المعرفة لأهل السعادة وأهل محبّته ، ووَضْع ثقل العمل عنهم بثبوت ما هم أهله ، وإعطاء أهل الشقاء والمعصية القوّة على معصيتهم لما علمه فيهم من الشقاء . «ومنعهم» ولم يعطهم «إطاقة القبول منهم، فواقعوا ما سبق لهم في علمه» من السعادة والشقاوة وتوابعهما «ولم يقدروا» على الإتيان بحال لهم يُنجيهم من عذابه ؛ لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق والوقوع . «وهو معنى شاء ما شاء » أي ما ذكرناه من أنّه لا يقوم بحكم اللّه أحد من خلقه بحقّه معنى «شاء ما شاء» «وهو سرّه» الذي لم يطّلع عليه أحد من خلقه . (8) وقال بعض المعاصرين : ما قدّر اللّه سبحانه على الخلق الكفر والعصيان من نفسه ، بل باقتضاء أعيانهم وطلبهم بألسنة استعداداتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا ، فما كانوا في علمه تعالى ظهروا في وجوداتهم العينيّة فليس للحقّ إلّا إفاضة الوجود عليهم والحكم لهم وعليهم ، فلا يحمدوا إلّا أنفسهم ، ولا يذمّوا إلّا أنفسهم ولا يبقى للحقّ إلّا حمد إفاضة الوجود ؛ لأنّ ذلك له لا لهم . (9) انتهى .

.


1- . أورد في آيات متعدّدة منها في البقرة (2) : 10 و 174 .
2- . البقرة (2) : 104 ؛ المجادلة (58) : 4 .
3- . الأنفال (8) : 14 .
4- . الرعد (13) : 25 .
5- . النحل (16) : 9 .
6- . في «ب، ج»: «قبل الميثاق».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 129 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 491 _ 492 .
9- . الوافي، ج 1، ص 529 _ 530.

ص: 429

. .

ص: 430

. .

ص: 431

. .

ص: 432

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنِ النَّضْرِ ، (1) عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ المُعَلّى (2) أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ :«يُسْلَكُ بِالسَّعِيدِ فِي طَرِيقِ الْأَشْقِيَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ السَّعَادَةُ . وَقَدْ يُسْلَكُ بِالشَّقِيِّ طَرِيقَ السُّعَدَاءِ حَتّى يَقُولَ النَّاسُ : مَا أَشْبَهَهُ بِهِمْ ، بَلْ هُوَ مِنْهُمْ! ثُمَّ يَتَدَارَكُهُ الشَّقَاءُ ؛ إِنَّ مَنْ كَتَبَهُ اللّه ُ _ عَزَّوَجَلَّ _ سَعِيدا _ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَا فُوَاقُ نَاقَةٍ _ خَتَمَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ» .

هديّة :(يسلك بالسعيد) أي قد يسلك بدليل التناظر ، وكون الكلام في الأبدان المخلوقة بالخلط بين الطينتين . والظرف نائب الفاعل و«الباء» للتعدية . (ما أشبهه) أي ما أشبه هو بالاتّصال وأصله الانفصال . (إنّ من كتبه اللّه عزّ وجلّ سعيدا) أي بعلمه المكنون المخزون على ما عرفت في هديّة سابقة . وفي الحديث : «العيادة قدر فواق ناقة» (3) والفواق _ كغراب _ : ما بين الحَلْبَتين من الوقت لأنّها تحلب ثمّ تترك سُوَيعةً يرتضعها الفَصيل ليدرّ ثمّ تُحلب . يُقال : ما أقام عنده إلّا فُواقا . (4) (ختم له بالسعادة) يحتمل المعلوم ، فالمستتر «للّه عزّ وجلّ» وخلافه ، فالظرف نائب الفاعل . وترك النظير ، لظهوره بالتناظر .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد» .
2- . في الكافي المطبوع : «معلّى» .
3- . الكافي ، ج 3، ص 117 _ 118، باب في كم يعاد المريض و ... ، ح 2؛ وعنه في الوسائل ، ج 2 ، ص 425 ، ح 2543 .
4- . لسان العرب ، ج 10 ، ص 316 (فوق) .

ص: 433

. .

ص: 434

باب الخير و الشرّ

الباب التاسع والعشرون : بَابُ الْخَيْرِ وَ الشَّرِّوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ البرقي ، عَنْ السرّاد وَعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ مِمَّا أَوْحَى اللّه ُ تعالى إِلى مُوسى عليه السلام ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاةِ : أَنِّي أَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ ، وَأَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَلْقَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، وَأَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُهُ ، فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلى يَدَيْهِ» .

هديّة :يعني هذا باب الخير والشرّ اللّذين خالقهما بأنواعهما وأصنافهما وأشخاصهما هو اللّه بالمشيئة والإرادة والقَدَر والقضاء والكتاب والأجل والإذن ، وفاعلهما باختياره هو العبد . وسيذكر في الأوّل من الباب التالي قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ اللّه تعالى كلّف تخييرا ، ونهى تحذيرا » . (خلقت الخلق) بالحكمة والتدبير . (وخلقت الخير) أي عقل الإيمان وجنوده ، فالشرّ هو الكفر وجنوده . وقد عرفت مرارا أنّ أسوء صنوف الكفر كفر الصوفيّة القَدَريّة ، ثمّ كفر القائلين بالقَدَر والتفويض . (أجريته) أي بالقُدرتين والتوفيق ، أو الخذلان . قدرة اللّه الغالبة ، وقدرة العبد المغلوبة . قال برهان الفضلاء : وضع هذا الباب كسابقه لإبطال التفويض الذي ذهبت إليه القَدَريّة ببيان الخير والشرّ ؛ يعني الحسنات من الإيمان والطاعات ، والسيّئات من الشرك والمعاصي ، والقدر في الأشياء عند الصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالخلق الموجود العيني القارّ الوجود ، وبالخير والشرّ ما هو من الأعمال والأفعال . وكلّ الموجودات بأقسامها مستند الوجود إليه سبحانه ، واستناد بعضها إلى من يفعله باعتبار جريانه على يديه ووقوعها تبع قدرته وإرادته بالمدخليّة لا بالإيجاد ، وإنّما إعطاء الوجود من الواجب بذاته الموجب الموجد للأشياء كما هي في علمه بمشيّته وإرادته وقَدَره وقضائه ، فلأفعال العباد موجد وشرائط وأسباب مقرّبة لها إلى الوجود ، ووجودها وجهة خيريّتها من ذلك المبدأ الفاعلي ، وظهورها على يد عاملها وجهات شرّيّتها من شرائطها وأسبابها ؛ أي من أحوال عاملها ، وواسطة ظهورها بجريها على يده ، وبقدرته وإرادته ، فتنسب إلى العامل بهذه الجهة ، فخالقها وموجدها هو اللّه سبحانه وعاملها والمتكلّف بكسبها بقدرته وإرادته وسائر قواه وجوارحه هو من جرت هو على يده بقدرته وإرادته . وسيجيء ما يُغنيك لتحقيق هذا إن شاء اللّه . والحديثان الآخران كهذا الحديث إلّا أنّه زاد فيهما الوعيد على المنكر لما قاله والمتشكّك فيه . (2) انتهى . تفسيره الخلق بما فسّره ، لعلّ للإيماء إلى تعميم الخلق فأنسبه بالمقام ، ولعلّ أنسبيّة التفسير بالعباد بالسياق ، وتفسيره الخير والشرّ أرجح .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن محبوب و عليّ بن الحكم ، عن معاوية بن وهب» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 493 _ 494 ، بتفاوت .

ص: 435

. .

ص: 436

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :إِنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّه ُ في (2) كُتُبِهِ : أَنِّي أَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ ، وَخَلَقْتُ الشَّرَّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ ذَا؟ وَكَيْفَ ذَا؟» .

هديّة :(كيف ذا؟ وكيف ذا؟) كناية عن السؤال عن الوجه المخزون عند العدل الحكيم ، أو الحكم بوجههما رأيا وقياسا ، أو الإنكار لحقّيّة حكم الحديث .

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عن العبيدي ، (3) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ كَرْدَمٍ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ : أَنَا اللّه ُ لَا إِلهَ إِلَا أَنَا ، خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَطُوبى لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الْخَيْرَ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُ عَلى يَدَيْهِ الشَّرَّ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ : كَيْفَ هذَا؟» . 4 قَالَ يُونُسُ : يَعْنِي مَنْ يُنْكِرُ هذَا الْأَمْرَ يَتَفَقّهٍ (4) فِيهِ .

هديّة :(بكّار) كعطّار . و(كردم) كجعفر . وقيل : كعنصر ؛ الرجل القصير الضخم . (5) (يتفقّه فيه) حال من فاعل (ينكر) أي يجتهد في تخريج وجهه بعقله ورأيه . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «بتفقّه فيه» على المصدر للتكلّف ؛ أي بسبب دعوى علمه ومعرفة سرّه كالصوفيّة . قال برهان الفضلاء : يعني قال محمّد بن عيسى : قال يونس : يعني عليه السلام بقوله : لمن يقول : من ينكر _ كالمعتزلي _ أنّه تعالى خالق الخير والشرّ بادّعائه العلم بخلافه .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه» .
2- . في الكافي المطبوع : «من» .
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى» .
4- . في الكافي المطبوع : «بتفقّه» .
5- . لسان العرب ، ج 12 ، ص 516 (كردم) .

ص: 437

. .

ص: 438

باب الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين

الباب الثلاثون : بَابُ الْجَبْرِ وَ الْقَدَرِ وَ الْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِوأحاديثه كما في الكافي أربعة عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي ، عَنْ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا رَفَعُوهُ ، قَالَ :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام جَالِسا بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ صِفِّينَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ فَجَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ (1) : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إِلى أَهْلِ الشَّامِ ، أَ بِقَضَاءٍ مِنَ اللّه ِ وَقَدَرٍ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَجَلْ يَا شَيْخُ ، مَا عَلَوْتُمْ تَلْعَةً وَلَا هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلَا بِقَضَاءٍ مِنَ اللّه ِ وَقَدَرٍ . فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : عِنْدَ اللّه ِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ لَهُ : مَهْ يَا شَيْخُ ، فَوَ اللّه ِ ، لَقَدْ عَظَّمَ اللّه ُ لَكُمُ الْأَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ ، وَفِي مُقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ . فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِنَا مُكْرَهِينَ ، وَلَا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ ، وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟! فَقَالَ لَهُ : وَتَظُنُّ أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْما ، وَقَدَرا لَازِما ؛ إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذلِكَ ، لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللّه ِ عزَّوَجَلَّ ، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَلَمْ تَكُنْ (2) لَائِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ ، وَلَا مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ المُذْنِبُ أَوْلى بِالْاءِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ ، وَلَكَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ ، وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسِهَا ، إِنَّ اللّه َ _ عزَّوَجَلَّ _ كَلَّفَ تَخْيِيرا ، وَنَهى تَحْذِيرا ، وَأَعْطى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرا ، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوبا ، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِها ، وَلَمْ يُمَلِّكْ مُفَوِّضا ، وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثا «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» ، فَأَنْشَأَ الشَّيْخُ يَقُولُ : أَنْتَ الْاءِمَامُ الَّذِي نَرْجُو بِطَاعَتِهِيَوْمَ النَّجَاةِ مِنَ الرَّحْمنِ غُفْرَانا أَوْضَحْتَ مِنْ أَمْرِنَا مَا كَانَ مُلْتَبِساجَزَاكَ رَبُّكَ بِالْاءِحْسَانِ إِحْسَانا» .

.


1- . في الكافي المطبوع : + «له» .
2- . في «ب» و «ج» : «فلا تكن» .

ص: 439

هديّة :هذا الحديث في توحيد الصدوق رحمه الله سنده متّصل غير مرفوع هكذا : أحمد بن عمران الدّقاق ، عن محمّد بن الحسن الطائي ، عن سهل ، عن عليّ بن جعفر الكوفي ، قال : سمعت سيّدي عليّ بن محمّد عليهماالسلاميقول : حدّثني أبي محمّد بن علي ، عن أبيه الرضا ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . ورواه بسند آخر أيضا متّصل غير مرفوع . (1) ولعلّ المراد ب«الكوفة» هنا مسجدها . و«المنصرف» : مصدر ميمي بمعنى الانصراف . و(صفّين) كسجّين موضع قرب الرَقَّة بشاطئ الفرات كانت به الوقعة العظمى بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية لعنه اللّه . جثا يجثوا جُثُوّا وجُثِيّا بضمّ الجيم _ والمثلّثة في الأوّل مضمومة وفي الثاني مكسورة _ : جلس على ركبتيه وأقام على أطراف أصابعه . (2) (إلى أهل الشام) إلى معاوية وعسكره . و«التلعة» _ بفتح المثنّاة الفوقانيّة وسكون اللام والمهملة _ : ما ارتفع من الأرض . (عند اللّه ) على تقدير الاستفهام التعجّبي . و«العناء» بالفتح والمدّ . يعني أمِنْهُ تعالى أطلبُ أجر مشقّتي مع وقوع ذلك بقضائه وقدره ؟ وزيدَ في بعض الروايات : «ولا أرى في ذلك أجرا» . (ولا إليه مضطرّين) يعني لخلقه تعالى فيكم الاختيار ، ولعلمه الأزلي بما يصدر باختياركم من الطرفين على التوفيق أو الخذلان «وَ مَا تَشَآءُونَ إِلَا أَن يَشَآءَ اللَّهُ» . (3) قال المحقّق الطوسي نصير الملّة والدِّين في بعض رسائله المعمول لتحقيق الأمر بين الأمرين : العبد مختار في الفعل والترك إلّا أنّ مشيّته ليست تحت قدرته كما قال اللّه تعالى : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» ، فإذن نحن في مشيّتنا مضطرّون وفي عين الاختيار مجبورون . (4) (قضاءً حتما) أي بالإجبار والإكراه ، أو بإيجاب الفاعل الموجب . (وقدرا لازما) للذوات والحقائق كما زعمت الصوفيّة القدريّة . وإنّما «كان المذنب أولى بالإحسان ، والمحسن أولى بالعقوبة » ؛ لأنّ فعل العبد إذا كان بالقضاء الحتم والجبر فلابدّ من القول بالظلم ، والظالم شأنه الإحسان إلى المذنب وعقوبة المحسن ؛ فإنّ الظلم وضع الشيء في غير موضعه . (ومجوسها) عطف تفسير ل «القدريّة» ، كالقدريّة ل (إخوان عبدَة الأوثان ، وخصماء الرحمان ، وحزب الشيطان) . وفي رواية ابن عبّاس : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرني أن أبرأ من خمسة ؛ من الناكثين وهم أصحاب الجمل ، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام ، ومن الخوارج وهم أهل النهروان ، ومن القَدَريّة وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا : لاقَدَر ، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا : اللّه أعلم . (5) وقال بعض المعاصرين : وإنّما كان المذنب أولى بالإحسان ؛ لأنّه لا يرضى بالذنب كما يدلّ عليه جبره عليه ، فجبره عليه يستدعى إحسانا في مقابلته . والمحسن أولى بالعقوبة ؛ لأنّه لا يرضى بالإحسان لدلالة الجبر عليه ، ومن لا يرضى بالإحسان أولى بالعقوبة من الذي يرضى به . (6) انتهى . وقال برهان الفضلاء في بيان هذا الحديث : اعلم أنّ المذاهب في أفعال العباد ثلاثة : الأوّل : الجبر ، وأهله أربع طوائف : الاُولى : رهط جهم بن صفوان الترمذي ، قالوا : لا فرق بين الحركة رعشة ومشيا وجميع حركات العباد كحركة الأوراق على الأشجار ، ليس لغير اللّه تعالى فيها قدرة واختيار . الثانية : الأشاعرة ، قالوا : إنّما الفاعل لأفعال العباد هو اللّه ، وفرّقوا بين الحركتين بأنّ في الحركة رعشةً لا قدرة للعبد أصلاً ، وفي الحركة مشيا له قدرة ولكن يصدر بقدرة اللّه ؛ لأنّها أقوى ، ولو فرض عدم قدرته على المحال لَيَصدر بقدرة العبد . وبهذا الاعتبار سمّوا أفعال العباد الاختياريّة كالحركة مشيا مكسوبةَ العباد ولم يسمّوا مثل الحركة رعشةً مكسوبةَ العبد . الثالثة : تبعة اليهود والفلاسفة القائلين بامتناع تخلّف المعلول عن علّته التامّة ، ووجوب كلّ فعل عندها ، وسمّوا هذا الوجوب بالوجوب السابق ، فلمّا قالوا بانتهاء سلسلة العلل إلى واجب الوجود، وبأنّ الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد ، وبقدم العالم لزمهم القول بمجبوريّة واجب الوجود وجميع الفاعلين في سلسلة العلل وإن كانوا لدفع الفضيحة قائلين بالقدرة والاختيار . ولايمكن أن يكون حسن الأشياء ولا قبحها عند هذه الطوائف الثلاث عقليّا . الرابعة : المخطّئة _ على اسم الفاعل من التفعيل _ قالوا : إنّ اللّه تعالى أمر العباد بمعصية إنكار ربوبيّته والشرك ؛ لأنّه جعلهم مجبورين على تبعيّة الظنّ وقد يقع فيه الخطأ ، لعدم تصريحه تعالى بجميع أحكام الدين في محكمات القرآن ، وأمُره العباد بإطاعة الرسول واُولي الأمر يستلزم أمرهم بالشرك وتبعيّة الظنّ الذي قد يقع فيه الخطأ . وهذا الاستدلال عن المخطّئة حكى اللّه سبحانه بقوله : «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّه ُ مَا أَشْرَكْنَا» (7) . المذهب الثاني : التفويض ، ويسمّى بالقَدَر أيضا ، وأهله ثلاث طوائف : الاُولى : المعتزلة وهم قالوا بالتفويضين : أحدهما: أنّ أفعال العباد ليست تحت مشيئة اللّه وإرادته وقضائه . وثانيهما : أنّهما ليست داخلة تحت إذن اللّه تعالى . وقد سبق بيان التفويضين . وتسميتهم بالقَدَريّة عند طائفة من العلماء ؛ لنسبتهم جميع القَدَر _ أي التدبير في الفعل _ إلى العباد . الثانية : المصوّبة _ كالمخطّئة _ وهم قالوا : الاجتهاد ليس بخطإ ولو كان خطأً ، و المخطئ مصيب ومثاب وحكم اللّه في المسائل الخلافيّة تابع لرأي المجتهد . وبهذا الاعتبار سمّيت المصوّبة بالقَدَريّة أيضا ؛ لنسبتهم تدبير الأحكام إلى رأي العباد . الثالثة : رهط مُؤيَس _ كزبير بالميم والواو والمهملة بعد الخاتمة _ وهم قالوا : إنّ اللّه تعالى فوّض طائفةً من الأحكام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ يعني إلى اجتهاده بالظنّ والرأي والقياس وصوّب تعالى اجتهاده عليه السلام وإن كان خطأ ، فهم المصوّبة في حقّ الرسول وبعض الأئمّة أيضا . وسمّيت هذه الطوائف الثلاث أيضا بالمصوّبة ؛ لما عرفت . سيذكر الفرق بين هذا التفويض والتفويض الذي سيذكر في كتاب الحجّة في باب التفويض إلى رسول اللّه والأئمّة عليهم السلام في أمر الدّين . المذهب الثالث : الأمر بين الأمرين ، وأهله الشيعة الاثني عشريّة مستندين في ذلك إلى الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه تبارك وتعالى . وليس المراد بالقضاء والقَدَر هنا ما مرّ في بيان الخصال السبع ، بل المراد التدبير المطلق ؛ يعني مطلق التدبير من الحكيم تعالى ، فباعتبار أنّ فيه قطع وفصل يسمّى قضاء ، وباعتبار أنّه مطابق للحكمة يسمّى قدرا . وبعبارة اُخرى : «القضاء» هو الأمر ، و«القَدَر» هو الحكم بضمّ الكاف . والمعنى أنّه لم يكن هذا السَفَر بقضاء واحد وقَدَر واحد، بل كان لكلّ فعل فيه قضاء وقدر على حِدةٍ . و«العناء» _ بالفتح والمدّ _ : التعب . «وتظنّ» عطف على مقدّر ؛ أي وتسمع جوابك وتظنّ بعدُ . وإنّما كان المذنب أولى بالإحسان ؛ لأنّه مجبور ، فيلزم أن يعوّض ما فعل به من الجبر بالإحسان . «ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب» ؛ لأنّه مجبور وفعله الإساءة لولا الجبر . «ولم يعص مغلوبا» ردّ على المفوّضة ؛ حيث قالوا : إنّ كلّ المعاصي بغالبيّة الشيطان ومغلوبيّة الرّحمان ، وبعض الطاعات بمغلوبيّة الرّحمان ؛ بمعنى أنّه لو يريد خلافه لصدر أيضا كالمعاصي . «ولم يطع مكرها» بفتح الرّاء ؛ أي مجبورا مغلوبا كما لم يعص مغلوبا . «ولم يملّك» على المعلوم من التفعيل . «مفوّضا» على اسم الفاعل منه أيضا ؛ أي ولم يجعل أحدا قادرا مفوّضا ، بكسر الواو . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه اللّه تعالى : يفهم من الأحاديث أنّ معنى القَدَر هنا _ يعني في العنوان _ إنكار توقّف الحوادث على تقدير اللّه تعالى توقُّف المشروط على الشرط لا توقّف المسبّب على السبب ، فالمضاف محذوف ؛ أي إنكار القَدَر . ويفهم من بعض الأحاديث أنّ القَدَر هنا (8) بمعنى الاستطاعة أيضا . ويفهم من كلامهم عليهم السلام أنّ المراد من الجبريّة الأشاعرة ، ومن القدريّة المعتزلة ؛ لأنّهم شهّروا أنفسهم بإنكار ركن عظيم من الدين وهو كون الحوادث بقَدَر اللّه وقضائه ، وهم زعموا أنّ العبد قبل أن يقع منه الفعل مستطيع ، (9) يعني لا يتوقّف فعله على تجدّد فعل من أفعاله تعالى ، وهذا معنى التفويض يعني اللّه تعالى فوّض أفعال العباد إليهم . وفي كلامهم عليهم السلام : «من قال بالتفويض فقد أخرج اللّه عن سلطانه» . (10) وأنّ (11) أفعال العباد يتوقّف على اُمور سبعة توقّف المشروط على الشرط لا المسبّب على السبب . وأنّ آخر تلك الاُمور الإذن ، وأنّه مقارن لحدوث الفعل من العبد وليس قبل حدوثه ، وإلّا لزم التفويض وإن يخرج اللّه من سلطانه ، وأنّ (12) الأمر بين الأمرين هو أمر بين الجبر والتفويض . وقد مرَّ توضيحه في الحواشي السابقة . وقوله : «تلك مقالة إخوان عَبَدة الأوثان » يعني أنّ القول بأنّ الحوادث كونها بقَدَر اللّه وقضائه يستلزم أن يكون العباد مجبورين ، مقالة طائفتين : إحداهما الأشاعرة ، والاُخرى المعتزلة ، ففي العبارة الشريفة ذمّ الطائفتين : أوّلاً ذمّ الأشاعرة ، وثانيا ذمّ المعتزلة . ف«عبَدَة الأوثان» إشارة إلى الأشاعرة، و«قَدَريّة هذه الاُمّة» إشارة إلى المعتزلة ، كما وقع التصريح به في روايات كثيرة . والقدريّة والأشاعرة زعموا أنّ القَدَر والقضاء لا يكونان إلّا بطريق الإلجاء ، فنفاهما المعتزلة وأثبتهما الأشاعرة . و«مكرها» بكسر الرّاء . (13) انتهى . أنت خبير ممّا عرفت مرارا أنّ ورود الحديث تارةً ب «أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة» ، (14) واُخرى ب «أنّ الصوفيّة مجوس هذه الاُمّة» (15) ينفي المنافاة بين إطلاق القدريّة تارةً على الصوفيّة واُخرى على المعتزلة ، على أنّ تغاير الاعتبارين في الإطلاق كاف لنفي المنافاة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : تلخيص ما في هذا الحديث _ من سؤال السال وجوابه عليه السلام _ أنّه سأل عن كون أفعالهم وما عملوه في مسيرهم لجهاد أهل الشام : هل كان بقضاء اللّه وقدره ؟ والظاهر أنّ القضاء إذا استعمل مع القَدَر الإيجابُ الذي منه سبحانه في طريق الإيجاد ، لا الإيجاب التكليفي من الطلب الحتمي للفعل كما في الأمر ، أو للكفّ عن الفعل أو تركه كما في النهي ، ولا الإعلام . فالأولى أن يحمل القضاء في هذا الحديث على ذلك الإيجاب ، لا على أحد من الأخيرين ، فلنحمله عليه كما هو الظاهر من كلام السائل ؛ حيث قرنه بالقَدَر ؛ وحيث استفهم عن احتسابه عند اللّه بعَنائه وتعبه ومشقّته في إتيانه بتلك الأفعال والأعمال استفهاما إنكاريّا . وحيث راجع في السؤال بعد الردّ عليه في الجواب بقوله عليه السلام : «مه يا شيخ» إلى قوله : «ولا إليه مضطرّين » فأعاد السؤال بقوله : «وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ، ولا إليه مضطرّين ، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟!» . وحينئذٍ فتقرير جوابه عليه السلام أنّ القضاء والإيجاب في طريق الإيجاد على قسمين : أحدهما : الإيجاب بمدخليّة قدرة العبد وإرادته ، ولا إيجاب منه سابقا عليها وإنّما المؤدّي إلى الإكراه والاضطرار الإيجاب السابق عليهما ، لا الإيجاب بهما . والثاني : الإيجاب لا بمدخليّة القدرة والإرادة من العبد ، وهو المراد بالقضاء الحتم والقَدَر اللّازم . وهذا القسم من الإيجاب هو المؤدّي إلى الإكراه والاضطرار . فقول السائل باستلزام الكون بالقضاء للإكراه والاضطرار يدلّ على ظنّه أنّ القضاء في أفعال العباد قضاء حتم ، والقدر فيها قدر لازم وجوبا ولزوما لا بمدخليّة القدرة والإرادة من العبد ، كما قال عليه السلام : «وتظنّ أنّه كان قضاءً حتما ، وقدرا لازما» أي تظنّ أنّ القضاء الذي قلتَ إنّ ما فعلتم به وكذا القدر ، كان قضاءً حتما وقدرا لازما سابقين على قدرة العبد وإرادته ، وليس تعلّقهما بأفعال العباد وأعمالهم على هذا النحو ، ولو كان تعلّقهما بها كذلك لخرج أفعالهم عن قدرتهم ولم تكن بها وبإرادتهم ، ولم يستحقّوا بها مدحا ولا ذمّا ؛ لاختصاصهما بما يصدر عن المختار بقدرته وإرادته وإذا كان كذلك لبطل الأمر والنهي ؛ لقبح مخاطبة غير القادر بهما ولم يكن الوعد والوعيد حينئذٍ بمعني ، و سقط المقصود بهما وبطل الثواب والعقاب ؛ حيث لاينفكّ استحقاقهما عن استحقاق المدح والملامة ، ولو فرض جريان المدح والذمّ واستحقاقهما واستحقاق الإحسان والإثابة والعقوبة وترتّبها على الأفعال الاضطراريّة الخارجة عن القدرة والاختيار لكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن ، والمحسن أولى بالعقوبة من المسيء ؛ لأنّ في عقوبة المسيء على ذلك التقدير جمع (16) بين إلزامه [بالسيّئة وعقوبته عليها ، وكلّ منعهما إضرارٌ وإزراء به ، وفي إثابة المحسن جمعا بين إلزامه] (17) بالحسنة وإثابته عليهما . (18) وكلّ منهما نفع وإحسان إليه . وفي خلاف ذلك يكون لكلّ منهما نفع وضرر ، وهذا بالعدل أقرب وذلك بخلافه أشبه . «إنّ اللّه كلّف تخييرا» أي أمره جاعلاً له مخيّرا بين الفعل والترك بإعطاء القدرة له على الإتيان بما شاء منهما من غير إكراه وإجبار . «ونهى تحذيرا» وطلبا للاحتراز عن فعل المنهيّ عنه لا بإكراه على الترك . «وأعطى على القليل كثيرا» ترغيبا للإطاعة وترك المعصية ، ولم يعص ولا يقع العصيان عن طاعته بمغلوبيّته ، بل بما فيه الحكمة من عدم إكراهه وإجباره . ويحتمل أن يكون المراد لا يقع العصيان بمغلوبيّة العاصي ؛ فإنّه لا عصيان مع عدم الاختيار ، ولا يقع الطاعة له بإكراهه المطيع على الطاعة ؛ فإنّه لا طاعة إلّا بالاختيار . «ولم يملك مفوّضا» يحتمل أن يكون الفعل من الملك ، أي لم يملك مُلكا وسلطانا يفوّض فيه خلق مخلوق _ كأفعال العباد _ إلى مخلوق مثلهم ، فيكون وجودهم مستندا إليهم لا إليه سبحانه . ويحتمل أن يكون من الإملاك ، أي لم يُعط السلطنة للعباد على أفعالهم مفوّضا خلقها إليهم . «ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً» لا يشتمل على حكمة كاملة . «ولم يبعث النبيّين مبشِّرين ومنذرين عبثا» لا يترتّب عليها غايتها و «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» . (19) انتهى . وفي توحيد الصدوق زيادة قبل «فأنشأ الشيخ» وبعد «من النار» وهي : فقال الشيخ : فما القضاء والقدر اللّذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلّا بهما؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «الأمر من اللّه والحكم» ثمّ تلا هذه الآية : « «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلَا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا» (20) ؛ أي أمر ربّك أن لا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا» (21) فأنشأ الشيخ يقول الحديث . التفسير من أمير المؤمنين عليه السلام والآية في سورة بني إسرائيل . و«الحكم» بالضمّ بمعنى الحكمة ، يعني هما عبارة عن الإمضاء بالحكمة الكاملة . وفسّر «هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟» ب«هل جزاء كلمة التوحيد بشروطها إلّا الجنّة» .

.


1- . التوحيد ، ص 380 ، باب القضاء والقدر و ... ، ح 28 .
2- . لسان العرب ، ج 14 ، ص 131 (جثا) .
3- . التكوير (81) : 29 .
4- . حكاه عنه في ضمن كلام طويل في الوافي ، ج 1 ، ص 537 _ 539 .
5- . رجال الكشّي ، ص 56 ، الرقم 106 ؛ وعنه في البحار ، ج 42 ، ص 152 ، ح 20 .
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 536 _ 537 .
7- . الأنعام (6) : 148 .
8- . في المصدر : + «جاء» .
9- . في المصدر : + «تامّ» .
10- . راجع الكافي ، ج 1 ، ص 158 ، باب الجبر والقدر و ... ، ح 6 .
11- . عطف على قوله : «ويفهم من كلامهم» وكذا ما بعده .
12- . في المصدر : «وأمّا» .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130 .
14- . التوحيد ، ص 382 ، باب القضاء والقَدَر و ... ، ح 29 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 166 ، ح 175 .
15- . لم أجده بهذا اللفظ .
16- . في المصدر : «جمعا» .
17- . مابين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
18- . في المصدر: «عليها».
19- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 494 _ 499 .
20- . الإسراء (17) : 23 .
21- . التوحيد ، ص 382 ، ذيل الحديث 28 .

ص: 440

. .

ص: 441

. .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

. .

ص: 447

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ إِلَيْهِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ» .

هديّة :أوّل الحديث ردّ على الأشاعرة ، وناظر إلى آية سورة الأعراف : «وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللّه ُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّه َ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللّه ِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (2) . قال برهان الفضلاء : فسّرت «الفاحشة» بالاقتداء بأئمّة الجور ، وفسّرت «الفحشاء» بالآراء الباطلة والعقايد الفاسدة والحكم بمقتضاهما . وآخر الحديث ردّ على المعتزلة المفوّضة القائلين باستقلال العبد واستطاعته ، فضمير «إليه» الزاعم ، والظرف متعلّق بالتفويض تقديرا . وعلى الصوفيّة القدريّة أيضا ، وهم قائلون بنسبة الخير والشرّ إلى ذات العبد بطلبه بلسان الاستعداد ما استعدّ له منهما . ويحتمل أن يكون ضمير «إليه» له سبحانه ، فردّ على الأشاعرة أيضا ، وهم قائلون بأنّه تعالى كما هو خالقهما فاعلهما أيضا . وقد عرفت الفرق بين الخلق والفعل ، وأنّ العبد فاعل فعله بمدخليّة قدرته واختياره ، واللّه سبحانه خالق فعل العبد . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه اللّه تعالى : «مَن زعم أنّ اللّه يأمر بالفحشاء» إشارة إلى فساد قول الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين ، وتجويز أن يأمر بما نهى عنه ممّا يحكم العقل بقبحه ، وأن يأمر بالسوء والفحشاء ؛ فإنّ إبطال حكم العقل فيما يحكم به بديهةً أو بالبرهان باطل ، والأمر القبيح قبيح ، ومن جوّز القبيح على اللّه فقد كذب عليه . «ومن زعم أنّ الخير والشرّ إليه» إشارة إلى فساد قول المعتزلة من أنّ الخير والشرّ من أفعال العباد مفوّض إليهم ، وأنّ العبد مستقلّ بإيجاد أفعاله ، وأنّ اللّه سبحانه يجري في ملكه خلق شيء وإيجاده لا بإرادته ، وأنّه (3) قول بخالق وموجد سواه ، وبتحقّق مخلوق لا يكون وجوده منه بقدرته وإرادته كقول المجوس في الشرور . ومَن زعم هذا «فقد كذب على اللّه » وأبطل ملكه وسلطانه . ويحتمل أن يكون المراد أنّ من زعم أنّ الخير والشرّ إلى اللّه سبحانه من غير مدخليّة إرادة العبد وقدرته _ كما يقوله الأشاعرة _ فقد كذب على اللّه ، فيكون إشارة إلى فساد قول الأشاعرة أيضا كالفقرة الاُولى . واللّه أعلم . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء» .
2- . الأعراف (7) : 28 .
3- . في المصدر : «فإنّه» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 499 .

ص: 448

. .

ص: 449

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْوَشَّاءِ ، (1) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ ، فَقُلْتُ : اللّه ُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ :«اللّه ُ أَعَزُّ مِنْ ذلِكَ» . قُلْتُ : فَجَبَرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : «اللّه ُ أَعْدَلُ وَأَحْكَمُ مِنْ ذلِكَ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «قَالَ اللّه ُ تبارك وتعالى : يَا ابْنَ آدَمَ ، أَنَا أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ؛ عَمِلْتَ الْمَعَاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتِي جَعَلْتُهَا فِيكَ» .

هديّة :(أعزّ من ذلك) أي من أن يكون شيء موجودا في العالم باستقلال قدرة غيره تعالى ولا خالق سواه . (أعدل وأحكم من ذلك) أي من الإجبار على المعاصي والتعذيب بها والنهي عنها . وفي الاستشهاد بالحديث القدسي بيان للأمر بين الأمرين ، وقد علم بيانه بنظيره السابق في باب المشيئة والإرادة ردّا على طوائف الجبريّة والمفوّضة والقدريّة بأنّ الخالق لفعل العبد هو اللّه سبحانه ، والفاعل هو العبد بمدخليّة قدرته وإرادته اللّتين أعطاهما اللّه إيّاه .

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ مَرَّارٍ ، (2) عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام :«يَا يُونُسُ ، لَا تَقُلْ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ ؛ فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ لَمْ يَقُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَلَا بِقَوْلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَلَا بِقَوْلِ إِبْلِيسَ ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ قَالُوا : «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى هَدَينَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلآَ أَنْ هَدَينَا اللّهُ» وَقَالَ أَهْلُ النَّارِ : «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ» وَقَالَ إِبْلِيسُ : «رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى» » . فَقُلْتُ : وَاللّه ِ ، مَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ ، وَلكِنِّي أَقُولُ : لَا يَكُونُ إِلَا بِمَا شَاءَ اللّه ُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى ، فَقَالَ : «يَا يُونُسُ ، لَيْسَ هكَذَا ، لَا يَكُونُ إِلَا مَا شَاءَ اللّه ُ وَأَرَادَ ، وَقَدَّرَ وَقَضى ؛ يَا يُونُسُ ، تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ؟» ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «هِيَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ ، فَتَعْلَمُ مَا الْاءِرَادَةُ؟» ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «هِيَ الْعَزِيمَةُ عَلى مَا يَشَاءُ ، فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ؟» ، قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «هوَ (3) الْهَنْدَسَةُ ، وَوَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْفَنَاءِ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «وَالْقَضَاءُ هُوَ الْاءِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ» . قَالَ : فَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَهُ ، وَقُلْتُ : فَتَحْتَ لِي شَيْئا كُنْتُ عَنْهُ فِي غَفْلَةٍ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار» .
3- . في الكافي المطبوع : «هي» .

ص: 450

هديّة :(لا تقل بقول القدريّة) أي الصوفيّة وهم قائلون _ كما نقلناه عن بعض المعاصرين في هديّة الثاني في الباب الثامن والعشرين _ بأنّ القَدَر شأن الحقائق والماهيّات وليس من الحقّ إلّا إفاضة الوجود . ( بقول أهل الجنّة) في نسبة فعل الخير والشرّ من العبد باختياره إلى إيجاد اللّه سبحانه بالتوفيق والخذلان . (ولا بقول أهل النار) في الإقرار بأنّ المعصية باختيارهم . (ولا بقول إبليس) في الإقرار بأنّ اللّه تعالى هدى من أحبّه وأغوى من لم يحبّه بعد جعله الاختيار فيهما ، وعلمه بما يختار كلّ منهما . والآية الاُولى في سورة الأعراف (1) والثانية في سورة المؤمنون ، (2) والثالثة في سورة الحجر . (3) (ليس هكذا) نفي لسببيّة مشيئة اللّه وإرادته وقدره وقضائه لفعل العبد بإثبات شرطيّتها له كما سبق بيانه . و(الذِّكر) بالكسر والضمّ . يعني قال مشيئة اللّه المتعلّقة بفعل العبد هي خلق القدرة والاختيار فيه ؛ ليذكر الفعل أو الترك ، وإرادته كذلك جعله مريدا لأحدهما عازما عليه بالتوفيق أو الخذلان . و(الهندسة) : معرّب «اندازه». و(الإبرام) هنا بمعنى الإذن والإمضاء . قال برهان الفضلاء : المراد بالقدريّة هنا المعتزلة ، وبقولهم : تفويضهم الأوّل الذي إثبات المشيّة والإرادة والقدر والقضاء في الخصال السبع على ما سبق لإبطاله . ومراد السائل بقوله : «إلّا بما شاء اللّه » إثبات الواسطة بين تفويضهم الأوّل وبين القول بأنّ الخصال الأربع تتعلّق بالمعاصي بلا واسطة ، والباعث على إثباته الواسطة استبعاده تعلّق مشيئة اللّه سبحانه بالمعاصي . وحاصل جوابه عليه السلام : أنّ ما استبعدته ليس منافيا لعدالته تعالى على ما سبق مفصّلاً . وحرف الجرّ يوهم أن يكون مشيّته تعالى كمشيّة العبد نفسانيّة ، وأهل الجنّة سلبوا الفعل عنهم بإسناد الهداية إليه تعالى ، وأهل النار سلبوه عنهم بإسناده إلى غلبة الشّقوة ، وإبليس سلبه عنه بإسناده الإغواء إلى اللّه سبحانه ، والمفوّضة نسبوه مطلقا إلى أنفسهم وقالوا باستقلال العبد فيه كاستقلال اللّه تعالى في أفعاله . والفرق بين «بما» و«ما» أنّ الباء تدلّ على العلّية ، فالمعنى بدون الباء : لا يصدر فعل من عبد إلّا بمشيّة اللّه سبحانه ؛ أي بتوسّط مشيّته بين مشيئة العبد والفعل توسّطا إضافيا ولذا قيل : الفرق بين «بما شاء اللّه » و«ما شاء اللّه » أنّ الأوّل جبر محض ، والثاني أمرٌ بين الأمرين ، أو أعمّ . «كنت عنه في غفلة» يعني كان ظنّي أنّ تعلّق مشيئة اللّه بالمعاصي قبيح ، فعلمت أن لا منافاة بينه وبين عدالته سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه اللّه بخطّه : لم يقولوا بقول أهل الجنّة ؛ يعني الفِرَق الثلاثة قائلون بأنّ الهداية والشقاوة والغواية بتقدير اللّه تعالى ، والقدريّة أنكروه . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا تقل بقول القدريّة» الظاهر أنّ المراد هنا أيضا بالقدريّة من يقول بأنّ أفعال العباد وجودها ليست بقدر اللّه وقضائه ، بل بإيجادهم لها بإرادتهم كما في الحديث الأوّل . ومن يقول بعدم مدخليّة قضائه وقدره ، وباستقلال إرادة العبد به ، واستواء نسبته إلى الإرادتين وصدور أحدهما عنه لا بموجب غير الإرادة _ كما ذهب إليه بعض المعتزلة _ لا يقول بقول أهل الجنّة من إسناد هدايتهم إليه سبحانه ، ولا بقول أهل النار من إسناد ضلالتهم إلى شقوتهم ، ولا بقول إبليس من استناد الإغواء إليه سبحانه . «لا يكون إلّا بما شاء اللّه » أي إلّا بالّذي شاء اللّه أو بشيء شاء اللّه . ولمّا كانت هذه العبارة قاصرة عن الدلالة على المراد قال عليه السلام : «ليس هكذا» أي ليس التعبير عمّا هو هكذا ، بل العبارة عنه «لا يكون إلّا ما شاء اللّه وأراد وقدّر وقضى » . وقوله : «هي الذِّكر الأوّل» أي المشيئة فينا هي توجّه النفس إلى المعلوم بملاحظة صفاته وأحواله المرغوبة الموجّهة لحركة النفس التي تحصّله ، (5) وهذه الحركة النفسانيّة فينا وانبعاثها لتحصيله هي العزم والإرادة ، وفي الواجب تعالى ما تترتّب عليه أثر هذا التوجّه ويكون بمنزلته . و«الهندسة» : مأخوذة من الهنداز ، وهي فارسيّة ، ومعناه تحديد مجاري الاُمور ، فلمّا عرّبت صيّرت الزاي سينا ؛ لأنّه ليس في كلام العرب زاي بعد الدال . والمهندس : مقدّر مجاري القناة حيث تحفر ، ثمّ عمّم في تحديد مجاري الاُمور كلّها . (6)

.


1- . الأعراف (7) : 43 .
2- . المؤمنون (23) : 106 .
3- . الحجر (15) : 39 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130 .
5- . في المصدر : «تحصيله» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 501 _ 503 .

ص: 451

. .

ص: 452

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ الْيَمَانِيِّ ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : «إِنَّ اللّه َ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَعَلِمَ مَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ ، وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ ، فَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَدْ جَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلى تَرْكِهِ ، وَلَا يَكُونُونَ آخِذِينَ وَلَا تَارِكِينَ إِلَا بِإِذْنِ اللّه ِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني».

ص: 453

هديّة :بيان بيّن للأمر بين الأمرين بما لا مزيد عليه . (ما هم صائرون إليه) أي باختيارهم . (وأمرهم ونهاهم) لعدم علّيّة العلم وتحقّق السبيل إلى الطرفين لمكان الاختيار . (فما أمرهم) بيانيّة . ووجه الاستثناء محاليّة فاعليّة العبد بدون خالقيّة الربّ ولا خالق سوى اللّه ، ولحكمته الحيلولة أو التخلية توفيقا أو خذلانا . قال برهان الفضلاء : الاستثناء ردّ على المعتزلة في تفويضهم الثاني ، وهو صدور الفعل عن العبد بدون إذنه تعالى ، وفي متن الحديث اقتصار للاختصار . وما نهاهم عنه من شيء فقد جعل لهم السبيل إلى أخذه ؛ وذلك لأنّ تكليف المجبور ليس من أفعال العدل الحكيم . وقال الفاضل الإسترابادي : سيجيء في الأحاديث أنّ إذن اللّه مقارن لحدوث الفعل والترك ، فإنّ مصداقه الحيلولة أو التخلية ، والإذن آخر الخصال ، وسيجيء في باب الاستطاعة تفسيره . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فما أمرهم به» أي كلّ ما تعلّق به الأمر جُعل للمأمور سبيل إلى تركه بإعطاء القدرة له ، وإمكان المأمور . (2) ولا منافاة بين إمكانه بالذات قبل الإرادة الحتميّة ووجوبه بالعرض بعدها . والمراد الإمكان قبل الإرادة الحتميّة ، فلا يُقال المأمور به واجب ضروري الوجود عند اجتماع أسباب وجوده ، وممتنع ضروريّ العدم عند عدم اجتماع أسباب وجوده فلا إمكان له . «ولا يكونون آخذين ولا تاركين إلّا بإذن اللّه » إشارة إلى عدم استقلالهم فيما لهم من الفعل والكفّ والترك . (3)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130 _ 131 .
2- . في المصدر : «المأمور به» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 503 _ 504 ، بتفاوت كثير .

ص: 454

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده ، عن العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ حَفْصِ بْنِ قُرْطٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللّه ِ ، فَقَدْ أَخْرَجَ اللّه َ مِنْ سُلْطَانِهِ ؛ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِغَيْرِ قُوَّةِ اللّه ِ ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ؛ وَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللّه ِ ، أَدْخَلَهُ اللّه ُ النَّارَ» .

هديّة :الفقرة الاُولى ردّ على الأشاعرة ، والثانية ردّ على الصوفيّة القدريّة _ وقد عرفت مقالتهم في هديّة الثاني في الباب الثامن والعشرين _ والثالثة ردّ على المفوّضة . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ومَنْ زعم أنّ المعاصي بغير قوّة اللّه » ردّ على الأشاعرة ؛ حيث زعموا أنّ المعاصي فعل اللّه لا بقوّة خلقها . (2) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : في هذا الحديث ردّ على عدّة فِرَق: أوّلها : الذين قالوا في آية سورة النساء : «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (3) : إنّ من كان حكمه في المختلف فيه بالظنّ والرأي هو داخل في اُولي الأمر واللّه سبحانه أمر بطاعته . وحاصل الردّ أنّه تعالى قال في سورة البقرة : «وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللّه ِ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (4) ، وفي سورة الأعراف : «إِنَّ اللّه َ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ» (5) ، وفي سورة النحل : «وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ» (6) . وثانيتها : المصوّبة ؛ حيث قالوا : يحصل العلم بالحسن والقبح بدون إرادة اللّه والوحي إلى الرسول ، أو التابعون لزنادقة الفلاسفة ؛ حيث قالوا : إنّ الحوادث مثل الصحّة والمرض ليست بمشيّة اللّه وقدرته ، أو الّذين يقولون باستقلال العبد في القدرة على الفعل والترك وعدم فعله في تحت مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه . وحاصل الردّ : أنّه تعالى قال في سورة الكهف : «وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدا» (7) ، وفي سورة الأنبياء : «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» (8) ، وفي سورة الدهر : «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» (9) ، فكيف يكون الخير والشرّ بدون مشيئة اللّه سبحانه . وثالثتها : القائلون بالتفويض الثاني للمعتزلة ؛ حيث لم يثبتوا الإذن في الخصال السبع ، أو القائلون بالجبر ، بعدم إثباتهم قدرة العبد على الفعل والترك ، أو القائلون بعدم كون السعادة والشقاء بخلق اللّه تعالى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
3- . النساء (4) : 59 .
4- . البقرة (2) : 168 _ 169 .
5- . الأعراف (7) : 28 .
6- . النحل (16) : 90 .
7- . الكهف (18) : 26 .
8- . الأنبياء (21) : 35 .
9- . الإنسان (76) : 30 .

ص: 455

الحديث السابعروى في الكافي بإسناده ، عن البرقي ، عَنْ عُثْمَانَ ، (1) عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِالْقَدَرِ (2) وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا هذَا ، أَسْأَلُكَ؟ قَالَ : سَلْ ، قُلْتُ : قد (3) يَكُونُ فِي مُلْكِ اللّه ِ تَعَالى مَا لَا يُرِيدُ؟ قَالَ : فَأَطْرَقَ طَوِيلاً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ ، فَقَالَ : يَا هذَا ، لَئِنْ قُلْتُ : إِنَّهُ يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ ، إِنَّهُ لَمَقْهُورٌ ، وَلَئِنْ قُلْتُ : لَا يَكُونُ فِي مُلْكِهِ إِلَا مَا يُرِيدُ ، أَقْرَرْتُ لَكَ بِالْمَعَاصِي ، قَالَ : فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : سَأَلْتُ هذَا الْقَدَرِيَّ ، فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ كَذَا وَكَذَا ، فَقَالَ :«لِنَفْسِهِ نَظَرَ ، أَمَا لَوْ قَالَ غَيْرَ مَا قَالَ ، لَهَلَكَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه ، عن عثمان بن عيسى» .
2- . في الكافي المطبوع : «بالقدر» .
3- . في الكافي المطبوع : - «قد» .

ص: 456

هديّة :في بعض النسخ : «يتكلّم في القدر » وضبط برهان الفضلاء كالأكثر ، وقال : يعني بالتفويض الأوّل للمعتزلة . وفسّر «الملك» بالمملكة ، فكأنّه احتمل ضمّ الميم وكسرها . و«نظر» بفكر ، وصرّح بأنّ اللام في «لك» للانتفاع ؛ يعني عن غيرك فأكون مقرّا بخلاف مذهبي ، وأنّ «أما» للتنبيه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «لنفسه نظر » أي احتاط . «لهلك» لأنّه كان يزعم أنّ إرادة اللّه إنّما يكون بطريق الحتم ؛ لقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (1) . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أقررت لك بالمعاصي» أي أمكنتك لفعلها ؛ إذ كلّ معصيته بإرادة . (3) أو المراد أنّه أقررت لك بأنّ المعاصي بإرادته . «لنفسه نظر» أي رقّ ورحم لنفسه وأعانها «لو قال غير ما قال لهلك» . (4) أقول : (رجل يتكلّم بالقدر) أي بنسبة التقادير والتدابير إلى الحقائق والماهيّات ، وإفاضة الوجود حسب إلى الربّ تعالى ، كما صرّح به بعض المعاصرين في كتابه (5) وحكيناه لك مرارا . (لنفسه نظر) أي من تأمّل ولم يحكم في مثله برأيه فنفع نفسه ، وإلّا فهلك أسوء الهلاك كالقدريّة لعنهم اللّه .

.


1- . يس (36) : 80 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
3- . في المصدر : «معصية بإرادته» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 504 _ 505 .
5- . الوافي، ج 1، ص 529 _ 530.

ص: 457

الحديث الثامنروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ أَبِي طَالِبٍ الْقُمِّيِّ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :قُلْتُ : أَجَبَرَ اللّه ُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : «لَا» . قال : قُلْتُ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمُ الْأَمْرَ؟ قَالَ : «لَا» . قَالَ : قُلْتُ : فَمَا ذَا؟ قَالَ : «لُطْفٌ مِنْ رَبِّكَ بَيْنَ ذلِكَ» .

هديّة :«الهمزة» للاستفهام . و(جبر) كنصر ، أو «أجبر» من باب الإفعال ، وظاهر السياق الاستفهام . (لطف) أي أمرٌ لطيف دقيق جدّا ، وعند فهيمه أوسع ممّا بين السماء والأرض . وقد سبق بيانه وتصوير نظير مصداقه ببيان الحاء صعود القائم على المنحدر إلى القائم على المرتفع بأنّه إمّا باستقلال هذا أو ذاك ، وإمّا بقوّة ذاك على الغالبيّة توفيقا أو خذلانا ، ومدخليّة قوّة هذا على المغلوبيّة كذلك . قال برهان الفضلاء : ظاهر هذا الجواب أنّ المراد بالجبر جبر المخطّئة ، وبالتفويض تفويض المصوّبة ، وباللّطف الإمام المعصوم المفترض الطاعة العالِم بجميع الأحكام . ويحتمل أن يكون المراد بالجبر والتفويض أعمّ ممّا ذكر ، وباللّطف الدقّة ، فيشتمل الإمام المعصوم أيضا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لطف من ربّك بين ذلك » لعلّ المراد باللّطف هنا إعطاء القدرة للعبد على ما يشاء من الفعل والترك ، وجعله عاملاً بإرادته _ الواقعة تحت إرادة اللّه _ بالمأمور به ، والكفّ عن المنهيّ عنه ، وتقريبه من الطاعة بالأمر ، وتبعيده عن المعصية بالنهي . (2) وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «لطف من ربّك» هذا نظير قوله تعالى : «قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» ؛ (3) فإنّ المقامات الصعبة يقتضي الاكتفاء بالإجمال وترك التفصيل . وسمعت اُستاذي رئيس المحدّثين ميرزا محمّد الإسترابادي رحمه الله ومدّ ظلّه يقول : «لطف من ربّك» أي التكليف والأمر والنهي ، كما سيجيء . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن زعلان» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 505 .
3- . الإسراء (17) : 85 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .

ص: 458

الحديث التاسعروى في الكافي ، عَنْ عَلِيُّ ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَا :«إِنَّ اللّه َ تعالى أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنْ أَنْ يُجْبِرَ خَلْقَهُ عَلَى الذُّنُوبِ ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا ، وَاللّه ُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُرِيدَ أَمْرا ؛ فَلَا يَكُونَ» . قَالَ : فَسُئِلَا عليهماالسلام : هَلْ بَيْنَ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ؟ قَالَا : «نَعَمْ ، أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

هديّة :(من أن يجبر) على المعلوم من باب نصر ، أو الإفعال . (واللّه أعزّ) بيان لصدور فعل العبد بمشيّة اللّه وقدرته الغالبة ، واختيار العبد وقوّته المغلوبة في التوفيق والخذلان . وتصويرنا المذكور مرارا يحقّق لك معنى (أوسع ممّا بين السماء والأرض) يعني معنى الأمر بين الأمرين معنى ظاهر ، كمعنى الجبر ومعنى التفويض . ودقّته في الجملة لا تنافي وضوحه بعد العقل عن المعصوم العاقل عن اللّه بدليل ما في التالي من قوله عليه السلام : «لا يعلمها إلّا العالم ، أو من علّمها إيّاه العالم» . قال برهان الفضلاء : إنّما هي أوسع كذا ؛ لأنّ الآيات التي حجّة للجبريّة ألقت المفوّضة في شدّةٍ وضيق ،وكذا الآيات التي حجّة للمفوّضة ألقت الجبريّة في ضيق وشدّة ، وما أظهر الفرق بين فعل يصدر بمشيّتين من اثنين وبين ما يصدر بمشيّة واحدة من واحد ! . وقال الفاضل الإسترابادي : «واللّه أعزّ من أن يريد أمرا فلا يكون» ردّ على المعتزلة حيث زعموا أنّ العباد ما شاؤوا صنعوا ، والمعنى ليس هذا على الإطلاق ، بل إذا وافق إرادة اللّه تعالى . والمراد بالقدر هنا قدر العباد ؛ حيث زعمت المعتزلة أنّ العباد ما شاؤوا صنعوا . وقال الصادق عليه السلام : «لا أقول : العباد ما شاؤوا صنعوا» . (2) فالقدر المقابل للجبر استقلال العباد بمشيّتهم وتقديرهم ؛ يعني مشيّتهم وتقديرهم ما هي متوقّفة على مشيئة اللّه وإرادته وتقديره وقضائه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قالا : نعم أوسع ممّا بين السماء والأرض» لمّا كان كلام السائل دالّاً على إنكار الواسطة بين الجبر _ وهو إيجاب اللّه وإلزامه العباد على أعمالهم بلا مدخليّة لإرادة العباد وقدرتهم في أفعالهم وإيجابها _ والقدر _ وهو استقلال قدرة العبد وإرادته في إيجاب فعله وإيجاده من غير إيجاب اللّه له وإيجاده سبحانه بقدرته واختياره _ اُجيب بأنّ ما بينهما احتمالات كثيرة ، ولا حصر بينهما لا عقلاً ولا قطعا . (4)

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . راجع الكافي ، ج 1 ، ص 165 ، باب حجج اللّه على خلقه ، ح 4 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 505 .

ص: 459

الحديث العاشرروى في الكافي بهذا الإسناد ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سُئِلَ عَنِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ ، فَقَالَ :«لَا جَبْرَ وَلَا قَدَرَ ، وَلكِنْ مَنْزِلَةٌ بَيْنَهُمَا فِيهَا الْحَقُّ ؛ الَّتِي بَيْنَهُمَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَا الْعَالِمُ ، أَوْ مَنْ عَلَّمَهَا إِيَّاهُ الْعَالِمُ» .

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .

ص: 460

هديّة :قيل فيها : (الحقّ) مبتدأ وخبر مقدّم ، و(التي بينهما) مبتدأ آخر . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «منزلة» مبتدأ ، و«بينهما» نعت له ، وجملة «فيها الحقّ» خبر ، و«التي» مبتدأ آخر ، و«بينهما» صلة الموصول ، وجملة «لا يعلمها» بتمامها خبر . والمراد ب«العالم» : الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه تعالى . وب«المتعلّم» : شيعته العاقل عنه . واحتمال أن يكون المراد بالعالم : مطلق العاقل عن اللّه تعالى فيشمل الملائكة (1) ، وب«المتعلّم» : مطلق العاقل عن العاقل (2) عن اللّه فيشمل المحدّث مثل سلمان وسفراء الصاحب عليه السلام ، كما ترى . قال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : المراد من «العالم» أصحاب العصمة عليهم السلام على وفق ما مضى في الأحاديث السابقة «نحن العلماء وشيعتنا المتعلِّمون (3) » . (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : التي بينهما لا يعلمها إلّا العالم ، أو من علّمها إيّاه العالم » وذلك لدقّتها وغموضها وعروض الشبه فيها ، فلا يقدر على تحقيقها والعلم بها على ما ينبغي إلّا العالم ، أو من علّمه العالم ، فالقادر على تحقيقها والعالم بها إمّا من خصّه اللّه بإفاضة العلوم عليه ، أو من وفّقه للتعلّم والأخذ عنه . (5)

الحديث الحادي عشرروى في الكافي بهذا الإسناد ، (6) عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عِدَّةٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لَهُ رَجُلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَجْبَرَ اللّه ُ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي؟ قَالَ : (7) «أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي ، ثُمَّ يُعَذِّبَهُمْ عَلَيْهَا» . فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَفَوَّضَ اللّه ُ إِلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ : فَقَالَ :«لَوْ فَوَّضَ إِلَيْهِمْ ، لَمْ يَحْصُرْهُمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ» . فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَبَيْنَهُمَا مَنْزِلَةٌ؟ قَالَ : فَقَالَ : «نَعَمْ ، أَوْسَعُ ما (8) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

.


1- . في «ب» و «ج» : - «فيشمل الملائكة» .
2- . في «ب» و «ج» : شيعته العاقل» مكان : «مطلق العاقل عن العاقل» .
3- . الكافي ، ج 1 ، ص 34 ، باب أصناف الناس ، ح 4 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 506 .
6- . يعني : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد» .
7- . في الكافي المطبوع : «فقال : اللّه » .
8- . في الكافي المطبوع : «ممّا» .

ص: 461

هديّة :بيانه كنظائره . «حصره» كنصر : جعله في حصار وضيّق عليه . قال برهان الفضلاء : «لم يحصرهم» أي لم يجعلهم محصورا في حصار الأمر والنهي بالتكليف . وقال الفاضل الإسترابادي : «لم يحصرهم » يعني الحكمة التي اقتضت حصرهم بالأمر والنهي يأبى عن التفويض ، وهو قول المعتزلة ؛ حيث قالوا : العباد ما شاؤوا صنعوا . (1) في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «إلى الأرض» مكان «والأرض » . وفي بعض آخر : «ممّا بين السماء» بميمين مكان «ما بين السماء» .

الحديث الثاني عشرروى في الكافي بإسناده ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ البزنْطي ، (2) قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ بِالْجَبْرِ ، وَبَعْضَهُمْ يَقُولُ بِالِاسْتِطَاعَةِ ، قَالَ : فَقَالَ عليه السلام لِي :«اكْتُبْ : بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ ، بِمَشِيئَتِي كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي تَشَاءُ ، وَبِقُوَّتِي أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَرَائِضِي ، وَبِنِعْمَتِي قَوِيتَ عَلى مَعْصِيَتِي ؛ جَعَلْتُكَ سَمِيعا بَصِيرا «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه ِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ» ، وَذلِكَ أَنِّي أَوْلى بِحَسَنَاتِكَ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلى بِسَيِّئَاتِكَ مِنِّي ، وَذلِكَ أَنِّي لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، قَدْ نَظَمْتُ لَكَ كُلَّ شَيْءٍ تُرِيدُ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه وغيره ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر» .

ص: 462

هديّة :قد سبق نظائره ببيانها مفصّلاً . (قد نظمت) تأكيد لحكم سابقه . واحتمال أن يكون من كلام أبي الحسن الرضا عليه السلام أو عليّ بن الحسين عليهماالسلام سواء . (كلّ شيء تريد) أي من التحقيق في هذا الباب . قال برهان الفضلاء : المراد ب«الجبر» هنا : القدر المشترك بين مذهب الجهميّة والأشاعرة والزنادقة . وب«الاستطاعة» : استقلال العبد في القدرة على الفعل والترك ، سواء كان على التفويض الأوّل للمعتزلة ، وهو عدم كون فعل العبد تحت مشيئة اللّه وإرادته وقدره وقضائه ؛ أو على التفويض الثاني لهم ، وهو عدم كون فعل العبد موقوفا على إذن اللّه سبحانه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «الاستطاعة» و«القدر» هما التفويض ، وهما ضدّ الجبر . (1)

الحديث الثالث عشرروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ ، وَلكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ» . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؟ قَالَ : «مَثَلُ ذلِكَ : رَجُلٌ رَأَيْتَهُ عَلى مَعْصِيَةٍ ، فَنَهَيْتَهُ ، فَلَمْ يَنْتَهِ ، فَتَرَكْتَهُ ، فَفَعَلَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ ؛ فَلَيْسَ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْكَ فَتَرَكْتَهُ كُنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالْمَعْصِيَةِ» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132.
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن حسين بن محمّد» .

ص: 463

هديّة :في بيان المثل إشارة إلى أنّ علمه تعالى بأنّ العبد _ وهو مختار في الفعل والترك بقوّة مخلوقة فيه يقبل _ الأمر أو لا يقبل _ ليس علّة ولا باعثا ، بل العلّة مشيئة العبد بمشيّة اللّه على التوفيق أو الخذلان المنوطين بالعلم الأزلي بما يصدر باختيار العبد من الطرفين بفاعليّته بالقوّة المغلوبة ، وخالقيّة الربّ بالقدرة الغالبة . قال برهان الفضلاء : المراد ب«الجبر» هنا : الجبر عند المخطّئة ، وب«التفويض» : التفويض عند المصوّبة . ف«أمرته» بتخفيف الميم ، كما بيّنه الصدوق رحمه الله في باب الأسماء في كتاب التوحيد . ويحتمل أن يكون المراد ب«الجبر» هنا : القدر المشترك بين مذهب الجهميّة والأشاعرة والزنادقة . وب«التفويض» : مذهب المعتزلة ف«أمّرته» بتشديد الميم من التأمير ؛ أي جعلته أميرا ومطلق العنان . وقال الفاضل الإسترابادي : «كنت أنت الذي أمرته بالمعصية» يعني كما لا يستلزم الأمر بالمعصية لا يستلزم التفويض . (1)

الحديث الرابع عشرروى في الكافي بإسناده ، (2) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«اللّه ُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا يُطِيقُونَ ، وَاللّه ُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي سُلْطَانِهِ مَا لَا يُرِيدُ» .

هديّة :الفقرة الاُولى لإبطال الجبر ، والثانية لإبطال التفويض وإثبات الأمر بين الأمرين على ما عرفت مرارا . قال برهان الفضلاء : «الإطاقة» : القدرة مع الوسعة . وصدر الحديث لإبطال الجبر بمعنى القَدْر المشترك بين مذهب الجهميّة والأشاعرة والزنادقة ، وآخره لإبطال التفويض الأوّل للمعتزلة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما لا يطيقون » أي ما لا يكون الإتيان به مقدورا لهم ، ويكونون مجبورين على خلافه كما يقوله الجبريّة ، واللّه أعزّ من أن يكون في ملكه ما لا يريده ، ويدخل شيء في الوجود لا من قدرته وإرادته وإيجاده له . (3)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 508 .

ص: 464

. .

ص: 465

باب الاستطاعة

الباب الحادي والثلاثون : بَابُ الِاسْتِطَاعَةِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ الْقَاسَانِيِّ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، (1) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ :«يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ بَعْدَ أَرْبَعِ خِصَالٍ : أَنْ يَكُونَ مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ ، لَهُ سَبَبٌ وَارِدٌ مِنَ اللّه ِ» . قَالَ : قُلْتُ له (2) : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَسِّرْ لِي هذَا ، قَالَ : «أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُخَلَّى السَّرْبِ ، صَحِيحَ الْجِسْمِ ، سَلِيمَ الْجَوَارِحِ يُرِيدُ أَنْ يَزْنِيَ ، فَلَا يَجِدُ امْرَأَةً ثُمَّ يَجِدُهَا ، فَإِمَّا أَنْ يَعْصِمَ نَفْسَهُ ، فَيَمْتَنِعَ كَمَا امْتَنَعَ يُوسُفُ عليه السلام ، أَوْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِرَادَتِهِ ، فَيَزْنِيَ ، فَيُسَمّى زَانِيا ، وَلَمْ يُطِعِ اللّه َ بِإِكْرَاهٍ ، وَلَمْ يَعْصِهِ بِغَلَبَةٍ» .

هديّة :معنى العنوان ثبوت وسعة القدرة للعبد على الفعل والترك بعدم المانع مع نفي استقلاله فيها ، لكون قدرته تحت قدرة الخالق تعالى ، وصدور فعل العبد بمدخليّة قدرته من دون استقلاله فيها ، وقدرة الخالق بالاستقلال والغالبيّة . والقدرة على أحد الطرفين يلزمها القدرة على الآخر بخلاف الاستطاعة لأحدهما ؛ لتوقّفها على حصول أسباب حصولها من مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وقضائه . وحصول أسباب أحد الطرفين لا يستلزم حصول أسباب حصول الآخر كما سيذكر في هديّة الثاني . و(السرْب) بالفتح : السبيل . وقرأ برهان الفضلاء : «سليم الخوارج» بالمعجمة والجيم جمع خارجة ، يعني الآلات الخارجة عن البدن كالزّاد والراحلة . و«السبب الوارد» بمعنى الشرط ، دون العلّة المشيئة والإرادة والقَدَر والقضاء والأجل والكتاب والإذن . (فإمّا أن تعصم) على ما لم يسمّ فاعله . (فيمتنع) أي بتوفيق اللّه تعالى . (فيزني) أي بخذلان اللّه عزّ وجلّ . (بإكراه) أي بل باختياره واستطاعته وتوفيق اللّه . (بغلبة) أي ولم يعصه بمغلوبيّة ، بل بمدخليّة قدرته وخذلان اللّه . أو المعنى ولم يعصه بغالبيّة قدرته . فالعبد لعدم المنافاة بين نفي مغلوبيّته أصلاً وثبوت مغلوبيّته في الجملة بفاعليّته بالاستطاعة وخالقيّة الربّ بالاستقلال لا مغلوبٌ مطلقا ولا مستقلٌّ مطلقا ، والأمر والنهي بَعْدَ (3) العلم الأزلي بما يصدر عن المكلّف لإتمام الحجّة عليه لمكان اختياره واستطاعته ، ألا ترى أنّ السيّد إذا أخبرك أنّ عبده الفلاني لم يقبل أمره في أمر كذا فشاء أن يصدّق عليك قوله فأمره امتحانا وإتماما للحجّة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الاستطاعة» أخصّ من القدرة ولا يستعمل إلّا في قدرة المخلوقين ، وهي قدرة تكون معها وسعة في الجملة ، ويختلف الوسعة بالشدّة والضعف . والعبد ليس مكلّفا بمجرّد خلق القدرة فيه ، بل اللّه سبحانه لا يكلّفه إلّا مع الاستطاعة وذلك من فضل رحمته . قال اللّه تعالى في البقرة : «لَا يُكَلِّفُ اللّه ُ نَفْسا إِلَا وُسْعَهَا» (4) ، فلم يكلّف بالحجّ مثلاً بمجرّد القدرة على المشي بل بعد حصول ما يصير سببا لوسعة القدرة من الزاد والراحلة والرفقة . و«السرب» بالفتح : الطريق ، وفلان آمن في سِربه بالكسر ، أي في نفسه ، وفلان واسع السِرب بالكسر أيضا، أي رخيّ البال . و«الخوارج» في الموضعين بالمعجمة والجيم : جمع خارجة ، يعني الآلات الخارجة عن البدن كالزاد والراحلة والرفقة للحاجّ . والمراد من «السبب الوارد» تعلّق مشيئة اللّه سبحانه حين مشيئة العبد ، وكلّ واحدة من الخصال السبع سبب لوسعة القدرة على حدة ، والمجموع لوسعة كاملة . والمشار إليه ل«هذا» : السبب الوارد . و«أن يكون» خبر لمبتدأ محذوف ؛ أي تفسيره . «ولم يعصه بالغلبة» أي بغالبيّة قدرته بكونه مستقلّاً غالبا بقدرته ومشيّته على قدرة اللّه ومشيّته ، كما ذهب إليه المخطّئة . والحاصل : أنّ مشيّته تعالى إذا منعت العبد لمصلحة من الفعل مع استطاعته فليس بالجبر وإذا لم يمنع فليس بالتفويض . وقال الفاضل الإسترابادي : «السرب» بكسر السّين وفتحها . «فإمّا أن تعصم نفسه» تفسير الإذن بأنّه التخلية في آخر الأمر أو الحيلولة . وقوله : «ولم يطع اللّه » لفّ ونشر مرتّب ، فقوله : «ولم يطع اللّه » ناظر إلى قوله : «فيمتنع» وقوله : «ولم يعصه» ناظر إلى قوله : «فيزني» . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «مخلّى السّرب» أي مخلّى الطريق ، مفتوحه «صحيح الجسم» من الأمراض المانعة «سليم الجوارح» التي هي آلات له . «له سبب وارد من اللّه » سبحانه من عصمة نفسه ، أو التخلية بينه وبين إرادته . «فيزني فيسمّى زانيا» لترتّب الزنا على إرادته . «ولم يطع اللّه بإكراه» بل بإرادة وعصمة اللّه إيّاه من موانع المطلوب «ولم يعصه بغلبة» منه بل بإرادة وتخلية الأمر بينه وبين إرادته . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن الحسن بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد القاساني ، عن عليّ بن أسباط» .
2- . في الكافي المطبوع : - «له» .
3- . كذا في «الف» وهو الصواب . وفي «ب» و «ج» : «بعدم» .
4- . البقرة (2) : 286 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 508 ، بتفاوت يسير .

ص: 466

. .

ص: 467

. .

ص: 468

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ اللّه ِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعا ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ ، فَقَالَ أبو عبد اللّه عليه السلام :«أَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْمَلَ مَا لَمْ يُكَوَّنْ؟» ، قَالَ : لَا ، قَالَ : «فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْتَهِيَ عَمَّا قَدْ كُوِّنَ؟» قَالَ : لَا ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «فَمَتى أَنْتَ مُسْتَطِيعٌ؟» ، قَالَ : لَا أَدْرِي . قَالَ : فَقَالَ (2) أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ خَلَقَ خَلْقا ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الِاسْتِطَاعَةِ ، ثُمَّ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِمْ ، فَهُمْ مُسْتَطِيعُونَ لِلْفِعْلِ في (3) وَقْتَ الْفِعْلِ مَعَ الْفِعْلِ إِذَا فَعَلُوا ذلِكَ الْفِعْلَ ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوهُ فِي مُلْكِهِ ، لَمْ يَكُونُوا مُسْتَطِيعِينَ أَنْ (4) يَفْعَلُوا فِعْلاً لَمْ يَفْعَلُوهُ ؛ لِأَنَّ اللّه َ تعالى أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُضَادَّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ» . قَالَ الْبَصْرِيُّ : فَالنَّاسُ مَجْبُورُونَ؟ قَالَ : «لَوْ كَانُوا مَجْبُورِينَ ، كَانُوا مَعْذُورِينَ» . قَالَ : فَفَوَّضَ إِلَيْهِمْ؟ قَالَ : «لَا» . قَالَ : فَمَا هُمْ؟ قَالَ : «عَلِمَ مِنْهُمْ فِعْلاً ، فَجَعَلَ فِيهِمْ آلَةَ الْفِعْلِ ، فَإِذَا فَعَلُوا كَانُوا مَعَ الْفِعْلِ مُسْتَطِيعِينَ» . قَالَ الْبَصْرِيُّ : أَشْهَدُ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى وعليّ بن إبراهيم جميعا ، عن أحمد بن محمّد» .
2- . في الكافي المطبوع : + «له»
3- . في الكافي المطبوع : - «في» .
4- . في «ب» و «ج» : «من أن» .

ص: 469

هديّة :(ما لم يكون) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل . وكذا (قد كوّن) يعني ألك وسعة القدرة على ما لم يتعلّق به إيجاد اللّه سبحانه؟ وهو متوقّف على تحقّق الخصال السبع على ما مرَّ بيانه . في بعض النسخ : «آلات الاستطاعة» على الجمع . (ثمّ لم يفوّض إليهم) يعني بل جعل تأثير الاستطاعة موقوفا على المشيئة والإيجاد . (فهم مستطيعون للفعل في وقت الفعل مع الفعل) نصّ على (1) أنّ فاعليّة العبد إنّما هو (2) بخالقيّة الربّ ، وأنّ مشيئة العبد بمشيّة اللّه «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّه ُ» (3) ؛ أي فللعباد وسعة القدرة على الفعل عند تعلّق مشيئة اللّه وإيجاده بما علم صدوره عنهم بمشيّتهم واختيارهم . (إذا فعلوا ذلك الفعل) أي بمشيّة اللّه وإيجاده . (فإذا لم يفعلوه في ملكه) حيث لم يشأ . (قال : علم منهم فعلاً) أي ما يصدر عنهم باختيارهم . (فإذا فعلوا) أي بمشيّة اللّه وإيجاده ومدخليّة قدرتهم . (كانوا مع الفعل مستطيعين) وإن لم يكونوا مستقلّين . والحاصل : أنّ سبب الفعل مشيئة الفاعل واختياره ، ولا ينافي هذه السببيّة كون مشيئة الخالق وإيجاده من شروط الوجود . قال برهان الفضلاء : كأنّ هنا وقع سهو من نسّاخ الكافي ؛ فإنّ الظاهر «سأل» مكان «سألت» ، و«عليّ بن مبشّر بن الحكم» مكان «عليّ بن الحكم» ، و«ابن مبشّر» من أصحاب الصادق عليه السلام ، و«ابن الحكم» من أصحاب أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام . يعني قال ابن مبشّر : سأل ذلك الرجل . لا يقال : فلابدّ من «قالا» مكان «قال» ؛ لأنّا نقول : تفرّد الضابط لمتن الحديث بلفظ الإمام عليه السلام والسائل ممكن . ولمّا كان الحسن البصري _ لعنه اللّه _ من المعتزلة قائلاً باستقلال العبد في قدرته بالتفويض الثاني من تفويضيهم فسأل الرجل البصري عن الاستطاعة ؛ يعني عن كمال الوسعة في القدرة على المكلّف به بحيث لا يكون أكمل منه . و«الآلة» : ما يعين الفاعل على الفعل ، وإضافتها لاميّة . وفي بعض النسخ : «وقت الفعل» بدون «في» . وحاصل جملة الجواب : أنّ العبد ليس له استطاعة قبل وقت الفعل بل أصل القدرة أيضا ، فبطل التفويض الثاني للمعتزلة . وكذا ليس له وقت الفعل كمال الاستطاعة بحيث يمكنه الفعل بدون تعلّق مشيئة اللّه تعالى شروعا وإتماما ، فبطل التفويض الأوّل للمعتزلة أيضا . فثبت ما هو الحقّ من أنّ العبد في وقت الفعل مستطيع في الجملة بوسعة قدرته بحيث يصحّ تكليفه، وكونه مكلّفا مختارا وإن لم يكن مستقلّا في قدرته ؛ لكونها تحت قدرة اللّه وتوقّفها بمشيّة اللّه وإيجاده توقّف المشروط على الشرط لا المسبّب على السبب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أتستطيع أن تعمل ما لم يكوّن؟» أي أتستطيع أن تعمل ما لم يتمّ أسباب وجوده ؟ وكيف تكون مستطيعا في وقت عدم شيء لعدم استجماع شرائط وجوده لذلك الشيء في ذلك الوقت ، وعدم سبق ما لا يدخل في الوجود إلّا بسبقه كمشيّة اللّه وإرادته وقَدَره ، وكالمعدّات (4) المُهَيِّئة للموادّ؟! «فتستطيع أن تنتهي عمّا قد كوّن ؟» أي في زمان وجوده . والاستطاعة للشيء : التمكّن منه وانقياد حصول ذلك الشيء له . واستطاعة أحد الطرفين لا يستلزم استطاعة الآخر بخلاف القدرة ؛ فإنّ القدرة ؛ على أحد الطرفين يلزمه القدرة على الآخر ، والقدرة على الفعل يسبقه بمراتب بخلاف الاستطاعة . «فجعل فيهم آلة الاستطاعة» أي آلة حصولها وما به يتمّ حصولها . «ثمّ لم يفوّض إليهم» الأمر في حصول الاستطاعة وحصول ما أعطاهم آلة استطاعته . «فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع وجود الفعل» بإتيانهم به «فإذا لم يفعلوه في ملكه» وسلطانه الشامل لهم ، وهم تحت قدرته وإرادته وقَدَره وقضائه «لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلاً لم يفعلوه» ولم يكن في مشيّته وإرادته وقَدَره ؛ لأنّه تعالى أعزّ من أن يضادّه أو يعارضه أحدٌ في ملكه بالتصرّف بإيجاد ما لم يوجده سبحانه ولم يشأه ولم يقدّره . «لو كانوا مجبورين كانوا معذورين» لقبح المؤاخذة على ما ليس باختياريّ . (5) وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : أقول : في كتاب التوحيد لابن بابويه أحاديث كثيرة بظاهرها مخالفة للحديثين المذكورين في هذا الكتاب ، وأحاديث موافقة . فمن المخالفة : حدّثنا أبي رضى الله عنهقال : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عمّن رواه من أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام يقول : «لا يكون العبد فاعلاً إلّا وهو مستطيع ، وقد يكون مستطيعا غير فاعل ، ولا يكون فاعلاً أبدا حتّى لا يكون (6) معه الاستطاعة» . (7) حدّثني أبي رضى الله عنهبإسناده ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما كلّف اللّه العباد كلفة فعل ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم استطاعة ، ثمّ أمرهم ونهاهم فلا يكون العبد آخذا ولا تاركا إلّا باستطاعة متقدّمة قبل الأمر والنهي ، وقبل الأخذ والترك ، وقبل القبض والبسط » . (8) حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن الوليد بإسنادهما ، عن عوف بن عبداللّه الأزدي ، عن عمّه، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الاستطاعة ، فقال : «وقد فعلوا » ، فقلت : نعم، زعموا أنّها لا يكون إلّا عند الفعل ، وإرادة في حال الفعل لا قبله فقال : «أشرك القوم» . (9) ومن الأحاديث الموافقة ؛ حدّثنا أبي رضى الله عنه بإسناده ، عن مروك بن عبيد ، عن عمر (10) رجل من أصحابنا ، عمّن سأل أبا عبداللّه عليه السلام فقال له : إنّ لي أهل بيت قَدَريّة يقولون : نستطيع أن نفعل (11) كذا وكذا ونستطيع أن لا نعمل ، قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «قُل تستطيع أن لا تذكر ما تكره ولا تنسى ما تحبّ؟ فإن قال : لا ، فقد ترك قوله ، وإن قال : نعم ، فلا تكلِّمه أبدا ، فقد ادّعى الربوبيّة » . (12) ومعنى الحديث الأخير أنّه إذا لم تستطع حفظ معنى في خاطرك فكيف تستطيع أن تعمله؟ ويمكن الجمع بين الأخبار بما ذكرناه في الحواشي السابقة من أنّ الاستطاعة قسمان : ظاهريّة وباطنيّة ، وأنّ الظاهريّة مناط التكليف وأنّها متقدّمة على التكليف . ألا ترى أنّ الحجّ يجب على من يموت في طريق مكّة ، وأنّ الاستطاعة الجامعة للظاهريّة والباطنيّة إنّما يحصل في وقت الفعل والترك . (13) انتهى كلام الفاضل الإسترابادي رحمه الله . أقول : فرق بيِّن بين أسباب الاستطاعة من المشيئة والإرادة والقَدَر ، وبين سبب تأثيرها وهو الإذن والإمضاء . فمعنى الحديث الأوّل : لا يكون العبد فاعلاً إلّا وهو مستطيع بالاستطاعة الكاملة بإذن اللّه سبحانه ، وقد يكون مستطيعا بحصول الاستطاعة بالمشيئة والإرادة والقدر غير فاعل بانتفاء شرط التأثير وهو الإذن فلا مخالفة . ومعنى «ثمّ أمرهم ونهاهم» في الثاني : أنّه أمرهم بالخير ونهاهم عن الشرّ ؛ لتؤثّر استطاعتهم بإذن اللّه إذا أذن توفيقا أو خذلانا . فمناط التكليف الاستطاعة المتقدّمة الحاصلة بأسبابها قبل الإذن الذي هو شرط التأثير ومن شأنها التأثير بالإذن . ومعنى «وقد فعلوا» في الثالث : أنّ نسبة الأفعال إلى العباد لا يكون إلّا بالاستطاعة الكاملة عند الفعل كما في التالي ، ووجه إشراك القوم زعمهم عدم الفرق بين أسباب تحقّق الاستطاعة وسبب تأثيرها، فيلزمهم القول باستقلال العبد في القدرة على الفعل والترك من دون توقّف وسع قدرتهم على مشيئة اللّه وإرادته وقَدَره وتأثير استطاعتهم على إذن اللّه تعالى . ومعنى الأمر بالسؤال في الرابع بتبيين ما هو الحقّ وتوضيحه من أنّ الفاعل لفعل العبد وإن كان هو العبد بمدخليّة قدرته المخلوقة فيه كاختياره ومشيّته وإرادته وقدره واستطاعته إلّا أنّ الخالق في الوجود مطلقا من الخارجي والذهني هو اللّه سبحانه لا غيره .

.


1- . في «الف» : «في» مكان «على» .
2- . في «ب، ج»: - «إنّما هو».
3- . الإنسان (76) : 30 .
4- . في «ب» و «ج» : «كالمعدّات» بدون «واو» العطف .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 509 _ 510 .
6- . كذا في النسخ ، وفي المصدر : «حتى يكون» .
7- . التوحيد ، ص 350 ، باب الاستطاعة ، ح 13 .
8- . التوحيد ، ص 352 ، باب الاستطاعة ، ح 19 .
9- . التوحيد ، ص 350 ، باب الاستطاعة ، ح 12
10- . في التوحيد : «عن عمرو» .
11- . في التوحيد والمصدر : «نعمل».
12- . التوحيد ، ص 352 ، باب الاستطاعة ، ح 22 .
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134.

ص: 470

. .

ص: 471

. .

ص: 472

. .

ص: 473

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ صَالِحٍ النِّيلِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : هَلْ لِلْعِبَادِ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ : فَقَالَ لِي :«إِذَا فَعَلُوا الْفِعْلَ ، كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ بِالِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللّه ُ فِيهِمْ» . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا هِيَ؟ قَالَ : «الْالَةُ مِثْلُ الزَّنِي (2) إِذَا زَنى ، كَانَ مُسْتَطِيعا لِلزِّنى حِينَ زَنى : وَلَوْ أَنَّهُ تَرَكَ الزِّنى وَلَمْ يَزْنِ ، كَانَ مُسْتَطِيعا لِتَرْكِهِ إِذَا تَرَكَ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «لَيْسَ لَهُ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ ، وَلكِنْ مَعَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَانَ مُسْتَطِيعا» . قُلْتُ : فَعَلى مَا ذَا يُعَذِّبُهُ؟ قَالَ : «بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْالَةِ الَّتِي رَكَّبها (3) فِيهِمْ ؛ إِنَّ اللّه َ تبارك وتقدّس لَمْ يُجْبِرْ أَحَدا عَلى مَعْصِيَتِهِ ، وَلَا أَرَادَ _ إِرَادَةَ حَتْمٍ _ الْكُفْرَ مِنْ أَحَدٍ ، وَلكِنْ حِينَ كَفَرَ كَانَ فِي إِرَادَةِ اللّه ِ أَنْ يَكْفُرَ ، وَهُمْ فِي إِرَادَةِ اللّه ِ وَفِي عِلْمِهِ أَنْ لَا يَصِيرُوا إِلى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ» . قُلْتُ : أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا؟ قَالَ : «لَيْسَ هكَذَا أَقُولُ ، وَلكِنِّي أَقُولُ : عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ ، فَأَرَادَ الْكُفْرَ ؛ لِعِلْمِهِ فِيهِمْ ، وَلَيْسَتْ (4) إِرَادَةَ حَتْمٍ ، إِنَّمَا هِيَ إِرَادَةُ اخْتِيَارٍ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن سهل بن زياد ، وعليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد ؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا» .
2- . في الكافي المطبوع : «الزاني» .
3- . في الكافي المطبوع : «ركّب» .
4- . في الكافي المطبوع : + «هي» .

ص: 474

هديّة :(النيلي) : نسبة إلى النّيل ، بكسر النون ، شطّ معروف ، وقرية من قرى الكوفة ، ومدينة بين بغداد وواسط . (إذا فعلوا الفعل) أي بإذن اللّه توفيقا أو خذلانا . (كانوا مستطيعين) أي بالاستطاعة الكاملة المؤثّرة بإذن اللّه التي جعلها اللّه فيهم بتمام أسبابها . (قال : الآلة) بتقدير «منها الآلة» أو «الآلة منها» . ولا مانع من احتمال قصد الخصوص أو العموم ؛ لاحتمال الذّكر على التمثيل . و(الزّنى) يمدّ ويقصر . في بعض النسخ : «حين الزّنى» مكان «حين زنى» أي بالخذلان والتخلية . (ولو أنّه ترك الزّنا) بالتوفيق والحيلولة . (قليل ولا كثير) أي من الاستطاعة التامّة المؤثّرة بإذن اللّه . (بالحجّة البالغة) أي بمخالفة الأمر أو النهي بعد إتمام الحجّة بالإخبار والتنبيه وعدا ووعيدا من المبشّر المعصوم والنّذير المعلوم ، وبعد جعله مختارا بخلق أسباب الاختيار فيه وآلات الاستطاعة التي من شأنها الفعل والترك بإذن اللّه عزّ وجلّ . ونِعْمَ ما قيل في هذا المعنى بالفارسيّة : ترا تيشه دادم كه هيزم شكنندادم كه ديوار مسجد بكن (ولاأرادة إرادة حتم الكفر من أحد) أي ليست إرادة إكراه وإجبار على خلاف ما علم صدوره من العبد باختياره إذا كان مخلّى السِرب ، فقد يكون إرادة حتم بالمعنى في غير مثل الكفر لحكمة ومصلحة عائدة نفعها إلى العبد ، بل أراد إرادة موافقة لإرادة العبد باختياره لعلمه بما يريد المكلّف باختياره من الطرفين . (وهم) أي الكفّار . وضبط بعض المعاصرين : «إنّما هي إرادة اختبار» (1) بالمفردة ، وهو تصحيف سَمِج لا يناسب المقام بوجه . قال برهان الفضلاء : قد عرفت أنّ الاستطاعة وسعة تامّة في الجملة، لتأثيرها بعد الإذن بالمدخليّة لا بالاستقلال، وهي تحصل للقدرة المخلوقة بحصول الأسباب والآلات والأعوان . «قليل ولا كثير» ردّ على المعتزلة ؛ حيث قالوا : تكون الاستطاعة في الحال للفعل في ثاني الحال . و«الحجّة البالغة» الكتب المنزَّلة والرُّسل والأوصياء . والمراد ب«الآلة» المركّبة فيهم» : ما يشمل حالتهم التي يصيرون بها مستعدّين . «للاستطاعة» أي القدرة المتّسعة بالاتّساع الذي عرفت . «إلى شيء من الخير» أي الطاعة . «وليست إرادة حتم» أي جبر وإكراه ، بل إنّما هي إرادة مجامعة لقدرة العبد واختياره ، أي ولإرادته باختياره . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بالحجّة البالغة والآلة التي ركّبها فيهم» من الأمر والنهي والإقدار على الفعل والترك ، والقوى والجوارح الصائرة إليه بإرادته ، وإن كان إعطاء وجود الفعل على وفق إرادة العبد من اللّه سبحانه وإفاضة الوجود منه سبحانه عليه بمشيّته وإرادته وقَدَره وقضائه . (2) إنّ اللّه لم يجبر أحدا على معصيته» ؛ لصدورها عنه بقدرته وإرادته . «ولا أراد _ إرادة حتم _ الكفر من أحد» حتّى يقع الكفر بلا مدخليّة إرادة العبد ، إنّما أراد وقوع الكفر عند إرادة العبد إيّاه بها (3) وبقدرته ، فيتعلّق هذه الإرادة منه سبحانه بالعَرَض بالكفر وتحقّقه ، فحين كفر بإرادته كان في إرادة اللّه أن يكفر ، وهم في إرادة اللّه في (4) علمه أن لا يصيروا إلى شيء من الخير بإرادتهم . «أراد منهم أن يكفروا» أي شاء منهم أن يكفروا ، وذلك مقصوده منهم . ولمّا كان هذا الكلام (5) إنّما نشأ من توهّمه من قوله : «كان في إرادة اللّه أن يكفروا» أنّ الكفر مراده ومطلوبه منهم . أجاب عليه السلام : «ليس كذا أقول» ولم يكن مرادي من قولي هذا ، ولكن المراد من قولي وما أقوله أنّ اللّه أراد وقوع مرادهم ، وعلم أنّ إرادتهم يتعلّق بالكفر ، فتعلّق إرادته بكفرهم من حيث تعلّق إرادته بوقوع ما يريدون ، ومن حيث علمه بتعلّق إرادتهم به ، وهذا لا يستلزم كون الكفر مقصوده ومطلوبه منهم ؛ فإنّ دخوله في القصد بالعرض لا بالذات ، وتعلّق الإرادة بالكفر بالعرض ليست موجبة للفعل إيجابا يخرجه عن الاختيار ؛ لأنّ هذا التعلّق من جهة إرادتهم واختيارهم ، وما يتعلّق بشيء من جهة الإرادة والاختيار لا يخرجه عن الاختيار . (6)

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 549 .
2- . في المصدر : «وقضائه وقدره» .
3- . في المصدر : «وبها» .
4- . في المصدر : «وفي» .
5- . في المصدر : + «من السائل» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 510 _ 511 .

ص: 475

. .

ص: 476

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ حُمْرَانَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَمْ يُجِبْنِي ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ دَخْلَةً أُخْرى ، فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهَا شَيْءٌ لَا يُخْرِجُهُ إِلَا شَيْءٌ أَسْمَعُهُ مِنْكَ ، قَالَ :«فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ فِي قَلْبِكَ» . قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، إِنِّي أَقُولُ : إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يُكَلِّفِ الْعِبَادَ مَا لَا يَسْتَطِيعُونَ ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ إِلَا مَا يُطِيقُونَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَصْنَعُونَ شَيْئا مِنْ ذلِكَ إِلَا بِإِرَادَةِ اللّه ِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ ، قَالَ : فَقَالَ : «هذَا دِينُ اللّه ِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وَآبَائِي» . أَوْ كَمَا قَالَ .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا» .

ص: 477

هديّة :(منها) أي من الاستطاعة ، أو من مسألتي . «ضرّه» كمدّ ، وأضرّه بمعنى . (ما كان في قلبك) من الوساوس . وقصد السائل تَعداد الأسباب الشرطيّة فلا ضير في عدم الترتيب بذكر الإرادة قبل المشيئة ، والقضاء قبل القدر . والشكّ من الراوي ؛ يعني «أو قال كما قال آبائي» مكان «وآبائي» ، أو المعنى أو قال شبيها بهذا لفظا . قال برهان الفضلاء : الضمير في «فإنّه» للشأن ، والموصول عبارة عن الوسوسة في قلب المؤمن حقّا . وفي ذكر الإرادة والمشيئة والقضاء والقدر إشارة إلى بطلان التفويض الأوّل للمعتزلة . والشكّ من الراوي ؛ يعني قال : هذا المضمون بهذا اللفظ أو بما يشابهه . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «أو كما قال» من شكّ الراوي ، أي مثل ما مرّ . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا يضرّك ما كان في قلبك» لمّا كان عليه السلام مطّلعا على أنّه خطر بقلبه ما هو الحقّ ، أجابه بعدم إضراره . وترك الجواب أوّلاً ؛ إمّا لهذا أو لمصلحة مقتضية له . ولمّا سمع السائل منه هذا عَرَض عليه معتقده ، فصدّقه عليه السلام بقوله : «هذا دين اللّه الذي أنا عليه وآبائي » . «أو كما قال» ترديد من السائل بين العبارة المنقولة وما في حكمها من العبارات الدالّة على تصديق معتقده بوجه من الوجوه . (2)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 512 .

ص: 478

باب البيان و التعريف و لزوم الحجّة

الباب الثاني والثلاثون : بَابُ الْبَيَانِ وَ التَّعْرِيفِ وَ لُزُومِ الْحُجَّةِوأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ احْتَجَّ عَلَى النَّاسِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ» .

هديّة :المراد ب(البيان) في العنوان الإخبار البيّن بما هو الحقّ من العقائد والأقوال والأعمال في هذا النظام . ب(التعريف) : تبيين ما هو الحقّ ممّا ذكر بما لا مزيد عليه . وب(لزوم الحجّة) : وجوب وجود الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه ممتازا حسبا ونسبا ما دام الاشتباه ، والاشتباه باقٍ ما دام الشيطان ، والشيطان مشكّك ما دام الدنيا . وما أوضح أنّ من البديهيّات أنّ الأعلم بما هو الحقّ ممّا ذكر في هذا النظام إنّما هو مدبّره ، فانحصر القطع بحقّية شيء من ذلك في إخباره وتعريفه ، ولمّا لم يمكن الرؤية ومثل المعاشرة بالملامسة ونحوها وجب على لطفه الإخبار والتعريف بالإلهام أو الوحي أو الواسطة «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (2) ، وعلى حكمته توسّط المخلوق من البشر فيما بينه وبينهم ، وأن يكون لتوسّطه بين ربّ العالمين والعالمين لمثل الأمر العظيم في مثل هذا النظام بهذا النسق من المدبّر العدل الحكيم تعالى شأنه ، بحيث يكون ممتازا عن الجميع بالعصمة وسائر مكارم الأخلاق والأحساب وبشرف النسب وكرم الأصل في نظام سلاسل الأنساب ، وبهذا تتعيّن «الناجية» في حديث الافتراق . (3) وهو متواتر بالاتّفاق . (بما آتاهم وعرّفهم) أي بما أعطاهم من العقل والفهم ودرك شواهد الربوبيّة من السماء والأرض وما فيهما وما بينهما من عجائب الصنع المُتقن وغرائب التدبير المحكم ، والاستطاعة للفعل عنده وكذا للترك . وعرّفهم كلّ ما يحتاجون في معاشهم ومعادهم إلى معرفته من الخير والشرّ بإخبار الحجّة الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه وفعله وتقريره . قال برهان الفضلاء : قد وضع ثقة الإسلام هذا الباب بهذا العنوان إبطالاً لمذهب الجهميّة ، وقول المرجئة وسائر المذاهب الباطلة في حقيقة الإيمان على ما ستعرف إن شاء اللّه تعالى . قالت الجهميّة : الإيمان إنّما هو مجرّد معرفة الربوبيّة لربّ العالمين والمكلّف يكلّف به . وقالت المرجئة : إيمان المكلّف مجرّد معرفة ربوبيّته تعالى ومعرفة الرسول وتصديقه في جميع ما جاء به ، ولا مدخل للعمل في حقيقة الإيمان ، فالمؤمن باللّه ورسوله بجميع ما جاء به سواء عمل أم لا ، مؤمن حقّا . «بما آتاهم » أي بما أعطاهم من شواهد الربوبيّة مثل السماء والأرض ، «وعرّفهم» بالمعجزات والمحكمات بتوسّط الرّسل والأوصياء في كلّ عصرٍ من الأعصار إلى انقراض الدنيا . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بما آتاهم وعرّفهم » أي بإتيانهم المعرفة وتعريفهم . (4) وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : هنا مقامان : الأوّل : أنّ الصور الإدراكيّة _ المطابقة للواقع وغير المطابقة _ كلّها فائضة من اللّه سبحانه بأسبابها المختلفة وهذا هو قول الحكماء وعلماء الإسلام ، قال اللّه تعالى : «سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَا مَا عَلَّمْتَنَا» (5) ، وشبهها من الآيات . والثاني : أنّ اللّه تعالى لم يكلّفنا بالكسب والنظر لنعرف أنّ لنا خالقا ، بل عليه أن يعرّف نفسه . وفيه ردّ على المعتزلة والأشاعرة حيث زعموا أنّ أوّل الواجبات النظر لتحصل معرفة الخالق . وفي كتاب العلل وغيره تصريحات بأنّ أوّل الواجبات الإقرار بالشهادتين . انتهى . كفى للتوضيح بيانه الأوّل من المقامين ما مرّ في هديّة الثاني في الباب السابق في بيان قوله عليه السلام : «هل تستطيع أن لا تذكر» _ في الحديث الذي نقله هذا الفاضل من كتاب توحيد الصدوق رحمهماالله _ : من أنّ الفاعل لفعل العبد وإن كان هو العبد بمدخليّة قدرته المخلوقة فيه كاختياره ومشيّته وإرادته وقدره واستطاعته ، إلّا أنّ الخالق في الوجود مطلقا من الخارجي والذهني هو اللّه سبحانه لا غير . وتحقيق المقام الثاني منهما : أنّ المعلوم فهمه لكلّ فهم لا يكون مكلّفا به ، كالمعرفة الفطريّة الخَلْقيّة ، والبصيرة الضروريّة الجِبلّيّة ، وهي الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها ؛ فإنّ كلّ ذي شعور يعلم قطعا بطائفة من شواهد الربوبيّة التي دلّت على نفي حدّ التعطيل فقط أنّ لمثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم صانع أعلم من كلّ عليم ، مدبّر أحكم من كلّ حكيم ، مالك أعظم من كلّ عظيم . وأمّا المعرفة الدينيّة والبصيرة اليقينيّة وهي معرفة الربوبيّة بخصوصيّاتها كما عرّف اللّه به نفسه منها التنزّه عن حدّ التشبيه ، ومعرفة الرسول والإمام بخصائصهما بالمعجزات والآيات والدلالات كما ورد به الكتاب والسنّة ، فمكلّف (6) بها البتّة ، وحصولها بعد البيان والتعريف قطعا إذا أقبلوا وقبلوا .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد» .
2- . الأنفال (8) : 42 .
3- . حديث الافتراق رواه الخاصّة والعامّة . راجع: الوسائل ، ج 27 ، ص 49 ، ح 33180 ؛ البحار ، ج 36 ، ص 336 ، ح 198 ؛ وج 28 ، ص 29 _ 30 ؛ سنن أبي داود ، ج 2، ص 608 ، ح 4597 ؛ سنن ابن ماجة ، ج 2 ، ص 1322 ، ح 3993 ؛ مسند أحمد ، ج 3، ص 145 ، ح 12501 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 4 ، ص 477 ، ح 8325 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 512 .
5- . البقرة (2) : 14 .
6- . جواب لقوله : «وأمّا المعرفة الدينيّة» .

ص: 479

. .

ص: 480

. .

ص: 481

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : الْمَعْرِفَةُ مِنْ صُنْعِ مَنْ هِيَ؟ قَالَ :«مِنْ صُنْعِ اللّه ِ ، لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ» .

هديّة :أي المعرفة الدينيّة والبصيرة اليقينيّة على ما عرفتها آنفا . ولا يتوهّم المنافاة بين كونها من صنع اللّه وتدبيره وتوفيقه وبين كونها مكلّفا بها ؛ فإنّ المكلّف بها إذا قبل فبتوفيق اللّه والهداية من اللّه _ كما ستعرف في بابه وهو آخر أبواب هذا الكتاب _ وإلّا فمن عند نفسه بخذلان اللّه إيّاه على ما مرَّ بيانه مرارا في الأبواب السابقة . وقال برهان الفضلاء : المراد بالمعرفة هنا : معرفة الأمام الحقّ في كلّ زمان إلى انقراض الدنيا ، ومراد السائل أنّها مكلّف بها أم لا؟ وتوضيح الجواب أنّها ليس للعباد فيها اختيار وتدبير ، بل هي من فعل اللّه وتدبيره ، فليست مكلّفا بها بل المكلّف به هو العمل بمقتضاها . أقول : لا منافاة بين الوجهين للفرق بين المعرفة والهداية والأوّل مسبّب عن الثاني . قال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ليس للعباد فيها صنع» يعني هي من صنع اللّه ، ولو كان سبب بعضها من صنع العباد . (2) و قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ليس للعباد فيها صنع» وذلك لأنّ عقول الناس غير وافية بالوصول إلى المعرفة بكمالها ، وإنّما يحصل بتعريف اللّه ؛ ولأنّ المعرفة ليس ممّا لإرادة العبد وأفعاله فيه تأثير ، إنّما حصولها بفيضان من المبدأ على النفوس . وأوّل الوجهين أظهر . (3) أقول : بل في الوجهين ما فيهما ؛ إذ المراد بكمال المعرفة إذا كان حقّ المعرفة فكما ترى ، وإلّا فكذلك . والفيضان من المبدأ عامّ ، ولإجمال عبارة الوجهين يمكن التوجيه المطابق لما فصّلناه أوّلاً ، كما لا يخفى على الفطن المتأمِّل إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن حكيم و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 135 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 513 .

ص: 482

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تبارك وتعالى : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمَام بَعْدَ إِذْ هَدَل_هُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» ، قَالَ :«حَتّى يُعَرِّفَهُمْ مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ» . وَقَالَ : «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَل_هَا» ، قَالَ : «بَيَّنَ لَهَا مَا تَأْتِي وَمَا تَتْرُكُ» . وَقَالَ : «إِنَّا هَدَيْنَ_هُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا» ، قَالَ : «عَرَّفْنَاهُ ، إِمَّا آخِذٌ وَإِمَّا تَارِكٌ» . وَعَنْ قَوْلِهِ : «وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَ_هُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى» ، قَالَ : «عَرَّفْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى وَهُمْ يَعْرِفُونَ» . وَفِي رِوَايَةٍ : «بَيَّنَّا لَهُمْ» .

هديّة :الآية الاُولى في سورة التوبة ، (2) والثانية في سورة الشمس ، (3) والثالثة في سورة الإنسان (4) والرابعة في سورة فصّلت . (5) (وقال) في الموضعين بتقدير «القول» أي وقلت ، وقال اللّه . (وعن قوله) بتقدير «السؤال» أي وسألت . (وفي رواية) كلام ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ يعني (بيّنا لهم) مكان «عرّفناهم» . وهذه الآيات البيّنات بيّنات لما بيّناه في هديّة سابقة . قال برهان الفضلاء : «ليضلّ» أي ليتركهم في الحيرة والضلالة بعد إذ هداهم بالرُّسل والكتب حتّى يتبيّن لهم بمحكمات الكتاب ما يتّقون من إنكار الربوبيّة بالحكم بالرأي في المختلف فيه . «حتّى يعرّفهم ما يرضيه » أي افتراض طاعة الإمام الحقّ الذي يرضيه طاعة الناس إيّاه . «وما يسخطه» أي اقتفاء الإمام الباطل الذي يسخطه اقتفاء الناس إيّاه . «وقال » عبارة ثعلبة ، والمستتر للحمزة . يعني وقرأ حمزة هذه الآية من سورة والشمس ، وكذا «وقال : «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ» (6) » . «وعن قوله» أي وسأل حمزة الإمام عليه السلام عن قوله تعالى في سورة فصّلت . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه » هذا القول وما بعده ممّا قاله عليه السلام دالّ على أنّ التعريف فيما يرضيه ويسخطه ، وفيما ينبغي الإتيان به وما ينبغي تركه ، وفيما هو سبيل الخير من اللّه سبحانه . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال» .
2- . التوبة (9) : 115 .
3- . الشمس (91) : 8 .
4- . الإنسان (76) : 3 .
5- . فصّلت (41) : 17 .
6- . الإنسان (76) : 3 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 513 .

ص: 483

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَ هَدَيْنَ_هُ النَّجْدَيْنِ» قَالَ :«نَجْدَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» .

هديّة :«النجد» : ما ارتفع من الأرض والطريق ، وقد يُطلق على مطلق الطريق . والآية في سورة البلد . (2) والهداية هنا وفي الآيات السابقة في سابقه بمعنى التعريف والبيان ، وإراءة الطريق ، والتكليف . وللعباد لمكان ثبوت اختيارهم صنع فيها في الجملة ، كما مرّ في بيان أمر بين الأمرين . والهداية التي لا صنع للعباد فيها أصلاً ، بمعنى إعطاء البصيرة والإيصال إلى المطلوب . قال برهان الفضلاء : المراد بطريق الخير : الإقرار بالربوبيّة بتصديق الرّسل والكتب والأوصياء المعصومين في كلّ زمان صلوات اللّه عليهم ، وبطريق الشرّ : إنكار ذلك بتكذيب ذلك .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن» .
2- . البلد (90) : 10 .

ص: 484

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، هَلْ جُعِلَ فِي النَّاسِ أَدَاةٌ يَنَالُونَ بِهَا الْمَعْرِفَةَ؟ قَالَ : فَقَالَ :«لَا» . قُلْتُ : فَهَلْ كُلِّفُوا الْمَعْرِفَةَ؟ قَالَ : «لَا ، عَلَى اللّه ِ الْبَيَانُ «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاوُسْعَهَا» وَ «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَآ ءَاتَ_ل_هَا» » . قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ عزّوجلّ : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمام بَعْدَ إِذْ هَدَل_هُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» قَالَ : «حَتّى يُعَرِّفَهُمْ مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ» .

هديّة :(أداة ينالون بها المعرفة) أي من عند أنفسهم من غير احتياجهم إلى بيان المعصوم وتعريفه في حصول المعرفة الدينيّة بدءً ، كما في حصول المعرفة الفطريّة . (فهل كلّفوا المعرفة؟) أي من قبل البيان والتعريف بحجّة معصوم عاقل عن اللّه تعالى . والآية الاُولى في سورة البقرة . (2) و«الوسع»: الطاقّة ؛ أي الاستطاعة ، وهي سعة القدرة على ما مرّ بيانه في بابها . والثانية في سورة الطلاق . (3) والثالثة في سورة التوبة . (4) قال برهان الفضلاء : «أداة» أي آلة ينالون بها معرفة الربوبيّة والرسالة والإمامة ، كما جعل فيهم آلة الصلاة والزكاة . «فهل كلّفوا المعرفة؟» كما زعمت الجهميّة والمرجئة . «إِلَا مَآ ءَاتَ_ل_هَا» أي إلّا إنفاق مال أعطاه اللّه إيّاها . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لا يكلّف اللّه نفسا إلّا وسعها» فيه إشارة إلى أنّ المعرفة بكمالها لا قدرة للعبد على تحصيلها بإرادته ، وأنّ تكليف غير المقدور قبيح وغير واقع . «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَآ ءَاتَ_ل_هَا» معرفتها . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وبهذا الإسناد ، عن يونس» .
2- . البقرة (2) : 286 .
3- . الطلاق (65) : 7 .
4- . التوبة (9) : 115 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 514 .

ص: 485

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَبِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ سَعْدَانَ رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ عزّوجلّ _ لَمْ يُنْعِمْ عَلى عَبْدٍ نِعْمَةً إِلَا وَقَدْ أَلْزَمَهُ فِيهَا الْحُجَّةَ مِنَ اللّه ِ ، فَمَنْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ قَوِيّا ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا كَلَّفَهُ ، وَاحْتِمَالُ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ ؛ وَمَنْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ مُوَسَّعا عَلَيْهِ ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ مَالُهُ ، ثُمَّ تَعَاهُدُهُ الْفُقَرَاءَ بَعْدُ بِنَوَافِلِهِ ؛ وَمَنْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ شَرِيفا فِي بَيْتِهِ ، جَمِيلاً فِي صُورَتِهِ ، فَحُجَّتُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللّه َ عَلى ذلِكَ ، وَلَا (1) يَتَطَاوَلَ عَلى غَيْرِهِ ؛ فَيَمْنَعَ حُقُوقَ الضُّعَفَاءِ لِحَالِ شَرَفِهِ وَجَمَالِهِ» .

هديّة :«الفاء» في (فمن منّ اللّه عليه) للبيان . (فجعله قويّا) بسلطنة أو رئاسة أو قوّة بدنيّة . (بما كلّفه) من العدل في الرعيّة والإنصاف من نفسه فيمن هو دونه ، ورفع الظلم عن المظلوم ، والجهاد ، والحجّ ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من الاُمور المكلّف بها ، كاحتمال مؤونة الأهل والعيال ، ومواساة الإخوان بحسن البِشر والمال وحسن المعاشرة ، وصلة الأرحام ، وحسن الجوار ، وتعاهد الفقراء للأغنياء ، والإتيان بحقوق الضعفاء ، وترك التطاول والتكبّر للشرفاء إلّا على من تكبّر لا على المتكبّر . وفي الحديث «تِهْ على التّاه حتّى نسى تيهه» . (2) و(بعد) بعد (ثمّ) تأكيد وإشارة إلى ترتيب مراتب الإنفاق كما يجيء في كتاب المعيشة إن شاء اللّه تعالى . و«النوافل» : الزوائد . (في بيته) : في قومه . (جميلاً في صورته) أي مزيّنا بلباس التجمّل في ظاهره ، كتزيّنه بنور الإيمان في سيرته وصورته . قال برهان الفضلاء : ذكر «بعد» مع «ثمّ» للمبالغة في أنّ المال إن لم يكن من الحلال لا يجوز إتيانه الفقراء بل يجب ردّه على المالك . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فحجّته عليه القيام بما كلّفه» أي ما يحتجّ به عليه بعد التعريف قوّة القيام بما كلّف به ، أو المحتجّ له القيام بالمكلّف به . وهذا أظهر وأوفق بما بعده من جعل التعاهد للفقراء بنوافل ماله والحمد على شرفه وجماله ، وعدم التطاول على غيره من الحجّة . وحينئذٍ ينبغي حمل قوله : «فحجّته عليه ماله» على أنّ المحتجّ له إصلاح ماله وصرفه في مصارفه ، وحفظه عن التضييع والإسراف فيه . (3)

.


1- . . في الكافي المطبوع : «وأن لا» .
2- . لم أجد هذا الحديث في المجاميع الحديثية للعامّة والخاصّة .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 514 .

ص: 486

. .

ص: 487

باب

الباب الثالث والثلاثون : بَاب (1)وفيه كما في الكافي حديث واحد :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ دُرُسْتَ ، (2) عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«سِتَّةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ : الْمَعْرِفَةُ ، وَالْجَهْلُ ، وَالرِّضَا ، وَالْغَضَبُ ، وَالنَّوْمُ ، وَالْيَقَظَةُ» .

هديّة :لعلّ ثقة الإسلام أفرد هذا الحديث مع مناسبته أحاديث الباب السابق للإشارة إلى غرابته وندرته ، فالتقدير : «باب نادر» . وفي تعقيب الباب بسابقه إشارة إلى المناسبة . قيل : ذكر العدد ليس للحصر ؛ إذ ورد في الحديث أيضا أنّ الستّة : «الفقر ، والغنى ، والمرض ، والصحّة ، والنوم ، واليقظة» . 3 وتكلّف التوجيه بما يدخل به غير المذكور هنا في المذكور بعيد جدّا . وقال برهان الفضلاء : إنّما لم يعنون هذا الباب ؛ لكونه شبيها بأنّه من تتمّة سابقه ، والفرق أنّ الكلام في سابقه في لزوم الحجّة في معرفة الربوبيّة والرسالة والإمامة على اُولي الألباب ، وهنا في عدم لزوم الحجّة في المذكورات على المستضعفين . والمراد ب «المعرفة» : معرفة الربوبيّة والرسالة والوصاية . وب «الجهل» : جهل المذكورات . وب «الرِّضا» : رضى مخلوق عن مخلوق . وب «الغضب» : غضب مخلوق على مخلوق . والمراد أنّ الجاهل الواقعي بالربوبيّة والرسالة والوصاية معذور . انتهى . وفي بيانه تأمّل بليغ . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : قوله عليه السلام : «المعرفة والجهل» يعني الجهل المركّب ؛ أي الصورة الإدراكيّة الغير المطابقة للواقع . (3) فيه أيضا تأمّل .

.


1- . في الكافي المطبوع : «باب اختلاف الحجّة على عباده» .
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحسين بن زيد ، عن درست بن أبي منصور» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 135 .

ص: 488

. .

ص: 489

باب حجج اللّه على خلقه

الباب الرابع والثلاثون : بَابُ حُجَجِ اللّه ِ عَلى خَلْقِهِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْمَحَامِلِيِّ ، عَنْ دُرُسْتَ ، عَنْ العجلي ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَيْسَ لِلّهِ عَلى خَلْقِهِ أَنْ يَعْرِفُوا ، وَلِلْخَلْقِ عَلَى اللّه ِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ ، وَلِلّهِ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا عَرَّفَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا» .

هديّة :(أن يعرفوا) على المعلوم ، من باب ضرب ؛ أي أن يحصّلوا لأنفسهم المعرفة الدينيّة من دون الحجّة عليهم بتعريف الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه . (وللخلق) أي بل للخلق على اللّه أن يجعلهم عارفين بالمعرفة الدينيّة بالتعريف، قبلوا أم لا. أو المعنى أن يعرّف لهم على الحذف والإيصال . وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «للخلق» بدون الواو . وقال : يعني ليس للّه على خلقه أن يعرفوا ربوبيّته فيسعوا في طلب الرسول والكتاب والوصيّ ، بل للخلق على اللّه أن يعرّف غير مستضعفيهم ربوبيّته بشواهدها ، وللّه على الخلق إذا عرّفهم ربوبيّته أن يقبلوا بالسعي في طلب الرسول والكتاب والوصيّ . وقال الفاضل الإسترابادي بخطّه : «ليس للّه على خلقه أن يعرفوا» قد وقعت في مواضع كثيرة من كلامهم عليهم السلام تصريحات بأنّ اللّه تعالى يعرّف نفسه ممّن (2) أراد تعلّق التكليف به ، بأن يخلق أوّلاً في قلبه أنّ لك خالقا مدبّرا ، وأنّه ينبغي أن يجيء من قِبَله تعالى من يدلّك على مصالحك ومضارّك ، وفي هذه المرتبة ليس تكليفا أصلاً ثمّ تبلغه الدعوة من قِبَله تعالى بالاعتراف بوحدانيّته قولاً وقلبا ، وبأنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه . وهذا أوّل التكاليف ، والدليل على صدقه المعجزة . ومن تلك المواضع ما مضى في باب أدنى المعرفة عن الصادق عليه السلام من قوله : «إنّ أمر اللّه كلّه عجيب ، إلّا أنّه قد احتجّ عليكم بما عرّفكم به من نفسه» . ومن تلك المواضع ما يجيء في تحت باب : ومن الناس من يعبد اللّه على حرف ؛ عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله : «أدنى ما يكون العبد به مؤمنا أن يعرّفه اللّه تعالى نفسه فيقرّ له بالطاعة ، ويعرّفه نبيّه صلى الله عليه و آله ويقرّ له بالطاعة ، ويعرّفه إمامه فيقرّ له بالطاعة » ومنها : أحاديث هذا الباب . ومنها : أحاديث الماضي . ومنها : الحديثان المذكوران في أوّل كتاب الحجّة . «أن يقبلوا» أي يعترفوا بذلك ويقرّوا به . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ليس للّه على خلقه أن يعرفوا » أي ليس المعرفة واجبةً عليهم ؛ لأنّه من صنع اللّه لا من صنعهم . «وللخلق على اللّه أن يعرّفهم» لأنّ استكمالهم ونجاتهم فيما لا يكون تحت قدرتهم لازم على الخالق الخبير الحكيم القادر ، ويحكم العقل بحسنه وقبح تركه ، وبأنّه لا يتركه الموصوف بتلك الصفات البتّة . «و»الواجب «للّه على الخلق» ومن حقوقه عليهم «إذا عرّفهم أن يقبلوا» أي يطيعوا وينقادوا ويعترفوا بأنّ ما عرّفهم حقّ . وهذا الحديث وأمثاله دالّ (4) على التحسين والتقبيح العقليّين . (5) والعلم عند اللّه وأهل الذِّكر صلوات اللّه عليهم .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن درست بن أبي منصور ، عن بريد بن معاوية» .
2- . في «ب» و «ج» والمصدر : «من» مكان «ممّن» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 136 .
4- . كذا في المصدر ، وفي النسخ : «دلّ» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 515 .

ص: 490

. .

ص: 491

الحديث الثانيروى في الكافي عن العِدَّة ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بن ميمون ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : مَنْ لَمْ يُعَرَّفْ شَيْئا هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ :«لَا» .

هديّة :(من لم يعرّف شيئا) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل ؛ أي له شيئا من المعارف الدينيّة . ويحتمل المعلوم من باب ضرب ، أي بتعريف اللّه بوساطة الحجّة المعصوم . وقال برهان الفضلاء : يعني المستضعف الذي لم يعرف شيئا من الربوبيّة هل عليه مؤاخذة ؟ وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله : يعني من لم يعرّفه اللّه نفسه ونبيّه لم يكلّفه بشيء أصلاً ؛ لأنّ التكليف إنّما يكون بعد التعريفين كما مرّ . وممّا يوضح ذلك الأحاديث الآتية في باب المستضعف . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي من لم يعرف شيئا أصلاً بتعريفه سبحانه بإرسال الرّسل والوحي والإلهام هل يجب عليه شيء يؤاخَذ بتركه ويُعاقب عليه؟ أو المراد من لم يعرف شيئا خاصّا بتعريفه سبحانه هل يجب ذلك الشيء عليه ، ويؤاخذ بتركه ويعاقب عليه؟ وإن كان عبارة السائل قاصرة عنه . والجواب بنفي الوجوب ؛ أمّا على الأوّل ؛ فلقوله تعالى : «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» 3 ؛ ولأنّه من لم يعرف شيئا حتىّ المعرفة باللّه سبحانه التي من صنع اللّه كيف يؤاخذ بعدم المعرفة ، وبما يترتّب عليه ؟! وأمّا على الثاني ؛ فلما قاله سبحانه ؛ لأنّ الإرسال في شيء لا يجدي في شيء آخر ؛ ولأنّه مؤاخذة الغافل عن الشيء من غير أن ينبّه عليه وعقابه على تركه قبيح أصلاً (3) . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 136 .
3- . كذا في النسخ ، وفي المصدر : «عقلاً» مكان «أصلاً» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 515 _ 516 .

ص: 492

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا حَجَبَ اللّه ُ عَنِ الْعِبَادِ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ» .

هديّة :أي من المعارف الدينيّة ، كبعض خصوصيّات الربوبيّة ، وخصائص النبوّة والإمامة ممّا لا يحتاجون إليه في الدِّين كسرّ محبّة اللّه لأهل الخير ، فإجراُء الخير على يدهم ؛ وسخط اللّه على أهل الشرّ ، فإجراء الشرّ على يدهم ، كما مرَّ في الثاني من باب السعادة والشقاء حيث قال عليه السلام في آخره : «وهو سرّه تبارك وتعالى» . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «عن العباد » أي عن المستضعفين من العباد من ربوبيّته ، فالتكليف بمقتضاه موضوع عنهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما حجب اللّه عن العباد» أي ما لم يعرفوه . وبيانه ظاهر . ولعلّ معرفة اللّه سبحانه في الجملة ليس ممّا حجبه اللّه عن عبد من عباده وإن كان حجابا (2) فبصنعه لا بصنع اللّه سبحانه ؛ لأنّه سبحانه لم يحجبها عن أحد ، بل أوضحها وأظهرها بدلائلها وإعطاء ما يكفي للوصول إليها ، وإن لم يقع الوصول فمن جهتهم لا من حَجْبه سبحانه إيّاها عنهم . نعم ، المعرفة على وجه الكمال ربّما يُقال بحجبها عن بعض النفوس الناقصة . وفي استناد هذا الحجب إليه سبحانه نظر . ويحتمل أن يكون المراد بقوله : «ما حجب اللّه عن العباد» ما لم يكن في وسعهم وحُجبوا عنه بما من جانب اللّه ، فيكون موضوعا عنهم ، كما في الحديث الذي بعد هذا . (3) انتهى . أقول : ملخّص أقوال الأصحاب في هذا الباب : أنّ اللّه تبارك وتعالى لا يكلّف العباد بشيء ولا يحتجّ عليهم إلّا بعد البيان والتعريف وإعطاء الوسع والطاقة وما به الاستطاعة ؛ «لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ» ، (4) فهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة . (5) والمعيار العدل للفطن المتأمّل في البيانات في هذا الباب تمييزه بين المعرفة الفطريّة التي لا تكليف فيها أصلاً والمعرفة الدينيّة التي مناط التكليف ، ولا تحصل إلّا بالتعريف إذا أقبل وقَبِل فحيّ عن بيّنة ، بخلاف من أنكر وأدبر فهلك عن بيّنة . والمستضعفون أيضا مكلّفون بقدر وسعهم ، ولذا ثبت أنّ للّه فيهم المشيئة في المؤاخذة والعفو عنهم . 6 واللّه أعلم بالصواب .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى» .
2- . كذا في النسخ، وفي المصدر: «حجابٌ».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 516 .
4- . النساء (4) : 165 .
5- . اقتباس من الآية 42 ، الأنفال (8) .

ص: 493

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ ، (1) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي :«اكْتُبْ» ، فَأَمْلى عَلَيَّ : «إِنَّ مِنْ قَوْلِنَا : إِنَّ اللّه َ يَحْتَجُّ عَلَى الْعِبَادِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ ، فَأَمَرَ فِيهِ وَنَهى : أَمَرَ فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، فَنَامَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ : أَنَا أُنِيمُكَ ، وَأَنَا أُوقِظُكَ ، فَإِذَا قُمْتَ فَصَلِّ ؛ لِيَعْلَمُوا إِذَا أَصَابَهُمْ ذلِكَ كَيْفَ يَصْنَعُونَ ، لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ : إِذَا نَامَ عَنْهَا هَلَكَ ؛ وَكَذلِكَ الصِّيَامُ ، أَنَا أُمْرِضُكَ ، وَأَنَا أُصِحُّكَ ، فَإِذَا شَفَيْتُكَ فَاقْضِهِ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «وَكَذلِكَ إِذَا نَظَرْتَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، لَمْ تَجِدْ أَحَدا فِي ضِيقٍ ، وَلَمْ تَجِدْ أَحَدا إِلَا وَلِلّهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ، وَلِلّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ ، وَلَا أَقُولُ : إِنَّهُمْ مَا شَاؤُوا صَنَعُوا» . ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ اللّه َ يَهْدِي وَيُضِلُّ» . وَقَالَ : «وَمَا أُمِرُوا إِلَا بِدُونِ سَعَتِهِمْ ، وَكُلُّ شَيْءٍ أُمِرَ النَّاسُ بِهِ ، فَهُمْ يَسَعُونَ لَهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَسَعُونَ لَهُ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ ، وَلكِنَّ النَّاسَ لَا خَيْرَ فِيهِمْ» . ثُمَّ تَلَا عليه السلام : «لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ» فَوُضِعَ عَنْهُمْ «ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ» قَالَ : «فَوُضِعَ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان الأحمر» .

ص: 494

هديّة :(اكتب) إنّ كسر الهمزة أولى من فتحها ، لمكان الكتابة فنقل باللّفظ لا بالمعنى فقط . (بما آتاهم) من الاختيار ، وما به الاستطاعة . (وعرّفهم) بالحجج والكتب . «ثمّ» في (ثمّ أرسل) بمنزلة الفاء البيانيّة ؛ إذ التعريف لتحصل المعرفة الدينيّة لمن أقبل وقبل ، إنّما هو بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب . (فنام رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الصلاة) صلاة الفجر في منزل من منازل غزوة من غزواته . في بعض النسخ بزيادة : «في بعض أسفاره» بعد «عن الصلاة» . (فقال : أنا اُنيمك) عند اضطرابه صلى الله عليه و آله بعد اليقظة . في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : باتّصال «يصعنون» بقوله : «وكذلك الصيام» من دون توسّط «ليس كما يقولون إذا نام عنها هلك » . «شفاه اللّه » كضرب . (وللّه فيه المشيئة) أي في المؤاخذة والعفو ، قال اللّه تعالى في سورة النساء : «وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» (1) بعد إتمام الحجّة وتقصير المحتجّ عليه . (ولا أقول) أي كالمفوّضة (إنّهم ما شاؤوا صنعوا) يعني بل أقول _ كما مرَّ مرارا _ : إنّه سبحانه علم ما يصدر عنهم باختيارهم فشاء أن يشاؤوا إمّا الخير على التوفيق وإمّا الشرّ على الخذلان . «وما تشاءُون إلّا أن يشاء اللّه » ، إنّ اللّه يهدي من يحبّه ويضلّ من يبغضه . (وما اُمروا إلّا بدون سعتهم) أي دون قدر طاقتهم فضلاً عن قدر طاقتهم . (2) (فهم يسعون له) وفوقه تفضّلاً وأتمّيةً للحجّة . (ولكن الناس لا خير فيهم) يعني غير الفرقة الناجية من البضع والسبعين في هذه الاُمّة ، لا خير فيهم في علمه تعالى بأنّهم لا يختارون _ وسِربَهم مخلّى _ إلّا الكفر ، وضلالهم إنّما هو بعد هدايتهم بالمعجزات وبيّنات الآيات ، فخلق الكفر في فاعل الكفر لا ينافي العدالة ، ولا يسأل عن التفصيل (3) فيه ، مع أنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، واللّه لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ، وما لأهل ولاية اللّه ومحبّته وللسؤال عن وجه محبّته لهم وسخطه على أعدائهم . وشغل الشكر على نعمة الولاية والتبرّي ولو استوعب مدّة العمر لا يخرجهم عن التقصير ، فافهم واشكر ولا تسأل عمّا نصّ الإمام عليه السلام بأنّه سرّ من أسرار اللّه تبارك وتعالى كما في الثاني من الباب الثامن والعشرين . (ما ينفقون) في سبيل اللّه ، أو خصوص الجهاد . و«الحرج» : الضيق والإثم . «فوضع عنهم» أي الجهاد . «ما على المحسنين من سبيل » . قيل : لنيّة الخير . وإنّما يثيب اللّه عباده بالنيّات . (لتحملهم) أي على الرواحل للجهاد ، والآية في سورة التوبة هكذا : «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للّه ِِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللّه ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ» (4) . قال برهان الفضلاء : عدم ذكره عليه السلام قوله تعالى : «إِذَا نَصَحُوا للّه ِِ وَرَسُولِهِ» إيماء إلى أنّ «وَلَا عَلَى الَّذِينَ» عطف على «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ» لا على سابقها ، أو للإيماء إلى أنّ صدر الآية الثانية هو «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ» لا «وَلَا عَلَى الَّذِينَ» كما هو المشهور . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : الظاهر أنّ المراد بما آتاهم وعرّفهم هنا معرفة اللّه سبحانه التي عرّفها للعباد بإظهار الدلائل الواضحة الدالّة عليها ، يرشدك إليه قوله : «ثمّ أرسل » ؛ فإنّ إرسال الرسول إنّما يتأخّر عن هذا التعريف . وما بعد ذلك في هذا الحديث من قوله : «ثمّ أرسل إليهم» لبيان أن لا تضيّق على العباد فيما اُمروا به ، ثمّ عمّم نفي التضييق عليهم في جميع ما كُلِّفوا به إتيانا وتركا . وفيه إشارة إلى نفي الجبر . وقوله : وللّه عليه الحجّة كالدليل عليه ؛ فإنّه لا حجّة على المجبور ، لكن لكونه معذورا . «وللّه فيه المشيئة» إشارة إلى نفي القَدَر ، وأنّ كلّ ما يكون من العبد بمشيّة اللّه . «ولا أقول : إنّهم ماشاؤوا صنعوا» _ سواء كان على وفق مشيئة اللّه أو لم يكن _ تصريح بنفي القَدَر . «إنّ اللّه يهدي ويضلّ» دليل على كون الكلّ بمشيّة اللّه . «وما اُمروا إلّا بدون سعتهم» أي لم يكلّفهم بمنتهى سعتهم بل كلّفوا بما لم يصل إليه ، وفوقه مراتب من السّعة . «وكلّ شيء أمر الناس به فهم يسعون له ، وكلّ شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم» غير مطلوب منهم فما لم يقع من المأمور به ليس لأنّهم لا يسعون له ؛ بل لأنّهم لا خير فيهم . (5) انتهى . وفي أوّل بيانه ما فيه بإقراره ؛ فإنّ المعرفة الفطريّة التي فطر اللّه الناس عليها ، وحاصلة لكلّ ذي شعور وإدراك بشواهد الربوبيّة من السماء والأرض وغيرهما من عجائب الصنائع وغرائب الآثار إنّما هي قبل البيان والتعريف الموجب لحصول المعرفة الدينيّة إذا أقبلوا وقبلوا . فحمل «ثمّ» على ما قلنا أولى . وحمل برهان الفضلاء أيضا على التعقيب والتراخي بعد حمله «العباد» على غير المستضعفين . وقد عرفت ما فيه . وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله بخطّه : ثمّ أرسل إليهم رسولاً ؛ إرسال الرّسل بعد تعريف نفسه جلّ جلاله . «ولا أقول إنّهم ما شاؤوا صنعوا» معنى الأمر بين الأمرين أنّهم ليس كذا بحيث ما شاؤوا صنعوا ، بل فعلهم معلّق على إرادة حادثة متعلّقة بالتخلية أو بالصرف . وفي كثير من الأحاديث أنّ تأثير السحر موقوف على إذنه تعالى ، وكان السرّ في ذلك أنّه تعالى قال : لا يكن شيء من طاعته أو معصيته أو غيرهما _ كالأفعال الطبيعيّة _ إلّا بإذن جديد منّي ، فيتوقّف حينئذٍ كلّ حادث على الإذن توقّف المعلول على شرطه ، لا توقّفه على سببه . واللّه أعلم . ويفهم من كثير منها أنّ التخلية في المعاصي إنّما يكون في آن المعصية لا قبلها . «إنّ اللّه يهدي ويضلّ» يجيء في باب ثبوت الإيمان : أنّ اللّه خلق الناس كلّهم على الفطرة التي فطرهم عليها ، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ، ثمّ بعث اللّه الرّسل يدعوا العباد إلى الإيمان به ، فمنهم من هدى اللّه ومنهم من لم يهده اللّه . وأقول : هذا إشارة إلى الحالة التي سمّتها الحكماء العقل الهيولاني . وأقول : معنى الضالّ هو الذي انحرف عن صوب الصواب والثواب ، ولمّا لم يكن قبل إرسال الرّسل وإنزال الكتب صوب صواب امتنع حينئذٍ الانحراف عنه ، ولمّا حصل أمكن . فيكون اللّه تعالى سبيا بعيدا في ضلالة الضالّ . وهذا هو المراد من قوله عليه السلام : «يضلّ » . (6) انتهى . أراد بقوله _ في أوّل بيانه بعد تعريف نفسه جلّ جلاله _ : أنّ إرسال الرُّسل إنّما هو بعد تعريف نفسه جلّ جلاله ، بطائفة من شواهد ربوبيّته الدالّة على نفي حدّ التعطيل حسب ليتلائم فقرات بيانه إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . النساء (4) : 48 .
2- . في «ب» و «ج» : - «فضلاً عن قدر طاقتهم» .
3- . في «الف» : «ترك التفصيل» .
4- . التوبة (8) : 91 _ 92 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 516 _ 517 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 137 .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

. .

ص: 498

باب الهداية أنّها من اللّه عز وجل

الباب الخامس والثلاثون : بَابُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مِنَ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابن بزيع ، (1) عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ ثَابِتٍ بن (2) سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«يَا ثَابِتُ ، مَا لَكُمْ وَلِلنَّاسِ ، كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ، وَلَا تَدْعُوا أَحَدا إِلى أَمْرِكُمْ ؛ فَوَ اللّه ِ ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يَهْدُوا عَبْدا يُرِيدُ اللّه ُ ضَلَالَهُ ، (3) مَا اسْتَطَاعُوا عَلى أَنْ يَهْدُوهُ ؛ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرَضِينَ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يُضِلُّوا عَبْدا يُرِيدُ اللّه ُ هُدَاهُ ، (4) مَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُضِلُّوهُ ، كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ : عَمِّي وَأَخِي وَابْنُ عَمِّي وَجَارِي ؛ فَإِنَّ اللّه َ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرا ، طَيَّبَ رُوحَهُ ، فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفا إِلَا عَرَفَهُ ، وَلَا مُنْكَرا إِلَا أَنْكَرَهُ ، ثُمَّ يَقْذِفُ اللّه ُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَهُ» .

هديّة :(أنّها) في العنوان بفتح الهمزة بدل الاشتمال من (الهداية) يعني توفيق الإيمان باللّه والرسول والوصيّ على ما جاء به الرسول من اللّه سبحانه ، فمعنى الإضلال في نسبته إليه تعالى هو الخذلان بالتخلية بين العبد وما يعلم صدوره عنه بإرادته واختياره لو خلّى سربه من غير أن يكون العلم الأزلي علّةً ، على ما مرّ بيانه مرارا . قيل : (ثابت) يكنّى «أبا سعيد» فالصحيح : «أبي سعيد» مكان «ابن سعيد» . (وكفّوا عن الناس) لا ينافي حكم العاشر في الباب الثالث في كتاب العقل من الأمر بإظهار العلم وهداية الناس ؛ فإنّ الحكم هنا متعلّق بزمن اشتداد التقيّة ، وهناك بزمن الهُدْنة وغلبة المؤمنين ، وذلك _ مع أنّ الموفّق للإيمان والهادي إلى الحقّ في مطلق الزمان هو اللّه سبحانه حَسْب _ إنّما هو على زعم الأشقياء وقصم ظهر الأعداء وتأكيد إتمام الحجّة وتحصيل الثواب بإظهار الكلمة وجمعها ، وإزالة ظهور الاختلاف بإظهار طريقة الصواب وفضلها . في بعض النسخ : «هدايته» مكان «هداه» . وفي ذكر «العمّ» قبل «الأخ» إشارة إلى أنّ «العمّ» لمكان المبالغة في رعاية حقّ الأب أحقّ بالرّعاية من «الأخ» كابن العمّ من الجار . و«التطيّب» : التزكية . (إلّا عرفه) وقَبِله . (كلمة) : نورا من أنواره . (يجمع بها أمره) يحفظه من غلبة الوسوسة عليه حتّى يصل إلى كماله في علم اللّه سبحانه . قال برهان الفضلاء : المراد بالهداية هنا توفيق الإقرار بالربوبيّة والرسالة والإمامة ، وهو من اللّه ، بمعنى أنّ العالِم بسعيد الناس وشقيّهم إنّما هو اللّه سبحانه ، فيوفّق على وفقه ويخذل كذلك . والظاهر «ثابت أبي سعيد» مكان «ابن سعيد» كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في باب في ترك دعاء الناس . والمراد ب «الناس» هنا : أصل الإصرار ، كما يظهر في كتاب الإيمان والكفر في باب في إحياء المؤمن ، وباب في الدّعاء للأهل إلى الإيمان ، وباب في ترك دعاء الناس . و«الأمرِ» (5) : تصديق الإمام المعصوم المفترض الطاعة . «ولا يقول» خبر بمعنى النهي . وفي بعض النسخ : «لا يقل » . والمراد ب «الكلمة» : كلمة التوحيد ؛ يعني يقذف اللّه بتوفيقه في قلبه أوّلاً التصديق الواقعي بأنّه لا إله إلّا اللّه ، ثمّ يجمع به جميع أجزاء الإيمان لاندراج الشهادة بالرسول والوصيّ في ذلك . وقال الفاضل الإسترابادي : «كفّوا عن الناس» الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في باب الاعتقادات غير واجب في زمن التقيّة أو مطلقا إلّا على صاحب الدعوة . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني : الظاهر أنّ ما في هذا الباب من نفي التعرّض للناس والكفّ عن دعوتهم إلى الأمر الذي عليه الفرقة الناجية لمكان التقيّة ، ودفع الضرر العائد من دعوتهم إلى هذه الفرقة مع ظنّ عدم تأثير هذه الدعوة فيهم ، بل المظنون كونها من أسباب رسوخهم في الضلال خصوصا ممّن لا يستمعون لكلامه ، ولا يقدر هو أن يقول بما هو حقّ المقال . (7) فابتداء الدعوة لغير الطالب المسترشد في تلك الأعصار محظور . وأمّا في زمان استعلاء الحقّ وظهوره وغلبته على الباطل فابتداء الدعوة لدفع الباطل وردّه وإعلاء الحقّ وتقريره حسن ، وإن لم يؤثّر في الخبيث الشقيّ أثرا يترتّب عليه النجاة وهو الإيمان المستقرّ ؛ لما فيه من الحكمة وخلوّه عن المفسدة . «كلمة يجمع بها أمره» أي يلقي اللّه في قلبه اعتقادا حقّا يرشد بها إلى جميع العقائد التي بها صلاح أمره ونجاته عن الهلاك ولعلّها كناية عن الأمر الذي عليه الفرقة الشريفة . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل» .
2- . في حاشية «ج ، الف» و الكافي المطبوع : «ثابتٍ أبي سعيد» .
3- . في الكافي المطبوع : «ضلالته» .
4- . في حاشية «الف» و الكافي المطبوع : «هدايته» .
5- . عطف على قوله قبيل هذا : «والمراد» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 137 .
7- . من هنا قد أسقط المصنّف رحمه الله قريب من صفحة من كلام النائيني رحمه الله .
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 518 _ 519 .

ص: 499

. .

ص: 500

الحديث الثانيروى في الكافي عن الثلاثة ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ اللّه َ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرا ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً مِنْ نُورٍ ، وَفَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَوَكَّلَ بِهِ مَلَكا يُسَدِّدُهُ ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءا ، نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ ، وَسَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِهِ ، وَوَكَّلَ بِهِ شَيْطَانا يُضِلُّهُ» . ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْايَةَ : «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ وَمَن يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ» .

.


1- . يعني «عليّ بن ابراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير» .

ص: 501

هديّة :«النكتة» بالضمّ ، كالنقطة لفظا ومعنىً ، واسم المصدر وهو «النّكت» بالفتح ، نكت كنصر : ضرب في الأرض برأس خشبةٍ ونحوها فأثّر فيها . و«المسامع» : جمع مسمع كمنبر ، يعني جارحة السمع . وفتح مسامع القلب بيد اللّه تبارك الذي ، بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير . (1) إذا أراد بعبدٍ خيرا لَعَلِمه بأنّه يصدر منه الخير بإرادته واختياره إذا خلّى سِربه ، فيريد تعالى أن يريد الخير ويخلق فيه الخير مطابقا لمختاره في علمه تعالى ليفعل الخير كما هو أهلهُ ، وإذا أراد بعبدٍ سوء لعلمه بأنّه يصدر منه الشرّ بإرادته واختياره إذا خلّى سِربه ، فيريد سبحانه أن يريد الشرّ ويخلق فيه الشرّ مطابقا لمختاره في علمه تعالى ليفعل الشرّ كما هو أهله . والآية في سورة الأنعام . (2) و«الحرج» : الضيق . وذكره بعد الضيق تأكيد للمبالغة . و«يصعّد» بالتشديدين على المضارع المعلوم من التفعّل ، أي ضيق قلبه كضيق قلب من يقصد التصعّد بكمال الهوس والهمّة إلى السماء من غير سبب يعتدّ به من جناح و غيره من أدوات الصعود . قال برهان الفضلاء : إذا أراد بعبد خيراً للعلم بسعادته ، وإذا أراد بعبد سوءاً للعلم بشقائه . وفتح مسامع القلب كناية عن محكمات القرآن ، وسدّ مسامع القلب كناية عن تأويل المحكمات التي نهى اللّه فيها صريحاً عن العمل بالظنّ و إلخ . وقال الفاضل الإسترابادي : «وكّل شيطاناً يضلّه» للإضلال المنسوب إليه تعالى وجهان ، قد مرّ بيانه . وثانيهما من باب الغضب الدنيوي بالنسبة إلى من استحبّ العمى على الهدى بعد أن عرّفه اللّه النجدين . وقال السيّد الأجل النائيني : «نكت في قلبه نكتة من نور» أي أدخل في قلبه وأحدث فيه أثراً من نور . «وفتح مسامع قلبه» وجعلها مفتوحة تَسَع المعارفَ ، «ووكّل به ملكاً [يسدّده]» ويعرّفها إيّاه ويحفظه عن الزيغ . «وإذا أراد بعبد سوءاً» أي بإرادته وقوع مراد العبد وعلمه بأنّه يريد السوء «نكت في قلبه نكتة سوداء» بأن يتركه مخلّى بينه وبين مراده ، فيحدث في قلبه نكتة سوداء من سوء اختياره ويصير مسامع قلبه مسدودة ، وتركه والشيطانَ الموكّل به لإضلاله من سوء اختياره . (3) وقال بعض المعاصرين : «وفتح مسامع قلبه» أي بتكرير الإدراكات النوريّة الناشئة من تكثير الأعمال الصالحة وسماع الأقوال الفاتحة من جنس ما يتأثّر منه قلبه أوّلاً، فيقوى بها استعداده لأن يصير بها ملكة نفسانيّة ، ويخرج بها نور قلبه من الضعف إلى الكمال ، ومن القوّة إلى الفعل ، فيستعدّ أن يصير ذاتاً جوهريّة نورانيّة قائمة بذاتها فاعلة الخير والهداية .

.


1- . اقتباس من الآية 26 من آل عمران (3) .
2- . الأنعام (6) : 125 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 519 _ 520 .

ص: 502

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ لِلّهِ ، وَلَا تَجْعَلُوهُ لِلنَّاسِ ؛ فَإِنَّهُ مَا كَانَ لِلّهِ ، فَهُوَ لِلّهِ ؛ وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ ، فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللّه ِ ، وَلَا تُخَاصِمُوا النَّاسَ لِدِينِكُمْ ؛ فَإِنَّ الْمُخَاصَمَةَ مَمْرَضَةٌ لِلْقَلْبِ ؛ إِنَّ اللّه َ تَعَالى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ» (1) وَقَالَ : «أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (2) ذَرُوا النَّاسَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنِ النَّاسِ ، وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إِنِّي سَمِعْتُ أَبِي عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِذَا كَتَبَ عَلى عَبْدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي هذَا الْأَمْرِ ، كَانَ أَسْرَعَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّيْرِ إِلى وَكْرِهِ» .

.


1- . القصص (28) : 56 .
2- . يونس (10) : 99 .

ص: 503

هديّة :في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول» . وسيجيء هذا الحديث في الباب الرابع والتسعين في كتاب الإيمان والكفر ، وفيه بعد قوله : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعليّ عليه السلام : «ولا سَواءٌ» (1) يعني أخذهم وأخذكم ، فخبر مقدّم لمبتدأ محذوف . (اجعلوا أمركم للّه) أي أخلصوا دينكم وانقيادكم لمن فرض اللّه عليكم ، (ولا تجعلوه للناس) ولا تراؤوا به ، والرياء شرك خفيّ ممرضة ، على اسم الفاعل من الإفعال ، أو بفتح الميم اسم آلة أو اسم مكان . وضبط برهان الفضلاء بالفتح بمعنى موضع أمراض كثيرة . والآية الاُولى في سورة القصص والثانية في سورة يونس وصدرها «وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَأَمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ» الآية. جميعاً: تأكيد على التأكيد . والوكر بالفتح : عُشّ الطائر بضمّ العين المهملة وتشديد الشين المعجمة . قال سيّد الأجل النائيني رحمه الله : «اجعلوا أمركم» أي دينكم الذي يدينون اللّه به في التديّن به لمرضاته وطاعته ، «ولا تجعلوه للناس» وليعلموا أنّكم عليه ، فلا تظهروا به ، فإنّ ما كان لطاعة اللّه ومرضاته يصعد إلى اللّه ويصل إليه وهو يجازي عليه ، وما كان للناس فلا يصعد إلى اللّه ولا يترتّب عليه المطلوب منه . «ولا تخاصموا الناس» فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب من الجانبين ، فتمرض قلوبكم بالميل إلى الغلبة وإظهارها ، فلا يخلص للّه ، ولا يجديكم ، ويمرض قلوبهم ، ويزيدهم مرضاً على مرض باللجاج في باطلهم والعناد له ، فلا يؤثّر فيهم ولا يزيدهم إلّا ضلالاً . ثمّ بعد النهي عن المخاصمة أمر بعدم التعرّض لهم وترك دعوتهم إلى هذا الأمر معلّلاً بأنّهم أخذوا أمرهم عن الناس وتبعوهم ، وظنّوا أنّ فعلهم حجّة ، واتّباعهم لازم ، و إنّكم أخذتم أمركم عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وممّا ثبت عندكم أنّه عنه ، واعتقدتم أن لا حجّيّة إلّا لما ثبت عن اللّه وعن رسوله ، ولا يجوز ترك متابعته واتّباع غيره في أمر من الاُمور ، فهم لا يستمعون إليكم ، ولا يصدّقون ما تحتجّون به عليهم ، فلا تأثير لقولكم فيهم ، إنّما يجدي قولكم مَن طيّب اللّه روحه ، ونكت في قلبه نكتة من نور ، ومن هذا شأنه يصل إلى الحقّ يطلبه (2) وإن لم يدعه إليه أحد . يؤيّد ذلك ما نقله عليه السلام عن أبيه عليه السلام انّه كان يقول : «إنّ اللّه تبارك وتعالى إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر» وأراد وقدّر دخوله فيه «كان أسرع إليه من الطير إلى وكره» (3) .

.


1- . الكافي ، ج2 ، ص213 ، باب في ترك دعاء الناس ، ح4 .
2- . في المصدر : «بطلبه» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص520 _ 521 .

ص: 504

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : نَدْعُو النَّاسَ إِلى هذَا الْأَمْرِ؟ فَقَالَ :«لَا ، يَا فُضَيْلُ ، إِنَّ اللّه َ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً ، أَمَرَ مَلَكاً فَأَخَذَ بِعُنُقِهِ ، فَأَدْخَلَهُ فِي هذَا الْأَمْرِ طَائِعاً أَوْ كَارِهاً» .

هديّة :ندعو الناس يعني في زمن التقيّة . والعبارة «عن طائعاً أو كارهاً» بالفارسيّة : «خواهى نخواهى» . قال برهان الفضلاء : «في هذا الأمر ، أي في التصديق والإيمان بإمامتنا أهل البيت عليهم السلام » . وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : أي أدخله في هذا الأمر والعلم الحقيقيّة (1) بالاطّلاع على دلائله ، سواء كان راغباً فيه أو كارهاً له فإنّ (2) عند الاطّلاع على الدلائل والانتقال إلى وجه الدلالة يحصل العلم بالمدلول إن شاء اللّه تعالى . (3) تمّ بعون اللّه وحسن توفيقه كتاب التوحيد وهو الجزء الثاني من الأجزاء الثلاثين من كتاب الهدايا ، ويتلوه الجزء الثالث كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى ، والحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله المعصومين شفعاء يوم الدين في سنة 1083 .

.


1- . في المصدر : «بحقّيّته» .
2- . في المصدر : «فإنّه» .
3- . الحاشية على الاُصول الكافي ، ص521 .

ص: 505

. .

ص: 506

. .

ص: 507

فهرس المطالب .

ص: 508

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.