الهدایا لشیعه ائمه الهدی : شرح اصول کافی المجلد 1

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الهدایا لشیعه ائمه الهدی : شرح اصول کافی/شرف الدین محمدمجذوب التبریزی ؛ تحقیق محمدحسین الدرایتی، غلام حسین القیصریه ها

مشخصات نشر : قم: دارالحدیث، 1389.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : (مرکز بحوث دارالحدیث؛186)

(مجموعه آثار الموتمر الدولی لذکری الشیخ ثقه الاسلام الکلینی؛11)

وضعیت فهرست نویسی : در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت : چاپ دوم- ج.1

شماره کتابشناسی ملی : 2764459

ص: 1

اشاره

مذكّرة أمين اللجنة العلمية للمؤتمركتاب الكافي الشريف، لمؤلّفه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله ، هو أهم وأفضل مؤلّفات الشيعة، ونظرا لما يتمتّع به من ميزات وخصائص جعلت منه كتابا لا نظير له، فقد صار محوراً لظهور وإنتاج قسم واسع من التراث الشيعي، وحظي على مرّ التاريخ باهتمام علماء الشيعة وقدّمت له شروح وتعليقات وترجمات كثيرة. وقد قامت روضة السيّد عبدالعظيم الحسني ومؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية بعقد المؤتمر الثالث من مؤتمراتها التي تدور حول محور «تكريم شخصيات مدينة الري وعلمائها» لتكريم ثقة الإسلام الكليني. والأهداف المتوخّاة من هذا التكريم هي: 1 . التعريف بالشخصية العلمية والمعنوية لثقة الإسلام الكليني. 2. نشر المعارف الحديثية لأهل البيت عليهم السلام . 3. تحقيق ودراسة تراث ثقة الإسلام الكليني. 4. معرفة منزلة وتأثير كتاب الكافي. وقد بدأت لجنة المؤتمر العلمية التخطيطَ العملي لهذا المؤتمر بعد إقامة مؤتمر تكريم أبي الفتوح الرازي في خريف 1427ق، وخطّطت للبرامج التالية: 1 . تصحيح وتحقيق المخطوطات المتعلّقة بكتاب الكافي، سواء كانت ترجمات أو شروح أو تعليقات أو غيرها. 2. فتح آفاق بحثية جديدة في مجال الكافي. 3. تجزئة وتحليل الانتقادات والأسئلة المتعلّقة بالكافي. 4. تقديم الطبعة المحقّقة من كتاب الكافي. 5. تنظيم المعلومات والآثار المكتوبة المتعلقة بالكليني والكافي وتقديمها في قالب أقراص DVD (الأقراص النورية المتعدّدة الأغراض). والذي توصّلت إليه اللجنة العلمية خلال سنتين ونيف من السعي هو نشر ما يلي تزامناً مع إقامة المؤتمر: أولاً: نسخة الكافي المحقّقة. ثانياً: شروح الكافي والتعليقات عليه. ثالثاً: مجموعة الآثار التي أنتجها المؤتمر. رابعاً: الأعداد الخاصّة من المجلّات. خامساً: نشرة أخبار المؤتمر. سادساً: أقراص ال_DVD (الأقراص النورية المتعدّدة الأغراض). وسنلقي فيما يلي نظرة عابرة إلى هذه العناوين الستّة:

.

ص: 2

أولاً: الكافيسيتمّ طبع الكافي طبعة جديدة بعد مقابلته مع المخطوطات القديمة والموثوق بها وبعد التشكيل بالحركات أيضاً، مع تعليقات بهدف رفع الإشكال عن بعض الإسنادات، وبعض الإيضاحات ذات العلاقة بفقه الحديث.

ثانياً: شروح الكافي وتعليقاتهكتب الكثير من الشروح والتعليقات على كتاب الكافي ولم يطبع منها سوى القليل، وقد سعت اللجنة العلمية لأن تحدّد هذه الشروح والتعليقات، وأن تأخذ على عاتقها تحقيقها وعرضها، وسيتمّ تحقيق الكتب التالية وطباعتها وإعدادها لإقامة المؤتمر: 1. الشافي في شرح الكافي، الملّا خليل بن غازي القزويني، (ت 1089ق) مجلّدان. 2. صافى در شرح كافى (الصافي في شرح الكافي) الملّا خليل بن غازي القزويني (ت 1089ق) مجلّدان. 3. الحاشية على اُصول الكافي، الملّا محمد أمين الاسترآبادي (ت 1036ق) مجلّد واحد. 4. الحاشية على اُصول الكافي، السيّد أحمد العلوي العاملي (كان حيّا سنة 1050ق) مجلّد واحد. 5. الحاشية على اُصول الكافي، السيّد بدر الدين الحسيني العاملي (كان حيّا سنة 1060ق) مجلّد واحد. 6. الكشف الوافي في شرح اُصول الكافي، محمد هادي بن محمد معين الدين آصف الشيرازي (ت 1081ق) مجلّد واحد. 7. الحاشية على اُصول الكافي، الميرزا رفيعا (ت 1082ق) مجلّد واحد. 8. الهدايا لشيعة أئمة الهدى (شرح اُصول الكافي) ، الميرزا محمّد مجذوب التبريزي (ت 1093 ق) مجلّدان. 9. الذريعة إلى حافظ الشريعة (شرح اُصول الكافي) ، رفيع الدين محمد بن محمد مؤمن الگيلاني (القرن 11ق) مجلّدان 10 و 11. الدرّ المنظوم، الشيخ علي الكبير (ت 1104ق) والحاشية على اُصول الكافي، الشيخ علي الصغير (القرن 12ق) مجلّد واحد. 12. تحفة الأولياء (ترجمة اُصول الكافي) ، محمد علي بن محمد حسن الفاضل النحوي الأردكاني (كان حياً في 1237ق) 4 مجلّدات. 13. شرح فروع الكافي، محمد هادي بن محمد صالح المازندراني (ت 1120ق) 5 مجلّدات. 14. البضاعة المزجاة (شرح روضة الكافي) ، محمد حسين بن القارياغدي (ت 1089ق) مجلّدان. 15. منهج اليقين (شرح وصية الإمام الصادق للشيعة) ، السيّد علاء الدين محمد گلستانة (ت 1110ق) مجلّد واحد. 16. مجموعة الرسائل في شرح أحاديث الكافي، مجلّدان.

.

ص: 3

ثالثاً: مجموعة الآثار التي أنتجها المؤتمرالمراد من هذا العنوان الآثار التي أنتجتها اللجنة العلمية، وسيتمّ تقديم الآثار التالية في هذا المجال: 1. حياة الشيخ الكليني، ثامر العميدي، مجلّد واحد. 2. توضيح الأسناد المشكلة في الكتب الأربعة أسناد الكافي ، السيّد محمد جواد الشبيري ، مجلّدان . 3. العنعنة من صيغ الأداء للحديث الشريف في الكافي، السيّد محمد رضا الحسيني الجلالي، مجلّد واحد. 4. كافى پژوهى در عرصه نسخه هاى خطى (دراسات في الكافي وفق النسخ الخطيّة) ، علي صدرائي الخوئي، السيّد صادق الأشكوري، مجلّد واحد. 5. كتاب شناسى كلينى و كتاب الكافى (ببلوغرافيا الكليني وكتابه الكافي) ، محمد قنبري ، مجلّد واحد . 6. شناخت نامه كلينى والكافي (معلومات متناثرة حول الكليني والكافي) محمد قنبري ، 4 مجلّدات . 7. كافى پژوهى (تقرير عن الأطروحات ورسائل التخرج المتعلقة بالكليني والكافي) ، السيّد محمد علي أيازي، مجلّد واحد. 8 . مجموعه مقالات همايش (مجموعة مقالات المؤتمر) مجموعة من الباحثين، 7 مجلّدات. 9 . مصاحبه ها و ميزگردها (الحوارات) ، مجلّد واحد.

.

ص: 4

رابعاً: الأعداد الخاصة من المجلّاتسوف تصدر كلّ من مجلّة آينه پژوهش، سفينه، علوم الحديث والبعض الآخر من النشريات، أعداداً خاصة تزامناً مع إقامة المؤتمر.

خامسا: نشرة أخبار المؤتمرسيتمّ طبع أربعة أعداد من نشرة أخبار المؤتمر التي تقوم بمهمّة الإعلام قبل المؤتمر حتى زمان انعقاده.

سادساً. أقراص ال_ DVDسوف يتمّ تقديم البرنامج الألكتروني لمجموعة آثار المؤتمر، مع بعض مخطوطات الكافي، وكذلك الشروح والتعليقات والترجمات المطبوعة لكتاب الكافي في قالب أقراص DVD. *** وفي الختام نقدم شكرنا إلى جميع المثقّفين والمفكّرين، والمنظّمات والمؤسّسات العلمية البحثية، التي أسهمت في تحقيق النتائج المرجوّة من هذا المؤتمر، خاصة: سادن روضة السيّد عبدالعظيم عليه السلام ورئيس مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية، سماحة آية اللّه محمد الرَّيشَهري، اللجنة العليا لتعيين أهداف المؤتمر، اللجنة العلمية للمؤتمر، لجنة العلاقات الدولية، اللجنة التنفيذية، مؤسسة البحوث الإسلامية التابعة للروضة الرضوية المقدسة، مركز البحوث الكومبيوترية للعلوم الإسلامية، المدراء العامّين في روضة السيّد عبد العظيم عليه السلام ، المدراء والباحثين في مؤسسة علوم الحديث ومعارفه، المسؤولين، الأساتذة والطلاب في كلية علوم الحديث، المسؤولين والعاملين في دار النشر التابعة لدار الحديث. مهدي المهريزي الأمين العام للجنة العلمية 1429 ق

.

ص: 5

تصدير

تصديرلا يزال الكافي يحتلّ الصدارة الاُولى من بين الكتب الحديثيّة عند الشيعة الإماميّة ، وهو المصدر الأساس الذي لا تنضب مناهله ولا يملّ منه طالبه ، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه ، ولا العالم ، ولا المعلّم ، ولا المتعلّم ، ولا الخطيب ، ولا الأديب . فقد جمع بين دفّتيه جميع الفنون والعلوم الإلهيّة ، واحتوى على الاُصول والفروع . فمنذ أحد عشر قرنا وإلى الآن اتّكأ الفقه الشيعي الإمامي على هذا المصدر؛ لما فيه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، وهو أوّل كتاب جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب . وبعد ظهور الكافي اضمحلّت حاجة الشيعة إلى الاُصول الأربعمائة ، لوجود مادّتها مرتّبة مبوّبة في ذلك الكتاب . ومن عناية الشيعة الإمامية بهذا الكتاب واهتمامهم به أنّهم شرحوه أكثر من عشرين مرّة ، وتركوا ثلاثين حاشية عليه ، ودرسوا بعض اُموره ، وترجموه إلى غير العربية ، ووضعوا لأحاديثه من الفهارس ما يزيد على عشرات الكتب ، وبلغت مخطوطاته في المكتبات ما يبلغ على ألف وخمسمائة نسخة خطّيّة ، وطبعوه ما يزيد على العشرين طبعة . ومن المؤسف أنّ الكافي وشروحه وحواشيه لم تحقّق تحقيقا جامعا لائقا بها ، مبتنيا على اُسلوب التحقيق الجديد . على أنّ كثيرا من شروحه وحواشيه لم تطبع إلى الآن وبقيت مخطوطات على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة ، بعيدة عن أيدي الباحثين والطالبين. هذا ، وقد تصدّى قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث تحقيق كتاب الكافي ، وأيضا تصدّى في جنبه تحقيق جميع شروحه وحواشيه _ وفي مقدّمها ما لم يطبع _ على نحو التسلسل. ومنها هذا الشرح الذي بين يديك، وهو شرح مسهب لكتاب الكافي ، لمؤلّفه محمد مجذوب التبريزي، والذي اختلف المصادر في أوصافه وعناوينه رغم الاتّفاق على اسمه ولقبه، والمعروف عنه أنّه كان شاعرا مجيدا . وهو أحد تلامذة المولى خليل القزويني وقد تأثّره بأفكاره، وكان متأثرا أيضا بالمولى محمّد أمين الاسترآبادي والسيّد حسن القائني، وكان كثيرا مّا ينقل عن شروحهم ويعتمد عليها، كما أنّه ينقل عن حاشية الميرزا النائيني مرارا وتكرارا، وهكذا نراه ينقل بعض كلمات ملا صدرا والمرحوم الفيض الكاشاني ، ويردّها تارة ويعتمدها اُخرى. وقد جاء هذا الشرح على شكل عناوين مرتّبة بصورة : «هدية»، «هدية» بعد ذكر كلّ حديث من أحاديث الكافي، وهو شرح تناوله فيه كتاب الكافي بكامله على ما ذكره في مقدّمة الكتاب، وقد شخّصت بعض نسخه الخطّية إلّا أنّ أكثرها لا زال مجهولاً والذي وصل إلينا لحد الآن هو شرحه على كتاب العقل وفضل العلم وكتاب التوحيد وكتاب الحجّة، وهو ما قمنا بتحقيقه وتصحيحه، وسنقوم - إن شاء اللّه - بتحقيق ما وصل إلينا بالترتيب، كما ونسعى للحصول على بقيّة النسخ كي نصل إلى تحقيق الكتاب بكامله إن شاء اللّه . وبهذا يفتخر مركز بحوث دار الحديث بتقديم هذه الخدمة الجليلة لروّاد العلم، ويقدّم هذا الكتاب هديّة متواضعة لمكتبة أهل البيت عليهم السلام ، راجيا أن يجعل اللّه هذا الجهد ذخرا لجميع العاملين فيه في تلك الدار الدائمة الأبديّة التي لا ينفع فيها مال و لا بنون، إنّه سميع مجيب. قسم إحياء التراث مركز بحوث دار الحديث

.

ص: 6

. .

ص: 7

مقدّمة التحقيق

المؤلّف: اسمه ونسبه

مقدّمة التّحقيقالمؤلّف: اسمه ونسبهالذي اتفقت عليه المصادر هو أن اسمه محمّد مجذوب التبريزي، وأما بقية أوصافه وعناوينه فقد اختلفت المصادر فيما بينها، فقد ذكرت له الأسماء والأوصاف التالية: «حاجي محمّد بن محمّد التبريزي»؛ مقدّمة روضة الأذكار و رياض الزاهدين. «المولى الميرزا محمّد مجذوب تخلّص»؛ قصص الخاقاني. «الميرزا محمّد مجذوب تخلص التبريزي»؛ تذكرة النصرآبادي. «المولى الميرزا محمّد التبريزي المعروف بالمجذوب»؛ رياض العلماء. كما كتب في أوّل نسخة لكتاب الهدايا ما نصّه: «المجلّد الثالث من كتاب الهدايا و سرّ من رأى، تأليف مولى الفضلاء الميرزا محمّد المشتهر بمجذوب التبريزي، دام ظلّه و أيّام إفاداته». (1) فهذه المصادر الخمسة ذكرت عنوان «مجذوب» واسم أبيه وألقابه، فالأوّل والثاني منهما من تعبير مجذوب نفسه، والثلاثة التالية هي تعابير معاصريه. و لكن ذكر محمّد عليّ خان تربيت في دانشمندان آذربايجان أنّ لقبه «شرف الدين»، و اسم أبيه «محمّد رضا»، فقال : «شرف الدين الميرزا محمّد بن محمّد رضا تبريزي مجذوب»، إلاّ أنه _ و للأسف الشديد _ لم يسند ما ذكره إلى شيء من المصادر، والمصادر القديمة لا تؤيّد ما ذكره. ثمّ تسرب هذا اللقب والاسم من هذا الكتاب إلى كتب اُخرى لاحقة. (2) وقد تردّد المدرس التبريزي في ريحانة الأدب في اسمه بين «محمّد» و «محمّدرضا». (3) جدير بالذكر أنّ مجذوب له ولد يدعى «الميرزا محمّد رضا» هو الذي كتب «إتمام الحجّة» للسلطان حسين الصفوي، و للميرزا محمّد رضا ولد يدعى «الميرزا محمّد»، توجد بخطّه كتابة على ظهر نسخة من كتاب «إتمام الحجّة» تأريخها سنة 1125 ق، والذي يظهر أنّ لقب «شرف الدين» الذي ذكره محمّد علي خان تربيت متعلّق به، فاسمه «محمّد بن محمّد رضا بن محمّد مجذوب التبريزي» ويلقّب بشرف الدين، و اسم والد مجذوب هو محمّد، كما ذكر هو ذلك في مقدّمة كتاب «رياض الزاهدين».

.


1- . الذريعة، ج 25، ص 161.
2- . اُنظر على سبيل المثال كتاب الذريعة حيث ذكره بعنوان «شرف الدين ميرزا محمّد بن محمّد رضا التبريزي المتخلّص بمجذوب» (الذريعة، ج 9، ص 963).
3- . عبارة ريحانة الأدب (ج 5، ص 188) هي كالتالي: «ميرزا محمّد أو ميرزا محمّد رضا بن محمّد التبريزي».

ص: 8

أحواله الظاهرية

أحواله الظاهريةلا توجد معلومات وافية فيما يتعلّق بحياته، و إنّما تنحصر معلوماتنا حوله فيما ذكره النصرآبادي و ولي قلي شاملو من معاصريه، مضافاً للمعلومات التي يمكن الحصول عليها من مؤلّفاته. وعلى أساس المعلومات المذكورة فإنّه كان مشهورا بالشعر، و كان يتخلّص في أشعاره باسم «مجذوب»، و قد تبع في اُسلوبه اُسلوب الشاعر «حافظ الشيرازي». كما أنّه كان في تبريز مدرّسا لطلّابها، وقد حضر الفضلاء مجلس درسه. وذكر في «رياض العلماء» أنّه من تلاميذ المولى خليل بن غازي القزويني، إلاّ أنه لم يذكر عن حياته شيئاً آخر. والكتب المذكورة له في المصادر المدوّنة في عصر مجذوب هي جميعاً منظومة، و لا نثر فيها. وقيل في شأن مجذوب: إنّه شاعر صوفيّ المسلك إلاّ أنه يراعي ويحافظ على اُصول المذهب، وسافر لحجّ بيت اللّه الحرام مرّتين، كما زار العتبات المقدّسة في النجف و كربلاء، وله مدائح في أهل البيت عليهم السلام . و يظهر من مؤلّفاته تأثّره بالصوفيّة والفلاسفة، و هي لا تنسجم مع مسلكه الأدبي الشعري . إلاّ أن هذا الاستبعاد قد لا يكون في محلّه للأمور التالية: 1. هو من تلاميذ المولى خليل القزويني، و هو من علماء عصره الأخباريّين. 2. أنّ النصر آبادي و ولي قلي شاملو اللذين كتبا عن حياته ركزوا على كونه شاعرا، و لهذا فإنّهم ذكروا كتبه المنظومة. 3. يمكن أن نستنبط من لقب «مدرس الطلاب في تبريز» الذي وصفه به النصرآبادي أنّه كان كثيراً ما يزاول الكتب الدينيّة والمذهبيّة. 4. توجد على بعض كتب الأخبار حواشٍ عليها توقيعه بعنوان «مجذوب» و «مجذوب سلمه اللّه »، و هي شاهدة على اهتمامه بالحديث. عاش مجذوب في تبريز فترة طويلة اشتغل خلالها بالتدريس، ثمّ سافر إلى قزوين سنة 1085 ق للقاء السلطان سليمان الصفوي، فنصبه السلطان مدرّسا في مدينة شماخي، فسافر إليها مجذوب، و اشتغل بالتدريس فيها، و خلال تلك الفترة لخّص كتاب «روضة الأذكار» و سمّاه «رياض الزاهدين»، وهو آخر ما نعرفه عن مجذوب، و قد ألّفه سنة 1089 ق . ولا توجد عندنا معلومات عن مجذوب بعد هذا التأريخ، ولا نعلم هل أنّه رجع إلى تبريز أم بقي في شماخي.

.

ص: 9

وفاته

وفاتهبعد أربع سنوات من تأليف كتاب «رياض الزاهدين» رحل مجذوب عن هذه الدنيا وذلك في عام 1093 ق، و نحن مدينون للسيّد حسين النخجواني في معرفة تأريخ وفاة مجذوب. فذكر النخجواني في «مواد التواريخ» في مادّة تأريخ مجذوب الأبيات التالية: مجذوب از آن رفت به صد خوشحاليدر باغ نعيم بوده جايش خالي تاريخ وفاتش از خرد پرسيدمگفتا آسود در بهشت عالي (1) وفيما يتعلّق بمحلّ دفنه لم نجد شيئاً في المصادر، كما لم يبدِ أحداً رأيه في هذا المجال.

.


1- . مواد التواريخ، ص 382.

ص: 10

مكتبة مجذوب

تقويم حياة مجذوب

مكتبة مجذوبكان لمجذوب في تبريز مكتبة شخصية، كتب همايونفرخ حول هذه المكتبة قائلاً: كتابخانه مجذوب تبريزى: شرف الدين محمّدرضا تبريزى متخلص به مجذوب از علما و شعراى عارف قرن يازدهم است كه محضرش پيوسته مجمع طالب علمان و دانش پژوهان بوده است. در منزلش كه به صورت خانقاه در تبريز دائر بوده كتابخانه اى فراهم آورده بود كه مورد استفاده طالب علمان قرار مى گرفته. مثنوى معروف به شاهراه نجات از اوست كه به سال 1063 سروده است. كتاب هايى از كتابخانه متعلق به كتابخانه مجذوب تبريزى در كتابخانه مجلس شوراى ملى موجود است. (1) و كما تقدم آنفاً فإنّ ما ذكره همايونفرخ من اسم مجذوب ليس صحيحاً، و اسمه الصحيح هو محمّد.

تقويم حياة مجذوببناء على ما في أيدينا من معلومات حول حياة مجذوب فإنّه يمكننا إبداء التقويم التاريخي لنشاطاته كالتالي: سنة 1063 ق أتمّ جمع ديوان شعره. سنة 1067 ق أتمّ تأليف كتاب مثنوي شاهراه نجات. سنة 1081 ق أتمّ تأليف كتاب روضة الأذكار. سنة 1083 ق (شهر رمضان) أتمّ شرح كتاب الحجّة من كتاب الهدايا. سنة 1085 ق السفر إلى شماخي بهدف التدريس. سنة 1088 ق أتمّ تأليف كتاب التأييدات. سنة 1089 ق أتمّ تأليف كتاب رياض الزاهدين. سنة 1093 ق رحيله عن عالم الدنيا.

.


1- . كتاب و كتابخانه هاى شاهنشاهى ايران از صدر اسلام تا عصر كنونى، ركن الدين همايونفرخ، ج 2، ص 153.

ص: 11

أساتذته

مجذوب من منظار المعاصرين وأصحاب التراجم والسير

أساتذتهبما أنّ مجذوب من معاصري العلّامة المجلسي قدس سره فيحتمل قويّا أن يكون بعض مشايخ المجلسي هم من مشايخه أيضا، إلّا أنّ الذي صرّح بكونه من مشايخه هو المولى خليل بن غازي القزويني (1089 ق). فذكر الأفندي في رياض العلماء (1) ضمن بيانه لحياة المولى خليل بن غازي أنّ مجذوب هو أحد تلاميذه. مضافا إلى ذلك فإنّ مجذوب قد نقل عن المولى خليل القزويني في كتاب الهدايا وعبّر عنه بأستاذه. وصرّح أيضا في هذا الكتاب بأن الاسترادي أيضا من أساتذته وقال: «سمعت استاذي الفاضل المحقق ميرزا محمد الاسترابادي». كما نقل كثيرا في الهدايا عن السيد حسن القائني وصرّح في مورد هكذا: «سمعت السيد السند أمير حسن القائني» و هذه العبارة تشهد بأنّه كان من مشايخه أيضا. كما يظهر ممّا كتبه مجذوب في كتاب روضة الأذكار _ والذي يدور حول فضائل دعاء التوسّل _ أنّ المولى أحمد الساوجي كان من أساتذته أيضا. (2)

مجذوب من منظار المعاصرين وأصحاب التراجم والسيركتب ولي قلي بن داود قلي شاملو المعاصر لمجذوب ما يلي: از اين گروه صاحب شكوه _ شاعران عهد شاه عباس صفوى _ كه گنجينه شعور را دربسته به تصرّف حسن به زيور جگر گوشه هاى خانواده فكر داده اند خدّام ملا ميرزا محمّد مجذوب تخلص است كه به همت جذبه مغناطيس شوق جواهر معانى رنگين را در مدح حضرات ائمّه معصومين به رشته نظم كشيده و از اين راه طالب شاهراه نجات گرديده است. مشار اليه، تبريزى الاصل و در فنّ شاعرى، زبر دست است. از خوان احسان فضيلت، بهره اى تمام دارد. از بسيارى فصاحت و بلاغت، عندليب غزلسراى گلستان بوستان نظم و نثر شده، در غزل خود را تابع خواجه حافظ شيرازى مى داند. مثنويى دارد موسوم به شاهراه نجات، موازى سه هزار بيت. اين بيت از جمله مثنوى مذكور است: نجف است اين دگر چه مى پرسى؟عرش اينجا نشسته بر كرسى ابيات مدوّن او از ده هزار بيشتر است. از جمله اشعارش اين چند بيت است كه نوشته مى شود: آسمان را سجده خاك درت مدهوش كردروز و شب را شوق اين در، كربلايى پوش كرد (3) كما أنّ محمّد طاهر النصرآبادي الأصفهاني _ والذي كتب تذكرته في 1083 حتّى 1112 ق _ كتب حول مجذوب قائلاً: ميرزا محمّد، مجذوب تخلص تبريزى، طالب علم خوبيست در كمال وسعت مشرب و اهليت، ذوق تصوفش بى نهايت است و طلبه تبريز هر روز از مدرسش فيض مى برند. مثنوى دارد مسمى به شاهراه نجات و تاريخى گفته جهت اتمام آن مثنوى كه بيت تاريخش اين است: بهر تاريخش آنكه دُرها سفتشاهراه نجات دل ها گفت (4) ثمّ ذكر نماذج من أشعار مجذوب، ستأتي تباعاً في نماذج من شعره. وذكر الميرزا عبد اللّه الأفندي في رياض العلماء ضمن بيانه لحياة المولى خليل القزويني (المتوفّى 1089 ق) فذكر أثناء بيان تلاميذه : «وكان له طلّاب فضلاء، أفردت بعضهم بترجمة خاصّة» ثم ذكر عدداً من الذين لم يفردهم بتراجم خاصّة ومن جملتهم مجذوب، فذكره كالتالي: «والمولى الميرزا محمّد التبريزي المعروف بالمجذوب». (5) وكتب اسماعيل باشا البغدادي في «إيضاح المكنون» بيليوغرافيا لكتاب «شاهراه نجات» (6) الذي هو من تآليف مجذوب، كما كتب حوله في كتاب «هدية العارفين» ما يلي: مجذوب التبريزى: ميرزا محمّد التبريزي الصوفي الشاعر المتخلّص بمجذوب، المتوفّى سنة... (7) بعد الألف. له ديوان شعر فارسي. شاهراه نجات منظومة فارسية في الطريقة والسلوك. (8) كما كتب شمس الدين السامي في كتابه قاموس الأعلام (9) حول مجذوب قائلاً: مجذوب: ميرزا محمّد، تبريزلى اولوب، صوفى مشرب و عالم بر شاعر ايدى. اون برنجى قرن هجريده يا شامشدر. شاهراه نجات عنوانيله بير منظومسى واردُر. شو بيت جمله اشعار ندر: ترك ديوانگى از طعنه مردم نكنمشهر گر تنگ بود دامن صحرايى هست (10) وكتب محمّد علي تربيت في دانشمندان آذربايجان حول مجذوب ما يلي: شرف الدين ميرزا محمّد بن محمّد رضا تبريزى مجذوب: از علماى معروف قرن يازدهم هجرى است در وسعت مشرب و سلوك و كثرت ذوق تصوف بر كمال بوده، طالب تبريز هر روز در حلقه درس وى از بيانات شيرين وى فيض ها مى برده اند، غزليات و مثنويات سليس و روانى منظوم فرموده اند، تأليف ديوانش در تاريخ 1063 خاتمه پذيرفته و سه مثنوى هم در بحور خفيف و رمل و متقارب گفته است. گره بسته اى داشت طفلى به دستبيفكند و اندر كمينش نشست روان طفل ديگر ربودش ز جاچو بگشود در وى نبد جز هوا گره بسته دنيا و طفل آن دنى استبگويش كه چيزى در آن بسته نيست ثمّ ذكر ثلاثة أبيات شعرية كنموذج لأشعار مجذوب، كما ذكر له من المؤلّفات كتاب «شاهراه نجات» و كتاب «التأيدات»، ثمّ نبّه على أنّ مجذوب المذكور هو غير الحاج محمّد جعفر خان القراگوزلو الملقّب بمجذوب علي شاه. 11 وذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني في كتاب طبقات أعلام الشيعة مجذوب وابنه في ثلاث مواضع، وخلط بين حياتيهما، (11) كما ذكر مؤلّفاته في كتابه الذريعة في مواضع عديدة. (12)

.


1- . رياض العلماء، ميرزا عبد اللّه الأفندي، ج 2، ص 263.
2- . فهرست كتب خطى كتابخانه مركزى و مركز اسناد آستان قدس رضوى، ج 15، محمد وفادار مرادى، ص 223.
3- . قصص الخاقانى، ولى قلى بن داود قلى شاملو، ج 2، ص 73.
4- . تذكره شعرا، محمّد طاهر نصرآبادى اصفهانى، ص 192 _ 193.
5- . رياض العلماء، ميرزا عبد اللّه الأفندي، ج 2، ص 263.
6- . ايضاح المكنون، اسماعيل باشا البغدادي، ج 2 ، ص 39.
7- . في المصدر بياض.
8- . هدية العارفين، اسماعيل پاشا بغدادى، ج 2، ص 268.
9- . قاموس الأعلام، شمس الدين السامي، ج 6، ص 4169.
10- . قاموس الأعلام، شمس الدين سامى، ج 6، ص 4169.
11- . طبقات أعلام الشيعة، الشيخ آغا بزرگ الطهراني (القرن 11)، ص 502 تحت عنوان «محمّد التبريزي : شرف الدين بن محمّد رضا» و (القرن 12)، ص 263 ج 264 تحت عنوان «محمّد رضا التبريزي بن محمّد مجذوب» وعد «روضة الاذكار» و «مناسك الحج» و «المزار» من مؤلفاته، و ص 649 تحت عنوان «محمّد التبريزي المعروف بشرف الدين مجذوب».
12- . الذريعة، ج 7، ص 155 و ج 9، ص 963، و ج 11، ص 287، و ج 20، ص 321، و ج 22، ص 273.

ص: 12

. .

ص: 13

. .

ص: 14

المصادر الاُخرىمضافاً للمصادر المتقدّمة فقد ورد ذكر مجذوب في مصادر اُخرى أيضا، وهي في الغالب تكرار للمذكور في المصادر السابقة، والمصادر التي ذكرته هي بحسب الترتيب الألفبائي كالتالي: أثر آفرينان _ وهو لبيان حياة الشخصيّات العلميّة الإيرانيّة حتّى عام 1300 ش _ تحت إشراف عبد الحسين نوايي، ج 5، ص 127. تأريخ أدبيّات، ذبيح اللّه صفا، ج 5، ص 1316 _ 1320. تذكره پيمانه، أحمد گلچين معاني، ص 465 _ 472. خاتمة مرآة جهان نما، محمّد بقاي سهار نبوري (مخطوطة)، الورقة 116. (1) دانشمندان آذربايجان، محمّد علي تربيت، ص 326 _ 327. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، الشيخ آغا بزرك الطهراني، ج 9 ص 963 _ 964. رياض الشعراء، علي قلي خان واله داغستاني (مخطوطة)، الورقة 387. (2) رياض العارفين، رضا قلي خان هدايت، ص 135. رياض العلماء، الميرزا عبد اللّه الأفندي، ج 2، ص 263. ريحانة الأدب، الميرزا محمّد علي المدرس التبريزي، ج 5 ، ص 188. سخنوران آذربايجان، عزيز الدولت آبادي، ص 641. طبقات أعلام الشيعة، الشيخ آغا بزرك الطهراني (القرن 11)، ص 263 و 502، و (القرن 12) ص 649. صبح گلشن، السيّد علي حسن خان صاحب بهادر الحسيني القنوجي البخاري، ص 363 _ 364. صحف إبراهيم، علي إبراهيم خان المتخلّص بخليل (مخطوطة) الورقة 283. (3) فرهنگ بزرگان اسلام وايران، آذر تفضّلي و مهين فضائلي جوان، ص 584. فرهنگ سخنوران، عبد الرسول خيام بور، ص 510. فهرست مشترك نسخه هاي خطّي، أحمد منزوي، ج 8 ص 1661. فهرست نسخه هاي خطّي كتابخانه دانشگاه طهران، محمّد تقي دانش پژوه، ج 2، ص 68 _ 69. فهرست نسخه هاي خطّي كتابخانه مجلس شوراي اسلامي، المجلّد 3، ابن يوسف الشيرازي، ص 638 _ 639. قاموس الأعلام، شمس الدين السامي، ج 6، ص 4169. قصص الخاقاني، ولي قلي بن داود قلي شاملو، ج 2، ص 73. لغت نامه دهخدا، تحت عنوان «مجذوب تبريزي». مدرس شاه سليمان صفوي در شهر شماخي، اعتمادا على ما ورد في مقدّمة «رياض الزاهدين»، رسول جعفريان : (مقال، نشر في مجلّة «آينه ميراث»، العدد 36 _ 37 ربيع و صيف عام 1386 ش، ص 162 ج 170). منظومه هاي فارسي، الدكتور محمّد علي خزانه دارلو، ص 507 _ 511 والذي عرّف «مثنوي خزائن الفوائد» و «شاهراه نجات». موادّ التواريخ، الحاج حسين النخجواني، ص 384.

.


1- . نقلاً عن فرهنگ سخنوران، ص 510.
2- . نقلاً عن فرهنگ سخنوران، ص 510.
3- . نقلاً عن فرهنگ سخنوران، ص 510.

ص: 15

. .

ص: 16

مؤلفاته

مؤلفاتهيمكن تقسيم المؤلّفات المنسوبة لمجذوب إلى قسمين: النظم و النثر، إلاّ أنه ينبغي التنبيه على نقطتين قبل ذكر المؤلّفات: 1. أنّ المنظومات قطعيّة النسبة إلى المؤلّف؛ فقد أورد في «تذكرة الشعراء» _ وهو لأحد معاصريه _ ديوان المثنويّات تحت عنوان المترجَم. 2. الكتب الاُخرى المنسوبة إليه، نسبها البعض إلى «محمّد بن محمّد رضا مجذوب التبريزي»، فيما نسبه آخرون لولده «محمّد رضا بن محمّد بن محمّد رضا مجذوب التبريزي» والذي يشابه جدّه في الاسم. وسنشير أوّلاً لكتبه المنظومة، ثمّ نذكر بقيّة مؤلّفاته: 1. ديوان اشعار: ويشمل أشعاراً متنوّعة ضمن خمسة آلاف بيت. (1) بداية غزله: إلهي عبدك العاصي أتاكامقرّا بالذنوب قد دعاكا فإن تغفر فأنت أهل لذلكوإن تطرد فمن يرحم سواكا وبداية الترجيع: روزي كه فلك بساطت آراسترخصت زعلي گرفت و برخواست از دامنش آسمان چوگرديبر خاك درش نشست و برخاست (2) وأشار إلى تأريخ كتابة الديوان بالأبيات التالية: پس تاريخ اين ديوان محشركه خواني باشد از لعل و گهر پر سروش عالم غيبم به گوشمندا در داد و گفتا خوان پُر دُر [= 1062]

.


1- . الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج 9، ص 963 _ 964؛ ايضاح المكنون، ج 1، ص 528.
2- . أوردناه من نسخة مجلس الشورى المرقمة برقم 4418.

ص: 17

نسخه:أ. مكتبة المجلس السنا السابق، برقم 649، وتشتمل على القصائد والغزل والرباعيّات على حسب حروف الهجاء، وكاتب النسخة هو محمّد خان القزويني، بتأريخ: رجب 1072 ق (فهرس المكتبة، ج 1، ص 410). ب. مكتبة جامعة طهران، برقم 3919، وتشتمل على الغزل والترجيع في الثناء على الأئمّة، وسلسلة اللآلي و مسلك النجاة، والحكايات، و التمثيل والتواريخ وتضمّ حوالي 5000 بيت شعر، وكاتب النسخة هو محمّد شفيع التبريزي بتأريخ 1078 ق (فهرس المكتبة، ج 12، ص 2907 _ 2908). ج. مكتبة جامعة اصطنبول، برقم 988، القرن 11 (فهرس المكتبة، ص 434). د. المكتبة الوطنيّة في تبريز، برقم 2789، وتشتمل على الغزل والترجيع والرباعيات وقد كتبت بتأريخ 15 شعبان 1127 ق (فهرس المكتبة، ج 2، ص 648 _ 649). ه . مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 37/14145، وتشتمل على بعض الغزل، وقد تمّ تملكها بتأريخ 1148ق (فهرس المكتبة، ج 38، ص 180). و. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 29/14418، وتشتمل على الغزل والترجيع، كتبت بتأريخ 1263ق (فهرس المكتبة، ج 38، ص 556 _ 557). ز. مكتبة العلّامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1193، كتبت بتأريخ: السبت 8 شوال 1311 ق (نسخه پژوهي، ج 2 ص 165). ح. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 1/1185، وتشتمل على الغزل والرباعيّات، (فهرس المكتبة، الطبعة الاُولى، ج 3، ص 638 _ 639 و 664). ط. مكتبة جامعة طهران، برقم 2/195 (فهرس المكتبة، ج 2، ص 68). ي. مكتبة جامعة طهران، برقم 2/4375 (فهرس المكتبة، ج 13، ص 3341). ك. مكتبة الگلبايگاني، برقم 1730 وتشتمل على الترجيع ضمن مجموعة (فهرس المكتبة، ج 3، ص 32). كما أشير في كتاب فهرست مشترك پاكستان إلى ستّ نسخ (ج 7، ص 930 _ 931). وقد طبع ديوان مجذوب التبريزي في لاهور، منشورات حيدري پريس، وليس عليها تأريخ الطبعة، وهي نسخة مأخوذة من مخطوطة الحكيم نادر علي رعد الساكن في حيدر آباد الدكن والمطبوعة سنة 1066 ق ضمن 64 صفحة. (1) كما طبع الديوان في طهران مرّتين إلّا أنّه وقع الخطأ فيها، فجعل تحت عنوان «ديوان مجذوب علي شاه» (الحاج السيد محمّد جعفر بن صفر خان كبودر آهنگي الهمداني المتوفى سنة 1239ق، والملقب بمجذوب علي شاه)، (2) مع أنّ نائب الصدر صرح في «طرائق الحقائق» أنه لم ينقل عن مجذوب علي شاه إلاّ ثلاثة أبيات شعرية هي: من نگويم خدمت زاهد گزين يا مى فروشهر كه حالت خوش كند، در خدمتش چالاك باش *** ز خاموشى بريدم من زبان هرزه گويان رادو لب بر هم نهادم، كار شمشير دو دم كردم 2. «راه نجات» أو «شاهراه نجات»: هو من الشعر المثنوي العرفاني ويتضمّن ثلاثة آلاف بيتاً حول أداب السلوك إلى اللّه ، (3) و بدايته: اين كتاب از توجه حضراتشد مسمى به شاهراه نجات يار آينه اي مي خواستالتفاتش بهانه اي مي خواست ونهايته: راه اين ومنزل اين و نامه تمامگفتمت و السلام و الاكرام وأشار الى تأريخ كتابته بالبيت التالي: بهر تاريخ آنكه درها سفتشاه راه نجات دل ها گفت

.


1- . فهرست كتاب هاي فارسي چاپ سنگي و كمياب، مكتبة گنج بخش (مركز التحقيقات الفارسية في إيران و الباكستان، اسلام آباد) السيد عارف نوشاهي، ج 2، ص 1296.
2- . الطبعة الاُولى سنة 1331 ش في طهران من قبل مؤسسة خاور وبحجم رقعي ضمن 163 صفحة، والطبعة الثانية هي بحجم رقعي أيضاً، نشرتها مؤسسة إقبال، في سنة 1341 ش ضمن 251 صفحة. راجع: فهرست كتاب هاي چاپي، خانبابامشار، ج 2، ص 2365 . وأوّل من أخطأ في نسبة ديوان مجذوب إلى مجذوب علي شاه هو الاُستاذ احمد گلچين معاني في كتاب تذكرة پيمانه، ص 466، و فهرست نسخه هاي آستان قدس رضوي، ج 7، ص 230.
3- . الذريعة، ج 13، ص 15، و ج 19، ص 217؛ إيضاح المكنون، ج 2، ص 39؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، أحمد المنزوي، ج 4، ص 2934.

ص: 18

. .

ص: 19

نسخه:أ. مكتبة جامعة طهران، برقم 2/3006، تاريخ كتابتها 1108 ق (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1935). ب. مكتبة جامعة طهران، برقم 5/4118، تاريخ كتابتها 1133 ق (فهرس المكتبة، ج 13، ص 3097). ت. المتحف الوطني في كراچي الباكستان، برقم 912 _ 1957 N.M تاريخ كتابتها 1132 (فهرست مشترك پاكستان، ج 7، ص 931). ث. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 9565، تاريخ كتابتها القرن 11 ق. ج. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 5216، تاريخ كتابتها القرن 11 ق، (فهرس المكتبة، ج 16 ص 48). ح. مكتبة العلّامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1335، تاريخ كتابتها القرن 13 ق (نسخه پژوهي، ج 2، ص 174). خ. المتحف البريطاني، برقم 57011700، (، ج 4، ص 687). 3. تأييدات: منظومة تشتمل على بحث التوحيد والأحاديث الدالّة على على إمامة الأئمّة الأطهار عليهم السلام والثناء عليهم، وقد كتبها للسلطان سليمان الصفوي (1077 _ 1105ق) ضمن 314 مقطع يضمّ كلّ منها سبعة أشطار. وبدايته: اين درج پر از جواهر تحقيقاتباشد نام مباركش تأييدات بيچون چون بود پيش از ايجاد جهانبا خلق جهان نيز همانست همان نفزود جهان ساختنش عزت و شأناو با همه و بى همه باشد سلطان الان كما كان كمان كان الآنبى جا همه جا يكيست پيدا و نهان اينست ره معرفت ذات و صفات ونهايته: هر فرقه رهي گزيد حق دانندشبا مهر علي و يازده فرزندش دين، دين نبي است بر محمّد صلوات

.

ص: 20

نسخه:أ. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 1/7857، نجفقلي بن محمّد رضا، السبت 17 شوال 1283 ق (فهرس المكتبة، ج 26، ص 336 - 337). ب. مكتبة المشهد الرضوي، برقم 4463، القرن 11 (فهرس المكتبة، ج 7، ص 230). ت. مكتبة المشهد الرضوي، برقم 8798، 1255 ق (فهرس المكتبة، ج 7، ص 231). ث. مكتبة گنج بخش في الباكستان، برقم 8368، رمضان 1206 ق (فهرست مشترك پاكستان، ج 7، ص 929). ج. مكتبة العلّامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1457، الجمعة 16 جمادى الاُولى 1245 ق (نسخه پژوهي، ج 2، ص 121). وتأريخ هذه المنظومة على أساس حساب الأعداد لجملة «ودايع توفيقات» و كذا «عوايد توفيقات» هو 1088 ق. (1) 4. خزاين الفوائد: منظومة واسعة في التوحيد و النبوة والإمامة، مع ذكر الأحاديث. (2) أوّلها: بحريست لباب از فرائدشد نام خزائن الفوائد سبحان اللّه عز شانهمن عزّ و عمّ امتنانه و آخرها: از لشگر ظلمت است دوزخعمر ابد و بهشت از ماست القصد هر آن چه كرد موليفرموده كردگار يكتاست

.


1- . الذريعة، ج 9، ص 963؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، أحمد المنزوي، ج 4، ص 2705.
2- . فهرست مشترك نسخه هاي خطي، احمد المنزوي، ج 4، ص 2784؛ الذريعة، ج 8 ، ص 155 و ج 19، ص 165.

ص: 21

نسخه:أ. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 8932، في حياة المؤلّف 1077 ق. ب. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 13468 (فهرس المكتبة، ج 36، ص 421 - 422). ت. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 13494 (فهرس المكتبة، ج 36، ص 450 - 451). ث. مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم 15226، 20 محرم 1257 ق. ج. مكتبة جامعة طهران، برقم 5989. ح. مكتبة جامعة طهران، برقم 6063. خ. مكتبة جامعة طهران، برقم 8845 . د. مكتبة جامعة طهران، برقم 1/3006 (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1935). ذ. مكتبة الملك، برقم 5473، القرن 12 ق. ر. مكتبة جامعة تربيت مدرس في طهران، برقم 122 (نشرية، ج 5، ص 624). ز. المكتبة الوطنية في تبريز، برقم 2547 (فهرس المكتبة، ج 1، ص 453). س. مكتبة العلامة الطباطبائي في شيراز، برقم 1273، القرن 12 ق (نسخه پژوهي، ج 2، ص 156). ش. مكتبة المتحف البريطاني، برقم 5706316 (نشرية، ج 4، ص 683). ص. مكتبة گنج بخش في الباكستان، برقم 12650، القرن 11 و 12 ق (فهرست مشترك پاكستان، ج 7، ص 929 - 930). 5. ساقي نامه: هي جزء من ديوانه، و توجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشوري الاسلامي برقم 1185، و نسخة اُخري في مكتبة جامعة طهران برقم 3919. وبدايته: چه پيچي در اين عالم پيچ پيچكه خاليست از راحت و پر ز هيچ گره بسته اي داشت طفلي به دستفكند از كف و در كمينش نشست وقد طبع ضمن كتاب «تذكرة پيمانة» (1) 6. مثنوي: ذكر للمترجم في فهرست منزوي كتابان بعنوان «مثنوي»، وهما غير كتابي «التأييدات» و «شاهراه نجات»، و تبتدئ إحداهما بما يلي: أي بر احديت تو بر حقكونين دو عادل موثق (2) و النسخة الأخري له فيها سقط و نقص من بدايتها و نهايتها، فاحتمل المفهرس أن تكون نسخة لكتاب خزائن الفوائد، و أوّل هذه النسخة هو: و همست ز سعي خود نگونساراز اوج خورند چون سمينار و آخرها: با عجز تمام و شوق بي تابتا از مولا گرفتم از طاب (3) توجد نسخة من هذا في مكتبة ملك، برقم 5473 (فهرس المكتبة، ج 2، ص 722). 7. منهاج الحقائق: منظومة عرفانية، (4) بدايتها: اي شده محبوس در دام آرزونيست چيزي كز گره در دام او اين همه موج سراب است، آب نيستتا نبيني بد، نكو بنگر نكو و آخرها: بسان شهي كز سجود درشفزون از ملايك بود عسكرش و النسخة الوحيدة لهذا الكتاب هي في مكتبة جامعة طهران برقم 3006، الرسالة الخامسة، تأريخ كتابتها 1108 ق، ضمن كليات مجذوب (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1936). 8. مسلك النجاة: منظومة عرفانية قصيرة، أوّلها: صاحب نشوي گر تو زمين را و زمان راشيرازه كه بندد به هم اجزاي جهان را (5) وخاتمتها: رو به آن روضه بهشت آيينسر به آن آستان فيض آثار ولحد الآن تمّ التعرّف علي نسختين لهذا الكتاب في مكتبة جامعة طهران برقم 4/3006 و 3919 (فهرس المكتبة، ج 10، ص 1936). 9. روضة الأذكار، في أعمال اليوم و الليلة، و أعمال الأسبوع و الشهر، و الزيارات و الأدعية المختلفة، باللغة الفارسية . و قد ذكر مجذوب نفسه في هذا الكتاب بعنوان «الحاج محمّد بن محمّد التبريزي»، و ذكر كتابه مناسك الحج، كما ذكر كتاب المزار الذي كان من المقرّر أن يؤلّفه. (6) هذا الكتاب يحتوي علي مقدمة و اثني عشر باباً و خاتمة بالترتيب التالي: المقدمة: في الترغيب في الدعاء و آدابه، و تشتمل علي سبع مقامات. الباب الأول: في أعمال اليوم و الليلة، و يشتمل علي خمس فصول. الباب الثاني: في أعمال أيّام الأسبوع، و يشتمل علي أربع فصول. الباب الثالث: في أعمال الأشهر، و يشتمل علي مقدّمة و اثني عشر فصلاً و خاتمة. الباب الرابع: في زيارات المعصومين، و يشتمل علي مقدّمة و اثني عشر فصلاً و خاتمة. الباب الخامس: في الأعمال و الأدعية المختلفة، و يشتمل علي خمس فصول. الباب السادس : في الأدعية الخاصّة للأمن من السحرة والأبالسة، و يشتمل علي فصلين. الباب السابع : فيما يتعلّق بالحفظ من المحذورات، و يشتمل علي أربع فصول. الباب الثامن : في آيات الحفظ و الشفاء، و يشتمل علي فصلين. الباب التاسع : فيما يعيّن علي حفظ القرآن و العلوم، و يشتمل علي فصلين. الباب العاشر : في الاسم الأعظم و الأسماء الحسني، و يشتمل علي أربع فصول. الباب الحادي عشر : في فضائل القرآن، و يشتمل علي ثلاثة فصول. الباب الثاني عشر : في بعض الأدعية و المناجاة. الخاتمة : في بيان فوائد متنوّعة، و فيه عشر فوائد. تأريخ تأليف الكتاب هو سنة 1081 ق. و بدايته: «الحمد للّه الذي دلّ عباده علي الطاعات، و هداهم إلي ما يوجب علوّ الدرجات ... أما بعد چون به مقتضاي آيه: «إن الصلاة كانت علي المؤمنين» ...». و نهايته: «او را غسل دهند و نيت چنين كند كه غسل مي دهم اين ... تقرب به خدا، و مقارن نيت، آب بر سر او بريزند». (7) و قد لخّص مجذوب نفسه هذا الكتاب و سمّاه «رياض الزاهدين». جدير بالذكر أن بعض المصادر نسبت هذا الكتاب لولده «محمّد رضا بن محمّد». (8) 10. رياض الزاهدين: و هو خلاصة لكتاب «روضة الأذكار» للمؤلّف نفسه، و قد ألّفه في أيّام تدريسه في شماخي. (9) و النسخة الوحيدة التي تمّ التعرّف عليها لهذا الكتاب تحفظ في مكتبة شخصية في مدينة اصفهان، و تمّ التعريف بها من قبل السيّد رسول جعفريان. قال المؤلّف في مقدّمته ما يلي: اللاجي إلى ربّه الصمد حاجي محمد بن محمد التبريزى كه بعد از فراغ از تأليف كتاب روضة الاذكار در بيان ادعيه و اوراد ائمه اطهار... تا موافق سنه هزار و هشتاد پنج به امداد بخت بلند و فيروزى طالع ارجمند... در دار السلطنه قزوين به شرف تقبيل... شاه سليمان صفوى... و آن شهريار اين كينه خاكسار و ذره بيمقدار را به پرتو الطاف بى كران سرافراز و به تدريس شماخى بين الاقران ممتاز گردانيد... و آن را مشتمل بر شصت باب و مسمى به رياض الزاهدين در ادعيه و اذكار ائمه طاهرين گردانيد و چون ملاحظه نمود نام منيفش تاريخ تأليف بود. (10) و قد صرّح المؤلّف في هذا الكتاب أنّ تأريخ تأليفه هو بعدد أرقام عنوان الكتاب، و عدد عنوان «رياض الزاهدين» بحسب الحساب الأبجدي هو 1119. (11) و هذا العام لا يمكن أن يكون عام تأليف الكتاب، و ذلك أنّ تأريخ كتابة نسخته الفريدة التي تمّ العثور عليها هو 15 محرم 1116 ق، و هو متقدّم علي التأريخ المذكور. و يبدو في النظر أنّ العنوان المأخوذ بنظر الاعتبار في حساب العدد هو من دون الألف و اللام؛ أي «رياض زاهدين» حيث يكون عدده عندئذ 1088، و هو التأريخ الصحيح علي ما يبدو. 11. حاشية أمالي شيخ صدوق: توجد علي هوامش نسخة من الأمالي للشيخ الصدوق تعليقات بتوقيع «مجذوب سلمه اللّه »، و قد قوبلت هذه النسخة بتأريخ 1087ق، و تحفظ هذه النسخة من الأمالي في مكتبة جامعة الالهيات في مدينة مشهد المقدسة برقم 1874. (12) 12. حاشية عيون أخبار الرضا عليه السلام : كتب مجذوب حاشية علي كتاب عيون أخبار الرضا الذي هو من تأليف الشيخ الصدوق، و قد نقلت هذه الحواشي في ثلاث نسخ من هذا الكتاب هي: أ. قم، مكتبة قائني، الرقم 230، و ليس عليها اسم الناسخ، و قد كتبت في عام 1085ق، و فيها مقدّمة تختلف عن مقدّمة الكتاب في النسخ الاُخري، مضافا لحواشي مجذوب. (13) ب. مشهد، مكتبة مسجد گوهرشاد، برقم 315، و ليس عليها اسم الناسخ، و قد كتبت في سنة 1132 ق و عليها حواشٍ لكلّ من: المجلسي و صالح و «ع ح ي» و مجذوب و غيرهم. (14) ج. قم، مكتبة مدرسة آية اللّه الگلبايگاني، برقم 35/35/6855، و ليس عليها اسم الناسخ و لا تاريخ الكتابة، و فيها قسم حديث الكتابة، تمّت كتابته في عام 1194 ق و في حاشيته تصحيحات و تعليقات بتوقيع «مجذوب سلمه اللّه تعالي». 13. كتاب المزار: (15) كتب في كتاب روضة الأذكار ما يلي: اگر از حيات مستعار قدرى باشد ان شاء اللّه نسخه عليحده در زيارات ائمه اطهار نوشته شود كه مشتمل باشد بر اكثر زيارات مبسوطه. (16) 14. مناسك الحج: (17) ذكره في كتاب روضة الأذكار. (18) 15. حاشية تفسير فخر رازي. (19) 16. الهدايا لشيعة أئمة الهدي: شرح مفصل لكتاب الكافي، و سنوضح هذا الكتاب بتفصيل تباعاً إن شاء اللّه .

.


1- . تذكرة پيمانة، أحمد گلچين معاني، ص 465 _ 472؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 2884.
2- . فهرست مشترك نسخه هاي خطي، احمد المنزوي، ج 4، ص 3133، و توجد نسخة منه في مكتبة المجلس برقم 1173. فهرس مجلس، ج 3، ص 638.
3- . فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 313.
4- . الذريعة، ج 19، ص 310؛ فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 3244 _ 3245.
5- . فهرست نسخه هاي خطي فارسي، احمد المنزوي، ج 4، ص 3202.
6- . فهرست كتب خطي كتابخانه آستان قدس رضوي، ج 5 (محمّد وفادار المرادي).
7- . تم التعريف ب 24 مخطوطة في فهرستگان نسخه هاي خطي، راجع: فهرستگان نسخه هاي خطي حديث و علوم حديث شيعه، المجلد الثامن (مخطوط). و علي سبيل المثال راجع: الذريعة، ج 11، ص 287؛ فهرست مجلس، ج 38، ص 268؛ فهرست مرعشي، ج 3، ص 269 _ 270، و ج 6 ، ص 200؛ و ج 9، ص 38؛ نشرية نسخه هاي خطي، ج 3، ص 432؛ فهرست آستان قدس رضوي، ج 3، ص 258، و ج 15، ص 222؛ فهرست حرم حضرت معصومه، ج 2، ص 301؛ فهرست الهيات مشهد، ج 1، ص 132؛ فهرست دانشگده حقوق، ص 129؛ فهرست شاه چراغ، ج 1، ص 217؛ تراثنا، العدد 2، ص 75؛ فهرست مدرسة امام عصر شيراز، ج 1، ص 46؛ مركز احياء مير اث اسلامي، العدد 2301 و 3070 و 3100؛ فهرست مسجد اعظم، ص 209؛ فهرست ملك، ج 5، ص 445؛ نشرية، ج 4، ص 460، و ج 2، ص 82 .
8- . طبقات أعلام الشيعة، القرن 12، ص 263 _ 264.
9- . مجلة آينه ميراث، العدد 36 _ 37 (فصل الربيع و فصل الصيف من سنة 1386)، ص 162 _ 170، مقال للسيد رسول جعفريان تحت عنوان «مدرس شاه سليمان صفوي في شماخي بر اساس مقدمه نسخه رياض السالكين».
10- . مجله آينه ميراث (ش 36 _ 37، بهار و تابستان 1386ش)، ص 162 _ 170.
11- . وذلك بالشكل التالي: ( ر = 200، ي = 10، ا = 1، ض = 800، ا = 1، ل = 30، ز = 7، ا = 1، ه = 5 ، د = 4، ي 10، ن = 50).
12- . فهرست نسخه هاي خطي كتابخانه دانشگده الهيات مشهد، ج 3، ص 932.
13- . مجلّة تراثنا، العدد 50 _ 51، ص 369.
14- . فهرست نسخه هاي خطي كتابخانه گوهرشاد مشهد، ج 1، ص 264.
15- . الذريعة، ج 20، ص 321.
16- . فهرست كتب خطى كتابخانه آستان قدس رضوى، ج 15 (محمد وفادار مرادى)، ص 223.
17- . الذريعة، ج 22، ص 273.
18- . المصدر السابق.
19- . الذريعة، ج 9، ص 963 .

ص: 22

. .

ص: 23

. .

ص: 24

. .

ص: 25

. .

ص: 26

. .

ص: 27

أسرته

.

.

ص: 28

أسرته:لا توجد عندنا معلومات عن اُسرة مجذوب إلاّ ما وصلنا عنهم من خلال كتبه، و على أساس ذلك فنحن لا نعرف منهم إلاّ من يلي: أ. والده: اسم والده «محمّد» و لم يذكر عنه شيء فيما يخصّ عمله. و قد ذكر مجذوب في مقدّمة «روضة الأذكار» و «رياض الزاهدين» و اكتفي بالتعبير عنه بقوله «حاجي محمّد بن محمّد التبريزي»، و لم يذكر شيئاً يتعلّق بعمل أو ألقاب والده. و قد كتبت بعض المصادر المتأخرة أنّ اسم والد مجذوب هو «محمّد رضا»، إلاّ أن هذه التسمية فاقدة للمستند، مضافاً إلي أن المصادر القديمة لا تؤيّد هذه التسمية. ب. أحمد التبريزي: هو أخو مجذوب، و قد ذكره النصر آبادي في تذكرته في عداد الشعراء، و تعرّض لحياته _ بعد أن ذكر حياة مجذوب _ قائلاً: احمد بيك: برادر مولانا ميرزا محمّد مذكور است، اين ابيات از اوست: شاهد غنچه ز ياران چمن بود و گذشتبوى گل گرد سواران چمن بود و گذشت *** در هيچ منزلى دلم آسودگى نديدما را تمام عرصه عالم وطن شده است *** بر چهره اگر نيل رذالت نكشىخفت زكسى به هيچ حالت نكشى نشناخته را پاس چنان دار نگاهچون بشناسى از او خجالت نكشى (1) ولا توجد لدينا معلومات عنه أكثر من هذا المقدار. ج. محمّد رضا التبريزي: و هو ابن مجذوب، و لا معلومات لنا حوله إلاّ من خلال كتابه المفصّل في اُصول العقائد و الإمامة و الذي هو بعنوان «إتمام الحجة» و باللغة الفارسية، و يشتمل علي عشر فصول و خاتمة، و قد كتبه للسلطان حسين في سنة 1111 ق. وأوّله: «الحمد للّه الذي دلّ علي وجوب وجوده وجود الممكنات ... و بعد بر لوح عرض محبان أهل بيت رسالت...». وجد الشيخ آغا بزرگ الطهراني نسخة منه في النجف الأشرف في مكتبة العلّامة الشيخ محمّد علي الاُردوبادي، فذكره في الذريعة مرّة تحت عنوان «اُصول الدين)، (2) و أخري تحت عنوان «الإمامة». (3) و توجد نسخة ناقصة من هذا الكتاب تضمّ الفصول الأربعة الاُولى منه في مكتبة آية اللّه الگلبايگاني ضمن مجموعة برقم 27/53 . (4) و استناداً إلي ما ذكره الشيخ آغا بزرگ الظهراني فقد تمّ التعريف بالنسخة الموجودة في مكتبة آية اللّه الگلبايگاني في فهرست المنزوي (5) و فهرستواره. (6) و علي أساس ذلك كتب الشيخ آغا بزرگ الطهراني عن حياة المؤلّف في كتابه «طبقات أعلام الشيعة». (7) نماذج من شعره: وقد ذكر النصر آبادي في تذكرته نماذج من شعره كما يلى: در دلم مهر دلگشاى علىكرده حفظم چو مصحف بغلى آمد از خانه خدا به جهانهمچو نام خدا ز دل به زبان نجفش نام و قطعه اى ز بهشتكه به نامش بهشت قطعه نوشت فرد اول ز نسخه گشت جداجاش پيداست در بهشت خدا بى نجف مانده باغ خلد برينهمچو انگشترى فتاده نگين *** سركه در راه عشق سوده نشدگره از كار او گشوده نشد عشق از آن زهر در پياله كندكه تو را گرم آه و ناله كند مست با هم پياله خوش داردعشق با آه و ناله خوش دارد *** گره بسته اى داشت طفلى به دستبيفكند و اندر كمينش نشست روان طفل ديگر ربودش ز جاچو بگشود در وى نبُد جز هوا گره بستهْ دنيا و طفل آن دنى استبگويش كه چيزى در آن بسته نيست *** يك شب آتش در نيستانى فتادسوخت چون عشقى كه بر جانى فتاد شعله چون مشغول كار خويش شدهر نئى شمع مزار خويش شد شعله سان آتش زبانى زان گروهبا دلى پر از شكايت كوه كوه نى به آتش گفت كاين آشوب چيستمر تو را زين سوختن مطلوب چيست گفت آتش بى سبب نفروختمدعوى بى معنيت را سوختم زان كه مى گفتى نى ام با صد نمودهمچنان در بند خود بودى كه بود با چنين دعوى چرا اى كم عياربرگ خود مى ساختى هر نوبهار همچو نى مجذوب برگ خود مسازچون حريفان زبانى كج مباز مرد را دردى اگر باشد خوش استدرد بى دردى علاجش آتش است *** خانقاهى كه به خرجش نكند دخل وفاصرفه وقف در آن است كه ميخانه شود *** در جيب دلم چاك و رفو بر سر همچون غنچه نشسته تو به تو بر سر هم كوتاه نشد رشته طول املمهر چند گره شد آرزو بر سر هم *** زنهار كه رخ نتابى از درويشانشكرانه اينكه نيستى چون ايشان رمزيست خط دانه گندم يعنىنصفى از توست نصفى از درويشان *** اگر سوداى ليلى بر سرت افتاده مجنون شوكه هر شهرى به صحراى جنون دروازه اى دارد *** محبت را لب خاموش و گويا هر دو يكسان استچو بلبل، آتش پروانه هم آوازه اى دارد *** اگر زلفت به هر تارى اسير تازه اى داردمبارك باشد امّا دلبرى اندازه اى دارد تغافُل بُرد بيش از حدّ شوخ چشم من نمى داندجفا قدرى ستم حدّى و ناز اندازه اى دارد محبّت را لب خاموش گويا هر دو يكسان استچو بلبل آتش پروانه هم آوازه اى دارد اگر سوداى ليلى بر سرت افتاده مجنون شوكه هر شهرى به صحراى جنون آواره اى دارد دل مجذوب خود را تغافل بيش از اين مشكنكه در قانون خوبان امتحان اندازه اى دارد *** خواهى كه چون آفتاب مشهور شوىچون مردمك ديده همه نور شوى اينها همه مى شود اگر جز بخدانزديك بهر چه مى شوى دور شوى *** ترك ديوانگى از طعنه مردم نكنمشهر گر تنگ بود دامن صحرايى هست

.


1- . تذكره شعرا، محمّد طاهر نصرآبادى اصفهانى، ص 192 _ 193.
2- . الذريعة، ج 2، ص 188.
3- . الذريعة، ج 2، ص 326.
4- . هذه المجموعة تضمّ ثلاث رسائل هي: حاشية ملا عبد اللّه اليزدي في المنطق، و مختصر المعاني للتفتازاني، و إتمام الحجة. و هذه الرسالة في الأوراق 181 ب _ 214 ب من هذه المجموعة، و في كلّ صفحة 19 سطرا. راجع: نسخه هاي خطي كتابخانة آية اللّه گلبايگاني، ج 3، ص 150.
5- . فهرست نسخه هاي خطي فارسي، أحمد المنزوي، ج 2، ص 870 .
6- . فهرستواره كتاب هاي فارسي، ج 9، ص 66.
7- . طبقات أعلام الشيعة (القرن 12)، ص 263.

ص: 29

. .

ص: 30

. .

ص: 31

. .

ص: 32

الهدايا لشيعة أئمة الهدى (الكتاب الذي بين يديك)

الهدايا لشيعة أئمة الهدى (الكتاب الذي بين يديك)هو شرح مسهب لكتاب الكافي، أورده على شكل عناوين كل منها «هدية»، «هدية». و يشتمل الكتاب على 12 مقدمة و 30 جزء، و خاتمة. كتب المؤلّف خطبة الكتاب بسجع لطيف ينبئ عن قوة بيانه و قدرته الأدبية، و ذكر فيها الاُصول العقائدية، و أوضح العلم الإلهي، و أشار إلى منزلة العقل السامية في إدراك المعارف، و كتب حول توفيقه لتأليف هذا الكتاب قائلاً: فوفّقت بعون اللّه وطفقت أخذا بتوفيق اللّه في تأليف كتاب على نَسَق كتاب الكافي؛ ليكون كافيا بميامن الكافي لمن أراد الانتقام والتلافي. وكان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه. وسمّيته ب «الهدايا لشيعة أئمّة الهدى» ورتّبته بعون اللّه وحُسن تأييده على اثنتي عشرة مقدّمة وثلاثين جزءا وخاتمة. (ج 1، ص 69) اقتبس عنوان الكتاب من العنوان «هدية» المكرر بعد كل حديث من أحاديث الكافي، و الذي يذكر المؤلّف بياناته تحته، و يرى المؤلّف أن هذه البيانات هدايا للشيعة. و يستفاد من خطبة الكتاب أنّ المؤلّف كتب هذا الكتاب لولده، حيث يخاطبه في ديباجة الكتاب و لمرّات عديدة بقوله: «يا بُنيّ أبقاك اللّه بفضله و طوّل عمرك و ثبّتك على الإيمان»، و «يا بُنيّ حفظك اللّه »، و «يا بُنيّ أعانك اللّه و أعطاك خير الدنيا و الآخرة». و قد تعرض الشارح في المقدّمات الاثني عشر لبعض الأبحاث الحديثية، و بالأخصّ علم الرجال. كما ذكر في المقدمة الحادية عشرة فهرس الأجزاء الثلاثين. و قد نظم الكتاب ضمن ثلاثين جزء طبقاً لعناوين الكافي، إلاّ أن عناوين كتب الكافي في الطبعة المعروفة هي على أساس التقسيم المشهور و هي خمسة و ثلاثين كتاباً، و السبب في ذلك هو تداخل بعض العناوين في كتاب الهدايا على التفصيل التالي: ورد «كتاب العقل» و «كتاب فضل العلم» في كتاب الهدايا تحت عنوان «كتاب العقل وفضل العلم». كما ورد «كتاب الطهارة» و «كتاب الحيض» تحت عنوان «كتاب الطهارة والحيض»، و كذا «كتاب النكاح» و «كتاب العقيقة» فإنهما وردا تحت عنوان «كتاب النكاح و العقيقة»، كما جاء «كتاب الصيد» و «كتاب الذبائح» تحت عنوان «كتاب الصيد و الذبائح»، و أدرج «كتاب الأطعمة» و «كتاب الاشربة» تحت عنوان «كتاب الاطعمة و الاشربة». وتعرض المؤلّف في المقدمة الثانية عشرة لشرح خطبة الكافي.

.

ص: 33

. .

ص: 34

و بمراجعة الكتاب بشكل سريع يمكن أن تستفاد بعض النقاط، هي كالتالي:1. ادّعى المؤلّف و في مواضع عديدة من الكتاب أنّ تأليف كتاب الكافي كان بأمر شفوي من قبل الإمام صاحب الأمر و الزمان، فكتب في خطبة الكتاب: «و كان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه» (ج 1، ص 69). كما كتب في الهدية الاُولى من المقدّمة الثانية عشرة _ و الخاصّة بشرح خطبة الكافي _ نقلاً عن اُستاذه المولى خليل القزويني: حقّ أنّ كتاب الكافي عمدة كتب أحاديث الأئمّة عليهم السلام ألّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الرازي الكليني _ طاب ثراه _ في الغيبة الصغرى باحتياط تامّ في عرض عشرين عاما، وكانت مدّة هذه الغيبة تسعا وستّين سنة بناءً على أنّ مبدأها من مضيّ أبي محمّد عليه السلام ، وأربعا وسبعين سنة إذا كان مبدؤها من مولد الصاحب عليه السلام . وعاشر ثقة الإسلام أكثر سفرائه عليه السلام في بغداد وغيرها أكثر الأوقات، فاُمر مشافهة _ كما هو المشهور _ أو بتوسّط السفراء بجمع الأحاديث المخزونة لشدّة التقيّة وتأليف الكافي. فيقرب أن يكون المراد بالعالم في هذا الكتاب في كلّ حديث كان في عنوانه «وقد قال العالم عليه السلام » أو «في حديث آخر» الصاحب عليه السلام بلا واسطة، أو بواسطة السفراء، إلّا أن تكون قرينة صارفة. والمظنون أنّ الكافي شرّف بنظره (1) عليه السلام وكان مضيّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ سنة مضيّ الأخير من سفرائه عليه السلام أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضى الله عنه، وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة هجريّة أو بعدها بسنة واحدة. (ج 1، ص 116 _ 117) و نقل شبيه ذلك عن استاذه الآخر السيد حسن القائني، فكتب قائلاً: مظنوني أيضا كما ظنّ معظم الأصحاب أنّ خطبة الكافي لمكان شأن نظامه بهذه المكانة، ونظام شأنه بهذه المتانة والرزانة من منشآت الصاحب عليه السلام ، وقد ثبت أنّ تأليف الكافي لجميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام إنّما كان في الغيبة القُصْرى بالأمر المشافهي من صاحب الأمر عليه السلام . (ج 1، ص 116) وفي الهدية التاسعة من المقدمة الثانية عشرة و في شرح هذه الفقرة من الخطبة: «والشرط من اللّه جلّ ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدّوا جميع فرائضه بعلم و يقين و بصيرة... (إلى قوله) و قال عليه السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن» كتب قائلاً: كاد أن توجب هذه الفقرات خاصّة القطع بأنّ خطبة الكافي من أمالي الصاحب عليه السلام ، كما يوجب سائر فقراتها ظنا بذلك» (ج 1 ص 158). 2. لم يعتمد المؤلّف فيما يخصّ أحاديث الكافي على نسخة واحدة منه، و إنّما اعتمد على نسخ عديدة و أشار إلى اختلافاتها بالعبارة: «في بعض النسخ» أو «في بعض النسخ المعتبرة». 3. أبدى المؤلّف اهتماما خاصّا بالردّ علي عقائد الصوفية، فأبان في المقدمة العاشرة عقائدهم و أبطلها، كما حاول ردّها أثناء شرحه للأحاديث بأدني مناسبة، و قد نهج أسلوبا قاسيا في ذلك بل يلعنهم و يكفرهم. 4. نظرة المؤلّف حول الفلاسفة و العرفاء ليست بالايجابية، بل يرى أنّ خطبة كتاب الكافي هي للردّ على الصوفية و الفلاسفة و الأشاعرة، إلّا أنّه استمدّ من شرح الملا صدرا علي الكافي في مواضع عديدة من كتابه، و عبّر عنه ب «الفاضل صدر الدين محمد الشيرازي»، كما عبّر عن المير داماد بقوله: «السيّد الداماد ثالث المعلّمين» أو «السيّد الباقر ثالث المعلّمين الشهير بالداماد». 5. كما عبّر عن الفيض الكاشاني بقوله: «بعض المعاصرين»، و نقل عن الوافي في مواطن عديدة من دون ذكر اسمه. كما نقل عن تفسيره بعنوان: «بعض التفاسير»، ونقد آراءه في مواضع عديدة (ص 483و 527 و 563)، و يرى أنّها متأثّرة بأفكار و عقائد الصوفية و الفلاسفة. 6. نقل المؤلّف بكثرة و بصورة واسعة عن حاشية اُصول الكافي لرفيع الدين محمد النائيني المعروف بالميرزا رفيعا، و عبّر عنه ب «السيّد الأجل النائيني». و علي الرغم من اختلاف مذاق المؤلّف عن مذاق الميرزا رفيعا؛ حيث أنّ الميرزا رفيعا يميل للفلاسفة و العرفاء، بخلاف المؤلّف، إلّا أنّ المؤلّف تأثّر بعباراته المتينة، و قد استطاع أن يمر بسلاسة إلى جانب عبارات الميرزا رفيعا ذات المحتوى العميق، و إن انتقد مسلكه أحياناً، و رأى أنّ كلماته تعتمد على اُصول فلسفية، فكتب: وهو قدس سره من المائلين من متأخّري أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إلى استقامة نَبْذٍ من اُصول الفلاسفة، كتجرّد العقول والنفوس الناطقة؛ وتأويل نَبْذٍ اُخر منها، كإيجاب الصانع، وقِدَم العالَم بالإيجاب الخاصّ والقدم الزماني ولن ترضى الفلاسفة فقط، وذلك لصرفهم من العمر مدّة في مطالعة كتبهم وتدريسها باقتضاء كثير من الطبائع في عصرهم ذلك. (ج 1 ص 121 - 122) 7. المؤلّف متأثّر بكلمات اُستاذه «الملا خليل القزويني» بشدّة، و كتابه مليء بالنقل عنه، و يعبّر عنه بقوله: «برهان الفضلاء»، و قد أورد في شرحه على أكثر الأحاديث عبارات الملا خليل القزويني في كتاب الشافي، و بعض هذه العبارات مختصرة، و بعضها مفصّلة. والذي يبدو في النظر أنّه بسبب عدم تلاؤم مذاقه مع مذاق الفلاسفة و العرفاء و الاُصوليين و المجتهدين، تأثّر بالمدرسة الأخبارية تبعاً لاُستاذه الملا خليل. ففي باب اختلاف الحديث نقل عبارة طويلة عن اُستاذه المذكور في شرح الحديث فكتب قائلاً: وهذا إشارة إلى بطلان مذهب جماعة من الاُصوليّين لحملهم في أمثال ذلك _ سواء كان في القرآن أو في الحديث _ حمل المطلق على المقيّد باعتبار اللّغة والعرف، أو باعتبار القياس كما ذكر . (ج1، ص 598) وكتب بعدها في تأييد رأي اُستاذه: وغاية ما في تفسيره المحكم والمتشابه _ بما عرفت ممّا حكيناه _ الاحتياج في زمن الغيبة لمكان التشابه والاختلاف في غير ما هو الحقّ _ على بيانه _ إلى المعالجات المعهودة المضبوطة بتواتر الكتب المضبوطة عن أصحابنا الأخباريّين _ رضوان اللّه عليهم _ عن الحجج المعصومين عليهم السلام كالمعالجة عند الاشتباه في الرَقَبة _ مثلاً _ بالإطلاق في موضع والتقييد في آخر بالعمل بما هو خلاف ما عليه العامّة، والرشد فيه، لا إلى حمل المطلق على المقيّد مع التغاير بين المقامين ليلزم العمل بالظنّ الحاصل من القياس وغيره من الاُصول الغير الداخلة في المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام . (ج 1، ص 600) 8. كما أنه متأثّر أيضا باُستاذه الآخر أمير حسن القائني و يعبّره عنه بعنوان «السيد السند أمير حسن القائيني»، ويبدو في النظر أنّه كان على مسلكه و مشربه الفكري، و استمدّ من حواشيه على الكافي على نطاق واسع، و نقل عنها بكثرة، كما نقل عنه الملّا خليل القزويني في كتابه الشافي بنحو متكرّر. و ممّا ينبغي التنبيه عليه أنّنا لم نخرج العبارات المنقولة عن كتاب «الشافي» للملا خليل القزويني الذي عبّر عنه ب «قال برهان الفضلاء» و كذا ما نقل عن حواشي السيد امير حسن القائيني؛ لعدم طبعهما لحدّ الآن. 9. و تأثّر المؤلّف بمحمّد أمين الاسترآبادي كما يظهر من نقله عن حاشية المذكور على الكافي، و شرحه لعباراته، و يعبّر عنه بقوله: «الفاضل الاسترآبادي» و قال في موضع: «سمعت اُستاذي الفاضل محمّد الاسترآبادي»، و كتب نقلاً عنه: قوله عليه السلام : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ الحلال والحرام عنهم عليهم السلام ولا يجوز العمل بأصل أو استصحاب أو غير ذلك . (ج 1، ص 485) كما كتب بعد رواية: «إنّ على كل حقّ حقيقة» كلاما عن الفاضل الاسترآبادي بأن هذه الفقرة من الرواية تدلّ على بطلان مسلك الاُصوليين القائلين بأنّ للمصيب أجران و للمخطئ أجر واحد، لأنّ الخطأ في الاجتهاد إثم أيضاً» (ج 1 ص 628). 10. المؤلّف و إن كان في منهجه الفكري في عداد الأخباريين، إلّا أنّه سعى في موارد عديدة لاصلاح آراء الأخباريين حول الاُصوليين، و حاول أن يثبت لهم الاجتهاد غير المنافي للروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ، بل يستفاد من فحوى الروايات إذنهم في الاجتهاد المذكور، و حاول توجيه كلمات اُستاذيه محمد أمين الاسترآبادي و الملا خليل القزويني الظاهرة في نفي مطلق الاجتهاد و التوقّف في الافتاء بغير العلم، فيقول: فالأمر بالتوقّف عند الاشتباه مع المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن للفقيه العدل الإمامي الممتاز فضلاً وعلما، إنّما هو مع إمكانه بحيث لا يلزم حرج بيّن في الدِّين، وهو منفي بالكتاب والسنّة. (ج 1، ص 572 _ 573) و قال في موضع آخر بعد نقله لعبارة استاذه الملا خليل القزويني _ في نفي الاجتهاد _ قائلاً: مبالغته سلّمه اللّه تعالى في إنكار الاجتهاد الممنوع وباعثه؛ لنسبته الأصل الثابت عند معظم أصحابنا الإماميّة _ رضوان اللّه عليهم _ أيضا إلى العامّة، وصحّة العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن في العمل بالظنّ عند الاشتباه للفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً في زمن الغيبة إنّما هو مثبتة لذلك الأصل،والحرج منفي بالكتاب والسنّة. وهل منكر؟! لأنّ الأحوط له التوقّف ما أمكن . (ج 1، ص 544 _ 545)

.


1- . في «الف»: «بمنظره».

ص: 35

. .

ص: 36

. .

ص: 37

. .

ص: 38

النسخ المعتمدة

النسخ المعتمدة:صرّح المؤلّف في مقدّمة كتابه بأن شرحه ضمن ثلاثين جزء و أنّه نظمها على غرار عناوين كتاب الكافي، إلّا أنّ المخطوطات التي تمّ العثور عليها لحدّ الآن تحتوي على ثلاثة أجزاء من هذا الكتاب، و نهايتها هو «كتاب الحجة» من الكافي. نعم توجد نسخة في مسجد الشيخ بابا مراغة تشتمل على الجزء الرابع أيضاً، كما توجد نسخة في مكتبة الطهراني في كربلاء المقدّسة تضمّ الجزء الخامس من الكتاب، كما نقل لنا وجود نسخة في إحدى مكتبات اصفهان تضم القسم الأعظم من شرح المؤلف على اُصول الكافي، إلاّ أن مساعينا للحصول عليها لم تثمر عن نتيجة لحدّ الآن. وأخيرا فقد تمّ التعرّف على نسخة من هذا الكتاب في مكتبة المجلس الوطني برقم (ش 9296)، و تضمّ شرح خصوص كتاب الصلاة. و نأمل العثور على أجزاء الكتاب الاُخرى تباعاً كي يتمّ هذا الكتاب القيّم ويتمّ تقديمه لعشّاق كلام أهل البيت عليهم السلام . هذا و قد اعتمدنا في تصحيح الأجزاء الثلاثة من كتاب الهدايا على اربع مخطوطات، هي:

.

ص: 39

1. مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله بقمّ، المرقّمة 13073.نسخت في حياة المؤلّف رحمه الله وعليها حواش بعنوان «منه سلّمه اللّه ». والنسخة مصحّحة معربة، وتشتمل على شرح الجزء الأوّل والثاني والثالث من الكتاب (أي من أوّل الكافي إلى نهاية كتاب الحجّة». تقع في (454) صفحة وفي كلّ صفحة (34 _ 40) سطرا. رمزناها ب «ألف».

2. مخطوطة مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله بقمّ، المرقّمة 1142 (الميكرو فيلم).نسخت في عصر المؤلّف رحمه الله، وعليها حواش بعنوان «منه سلّمه اللّه ». والنسخة مصحّحة وتشاهد علامة بلاغ في نهاية الجزء الأوّل. وتشتمل على الجزء الأوّل والثاني من الكتاب (من أوّل الكافي إلى نهاية كتاب التوحيد) و النسخة مخرومة الآخر. تقع في (398) صفحة، وفي كلّ صفحة (28) سطرا. رمزناها ب «ب».

3. مخطوطة مكتبة السيّد ضياء الدين العلّامة بإصفهان، المرقّمة 19.نسخت في عصر حياة المؤلّف رحمه الله، وصحّحت وقوبلت بتوسّط رمضان بن علي عند اُستاذه عبد الرزّاق بن يوسف الكاشاني؛ يشهد على هذا ما كتبه في انتهاء النسخة هكذا: بلغ مقابلة أحاديث كتاب التوحيد من أجزاء كتاب الكافي تصحيحا وتنقيحا عند اُستادنا المحقّق والنحرير المدقّق السيّد الأجلّ الرضوي عبد الرزّاق بن محمّد يوسف الطبيب القاساني _ متّعنا اللّه بدوام بقاءه بمحمّد و آله _ وأنا العبد الفقير إلى اللّه الغني رمضان بن علي سنة 1088ه_ . وعلى هوامش النسخة حواش مع الإمضاءات التالية: «منه سلّمه اللّه »، «ع. ب. ق» ونحوهما. والمظنون أنّ المراد من الأخيرة هو اُستاذه عبد الرّزاق بن محمّد يوسف القاساني. تشتمل النسخة على الجزء الأوّل والثاني من الكتاب (من أوّل الكافي إلى نهاية كتاب التوحيد). وتقع في (402) صفحة وفي كلّ صفحة (28) سطرا رمزناها ب «ج».

.

ص: 40

كلمة شكر وثناء

4. مخطوطة المكتبة المركزيّة بجامعة طهران، المرقّمة 3634.نسخت في سنة 1083ه_ وفرغ عن نسخها يوم الأحد من شهر رمضان المبارك، والمظنون أن يكون هذا تأريخ فراغ المؤلّف من الشرح. تشتمل على شرح الجزء الثالث من الكتاب (من أوّل كتاب الحجّة إلى آخره)، و النسخة مصحّحة وعليها حواش وتعليقات ترمّزت بعلامات كالتالي: «منه» و «منه سلّمه اللّه » و نحوهما فعلى هذا، كتبت النسخة في عصر المؤلّف رحمه الله أيضا. تقع في (360) صفحة وفي كلّ صفحة (28) سطرا. رمزناها ب «د». فاعتمدنا في عملنا على هذه النسخ، وقمنا بتخريج الآيات والأحاديث والأقوال، ووضع العلائم والحركات ونحوها، كما وقابلنا ما نقله عن الكافي مع الكافي المطبوع بتحقيق الغفاري رحمه الله، وذكرنا اختلافاتهما في الهامش.

كلمة شكر وثناء:وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نقدّم جزيل الشكر والثناء إلى جميع الإخوة الذين أعانونا في تحقيق هذا الأثر القيّم، وفي مقدّمتهم المحقّق الفاضل الشيخ غلامحسين قيصريه ها لمساعدته في التحقيق مساعدة كاملة، وكذلك حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي الحميداوي لقيامه بهمّة مراجعة الكتاب، وكذا سماحة الأخ المحقّق الشيخ علي صدرايي الخوئي لتنظيم مطالب حول حياة المؤلّف وسماحة الأخ الفاضل الشيخ حيد المسجدي لمساعدة في تعريب مقدّمة التحقيق وكذا الأخوة مجيد أميري رسكتي لمساعدة في نضد الحروف، ومحمّدكريم صالحي لبذل جهوده في الإخراج الفني للكتاب. كما أنّ الواجب يدعونا إلى تقديم جزيل الشكر إلى المحقّق الفاضل الشيخ مهدي المهريزي مسؤول مركز بحوث دار الحديث وسماحة حجة الاسلام والمسلمين الدكتور السيّد محمود المرعشي مسؤول مكتبة آية اللّه المرعشي والمحقّق البارع السيّد صادق الاشكوري مدير مجمع الذخائر، نسأل اللّه تعالى أن يكتب لهم الأجر وأن يتقبّله بأحسن القبول. محمد حسين الدرايتي 8 ربيع الثاني 1430ق 15 فروردين 1388ش.

.

ص: 41

M823_T1_File_994274.jpg

.

ص: 42

M823_T1_File_994275.jpg

.

ص: 43

M823_T1_File_994276.jpg

.

ص: 44

M823_T1_File_994277.jpg

.

ص: 45

M823_T1_File_994278.jpg

.

ص: 46

M823_T1_File_994279.jpg

.

ص: 47

M823_T1_File_994280.jpg

.

ص: 48

M823_T1_File_994281.jpg

.

ص: 49

M823_T1_File_994282.jpg

.

ص: 50

M823_T1_File_994283.jpg

.

ص: 51

M823_T1_File_994284.jpg

.

ص: 52

M823_T1_File_994285.jpg

.

ص: 53

الهدايا لشيعة أئمّة الهدى

اشاره

الهدايا لشيعة أئمّة الهدى

.

ص: 54

. .

ص: 55

المقدّمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الكريم المتكرّم، العظيم المتعظّم، على عميم رحمته، على عظيم نعمته، على نعيم ولايته، على من اصطفاه وارتضاه، ونجا مَن أحبّه وهداه، الأعلون أخضعُ في سجوده، والأكرمون أحوج إلى جوده، جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه، من حمد حمده، هو اللّه وحده، مُلهم عباده حمده، (1) حُمد على آلاء هدايته، عُبِد بنعماء ولايته، هنالك الولاية للّه الحقّ. «وَ قَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهَا وَ مُرْسَاهَآ» . (2) «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ» . (3) من آمن باللّه ونبإ الساعة آمن بطاعة مفترض الطاعة، آمن باللّه كما عرّف نفسه، وباليوم الآخر على ما علّم وصفه. عقل عباده مبوّب، وأمر معادهم مغيّب، على معرفته فطرهم؛ لكيلا يعدوا ما عرّف لهم في (4) حكمه على المحكوم لا يحكم إلّا بالمعصوم، لمهلكات لججه لابدّ من منجيات حججه، خلق صفوة من الأنام لقيام حجّته إلى يوم القيام «لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا» . (5) لا علم لغيره بكيفيّة علمه، لا يعلم علمه بعلم غيره، علم إذ لا عالم. أحبّ ولم يحبّ، أراد وقدّر، قضى وأحكم، خلق وأقدر، أرسل وأخبر، أمر وحظر، بشّر وأنذر «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . (6) نصر مَن والاه، وخذل مَن عاداه. لا جبر ولا قدر، أقدر وهو أقدر، وما يشاؤون إلّا أن يشاء اللّه (7) ، ولا خالق لما سواه سواه. علم ما يُختار إذا خُلّي المختار، ما علمه علّة بالمدخليّة، وله سبحانه الحيلولة والتخلية، ولو شاء لهداهم أجمعين، لم أحبّ ولم يخلّ، علم مخزون، لِمَ لم يحبّ ولم يخلّ، (8) حكمٌ محتوم. وهو «لَا يُسْئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئلُونَ» (9) ، ما لنا والسؤال والإشكال على الضالّ، ما لنا ولهم، أولى لهم فأولى لهم. أمدّ الأبد لأحبّائه، أنّى يفاضل حمد (10) نعمائه، نحمده على ما حبّب إلينا الإيمان، وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان (11) ، ونجّانا من شرورها، فضلاً من اللّه ونعمة، واللّه عليمٌ حكيم (12) . بداية توحيده نهاية التنزيه، وأوّل معرفته نفي التعطيل والتشبيه، نفى النفي بإثبات أزله، وسلب التشبيه بنفي مثله، محض الإثبات تمام معرفته الفطريّة، ونفي الحدّين بناء معرفته الدينيّة، سبّوح عمّا يقال، قدّوس عمّا يخطر بالبال، متفرّد بالقدم، خالق من بحت العدم ما خلق، ما خلق من مثال سبق، ولا من شيء صنع ما صنع وخلق، كَلَّ دون صفاته تحبير (13) اللّغات، وضلَّ هناك تصاريف الصفات (14) ، بدوام القدرة خالق الأشياء، وبنفاذ الإرادة فعّالٌ لما يشاء، ليس لإرادته فصل، ولا لأمره دافع، فصله جزاء، وأمره واقع. (15) قدّر بحكمته ما خلق بقدرته، وسخّر بعزّته ما صنع بحكمته، عجائب صنعه لا يتناهى، لا يتناهى ما لما لا يتناهى. لا يحدّه حدّ وكلّ حدّ محدود، ولا يحجبه حجاب وكلّ حجاب محجوب، خلقة خلقه حجاب بينه وبينهم، فلا يعرفون بالكنه إلّا مثلهم. لا يدرك بالحواس والحواس من مجبوليّه، ولا يُعرف بالقياس والقياس من معزوليّه، كُنْهه لا يحاط، حُكْمه لا يماط، لا يضبطه العقول، ولا يبلغه الأوهام. تعالى شأنه، عظيمٌ سلطانه، كلّ سلطان متواضع لملكوته، كلّ عظيم متضعضع (16) لجبروته، جبروته أظهر الأشياء، له ملكوت الأرض والسماء «فَسُبْحَ_نَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْ ءٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» . (17) إحكامه نظام التنضيد من بيّنات آيات التوحيد. واحدٌ بلا اختلاف الذات، أحدٌ لعينيّة الصفات، أحدٌ بالإجماع عليه، صمدٌ لحاجة الجميع إليه «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» (18) لم يلد لابتداعه ما عداه، ولم يولد لاختراعه ما سواه، «وَ لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُ» ، وهو لكلّ أحد صمد، ليست أحديّته عددانيّة، ولا صمديّته جَسَدانيّة، بوحدانيّة وحدته له وحدانيّة العدد، ولتضرّع الجميع إليه له ملكة القدرة الصمد (19) ، عددهُ وحدته، مُلْكته قدرته، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، عزّ ثناؤه وجلّ سناؤه (20) . أوّل أزليّ، آخر أبديّ، أزله نُهىً 21 لمجاول (21) الأوهام، ودوامه ردعٌ لجوائل (22) الأفهام. (23) لم يزد ملكه إنشاؤه الأشياء، ولا ينقص سلطانه إفناؤه الأرض والسماء، ليس له ظلّ يمسكه، هو يمسك الأشياء بأظلّتها، إنّه بكلّ شيء محيط (24) ، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء، خارج من الأشياء لا كشيء خارج من شيء (25) ، لا خلقه فيه، ولا هو في خلقه، «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ» . (26) علا فقرب، دنى فبعد، عُصي فغفر، اُطيع فشكر. (27) رضاه ثوابه لا بانبساط يبهّجه، وسخطه عقابه لا من انقباض يهيّجه (28) . لا ينسى ولا يلهو، لا يلعب ولا يسهو (29) ، يسمع بما يبصر، يبصر بما يسمع (30) ، أزله عين أبده، أبده صِرْف سرمده. تبارك الذي «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (31) موصوفٌ بالآيات، معروفٌ بالعلامات، ظاهر لمدبّراته، جبّار لمسخّراته،، لا تدركه الأبصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان (32) . تقدّست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، هو علّام الغيوب، هو دليل المتحيّرين، هو ستّار العيوب، هو غافر المذنبين، لغيبه حجب، تاه في أدنى أدانيها كلّ عقل طامحٍ (33) ، ولسرّه أستار افتضح أوّل خوضها كلُّ جالعٍ جامحٍ، «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَا هُوَ» (34) «وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» (35) . لم يزل عالما بالأشياء قبل أن ينشأها، بعين علمه بها بعد أن أبدعها «يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا» (36) ، «وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّمَآءِ إِلَ_هٌ وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» . (37) لا يضمنه زمان، ولا يحويه مكان، ولا تحمله أرضه، ولا تُقلّه سماؤه (38) ، هو أيَّن الأين، هو كَيَّف الكيف، فكيف أين كان، وأين كيف كان، خنق متى كان بحبال متى لم يكن خزق (39) أين كان بنبال. إنّه كان ولا مكان، والآن كما كان، كان سميعا إذ لا مسموع، مبصرا إذ لا مبصر، خالقا إذ لا مخلوق، ربّا إذ لا مربوب، ويكون بعد الأشياء بعين 41 ما كان معها وقبلها. تبارك الذي لا يبلغه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، ليست له صفة تنال، ولا حدّ يضرب له فيه الأمثال، وللّه المثل الأعلى، تقدّس وتعالى، سبحان اللّه عمّا يعقل، والحمد للّه على ما يفعل، ولا إله إلّا اللّه كما وصف، واللّه أكبر من أن يوصف (40) . أشهد أن لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له، إلها واحدا متوحّدا بالأزليّة والخالقيّة، أحدا صمدا فردا متفرّدا باللّازمانيّة واللّامكانيّة، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. وأنّ أمير المؤمنين والمجتبى وسيّد الشهداء والسجّاد والباقر والصادق والكاظم والرِّضا والجواد والهادي والزكيّ والمهديّ عباد اللّه وأوصياء رسوله صلى الله عليه و آله ، وأنّ نوره ونور آله صلى الله عليه و آله نورٌ واحدٌ، وعقل واحد ساجد. وأنّ أوّل نور خلقه اللّه ، وأوّل عقل أنشأ اللّه إنّما هو نور نبيّنا المصطفى (41) المنتجب، المكرّم المقرّب، سيّد المرسلين، خاتم النبيّين، إمام الرحمة، مفتاح البركة، وسيلة رضوان اللّه ، ذريعة غفران اللّه ، أوّل خير الأصفياء، أفضل أفضل أفضل الأنبياء، عزّ آله الأطهار وشيعتهم، غيظ طواغيت الكفّار وتبعتهم، مصدّق الحجج الماضين والباقين، بشيرٌ ونذير (42) ورحمةٌ للعالمين (43) ، مبلِّغ ولاية أمير المؤمنين بالكتاب المبين، على ما نزل به الروح الأمين، لإتمام النِّعمة بإكمال الدِّين (44) ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما. (45) فصلّى اللّه وملائكته عليه وآله المعصومين (46) الأنجبين، آل طه ويس، شفعاء يوم الدِّين، بهم أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبهم ينزل غيث السماء، وينبت عُشْب الأرض، ويبثّ الرّخاء، وبهم يُستجاب الدُّعاء، ويرجى دوام النّعماء، وبهم عُبد اللّه ، ولولاهم لما (47) عبد اللّه . (48) وأنّ ليلة القدر بعد أفضل خير البشر إنّما هي لأمير المؤمنين وأولاده (49) الأحد عشر، (50) وأنّ اللّه الخالق لا من شيء، والمنشى ء من لا شيء، خلقهم فأحسن خلقهم، وصوّرهم فأحسن صورهم، وجعلهم عينه في عباده، ولسانه في بلاده، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدلّ عليه، ويده المبسوطة بالرحمة (51) ، وكلمته الناطقة بالحكمة (52) ، وعلمه الدال على الهدى، ونوره الهادي في غياهب الدّجى، وعزّه لأحبّائه، وغيظه على أعدائه، ولطفه الممتاز للمؤمنين، وسيفه الجُراز 55 على الملحدين، وقوام أرضه وسمائه وما بينهما، وَآفقُ (53) عباده في الاُفق الأعلى، لا ينالهم الأيدي والأبصار، ولا يبلغهم الهمم والأفكار (54) ، صلوات اللّه عليهم وعلى جميع الحجج الأطهار، ما دامت لشيعتهم الجنّة ولأعدائهم النار. وأنّ الإمام الحقّ يجب أن يكون معصوما من الخطأ والزلل، مصونا من الخلل في القول والعمل، مطهّرا من الذنوب، مُبْرَأً من العيوب، عاقلاً عن اللّه ، ناطقا بالصدق للّه ، هاديا من الحقّ، داعيا إلى الحقّ، مدفوعا عنه وُقُوب الغواسق، ممنوعا منه نُفُوث كلّ فاسق، منصوصا للوصاية، مخصوصا بالولاية، ظاهرا (55) إلى آدم نسبا، ممتازا عن الجميع فضلاً وحسبا، موصوفا بالعلم من صَبائه، معروفا بالحلم من يَفاعِه إلى انتهائه، منزّها عن العاهات، مزكّى عن الآفات، محفوظا من اللّهو في عبادته، مكلوءا (56) من السهو في إمامته، قيّما للكتاب، حَكَما بفصل الخطاب، عالما بحكم الحلال والحرام، عارفا بحكم الفرائض والأحكام، علّاما بما يسأل عنه، حلّالاً لما يرد عليه، فتّاحا لمعمّيات السنن، دفّاعا لملبّسات الفتن، مرضيّا في أقواله وأفعاله، مرعيّا بعين اللّه في جميع أحواله. (57) وأنّ أكبر الثقلين حجّة بحجّة الحجّة في البين، محفوظة آيها من التحريف، مصونة كلماتها من التصريف. «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (58) ، ظاهر الأحاديث في ذلك مأوّل بالمتون ذات البطون، وشرح جبرئيل عليه السلام تلك المتون: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» في عليّ، واللّه هكذا نزلت (59) ، يعني بشرحها، وبيانها. وتحريف القراءة والإعراب ليس من هذا الباب، كما في «وسَلَ_مٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ» (60) «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ » (61) «وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ» (62) . قال اللّه تبارك وتعالى: «نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (63) . وأنّ جميع ما جاء به سيّد المرسلين وخاتم النبيّين صلّى اللّه عليه وآله حقّ. وأنّ جميع ما جاء به خير البشر إنّما هو على ما ضبط من أوصيائه الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. وأنّ العمل من الإيمان، وتصديقه المحض لو لم يكن للّه فيه المشيئة لا ينجي من النيران، إلّا لعذر من التقيّة وغيرها، كمَن آمن ومضى. وأنّ التبرّي من عامّة أهل الضلال والبطلان، واللّعن عليهم بالقلب واللِّسان، بلا اتّقاء من أهل الظلم والعدوان، نصف الإيمان. وأنّ الإمام الحقّ في هذا الزمان، ومهديّ هذه الاُمّة الخلف المنتظر حجّة اللّه بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم. «وَ أَنَّ السَّاعَةَ» بعَقَباتها وعُقوباتها ومثوباتها «ءَاتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ» (64) للوقوف بين يدي اللّه العفوّ الغفور، للحساب والقضاء، والعدل والعطاء، على ذلك أحيى وأموت، واُبعث إن شاء اللّه تعالى، والسلام على مَن اتّبع الهدى. أمّا بعد، فاعلم يا بنيّ _ أبقاك اللّه بفضله، وطوّل عمرك بطوله، وثبّتك على الإيمان بالولاية بالنبيّ وآله صلّى اللّه عليه وآله _ أنّ علمه تبارك وتعالى علمه، لا علم بكيفيّته لأحد غيره، اعترف العقل بالعجز فهدى، والسُعداء به يقتدون، واستكبر الجهل بنفسه فهوى، والأشقياء على إثره يهرعون، فاستعذ باللّه واعترف، وخُذ لنفسك من نفسك وأنصف. «وَ مَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» ، (65) فاحذر ولا تتفكّر في أنّ علمه عزّ اسمه حصوليّ فيمن لم يزل، أو حضوريّ عند من لا يزال، فيُلجئك على أيّهما ترضى إلى أقوال باطلة ومذاهب مضلّة، بل إلى أقبحها (66) طريقة، وأفضحها كفرا وزندقة من يتخبّطه الشيطان من المسّ (67) ، لا يشعر أنّ الأزليّ لا يحدّ ولا يحسّ، لُبس الأزلي حدوث ونشوء، لبس القَدَري نفوث وغلو، إخفاس كفر المتصوّفة من أساس شرك المتفلسفة، شبهات الفلاسفة شُبّاك العناكب، والقَدَريّة ذِبّان عُمّة في المعاطب. مَثَل المفتاح وحركة اليد قياس الصانع تعالى بالزماني المجسّد، «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ» (68) . ومِثْل مَثَل البحر والموج، غلط من أبناء هَبَنَّقة (69) . وحكاية سلسلتي البدو والعود شطط وشيطنة وزندقة. وقصّة النزول والصعود والتشكّلات سرقت من تناسخيّة جاكرلات. وأمّا حديث : «لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله» أو «لكفّره» حقّ لا يجري فيه الخلف؛ لما جرى فيما بين موسى والخضر كما في سورة الكهف (70) ، كان موسى عليه السلام من اُولي العزم عالما بما لا يحصى ، وكان للخضر عليه السلام علوم لم يعرفها موسى، وتعاجيب علم لا يتناهى لا يتناسى، قتل النفس بغير النفس عمدا يوجب الحكم على القاتل قودا. قال أبو جعفر عليه السلام : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ حديث آل محمّد صعبٌ مستصعب، لايؤمن به إلّا مَلكٌ مُقرَّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان...» (71) ، الحديث. وقال الصادق عليه السلام : «ذُكرت التقيّة يوما عند عليّ بن الحسين عليهماالسلام فقال: واللّه ، لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله: ولقد آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بينهما ، فما ظنّكم بسائر الخلق، إنّ علم العلماء صعبٌ مستصعبٌ لا يحتمله إلّا نبيٌّ مرسل، أو مَلكٌ مقرّب، أو عبدٌ مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان...» (72) ، الحديث. وحديث: «مَن عرف نفسه» (73) مفسّر بحديث «أركان المعرفة» (74) ، كما سيذكر في المقدّمة العاشرة . يا بنيّ _ حفظك اللّه _ إنّ اللّه _ تعالى ذكره _ خلق العقل نورانيّا في ذَراه (75) ، فعقل بنوره وتوفيقه وهداه أنّ الأعلم بما في نظام العالم وشأن نَسقَه بهذا العِظَم والحِكَم إنّما هو صانعه العظيم، ومدبّره الحكيم، جلّ شأنه، وسطع برهانه، فقطع بانحصار القطع بما هو الحقّ فيه ممّا اختلف فيه، فيما أخبر هو به وقاله، فانقطع بالّذين آمنوه وقطعوا سؤاله، وأحسنوا حاله في حاله ومآله، قاطعا بأنّه لن يرضى شأن عظمة ربّ العالمين أن يخبر نَبْذا مخلوقا من الماء والطين بضروريّات الدِّين المبين، بالرموز والكنايات، أو الاُغلوطات (76) والخيدعات (77) ، كما توهّم القَدَرِيّة الهالكة بالضلالات، لعنة اللّه عليهم ملأ الأرضين والسماوات، فقطع العقل وأيقن بالحجّة الباهرة أنّ تلك العظمة القاهرة شأنها أن يخبرهم بها بسفارة الحجج، المنجين سفنهم من اللّجج، بحيث يكون عند جميع الأفهام حتّى (78) فهم من له شعور في سنّ الصِباء على السواء كالشمس في رابعة النهار، بالنظر إلى جميع الأنظار، وعزيمة «عليكم بدين العجايز» 82 نصّ في ذلك لاُولي الألباب. هل تفاوت في الاعتقاد بالمنكر والنكير بين تعقّل المؤمن العالم الخبير، وتصوّر ابنه الصغير بأنّهما ملكان جسمانيّان، يجيئان ويمشيان، ويسئلان بجارحة اللّسان، وفي يدهما إرزّبتان (79) جسمانيّتان، يضربان على هام الملاحدة والكفّار، فتطمّ قبورهم في كلّ ضربةٍ من النار (80) ؟! أو هل يتفاوت فهم الكبير ودرك الصغير تسوية اللّه الأرض بزلزلة الساعة، وهو شيءٌ عظيم (81) بحيث إذا كانت بيضة في مغربها لرأيت من مشرقها قِفاف (82) من التراب في طبق لتسوّى بأدنى تحريك من ذي رمق، واللّه خلق الإنسان من علق (83) ، ولخلق السماوات أكبر (84) ؟! (85) أو هل تفاوت في تصوير المكلّفين وتصديق المؤمنين، جمع اللّه الأوّلين والآخرين بالحشر الجسماني في الموقف الجسداني وأهوالهم من الصراط وميزان الأعمال، وغير ذلك من سائر تلك الأحوال، «أَيَحْسَبُ الْاءِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِىٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِىَ الْمَوْتَى» (86) ؟! أو هل يتفاوت الاعتقاد بضبط أسرع الحاسبين (87) أعمال عباده في صحائف ليوم الدِّين، ونظائرها يوم التناد على رؤوس الأشهاد، عند الفاضل الفقيه ، وابنه ابن السبع كما سمع من أبيه أو أترابه (88) أومعلّميه؟! ليست جهنّم التي كانوا يوعدون إلّا وهدات (89) في وهدة عظيمة عميقة، وحفرات في حفرة وسيعة قعيرة، حاقّة حطمة، طامّة مطمومة من نار تلظّى، لا يصليها إلّا الأشقى الذي كذّب وتولّى ، فيها غضبان وحيّات، ولها تحطّم وهدّات، أوّل دركاتها عميق، ولصاخّة لهباتها زفير وشهيق، إنّها ترمي بشررٍ كالقَصر، كأنّه جِمالات صُفر، مُثّل في حدّتها حدّة أدنى الشرارة التي وقودها الناس والحجارة، تلقي سكّانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال، وشديد الوبال، وعقاربها الفاغرة (90) أفواهها، وحيّاتها الصالقة (91) بأنيابها، وشرابها الذي يقطّع أمعاء وأفئدة سكّانها، فويلٌ للقدريّ الجاحد والفلسفيّ الكافر، وطوبى لمن آمن باللّه واليوم الآخر (92) . وهل الجنّة التي أعدّت للمتّقين إلّا روضات جسمانيّة نورانيّة عرضها كعرض السماوات. (93) «فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ» . (94) «وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» . (95) «دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . (96) أظهر من الشمس ، إنّ شمس الضحى لا يتفاوت بالنظر إلى أنظار الأصحّاء، والتفاوت في العقائد بالتشكيك المعروف غير التفاوت في المعتقد عليه الموصوف . وأمّا العلم بأنّ للشمس فلكين أو ثلاثة ومنطقتها توازي فلك البروج البتّة، وهي تقاطع منطقة المائل وغير ذلك من المسائل، فمن المزايا والفضائل لا مدخل لها فيما لا يتفاوت منها في الأبصار عند الإبصار. «قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا» . (97) «وَاللّه ُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» . (98) إخبار اللّه المخلوق الأوّل بخلق الدنيا كذا وكذا وهي هكذا، وكذا إخباره عباده بغيب الآخرة وأحوالها. اعلم يا بنيّ _ أعانك اللّه وأعطاك خير الدنيا والآخرة بحقّ الحسين وأخيه وجدّه وأبيه واُمّه وبنيه صلوات اللّه عليهم _ أنّ لنظام الإيمان سلسلة واحدة نورانيّة متّصلة من لدن آدم إلى قيام الساعة، ولرسوم الكفر سلاسل شتّى متفرّقة ظلمانيّة في مقابلها، وكما أنّ سلسلة الإيمان في جميع الأزمان قائمة بالحجج المعصومين في كلّ زمان بحجّة من حجج ربّ العالمين وشيعتهم، فسلاسل الكفر قائمة في جميع الأعصار والدهور بالغرور اللّعين وطواغيته وتبعتهم . افترقت اليهود بعد موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، إحداها ناجية والباقية هالكة، والنصارى على اثنين وسبعين كذلك، وهذه الاُمّة على بضع وسبعين، إحداها ناجية والباقية باغية هالكة. (99) وكما أنّ في شيعة كلّ حجّةٍ أكابر فضلاء في المعارف البيضاء، ففي تبعة كلّ طاغوت مشايخ كبراء وأبالِسَة مُهَراء في الشيطنة والنَكْراء. كانت المساجد الأربعة التي كانت بناها ثلاثة من أخيار السلف، في أعلى علوّ درجات العزّة والشرف، وأقصى قُصُوّ طبقات الحرمة والزَّلَف، بإجماع المسلمين والمؤمنين من السلف والخلف، كمسجد مكّة، والمدينة، والحائر، والنجف، كأنّها أربعة أركان لحوزة الإسلام وحَوْمَته، أوأربعة أسوار لمدينة الإيمان ودَوْمَته، كلّ من جانب؛ لمكانته في مكانه، كالآفاق الأربعة للعالم ونظام زمانه هذا في المشرق، وهذا في مقابله، وثالثها في الجنوب، والرابع في مماثله، هذا هو الكافي بحجّة الإعجاز لطالبي هُدى الإسلام، وهذا هو الفقيه العدل الممتاز للسائلين عن حكم الحلال والحرام، والثالث التهذيب لسرائر المؤمنين، والرابع الاستبصار لبصائر المستبصرين. (100) فوفّقت بعون اللّه وطفقت أخذا بتوفيق اللّه في تأليف كتاب على نَسَق كتاب الكافي؛ ليكون كافيا بميامن الكافي لمن أراد الانتقام والتلافي. وكان تأليف الكافي بالأمر المشافهي من صاحب الأمر صلوات اللّه عليه. وسمّيته ب «الهدايا لشيعة أئمّة الهدى» ورتّبته بعون اللّه وحُسن تأييده على اثنتي عشرة مقدّمة وثلاثين جزءا وخاتمة:

.


1- . في «الف»: «بحمده».
2- . هود (11): 41.
3- . الإسراء (17): 9.
4- . في «ب» و «ج»: - «في».
5- . النساء (4): 165.
6- . الأنفال (8): 42.
7- . اقتباس من الآية 30، الإنسان (76).
8- . في «ب» و «ج»: «يحلّ».
9- . اقتباس من الآية 23، الأنبياء (21).
10- . في «ب»: «أحد».
11- . اقتباس من الآية 7، الحجرات (49).
12- . اقتباس من الآية 8 ، الحجرات (49).
13- . تحبير اللغات: تحسينها. اُنظر: الصحاح، ج 2، ص 620 (حبر).
14- . من قوله: «ما خلق» إلى «تصاريف الصفات» اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 134، باب جوامع التوحيد، ح 1. وأيضا كثير من عباراته اقتباس من الآيات والروايات.
15- . من قوله: «ليس لإرادته» إلى «وأمره واقع» اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
16- . «تضعضع» أي خضع و ذلّ. النهاية لابن الأثير، ج 3، ص 187؛ القاموس المحيط، ج 3، ص 56 (ضعضع).
17- . يس (36): 83 .
18- . الزخرف (43): 87 .
19- . في «الف» و «ب»: «الصمديّة».
20- . «السناء» بالمدّ: الرفعة. مجمع البحرين، ج 1، ص 231؛ المفردات في غريب القرآن، ص 429 (سنا).
21- . «المجاول»: جمع مجول بفتح الميم، و هو مكان الجولان أو زمانه. في لسان العرب، ج 13، ص 184 (رفن): الْمَجْوَل: مَفْعل من الجَوَلان.
22- . «الجوائل»: جمع جائلة من الجولان.
23- . من قوله: أزله نهىً _ إلى _ الأفهام، اقتباس من المروي في الكافي، ج 1، ص 140، باب جوامع التوحيد، ح 5.
24- . اقتباس من الآية 54 ، فصّلت (41).
25- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 85 ، باب أنّه لايعرف إلاّ به، ح 2.
26- . المجادلة (58): 7.
27- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
28- . اقتباس من المرويّ في الأمالي للصدوق، ص 278، المجلس 47، ح 6 .
29- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
30- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 108، باب آخر و...، ح 1.
31- . الشورى (42): 11.
32- . اقتباس من المرويّ في كفاية الأثر، ص 261، باب ما جاء عن محمّد بن جعفر؛ و عنه في البحار، ج 4، ص 54 ، باب نفي الرؤية، ح 32.
33- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 135 باب جوامع التوحيد، ح 1. و«الطامح»: المرتفع. راجع: مجمع البحرين، ج 2، ص 393 (طمح).
34- . الأنعام (6): 59.
35- . الزخرف (43): 84 . في «ج» : - «وَ فِى الْأَرْضِ إِلَ_هٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ».
36- . الحديد (57): 4.
37- . الزخرف (43): 84 .
38- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 2.
39- . خَرَقَه خزقا من باب ضرب: طعنه، وخَزَقَ السهمُ القرطاس: نفذ منه فهو خازق. المصباح المنير، ج 1، ص 168 (خزق).
40- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 134، باب جوامع التوحيد، ح 1.
41- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 442، باب مولد النبيّ، ح 10.
42- . اقتباس من الآية 119، البقرة (2).
43- . اقتباس من الآية 107، الأنبياء (21).
44- . اقتباس من الآية 3، المائدة (5).
45- . اقتباس من الآية 128، التوبة (9).
46- . اقتباس من الآية 56 ، الأحزاب (33).
47- . في «الف»: «ما».
48- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 144، باب النوادر، ح 5.
49- . في «ب» و «ج»: وولده.
50- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 253، باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر، ح 9.
51- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 143_145، باب النوادر، ح 3، 5 ، 7.
52- . في «ب»: بالرحمة.
53- . «الآفق» على فاعل: الذي قد بلغ الغاية في العلم و الكرم وغيره من الخير. لسان العرب، ج 10، ص 6 (أفق).
54- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 199، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، ح 1.
55- . في «ج»: طاهرا.
56- . يقال: كلأك اللّه كِلاءَةً، أي حَفِظَك وحرسك، والمفعول منه مَكْلوء. لسان العرب، ج 1، ص 145 (كلأ).
57- . الفِقْرة الأخيرة من كلامه من قوله: «وأنّ الإمام الحقّ _ إلى _ في جميع أحواله» اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 1، ص 203، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، ح 2.
58- . فصّلت (41): 42.
59- . العمدة، ص 99، الفصل 14، ح 132؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 239؛ و الآية في المائدة (5): 67 .
60- . الصافات (37): 130.
61- . الشرح (94): 7.
62- . المائدة (5): 6 .
63- . الحجر (15): 9.
64- . الحجّ (22): 7.
65- . اقتباس من الآية 85 ، الإسراء (17).
66- . في «ب»: أقحمها.
67- . اقتباس من الآية 275، البقرة (2).
68- . الطور(52): 35_36.
69- . في لسان العرب، ج 10، ص 365 (هبنق) : «وهبنّقة القَيْسي: رجل كان أحمق بني قيس بن ثعلبة... و كان يضربُ به المثل في الحمق».
70- . الكهف (18): 65 _ 82 .
71- . الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أنّ حديثهم صعب مستصعب، ح 1.
72- . الكافي، ج 1، ص 401، باب فيما جاء أن حديثهم...، ح 2.
73- . عوالى¨ اللآلي، ج 4، ص 102، ح 149.
74- . لم نعثر عليه.
75- . أنا في ظلّ فلان وذَراه، أي في كنفه وسِتْره. لسان العرب، ج 14، ص 284 (ذرا).
76- . «الاُغلوطة»: الكلام الذي يغلط فيه و يغالط به، لسان العرب، ج 7، ص 363 (غلط).
77- . طريق خادِع و خَيْدَع: مضلّ، كأنّه يخدع سالكه. المفردات في غريب القرآن، ص 276 (خدع).
78- . في «الف» و «ب»: «حقّ».
79- . المِرْزَبَة والإرْزَبَّة: عُصَيَّةٌ من حديد. لسان العرب، ج 1، ص 416 (رزب).
80- . اقتباس من المرويّ في الكافي، ج 3، ص 239، باب المسألة في القبر و...، ح 12.
81- . اقتباس من الآية 1، الحجّ (22).
82- . «القفّ»: ما ارتفع من متون الأرض وصلبت حجارته، والجميع: القفاف. كتاب العين، ج 5 ، ص 28 (قفف).
83- . اقتباس من الآية 2، العلق (96).
84- . في «الف»: «أبكر».
85- . اقتباس من الآية 57 ، غافر (40).
86- . القيامة (75): 36 _ 40.
87- . اقتباس من الآية 62 ، الأنعام (6).
88- . «أترابه»: أمثاله. في مجمع البحرين، ج 2، ص 12 (ترب): «وقوله تعالى: «عربا أترابا» ، أي أمثالاً وأقرانا. واحده: ترب».
89- . الوَهد والوَهْدَة: المطئنّ من الأرض والمكان المنخفض كأنّه حفرة. لسان العرب، ج 3، ص 471 (وهد).
90- . فغرالفم نفسُه وانفغر: انفتح، يتعدّى ولايتعدّى... وفي حديث عصا موسى على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام : «فإذا هي حيّة عظيمة فاغرة فاها». لسان العرب، ج 5 ، ص 59 (فغر).
91- . الصَّلْقة والصَّلْق والصَلَق: الصياح والولولة والصوت الشديد... وصَلَق نابه يصلقه صَلْقا: حكّه بالآخر فحدث بينهما صوت. لسان العرب، ج 10، ص 10، ص 205 (صلق).
92- . الفقرة الأخيرة في بيان صفات جهنّم اقتباس من سورة الحاقّة (69): 1 _ 3؛ الهُمَزة (104): 4 _ 5 ؛ الليل (93): 14 _ 19؛ هود (11): 106؛ المرسلات (77): 32 _ 33؛ التحريم (66): 6 ؛ المزمّل (73): 12.
93- . اقتباس من الآية 133، آل عمران (3)؛ و 21، الحديد (57).
94- . الغاشية (88): 12 _ 16.
95- . الواقعة (56): 20 _ 24.
96- . يونس (10): 10.
97- . الأنعام (6): 104.
98- . يونس (10): 25.
99- . إشارة إلى حديث الإفتراق، رواه الخاصّة والعامّة. راجع: بحارالأنوار، ج 28، ص 2 _ 31، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ على...؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 608 ، ح 4596؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 25، ح 2640 و ص 26، ح 2441؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1321، ح 3991؛ مسند أحمد، ج 2، ص 332، ح 8377 .
100- . إشارة إلى الموسوعات الأربعة الحديثيّة: الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار.

ص: 56

. .

ص: 57

. .

ص: 58

. .

ص: 59

. .

ص: 60

. .

ص: 61

. .

ص: 62

. .

ص: 63

. .

ص: 64

. .

ص: 65

. .

ص: 66

. .

ص: 67

. .

ص: 68

. .

ص: 69

المقدّمة الاُولى:قد ذكر العلّامة الحسن بن يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي قدس سره: أنّ الشيخ الصدوق ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني _ طاب ثراه _ قد قال في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، فقال: والمراد بقولي عدّة من أصحابنا: محمّد بن يحيى العطّار، وعليّ بن موسى الكميداني (1) ، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم. وقال: وكلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن . قال: وكلّما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد فهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبداللّه ، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني. (2)

.


1- . كذا، وفي المصدر: «الكمنداني».
2- . خلاصة الأقوال، ص 272، الفائدة الثالثة.

ص: 70

المقدّمة الثانية:قد ظهر اصطلاح جديد من بعض المعاصرين 1 في ذكر أسانيد الأخبار فجرينا عليه غالبا في هذا الكتاب؛ قصدا إلى الإعانة للمتعلّم على الحفظ والضبط، والاقتصار في الاختصار، ولكلّ جديدٍ لذّة، فقد يعبّر عن الجماعة المذكورة في المقدّمة الاُولى في كلّ من المواضع الثلاثة بالعدّة اكتفاءً بالقرائن المتّصلة. والعبارة عن محمّد بن إسماعيل وشيخه الفضل بن شاذان: النيسابوريّان. وربّما يتكرّر في أوائل أسانيد الكافي والتهذيب أيضا أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، وقد يُعبّر عنهما فيهما بأحمد بن إدريس عن محمّد بن أبي الصهبان، فالعبارة عنهما: القمّيّان. وإن تفرّد أحدهما عن الآخر، فالعبارة عن الأوّل: القُمّي، وعن الثاني: الصُهباني. وإن اجتمع الأربعة بالعطف وكان المرويّ عنه صفوان بن يحيى يقال: الأربعة، عن صفوان. وكثيرا مّا يتكرّر في أوائل أسانيد الكافي والتهذيب أيضا الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، فيكتفى عن ذكرهما بأن يقال: الاثنان. والعبارة عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عُمير: الثلاثة. فإن كان تتمّة السند عن حمّاد عن الحلبي فيعبّر عنهم بالخمسة. وحمّاد هذا هو حمّاد بن عثمان، والحلبي عبيداللّه بن مُحمّد مصغّرا إلّا أن يكون الراوي عن حمّاد إبراهيم بن هاشم، فحمّاد هو حمّاد بن عيسى. وقد قال العلّامة الحلّي قدس سره: قد يغلط جماعة في الإسناد من إبراهيم بن هاشم إلى حمّاد بن عيسى، فيتوهّمونه حمّاد بن عثمان، وهو غلط؛ فإنّ إبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان بل حمّاد بن عيسى. (1) والعبارة عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير: الخمسة أيضا. والفرق بين الخمستين أنّ الاُولى تمام السند، والثانية بعضه . ويعبّر عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني: بالأربعة أيضا. وستعرف الفرق بين الأربعة الاُولى وغيرها. ويعبّر عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن محمّد بن مسلم: بالأربعة عن محمّد. وحمّاد هذا هو حمّاد بن عيسى؛ لما عرفت آنفا. وربّما يكون مكان محمّد بن مسلم غيره فيقال: الأربعة عن فلان . والعبارة عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم: محمّد عن الأربعة. والفرق بين الأربعتين الأوّلتين بكون الاُولى تمام السند والثانية بعضه، وبين الأربعتين الأخيرتين أنّ الاُولى في أوّل السند والاُخرى في آخره، وبين الأربعة الاُولى وغيرها بكون المرويّ عنه في الاُولى صفوان. ويُعبّر عن الأربعة الفطحيّة المذكورة في الكافي والتهذيب أيضا هكذا: أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى الساباطي: بالفطحيّة. ويُعبّر عن المشايخ الثلاثة المذكورة في الكافي والتهذيب أيضا هكذا: محمّد بن النعمان، عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد: بالمشايخ. وربّما يتكرّر في الكافي والتهذيب أيضا رواية الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي؛ وكذا رواية سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبداللّه بن عبدالرحمن الأصمّ، عن مسمع بن عبد الملك. وكذا رواية الصفّار عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، فيعبّر هكذا: الحسين أو سهل أو الصفّار، عن الثلاثة. والفرق بين الثلاثة الاُولى وغيرها بأنّ الاُولى في أوّل السند والبواقي في آخره. وأمّا الفرق بين البواقي فبالراوي عنهم. وربّما يتكرّر في أواسط السند محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، فيعبّر عنهما بالمحمّدين. وربّما يتكرّر في أواخر السند هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، فيُعبّر عنهما بالاثنين. والفرق بين الاثنين الأوّل والثاني هذا بما به الفرق بين الثلاثة الاُولى وغيرها. ويُعبّر عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد بالقاسم، عن جدّه. والعبارة عن عليّ بن حسّان، عن عمّه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي: عليّ عن عمّه. وعن ابن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم الأحمر: ابن أسباط عن عمّه. وربّما يتكرّر في السند أسماء رجال كثيرة الألفاظ مثل: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وعبد الرحمن بن الحجّاج البَجَلي، وعبد الرحمن بن أبي نجران التميمي، وعبد الرحمن بن أبي عبداللّه البصري، وعبد الرحمن بن محمّد العَرزميّ، ومحمّد بن عيسى العبيدي اليقطيني، وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني، وعبداللّه بن يحيى الكاهلي، وبُريد بن معاوية العجلي، وأحمد بن الحسن الميثمي، وعليّ بن محمّد القاساني، وجعفر بن محمّد الأشعري، وسليمان بن جعفر الجعفري ، وسليمان بن داود المِنْقرَي، والهَيْثَم بن أبي مسروق النَهدي، وإبراهيم بن عمر اليماني ، ومحمّد بن خالد الطيالسي، وإسماعيل بن الفضل الهاشمي، والحسن بن الحسين اللؤلؤي، والحسن بن عليّ الكوفي ، وهارون بن حمزة الغنوي، وإبراهيم بن زياد الكرخي، وعليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال التيملي، وعليّ بن الحسن الطاطري (2) ، والقاسم بن محمّد الجوهري، وشعيب بن يعقوب العقرقوفي ، وموسى بن اُكيل (3) النُميري، وأحمد بن محمّد السيّاري، وبكر بن محمّد الأزدي، وأيّوب بن نوح النخعي، ومحمّد بن أحمد العلوي، وسليمان بن حفص المروزي، ومحمّد بن سليمان الديلمي، وأبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري، ومحمّد بن مسعود العيّاشي، وإبراهيم بن نعيم أبي الصباح الكناني، وثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي، وعبداللّه بن محمّد أبي بكر الحضرمي، وأبي عبداللّه أحمد بن محمّد العاصمي، وأبي عبداللّه محمّد بن أحمد الرازي الجاموراني، فيكتفى عنها بكلمات النسبة. كما يكتفى بالأوصاف والألقاب عن أسماء جمع من الرجال كأبي عبداللّه محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد، ومحمّد بن الحسن الصفّار، والحسن بن موسى الخشّاب، والحسن بن محبوب السرّاد، والحسن بن زياد الصيقل، والحسن بن عليّ الوشّاء، والحسين بن نعيم الصحّاف، وزياد بن عيسى أبي عبيدة الحذّاء، وإبراهيم بن زياد أبي أيّوب الخرّاز _ بتوسّط المهملة _ وعبداللّه بن محمّد الحجّال ، وعبداللّه بن ميمون القدّاح، وعبيداللّه بن عبداللّه الدّهقان، وعبداللّه بن عبد الرحمن الأصمّ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزيّات، وأبي اُسامة زيد الشحّام، وأبي العبّاس محمّد بن جعفر الرزّاز، وأبي العبّاس فضل بن عبد الملك البقباق، وأبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول الملقّب بمؤمن الطاق ، ويزيد بن إسحاق شعر، ومنصور بن يونس بزرج. وكما يكتفى بالنسبة إلى الأجداد عن أسماء جماعة مثل عليّ بن محمّد بن بندار، وأحمد بن محمّد بن عيسى، والحسن بن محمّد بن سماعة، ومحمّد بن الحسن بن شَمّون، والحسن بن عليّ بن يوسف بن بَقّاح، والحسن بن عليّ بن فضّال، وعليّ بن الحسن بن رِباط، وعليّ بن أحمد بن أشيم، وجعفر بن محمّد بن قولويه، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع، والحسين بن الحسن بن أبان، ومحمّد بن عليّ بن محبوب، والحسن بن عليّ بن يقطين، والحسن بن عليّ بن أبي حمزة، ومحمّد بن عبداللّه بن هلال، ومحمّد بن عبداللّه بن زرارة، وأحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، وعليّ بن محمّد بن الزبير. وقد يُكتفى عمّن له اسم غريب باسمه عن اسم أبيه، كمسمع بن عبد الملك أبي سيّار الملقّب بِكِرْدِين، ودُرُسْت بن أبي منصور الواسطي، وذريح بن محمّد بن يزيد المُحاربي أبي الوليد، ويُقال له: ذريح بن يزيد، وذُبْيان بن حكيم الأودي _ بضمّ المعجمة وإسكان المفردة _ وبنان بن محمّد بن عيسى أخي أحمد بن محمّد بن عيسى _ بتقديم المفردة على النون _ ويقال له: عبداللّه بن محمّد ، وسماعة بن مهران الحضرمي، ورفاعة بن موسى النخّاس الأسدي. ويكتفى عمّن كان لأبيه اسم غريب بنسبته إليه وحذف اسمه كعليّ بن رئاب، وعليّ بن أسباط، وغياث بن كلوب، وإسماعيل بن مرّار. وعن معاوية بن عمّار، ومعاوية بن وهب كذلك. وعن أكثر العبادلة كذلك أيضا مثل عبداللّه بن المغيرة، وابن أبي يعفور، وابن مسكان، وابن بكير . وعن الحسين بن عليّ بن يقطين إذا كان مع أخيه الحسن بأخيه، وعن أبيهما إذا كان معهما بأبيه. وربّما يحذف أسماء الآباء لدلالة القرائن عليها كعليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن يحيى في أوائل أسانيد الكافي، وسهل بن زياد، وأحمد بن محمّد في ثوانيها. وقد يقعان في أوائلها بحذف الصدر. وكأحمد بن محمّد، والحسين بن سعيد، وسعد بن عبداللّه في أوائل أسانيد التهذيب أو أواسطها ، وموسى بن القاسم البجلي في أوائلها في كتاب الحجّ، والنضر بن سويد وفضالة بن أيّوب المتكرّرين بعد الحسين غالبا، وأبان بن عثمان، وعثمان بن عيسى، وصفوان بن يحيى، وحمّاد بن عثمان، وحسين بن عثمان المتكرّرين غالبا فيما قبل آخر السند أو آخره. ويكتب حسين هذا بلا لام. وعاصم بن حميد الراوي عن محمّد بن قيس، وحميد بن زياد الراوي عن ابن سماعة، وعليّ بن أبي حمزة الراوي عن أبي بصير، والعلاء بن رزين ومحمّد بن مسلم المتكرّرين معا في أواخر السند. وقد يُحذف اسم الجدّ في مثل محمّد بن أحمد بن يحيى، واسم الأب في مثل عليّ بن إسماعيل الميثمي المتكرّر في أوائل أسانيد التهذيب. كلّ ذلك مع عدم الاشتباه. وكثيرا مّا يتكرّر في أثناء أسانيد التهذيب أبو جعفر خصوصا في كتابي الزكاة والصيام، والمظنون أنّه أحمد بن محمّد بن عيسى ، وقد قطع بعض أئمّة علم الرجال بأنّه هو إذا روى عنه سعد؛ فلعدم اليقين يتبع في التعبير عنه بأبي جعفر صاحب التهذيب قدس سره.

.


1- . خلاصة الأقوال، ص 281، الفائدة التاسعة.
2- . أي كان بيّاعا للثياب الطاطريّة.
3- . في «ب» و «ج»: «الكميل».

ص: 71

. .

ص: 72

. .

ص: 73

. .

ص: 74

. .

ص: 75

المقدّمة الثالثة:معنى قولهم: قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : أنّهم أجمعوا على توثيقه وتوثيق من يروي عنه. قال أبو عمر محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي رحمه الله في كتابه عند تسميته الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام : قد أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلاموانقادوا لهم بالفقه، وقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة، ومعروف بن خَرَّبوذ، وبُريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطائفي. قالوا: وأفقه الستّة زرارة. وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي واسمه يحيى بن القاسم: أبو بصير المرادي، وهو ليث بن البختري المرادي. (1) وروى بإسناده عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «أوتاد الأرض وأعلام الدِّين أربعة: محمّد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وليث بن البختري المرادي، وزرارة بن أعين». (2) وقال في تسميته الفقهاء من أصحاب الصادق عليه السلام : قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون هؤلاء الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم، وهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبداللّه بن مسكان، وعبداللّه بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان وأبان بن عثمان. قال (3) : وزعم أبو إسحاق الفقيه _ يعني ثعلبة بن ميمون _ أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج، وهم أحاديث أبي عبداللّه عليه السلام (4) . رجل حَدُث وحَدِث بضمّ الدال وكسرها، وحِدْث (5) وحِدّيث: شابّ وكثير الحديث أيضا، والجمع على كلا المعنيين: أحاديث شاذّ، وحِدْثان ويُضمّ؛ قاله في القاموس (6) ، فإن ذكرت السنّ قلت: حديث السنّ . وقال أبو عمرو الكشّي رحمه الله في تسميته الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرّضا عليهماالسلام : قد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام منهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبداللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن عليّ بن فضّال، وفضالة بن أيّوب. وقال بعضهم مكان ابن فضّال: عثمان بن عيسى. وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري. (7) وقال الحسن بن عليّ بن داود في رجاله: أجمعت العصابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم غير أنّهم يتفاوتون وهم ثلاث درج: الدرجة العُليا لستّة منهم من أصحاب أبي جعفر عليه السلام أجمعوا على تصديقهم وإنفاذ قولهم والانقياد لهم في الفقه، وهم : زرارة بن أعين، معروف بن خَرّبوذ ، بُريد بن معاوية، أبو بصير ليث بن البختري، الفضيل بن يسار، محمّد بن مسلم الطائفي. الدرجة الوسطى: فيها ستّة أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالفقه، وهم من أصحاب أبي عبداللّه عليه السلام : يونس بن عبد الرحمن، صفوان بن يحيى بيّاع السابري، محمّد بن أبي عمير، عبداللّه بن المغيرة، الحسن بن محبوب، أحمد بن محمّد بن أبي نصر. الدرجة الثالثة: فيها ستّة أجمعوا على تصديقهم وثقتهم وفضلهم، وهم: جميل بن درّاج، عبداللّه بن مُسكان، عبداللّه بن بُكير، حمّاد بن عيسى، حمّاد بن عثمان، أبان بن عثمان. وأفقههم جميل بن درّاج رضوان اللّه عليهم أجمعين. (8)

.


1- . رجال الكشّي، ص 238، ح 431، وفيه: «اجتمعت» بدل «قد أجمعت».
2- . رجال الكشّي، ص 238، ح 432.
3- . في المصدر : «قالوا».
4- . رجال الكشّي، ص 375، ح 705. وفيه: «وهم أحداث أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام ».
5- . في «ج»: «حديث».
6- . القاموس المحيط، ج 1، ص 164 (حدث).
7- . رجال الكشّي، ص 556 ، ح 1050، وفيه: «أجمع أصحابنا» بدل «قد أجمع الأصحاب».
8- . رجال ابن داود، ص 384 _ 385.

ص: 76

. .

ص: 77

المقدّمة الرابعة:قد اشتهر في كتب أصحابنا الأخباريّين ذكر طائفة من الرجال بالألقاب والكُنى دون الأسماء. منهم: الصفواني، من تلامذة ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ اسمه محمّد بن أحمد بن أبي عبداللّه بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمّال، يُكنّى أبا عبداللّه ، ثقة ثقة، باهلَ قاضي الموصل في الإمامة بين يدي ابن حمدان فحّم القاضي من ساعته وانفلج كفّه التي باهله بها واسودّت ومات من الغد، فعظمت منزلة أبي عبداللّه الصفواني عند الملك بذلك. (1) والوشّاء، اسمه الحسن بن عليّ. والحجّال، اسمه عبداللّه بن (2) محمّد. والنوفلي الراوي عن السكوني، اسمه الحسين بن يزيد. والبقباق، اسمه الفضل بن عبدالملك. والسكوني بالفتح، اسمه إسماعيل بن أبي زياد. واسم أبي زياد (3) : مسلم. والبزوفري، اسمه الحسين بن سفيان. والكاهلي، اسمه عبداللّه بن يحيى. والساباطي، اسمه عمرو بن سعيد. والنخعي، اسمه أيّوب بن نوح. قال العلّامة الحلّي قدس سره : ويجيء النخعي لغيره (4) ، فيُعرف بالقرائن. والقلانسي، وحمدان النّهدي، كلاهما عبارة عن محمّد بن أحمد، ويقال القلانسي للحسين بن المختار أيضا ولغيره ، فالاعتبار بالقرائن. وسعدان بن مسلم، هو عبد الرحمن بن مسلم. والمسعودي، هو عليّ بن الحسين. والشاذاني، هو محمّد بن أحمد بن نُعيم، وهو أيضا شاذان بن نُعيم. والطّاطري، اسمه عليّ بن الحسن. وأبو أيّوب الخرّاز _ بتوسّط المهملة _ اسمه إبراهيم بن عثمان. وأبو عليّ الأشعري، اثنان، أحدهما: أحمد بن إدريس، والآخر: محمّد بن عيسى بن عبداللّه بن سعد بن مالك شيخ القمّيّين. وأبو المَغْراء _ بالفتح والمدّ والغين المعجمة _ اسمه حُميد. وأبو وَلّاد، اسمه حفص ، وحفص _ بالصّاد المهملة _ ولد الأسد. وأبو خالد القمّاط، اسمه يزيد بن سعد، وقيل: زيد بن سعد. وأبو سعيد القمّاط، هو خالد بن سعيد . والقمّاط، بنّاء بيوت القصب. وأبو داود المسترقّ _ بتشديد القاف _ اسمه سليمان بن سفيان. وأبو عبيدة الحذّاء، اسمه زياد بن عيسى. وابن حمدون الكاتب، اسمه أحمد بن إبراهيم. وأبو عبد اللّه العمركي، الراوي عن عليّ بن جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام ، اسمه علي البرمكي. ومحمّد بن أبي الصهبان، هو محمّد بن عبد الجبّار. وأبو الربيع الشامي، اسمه خُليد مصغّرا، وهو خُليد بن أوفى. وأبو الجيش الحبيش، (5) اسمه مظفّر. وأبو همّام، اسمه إسماعيل بن همّام. وأبو الصباح الكناني، اسمه إبراهيم بن نُعيم. وأبو الفضل الحنّاط _ بالنون _ اسمه سالم. وأبو حنيفة سابق الحاجّ _ بالمفردة _ اسمه سعيد بن بيان. وأبو خديجة، هو سالم بن مُكْرَم. وعمرو بن أبي المقدام، هو عمرو بن ثابت. وقيل: عُمر بالضمّ، وضبطه العلّامة الحلّي قدس سره بالضمّ (6) . وقال ابن داود: عمرو بن أبي المقدام _ بالواو _ ثابت بن هرمز العجلي مولاهم (7) . وضبط مولانا أحمد الأردبيلي رحمه اللهبالواو، وقال: كذا بخطّ الشيخ. وقيل: عمر، بضمّ العين. (8) وأبو أيّوب الأنصاري، هو خالد بن زيد. وأبو الخطّاب ملعون، ولقبه مِقْلاص، أقلصت الناقةُ: إذا سمنت في الصيف، وناقة مِقْلاص، واسمه: محمّد بن أبي زينب ؛ قاله العلّامة قدس سره (9) . وقال ابن داود: محمّد بن مقلاس بالسّين المهملة ، وبعض أصحابنا أثبته بالصّاد المهملة، ويكنّى مقلاص أبا زينب الزرّاد (10) . وقال الغضائري: محمّد بن أبي زينب أبو الخطّاب السرّاد _ لعنه اللّه _ أمره مشهور. (11) وقال الكشّي: يكنّى أبا إسماعيل وأبا الظّبيان، كان يكذب على أبي عبداللّه عليه السلام و أبو عبداللّه عليه السلام كان يلعنه ويبالغ في لعنه. (12) وقال ابن داود في موضع آخر في فصل في ذكر جماعة اشتهرت كناهم وخفيت أسماؤهم: محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب هو زيد، قاله محمّد بن بابويه رحمه الله 13 . وأبو سمينة، اسمه، محمّد بن عليّ بن إبراهيم القرشي الصيرفي، قال العلّامة: ضعيف. (13) وأبو الجوزاء، هو منبّه بن عبداللّه ، ثقة. وأبو بكر الحضرمي، اسمه عبداللّه بن محمّد، صرّح به الصدوق في الفقيه. (14) وحفص بن أبي ولّاد، هو حفص بن سالم. وأبو جميلة، هو المفضّل بن صالح. وعبد الرحمن بن أبي نجران، هو عبد الرحمن بن عمرو بن مسلم. ومحمّد بن أبي عمير، هو محمّد بن زياد. وعليّ بن أبي حمزة، هو عليّ بن سالم. وعبد الرحمن بن أبي عبداللّه ، هو عبد الرحمن بن ميمون البصري . وعبد اللّه بن أبي يعفور، هو عبد اللّه بن قيس بن منصور ، وقيل: اسم أبي يعفور واقد ، وقيل: وقدان. (15) وأحمد بن محمّد بن أبي نصر؛ هو أحمد بن محمّد بن زيد. وأبو جرير، هو زكريّا بن إدريس. وأبو مالك الحضرمي، هو الضحّاك. وأبو مريم، هو عبد الغفّار. وأبو بشر بن أبي فاختة، هو سعيد بن جهمان. وأبو القاسم، الراوي عنه الحسن بن محبوب، هو معاوية بن عمّار. وأبو الحسن السوّاق، ويقال: القلاّء، هو عليّ بن محمّد بن عليّ بن عمر بن ربّاح _ بتشديد المفردة _ واقفي ثقة.

.


1- . راجع: رجال النجاشي، ص 393، الرقم 1050.
2- . في «ج»: - «بن».
3- . في «ج»: - «واسم أبي زياد».
4- . خلاصة الأقوال، ص 271.
5- . في «ج»: - «الجيش».
6- . خلاصة الأقوال، ص 241.
7- . رجال ابن داود، ص 478، الرقم 350.
8- . لم نعثر عليه.
9- . خلاصة الأقوال، ص 271. وما أثبتنا هو الصحيح، وفي النسخ : «واسمه: محمّد بن الحسن بن أبي سارة» وهو من سهو النسّاخ أو قلم المصنّف رحمه الله.
10- . رجال ابن داود، ص 510 ، الرقم 467.
11- . حكاه عنه في رجال ابن داود، ص 510.
12- . راجع: رجال ابن داود، ص 511. هكذا نقل عن الكشّي. ولم أجده في رجال الكشّي.
13- . خلاصة الأقوال، ص 271، الفائدة الاُولى، الرقم 26.
14- . الفقيه، ج 4، ص 456، كتاب المشيخة.
15- . خلاصة الأقوال، ص 108، الرقم 25.

ص: 78

. .

ص: 79

. .

ص: 80

. .

ص: 81

المقدّمة الخامسة:من الذين ضبطت روايتهم بالعدد : عليّ بن يقطين، لم يرو عن الصادق عليه السلام إلّا حديثا واحدا. وعبداللّه بن مسكان، لم يرو عنه عليه السلام إلّا حديث مَن أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ. (1) وحمّاد بن عيسى، لم يرو عنه عليه السلام إلّا عشرين حديثا، ويروي عن أبي الحسن الأوّل والثاني عليهماالسلام . ومات في حياة الجواد عليه السلام ولم يحفظ منه حديثا، وكان ثقةً في حديثه صدوقا. قال: سمعت من أبي عبداللّه عليه السلام سبعين حديثا فلم أزل اُدخل الشكّ على نفسي حتّى اقتصرت على هذه العشرين؛ كان متحرّزا في الحديث ومبالغا في الاحتياط في ضبطه، دعا له أبو عبداللّه عليه السلام بأن يحجّ خمسين حجّة فحجّها وغرق بعد ذلك ، وكان من جهينة، ومات بوادي قباء بالمدينة وله نيّف وتسعون سنة رحمه الله. (2) وإدريس بن عبداللّه الأشعري، روى عن الرضا عليه السلام حديثا واحدا، وهو ثقة. ومسمع بن عبداللّه ، وقيل: ابن مالك 3 ، وقيل: ابن عبد الملك (3) ، ولقب مسمع كمنبر كِرْدين بكسر الكاف، روى عن الباقر عليه السلام رواية يسيرة وعن الصادق عليه السلام ، وأكثر واختصّ به. ويعقوب بن شعيب، روى عن الصادق عليه السلام خمسة آلاف حديث. وأبان بن تغلب، روى عنه عليه السلام ثلاثين ألف حديث. وجعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم شيخ المفيد رحمهماالله؛ من خيار أصحاب سعد بن عبداللّه ، روى عن أبيه الملقّب بمسلمة وأخيه عن سعد، وكان جليل القدر عظيم الشأن، وقال: ما سمعت من سعد إلّا أربعة أحاديث. (4) قال العلّامة الحلّي قدس سره : وكان أبو القاسم اُستاد الشيخ المفيد رحمهماالله من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الفقه والحديث، وكلّ ما يوصف به الناس من جميل وثقة فهو فوقه، مات رحمه اللهسنة ثمان وستّين وثلاثمائة هجرية. (5)

.


1- . رجال الكشّي، ص 382 _ 383، ح 716.
2- . خلاصة الأقوال، ص 56 ، الرقم 2. وراجع أيضا رجال الكشّي، ص 142، ح 370.
3- . رجال النجاشي، ص 420، الرقم 1124.
4- . رجال النجاشي، ص 123، الرقم 318.
5- . خلاصة الأقوال، ص 31، الرقم 6 . نقله عن العلاّمة ملخّصا. وفي الخلاصة: «مات سنة تسع وستّين وثلاثمائة».

ص: 82

المقدّمة السادسة:نظير تصريح ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني _ طاب ثراه _ في خطبة الكافي بأمثال قوله: ويأخذ منه من يريد علم الدِّين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام (1) تصريح الشيخ الصدوق رئيس المحدّثين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه رحمهمااللهفي خطبة الفقيه بأنّ ما ذكره فيه حجّة بينه وبين اللّه . (2) قال الفاضل الاسترآبادي مولانا محمّد أمين صاحب الفوائد المدنيّة رحمه الله: والسرّ في ذلك أنّ الصحيح عند قدماء أصحابنا الإخباريّين _ رضوان اللّه عليهم _ ما علم بقرينةٍ وروده عن المعصوم، وتلك القرائن كانت عندهم وافرة؛ لقرب عهدهم بهم عليهم السلام لا المعنى المصطلح عليه بين أصحابنا المتأخّرين الاُصوليّين، الموافق لاصطلاح العامّة المذكور في فنّ الدراية. (3) وقد صرّح المحقّق نجم الدِّين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلّي رحمه اللهفي اُصوله: بأنّ شيخ الطائفة ورئيسهم أبا جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه اللهيعمل بخبر الواحد العدل الإمامي غير المحفوف بقرينة (4) . ويعلم من ذلك أنّ طريقة رئيس الطائفة في هذا الباب طريقة قدماء أصحابنا الإخباريّين رحمهم الله. ومحمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني رحمه الله قد نقل في كتاب معالم العلماء عن الشيخ المفيد قدس سره أنّه قال: صنّفت الإماميّة من عهد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم إلى عهد الزكي أبي محمّد العسكري عليه السلام أربعمائة كتاب تُسمّى الاُصول ، وهذا معنى قولهم: فلان له أصل (5) . يعني أنّ الكتب التي استقرّ الأمر في قيام السُنّة على اعتبارها والتعويل عليها وتسميتها بالاُصول هي هذه الأربعمائة، لا أنّ كتبهم منحصرة فيها، فإنّها أكثر من أن تُحصى. ورجال الصادق عليه السلام من الخاصّة والعامّة على ما أفاده المفيد قدس سره في إرشاده، 6 أربعة (6) آلاف رجل (7) . فالأخبار المضبوطة بالكتب المعتبرة المتواترة متواترة كلّها، لكن قد يخصّ ما يفيد اليقين منها بأحكامه _ لكثرة رواته بحيث يمتنع تواطؤهم على الكذب؛ أو لعدم الاختلاف فيه لتشابهه من جهة _ باسم الخبر المتواتر، وما يفيد الظنّ منها _ بقابليّة تشابهه علاجا من المعالجات المضبوطة عن الأئمّة عليهم السلام كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى _ باسم خبر الواحد أو الخبر الواحد. وفي السنّة _ كالكتاب _ محكم ومتشابه، ناسخ ومنسوخ، عامّ وخاصّ . وكان المتعارف بين قدماء أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث معتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، ومقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه. إمّا لتواتره مطلقا في السنّة القائمة، بصراحة أحكامه المعلوم، أو تأويل تشابهه المعروف. وإمّا لتواتر وجوده في كثير من الاُصول الأربعمائة المشهورة المتداولة بينهم نقلاً عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة صلوات اللّه عليهم . أو في أصل منها أو أزيد بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة. أو في أصل معروف الانتساب إلى أحد من العصابة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة، ومحمّد بن مسلم، والفضيل بن يسار . أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. أو على العمل بروايتهم كعمّار الساباطي، ونظرائه. وإمّا لتواتر اندراجه في أحد الكتب التي عُرِضت على أحدٍ من الأئمّة عليهم السلام فأثنوا على مؤلّفيها، مثل كتاب عبيداللّه الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام (8) ، وكتاب يونس بن عبد الرحمن (9) ، وكتاب الفضل بن شاذان المعروضين على الزكيّ أبي محمّد العسكري عليه السلام (10) . وإمّا لأخذه من أحد الكتب التي شاع بين السلف الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلّفوها من الإماميّة مثل كتاب الصلاة لحريز بن عبداللّه السجستاني، وكتب بني سعيد، وعليّ بن مهزيار ؛ أو من غير الإماميّة مثل كتاب حفص بن غياث القاضي العامّي، والحسين بن عبداللّه السعدي، وكتاب القبلة لعليّ بن الحسن الطاطري. لكن المتأخّرين من علمائنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم لمّا رأوا أنّه ليس بدٌّ من تحصيل الترجيح عند تعارض الخبرين المعتمد عليهما على طريقة القدماء _ بالرجوع إلى حال الرجال في الجرح والتعديل، وابتناء الحكم على ما هو الأرجح لو لم يكن ما يعارضه هو الأحوط في المذهب، ولم يلزم بترك ما هو الأرجح حرجٌ _ اصطلحوا (11) على تنويع الحديث المعتبر في صحيح، وحسن، وموثّق، وضعيف. فجميع سلسلة السند إن كان إماميّين ممدوحين بالتوثيق سمّوه صحيحا، أو إماميّين ممدوحين بدون التوثيق كلّاً أو بعضا مع توثيق الباقي سمّوه حسنا، وإن كانوا كلّاً أو بعضا غير إماميّين مع توثيق الجميع سمّوه موثّقا ، وإلّا ضعيفا. والمشهور أنّ أوّل مَن اصطلح على ذلك وسلك هذا المسلك العلّامة الحلّي قدس سره . وقد أشاروا عليهم السلام في الأحاديث الواردة عنهم في التراجيح والمعالجات عند التعارض والتشابه الموجبين للاختلاف إلى ذلك بقولهم عليهم السلام : «فالحكم ما حكم به أعدلهما وأورعهما وأصدقهما في الحديث» (12) ، وهذا وجه من وجوه التراجيح المنصوص عليها. ولا شكّ أنّ بعد استقرار الاعتبار بالكتب المضبوطة المتواترة اشتداد الحاجة عند التعارض والتشابه إنّما هو إلى غير المعالجة بالجرح والتعديل من وجوهها الاُخر. وقد ذكر ثقة الإسلام في خطبة (13) الكافي أربعة منها، وسيذكر خامسها في المقدّمة الثانية عشر في شرحها إن شاء اللّه تعالى، مع أنّ في العلاج بالجرح والتعديل وشرائطهما آراء كثيرة وأقوال مختلفة لا يحصل للنفس منها اطمئنان بما كان منها أبين رجحانا أو أثبت برهانا ، فالجري على قانون القدماء وطريقتهم أولى وأسهل لنفي الحرج المنفيّ. وقد جرى ثقة الإسلام في الكافي، والصدوق في الفقيه في إطلاق الصحيح على ما يعتمد عليه ويركن إليه كما عرفت على ما ذكر من حكمهما بالصحّة؛ لكون جميع ما في الكتابين مستخرجا من الكتب المضبوطة المعتبرة التي عليها المعوّل وإليها المرجع. وقد قال صاحب الاستبصارين في كتاب عدّة الاُصول: إنّ ما اُورده في كتابي الأخبار إنّما آخذه من الاُصول المعتمد عليها. (14) وجرى العلّامة والشهيد في مواضع من كتبهما على طريقة القدماء، مع أنّهما الأصل في اصطلاح المتأخّرين ، وقد سلك على ذلك المنوال كثير من فحول علماء الرجال، فحكموا بصحّة حديث بعض الرواة الغير الإماميّة كعليّ بن محمّد بن رَباح وغيره؛ لِما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم مع عدم كونهم من الذين انعقد الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم وتصديقهم، بل معظم المتأخّرين يسلكون كثيرا _ كالعلّامة والشهيد _ طريقة القدماء ، فيصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه واقفيّ، أو فطحيّ، أو ناووسيّ، أو نحوهم بالصحّة؛ نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم وتصديقهم، بل يصفون مراسيل هؤلاء، ومقاطيعهم ومرافيعهم، وأسانيدهم إلى الضعفاء والمجاهيل بالصحّة؛ لذلك. فقيل في وجه وصفهم طائفة من المراسيل بالصحّة كمراسيل ابن أبي عمير ما شاع بينهم: أنّه كان لا يرسل إلّا عن الموثوق به (15) . وقيل: بل وجهه أنّ كتبه ذهبت حين كان في الحبس وكان يحفظ أربعين مجلّدا كانت رواياته فيها مسندة ، فحدّث بها مَن حَفِظَها، وأمّا التي ذهبت في أيدي الناس فهي معلومة الاتّصال والإسناد إجمالاً وإن فاتته طرق الإسناد على التفصيل (16) ، ومنهم مَن أنكر ذلك فقد قال المحقّق في المعتبر: إنّ ابن أبي عمير يرسل عن أربعين من أصحاب الصادق عليه السلام فيهم المجاهيل والضعفاء ، فإذا أرسل احتمل الجميع. (17) وقال بعض المتأخّرين: إنّ المرسل الذي يرويه عن المعصوم من لم يدركه بواسطة أو بغير واسطة، سواء نسي الواسطة أو تركها، أو أبهمها بقوله: عن رجل، عمّن أخبره، عن بعض أصحابنا مضطربٌ (18) غير معتمد عليه، كالمقطوع الذي لم يبلغ إسناده إلى المعصوم ، بل ينتهي إلى بعض الوسائط، وكالمضطرب المرويّ تارةً على وجه واُخرى على آخر مخالف له . وأمّا المضمر المروي من الثقات المشهورين من رجالهم عليهم السلام ، فإن كان الإضمار فيه للاعتماد على القرينة الواضحة، أو التقيّة، أو لقطع بعض خبر عن بعضه مع التصريح في المقطوع الأوّل باسم المعصوم ثمّ الإضمار في الثاني بقوله: وسألته، فهو غير مضطرب قطعا بالاضطراب الذي يوجب ترك العمل به، وكذا المرويّ عن أحد تارةً بواسطة واُخرى بدونها؛ لجواز تعدّد السماع، وإلّا فاضطراب (19) حاله بحاله. وبالجملة، هنا عليل وطبيب، فالعليل: كلّ خبر من طريق أصحابنا الإماميّة مضبوط متواتر بكتبهم المضبوطة المتواترة كالأربعة الجامعة لأكثر الأربعمائة، متشابه من جهة فعليّة التشابه الموجب للاختلاف. والطبيب: كلّ إماميّ عدل، فاضل بالفضل الممتاز، مستجمع لشرائط القضاء والإفتاء، عارف بالأمراض والأدوية حاذق، في المعالجة بها على ما أطلقه المعصوم ورخّصه في ارتكاب المعالجة بالعلاج المعلوم، وعليه كمال الاحتياط ونهاية الاجتهاد فيه، وهو مؤمن بأنّ الطبيب الحاذق ضامن. والعلاج المرخّص فيه أقسام: منها: العرض على محكمات كتاب اللّه ، المضبوطة عبارةً، ومضمونا بمحكمات السنّة القائمة، والأخذ بالموافق، والأخذ بمخالف ما يوافق مذاهب العامّة والرشد في خلافها، والتمسّك بالمجمع عليه، فإنّه لا ريب فيه، والقبول لما وسّع المعصوم من الأمر فيه بقوله: «بأيّهما أخذتم من باب التسليم وَسِعَكم». (20) والأحوط من كلّ ذلك التوقّف والسكوت لو لم يلزم الجرح المنفيّ. وبالعلاج الصحيح في زمن الغيبة لا يحصل إلّا صحّة الظنّ، وقطعيّة الحكم لا ينافي ظنّية الطريق، لكن في العبادات لا ينافيها وهميّة الطريق أيضا فضلاً عن شكّيّته؛ (21) لما سيذكر في بيان الخطبة إن شاء اللّه تعالى .

.


1- . الكافي، ج 1، ص 25، المقدّمة.
2- . الفقيه، ج 1، ص 2، المقدّمة.
3- . راجع: الفوائد المدنيّة، ص 109.
4- . معارج الاُصول، ص 142.
5- . معالم العلماء، ص 3.
6- . في النسخ: «أربعمائة» وما أثبتناه من المصدر.
7- . الإرشاد، ج 2، ص 179.
8- . الفهرست للطوسي، ص 106، الرقم 455؛ رجال ابن داود، ص 217، الرقم 903.
9- . رجال النجاشي، ص 446، الرقم 1208؛ خلاصة الأقوال، ص 184، الرقم 1؛ رجال ابن داود، ص 380، الرقم 1708.
10- . رجال الكشّي، ص 542 ، ح 1027؛ رجال ابن داود، ص 272، الرقم 1179.
11- . جواب «لمّا».
12- . الكافي، ج 1، ص 67 ، باب اختلاف الحديث، ح 10، الفقيه، ج 3، ص 8 ، ح 3232.
13- . في النسخ: «الخطبة»، والمناسب ما اُ ثبت.
14- . حكاه عنه في الوافي، ج 1، ص 23. ولم أجده في العُدّة. و قال في معجم رجال الحديث في ذيل هذا الكلام نقلاً عن الوافي : «أنّا لم نجد في كتاب العدّة هذه الجملة المحكيّة عنه».
15- . عدّة الاُصول، ج 1، ص 154؛ الوجيزة، ص 5.
16- . راجع: الرواشح السماويّة، ص 114، الراشحة 16، رجال الكشّي، ص 589 ، ح 1103؛ رجال النجاشي، ص 326، الرقم 887 .
17- . المعتبر، ج 1، ص 165. وفيه : «ولو قال: مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب منعنا ذلك؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم».
18- . خبر «إنّ».
19- . في «الف»: «فاضطرب».
20- . راجع: الكافي، ج 1، ص 8 و 9 المقدّمة، وص 66 و 68 ، باب اختلاف الحديث، ح 7 و 10، و ص 69 ، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ح 1 _ 5. وسائل الشيعة، ج 27، ص 106، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة و... .
21- . في «الف»: «تنكّبه».

ص: 83

. .

ص: 84

. .

ص: 85

. .

ص: 86

. .

ص: 87

. .

ص: 88

. .

ص: 89

المقدّمة السابعة:المستفاد من أحاديث أئمّتنا عليهم السلام أنّ الوجوب والسنّة والأمر بالشيء في كلامهم عليهم السلام قد يكون أعمّ من الفرض والاستحباب، كما أنّ الكراهة والنهي عن الشيء أعمّ من الحظر والتنزيه ، ولكلٍّ مراتب متفاوتة في التأكّد والشدّة وعدمهما، لكن في عبارات أكثر الفقهاء من الرعيّة سيّما المتأخّرين جميعا يُطلق كلّ من الألفاظ الخمسة في معناه من الأحكام الخمسة، فإطلاق السنّة على فعل أو قول في خبر لا ينافي الحكم بالمعصية على تركه في خبر آخر، وكذا إطلاق الوجوب على شيء أو الأمر به في خبر لا ينافي نفي البأس عن تركه في خبر آخر، وكذا إطلاق الكراهة على فعلٍ أو النهي عنه في حديث لا ينافي نفي البأس عنه في حديث آخر. وقد يكون إيجاب شيء أو تحريمه أصلاً فيه، ومع ذلك قد وردت رخصة في خلافه ، فحُملت احتياطا على أنّها لذوي الأعذار وأهل الزمانة والاضطرار، ولهذا يمكن الجمع بين الأحاديث المتنافية ظاهرا بهذه القواعد أيضا، كما فعله المشاهير من الأصحاب سيّما الشيخ في التهذيبين، والمحقّق في النافع والشرائع والمعتبر.

المقدّمة الثامنة:أسماء خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّدهم صلى الله عليه و آله _ وأشهرها محمّد (1) _ وألقابه صلى الله عليه و آله كثيرة: منها: أحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب، والشاهد، والذِّكر، والنور، ونبيّ الرحمة، ونبيّ الملحمة، والضحوك (2) ، والمتوكّل، والقُثم، والفاتح، والأمين، والخاتم، والرسول، والنبيّ الاُمّي . وكنيته صلى الله عليه و آله : أبو القاسم. وروي أنّه لمّا ولد إبراهيم من مارية القبطيّة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: «السلام عليك ياإبراهيم ويا أبا إبراهيم». (3) ومعنى الماحي: أنّه صلى الله عليه و آله يُمحى به الكفر، وقيل: يُمحى به سيّئات شيعة أوصيائه الاثني عشر صلى الله عليه و آله . (4) والحاشر: قال صلى الله عليه و آله : «وأنا الحاشر يُحشر الناس على قدميّ، وأنا العاقب وهو الذي لا نبيّ بعده». (5) والملحمة _ بفتح الميم وسكون اللّام _ : الحرب؛ سمّي صلى الله عليه و آله بذلك لأنّه بعث بالذبح. (6) وعن ابن عبّاس أنّ اسمه صلى الله عليه و آله في التوراة أحمد الضحوك القتّال. (7) والقثم _ بضمّ القاف وفتح المثلّثة من القثم بالفتح _ : وهو الإعطاء والجمع، يعني عظيم العطاء والجموع للخير كلّه. (8) والخاتم _ بفتح التاء وكسرها _ : بمعنى، وقرئ بهما ، وخاتم النبيّين. والاُمّي: لنسبته صلى الله عليه و آله إلى مكّة، وهي اُمّ القرى. قال اللّه تعالى في سورة [الجمعة] «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» (9) . وأسماء أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب وألقابه صلوات اللّه عليه أكثر من أن يُحصى، وهو: سيّد الوصيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدِّين، ومبير الشرك والمشركين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وشبيه هارون، ونفس الرسول وأخوه، وزوج البتول، والحيدر الكرّار، والصدِّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، وقسيم الجنّة والنار، وإمام المشارق والمغارب، وليث بني غالب، ومطلوب كلّ طالب، وأسد اللّه ، وسيف اللّه ، وباب اللّه ، وباب مدينة العلم، ووجه اللّه ، وحبيب اللّه ، وعين اللّه ، ويد اللّه ، وأمير البَرَرة، وقاصم الكَفَرة، والمرتضى، وصفوة اللّه ، (10) وصفوة رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وكنيته صلوات اللّه عليه: أبو الحسن، وأبو الحسنين، وأبو محمّد، وأبو تراب، وأبو الريحانتين، وأبو السبطين، وأبو الأئمّة عليهم السلام . وهو القرآن الناطق، وأوّل أحد الثقلين صلوات اللّه عليه. وسيّدة نساء العالمين اُمّ الأئمّة فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله مضت ولها صلوات اللّه عليها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوما. وفي رواية اُخرى: ثمانية عشر سنة وشهر وخمسة عشر يوما. (11) وفي الحديث من طرق الخاصّة والعامّة قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها». (12) وقال صلى الله عليه و آله في معنى قوله تعالى: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ» (13) قال: «سأله بحقّ محمّد وعليّ والحسن والحسين وفاطهض لوات اللّه عليهم». (14) ومن ألقاب الحسن بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما: السيّد، والسبط، والشبل، (15) والتقيّ، والزكيّ، والوليّ، والطيّب، والوزير، والقائم، والحجّة. وكنيته عليه السلام : أبو محمّد، لا غير. ومن ألقاب الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهما: السيّد، والسبط، والشبل، (16) والوفيّ، والرشيد، والزكيّ، والمبارك، والتابع لمرضاة اللّه ، والدليل على ذات اللّه . وكنيته عليه السلام : أبو عبداللّه ، لا غير. ومن ألقاب عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما: سيّد الساجدين، وسيّد العابدين، وزين العابدين، (17) وزين العُبّاد، والسجّاد، والزكيّ، والأمين، وذو الثفنات، وآدم آل محمّد. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو محمّد . وقيل: أبو بكر أيضا (18) ، والأشهر: أبو محمّد. ومن ألقاب محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم: الباقر، وباقر العلم، والشاكر، والهادي. وأشهرها: الباقر؛ سُمّي بذلك؛ لتبقّره في العلم، يعني توسّعه. وكنيته عليه السلام : أبو جعفر. ومن ألقاب جعفر بن محمّد صلوات اللّه عليهما: الصادق، والصابر، والفاضل، والطاهر . وكنيته عليه السلام : أبو عبداللّه . وقيل: أبو إسماعيل أيضا. (19) ومن ألقاب موسى بن جعفر: الكاظم، والصابر، والصالح، والعبد الصالح، والعالم، والفقيه، والأمين. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو الحسن الأوّل، وأبو إبراهيم . وقيل: وأبو إسماعيل أيضا. (20) ومن ألقاب عليّ بن موسى صلوات اللّه عليهما: الرضا، والرضيّ، والصابر، والوفيّ، والإمام الضامن، وثالث العليّين أمير المؤمنين، وزين العابدين صلوات اللّه عليهم. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو الحسن الثاني. ومن ألقاب محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهم: الجواد، والتقيّ والقانع، والمرتضى. وكنيته عليه السلام : أبو جعفر، وأبوجعفر الثاني. ومن ألقاب عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهم: الهادي، والنقيّ، والعسكري، والناصح، والمتوكّل، والفتّاح، والمرتضى. وكنيته عليه السلام : أبو الحسن، وأبو الحسن الثالث. ومن ألقاب الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر صلوات اللّه عليهم: الزكيّ، والخالص، والعسكري. وكنيته عليه السلام : أبو محمّد. ومن ألقاب الحجّة بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم: صاحب الزمان، وصاحب الأمر، والمهديّ، والقائم، والمنتظر، والحجّة، وحجّة اللّه ، وخليفة الرحمن، ومظهر الإيمان، والصاحب، وصاحب الدار، والعالم، والبرهان القاطع، والخلف الصالح، وخاتم الوصيّين. وكنيته صلوات اللّه عليه: أبو القاسم عند الخاصّة والعامّة. وفي رواية من طرق العامّة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لبعث اللّه فيه رجلاً اسمه اسمي، وخُلقه خُلُقي، يكنّى أبا عبداللّه ». (21)

.


1- . في «الف»: «محمّده».
2- . في كشف الغمّة، ج 1، ص 9 ، وفيه: «إنّما سمّي بذلك لأنّه كان طيّب النفس». وعنه في البحار، ج 16، ص 116.
3- . بحارالأنوار، ج 16، ص 120 _ 121، وفيه : «السلام عليك أبا إبراهيم، أو يا أباإبراهيم عليه السلام ». وفي «ب» : «يا أبا إبراهيم و يا أبا إبراهيم». الآحاد والمثاني، ج 5 ، ص 448، ح 3127؛ الطبقات الكبرى، ج 1، ص 135، باب ذكر إبراهيم بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
4- . المناقب، ج 1، ص 151؛ كشف الغمّة، ج 1، ص 7؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 115، ح 44. وفي المصادر : وقيل: يمحى به سيّئات من اتّبعه».
5- . كشف الغمّة، ج 1، ص 7؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 115، ح 44؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1828، ح 2354؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 135، ح 2840؛ مسند أحمد، ج 4، ص 80 ، ح 16780.
6- . كشف الغمّة، ج 1، ص 8 ؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 116، ح 44.
7- . كشف الغمّة، ج 1، ص 8 ؛ بحارالأنوار، ج 16، ص 116، ح 44؛ تفسير ابن كثير، ج 2، ص 73. وفي الأخير فسّره بأنّه ضحوك لأوليائه، قتّال لأعدائه.
8- . القاموس المحيط، ج 4، ص 161؛ لسان العرب، ج 12، ص 462 (قثم).
9- . الجمعة (62): 2.
10- . في «ب» و «ج»: - «وصفوة اللّه ».
11- . كشف الغمّة، ج 1، ص 449، وعنه في بحارالأنوار، ج 43، ص 7، ح 8 .
12- . الأمالي للصدوق، ص 383، المجلس 61 ، ح 1؛ الأمالي للمفيد، ص 95، المجلس 11، ح 4؛ بحار الأنوار، ج 43، ص 19، ح 2 و 4؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 167، ح 4730؛ المعجم الكبير، ج 1، ص 108، ح 182؛ كنز العمّال، ج 13، ص 674 ، ح 37725.
13- . البقره (2): 37.
14- . الكافي، ج 8 ، ص 305، ذيل الحديث 472؛ معاني الأخبار، ص 125، باب معنى الكلمات التي تلقّاها آدم، ح 2؛ بحارالأنوار، ج 11، ص 77، ح 23.
15- . في «الف»: - «والشبل».
16- . في «الف»: «والنبيل».
17- . في «الف»: - «وزين العابدين».
18- . كشف الغمّة، ج 2، ص 105؛ بحارالأنوار، ج 46، ص 5 ، ح 6 .
19- . كشف الغمّة، ج 2، ص 155؛ بحارالأنوار، ج 47، ص 10، ح 6 .
20- . كشف الغمّة، ج 2، ص 212؛ بحارالأنوار، ج 48، ص 11، ح 8 .
21- . كشف الغمّة، ج 2، ص 471؛ بحارالأنوار، ج 51 ، ص 81 ، ح 37؛ المنارالمنيف، ص 146، ح 333؛ وقريب منه في المعجم الكبير، ج 10، ص 136، ح 10229؛ كنزل العمّال، ج 14، ص 273، ح 38702.

ص: 90

. .

ص: 91

. .

ص: 92

. .

ص: 93

. .

ص: 94

المقدّمة التاسعة:قال الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده: وكان الإمام بعد أبي محمّد عليه السلام ابنه المسمّى باسم الرسول صلى الله عليه و آله ، المكنّى بكنيته. ولم يخلّف أبوه عليهماالسلام ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره، وخلّفه أبوه غايبا مستورا. وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومِائَتين ، وكان سنّه عند وفاة أبيه عليهماالسلامخمس سنين ، آتاه اللّه فيها الحكمة وفصل الخطاب، وجعله آيةً للعالمين، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبيّا. وجعله إماما في حال الطفوليّة الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم عليه السلام في المهد نبيّا . وقد سبق النصّ عليه في ملّة الإسلام من نبيّ الهدى صلى الله عليه و آله ، ثمّ من أمير المؤمنين عليه السلام ، ونصَّ عليه الأئمّة عليهم السلام واحد بعد واحد إلى أبيه الحسن عليه السلام ، ونصّ عليه أبوه عند ثقاته وخاصّته من شيعته. وكان الخبر بغيبته ثابتا قبل وجوده، وبدولته مستفيضا قبل غيبته، وهو صاحب السيف من أئمّة الهدى صلوات اللّه عليهم، والقائم بالحقّ المنتظر لدولة الإيمان. وله غيبتان إحداهما أطول من الاُخرى، كما جاءت بذلك الأخبار، وأمّا القصرى فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته؛ وأمّا الطولى فمن بعد الاُولى، وفي آخرها يقوم بالسيف، قال اللّه تبارك وتعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (1) ، وقال جلّ اسمه: «وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ اْلأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ» (2) . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لن تنقضي الأيّام والليالي حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأها عدلاً وقسطا كما ملئت ظلما وجورا». (3) وقال العلّامة الحلّي قدس سره: وُلِدَ المهدي (4) صاحب الزمان الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليهما يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان، سنة ستّ وخمسين ومائتين. ووكيله عثمان بن سعيد العمري [بالضمّ. وقيل: العَمري بالفتح. نسبة إلى عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أو إلى عمرو أحد أجداده] وهو أوّل من نصّبه العسكري عليه السلام ، ثمّ نصّ أبو عمرو رحمه الله على ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان ، ونصّ أيضا الإمام العسكري عليه السلام عليه، فلمّا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان الوفاة واشتدّت حاله حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة، منهم: أبو عليّ بن همّام، وأبو عبداللّه بن محمّد الكاتب، وأبو عبداللّه الباقطاني، (5) وأبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختي، وأبو عبداللّه بن الوَجناء، وغيرهم من الوجوه الأكابر، فقالوا له: إن حدث أمر فمَن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بيني وبين صاحب الأمر، والوكيل، والثقة الأمين، فارجعوا في اُموركم إليه وعوّلوا عليه في مهامّكم، فبذلك اُمرت وقد بلّغت ، ثمّ أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السّمري، فلمّا حضرته الوفاة سئل أن يوصي، فقال: للّه أمرٌ هو بالغه، ومات رحمه اللهسنة تسع وعشرين وثلاثمائة. (6) وقال شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله: وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي... مات على ظاهر العدالة لم يتغيّر ولم يطعن عليه. ومنهم: أحمد بن إسحاق وجماعة، وقد خرج التوقيع في مدحهم. وروى أحمد بن إدريس عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن أبي محمّد الرازي، قال: كنت وأحمد بن أبي عبداللّه بالعسكر، فورد علينا [رسول] (7) من قِبَل الرجل، فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري، وإبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات. (8) وقال برهان الفضلاء (9) سلّمه اللّه تعالى: كان أوّل السفراء الأربعة: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري. وثانيهم: ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان. وثالثهم: أبو القاسم الحسين [بن] رُوح _ بضمّ الرّاء وقيل بفتحها _ ابن أبي بحر النوبختي. ورابعهم: أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري _ بفتح السين المهملة وضمّ الميم وتخفيف الراء _ نسبةً إلى أحد أجداده. و«السّمر» كالعضد: شجر معروف الواحدة سمرة. وقيل: هو السّمري بفتحتين وتشديد الراء نسبة إلى سامرّا وسرّ من رأى كسامريّ.

.


1- . القصص (28): 5 _ 6 .
2- . الأنبياء (21): 104.
3- . الإرشاد، ج 2، ص 340 بتفاوت يسير.
4- . في «الف»: - «المهدي».
5- . في «ب» و «ج»: «الناقطاني».
6- . خلاصة الأقوال، ص 273، الفائدة الخامسة، بتفاوت يسير.
7- . أضفناه من المصدر.
8- . الغيبة للطوسي، ص 415 _ 417.
9- . هو المولى خليل اللّه القزويني.

ص: 95

. .

ص: 96

المقدّمة العاشرة:قد تواتر في الاُمّة حديث النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «القَدَريّة مجوس هذه الاُمّة» (1) . فقالت الأشاعرة: القدريّة هم المعتزلة المفوّضة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَرهم واستقلالهم في القدرة عليها. وقالت المعتزلة: بل القدريّة هم الأشاعرة؛ لنسبتهم أفعال العباد إلى قَدَر اللّه تعالى. والحقّ كما هو المستفاد من أحاديث أئمّتنا صلوات اللّه عليهم: أنّ القدريّة _ لعنهم اللّه _ هم الصوفيّة من أيّ فرقة كانوا، فلمّا كانوا في المفوّضة أكثر منهم في غيرهم من الفرق ذكرت في بعض الأحاديث بمعنى المفوّضة، كما سيذكر في أحاديث أواخر الأبواب في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. (2) وقد ذكر ابن حمزة (3) في كتاب الهادي إلى النجاة من جميع المهلكات، وكتاب إيجاز المطالب في إبراز المذاهب ، والسيّد المرتضى الحسني الرازي (4) صاحب تبصرة العوام في كتاب الفصول: أنّ عثمان بن شريك الكوفي المشهور بأبي هاشم الكوفي، وهو من المفوّضة، كان أوّل ضالٍّ مضلٍّ، وضع طريقة الصوفيّة وسعى في إضلال الناس بها، وكان في زمن مروان الحمار أخير الخلفاء من بني اُميّة، فاشتهر رهطه بالبهشميّة، والعثمانيّة، والشريكيّة، كانوا يلبسون الصوف والبلاس، ويجتهدون في هزال أبدانهم بإذابتها بالرياضات الشاقّة كالجواكي (5) والنصارى، ويقولون بالحلول والاتّحاد، ووحدة الوجود، والنزول، والصعود، والتشكّل بالصور كالتناسخيّة. وتسميتهم بالقدريّة إمّا من القدر بمعنى الضيق؛ لتضييقهم على أنفسهم بفنون الطاعات المبتدعة، ورسوم الرياضات المخترعة ؛ وإمّا لاشتهار طريقتهم أوّلاً من المفوّضة؛ وإمّا لنسبتهم أفعال اللّه سبحانه إلى قدر المخلوقات ، وقد صرّحوا في كتبهم بأنَّ التقادير والتدابير جميعا من الحقائق والأعيان، وليس للّه سبحانه إلّا إفاضة الوجود. وفي الحديث بإسناد متّصل للشيخ المفيد رحمه الله عن الهادي عليّ بن محمّد عليهماالسلام: «إنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك الذين يجهدون في إطفاء نور اللّه واللّه يُتمّ نوره ولو كره الكافرون». (6) وفي كتاب توحيد الصدوق رحمه الله في باب القضاء والقدر بإسناده عن الصادق عليه السلام : «أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» » (7) . وقد صرّح ذلك الرومي الملعون منهم، وجوّز في الدفتر الخامس من كتاب المثنوي بما جوّزه المجوس من تحليل الحرام وتحريم الحلال، كنكاح الاُمّهات والبنات والأخوات، والاجتناب عن المباحات بفنون الرياضات، حيث قال: إنّ الشريعة بمنزلة الدواء في مبادئ سلوك العرفاء والإكسير لعمل الكيمياء، فإذا وصل العارف وبرأ من المرض وصار صُفره ذهبا يُطلق من حبال الشريعة وأسرها، وسجن العبادة وقيدها؛ فإنّه إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع. (8) ومن كلامهم لعنهم اللّه : القيد كفر ولو كان باللّه . ومن خدعهم الشيطانية: تسميتهم الزندقةَ والإلحاد بالتصوّف ومسلك للعارفين، والشيطانَ برئيس الموحّدين. وصرّحوا كابن العربي منهم بأنّ اللّعنة أربعة أحرف، كلّ حرف منها اسم من أسماء اللّه تعالى، فاللعنة عين الرحمة. وهؤلاء الملاحدة لم يشعروا بأنّ اللعنة عليهم إنّما هي أقطع الأسلحة وأنفذ الأسنّة، وهي بإحكام صنعها وإتقان تركيبها بتقدير من اللّه العزيز العليم، لن يُقلّل بأمثال تلك المقالات حدّها، ولن يعطّل بأشباه تلك المزخرفات تشدّدها، وهم كما في الحديث من أهل آية «أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّه ِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (9) . وفي الحديث بإسنادٍ متّصل للشيخ المفيد رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وإسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «من ذكر عنده الصوفيّة ولم ينكرهم بلسانه أو قلبه فليس منّا، ومَن أنكرهم فكأنّما جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (10) . وأيضا عن البزنطي بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: قال رجل من أصحابنا للصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام: قد ظهر في هذا الزمان قوم يُقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم؟ فقال عليه السلام : «إنّهم أعداؤنا، فمَن مالَ إليهم فهو منهم ويُحشر معهم، وسيكون أقوام يدَّعون حبّنا ويميلون إليهم ويتشبّهون بهم ويلقّبون أنفسهم بلقبهم ويُأوّلون أقوالهم، ألا فمَن مالَ إليهم فليس منّا وإنّا منه براء، ومَن أنكرهم وردَّ عليهم كان كمَن جاهد الكفّار بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله » (11) . وروى عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه أوّل الصدوقين _ رحمهما اللّه _ عن سعد (12) بن عبداللّه ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن الزكيّ أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال: سُئل جدّي أبو عبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلامعن حال عثمان بن شريك الصوفيّ أبي هاشم الكوفي، فقال: «إنّه كان فاسد العقيدة جدّا، وهو الذي ابتدع مذهبا يُقال له: التصوّف، وجعله مفرّا (13) لعقيدته الخبيثة». وفي رواية اُخرى : «وجعله مفرّا (14) لنفسه الخبيثة وأكثر الملاحدة، وجُنّة لعقائدهم الباطلة». (15) والظاهر من كتبهم المعتبرة بينهم _ كالفتوحات لابن العربي، وفصوصه، والتأويلات لعبد الرزّاق الكاشي، واصطلاحاته، ونصوصه _ : أنّ قولهم بوحدة الوجود، وابتناء طريقتهم الفاسدة عليها اُسوة منهم بزنادقة الفلاسفة . وقد حكى في حكمة الإشراق عن أفلاطون القبطي، قال: إنّ العلّة الاُولى خلق الخلق من نفسها، وكلّ موجود خالق ومخلوق أيضا. وقال القطب الراوندي رحمه الله في الخرائج: إنّ الفلاسفة أخذوا اُصول الإسلام ثمّ أخرجوها على آرائهم فقالوا في الشرع والنبيّ: إنّما اُريد كلاهما لإصلاح الدنيا ؛ فالأنبياء يرشدون العوام لإصلاح دنياهم بالشرعيّات وإنّ الشرعيّات ألطف (16) في التكليف العقلي. فهم يوافقون المسلمين في الظاهر، وإلّا فكلّ ما يذهبون إليه هدم الإسلام، وإطفاء لنور الشرع، ويأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. (17) وفي الحديث بإسناد الشيخ المفيد رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أبي محمّد العسكري عليه السلام أنّه قال لأبي هاشم الجعفري: «سيأتي زمانٌ على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمةٌ منكدرة، السُنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقّر، والفاسق بينهم مُوَقّر، اُمراؤهم جاهلون جائرون، وعُلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرِقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكُبراء، كلّ جاهلٍ عندهم خبيرٌ، وكلّ محيل عندهم فقير، لا يميّزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق اللّه على وجه الأرض؛ لأنّهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف، وأيم اللّه إنّهم من أهل العدول والتحرّف، يُبالغون في حُبّ مخالفينا ويُبغضون (18) شيعتنا ومَوالينا، فإن نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرُشا، وإن خُذِلوا عَبَدوا اللّه على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدُّعاة إلى نحلة المُلحدين، فمَن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانهُ». ثمّ قال: «يا أبا هاشم، هذا ما حدّثني أبي عن آبائه، عن جعفر بن محمّد عليهم السلام وهو من أسرارنا فاكتمه إلّا عن أهله». (19) ومن ضَلالات القَدَريّة: اعتقادهم في المجانين بأنّهم من المقرّبين، وقد عدّ حجج اللّه صلوات اللّه عليهم الجنون في عِداد البرص والجُذام ونحوهما، وأمروا شيعتهم بالاستعاذة منها (20) ، ونصّوا بأنّ المجانين إذا كانوا غير مؤذين فحكمهم حكم البهائم، وإلّا فكالسباع (21) . وأيضا جعلهم من المقرّبين مع عدم تكليفهم برفع الجنايات، وتطهير النجاسات، والكفّ عن كلمات الكفر والخرافات إن كان من أفعال الحكيم؛ مع النصّ من حججه عليهم السلام على خلافه (22) ، فتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، وإلّا فما أقبح القول وأسخف القطع بتقرّبهم كالمقرّبين المعصومين الطاهرين. ومن كلام روميّهم في مدح الشمس التبريزي من المجانين في زمنه: اى تو همچون مصطفى من چون عمربسته ام در خدمتت زانسان كمر 23 هب التشبيه الأخير. وقد روى عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه في كتاب قرب الإسناد بإسناده عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سئل أبو محمّد العسكري عليه السلام عن المجنون، فقال: «إن كان مؤذيا فهو في حكم السباع، وإلّا ففي حكم الأنعام». (23) ولمّا كان نبيّنا صلى الله عليه و آله أفضل الأنبياء والمرسلين وكذا أوصياؤه، وكان دينه صلى الله عليه و آله خير الأديان، وكتابه أعظم الكتب الإلهية قدرا ومنزلةً. وكان من عادة اللّه التي لا تتبدّل، وسنّته التي لا تتحوّل اختبار عباده في الدّين في زمن كلّ حجّة معصوم من الأنبياء والوصيّين بطرق عجيبة من الاختبار، وفنون غريبة من الامتحان، كامتحان قوم نوح بتكلّم سُواع وغيره من أصنامهم. وامتحان بني إسرائيل بُرْهةً بفرعون وطول عمره وعلوّ سلطنته، وتزايد دولته بتوافر اعتدائه وطغيانه، وموافقة أكثر مطالبه الدنيويّة لأمانيّه وأهوائه النفسانيّة، واُخرى بالسامري وعِجْله كفرعون آل محمّد صلى الله عليه و آله وصاحبه. وامتحان قريش تارةً بنطق (24) صنمَيْهم: هبل وصنم من الذهب، واُخرى بتفوّق صنميهم حَبْتَر ودُلام (25) من العرب. كان (26) الامتحان في دينه صلى الله عليه و آله أعظم الامتحانات في سائر الأديان في أيّ دين. ارتدّ يوم قبض بنبيّه جميع الاُمّة إلّا قليلاً منهم ، وقد نزلت في ذلك قوله تعالى في سورة السبأ «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (27) . سُئِلَ الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال: «إلّا سلمان، وأبا ذرّ، والمقداد». فقيل له: وأين عمّار؟ فقال عليه السلام : «جاض جيضةً (28) ثمّ رجع». (29) فلمّا تفرّقت الاُمّة بكدّ كيد الشيطان وغوايته _ بعد رجوع جماعة عن الارتداد بتوفيق اللّه وهدايته _ على بضع وسبعين فرقة إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، فأخذ الشيطان في التفكّر لأجل الناجية مع علمه بِبُعد تهوّدهم أو تنصّرهم مثلاً بوساوسه وخدعه، وأنّ العاصي منهم له قبول التوبة ولو عند المُعَاينة، وأنّ الزيارات لهم والشفاعات مَآلهم، والولاية حالهم، والنجاة مآلهم، وأنّ محبّة عليّ بن أبي طالب حسنة لا تضرّ معها سيّئة (30) ، فانتهى فكر إبليس اللّعين لأجلهم بذلك الفكر العميق في أواخر ذلك العمر الطويل إلى وضع طريقة التصوّف ممزوجةً من فنون الكفر والإلحاد، وشعوب الضلال والفساد، محفوفة في بدوها بطائفة من مكارم الأخلاق والأعمال، ومحاسن الأقوال والأعمال، مكشوفةً في عودها عن ترك العبادة، والتظاهر بالكفر والارتداد، والتجاهر بالزندقة والإلحاد، ودعوى الفرعونيّة كالنمرود والشدّاد. وفيهم قال الصدوق رحمه الله في كتاب الاعتقادات: تَدَيّن الصوفيةُ بترك الصلاة وجميع الفرائض. (31) وقال الشيخ المفيد رحمه الله: الصوفيّة دينهم ترك الفرائض والمستحبّات، وارتكاب المناهي والمحرّمات. (32) واستشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في الصلاة. وفي الحديث عن الصادقين عليهم السلام : أنّ للمعرفة أركانا أربعة: معرفة العبد ربّه عزّ وجلّ على ما عرّف به نفسه، وأخبر به حججه المعصومون. ومعرفة العبد نفسه يكفيه _ بعد علمه بتصاريف حالاته وكمال نقصه بعجزه وحاجاته _ إيماءً ما إلى قطرة من البحار، وأثر من الآثار توجد بصنعه تعالى في المضغة بعد النطقة والعلقة نِقاطُ سودٍ صغارٍ غاية الصغر بحيث لا يدركها إلّا إمعان النظر، اثنتان منها تصير عينيك بطبقاتهما وأجفانهما وأشعارهما، ومائهما المالح لبقائهما وصلاحهما، ونورهما السيّار في مقدار نصف الأبصار عن الناظر إلى فلك البروج. واُخراوان منها تصير اُذنيك بصماخهما وشكلهما، ومائهما المرّ صونا من اختلالهما بالهوامّ، وسامعتهما التي يدرك الصوت المخلوق بحركة الشفتين أو اللّسان أيضا في الهواء المجاور للحلق أوّلاً، ثمّ في مجاري أمواج الهواء إلى الصماخ مسلسلاً على هيئات الحروف على أنحاء شتّى لا تحصى. وكذلك سائر النِقاط التي تصير بقدرته تعالى: فوك، ولسانك، وأسنانك، وأنفك، وسائر جوارحك من قَرْنك إلى قدمك، ظواهرك وبواطنك. ومعرفة العبد أنّ خالقه لماذا (33) خلقه ليعرفه فيعبده (34) بطاعة من افترض طاعته، ومعرفة العبد عدوّ دينه ورئيس أعداء الدِّين إبليس اللّعين، هو وأبالسته عدوّ مبين غير مبين، يجيئون للتسلّط بالوسوسة من الجوانب الستّة ولا يتراءون، وقد يتمثّلون بأشكالٍ مختلفة. وقصّة الشيخ النجدي الذي أحكم آراء الكفّار في بدر، ثمّ أحكم البيعة أوّلاً مع الأوّل معروفة (35) . فلمّا ابتدع طريقة القدريّة ليسهل له التصرّف بوساوسه المهلكة (36) أهل الفضل والعلم فضلاً عن الرساتيق وعوام الناس. وكان اللّعين عالما بأنّ الصحبة أنفذ تأثيرا لمكائده، والخلطة أكثر تدبيرا للوقوع في مصائده، فسعى وبالغ في مخالطة الشيعة مع رئيس من رؤساء القدريّة بعد تعليمه وتزيينه ظاهره بسمة الصلاح، ودمعة العين وصفرة اللّون، وكثرة الفكر، ودوام الذِّكر، وقلّة النوم، وعزلة القوم. فطوبى لمَن عرف عدوّ دينه، وحذر من مصاحبته المهلكة، وقطع عن مجالسته المردية. (37) وفي الحديث بعدّة طرق عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال ذات ليلة في بعض أسفاره لأبي ذرّ الغفاري: «يا أبا ذرّ، يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم، يرون الفضل لهم بذلك على غيرهم، اُولئك يلعنهم ملائكة السماء والأرض». (38) وكان من مشاهير رؤسائهم وطواغيتهم الحسن البصري، وذمّه ولعنه صريح من المعصومين في مواضع من الكافي وغيره من كتب الأحاديث. (39) وكذا السفيان الثوري، وأبو يزيد البسطامي كان في الظاهر مالكيّا وفي الباطن فرعونيّا. والمشهور في العامّة أنّه خدم جعفر بن محمّد عليه السلام وكان سقّاءً لبابه. وذكر أبو المعالي محمّد بن نعمة اللّه بن عبيداللّه بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيداللّه بن الحسين الأصغر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم في كتاب بيان الأديان، والشيخ المفيد في الحدائق، والسيّد المرتضى الرازي في الفصول التامّة، ومولانا أحمد الأردبيلي في حديقة الشيعة: أنّ ذاك الزنديق الملعون كان في زمن أبي محمّد العسكري عليه السلام ، ولزم أيّاما باب جعفر الكذّاب، وكان من كلمات كفره وزندقته: ليس في جبّتي سوى اللّه ، وسبحاني ما أعظم شأني، ورأيت اللّه في المنام واليقظة، ورأيت اللّه في صورة شيخ هرم . (40) والزنديق لم يشعر بأنّ العدوّ المبين الغير المبين قد يظهر بالصور والأشكال للإغواء والإضلال. وكان ذو النون المصري من تلامذة مالك وعاملاً في الفروع بمذهبه. والحسين بن منصور الحلّاج الشهير بالمنصور الحلّاج من تلامذة الشافعي وعاملاً في الفروع بمذهبه، وقد خرج التوقيع في ذمّه ولعنه ، وكان في الآمرين بقتله أبو القاسم الحسين بن روح من سفراء صاحب الزمان صلوات اللّه عليه. (41) وروى ثقة الإسلام في كتاب العقل في باب البدع والرأي والمقاييس بإسناده في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ عند كلّ بدعة يكون من بعدي يُكاد بها الإيمان وليّا من أهل بيتي موكّلاً به يذبّ عنه، ينطق بإلهامٍ من اللّه ، ويعلن الحقّ، وينوّره، ويردّ كيد الكائدين ، يعبّر عن الضعفاء، فاعتبروا يا اُولي الأبصار، وتوكّلوا على اللّه ». (42) قوله صلى الله عليه و آله : «يعبّر عن الضعفاء» أي في دفع الشُبَه والإشكالات. قال الفاضل الاسترآبادي: أي يفصح، والمراد دفع الإشكال عنهم. والأحاديث من طرق الإماميّة في مذمّة الصوفيّة القدريّة ولعنهم وطعنهم كثيرة، أوردنا نبذا منها في جملة مقدّمات الكتاب لهدايا اُولي الألباب. وروى الشيخ المفيد رحمه الله بإسناده عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال: كنت مع الهادي عليّ بن محمّد عليهماالسلام في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري، وكان رجلاً بليغا، وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه السلام ، ثمّ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة وجلسوا في جانبه مستديرا، وأخذوا بالتهليل، فقال عليه السلام : «لا تلتفتوا بهؤلاء الخدّاعين؛ فإنّهم خلفاء الشياطين، ومخرّبوا قواعد الدِّين، يتزهّدون لإزاحة الأجسام، ويتهجّدون لتصيّد الأنعام ، يتجوّعون عُمرا حتّى تدبّخوا للإكاف حُمُرا، لا يهلّلون إلّا لغرور الناس، ولا يقلّلون الغذاء إلّا لِمَلأ العِساس واختلاس قلب الدِفناس (43) ، يُكلّمون بأمليلائهم (44) في الحبّ، ويطرحونهم بأدليلائهم (45) في الجبّ، أورادهم الرقص والتصدية، وأذكارهم الترنّم والتغنية، فلا يتبعهم إلّا السفهاء ولا يعتقدهم إلّا الحمقاء ، فمَن ذهب إلى زيارة أحدٍ منهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومَن أعان أحدا منهم فكأنّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان». فقال رجل من أصحابه: وإن كان معترفا بحقوقكم؟ قال: فنظر إليه شبه المُغضب وقال: «دع ذا عنك، مَن اعترف بحقوقنا لم يذهب إلى عقوقنا، أما تدري أنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا؟! وإن هم إلّا نصارى (46) ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك يجهدون في إطفاء نور اللّه واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون». قوله عليه السلام : «لإزاحة الأجسام» بالزاي والمهملة بعد الألف؛ أي إزالتها بإذابتها بالرياضات المخترعة لتغريرهم الناس باصفرار الألوان وهزال الأبدان. «حتّى تُدَبّخوا» بالمفردة والحاء المهملة والمعجمة معا على المعلوم من التفعيل، دَبّخ الرجل تدبيخا _ بالخاء والحاء جميعا _ : قبّب ظهره وطأطأ رأسه (47) ، ودبّخه غيره كذلك، يتعدّى ولا يتعدّى . و«الإكاف» بالكسر وتخفيف الكاف للحمار، كالوِكاف، أكفتهُ وأوكفته: شددتُ عليه الإكاف (48) . و«المَلأ» بالفتح والهمز كالمنع: مصدر ملأ الإناء فامتلأ و«العِساس» كنصاب: جمع العُسّ _ بضمّ المهملة الاُولى وتشديد الثانية: القدح العظيم (49) . و«الاختلاس»: الأخذ الشديد والانتزاع. و«الدّفناس» بكسر الدال المهملة وسكون الفاء والنون: الأحمق ، كذا الدفنس كزبرج . و«الامليلاء»: افعيعال للمبالغة في طلاقة اللِّسان وحسن الكلام، من الإملاء أمليت الكتاب، وأمللته بمعنىً. و«الادليلاء»: أيضا افعيعال للمبالغة من دلّاه بغرور . قال الجوهري: ادلولى: أسرع، ودلّاه بغرور: أوقعه فيما أراد من تغريره، وهو من إدلاء الدلو (50) . انتهي. أي إرساله إلى «الجبّ» _ بضمّ الجيم _ أي البئر. و«التصدية»: التصفيق، وفي التنزيل: «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً» (51) . و«المُكاء» _ بالضمّ والمدّ _ : الصفير. قيل لي: فما بال الصوفي المتشرّع؟ قلت: لا يُقال ملحد صالح. وفي الحديث بإسناد الشيخ المفيد رحمه الله عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «لا يقول بالتصوّف أحد إلّا لخدعة، أو ضلالة، أو حماقة. وأمّا من سمّى نفسه صوفيّا للتقيّة فلا إثم عليه». (52) وفي رواية اُخرى: «فلا إثم عليه، وعلامته أن يكتفي بالتسمية ولا يقول بشيءٍ من عقائدهم الباطلة، لعنهم اللّه ». (53)

.


1- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و...، ح 29؛ جامع الأخبار، ص 161؛ ثواب الأعمال، ص 214؛ بحارالأنوار، ج 5 ، ص 121، ح 58 ؛ سنن أبي داود، ج 2 ، ص 634 ، ح 4691؛ المستدرك للحاكم، ج 1، ص 159، ح 286؛ سنن البيهقي، ج 10، ص 203، ح 20658.
2- . سيذكر في باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين من كتاب التوحيد.
3- . في موسوعة طبقات الفقهاء، ج 7، ص 137، الرقم 2498 : «عبداللّه بن حمزة بن عبداللّه بن حمزة بن الحسن بن عليّ، نصير الدين الطوسي الشارحي المشهدي، يكنّى أبا طالب... كان من وجوه علماء الإماميّة، فقيها، جليل القدر... وقد صنّف نصر الدين كتبا، منها: الهادي إلى النجاة... و إيجاز المطالب في إبراز المذاهب، وهو بالفارسيّة».
4- . في روضات الجنّات، ج 7، ص 164 : «هو السيّد المرتضى بن الدّاعي الرازي الملقّب بصفيّ الدين صاحب كتاب تبصرة العوام في تفصيل مذاهب العليين، ويذكر غالبا مع أخيه السيّد المجتبي الذي هو أحد مشايخ منتجب الدين القمّيّ، ولهما الرواية عن شيخننا الطوسي». وله كتاب الفصول التامّة في هداية العامة. راجع: الذريعة، ج 3، ص 319.
5- . «الجوكيّة»: طائفة من البراهمة يقولون بتناسخ الأرواح. تاج العروس، ج 1، ص 6667 (جوك) .وفي تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 136 : «ومن هؤلاء أهل الرياضة السحريّة يرتاضون بذلك ليحصل لهم الاطّلاع على المغيّبات والتصرّفات في العوالم و أكثر هؤلاء في الأقاليم المنحرفة جنوبا و شمالاً خصوصا بلاد الهند، و يسمّون هنالك: الحوكيّة، ولهم كتب في كيفيّة هذه الرياضة و الأخبار عنهم في ذلك غريبة».
6- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 ؛ ورواه عن كتاب قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص 129.
7- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و...، ح 29؛ والآية في سورة القمر (54): 48 و 49.
8- . مثنوى معنوى، ص 726 مقدّمة الدفتر الخامس.
9- . راجع: الفقيه، ج 4، ص 98، ح 5174 ؛ قرب الإسناد، ص 50 ؛ بحارالأنوار، ج 74، ص 121 _ 122، ح 17. والآية في البقرة (2): 161.
10- . حديقة الشيعة، ص 562 ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج 12، ص 323، ح 14204.
11- . حديقة الشيعة، ص 562 ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج 12، ص 323، ح 14205.
12- . في «الف»: «سعيد».
13- . في «الف»: «مقرّا».
14- . في جميع النسخ بإضافة : «لعقيدته الخبيثة». وما أثبتناه من المصدر، وهو الصحيح.
15- . حديقة الشيعة، ص 564 ؛ وعنه في خاتمة المستدرك، ج 3، ص 285.
16- . في المصدر : «ألطاف».
17- . الخرائج والجرائع، ج 3، ص 1061.
18- . في المصدر : «يضلّون».
19- . حديقة الشيعة، ص 592 ؛ وعنه في مستدرك الوسائل، ج 11، ص 380، ح 1330.
20- . راجع: الكافي، ج 2، ص 528 و 531 ، باب القول عند الإصباح والإمساء، ح 20، 25، 26، 28؛ وسائل الشيعة، ج 6 ، ص 478 و 479، باب نبذة ممّا يستحبّ أن يزاد في تعقيب الصبح، ح 9 و 11.
21- . سيأتي بعد أسطر، و في تحرير الأحكام، ج 2، ص 242 (الطبعة القديمة)؛ و كشف اللثام، ح 11، ص 24 : «والمجنون الضاري كالسبع».
22- . في حديث رفع القلم المرويّ في قرب الإسناد، ج 1، ص 72؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 194؛ وسائل الشيعة، ج 28، ص 22، باب أنّه لاحدّ على مجنون ولاصبيّ ولانائم، ح 1، 2.
23- . حديقة الشيعة، ص 578 ؛ مستدرك الوسائل، ج 13، ص 241، باب اشتراط البلوغ والعقل والرشد في جواز البيع والشراء، ح 6 .
24- . في «ب» و «ج»: بتنطّق.
25- . في بحار الأنوار، ج 24، ص 73 : «حبتر ودلام: كناية عنهما». أي الأوّل والثاني.
26- . جواب «لمّا».
27- . سبأ (34): 20.
28- . في «الف» : «جاص جيصة» بالصاد المهملة.
29- . رجال الكشّي، ص 11، ح 24؛ وعنه في البحار، ج 24، ص 165، ذيل الحديث 9. وفيهما عن أبي جعفر.
30- . إشارة إلى الحديث المرويّ في المناقب، ج 3، ص 197؛ كشف اليقين، ص 225؛ ولفظ الحديث على ما في المناقب : «حبّ عليّ بن أبي طالب حسنة لاتضرّ معهما سيّئة، بغضه سيّئة لاتنفع معها حسنة». ومن المعلوم أنّ هذا الحبّ ليس حبّا عاديّا؛ لأنّه لايستدعي عدم إضرار المعصية معه. قال الشيهد الثاني في رسالة العدالة، ص 227 : «على تقدير صحّة الخبر مفتقر إلى التأويل، وأقرب التأويلات حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة».
31- . الاعتقادات، ص 101. وفيه : «وعلامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلّي بالعبادة مع تديّنهم بترك الصلاة وجميع الفرائض».
32- . لم نجد مأخذا له.
33- . في «الف»: «إذا».
34- . في «ج»: «ويعبده».
35- . في الإرشاد، ج 1، ص 349 _ 350 : «أجمع... أهل القبلة من ظهور إبليس لأهل دارالندوة في صورة شيخ من أهل نجد، واجتماعه معهم في الرأي على المكر برسول اللّه صلى الله عليه و آله وظهوره يوم بدر للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي». وراجع: تفسير القمّي، ج 1، ص 272، ذيل الآية 30 من سورة الأنفال؛ بحار الأنوار، ج 19، ص 47، ح 8 .
36- . في «ب» و «ج»: + «في».
37- . في «ب» : «المؤذية».
38- . الأمالي للطوسي، ص 539 ، المجلس 19، ح 1162؛ بحار الأنوار، ج 74، ص 91، ح 3.
39- . الكافي، ج 1، ص 51 ، باب النوادر من كتاب فضل العلم، ح 15؛ و ج 2، ص 223، باب الكتمان، ح 5 ؛ و ج 4، ص 197، باب ابتلاء الخلق و...، ح 1؛ و ج 5 ، ص 114، باب الصناعات، ح 1؛ الفقيه، ج 3، ص 159، ح 3583؛ التهذيب، ج 6 ، ص 363، ح 1040.
40- . حديقة الشيعة، ص 561.
41- . حديقة الشيعة، ص 561.
42- . الكافي، ج 1، ص 54 ، باب البدع والرأي والمقاييس، ح 5.
43- . «الدِفناس»: الأحمق. وقيل: الأحمق البذيّ. لسان العرب، ج 6 ، ص 85 (دفنس).
44- . كذا في جميع النسخ، وفي المصدر : «بإملائهم».
45- . كذا في جميع النسخ، وفي المصدر : «بإذلالهم».
46- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 .
47- . لسان العرب، ج 2، ص 14 (دبخ).
48- . لسان العرب، ج 9، ص 8 (أكف).
49- . كتاب العين، ج 1، ص 75 (عس).
50- . الصحاح، ج 6 ، ص 2339 (دلو).
51- . الأنفال (8): 35.
52- . حديقة الشيعة، ص 605 .
53- . حديقة الشيعة، ص 605 .

ص: 97

. .

ص: 98

. .

ص: 99

. .

ص: 100

. .

ص: 101

. .

ص: 102

. .

ص: 103

. .

ص: 104

. .

ص: 105

. .

ص: 106

. .

ص: 107

. .

ص: 108

. .

ص: 109

المقدّمة الحادية عشر:في فهرس أجزاء الهدايا، وأبوابه البيضاء على نسق كتب الكافي وأبوابه الغرّاء: الجزء الأوّل: كتاب العقل. الجزء الثاني: كتاب التوحيد. الجزء الثالث: كتاب الحجّة. الجزء الرابع: كتاب الإيمان والكفر. الجزء الخامس: كتاب الدُّعاء. الجزء السادس: كتاب فضل القرآن. الجزء السابع: كتاب العشرة. الجزء الثامن: كتاب الطهارة والحيض. الجزء التاسع: كتاب الجنائز. الجزء العاشر: كتاب الصلاة. الجزء الحادي عشر: كتاب الزكاة. الجزء الثاني عشر: كتاب الصيام. الجزء الثالث عشر: كتاب الحجّ. الجزء الرابع عشر: كتاب الجهاد. الجزء الخامس عشر: كتاب المعيشة. الجزء السادس عشر: كتاب النكاح والعقيقة. الجزء السابع عشر: كتاب الطلاق. الجزء الثامن عشر: كتاب العتق والتدبير والكتابة. الجزء التاسع عشر: كتاب الصيد والذبائح . الجزء العشرون: كتاب الأطعمة والأشربة. الجزء الحادي والعشرون: كتاب الزيّ والتجمّل والمروّة. الجزء الثاني والعشرون: كتاب الدواجن. الجزء الثالث والعشرون: كتاب الوصايا. الجزء الرابع والعشرون: كتاب المواريث. الجزء الخامس والعشرون: كتاب الحدود. الجزء السادس والعشرون: كتاب الديات. الجزء السابع والعشرون: كتاب الشهادات. الجزء الثامن والعشرون: كتاب القضايا والأحكام. الجزء التاسع والعشرون: كتاب الأيمان والنذور والكفّارات. الجزء الثلاثون: كتاب الروضة.

.

ص: 110

. .

ص: 111

خطبة الكافي

خطبة الكافيبسم اللّه الرحمن الرحيم المقدّمة الثانية عشر في بيان خطبة الكافي بما يتيسّر، وهداياه اثنا عشر: قال ثقة الإسلام طاب ثراه في خطبة الكافي: بِسْمِ اللّه ِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلّهِ الْمَحْمُودِ لِنِعْمَتِهِ ، الْمَعْبُودِ لِقُدْرَتِهِ ، الْمُطَاعِ لِسُلْطَانِهِ (1) ، الْمَرْهُوبِ لِجَلَالِهِ ، الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِيمَا عِنْدَهُ ، النَّافِذِ أَمْرُهُ فِي جَميعِ خَلْقِهِ ؛ عَلَا فَاسْتَعْلى ، ودَنَا فَتَعَالى ، وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ ؛ الَّذي لَا بَدْءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَلَاغَايَةَ لِأَزَلِيَّتِهِ ، القَائِمُِ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ ، وَالدَّائِمُِ الَّذِي بِهِ قِوَامُهَا ، وَالْقَاهِرُِ الَّذِي لَايَؤُودُهُ حِفْظُهَا ، وَالْقَادِرُِ الَّذِي بِعَظَمَتِهِ تَفَرَّدَ بِالْمَلَكُوتِ ، وَبِقُدْرَتِهِ تَوَحَّدَ بِالْجَبَرُوتِ ، وَبِحِكْمَتِهِ أَظْهَرَ حُجَجَهُ عَلى خَلْقِهِ .

الهديّة الاُولىاُسوته طاب ثراه بنسق القرآن المجيد في التعبير عن أعظم نِعم اللّه العزيز الحميد؛ حيث عبّر _ كما في القرآن _ عن التشيّع بالنعمة، وهو أعظم نِعَم اللّه ؛ ولا نجاة، ولا تقرّب، ولا نعيم الجنّة، ولا نعمة خلودها إلّا به، قال اللّه تبارك وتعالى في الفاتحة: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» (2) ، وفي المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (3) ، وفي الضحى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» (4) ، وفي التكاثر: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ» (5) ، وفي النحل: «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّه ِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا» (6) ، وفي الحجرات: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّه ِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللّه َ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْاءِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللّه ِ وَنِعْمَةً وَاللّه ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (7) وأمثالها في الآيات كثيرة. قد عبّر تبارك وتعالى في هذه الآية عن الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم بالإيمان بدليل «اُولئك»ولا مشار إليه لها فيها سواها؛ إشارةً إلى أنّهم عليهم السلام من نور واحدٍ، وأنّهم شخص الإيمان. وعن الأوّل بالكفر، (8) ونسق القرآن كذلك، وقد نزلت فيه: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» (9) ، وكانت مدّة طغيانه سنتين. وفي المائدة: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ» (10) ، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ» (11) ، ثمّ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ» (12) . وعن الثاني بالفسوق ، والفسق لغةً الظلم، والفسوق مصدر وجمع، فإفراده للتناظر وطرفيه على الإفراد، وجمعيّته للإشارة على كثرة ظلمه، وأنّه مصدر كلّ ظلم. وعن الثالث بالعصيان، وهو مشهور في المخالفين أيضا بذلك كشهرة شيخيهم بالاعتبار. ولمّا علم اللّه تعالى أنّهم بعد انقراض زمان خلفائهم يلقّبونهم بالخلفاء الراشدين أنزل اللّه تعالى «اُولئك هم (13) الراشدون» يعني الذين عبّر عنهم بالإيمان، لا الذين عبّر عنهم بالكفر والفسوق والعصيان. وأشار _ طاب ثراه _ بإضافة النِّعمة إلى أنّ الهداية والتوفيق الإيمان من اللّه سبحانه كما سيبيّن في بابه، وهو آخر أبواب كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. (المعبود لقدرته). ردّ على القائلين بالإيجاب كزنادقة الفلاسفة والذين يلزمهم القول به كالصوفيّة القَدَريّة لعنهم اللّه . (المطاع لسلطانه) أي لجميع ما سواه فدلالة على قدم ربوبيّته، ووحدانيّة أزليّته، وعموم سلطنته؛ ردّا على القائلين بتعدّد القديم كالأشاعرة، وهم زعموا قيام الصفات الحقيقيّة بأنفسها زائدة على الذات، وعلى المفوّضة من المعتزلة حيث توهّموا استقلال العبد في القدرة على الفعل والترك. وسيبيّن الحقّ وبطلانهم في الأواخر من أبواب كتاب التوحيد كتاب الخير والشرّ، وباب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، وباب الاستطاعة إن شاء اللّه . وفي بعض النسخ : «في سلطانه» بمعنىً. (14) (المرهوب لجلاله المرغوب إليه فيما عنده) دلالةً على ما دلّت عليه الفقرتان السابقتان عليها من وجههما ووجه آخر؛ إذ لا رهبة وخوف للجميع، ولذا لا رغبة ورجاء إلّا من السلطان القادر القاهر القديم ربوبيّته، الوحيد أزليّته؛ وإشارةً إلى أنّ الخائف الراجي من اللّه تعالى إنّما جزاؤه الجزاء الأوفى. وفي بعض النسخ : «بجلاله» بالمفردة بمعنىً. (15) (النافذ أمره في جميع خلقه) دلالة على مادلّت عليه الفقرات الثلاث من وجهها ووجهٍ آخر على ما لايخفى بيانه من بيانها. (علا): كان ذا المجد والعُلى قبل خلقه (16) الأشياء. (فاستعلى) فشاء إظهار المجد والعُلى، فخلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه. وفي الحديث القدسي: «كنت كنزا مخفيّا أحببت أن اُعرف، فخلقت الخلق ليعرفون». وفي رواية: «ليعبدون». وفي اُخرى: «كي أعرف». (17) (دنا) ؛ لإحاطته بالجميع، (فتعالى) لكون إحاطته بالجميع كإحاطته بالجميع، جميع المكانيّات والزمانيّات والعقليّات والوهميّات، فَدَهَش (18) كلّ واحد من المجموع في تعاليه _ تعالى شأنه _ كدَهْش المجموع من حيث المجموع. فنِعم ما عَطَف: (وارتفع فوق كلّ منظر) على «تعالى»، يعني جميع المناظر: حسيّها ووهميّها وعقليّها. (الذي لا بدء لأوليّته)؛ لوحدانيّة قدمه. (ولا غاية لأزليّته)؛ للعينيّة بين أزليّة أوّليّته وديموميّة آخريّته. (القائم) بذاته (قبل) خلقه (الأشياء ، والدائم) الربوبيّة الذي بتدبيره (19) قوام الأرض والسماء وما بينهما وما تحت الثرى. (والقاهر الذي لا يؤده حفظها) أي المسخّر القويّ الذي لا يَتَكَأّده ولا يثقله حفظها عرشه وحلمته وما أحاطا به (20) وكرسيّه وحَفَظَته، وما أطافا عليه «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ» . (21) (القادر الذي بعظمته تفرّد بالملكوت، وبقدرته توحّد بالجبروت) دلالةً على وحدانيّة قدرته وفردانيّة عظمة سلطنته وقدرة جبّاريّته ، فكما أنّ توحّده بالعظمة دليل تفرّده بالسلطنة، كذلك تفرّده بالقدرة دليل توحّده بالجبّاريّة ، فمعنى ثنائه تبارك وتعالى بقولنا: له وحدانيّة الشيئيّة أنّه ليس كمثله شيء ، فشيئيّته خاصّة؛ وله فردانيّة القدرة أنّه على كلّ شيءٍ قدير، فقدرته قدرته. ومعنى قوله عليه السلام في الصحيفة الكاملة السجّادية: «لك وَحْدانيّةُ العدد، ومَلَكَة القدرةِ الصَّمَد» (22) أنّ وحدانيّة وحدته خاصّة. ووجه التعبير عن الوحدة بالعدد ظاهر . أو المعنى أنّ وحدانيّته تعالى بحسب العدد؛ يعني باعتبار (شماره). وما «مِن نَّجْوَى ثَلَ_ثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ» (23) ليس من قبيل الوحدة العدديّة، كيف؟! وهذه يلزمها الاثنينيّة، وتلك قبل الأعداد والمعدودات ومحيطة بما أوجد منها مع العينيّة بين أوّليّته قبل كلّ أوّل وآخريّته بعد كلّ آخر؛ لتوحّده بالقدم والأزليّة، وتفرّده بالبقاء والديموميّة. (وبحكمته أظهر حججه على خلقه) أي بعلم شرائعه، أو بأن عرّف لهم أوّلاً عظمة ربوبيّته وجلالة صانعيّته بشواهد الربوبيّة من الأرض والسماء وسائر عجائب الآثار وغرائب الصنائع بهذا (24) النظام والتقدير، وهذا النسق والتدبير؛ لتعمّ بفضله العظيم ولطفه العميم معرفته الفطريّة التي فطر الناس عليها _ وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «الحمد للّه (25) المُلْهِم عبادَه حَمْدَه، وفاطِرهم على معرفة ربوبيّته». (26) وسيجيء في الخامس في باب جوامع التوحيد في كتابه في التوحيد _ لتحصل لهم بعدها المعرفة الدينيّة التي لا تحصل إلّا بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب؛ للقطع بأنّ الأعلم بهذا النظام هو مدبّره، فانحصر القطع بحقّيّة شيء في إخباره، فتجب الواسطة؛ لامتناع الرؤية والمعاشرة بالملامسة ونحوها، فيقول الرسول إليهم للمعرفة الدينيّة الّتي هي معرفة خصوصيّات الربوبيّة كما عرّف اللّه به نفسه بالآيات البيّنات وخصائص النبوّة والإمامة، كما ورد به الكتاب والسنّة ودلّت عليه المعجزات والدلالات: أنا رسول إليكم من الذي قطعتم بوجوده من شواهد ربوبيّته؛ «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (27) ، فمن أقبل وقبل هُدي بتوفيق اللّه ، ومَن أدبر وأنكر ضلّ بخذلانه، واللّه يهدي مَنْ يشاء ويضلّ من يشاء (28) ، ولا جبر كما سيفصّل في الأواخر من أبواب كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى في مثل قوله تعالى في سورة الزخرف: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» ، (29) وفي آخرها: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» (30) إشارةً إلى ما صحّ من أنّ أوّليّة شواهد الربوبيّة موجبات لحصول المعرفة الفطرية، وخواتيمها من الحجج المعصومين والكتب الإلهيّة شروط لحصول المعرفة الدينيّة. وسمعت السيّد السند أمير حسن القائيني رحمه الله يقول: مظنوني أيضا كما ظنّ معظم الأصحاب أنّ خطبة الكافي لمكان شأن نظامه بهذه المكانة، ونظام شأنه بهذه المتانة والرزانة من منشآت الصاحب عليه السلام ، وقد ثبت أنّ تأليف الكافي لجميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام إنّما كان في الغيبة القُصْرى بالأمر المشافهي من صاحب الأمر عليه السلام . وقال برهان الفضلاء مولانا خليل اللّه القزويني سلّمه اللّه تعالى: حقّ أنّ كتاب الكافي عمدة كتب أحاديث الأئمّة عليهم السلام ألّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الرازي الكليني _ طاب ثراه _ في الغيبة الصغرى باحتياط تامّ في عرض عشرين عاما، وكانت مدّة هذه الغيبة تسعا وستّين سنة بناءً على أنّ مبدأها من مضيّ أبي محمّد عليه السلام ، وأربعا وسبعين سنة إذا كان مبدؤها من مولد الصاحب عليه السلام . وعاشر ثقة الإسلام أكثر سفرائه عليه السلام في بغداد وغيرها أكثر الأوقات، فاُمر مشافهة _ كما هو المشهور _ أو بتوسّط السفراء بجمع الأحاديث المخزونة لشدّة التقيّة وتأليف الكافي. فيقرب أن يكون المراد بالعالم في هذا الكتاب في كلّ حديث كان في عنوانه «وقد قال العالم عليه السلام » أو «في حديث آخر» الصاحب عليه السلام بلا واسطة، أو بواسطة السفراء، إلّا أن تكون قرينة صارفة. والمظنون أنّ الكافي شرّف بنظره (31) عليه السلام وكان مضيّ ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ سنة مضيّ الأخير من سفرائه عليه السلام أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضى الله عنه، وهي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة هجريّة أو بعدها بسنة واحدة. ثمّ قال برهان الفضلاء: «المحمود» ونظائره إمّا بالجرّ على الوصف، أو الرفع بتقدير «هو» واللام في «لنعمته» ونظائرها للسببيّة. والسبب على قسمين؛ إمّا فائدة أو غيرها، والأوّل يسمّى بالعلّة الغائيّة ، و«لنعمته» على الأوّل إشارة إلى أنّ الابتداء في سورة الفاتحة بالحمد بعد البسملة؛ لأنّه سبب لاستجابة الدعاء وطلب النِّعمة. ونعمته عبارة عن توفيقه للصراط المستقيم المطلوب في «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ» وهو الإيمان بولاية الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم وحقّيّة طريق النبيّين عليهم السلام ، والتبعيّة الحقّة منحصرة في طريقهم، في تبعيّة العلم في نفس أحكام اللّه عزّ وجلّ إلى آخر العمر. وهذا هو المراد في الآيتين في سورة يونس، قال اللّه تعالى: «فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَا الضَّلَالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ» (32) ، وقال: «أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّى إِلَا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (33) . واستقامته باعتبار أنّ الاختلاف والتعدّد لا يكون في تبعيّة العلم، بل هو ثابت راسخ بخلاف تبعيّة الظنّ، نظيره أنّ الخطّ المستقيم بين النقطتين لا يكون إلّا واحدا بخلاف الخطّ المعوجّ ، فظهر أنّ تبعيّة الظنّ في نفس أحكام اللّه صراط المغضوب عليهم والضالّين، قال اللّه تعالى في سورة يونس وسورة النجم: «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا» (34) . وفي قول المصنّف «المحمود لنعمته» إشارة إلى أنّ سورة الفاتحة أوّل براهين القاطعة القرآنيّة على حقّيّة مذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة، ووجوب وجود إمام معصوم مفترض الطاعة، عالم بجميع نفس أحكام اللّه في كلّ زمان إلى انقراض الدنيا، وما أظهر أنّ الناس في كلّ زمان لابدَّ لهم من المُفتين والقُضاة فيما بينهم، وأنّ الإفتاء علما، وكذا القضاء يمتنع في أكثر الاُمور والقضايا بدون ظهور ذلك الإمام، فلو أنّ المفتين والقضاة بالظنّ منعوا أنفسهم وكفّوا أيديهم عن الإفتاء والقضاء بالظنّ في زمن الغيبة، فإمّا أن تنقرض الدنيا أو يظهر الإمام عليه السلام ، والدنيا لا تخرب قبل ظهور المهدي باتّفاق أهل الإسلام. وقد روى البخاري في صحيحه في باب مناقب قريش بعدّة من الطرق عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «الأئمّة الحقّ بعدي إلى انقراض الدنيا اثنا عشر كلّهم من قريش». (35) فإن قيل: فيلزم أن لا يكون العمل بظاهر القرآن والخبر الواحد المستجمع للشرائط جائزا في زمن غيبة الإمام أيضا؛ لأنّهما لا يفيدان ما خلا الظنّ. قلنا: جواز العمل بهما ليس مستلزما لجواز العمل بالظنّ في نفس أحكام اللّه سبحانه؛ إذ الممنوع الإفتاء والقضاء بمضمونهما، لا محض عمل كلّ أحد لنفسه بمضمونهما، سواء حصل الظنّ بمضمونهما أو لا، كما هو مذهب الأخباريّين من أصحابنا رضوان اللّه عليهم؛ وذلك لأنّ هذا العمل استناده إنّما على دليل قطعيّ على جوازه، نظيره حكم القاضي بشهادة العدلين، سواء كان المشهود به مظنونا أو لا. وشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ، قال في كتاب عدّة الاُصول في فصل ذكر خبر الواحد وجملة من القول في أحكامه: «وليس من عمل بخبر الواحد يضيف إليه أنّ اللّه تعالى قد قال ما تضمّنه الخبر، وذلك معلوم عنده بدليل دلّ عليه » (36) . انتهى. وهذا لا ينافي جواز تبعيّة الظنّ في الجملة في غير نفس أحكام اللّه تعالى، كثبوت عدالة الشاهدين، وتعيين القبلة في مكان معيّن، وتعيين مقادير الجنايات وقيم المتلفات، ونحو ذلك ممّا لا يكون التنازع فيه مستمرّا في الأزمنة بعده، وأمثال المذكورات تسمّى بمحالّ أحكام اللّه . وما ذكرنا يوافق قوله تعالى في سورة الحجرات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (37) بناءً على أن يكون كلّ من كثير الظنّ وبعضه في هذه الآية عبارة عن المذكور في آية سورة يونس وسورة النجم (38) ، وقد مرّ ذكرهما. أقول: كما لا شكّ في ثبوت الرخصة عنهم عليهم السلام لا سيّما في زمن الغيبة في العمل بالظنّ للإماميّ المستجمع لشرائط الإفتاء والقضاء، إمّا مطلقا كما عليه معظم الأصحاب بل جميع متأخّريهم، ما عدا قليل منهم كالفاضل مولانا محمّد أمين الاسترآبادي نزيل مكّة ثمّ المدينة، صاحب [ال] فوائد المدنيّة رحمه الله، وبرهان الفضلاء سلّمه اللّه ؛ أو في الجملة بالاتّفاق؛ للاتّفاق على أنّ ظنّية الطريق _ كما في الخبر الواحد المقرون بشرائط الصحّة _ لا تنافي قطعيّة الحكم، لا شكّ (39) أنّ وقت ظهور الصاحب عليه السلام من المقدّرات المحتومة لا بداء فيه، إذا جاءهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون، وأنّ المفتين والقضاة لا يتّفقون قطّ على منع أنفسهم من الإفتاء وكفّ أيديهم من القضاء، وأنّ غير المستجمع شرائطهما (40) كقضاة العامّة ومفتيهم بالآراء والمقاييس مؤاخذون بهما كما بمذاهبهم، فلم يبق كلام مثل الفاضلين مع سائر أصحابنا المتأخّرين إلّا في عموم الرخصة في العمل بالظنّ للإماميّ الموصوف وخصوصها. وظاهر أنّ ظاهر أحاديث الرخصة كمنطوق لفظ الإفتاء والقضاء من أدلّة العموم، وهو ظاهر ثقة الإسلام في أواخر الخطبة كما سيفصّل في الهديّة الحادية عشرة. ثمّ قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «المعبود لقدرته» ردّ على القائلين بالإيجاب المنكرين لقدرته تعالى، كزنادقة الفلاسفة ومن يقتفي أثرهم؛ حيث قالوا: ما يفعله ليس له أسباب تركه، وما لا يفعله ليس له أسباب فعله، فأنكروا كونه سبحانه مستحقّا للعبادة، بل كونه مستحقّا للحمد أيضا. و«الاستعلاء» إظهار العلوّ. و«التعالي» كمال التنزّه عن أن يشكّ فيه، فإنكار الجاحدين بمجرّد اللسان والمكابرة . و«الفاء» في الفقرتين للتعقيب. و«ارتفع» عطف على «تعالى» أو حاليّة بتقدير «قد» . و«المنظر» بفتح الميم مصدر ميميّ بمعنى الإبصار، إبصار الأبصار أو القلوب، (41) واسم مكان يطلق على العين والغرفة وكلّ مكان مرتفع. و«القوام» بالكسر: الوجود والبقاء، وقوام الخيمة عمادها. و«القوام» بالفتح: العدل. و«القاهر» أي الغالب على كلّ ما يريد. «تفرّد بالملكوت» أي بسلطنة القدرة على شيء بمحض نفوذ الإرادة من دون حركةٍ لاستعمال آلة وعضو ، فردّ على اليهود والفلاسفة ومن تبعهم في القول بتجرّد العقول العشرة والنفوس الناطقة. و«الجبروت» مبالغة في الجبر بمعنى أنّ كلّ ممكن باق محتاج في بقائه بقوّته وحفظه سبحانه. و«بحكمته أظهر حججه على خلقه» أي الأنبياء والأوصياء، بمعنى أنّه لم يُظْهِرهم بحيث لا يكون لوسوسة الشيطان إلى حقّيتهم سبيل؛ ليفوز المؤالف فوزا عظيما، ولم يُخْفِهم بحيث يكون المخالف معذورا بعدم إتمام الحجّة عليه. أقول: أراد سلّمه اللّه تعالى بقوله: «ومن يقتفي أثرهم» الصوفيّة والقدريّة لعنهم اللّه ، وهم يقولون بناءً على طريقتهم المبتنية في الأكثر على اُصول زنادقة الفلاسفة: إنّه تعالى ليس مستحقّا لجميع المحامد، بل لحمد إفاضة الوجود فقط. قال بعض المعاصرين في كتابه في بيان الحديث الثاني في الباب الثامن والعشرين في كتاب التوحيد، وهو باب السعادة والشقاء: ما قدّر اللّه تعالى على الخلق الكفر والعصيان من نفسه بل باقتضاء أعيانهم وذواتهم، وطلبهم بألسنة استعداداتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا، فما كانوا في علمه تعالى ظهروا به في وجوداتهم العينيّة، فليس للحقّ إلّا إفاضة الوجود عليهم والحكم لهم وعليهم، فلا يحمدوا إلّا أنفسهم، ولا يذمّوا إلّا أنفسهم، ولا يبقى للحقّ إلّا حمد إفاضة الوجود؛ لأنّ ذلك له لا لهم. (42) انتهى. وفي توحيد الصدوق في باب القضاء والقدر بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة، وهم الذين أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه، وفيهم نزلت هذه الآية: «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» » (43) . وعن السيّد المرتضى علم الهدى وابن حمزة عن المفيد بإسناده المتّصل عن الهادي أبي الحسن الثالث عليه السلام أنّه قال: «إنّ أخسّ الطوائف الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة، اُولئك الذين يجهدون في إطفاء نور اللّه ، واللّه يتمّ ولو كره الكافرون». (44) وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله في شرح خطبة الكافي _ وهو قدس سره من المائلين من متأخّري أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم إلى استقامة نَبْذٍ من اُصول الفلاسفة، كتجرّد العقول والنفوس الناطقة؛ وتأويل نَبْذٍ اُخر منها، كإيجاب الصانع، وقِدَم العالَم بالإيجاب الخاصّ والقدم الزماني ولن ترضى الفلاسفة فقط، وذلك لصرفهم من العمر مدّة في مطالعة كتبهم وتدريسها باقتضاء كثير من الطبائع في عصرهم ذلك _ : لمّا كان إنعامه تعالى باعثا لأن يُحمد شكرا لما وقع، وقدرته على ما يشاء سببا للتذلّل والعبوديّة له، أسند المحموديّة بالنعمة والمعبوديّة بالقدرة. ولعلّ المراد بكونه «مطاعا في سلطانه» أنّ المبرم من قضائه وحكمه لا يتمكّن أحدٌ من مخالفته ونقضه؛ حيث اضمحلّ كلّ تمكّن وسلطنة في جنب سلطانه ، فالمطلوب (45) على طريق السلطنة لا يُقاوَم ولا يُعارضُ . وأمّا الأوامر والنواهي التي ربّما لا يطاع فيها فليست من هذا القبيل، ولذا قال : «المطاع في سلطانه» لا «المطاع في أوامره ونواهيه». «المرهوب لجلاله» إمّا متعدّ بالحرف، والمعنى مرهوب منه، فحذفت أداة النفي المتعدّية في اللفظة، كما يقال: المصطلح ويراد المصطلح عليه ؛ وإمّا متعدّيا بنفسه. قال المطرّزي: رهبه: خافه، واللّه مرهوب [ومنه] لبّيك (46) مرهوب ومرغوب إليك. و«الاستعلاء» استفعال من العلوّ بمعنى فعل. وعن عبد القاهر: أنّ المعنى في لفظ «استفعل» يتغيّر قليلاً، وأنّ استقرّ واستعلى أقوى من قرّ وعلا. فالتفريع في قوله : «فاستعلى» على تقدير المغايرة يصحّ على كونهما متعدّيين أو لازمين، وعلى كونه بمعنى فعل بلا مغايرة يبنى على كون أحدهما متعدّيا والآخر لازما، والأخير أولى باللّزوم. و«الملكوت» فعلوت من الملك، كالرّغبوت من الرغبة، والرهبوت من الرّهبة، والرّحموت من الرحمة، والجبروت من الجبر . وعالم الملكوت يُطلق على المجرّدات والمفارقات، كما أنّ عالم الملك يُطلق على الجسمانيّات والمقارنات. (47) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «علا» أي كان متفرّدا بالعلوّ الذي لا علوّ فوقه «فاستعلى» فأظهره بعجائب آثار الصنع وغرائب صنايع القدرة. وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: أي علا بالذات علوّا مطلقا لا إضافيّا «فاستعلا» أي فاستحقّ العلوّ والعبودية على الإطلاق؛ من باب استحصد الزرع، أي استحقّ الحصاد. (48)

.


1- . في الكافي المطبوع : «في سلطانه».
2- . الفاتحة (2): 7. راجع: معاني الأخبار، ص 32، باب معنى الصراط؛ شواهد التنزيل، ج 1، ص 85 ، ح 105.
3- . المائدة (5): 3.
4- . الضحي (93): 11. راجع: المناقب، ج 3، ص 100؛ وعنه في البحار، ج 35، ص 425.
5- . التكاثر (102): 8 . راجع: الكافي، ج 6 ، ص 281، باب آخر في التقدير و...، ح 5 ؛ الأمالي للطوسي المجلس 10، ح 48؛ المناقب، ج 2، ص 153.
6- . النحل (16): 83.
7- . الحجرات (49): 7 و 8.
8- . راجع: الكافي، ج 1، ص 426، باب فيه نكت ونتف...، ح 71؛ المناقب، ج 3، ص 94؛ تفسير القمّي، ج 2، ص 319.
9- . الزمر (39): 8 . راجع: الكافي، ج 8 ، ص 204، ح 246.
10- . المائدة (5): 44.
11- . المائدة (5): 45.
12- . المائدة (5): 47.
13- . في «الف»: - «هم».
14- . في «ب» و «ج»: - «بمعنى».
15- . في «ب» و «ج»: - «بمعنى».
16- . في «الف»: «خلقه».
17- . هذا الحديث مشهور على الألسنة وفي كتب العرفاء والصوفيّة، ولكن لم يثبت عند المحدّثين ولا أصل له وإن كان معناه صحيح ظاهرا. راجع: بحارالأنوار، ج 84 ، ص 199، باب كيفية صلاة الليل، ذيل الحديث 6 ؛ مفاتيح الغيب لفخرالدين الرازي، ج 28، ص 194 ذيل الآية: 56 من سورة الذاريات (51). ولفظ الحديث على ما في تعليقة تفسير المحيط الأعظم...، ج 1، ص 324 هكذا: «قال داود عليه السلام : يا ربّ، لما ذا خلقت الخلق؟ قال: كنتُ كنزا مخفيّا، فأحببت أن اُعرف، فخلقتُ الخلق لكي اُعرف».
18- . «الدَهَش»: ذهاب العقل من الذَهَل والوَلَه، وقيل: من الفزع ونحوه. لسان العرب، ج 6 ، ص 303 (دهش).
19- . في «الف»: «تدبيره».
20- . في «الف»: - «وما أحاطا به».
21- . البقرة (2): 255.
22- . الصحيفة السجّاديّة، ص 135، الدعاء 28.
23- . المجادلة (58): 7.
24- . في «الف»: «لهذا».
25- . في «الف»: - «الحمد للّه ».
26- . الكافي، ج 1، ص 139، باب جوامع التوحيد، ح 5 ؛ ورواه الصدوق في التوحيد، ص 56 ، باب التوحيد ونفي التشبيه، ح 14 عن أبي الحسن الرضا عليه السلام .
27- . الأنفال (8): 42.
28- . اقتباس من الآية 93، سورة النحل (16)؛ والآية 8 ، سورة فاطر (35).
29- . الزخرف (43): 9.
30- . الزخرف (43): 87 .
31- . في «الف»: «بمنظره».
32- . يونس (10): 32.
33- . يونس (10): 35.
34- . يونس (10): 36 ، النجم (53): 28.
35- . لم أجد لفظ الحديث كما في المتن في المجاميع الحديثيّة العامّة والخاصّة، ولفظ الحديث في صحيح البخاري، ج 6 ، ص 2640، ح 6796 هكذا : «سمعت جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: يكون اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش». وللمزيد راجع: صحيح مسلم، ج 3، ص 1452 _ 1453، ح 1821 _ 1822.
36- . عدّة الاُصول، ج 1، ص 102.
37- . الحجرات (49): 12.
38- . يونس (10): 36؛ النجم (53): 28.
39- . عطف على قوله قبيل هذا : «كما لاشكّ».
40- . في «الف»: «لشرائطها».
41- . في «الف»: «والأبصار والقلوب».
42- . الوافي، ج 1، ص 530 ، ح 2433. بتفاوت.
43- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و...، ح 29. والآية في القمر (54): 48 _ 49.
44- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 ؛ و رواه عن كتاب قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص 129.
45- . في المصدر : «فالمطاع».
46- . في النسخ : «إنّك» وما أثبتناه من المصدر، وهو الصحيح.
47- . الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيع النائيني، ص 31 _ 32.
48- . له حواش على الكافي، نقل عنه بعض الفضلاء والشارحين كالمصنّف في هذا الشرح والملّا خليل القزويني في شرحيه وغيرهما، لكن حواشيه على الكافي غير مطبوع و لم عثر على مخطوطة منه.

ص: 112

. .

ص: 113

. .

ص: 114

. .

ص: 115

. .

ص: 116

. .

ص: 117

. .

ص: 118

. .

ص: 119

. .

ص: 120

. .

ص: 121

. .

ص: 122

. .

ص: 123

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:اِخْتَرَعَ الْأَشْيَاءَ إِنْشَاءً ، وَابْتَدَعَهَا ابْتِدَاءً بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لَا مِنْ شَيْءٍ ؛ فَيَبْطُلَ الاخْتِرَاعُ ، ولَالِعِلَّةٍ ؛ فَلَا يَصِحَّ الْابْتِدَاعُ . خَلَقَ مَاشَاءَ كَيْفَ شَاءَ مُتَوَحِّدا بِذلِكَ ؛ لِاءِظْهَارِ حِكْمَتِهِ ، وَحَقِيقَةِ رُبُوبِيَّتِهِ . لَا تَضْبِطُهُ الْعُقُولُ ، وَلَا تَبْلُغُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مِقْدَارٌ . عَجَزَتْ دُونَهُ الْعِبَارَةُ ، وَكَلَّتْ دُونَهُ الْأَبْصَارُ ، وضَلَّ فِيهِ تَصَارِيفُ الصِّفَاتِ . اِحْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجَابٍ مَحْجُوبٍ ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سِتْرٍ مَسْتُورٍ ، عُرِفَ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَوُصِفَ بِغَيْرِ صُورَةٍ ، وَنُعِتَ بِغَيْرِ جِسْمٍ ، لَا إِلهَ إلَّا هو (1) الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ . ضَلَّتِ الْأَوْهَامُ عَنْ بُلُوغِ كُنْهِهِ ، وَذَهَلَتِ الْعُقُولُ أَنْ تَبْلُغَ غَايَةَ نِهَايَتِهِ ، لَايَبْلُغُهُ حَدُّ وَهْمٍ ، وَلَا يُدْرِكُهُ نَفَاذُ بَصَرٍ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .

الهديّة الثانية:(إنشاء) مفعول مطلق بغير لفظ فعله للتأكيد، أو للنوع وللإشارة إلى معنى فعله، يعني أنشأ وأوجد جميعها على أن يكون الألف واللّام للاستغراق، الاستغراقي الشامل للأفرادي والمجموعي. وكذا «ابتدأ» و«اخترع» دلالةً على بطلان قول التناسخيّة بقدم نوع العالم وعود أجزاء كلّ عالم بعد إتمام دوره إلى الوضع السابق بعينه ، والصوفيّة القدريّة أيضا لا يستقيم طريقتهم عندهم إلّا بالقول بالتناسخ. «والأشياء» دلالةً على بطلان مطلق من قال بقدم العالم كزنادقة الفلاسفة ومن تبعهم من الصوفيّة وأهل التناسخ وملاحدة اليهود لعنهم اللّه . وكذا «ابتدعها» بتأكيدها لسابقها بعد التأكيد بلفظة القدرة والحكمة؛ لدلالتهما على بطلان مطلق القائلين بالإيجاب والمثبتين للاقتضاء، وقد سمعت قول بعض المعاصرين آنفا حيث أنكر حكمة الإيجاد وتدبير الصنع بنسبته التقادير والتدابير إلى استعدادات الماهيّات واقتضاء الطبائع، ونسبة إفاضة الوجود فقط إلى الربّ سبحانه. وفقرة (لا من شيء) كالتفسير للفقرة الاُولى كتاليها للثانية. و«الشيء» عبارة عن الحقائق الثابتة قبل الوجود عند الزنادقة، والعلّة عند الاقتضاء، والطلب بألسنة الاستعدادات. (خلق ما شاء كيف شاء) دلالة على ما دلّت عليه الفقرات السابقة ؛ يعني كيف شاء بحكمته وتدبيره من كيفه وكمّه ووضعه وأينه وأجله وغير ذلك من أحوال الممكنات وأوصافها. (متوحّدا بذلك) أي بجميع ذلك من دون حاجة إلى شيء من المُعِين والمقتضي والواسطة والآلة وسبب قديم وموجب سهيم، فدالّة مع الدلالة على وحدانيّة وحدته وقدمه وقدرته على ما دلّ عليه ما سبق من الدلالات ومن البراهين القاطعة على بطلان مذاهب هؤلاء المذكورين، بل مذهب كلّ من ليس له مستند من قول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه أنّ من له حجّة قاطعة له حجّة على من ليس له ذلك ولا عكس، فمذهب غير القائل بوجود المعصوم الذي لا شكّ لعصمته وامتيازه عن الجميع حسبا ونسبا في حقّيّة قوله وحقّيّة حجّيّته، إمّا قطعيّ البطلان كما عند أهل الحقّ، أو محتمله كما عند غيرنا، فليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ولا حجّة للجاهل، وهذا قول الصادق عليه السلام لذلك الزنديق المذكور في الحديث الأوّل في كتاب التوحيد. (2) ومن الحجج القاطعة على وجوب وجود حجّة معصوم عاقل عن اللّه تعالى في مثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم أنّ الأعلم بهذا قطعا إنّما هو مدبّره ، فانحصر القطع بحقّيّة شيء فيه في إخباره فوجب الواسطة، ووجبت لوجوه شتّى عصمته وامتيازه عن الجميع في جميع المكارم والأخلاق كحسبيّة في الأحساب ونسبيّة في الأنساب. والقادر على مثل الآثار العجيبة والصنايع الغريبة، قادر على خلق المعصوم لخلاص خلقه من ورطات الحيرة والضلالة بمنّ لطفه العميم وفضل وجوده المعلوم. (لإظهار حكمته) أي لإظهار أشياء من آثار قدرته على كلّ شيء، وتدبير صنعه المتقن؛ إقامةً لشواهد ربوبيّته. إنّما قلنا : «الأشياء» لعدم تناهي الآثار . والمراد ب «حقيقة الربوبيّة» خصوصيّاتها؛ لامتناع المعرفة بالكنه بالاتّفاق، يعني ولإظهار خصوصيّات ربوبيّته بإظهار حججه على خلقه، وإظهارهم إنّما هو لتعريفهم عن اللّه تبارك وتعالى المعرفة الدينيّة، وقد عرفتها في الهديّة الاُولى. (لا تضبطه العقول) بالإحاطة (ولا تبلغه الأوهام) بالجدّ والسعي. (ولا تدركه الأبصار) بالحدّة لا أبصار العيون، ولا عيون القلوب «ولا تدركه الأبصار» مفسّرة في الحديث _ وسيجيء في كتاب التوحيد في الباب التاسع باب إبطال الرؤية (3) _ بأبصار القلوب والرؤية بحقيقة الإيمان، ليس دركها متعلّقا بالكنه. (ولا يحيط به مقدار) كيف!؟ وهو خالق المقادير ومقدّرها. (عجزت دونه العبارة) أي دون وصفه وشأنه كما يليق بشأنه تعالى شأنه، وقد قال خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّدهم صلّى اللّه عليه وآله وعليهم أجمعين: «لا اُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك». (4) (وكلّت دونه الأبصار) : دون دركه ومعرفته. (وضلَّ فيه تصاريف الصفات) أي الصفات المتغيّرة بكونها زائدة. (احتجب بغير حجاب محجوب) لها معان: فعلى إضافة الحجاب إمّا المعنى: امتنعت رؤيته مع عدم حجاب شيء محدود بالمحجوبيّة، أو: امتنعت بحجاب ذلك الامتناع لا بالحجاب الموصوف، أو: امتنعت بحجاب غير المحجوب بالحجاب ، أو لا بحجاب يمكن أن يكون حجابا لما يمكن أن يكون محجوبا . وأمّا على التوصيف فالمعنى: احتجب بلا حجاب محدود، أو بحجاب غير محدود، أو غير مستور، وكذا الفقرة التالية. و«الستر» بالكسر الحجاب، وبالفتح مصدر ستره كنصر. (عرف بغير رؤية) بل بآثار القدرة والتدبير معرفة فطريّة، وبالحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم معرفة دينيّة. (ووصف بغير صورة) لامتناع المحدوديّة. (ونعت بغير جسم) لذلك؛ ولامتناع الحدوث. في بعض النسخ : «لا إله إلّا اللّه الكبير المتعال» بلفظة الجلالة مكان «هو». (ضلّت الأوهام عن بلوغ كنهه) وَهْمَ أيِّ فهمٍ كان، ودركُ أيّ عقلٍ كان. و«الذّهول» مصدر باب منع: الغفلة والنسيان عن الشيء باليأس منه. في بعض النسخ : «عن أن تبلغ» بزيادة «عن» يعني كنه حقيقته. (لا يبلغه حدّ وهم) أي قوّته وحِدَّته. و(نفاذ بصر) بالفتح في بعض النسخ. (وهو السميع العليم). قال برهان الفضلاء: هذه العبارات ستنقل عن الرضا عليه السلام بتفاوت يسير في أوّلها في الثالث من الباب الحادي عشر في كتاب التوحيد (5) . و«الاختراع والإنشاء»: خلق الشيء بلا مادّة قديمة. و«الابتداع والابتداء»: فعل شيء لم يفعل فاعله قبله فعلاً مثله. «بقدرته» ناظر إلى «اخترع»؛ للإشارة إلى الفرق بين قدرة الخالق وقدرة المخلوق بأنّ فعل قدرة المخلوق لنقصها موقوف على مادّة سابقة بخلاف قدرة الخالق. و«حكمته» ناظر إلى «ابتدعها»؛ إبطالاً لخيال القائلين بأنّ قبل حدوث العالم لولا يكون فعل للزم التعطيل. «لا من شيء» ناظر إلى «اخترع» و«لا لعلّة» إلى «ابتدعها». فإذا قرئ «لعلّة» بكسر العين وبمعنى السبب ف «لا من شيء» إبطال لما ذهب إليه طائفة من المشّائين من الفلاسفة من أنّ كلّ حادثٍ مسبوق بمادّة قديمة، و«لا لعلّة» إبطال لما ذهب إليه طائفة الإشراقيّين منهم من أنّ كلّ حادث مسبوق بحدوث آخر وهو شرطه . وإذا قرى ء بفتح العين بمعنى شرب واحد بعد شرب آخر، وهنا بمعنى العود إلى الإيجاد بعد الإيجاد والإفناء ف « لا من شيء» إبطال لمذهب المشائين وقد ذكر، و«لا لعلّة» لمذهب الإشراقيّين وسيذكر في كتاب التوحيد في شرح كلام المصنّف لتوضيح الأوّل من باب جوامع التوحيد، وهو الباب الثاني والعشرون، واللّام في «لعلّة» على هذا توقيتيّة، أو سببيّة. و«الحقيقة» ضدّ المجاز. والمراد هنا الخالص، يعني ولإظهار ربوبيّته على الحقيقة. و«التصاريف» أقسام الشيء. و«الصفات» جمع الصفة، بمعنى التشبيه. و«الحجاب» البوّاب، والحاجز بين الشيئين، يعني احتجب بغير حجاب يكون له حجاب آخر، فقياسه على المخلوق باطل؛ إذ الملوك من الخلق يكون كثرة احتجابهم بكثرة الحُجّاب (6) والحِجاب . والمراد ب «الصورة» الجسد المجوّف كما للآدمي. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: الاختراع والابتداع متقاربان في المعنى، وكثر استعمال «الاختراع» في الإيجاد لا بأخذ شيء مماثل الوجود ومشابهه. و«الابتداع» في الإيجاد لا لمادّة وعلّة. «لا من شيء» أي لا بالأخذ من شيء فيبطل الاختراع و«لا لعلّة» أي لمادّة وعلّة، فيبطل الابتداع. «لا تضبطه العقول» أي تبلغ العقول إدراكه بنحو قاصر عن الإحاطة به وضبطه، فهو غير محدود وغير منضبط الحقيقة، ولكنّه مصدّق لوجوده منفيّا عنه جميع ما يحيط به العقول والأفهام «ولا تبلغه الأوهام»؛ حيث يتعالى من أن يحسّ به، «ولا تدركه الأبصار»؛ حيث لا صورة له ولا مثال، ولا يتشكّل بشكل، ولا يحاط بحدّ، ولا يتقدّر بمقدار. «احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور» ؛ المحجوب والمستور إمّا بمعنى الحاجب والساتر، والحجاب حاجب والستر ساتر. وإمّا بمعنى المفعول؛ فإنّ الحجاب والستر إذا لم يكن مستور الباطن ومحجوبه لم يكن حاجبا ساترا. (7) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «محجوب» أي جسمانيّ. في بعض النسخ : «وهو السميع البصير».

.


1- . في الكافي المطبوع : «إلاّ اللّه ».
2- . الكافي، ج 1، ص 72، باب حدوث العالم وإثبات المحدث، ح 1.
3- . الكافي، ج 1، ص 95، باب في إبطال الرؤية.
4- . مصباح الشريعة، ص 55 ، الباب 24؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 1، ص 59 ، ذيل الخطبة 1؛ مستدرك الوسائل، ج 4، ص 231، ح 4784.
5- . الكافي، ج 1، ص 105، باب النهي عن الجسم والصلاة، ح 3.
6- . جمع حاجب.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 32 _ 33.

ص: 124

. .

ص: 125

. .

ص: 126

. .

ص: 127

. .

ص: 128

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:اِحْتَجَّ عَلى خَلْقِهِ بِرُسُلِهِ ، وَأَوْضَحَ الأُْمُورَ بِدَلَائِلِهِ ، وَابْتَعَثَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ؛ «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» ، وَلِيَعْقِلَ الْعِبَادُ عَن رَبِّهِمْ مَا جَهِلُوا (1) ؛ فَيَعْرِفُوهُ بِرُبُوِبِيَّتِهِ بَعْدَ مَا أَنْكَرُوهُ ، وَيُوَحِّدُوهُ بِالْاءِلهِيَّةِ بَعْدَ مَا أَضَدُّوهُ .

.


1- . في الكافي المطبوع : «ماجهلوه».

ص: 129

الهديّة الثالثة:(احتجّ على خلقه برسله) يعني بعد حصول المعرفة الفطريّة لهم بشواهد الربوبيّة من عجائب آثار القدرة والتقدير وغرائب أفاعيل الحكمة والتدبير. (وأوضح [الاُمور ]بدلائله) من المعجزات وبيّنات الآيات والدلالات؛ لتحصل لهم بتوفيق اللّه تعالى المعرفة الدينيّة التي هي مناط تعلّق التكليف والثواب والعقاب. وفقرة (وابتعث الرُّسل) ناظر إلى قوله تعالى في سورة النساء: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» (1) . و«الابتعاث» افتعال من البعث للمبالغة. وتعليلها الأوّل اقتباس من سورة الأنفال. (2) (ما جهلوا) من المعارف الدينيّة. (بربوبيّته) أي بخصوصيّات وحدانيّة ربوبيّته، أو بوحدانيّة خصوصيّات ربوبيّته. (بعد ما أنكروه) متّصفا بها. (ويوحّدوه بالإلهيّة) بعد إضدادهم، أي احتمالهم الأضداد والأنداد في معرفتهم الفطريّة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: ضمير «بدلائله» كضمير «خلقه» و«برسله». والمراد الأئمّة الاثنا عشر عليهم السلام أو الآيات البيّنات محكمات الكتاب، وبها يوضح متشابهاته بالسؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام . و«اللّام» في «ليعقل» للعاقبة . والماآت الثلاث (3) ، أوّلها موصولة، والأخيرتين مصدريّة. و«الأضداد» جعل الشيء وتقريره ضدّ الشيء، كجعل المجوّزين للحكم بالظنّ والاجتهاد في نفس الأحكام الشرعيّة أضدادا من المجتهدين والقضاة والمفتين للّه تبارك وتعالى ولحججه المعصومين صلوات اللّه عليهم كما هو دأب المخالفين. وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه المسمّى ب فتح الباري في شرح صحيح البخاري في مقام دفع الطّعن عن عُمَرِهم لزجره رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند طلب الدواة والقلم لكتابة الوصيّة: أنّ النووي شارح صحيح المسلم قال: اتّفق العلماء على أنّ قول عمر عند طلب النبيّ عليه السلام : حسبنا كتاب اللّه ، من قوّة فقهه ودقيق نظره؛ لأنّه خشي أن يكتب اُمورا ربّما عجزوا عنها فاستحقّوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا ينسدّ باب الاجتهاد على العلماء... (4) . وأمثال هذه الخرافات في كتب محقّقيهم كثيرة، منها: أنّ عُمَرهم أفتى بأنّ الجنب إذا لم يجد الماء ولو أيّاما فعليه ترك الصلاة في تلك الأيّام، فلمّا قرأ عليه عمّار بن ياسر قوله تعالى في المائدة: «فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طَيِّبا» (5) هدّده ولم يرجع عن فتواه، ثمّ أفتى ابنه عبداللّه بما أفتى به، فذكروا له قصّة عمّار؛ وما جرى بينه وبين أبيه فقال: إنّما لم يرض عمر بقول عمّار؛ لأنّ في العمل بآية التيمّم في سورة المائدة مخافة أن يتيمّم الناس عند يسير من برودة الماء. وتفصيل روايتهم هذه ثابت في صحيح مسلمهم (6) أيضا بعد إتمام الثمن الأوّل منه. أقول: لو كان كتاب اللّه تعالى بدون قيّم معصوم منصوص عاقل عن اللّه كافيا للاُمّة كما قال عُمَرُهم فجميعها ناجية، والجميع أجمعوا على أنّ من البضع والسبعين واحدةٌ ناجية والباقية هالكة؛ لحديث الافتراق المتواتر عند الجميع (7) ، كحديث: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض». (8)

.


1- . النساء (4): 165.
2- . أي قوله: «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . الأنفال (8): 42.
3- . أي «ما» في «ماجهلوا» و «ماأنكره» و«ما أضدّوه».
4- . فتح الباري، ج 8 ، ص 134، ح 4168؛ شرح صحيح مسلم للندوي، ج 11، ص 90، ح 1637.
5- . المائدة (5): 6 .
6- . صحيح مسلم، ج 1، ص 280، ح 368.
7- . حديث الافتراق مشهور بين الخاصّة والعامّة. راجع: بحارالأنوار، ج 28، ص 2 _ 37، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله علي ثلاث و سبعين فرقة و...، سنن أبي داود، ج 2، ص 608 ، ح 4596؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 26، ح 2641؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1321، ح 3991، و ص 1322، ح 3992. المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 47، ح 10، و ص 217، ح 441 و 442، وص 218، ح 444.
8- . حديث الثقلين رواه الخاصّة والعامّة بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، وهو من الأحاديث المتواترة عند الفريقين. راجع: عبقات الأنوار، ج 1، قسم حديث الثقلين؛ بحار الأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و...؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، 17، 26، ح 11119، 11147، 11227؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 118، 160، ح 4576، 4711؛ كنزل العمّال، ج 1، ص 333، ح 952 _ 953.

ص: 130

. .

ص: 131

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:(أَحْمَدُهُ حَمْدَا يَشْفِي النُّفُوسَ ، وَيَبْلُغُ رِضَاهُ ، وَيُؤَدِّي شُكْرَ مَا وَصَلَ إِلَيْنَا مِنْ سَوَابِغِ النَّعْمَاءِ ، وَجَزِيلِ الْالَاءِ ، وَجَميلِ الْبَلَاءِ) .

الهدية الرابعة:يعني أحمده معترفا بالعجز عن أداء حقّ حمده، وحقيقة شكره سيّما على توفيق التشيّع أعظم النِّعم ، وحمده لا يشفي النفوس ولا يرضيه ولا يؤدّي شكره إلّا بهذا الاعتراف؛ فإنّ التوفيق لكلّ حمد نعمةٌ اُخرى. و«السوابغ» جمع السابغة، أي الكاملة التامّة . و«النّعماء» بالفتح والمدّ، و«النُعمي» بالضمّ والقصر، و«النِعمة» بالكسر، و«النّعيم» على فعيل كلّه بمعنى، و«النعمة» بالفتح التنعيم. و«الآلاء»: النعم، واحدها «ألى» بالفتح، وقد يكسر ويكتب بالياء. مثاله: معا وأمعاء، قاله الجوهري. (1) وفي شرح المطالع: «الآلاء»: هي النّعم الظاهرة، و«النّعماء»: هي النّعم الباطنة كالحواش وملايماتها . والبلاء والإحسان والنّعمة نظائر، و«البلاء» في الأصل اسم من الابتلاء، ومنه أبلاه اللّه بلاءً حسنا.

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّه ُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، إِلها وَاحِدا أَحَدا صَمَدا لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدا . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبْدٌ انْتَجَبَهُ ، وَرَسُولٌ ابْتَعَثَهُ عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ ، وَعَمىً عَنِ الْحَقِّ ، وَاعْتِسَافٍ مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ مِنَ الدِّينِ . وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، فِيهِ الْبَيَانُ والتِّبْيَانُ «قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» قَد بَيَّنَهُ لِلنّاسِ وَنَهَجَهُ بِعِلْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَدِينٍ قَدْ أَوْضَحَهُ ، وَفَرَائِضَ قَدْ أَوْجَبَهَا ، وَاُمُورٍ قَدْ كَشَفَهَا لِخَلْقِهِ وَأَعْلَنَهَا ، فِيهَا دَلَالَةٌ إِلَى النَّجَاةِ ، وَمَعَالِمُ تَدْعُو إِلى هُدَاهُ . (2) فَبَلَّغَ صلى الله عليه و آله مَا اُرْسِلَ بِهِ ، وَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ ، وَأَدَّى مَا حُمِّلَ مِنْ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ ، وَصَبَرَ لِرَبِّهِ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى النَّجَاةِ ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الذِّكْرِ ، وَدَلَّهُمْ عَلى سَبِيلِ الْهُدى مِنْ بَعْدِهِ ، بِمَنَاهِجَ وَدَوَاعٍ أَسَّسَ لِلْعِبَادِ أَسَاسَهَا ، وَمَنَائِرَ رَفَعَ لَهُمْ أَعْلَامَهَا ؛ لِكَيْ لَا يَضِلُّوا مِنْ بَعدِهِ ، وَكَانَ صلى الله عليه و آله (3) بِهِمْ رَؤُوفا رَحِيما .

.


1- . الصحاح، ج 6 ، ص 2270 (ألا).
2- . في الكافي المطبوع : «هداةٍ».
3- . في الكافي: - «صلي اللّه عليه وآله».

ص: 132

الهديّة الخامسة:(إلها واحدا) له وحدانيّة صفات الربوبيّة. (أحدا) لا ينقسم أجزاء، ولا شريك له؛ لامتناع التركّب ذاتا والتعدّد مصداقا . صمد إليه كنصر: قصد، واللّه صمد: سيّد مصمود (1) إليه للجميع في جميع الحوائج. وسيفصّل معاني الصمد في الباب الثامن عشر، باب تأويل الصمد وما قبله في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. و«الانتجاب» بالجيم والخاء المعجمة والاصطفاء والاختيار والصفوة والخيرة والارتضاء والاجتباء؛ نظائر. و«الفترة» بالفتح: الانكسار والضعف. و«الفترة» أيضا: ما بين الرسولين من رسل اللّه عزّ وجلّ كخمسمائة عام أو ستّمائة فيما بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله . و«الهجعة» بالفتح والجيم والعين المهملة: الغفلة، وبالكسر للنوع، فلعلّ الكسر أولى. و«الهجوع»: النوم قليلاً ، ويُقال: رجل هُجَعَةَ كَلُمَزَة للغافل الأحمق. (وانبساط من الجهل) أي بالدِّين ومعالمه، وانبساطه كناية عن غاية كثرته؛ فإنّ الدِّين القويم والصراط المستقيم لم يفقد معالمه قطّ، ولن يفقد من لدن آدم إلى آخر عمر الدنيا، ذلك تقدير العزيز العليم . كان إيمان آدم عليه السلام بربّ العالمين على ما عرّف به نفسه وبما أخبر به من المغيّبات من سؤال القبر، وواقعات عقبات البرزخ عقوباتها وسهولاتها والحشر الجسماني وسائر أحوال اليوم الآخر مع وصيّه هبة اللّه شيث عليه السلام ومِن بعده مع ابنه شَبّان، وهو ابن نَزْلة عالية حوراء التي أنزلها اللّه تعالى على آدم من الجنّة فزوّجها ابنه شَيثا ومن بعد شَبَّان مع الأوصياء بلا فصل بينهم إلى نوح عليه السلام كما في حديث مقاتل بن سليمان عن أبي عبداللّه عليه السلام ، ورواه الصدوق رحمه اللهأيضا في الفقيه في باب الوصيّة من لدن آدم عليه السلام (2) . وهكذا مع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام إلى خاتم الأنبياء وأفضلهم صلى الله عليه و آله مع أوصيائه الاثني عشر عليهم السلام : أبي الحسنين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، والمجتبى الحسن بن عليّ، وسيّد الشهداء الحسين بن عليّ، وزين العبّاد عليّ بن الحسين، وأبي جعفر باقر العلوم محمّد بن عليّ، وأبي عبداللّه الصادق جعفر بن محمّد، وأبي الحسن الأوّل الكاظم موسى بن جعفر، وأبي الحسن الثاني الرضا عليّ بن موسى، وأبي جعفر الثاني الجواد محمّد بن عليّ، وأبي الحسن الثالث الهادي العسكري عليّ بن محمّد، وأبي محمّد الخالص الزكيّ العسكري الحسن بن عليّ، وأبي القاسم المهدي المنتظر صاحب الزمان الحجّة بن الحسن صلوات اللّه عليهم أجمعين. وكما حقّ أنّ حقيقة الإيمان باللّه واليوم الآخر معا كما في نسق القرآن المجيد سلسلة واحدة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم إلى فريقٍ في الجنّة قائمةٍ في كلّ عصر من أعصار الدنيا إلى حجّة معصوم عاقل عن اللّه تبارك وتعالى، كذلك ثابت أنّ أنواع الكفر بهما سلاسل ظلمانيّة جارية من عند قابيل إلى فريقٍ في السعير، قائمة بالمارد الرجيم، المُنْظَر إلى يوم الوقت المعلوم، وأنّ في شيعة كلّ حجّة نبيّ أو وصيّ في كلّ دهر من دهور الدنيا فضلاء فقهاء في العلوم الدينيّة والمعارف اليقينيّة، يذكّرون سائر المؤمنين معالمهم في الدِّين، ويعرّفون إخوانهم خدايع عدوّهم المبين، وفي أشياع الشيطان طواغيت رؤساء ومشايخ مُهَراء في فنون الشيطنة والنكراء، يخدعون الناس بِمُمَوّهات تُرّهاتهم، ويضلّونهم بمزخرفات مقالاتهم؛ لأنّ الكفر الممزوج بِسِمات الحقّ أكثر تصرّفا في عوام الناس من بَحْته المطلق. وفي الحديث: «أنّ اليهود تفرّقوا بعد موسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، كانت إحداها ناجية والباقية هالكة» (3) مع اعتراف الجميع بأنّ التوراة كتاب اللّه اُنزل إلى نبيّهم موسى عليه السلام ، ثمّ النصارى تفرّقوا بعد عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين فرقة، كانت إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، مع إقرار الجميع بأنّ الإنجيل كتاب اللّه أنزله إلى نبيّهم عيسى عليه السلام ، وهذه الاُمّة تفرّقوا بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله على بضع وسبعين فرقة، إحداها ناجية والباقية باغية طاغية هالكة، مع إقرار الجميع بأنّ القرآن كتاب اللّه أنزله إلى خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضلهم صلى الله عليه و آله . فلمّا كان امتحان اللّه تبارك وتعالى كلّ اُمّة من سننه التي لا تتبدّل ولا تتغيّر، وقال سبحانه في سورة الفاطر: «فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه ِ تَحْوِيلاً» (4) وفي سورة العنكبوت: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّه ُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» (5) ؛ كامتحان بني إسرائيل بفرعون وعمَّره وسلّطه على مشارق الأرض ومغاربها، ثمّ بالسامريّ وعِجْله، وكان دين نبيّنا صلى الله عليه و آله أفضل الأديان، ورسوله أفضل الأنبياء وسيِّد المرسلين، وكذا أوصياؤه عليهم السلام وكتابه أفضل الكتب؛ كان (6) الامتحان فيه أعظم الامتحانات وأصعبها. وجميع حاضري المدينة لقد ارتدّوا يوم مضيّه صلى الله عليه و آله إلّا فريقا (7) ، قال اللّه تعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (8) ، قال الصادق: «سلمان وأبا ذرّ والمقداد» ، فسُئِلَ عليه السلام : فأين عمّار؟ فقال: «جاض جيضة (9) ثمّ رجع». (10) ثمّ بعد ذلك الارتداد ورجوع جماعة منهم صارت الاُمّة بفنون مكر الشيطان وكدِّ كيده ثلاثا وسبعين فرقة، كلّهم معترفون بأنّ القرآن كتاب اللّه المُنزل على نبيّنا صلى الله عليه و آله ، ثمّ سعى اللّعين في إضلال الناجية منها وجدّ في المكر والخديعة؛ لعلمه بمكان الزيارات والشفاعات من الشيعة، وانفتاح أبواب التوبة لهم ولو عن كبائرهم إلى المعاينة، وأنّ محبّة عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه حسنة لا تضرّ معها سيّئة 11 ، وأنّ تهوّدهم بوسوسته أو تنصّرهم (11) أو تمجّسهم أو غير ذلك من المذاهب الباطلة ليس بسهولة بل أمر كالمحال ، فانتهى جَدُّ جَهْد فِكْرهِ وكدُّ كَيْدِ مَكْرهِ إلى طريقة التصوّف، منظومة اُصولها من جميع صنوف الكفر والضلال، محفوفة فروعها بطائفة من محاسن الأقوال والأفعال، كتلاوة القرآن، وذكر الحديث، وحكاية الأمثال، والعزلة والسهر والبكاء في كثير من الأحوال، والعفّة والزهد حتّى الاجتناب عن الحلال، وكثرة الصوم والصلاة والذِّكر وسائر مكارم الفعال ، كلّ ذلك للوصول بنفوذ الشيطان إلى صلاة المكاء والتصدية (12) ، والوجد والحال. وقد كانت كفَرَةُ قريش يباهون بتكلّم هُبَلهم وصنمهم في جوف الكعبة على سائر المشركين ولم يكن تنطّقهما (13) إلّا بنفوذ العدوّ المبين الغير المبين، وكانت شجرة أصحاب الرسّ وصنوبرتهم تتكلّم معهم في الأعياد، فسهل عليه حلوله ونفوذه في الأجساد ليرقص بسخرية من المشايخ ومريديهم على رؤوس الأشهاد، كالرومي في الروم، وابن العربي في الشام، والجنيد في بغداد، وأبي يزيد في البسطام. وقد استحبّت حضور من يقرأ القرآن عند الميّت والإسراج عنده إن مات ليلاً؛ لئلّا يدخل الشياطين جوفه، ولا يلعبوا؛ فقد يرى بعد مضيّ ساعات من موته قيامه محمرّة العين، وحركاته الموحشة كالمجانين والصوفيّة، ثمّ سقوطه على الأرض ميّتا كما كان. ومن الحكايات طيران طائفة من الجواكي في الهند من جبلٍ إلى جبل. (واعتراض من الفتنة) يعني فتنة طغيان الطواغيت. (وانتقاض من المبرم) أي الحكم المحكم بظهور الحجّة وتمكّنه من إجراء الحكم. (وعمى عن الحقّ) : عن الصراط المستقيم ومعالمه؛ دلالةً على أنّ المنعدم بِصارةُ جهلاء الجاهليّة لا علم علماء الحقّة. و«الاعتساف»: الأخذ على غير الطريق. والمراد هنا: نهاية التعدّي من قِبَل الجور والظلم. و«الامتحاق»: افتعال للمبالغة من المحق بمعنى الإبطال والإزالة. والمراد هنا الاختفاء. و«التبيان»: مبالغة في البيان، وهو شاذّ؛ لأنّ المصدر إنّما يجيء بفتح التاء كالتَذْكار والتَكرار، ولم يجيء بالكسر إلّا حرفان: التِبيان والتِلقاء. والمستتر في «بيّنه» للربّ تبارك وتعالى، والبارز للقرآن. و«النهج» بالفتح: الطريق الواضح، وبالتحريك: البُهر وتتابع النَفس. نهج اللّه الطريق كمنع: أبانه وأوضحه، وأنهج الطريق: استبان وصار واضحا. (بعلم) أي بعلم عظيم خاصّ بقيّمة المعصوم المنصوص العاقل عن اللّه . (فيها دلالة إلى النجاة) أي في تلك الاُمور التي (قد كشفها لخلقة وأعلنها) وهي الآيات البيّنات، الدلالات على الإمامة، كآية الولاية (14) ، والإطاعة (15) ، والتطهير (16) ، ونظائرها. و«المعالم» جمع مَعلَم، كمنصب: موضع العلامة، أي ما يعلم به الشيء. ويُطلق على العلامة والعَلَم، و«المعالم» على العلامات والأعلام. أي وفيها معالم ودلائل دالّة على معالم الدِّين والهُداة المعصومين. والتنوين في «هداة» للتعظيم. وقرئ «هداه» بالضمير، أي هدى اللّه تعالى؛ رعايةً للسجع على الوقف على النجاة. «صدع بالحقّ» كمنع: تكلّم به جهارا، قال الفرّاء رحمه الله في قوله تعالى: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» (17) : أراد فاصدع بالأمر، أي أظهر دينك. (وحثّهم على الذِّكر) أي على طاعة الذكر الصامت بطاعة الذكر الناطق. و«الذِّكر» من أسماء القرآن، والرسول، ومطلق حجّة اللّه كتابا أو نبيّا أو إماما. وفي سورة الطلاق: «قَدْ أَنزَلَ اللّه ُ إِلَيْكُمْ ذِكْرا * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّه ِ» (18) الآية. (ودلّهم (19) على سبيل الهدى): على وجوب طاعة مفترض الطاعة. (ومنائر) جمع المنارة (20) بالفتح: عَلَم الطريق. والمراد هنا: الدلائل الواضحة كما من نظائرها. قال الجوهري: والجمع: المناور، بالواو؛ لأنّه من النور، ومن قال منائر وهَمز فقد شبّه الأصليّ بالزائد، كما قالوا مصائب، وأصله مصاوب . (21) والمراد بالأعلام: الثقلان، كتاب اللّه وعترته المعصومين صلى الله عليه و آله ، أو العترة خاصّة، يعني الأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. (وكان بهم صلى الله عليه و آله رؤوفا رحيما) يعني أرأف وأرحم من أن ضيّع بتركه تعيين الخليفة اُمّته، ومن الأصلاب والأرحام إلى يوم القيامة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: جملة «فيه البيان»: حاليّة وناظر إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: «هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ» (22) و«التبيان»: مبالغة البيان، وناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل: «تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ» (23) و«قرآنا»: بدل من «الكتاب» أو حال عنه، أو منصوب بالاختصاص، بتقدير أعني. «غير ذي عوج» ؛ أي اختلاف. «ونهجه بعلم» أي بمعلوم، وهو مضمون محكمات الآيات، وناظر إلى قوله تعالى في الأعراف: «وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً» (24) ، والذي يحتمل خلافه يسمّى بالعلم، كالاعتقاد بأنّ الاثنين (25) نصف الأربعة ، والذي يحتمل خلافه يسمّى ظنّا إن لم يكن من هوى النفس، كالاعتقاد بطهارة ما في سوق المسلمين؛ فإن كان من هوى النفس يسمّى بالاعتقاد المبتدئ، كاعتقاد أكثر العوامّ بأنّ مذهب أبيهم حقّ. و«المعلم» كمنصب: اسم الموضع، أي موضع العلامة . ويطلق على العلامة، والجمع معالم . و«هداه» بالضمير، أي هدى اللّه . والمراد: الإمام الهادي إلى الصراط المستقيم. و«الدواعي»: جمع داعية؛ أي الداعي جدّا ، فالتاء للمبالغة. والمراد بالدّواعي: متشابهات القرآن؛ فإنّها تدعو الناس إلى الإقرار باحتياجهم إلى إمام مفترض الطاعة. و«المنائر»: جمع المنار. والمراد: أقوال الرسول صلى الله عليه و آله وأفعاله الدالّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعده بلا فاصلة. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : الهاء في «هُداه» إمّا ضمير راجع إلى اللّه سبحانه اُضيف إليه الهدى ، وإمّا زائدة في الوقف. (26)

.


1- . في «الف»: «مضمود».
2- . الفقيه، ج 4، ص 174 _ 175، ح 5402.
3- . تقدّم تخريج حديث الافتراق قبيل هذا .
4- . فاطر (35): 43.
5- . العنكبوت (29): 2 و 3.
6- . جواب «لمّا» في قوله قبل أسطر «فلما كان امتحان...».
7- . راجع: الاختصاص، ص 6 ؛ رجال الكشّي، ص 11، ح 24.
8- . سبأ (34): 20.
9- . في «الف»: «حاض حيضة».
10- . الاختصاص، ص 10؛ رجال الكشّي، ص 11، ح 24.
11- . في «الف»: «وتنصّرهم».
12- . اقتباس من الآية: 8 ، الأنفال (35) «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً» .
13- . في «الف»: «منطقهما».
14- . المائدة (5): 55.
15- . النساء (4): 59.
16- . الأحزاب (33): 33.
17- . الحجر (15): 94.
18- . الطلاق (15): 10 و 11.
19- . في «ب» و «ج»: «حثّهم».
20- . في «ب» و «ج»: «منار».
21- . الصحاح، ج 2، ص 839 (نور).
22- . آل عمران (3): 138.
23- . النحل (16): 89.
24- . الأعراف (7): 52.
25- . في «الف»: «اثنين».
26- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 36.

ص: 133

. .

ص: 134

. .

ص: 135

. .

ص: 136

. .

ص: 137

. .

ص: 138

. .

ص: 139

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:فَلَمَّا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ، وَاستُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ ، تَوَفَّاهُ اللّه ُ وَقَبَضَهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ عِنْدَ اللّه ِ مَرْضِيٌّ عَمَلُهُ ، وَافِرٌ حَظُّهُ ، عَظِيمٌ خَطَرُهُ . فَمَضى صلى الله عليه و آله وَخَلَّفَ فِي أُمَّتِهِ كِتَابَ اللّه ِ ، وَوَصِيَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ وَإِمَامَ الْمُتَّقِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ ، صَاحِبَيْنِ مُؤْتَلِفَيْنِ ، يَشْهَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالتَّصْدِيقِ . يَنْطِقُ الْاءِمَامُ عَنِ اللّه ِ فِي الْكِتَابِ بمَا أَوْجَبَ اللّه ُ فِيهِ عَلَى الْعِبادِ مِنْ طَاعَتِهِ ، وطَاعَةِ الإِمَامِ وَوِلَايَتِهِ ، وَوَاجِبِ حَقِّهِ ، الَّذِي أَرَادَ مِنِ اسْتِكْمَالِ دِينِهِ ، وَإِظْهَارِ أَمْرِهِ ، وَالْاحْتِجَاجِ بِحُجَجِهِ ، وَالْاسْتِضَاءَةِ بِنُورِهِ ، فِي مَعَادِنِ أَهْلِ صَفْوَتِهِ ، وَمُصْطَفَيْ أَهْلِ خِيَرَتِهِ . فَأَوْضَحَ اللّه ُ تَعَالى بِأَئِمَّةِ الْهُدى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا عَنْ دِينِهِ، وَأَبْلَجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ مَنَاهِجِهِ، وَفَتَحَ بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ، وَجَعَلَهُمْ مَسَالِكَ لِمَعْرِفَتِهِ ، وَمَعَالِمَ لِدِينِهِ ، وَحُجَّابا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، وَالْبَابَ الْمُؤَدِّيَ إِلى مَعْرِفَةِ حَقِّهِ ، وَ أَطْلَعَهُمْ عَلَى الْمَكْنُونِ مِنْ غَيْبِ سِرِّهِ . كُلَّمَا مَضى مِنْهُمْ إمَامٌ نَصَبَ لِخَلْقِهِ مِنْ عَقِبِهِ إِمَاما بَيِّنا ، وَهادِيا نَيِّرا ، وَإِمَاما قَيِّما، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وبِهِ يَعْدِلُونَ . حُجَجُ اللّه ِ وَدُعَاتُهُ وَرُعَاتُهُ عَلى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهُداهُمْ (1) الْعِبَادُ ، وَتَسْتَهِلُّ بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ . جَعَلَهُمُ اللّه ُ حَيَاةً لِلأَنَامِ ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ ، وَدَعَائِمَ لِلْاءِسْلَامِ. وَجَعَلَ نِظَامَ طَاعَتِهِ وَتَمَامَ فَرْضِهِ التَّسْلِيمَ لَهُمْ فِيمَا عُلِمَ ، وَالرَّدَّ إِلَيْهِمْ فِيمَا جُهِلَ، وَحَظَرَ عَلى غَيْرِهِمُ التَّهَجُّمَ عَلَى الْقَوْلِ عَلَى اللّه (2) بِمَا يَجْهَلُونَ ، وَمَنَعَهُمْ جَحْدَ مَا لَا يَعْلَمُونَ ؛ لِمَا أَرَادَ اللّه (3) _ تَبَارَكَ وَتَعَالَى _ مِنِ اسْتِنْقَاذِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ مُلِمَّاتِ الظُّلَمِ ، وَمَغْشِيَّاتِ الْبُهَمِ . وَصَلَّى اللّه ُ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللّه ُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرا) .

.


1- . في الكافي المطبوع: «بهَدْيِهِمْ».
2- . في الكافي المطبوع : - «على اللّه ».
3- . في الكافي المطبوع : - «اللّه ».

ص: 140

الهديّة السادسة:(واستكملت أيّامه) على ما لم يسمّ فاعله: توفّاه اللّه وقبضه للنسق المحتوم في الأوّلين والآخرين إلّا نادرا لوجوهٍ علمها اللّه ربّ العالمين، فلعلّ منها إظهار عموم القدرة للشاكّين. (مرضيّ عمله) وبرضائه صلى الله عليه و آله يرضى اللّه عن العاملين. (وافرٌ حظّه) ونصرته عليّه في دينه خيرٌ من عبادة الثقلين. (1) (عظيم خطره) وهو أفضل الأنبياء والمرسلين، وسيّد الكائنات والعالمين، ومن تلامذة وصيّه الروح الأمين سيِّد الملائكة المقرّبين. و«خَطَرُ الرجل» _ بالتحريك _ : قدره، وشأنه، ومنزلته. (كتاب اللّه ووصيّه أمير المؤمنين وإمام المتّقين صلوات اللّه عليهم) ناظرٌ إلى حديث: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض». والتقوى في هذا الدّين ظاهريّة. الاجتناب بالجوارح عن المناهي؛ وباطنيّة: التبرّي من ولاية كلّ وَليجة دون اللّه ورسوله وأئمّته المعصومين المنصوصين، ومن محبّة كلّ من ليس من أهل ولايتهم صلوات اللّه عليهم أجمعين. (صاحبين مؤتلفين): من الايتلاف، مبالغة في الاُلفة، إشارة إلى أنّه لن يقع المفارقة بينهما لَمْحةً إلى ورودهما الحوض، وإلى أنّ قيّميه الاثني عشر حكمهم واحد في الأمر، وأمرهم واحد في الحكم، ونورهم نورٌ واحد. (يشهد كلّ واحد منهما) من القرآن الناطق والصامت (بالتصديق) بإظهار كلّ منهما صدق الآخر وحقّيّته. فالإمام بعقله عن اللّه سبحانه للعصمة، والمنصوصيّة، والامتياز عن الجميع في جميع الفضائل والمكارم حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام : ما في الكتاب من رطبه ويابسه (2) ، أحوال الحقّ والباطل وأحكامهما. والكتاب، بمحكمات الآيات في الإمامة، وافتراض الطاعة كآية الولاية (3) ، والإطاعة (4) ، والتطهير (5) ، وأمثالها. وهذا ما بيّن طاب ثراه من التصديقين بقوله : «ينطق الإمام» إلى قوله «ومغشيّات البُهم». وبيان «من استكمال دينه» بيان أنّ استكمال الدِّين واستتمام النِّعمة إنّما هو بمعرفة الإمام المفترض الطاعة حقّ المعرفة الواجبة بنصّ القيّمين المعصومين، وتصديق محكمات الكتاب المبين. و«في» في «معادن أهل صفوته» سببيّة، يعني الاستضاءة بنوره: بنور علوم الحجج المعصومين، ونور عصمتهم. على عطف «ومصطفي على الإفراد على «المعادن»، وأمّا على عطفه على «أهل صفوته»، فالمراد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فمن عطف الخاصّ؛ للاهتمام والإشارة إلى عدم التفاوت في العلم، وأصالة علمه صلى الله عليه و آله ؛ وأمّا على الجَمع، في الأصل: «مصطفيون» فلا خدشة. و«الباء» في «بأئمّة الهدي» و«بهم» في الموضعين سببيّة. (عن سبيل مناهجه): عن معرفة سنن الأوّلين والآخرين ، أو عن طريق المعارف الحقّة، أو توضيح المحكمات وتبيين المتشابهات. و«الينبوع»: عين الماء، ومنه قوله تعالى: «حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ يَنْبُوعا» (6) ، والجمع: ينابيع. (وحجّابا بينه وبين خلقه)، على الجمع، واحتمال الإفراد هنا بمعنى البوّاب للإشارة إلى وحدة الأمر كما في «الباب» ليس هذا مع وروده في بعض الأحاديث. (من غيب سرّه) أي من غيب علمه، أو الإضافة بيانيّة. وكلا الإمامين _ بكسر الهمزة، أو أحدهما بفتحها _ : يعني الإمام عند اللّه سبحانه. (يهدون بالحقّ وبه يعدلون) أي يهدون إلى الحقّ بالحقّ، يعني بالعصمة، وهو شرط الهادي عن اللّه إلى اللّه ، وبه يحكمون بالعدل بين الناس. (حجج اللّه ) بالرفع، أي هم حجج اللّه حال كونهم دعاته ورعاته. (ودعاته) يعني إليه، حاليّة، وكذا (رعاته) يعني لدينه وأهل توحيده؛ بدليل تعلّق «على خلقه» على «حجج اللّه ». (يدين بهداهم العباد) أي يتّصفون بالإطاعة في الدِّين، من دانه: أطاعه. ونسخة «بهديهم» أي بسيرتهم، مكان «بهداهم» ما أشبه بالتصحيف. (ويستهلّ بنورهم البلاد) على المعلوم، أي يستضيء. استهلّ البرق وتهلّل بمعنى، أي تلألأ وجه الرجل من فرحه، والاستضاء يتعدّى ولا يتعدّى، كالإضاءة. (حياة للأنام) أي بعلمهم. (ومصابيح للظلام) أي بنورهم. و«الظلام» بالفتح: ظلمة أوّل الليل، ويُطلق على مطلق الظلمة. (ومفاتيح للكلام) أي كلام اللّه ، أو علم الكلام ، أو مطلق الكلام الحقّ. و«الدّعامة» بالكسر: عماد البيت . والمستفاد من الأحاديث عينيّة الإسلام والإيمان حقيقة، ومغايرتهما باعتبار إطلاقات كما سيفصّل في موضعه إن شاء اللّه تعالى. (التسليم): مفعول ثان ل «جعل». (فيما علم) على ما لم يسمّ فاعله، وكذا (فيما جهل). (وحظر) بالحاء المهملة والظّاء المعجمة، كنصر: من الحظر، وهو المنع والتحريم. و(التهجّم): تفعّل من الهجوم، وهو الدخول على شيء بغتةً من غير رويّة. وفي بعض النسخ بزيادة «من الحقّ» بعد (ما لا يعلمون). (لما أراد اللّه تبارك وتعالى) بكسر اللّام التعليليّة. و«الاستنقاذ»: الاستخلاص. و«الملمّة» على اسم الفاعل من الإفعال: البليّة الحادثة. و(الظلم): جمع الظّلمة. و«المغشيّات»: المستورات بالأستار؛ أي المخفيّات على الأفكار. ونسخة «المغيبات» بالتصحيف أشبه . و(البُهم): جمع البهمة، كالظّلم والظلمة، أي المشكلات. (الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا): ناظر إلى آية التطهير في سورة الأحزاب. (7) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «يشهد كلّ واحدٍ منهما لصاحبه بالتصديق»؛ أي بالتعديل، بمعنى أنّ القرآن لو لم يكن له قيّم معصوم منصوص عاقل عن اللّه لعطّل حكمه؛ لأنّ النهي في القرآن عن الاختلاف ظنّا كثير، فلو لم يكن إمام معصوم عالم بجميع الأحكام فليس بدّ من الاختلاف ظنّا، وأيضا البضع والسبعون متمسّكون به والناجية إحداها. والإمام أيضا لو لم يكن له القرآن لاستنباط الأحكام المتشابهة علما وعقلاً عن اللّه لَعجز عن الحكم علما في المختلف فيه، الذي يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة وعناد. و«ولايته»: ولاية اللّه ، أو ولاية الإمام. والمآل واحد، وسائر الضمائر بعد اللّه سبحانه . و«الاستضاءة»: كسب الضياء بنوره، أي بعلم الإمام العالم بجميع المتشابهات. وفي الأوّل في الباب الثالث عشر، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام نور اللّه عزّ وجلّ، في كتاب الحجّة: «لَنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار». (8) «في معادن أهل صفوته»: حاليّة من «نوره»، يعني المعادن لعلم الرسول صلى الله عليه و آله ، وهم أوصياؤه الاثنا عشر صلوات اللّه عليهم، وهم المراد من المصطفى على الجمع. فالمراد من أهل الصفوة، وأهل الخيرة _ بكسر الخاء وفتح الياء _ : المؤمنون بالرسول صلى الله عليه و آله . يعني المعادن من جملة أهل صفوته، والمصطفين من جملة أهل خيرته. وتعدّية «الإيضاح» ونظيريه (9) ب «عن» على تضمين معنى الكشف. والمراد ب «المناهج هنا: محكمات الآيات ، وب «الينابيع»: متشابهاتها. و«الحُجّاب» بالضمّ والتشديد . والمراد ب «المكنون»: متشابهات الكتاب. و«من» في «من غيب سرّه»: للتبعيض، أي من جملة غيبه، من جملة سرّه. و«الغيب»: ما لم يكن معلوما بأحد من الطريقين: الأوّل: الضرورة المشتركة بين جميع العقلاء. والثاني: البرهان العقلي المحض المنتهي إلى الضروريّات المشتركة في جانب المادّة والصورة. والضروريّات المشتركة بين جميع عند جماعة على قسمين: الأوّل: ما هو مقتضى بداهة العقل، مثل الواحد نصف الاثنين. والثاني: ما هو المحسوس بحسّ خال عن الآفة، مثل: الشمس مضيئة، والنار حارّة، وقال زيد كذا، والتمر حلو، والمسك طيّب الرائحة. واختصاص علم الغيب باللّه سبحانه عبارة عن عدم صيرورة شيء لا يكون ضروريّا مشتركا ولا معلوما ببرهان عقلي محض ضروريّا لأحد من الإنس والجنّ، فطريق العلم به منحصر في توقيف (10) اللّه تعالى وإعلامه رسوله عليه السلام لتأخذ الاُمّة عنه بواسطة أو بدونها . والإيمان بالغيب عبارة عن الإقرار بهذا الاختصاص وتصديقه، وهو مناط الانتفاع بالكتاب الإلهي وأنبياء اللّه ورسله، كما قال تبارك وتعالى في سورة البقرة: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» (11) ؛ إبطالاً لقول زنادقة الفلاسفة والصوفيّة ومن قال بمقالتهما. وهم بعد جعلهم من عندهم أربع مراتب للنفس الناطقة: العقل الهيولائي، والعقل بالملكة، والعقل المستفاد، والعقل بالفعل: زعموا أنّ غير الضروريّات المشتركة، وكذا غير المعلوم ببرهان عقليّ محض يصير ضروريّا عند صاحب النفس القدسيّة وأهل المكاشفة (12) بالرياضة، ولإبطال زعمهم قال اللّه تبارك وتعالى في سورة النمل: «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَا اللّه ُ» (13) ، وفي الحديث عن الصادق عليه السلام كما يجيء في كتاب الحجّة في باب الخامس والأربعين، باب نادر فيه ذكر الغيب: «يا عجبا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب؛ لا يعلم الغيب إلّا اللّه ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي، فما علمت في أيّ بيوت الدار هي». (14) ويظهر من هذا التقرير: أنّ غير البديهي إن لم يكن محسوسا أو مبرهنا ببرهان عقليّ محض في وقت ثمّ يصير كذلك، ففي الوقت الأوّل غيب (15) لا في الوقت الثاني، وكذا إذا لم يكن كذلك عند شخص دون شخص، فغيب للأوّل دون الثاني، والمعلوم بتوقيف (16) اللّه وإعلامه حججه عليهم السلام قد يطلق عليه الغيب في الوقتين، وقد يُطلق عليه الغيب في الوقت الأوّل، والأوّل يوافق قوله تعالى في سورة آل عمران، وسورة يوسف: «ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ» (17) ، والاستثناء على هذا في قوله تعالى في سورة الجنّ: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا * إِلَا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ» (18) متّصل. و«لا يعلم الغيب إلّا اللّه »، بمعنى لا يعلم الغيب بدون توقيف إلّا اللّه . والمراد ب «السرّ»: الكلام المنزّل منه تعالى إلى أنبيائه ورسله، وهو المستور عن غير المنزل عليه عند نزوله. وبيان ذلك أنّ مضمون الكلام الإلهي الذي هو من أسراره قسمان: ما هو الغيب، مثل «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» (19) ؛ وما ليس هو بالغيب، مثل: «سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» (20) . والغيب أيضا قسمان: ما في متشابهات الكتاب؛ وما في المحكمات. «إماما بيّنا» بكسر الهمزة. «وأماما قيّما» بفتحها، بمعنى سيّد القوم ومقدّمهم. «حجج اللّه »، بتقدير: «هُمْ حجج اللّه ».

.


1- . إشارة إلى الخبر المرويّ في عوالي اللآلي، ج 4، ص 86 ، ح 102؛ إقبال الأعمال، ص 485؛ بحار الأنوار، ج 39، ص 1، ح 1.
2- . في «الف»: «رطبة و يابسة».
3- . المائدة (5): 55.
4- . النساء (4): 59.
5- . الأحزاب (33): 33.
6- . الإسراء(17): 90.
7- . الأحزاب (33): 33.
8- . الكافي، ج 1، ص 194، ح 1.
9- . يعني «أبلج» و «فتح».
10- . في «الف»: «توفيق».
11- . البقرة (2): 2 و 3.
12- . في «الف»: «المكاسبة».
13- . النمل (27): 65 .
14- . الكافي، ج 1، ص 257، ح 3.
15- . في «الف»: «غيبه».
16- . في «الف»: «بوقتين».
17- . آل عمران (3): 44؛ يوسف (12): 102.
18- . الجن (72): 26 و 27.
19- . الروم (30): 3.
20- . الرعد (13): 2.

ص: 141

. .

ص: 142

. .

ص: 143

. .

ص: 144

. .

ص: 145

. .

ص: 146

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:أَمَّا بَعْدُ ، فَقَد فَهِمْتُ يَا أَخِي مَا شَكَوْتَ مِنِ اصْطِلَاحِ أَهْلِ دَهْرِنَا عَلَى الْجَهَالَةِ ، وَتَوَازُرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِي عِمَارَةِ طُرُقِهَا ، وَمُبَايَنَتِهِمُ الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ ، حَتّى كَادَ الْعِلْمُ مَعَهُمْ أَنْ يَأْرِزَ كُلُّهُ ، وَتَنْقَطِعَ مَوَادُّهُ ؛ لِمَا قَدْ رَضُوا أَنْ يَسْتَنِدُوا إِلَى الْجَهْلِ ، وَيُضَيِّعُوا الْعِلْمَ وَأَهْلَهُ . وَسَأَلْتَ : هَلْ يَسَعُ النَّاسَ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهَالَةِ ، وَالتَّدَيُّنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إذْ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الدِّينِ ، مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ أُمُورِهِ عَلى جِهَةِ الْاسْتِحْسَانِ وَالنُّشُوءِ (1) عَلَيْهِ ، والتَّقْلِيدِ لِلْابَاءِ وَالْأَسْلَافِ وَالْكُبَرَاءِ ، وَالْاتِّكَالِ عَلَى عُقُولِهِمْ فِي دَقِيقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلِيلِهَا ؟ فَاعْلَمْ يَا أَخِي _ رَحِمَكَ اللّه ُ _ أَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ خَلَقَ عِبَادَهُ خِلْقَةً مُنْفَصِلَةً مِنَ الْبَهَائِمِ فِي الْفِطَنِ وَالْعُقُولِ الْمُرَكَّبَةِ فِيهِمْ ، مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَجَعَلَهُمْ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ صِنْفَيْنِ : صِنْفا مِنْهُمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَصِنْفا مِنْهُمْ أَهْلَ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ؛ فَخَصَّ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، بَعْدَ مَا أَكْمَلَ لَهُمْ آلَةَ التَّكْلِيفِ ، وَوَضَعَ التَّكْلِيفَ عَنْ أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَالضَّرَرِ ؛ إِذْ قَدْ خَلَقَهُمْ خِلْقَةً غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ لِلْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ سَبَبَ بَقَائِهِمْ أَهْلَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، وَجَعَل بَقَاءَ أَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ . فَلَوْ كَانَتِ الْجَهَالَةُ جَائِزَةً لِأَهْلِ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ ، لَجَازَ وَضْعُ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ ، وَفِي جَوازِ ذلِكَ بُطْلَانُ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ ، وَفِي رَفْعِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْادَابِ فَسَادُ التَّدْبِيرِ ، وَالرُّجُوعُ إِلى قَوْلِ أَهْلِ الدَّهْرِ ؛ فَوَجَبَ في عَدْلِ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَحِكْمَتِهِ أَن يَخُصَّ مَنْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ خِلْقَةً مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِئَلَا يَكُونُوا سَدًى مُهْمَلِينَ ؛ وَلِيُعَظِّمُوهُ ، وَيُوَحِّدُوهُ ، ويُقِرُّوا لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ ؛ إِذ شَوَاهِدُ رُبُوبِيَّتِهِ دَالَّةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَحُجَجُهُ نَيِّرَةٌ وَاضِحَةٌ ، وَأَعْلَامُهُ لَائِحَةٌ تَدْعُوهُمْ إِلى تَوْحِيدِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَشْهَدُ عَلى أَنْفُسِهَا لِصَانِعِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَاهضِ لهِيَّةِ ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ آثَارِ صُنْعِهِ ، وَعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ ، فَنَدَبَهُمْ إِلى مَعْرِفَتِهِ ؛ لِئَلَا يُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَجْهَلُوهُ وَيَجْهَلُوا دِينَهُ وَأَحْكَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يُبِيحُ الْجَهْلَ بِهِ وَالْاءِنْكارَ لِدِينِهِ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَ_قُ الْكِتَ_بِ أَن لَايَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَا الْحَقَّ» ، وَقَالَ : «بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ» ، فَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، مَأْمُورِينَ بِقَوْلِ الْحَقِّ ، غَيْرَ مُرَخَّصٍ لَهُم فِي الْمُقَامِ عَلَى الْجَهْلِ ؛ أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ : «فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَ_آئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ» ، وَقَالَ : «فَسْئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . فَلَوْ كَانَ يَسَعُ أَهْلَ الصِّحَّةِ والسَّلَامَةِ الْمُقَامُ عَلَى الْجَهْلِ ، لَمَا أَمَرَهُمْ بِالسُّؤَالِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلى بَعْثَةِ الرُّسُلِ بِالْكُتُبِ وَالْادَابِ ، وَكَانُوا يَكُونُونَ عِندَ ذلِكَ بِمَنْزِلةِ الْبَهَائِمِ ، وَمَنْزِلةِ أَهْلِ الضَّرَرِ وَالزَّمَانَةِ ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَمَا بَقُوا طَرْفَةَ عَيْنٍ.

.


1- . في «ب» و «ج»: «والسبق».

ص: 147

الهديّة السابعة:(من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة) أي من اتّفاق أهل عصرنا في الغيبة الصغرى على طلب الجهالة وزيادتها مصرّين فيه ومبالغين في شهرتها. ولانحصار حصول العلم والقطع بما هو الحقّ في الاُمور التي يجري فيه الاختلاف من غير مكابرة واعتساف فيما مأخذه المعصوم المنصوص الممتاز عن الجميع في الجميع حسبا ونسبا عاقلاً عن اللّه ؛ لانحصار الأعلمية بما في هذا النظام في صانعه ومدبّره، اختصّ اسم العلم بما مأخذه المأخوذ عن الحجّة المعصوم، واسم الجهل بخلافه. و«التوازر»: التعاون. و«عمارة الطريق»: عبارة عن كونه شارعا لعامّة الناس. (ومباينتهم العلم وأهله) أي مفارقتهم، وعدم طلبهم ما هو الحقّ. وأهله الإمام وشيعته. (كاد العلم معهم) أي مع وجود اُولئك المصطلحين على الجهالة. (أن يأرز كلّه)، على المعلوم بتقديم المهملة، كنصر، وضرب، وعلم، يعني أن يخفى ويستتر بتمامه. قال ابن الأثير في نهايته: فيه : «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها» أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها (1) . (2) (وتنقطع موادّهُ) أي باختفاء علماء الشيعة وكتب أحاديث أئمّتهم عليهم السلام ؛ لاشتداد التقيّة في الغيبة الصغرى، فإنّ الاُصول الأربعمائة المتعارفة المتداولة فيما بينهم اُخفيت تمامها على التدريج؛ لاشتداد التقيّة كذلك من زمن المتوكّل عاشر الخلفاء العبّاسية إلى زمن استيصالهم. (لما قد رضوا)، بكسر اللّام للتعليل. في بعض النسخ : «ويضيّعوا» من التضييع مكان : «ويضعوا» من الوضع بمعنى الحطّ. وضع فلان كحسن: صار وضيعا. ووضعه غيره، كعلم وضعا، وَضَعةً وضِعة بالفتح والكسر، والهاء عوض الواو . و(المقام) بالفتح: مصدر ميميّ بمعنى الإقامة، واسم المكان أيضا، أي موضع القيام؛ وكذا «المقام» بالضمّ. [قال ]الجوهري: وأمّا «المَقام» و«المُقام» فقد يكون كلّ واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنّك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم؛ لأنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم؛ لأنّه مشتبه ببنات الأربع، نحو دحرجَ، وهذا مُدحرجُنا، وقوله تعالى: «لَا مُقَامَ لَكُمْ» (3) بالضمّ، أي لا إقامة لكم و «حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا» ، (4) أي موضعا. (5) (بجميع اُموره)، بأنّ جميعها ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله . (على جهة الاستحسان)، حالية، يعني استحسان الأنفس بأهوائها، آرائها، وقياساتها. (والنشوء عليه) يعني وتجدّد الاتّصاف (6) بالاستحسان الموصوف في كلّ زمان للأحكام بل لحكمٍ واحد بعد الاتّصاف به سابقا ، و«النشوء» بالضمّ: مصدر نشأ كمنع؛ أي الحدوث ابتداءً. (والكبراء) أي الرؤساء الغير المستندين إلى العلم الموصوف آنفا. (في دقيق الأشياء وجليلها): حقيرها وعظيمها، أو غامضها وواضحها. (خِلقة) بالكسر: للنوع، منفصلة ممتازة. (محتملة للأمر والنهي) أي قابلة بالاستطاعة المخلوقة فيها للإطاعة في الأمر والنهي. (والزمانة) بالفتح: آفة معروفة [قال] الجوهري: رجل زمن، أي مبتلى بيّن الزمانة. (7) (بعد ما أكملهم آلة التكليف) من قدر العقل والاستطاعة والتمكّن من الفعل والترك، بصحّة الجوارح وانتفاء الموانع. (ووضع التكليف عن أهل الزمانة والضرر) أي بقدرهما. (غير محتملة للأدب والتعليم) يعني كاحتمال أهل الصحّة والسلامة. (سبب بقائهم) أي سبب صلاح معاشهم ومعادهم.خطبة الكافي (فلو كانت الجهالة جايزة) أي الجهالة الموصوفة التي يوجبها القول بعدم الحاجة لمكان العقل في مثل هذا النظام العظيم بهذه الآراء المختلفة وهذه الاختلافات إلى الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه ، المنحصر فيه الأعلميّة بتدبيره. و(الآداب): عبارة عن السنن والشرائع، وإنّما في رفعها (فساد التدبير) أي في الاُمور ونظامها؛ لمكان الآراء المختلفة الداعية إلى الاختلاف. أو المعنى : وفي رفعها لزوم القول ببطلان حقّية بداهة الحكم بأنّ الأعلميّة بما في العالم منحصرة في مدبّر نظامه بهذا النسق. فالمراد من قول أهل الدهر على الأوّل: قول الملاحدة الدهريّة، من البراهمة وغيرهم بعدم الحاجة إلى الأنبياء والحجج؛ لاستقلال العقل في معرفة الأشياء وحقايقها. وعلى الثاني: قول الصوفيّة القدريّة التابعين للدهريّة في نسبة التقادير والتدابير إلى أعيان الأشياء وحقائقها، ثمّ قالت الدهريّة: إنّما ظهورها بالدهر، وقالت الصوفيّة: ليس للوجود إلّا إفاضة الوجود، على ما نقلنا عن بعض المعاصرين في أواخر الهديّة الاُولى. (أن يخصّ من خلق من خلقه) أي بالآمريّة والزاجريّة من عنده كلّ من خلق من جملة خلقه (خلقة محتملة) لأمر اللّه ونهيه له، ولا لآمريّة والزاجريّة لغيره من عنده سبحانه. وبعبارة اُخرى: أن يخصّ الذين خلقهم من خلقه (8) خلقة محتملة للمطيعيّة والمطاعيّة بالحجّيّة من عنده آمرين وزاجرين. و«السّدى بالضمّ والقصر وينوّن كالهدى: المهمل. غنم سدى: مهملة بلا راع. [قال ] الجوهري: وبعضهم يقول: سدى بالفتح. وأسديتها: أهملتها. (9) و(مهملين): خبر بعد الخبر على ضرب من التجريد، أي لئلّا يكونوا بلا راع مهملين. و(ليعظّموه) أي بالمعرفة الدينيّة التي لا تحصل إلّا بإخبار الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه . (ويوحّدوه) أي يقرّوا له تعالى بالوحدانيّة في جميع خصوصيّاته حتّى وحدانيّة الوحدة بأنّها ليست من باب وحدة العدديّة، تلزمها الاثنينيّة، ووحدانيّة الوحدة فردانيّة القدم، ولا قديم في باب القدم سواه تبارك وتعالى . (ويقرّوا له بالربوبيّة) أي للعالمين بالخصوصيّات التي عرّف بها نفسه تبارك وتعالى. (إذ شواهد ربوبيّته دالّة ظاهرة): تعليل لمقدّر مفهوم من التعليلات السابقة، مثل : «وقد تمّت عليهم الحجّة»؛ فإنّ شواهد ربوبيّته من عجائب الآثار والتقادير، وغرائب الصنائع والتدابير التي تحصل بها المعرفة الفطريّة لكلّ ذي شعور البتّة دالّة ظاهرة، وحججه المعصومين المنصوصين الذين لا تحصل المعرفة الدينيّة إلّا بهم. (نيّرة واضحة) وهم أعلامه اللّائحة. (تدعوهم إلى توحيد اللّه ) أي الحجج، الإعلام إلى ذلك بالمعرفة الدينيّة. (وتشهد) أي شواهد ربوبيّته من الأرض والسماء وما بينهما من سائر آثار الصنع وعجائب التدبير سيّما خلقة الإنسان، فتبارك اللّه أحسن الخالقين. (فندبهم إلى معرفته). ندبه لأمر بالمفردة، كنصر فانتدب: دعاه له فأجاب. (لئلّا يبيح لهم أن يجهلوه) أي لئلّا يجوّز لهم بترك ندبتهم إلى المعرفة الدينيّة أن يجهلوه جهلاً بخصوصيّاته المعلومة بالمعرفة الدينيّة؛ لأنّ الحكيم قبيحٌ عليه تجويز الجهل به كذلك. والآية الاُولى في سورة الأعراف (10) . وفي التفسير: ألم يؤخذ على العباد ميثاق كلّ كتاب مُنزلٍ من لدن آدم إلى آخر الزمان أن لا يقولوا على اللّه في المختلف فيه بلا تعصّب وعناد إلّا الحقّ الواقعي الذي لا يجري فيه الشكّ أصلاً؛ لأخذه عن الحجّة المعصوم الممتاز العاقل عن اللّه سبحانه.خطبة الكافي والآية الثانية في سورة يونس (11) . والثالثة في سورة التوبة. (12) (فكانوا محصورين بالأمر والنهي) أي مضيّقين عليهم في قبول التكليف ، أو محفوظين في حِصار الدِّين (13) . حصره حصرا كنصر: جعله في حصار وضيّق عليه. (مأمورين بقول الحقّ) أي المأخوذ عن المعصوم، أو بإطاعة قول المعصوم، وهو العلم واليقين الذي لا سبيل للشكّ إليه أصلاً. (ولم يكن يحتاج) يحتمل المعلوم وخلافه. والمستتر على الأوّل لِفاعل «أمرهُم». (لَما بقوا طرفة عين)؛ لمكان الفساد في معاشهم مكان الصّلاح فيه إذا كان لا شريعة في الدنيا ولا طلب الرحمة أصلاً، وقد قدّر اللّه تعالى بقاء الدنيا في مدّتها بالمؤمن باللّه واليوم الآخر ولو كان شخصا واحدا كما كان إبراهيم عليه السلام مدّة اُمّة بانفراده، وللزوم بطلان الحكمة والتدبير كما قيل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة» أي على الحكم ظنّا بغير حكم اللّه سبحانه فيما يجري فيه الاختلاف وفي دليله بلا مكابرة، كمضامين الآيات المتشابهة، سواء كان ذلك الحكم من دليل يجري فيه الشكّ فيه بلا مكابرة، أو بادّعاء صفاء الباطن بالرياضة كما يدّعون الصوفيّة. و«الأروز» بتقديم الرّاء وتأخير الزّاي: مصدر باب ضرب ونصر وعلم، يعني أن يصير صغيرا ويختفي . وفي «كاد» إشارة إلى ما في كتاب الحجّة في الثالث في الباب الثامن والسبعين، والثالث عشر في الباب التاسع والسبعين من قوله: «إنّي لأعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه ولا تنقطع موادّه». (14) وهذه الشكاية مذكورة عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في خطبته الّتي أوّلها: «أمّا بعد، فإنّ اللّه لم يقصم جبّاري دهر [قطّ] إلّا بعد تمهيلٍ ورخاءٍ». (15) «بجميع اُموره»، أي بجميع ضروريّاته من الصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة وغير ذلك، فيحكمون فيها «على جهة الاستحسان» ويسمّون أحكامهم كذلك بضروريّات الدِّين. و«النشوء»: الطلوع على صفة. و«الأدب»: الطريقة الحسنة فعلاً، أو تركا. و«الفاء» في «فلو كانت الجهالة جائزة» بيانيّة، أو للترتيب الذكري، كما تكون عند الانتقال من مقدّمة تمهيديّة إلى الاستدلال؛ أو من استدلال إلى آخر «والرجوع على قول أهل الدهر» وهو إنكارهم اختيار الصانع، وحدوث العالم على زعمهم امتناع تخلّف المعلول عن علّته التامّة، وأنّ ظهور الأشياء فقط في الدنيا أزلاً وأبدا بالدّهر، كما حكى اللّه سبحانه في سورة الجاثية قولهم: «مَا هِيَ إِلَا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَا الدَّهْرُ» (16) . «فوجب في عدل اللّه وحكمته أن يخصّ من خلق من خلقه» أي كلّ من خلق من جملة أهل الصحّة والسلامة أهلاً للإبلاغ أيضا بأمره ونهيه. «فكانوا محصورين بالأمر والنهي» أي في حصار الأمر والنهي. «ولم يكن يحتاج» على المعلوم. والفاعل هو «اللّه » يعني إلى وجوب «بعثة الرُّسل» عليه؛ رعايةً للمصالح، ودفع اعتراض الناس بحجّتهم عليه، كما قال سبحانه في سورة النساء: «رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه ِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّه ُ عَزِيزا حَكِيما» (17) . «لما بقوا طرفة عين» أي لو لم يكن حكمة التكليف والمنع من العمل بالظنّ فيما يجري فيه الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة لكان خلقه العالم عبثا تعالى عن ذلك عُلوّا كبيرا، قال اللّه تعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا» (18) . وقال الفاضل الإسترآبادي رحمه الله بخطّه: «أنّ يأرز كلّه» سيجيء في باب الغيبة : «فيأرز العلم كما يأرز الحيّة في جحرها». وفي النهاية لابن الأثير، وفي الصحاح للجوهري : «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها» أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. (19) ثمّ قال بخطّه: وأقول: كأنّه إشارة إلى ما وقع بعده صلى الله عليه و آله في ابتداء الأمر حيث انحصر الإسلام في أهل الكساء وفي جمع قليل من أتباعهم. (20) وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: «أن يأرز كلّه»، «الأرز» بتقديم المنقوطة على غيرها جاء بمعنى القوّة وبمعنى الضعف، وهنا بمعنى الضعف. ويحتمل أن يكون «يأرز» بتقديم الغير المنقوطة عليها. وسيجيء في باب الغيبة : «فيأرز العلم كما تأرز الحيّة في جحرها». وقال الجوهري في معنى : «إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها، أي ينضمّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها». (21) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله بعد ضبطه : «أنّ يأرز» كالأكثر: واحتمال «أن يأزر» بتقديم الزّاي على الرّاء بمعنى: أن يضعف كما ترى ، و«الأزر» القوّة والضعف؛ ضدّ. ثمّ قال: «أن يخصّ من خلق من خلقه» في بعض النسخ : «أن يحصر» أي أن يضيّق عليهم، من حصره كنصر: ضيّق عليه وأحاط به، وهو يناسب قوله بعد : «فكانوا محصورين بالأمر والنهي»، والمضبوط أكثر وأنسب بالمقام.

.


1- . في «الف»: - «فيها».
2- . النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 41 (أرز).
3- . الأحزاب (33): 13.
4- . الفرقان (25): 76.
5- . الصحاح، ج 5 ، ص 2017 (قوم).
6- . في «الف»: «الإنصاف».
7- . الصحاح، ح 5 ، ص 2131 (زمن).
8- . في «الف»: - «خلقه».
9- . الصحاح، ج 6 ، ص 2374 (سدا).
10- . الأعراف (7): 169.
11- . يونس (10): 39.
12- . التوبة (9): 122.
13- . في «الف»: + «والدنيا ولاطلب الراحة».
14- . الكافي، ج 1، ص 335، باب نادر في الغيبة، ح 3.
15- . نهج البلاغة، ص 121، الخطبة 88 .
16- . الجاثية (45): 24.
17- . النساء (4): 156.
18- . المؤمنون (23): 115.
19- . النهاية لابن الأثير، ج 1، ص 41 (أرز)؛ الصحاح، ج 3، ص 864 (أرز).
20- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 82 .
21- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 35.

ص: 148

. .

ص: 149

. .

ص: 150

. .

ص: 151

. .

ص: 152

. .

ص: 153

. .

ص: 154

. .

ص: 155

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ بَقاؤُهُمْ إِلَا بِالْأَدَبِ وَالتَّعْلِيمِ ، وَجَبَ أَنَّهُ لَابُدَّ لِكُلِّ صَحِيحِ الْخِلْقَةِ ، كَامِلِ الْالَةِ مِنْ مُؤَدِّبٍ وَدَلِيلٍ وَمُشِيرٍ ، وَآمِرٍ وَنَاهٍ ، وَأَدَبٍ وَتَعْلِيمٍ ، وَسُؤَالٍ وَمَسْأَلَةٍ . فَأَحَقُّ مَا اقْتَبَسَهُ الْعَاقِلُ ، وَالْتَمَسَهُ الْمُتَدَبِّرُ الْفَطِنُ ، وَسَعى لَهُ الْمُوَفَّقُ الْمُصِيبُ ، الْعِلْمُ بِالدِّينِ ، وَمعرِفَةُ مَا اسْتَعْبَدَ اللّه ُ بِهِ خَلْقَهُ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَزَوَاجِرِهِ وَآدَابِهِ ؛ إِذْ كانَتِ الْحُجَّةُ ثَابِتَةً ، وَالتَّكْلِيفُ لَازِما ، وَالْعُمْرُ يَسِيرا ، وَالتَّسْويفُ غَيْرَ مَقْبُولٍ .

الهديّة الثامنة:(بقاؤهم) أي بقاء أهل الصحّة والسلامة بصلاح معاشهم. (من مؤدّب) من الحقّ. (ودليل) إلى الحقّ. (ومشير) إلى الخير، وحسن العاقبة لصلاح المعاش والمعاد. (وآمر) بالمعروف. (وناهٍ) عن المنكر. وطريقة مستقيمة بتعريفهم وتعليمهم إيّاها، وسؤاله المتشابهات، ومسألته الأحكام عنهم. (فأحقّ ما اقتبسه العاقل) أي بعدما أعطاه اللّه من المعرفة الفطريّة الحاصلة بالشواهد الأوّليّة للربوبيّة من الأرض والسماء وما بينهما من سائر الآثار العجيبة المعلنة، والصنايع الغريبة المتقنة. وأوّليتها بالنسبة إلى خواتيم شواهد الربوبيّة من الحجج المعصومين ودلالاتهم، والكتب الإلهيّة وآياتها. (العلم بالدِّين) أي المعرفة الدينيّة، وهي (معرفة ما استعبد اللّه به خلقه من توحيده) على ما عرّف به نفسه، بحيث لا يتمّ إلّا بمعرفة الرسالة والإمامة. (إذا كانت الحجّة ثابتة). ناظر إلى ما سبق من قوله طاب ثراه: «فوجب في عدل اللّه جلّ وعزّ وحكمته أن يخصّ» إلى آخره. (والتكليف لازما) إلى مثل قوله : «فندبهم إلى معرفته». (والعمر يسيرا) تشييد لتأثير النصيحة والموعظة، وإيقاظ للنائم من نوم الغفلة عن قِصَر العمر في دار العمل، وطول زمان الخلود في دار المكآفأة. (والتسويف غير مقبول)؛ لما ذكر. قال برهان الفضلاء: «صحيح الخلقة»، عبارة عن المقابل للتكليف من جملة الرعيّة. وكلّ من «المؤدّب» و«الدليل» و«المشير» و«الآمر» و«الناهي» عبارة عن الإمام العالم بجميع الأحكام في كلّ زمان، نبيّا أو وصيّا . و«الإشارة»: إخراج العسل من الكندوج، استُعيرت هنا لبيان الأدب الخالص. و«الأدب» و«التعليم»: إشارة إلى قسم من الأدب، وهو الذي علّم قبل السؤال بمحكمات الكتاب. و«السؤال» و«المسألة»: إلى قسم آخر من الأدب، وهو الذي ليس في محكمات الكتاب، وعِلْمُه يحتاج إلى سؤال أهل الذِّكر. و«المسألة»: مصدر ميمي، من باب مَنَع بمعنى التوقّف عند السؤال لفهم المسؤول عنه حَسَنا. و«الفاء» في «فأحقّ» للتفريع. و«إذ كانت الحجّة»: تعليل للأحقّية المذكورة. وقال الفاضل الاسترآبادي: «وجب أنّه لابدّ لكلّ صحيح الخلقة» الدلالة على بطلان الاجتهاد الظنّي. (1) فإن أردت البيان لإجماله، فخُذ معيارا ممّا بيّناه في الهدية الاُولى بعد نقل كلام برهان الفضلاء وحكايته كلام شيخ الطائفة في كتاب عدّة الاُصول.

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، 82 .

ص: 156

. .

ص: 157

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَالشَّرْطُ مِنَ اللّه ِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ فيمَا اسْتَعْبَدَ بِهِ خَلْقَهُ أَنْ يُؤَدُّوا جَمِيعَ فَرَائِضِهِ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ؛ لِيَكُونَ الْمُؤَدِّي لَهَا مَحْمُودا عِنْدَ رَبِّهِ ، مُسْتَوْجِبا لِثَوَابِهِ وَعَظِيمِ جَزَائِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ لَايَدْرِي مَا يُؤدِّي ، وَلَايَدْرِي إِلى مَنْ يُؤَدِّي ، وَإذا كانَ جَاهِلاً ، لَم يَكُنْ عَلى ثِقَةٍ مِمَّا أَدّى ، وَلَا مُصَدِّقا ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَا يَكُونُ مُصَدِّقا حَتّى يَكُونَ عَارِفا بِمَا صَدَّقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا شُبْهَةٍ ؛ لأَنَّ الشَّاكَّ لَا يَكُونُ لَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّقَرُّبِ مِثْلُ مَا يَكُونُ مِن الْعَالِمِ الْمُسْتَيْقِنِ ، وَقَدْ قَالَ اللّه ُ عَزَّ وَجَلَّ : «إِلَا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً لِعِلَّةِ الْعِلْمِ بِالشَّهَادَةِ ، وَلَوْ لَا الْعِلْمُ بالشَّهَادَةِ ، لَمْ تَكُنِ الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةً . وَالْأَمْرُ فِي الشَّاكِّ _ المُؤَدِّي بِغَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَة _ إِلَى اللّه ِ جَلَّ ذِكْرُهُ ، إِنْ شَاءَ تَطَوَّلَ عَلَيْهِ ، فَقَبِلَ عَمَلَهُ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ عَلَيْهِ مِنَ اللّه ِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَفْرُوضَ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ ؛ كَيْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ وَصَفَهُ اللّه ُ ، فَقَالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى : «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةَ ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» ؛ لِأَنَّهُ كانَ دَاخِلاً فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ ، فَلِذلِكَ صَارَ خُرُوجُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا يَقِينٍ . وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه السلام :«مَنْ دَخَلَ فِي الْاءِيمَانِ بِعِلْمٍ ، ثَبَتَ فِيهِ ، وَنَفَعَهُ إِيمَانُهُ ، وَمَن دَخَلَ فِيهِ بِغَيرِ عِلْمٍ ، خَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ» . وَقَالَ عليه السلام : «مَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ _ صَلَوَات اللّه ِ عَلَيْه وَآلِهِ _ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ ، رَدَّتْهُ الرِّجَالُ». وَقَالَ عليه السلام : «مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أَمْرَنَا مِنَ الْقُرْآنِ ، لَمْ يَتَنَكَّبِ الْفِتَنَ» .

.

ص: 158

الهديّة التاسعة:كاد أن توجب هذه الفقرات خاصّة القطع بأنّ خطبة الكافي من أمالي الصاحب عليه السلام ، كما يوجب ساير فقراتها ظنّا بذلك. وإنّما الشرط من اللّه جلّ ذكره على خلقه فيما ذكر كما ذكر؛ لأنّ عظمته جلّت جلالته لن ترضى إلّا بأن يُخبر عباده بما يحصل لهم به المعرفة الدينيّة بحيث يكون اعتقاد الجميع بجميع ضروريّات الدِّين على السواء، كالشمس بالنظر إلى جميع الأنظار، فكما أنّ الشمس في كلّ نظر خال عن الآفة هي بعينها في جميع الأنظار السليمة، كذلك الاعتقاد بضروريّات الدِّين لجميع المؤمنين ، ولذا اعتقاد أبناء السبع منهم بتسوية الأرض بزلزلة الساعة _ مثلاً _ بحيث يرى من في المغرب البيضة التي في المشرق كما سمعوا من آبائهم ومعلّميهم هو بعينه أصل اعتقاد السبعين منهم وإن كانوا فضلاء متبحّرين. وهل تفاوت عند المؤمنين صبيانهم وكبرائهم، مبتديهم ومنتهيهم في الاعتقاد بجسمانيّة نكير ومنكر وعموديهما الموصوفين، وسؤالهما عن الربّ تعالى، والنبيّ، والإمام، والكتاب وغير ذلك، وإحياء الميّت في القبر وجلوسه حيّا، ثمّ قبضه ثانيا، والحشر الجسماني لجميع الأوّلين والآخرين، والميزان والصراط الجسمانيّين (1) ، وتطاير الكتب الجسمانيّة، وكذا النار ودركاتها بعقاربها وحيّاتها ، والجنّة بدرجاتها وحورها وقصورها وعيونها، وغير ذلك ممّا لا عين رأيت ولا اُذن سمعت؟! (2) ولانحصار القطع بحقّيّة حكم ممّا يجري فيه الاختلاف وفي دليله بلا مكابرة في حكم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام في مدبّره سبحانه، انحصر حصول المعرفة الدينيّة على «علمٍ ويقين وبصيرةٍ» في الفرقة الإماميّة، بطاعة مفترض الطاعة، وهو الذي لعصمته وامتيازه عن الجميع في جميع المكارم، ودلالات حجّيّته، ومعجزات حقّيّته لا يتطرّق الشكّ إلى حكمه أصلاً، فيكون المؤدّي للفرائض بطاعته وحكمه «محمودا عند ربّه، مستوجبا لثوابه وعظيم جزائه»؛ لأنّه الذي يؤدّي بعلمٍ ويقين وبصيرةٍ. أمّا الجاهل بالحجّة المعصوم فلا يؤدّي إلّا على شكّ وشبهة؛ لامتناع أن لا يتطرّق إلى مثله الشكّ؛ لما صحّ من الانحصار المذكور بالإجماع الحقّ من غير المكابرين، والشاكّ لا يكون له ممّا ذكر مثل ما يكون من العالم المستيقن، وقد قال اللّه تبارك وتعالى في سورة الزخرف: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (3) . (والأمر في الشاكّ المؤدّي بغير علم وبصيرة إلى اللّه عزّ وجلّ): جواب عن سؤال مقدّر ينبغي الجواب عنه؛ لكثرة خطوره على الأفكار في أكثر الأعصار، أو عن سؤال محقّق في جملة شكاية ذلك الأخ إلى ثقة الإسلام ومسائله عنه طاب ثراه. وهو مثل، فما أمر أكثر الناس في أكثر الأعصار وهم منتمين (4) إلى الإماميّة بإيمانهم بولاية الاثني عشر عليهم السلام وإنكارهم الفلان والفلان والفلان، إلّا أنّهم متوقّفون في طعن طائفة من مشائخ وكبراء الصوفيّة القدريّة ولَعنِهم؛ لجهلهم بأصل طريقتهم، المحفوف بفنون خادعة ورسوم رائعة من خدع الشيطان بفكره في أواخر عمره، وميلهم بالاستحسان إلى ظواهر من مخادعتهم في الأقوال، ومطايبتهم في الأمثال، ومجاهدتهم في الأعمال، وإلى هذا صرّح طاب ثراه بقوله بعد : «لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء مالَ معه، وكلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قَبِله». وخلاصة الجواب: أنّ مثل المنتمي الموصوف منتحل شاكّ لا يؤدّي ما عليه بعلمٍ (5) ويقين وبصيرة فأمره إلى اللّه عزّ وجلّ، وللّه فيه المشيئة، إن شاء تفضّل عليه بالتوفيق للتوبة وقبول توبته فقبل عمله، وإن شاء ردّ عليه بالخذلان ؛ لأنّ الشرط على كلّ شيعة من اللّه في الميثاق أن يؤدّي ما عليه بعلمٍ وبصيرة ويقين كما حكم به الحجّة المعصوم المبين. وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة». (6) وقال الهادي أبو الحسن الثالث عليه السلام : «إنّ أخسّ الطوائف: الصوفيّة، والصوفيّة كلّهم من مخالفينا، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا، وإن هم إلّا نصارى ومجوس هذه الاُمّة»، (7) الحديث. وقد ذكر في أواخر الهديّة الاُولى. وإلّا فكان ممّن وصفه اللّه تعالى في سورة الحجّ فقال تبارك وتعالى: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَى حَرْفٍ» (8) الآية، أي على شكّ. وفي تفسير عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: «نزلت هذه الآية في قوم وحّدوا اللّه وخرجوا من الشرك، ولم يعرفوا أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله رسول اللّه ، فهم يعبدون اللّه على شكّ في محمّد وما جاء به صلى الله عليه و آله ، فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقالوا: ننظر، إنّ كثرت أموالنا وعوفينا في أبداننا (9) وأولادنا علمنا أنّه صادق وأنّه رسول اللّه ، وإن كان غير ذلك نظرنا، فأنزل اللّه تعالى: «فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ» مشركا يدعو غير اللّه ويضلّ. ومنهم مَن عرف فدخل الإيمان على قلبه، فهو مؤمن مصدّق ونزوله عن منزلته من الشكّ إلى الإيمان . ومنهم من يلبث على شكّه. ومنهم مَن ينقلب إلى الشرك». (10) (وقد قال العالم عليه السلام )، يعني الكاظم، أو الصاحب عليهماالسلام ، أو واحدا من الأئمّة عليهم السلام : (مَن دخل في الإيمان بعلم) الحديث، أي في التشيّع، بعلمٍ ويقين لا يجري فيه الشكّ أصلاً كما وصف. (وقال عليه السلام : مَن أخذ دينه من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ) الحديث، أي من محكمات الكتاب، أو من كتاب اللّه الخاصّ علمه بقيّميّة المعصومين، وسنّة نبيّه المحفوظة المضبوطة بأوصيائه المنصوصين صلوات اللّه عليهم. (وقال عليه السلام : من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن) أي فرض طاعتنا من محكمات القرآن، أو من القرآن المخصوص علمه بالحجّة المعصوم المنصوص؛ لم يتباعد عن الفتن ومضلّاتها، كالمنتمي إلى الإماميّة وهو شاكّ في بطلان طريقة التصوّف، ومتوقّف في طعن أهله ولعن طواغيتهم ومشايخهم لعنهم اللّه . «تنكّبه» على المعلوم من التفعّل: تجنّبه وتباعد عنه. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: و«الشرط من اللّه جلّ ذكره»: عاطفة على جملة «كانت الحجّة»، أو حاليّة. والمراد بالفرائض هنا: الواجبات التي أوعد اللّه تعالى على تركها بالنار. وب «العلم»: القطع ببراءة الذمّة من الفريضة، فلا ينافي جواز العمل بالخبر الواحد بشروطه المقرّرة؛ فإنّ البرهان الدال على جوازه يفيد العلم ببراءة الذمّة به. وهذا احتراز عن التأدية ظنّا ببراءة الذمّة، كطاعة واحدٍ من المدّعين للإمامة من دون علمٍ بأنّه بخصوصه مفترض الطاعة، وكتأدية صيام شهر رمضان بلا صيام يوم الشكّ، وبلا دليل من الخارج دالّ على الإجزاء. وذكر اليقين بعد العلم، إشارة إلى أنّ العلم قد يُطلق على الأعمّ من اليقين والظنّ، وليس المراد هنا. وذكر البصيرة بعد اليقين إشارة إلى أنّ اليقين قد يُستعمل فيما صاحبهُ معرضٌ عن مقتضاه، كما في آية سورة النمل: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ» (11) ، وليس المراد هنا . فظهر أنّ عطف اليقين والبصيرة من قبيل عطف التفسير؛ لأنّ «الذي يؤدّي بغير علم وبصيرة» استدلال بدليل عقلي على الشرط المذكور. و«الباء» في «بغير علم» للسببيّة. والمراد «بغير العلم» القدر المشترك بين الظنّ، والتقليد، واعتقاد المبتدي. وصدر الآية في سورة الزخرف: «وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَا» (12) الآية. ولا يخفى ما في هذه الآية من الدلالة على أنّ العمل بفتوى رجل من الرعيّة على ثلاثة أقسام: الأوّل: أن لا يكون الفتوى من اليقين بالحكم الواقعي. والثاني: أن يكون من اليقين به مع تجويز السائل خلافه، والثالث: أن يكون من اليقين به مع علم السائل بأنّه من اليقين به . والفتوى على الأوّلين لا يقبل ولا يجوز العمل به بخلاف الثالث، فإنّه يقبل ويجوز العمل به. وأشار المصنّف طاب ثراه بذكر آية سورة الحجّ: «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَى حَرْفٍ» الآية، إلى أنّ أهل الشكّ لهم خطران: أحدهما: في الدنيا، والآخر. في الآخرة، وأهل الشكّ على ثلاثة أقسام؛ فإنّ المكلّفين في كلّ زمانٍ إمّا المؤمنون حقّا و «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» في الفاتحة عبارة عنهم. وإمّا الكافرون قلبا، سواء كان جحدهم لسانا أيضا أو لا، كالمنافقين و «الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» فيها عبارة عنهم. وأمّا الواسطة بين المؤمنين والكافرين والضالّين عبارة عنهم. والضّالون قسمان: أهل الشكّ، وغير أهل الشكّ. والأوّل أقسام ثلاثة : من يعبد اللّه على حرفٍ، والمُعارون، والمؤلّفة قلوبهم. والثاني، يعني غير أهل الشكّ من الضالّين أقسام أربعة: أهل خلط العمل الصالح بالعمل السيئ، والمُرْجَون لأمر اللّه ، والمستضعفون، وأصحاب الأعراف. وسيبيّن تداخل بعض هذه الأقسام في بيان الأوّل والثاني في الباب الرابع والستّين والمائة من كتاب الإيمان والكفر، كبيان الأقسام السبعة للضالّين، كلٌّ في باب على حدة منه، إلّا أهل الخلط وذكرهم في باب أصحاب الأعراف، لما سيذكر هناك إن شاء اللّه تعالى. والمراد من «العالم» في الأحاديث الثلاثة خصوص صاحب الزمان صلوات اللّه عليه بتوسّط السُّفراء أو مشافهة، أو المراد واحدٌ من الأئمّة عليهم السلام ، أو الكاظم عليه السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ومن الناس من يعبد اللّه على حرفٍ» أي على وجهٍ واحدٍ، كأن يعبدهُ على السرّاء لا الضرّاء، أو على شكّ، أو على غير طمأنينة. والحاصل: أنّه لا يدخل في الدِّين متمكّنا مستقرّا. (13) وقال السيّد الداماد ثالث المعلّمين قدس سره: «وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ» (14) ، «الحرف» في الأصل: الطرف والجانب، وبه سمّي حروف التهجّي، أي على حرف من الاعتقاد يُميله كلّ مميل، ويُزعجه كلّ مُزعج، لا قارّ البصيرة، ثابت التبصّر على حاقّ اليقين، ومستقرّ العلم، ومتن العقل المضاعف كالجبال الرواسي، فلا يستطيع أن يقلقله صوت هايل. ولا أن يزلزله ريحٌ عاصف. (15)

.


1- . في «الف»: «الجسماني».
2- . اقتباس من المرويّ في الفقيه، ج 1، ص 295، ح 905.
3- . الزخرف (43): 86 .
4- . في «ب» و «ج»: «منتهين».
5- . في «ب، ج»: «بعين».
6- . التوحيد، ص 382، باب القضاء والقدر و..، ح 29؛ بحارالأنوار، ج 5 ، ص 6 ، ذيل الحديث 4؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 634 ، ح 4691.
7- . حديقة الشيعة، ص 602 _ 603 ؛ ورواه عن قرب الإسناد في إكليل المنهج، ص 129.
8- . الحجّ (22): 11.
9- . في المصدر : «في أنفسنا».
10- . تفسر القمّي، ح 2، ص 79، ذيل الآية 11 من الحج (22).
11- . النمل (27): 14.
12- . الزخرف (43): 86.
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 37.
14- . الحجّ (22): 11.
15- . الرواشح السماوية، ص 59.

ص: 159

. .

ص: 160

. .

ص: 161

. .

ص: 162

. .

ص: 163

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَلِهذِهِ الْعِلَّةِ انْبَثَقَتْ عَلى أَهْلِ دَهْرِنَا بُثُوقُ هذِهِ الْأَدْيَانِ الْفَاسِدَةِ ، وَالْمَذَاهِبِ المُسْتَشْنَعَةِ (1) ، الَّتِي قَدِ اسْتَوْفَتْ شَرَائِطَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ كُلَّهَا ، وَذلِكَ بِتَوفِيقِ اللّه ِ تَعالى وَخِذْلَانِهِ ، فَمَنْ أَرَادَ اللّه ُ تَوْفِيقَهُ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ ثَابِتا مُسْتَقِرّا ، سَبَّبَ لَهُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إِلى أَنْ يَأَخُذَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ _ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيهِ وَآلِهِ _ بِعِلْمٍ وَيَقِينٍ وَبَصِيرَةٍ ، فَذَاكَ أَثْبَتُ فِي دِينِهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي . وَمَنْ أَرَادَ اللّه ُ خِذْلَانَهُ وَأَنْ يَكُونَ دِينُهُ مُعَارا مُسْتَوْدَعا (2) ، سَبَّبَ لَهُ أَسْبَابَ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّأْوِيلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، فَذَاكَ فِي الْمَشِيئَةِ ، إِنْ شَاءَ اللّه ُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَتَمَّ إِيمَانَهُ، وَإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُ إِيَّاهُ ، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْبِحَ مُؤْمِنا وَيُمْسِيَ كَافِرا ، أَو يُمْسِيَ مُؤْمِنا وَيُصْبِحَ كَافِرا ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا رَأى كَبِيرا مِن الْكُبَرَاءِ ، مَالَ مَعَهُ ، وَكُلَّمَا رَأى شَيْئا اسْتَحْسَنَ ظَاهِرَهُ ، قَبِلَهُ ؛ وَقَدْ قَالَ الْعَالِمُ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ خَلَقَ النَّبِيِّينَ عَلَى النَّبُوَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلَا أَنْبِيَاءَ ، وَخَلَقَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى الْوَصِيَّةِ ، فَلَا يَكُونُونَ إِلَا أَوْصِيَاءَ ، وَأَعَارَ قَوْمَا إِيمَانَا ، فَإِنْ شَاءَ تَمَّمَهُ لَهُمْ وإِنْ شَاءَ ، سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ» ، قالَ : «وَفِيهِمْ جَرى قَوْلُهُ تَعَالى : «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» »).

.


1- . في «ب» و «ج»: «المستبشعة».
2- . في الكافي المطبوع: + «نعوذ باللّه منه».

ص: 164

الهدية العاشرة:(ولهذه العلّة) أي الدخول في الدِّين بغير علم ويقين وأخذه من أفواه الرِّجال لا من كتاب اللّه الخاصّ علمه، وسنّة نبيّه المضبوطة بأوصيائه المنصوصة من أهله صلى الله عليه و آله . و«الانبثاق» بتقديم النون على المفردة: الانفجار. بثق السيل موضع كذا، كنصر بثقا بالفتح وبثقا بالكسر، أي خرقه وشقّه فانبثق، أي انفجر. القاموس: انبثق عليهم السيل: أقبل وهم غافلون (1) . و«البثوق»: جمع البثق بمعنى الشقّ والخرق، يعني تغور هذه الأديان الفاسدة وخلالها. و«الاستبشاع»: الاستكراه والاستقباح. شيء بشع _ بالشين المعجمة بين المفردة والمهملة _ كصفق (2) : كريه الطعم، يأخذ في الحلق، بيّن البشاعة ، واستبشع الشيء: عدّه بشعا. (التي قد استوفت شرائط الكفر والشرك كلّها) إشارة إلى تحقّق ما أخبر به صلى الله عليه و آله في حديث الافتراق (3) في زمانه طاب ثراه، أو دلالة على أنّها بدخول طريقة التصوّف فيها مستكملة لجميع شرائط الكفر، مستجمعة لتمام أسباب الشرك . وكفر التصوّف كفر ملتئم من جميع شعوب الكفر وصنوف الشرك كبيت العنكبوت، ومن جميع شعوبه طرق إلى جميع ثقوبه. والمشار إليه ل «ذلك» في قوله: (وذلك بتوفيق اللّه وخذلانه) ، أمّا الدخول في الدِّين بعلم والدخول فيه لا بعلم ، أو مضمون قوله: «إن شاء تطوّل عليه فَقَبِل عمله، وإن شاء ردّ عليه»، والمآل واحد ، أو لا يبعد أن يكون واحدا. (سبّب له الأسباب) كما أنّ الأصل في أسباب التوفيق الحيلولة المبتنية على محبّة اللّه تبارك وتعالى، كذلك الأصل في أسباب الخذلان التخلية المنبئة عن سخط اللّه عزّ وجلّ، وفي الحديث كما سيذكر في أواخر كتاب التوحيد في الثاني في الباب الثامن والعشرين، باب السعادة والشقاء : «أنّ وجه محبّته تعالى وسخطه سرٌّ من أسراره، وحكم اللّه عزّ وجلّ لا يقوم له أحد من خلقه بحقّه» (4) من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله على ما وصف في الهدية السابقة. و(الرواسي) من الجبال: الثوابت الرواسخ. قال الأخفش: واحدتها راسية. في بعض النسخ بزيادة: «نعوذ باللّه منه» بعد «مستودعا» وقبل «سبّب له أسباب الاستحسان والتقليد والتأويل»، كالمنتمي إلى الإماميّة بدخوله في الدّين بغير علم ويقين؛ لتوقّفه في طعن الصوفيّة القدريّة ولعنِهم، فذاك في المشيئة إن شاء اللّه تبارك وتعالى أتمَّ إيمانه بالحيلولة والتوفيق، وإن شاء سلبه إيّاه بالتخلية والخذلان. (كبيرا من الكبراء) أي كلبا كبيرا من كبراء كلاب جهنّم، كالبصري، والشامي، والرومي، والبغدادي، والبسطامي، والشبستري وأمثالهم من مشايخ الصوفيّة والقدريّة وطواغيتهم لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه . (وكلّما رأى شيئا استحسن ظاهره قبله) المستحسن ظاهره فقط عند كثيرٌ من عوام الناس كثيرٌ في دار الامتحان بهذا النظام العظيم، لا سيّما في أقوال الصوفيّة القدريّة وأمثالهم، وأعمالهم . (وقد قال العالم عليه السلام ) أو واحد من الأئمّة عليهم السلام ، أو خصوص الصاحب عليه السلام على ما مرَّ آنفا. وهذا الحديث سينقل عن الكاظم عليه السلام في كتاب الإيمان والكفر، وهو الرابع من الباب الثاني والثمانين والمائة، باب المعارين، وهناك مكان : «وخلق الأوصياء على الوصيّة فلا يكونون إلّا أوصياء»: «وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلّا مؤمنين» (5) . وهو أولى لِما ستعرف في نقل كلام برهان الفضلاء . والآية في سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ» (6) . قال برهان الفضلاء: جملة: «ولهذه العلّة» إلى قوله «والشرك كلّها» معترضة؛ تبيانا لمذمّة الدخول في الدين بغير علم ويقين، وليست من هذا البحث؛ لعدم دخول أهل دهره في محلّ سؤال الأخ كما عُلِمَ من قوله: «وسألت هل يسع» إلى آخره. و«التوفيق»: رأفة اللّه تعالى لعبده بعد إعطاء جميع أسباب الطاعة التي يمتنع الطاعة بدونها، ويسمّى الجميع بالعلّة التامّة للطاعة. و«الخذلان»: ترك ذلك الرأفة بعد تهيُّوء جميع أسباب المعصية التي يمتنع المعصية بدونها، و يسمّى الجميع بالعلّة التامّة للمعصية. (7) فلمّا ليست رأفته تعالى داخلة في العلّة التامّة للطاعة، وكذا تركها داخلة في العلّة التامّة للمعصية، فأهل الطاعة لا يعصون مع استطاعتهم للمعصية ، وأهل المعصية، لا يطيعون مع استطاعتهم للطاعة، فلا تبطل حجّة اللّه سبحانه في ثواب أهل الطاعة وعذاب أهل المعصية، لكن وجه المصلحة في الرّأفة بعبد دون عبد سرٌّ من أسراره تعالى لا عالم به سواه، كما في الحديث عنهم عليهم السلام ، وسيذكر _ في الباب الحادي والثلاثين في كتاب التوحيد في شرح: «عَلَم منهم فعلاً فجعل فيهم آلة الفعل» في الحديث الثاني (8) _ ما يوجب القناعة بطاعة مفترض الطاعة في جميع ما أخبر به، فلا بأس بهذه الوسوسة ولم يفرغ قلب منها. «كبيرا من الكبراء»، أي شيخا كبيرا من مشايخ أهل الضلالة، أو فاضلاً من فضلاء العامّة، أو خليفةً من خلفاء بني اُميّة أو بني العبّاس. «استحسن ظاهره» كمواظبة العامّة على أوقات الصلوات جماعةً في المسجدين و المشاعر و نحوهما. «وقد قال العالم عليه السلام : إنّ اللّه عزّوجلّ خلق النبيّين» الحديث (9) . ويمكن أن يكون هنا سهوٌ من نسّاخ الكافي؛ فإنّ في باب المعارين في كتاب الإيمان والكفر قد ذكر هذا الحديث وفيه: «وخلق المؤمنين على الإيمان، فلا يكونون إلّا مؤمنين» مكان: «وخلق الأوصياء على الوصيّة، فلا يكونون إلّا أوصياء (10) ». وما هناك أولى. والتقدير : «وخلق بعض المؤمنين». وفيهم، أي في المؤمنين الذين على قسمين جرى قوله تعالى في سورة الأنعام. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «لأنّه كلّما رأى كبيرا من الكبراء» الدلالة على أنّه لا يؤخذ الدِّين من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله إلّا بوسيلة الأئمّة عليهم السلام . (11)

.


1- . القاموس المحيط، ج 3، ص 210 (بثق).
2- . في «ب» و «ج»: «كصعق».
3- . روى الخاصّة والعامّة حديث الافتراق. راجع: بحارالأنوار، ج 28، ص 2 _ 36، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ علي...؛ سنن أبي داود، ج 2، ص 608 ، ح 45966؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 25، ح 2640؛ سنن ابن ماجة، ج 2، ص 1321، ح 3991؛ مسند أحمد، ج 2، ص 332، ح 8377 .
4- . راجع: الكافي، ج 1، ص 153، باب السعادة والشفاء، ح 2.
5- . راجع: الكافي، ج 2، ص 418 _ 419، باب المعارين، ح 4 و 5.
6- . الأنعام (6): 98.
7- . في «ب» و «ج» - : للمعصية.
8- . الكافي، ج 1، ص 161، باب الاستطاعة، ح 2.
9- . في «الف»: - «استحسن ظاهره _ إلى _ الحديث».
10- . الكافي، ج 2، ص 418، باب المعارين، ح 4.
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 82 .

ص: 165

. .

ص: 166

. .

ص: 167

قال ثقة الإسلام طاب ثراه:وَذَكَرْتَ أَنَّ أُمُورا قَدْ أَشْكَلَتْ عَلَيْكَ ، لَاتَعْرِفُ حَقَائِقَهَا ؛ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهَا ، وَأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوايَةِ فِيهَا لِاخْتِلَافِ عِلَلِهَا وَأَسْبَابِهَا ، وَأَنَّكَ لَا تَجِدُ بِحَضْرَتِكَ مَنْ تُذَاكِرُهُ وَتُفَاوِضُهُ مِمَّنْ تَثِقُ بِعِلْمِهِ فِيهَا . وَقُلْتَ : إِنَّكَ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ عِندَكَ كِتَابٌ كَافٍ يُجْمَعُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ فُنُونِ عِلْمِ الدِّينِ ، مَايَكْتَفِي بِهِ الْمُتَعَلِّمُ ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُسْتَرْشِدُ ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَنْ يُرِيدُ عِلْمَ الدِّينِ وَالْعَمَلَ بِهِ بِالْاثارِ الصَّحِيحَةِ عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم السلام وَالسُّنَنِ الْقَائِمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ ، وَبِهَا يُؤَدَّى فَرْضُ اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَسُنَّةُ نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله . وَقُلْتَ : لَوْ كَانَ ذلِكَ ، رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ سَبَبا يَتَدَارَكُ اللّه ُ تَعَالى بِمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ إِخْوَانَنَا وَأَهْلَ مِلَّتِنَا ، وَيُقْبِلُ بِهِمْ إِلى مَرَاشِدِهِمْ . فَاعْلَمْ يَا أَخِي _ أَرْشَدَكَ اللّه ُ _ أَنَّهُ لَا يَسَعُ أَحَدا تَمْيِيزُ شَيْءٍ مِمَّا اخْتَلفَتِ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنِ الْعُلَمَاءِ عليهم السلام بِرَأْيِهِ ، إِلَا عَلى مَا أَطْلَقَهُ الْعَالِمُ عليه السلام بِقَوْلِهِ : «اِعْرِضُوهَا عَلى كِتَابِ اللّه ِ ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللّه ِ _ عَزَّوَجَلَّ _ فَخُذُوهُ ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللّه ِ فرُدُّوهُ» . وَقَوْلِهِ عليه السلام : «دَعُوا مَا وَافَقَ القَوْمَ ؛ فَإِنَّ الرُّشْدَ فِي خِلَافِهِمْ» . وَقَوْلِهِ عليه السلام : «خُذُوا بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَارَيْبَ فِيهِ» . وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ مِنْ جَمِيعِ ذلِكَ إِلَا أَقَلَّهُ ، وَلَا نَجِدُ شَيْئا أَحْوَطَ وَلَا أَوْسَعَ مِنْ رَدِّ عِلْمِ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الْعَالِمِ عليه السلام ، وَقَبُولِ مَا وَسَّعَ مِنَ الْأَمْرِ فِيهِ بِقَوْلِهِ عليه السلام : «بِأَيِّمَا أَخَذْتُمْ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكُمْ» .

.

ص: 168

الهديّة الحادية عشرة:(وأنّك تعلم) بفتح الهمزة، أي وذكرت فيما سألت أنّك تعلم أنّ اختلاف الرواية عن أئمّتنا عليهم السلام في تلك الاُمور ليس من اختلافهم عليهم السلام في العلم، ومعدنه واحدٌ، وكلّهم عليهم السلام عاقل عن اللّه ، ولا يمكن الاختلاف في علم اللّه سبحانه، بل من اختلاف عللها وأسبابها من التَقايا وغير ذلك؛ لحِكَمٍ ومصالح شتّي، واختلاف السائلين مذهبا وفهما واستطاعةً للعمل، وغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، وهم عليهم السلام أعلمُ بها. و«المفاوضة»: الاشتراك في كلّ شيء كالتفاوض، ومنه: مفاوضة القوم في الأمر، بمعنى تكلّمهم فيه بالمجاراة، والمتابعة، والمشاركة، و«الشِركة المفاوضة»: مشاركة الشريكين في المال أجمع. والظاهر أنّ المراد ب «المتعلّم»: المبتدي من المقلّدين، وهو يكتفي بظاهر حكم الحديث بسماعه من منتهبهم. وب «المسترشد»: المنتهي منهم. وبالأخير (1) : المفتي بعلمه، أو ظنّه المرخّص فيه في علمه وعمل غيره بحكمه على ما سيفصّل إن شاء اللّه تعالى. و«الباء» في (ويقبل بهم إلى مراشدهم) للتعدية. والمراد (بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام ): الأخبار المضبوطة المتواترة بالثقات من أصحابنا الإماميّة، وكتبهم المحفوظة المتواترة بضبطهم رضوان اللّه عليهم. وب (السُّنن القائمة): مضامين تلك الأخبار. وأحكام تلك الآثار متواترة بتواترها، مضبوطة مثلها بحيث عليها العمل دائما. وبها يؤدّى ما فرض اللّه وما سنّه الرسول صلى الله عليه و آله ، وتواترا بتواترها كتواترها بتواتر تلك الأخبار. ولاختلاف الأشخاص في الأعصار حفظا وضبطا يحتاج تواتر مضامين الأخبار في الصدور إلى تواتر كتبها في الدّهور، كتواتر الكتب بتواتر الثقات في السنين والشهور. فلا يقال: إذا تواترت المضامين فما الحاجة إلى تأليف الكتاب المبين للمتعلّم، والمسترشد، ومن يريد علم الدِّين؟ ولمّا لم يكن جميع الأحكام مضبوطة متواترة بحيث لا يشذّ عنها حكم؛ وكان في المضبوط المتواتر محكم متواتر ومتشابه متواتر، وكذا ناسخ ومنسوخ، وعامّ وخاصّ، كما في القرآن الخاصّ علمه بقيّمه المعصوم المنصوص، العاقل عن اللّه ، وهو متواتر بأجمعه، ومحكماته متواترةٌ بتواتر محكمات السنّة المتواترة بأجمعها. والحكم في متشابهاته المتواترة موقوف على معالجات الحكم في متشابهات السنّة ؛ إذ المعنى لقوله عليه السلام : «اعرضوها على كتاب اللّه » وازنوهما أحكام محكماته المضبوطة المتواترة بتواتر محكمات السنّة المضبوطة بأجمعها بالكتب المضبوطة بالثقات من أصحابنا. صارت (2) الأحكام المضبوطة المتواترة بتواتر الكتب المضبوطة بالثقات منّا على قسمين: أحدهما: ما خصّ باسم المتواتر والمحكم؛ لعدم ما يخالفه في حكمه ويعارضه في تواتره، وانتفاء التشابه الموجب للاختلاف في متنه، وثبوت كثرة رواته بحيث يمتنع عادةً تواطؤهم على الكذب. والثاني: ما خصّ باسم الخبر الواحد؛ لثبوت ما يخالفه ويعارضه كذلك، أو التشابه الموصوف في متنه، فلا يفيد للقطع لذلك، ولذلك لا يسمّى بالمتواتر. ويفيد الظنّ؛ لتواتره كمعارضه، فيسمّى كمعارضه بالخبر الواحد، فلابدّ ولا حرج في الدِّين من العلاج المشافهي من الحجّة المعصوم، أو المضبوط المتواتر (3) بالمحكمات من الأخبار المضبوطة المتواترة بكتبها المضبوطة كذلك بالثقات من أصحابنا الإماميّة قدس سرهم ، كما صرّح به وأفاد طاب ثراه هنا وغيره من أصحابنا في كتبهم الأخباريّة والاُصوليّة، وسيذكر أحاديث العلاج في أواخر (4) أبواب كتاب العقل إن شاء اللّه تعالى. وأمّا ما لم يكن من الأحكام مذكورا أصلاً، أويكون وهو غير مضبوط ومتواتر بثقات منّا، وغير مردود بمعارض مقبول عندنا، فمشكوكُه ساقط كَمَوْهُومِه إذا كان في غير العبادات، وأمّا في العبادات، فالعامل به مأجور للنصّ، وقد تواتر قولهم عليهم السلام : «من بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه، وإن لم يكن الحديث كما بلغه». (5) وسيذكر بنظائره في بابه من أبواب كتاب الإيمان والكفر. فظهر أنّ الحكم بعدم التنافي بين قطعيّة الحكم للعلاج المضبوط المتواتر، وظنّية، الطريق لمكان التواتر ووجود المعارض إنّما هو في غير العبادات، وأنّ في العبادات لا منافاة بين قطعيّة الحكم ووهميّة الطريق فضلاً عن شكّيّته، فضلاً عن ظنّيته، وأمّا مظنونه فحكمه في العلاج حكم المتشابه المضبوط المتواتر على ما وصف . وقد صرّح طاب ثراه في الجملة بالعلاجات المضبوطة المتواترة بقوله: «فاعلم يا أخي أرشدك اللّه » إلى آخره. (تمييز شيء) أي تحقيقه وتبيينه والعمل به، أو الحكم به برأيه، إلّا على إطلاق الحجّة المعصوم و رخصته بقوله عليه السلام : (اعرضوهما): أي الروايتين المختلفتين عنّا. (على كتاب اللّه ) يعني على محكمات كتاب اللّه المضبوطة بمحكمات السنّة المضبوطة المتواترة. (فما وافق) منهما (كتاب اللّه ) الموصوف (فخذوه). الظاهر يعني لعملكم به، ولعمل غيركم بإفتائكم بشرط استجماع شرائط الإفتاء من العدالة، والفضل الممتاز، وغيرهما المضبوط في كتب أصحابنا الاُصوليّين. (وقوله عليه السلام : دعوا ما وافق القوم) أي منهما، إذا لم يكن لأحدهما موافق من محكمات الكتاب المضبوطة بمحكمات السنّة القائمة ما وافق مذاهب العامّة أو مذاهب مطلق غير الخاصّة، (فإنّ الرُّشد) وإصابة الصواب (في خلافهم). و«الرشد»: خلاف الغيّ، ومنه: سر راشدا مهديّا. (وقوله عليه السلام : خذوا بالمجمع عليه): بيان لعلاج ما لم يكن من الأحكام له مأخذ من السنّة القائمة لا من محكماتها ولا من متشابهاتها، سواء كان له معارض كذلك أو لا، فالأخذ بالمجمع عليه على الأوّل، وبه على الثاني إذا كان مجمعا عليه؛ (فإنّ المجمع عليه) في الفرقة الناجية (لاريب) في استقامته؛ لدخول الحجّة المعصوم بتقديرٍ من اللّه سبحانه في إجماعهم ألبتّة؛ لمثل قوله صلى الله عليه و آله : «لا تجتمع اُمّتي على الخطأ» (6) ، واجتماع الهالكة من الاُمّة ليس على الصواب بالاتّفاق. وللمجمع عليه الذي لا مأخذ له من السنّة القائمة _ لا من محكماتها ولا من متشابهاتها _ أمثلة كثيرة، منها: إجماع الفرقة (7) على كراهة الصلاة في قباء مشدود إلّا في الحرب. (ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه). بيان لعلاج توهّم من توهّم أنّ العلاجات المذكورة لا تنفع _ كما ينبغي _ الرعيةُ؛ لأنّ فضلاءهم وإن كانوا ممتازين في الفضل لا معرفة لهم بجميع الروايات عنهم عليهم السلام ، ولا بجميع المذاهب في الأديان المختلفة، ولا بجميع المُجْمَع عليه عند أصحابنا الإماميّة؛ بأنّ الأحوط والأوسع ردّ علم ذلك كلّه إلى الإمام عليه السلام إن أمكن، أو التوقّف إذا لم يلزم حرج في الدِّين، وإلّا فقبول ما وسّع عليه السلام من الأمر والعلاج فيه بالعَرضْ على محكمات الكتاب المضبوطة بمحكمات السنّة القائمة، فإن لم ينفع للعلّة المعلومة فبالمخالفة للمذاهب الباطلة، فإن لم ينفع لما علم فبالأخذ بالمجمع عليه، فإن لم ينفع لمكان الحكمين المختلفين المضبوطين المتواترين المخالفين للمذاهب الباطلة، وهما مجمعٌ عليهما في أصحابنا الإماميّة فبالأخذ بأيّهما شاء المفتي من باب التسليم، فوَسِعَه لعمله وعمل غيره بفتواه بشرط استجماعه شرائط الإفتاء، ومنها قطعُه لزومَ الحرج في سكوته أو ظنّه ذلك. واللّه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «وذكرت أنّ اُمورا قد أشكلت عليك» شروع بعد الجواب عن السؤال الأوّل في الجواب عن السؤال الثاني من تذاكره عبارة عن سفراء صاحب الزمان عليه السلام و«مَنْ» في «ممّن تثق ابتدائيّة، و«من تثق»: عبارة عن صاحب الزمان عليه السلام . «من جميع فنون علم الدِّين» أي من جميع أقسام المسائل التي ينفع علمها أو الاعتراف بها أكثر الناس في يوم الدِّين، وهي ثلاثة: القسم الأوّل: مسائل اُصول الدِّين، ومنكرها كافر بمحض الإنكار، ومخلّد في النار كمَن أنكر توحيده تعالى. القسم الثاني: مسائل فروع الفقه وهي التي يبيّن فيها بلا واسطة حلال الأفعال الشخصيّة وحرامها، وليست من اُصول الدِّين، فمنكر واحدة منها ليس بكافر بمحض الإنكار إلّا أن تكون من ضروريّات الدِّين، ويكون إنكارها مستلزما لإنكار واحد من اُصول الدِّين، كوجوب الحجّ على مَن استطاع إليه سبيلاً. والقسم الثالث: مسائل اُصول الفقه، وهي التي يبيّن فيها حلال الأفعال الكلّيّة وحرامها؛ ليبيّن بواسطة بيانها حلال الأفعال الشخصيّة وحرامها، كوجوب العمل في الغير المعلوم من مسائل فروع الفقه بظاهر القرآن بلا إفتاء وقضاءٍ، والعملُ بظاهر القرآن فعل كلّي. وبهذه المسألة يعلم كلّ فعل شخصيّ يبيّنه ظاهر القرآن. وبيان هذه الأقسام الثلاثة سيجيء بطريق آخر في الأوّل من باب صفة العلم في كتاب العقل إن شاء اللّه تعالى. ثمّ اعلم أنّ الإقرار باُصول الدِّين، والعلم باُصول الفقه إنّما يحصل لمن كان علمه بظاهر القرآن ونحوه موافقا للعهد والميثاق الذي أخذه اللّه على العباد من الدخول في الدِّين بعلمٍ وبصيرةٍ ويقينٍ _ كما بيّنه المصنّف طاب ثراه في الجواب عن السؤال الأوّل _ فيالمسائل (8) التي لا تكون من الأقسام الثلاثة، وتكون لها تعلّق بمسائل فروع الفقه، ككون (9) القبلة في مصر فلان إلى جبل فلان، وفلان عادل أم لا، ونحو ذلك من المسائل التي لا حاجة لأكثر الناس إلى علمها، وتسمّى بالمحالّ للحكم الشرعي، والاختلاف ظنّا يجوز في محلّ الحكم الشرعي ولايجوز في (10) نفس الحكم الشرعي. والمراد ب «الآثار الصحيحة» الأخبار التي تعمل بها الإماميّة من لدن ظهور الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام وإن لم يكن القطع بصحّتها حاصلاً لهم، فالخبر إن كانت رواته في الكثرة بحيث لا يجوّز العقل معها كذبه كوجود مكّة يسمّى بالمتواتر، وإن كانت رواته في الكثرة لا بهذه الحيثيّة يسمّى بالخبر الواحد، والخبر الصحيح يكون من كلا القسمين. وقال جمعٌ من الأصحاب: إنّ صحّة الخبر الواحد قد تعلم بالقرائن. وهذا محلّ إشكال عند شيخ الطائفة (11) وعلم الهدى (12) . والمراد ب «السنن القائمة» مسائل اُصول الفقه، أي المعلومة منها القائمة لغير المعلومة منها. وب «فرض اللّه »: بيان المسألة من مسائل فروع الفقه. ويظهر ممّا قلنا: أنّ القول بأنّ «بالآثار الصحيحة» دلالة على صحّة أحاديث الكافيجميعا، بمعنى أنّ لنا علما بأنّها عن الحجج المعصومين عليهم السلام لا يحسن، كما يظهر جدّا من شرح «فمهما كان فيه من تقصير» إلى آخر الخطبة. فإن قلت: فعلى هذا لا علم لأحدٍ بمسائل اُصول الفقه التي في كتاب الكافي؛ لأنّها أخبار آحاد، وذكرت أنّه لا يجوز العمل بها بدون العلم بها. قلنا: مسألة واحدة من مسائل اُصول الفقه حاكمة على سائرها؛ لأنّها معلومة بالتواتر لمن له تتبّع مّا للأحاديث، وتلك المسألة هي أنّ العمل بظاهر القرآن وبالحديث الصحيح جائز في مسائل اُصول الفقه، والعلم بهذه المسألة بمنزلة العلم بسائر مسائل اُصول الفقه التي لم تكن معلومة على حدةٍ، وهذا معنى حكومة هذه المسألة. و«التمييز»: الترجيح. والمراد هنا الإفتاء، والحكم بمضمون شيء وليس شاملاً للعمل المحض؛ بقرينة «فردّوه». و«ما» في «ممّا اختلف» موصولة، وعبارة عن حقوق اللّه تبارك وتعالى، كالوضوء والصلاة من العبادات المحضة الشاملة للتصديق بإمامة الإمام الحقّ أيضا مع عدم دخول ذلك في محلّ سؤال الأخ. والمراد ب «العلماء» رسول اللّه وأوصياؤه عليهم السلام . و«إلاّ» استثناء متّصل من «برأيه». و«ما» موصولة أيضا. و«الإطلاق»: التحليل. من «الطلق» بالكسر، بمعنى الحلال. والمراد ب «العالم» هنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان عالما بأنّ القوم بعده يفترون عليه الكذب بالرواية في الإمامة مثل : «اقتدوا باللّذَين من بعدي أبي بكر وعمر». (13) فلإرشاد المؤمنين إلى الإمام الحقّ قرّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاثة أوجه للتمييز بين الأحاديث المختلفة في الإمامة بلا بيان ترتيب بينها؛ إشارةً إلى أنّ كلّاً منها برهان برأسه. فهذه الوجوه الثلاثة ليست من قبيل الوجوه المذكورة في مقبولة عمر بن حنظلة، وستذكر في آخر باب اختلاف الحديث، الباب الثاني والعشرين من كتاب العقل، والترتيب فيها منظور ومخصوص بصورة التنازع في الدِّين والميراث ونحو ذلك. وهذه الوجوه الثلاثة مخصوصة بمسألة التصديق بإمامة الإمام الحقّ، وهو من العبادات المحضة: بيان (14) [الوجه] الأوّل: عرض الروايات المختلفة في الإمامة على محكمات الكتاب من آية الولاية (15) ، والتطهير (16) وغيرهما (17) . وبيان [الوجه] الثاني: ملاحظة موافقة القوم ؛ يعني أكثر قريش أو أكثر الأصحاب، ومخالفتهم لمحكمات الكتاب في الولاية، فإنّ من المحكمات ما يدلّ على أنّ أكثر قومه صلى الله عليه و آله يرتدّون بعده، ويختارون الباطل والعمل بظنّهم في الإمامة وسائر الأحكام، قال اللّه تعالى في سورة الأنعام: «إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَا يَخْرُصُونَ» (18) ، وفي سورة الزخرف: «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» (19) . ومن روايات العامّة الموافقة لمثل الآيتين رواية البخاري في صحيحه في باب «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (20) عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «ألا وأنّه يُجاء برجال من اُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: ياربّ اُصيحابي، فيُقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» ، فيُقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا (21) مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». (22) بيان [الوجه] الثالث: موافقة المجمع عليه. والروايات في الثلاثة خاصّة بالعامّة، والتي في إمامة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه مجمعٌ عليها في الفريقين، كحديث الثقلين (23) ، وحديث غدير خمّ (24) ، «وأقضاكم عليّ». ومناقبه عليه السلام في رواياتهم أكثر من أن يُحصى، كروايات مطاعن الثلاثة عند الخاصّة. «ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه». «نحن»: عبارة عن أخباري الإماميّة. و«من»: تعليليّة. و«الجميع»: عبارة عن الوجوه الثلاثة وأمثالها ممّا سيذكر في كتاب العقل في باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب. و«إلّا»: للاستثناء المفرّغ. وضمير «أقلّه» لما اختلف الرواية فيه عن العلماء، وهو مسألة الإمامة التي اختلاف الرواية فيه أوّلاً. يعني: ونحن لا نعرف ولا نميّز بوسيلة جميع ما ذكر من الوجوه الثلاثة إلّا أقلّ ما اختلف الرواية فيه، وهو مسألة الإمامة، «ولا نجد شيئا أحوط، ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه»؛ أي علم كلّ ما سألت عنه «إلى العالم»؛ يعني: الصاحب عليه السلام . «وقبول ما وسّع من الأمر فيه» أي بعض الأمر فيه. «بقوله بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم» أي بأيّ الروايتين المختلفتين في باب العبادات المحضة. واعلم أنّ هذا التخيير باختصاصه بالعبادات المحضة لا ينافي ما يجيء في كتاب العقل في التاسع والعاشر والحادي عشر من الباب الثاني والعشرين، باب اختلاف الحديث من العمل بترجيح قول الأخير في صورة اختلاف الرواية عن الإمامين، أو عن إمامٍ واحد في زمانين. وقد استند الصدوق في الفقيه في باب الرجلين يوصى إليهما، فينفرد كلّ واحدٍ منهما بنصف التركة إلى ذلك الترجيح (25) . ووجه عدم المنافاة: أنّ ذلك الترجيح إنّما هو في صورة العلم بقول الإمام الحيّ، أو ببقاء دولة ظالم كان قول الأخير في زمانه، وذلك الترجيح لا يجري في مثل عصرنا. واللّه أعلم. ولتمام بيان برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى هنا طُول ذكرنا طَرَفا ليظهر خلاصة مطلبه، ولم نذكر تمامه؛ لنبوّه (26) جدّا عن ظاهر ثقة الإسلام من أوّل بيان السؤال بجوابه إلى آخره؛ ولإجماع الأصحاب على أنّ المعالجات المذكورة هنا وفي مثل مقبولة عمر بن حنظلة إنّما هي لدفع عامّة علّة الاختلاف، وقلع تمام مادّة النزاع، ونفي الحرج المنفيّ في الدِّين في محكمات الكتاب المبين على ما بيّناه أوّلاً في بيان المتن المتين. الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّدٍ وآله الطاهرين. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه: قوله: «وذكرت» إلى آخره، قلت في قوله طاب ثراه : «وذكرت أنّ اُمورا قد أشكلت عليك لا تعرف حقائقها لاختلاف الرواية فيها»: تصريح بأنّه طلب منه ما يرتفع به إشكاله وحيرته، فلو فرضنا أنّ كتاب الكافي مشتمل على ما علم وروده عنهم عليهم السلام وعلى ما لم يعلم _ ولا يخفى أنّ المصنّف لم يذكر هنا قاعدة بها يميّز بين البابين _ لزاد هذا الكتاب إشكالاً وحيرة، وكلام المصنّف _ طاب ثراه _ صريح في أنّه صنّف له ما يرتفع به إشكاله وحيرته. فعلم من ذلك أنّ قصده _ طاب ثراه _ من قوله : «بالآثار الصحيحة»: أنّ كلّ ما في كتابه كذلك. وأيضا في قوله رحمه الله: «ما يكتفي به المتكلّم، ويرجع إليه المسترشد» دلالة صريحة على ما ذكرناه؛ فإنّ المتعلّم كيف يكتفى بما يتحيّر فيه فحول العلماء المتبحّرين، وفيما نقلناه في حواشي تمهيد القواعد من السيّد المرتضى قدس سره في حال أحاديث المرويّة في كتبنا تأييد لما ذكرناه، فافهم. وقوله: «فاعلم يا أخي أرشدك اللّه » إلى آخره؛ الدلالة على أنّه لا يجوز في باب التراجيح رعاية الوجوه العقلية المذكورة في كتب الخاصّة والعامّة، بل يجب فيه أيضا التمسّك بما وضعوه عليهم السلام لخلاصنا من الحيرة، وهي أربعة أبواب. «أعرضوهما على كتاب اللّه ». قلت: المستفاد من الروايات المتواترة عنهم عليهم السلام _ كما سيجيء في أبواب متفرّقة من هذا الكتاب، وهي مذكورة أيضا في غير هذا الكتاب، ككتاب الاحتجاج وكتاب كمال الدِّين وتمام النِّعمة وكتاب المحاسن وغيرها _ أنّ وجه الخلاص من الحيرة في باب الروايات المتخالفة أحد الوجوه الخمسة، والمذكور في كلام المصنّف _ طاب ثراه _ هنا أربعة منها وترك الخامس؛ اعتمادا على مجيئه بعد ذلك في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها، وهو التوقّف والتثبّت، أو لأنّه بصدد بيان الوجوه المجوّزة للعمل، والوجه الخامس ليس كذلك. وأمّا قولهم عليهم السلام : «بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك» فالمراد به ما بيّناه في حواشي تمهيد القواعد، وهو أن يكون العمل من باب التسليم لأمر أهل البيت عليهم السلام ؛ أي أنّهم مفترضوا (27) الطاعة، فيُقال: هذا ورد منهم عليهم السلام وكلّ ما ورد عنهم (28) يجوز العمل به، لا من باب أنّ هذا حكم اللّه في الواقع؛ لجواز أن يكون وروده من باب التقيّة. وقد نقلنا في الحواشي المذكورة روايات فيها دلالة على أنّ المراد ما ذكرناه، إن شئت فارجع إليها. (29) انتهى كلام الفاضل الاسترآبادي رحمة اللّه عليه. ولقد أنصف وأظهر ما هو الحقّ في بيان علاج الحيرة الناشئة من الاختلاف في الرواية عموما من غير التخصيص بمحالّ الأحكام الشرعيّة والعبادات المحضة، وإن كان هو الأحوط لولا لزوم الحرج المنفيّ بالسكوت والتوقّف والتثبّت مع تأليفه الفوائد المدنيّة في ردّ الاجتهاد، واجتهاده في بيان إبطال الاجتهاد بروايات متواترة من المتواترة والآحاد. جزاه اللّه خيرا في خير مواقف المعاد على رؤوس الأشهاد. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله طاب ثراه: «ممّا اختلفت الرواية فيه». المراد بالروايات المختلفة: التي لا يحتمل الحمل على معنى يرتفع به الاختلاف بملاحظتها جميعها، وكون بعضها قرينة على المراد من البعض، لا التي يترآءى فيه الاختلاف في بادئ الرأي. وطريق [العمل] 30 في المختلفات الحقيقيّة كما ذكره _ بعد شهرتها واعتبارها _ العرض على كتاب اللّه ، والأخذ بموافقه دون مخالفه، ثمّ الأخذ بمخالف القوم وحمل الموافق على التقيّة، ثمّ الأخذ من باب التسليم بأيّهما تيسّر (30) . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «من باب التسليم» أي من باب الانقياد؛ لروايتهم عليهم السلام لا من جهة أنّه مطابق لحكم اللّه كما ذهب إليه المصوّبة وقالوا: إنّ حكم اللّه تابع لرأي المجتهد؛ إذ لو طابقت إحدى الروايتين لحكم اللّه تخالفه الاُخرى لا محالة. فهذه أربعة من الوجوه مجوّزة للعمل بالروايات المختلفة، ووجه خامس سيجيء ذكره، وهو التوقّف والتثبّت. والحقّ أنّ اختلاف الرواية إن كان في حقّ اللّه المحض فالوجه العمل بأحد الوجوه الأربعة؛ وإن كان في حقّ الناس كالحدود والمعاملات فالوجه التوقّف. قال ثقة الإسلام طاب ثراه: وَقَدْ يَسَّرَ اللّه ُ _ وَلَه الْحَمْدُ _ تَأْلِيفَ مَا سَأَلْتَ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَوَخَّيْتَ ، فَمَهْمَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَقْصِيرٍ فَلَمْ تُقَصِّرْ نِيَّتُنَا فِي إِهْدَاءِ النَّصِيحَةِ ؛ إِذْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِاءِخْوَانِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا ، مَعَ مَا رَجَوْنَا أَنْ نَكُونَ مُشَارِكِينَ لِكُلِّ مَنِ اقْتَبَسَ مِنْهُ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ فِي دَهْرِنَا هذَا ، وَفِي غَابِرِهِ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا ؛ إِذِ الرَّبُّ _ عَزَّوَجَلَّ _ وَاحِدٌ ، وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ _ صَلَوَاتُ اللّه ِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ _ وَاحِدٌ ، وَالشَّرِيعَةُ وَاحِدةٌ ، وَحَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَوَسَّعْنَا قَلِيلاً كِتَابَ الْحُجَّةِ وَإِنْ لَمْ نُكَمِّلْهُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ؛ لِأَنَّا كَرِهْنَا أَنْ نَبْخَسَ حُظُوظَهُ كُلَّهَا . وَأَرْجُو أَنْ يُسَهِّلَ اللّه ُ _ عَزَّوَجَلَّ _ إِمْضَاءَ مَا قَدَّمْنَا مِنَ النِّيَّةِ ، إِنْ تَأَخَّرَ الْأَجَلُ صَنَّفْنَا كِتَابا أَوْسَعَ وَأَكْمَلَ مِنْهُ ، نُوَفِّيهِ حُقُوقَهُ كُلَّهَا إِنْ شَاءَ اللّه ُ تَعَالى ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ ، وَإِلَيْهِ الرَّغْبَةُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ . وَالصَّلَاةُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ (31) الْأَخْيَارِ . وَأَوَّلُ مَا أَبْتَدِئُ بِهِ وَأَفْتَتِحُ بِهِ كِتَابِي هذَا كِتَابُ الْعَقْلِ وَفَضَائِلِ الْعِلْمِ ، وَارْتِفَاعِ دَرَجَةِ أَهْلِهِ ، وَعُلُوِّ قَدْرِهِمْ ، وَنَقْصِ الْجَهْلِ ، وَخَسَاسَةِ أَهْلِهِ ، وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِمْ ؛ إِذْ كَانَ الْعَقْلُ هُوَ الْقُطْبَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَدَارُ ، وَبِهِ يُحْتَجُّ ، وَلَهُ الثَّوَابُ ، وَعَليْهِ الْعِقَابُ ، وَاللّه ُ المُوَفِّقُ .

.


1- . يعني : «من يريد علم الدين و...».
2- . جواب لقوله: «لمّا لم يكن».
3- . في «الف»: «التواتر».
4- . في الأصل: + «من»، والمناسب ما اُثبت.
5- . الكافي، ج 2، ص 87 ، باب من بلغه ثواب من اللّه علي عمل، ح 2. وراجع أيضا ح 1؛ والمحاسن، ج 1، ص 25، باب ثواب من بلغه ثواب شيء...، ح 1 و 2.
6- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 34؛ المحصول للرازي، ج 4، ص 207؛ المستصفى، ج 1، ص 138.
7- . في هامش المخطوطة: «قوله: منها إجماع الفرقة على كراهة الصلاة في قباء مشدود، قال المفيد في المقنعة: ولا يجوز لأحد أن يصلّي وعليه قباء مشدود إلّا أن يكون في الحرب، فلا يتمكّن أن يحلّه، فيجوز ذلك لاضطرار. وقال الشيخ بعد نقله عبارة المفيد: ذكر ذلك عليّ بن الحسين بن بابويه، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة، ولم أعرف به خبرا مستندا. وقال صاحب المدارك بعد نقله العبارتين: وحاول الشهيد في الذكرى الاستدلال عليه بما رواه العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال: «لا يصلّي أحدُكم وهو متحزّم»، و هو فاسد؛ لأنّ شدّ القباء غير التحزّم». وانظر: المقنعة، ص 152؛ تهذيب الأحكام، ج 2، ص 94؛ مدارك الأحكام، ج 3، ص 208.
8- . متعلّق بقوله : «إنّما يحصل».
9- . في «ب» و «ج»: + «سمت».
10- . في «ب» و «ج»: - «محلّ الحكم الشرعي ولايجوز في».
11- . عدّة الاُصول، ج 1، ص 126.
12- . الذريعة، ج 2، ص 518.
13- . الدرّ المنثور، ج 2، ص 23؛ ذيل الآية 257 من البقرة (2)؛ الصواعق المحرقة، ج 1، ص 219؛ مجمع الزوائد، ج 9، ص 484، ح 15606.
14- . في «ب ، ج»: - «بيان».
15- . المائدة (5): 55.
16- . الأحزاب (33): 33.
17- . كآية اُولي الأمر، النساء (4): 59.
18- . الأنعام (6): 116.
19- . الزخرف (43): 57 و 58.
20- . المائدة (5): 117.
21- . في «ب» و «ج»: - «لم يزالوا».
22- . صحيح البخاري، ج 4، ص 1691، ح 4349. وفي صحيح مسلم، ج 4، ص 2194، ح 2860؛ و سنن الترمذي، ج 5 ، ص 321، ح 3167.
23- . صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ سنن الترمذي، ج 5 ، ص 663 ، ح 3788؛ مسند أحمد، ج 5 ، ص 181، ح 21618، و ص 189، ح 21697؛ و ج 3، ص 17، ح 11147. وراجع: شرح إحقاق الحقّ، ج 9، ص 309 _ 375.
24- . راجع: الغدير، ج 1، ص 5 _ 157.
25- . الفقيه، ج 4، ص 204، ذيل الحديث 5472.
26- . نبابصره عن الشيء نُبُوّا ونُبِيّا... يقال: نبا عنه بَصَره ينبو، أي تجافى و لم ينظر إليه. لسان العرب، ج 15، ص 301 (نبا).
27- . ما أثبتناه هو الصحيح وفي النسخ : «مفترضون».
28- . في «ب» و «ج»: - «وكلّ ما ورد عنهم».
29- . الحاشية علي اُصول الكافي، المطبوع ضمن ميراث حديث شيعه، الدفتر الثامن، ص 278 _ 279.
30- . الحاشية علي اُصول الكافي، ص 39.
31- . في «ب ، ج»: + «الطيّبين».

ص: 169

. .

ص: 170

. .

ص: 171

. .

ص: 172

. .

ص: 173

. .

ص: 174

. .

ص: 175

. .

ص: 176

. .

ص: 177

. .

ص: 178

. .

ص: 179

. .

ص: 180

الهديّة الثانية عشر:(قد يسّر اللّه _ وله الحمد _ تأليف ما سألت) دلالة على أنّ نظم خطبة الكافي بعد تأليفه كسائر الفقرات بعدُ. و«التوخّي» تفعّل من باب وعَدَ، وخيتُ وَخْيكَ: قصدتُ قصدكَ. وتوخّيت مرضاتك: تحرّيتُ وقصدتُ. و«الإهداء»: إرسال الهدية، أهديت له وإليه. (أن نكون مشاركين) أي في الثواب. أشار _ طاب ثراه _ إلى أنّ أجر الأخ الباعث كأجره. (وعمل بما فيه) دلالة على صحّة الجميع وجواز العمل به. وأمّا بمحكماته فبحكم المستجمع لشرائط الإفتاء، وأمّا بمتشابهاته فكذلك بعد علاجه الاختلاف بالوجوه المقرّرة عنهم عليهم السلام . و(في دهرنا هذا): في مبادئ زمن الغيبة. و«الغابر»: من لغات الأضداد، أي وفي مستقبله. (إذ الربّ جلّ وعزّ واحدٌ): تعليلٌ لاختياره. (إلى انقضاء الدنيا): مكان إلى وقت ظهور صاحب الزمان عليه السلام ؛ للإشارة إلى وحدة الحكم المجزي لرفع الحرج المنفيّ في الزمانين. (وحلال محمّد صلّى اللّه عليه وآله حلالٌ وحرامه حرامٌ إلى يوم القيامة) كما ورد في النصّ (1) . وسيذكر مثله في التاسع عشر في باب البدع من كتاب العقل، إنّما التفاوت بالحاجة إلى العلاج وعدمها يجوز فتح التاء في «الخاتم» الذي يُخْتَم (2) به، وكسرها. وقرئبهما «خاتم النبيّين» (3) . (وإن لم نُكمِله)، من باب الإفعال أولى؛ ( لأنّا كرهنا): وجه التجاوز عن الاختصار بالتوسيع القليل. و«البخس» بسكون المعجمة الناقص. بخسه حقّه _ كمنع _ بخسا: نقصهُ. (وأرجو): معذرة لترك إكمال التوسيع كما هو حقّه. (كتابي هذا): يعني الكافي. (كتاب العقل): خَبَرُ (وأوّل ما أبدأ به). (وفضائل العلم) ونظائره: عطف على «العقل»، يعني كتاب بيان العقل، وبيان فضائل العلم وهكذا. (وبه يحتجّ) على ما لم يُسمّ فاعله ليس في بعض النسخ المضبوطة، واللّه الموفّق. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «التقصير»: ترك الفعل الضروري، وإعطاء ما لا وقع له في الأنظار. والمعنى الثاني أنسب هنا؛ فإنّ أغلب استعماله في المعنى الأوّل. وأيضا الأنسب على الأوّل «إذ كان واجبا» مكان «واجبة». يعني: فكلّ ما كان في كتاب الكافي فليس من تقصيرنا؛ إذ لم تقصّر نيّتنا في إهداء الخاصّ. وغرضه أنّ التقصير إن كان منّا، فالخطأ منّا وإن كان من سلف الرواة أو من النسّاخ من بعدنا فالخطأ منهم بلا تقصير منّا. «والرسول»: مبتدأ و«محمّد»: عطف بيان، أو بدل. «صلّى اللّه عليه وآله»: معترضة دعائيّة «خاتم النبيّين»: نعت ل «محمّد». «واحد»: خبرُ «كتاب العقل وفضائل العلم». يعني كتاب العقل الذي هو بيان فضائل العلم وكذا وكذا. وكتاب الكافي _ على الظاهر، وعلى ما نقل عن الشهيد الثاني الشيخ زين الدين العاملي عامله اللّه بلطفه: من أنّ كتاب الروضة ليس داخلاً في أجزاء الكافي، بل كتاب برأسه صنّف قبل الكافي أو بعده _ مشتمل (4) على ثلاثة وثلاثين كتابا: كتاب العقل، كتاب التوحيد، كتاب الحجّة، كتاب الإيمان والكفر، كتاب الدعاء، كتاب فضل القرآن، كتاب العشرة، كتاب الطهارة، كتاب الحيض، كتاب الجنائز، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، كتاب الحجّ، كتاب الجهاد، كتاب المعيشة، كتاب النكاح، كتاب العقيقة، كتاب الطلاق، كتاب العتق والتدبير والكتابة، كتاب الصيد، كتاب الذبائح، كتاب الأطعمة، كتاب الأشربة، كتاب الزيّ والتجمّل والمروّة، كتاب الدواجن، كتاب الوصايا، كتاب المواريث، كتاب الحدود، كتاب الديات، كتاب الشهادات، كتاب القضايا والأحكام، كتاب الأيمان والنذور والكفّارات. وشيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدّس سرّه عدّ في فهرسته كتاب الروضة من أجزاء الكافي، فَكتُبُ كتاب الكافي على هذا أربعة وثلاثون. وصرّح فيه ب :أنّ الكافي أجزائه _ يعني كتبه _ ثلاثون؛ لأنّه لم يذكر كتاب العشرة، وكتاب العقيقة، وعدّ كتاب الطهارة والحيض كتابا واحدا، وكذا كتاب الأطعمة وكتاب الأشربة، وذكر الكتاب الأوّل فيه باسم كتاب العقل وفضل العلم، وغيّر فيه بعض ترتيب ما بعد كتاب الطهارة والحيض (5) . وإنّما ذكر ثقة الإسلام _ طاب ثراه _ : «فضائل العلم» على الجمع، ونقص الجهل على الإفراد؛ للإشارة بتغيير الاُسلوب إلى أنّ المراد بالجهل هنا ليس ضدّ العلم بل المراد ضدّ العقل، أي الإخلال بتلك الآداب الحسنة. انتهى كلام برهان الفضلاء. وفي قوله: «يعني فكلّ ما كان في كتاب الكافي»؛ وفاءً بما وعد سابقا من بيانٍ، فمهما كان تأمّل ونُبُوّه (6) عن ظاهر ثقة الإسلام ظاهر، وكذا في تفسيره «وفضائل العلم» بقوله : «يعني كتاب العقل الذي هو بيان فضائل العلم»، إلّا أنّ أمر التقدير فيه سهل، على أنّ اشتهار الكتاب ببعض اسمه ك «الإكمال» ل «إكمال الدِّين وإتمام النِّعمة» أشهر من أن يُقال، فلا حاجة إلى تجشّم تقدير. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه رحمه اللّه : قوله: «وقد يسّر اللّه » إلى آخره. قلت: في قوله طاب ثراه: «وقد يسّر اللّه وله الحمد تأليف ما رجوت» مع ما مضى في كلامه من قوله : «ويأخذ منه من يريد علم الدِّين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام » _ إلى آخره _ : تصريح بنظير ما ذكره شيخنا الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه _ رحمهم اللّه _ في أوائل كتاب من لا يحضره فقيه: من أنّ ما ذكره فيه حجّة بينه وبين اللّه (7) . والسرّ في ذلك أنّ الصحيح عند قدماء أصحابنا الاخباريّين ما علم بقرينة وروده عن المعصوم، وتلك القرائن كانت عندهم وافرة؛ لقرب عهدهم بهم عليهم السلام ، لا المعنى المصطلح عليه بين أصحابنا المتأخّرين الاُصوليّين الموافق لاصطلاح العامّة المذكور في فنّ الدراية. وقد صرّح المحقّق في اُصوله ب :أنّ رئيس الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي _ رحمه اللّه _ يعمل بخبر الواحد المعلوم وروده عن المعصوم بقرينةٍ ولو لم يكن عدلاً إماميّا، ولا يعمل بخبر الواحد العدل الإمامي غير المحفوف بقرينةٍ (8) . ويعلم من ذلك أنّ طريقة رئيس الطائفة في هذا الباب طريقة قدماء أصحابنا الاخباريّين رضوان اللّه عليهم. (9) وهذا آخر ما حرّرناه بعون اللّه وحسن توفيقه في بيان خطبة الكافي حامدا مصلّيا، ويتلوه إن شاء اللّه تعالى الجزء الأوّل، كتاب العقل وفضل العلم من كتاب الهدايا، الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الأئمّة الطاهرين. فهرس أبواب كتاب العقل وفضل العلم من أجزاء كتاب الهدايا على نسق أبواب الكافي وهى ثلاثة و عشرون: الأوّل : باب العقل والجهل . الثاني : باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه . الثالث : باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء . الرابع : باب أصناف الناس . الخامس : باب ثواب العالم والمتعلِّم . السادس : باب صفة العلماء . السابع : باب حقّ العالم . الثامن : باب فقد العلماء . التاسع : باب مجالسة العلماء ومصاحبتهم . العاشر : باب سؤال العالم وتذاكره . الحادي عشر : باب بذل العلم . الثاني عشر : باب النهي عن القول بغير علم . الثالث عشر : باب من عمل بغير علم . الرابع عشر : باب استعمال العلم . الخامس عشر : باب المستأكل بعلمه والمباهي به . السادس عشر : باب لزوم الحجّة على العالم وتشديد الأمر عليه . السابع عشر : باب النوادر . الثامن عشر : باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب . التاسع عشر : باب التقليد . العشرون : باب البدع والرأي والمقاييس . الحادي والعشرون : باب الردّ إلى الكتاب والسنّة وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلّا وقد جاء فيه كتاب أو سنّة . الثاني والعشرون : باب اختلاف الحديث . الثالث والعشرون : باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب .

.


1- . الكافي، ج 1، ص 58 ، باب البدع والرأي والمقاييس، ح 19؛ بصائر الدرجات، ص 168، الباب 13، ح 7.
2- . في «ب» و «ج»: «يتختّم».
3- . الأحزاب (33): 40.
4- . «مشتمل» خَبَرُ «وكتاب الكافي».
5- . الفهرست، ص 135، الرقم 591.
6- . كذا في النسخ.
7- . الفقيه، ج 1، ص 3.
8- . معارج الاُصول، ص 147.
9- . الحاشية علي اُصول الكافي، 83 _ 84 .

ص: 181

. .

ص: 182

. .

ص: 183

. .

ص: 184

. .

ص: 185

. .

ص: 186

. .

ص: 187

كتاب العقل وفضل العلم

اشاره

كتاب العقل وفضل العلم

.

ص: 188

. .

ص: 189

باب العقل والجهل

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الجزء الأوّل من كتاب الهداياكتاب العقل وفضل العلم وأبوابه كما في الكافي ثلاثة وعشرونالباب الأوّل : باب العقل والجهلوأحاديثه كما في الكافي أربعة وثلاثون

الحديث الأوّلروى في الكافي وقال: أخبرنا أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه قال: حدّثني عدّة من أصحابنا منهم محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال:««لَمَّا خَلَقَ اللّه ُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقَاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ، وَلَا أَكْمَلْتُكَ (1) إِلَا فِي مَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَإِيَّاكَ أَنْهى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ».

الهديّة الثالثة عشر:قد سبق في المقدّمة الاُولى بيان «عدّة من أصحابنا». و(العقل) لغةً له معان، منها: الفهم؛ أي الإدراك البشري مطلقا. وشرعا: ما هو مناط التكاليف الشرعيّة، والثواب والعقاب. وفي عرف المعصومين عليهم السلام يُطلق على أشياء: فتارةً على المخلوق الأوّل من مخلوقات اللّه تبارك وتعالى، وهو نور نبيّنا سيّد المرسلين وخاتم النبيّين صلى الله عليه و آله . واُخرى على حالة ذلك النور ومعرفته. وكذا تارةً على نور آله المنشعب من نوره، وعلى نور شيعتهم المنشعب من نورهم، كنور سائر (2) الأنبياء والمرسلين وشيعتهم. واُخرى على حالة تلك الأنوار ومعرفتها. و(الجهل) ضدّه بمعانيه. وقد جرت عادة السلف بذكر قولهم: (أخبرنا)، ويذكرون أسامي أنفسهم، كأنّهم يريدون تعليم رواة أحاديثهم. و(أحمد بن محمّد) إمّا ابن عيسى، كما هو في الطريق إلى الحسن بن محبوب، أو ابن خالد، كما في طائفة من الأسانيد في الكافي. وهذا الحديث روته العامّة أيضا بطرق متعدّدة وألفاظ مختلفة. والمراد ب (العقل) فيه: نور النبيّ صلى الله عليه و آله المخلوق منه سائر العقول المتفاوتة، سواء قلنا بوحدة الخطاب أو تعدّده، وقد قال صلى الله عليه و آله : «أوّل ما خلق اللّه نوري». (3) وفي حديث آخر: «روحي» (4) . وفي حديث المفضّل عن الصادق عليه السلام : «إنّا خلقنا أنوارا، وخلقت شيعتنا من شعاع ذلك النور، فلذلك سمّيت شيعة، فإذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا. (5) (استنطقه) و«أنطقه» بمعنى. ولعلّ معنى (أقبل، فأقبل) _ بتأييد ظاهر قوله عليه السلام : في الحديث الرابع عشر من هذا الباب (6) : «ثمّ خلق الجهل من البحر الاُجاج ظلمانيّا فقال له: أدبر، فأدبر، ثمّ قال له: أقبل فلم يقبل، فقال له: استكبرت، فلعنه» _ : انظر إلى عظمة الخالق تعالى شأنه، فنظر، فأقرّ بأنّه جلّت عظمته مستحقّ لعبوديّة جميع ما سواه له. (ثمّ قال له: أدبر فأدبر) أي انظر إلى نفسك وعجزك وحاجتك في وجودك في جميع حالاته إلى خالقك (7) ، فنظر فاعترف بعجزه وحاجته (8) وعبوديّته. وحديث تعليم أمير المؤمنين جبرئيل عليه السلام مشهور ومؤيّد لشرحه. (9) و«الإكمال» و«التكميل» بمعنى أمر. والمخاطب في (إيّاك) الاُولى والثانية: عقل المعصوم بالذات، والعقل الذي هو مناط التكليف بالتّبع. وفي الثالثة والرابعة: على التعريض على من افترض اللّه عليه طاعة المعصوم. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد ب «العقل» في هذا الحديث: ما به يراعى الآداب الحسنة في تحصيل علم الدِّين والعمل بمقتضاه على قدر الوسع والطاقة، لا العقل الذي شرط التكليف وهو ضدّ الجنون. «استنطقه» أي عدّه ناطقا. وعبّر عليه السلام عن الأمر بإطاعة المعصوم في أحكام الدِّين ممّا يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة ب «الإقبال». وعن الرخصة في العمل بما لا خلاف فيه عقلاً ولا منع منه شرعا ب «الإدبار»؛ إذ الإقبال إلى غير المعصوم خلاف الإقبال إلى غيره. والحكم المرخّص فيه قد يكون بالظنّ، كالحكم في قِيَم المتلفات، ومقادير الجراحات الموجبة للديات، وعدالة الرواة وأمثالها؛ وقد يكون بالعلم، كالحكم على المقرّ بشيء، كمن يقول: أنا مستطيع للحجّ. و«إكمال العقل» عبارة عن كونه مستجمعا لجنوده التي سيذكر إن شاء اللّه تعالى. و«إيّاك» في المواضع الأربعة: ضمير منفصل منصوب محلّاً، ومفعول به للفعل المؤخّر، ومن قبيل وضع السبب موضع المفعول به على نوع من التجوّز؛ أي لأجلك. والعقل لا يخاطب حقيقة، بل الكلام على التشبيه فاستعارة تمثيليّة. والمراد: أنّ الذين يدّعون كشف الحقائق بالرياضة كالصوفيّة، أو بالتفكّر والدليل وذكاء الفهم كالفلاسفة إنّما هم أهل الجهل والضلالة. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه رحمه الله: المراد بالعقل في بعض مواضع هذا الباب: الغريزة، وفي بعضها: ما يترتّب على الغريزة، كفهم المقصود، وكالتمييز بين الصواب والخطأ، وكالاجتناب عن المضارّ وجلب المنافع. وتلك الغريزة نور يفيضه اللّه على القلوب، ولها أفراد مختلفة بالقوّة والضعف. والهداية التي هي صنع اللّه تبارك وتعالى هي خلق هذا النور. صرّحت الأحاديث بذلك. والتي صنع الأنبياء ومن يحذو حَذْوهم عليهم السلام هي بيان المدّعى، وبيان الدليل عليها. وقع التصريح بهما في الأحاديث. (10) وسمعت اُستاذي الفاضل المحقّق ميرزا محمّد الاسترآبادي رحمه اللهيقول: كان الطلبة المتردّدين على المصنّف كتبوا في أوّل الخبر: «أخبرنا محمّد بن يعقوب»، وبقّى تلك الكتابة، واستمرّ الأمر على هذا. و«العقل» جاء بمعانٍ كثيرة. و«الجهل» جاء بمعاني تضادّ معاني العقل. والمراد هنا الغريزة الباعثة صاحبها على تمييز الصواب عن الخطأ، وعلى دفع المضارّ وجلب المنافع، وهو مقول بالتشكيك، وأضعف أفراده مناط التكليف، وأقوى أفراده مناط السعادة. «أما إنّي إيّاك آمر»، يعني جعلتك مناط التكاليف، ومناط الثواب والعقاب. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: العقل يطلق على حالة في النفس داعيةٍ على اختيار الخير والنّافع، بها يدرك الخير والشرّ، ويميّز بينهما، ويتمكّن من معرفة أسباب المسبّبات وما ينفع فيها وما يضرّ، وبها يقوى على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة ودفع الوساوس الشيطانيّة. ويقابله الجهل، ويكون بفقد أحد الاُمور، وبفقد أكثرها، وبفقد جميعها. وقد يُطلق العقل ويُراد به قوّة إدراك الخير والشرّ والتميّز بينهما، والتمكّن من معرفة أسباب الاُمور ذوات الأسباب، وما يؤدّي إليها، وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب. والعقل بالمعنى الأوّل «ما عُبد به الرحمان واكتسب به الجنان». ولعلّ الأوّل هو الكامل من الثاني، فتبادر عند الإطلاق، وشاع استعماله فيه. وفي الحديث الأوّل من هذا الباب استعمل في الثاني واُشير إلى أنّ كماله لا يكون إلّا فيمن أحبّ. وفي الحديث الثاني والثالث استعمل في الكامل، يعني المعنى الأوّل. وفي بعض الأحاديث التالية لها استُعمل في الأوّل، وفي بعضها في الثاني، يعرف بالتدبّر. وقد يُطلق العقل على أوّل مخلوق من الرّوحانيّين كما ينطق به الأحاديث الواردة عن المعصومين ووافقها كلمة الكَلَمَة من الحكماء المحقّقين. فإن صحَّ القول بثبوته للنفس _ على ما قاله المحقّقون من أنّ نسبته إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن، وقالوا للنفس: إنّها صورة البدن، وأنّ «الناطق» الذي هو فصل الإنسان، وصورته التي هي «النفس» مختلفان باعتبار اللابشرطيّة وشرط اللائيّة، كما أنّ الحيوان الذي هو الجنس، والبدن الذي هو المادّة مختلفان بالاعتبارين المذكورين، وإذ لم يبالوا بإطلاق التوصيف مع الاختلاف بالمفارقة والمقارنة بين النفس والبدن لمجرّد التعلّق الخاصّ بينهما، فكيف مع الاتّفاق في التجرّد الذاتي كما في النفس والعقل _ فلا يستبعد (11) حمل العقل في الأحاديث الدالّة على اتّصاف النفس به، وكونِه حالة لها على ذلك الروحاني المخلوق أوّلاً. وكثير من أحاديث هذا الباب يؤيّد ذلك ويقوّيه... . و«إقبال العقل» عبارة عن توجّهه إلى المبدأ، و«إدباره» عبارة عن توجّهه إلى المقارنات، ويصحّ إطلاقهما في أوّل خلق من الرّوحانيّين، وفي الغريزة (12) النفسانيّة الداعية إلى اختيار الخير والنافع، وفي قوّة إدراك الخير والشرّ والتميّز بينهما. «ولا أكملتك (13) إلّا فيمن اُحبّ»، يلائم الأخيرين، وإن كان يصحّ في الأوّل باعتبار الارتباط والإشراق على النفس بعناية، فيكون المراد بإكمال ذلك العقل فيمن اُحبّ إكمال ارتباطه وإشراقه. «وإيّاك آمر، وإيّاك أنهى، وإيّاك اُعاقب وإيّاك اُثيب» (14) يناسب الأخير؛ فإنّه مناط التكليف. ولمّا كان سببا لصحّة تعلّق التكليف بالنفس وكان النفس مكلّفا لكونها عاقلاً، فكأنّه مكلّف، قال : «إيّاك آمر». وإن كان يصحّ في الثاني بعناية، وفي الأوّل بزيادتها. (15) وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي: المراد ب «إقبال العقل» إقباله إلى الدنيا، وب «إدباره» إدباره عنها، فإقباله في جميع المراتب إيجابيّ تكوينيّ لا يحتمل العصيان، وأمريّ دفعي لا يدخل تحت الزمان، ولا يتطرّق إلى السابق عند وجود اللّاحق بطلان ولانقصان، وإدباره في الأواخر تكليفي تشريعي، وكلّه خُلقي تدريجي مقيّد بزمان يبطل السابق عند حدوث اللاحق شخصا وجسما لا حقيقةً وروحا، وكلّ مرتبة منهما عين نظيرته من الآخر حقيقة، وغيره شخصا. (16) وقال بعض المعاصرين: «أقبل» أي إلى الدنيا... «فأقبل» فنزل على هذا العالم، فأفاض النفوس الفلكيّة [بإذن ربّه] (17) ثمّ الطبائع، ثمّ الصور، ثمّ الموادّ، فظهر في حقيقة كلّ منها وفعل فعلها، فصار كثرةً وأعدادا، وتكثّر أشخاصا وأفرادا. ثمّ قال له: «أدبر»؛ أي ارجع إلى ربّك «فأدبر» فأجاب داعي ربّه وتوجّه إلى جناب قدسه. بأن صار جسما مصوّرا من ماء عذب وأرض طيّبة، ثمّ نبت نباتا حسنا، ثمّ صار حيوانا ذا عقل هيولاني، ثمّ صار عقلاً بالملَكَة، ثمّ عقلاً مستفادا، ثمّ عقلاً بالفعل، ثمّ فارق الدنيا ولحق بالرفيق الأعلى، وكذلك فعل كلّ مَن شيّعه وتبعه من الأرواح المنشعبة منه المقتبسة من نوره أو المنبجسة من شعاعه، ويلحق به الجميع، ويحشر معه في عروجه إلى العالم الأعلى ورجوعه إلى اللّه تعالى. فإقباله، عبارة عن توجّهه إلى هذا العالم الجسماني وإلقائه عليه من شعاع نوره، وإظهاره الأعيان فيه، وإفاضته الشعور والإدراك والعلم والنطق على كلّ منها بقدر استعداده له وقبوله منه، من غير أن يفارق معدنه ويخلّي مرتبته ومقامه في القرب، بل يرشّح بفضل وجوده الفائض من اللّه على وجود ما دونه. وإدباره، عبارة عن رجوعه إلى جناب الحقّ وعروجه إلى عالم القدس باستكماله لذاته بالعبوديّة الذاتيّة شيئا فشيئا من أرض المادّة إلى سماء العقل حتّى يصل إلى اللّه تعالى، ويستقرّ إلى مقام الأمن والراحة، ويُبعث إلى المقام المحمود الذي يغبطه به الأوّلون والآخرون... وفي هذا المقام أسرار لا يحتملها أفهام الجمهور، فلنذرها في سنابلها. (18)

.


1- . في «الف»: «اُكملنّك».
2- . في «ب» و «ج»: - «سائر».
3- . عوالي اللآلي، ج 4، ص 99، ح 140؛ الغدير، ج 7، ص 38؛ المواقف، ج 2، ص 686 .
4- . بحار الأنوار، ج 54 ، ص 309.
5- . بحار الأنوار، ج 26، ص 350، ح 24.
6- . في «ب» و «ج»: - «في الحديث الرابع عشر من هذا الباب».
7- . «ب» و «ج»: - «وحاجتك في وجودك في جميع حالاته إلى خالقك».
8- . في «ب» و «ج»: - «وحاجته».
9- . في «ب» و «ج»: - «مؤيّد لشرحه».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 85 .
11- . جواب لقوله : «فإن صحّ القول...».
12- . في المصدر : «القوّة» مكان «الغريزة».
13- . في «الف»: «اُكملنّك».
14- . في «ب» و «ج»: - «وإيّاك اُثيب».
15- . الحاشية علي اُصول الكافي، ص 41 _ 44.
16- . توجد العبارة بعينها في الوافي، ج 1، ص 54 من دون أن تنسب إلى صدر الدين محمّد الشيرازي.
17- . أضفناه من المصدر.
18- . الوافي، ج 1، ص 53 _ 56.

ص: 190

. .

ص: 191

. .

ص: 192

. .

ص: 193

. .

ص: 194

. .

ص: 195

الحديث الثانيروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (1) بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام ، قَالَ :«هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام عَلى آدَمَ عليه السلام ، فَقَالَ : يَا آدَمُ ، إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ ، فَاخْتَرْهَا وَ دَعِ اثْنَتَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ عليه السلام : يَا جَبْرَئِيلُ ، وَمَا الثَّلَاثُ؟ فَقَالَ : الْعَقْلُ ، وَالْحَيَاءُ ، وَالدِّينُ ، فَقَالَ آدَمُ عليه السلام : إِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ الْعَقْلَ ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ : انْصَرِفَا وَدَعَاهُ ، فَقَالَا : يَا جَبْرَئِيلُ ، إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُ كَانَ ، قَالَ : فَشَأْنَكُمَا ، وَعَرَجَ» .

الهديّة الرابعة عشرة:هذا الخبر رواه الصدوق أيضا في الفقيه في أواخر باب نوادر الكتاب عن أبي جميلة مفضّل بن صالح، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ، عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) . وعليّ بن محمّد هذا هو أبو الحسن بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني المعروف ب «علّان»؛ ثقةٌ عينٌ. (واحدةٌ) أي في خصلةٍ واحدةٍ من خصالٍ ثلاث. و«الشأن»: الأمر والحال. (فشأنكما) نصب على المفعوليّة. وفي الصحاح: الشأن شأنك، أي اعمل ما تحسنه (3) . (عرج) فيه وبه، _ كنصر _ : ارتقى. ولا شكّ أنّ المعرفة الدينيّة شأن العقل، وأنّها لا تحصل إلّا بإخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . والقطع بحقّيّة شيء مختلف فيه (4) ، منحصر فيما أخبر هو به؛ لانحصار الأعلميّة فيمن هو عاقل عنه 5 . ولا أعلم بالاتّفاق بنظام الأنفس والآفاق (5) من مدبّره الحكيم تعالى شأنه، فلا معرفة إلّا للمعصوم العاقل عنه (6) المحصور عدده بالحكمة البالغة ومن تبعه، وقد قال اللّه تبارك وتعالى لنبيّنا صلى الله عليه و آله : «وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّه ِ عَلَيْكَ عَظِيما» (7) . فالحديث ردّ على غير الناجية من البِضْع والسبعين، لا سيّما على الصوفيّة القدريّة؛ لقولهم بأنّ المعرفة الحقيقيّة (8) إنّما تحصل لكلّ أحد بالمكاشفات الحاصلة من الرياضات (9) ، لا بما أخبر به المعصوم العاقل عن العالم بالسرّ والخفيّات. وقال برهان الفضلاء: المراد بالحياء هنا عدم التجاوز عن الحدّ بالحكم رأيا وظنّا وقياسا فيما يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة، أو بادّعاء المكاشفة كالصوفيّة، قال اللّه تعالى في سورة الزمر: «قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» . (10) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: الظاهر أنّ آدم عليه السلام حين هبوط جبرئيل عليه السلام كان ذا عقل وحياء ودين، والأمر باختيار واحدة من ثلاث لا ينافي حصولها. وقول جبرئيل عليه السلام للحياء والدِّين بعد اختيار العقل : «انصرفا» لإظهار ملازمتهما للعقل بقولهما (11) : «إنّا اُمرنا أن نكون مع العقل». ولعلّ الغرض من ذلك أن يتنبّه آدم عليه السلام لعظمة (12) نعمة العقل، ويشكر اللّه على إنعامه. (13)

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».
2- . الفقيه، ج 4، ص 416، ح 5906.
3- . الصحاح، ج 5 ، ص 2142 (شأن).
4- . في «ج»: - «مختلف فيه».
5- . في «ج»: «بهذا» بدل «بالاتّفاق بنظام الأنفس و الآفاق».
6- . في «ج»: - «العاقل عنه».
7- . النساء (4): 113.
8- . في «ج»: - «الحقيقيّة».
9- . في «ب»: من غير الرياضات.
10- . الزمر (39): 46.
11- . ما أثبتناه من المصدر و هامش «الف». وفي «الف» و «ب»: لقولهما.
12- . في المصدر : «بعظم».
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 45.

ص: 196

. .

ص: 197

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده عن: أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا الْعَقْلُ؟ قَالَ :«مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمنُ ، وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَانُ». قَالَ : قُلْتُ : فَالَّذِي كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ : «تِلْكَ النَّكْرَاءُ ، تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ ، وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ» .

هديّة :لا يُعبد الرحمن إلّا بالمعرفة الدينيّة، وقد عرفت أنّها لا تحصل إلّا بطاعة مفترض الطاعة العاقل عن اللّه سبحانه. فردّ كسابقه على المذكور (1) في بيانه. والمشار إليه ل (تلك): الخصلة، أو الطبيعة، أو ما تنا كلهما (2) . و(النكراء) بالفتح والمدّ في الكافر (3) : بمنزلة الكياسة في المؤمن. و«الفطنة» بمعنى حدّة الإدراك (4) إذا كانت نورانيّة: تسمّى بالكياسة والفراسة، وإذا كانت ظلمانيّة: تسمّى بالنكراء، والجربزة. و«النّكراء» و«النكر» كعُسْر وعُسُر بمعني. قال الجوهري: والنّكر: المنكر. قال اللّه تعالى: «لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا نُكْرا» والنكراء مثله (5) . و هي شبيهة، أي لعلاقة حدّة الإدراك (6) . وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «النكراء»: الفطنة المتجاوزة عن حدّ الاعتدال إلى الإفراط الباعث صاحبه على المكر والخديعة، والاستبداد بالرأي والمقاييس، وطلب فضول الدنيا من أيّ وجه كان. يقال: ما أشدّ نكراؤه، وكذا نكُره بالضمّ والفتح. وهي شبيهة، أي في الدقّة. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «النكراء»: ما يجب الفرار منه من آراء أهل البدع. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «ما عُبد به الرحمن»: الظاهر أنّه تفسير للعقل، بمعنى القوّة الداعية إلى اختيار الخير والنافع، أو الارتباط بالعقل المجرّد المُشرِق عليه. ويحتمل أن يكون المراد بالعقل المسؤول عنه هنا: ما يعدّ به المرء عاقلاً عرفا، وهو قوّة التمييز بين الباطل والحقّ، والضارّ والنافع التي لا تكون منغمرة في جنود الجهل، فعند غلبة جنوده لا يسمّى الفطن المميّز عاقلاً؛ حيث لا يعمل بمقتضى التمييز والفطانة. ويستعمل في مشتهيات جنود الجهل. و«النكراء»: الدّهاء والفطنة، وهي جودة الرأي وحسن الفهم. وإذا استعمل في مشتهيات جنود الجهل يقال له: الشيطنة. ونبّه عليه السلام عليه بقوله: «تلك الشيطنة» بعد قوله: «تلك النكراء». (7)

.


1- . في «ب» و «ج»: على ما ذكر.
2- . في «ب» و «ج»: - «أو الطبيعة أو ماتناكلهما».
3- . في «الف» بدل «الكافر»: «أصحاب الشمال». وبدل «المؤمن»: «أصحاب اليمين».
4- . في «ب» و «ج»: - «بمعنى حدّة الإدراك».
5- . الصحاح، ج 2، ص 837 (نكر). والآية في الكهف (18): 74.
6- . في «ب» و «ج»: - «وهى شبيهه، أي لعلاقة حدّة الإدراك».
7- . الحاشية علي اُصول الكافي، ص 45 _ 46.

ص: 198

. .

ص: 199

الحديث الرابعوروى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ ابن عِيسى ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ :«صَدِيقُ كُلِّ امْرِىً?عَقْلُهُ ، وَعَدُوُّهُ جَهْلُهُ» .

هديّة :(عقله) أي ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان، وهو (2) نور تابع لنور عقل المعصوم العاقل عن اللّه ، كما أنّ جهله ظلمة تابعة لظلمة جهل إبليس رئيس أهل البدع والمقاييس. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد أنّ العاقل الآخذ عن العاقل عن اللّه لا يضرّه عداوة عدوٍّ، والجاهل وجوب طاعة مفترض الطاعة لا ينفعه صداقة أهل الجهل إيّاه. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: «صديق كلّ امرى ءٍ عقله»؛ لأنّ الصديق يحبّ للصديق الخير والنافع ويوصله إليهما، والعدوّ يريد للعدوّ الشرّ والضارّ (3) ويوصله إليهما، والموصِل إلى الخير والنافع هو العقل، والموصل إلى الشرّ والضارّ هو الجهل، وهما يستقلّان بالإيصالين، ولا يستقلّ بهما غيرهما، إنّما من الغير المعاونة لا غير (4) .

الحديث الخامسروى في الكافي عنه، عن أحمد، (5) عن ابن فضّال، عن الحسن بن الجهم، قال: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : إِنَّ عِنْدَنَا قَوْما لَهُمْ مَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْعَزِيمَةُ ، يَقُولُونَ بِهذَا الْقَوْلِ ، فَقَالَ :«لَيْسَ أُولئِكَ مِمَّنْ عَاتَبَ اللّه ُ تَعَالى ، إِنَّمَا قَالَ اللّه ُ : « فَاعْتَبِرُواْ يَ_أُوْلِى الْأَبْصَ_رِ » » (6) .

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن احمد بن محمد بن عيسى».
2- . في هامش «الف»: «وله».
3- . في «الف»: «المضارّ».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 46.
5- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».
6- . الحشر (59): 2.

ص: 200

هديّة :يعني أبا الحسن الثاني عليه السلام . (لَهُمْ مَحَبَّةٌ) أي لكم الأئمّة من أهل البيت. (تِلْكَ الْعَزِيمَةُ) أي تلك المعرفة الثابتة التي لن تزول بتشكيك مشكّك، أو المراد بالعزيمة: العقل المتّصف بقدر من أقدار الكمال بدليل السابع، وهو التالي للتالي. والمحجور عليه شرعا لسفهه داخل في الذين (ليست لهم تلك العزيمة)، وللّه فيهم المشيئة. و(يقولون) حاليّة، أو مستأنفةٌ في جواب مقدّرٍ. كأنّه قيل: هل محبّتهم لمجرّد فضائلهم، أو فضائل إمامتهم. (ممّن عاتب اللّه ) أي عاتبهم اللّه ، أو إيّاهم. (1) و«العتاب»: الملامة وشدّة الأخذ؛ أي ليس اُولئك ممّن لامهم اللّه بترك ما يستطيعون، أو ممّن أخذ اللّه عليهم بالشدّة لشدّة استطاعتهم. (إنّما قال اللّه )، يعني إنّما خاطب اللّه اُولي الألباب، وقال في سورة الحشر: «فَاعْتَبِرُوا يَا اُولِي الْأَبْصَارِ» . قال برهان الفضلاء: «تلك العزيمة» أي الجدّ في المحبّة لموافقتهم المخالفين في العمل بالاجتهاد من دون الحكم في أحكام الدِّين بالعلم والبصيرة واليقين، يقرّون على الرسم بما أقررنا به، فإيمانهم رسميّ لا حقيقيّ. «ممّن عاتب اللّه »، أي ممّن علّمهم اللّه الأدب، وأدّبهم كما خاطب اُولي الألباب. والمراد: أنّ هؤلاء ليس بالمؤمنين حقيقة، بل هم من أهل الشكّ، وللّه فيهم المشيئة، كما مرّ في بيان : «والأمر في الشاكّ» إلى آخره في شرح الخطبة. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه: «العزيمة»: إرادة الفعل والقطع عليه، أوالجدّ في الأمر. وكان المراد نفي ذلك عنهم؛ لعدم قوّة تمييزهم (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لهم محبّة» أي يحبّون الأئمّة وأهل البيت، وليست لهم قوّة عقلية توجب الاعتقاد الجازم بالإمامة اعتقادا ناشئا من الحجّة والبرهان حتّى يقولوا بهذا القول [أي القول] (3) بالإمامة، كما يقول الإماميّة عن تنبّهٍ (4) ودليل. «ليس اُولئك»، أي القاصرين العاجزين عن تحقيق الحقّ غير مكلّفين بما عجزوا عنه، إنّما قال اللّه تعالى «فَاعْتَبِرُوا يَا اُولِي الْأَبْصَارِ» . (5) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: «تلك العزيمة»؛ أي ذلك الرسوخ الناشئ من العلم، بل مَثَلهم مَثَل العابد الذي سيجيء ذكره في الحديث الثامن. «ممّن عاتب اللّه » يعني بل المخاطب والمعاتب اُولوا الأبصار. ويسامح اللّه تلك الطائفة في القيامة.

.


1- . في «ب» و «ج»: - «أو مستأنفة في جواب ... عاتبهم اللّه أو إيّاهم».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
3- . أضفناه من المصدر.
4- . في المصدر : «عن بيّنةٍ».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 47.

ص: 201

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ القُمّي، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَنْ كَانَ عَاقِلاً ، كَانَ لَهُ دِينٌ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» .

هديّة :يعني: (من كان عاقلاً) عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه تبارك وتعالى. والمراد أنّه لا دين لغير الإماميّة من البضع والسبعين، ولا يدخل الجنّة من هذه الاُمّة سوى الإماميّة. وقال برهان الفضلاء: المراد بالدِّين هنا: الذلّ والاستكانة بالعبوديّة، والطاعة عند الأمر بالإقبال والإدبار، كما مرّ في بيان الحديث الأوّل، وهو الإيمان الحقيقي. و«أبو محمّد الرازي» في سند هذا الحديث قيل: هو الحسن بن الجهم. وقيل: هو مجهول.

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن إدريس» بدل «القمّي».

ص: 202

الحديث السابعروى في الكافي عن العدّة، عن البرقي، (1) عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ :«إِنَّمَا يُدَاقُّ اللّه ُ الْعِبَادَ فِي الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي الدُّنْيَا» .

هديّة :(يداقّ) : على المضارع الغائب المعلوم من المفاعلة، أو على المصدر من التفاعل. قال الجوهري: المداقّة في الأمر التداقّ. (2) والحديث بظاهره دلالة على أنّ المداقّة في الحساب إنّما هو مع أهل معرفة الولاية، لكن على التفاوت بتفاوت أنوار عقولهم؛ إذ لا عقل لغيرهم أصلاً. ووجه إطلاق العباد عليهم ظاهر، كوجه إطلاقه على أكثرهم؛ فإنّ الذين ليسوا منهم ممّن عاتبهم اللّه منهم، وإلاّ فيهم المشيّة، كما مرّ في بيان الخامس. وخلق فيهم ما هو في حكم العقل، لمحبتّهم وقولهم بالولاية. (3) وقال برهان الفضلاء: يحتمل أن يكون المراد ب «العقول» هنا: عقول رؤساء الدِّين، فالمعنى: أنّ كلّ طائفة كان العقلاء فيهم أكثر يكون المداقّة في حسابهم أشدّ، كما أنّ عذاب الماردين في زمن النبيّ ضعف عذابهم في غيره. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «التداقّ»: تفاعل من الدقّة، و«المداقّة»: أن تداقّ صاحبك الحساب. (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . الصحاح، ج 4، ص 1475 (دقق).
3- . في «ب» و «ج»: - «إذ لاعقل لغيرهم... وقولهم بالولاية».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 47.

ص: 203

الحديث الثامنروى في الكافي عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن الديلمي (1) ، عن أبيه، قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : فُلَانٌ مِنْ عِبَادَتِهِ وَدِينِهِ وَفَضْلِهِ كَذَا ، فَقَالَ :«كَيْفَ عَقْلُهُ؟» قُلْتُ : لَا أَدْرِي ، فَقَالَ عليه السلام : «إِنَّ الثَّوَابَ عَلى قَدْرِ الْعَقْلِ ؛ إِنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يَعْبُدُ اللّه َ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ ، خَضْرَاءَ ، نَضِرَةٍ ، كَثِيرَةِ الشَّجَرِ ، ظَاهِرَةِ الْمَاءِ ، وَإِنَّ مَلَكَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَرَّ بِهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أَرِنِي ثَوَابَ عَبْدِكَ هذَا ، فَأَرَاهُ اللّه ُ تَعَالى ذلِكَ ، فَاسْتَقَلَّهُ الْمَلَكُ ، فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالى إِلَيْهِ أَنِ اصْحَبْهُ ، فَأَتَاهُ الْمَلَكُ فِي صُورَةِ إِنْسِيٍّ ، فَقَالَ الرجل (2) لَهُ : مَنْ أَنْتَ؟ فقَالَ (3) : أَنَا رَجُلٌ عَابِدٌ بَلَغَنِي مَكَانُكَ وعِبَادَتُكَ فِي هذَا الْمَكَانِ ، فَأَتَيْتُكَ لِأَعْبُدَ اللّه َ مَعَكَ ، فَكَانَ مَعَهُ يَوْمَهُ ذلِكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ، قَالَ لَهُ الْمَلَكُ : إِنَّ مَكَانَكَ لَنَزِهٌ وَمَا يَصْلُحُ إِلَا لِلْعِبَادَةِ ، فَقَالَ لَهُ الْعَابِدُ : إِنَّ لِمَكَانِنَا هذَا عَيْبا ، فَقَالَ لَهُ : وَمَا هُوَ؟ قَالَ : لَيْسَ لِرَبِّنَا بَهِيمَةٌ ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حِمَارٌ رَعَيْنَاهُ فِي هذَا المَوْضِعِ ؛ فَإِنَّ هذَا الْحَشِيشَ يَضِيعُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : وَمَا لِرَبِّكَ حِمَارٌ؟ فَقَالَ : لَوْ كَانَ لَهُ حِمَارٌ مَا كَانَ يَضِيعُ مِثْلُ هذَا الْحَشِيشِ ، فَأَوْحَى اللّه ُ تَعَالى إِلَى الْمَلَكِ : إِنَّمَا أُثِيبُهُ عَلى قَدْرِ عَقْلِهِ» .

هديّة :(عليّ بن محمّد بن عبداللّه ): هو عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة من مشايخ الكليني. قاله السيّد الأجلّ النائيني (4) . أو عليّ بن محمّد بن عبداللّه بن عمران البرقي كما قيل. (5) (فلان): مبتدأ محذوف الخبر مثل : «ممدوحٌ له»، «بمكانٍ»، «لَكامِلٌ». (كيف عقله): سؤال عن قدر عقله الذي مناط التكليف. (على قدر العقل) أي العقل الذي يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان. (6) (نضرة) : ك «كَلِمَة». (ظاهرة الماء) أي ماؤها على وجه الأرض. ويحتمل الطاء المهملة. (استقلّه): عدّه قليلاً. (أنا رجل) صِدْقٌ وهو بصورة رجلٍ. (بلغني مكانك) أي منزلتك ومكانتك. ولا يلزم من تمنّي ذلك العابد بقوله: «فلو كان» ما ينافي [إسلامه] (7) ، إسلامه بقدر عقله الضعيف، (8) وهو من سفهاء المسلمين، وهم مسلمون ما يسمعون من العقلاء من المعارف الحقّة والتبرّي عن المجسّمة وسائر الكفّار. فطوبى لأهل الولاية الذين أدناهم بمجرّد طاعة مفترض الطاعة على قدر عقله _ كهذا العابد المطيع لنبيّ من الأنبياء _ مخلّد في أدنى درجة من درجات الجنّة بمشيئة اللّه تعالى وفضل جوده، وويل للصوفيّة والقدريّة الذين خواصّهم بمخالفة المعصوم (9) مخلّد في أسفل دَرْكٍ من دركات النار (10) . رعى البعير، رعيتُه أنا، يتعدّى ولا يتعدّى. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «فلان» خبر مبتدأ، و«من» ظرفه. والمراد: أنّ عبادته ودينه وفضله في مرتبة الكمال، كأنّه خلق منها، نظير: «خُلِقَ الْاءِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ» 11 . و«الدين»: الذلّ والاستكانة بالعبوديّة والطاعة عند الأمر بالإقبال والإدبار كما مرّ. والمراد بالفضل هنا: ملكة السخاء ونحوه. «طاهرة الماء» بالمهملة، أي نظيفة الماء. «أن أصحبه» بفتح الهمزة وسكون النون الساكنة المكسورة لالتقاء الساكنين: مفسّرة؛ لأنّ «أوحي» متضمّن لمعنى «قال». «يضيع» الاُولى على المعلوم من باب ضرب، والثانية على المعلوم من التفعيل أو المجرّد. ولا يخفى أنّ هذا العابد من المستضعفين الذين للّه فيهم المشيئة، أو من الّذين قد يفرضون محالاً بترك الأدب الناشئ من ضعف العقل من دون اعتقاد الجسميّة. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه: سمعت اُستاذي الفاضل المحقّق ميرزا محمّد الاسترآبادي يقول: الظاهر أنّ عليّ بن محمّد بن عبداللّه هو ابن اُذينة؛ لأنّه من جملة العِدَّة، وهو مجهول. «من عبادته ودينه وفضله»؛ أي في المرتبة العليا. (11) في بعض النسخ «إنّما أثبته» على الماضي.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن سليمان الديلمي».
2- . في الكافي المطبوع: - «الرجل».
3- . في الكافي المطبوع : «قال».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 47.
5- . في الوافي، ج 1، ص 83 : «ويحتمل ابن عمران البرقي».
6- . توجد هنا في «الف» عبارة لم تقرأ.
7- . أضفناه لتكميل العبارة.
8- . في «ب» و «ج»: - «الضعيف».
9- . في «ب»: + «في العقائد والأعمال».
10- . في «ب» و «ج»: + «ونجاة غير المتمادي من عوامّهم على الأحتمال». وفي «ب» و «ج»: + «في العقائد والأعمال».
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .

ص: 204

. .

ص: 205

الحديث التاسعروى في الكافي عن الأربعة (1) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله :«إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ ، فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ ؛ فَإِنَّمَا يُجَازى بِعَقْلِهِ» .

هديّة :(في حُسن عقله) أي ما عبد به الرّحمن، واكتسب به الجنان على ما بيّن في الثالث. (يجازى) على ما لم يسمّ فاعله، أي يعطى جزاء العمل والثواب. وقال برهان الفضلاء: «حُسن حال» من كثرة الصوم والصلاة، وقيام الليل ونحوها فلا تغترّوا، فانظروا في حسن عقله ودينه المأخوذ من المعصوم.

.


1- . وهم: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.

ص: 206

الحديث العاشرروى في الكافي عن محمّد، عن أحمد عن السرّاد، (1) عن عبداللّه بن سنان، قال: ذَكَرْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام رَجُلاً مُبْتَلىً بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، وَقُلْتُ : هُوَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«وَأَيُّ عَقْلٍ لَهُ وَهُوَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟!» فَقُلْتُ لَهُ : وَكَيْفَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ؟ فَقَالَ عليه السلام : «سَلْهُ : هذَا الَّذِي يَأْتِيهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ لك (2) : مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» .

هديّة :(هو رجل عاقل) أي لا نقص له (3) بحسب العقل. (وأيّ عقلٍ له) أي كامل. ولمّا كان المشهور في جميع الاُمم أنّ الوسواس في العبادات ونيّاتها إنّما هو من الشيطان قال عليه السلام : (سَلْهُ). قال برهان الفضلاء: «مبتلى بالوضوء والصلاة» أي بالوسواس في نيّتهما. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله: «وهو يطيع الشيطان» ويفعل ما يأمره به، فسأله السائل عن إبانة أنّه يطيع بفعله الشيطان، فنبّه عليه السلام بأنّه لو سئل عن مستنده لم يكن له بدّ من أن يسنده إلى الشيطان؛ حيث لا شبهة في أنّه لا مستند له في الشرع ولا في العقل. (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب».
2- . في «الف» : - «لك».
3- . في «الف»: «لا نقص لعقله».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 48.

ص: 207

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عن العدّة، عن البرقي، (1) عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَفَعَهُ ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَا قَسَمَ اللّه ُ لِلْعِبَادِ شَيْئا أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ؛ فَنَوْمُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَهَرِ الْجَاهِلِ ، وَإِقَامَةُ الْعَاقِلِ في بلده (2) أَفْضَلُ مِنْ شُخُوصِ الْجَاهِلِ ، وَلَا بَعَثَ اللّه نَبِيّا وَلاَ رَسُولاً حَتّى يَسْتَكْمِلَ الْعَقْلَ ، وَيَكُونَ عَقْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ عُقُولِ جَمِيعِ أُمَّتِهِ ، وَمَا يُضْمِرُ النَّبِيُّ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَمَا أَدَّى الْعَبْدُ فَرَائِضَ اللّه ِ حَتّى عَقَلَ عَنْهُ ، وَلا بَلَغَ جَمِيعُ الْعَابِدِينَ فِي فَضْلِ عِبَادَتِهِمْ مَا بَلَغَ الْعَاقِلُ ، وَالْعُقَلاءُ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ قَالَ اللّه ُ تبارك و تَعَالى : «وَمَا يَتَذَكَّرُ إلاّ أُولُوا الْأَلْبَابِ» (3) .

هديّة :أعقل العقلاء هو الحجّة المعصوم، ثمّ يتفاوتون بحسب العلم بأحكام الدِّين ومعارف اليقين (4) على ما أخبر به العاقل عن ربّ العالمين. (شخوص الجاهل) أي خروجه من بلده إلى آخَرَ لتحصيل الثواب، كالحجّ، والجهاد، وطلب العلم. (من اجتهاد المجتهدين) يعني في العبادة. وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سبعين سنة» (5) ؛ فإنّ بتفكّر العقل يقطع العبد بوجوب وجود المعصوم العاقل عن اللّه من طرقٍ منها: برهان الانحصار، وقد سبق بيانه مرارا. (6) (ولا بلغ جميع العابدين) يعني أدنى درجة العاقل من درجات أفكاره المستقيمة أعلى من جميع درجات جميع العابدين. والآية نقل بالمعنى، أو قراءة أهل البيت عليهم السلام أو سهو مضبوط؛ فإنّ في البقرة، وآل عمران: «وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (7) بالإدغام، وفي الزمر: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (8) بدونه، وفي ص: «وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (9) بدونه باللام. قال برهان الفضلاء: «النبيّ»: إنسان يكلّمه اللّه بلا واسطة إنسان آخر. والمراد هنا من النبيّ: الرسول الذي يوصله اللّه إلى الرسالة بعد النبوّة. و«الرسول»: إنسان يكلّمه اللّه بلا واسطة إنسان آخر ويرسله إلى خلقه. والمراد هنا من الرسول: رسول لا يكون نبيّا قبل رسالته، كما سيجيء تحقيقه في بيان الأوّل من الباب الثالث من كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى. وضمير «عنه» للّه ، أو للنبيّ. والمآل واحد. وعلى التقديرين تعدية «العقل» ب «عن» على تضمين معنى الأخذ. والمراد: أخذ العلم بما يحتاج إليه من المسائل برعاية الآداب الحسنة في تحصيله عن اللّه سبحانه بتوسّط الحجّة المعصوم. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه: قوله: «وما يضمر النبيّ»، المراد: مطلق النبيّ عليهم السلام . (10) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل»؛ أي بعقله؛ فإنّ للعقل فضلاً؛ لأنّه به يحصل المعرفة واختيار الخير. ويتفرّع عليها (11) الخشية، والتذلّل، والإطاعة، والانقياد، والإتيان بالحسن الجميل. وإنّما كمال العبادة بحسن التذكّر والتذلّل والخشية، وقال اللّه تعالى: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (12) ، وقال عزَّ من قائل: «إِنَّمَا يَخْشَى اللّه َ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (13) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع كذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد».
2- . في الكافي المطبوع -: «في بلده».
3- . في الكافي المطبوع: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُو لُوا الْأَلْبَ_بِ».
4- . في «الف» هكذا : «بحسب العلم والعمل، والوقوف بمعارف اليقين».
5- . هذه الرواية مرويّة بعباراة مختلفة. راجع تفسير روح المعاني، ج 6 ، ص 212، ذيل الآية 7، سورة هود (11)؛ آيات الأحكام للجرجاني، ج 1، ص 234؛ الكافي، ج 2، ص 54 ، باب التفكر، ح 2؛ بحارالأنوار، ج 66 ، ص 293.
6- . في «ج»: «للقطع بأنّ الأعلم بما هو الحقّ في هذا النظام العظيم إنّما هو مدبّره العليم الحكيم حتّى عقل عنه بتوسّط أنحاء العقل عنه أو العاقل عنه» بدل «من طرق منها: برهان الانحصار، وقد سبق بيانه مرارا».
7- . البقرة (2): 269؛ آل عمران (3): 7.
8- . الزمر (39): 9.
9- . ص (38): 29.
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
11- . في المصدر : «عليهما».
12- . الزمر (39)؛ الرعد (13): 19.
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 49؛ والآية في فاطر (35): 28.

ص: 208

. .

ص: 209

الحديث الثاني عشرروى في الكافي: وقال أبو عبداللّه الأشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم، قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام:«يا هشام، إنّ اللّه تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: «فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللّه ُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» . يا هشام، إنّ اللّه تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة، فقال: «وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّه ُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (1) . يا هشام، قد جعل اللّه ذلك دليلاً على معرفته بأنّ لهم مدبّرا فقال: «وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (2) ، وقال: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (3) ، وقال: «إنّ في اختلاف الليل والنهار وما أنزل اللّه من السماء من رزق فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (4) ، وقال: «يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْايَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (5) ، وقال: «وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (6) ، وقال: «وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفا وَطَمَعا وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» 7 ، وقال: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه ُ إِلَا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (7) ، وقال: «هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (8) . يا هشام، ثمّ وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْاخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (9) . يا هشام، ثمّ خوّف الذين لا يعقلون عقابه فقال: «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْاخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (10) . وقال: «إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزا مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (11) . يا هشام، إنّ العقل مع العلم، فقال: «وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَا الْعَالِمُونَ» (12) . يا هشام، ثمّ ذمَّ الذين لا يعقلون فقال: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّه ُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئا وَلَا يَهْتَدُونَ» (13) . وقال: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» (14) ، وقال: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ» (15) ، وقال: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (16) ، وقال: «لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعا إِلَا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ» (17) ، وقال: «وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (18) . يا هشام، ثمّ ذمَّ اللّه الكثرة فقال: «وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ» (19) ، وقال: «ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولُنَّ اللّه قل الحمد للّه بل أكثرهم لايعلمون» (20) ، (21) وقال: «وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ اْلأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللّه ُ قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» (22) . يا هشام، ثمّ مدح القلّة فقال: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ» 24 ، وقال: «وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» (23) ، وقال: «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللّه ُ» (24) ، وقال: «وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَا قَلِيلٌ» (25) ، وقال: «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» (26) ، وقال: «وأَكْثَرُهُمْ لا يَشْعُرُون». (27) يا هشام، ثمّ ذكر اُولي الألباب بأحسن الذِّكر وحلّاهم بأحسن الحلية فقال: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرا كَثِيرا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (28) ، وقال: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (29) ، وقال: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَايَاتٍ لِاُولِي الْأَلْبَابِ» (30) ، وقال: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (31) ، وقال: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (32) ، وقال: «كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» (33) ، وقال: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ* هُدىً وَذِكْرَى لِاُولِي الْأَلْبَابِ» (34) ، وقال: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» (35) . يا هشام، إنّ اللّه يقول في كتابه: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» (36) ، يعني عقل، وقال: «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ» (37) . قال: الفهم والعقل. يَا هِشَامُ ، إِنَّ لُقْمَانَ قَالَ لِابْنِهِ : تَوَاضَعْ للنّاس (38) تَكُنْ أَعْقَلَ النَّاسِ ، وَإِنَّ الْكَيِّسَ لَدَى الْحَقِّ يَسِيرٌ ، يَا بُنَيَّ، إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ قَدْ غَرِقَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ ، فَلْتَكُنْ سَفِينَتُكَ فِيهَا تَقْوَى اللّه ِ ، وَحَشْوُهَا الْاءِيمَانَ ، وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ ، وَقَيِّمُهَا الْعَقْلَ ، وَدَلِيلُهَا الْعِلْمَ ، وَسُكَّانُهَا الصَّبْرَ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَلِيلاً ، وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ ، وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمْتُ ؛ وَلِكُلِّ شَيْءٍ مَطِيَّةً ، وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ ؛ وَكَفى بِكَ جَهْلاً أَنْ تَرْكَبَ مَا نُهِيتَ عَنْهُ . يَا هِشَامُ ، مَا بَعَثَ اللّه ُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلى عِبَادِهِ إِلَا لِيَعْقِلُوا عَنِ اللّه ِ ، فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّه ِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلاً ، وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلاً أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ : حُجَّةً ظَاهِرَةً ، وَحُجَّةً بَاطِنَةً ، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ . يَا هِشَامُ، إِنَّ الْعَاقِلَ ، الَّذِي لَا يَشْغَلُ الْحَلالُ شُكْرَهُ، وَلَا يَغْلِبُ الْحَرَامُ صَبْرَهُ. يَا هِشَامُ ، مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثا عَلَى ثَلَاثٍ ، فَكَأنَّمَا أَعَانَ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ : مَنْ أَظْلَمَ نُورَ تَفَكُّرِهِ بِطُولِ أَمَلِهِ ، وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ ، وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلى هَدْمِ عَقْلِهِ ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ ، أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ . يَا هِشَامُ ، كَيْفَ يَزْكُو عِنْدَ اللّه ِ عَمَلُكَ ، وَأَنْتَ قَدْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكَ ، وَأَطَعْتَ هَوَاكَ عَلى غَلَبَةِ عَقْلِكَ؟! يَا هِشَامُ ، الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلَامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ ، فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللّه ِ ، اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا ، وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ اللّه ِ ، وَكَانَ اللّه ُ أُنْسَهُ فِي الْوَحْشَةِ ، وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ ، وَغِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ ، وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ . يَا هِشَامُ ، نُصِبُ الْحَقُّ لِطَاعَةِ اللّه ِ ، وَلَا نَجَاةَ إِلَا بِالطَّاعَةِ ، وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ ، وَالْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالتَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ ، وَلَا عِلْمَ إِلَا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ ، وَمَعْرِفَةُ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ . يَا هِشَامُ ، قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَالِمِ مَقْبُولٌ مُضَاعَفٌ ، وَكَثِيرُ الْعَمَلِ مِنْ أَهْلِ الْهَوى وَالْجَهْلِ مَرْدُودٌ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا ؛ فَلِذلِكَ رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ تَرَكُوا فُضُولَ الدُّنْيَا ، فَكَيْفَ الذُّنُوبَ ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا مِنَ الْفَضْلِ ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ مِنَ الْفَرْضِ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ نَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا وَ إِلى أَهْلِهَا ، فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْمَشَقَّةِ ، وَنَظَرَ إِلَى الْاخِرَةِ ، فَعَلِمَ أَنَّهَا لَا تُنَالُ إِلَا بِالْمَشَقَّةِ ، فَطَلَبَ بِالْمَشَقَّةِ أَبْقَاهُمَا . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعُقَلَاءَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا وَرَغِبُوا فِي الْاخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ ، وَالْاخِرَةَ طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ ، فَمَنْ طَلَبَ الْاخِرَةَ ، طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا ، طَلَبَتْهُ الْاخِرَةُ ، فَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ . يَا هِشَامُ ، مَنْ أَرَادَ الْغِنى بِلَا مَالٍ ، وَرَاحَةَ الْقَلْبِ مِنَ الْحَسَدِ ، وَالسَّلامَةَ فِي الدِّينِ ، فَلْيَتَضَرَّعْ إِلَى اللّه ِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي مَسْأَلَتِهِ بِأَنْ يُكَمِّلَ عَقْلَهُ ؛ فَمَنْ عَقَلَ ، قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ ، وَمَنْ قَنِعَ بِمَا يَكْفِيهِ ، اسْتَغْنَى ، وَمَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِمَا يَكْفِيهِ ، لَمْ يُدْرِكِ الْغِنى أَبَدا . يَا هِشَامُ ، إِنَّ اللّه َ حَكى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ » (39) حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَتَعُودُ إِلى عَمَاهَا وَرَدَاهَا ؛ إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللّه َ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه ِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللّه ِ ، لَمْ يَعْقِدْ قَلْبَهُ عَلى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَيَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذلِكَ إِلَا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقا ، وَسِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقا ؛ لِأَنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ اسْمُهُ وتعالى _ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَنَاطِقٍ عَنْهُ . يَا هِشَامُ ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : مَا عُبِدَ اللّه ُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ، وَمَا تَمَّ عَقْلُ امْرِىً?حَتّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتّى : الْكُفْرُ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ ، وَالرُّشْدُ وَالْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولَانِ ، وَفَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ ، وَفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ ، وَنَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الْقُوتُ ، لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ ، الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللّه ِ مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ ، وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ ، يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ ، وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَيَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرا مِنْهُ ، وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ ، وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ . يَا هِشَامُ ، لَا دِينَ لِمَنْ لا مُرُوءَةَ لَهُ ، وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ ، وَإِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ قَدْرا الَّذِي لَا يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَرا ، أَمَا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ إِلَا الْجَنَّةُ ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا . يَا هِشَامُ ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَانَ يَقُولُ : إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ : يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ ، وَيَنْطِقُ إِذَا عَجَزَ الْقَوْمُ عَنِ الْكَلَامِ ، وَيُشِيرُ بِالرَّأْيِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ أَهْلِهِ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ أَحْمَقُ ؛ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ : لَا يَجْلِسُ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ إِلَا رَجُلٌ فِيهِ هذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ ، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ فَجَلَسَ ، فَهُوَ أَحْمَقُ . وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليهماالسلام : إِذَا طَلَبْتُمُ الْحَوَائِجَ ، فَاطْلُبُوهَا مِنْ أَهْلِهَا ، قِيلَ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، وَمَنْ أَهْلُهَا؟ قَالَ : الَّذِينَ قَصَّ اللّه ُ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهُمْ ، فَقَالَ : «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» قَالَ : هُمْ أُولُو الْعُقُولِ . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام : مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ دَاعِيَةٌ إِلَى الصَّلاحِ ، وَإِدْآبُ الْعُلَمَاءِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ ، وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْعَدْلِ تَمَامُ الْعِزِّ ، وَاسْتِثْمَارُ الْمَالِ تَمَامُ الْمُرُوءَةِ ، وَإِرْشَادُ الْمُسْتَشِيرِ قَضَاءٌ لِحَقِّ النِّعْمَةِ ، وَكَفُّ الْأَذى مِنْ كَمَالِ الْعَقْلِ ، وَفِيهِ رَاحَةُ الْبَدَنِ عَاجِلاً وَآجِلاً . يَا هِشَامُ ، إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يُحَدِّثُ مَنْ يَخَافُ تَكْذِيبَهُ ، وَلَا يَسْأَلُ مَنْ يَخَافُ مَنْعَهُ ، وَلَا يَعِدُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْجُو مَا يُعَنَّفُ بِرَجَائِهِ ، وَلَا يتقدّم (40) عَلى مَا يَخَافُ فَوْتَهُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ» .

.


1- . البقرة (2): 163 _ 164.
2- . النحل (16): 12.
3- . غافر (40): 67 .
4- . إشارة واقتباس من الآية 164 من سورة البقرة (2)؛ والآية 5 من هذه العبارة سورة الجاثية (45). وفي الكافي المطبوع أورد بدل هذه العبارة الآية 64 من البقرة (2): «إنّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل اللّه من السماء من ماءٍ فأحيابه الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرياح والسّحاب المسخّر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون».
5- . الحديد (57): 17.
6- . الرعد (13): 4.
7- . الأنعام (6): 151.
8- . الروم (30): 28.
9- . الأنعام (6): 32.
10- . الصافّات (37): 136 _ 138.
11- . العنكبوت (29): 34 _ 35.
12- . العنكبوت (29): 43.
13- . البقرة (2): 170.
14- . البقرة (2): 171.
15- . يونس (10): 42.
16- . الفرقان (25): 44.
17- . الحشر (59): 14.
18- . البقرة (2): 44.
19- . الأنعام (6): 116.
20- . ما أثبتناه نصّ القرآن، وفي النسخ : «لايعقلون». ولعلّه خطأ من النسّاخ أو تصحيف من الرواة. وقال المجلسي في مرآة العقول، ج 1، ص 50 : «ويحتمل أن يكون نقل بالمعنى إشارة إلى ما مرّ من استلزام العقل للعلم».
21- . لقمان (31): 25.
22- . العنكبوت (29): 63 .
23- . ص (38): 24.
24- . غافر (40): 28.
25- . هود (11): 40.
26- . الأنعام (6): 37؛ الأعراف (7): 131. وموارد اُخرى.
27- . لاتوجد في القرآن الكريم آية بهذا اللفظ.
28- . البقرة (2): 269.
29- . آل عمران (3): 7.
30- . آل عمران (3): 190.
31- . الرعد (13): 19.
32- . الزمر (39): 9.
33- . ص (38): 29.
34- . غافر (40): 53 _ 54.
35- . الذاريات (51): 55.
36- . ق (50): 37.
37- . لقمان (31): 12.
38- . في الكافي المطبوع : «للحقّ».
39- . آل عمران (3): 8 .
40- . في «ج» و هامش «ب» : «ولايقدم».

ص: 210

. .

ص: 211

. .

ص: 212

. .

ص: 213

. .

ص: 214

. .

ص: 215

. .

ص: 216

هديّة :(أبو عبداللّه الأشعري) هو الحسين بن محمّد الأشعري. وصدر السند في بعض النسخ المعتبرة : «بعض أصحابنا رفعه». قال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: قوله: «أبو عبداللّه الأشعري عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام»: أوّل السند في النسخ المعتبرة: «بعض أصحابنا رفعه». ويأتي في مواضع من الكافي ككتاب النكاح: «أبو عبداللّه الأشعري»، وهو الحسين بن محمّد الأشعري «عن بعض أصحابنا رفعه»، وهنا نسخ مختلفة، ففي بعضها ما ذكرناه، وفي بعضها: «بعض أصحابنا رفعه»، وفي بعضها : «أبو عليّ الأشعري [رفعه] (1) »، وفي بعضها : «أبو عبداللّه الأشعري رفعه». وهو الظاهر (2) ؛ لأنّه المتعارف في هذا الكتاب. (3) انتهى. ما «هو الظاهر» هو الأكثر. و(أهل العقل): هم الحجج المعصومون وشيعتهم، وغيرهم جهلاء وإن كانوا مهراء في فنون الشيطنة والنَكراء. والآية في سورة الزمر هكذا: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللّه ِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ» (4) الآية. وتبعيّة «أحسن القول» قول اللّه ، أو قول العاقل عن اللّه : هو الأخذ بالمحكمات، وبالمتشابهات أيضا بتأويلها بالعلاجات المذكورة عنهم عليهم السلام . وقال برهان الفضلاء: «أحسن القول» يعني المحكمات الناهية عن تبعيّة الظنّ فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة، والدالّة على وجوب إمام عالم بجميع الأحكام إلى انقراض الدنيا. قال اللّه في سورة الحديد: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللّه َ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» (5) ، وفي سورة آل عمران: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ» (6) ، وفي سورة الزمر: «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها مَثَانِىَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّه ِ ذَلِكَ هُدَى اللّه ِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللّه ُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» (7) ، وفي سورة الزمر أيضا: «اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» (8) ، والقول مطلق من قول اللّه والرسول وأوصيائه عليهم السلام . انتهى. وقد سبق في بيان الخطبة أنّ العمل بالظنّ في زمن الغيبة منه ما (9) رخّص فيه _ لنفي الحرج المنفيّ (10) _ للعالم الممتاز العدل الإماميّ الحاذق في المعالجات على ما فصّل. (أَكْمَلَ لِلنَّاسِ الْحُجَجَ بِالْعُقُولِ): إشارة إلى المعرفة الفطريّة بآثار الصنع وشواهد الربوبيّة. (وَنَصَرَ النَّبِيِّينَ بِالْبَيَانِ): إشارة إلى المعرفة الدينيّة بالعقل عن الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه. (وَدَلَّهُمْ عَلى رُبُوبِيَّتِهِ بِالْأَدِلَّةِ) أي العقليّة والسمعيّة. وقال الفاضل الاسترآبادي: «أكمل للناس الحجج بالعقول»، يعني خلق في الناس العقل بمعنى الغريزة، ولولا ذلك لما تمّ لأحدٍ حجّة ولا دليل على الآخر؛ لأنّ العاقل الناظر (11) المتفكّر لا يستطيع أن يجحد المقدّمات الواضحة الحقيقة، (12) الواضحة الاستلزام للمدّعى. «نصر النبيّين بالبيان»، على الأمر (13) ، يعني بأن ألهمهم وأوحى إليهم بمقدّمات واضحة الحقيقة، (14) واضحة الدلالة على المدّعى عند الخصم، مؤثّرة في قلبه بحسب استعداده. وفيه تنبيه على أنّ صنع الأنبياء عليهم السلام مجرّد البيان. وأمّا خلق نور ترتّب عليه قبول الحقّ والاعتراف، فهو صنع اللّه بالنسبة إلى مَن يشاء، وهو الذي ثبتت منه الطاعة يوم الميثاق، وهو الذي إذا خلّي وإرادته يختار الحقّ وأهله لا هوى نفسه. «دلّهم على ربوبيّته بالأدلّة» يعني بعد خلق العقل فيهم دلّهم على أنّ لهم مدبّرا على لسان نبيّه صلى الله عليه و آله بالأدلّة، فالقول بأنّ معرفته ضروريّة من توهّم بعض الرواة (15) . انتهى. أقول: آخر بيانه غفلة عن قوله تعالى: «فِطْرَةَ اللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (16) ، والمنكر للمعرفة الفطريّة منكر بلسانه، كما يستفاد من الحديث. وقد سبق ذكره، وسيجيء في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. وآية «وَإِلهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ» في سورة البقرة. (قَدْ جَعَلَ اللّه ُ ذلِكَ) أي المذكورات في هذه الآية. وآية «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ» في سورة النحل. وآية: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ» في سورة المؤمن. و(قال) قبلها عطف على (فقال): «وَإِلهُكُمْ» » لا على (فقال وسخّر). (أَشُدَّكُمْ) أي كمال قوّتكم، وأوان كمال عقلكم. وآية: «إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللّه ُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ» في سورة الجاثية، لكن بمضمونها، فنقل بالمعنى، أو قراءة غير مشهورة، أو سهو من سلف النسّاخ. وفي المصاحف: «واختلال الليل والنهار» بالواو مكان «إنّ» ومكان «لآيات»: «آيات». وفسّر الرزق بالماء ، وهو السبب. وآية: «يُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» في سورة الحديد. وآية: «وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ» في سورة الرعد. «صِنْوَانٌ» أي نخلات تكون من أصل واحد ، إذا خرج نخلتان أو أكثر من أصل واحد فكلّ واحدة : «صنو» والاثنتان : «صنوان» بكسر النون والجمع : «صنوان» بالتنوين. وفي حديث العبّاس : «عمّ الرجل صنو أبيه». (17) «وَغَيْرُ صِنْوَانٍ» متفرّقات مختلفة الاُصول. وآية: «وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفا وَطَمَعا» في سورة الروم. «خوفا» من نحو الصاعقة والغيث الضارّ ، والبداء في الأمطار . و«طمعا» في الغيث النافع. وآية: «قُلْ تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ» في سورة الأنعام. و«الإملاق»: الفقر؛ أي من خوفه. وقد صرّح به في قوله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ» . «ما ظَهَرَ مِنْها» بالعلانية. «وما بَطَنَ» بالإخفاء عن الناس. وآية: «هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ» في سورة الروم، «مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» من نحو العبيد والإماء، «فِي ما رَزَقْنَاكُمْ» من الأموال؛ يعني أنّ الذي لكم ليس في الحقيقة ، بل هو للّه سبحانه ومن رزقه ، فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك من أمثالكم في مالكم من حيث الاسم والإنسانيّة ؛ حيث لا تصرّف لكم في أرواحهم وإنسانيّتهم، فكيف يجوز أن يكون له شريك من مخلوقاته في ماله؟! «فَأنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ» على الاستفهام ، أي ولستم ومماليككم في شيءٍ ممّا تملكون سواء، فليس للّه شريك في شيء ممّا يملكه في ملكه، بل كلّ شيء فهو للّه . «تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أنْفُسَكُمْ» أي لستم تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ؛ إذ ليس لهم حرمة كحرمة الأحرار. (ثمّ وعظ) أي بعد إكمال الحجج ، ونصرة النبيّين ، والدلالة على الربوبيّة لم يكتف بها بل وعظ. وآية: «وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» في سورة الأنعام. وفي التفسير : يعني وما اكتفاؤنا بالحياة الدنيا إذا لم يكن بعدها دار آخرة إلّا لهوٌ ولعب (18) . وقد قال في سورة الأنبياء: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» (19) . وآية: «ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ» في سورة الصافّات. (ثمّ دمّرنا الآخرين) : أهلكناهم ، يعني قوم لوط عليه السلام . (لتمرّون عليهم)؛ قيل: على منازلهم في متاجركم إلى الشام ؛ فإنّ بلدتهم المسمّاة ب «السدوم» في طريقها «مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ» . وفسّر بالمرور على قصّتهم في القرآن في عدّة مواضع مصبحين بقراءة القرآن وملابسين بقراءته بالليل. وآية: «إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزا مِنَ السَّمَاءِ» في سورة العنكبوت. و«الرّجز» : العذاب . (آية بيّنة) : قصّة قوم لوط المشهورة ، أو آثار الدِّيار الخربة. (إنّ العقل مع العلم) أي العقل المتّصف بقدر من أقدار الكمال إنّما هو مع العلم المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. وآية: «وَتِلْكَ الْأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ» في سورة العنكبوت أيضا. وآية: «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّه ُ» في سورة البقرة. «أَلْفَيْنَا» : وجدنا. وآية: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ» في سورة البقرة أيضا. نعق الراعي بالغنم _ كضرب _ : صاح بها. وآية: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» في سورة يونس لكن في المصاحف «يَسْتَمِعُونَ» . و«يستمع» بلا توافق التتمّة في سورة الأنعام، وفي سورة محمّد (20) ، فنقل بالمعنى ، أو قراءة غير مشهورة ، أو سهو مضبوط. وآية: «أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ» في سورة الفرقان. «بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» ؛ لوجوهٍ ظاهرةٍ ، منها : عدم اتّصاف الأنعام بالعناد. وآية: «لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعا إِلَا فِى قُرىً مُحَصَّنَةٍ» ؛ في سورة الحشر . أي اليهود، محصّنة بالحيطان والسّيران والخنادق وغير ذلك. (جميعا) أي متّفقين. وآية: «وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» في سورة البقرة. (ثمّ ذمّ اللّه الكثرة) أي كثرة أهل الجهل . ومن دلائلهم لمذاهبهم كثرة عددهم وقد يدّعون الإجماع بها. وآية: «وَإِنْ تُطِعْ أكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ» في سورة الأنعام. وآية: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» في سورة لقمان، لكن في المصاحف : «لا يعلمون» مكان «لا يعقلون»، فنقل بالمعنى ، أو قراءة غير مشهورة ، أو سهو مضبوط من سلف النسّاخ. وآية: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً» في سورة العنكبوت. وآية: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» في سورة سبأ. وآية: «وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» في سورة ص . أي ما أقلّ من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل الصالحات. «وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ» في سورة المؤمن. وآية: «وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلّا قَلِيلٌ» في سورة هود؛ يعني مع نوح عليه السلام . وفسّر القليل باثنين وسبعين نفرا ، سبعة من أهله ، ثلاثة منهم أبناؤه: سام وهام ويافث ، وأربعة: (21) زوجته ، وزوجات أبنائه عليهم السلام . «وَلكِنَّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» في سورة الدخان ، ويونس ، والقصص. «وَأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» في سورة المائدة. قال الفاضل الاسترآبادي: ما بعث اللّه رسله إلى عباده إلّا ليعقلوا الدين عن اللّه على لسان رسله ؛ لعلم اللّه بأنّ غير ذلك من الطريق (22) كالرياضة والمناظرة قد يُخطئ وقد يصيب . كلّ ذلك بتقدير اللّه وقضائه وللحِكَم المنظورة له في ذلك. (23) انتهى. قد مرَّ أنّ المعرفة الفطرية بتوسّط العقول، والدّينيّة بتوسّط المعصومين العاقلين عن اللّه . وبيانه هذا إقرار بما أنكر ، وقد ذكر عنه آنفا. «وَأكْثَرُهُمْ لا يَشْعُرُونَ» . ليس في المصاحف، فإمّا نقل بالمعنى ، أوقراءةٌ غير مشهورة ، أو سهو. ففي سورة المؤمنون «بَل لَا يَشْعُرُونَ» (24) ، وفي سورة يونس والنمل (25) «أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ» ، و«الحِلية» بالكسر: للسيف وحلية الرجل صفته ويفتح فيهما. وآية: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ» في سورة البقرة. و«الحكمة» : علم الدِّين ، ولغة العلم الصحيح . واشتقاقها من الحَكَمة بالتحريك ، أي حديد اللّجام المانع للدابّة من الوقوع في الورطة. قال برهان الفضلاء: ذكر المضارع في «وَمَنْ يُؤْتَ» ، وذكر «قد» والماضي في «فَقَدْ أُوتِيَ» نظير «إِلَا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ» (26) الإشعار بأنّ الخير الكثير مقدَّم على الحكمة وباعثها، كما أنّ الحكمة مقدَّمة على المغفرة والفضل وباعثهما . و«الخير» هنا ، ضدّ الفقر المذكور في الآية السابقة على هذه الآية. والمراد الثروة وما يجري مجراها ويكون أفضل منها. انتهى. وآية: «وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» في سورة آل عمران ، يعني الأئمّة عليهم السلام . وآية: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ» في سورة آل عمران أيضا. وآية: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ» في سورة الرعد. وآية: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ» في سورة الزمر. وآية: «كِتَابٌ أنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ» في سورة ص. وآية: «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى» في سورة المؤمن. وآية: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ» في سورة الذاريات. و«الذّكري» و«الذُّكْرَة» : نقيض النسيان ، ك «الذّكر» أيضا بالكسر. وآية: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» في سورة ق. وآية: «وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ» في سورة لقمان. (قَالَ : الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ) ، يعني عن الحجّة المعصوم المضبوط عدده في علم اللّه ، وتقديره من أوّل الدنيا إلى انقراضها. ولم يكن لقمانُ نبيّا ولا وصيّا، قد اشتهر أنّه خدم أربعمائة من الحجج المعصومين. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: يعني أعطاه اللّه تعالى الفهم والعقل ، وعليهما مدار الحكمة التي هي المعرفة الحقّة والتخلّق بالخُلق الحسن الجميل ، وباستعمالهما يحصل الحكمة، فكان إعطاؤهما إعطاؤها (27) . انتهى . غرضه من المعرفة الحقّة ، المعرفة الدينيّة التي لا تحصل إلّا بتوسّط المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. (تَوَاضَعْ لِلْحَقِّ) قال في القاموس: تواضع : تذلّل وتخاشع. (28) قيل : يعني مع الخلق للّه 29 . أو المعنى أطع لمَن هو حجّة معصوم عاقل عن اللّه . وفي الحديث: «مَن تواضع للّه رفعه اللّه » (29) . و«الأعقل» مقول بالتشكيك فلا إشكال. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : أي لأحكام كتاب اللّه تعالى. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: المراد بالتواضع للحقّ ، الإقرار به ، والإطاعة والانقياد له . والإقرار بالحقّ دليل العقل ؛ لأنّ العقلَ يأمر به ، والجهل يمنع عنه (30) . انتهى. لا يقطع عقل بحقّيّة شيء من المتشابهات إلّا بالعقل عن اللّه ، أو بتوسّط عاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام العظيم في مدبّره الحكيم تعالى شأنه. (الْكَيْسَ) بالفتح ، والكياسة : خلاف الحمق، فقوله: (وإنّ الكيّس لدى الحقّ يسير) يحتمل ك «سيّد» ، يعني أنّ ذا الكيّس العاقل عن العاقل عن اللّه قليل. وقيل : يعني أنّ كياسة الإنسان _ وهي عقله وفطانته _ يسير عند الحقّ لا قدر له ، وإنّما الذي له قدر عند اللّه هو التواضع والمسكنة والخضوع والافتقار إليه. (31) وقال برهان الفضلاء: أي المعامل بالمحكمات الناهية عن العمل بالظنّ قليل. وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: يعني أنّ الكيّس عند الحقّ يسير منقادٌ له غير عسير. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : في المصادر: الكيّس والكياسة : «زيرك شدن». والكيس : «به زيركى غلبه كردن». فيحتمل أن يكون «اليسير» بمعنى القليل، والكيس بأوّل المعنيين ؛ وأن يكون اليسير مقابل العسير، والكيس بأحد المعنيين. والمراد : أنّ إدراك الحقّ ومعرفته لدى موافاته بالكياسة يسير، أو أنّ الغلبة بالكياسة عند القول بالحقّ والإقرار به يسير. ويحتمل أن يكون «الكيّس» بالتشديد ، أي ذو الكياسة عند ظهور الحقّ بإعمال الكياسة والإقرار بالحقّ قليل (32) . انتهى. واحتمال لذي الحقّ ، أي الإمام ، يعني معرفته أوعارفه كماترى. (قَدْ غَرِقَ فِيهَا) كعَلِمَ (عَالَمٌ كَثِيرٌ) ، يُحتمل فتح اللّام وكسرها، وظاهر برهان الفضلاء فتحها، وقد فسّرها بجمع كثير. «حَشْو السفينة» : متاعها. و«شراع السفينة» ككتاب : ما يهيّأ للرياح. (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ دَلِيلاً) أي هاديا إلى أنّه حقّ أو باطل. (وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ) أي العقل (33) الصواب ، أو إصابة العقل : التفكّر في آلاء اللّه ، وآثار قدرته ، واستحكام نظام العام بحكمته وتدبيره بحيث لا يتصوّر ما فوقه، فلابدّ من وجود حجّة معصوم عاقل عن الأعلم به ؛ ليرتفع الاختلاف ، ولئلّا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل. والعاقل لا يبني فكره إلّا على استحكام هذا النظام بهذا الاستحكام فيميّز الفكر السخيف ، كما عليه مدار مشايخ القدريّة عن مستقيمه ، كما هو ملكة العاقل عن اللّه تعالى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «شيء» في الموضعين : مصدر باب عَلِمَ بمعنى المشيئة ، ويستعمل في المعنى المتعارف ؛ لأنّ كلّ شيء إنّما هو بمشيئة اللّه سبحانه كما سيجيء في كتاب التوحيد في الباب الخامس والعشرين، باب أنّه لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلّا بسبعة. والمراد ب «التفكّر» هنا : التفكّر في عواقب الاُمور. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وَدَلِيلُ الْعَقْلِ التَّفَكُّرُ» ؛ فإنّ العقل يصل إلى مطلوبه بالتفكّر. «وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمْتُ» ؛ فإنّ التفكّر يتمّ به (34) ، انتهى. و«الصمت» بالفتح : مصدر صمت كنصر. و«المَطِيّة» كالعطيّة: الناقة القويّة التي يركب ويحمل مَطاها _ بالفتح والقصر _ أي ظهرها. (وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ) أي التذلّل والانقياد لقول المعصوم العاقل عن اللّه . (أَنْ تَرْكَبَ) على المعلوم : من باب عَلِمَ. وارتكاب المنهيّ عنه ينشأ من نقصان العقل. قال برهان الفضلاء: ما نهيت عنه من تبعيّة الظنّ والاجتهاد بالرأي. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وَمَطِيَّةُ الْعَقْلِ التَّوَاضُعُ» يعني التذلّل والانقياد للأوامر والنواهي ، فمَن ركب المنهيّ عنه ولم يتواضع للأوامر والنواهي بقي عقله بلا مطيّة ، فيصير إلى الجهل (35) . انتهى . أي بقدر نقص عقله. (فَأَحْسَنُهُمُ اسْتِجَابَةً) أي لقبول دعوة المعصوم مطيعا منقادا. (وأَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً) يعني دينيّة. (وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللّه ِ) : بحجّيّة الإمام ، وحقّيّة الشرائع والأحكام. قال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: لمّا كان غاية البعثة والإرسال حصول معرفة اللّه ، فمَن كان أحسن معرفةً كان أحسن استجابةً ، ومَن كان أحسن عقلاً كان أعلم بأمر اللّه وأعمل به ، فالأكمل عقلاً أرفع درجةً؛ حيث يتعلّق رفع الدرجة؛ بكمال ما هو الغاية (36) . انتهى. أي رفع الدرجات (37) في الدنيا بكثرة العزّة ، وفي الآخرة في الموقف والجنّة. (إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ) دلالةٌ على أنّ المعرفة الدينيّة لا تطلب إلّا ممّن له المعرفة الفطريّة التي حاصلةٌ بشواهد الربوبيّة لكلّ بالغ عاقل بالعقل الذي مناط التكليف. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «إنّ للّه على الناس حجّتين» ، يعني يحتجّ اللّه على عبده يوم القيامة بين الخلق [فيقول (38) ] : أما بيّنت لك الطريقة المرضيّة عندي والغير المرضيّة عندي على لسان النبيّ عليه السلام . وكذلك يحتجّ عليه في قلبه بأنّه : أما خلقت في قلبك الطريقة المرضيّة والطريقة الغير المرضيّة بوسيلة بيان النبيّ عليه السلام (39) . انتهى. لا يخفى غناء أحد الاحتجاجين على بيانه عن الآخر. (لَا يَشْغَلُ الْحَلالُ شُكْرَهُ) ، على المضارع المعلوم ، من باب منع أو الإفعال. و«الشّغل» بفتح الشين ويضمّ : المنع . و«شكره»: مفعول به. قال برهان الفضلاء: أي لا يكسب الحلال إلّا بقدرٍ لا يمنع فعل ما وجب عليه ، كما قال اللّه تعالى في سورة النور: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْما تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ» (40) . (بِطُولِ أَمَلِهِ) ؛ فإنّ طول الأمل للأهواء يُقسي القلب ، فيمنع من التفكّر كما ينبغي. و«الطّرائف» : جمع طريفة ، كشرائف وشريفة؛ أي غرائب حكمته. (كَيْفَ يَزْكُو عِنْدَ اللّه ِ عَمَلُكَ) أي كيف يطهر ، ويخلص ، وينمو. فمَن عقل عن اللّه بالعصمة ، أو بالعاقل عن اللّه اعتزل أهل الدنيا _ وهم الجهلاء _ إلّا تقيّةً، والدنيا دنياءان حرام شؤم ، وحلال مبارك . و«لا رهبانيّة في الإسلام» (41) . (وَكَانَ اللّه ُ أُنْسَهُ) أي مؤنسه. (فِي الْوَحْشَةِ) أي إذا اتّفقت معاشرته الجهلاء. «الاُنس» بالضمّ : المصاحب ، ويكسر ويُحرّك. (وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ) أي العزلة عن الجهلاء. و(الْعَيْلَةِ) : بالفتح: الفاقة. (وَمُعِزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ) على اسم الفاعل من الإفعال. وضبط برهان الفضلاء : ومَعَزَّه: بفتحتين مصدرا ميميّا ، بمعنى العزّة ، للتناظر. (نُصِبُ الْحَقُّ لِطَاعَةِ اللّه ِ) أي الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (وَلَا نَجَاةَ إِلَا بِالطَّاعَةِ) ، طاعة مفترض الطاعة. (وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ) أي طاعة اللّه المرضيّة إنّما هي باليقين، ولا يحصل اليقين في المختلف فيه إلّا بالتعلّم من العاقل عن اللّه الأعلم بما في نظام العالم، فردٌّ على مبتدعي (42) الرسوم المخترعة في الطاعة وما أكثر في طريقة الصوفيّة القدريّة. في بعض النسخ المعتبرة : «يعتقد» بالدال مكان «يعتقل» باللّام ، بمعنى يضبط. (ورَبَّانِيٍّ (43) ): نسبةً إلى الربّ ، بزيادة الألف والنون للمبالغة. قال برهان الفضلاء: المراد ب «العالم» الربّانيّ» : من كان بزهده عن الحرام راغبا في ثواب الربّ تعالى ، فلا يحكم بظنّه فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة ، سواء كان من العلماء أو من المتعلِّمين. في بعض النسخ: «وَمَعْرِفَةُ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ». وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «نصب الحقّ لطاعة اللّه »، يعني وضع اللّه الدين ، فأوجب بعض الأفعال كالإقرار القلبي واللّساني بالتوحيد وبالرّسالة ، وحرّم بعضها ، و استحبّ بعضها ، وكرّه بعضها ، وخيّر في بعضها ؛ ليتميّز المطيع من العاصي. وشرط في طاعته أن يكون بعد علمٍ ويقينٍ بكونها طاعةً، وقدّر أن لا يحصل اليقين بكونها طاعةً إلّا بِالتَّعَلُّمِ، يعني السماع من الرُّسل والأئمّة عليهم السلام ، وقدّر أن لا يحصل التعلّم إلّا بالنور المسمّى بالعقل. (44) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «نصب الحقّ لطاعة اللّه » ، أي اُقيم الحقّ بإرسال الرسل وإنزال الكتب ؛ ليُطاع اللّه في أوامره ونواهيه ، ولا نجاة إلّا بالطاعة، ولا يتحقّق إلّا بالعلم والمعرفة ، ولا يكفي عقول الناس للإحاطة بالعلوم والمعارف من غير تعلّم ، بل يحصل لهم المعرفة بالتعلّم، والتعلّم باستعمال العقل في تحصيل الاعتقاد، ثمّ التعلّم ينتهي لا محالة بعالم ربّانيّ يكون علمه من جانب اللّه سبحانه ، ومعرفة ذلك العلم والعالم به بالعقل ، فلا نجاة إلّا بعقل يحصل به المعرفة الناشئة عن اللّه إمّا بلا تعلّم ، أو بتعلّم من عالم ربّانيّ يُعرف بالعقل (45) . انتهى. غرضه من قوله: «ولا يكفي عقول الناس»: أنّ اليقين في المختلف فيه لا يحصل إلّا عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، فإنّ غرضه إقامة البرهان القاطع، قال اللّه تعالى في سورة المؤمنون: «وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللّه ِ إِلَها آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ» . (46) (قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَالِمِ مَقْبُولٌ) ؛ لمكان اليقين. قال برهان الفضلاء: «من العالم» ، أي ممّن لا يحكم بظنّه. أقول: الأولى _ أي ممّن لا يحكم بظنّه من عند نفسه، وقد ثبتت الرخصة في زمن الغيبة؛ دفعا للحرج المنفيّ _ الحكمُ بالظنّ بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام للعالم الإمامي الممتاز العدل المحتاط ما أمكن التوقّف المستلزم للحرج. قال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «قليلٌ العمل من العالم»، أي صاحب اليقين بأنّ عمله طاعة اللّه . والمراد بالجاهل، صاحب الجهل المركّب ، وهو من زعم أنّ عمله طاعة اللّه وليس كذلك؛ لأنّه ما أخذه من العالم الربّانيّ الذي أمر اللّه بالأخذ عنه ؛ ولأنّه لم يحصل له جزم بكونه طاعة ؛ لأنّه قدّر اللّه تعالى أن لا يحصل جزم بالطاعات والمعاصي إلّا من جهة السماع عن العالم الربّاني (47) . انتهى. نعم، ما أشار رحمه اللهبقوله: «لأنّه قدّر اللّه » إلى حصر عدد الحجج المعصومين بتقدير اللّه وحكمته البالغة ؛ ردّا على مدّعي الكشف بالرياضة. (بِالدُّونِ من الدنيا) أي اليسير على قدر الكفاف من حلالها . و«ترك الدنيا من الفضل» أي فضول حلالها ؛ مخافة طول الوقوف للحساب. والمباح قد يترك لمصلحة ، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام (48) ، وقد لا يترك أيضا لذلك ، كما فعل الحسن بن عليّ عليهماالسلام (49) . (فطلب بالمشقّة أبقاها) كأنّه بيان لقوله عليه السلام : (وَلِذلِكَ (50) رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ) ؛ لاختيارهم الباقي على الفاني يقينا. قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف لاختار العاقل الخزف الباقي على الذهب الفاني» (51) . كيف والأمر على العكس من ذلك؟! (أَنَّ الدُّنْيَا طَالِبَةٌ مَطْلُوبَةٌ) يعني أنّ الدنيا طالبة بحلالها المقدّر المتّقين وغيرهم، مطلوبة بحلالها للمتّقين وبمطلقها لغيرهم. (وَالْاخِرَةَ طَالِبَةٌ) بأجَلِها كلّ أحد، (وَمَطْلُوبَةٌ) لأهل الجنّة. أو المعنى أنّ الآخرة طالبة بخيرها المؤمنين ، ومطلوبة لهم. قال برهان الفضلاء: ولعلّ النكتة في ترك الواو في الاُولى وذكرها في الثانية ، أنّ في الاُولى تغاير بين المتعلّقين باعتبار أنّ الدنيا فارغة من طلب الراغبين فيها، فإنّ الرزق وصل إليهم بزيادة فمثل: «خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ» (52) في سورة الواقعة، وفي الثانية اتّحادهما مثل (53) : «هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» (54) في سورة البقرة. وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: ترك الواو في «أنّ الدنيا طالبة مطلوبة» إشارة إلى أنّ تعدّد الخبر فيه نظير قولهم: «حُلْوٌ حامض»، وذلك لأنّ الحلو والحامض شيء واحد وهو المزّ، فكذلك الدنيا حين كونها طالبة مطلوبة، فكأنّ الطالبيّة والمطلوبيّة للدُّنيا شيء واحد ؛ لأنّ حين كون الدنيا طالبة لمن طلب الآخرة مطلوبة من جهة استيفاء الرزق منها، بخلاف الآخرة؛ فإنّها حين كونها طالبة لمن طلب الدنيا ليست بمطلوبة؛ لأنّ الآخرة إذا طلب طالب الدنيا يأتيه الموت فيفسد عليه دنياه ودينه ، كما هو معلوم من صريح عبارة الحديث. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: لايبعد أن يقال : الإتيان بالعاطف في الآخرة بقوله: «الآخرة طالبة ومطلوبة» وتركه في قوله : «الدنيا طالبة مطلوبة» ؛ للتنبيه على أنّ الدنيا طالبة موصوفة بالمطلوبيّة ، فيكون الطالبيّة _ لكونها موصوفة _ بمنزلة الذات ، فدلّ على أنّ الدنيا من حقّها في ذاتها أن تكون طالبة ، وتكون المطلوبيّة (55) _ لكونها صفة لاحقة بالطالبيّة (56) _ من الطوارئ التي ليس من حقّ الدنيا في ذاتها أن تكون موصوفة بها، فلو أتى بالعاطف لفاتت تلك الدلالة، وأمّا الآخرة فلمّا كان الأمران _ أي الطالبيّة والمطلوبيّة كلاهما _ ممّا تستحقّها وتتّصف بها في ذاتها فأتى بالعاطف . وإن حمل قوله : «الدنيا طالبة مطلوبة» على تعدّد الخبر؛ ففي ترك العاطف دلالة على عدم ارتباط طالبيّتها بمطلوبيّتها، وأمّا في الآخرة فالأمران فيها مرتبطان لا يفارق أحدهما الآخر ؛ ولذا أتى بالواو الدالّة على التقارن في أصل الثبوت لها (57) . انتهى. في بعض النسخ بترك العاطف في الثانية أيضا . و(الغنى) بالكسر والقصر : ضدّ الفقر ، وإذا فتح مدّ. وأمّا الغناء (58) بالكسر والمدّ فمن الصوت . (فليتضرّع إلى اللّه في مسألته) ، تنبيه بالتحضيض على عظم نعمة العقل. قال الفاضل الاسترآبادي: «فليتضرّع إلى اللّه » صريح في أنّ المراد هنا من العقل الغريزة النورانيّة التي يخلقها اللّه في القلب ويترتّب عليها الأفعال الحسنة. انتهى. وكان (59) غرضه الردّ على الفلاسفة . (إنّ اللّه حكى عنه عن قوم صالحين) ، فسّروا بسلمان وأبي ذرّ والمقداد وأشباههم من اُولي الألباب، والآية في سورة آل عمران. و«الزيغ»: الميل والعدول عن الطريق. و«الرّدى» بالقصر : الهلاك. قال الفاضل الاسترآبادي: و«تعود إلى عماها» وذلك بأن لم يحفظه (60) اللّه تعالى ما خلق فيها من الغريزة النورانيّة المسمّاة بالعقل. (61) قال برهان الفضلاء: يحتمل أن يكون (62) العلم حاصلاً لقوم صالحين في حياة الرسول بتبليغه صلى الله عليه و آله ف «تزيغ» و«تعود» للاستقبال، وعلى هذا يحتمل «عُلِّموا» على المجهول من التفعيل . والمخالفون معترفون بهذا المضمون ويتغافلون. وقد روى البخاري بإسناده في صحيحه عن الرسول صلى الله عليه و آله في باب سورة المائدة أنّه قال بعد ذكر طائفة من أحوال القيامة: «ألّا أنّه يُجاء برجال من اُمّتي فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول : ياربّ اُصيحابي، فيُقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» (63) فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». (64) انتهى. المراد ب «العبد الصالح» هنا : عيسى بن مريم عليهما السلام . (إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه ) ؛ لعدم أخذه دينه على يقين ، ولا يحصل في المختلف فيه إلّا عن العاقل عن اللّه والعلم معه ؛ ولذا «إِنَّما يَخْشى اللّهَ مِنْ عِ_بادِهِ العُلَماءُ» (65) كما يفسّره الفقرة التالية . «عقد عليه» كضرب. قال برهان الفضلاء: «المعرفة الثابتة» هنا : عبارة عن معرفة المحكمات التي أمر فيها بسؤال أهل الذِّكر، ونهى عن الحكم بالظنّ والرأي والاجتهاد. فهذا الكلام من قبيل (66) قول اللّه تعالى في سورة النمل: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ» (67) ، وفي سورة آل عمران: «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ» (68) . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه »؛ معناه أنّ من لم يأخذ دينه عن اللّه ، يعني [عن (69) ]رسله والأئمّة عليهم السلام لم يخف اللّه حقّ خوفه . ومن أخذ دينه عن رسل اللّه والأئمّة عليهم السلام يخاف اللّه حقّ خوفه ؛ لأنّه يعلم أنّ معرفته مبنيّة على العقل الذي تفضّل (70) اللّه [به (71) ]عليه ، ويعلم أنّه بعض الكبائر يتسبّب بتركه تعالى حفظ ذلك العقل، وكذلك من لم يأخذ دينه عن الحجج _ صلوات اللّه عليهم _ قدّر اللّه أن لا يحصل له يقين بذلك 73 . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّه لم يخف اللّه من لم يعقل عن اللّه »، لعلّ المراد أنّه من لم يكن صالحا لم يخف اللّه ؛ لأنّه من لم يكن صالحا لم يكن قوله مصدّقا لفعله ، وسرّه موافقا لعلانيته، ومن لم يكن كذلك لم يكن ذا معرفة ثابتة يجد حقيقتها في قلبه؛ لأنّ اللّه تبارك وتعالى جعل الظاهر دليلاً على الباطن، فالفعل ظاهر يدلّ على الاعتقاد الذي هو من الخفايا والسرائر ويكشف عنه، والقول ظاهر يعبّر عنه، فإن دلّ العقل على عدم تقرّر الاعتقاد وثبوته ولم يصدّقه القول، فالمعتبر دلالة الفعل، وأمّا دلالة الفعل على التقرّر والثبوت لحقيقة المعرفة مع مخالفة القول فغير متصوّر، فإنّ القول إذن فعل دالّ على عدم ثبوت حقيقة المعرفة وتقرّرها في قلبه، ومن لم يكن يجد حقيقة المعرفة في قلبه لم يكن ذا معرفة ناشئة عن جانب اللّه ، ومن لم يكن عاقلاً عن اللّه لم يخف اللّه (72) . انتهى. «من لم يكن صالحا»، أي كما اُمر. قال برهان الفضلاء: «لأنّ اللّه تبارك اسمه» . استدلال على «ولا يكون أحد كذلك»، والمراد أنّه لا يجوز لغير المتوسّمين (73) الحكم بالظنّ في نفس حكم اللّه ؛ لأنّ العلم بنفس حكم اللّه خارج عن وسع غير المتوسّمين ، لكن يجوز لغير المتوسّمين الحكم بالظنّ في ما هو محلّ حكم اللّه ، كتعيين القبلة وقِيَم المُتْلَفات. انتهى. نعم، لو لم يلزم الحرج المنفيّ في زمن الغيبة ، ولا يدفع على لزومه إلّا بتخصيص الرخصة الثابتة على ما عرفت آنفا . (ما عُبدَ اللّه بشيء أفضل من العقل) وخواصّه، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يا عليّ، إذا تقرّب الناس إلى خالقهم بأنواع البرّ فتقرّب أنت إليه بالعقل». (74) قال برهان الفضلاء: سيوضّح هذا في شرح الأوّل في الباب الرابع والعشرين باب البداء في كتاب التوحيد إن شاء اللّه تعالى. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «ما عُبد اللّه بشيءٍ أفضل من العقل»؛ فإنّ حقيقة العبادة التذلّل والخضوع ، وإنّما الكاملة البالغة نهايتها بالمعرفة (75) . انتهى. أي بالمعرفة التي فصّلت في هذه الهديّة مرارا. (وما تمّ عقل امرى ءٍ). إمّا من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، أو أبي الحسن موسى عليه السلام . (لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ) ولا نهاية للعلم . وفيه إشارة إلى أنّ غذاء الروح وما ينمو به إنّما هو العلم. (الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ مَعَ اللّه ِ مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ) ؛ لعلمه بأنّ العزّة للّه جميعا. (76) (وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ) ؛ لأنّه أنسب للعبوديّة. فالمراد بالشرف ، ما هو لازمه غالبا من العجب والتكبّر ونحوهما. واحتمال أن يكون المعنى : والتواضع مع اللّه أحبّ إليه من الشرف مع غيره كما ترى، والشريف المتواضع أشرف من المتكبّر. (قَلِيلَ 79 الْمَعْرُوفِ) أي الإحسان من غيره. وقليل الحقّ عظيم. (وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ) ، ومطلق وضع المنّة محظور. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد بالكفر والشرّ كفران النعمة والإضرار بالخلق، وبالرشد والخير شكر النعمة والإحسان إلى الخلق. «لَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ» تحريص على الحرص في طلب العلم الذي لابدَّ منه في الدِّين، فلا ينافي ما يجيء في أوّل باب المستأكل بعلمه المباهي به ، من أنّه لا يحسن الحرص في طلب العلم، فإنّ المراد هناك العلم الذي لا يحتاج إليه في الدِّين وطلبه مانع من طلب ما لابدّ من تحصيله. «وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ» ، أي إظهار الاستكانة أحبّ إليه من إظهار المجد والشرافة. انتهى. فلأن يستأكل الضعفاء ، أي يأخذ أموالهم. (وَيَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْرا مِنْهُ ، وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ) . لعلّ المعنى: ويرى جميع معاصريه الذين لا قطع له شرعا بكفرهم الذي لا نجاة يمكن النجاة بعده (خيرا منه) ؛ لإمكان صدور أمر من الاُمور الباعثة للنجاة عنهم، ولا علم له بعاقبة أمر نفسه . (وأنّه شرّهم في نفسه)؛ لاطّلاعه على دقائق عيوب نفسه دون خفيّات عيوب غيره، فبذلك لا يغفل غالبا عن عيوبه ، فيسعى في تزكية نفسه عنها. (وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ) إن شاء اللّه تعالى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني ويكون سلوكه مع الناس بحيث يكون ظنّه أنّ كلّهم خيرٌ منه ، وأنّه شرّهم في باطن أمره؛ إذ لا علم لأحد بعاقبة أحد سوى اللّه عزّ وجلّ ، فربّما كافر يؤمن بالتوفيق وبالعكس بالخذلان ، كما مرّ في بيان قوله: «يا هشام، إنّ اللّه حكى» إلى آخره. «وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ» يعني وهذه الصفة عمدة الصفات الحسنة، أو المعنى أنّها آخرها. وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي: «يرى الناس كلّهم خيرا منه» ؛ لحسن ظنّه بعباد اللّه وحمله ما صدر منهم على محمل صحيح بسلامة صدوره، ولِما رأى من محاسن ظواهرهم دون ما خفي من بواطنهم. (77) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ويرى الناس كلّهم خيرا منه» ، وذلك بأن يقال : يحسن ظنّه بهم ويتّهم نفسه، فكلّ ما في غيره _ ممّا يحتمل وجها حسنا _ يحمله عليه ، وكلّ ما فيه _ ممّا يحتمل وجها قبيحا _ يجوّزه في نفسه ، فيظنّ بغيره خيرا ، ولا يظنّ بنفسه خيرا، فيظنّ بكلّ منهم أنّه خيرٌ منه ، ويكون هو عند نفسه شرّا منهم (78) . انتهى. أقول: خطر ببالي ثانيا أنّ هاتين الفقرتين بيان لحقيقة الاعتراف بالتقصير كنايةً ؛ فإنّ حقيقته أن يعترف العبد بتقصيرٍ لا يمكن أن يكون فوقه تقصير ، وبِذُلٍّ لا يتصوّر بعده ذُلٌّ، وجميع العالم كأنّه عبدٌ ذليل واحد ، فيستقيم اختصاص كلّ أحد بهذا الاتّصاف، فإنّ اللّه تبارك وتعالى متفرّد بعزّ الخالقيّة ، وجميع ما سواه بذلّ المخلوقيّة، وهو تمام الإقرار بالعبوديّة ، والإيمان باللّه ، واليوم الآخر. (إِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَكْذِبُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَوَاهُ) ؛ لأنّ علوّ الهمّة الذي لازم للعقل لا يرضى بخسّة الكذب إلّا تقيّةً. وقال السيّد الأجلّ النائيني: حذرا من فضيحته عند الظهور. (79) وقيل: لأنّ الكذب من جنود الجهل. (لَا دِينَ لِمَنْ لا مُرُوءَةَ لَهُ) يقرأ بالتشديد و«المروءة» على وزن العطوفة . وللتلازم وجوه شتّى ، منها الثبات في المجاهدة الباطنيّة والظاهريّة . و«المروّة»: خصال كريمة ، وأخلاق حسنة. قال برهان الفضلاء: يعني ثواب الآخرة لمن لا إنسانيّة له ، ولا إنسانيّة لمن لا عقل له. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ»، فإنّ من لا عقل له لا يكون عارفا بما يليق به [ويحسن ، وما لايليق به (80) ] ولا يحسن ، فقد يترك اللّايق ويجيء بما لا يليق، ومن يكون كذلك لا يكون ذا دين (81) . انتهى. أي لا يكون عارفا عن العارف عن اللّه سبحانه بكذا وكذا. (لَا يَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطَرا) أي لا يفتخر بالدنيا وشأنه من مجدها وشرفها. وقال برهان الفضلاء: «خطرا» ، أي سَبَقا ، بمعنى أنّه لا يراها أنّ سعيه فيها لها. و«السبق» بالتحريك : الخطر الذي يوضع بين أهل السّباق، والسُبقة بالضمّ بمعناه. وقال السيّد الأجلّ النائيني: وذلك لأنّه لا يخطر (82) إلّا بمعرفة كاملة بأحواله وأحوالها ، وتلك المعرفة لا تكون إلّا مع كمال العقل ، ومن كمل عقله كان من أعظم الناس قدرا (83) . انتهى. خطر فلان فلانا جعله ذا خَطَرٍ ومنزلة. (84) (أَلا إِنَّ أَبْدَانَكُمْ) أي الممتازة في صنائعه تعالى عن أبدان سائر الحيوانات. في بعض النسخ : «أما» مكان «ألا» . أو تعبير عن الطاعة بالبدن ؛ لأنّه خُلِق للطاعة وتحصيل الثواب ، فبمنزلة البضاعة للتاجر. أو المعنى أنّ ثمن الأبدان الجنّة بالخلود فيها وثمن الأرواح لذّاتها بشكره تعالى بعد القطع بالنجاة من الخلود في النار. وآخر دعواهم فيها أن الحمد للّه ربّ العالمين. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: عبّر عن استعمال الأبدان في الاكتسابات ببيعها بالمكتسبات، فالمكتسب ثمن لها فقال عليه السلام : «لَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ» ، أي ما يليق بأن يكون ثمنا. «إِلَا الْجَنَّةُ ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا» من الدنيا ومهويّات الأنفس (85) . انتهى. «هواه» : أحبّه. (إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ الْعَاقِلِ) أي الإمام العاقل عن اللّه : (يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ) أي يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الناس ولا يكون عاجزا عن جواب كلّ ما يسئل عنه حتّى معمّيات السنن وملبّسات الفتن. (فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ شَيْءٌ ؛ فَهُوَ أَحْمَقُ) تعريض وتوبيخ لفلان وفلان وفلان وسائر طواغيت المبتدعين في الدِّين ، فضلاً عن تبعتهم الضالّين لعنهم اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «من» في أوّل الكلام للتبعيض، فبناءً على أنّه كما أنّ المجموع علامةٌ بعضها أيضا علامة، ونصّ النبيّ صلى الله عليه و آله بوصيّه أيضا علامة. والمراد هنا اللّازم الخاصّ بقرينة الفاء التفريعيّة في «فمن». والمراد ب «العاقل» هنا المحقّ من مدّعي الإمامة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فعبارة عن نفسه عليه السلام ، والخصال الثلاث متلازمة، فالكلام بيان لثلاثة براهين على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام . «يجيب»، رفع واستئناف بياني لسابقه ، أو بتقدير «أن يجيب» وبدل تفصيل للثلاث، فيحتمل الرفع والنصب. (وَيَنْطِقُ إِذَا عَجَزَ الْقَوْمُ) إشاره إلى أمثال ما يجيء في كتاب الحجّة في الرابع والسابع من باب الرابع والعشرين والمائة من سؤال حبر من اليهود عن الثاني ، وعجزه وإرساله إيّاه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، ويشير إشارة إلى تدبيراته عليه السلام في القضايا ، وهي مشهورة بين المؤالف والمخالف. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «يجيب إذا سُئل» أي يكون قادرا على الجواب عمّا يُسئل ، والنطق عند عجز القوم عن الكلام، وَمُشِيرا بِالرَّأْيِ الَّذِي فيه صلاح القوم ، وعارفا بصلاحهم ، وآمرا به، فمن لم يكن فيه شيء من هذه الثلاث فهو أحمق، أي عديم الفهم ناقص التمييز بين الحسن والقبيح. ولعلّ «يجيب» ناظر إلى الفتاوى في النقليّات والشرعيّات . و«ينطق» إلى تحقيق المعارف والعقليّات . و«يشير» إلى معرفة التدابير والسياسات في العمليّات ، فمن جمع فيه الخصال الثلاث دلَّ على كمال عقله النظري والعملي، ومن لم يكن فيه شيء منها فهو ناقص العقل بقوّتيه (86) . انتهى. أي الحكمة النظريّة والعمليّة. (لَا يَجْلِسُ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ) أي مسند الإمامة. قال برهان الفضلاء: غرضه عليه السلام من هذا الكلام بيان أنّ غرض أمير المؤمنين عليه السلام من العاقل في كلام السابق إنّما هو الإمام الحقّ ؛ دفعا لتوهّم العاقل بالمعنى الأعمّ. وقال السيّد النائيني رحمه الله: «لا يجلس في صدر المجلس إلّا رجل» كذا؛ لأنّ صدر المجلس مكان مَن يراجع الناس إليه لحوائجهم ، فيستحقّ أن يعظّموه ويوقّروه. واُصول الحاجات هذه الثلاثة؛ فمن لم يكن فيه شيء منها يوضع (87) نفسه هذا الموضع فهو أحمق فاعل فعل الحمقى (88) . انتهى. القاموس : هو أحمق : قليل العقل ، وقوم ونسوة حُماق وحُمُق بضمّتين ، وكسكرى وسكارى ، ويضمّ (89) . (إذا طلبتم الحوائج) أي دينيّتها ودنياويّتها . (الّذين قصَّ اللّه في كتابه) في سورتين : سورة الرعد ، وسورة الزمر. (90) قال برهان الفضلاء: يعني حوائجكم من تعلّم العلم ونحوه. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «الحوائج» أي اُصولها التي هي الدينيّة وفروعها التي هي الدنياويّة، واختصاص طلب الحوائج الدينيّة باُولي العقول ظاهر. وأمّا الحوائج الدنيويّة ؛ فللذلّ الذي في رفع الحاجة إلى الناقص في الدِّين ، ولعدم الأمن من حُمقه ، فربّما يمنعه أو يأتي بما ضرّه أكثر من نفعه. (91) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: يعني حوائجكم لصلاح دينكم ودنياكم. (مُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ) تصريح بتخصيص الاعتزال الشرعيّ بالانقطاع عن الجهّال، ولا خير فيهم وإن كانوا فضلاء؛ يعني مهراء في الشيطنة والنَكراء . (وآداب العلماء) أي التأدّب بآدابهم ، أو رعاية الآداب في طاعتهم المفترضة بالنصّ . (تمام العزّ) أي الغلبة على أعداء الدِّين ، وأشدّهم الشياطين. (وَاسْتِثْمَارُ الْمَالِ) أي استزادته بالإنفاق الممدوح أو بالكسب الحلال. وفي الحديث: «نِعْمَ العون على الآخرة الدنيا» (92) . قال برهان الفضلاء: «وآداب العلماء» أي ملاحظة سلوكهم في الناس . «واستثمار المال» أي التمتّع من البضاعة بالتجارة ونحوها للإنفاق (93) . وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه: «استثمار المال» أي استنماؤه ، وكأنّه كناية عن إخراج الصدقة. (94) وقال السيّد الأجلّ النائيني: «واستثمار المال تَمَامُ الْمُرُوءَةِ» وذلك لأنّه يتمكّن به من أن يأتي بما يليق به من الإنسانيّة. (95) لا يخفى لطف كلامه رحمه الله. (قَضَاءٌ لِحَقِّ النِّعْمَةِ) أي نعمة العقل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني نعمة الفهم ، أو نعمة المستشير ، وهي عدّة المستشار قابلاً لذلك. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله في «إرشاد المستشير» شكر لنعمة العقل . ومعرفة الرشاد والشكر من الحقوق اللازمة. (96) في بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «وفيه راحة للبدن» باللام مكان الألف واللام . قيل : أمّا عاجلاً فلأنّ مكافاة الايداء بجارحة من الأعضاء كاليد قد يصل إليها في الدنيا قبل البرزخ والعقبي. وأمّا آجلاً ؛ فللخلاص من العذاب. وقال برهان الفضلاء: أمّا في الدنيا ؛ فلقلّة أعدائه. وأمّا في الآخرة ؛ فللخلاص من العذاب. و«التعنيف» : التقريع والتوبيخ. (وَلَا يتقدّمُ عَلى مَا يَخَافُ فَوْتَهُ) أي لا يسعى في طلب الفاني. وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «ولا يقدِم» من الإقدام، قال: يعني ولا يتوجّه. وقال السيّد السند أمير حسن القائيني رحمه الله: يعني لا يفعل فعلاً قبل أوانه بادرا إليه خوفا من أن يفوته في وقته بسبب عجزه عنه، بل يفوّض أمره إلى اللّه تبارك وتعالى. ولهذا الحديث ذيل في غير الكافي يُذكر في الخاتمة إن شاء اللّه تعالى.

.


1- . أضفناه من المصدر.
2- . في المصدر : «والظاهر عندي ما ذكرناه أوّلاً» بدل «وهو الظاهر».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
4- . الزمر (39): 17.
5- . الحديد (57): 9.
6- . آل عمران (3): 7.
7- . الزمر (39): 23.
8- . الزمر (39): 55.
9- . في «الف»: ممّا.
10- . راجع: المائدة (5): 6 ؛ الحجّ (22): 78.
11- . في «الف»: «المناظر».
12- . في المصدر : «الحقيّة».
13- . في المصدر : «علي الاُمّة».
14- . في المصدر : «الحقيّة».
15- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 _ 87 .
16- . الروم (30): 30.
17- . الأمالي للطوسي ، ص 273 ، ح 518 ؛ وعنه في بحارالأنوار ، ج 22 ، ص 286 ، ح 54 .
18- . تفسير الثعالبي ، ج 1 ، ص 515 . وفيه : «والمعنى أنّها إذ كانت فانية لاطائل لها أشبهت اللعب واللهو الذي لاطائل له إذا تقضّى» .
19- . الأنبياء (21) : 16 _ 18 .
20- . الأنعام (6) : 25 ؛ محمّد (47) : 16 .
21- . في «الف»: «تربعة».
22- . كذا في المخطوطة ، وفي المصدر : «الطرق» .
23- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 87 .
24- . المؤمنون (23) : 56 .
25- . يونس (10) : 60 ؛ النمل (27) : 73 .
26- . التوبة (9) : 40 .
27- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52 .
28- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 95 (وضع) .
29- . الكافي ، ج 2 ، ص 122 ، باب التواضع ، ضمن الحديث 3 .
30- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52.
31- . الوافي ، ج 1 ، ص 97 ، نقلاً عن استاذه .
32- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52.
33- . في «الف»: «والعقل» بدل «أي العقل».
34- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 52.
35- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 53.
36- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 53.
37- . في «ب» و «ج»: «الدرجة».
38- . أضفناه من المصدر.
39- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 87 .
40- . النور (24) : 37 .
41- . دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 701 ؛ النهاية لابن الأثير، ج 2 ، ص 669 (رهب) .
42- . في «الف»: «مبتدأ».
43- . في «ج»: «الديّانيّ».
44- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 87 .
45- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 53 _ 54.
46- . المؤمنون (23) : 117 .
47- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 87 _ 88 .
48- . راجع: نهج البلاغة ، ص 416 ، الرسالة 45 .
49- . راجع: الوسائل ، ج 5 ، ص 21 ، الباب 8 من أبواب احكام الملابس ، ح 2 .
50- . كذا في «ب» و «ج» ، وفي الكافي المطبوع : «فلذلك» .
51- . شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 167 ؛ الوافي ، ج 1 ، ص 100 .
52- . الواقعة (56): 3.
53- . في «ج»: فمثل.
54- . البقرة (2): 185.
55- . في المصدر : «المطبوبة» .
56- . في المصدر : «الطالبة» .
57- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 54 _ 55 .
58- . في «الف»: - «الغناء».
59- . في «ب» و «ج»: «كأنّ» بدل «وكان».
60- . في المصدر : «لم يحفظ» .
61- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 .
62- . في «ب» و «ج»: + «هذا».
63- . المائدة (5): 117.
64- . صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 1691 ، ح 4349 .
65- . فاطر (35) : 28 .
66- . في «الف»: - «قبيل».
67- . النمل (27) : 14 .
68- . آل عمران (3) : 19 .
69- . أضفناه من المصدر .
70- . في «ب» و «ج»: يفضّل.
71- . أضفناه من المصدر .
72- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 55 _ 56.
73- . في «ب» و «ج»: + «بالعقل عن اللّه ».
74- . مشكاة الأنوار ، ص 251 ؛ كنزالعمّال ، ج 3 ، ص 384 ، ح 7061.
75- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 56 .
76- . اقتباس من الآية 39 ، النساء (4)؛ والآية 65 ، يونس (10) .
77- . شرح الاُصول الكافي، ص 63 .
78- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 56 .
79- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
80- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر .
81- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
82- . في المصدر : «لايحصل» مكان «لايخطر» .
83- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
84- . في «ب» و «ج»: «قدر».
85- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 .
86- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 57 _ 58 . حكاه ملخّصا .
87- . في المصدر : «فوضع» مكان «يوضع» .
88- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 58 .
89- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 223 (حمق) .
90- . الرعد (13) : 19 ؛ الزمر (39) : 9 .
91- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 58 .
92- . الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب معنى الزهد ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 29 ، باب استحباب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 2 .
93- . في «الف»: «للإنفاد».
94- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 .
95- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 59.
96- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 59.

ص: 217

. .

ص: 218

. .

ص: 219

. .

ص: 220

. .

ص: 221

. .

ص: 222

. .

ص: 223

. .

ص: 224

. .

ص: 225

. .

ص: 226

. .

ص: 227

. .

ص: 228

. .

ص: 229

. .

ص: 230

. .

ص: 231

. .

ص: 232

. .

ص: 233

. .

ص: 234

. .

ص: 235

. .

ص: 236

. .

ص: 237

. .

ص: 238

. .

ص: 239

. .

ص: 240

. .

ص: 241

. .

ص: 242

. .

ص: 243

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عن عليّ بن محمّد، عن سهل (1) رفعه، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام :«العَقْلُ غِطَاءٌ سَتِيرٌ ، وَالْفَضْلُ جَمَالٌ ظَاهِرٌ ، فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِفَضْلِكَ ، وَقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ ، تَسْلَمْ لَكَ الْمَوَدَّةُ ، وَتَظْهَرْ لَكَ الْمَحَبَّةُ».

هديّة :(غطاء ستير) أي حجيم لمناقص الأخلاقيّة. والمراد من «الغطاء»: ما يحفظ من العدوّ كالتُرس بقرينة «وقاتل». (والفضل) أي الفضيلة العلميّة . (خلل خلقك) بالضمّ . واحتمال الفتح ليس بشيء . والمراد ب «المودّة»: مودّتك لذي القربى ، وب «المحبّة»: محبّة الناس لك. وفي بعض النسخ : «الحجّة» مكان : «المحبّة»، فالمودّة : محبّة الناس لك ، والحجّة: حجّتك على غيرك. وفي نهج البلاغة: «الحلم غطاء ساتر ، والعقل حُسام باتر، فاستر خلل خلقك بحلمك ، وقاتل هواك بعقلك». (2) في بعض النسخ : «قاطع» مكان «باتر». والمآل واحد . و«الباتر»: المُهلك. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «ستير»، أي مستور مخفيّ. و«الفضل»، أي السخاء، وإعطاء المال أمر جميل بيّن . و«الخُلقُ» ، بمعنى الأخلاق ، و«المودّة»: محبّة الناس باطنا لك . و«المحبّة»: محبّتهم ظاهرا لك. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الغطاء» : ما يستتر به . و«الستير»: المستور . و«الفضل»: ما يعدّ من المحاسن والمحامد . و«الجمال» : حسن الخُلْق والخَلق والفعل (3) . والمراد أنّ العقل يستر مقابح المرء ؛ فإنّ حسنَ العقل يغلب كلّ قبيح ، لكنّه من المستورات التي يعسر الاطّلاع عليها. والفضلَ جمال ظاهر ، فينبغي أن يستر خلل الخُلق بالفضل ، وأن يستر مقابح ما يهوى بمدافعة العقل للهوى ، فلا يظهر ويبقى مستورا. «تسلم لك المودّة». يحتمل أن يكون المراد به أنّه إذا سترتَ خلل الخُلق بفضلك تسلم لك المودّة والإحسان إلى الناس ، وإذا سترت مقابح ما تهويه بمدافعة عقلك تظهر لك محبّتك لهم ، وعدم إرادة سوءٍ بهم. ويحتمل أن يكون المراد سلامة مودّة الناس له فلا يفعلون به إلّا إحسانا ، وظهور محبّتهم له فلا يبغضونه (4) .

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».
2- . نهج البلاغة ، ص 551 ، الحكمه 424 .
3- . أثبتناه من المصدر ، وفي «ب» و «ج» : «العقل» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 59 .

ص: 244

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عن العدّة: عَنْ أَحْمَدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ سَمَاعَةَ، (1) قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوَالِيهِ ، فَجَرى ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالْجَهْلِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«اعْرِفُوا الْعَقْلَ وَجُنْدَهُ، وَالْجَهْلَ وَجُنْدَهُ ، تَهْتَدُوا». قَالَ سَمَاعَةُ : فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَا نَعْرِفُ إِلَا مَا عَرَّفْتَنَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّ اللّه َ _ تعالى _ خَلَقَ الْعَقْلَ _ وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ _ مِنْ نُورِهِ ، فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، فَقَالَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالى : خَلَقْتُكَ خَلْقا عَظِيما ، وَكَرَّمْتُكَ عَلى جَمِيعِ خَلْقِي». قَالَ : «ثُمَّ خَلَقَ الْجَهْلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأُجَاجِ ظُلْمَانِيّا ، فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَلَمْ يُقْبِلْ ، فَقَالَ لَهُ : اسْتَكْبَرْتَ ، فَلَعَنَهُ . ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا، فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللّه ُ بِهِ الْعَقْلَ وَمَا أَعْطَاهُ ، أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ ، فَقَالَ الْجَهْلُ : يَا رَبِّ ، هذَا خَلْقٌ مِثْلِي خَلَقْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَقَوَّيْتَهُ ، وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ ، فَأَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، فَإِنْ عَصَيْتَ بَعْدَ ذلِكَ ، أَخْرَجْتُكَ وَجُنْدَكَ مِنْ رَحْمَتِي ، قَالَ : قَدْ رَضِيتُ ، فَأَعْطَاهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْدا . فَكَانَ مِمَّا أَعْطَى الْعَقْلَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْجُنْدَ : الْخَيْرُ ، وَهُوَ وَزِيرُ الْعَقْلِ ، وَجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ ، وَهُوَ وَزِيرُ الْجَهْلِ . وَالْاءيمَانُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَ ؛ وَالتَّصْدِيقُ وَضِدَّهُ الْجُحُودَ ؛ وَالرَّجَاءُ وَضِدَّهُ الْقُنُوطَ ؛ وَالْعَدْلُ وَضِدَّهُ الْجَوْرَ ؛ وَالرِّضَا وَضِدَّهُ السُّخْطَ ؛ وَالشُّكْرُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَانَ ؛ وَالطَّمَعُ وَضِدَّهُ الْيَأْسَ ؛ وَالتَّوَكُّلُ وَضِدَّهُ الْحِرْصَ ؛ وَالرَّأْفَةُ وَضِدَّهَا الْقَسْوَةَ ؛ وَالرَّحْمَةُ وَضِدَّهَا الْغَضَبَ ؛ وَالْعِلْمُ وَضِدَّهُ الْجَهْلَ ؛ وَالْفَهْمُ وَضِدَّهُ الْحُمْقَ ؛ وَالْعِفَّةُ وَضِدَّهَا التَّهَتُّكَ ؛ وَالزُّهْدُ وَضِدَّهُ الرَّغْبَةَ ؛ وَالرِّفْقُ وَضِدَّهُ الْخُرْقَ ؛ وَالرَّهْبَةُ وَضِدَّهَا الْجُرْأَةَ ؛ وَالتَّوَاضُعُ وَضِدَّهُ الْكِبْرَ ؛ وَالتُّؤَدَةُ وَضِدَّهَا التَّسَرُّعَ ؛ وَالْحِلْمُ وَضِدَّهُ السَّفَهَ ؛ وَالصَّمْتُ وَضِدَّهُ الْهَذَرَ ؛ وَالِاسْتِسْلَامُ وَضِدَّهُ الِاسْتِكْبَارَ ؛ وَالتَّسْلِيمُ وَضِدَّهُ الشَّكَّ ؛ وَالصَّبْرُ وَضِدَّهُ الْجَزَعَ ؛ وَالصَّفْحُ وَضِدَّهُ الِانْتِقَامَ ؛ وَالْغِنى وَضِدَّهُ الْفَقْرَ ؛ وَالتَّذَكُّرُ وَضِدَّهُ السَّهْوَ ؛ وَالْحِفْظُ وَضِدَّهُ النِّسْيَانَ ؛ وَالتَّعَطُّفُ وَضِدَّهُ الْقَطِيعَةَ ؛ وَالْقُنُوعُ وَضِدَّهُ الْحِرْصَ ؛ وَالْمُوَاسَاةُ وَضِدَّهَا الْمَنْعَ ؛ وَالْمَوَدَّةُ وَضِدَّهَا الْعَدَاوَةَ ؛ وَالْوَفَاءُ وَضِدَّهُ الْغَدْرَ ؛ وَالطَّاعَةُ وَضِدَّهَا الْمَعْصِيَةَ ؛ وَالْخُضُوعُ وَضِدَّهُ التَّطَاوُلَ ؛ وَالسَّلَامَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَاءَ ؛ وَالْحُبُّ وَضِدَّهُ الْبُغْضَ ؛ وَالصِّدْقُ وَضِدَّهُ الْكَذِبَ ؛ وَالْحَقُّ وَضِدَّهُ الْبَاطِلَ ؛ وَالْأَمَانَةُ وَضِدَّهَا الْخِيَانَةَ ؛ وَالْاءِخْلَاصُ وَضِدَّهُ الشَّوْبَ ؛ وَالشَّهَامَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَادَةَ ؛ وَالْفَهْمُ وَضِدَّهُ الْغَبَاوَةَ ؛ وَالْمَعْرِفَةُ وَضِدَّهَا الْاءِنْكَارَ ؛ وَالْمُدَارَاةُ وَضِدَّهَا الْمُكَاشَفَةَ .وَسَلَامَةُ الْغَيْبِ وَضِدَّهَا الْمُمَاكَرَةَ ؛وَالْكِتْمَانُ وَضِدَّهُ الْاءِفْشَاءَ ؛ وَالصَّلَاةُ وَضِدَّهَا الْاءِضَاعَةَ ؛وَالصَّوْمُ وَضِدَّهُ الْاءِفْطَارَ ؛وَالْجِهَادُ وَضِدَّهُ النُّكُولَ ؛وَالْحَجُّ وَضِدَّهُ نَبْذَ الْمِيثَاقِ ؛ وَصَوْنُ الْحَدِيثِ وَضِدَّهُ النَّمِيمَةَ ؛وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَضِدَّهُ الْعُقُوقَ ؛ وَالْحَقِيقَةُ وَضِدَّهَا الرِّيَاءَ ؛وَالْمَعْرُوفُ وَضِدَّهُ الْمُنْكَرَ ؛وَالسَّتْرُ وَضِدَّهُ التَّبَرُّجَ ؛ وَالتَّقِيَّةُ وَضِدَّهَا الْاءِذَاعَةَ ؛وَالْاءِنْصَافُ وَضِدَّهُ الْحَمِيَّةَ ؛وَالتَّهْيِئَةُ وَضِدَّهَا الْبَغْيَ ؛وَالنَّظَافَةُ وَضِدَّهَا الْقَذَرَ ؛ وَالْحَيَاءُ وَضِدَّهُ الْجَلَعَ ؛وَالْقَصْدُ وَضِدَّهُ الْعُدْوَانَ ؛وَالرَّاحَةُ وَضِدَّهَا التَّعَبَ ؛ وَالسُّهُولَةُ وَضِدَّهَا الصُّعُوبَةَ ؛وَالْبَرَكَةُ وَضِدَّهَا الْمَحْقَ ؛ وَالْعَافِيَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَاءَ ؛وَالْقَوَامُ وَضِدَّهُ الْمُكَاثَرَةَ ؛وَالْحِكْمَةُ وَضِدَّهَا الْهَوى ؛وَالْوَقَارُ وَضِدَّهُ الْخِفَّةَ ؛ وَالسَّعَادَةُ وَضِدَّهَا الشَّقَاوَةَ ؛وَالتَّوْبَةُ وَضِدَّهَا الْاءِصْرَارَ ؛وَالِاسْتِغْفَارُ وَضِدَّهُ الِاغْتِرَارَ ؛ وَالْمُحَافَظَةُ وَضِدَّهَا التَّهَاوُنَ ؛وَالدُّعَاءُ وَضِدَّهُ الِاسْتِنْكَافَ ؛ وَالنَّشَاطُ وَضِدَّهُ الْكَسَلَ ؛وَالْفَرَحُ وَضِدَّهُ الْحَزَنَ ؛وَالْأُلْفَةُ وَضِدَّهَا الْفُرْقَةَ ؛وَالسَّخَاءُ وَضِدَّهُ الْبُخْلَ . فَلا تَجْتَمِعُ هذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا مِنْ أَجْنَادِ الْعَقْلِ إِلَا فِي نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ أَوْ مُؤْمِنٍ قَدِ امْتَحَنَ اللّه ُ قَلْبَهُ لِلْاءِيمَانِ ، وَأَمَّا سَائِرُ ذلِكَ مِنْ مَوَالِينَا فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ هذِهِ الْجُنُودِ حَتّى يَسْتَكْمِلَ وَيَنْقى مِنْ جُنُودِ الْجَهْلِ ، فَعِنْدَ ذلِكَ يَكُونُ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ عليهم السلام ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْعَقْلِ وَجُنُودِهِ ، وَبِمُجَانَبَةِ الْجَهْلِ وَجُنُودِهِ ؛ وَفَّقَنَا اللّه ُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ» .

.


1- . السند في الكافي كذا: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن سماعة بن مهران».

ص: 245

. .

ص: 246

هديّة :«الموالي»: جمع المولى ، بمعنى المحبّ والناصر. (جعلت فداك). «الفداء» بالكسر ممدود ، وبالفتح مقصور . و«الروحاني» بالضمّ : نسبة إلى الروح ، بزيادة الألف والنون للمبالغة. قال الجوهري: وزعم أبو عبيدة : أنّ العرب تقول لكلّ شيء فيه روح : روحانيّ بالضمّ . ومكان رَوْحاني بالفتح، أي طيّب 1 . والظرف خبر ثان ، أو بيان ، أو صفة ، أو حال . و(يمين العرش) لعلّه كناية عن لطفه تعالى، وشماله عن سخطه وقهره. وقال بعض المعاصرين: العرش عبارة عن جميع الخلائق ، كما ورد في الحديث ، ويمينه أقوى جانبيه وأشرفهما، وهو عالم الروحانيّات، كما أنّ يساره أضعفهما وأدونهما، وهو عالم الجسمانيّات (1) . انتهى. فأمّا الحديث الذي أشار إليه هو أنّ الصادق عليه السلام سُئل عن العرش والكرسيّ، ما هما؟ فقال: «العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسيّ وعاؤه . وفي وجه آخر : العرش هو العِلْم الذي أطْلع اللّه عليه أنبياءه ورسله وحججه عليهم السلام ، والكرسيّ هو العلم الذي لم يُطْلِع عليه أحدا من أنبيائه ورسله وحججه عليهم السلام (2) ». ف «جملة الخلق» سواء قرئ بالجيم ، أو بغير المنقوطة : منها الجنّات بحورها وقصورها وأنهارها ، وهي روضات جسمانيّة نورانيّة. والإضافة في «من نوره» للتشريف والتكريم ، كما في «نَفَخْتُ فِ_يهِ مِنْ رُوحِي» (3) ، و«عيسى روح اللّه ». (4) أو كلمة «من» ابتدائيّة للسببيّة ؛ إشارةً إلى أنّه خالق من بحت (5) العدم من غير واسطة شيء آخر من مادّة وغيرها. وقال بعض المعاصرين : أي من نور ذاته الذي هو عين ذاته. (6) (فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فأقبل). قد علم بيانه ببيان الأوّل مفصّلاً. ولا منافاة بين الحديثين بحسب تقديم الأمر بالإقبال في الأوّل ، والعكس في الثاني ؛ لما سبق ذكره . بيانه : أنّ الأمر بالنظر إلى عظمة الخالق تعالى بقدر الطاقة، ثمّ بالنظر إلى عجز المخلوق يلزمهما الأمر ثالثا بما أمر به أوّلاً ، للمعرفة والإقرار بالعبوديّة. وكذا الأمر بإدبار الجهل؛ يعني بالنظر إلى مخلوقيّته وعجزه، ثمّ الأمر بملاحظة عظمة خالقه لا يكونان إلّا بعد الأمر أوّلاً بملاحظته ما أمر به ثالثا ، فلظهور الأمر اكتفى أبو جعفر عليه السلام في الحديث السابق ، وأبو عبداللّه عليه السلام في هذا الحديث ، وأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في الحديث الذي نقلناه فيما سبق من كتاب الخصال بذكر حكاية الأمرين عن ثالثهما في الأوّل وأوّلهما في الثاني. وقال بعض المعاصرين: معنى الإدبار هنا بعينه هو معنى الإقبال في الحديث الأوّل ، والتعبير عنه بكلّ منهما صحيح ؛ فإنّ اللّه تعالى بكلّ شيءٍ محيط. فالإقبال إليه عين الإدبار عنه وبالعكس، فلا منافاة بين الحديثين في التقديم والتأخير (7) . انتهى. (ثمّ خلق الجهل) إلى مثل قوله سبحانه: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِ_يمِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّم_واتِ وَالأَرضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» (8) . ونور الأنوار في سلسلة المخلوقات من بحت العدم نور نبيّنا صلى الله عليه و آله ، ورئيس الملحدين في مهالك الظلمات إبليس اللّعين ، وهو _ لعنه اللّه _ عند الصوفيّة _ لعنهم اللّه _ رئيس الموحّدين. وقال بعض المعاصرين: وهو _ أي الجهل _ جوهر نفساني ظلماني خلق بالعرض وبتبعيّة العقل من غير صنع فيه غير صنع العقل (9) . انتهى. «اُجاج (10) »: كغراب : مرّ مالح. «استكبرت» بفتح الهمزة على الاستفهام ، للتعيّير والتوبيخ . و«اللّعن» : الطرد والإبعاد من الرحمة. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد ب «العرش»: استيلاء حكومة ربوبيّته تعالى على جميع ما سوى اللّه . وسيجيء في باب العرش والكرسي من كتاب التوحيد أنّ العرش عبارة عن العلم الذي اُوحي إلى الرّسل عليهم السلام . والمراد ب «يمينه»: الماء العذب الذي خلق منه الجنّة ، وأهل الطاعة وما يناسبهما. والمراد ب «نور اللّه »: مادّة أهل الطاعة من جملة يمين العرش كما يجيء في الثامن عشر والعشرين في الباب العشرين. قال اللّه في سورة هود: «وَكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ» . (11) «فقال له»؛ أي للعقل «أدبر فأدبر»؛ أي اذهب ، واعلم أحكامنا بواسطة الوحي وغيرها بنفسك من غير حاجة إلى الوحي. «ثمّ قال له: أقبل»؛ أي إلينا ، واعلم أحكامنا بواسطة الوحي وغيرها من عندك، «فأقبل» وآمن بالغيب. والمراد ب «شمال العرش»: الماء الاُجاج الظلماني الذي منه مادّة النار ، وأهل المعصية وما يناسبهما. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «وهو أوّل خلق من الروحانيّين» . «الروح» _ بالضمّ _ : ما دقّ ولطف عن إدراك الحواس من الجواهر ، فلا يدرك من جهة البصر من خارج ، فكلّ من هذا شأنه يكون من عالم الأمر ، ومقابله عالم الخَلْق . ويطلق الروح على النفس الإنسانيّة والمَلَك . وقد يُطلق على ما به الحياة ، فيشمل غير الإنسان من الحيوانات . والنسبة إليه «روحانيّ» بالضمّ . ويطلق على كلّ واحد باعتبار النسبة إلى الطبيعة ، كما يُقال لكلّ واحد من أنواع الحيوان مثلاً : «إنّه نوع حيواني» . ويجوز أن يكون إطلاق الروحاني على المَلَك باعتبار النسبة إلى الروح الإنساني، وهو الغالب إطلاقه عليه بشدّة المناسبة والارتباط. ويحتمل أن يكون باعتبار النسبة إلى الروح الذي هو مَلَك وجهه كوجه الإنسان ، فيطلق على كلّ مَلَك سواه ، للنسبة إليه وكونه من جنسه ، وعليه تغليبا ، كالذاتي على النوع. وبالجملة، فالعقل: «أوّل خلق من الروحانيّين» خلق اللّه «عن يمين العرش»؛ أي أشرف جانبيه وأقواهما وجودا «من نوره»؛ أي من نور منسوب إليه تعالى ؛ لشرفه ، أو من ذاته لا بواسطة شيء ، أو عن مادّة ، أو فيها . «ثمّ خلق الجهل من البحر الاُجاج ظلمانيّا»؛ أي من المادّة الظلمانيّة الكَدِرَة ، أو بواسطتها. والمراد بالجهل هنا مبداُ الشرور والمضارّ والمكايد والآفات والمناقص والمفاسد، كما أنّ العقل مبداُ الانكشاف واختيار الخير والنافع. فإن قيل : في الحديث الأوّل ذكر الأمر بالإقبال أوّلاً بعكس ما في الحديث. قلنا: لا منافاة لجواز تعدّد (12) الأمر بالإقبال أو الأمر بهما . 14 انتهى . في بيانه هذا أشياء يستدعي البيان، فغرضه من قوله: «أو من ذاته تعالى» الإشارة إلى أنّ اللّه تعالى خالق الأشياء من بحت العدم لا من شيء من مادّة قديمة وغير ذلك. ومن قوله: «أو من مادّة أو فيها» الإشارة إلى نفي مطلق الواسطة من المادّة والمحلّ والمكان وغير ذلك ممّا سوى اللّه . ومن قوله: «أو بواسطتهما» (13) الإشارة إلى أنّ المادّة الظلمانيّة واسطة مخلوقة من بحت العدم بدليل الإشارتين الأوّلتين. (ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعين جندا). «الجند» : العسكر ، ويُطلق على الأعوان ، والأنصار ، وعلى كلّ واحد من كلّ منهما. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: إطلاق الجند على كلّ واحد باعتبار الأقسام والشّعب والتوابع ، فكلّ واحد _ لكثرة أقسامه وتوابعه _ كأنّه جند (14) . انتهى . غرضه أن يشير أيضا إلى حلّ الإشكال الوارد لعدم موافقة العنوان للتفصيل. والمفصَّل عددا : ثمانية وسبعون ، والزائد ظاهرا: الرّجاء وضدّه ، أو الطمع وضدّه ، أو العافية وضدّه ، أو السلامة وضدّه ، أوالفهم وضدّه في أحد الموضعين . ويمكن دفع الإشكال بعدم المنافاة بين تعيين العدد قبل التفصيل وتكرار البعض في التعداد؛ لمزيد الاهتمام بمعرفته وضبطه الاُمّة (15) بالطمع في رحمته تعالى ، وبشكر نعمة السلامة من بلائه ، ونعمة الفهم الذي به يمتاز المتوحّد المتمسّك بالمعصوم عن الملحد التابع لمثل ابن العربي الشّوم. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : هذا الكلام ليس على الحقيقة، والمراد أنّ أوصافا كثيرة خلقها اللّه ليكون بعضها (16) أعوانا للعقل ، والمقابل للمقابل. وقال الشيخ بهاء الملّة والدِّين رحمه اللّه : لعلّ الثلاثة الزائدة إحدى فقرتي الرجاء والطمع ، وإحدى فقرتي الفهم ، وإحدى فقرتي السلامة والعافية ، فجمع الناسخون بين البدلين غافلين عن البدليّة. (17) وقال الفاضل صدر الدين محمّد الشيرازي: لعلّ الثلاثة الزائدة: الطمع والعافية والفهم ؛ لاتّحاد الأوّلين مع الرجاء والسلامة المذكورين . وذكر الفهم مرّتين في مقابلة اثنين متقاربين. ولعلّ الوجه في ذلك أنّه لمّا كان كلّ منها غير صاحبته في دقيق النظر ذكرت على حِدة . ولمّا كان الفرق دقيقا خفيّا والمعنى قريبا لم يحسب من العدد . انتهى. وقال بعض المعاصرين (18) مثله. وقال الشارح المازندراني: ليس في العنوان ما يفيد الحصر إلّا مفهوم العدد ، وهو ليس بمعتبر كما بيّن في الاُصول، فالمراد الكثرة. (19) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: لعلّ العبادات الأربع: الصلاة ، والصيام، والحجّ ، والجهاد محسوبة بواحد. (أضمر له العداوة). ناظر إلى مثل قوله تعالى: «وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أَبَدا حَتّى تُ_ؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ» (20) . ولا منافاة بين إضماره العداوة وظهورها إلى يوم القيامة من غير أن يظهرها ؛ لعدم قدرته على إمضائها ، و «لَيْسَ لَهُ سُلْطَ_نٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَ_نُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ» (21) . (هذا خلق مثلي) أي مخلوق مثلي ، وخالقنا واحد. (الخير وهو وزير العقل)؛ لملازمة سائر جنود العقل له كملازمة سائر جنود السلطان لوزيره. وقد روى أنس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «يخرج من النار من قال لا إله إلّا اللّه وكان في قلبه من الخير ما يزن مثقال ذرّة». (22) ولا خير في مبتدعي الرهبانيّة في الإسلام. وقد روى الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لا خير فيمن لا يحبّ جمع المال من الحلال فيكفّ به وجهه ، ويقضي به دينه ، ويصل به رحمه». (23) ولعلّ الفرق هنا بين الإيمان والتصديق ، بالتصديق بالقلب وبالقلب واللّسان ، أو بالإجمال والتفصيل . (والرّجاء) بالفتح يمدّ ويقصر . وقد يفرّق بينه وبين «الطمع». وكذا بين «القنوط» و«اليأس» بتخصيص الرجاء والقنوط باُمور الآخرة ، والطمع واليأس بأمور الدنيا ؛ لقوله تبارك وتعالى: «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِ_يعا» (24) وقوله جلَّ ذكره: «فَتَحَ_سَّ_سُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِ_يهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ» (25) . ويمكن الفرق بتخصيص «الرجاء» بما يعطى بالاستحقاق ، و«الطمع» بما يتفضّل بدونه. وقال برهان الفضلاء: و«الواو» في «والرجاء» بمعنى «مع» للتأكيد الاتّصالي المفهوم من «الفاء» في «فكان». فالرجاء منصوب . وهو أوّل الخمسة والسبعين . ونظائره منصوبة معطوفة عليه ، فإنّا نجعل الخمسة والسبعين خمس طوائف ، وكلّ جند كذلك ، المقدّمة ، والقلب، والميمنة ، والميسرة ، والساقة . وكلّ طائفة خمسة عشر. (والتوكّل وضدّه الحرص) في كثير من النسخ المعتبرة ضبط بالصّاد المهملة ، كما ضبطه برهان الفضلاء. وقال السيّد الباقر: ثالث المعلّمين الشهير بداماد رحمه اللّه : إنّه الحرض ، بالضاد المعجمة والتحريك ، وهو الهمّ بالشيء ، والحزن له . والوجد عليه . و«الحرص» بالمهملة تصحيف ، وهو ضدّ القناعة. وفي جعله ضدّ التوكّل يلزم أن يكون جند الجهل أقلّ من خمسة وسبعين. (26) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه اللّه : من يصحّف «الحرض» ضدّ «التوكّل» فيتوهّمه بالصّاد المهملة كما هو ضدّ القناعة، ولا يفرق بين «البلاء» ضدّ العافية و«البلاء» ضدّ السلامة ، فيتوهّهما بمعنى واحد، فيلزمه أن يكون جند الجهل ثلاثة وسبعين . والحقّ أنّ ضدّ «القناعة» : «الحرص» بالمهملة ، وضدّ «التوكّل» : «الحرض» بالمعجمة والتحريك ، أي الهمّ بالشيء ، والحزن له ، والوجد عليه ، وتفرّق البال في التوصّل إليه. رجل حرض : فاسد مريض ، والذي أذابه العشق في معنى محرض، أحرضه الحبّ : أفسده . و«البلاء»: ضدّ العافية ، بمعنى البلوى والبليّة ، وضدّ السلامة «البلاء» بمعنى الاختبار والامتحان . انتهى. وهنا إشكال سيذكر بجوابه إن شاء اللّه تعالى . ولعلّ المراد ب (الجهل) الذي هو من جنود الجهل ، ضدّ العلم الذي هو من جنود العقل. والفرق بين (الرأفة) و(الرحمة) يمكن من وجوه ؛ نظرا إلى ذوي الأرحام، والتعميم ، والقلب وحده ، ومع غيره ، ورقّة القلب مع القدرة على الإحسان ، والقدرة على الانتقام ، والتعميم ، وعدم القدرة ، والتخصيص. وكذا الفرق بين (الحمق) و(الغباوة) يمكن بالإطلاق ، والتقييد ، والتعميم، والتخصيص. وقيل : الفرق بينهما كالفرق بين الجهل المركّب والبسيط . (27) و(العفّة): حفظ الشهوة من الحرام . و(الزّهد) : عدم الرغبة في الدنيا الحرام . وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الزّهد فقال: «هو الاجتناب عن الحرام لا الحلال . ولا رهبانيّة في الإسلام». (28) و(الرِّفق) بالكسر : التلطّف ولين الجانب . و(الخرق) بالضم وبضمّتين : الخشونة والثقل على القلوب . و(الرهبة) بالفتح : الخوف من سخط اللّه تعالى . و(الجرأة) _ كالجرعة والجماعة _ يعني على ارتكاب محارم اللّه . و(التؤدة) كلمزة : التأنّي في الاُمور. و(السّفه) : الخفّة والطيش. و(الصمت) بالفتح : السكوت عمّا لا طائل فيه. و(الهذر) بالفتح ويحرّك : الهذيان وما لا فائدة فيه من البيان. و(الاستسلام) : الطاعة والانقياد . و(التسليم) : تصديق جميع ما جاء به الحجّة المعصوم وإن كان لا يدرك عقول الرعيّة وجهه وكيفيّته ، كالمعراج ، والأحكام المخالفة للقياس. (والصفح): الإعراض عمّا لا يليق والعفو عنه . (والغنى) بالكسر والقصر : ضدّ الفقر ، فإذا فُتحت مدّدت ، وبالكسر والمدّ التغاني. وقال بعض المعاصرين: يعني الغناء بالحقّ ، أو غناء النفس ، أو التغاني. (29) «الفقر» في مقابلة «الغناء»، بمعنى التغاني بالتفاقر ؛ حيث قال: «وضدّه الفقر» يعني إلى الخلق ، أو فقر النفس ، أو التفاقر. (30) (والتذكّر وضدّه السهو). ونسخة «والتفكّر» مكان «والتذكّر»، كماترى. (والحفظ) ، يعني حفظ قول الحجّة المعصوم وما يطابق قوله عليه السلام ؛ فإنّه أعظم ألطاف أرحم الراحمين بالعباد ، العليم بما في الصدور إلى يوم التناد قبل أن يخلق الصدور والأفئدة ويصدر الأفكار المستقيمة والفاسدة. (والتعطّف) : الرحمة ، والميل ، والإشفاق . والفرق بين «المودّة» و«الحبّ» والضدّين : «العداوة» و«البغض» يمكن بالتخصيص، والتعميم ، والظهور ، والكمون وغير ذلك من الأنحاء. (والمؤاساة) : المداراة مع الإخوان في الدِّين بالمساهمة في المعاش. و(التطاول) : الترفّع والاستحقار. (والسلامة وضدّها البلاء) ، (والعافية وضدّها البلاء) فالفرق إمّا بأنّ السلامة في الدنيا ، والعافية في الدنيا والآخرة. وفي الصحيفة الكاملة: «عافية الدنيا والآخرة» (31) . أو بأنّ «السلامة» : الأمنيّة من آفات الدِّين ، و«العافية» من آفات الدنيا أيضا. ويمكن بوجوه اُخر أيضا. وقد أوردوا هنا إشكالاً : أنّه قد ورد في الحديث: «إنّ البلاء موكّل بالأنبياء ثمّ الأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل» (32) ، فكيف يكون من جنود الجهل ما هو يلازم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ؟ فاُجيب: بأنّ البلاء مع صحّة الإيمان هو السلامة؛ بمعنى الأمنيّة من الآفات الدينيّة ، وهي من جنود العقل. وكذا الفقر مع سلامة الدِّين غير الفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين (33) ، والفقر الذي كاد أن يكون كفرا (34) . ومن خصائص الإمام أنّه لا يكون فقيرا أبدا. وفقر الشاكر الراضي غنى، وفقر غيرهما من جنود الجهل ، فلا إشكال أيضا بما روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «قال اللّه تعالى: يا موسى، إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنبٌ عُجّلت عقوبته». (35) يعني آلاته وأسبابه. والمراد أنّ الجهاد الأكبر أشدّه إنّما هو مع الغنى . وأين جهاد أكبر لسلامة الدِّين من الجهاد مع العدوّ المبين الغير المبين بالغناء والعافية من ربّ العالمين؟! (والإخلاص وضدّه الشّوب) . وللإخلاص _ سواء كان في الاعتقاد ، أو في الأعمال _ مراتب أعلاها شأن المعصومين عليهم السلام . قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: «ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنّتك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك». (36) وقال أبو عبداللّه عليه السلام : «العبّاد ثلاثة؛ قومٌ عبدوا اللّه خوفا ، فتلك عبادة العبيد، وقومٌ عبدوا اللّه طلبا للثواب ، فتلك عبادة الاُجراء، وقومٌ عبدوا اللّه حبّا له ، فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة». (37) وقال الباقر عليه السلام : «مَن بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه». (38) فقول القدريّة : القيد كفر ولو كان باللّه ، كفر مزخرف صدر من سنخ الإلحاد والزندقة ، كقولهم: إنّ إبليس رئيس الموحّدين، واللّعين رئيس الملحدين. (والشهامة) : ذكاء الفؤاد ، ولها معنى آخر وهو الشجاعة والجلادة. شَهُم الرجل _ كحسن _ شهامةً بالفتح فهو شَهْم بالفتح وإسكان الهاء ، أي جلد ذكيّ الفؤاد. والمراد ب (المعرفة) : معرفة الحجّة المعصوم المحصور عدده في علمه بتقديره تبارك وتعالى كأبراج السماء ، والعلم أعمّ . وقد يفرق بأنّها إدراك الجزئيّات ، والعلم إدراك الكلّيّات ، أو بأنّها إدراك البسائط ، وهو إدراك المركّبات ، أو هي التصوّر ، وهو التصديق. (39) وقال بعض المعاصرين: المراد هنا من المعرفة إدراك الشيء ثانيا ، وتصديقه بأنّ هذا ذاك الذي قد أدركه أوّلاً؛ لأنّ الإنكار لا يصلح أن يكون ضدّا إلّا لمثل هذا المعنى (40) . انتهى. (والمداراة وضدّها المكاشفة) قيل: أي المكاشفة بالعداوة حالة التقيّة . والأولى تفسير المداراة بستر عيوب الناس ، أو مطلق العيوب ، والكفّ عن الأذى بكشف حجاب الحياء؛ لمكان ذكر التقيّة خاصّة من الجنود . (وسلامة الغيب) هي التخلّي من المخالفة في الغيبة ، ولا تكون إلّا للسليم من النفاق في الحضور ، فلإخوانه في الدِّين أمنيّةٌ منه في غيبته أيضا. (والكتمان): ستر عيوب الإخوان ، وهو غير المداراة ؛ لما بيّن . ول «إضاعة الصلاة» مراتب بتركها ، أو بترك شيء منها ، أو سننها وآدابها ، أو عدم المحافظة على أوقاتها ، وبحضور القلب في تمامها أو بعضها ونحو ذلك ممّا يوجب نقصانها. ومن مزخرفات القدريّة أنّ معنى قوله صلى الله عليه و آله : «صلاة الجماعة خيرٌ من صلاة ألفذّ بخمسة وعشرين درجة» (41) : أنّها لجمعيّة الخاطر ، وموافقة الباطن الظاهر خيرٌ منها بالظاهر وحده . وهو وهم مموّه ؛ إذ لا درجة للصلاة بالظاهر وحده أصلاً ، ثبّت العرش ثمّ انقش . ول «الإفطار» أيضا مراتب بالأكل _ مثلاً _ والكذب ، والغيبة ، والخناء ، والجدال وغير ذلك ممّا يضيّعه أو ينقصه . وكذا ل «الجهاد» أصغره وأكبره ، وأعلى مراتب كِبَره مجادلة النفس في هواها ما يخالف الشرع في الأقوال والأعمال ، سيّما مع الغنى والعافية والمعاشرة مع الناس. ولذلك أيضا مراتب لمكان المعصوم ، والعادل ، والأعدل . والأشياء تُعرف بأضدادها. و(نبذ الميثاق) هنا : ترك الوفاء بعهد اللّه على عباده في الميثاق أن يحجّوا مع الاستطاعة ، ويتذكّروا الميثاق الذي أودعه اللّه في الحجر الأسود من إقرارهم بربوبيّته تعالى ، ونبوّة محمّد صلى الله عليه و آله وولاية أمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات اللّه عليهم، ليشهد يوم العرض الأكبر لكلّ مَن وافاه بالمعرفة الدينيّة كما جاءت به روايات. وسيذكر في كتاب الحجّ إن شاء اللّه تعالى. و(النميمة) خاصّة بالقول ، فأخصّ من (الإفشاء)، كصون الحديث من الكتمان. ويظهر بالفرق بين (الشّوب) و(الرياء) من وجوه الفرق بين (الإخلاص) و(الحقيقة) . (والستر) بالفتح : تغطية ما يستهجن كشفه شرعا أو عرفا. و(التبرّج) : التظاهر بذلك. و(الإنصاف) : إظهار النصف ولو عليه . و«حميت» عن كذا كرمى حميّة _ كعطيّة ، ومحميّة كمنزلة _ : إذا أنفت منه، وداخلك عار وأنفة أن تفعله، أو تقربه، يُقال : فلان أحمى أنفا وأمنع ذمارا من فلان. والذِّمار بالذّال المعجمة _ ككتاب _ : ما يلزمك حفظه وحمايته. (والتهيئة) بالهمز _ كالتفدية ، ويشدّد كالتقيّة _ : الإصلاح . (وضدّها البغي) أي الإفساد وطلب الشرّ. و(الخلع) كالنزع لمنع النزع إلّا أنّ في الخلع مهلة . ومنه : فلان خليع العذار، أي (42) اللّجام : غير المبالي بارتكاب القبايح . (والقصد) عدم التجاوز من الوسط بالإفراط أو التفريط. (والراحة): الفراغ عن التعب بالجدّ ، وتشويش الخاطر في هوى النفس للاُمور الممنوعة. (والقوام) بالفتح : التوسط في الإنفاق من غير إسراف وإمساك، قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَ_قُوا لَمْ يُ_سْرِفُوا وَلَمْ يَ_قْتُ_رُوا وَكانَ بَيْنَ ذ لِكَ قَواما» (43) . و«القوام» بالكسر : نظام الشيء وعماده. (والحكمة) : العلم بأنّ الحقّ من العلوم ما هو من المعصوم . و(الهوى) : غرور النفس برأيها في تحصيل العلوم. و(التهاون) : الاستحقار ، والاستخفاف بترك المحافظة على أوقات فعل الخيرات. (والنشاط) بالفتح : السرور بالإقبال إلى الطاعة كما أمر مفترض الطاعة. (والاُلفة) : الموانسة مع الخلق على ما اُمروا به للجهاد الأكبر ، وضدّها الوحشة عنهم كما يفعل الصوفيّ القدريّ في أوائل السلوك ، ثمّ يألف الناس لإضلالهم بالمقالات المفسدة والعبادات المهلكة . (أو مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للإيمان). ضروب الامتحان للإيمان أكثر من أن يحصى بالبيان، لكن أعظمها في هذه الاُمّة الابتلاء بطريقة القدريّة الناشئة من لطايف أفكار الشيطان في أواخر عمره الطويل للإماميّة من البضع والسبعين ، وأعظم مراتب ذلك ، الأعظم مطالعة كتب الفلاسفة والقدريّة ، ثمّ المصاحبة معهم والمجالسة إليهم ، ثمّ الإصغاء إلى مكالمتهم المحفوفة بالأحاديث ، وآيات القرآن ، والحكمة ، والموعظة ، والتغاني ، والأشعار الحسنة ، والأمثال اللّطيفة وغير ذلك من أسباب الامتحانات العظيمة، عصمنا اللّه من خدع الشيطان الرجيم ، وحسبنا اللّه ونِعمَ الوكيل. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الخير وهو وزير العقل» . في المصادر : (خير ، از كسى بهتر بودن وبهترين بر گزيدن)، ولعلّه المراد دون غيره ، كالمعنى التفصيلي، والشرّ مقابله. «والإيمان» : هو الاعتقاد الجازم الثابت بالمبدأ ، وما يتبعه وينسب إليه من المعارف الضروريّة ، اعتقادا لا يجامع الردّ والإنكار، بل ترك الاعتراف والإقرار اختيارا ومقابله الكفر. والمراد ب «التصديق» أن يصدّق بما يظهر حقيقته عليه من غير تلك المعارف ، أو أن يصدّق مدّعي الحقّ إذا عرفه ، ومقابله الجحود. و«الرّجاء» بالقصر وقد يُمدّ. والمراد بها توقّع حصول ما يحصل بالاستحقاق، كالدّرجات الاُخرويّة ، ويفارقه الطمع بأنّه فيما ليس حصوله بالاستحقاق كالنعمة الدنيويّة . و«القنوط» المقابل للرجاء : الحكم بعدم حصول ما حصوله بالاستحقاق له ؛ للجزم بعدم الاستحقاق فلا يسعى له. و«اليأس» المقابل للطمع المعدود من جنود العقل : القطع بعدم حصول التوسعة الدنيويّة ، فيترك طلبها عند الحاجة. «والتوكّل» هو الاعتماد على اللّه فيُجمل في الطلب ، ويكون الوثوق باللّه والاعتماد عليه لا على طلبه . ومقابله الحرص . و«الرأفة» هي العطوفة الناشئة عن الرقّة ، ومقابلها القسوة والغلظة. «والرحمة»: هي الميل النفساني الموجب للعفو والتجاوز ، ومقابله الغضب. «والعلم» يشمل التصوّر والتصديق، ومقابله الجهل ، بسيطه ومركّبه. «والفهم» : إدراك الاُمور الجزئيّة. ولعلّ المراد به هنا المتعلّقة بالحكمة العمليّة، ومقابله الحمق. «والعفّة» : الامتناع عن مقتضى القوّة الشهويّة من الملاذّ الحيوانيّة المتعلّقة بالبطن والفرج ، فلا يأتي بها إلّا بقدر الحاجة للمنفعة آثرا أحسن وجوهه . ومقابله التهتّك. «والزهد»: الاكتفاء بالزهيد ، أي القليل من الدنيا ، وهو أقلّ ما يصلح للقناعة رغبةً عنها . ومقابله الرغبة وشدّة الميل إليها. «والرّفق» هو حسن الصنيعة والملاءمة . ومقابله الخرق . والأخرق : من لا يُحسن الصنيعة. «والحُلم» : الأناة وإمساك النفس عن هيجان الغضب . ومقابله السفه؛ يعني التسرّع إلى الإفساد الذي من آثار خفّة العقل. «والصمت»: وهو هنا السكوت عمّا لا يحتاج إليه . ومقابله الهذر. «والاستسلام»: هو الانقياد، ويشتمل على شيئين : الخضوع ، والتصديق. فبالاعتبار الأوّل عبّر عنه بالاستسلام وجعل مقابله الاستكبار ، وبالاعتبار الثاني عبّر عنه بالتسليم وجعل مقابله الشكّ. «والغنى» كإلى ، وإذا فُتح مُدّ . وينبغي أن يحمل على غناء النفس ؛ فإنّه من أحوالها وآثارها ومن توابع العقل. وأمّا الغنى بالمال فليس بصنعه، فكم من عاقل لبيب مهذّب اللّبّ (44) عنه الرزق منحرف ، بل العقل ممّا يضيّق المداخل ، والجهل يوسعها . ومقابله الفقر. «والتفكّر». وفي بعض النسخ بدله «والتذكّر»، وهو يلزم التفكّر ، ولا يجامعها السّهو والغفلة. ثمّ ذكر «القنوع» وقابله بالحرص . و«القناعة»: الرضا بما دون الكفاف ، وعدم طلب الزيادة . ولمّا كان الحرص زيادة السعي في الطلب ويشتمل على شيئين ، الإفراط في الطلب، والاعتماد على الطلب الذي يلازمه ، جعله باعتبار اشتماله على الأوّل مقابل القنوع ، وباعتبار اشتماله على الثاني مقابل التوكّل. «والحفظ» فإنّ العاقل يحفظ ما ينبغي حفظه ، والجاهل يتركه وينساه. ثمّ ذكر «المودّة»: وهي الإتيان بمقتضيات المحبّة والاُمور الدالّة عليها . ومقابلها «العداوة»: وهي الإتيان بمقتضيات المباغضة وفعل ما يتبعها. «والوفاء» بالعهد. ومقابله الغدر . «والطاعة»: وهي متابعة مَن ينبغي متابعته في أوامره ونواهيه . والمعصية مقابلها. «والخضوع» : التذلّل لمن يستحقّ أن يُتذلّل له. ومقابله «التطاول» و هو الترفّع . «والسلامة»: وهي البراءة من البلايا ، وهي العيوب والآفات . والعاقل يتخلّص منها حيث يعرفها ، ويعرف طريق التخلّص، والجاهل يختارها ويقع فيها من حيث لا يدري. «والحبّ» : هو الميل النفساني . والعاقل يميل إلى المحاسن ويريدها، وكذا من يتّصف بها ، بل العاقل يريد الخير لكلّ أحدٍ ولا يرضى بالشرّ والنقيصة لأحد ، فهو يحبّ الكلّ ، إنّما يبغض الشرور والمناقص . والبغض مقابله. ثمّ ذكر «الحقّ» . والمراد به اختيار الحقّ . ويقابله الباطل واختياره . «والشهامة» هي ذكاء الفؤاد وتوقّده ومقابلها البلادة . «والفهم» . ولعلّ المراد به هنا الإدراك المتعلّق بالنظريات بكمال القوّة النظريّة. ويقابلها العبادة . «والمعرفة»: وهي إدراك الشيء بصفاته وآثاره بحيث لو وصل إليه عرف أنّه هو، ومقابله «الإنكار»؛ يعني عدم حصول ذلك الإدراك ؛ فإنّ الإنكار يُطلق عليه كما يُطلق على الجحود. «والمداراة» وضدّها «المكاشفة» وهي المنازعة والمجادلة . «وسلامة الغيب» . والمراد سلامة غيره عنه في غيبته فلا يمكره. «وضدّها المماكرة». «والكتمان»؛ فإنّ العاقل من حاله وصفته أن يكتم ما يليق به الكتمان. «وضدّها الإفشاء». «والصلاة»، أي إقامتها ، والإتيان بها كما طلب منه . ومقابلها الإضاعة. «والصوم» بأن يكفّ النفس عمّا اُمر بالكفّ عنه . «وضدّه الإفطار». «والجهاد» والإقبال على نصرة الحقّ وبذل النفس فيها . ومقابله النكول. «والحجّ» وتذكّر العهد والميثاق للّه عزّ وجلّ بالربوبيّة ، ولمحمّد صلى الله عليه و آله بالنبوّة، ولعليّ عليه السلام بالوصيّة؛ حيث جعل الميثاق في الحجر ؛ لأنّه كان أوّل مَن أسرع إلى الإقرار بذلك ، فاختاره اللّه لأن يجعل فيه ميثاقهم ، فيشهد يوم القيامة لكلّ مَن وافاه وحفظ الميثاق كما هو المرويّ (45) . فمَن أتى بالحجّ راعى الميثاق وتذكّره ، ومن تركه لم يكن مراعيا للميثاق ولم يتذكّره ، فيكون ناسيا له وتاركا له . ولا يبعد أن يجعل العبادات الأربع جندا واحدا، فلا يزيد الجنود على ما ذكره أوّلاً. ثمّ قال: «والحقيقة». والمراد بها الخلوص في التوحيد. «وضدّها الرياء». «والمعروف» ، أي الإتيان به واختياره . «وضدّه المنكر» واختياره. «والستر» أي إخفاء ما ينبغي إخفاؤه. «وضدّه التبرّج» والإظهار. «والتقيّة»: وهي الستر في موضع الخوف . «وضدّها الإذاعة» والإفشاء. «والإنصاف» والتسوية بين نفسه وغيره . «وضدّه الحميّة» . «والتهيئة» والموافقة والمصالحة للجماعة وإمامهم . «وضدّها البغي» والمخالفة. «والنظافة» والطهارة . «وضدّها القذر» والنجاسة. «والحياء ، وضدّه الجلع» (46) وهو عدم الحياء ، أو قلّتها . «والقصد» : لزوم وسط الطريق الموصل إلى المقصود. «وضدّه العدوان» والخروج عن الطريق . «والراحة» واختيار ما يوجبها بحسب النشأتين . «وضدّها التعب». «والسهولة» أي اللين ، ويُسر المطاوعة ، واختيار السهلة السمحاء. (47) «والبركة»: وهي النماء والزيادة والبقاء والثبات ودوام العطيّة . ومقابلها «المحق» : وهو البطلان والمحو وذهاب البركة. فالعاقل يحصّل من الوجه الذي يصلح له ، ويصرف فيما ينبغي الصرف فيه ، فينموا ويزيد ، ويبقى ويدوم له. والجاهل يحصّل من غير وجهه ويصرف في غير المصرف ، فيبطل ماله ويذهب بركته. «والعافية» من المكاره . «وضدّها البلاء»، فالعاقل بالشكر والعفو يدوم عليه ويعفى عنه ، والجاهل بالكفران وشدّة المؤاخذة يبتلى بالمكاره وزوال النِّعم. «والقوام» كسحاب : هو العدل وما يعاش به . والمراد به هنا التوسّط. «والرضا بالكفاف ، وضدّه المكاثرة» : وهي المغالبة بالكثرة في المال والعدّة. «والحكمة» : وهي اختيار النافع والأصلح . «وضدّها الهوى» واتّباع الشهوة والغضب . «والوقار»: وهو النقل والرزانة. «وضدّه الخفّة» فإنّ العاقل لا يزول عمّا هو عليه لكلّ ما يرد عليه ، ولا يحرّكه إلّا ما يحكم العقل بالحركة له ، أو إليه لرعاية خير وصلاح . والجاهل يتحرّك للتوهّمات ، والتخيّلات ، واتّباع القوى الشهوانيّة والغضبيّة، فمحرّك العاقل قليل الحصول ، عزيز الوجود ، ومحرّك الجاهل كثير التحقّق ، قلّما يخلو عنه الأوقات والأزمان. «والسعادة وضدّها الشقاوة»؛ فإنّ العقل يختار ما يوجب حسن العاقبة وينتهي إليه، والجاهل بخلافه. «والتوبة وضدّها الإصرار»؛ فالعقل يوجب الندامة على القبيح ويأمر بالانتهاء عنه، والجهل بخلافه. «والاستغفار وضدّه الاغترار»؛ فالعاقل لا يغترّ لما يعلمه فيستغفره ، والجاهل يغترّ لجهله. «والمحافظة» أي على ما كلّف به . «وضدّها التهاون». «والدّعاء» والطلب من بارئه على جهة التذلّل . «وضدّه الاستنكاف». «والنشاط» في العمل للآجل . «وضدّها الكسل». «والفرح» فلا يحزن للاُمور الدنيويّة ؛ للعلم بزوالها وعدم ثباتها ، وللرضا بالقدر والقضاء فيها . «وضدّه الحزن» فالجاهل يحزن لها ولا يترتّب على حزنه إلّا زيادة مكروهٍ. «والاُلفة وضدّها الفرقة» ؛ فالعاقل يألف الموافق والمخالف بعقله ، والجاهل يفارقهما بجهله. «والسخاء وضدّه البُخل»؛ فالعاقل يسخى ويجود بماله ، فيعطي ما يزكو به ماله، والجاهل يمنعه ويبخل به. «أو مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للإيمان» يقال : امتحن اللّه قلوبهم ، أي شرحها ووسّعها (48) .

.


1- . الوافي ، ج 1 ، ص 60 .
2- . معاني الأخبار ، ص 29 ، باب معنى العرش والكرسي ، ح 2 ؛ وعنه في البحار ، ج 55 ، ص 28 ، ح 47 .
3- . الحجر (15) : 29 ؛ ص (38) : 72 .
4- . الكافي ، ج 2 ، ص 306 ، باب الحسد ، ضمن ح 3 .
5- . في «الف»: «تحت».
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 61 .
7- . لاحظ الوافي ، ج 1 ، ص 61 _ 62 .
8- . الأنعام (6) : 1 .
9- . الوافي ، ج 1 ، ص 62 .
10- . في «ب» و «ج»: «ماء اُجاج».
11- . هود (11) : 7 .
12- . في «ب» و «ج»: «تقدّم».
13- . في «ب» و «ج»: «بواسطتها».
14- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 61 .
15- . في «ب» و «ج»: «كالإهتمام».
16- . في «ب» و «ج»: «نصفها».
17- . حكاه عنه أيضا المازندراني في شرحه ، ج 1 ، ص 210 .
18- . الوافي ، ج 1 ، ص 64 .
19- . شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 210 . وليس في المصدر : «فالمراد الكثرة» .
20- . الممتحنة (60): 4.
21- . النحل (16): 99 و 100.
22- . روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة في صحيح البخاري ، ج 6 ، ص 2695 ، ح 6975 ؛ صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 180 ، ح 325 ؛ سنن الترمذي ، ج 4 ، ص 711 ، ح 2593 ؛ مسند أحمد ، ج 3 ، ص 116 ، ح 12174 .
23- . الفقيه ، ج 3 ، ص 166 ، ح 3615 ؛ الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 4 ، ح 10 ؛ الوسائل ، ج 17 ، ص 33 ، باب استحباب جمع المال من حلال ... ، ح 1 .
24- . الزمر (39) : 53 .
25- . يوسف (12) : 87 .
26- . حكاه عنه في شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 224 .
27- . احتمله الفيض في الوافي ، ج 1 ، ص 66 .
28- . لم أجده في مظانّه من كتب الحديث.
29- . الوافي ، ج 1، ص 67 .
30- . راجع: الوافي ، ج 1، ص 67 .
31- . الصحيفة السجّاديّة، ص 124، الدعاء 23.
32- . راجع: الكافي، ج 2، ص 252، باب شدّة ابتلاء المؤمن، ح 1 _ 4.
33- . عوالي اللآلي، ج 1، ص 40، ح 41.
34- . الكافي ، ج 2 ، ص 307 ، باب الحسد ، ح 4 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 40 ، ح 40 .
35- . الكافي ، ج 2 ، ص 263 ، باب فضل فقراء المسلمين ، ح 12 ؛ وراجع أيضا ؛ بحار الأنوار ، ج 13 ، ص 335 _ 340 ، باب ما ناجى به موسى عليه السلام ، ح 13 ، 14 ، 16 .
36- . بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 186 ؛ عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 404 ، ح 63 ؛ و ج 2 ، ص 11 ، ح 18 .
37- . الكافي ، ج 2 ، ص 84 ، باب ا لعبادة ، ح 5 ؛ بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 236 .
38- . الكافي ، ج 2 ، ص 87 ، باب من بلغه ثواب من اللّه ، ح 2 . وراجع أيضا الوسائل ، ج 1 ، ص 82 ، باب استحباب الإتيان بكلّ عمل مشروع روي .
39- . راجع: الوافي ، ج 1 ، ص 71 .
40- . الوافي ، ج 1 ، ص 71 .
41- . عوالي اللآلي ، ج 1 ، ص 341 ، ح 109 ؛ صحيح البخاري ، ج 1 ، ص 231 ، ح 619 ؛ صحيح مسلم ، ج 1، ص 449 ، ح 649 .
42- . في «الف»: «العذارى».
43- . الفرقان (25) : 67 .
44- . في «ب» و «ج»: - «اللّب».
45- . الكافي ، ج 4 ، ص 186 ، باب بدء الحجر والعلّة في استلامه ، ح 3 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 191 ، ح 2114 . وراجع: وسائل الشيعة ، ح 13 ، ص 317 _ 319 ، باب استلام الحجر ، ح 4 _ 11 .
46- . في «ب» و «ج»: «الخلع».
47- . في ا لمصدر بإضافة : «التي هي الملّة القويمة . «وضدّها الصعوبة» والإباء ، وعُسر المطاوعة ، أو الخروج عن السهلة السمحاء» .
48- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 61 _ 69 .

ص: 247

. .

ص: 248

. .

ص: 249

. .

ص: 250

. .

ص: 251

. .

ص: 252

. .

ص: 253

. .

ص: 254

. .

ص: 255

. .

ص: 256

. .

ص: 257

. .

ص: 258

. .

ص: 259

. .

ص: 260

. .

ص: 261

. .

ص: 262

. .

ص: 263

. .

ص: 264

. .

ص: 265

الحديث الخامس عشرروى في الكافي بإسناده (1) ، عن: الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا كَلَّمَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْنّاس (2) بِكُنْهِ عَقْلِهِ قَطُّ» . وَقَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّا _ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ _ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» .

هديّة :في بعض النسخ المعتبرة _ كما ضبط برهان الفضلاء ، والسيّد الأجلّ النائيني _ : «العباد» في صدر الحديث مكان «الناس» (3) . و«المعشر» كمنصب : الجماعة ، والجمع: معاشر. والحديث على أنّ إخبار الأنبياء عليهم السلام عن ضروريّات الدِّين بالنظر إلى جميع العقول المؤمنين باللّه واليوم الآخر على السواء ، كالشمس إلى جميع الأنظار، فتوهّم القدريّة أنّه بالرموز والكنايات خيال من يتخبّطه الشيطان من المسّ ؛ فإنّ المعنى إنّا لم نترك شيئا ممّا يحتاج إليه الناس ويسعه عقولهم ، فمن جاء بشيء ممّا لم نبيّنه، فإن كان ممّا لم يأباه ما بيّناه فهو من فروع ما بيّناه ، وإن كان ممّا يمنعه ما قلناه ، كاُصول القدريّة المأخوذة عن اُصول الفلاسفة والتناسخيّة فهو ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار ؛ إذ لا عقل إلّا عن اللّه ، أو عن المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: المراد ب «العباد» غير الأوصياء، وقد بيّن ببيان السابع أنّ للعقل مراتب ودرجات ، ولمّا كان الأنبياء عليهم السلام مسدّدين بروحٍ من أمرنا ، وهي التي عبارة عن جميع ألفاظ القرآن ومعانيها ، كما سيجيء في كتاب الحجّة في شرح الأوّل من باب الأرواح التي يسدّد اللّه بها الأئمّة عليهم السلام الباب السادس والخمسون، فلعقول الأنبياء عليهم السلام مزيّة علمها اللّه تبارك وتعالى. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ما كلّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله العباد بكنه عقله» أي نهاية (4) ما يدركه بعقله . «اُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم» أي بما يكون على قدرٍ يصل إليه عقولهم. (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع: «جماعة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في هامش «ب» و الكافي المطبوع : «العباد» بدل «الناس» .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 69 .
4- . في المصدر : «بنهاية» .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 69 .

ص: 266

الحديث السادس عشرروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ ، عَنْ جَعْفَرٍ بن محمّد ، عَنْ أَبِيهِ عليهماالسلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلواتُ اللّه عليه : إِنَّ قُلُوبَ الْجُهَّالِ تَسْتَفِزُّهَا الْأَطْمَاعُ ، وَتَرْتَهِنُهَا الْمُنى ، وَتَسْتَغْلِقُهَا (1) الْخَدَائِعُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «تستعلقها» .

ص: 267

هديّة :«استفزّه»: استخفّه ، وأخرجه من مقرّه ، أو من الأطماع المهلكة ، طمع القدري بخيالات فاسدة، وأفكار باطلة، اتّحاده بالاتّصال . «ارتهنه»: قيّده . و«المُنى» بالضمّ والقصر جمع المُنية ، وهي التشهّي ، وتمنّي ما لا يتوقّع حصوله، كتمنّي القدريّة ما يعدهم الشيطان ويمنّيهم ، وما يعدهم الشيطان إلّا غرورا. «استغلقه»: استسخره واستعبده. وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه _ : بإهمال العين ، أي تربطها بالحبال والمصائد، وفي بعض آخر _ كما ضبط السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله (1) _ : بالقافين من القلق : وهو الانزعاج والاضطراب. و(الخدائع) جمع خديعة 2 بالفتح ، اسم من خدعه _ كمنعه _ خدعا بالفتح ويكسر: ختله . وأراد به المكروه من حيث لا يعلم كاختدعه فانخدع. والحرب خدعةٌ ، مثلّثةً ، وكهمزة. قال في القاموس: وروي بهنّ جميعا ، أي تنقضي بِخُدْعة (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «تستفزّها الأطماع»، أي تستخفّها وتخرجها من مقرّها . «وترتهنها. المُنى»، وهي إرادة ما لا يتوقّع حصوله. والمراد به ما يعرض للإنسان من أحاديث النفس وتسويل الشيطان ، أي تأخذها وتجعلها مشغولة بها ، ولا تتركها إلّا بحصول ما يتمنّاه . «وتستقلقها» بالقافين ، أي تجعلها «الخدائع» مزعجة (3) منقطعة عن مكانها . وفي بعض النسخ : «تستعلقها» بالعين المهملة قبل اللّام ، والقاف بعدها؛ أي تربطها بالحبال كما يعلق الصيد بها . وفي بعضها بالغين المعجمة من استغلقني في بيعته ، أي لم يجعل [لي] (4) خيارا في ردّه. (5)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 70.
2- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 16 (خدع) .
3- . في المصدر : «منزعجة» .
4- . أضفناه من المصدر .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 69 _ 70 .

ص: 268

الحديث السابع عشرروى في الكافي بإسناده (1) ، عن: إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقا» .

لعلّ المعنى : أزْيَدهم وصفا ممدوحا شرعا. قال برهان الفضلاء: أي أحسنهم سلوكا في الطريق المستقيم. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «أحسنهم خلقا». «الخلُقُ» بالضمّ ، وبضمّتين : الهيئة الحاصلة للنفس بصفاتها، ويُقال لها : السجيّة . ويدلّ عليها الآثار والأفعال. وقد يطلق على الآثار والأفعال الدالّة عليها ؛ تسميةً للدال باسم المدلول. (2)

الحديث الثامن عشرروى عَنْ عَلِيٌّ ، عن أبيه ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ الرِّضَا عليه السلام ، فَتَذَاكَرْنَا الْعَقْلَ وَالْأَدَبَ ، فَقَالَ :«يَا أَبَا هَاشِمٍ ، الْعَقْلُ حِبَاءٌ مِنَ اللّه ِ ، وَالْأَدَبُ كُلْفَةٌ ؛ فَمَنْ تَكَلَّفَ الْأَدَبَ ، قَدَرَ عَلَيْهِ ؛ وَمَنْ تَكَلَّفَ الْعَقْلَ ، لَمْ يَزْدَدْ بِذلِكَ إِلَا جَهْلاً» .

هديّة :«الحباء» بالكسر والمدّ : العطاء . (والأدب) مفسّر بحسن السلوك ، ويتعلّق بالطاعات والمعاشرات والأقوال والأفعال. و«الكلفة» بالضمّ : ما تكلّفه من مشقّة أو حقّ، ولون الأكلف ، أي بَيّن الكلف بالتحريك ، وهو شيء يعلو الوجه من الحمرة الكدرة. (ومن تكلّف العقل) أي ادّعى عقل الحقّ من محتملات المختلف فيه وفي دليله بلا مكابرة برأيه من دون عقله عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه ، كمدّعي كشف الحقائق بالرياضة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «فتذاكرنا العقل والأدب» أي التفاوت بين الناس بحسب عقولهم والعمل بمقتضى العلم الذي حصّل . «حباء من اللّه » ، أي إعطاءً منه تعالى لا اختيار لأحد في كسبه ، كما أنّه ثابت لكلّ أحد في كسب الأدب. قال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: يعني العقل غير كسبيّ [والأدب كسبيّ (3) ] ومَن أراد أن يكتسب العقل زاد جهله؛ أي حمقه ؛ فإنّه يزعم أنّ له قدرة على الحدس، فتظهر منه آثار تضحك منها الثّكلى. وتوضيح ذلك: أنّ القواعد الكلّيّة يمكن تعلّمها وكسبها، وأمّا تعيين مصداقها والتمييز بين الصواب والخطأ فلا، بل يحتاج إلى جودة الذهن مثال ذلك الواقعتان المشهورتان: أعني إخفاء حجر الرحى في الكفّ وأكل لحم الحمار. (4) انتهى. كأنّه جوّز رحمه اللّه _ بكمال إصراره في منع الاجتهاد والعمل بالرأي _ العملَ بظنّ الإماميّ العدل الممتاز علما وعملاً ، المحتاط جدّا بحذاقته في المعالجات المأثورة فيما يلزم الحرج المنفيّ لو توقّف. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «العقل حباء من اللّه »، أي عطيّة منه تعالى . «والأدب»: وهو الطريقة الحسنة في المحاورات ، والمكاتبات ، والمعاشرات ، وما يتعلّق بمعرفتها وملكتها . «كلفة»: وهي ما يكتسب ويتحمّل بالمشقّة ، وكلّ ما هذا شأنه يحصل لمن يتكلّفه ويحتمل المشقّة في طلبه . «فمن تكلّف الأدب قدر عليه». وما يكون حصوله للشخص بحسب الخلقة وإعطاء من اللّه سبحانه كالعقل فلا يحصل بتكلّف واحتمال مشقّةٍ. «فمن تكلّف العقل» لم يقدر عليه ، ولم يزدد بتكلّفه إلّا جهلاً . ولا ينافي ذلك القدرةُ على اكتساب العلم وحصوله باحتمال المشاقّ في طلبه . وظهور فعل القوّة العقليّة وكماله بحصول العلم. (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبيد اللّه الدهقان، عن درست».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 70 .
3- . أضفنا ما بين المعقوفتين من المصدر .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 70 _ 71 .

ص: 269

. .

ص: 270

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ ابن جَبَلَةَ (1) ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ لِي جَارا كَثِيرَ الصَّلَاةِ ، كَثِيرَ الصَّدَقَةِ ، كَثِيرَ الْحَجِّ ، لا بَأْسَ بِهِ ، قَالَ : فَقَالَ :«يَا إِسْحَاقُ، كَيْفَ عَقْلُهُ؟» قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ ، قَالَ : فَقَالَ : «لا يَرْتَفِعُ بِذلِكَ مِنْهُ» .

لعلّ المعنى (لا بأس به) في أدبه في دينه . (كيف عقله) أي معرفته الإمام الحقّ. (لا يرتفع بذلك) أي بعدم عقله منه عمل . في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء : «لا ينتفع» مكان «لا يرتفع». قال: أي لا ينتفع بكونه مبرئ عن العيوب من الثواب يوم القيامة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا بأس به»؛ أي لا يظهر منه عداوة لأهل الدِّين وشدّة على المؤمنين، أو لا يطّلع منه على معصيته. فقال: «يا إسحاق، كيف عقله؟» أي قوّة التمييز بين الحقّ والباطل تمييزا يوجب الانقياد للحقّ والإقرار به، فأجابه إسحاق بقوله: «ليس له عقل»، فقال عليه السلام : «لا ينتفع بذلك منه»؛ أي لا يقع الانتفاع بما ذكر من كثرة الصدقة والصلاة من غير العاقل. وفي بعض النسخ : «لا يرتفع بذلك منه»؛ أي لا يرتفع ما ذكرته من الأعمال بسبب قلّة العقل منه. ويحتمل أن يكون الفعل على البناء للمفعول كالنسخة الاُولى . و«الباء» في «بذلك» للتعدية ، والظرف في موقع الحال، أي لا يرفع الأعمال حال كونها من غير العاقل. (2) انتهى. لاحتماله الأخير فائدة بيّنة. وقيل: يعني لا يرتفع مثل ما ذكره من مثله. وقال السيّد السند أمير حسن القائني : في بعض النسخ: «لا ينتفع بذلك منه» ، أي بسفهه من عمله . فالضميران المستتر والبارز يتعاكسان ؛ إذ معنى لا بأس به على الأكثر؛ أي في الإقرار بالولاية ، والمحجور عليه لسفهه شرعا للّه فيه المشيئة.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عبد اللّه بن جبلة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 71 .

ص: 271

الحديث العشرونروى في الكافي عن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ السَّيَّارِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْبَغْدَادِيِّ ، قَالَ : قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : لِمَاذَا بَعَثَ اللّه ُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام بِالْعَصَا وَيَدِهِ الْبَيْضَاءِ وَآلَةِ السِّحْرِ ، وَبَعَثَ عِيسى عليه السلام بِآلَةِ الطِّبِّ ، وَبَعَثَ مُحَمَّدا _ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (2) _ بِالْكَلَامِ وَالْخُطَبِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«إِنَّ اللّه َ لَمَّا بَعَثَ مُوسى عليه السلام كَانَ الْغَالِبُ عَلى أَهْلِ عَصْرِهِ السِّحْرَ ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِمْ مِثْلُهُ ، وَمَا أَبْطَلَ بِهِ سِحْرَهُمْ ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ ؛ وَإِنَّ اللّه َ بَعَثَ عِيسى عليه السلام وأحكامه (3) فِي وَقْتٍ قَدْ ظَهَرَتْ فِيهِ الزَّمَانَاتُ ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى الطِّبِّ ، فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَعَالى بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِثْلُهُ ، وَبِمَا أَحْيَا لَهُمُ الْمَوْتى وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللّه ِ تَعَالى ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ ؛ وَإِنَّ اللّه َ تَعَالى بَعَثَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله فِي وَقْتٍ كَانَ الْغَالِبُ عَلى أَهْلِ عَصْرِهِ الْخُطَبَ وَالْكَلَامَ _ وَأَظُنُّهُ قَالَ : الشِّعْرَ _ فَأَتَاهُمْ مِنْ عِنْدِ اللّه ِ تَعَالى مِنْ مَوَاعِظِهِ وَحكمته (4) مَا أَبْطَلَ بِهِ قَوْلَهُمْ ، وَأَثْبَتَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ» . قَالَ : فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : تَاللّه ِ، مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ ، فَمَا الْحُجَّةُ عَلَى الْخَلْقِ الْيَوْمَ؟ قَالَ : فَقَالَ عليه السلام : «الْعَقْلُ ؛ يَعْرِفُ بِهِ الصَّادِقَ عَلَى اللّه ِ فَيُصَدِّقُهُ ، وَالْكَاذِبَ عَلَى اللّه ِ فَيُكَذِّبُهُ» . قَالَ : فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : هذَا وَاللّه ِ هُوَ الْجَوَابُ .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عن أحمد بن محمّد السيّاري» .
2- . في الكافي المطبوع + : «وعلى جميع الأنبياء» .
3- . في الكافي المطبوع - : «وأحكامه» .
4- . في الكافي المطبوع : «حِكَمه» بدل «حكمته» .

ص: 272

هديّة :«يعقوب بن إسحاق السكّيت» بكسر المهملة وتشديد الكاف : أبو يوسف صاحب إصلاح المنطق ، كان متقدّما عند الجواد والهادي عليهماالسلام ، قتله المتوكّل لأجل التشيّع، كان صدوقا عالما بالعربيّة لا مطعن عليه، ثقة مصدّق. والمراد ب «أبي الحسن»: الهادي ، أبو الحسن الثالث عليه السلام . (وآلة السحر) أي ما يبطل به السحر. والتقدير : وآلة دفع السحر. كما أنّه لا خواصّ للأسماء الحسنى والآيات والدعوات إلّا مع الإيمان ، لا خواصّ لفنون السحر إلّا مع الكفر بما لم يكن في وسعهم مثله ، من الكتاب والحكمة والعصمة والعلم بجميع ما يحتاج إليه الناس ، وسائر خصائص الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . و(الزمانات) بفتح الزاي : هي الآفات الواردة على بعض الأعضاء، فيمنعها عن الحركات الطبيعيّة بإذن اللّه ، كاللّقوة والفلج، وربّما يطلق «المزمن» على مرض طال زمانه، و«الزّمن» _ كالصّعق _ على من طال مرضه. و«الكَمَه» بالتحريك : العمى يولد به الإنسان ، هو أكمه بيّن الكمه. والظاهر أنّ (وأظنّه) كلام أبي يعقوب. (قال الشعر) أي ذكر الشّعر أيضا . (تاللّه ، ما رأيت مثلك قطّ) توطية للسؤال المقصود منه تصريح الإمام عليه السلام بإمامته ، يعني واللّه ، أنت أيضا من الذين أتوا الناس من عند اللّه بما لم يكن في وسعهم (1) مثله. والجواب ورد كناية، لأبلغيّته من الصريح ؛ فإنّ حجّيّة الحجّة غير خفيّة للعاقل ؛ ولنكات اُخر ، منها أنّ العقل مختصّ بالمؤمنين . ولمّا كان في لفظة «اليوم» إشارة إلى أنّ حجّيّة القرآن بفصاحته وبلاغته لا تنفع اليوم لرفع الاختلاف بين الاُمّة بدون قيّم معصوم عاقل عن اللّه ، أشار عليه السلام بأنّ من دلالات الإمام في كلّ زمان اختصاص علم القرآن لحجّيّته بالقيّم العاقل عن اللّه . وهذا برهان قاطع لا ينكره العاقل، فقول القدري : إنّ علم الكتاب يحصل لكلّ مرتاض كامل ولو كان جوكيّا باطل عقلاً ، وكفر سمعا. (هذا _ واللّه _ هو الجواب) أي المشتمل على فوائد شتّى . قال برهان الفضلاء : «الآلة» بالهمز والألف المنقلبة عن الواو وتخفيف اللام وتاء التأنيث : الرجعة وعدم الرّواج من الأوّل ، كالعول ، مصدر آل يؤول. والمراد هنا باعث الرجعة . و«السّحر»: ما يرى خارقا للعادة بالتزوير والتلبيس. «بالكلام والخطب» بتقدير بآلة الكلام والخطب ، والحذف للاقتصار ؛ اكتفاءً بما سبق. ويظهر من تتمّة هذا الحديث أنّ ابن السكّيت كان ينبغي له أن يقول : «بالشّعر» مكان باللّام، ولمّا كان القرآن من أعظم المعجزات لتواتره إلى يوم القيام اكتفى عليه السلام بذكره من بين معجزاته صلى الله عليه و آله . والمراد أنّ معجزة القرآن يكفي للعاقل في معرفة الإمام عليه السلام . «وأظنّه قال الشعر» كلام السيّاري ، والبارز في «أظنّه» والمستتر في «قال» للإمام عليه السلام فإشارة إلى أنّ في نقل أبي يعقوب خللاً ، والشعر موضع الكلام أولى للتناظر بمنظوميّة الخطبة وغير منظوميّة الشعر. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «السحر»: ما لطف مأخذه ودقّ . «والآلة»: ما يُعتَمل به من أداة . (2) ويكون السحر بآلة دائما أو غالبا ، فللآلة اختصاص به بخلاف المعجزة ، حيث لا حاجة فيها إلى الآلة، فباعتبار ذلك الاختصاص أضاف الآلة إلى السحر . وعطف آلة السحر على العصا من عطف العامّ على الخاصّ . وإطلاق الآلة في «بآلة الطبّ» إمّا بتبعيّة إطلاقها في السحر ، أو باستعمالها فيما يترتّب عليه الفعل، أو يظهر به الصفة مجازا . «بالكلام والخطب» أي بالكلام المنتهى بلاغته حدّ الإعجاز. و«الخطبة» : الكلام المنثور المسجّع . «كان الغالب على أهل عصره السحر». حاصله: أنّ الغالب على أهل العصر ممّا يستعمل (3) صنعته ويبلغ حدّ كماله، فالغلبة فيه وفي شبهه أقوى وأتمّ في إثبات المقصود ، حيث عرفوا نهاية المقدور لهم [فيه] (4) فإذا جاوزه حصل لهم العلم بأنّه ليس من فعل أشباههم وأمثالهم ، بل من فعل خالق القُوى والقدر ، أو من فعل مَن أقدره عليه بإعطاء قدرة مخصوصة به له. وأمّا المتروك في العصا 5 فربّما يتوهّم أنّهم لو تناولوه وسعوا فيه واكتسبوه بلغوا الحدّ الذي يتأتّى منهم الإتيان بما أتى به . «فما الحجّة على الخلق اليوم؟» أي كان الحجّة على الخلق في صدق الرّسل معجزاتهم، فما الحجّة عليهم اليوم في صدق من يجب اتّباعه وتفترض (5) طاعته حيث لا يعرف المعجزة الظاهرة؟ فقال عليه السلام : «العقل يعرف به الصادق على اللّه فإنّ بعد نزول الكتاب وانضباط الآثار الثابتة عن النبيّ صلى الله عليه و آله يعرف بالعقل الصادق على اللّه [فإنّ (6) بعد نزول الكتاب وانضباط الآثار الثابتة عن النبيّ يعرف بالعقل الصادق على اللّه ] (7) عن الكاذب عليه ؛ فإنّ الصادق على اللّه عالم بالكتاب ، راعٍ له، متمسّك بالسنّة ، حافظ لها، والكاذب على اللّه تارك للكتاب ، غير عالم به ، مخالف للسنّة بقوله وفعله (8) . انتهى. حمله (9) السحر على ما حمله على خلاف الظاهر والسياق، إلّا أنّ تكلّفه أكثر من تكلّف الحذف . وبقوله وفعله على غير الإماميّ لا سيّما على القدريّ القائل بكشف الحقائق بالرياضة الكاملة ولو كانت على خلاف الشرع، والامتناع بنصّ الشارع عن أكل اللّحم عمدا ثلاثة أيّام دلالة ضعف الإيمان، ويوجب الأذان على الإذن لو امتدّ إلى أربعين يوما.

.


1- . في «الف»: «وسعه».
2- . ما أثبتناه من المصدر ، وفي «ب» و «ج» : «إرادة» بدل «أداة» .
3- . في المصدر : «يستكمل» بدل «يستعمل» .
4- . أضفناه من المصدر .
5- . في «ب» و «ج»: «يفترض».
6- . في المصدر: «فإنّه».
7- . ما بين المعقوفتين لم يرد في «الف و ب» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 72 _ 73.
9- . في «ب» و «ج»: «بحمله».

ص: 273

. .

ص: 274

. .

ص: 275

الحديث الحادي والعشرونروى في الكافي عن الاثنين (1) ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنِ الْمُثَنَّى الْحَنَّاطِ ، عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَعْشى ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، عَنْ مَوْلىً لِبَنِي شَيْبَانَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«إِذَا قَامَ قَائِمُنَا ، وَضَعَ اللّه ُ يَدَهُ عَلى رُؤُوسِ الْعِبَادِ ، فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَكَمَلَتْ بِهِ أَحْلامُهُمْ» .

هديّة :«وضع السلطان يده على رؤوس رعيّته»: كناية عن شمول رعايته لهم بالمرحمة وعموم عطوفته لهم بالمعدلة . والإمام الظاهر يد اللّه الظاهرة . (فجمع بها عقولهم) عبارة عن رفع الاختلاف فيما بين الناس واتّفاقهم على دين واحد بحيث يعدّ المخالف كالمعدوم ، كما في زمن قوّة الإسلام بنور النبيّ صلى الله عليه و آله . «كمل عقله» كنصر ، وحسن ، وعلم ، ويتعدّى بالإفعال ، والتفعيل ، والواسطة. و«الحلم» بالكسر : العقل. وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث: وهاهنا أسرار لطيفة لا يحتملها الأفهام ، ولا رخصة في إفشائها (2) [للأنام] (3) انتهى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «فجمع» على المعلوم من باب منع ، والمستتر للّه . أو على ما لم يسمّ فاعله . ويؤيّد الأوّل المغايرة بين الفعلين بالتذكير والتأنيث . و«اليد» عبارة عن الرحمة والتوفيق ، ومرويّ : «أنّ كلّ مؤمن في زمن ظهور الصاحب عليه السلام يعطى له قوّة أربعين رجلاً». (4) ف «الأحلام» بمعنى الأبدان أنسب هنا. والمراد ب «جمع العقول» تقويتها بحسب تزايد الوسع لكلّ منها . وضمير «بها» لليد ، و«الباء» للسببيّة ، أو للرؤوس، و«الباء» بمعنى «في». «وكملت» على المعلوم من باب حسن ، ونصر ، وعلم . وضمير «به» لمصدر «جمع»، أو لمجموع مصدر «وضع» و«جمع». وقال السيّد الأجلّ النائيني: «وضع اليد» كناية عن إنزال الرحمة ، والتقوية بإكمال النعمة . «فجمع بها عقولهم»، يحتمل وجهين: أحدهما : أن يجعل عقولهم مجتمعين على الإقرار بالحقّ ، فلا يقع بينهم اختلاف ويتّفقون على التصديق. والآخر : أنّه يجمع عقل كلّ واحد منهم ويكون جمعه باعتبار مطاوعة القوى النفسانيّة للعقل ، فلا يتفرّق لتفرّقها . «وكملت به أحلامهم». تأسيس على الأوّل ، وتأكيد على الثاني. (5)

.


1- . يعني: «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- . في «الف»: «إنشائها».
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 115 .
4- . كامل الزيارات ، ص 233 _ 234 ، ح 348 ؛ الخصال ، ص 541 ، أبواب الأربعين ، ح 14 ؛ بحار الأنوار ، ج 51 ، ص 35 ، ح 4 ؛ و ص 317 ، ح 12 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 73 _ 74 .

ص: 276

الحديث الثاني والعشرونروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«حُجَّةُ اللّه ِ عَلَى الْعِبَادِ النَّبِيُّ عليه السلام ، وَالْحُجَّةُ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ اللّه ِ الْعَقْلُ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد» .

ص: 277

هديّة :يعني حجّة اللّه على الإمام في معرفة الإمام إنّما هو النبيّ المبلّغ المصدّق بالمعجزات الظاهرة ، والآيات القاهرة ، والدلالات الباهرة . والحجّة بينهم وبين اللّه هو العقل القابل للمعرفة الفطريّة بشواهد الربوبيّة على ما بيّناه مرارا في شرح الخطبة وغيرها، ثمّ المعرفة (1) الدينيّة معرفة الحجّة بالدلالات ، وقبول قوله في كلّ ما جاء به من عند اللّه على ما ضبطه العقول، عقلاً عن العاقل عن اللّه ربّ العالمين، فامتازت الناجية من البضع والسبعين، فقول بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث : إنّ الإيمان بالمعجزة دين اللئام ومنهج العوامّ ؛ وأهل البصيرة لا يقتفون إلّا بانشراح الصدور وبنور اليقين (2) ، اقتباس من مقالات القدريّة المدّعين لحصول الكشف بالرياضة، وسلمان وأبو ذرّ وغيرهما من عظماء الدِّين أسلموا بالمعجزة . وانشراح الصدر من دون معجزة خاصّ من المدبّر الحكيم تعالى تدبيره عن الفسادات والسخافات ، وتقدّس تقديره عن السفسطة والخرافات. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني حجّة اللّه على العباد ظاهرا النبيّ صلى الله عليه و آله لما أتى بمعجز القرآن ، والحجّة عليهم باطنا العقل الذي به يعرف من نزل عليه القرآن ، ومن هو الإمام الحقّ في (3) كلّ زمان من الأزمان بمحكمات القرآن. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «حجّة اللّه على العباد النبيّ». هنا معنى واحد ، وقد عبّروا عنه عليهم السلام بعبارات ثلاث: الاُولى : أنّ للّه على الخلق حجّتين ظاهرة وباطنة. والثانية : الحجّة على الخلق اليوم العقل ، يُعرف به الصادق على اللّه ، والكاذب على اللّه . والثالثة : هذه العبارة. ومعنى الكلّ واحد ، وهو أنّ التكاليف إنّما تتعلّق بالمكلّف بعد أن يجتمع فيه أمران: أحدهما: أن يخلق اللّه تعالى فيه الغريزة التي لولاها لم يفهم الخطاب ، ولم يميّز بين الخطأ والثواب. وثانيهما : أن تصل إليه دعوة النبيّ الخلق إلى اللّه تعالى. ثمّ اعلم ، أنّه يستفاد من الأحاديث أنّ المرتبة الكاملة من العقل التي قدّرها اللّه تعالى لكلّ أحد إنّما يفيضها عليه إذا كملت له ثمانية عشر سنة . ويستفاد أيضا أنّ المرتبة الناقصة التي هي مناط تعلّق التكاليف به إنّما يفيضها عليه إذا كملت له خمسة عشر سنة (4) . انتهى . بيانه: هذا نظير ما بيّناه مرارا في بيان المعرفة الفطريّة والدينيّة، إلّا أنّه لا يوافق ظاهرا بيانه في بيان فقرات الثاني عشر، منها قوله عليه السلام : «دلّهم على ربوبيّته بالأدلّة». (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: أي الحجّة الموصلة للعباد إلى السعادة والنجاة بعد الاعتقاد بإلهيّته تعالى هو النبيّ صلى الله عليه و آله ، والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه الموصلة للعباد إلى معرفة اللّه والتصديق به هو العقل. ويحتمل أن يكون المراد أنّ حجّة اللّه على العباد _ أي ما يقطع به عذرهم فيبكتهم _ اللّطفُ بهم بإرسال النبيّ ، والمتوسّط في الإيصال إلى معرفته تعالى ومعرفة الرسول، والطريق إلى المعرفة بين العبد (6) وبين اللّه هو العقل، ويناسب هذا إيراد لفظة «على» أوّلاً وتركها ثانيا (7) . انتهى. «بكته» كنصر : ضربه بالسيف والعصا ، واستقبله بما يكره ، ك «بَكّته». و«التبكيت»: التقريع والغلبة بالحجّة.

.


1- . في «ب» و «ج»: «للمعرفة».
2- . الوافي ، ج 1 ، ص 112 .
3- . في «الف»: «إلى».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 _ 89 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 87 .
6- . في «ب» و «ج»: «العباد».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 74 .

ص: 278

. .

ص: 279

الحديث الثالث والعشرونروى في الكافي وقال: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مُرْسَلاً ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«دِعَامَةُ الْاءِنْسَانِ الْعَقْلُ ، وَالْعَقْلُ مِنْهُ الْفِطْنَةُ وَالْفَهْمُ وَالْحِفْظُ وَالْعِلْمُ ، وَبِالْعَقْلِ يَكْمُلُ ، وَهُوَ دَلِيلُهُ وَمُبْصِرُهُ وَمِفْتَاحُ أَمْرِهِ ، فَإِذَا كَانَ تَأْيِيدُ عَقْلِهِ مِنَ النُّورِ ، كَانَ عَالِما ، حَافِظا ، ذَاكِرا ، فَطِنا ، فَهِما ، فَعَلِمَ بِذلِكَ كَيْفَ ، وَلِمَ ، وَحَيْثُ ، وَعَرَفَ مَنْ نَصَحَهُ وَمَنْ غَشَّهُ ، فَإِذَا عَرَفَ ذلِكَ ، عَرَفَ مَجْرَاهُ وَمَوْصُولَهُ وَمَفْصُولَهُ ، وَأَخْلَصَ الْوَحْدَانِيَّةَ لِلّهِ وَالْاءِقْرَارَ بِالطَّاعَةِ ، فَإِذَا فَعَلَ ذلِكَ ، كَانَ مُسْتَدْرِكا لِمَا فَاتَ ، وَوَارِدا عَلى مَا هُوَ آتٍ (1) ، ويَعْرِفُ مَا هُوَ فِيهِ ، وَلِأَيِّ شَيْءٍ هُوَ هاهُنَا ، وَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ ، وَإِلى مَا هُوَ صَائِرٌ ؛ وَذلِكَ كُلُّهُ مِنْ تَأْيِيدِ الْعَقْلِ» .

هديّة :«الدعامة» بالكسر : العماد ، وما يعتمد عليه ، والأصل الّذي ينشأ منه الفروع . عماد الشيء ، ودعامته ، وقوامه؛ بمعنى . يعني إنسانيّة الإنسان العقل . (والعقل منه الفطنة) أي التفطّن بانحصار الأعلميّة بما هو الحقّ في هذا النظام العظيم بعد مدبّره العليم الحكيم في العاقل عنه ؛ لعصمته المقدّرة لحِكَم ومصالح شتّى، وانحصار العمل بقوله فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة ، و«فهم» قوله بأنّه في ضروريّات الدِّين بالنظر إلى الجميع على السواء ، من دون رموز وكنايات ومعمّيات ومبدعات (2) كالشمس في الضحى بالنظر إلى جميع أنظار الأصحّاء . و«حفظ حديثه ، والعلم به»، أي القطع بما قاله ، وأخبر به عن اللّه سبحانه . (وبالعقل يكمل) إنسانيّة الإنسان ، أي معرفته الدينيّة. و«المبصر» كمنبر : آلة البصارة والبصيرة . وكمنصب : الحجّة . (فإذا كان تأييد عقله من النور) أي من نور الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه (كان عالما) بما عقل عن العاقل عن اللّه ، قاطعا بحقّيّته ، وبأنّه لا قطع بحقيّة غيره (حافظا) لما أخذ منه ، (ذاكرا) للّه سبحانه على ما أمر به ، شاكرا مطيعا بطاعة مفترض الطاعة ، (فطنا) في المعارف الدينيّة التي منها معرفة أعداء الدِّين ، (فهما) أنّه متفرّد بذلّ المخلوقيّة والعبوديّة كسائر المخلوقات، كما أنّ الربّ تبارك وتعالى متوحّد بعزّ الخالقيّة ، وتدبير الجميع. (فعلم بذلك كيف) أي خصوصيّة كلّ شيء على ما عقل عن العاقل عن اللّه ، وكذا «لمّه» ، و، وجهه ، ومصلحته ، و«حيثه» ومنزلته ، و(عرف) موافقه ومنافقه . (فإذا عرف ذلك ، عرف مجراه) بأنّ الدنيا إنّما هي مجرى وطريق إلى الآخرة. و«الموصول» عبارة عن الأعمال الصالحة الباقية . و«المفصول» عن حطام الدنيا والحياة الفانية . (والإقرار بالطاعة) أي طاعة مفترض الطاعة. (وواردا على ما هو آت) أي مسرورا شاكرا، وآخر دعواهم فيها أن الحمد للّه ربّ العالمين . (ويعرف ما هو فيه) نظير الحديث الذي قد سبق ذكره من أنّ : «للمعرفة أركانا أربعة؛ معرفة اللّه ، ومعرفة العبد نفسه ، ومعرفته أنّه لماذا خُلِق ، ومعرفة عدوّ دينه» . فالمعنى : ويعرف ما هو فيه من الأمر الحقّ ويقطع به ، ويعرف أنّه خلق للمعرفة والعبوديّة للّه ربّ العالمين ، وأنّه خُلق بعد أن لم يكن أصلاً من ماء مهين بصنع أحسن الخالقين ، وأنّه صائر إلى الحقّ إلى الموت إلى القبر إلى عقبات البرزخ إلى الموقف محشورا بعد كونه رميما ، ثمّ إلى منازل الموقف المنتهية إلى الصراط المنتهي بأهل النار إلى النار وبأهل الجنّة إلى الجنّة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «والعقل منه الفطنة»، يعني بعيوب أئمّة الضلال من محكمات القرآن . «والفهم»، يعني فهم منزلة الإمام الحقّ . «والحفظ»، يعني رعاية الأدب في تناول متشابهات القرآن والسنّة . «والعلم»، يعني تعلّم المسائل الدينيّة من الإمام الحقّ . «وهو دليله»، أي مُهديه . (3) «ومبصره» بفتح ميم ، أي حجّته ، أو بكسرها ، أي آلة البصيرة . «كان عالما»؛ أي بمسائل الدِّين . «حافظا» ، أي راعيا لآدابه في الأحكام بالاجتناب عن العمل بالرأي. «ذاكرا»، أي مادحا للإمام الحقّ. «فطنا»: ذامّا على أئمّة الضلال . «فهما» قول الإمام الحقّ . «فعلم بذلك»، أي بسبب الاتّصاف بالأوصاف المذكورة «كيفيّة» حال الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وعلّة افتراقها من إيثار الفاني على الباقي ونحو ذلك ومكان الإمامة الحقّة. «وعرف مَن نصحه»، وهو الإمام الحقّ وشيعته. «ومن غشّه»، وهو الإمام الباطل وتبعته. «عَرَفَ مَجْرَاهُ»، أي سلوكه مع الناس ومن ينبغي مواصلته ومن يجب مفارقته. «وَأَخْلَصَ الْوَحْدَانِيَّةَ لِلّهِ»، بنفي الشريك في الحكم، قال اللّه في سورة الأنعام ، وسورة يوسف في آيتين فيها: «إِنْ الْحُكْمُ إِلَا للّه ِ» (4) . «مُسْتَدْرِكا لِمَا فَاتَ» ، أي من الآداب الحسنة من البين بسبب العمل بالظنّ والرأي. «وَوَارِدا عَلى مَا هُوَ آتٍ» ، أي قاطعا طريق الشيطان القاصد للإتيان للفساد في الدِّين. «ويَعْرِفُ مَا هُوَ فِيهِ» من المذهب الحقّ؛ يعني بشواهد الربوبيّة ومحكمات القرآن، وأنّه «لأيّ شَيْءٍ هُوَ» في المذهب الحقّ ، وأنّ عدوّه المبين من أيّ الطريق يأتيه، وأنّ عدوّه «إِلى مَا هُوَ صَائِرٌ» من الشبهات. وجميع ما ذكرناه هنا على الاحتمال. وفي الشافي ذكرنا احتمالاً آخر. (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الدّعامة» بكسر الدال : عماد البيت ، والخشب المنصوب للتعريش. والمراد أنّ قيام أمر الإنسان ونظام حاله بالعقل، فكلّ من لم يكن عاقلاً يكون ساقطا غير منتظم الأحوال. ويمكن أن يكون بالنظر إلى النوع ، فلولا العقل لما بقي النوع؛ لأنّ الغرض من إيجاد الإنسان المعرفة التي لا تحصل إلّا بالعقل، «والعقل» يحصل أو ينشأ «منه» الفطنة، والفهم ، والحفظ ، والعلم». وهذا إلى قوله: «فإذا كان تأييد عقله» كالدليل لسابقه؛ أي إذا كان تقوية عقله _ أي الحالة التي للنفس باعتبار الاتّصال والارتباط بالجوهر المفارق المخلوق أوّلاً _ من النّور؛ أي ذلك المخلوق الأوّل الذي ذكر سابقا أنّه خلقه من نوره، وذلك التأييد بكمال إشراقه عليها. ولعلّ المراد أنّه إذا كان عقله متقوّيا بذلك الإشراق ، كان جامعا لهذه الصفات بكماله (6) ولو لم يتعلّم، وإذا كان غير متأيّد به كان له بعضها أو بعض المراتب منها . ويبلغ بالتعلّم والاكتساب إلى الكمال المتيسّر له (7) . انتهى. الأصوب في (8) بيانه تعميم التأييد ؛ ليشمل تأييد الحجّة المعصوم المحصور عدده، وتأييد العاقل عن العاقل عن اللّه تبارك وتعالى.

.


1- . في الكافي المطبوع : - «و» .
2- . في «ب» و «ج»: «خيدعات».
3- . في «ب» و «ج»: «هاديه».
4- . الأنعام (6) : 57 ؛ يوسف (12): 40 و 67 .
5- . شرحه على الكافي المسمّى ب «الشافي» لم يطبع بعدُ، وسيطبع في مركز بحوث دار الحديث.
6- . في المصدر : «بكمالها» .
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 74 _ 75.
8- . في «الف»: «ما».

ص: 280

. .

ص: 281

. .

ص: 282

الحديث الرابع والعشرون (1)روى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (2) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«الْعَقْلُ دَلِيلُ الْمُؤْمِنِ» .

هديّة :أي (العقل) المؤيّد من عند اللّه هادي المؤمن إلى معرفة الهادي عن اللّه إلى النجاة. قال برهان الفضلاء: يعني هاديه إلى اللّه والرسول صلى الله عليه و آله . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: يعني لا إيمان لمن لم يعرف الإمام الحقّ.

.


1- . في «الف»: - «الحديث الرابع والعشرون».
2- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد» .

ص: 283

الحديث الخامس والعشرون 1روى في الكافي عن الإثنين عن الْوَشَّاءِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : يَا عَلِيُّ ، لا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ ، وَلَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ» .

هديّة :«السّرو» من الأشجار، الواحدة: سروة. و«السّرو» أيضا: سخاء في مروّة، هو سَرِيّ كسخيّ. يعني، لا فقر أضرّ من الجهل بالمآل، وكذا لا مال أنفع من العقل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «لا» لنفي الجنس . و«فقر» مبنيّ على الفتح . و«أشدّ» مرفوع وخبر «لا» و«أعود» من العائدة ، وهي المنفعة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: لأنّ الجاهل فاقد ما يوصل إلى المنافع ، ويكون دليلاً على معرفتها واختيارها واقتنائها، بل جهله يوصل (1) إلى المضارّ والمناقص ويوجب اختيارها . «ولا مال أعود»؛ أي أنفع «من العقل» ؛ لأنّ المال كالآلة لمن يريد الخير والنافع في الوصول إليهما ، والعقل هو الدليل الموصل إلى المنافع والمصالح ، وبه معرفتها واختيارها واقتناؤها. (2)

الحديث السادس والعشرون (3)روى في الكافي بإسناده: عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«لَمَّا خَلَقَ اللّه ُ الْعَقْلَ ، قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، فَقَالَ لَهُ (4) : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقا أَحْسَنَ مِنْكَ ، إِيَّاكَ آمُرُ ، وَإِيَّاكَ أَنْهى ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ ، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ» .

.


1- . في المصدر : «يوصله» .
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 75 _ 76.
3- . في «الف»: - «الحديث السادس والعشرون».
4- . في الكافي المطبوع : - «له» .

ص: 284

قد سبق بيان نظيره مفصّلاً ، وهو الأوّل في الباب.

الحديث السابع والعشرون (1)روى في الكافي عن العدّة: عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : الرَّجُلُ آتِيهِ وَأُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِي ، فَيَعْرِفُهُ كُلَّهُ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ ، فَيَسْتَوْفِي كَلَامِي كُلَّهُ ، ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيَّ كَمَا كَلَّمْتُهُ ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ بالكلام (2) ، فَيَقُولُ : أَعِدْ عَلَيَّ؟ فَقَالَ :«يَا إِسْحَاقُ ، وَمَا تَدْرِي لِمَ هذَا؟» قُلْتُ : لَا ، قَالَ : «الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِكَ ، فَيَعْرِفُهُ كُلَّهُ ، فَذَاكَ مَنْ عُجِنَتْ نُطْفَتُهُ بِعَقْلِهِ ؛ وَأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ ، فَيَسْتَوْفِي كَلَامَكَ ، ثُمَّ يُجِيبُكَ عَلى كَلَامِكَ ، فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ (3) فِي بَطْنِ أُمِّهِ ؛ وَأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ ، فَيَقُولُ : أَعِدْ عَلَيَّ ، فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ فِيهِ بَعْدَ مَا كَبِرَ ، فَهُوَ يَقُولُ لَكَ : أَعِدْ عَلَيَّ» .

هديّة :«نهد» بفتح النون وسكون الهاء : قبيلة من اليمن. «ببعض كلامي» أي كلامي الحقّ ، أو علم الكلام الحقّ . وغرض السائل السؤال عن لِمَ التفاوت في مراتب عقول الخاصّة وتذكّرهم . «فيستوفي كلامي» أي أخذه فهما وحفظا كما سمع . «وما تدري» على الإخبار ، واحتمال الاستفهام كما ترى . «عجنت المرأة» كنصر واعتجنت ، بمعنى ، أي أخذت عجينا. «كبر» الرجل كعلم كبرا كصغرا: سنّ. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «الرجل آتيه» من المؤمنين . و«الكلام» هنا أعمّ من اللغوي وغيره . «وما تدري» على الإخبار ، أي هذا أيضا توبيخا له ، وهو من الفطحيّة ، إلّا أنّه لا كلام في ثقته . وله أصلٌ معتمد عليه ، وتفرّد النجاشي بما قال فيه من : أنّ الأقوى التوقّف فيما ينفرد به. «عجنت نطفته بعقله»، أي في صلب أبيه. وقال الفاضل الاسترآبادي: «من عجنت» يعني من كان عاقلاً في ظهر أبيه ، ومَن صار عاقلاً في بطن اُمّه ، ومن اكتسب العقل من الناس. وقصده عليه السلام أن يتكلّم السائل على قدر عقله. والمقصود أنّ هذا يرجع إلى اختلاف الأنفس في الاستعدادات الذاتيّة ، وإليه ناظر قوله صلى الله عليه و آله : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام» (4) . (5) انتهى. لا يخفى ما في قوله : «في الاستعدادات الذاتيّة» . وستسمع جوابه في آخر هذه الهديّة. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : «ببعض كلامي» الذي اُريد أن اُكلّمه بكلّه فيعرف كلّه ، ما كلّمته به وما لم اُكلّمه به. ثمّ ذكر القسمين الآخرين ، أي الذي يفهم ما كلّمه به ويضبطه . «ثمّ يردّه»، أي الكلام عليه ويجيبه . «كما كلّمه»، أي على وفق كلامه عند المباحثة. أو المراد ردّ كلامه عليه ، كما هو عند الإعلام والإفهام ، والذي لا يفهم ما كلّمه به ، أو يفهم ولا يضبطه . ومقصوده : إظهار خفاء سبب هذا الاختلاف بين الإفهام عليه والسؤال عنه ، فأتى عليه السلام أوّلاً بإظهار ما هو مقصوده بقوله: «وما تدري لِمَ هذا» بالعاطف على كلامه ، فصدّقه السائل بقوله : «لا»، أي لا أدري لِمَ هذا. ويحتمل أن يكون قوله: وما تدري استفهاما ، أي أو ما تدري؟ لكن لا يحسن الواو حينئذٍ ، فإنّه لا وجه للعطف ، ولا حسن للاستئناف. ثمّ شرع عليه السلام في بيان سبب الاختلاف فقال: «الذي تكلّمه»، وهو أوّل ذكره (6) السائل. «من عجنت نطفته بعقله»؛ أي خلقت النفس المتعلّقة ببدنه المناسبة له على هيئة كماليّة تناسب العقل ، فيشتدّ ارتباطها به ، ويقوى إشراقه عليها وتتّصل به. ثمّ قال عليه السلام : «وأمّا الذي تكلّمه فيستوفي كلامك ، ثمّ يجيبك على كلامك»؛ أي يكلّمك بكلام على طبق كلامك . «فذاك الذي ركّب عقله فيه (7) في بطن اُمّه»، أي حصل لنفسه ذلك الارتباط ، واستحكم فيه بالإشراق بعد التعلّق بالبدن بالقابليّة الحاصلة لها باعتباره ، متضمّنة إلى مالها في نفسها. ثمّ قال: «وأمّا الذي يكلّمه بالكلام فيقول : أعد عليَّ ، فذاك الذي ركّب عقله فيه بعدما كبر»؛ أي استحكم فيه ذلك الارتباط بعد استكمال الحواسّ وحصول البديهيّات والمبادئ ، فما للثالث يكون للثاني على الوجه الأتمّ مع زيادة ، ومالهما يكون للأوّل على الوجه الأكمل مع زيادة (8) . انتهى. قيل : «الواو» في مثل «أوما تدري» على الاستفهام من الزيادات للتأكيد . ويستشمّ من سائر بيان السيّد رحمه الله : ابتناؤه على أصل من اُصول الفلاسفة من أنّ الآثار والارتباطات باقتضاء الطبائع وإيجاب الفاعل ، إلّا أنّه صرّح في مواضع من إفاداته ببطلان الإيجاب وثبوت اقتضاء الطبيعة ، إن شاء اللّه وأذِن.

.


1- . في «الف»: - «الحديث السابع والعشرون».
2- . في الكافي المطبوع : - «بالكلام» .
3- . في الكافي المطبوع : + «فيه» .
4- . بحار الأنوار ، ج 64 ، ص 121 ؛ كنزل العمّال ، ج 10 ، ص 149 ، ح 28761 . وقريب منه في الكافي ، ج 8 ، ص 177 ، ح 197 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 89 .
6- . في المصدر : «من ذكره» .
7- . في «الف»: - «فيه».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 76 _ 77 .

ص: 285

. .

ص: 286

الحديث الثامن والعشرون (1)روى في الكافي عن العِدَّةٌ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ بَعْضِ مَنْ رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ ، كَثِيرَ الصِّيَامِ ، فَلَا تُبَاهُوا بِهِ حَتّى تَنْظُرُوا كَيْفَ عَقْلُهُ» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثامن والعشرون».

ص: 287

هديّة : (1)أي كثير الطاعة المشروعة ، والمباهاة المفاخرة. (كيف عقله) أي حجّة دينه ، وطاعته بطاعة مفترض الطاعة. قال برهان الفضلاء : أي معرفته للحقّ. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا تباهوا» من المباهاة ، بمعنى المفاخرة ، أي لا تفتخروا بكونه كثير العبادة ولا تعدّوه من المفاخر. ويحتمل أن يكون من بَهَأَ به بهاءً ، مهموز اللّام ، مخفّف «لا تباهئوا» أي لا تؤانسوا به حتّى تنظروا كيف عقله ؛ فإنّه لا فخر بما ليس معه عقل ، فإنّ كلّ حُسن مستورٌ بقبح الجهل ، مضمحلّ معه. ومؤانسة غير العاقل غير مرضيّ عند العاقل (2) . انتهى. في القاموس بَهَأَ به _ مثلّثة الهاء _ بهاءً وبُهُوءا: أنس ، ك «ابْتَهَأَ) (3) .

الحديث التاسع والعشرون (4)روى في الكافي عن بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«يَا مُفَضَّلُ ، لَا يُفْلِحُ مَنْ لَا يَعْقِلُ ، وَلَا يَعْقِلُ مَنْ لَا يَعْلَمُ ، وَسَوْفَ يَنْجُبُ مَنْ يَفْهَمُ ، وَيَظْفَرُ مَنْ يَحْلُمُ ، وَالْعِلْمُ جُنَّةٌ ، وَالصِّدْقُ عِزٌّ ، وَالجَهْلُ ذُلٌّ ، وَالْفَهْمُ مَجْدٌ ، وَالْجُودُ نُجْحٌ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ مَجْلَبَةٌ لِلْمَوَدَّةِ ، وَالْعَالِمُ بِزَمَانِهِ لَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ اللَّوَابِسُ ، وَالْحَزْمُ مَسَاءَةُ الظَّنِّ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَالْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ ، وَالْجَاهِلُ شَقِيٌّ بَيْنَهُمَا ، وَاللّه ُ وَلِيُّ مَنْ عَرَفَهُ ، وَعَدُوُّ مَنْ تَكَلَّفَهُ ، وَالْعَاقِلُ غَفُورٌ ، وَالْجَاهِلُ خَتُورٌ ؛ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُكْرَمَ ، فَلِنْ ؛ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُهَانَ ، فَاخْشُنْ ؛ وَمَنْ كَرُمَ أَصْلُهُ ، لَانَ قَلْبُهُ ؛ وَمَنْ خَشُنَ عُنْصُرُهُ ، غَلُظَ كَبِدُهُ ؛ وَمَنْ فَرَّطَ ، تَوَرَّطَ ؛ وَمَنْ خَافَ الْعَاقِبَةَ ، تَثَبَّتَ عَنِ التَّوَغُّلِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ ؛ وَمَنْ هَجَمَ عَلى أَمْرٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، جَدَعَ أَنْفَ نَفْسِهِ ؛ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ ، لَمْ يَفْهَمْ ؛ وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ، لَمْ يَسْلَمْ ؛ وَمَنْ لَمْ يَسْلَمْ ، لَمْ يُكْرَمْ ؛ وَمَنْ لَمْ يُكْرَمْ ، يُهْضَمْ ؛ وَمَنْ يُهْضَمْ ، كَانَ أَلْوَمَ ؛ وَمَنْ كَانَ كَذلِكَ ، كَانَ أَحْرى أَنْ يَنْدَمَ» .

.


1- . في «الف»: - «هديّة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 77 .
3- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 43 (بَهَأ) .
4- . في «الف»: - «الحديث التاسع والعشرون».

ص: 288

هديّة :(لا يفلح) على المعلوم من الإفعال، أي لا ينجو من لا يعرف أنّ النجاة بدون معرفة الإمام محال؛ يعني الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه _ وقد انحصرت الأعلميّة بما هو الحقّ في هذا النظام العظيم في مدبّره العليم الحكيم جلّت ثناؤه وتقدّست أسماؤه _ وأنّ الإمام روح لقالب هذا النظام ، فامتنع خلوّه _ ما دام دَوَرانه _ عن الإمام. (ولا يعقل من لا يعرف يعلم) أي لا معرفة لمن لا علم له بالمسائل الدينيّة بتوسّط الإمام. (وسوف ينجب من يفهم) أي يعدّ من النجباء في الآخرة من يفهم بإفهام الإمام الأنام ما يحتاجون إليه. و«النجابة» بالفتح : كرامة الذات، والنجيب ، وكهمزة : الكريم الحسب . نجب كحسن ، وأنجب : عدّ نجيبا . رجل منجب ، وامرأة منجبة ، ومنجاب : ولدت النجباء. (ويظفر من يحلم) أي بأعدائه في الجهاد الأكبر ، أو بمطالبه المشروعة في الدنيا والآخرة . «ظفر بعدوّه» كعلم ، وأظفره اللّه ، وظفره تظفيرا. و«حلم» كحسن ، من الحلم _ بالكسر _ وهو العقل والأناة. والمعنى الأوّل يناسب التفسير الأوّل للظفر ، كالثاني الثاني. (والعلم جنّة) أي العلم المأخوذ بتوسّط الإمام جنّة للقلب الممتحن بالجهاد الأكبر وفتنه . (والصدق عزّ) في الدنيا والآخرة، والكذب تقيّة ليس بكذب . (والجهل) بعدم معرفة الإمام (ذلّ) ومغلوبيّة. (والفهم مجد) أي بإفهام الإمام. (والجود نجح)؛ في بعض النسخ المعتبرة : «والجود بالمال» و«النّجح» بالضمّ، كالنجاح بالفتح : الظفر بالحوائج ، نجح (1) كنصر . و«المجلبة» بالفتح : من أسماء المكان من باب نصر وضرب للكثرة . «والعالم بزمانه) أي بأطوار زمانه ، وأوضاع أبناء دهره . «هجم عليه» كنصر دخل بغتةً فأحاطه وغشيه. و(اللّوابس): الملبسات من الشبهات ، والأغاليط ، وخطوات الشيطان كالتي ألقت المخالفين في المهالك من المناقب المذكورة في كتبهم لطواغيتهم ، كالاصطحاب، والمعاونة والمجاورة وغير ذلك. (والحزم): إحكام الأمر وضبطه قبل أن يتطرّق إليه فساد «سوء الظنّ» بما هو مخالف ظاهرا لما هو مقطوع بحسنه واجب حتّى تظهر حقيقته ، وتظهر ؛ إذ لا يدفع اليقين بالشكّ ، ومن احتاط فضبط أمره على تقدير مساءة معاشره مثلاً قبل ظهور حقيقة حاله له ، وعاشر معه بمقتضى حسن ظنّه به فهو حازم. ولا منافاة بين مساءة الظنّ بترك الإضرار والاحتياط منه . (وبين المرء والحكمة نعمة العالم ، والجاهل شقيّ بينهما)، يعني الواسطة المصلح الموجب للمواصلة بين المرء وما هو العلم حقّا إنّما هو التشيّع ومعرفة الإمام، فجرى عليه السلام في التعبير عن التشيّع بالنعمة على نسق القرآن، ونظير قوله تبارك وتعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (2) كثير في الكتاب الكريم . ووجه إضافتها إلى العالم بمعنى الإمام ظاهر . و«الجاهل» أي غير الشيعة أجنبيّ بمعزل عنهما . وللعبارة وجوه سنذكر طائفة منها إن شاء اللّه تعالى . (واللّه وليّ من عرفه) كما عرّف به نفسه ، وأخبر به الحجّة المعصوم العاقل عنه سبحانه. والعبارة كناية عن أنّ وليّ اللّه إنّما هو المؤمن باللّه واليوم الآخر ، على ما هو الحقّ عقلاً عن الحقّ ، وأنّ عدوّ اللّه غير الموصوف حكاية أمر البسطامي من القدريّة بأمر اللّه سبحانه مريديه أن يضربوه بالسكاكين والخناجر عند وجده وتكلّمه بكلمات الكفر . وكذا حكاية رؤيا الحلّاج منهم حصنا حصينا لا خلل فيه إلّا بقدر رأسه الذي سيقطع ويوضع في ذلك الخلل لسدّه. وفي قوله عليه السلام : (وعدوّ من تكلّفه) إشارة لطيفة إلى تكلّف القدريّة العرفان بالاتّصال والاتّحاد. (والعاقل غفور). في بعض النسخ المعتبرة : «والعالم» مكان «والعاقل». عبّر (3) عليه السلام عن الحليم بالغفور كناية ؛ للمبالغة ، وأكّد بصيغتها . و«الختور»: فعول من الختر ، وهو الغدر والخديعة. قال في القاموس: أو أقبح الغدر كالختور بالضمّ . (4) وضبط في بعض النسخ بالثّاء المثلّثة من الخثورة ، وهي نقيض الرقّة . لبن خثور خاثر جدّا ، أي غليظ بيّن الغلظة. (خشن) ككرم . و«عنصر الشيء» بالضمّ أصله. والمراد هنا السجيّة والطبيعة. و«الكبد» بالفتح ويكسر ، وككتف يذكّر ويُؤنّث . كأنّه هنا تعبير عن القلب؛ إيماءً إلى أنّ الجاهل لا قلب له ، وأكثر إطلاق القلب إلى محلّ الإيمان. قال اللّه تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» (5) . (ومن فرّط تورّط) أي من قصّر في طلب الخير والنجاة بطاعة مفترض الطاعة وقع في ورطات الشرّ والهلاك. و«التثبّت» كالتوقّف لفظا ومعنىً. و(التوغّل): الدّخول في الشيء مستعجلاً بتمام البدن. (فيما لا يعلم) أي فيما لا علم له به عن الإمام الحقّ. و«الجدع» بالجيم والمهملتين : قطع الأنف ، وهو كناية عن الخزي والذلّ . (ومن لم يعلم) عن الإمام (لم يفهم) ما هو الحقّ في هذا النظام . (يهضّم) على المضارع المجهول من التفعيل ، أو الماضي المعلوم من التفعّل ، أي يهلك أو هلك. (كان ألوم) أي ملوما جدّا . «ندم» كعلم ندامةً بالفتح ، أي كان أحرى أن يكفّ من اهتمامه بالمخالفة ، وزيادة الاهتمام بها توجب اشتداد العقوبة وتضاعفها. قال برهان الفضلاء: «والجود» بالمال «نجح»؛ أي سيّما في زمن التقيّة ؛ دفعا لضرر الأعداء . و«المجلبة» بالفتح : للمكان ، من باب ضرب ونصر ، للكثرة والمبالغة . و«اللّوابس»: إشارة إلى شبهات المخالفين بخدمات المرتدّين من الأصحاب في إقامتهم وظعنهم وإعانتهم الإسلام بأموالهم وأنفسهم ، ومواصلتهم مع النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومضاجعتهم في جوار مقبرته وغير ذلك من مدائحهم المذكورة في كتب أهل الضلال، كما يجيء في كتاب الروضة بعد حديث نوح عليه السلام : «واللّه »، ما أعجب ممّن هلك كيف هلك ، ولكن أعجب ممّن نجا كيف نجا؟!» (6) يعني ممّن هلك بعد مضيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولكن أعجب ممّن نجا من فتن ذلك الامتحان العظيم. قال اللّه تبارك وتعالى في سورة السبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَا فَرِيقا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» (7) . «وبين المرء والحكمة» برفع المضاف و«نعمة العالم» بفتح النون، أي تنعّم الإمام وسروره. «والجاهل شقيّ بينهما» بإضافة الشقيّ إلى البين ، يعني المواصلة بين المرء. والحكمة سرور الإمام . والمراد بالحكمة ، أخذ العلم عن الإمام ، وترك العمل بالظنّ فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف من دون مكابرة وتعاند . والبارز في «تكلّفه» لمصدر «عرفه» . «لم يسلم» على المعلوم من باب علم . «لم يكرم» على المعلوم من باب حسن ، أو المجهول من الإفعال. «يهضّم» على الماضي المعلوم من التفعّل . «ألوم»: افعل التفضيل للمفعول . «أن يندم» في تقدير : بأن يندم. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه : «بين المرء والحكمة نعمة العالم» قصده عليه السلام الإشارة إلى ما سيجيء مفصّلاً في كلامهم عليهم السلام من انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: عالمٌ ربّاني ، ومتعلّم منه ، وصاحب الجهل. وإلى أنّ العالِم نعمة عظيمة بين المتعلّم وبين الحكمة ؛ لأنّه يحلّيه بحلية الحكمة، وصاحب الجهل شقيّ بين المرء وبين الحكمة . ويمكن أن تكون النعمة مضافة إلى العالم إضافة بيانيّة ، وأن يكون العالم مبتدأ متأخّرا عن خبره ، وهو النعمة. والموجود في النسخ كلّها : «والجاهل شقيّ بينهما» وهو ضدّ السعيد . ولا يزال يختلج بالبال أنّ هنا سهوا من قلم ناسخ، وأنّ صوابه : «شفيّ عنهما»، وشفا كلّ شيء: حرفه ، على وزن نوي. والمراد أنّ العالم الربّاني نعمة من اللّه تعالى على المرء الذي يريد تعلّم الحكمة، وصاحب الجهل المركّب كأصحاب الرأي في طرف عنهما (8) . انتهى . ما خطر بباله رحمه اللهمن الاحتمال كما ترى. وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: أفاد شيخنا الشيخ محمّد الحائري سبط الشهيد الثاني رحمهما اللّه : إضافة «النّعمة» إلى «العالم» بيانيّة ، يعني وبين المرء والحكمة وجود العالم نعمة ؛ لأنّه يرتبط بينهما بالتعليم والترغيب. وقال الشيخ بهاء الملّة والدِّين رحمه الله: «وبين المرء والحكمة نعمة» مبتدأ وخبر ، و«النعمة» بمعنى ما يتنعّم به. وقوله : «العالم والجاهل شقيّ بينهما» كلام آخر مبتدأ وخبر ، و«الشقي» بمعنى التعبان كما في قوله تعالى: «وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى» (9) . وحاصل المعنى : أنّ بين المرء والحكمة نعمة ، والجاهل والعالم بين هذه النعمة والحكمة في تعب ؛ لأنّ العالم يميل إلى النعمة، وهو من الحرمان عن الحكمة في ألم وتعب، والجاهل يميل إلى النعمة، وهو من الحرمان عن الحكمة في كلفة ونصب. وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي: لعلّ المراد أنّ الرجل الحكيم من لدن عقله وتمييزه إلى بلوغه حدّ الحكمة يتنعّم بنعمة العلم ونعيم العلماء ، فإنّه لا يزال في نعمة من أغذية العلوم وفواكه المعارف ؛ فإنّ معرفة الحضرة الإلهيّة لروضة فيها عينٌ جارية (10) ، وأشجارٌ مثمرة قطوفها دانية (11) ، بل جنّة عرضها كعرض السماء والأرض (12) . والجاهل بين مبدأ أمره ومنتهى عمره في شقاوة عريضة ، وطول أمل طويل ، ومعيشة ضنك (13) ، وضيق صدر (14) ، وظلمة قلب إلى قيام ساعته وكشف غطائه ، وفي الآخرة عذاب شديد. (15) وقال بعض المعاصرة من تلامذة هذا الفاضل الشيرازي: نعمة العالم بفتح النون يعني أنّ الموصل للمرء إلى الحكمة تنعّم العالم، بعلمه، فإنّه إذا رآه المرء انبعثت نفسه إلى تحصيل الحكمة، أو إضافة النعمة بكسر النون بيانيّة، أي العالم الذي هو نعمة من اللّه سبحانه يوصل المرء إلى الحكمة بتعليمه له إيّاها، والجاهل شقيّ بينهما، أي له شقاوة حاصلة من بين المرء والحكمة أو المتعلِّم والعالم؛ وذلك لأنّه لا يزال يتعب نفسه إمّا بالحسد أو الحسرة على الفوت أو السعي في التحصيل مع عدم القابليّة للفهم. (16) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا يفلح من لا يعقل». الفلاح : الفوز والنجاة . والمراد بمن لا يعقل : من لا يتبع حكم العقل ، ولا يكون عقله مستوليا على قوى نفسه ، ولا يعقل ولا يستولي عقله على قوى نفسه من لا يحصّل العلم ولا يصير ذا علم ؛ فإنّه بالعلم من جنوده يحصل له الاستيلاء والغلبة . «وسوف ينجب من يفهم». النجيب : الفاضل النفيس في نوعه. والمراد أنّه من يكون ذا فهم فهو قريب من أن يصير عالما ، ومن صار عالما فقريب من أن يستولي ويغلب عقله على قوى نفسه وهواه . وكذا «يظفر من يحلم» ، أي يعقل ، أو يكون ذا أناة ، وهو من آثار غلبة العقل على القوى الغضبيّة والشهوانيّة ، فلا يسرع إلى مقتضاهما، فالظفر بالمقصود والفوز يحصل له عن قريب. «والعلم جُنّة» أي وقاية من غلبة القوى الشهوانيّة والغضبيّة والدواعي النفسانيّة، ومن أن يلبس عليه الأمر ويدخل عليه الشّبه . وهذا شروع في ذكر محاسن بعض من جنود العقل، فذكر العلم أوّلاً، ثمّ الصدق من جنوده، فقال: «والصدق عزّ»، أي شرف ، أو قوّة وغلبة. والمراد بالصدق هنا الصدق في الاعتقاد، ولذا قابله بالجهل؛ فإنّ الاعتقاد الكاذب جهلٌ، كما أنّ الاعتقاد الصادق علم. «والفهم مجد» والمجد نيل الشرف والكرم . «والجود» بالمال «نجح»، والنجح _ بضمّ النون والحاء المهملة بعد الجيم _ : الظفر بالحوائج. و«المجلبة»: إمّا مصدر ميمي حمله على حسن الخلق ، كما حمل سائر المصادر السابقة على سائر الصفات مبالغة ، أو اسم مكان، والأوّل أوفق بنظائره . ولمّا ذكر أنّ العقل بجنوده من العلم، والفهم والصدق مناط الفلاح والعزّ والمجد، وكان فيه الدلالة على بطلان الطواغيت؛ لجهلهم وخلوّهم من الفهم والصدق والعلم وانقياد العقل ، بل اتّبعوا أهواءهم ، فادّعوا لأنفسهم ما ليس لهم ، وتركوا الحقّ وأهله وظلموهم ، فكان مظنّة توهّم أنّه كيف يجوز على الجمع الكثير كثرةً لا يخرج عنها إلّا قليلٌ نادر مثلُ هذا الاتّفاق على ترك الحقّ مع ظهوره عليهم أو على أكثرهم ، واتّباع الأهواء والابتداع الآراء الباطلة؟! فأزال عليه السلام هذا الوهم بقوله: «والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» ، أي لايدخل عليه الشبهات. أو المراد من الهجوم : الدخول بقوّة وغلبة ؛ فإنّ العالم بزمانه يعرف أنّ أهل الزمان مع كثرتهم وبلوغهم أضعاف اُولئك قلّما يرى في جماهيرهم ووجوه مشاهيرهم من لا يستكبر عن الإقرار بالحقّ ولا يتّبع هواه ، حتّى من يبالغ منهم في السداد وإظهار الصلاح والتقوى والفلاح ، فانضمّ فيهم الإضلال إلى الضّلال ، وتقوّى ضلالهم بالإضلال . وعسى أن يكون الإقرار بالحقّ والانقياد له عند القليل النادر المتروك عندهم، المذموم لديهم ، المحسود لهم ، فيبغضونه للتعازف (17) الذي بينهم ، وينكرونه ؛ تقويةً لباطلهم ، وترويجا له ، كما كان في أسلافهم حذو النعل بالنّعل ، بل البَطَلَة من أهل هذه الأزمان أسوء حالاً وأشدّ خسرانا من اُولئك الظلمة من السابقين ؛ حيث لا ينالون باستكبارهم عن الحقّ ما نالوه من الدنيا، بل شروا الحقّ بثمنٍ بخس؛ تسلية أنفسهم بإخفاء الحقّ والتلبيس على الحمق والوجاهة عندهم . ثمّ لمّا كان مظنّة أن يقال : الظنّ بالسلف أنّهم مثل أبناء هذه الأزمان بل تجويز ذلك من سوء الظنّ بهم، فقال عليه السلام : «والحزم مساءة الظنّ». الحزم : إحكام الأمر وضبطه والأخذ فيه بالثقة ، والمساءة : مصدر ميميّ . والمراد أنّ إحكام الأمر وضبطه والأخذ بالثقة وتحصيل العلم فيه يوجب سوء الظنّ بهم ، أو يترتّب على سوء الظنّ بهم وتجويز كونهم مثل هؤلاء ؛ فإنّه لو لم يجوّز ذلك لحسن الظنّ بهم لم يُتّبع ولم يُسْعَ في طلب معرفة الحقّ ، فلا يحصل له العلم بالحقّ ، فمن يريد تحصيل العلم والاعتقاد الجازم الثابت يبني الأمر على تجويز السوء منهم أوّلاً حتّى يتبيّن (18) الأمر بالبيّنة ، ومن يجوّز السوء بهم يوصله ذلك التجويز إلى إحكام الأمر والبناء فيه على الموثوق به الذي يوجب الاعتقاد الجازم الثابت. ولعلّ المراد بكون الشيء بين المرء والحكمة كونه موصلاً للمرء إلى الحكمة وواسطة في حصولها (19) ، كما في رواية جابر عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «بين العبد والكفر ترك الصلاة» (20) ؛ أي ترك الصلاة موصل للعبد إلى الكفر. والغرض أنّ ما أنعم اللّه به على العالِم من العلم والفهم والصدق على اللّه واسطة للمرء يوصله إلى الحكمة، فإنّ المرء إذا عرف حال العالم اتّبعه وأخذ منه، فيحصل له الحكمة ومعرفة الحقّ والإقرار به والعمل على وفقه. وكذا بمعرفة حال الجاهل وأنّه (21) غير عالمٍ فَهِمٍ صادقٍ على اللّه يترك متابعته والأخذ منه ، ويسعى في طلب العالم فيطّلع عليه ويأخذ منه. فالجاهل باعتبار سوء حاله باعث بعيد لوصول المرء إلى الحكمة ، فهو شقيّ محروم توصل معرفة حاله المرء إلى سعادة الحكمة ، وهذا الكلام كالتفصيل والتأكيد لما سبقه. ويحتمل أن يحمل البينيّة في الاُولى على التوسّط في الإيصال ، وفي الثانية على كون الشيء حاجزا مانعا من الوصول ، والجاهل شقيّ مانع من الوصول إلى الحكمة . ولا يبعد أن يُقال : المراد بنعمة العالم العالمُ نفسُه ، والإضافة بيانيّة ، أو يكون «العالم» بدلاً من قوله «نعمة»، فإنّ العالم من أشرف ما أنعم اللّه بوجوده على عباده . وقد قيل في معنى هذه العبارة وجوهٌ اُخر بعيدة تركناها محافظة (22) الإطناب . «من تكلّفه»، أي تكلّف العرفان. والمراد (23) إراءة ما ليس له من المعرفة . و«الغفور» إمّا من غفره ، بمعنى غطّى عليه ، وعفا عنه . أو من غفر الأمر ، أي أصلحه. و«الختّور» إمّا من الخَتْر بمعنى المكر والخديعة ، أو من الخَتْر بمعنى خباثة النفس وفسادها. و«من فرّط تورّط»، أي من عجّل ولم يتفكّر العواقب، بل عمل بمقتضى القوى الشهوانيّة والغضبيّة وقع في الورطة ، أي فيما يعسر الخروج منها. «ومن خاف العاقبة» . وذلك بتفكّره في العواقب . «ثبّت عن التوغّل فيما لا يعلم»، أي الدخول فيه باستعجالٍ ، بل لا يدخل فيه إلّا بعد معرفة حاله ، والعلم بمآله. «جدع أنف نفسه» : قطع، أي جعل نفسه ذليلاً غاية الذلّ . «ومن لم يعلم»، أي لم يكن عالما بشيء «لم يفهم» لم يميّز بين الحقّ والباطل. «ومن لم يفهم لم يسلم» أي من ارتكاب الباطل في شيء أصلاً ، أمّا في ارتكاب الباطل فظاهر، وأمّا في ارتكابه الحقّ _ إن اتّفق _ فلأنّ القول به بلا علم هلاكٌ وضلالةٌ. «ومن لم يسلم لم يكرم» على البناء للمفعول ، أي لم يعزّز بل يخذل، أو على البناء للفاعل ، أي لم يكن شريفا فاضلاً. «ومن لم يكرم يهضم» على البناء للمفعول ، أي يكسر عزّه ويُهان ، أو يُترك مع نفسه ويوكّل أمره إليه. وفي بعض النسخ «تهضّم» من التفعّل ، أي يكون مطلوبا لنفسه؛ أي ظالما عليها (24) . انتهى. أنت خبير بأنّ أوجه الوجوه المحتملة فيما هو الصعب المستصعب من كلامهم عليهم السلام ما هو الأوفق بمجاري ما هو الأهمّ من مقاصدهم صلوات اللّه عليهم.

.


1- . في «الف»: - «نجح».
2- . المائدة (4) : 3 .
3- . في «ب» : «عبّر عنه» . ولعلّ الصحيح ما أثبتناه .
4- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 489 (ختر) .
5- . ق (50) : 37 .
6- . الكافي ، ج 8 ، ص 275 ، ح 415 . ولايكون بعد حديث نوح .
7- . سبأ (34) : 20 .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 89 _ 90 .
9- . الأعلى (87) : 11 .
10- . إشارة إلى آية 12 من الغاشية (88) .
11- . إشارة ، إلى آية 23 من الحاقّة (69) .
12- . إشارة إلى آية 21 من الحديد (57) .
13- . إشارة إلى آية 124 من طه (20) .
14- . إشارة إلى آية 125 من الأنعام (6) .
15- . شرح الاُصول الكافي، ص 116.
16- . الوافي ، ج 1 ، ص 119 _ 120 .
17- . في المصدر : «للتعارف» بالراء المهملة .
18- . كذا في المصدر ، وفي «ب» : «يتبنّى».
19- . في المصدر : + «له» .
20- . جامع الأخبار ، ص 73 ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج 79 ، ص 202 ، ذيل الحديث 2 . وهذا الحديث مروي في كتب العامة بعبارات مختلفه ، راجع : تفسير ابن كثير ، ج3 ، ص 172 ، ذيل الآية 60 من سورة مريم (19) ؛ الدر المنثور ، ج 1 ، ص 711 ذيل الآية 253 من سورة البقرة (2) .
21- . ما أثبتناه من المصدر ، وفي «ب» و «ج» : «فإنّه» .
22- . في المصدر : «لمخافة» بدل «محافظة» .
23- . في المصدر : + «به» .
24- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 78 _ 84 ، بتفاوت في بعض الكلمات ، وبإسقاط وتلخيص في بعض العبارات .

ص: 289

. .

ص: 290

. .

ص: 291

. .

ص: 292

. .

ص: 293

. .

ص: 294

. .

ص: 295

. .

ص: 296

. .

ص: 297

. .

ص: 298

الحديث الثلاثون (1)روى في الكافي عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام :«مَنِ اسْتَحْكَمَتْ لِي فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ ، احْتَمَلْتُهُ عَلَيْهَا ، وَاغْتَفَرْتُ فَقْدَ مَا سِوَاهَا ، وَلَا أَغْتَفِرُ فَقْدَ عَقْلٍ وَلَا دِينٍ ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الدِّينِ مُفَارَقَةُ الْأَمْنِ ، فَلَا يَتَهَنَّأُ بِحَيَاةٍ مَعَ مَخَافَةٍ ، وَفَقْدُ الْعَقْلِ فَقْدُ الْحَيَاةِ ، وَلَا يُقَاسُ إِلَا بِالْأَمْوَاتِ» .

هديّة :«أحكمت الأمر فاستحكم»: صار محكما . والمستحكم بكسر الكاف : المحكَم بفتحها ، فإن صحّ استحكام الشيء بمعنى إرادة إحكامه صحّ المستحكم _ بفتح الكاف _ فيجري الوجهان في (استحكمت). والمعنى على التقديرين : من صارت لي فيه خصلة من جنود العقل مستحكمة بحيث تصير خُلقا له ومَلكة راسخة فيه كما في الخليق والسخيّ . و(لي): دلالة على أنّ المراد ب «من» من أظهر ولايته عليه السلام . (احتملته عليها) أي قبلته لأجلها بأنّه من شيعتي ، ورحمتُه في الدنيا ، وشَفَعتُ له في الآخرة . (واغتفر فقد ما سواها)؛ يعني إذا كان ذا عقل قاطع بحقّيّة دينه . وقد مرّ مرارا أنّ القطع لن يُحصل بدين إلّا عن الحجّة المعصوم العاقل عن الربّ الحكيم المنحصر فيه الأعلميّة بما دبّر في هذا النظام العظيم . وفي عطف (ولا دين) إشارة إلى مضمون الحديث الثاني ، وفيه تخيير آدم عليه السلام بين العقل والحياء والدِّين ؛ لأنّ مفارقة الدِّين مفارقة الأمن الحاصل من القطع ، فلا يهنأ بحياة مع مخافة حاصلة من عدم اليقين ، ألا يُرى أنّ الجاحد لليوم الآخر على ما أخبر به الحجج عليهم السلام لا يمكنه نفي احتماله. (2) ونِعمَ ما قيل : واي بر منكران آن ديوان كه ندارند تاب شايدان. و«التهنّؤ» على التفعّل : صيرورة الشيء هنيئا ، أي (فلا يتهنّأ) شيء (3) لمفارق الأمن بسبب حياة تكون مع مخافة من الضلال والعذاب. ويحتمل المجهول، فالباء للتعدية. (وفقد العقل) أي العقل الموصوف ، وهو عقل الإيمان . (ولا يقاس) أي فاقده. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «استحكمت» على المعلوم ، أي صارت ثابتة محكمة . «احتملته عليها»، أي عددته لأجلها من شيعتي . «ولا أغتفر فقد عقل»، أي عقل مستلزم للدِّين . «فلا يتهنّأ» على المعلوم ، والباء للملابسة. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: «الخصلة» _ بالفتح _ يستعمل في الصفات ، فضائلها ورذائلها ، واستعمالها في الفضائل أكثر. ويُقال: أحكمتها فاستحكمت ، أي صارت محكمة. والمراد صيرورتها مَلكة . و«لي» باعتبار تضمين معنى الثبوت ، أو ما شابهه . «احتملته عليها»، أي احتملته كائنا عليها . «واغتفرت فقد ما سواها» من خصال الخير ، وما آخذتُه بفقدها و ارتضيت بحاله هذه له . والحاصل تجويز نجاته بسبب الخصلة الواحدة . والمراد بخصال الخير الخصال الذي من توابع الخير . وقد سبق أنّ الخير من جنود العقل وزيره ، فالعقل خارج من خصال الخير ، وكذا الدِّين ؛ فإنّه لا يُعدّ خصلة عرفا. فالمعنى أنّ من وجدتُه ذا خصلة واحدة محكمة فيه من خصال الخير ، قبلتُه ورضيت باحتماله ، وتجاوزت عن فقد ما سواها. وأمّا العقل والدِّين فليسا ممّا يُكتفى بأحدهما عن الآخر ، أو يكتفى عنهما بغيرهما، بل إنّما يكتفى في القبول بالخصلة الواحدة من خصال الخير بعد العقل والدِّين كما قال عليه السلام : «ولا أغتفر فقد عقل ولا دين» . ويمكن أن يجعل هذا القول قرينةً على كون المراد بخصال الخير ما عداهما. ويحتمل أن يكون المراد بخصال الخير هنا ما يشتمل (4) العقل والدِّين ، ويكون «ولا أغتفر» كالاستثناء. ثمّ استدلّ على أنّ فقدان العقل والدِّين لا يغتفر، ولا يقبل فاقد أحدهما بقوله: «لأنّ مفارقة الدِّين مفارقة الأمن». وهذا أقلّ مراتبه التي يجامع العقل التي هي الإقرار ظاهرا والتمسّك تكلّفا. والمفارقة (5) حقيقةً كالداعي بلا علم ، والمتّبع لغير العالم ، الآخذ معالم دينه من الجاهل، فمن كان كذلك كان خائفا ؛ لعدم علمه بإصابة (6) الحقّ ، وإجابته لما دعي إليه، ومن كان كذلك يُخاف عليه أن لا يخرج من الدنيا إلّا بعد تسلّط الشيطان عليه ، واتّباعه لوساوسه المؤدّية إلى الكفر، نعوذ باللّه من شرّه. «فلا يتهنّأ بحياة مع مخافة» . في المصادر : «التهنّؤ: گوارنده شدن». والبناء للمفعول والباء للتعدية. ويمكن أن يكون المراد بالحياة هنا المعرفة المتعلّقة باللّه تعالى ، وبالنبيّ صلى الله عليه و آله ، وبالكتاب المجيد ، وحقّيّة الشريعة ، فمن لم يحصّل العلم بمعضلات (7) الأحكام من مأخذه الذي ينبغي أن يأخذ منه ، وآثر اتّباع الجاهل ، وتَرَك اتّباع العالم ، كان مخافة أن يزول عنه حياته التي كانت له ، ومعرفته التي حصلت له . «وفقد العقل فقد الحياة ؛ فإنّ حياة النفس بالعقل وبالمعرفة، كما أنّ حياة البدن بالنفس . «ولا يقاس إلّا بالأموات»، أي لا يُقدَّر فاقد العقل إلّا على مثال الأموات؛ يُقال : قِسْتُ الشيء بالشيء إذا قدّرته على مثاله. (8)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثلاثون».
2- . في «الف»: «احتمال».
3- . كذا في «ب» .
4- . كذا في «ب» وفي المصدر : «يشمل» .
5- . في المصدر : «والمفارق» .
6- . في المصدر : «بإصايته» .
7- . في المصدر : «بمفصّلات» بدل «بمعضلات» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 84 _ 86 ، بتفاوت في بعض الألفاظ .

ص: 299

. .

ص: 300

الحديث الحادي والثلاثون (1)روى في الكافي عن عَلِيُّ (2) ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُحَارِبِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسى ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلى ضَعْفِ عَقْلِهِ» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الحادي والثلاثون».
2- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم» .

ص: 301

هديّة :«محارب» كمصاحب : أبو قبيلة . قد سبق قوله عليه السلام في الثاني عشر ببيانه : «ويرى الناسَ كلَّهم خيرا منه ، وأنّه شرّهم في نفسه وهو تمام الأمر». يعني ينبغي لكلّ أحد أن يظنّ أنّه لا ذلّ منه في مقام العبودية ، ولا أكثر تقصيرا منه في العبادة ، فبقدر عجب المرء وتكبّره ناقص عقله ، وضعيف إيمانه. قال برهان الفضلاء: المراد ب «إعجاب المرء بنفسه»: إدباره في مواضع الإقبال بالمعنى الذي ذكرناه في بيان الأوّل ، أو الأعمّ منه موافقا لما يجيء في السابع من باب استعمال العلم ، الباب الرابع عشر من قوله عليه السلام : «فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشيطان عليه». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الإعجاب» مصدر مبنيّ للمفعول اُضيف إلى المفعول ، أي كون المرء معجبا بنفسه. و«العُجب» : أن يظنّ الإنسان بنفسه منزلة لا يستحقّها ويصدّق نفسه في هذا الظنّ تصديقا ما، وذلك إنّما يحصل من قلّة التميّز والمعرفة وضعف العقل ، فهو دليل على ضعف عقله. (1)

الحديث الثاني والثلاثون (2)روى في الكافي وقال: أَبُو عَبْدِ اللّه ِ الْعَاصِمِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَهُ أَصْحَابُنَا وَذُكِرَ الْعَقْلُ ، قَالَ : فَقَالَ :«لَا يُعْبَأُ بِأَهْلِ الدِّينِ مِمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ مِمَّنْ يَصِفُ هذَا الْأَمْرَ قَوْما لَا بَأْسَ بِهِمْ عِنْدَنَا، وَلَيْسَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْعُقُولُ؟ فَقَالَ : «لَيْسَ هؤُلَاءِ مِمَّنْ خَاطَبَ اللّه ُ ، إِنَّ اللّه َ (3) خَلَقَ الْعَقْلَ ، فَقَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، وَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، فَقَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، مَا خَلَقْتُ شَيْئا أَحْسَنَ مِنْكَ _ أَوْ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ _ بِكَ آخُذُ ، وَبِكَ أُعْطِي» .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 .
2- . في «الف»: - «الحديث الثاني والثلاثون».
3- . في الكافي المطبوع : + «تعالى».

ص: 302

هديّة :أبو عبداللّه العاصمي ، هو أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة بن عاصم الشهير (1) بالعاصمي ، ثقة . (يصف) أي يعرف . (لا بأس بهم) أي بحسب الاعتقاد الممدوح ، وكونهم من الاثني عشريّة وتولّيهم وتبرّئهم الواجبين . (وليست لهم تلك العقول) أي التي لعلماء الإماميّة وكمّلهم . وهي أخصّ من التي مناط التكليف. (فقال : «ليس هؤلاء ممّن خاطب اللّه ) أي قصدا بالذات. والمقصود بالذات من الخطاب المذكور بقوله: (بك آخذ وبك أُعطي): خواصّ الشيعة؛ لقوله عليه السلام : (لا يعبأ بأهل الدِّين ممّن لا عقل له) أي بحسبك اُعاقب واُثيب في البرزخ والآخرة. وقد سبق في السابع : «إنّما يداقّ اللّه العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا». والمراد أنّ الدقّة في حساب الشيعة على قدر كمال عقله ، وكثرة المساهلة معهم على قدر قلّة كمالهم ، إلّا أن يغترّ بطريقة الصوفيّة ويتمادى حتّى يثبت اسمه في كتاب الفجّار وتحقّ (2) عليه كلمة العذاب . (3) والشكّ من الراوي. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «أخذ» على المتكلّم وحده من باب نصر. والظاهر أنّ تكرار كلمة «بك» للدلالة على أنّ ذلك الأخذ أخذُ عزيزٍ مقتدرٍ . إنّما هو بالنظر إلى الذين أخلّوا بالعقل ولم يتّصفوا به. و«الإعطاء» إنّما هو بالنسبة إلى الذين راعوه واتّصفوا به . وهذا بناءً على أنّ خلق الجنّ والإنس لأجل عبادة المؤمنين موافقا لاختياره في الآيتين من سورة الذاريات: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» (4) . والاحتمال عود ضمير «يعبدون» إلى المؤمنين. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله عليه السلام : «لا يعبأ بأهل الدِّين لمن لا عقل له»: في بعض النسخ : «بمن لا عقل له» فيكون بدلاً عن قوله: «بأهل الدِّين». والمعنى أنّه لا يبالي بمن لا عقل له من أهل الدِّين ، أي لا يعدّ شريفا ، ولا يلتفت إليه ، ولا يُثاب على أعماله ثوابا جزيلاً . «انّ ممّن يصف هذا الأمر»، أي إنّ ممّن يقول بقول الإماميّة «قوما لا بأس بهم» في الاعتقاد والعمل «عندنا» أي في بلادنا ، أو باعتقادنا . «وليست لهم تلك العقول» دلّ بإتيان لفظة «تلك» _ وهي للإشارة إلى البعيد _ على علوّ درجة العقول المسلوبة عنهم ؛ إشارةً إلى أنّ لهم قدرا من العقل اهتدوا به إلى ما اهتدوا به ولكن قريب المنزلة من إدراك الحواسّ والمشاعر . وغرضه السؤال عن حالهم، أيُعبأ بهم أم لا؟ «فقال: ليس هؤلاء ممّن خاطب اللّه ، إنّ اللّه خلق العقل» إلى قوله: «ما خلقت شيئا أحسن منك، أو أحبّ إلىّ منك» . هذا ترديد من الراوي. وفي قوله: «بك آخذ وبك اُعطي» دلالة على أنّ المؤاخذة بالمعاصي ، والإعطاء بالإطاعة والانقياد بالعقل ، وهو مناطهما ، فكلّما كمل كثرت المؤاخذة والإعطاء ، وكلّما نقص قلّ (5) المؤاخذة والإعطاء ، فيصل إلى مرتبة لا يبالي بهم ، ولا يهتمّ بأمرهم، ولا يشدّد ولا يضيّق عليهم. (6)

.


1- . في «ب، ج»: «اشتهر».
2- . في «الف»: «يحقّ».
3- . اقتباس من الآية 19 من الزمر (39) .
4- . الذاريات (51) : 55 _ 56 .
5- . في المصدر : «قلّت» .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 86 _ 87 .

ص: 303

. .

ص: 304

الحديث الثالث والثلاثونروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ البرقى (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَيْسَ بَيْنَ الْاءِيمَانِ وَالْكُفْرِ إِلَا قِلَّةُ الْعَقْلِ» . قِيلَ : وَ كَيْفَ ذَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ؟ قَالَ : «إِنَّ الْعَبْدَ يَرْفَعُ رَغْبَتَهُ إِلى مَخْلُوقٍ ، فَلَوْ أَخْلَصَ نِيَّتَهُ لِلّهِ ، لَأَتَاهُ الَّذِي يُرِيدُ فِي أَسْرَعَ مِنْ ذلِكَ» .

هديّة :(رغبته) أي حاجته . (لأتاه) من الإتيان ، أو من الإيتاء بمعنى الإعطاء. والمشار إليه ل (ذلك) مصدر (يرفع)، يعني أنّ الواسطة التي تفرق الكفر الموجب للنّار من الإيمان الكامل إنّما هي (قلّة العقل). والغرض أنّ لها كما لطرفها مراتب ، ويتفاوت قربا وبُعدا بحسب تفاوت مراتب العقل كمالاً ونقصانا. وكما أنّ انتهاء مراتب قلّة العقل عقل الإيمان بالولاية إلى الكفر الموصوف ، فانتهاء مراتب كثرته إلى الإيمان الكامل الذي لا أكمل منه. وكفر العاصي حالة العصيان محمول بالاتّفاق على نقص الإيمان إلى الكفر الموجب للنار وإن كان موجبا لعقاب البرزخ لو لم يوفّق للتوبة. وهذا البيان سيفصّل في كتاب الإيمان والكفر إن شاء اللّه تعالى. وقال برهان الفضلاء: يعني ليس حاجز يمنع الإيمان عن أن يغلب على الكفر سوى قلّة العقل. والمراد من المثال بيان أنّ قلّة العقل كما توجب مثل هذا الفساد توجب فسادا أسوء منه ، وهو الكفر. والمشار إليه ل «ذلك» : زمان الرفع، أو زمان إعطاء المخلوق حاجة مثله. وقال السيّد الباقر الشهير بداماد ، ثالث المعلِّمين: يمكن أن يكون المراد أنّ بين شكر النعمة وكفرانها ليس إلّا قلّة العقل. (2) وسيجيء أنّ للكفر خمسة معان؛ منها: كفران النّعمة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: أي ليس المخرِج من الإيمان إلى الكفر إلّا قلّة العقل. ولمّا كان الإيمان من الفطرة وبمنزلة الثابت لكلّ أحد، فمن كفر كان خارجا من الإيمان إلى الكفر، قال : «ليس بين الإيمان والكفر» أي ما يوصل من الإيمان إلى الكفر «إلّا قلّة العقل». «وكيف ذلك يابن رسول اللّه ؟» أي كيف إيصال قلّة العقل إلى الكفر؟ «قال: إنّ العبد يرفع رغبته» أي مرغوبه ومراده من حوائجه إلى مخلوق ؛ لقلّة عقله واعتقاده أنّ الحصول لا يكون إلّا بالرفع إليه ، فيعظّمه ويتذلّل له ويتّخذه ربّا معطيا ، ولو كان عاقلاً كامل العقل يعرف أنّ في إخلاص النيّة للّه _ تبارك وتعالى _ والرّفع إليه دون غيره سرعةَ الوصول إلى المطلوب. «فلو أخلص نيّته للّه لأتاه» أي جاءه. وفي بعض النسخ «لآتاه» من باب الإفعال ، أي أعطاه الذي يريده «في أسرع من ذلك»؛ أي من الحصول بعد رفع الحاجة إلى المخلوق (3) . انتهى . المضبوطة في النسخ التي رأيناها : «كيف ذاك» بدون اللّام ، فاللّام في نسخة السيّد مضبوطة واشتباه من ناسخ الكتابة.

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد» بدل «البرقي» .
2- . لم نعثر عليه.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 87 _ 88 .

ص: 305

الحديث الرابع والثلاثونروى في الكافي عن العِدَّةٌ، عَنْ سَهْلِ ، عَنْ الدِّهْقَانِ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : بِالْعَقْلِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْحِكْمَةِ ، وَبِالْحِكْمَةِ اسْتُخْرِجَ غَوْرُ الْعَقْلِ ، وَبِحُسْنِ السِّيَاسَةِ يَكُونُ الْأَدَبُ الصَّالِحُ ». قَالَ : «وَكَانَ يَقُولُ : التَّفَكُّرُ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ ، كَمَا يَمْشِي الْمَاشِي فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وَقِلَّةِ التَّرَبُّصِ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «العدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زيادٍ ، عن عبيد اللّه الدهقان» .

ص: 306

هديّة :(استخرج) على ما لم يسمّ فاعله ، واحتمال المتكلّم وحده ، أو الأمر كماترى، يعني العقل الذي هو حباء من اللّه ، وهو عقل الإيمان باللّه واليوم الآخر. ولعلّ المراد كامله الذي له أيضا مراتب. والمراد ب «الحكمة» علم الدِّين ، وهو علم الإمام الحقّ، وب «استخراج غورها» اتّصاف المؤمن باليقين فيما اعتقد ، وكونه على ثقة ممّا أدّى، فبذلك يعرف أنّ العقل جاء من اللّه ، وأنّه لا دين لمن لا عقل له وأنّ له مراتب، وأنّه أخصّ من العقل الذي مناط التكليف، وغير ذلك من خصائص العقل ، كما نطق بها أحاديث الباب. (وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح)؛ يعني كما أنّ العاقل يعرف أنّ حسن السياسة في الناس يوجب شيوع الأدب الصالح فيهم وضياع البُدع الفاسدة المفسدة، كذلك يعرف أنّ أحكام التدبير من الحكيم لهذا النظام العظيم يستلزم شريعة غرّاء بحجّة معصوم ممتاز عن الجميع حسبا ونسبا، ولذا يبني العاقل أفكاره على استحكام نظام العالم وهو بحيث لا يعقل كنهه، وهو تقدير العزيز العليم (1) ، فيعقل ويوقن. مثلاً: أنّ حكمه تبارك وتعالى بأنّ فرعون بادّعائه ما ادّعى مرتدّ نجس مخلّد في النار إذا كان معناه أنّه كذا في الظاهر وفي الحقيقة كليم اللّه ، أو وليّ، اللّه كان سخيفا جدّا يمتنع أن يصدر عن صاحب هذا النظام بهذا الاستحكام ، فيقطع بحقّيّة أنّ «حلال محمّد صلى الله عليه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة» (2) ، فيحكم قطعا من مقالات الصوفيّة القدريّة، ومن مقالاتهم : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع «وَاللّه ُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (3) . (التفكّر حياة قلب البصير) يعني التفكّر المبنيّ على عِظَم استحكام هذا النظام، وتنزيه مدبّره الملك العلّام عمّا لا يليق بشأنه تعالى شأنه وعظم سلطانه . (بحسن التخلّص) أي من الورطات المهلكة. (وقلّة التربّص) أي بسرعة الوصول إلى المقصود. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني «بالعقل» يملك العاقل كفّ نفسه عن الأهواء ، كالحكم بالظنّ في المشتبهات، وبكفّ نفسه عنها يملك كمال العقل ، و«بحسن» التدبير في سلوكه واُموره يحصل له «الأدب الصالح» الذي أمر اللّه عباده به في محكمات القرآن، قال: «وكان يقول» يعني قال الصادق عليه السلام : «وكان يقول أمير المؤمنين عليه السلام : التفكّر حياة قلب البصير» أي التفكّر في عواقب الاُمور حياة قلب المؤمن. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «بالعقل استخرج غور الحكمة» يعني بآلة العقل يمكن الوصول إلى كنه الحكمةٍ ، وبظهور الحكمة من العاقل يظهر ما كان مخزونا في عقله. (4) وقال السيّد السند أمير حسن القائيني رحمه الله : «بحسن السياسة» أي بحسن التدبير فيما هوتحت تصرّف العقل من البدن بتهذيب الأخلاق ، ومن غيره بإصلاح الأحوال على ما اُمر به و نُهي عنه يحصّل أدب المنجي. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بالعقل استخرج غور الحكمة» أي قعر الحكمة ، والبالغ نهاية الخَفاء. والحكمة العلوم الحقّة والمعارف اليقينيّة التي يدركها العقل، فالوصول إلى أخفاها وحقيقة بواطنها بالعقل . «وبالحكمة استخرج غور العقل» أي نهاية ما في قوّته من الوصول إلى العلوم والمعارف ؛ فإنّ بالعلم والمعرفة يعرف نهاية مرتبة العقل ، أو يَظهر نهاية مرتبته ، ويبلغ كماله . «وبحسن السياسة يكون الأدب الصالح» أي بحسن الأمر والنهي ، أو بحسن التأديب يحصّل الأدب الصالح. «وكان يقول: التفكّر حياة قلب البصير» أي قلب البصير الفَهِم يصير حيّا عالما عارفا بالتفكّر ، وهو الحركة النفسانيّة في المقدّمات الموصلة إلى المطلوب [ومنها إلى المطلوب] (5) ، فالفَهِم يمشي ويتحرّك بتفكّره في حال جهله بالمطلوب إلى المطلوب بحسن التخلّص والنجاة من الوقوع في الباطل وقلّة التربّص والانتظار في الوصول إلى الحقّ . «كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور» شبّه الحركة الفكريّة حال الجهل بالمطلوب ، بسبب الفهم والبصيرة بمشي الماشي في الظلمات بالنور. و«يحسن التخلّص» يحتمل تعلّقه بالمشبّه به ، وبالمشبّه ، وبهما ، ويعلم الاشتراك على الأوّلين بالتشبّه (6) . انتهى. قال في الكافي بعد ذكر هذا الحديث: «هذا آخر كتاب العقل ، والحمدُ للّه وحده (7) ، وصلّى اللّه على محمّد وآله» فلعلّه من زيادات بعض من تلامذة ثقة الإسلام كالصفواني. وقال الفاضل الاسترآبادي بخطّه قوله: «هذا آخر كتاب العقل» لا آخر كتاب العقل وما يلحق به، ويؤيّده ما سيجيء ، وما في الفهرست (8) من عدّ المجموع كتابا واحدا. (9)

.


1- . اقتباس من الآية 96 ، الأنعام (6) ؛ والآية 38 يس (36) ؛ و 12 فصّلت (41) .
2- . الكافي ، ج 1 ، ص 58 ، باب البدع والرأي و ... ، ح 19 .
3- . البقرة (2) : 213 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 90.
5- . أضفناه من المصدر .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 88 _ 89 .
7- . في «الف»: - «وحده».
8- . الفهرست للطوسي ، ص 135 ، الرقم 591 .
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 90.

ص: 307

. .

ص: 308

. .

ص: 309

باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه

الباب الثاني : بَابُ فَرْضِ الْعِلْمِ وَوُجُوبِ طَلَبِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِوأحاديثه كما في الكافي عشرة.

الحديث الأوّلروى في الكافي وقال: عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيِّ، عَنْ عبدالرحمن (1) بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَلَا إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ».

هديّة :في بعض نسخ الكافي : كتاب فضل العلم، باب فرض العلم. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: قوله «كتاب فضل العلم ، باب فرض العلم» كذا في كثير من النسخ ، ويؤيّدها عدّه النجاشي كتاب فضل العلم _ بعدما ذكر كتاب العقل _ من كتب الكافي (2) . وفي كثير منها : «باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه» بلا زيادة ذكر الكتاب قبله ، ويوافقها عدّ الشيخ كتاب العقل وفضل العلم كتابا واحدا من كتب الكافي (3) . والأمر فيه سهل. وقال الفاضل الاسترآبادي: قوله «باب فرض العلم ووجوب طلبه» المتعارف في كلامهم عليهم السلام التعبير بالمعرفة عن العقائد التي تتوقّف عليها حجّيّة الأدلّة النقليّة ، والتعبير بالعلم عن العقائد المتعلّقة بالعمل. والاُولى موهبيّة ، والثانية كسبيّة ، كما سيجيء التصريح به في مواضع من كلامهم عليهم السلام . (4) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه» أي هذا بيان المفروض في القرآن من العلم ، وبيان وجوب طلبه بأنّ وجوب طلبه على جميع المسلمين ، أو على بعضهم، وبيان تحريض اللّه وحججه الناس عليه . انتهى. فسّر المفروض في القرآن من العلم في موضع آخر بعلم الدِّين . في بعض نسخ الكافي: أخبرنا محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم. وقد سبق أنّ ذكر محمّد بن يعقوب في الكافي هكذا في مواضع من زيادات تلامذته طاب ثراه. (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ) أي تحصيل العلم بما يحتاج الناس إلى معرفته في الدِّين الحقّ، من أحوال المبدأ والمعاد على نهج قانون الإسلام المقنَّن من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه، واجب على كلّ مسلم على قدر حاجته ، على قدر وسعه . و(بغاة العلم): طلّابه ، جمع باغ كهاد وهداة. ومثل الخبر ردّ على مثل القدريّة القائلين بحصول العلم بحقيقة كلّ شيء لكلّ أحد بالكشف الحاصل بالرياضة وإن كان جوكيا من الجواكي ، وإن كان ارتياضه على خلاف الشرع وتمثيلهم برؤية العكس في الماء الطاهر والقذر سخيف جدّا ؛ إذ لا معنى لوصول عدوّ من أعداء اللّه بنجاسته وارتداده إلى منزلة وليّ من أولياء اللّه ، وجواب شيخ كبير من الصوفيّة عن مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع مشهور. (5) قال برهان الفضلاء: يعني طلب علم الدِّين واجب بحكم اللّه تعالى في محكمات القرآن على كلّ مسلم. والمراد أنّه واجب على كلّ مكلّف لكن لا ينقاد هذا الحكم إلّا المرء المسلم الكافِّ نفسه عن العمل بالظنّ ، واللّه يحبّ طَلَبة علم الدِّين. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «طلب العلم فريضة» المراد بالعلم هنا العلم المتكفّل لمعرفة اللّه وصفاته وما يتوقّف عليه المعرفة، والعلم المتعلّق بمعرفة الشريعة القويمة . والأوّل له مرتبتان: الاُولى: مرتبة يحصل فيها الاعتقاد الحقّ الجازم وإن لم يقدر على حلّ الشكوك والشبهات. وطلب هذه المرتبة فرض عين. والثانية: مرتبة يقدر فيها على حلّ الشكوك ودفع (6) الشبهات . وطلب هذه المرتبة فرض كفاية. والثاني _ أي العلم المتعلّق بالشريعة القويمة _ أيضا له مرتبتان: إحداهما: العلم بما يحتاج إلى علمه من العبادات وغيرها ولو تقليدا. وطلبه فرض عين. والثانية : العلم بأحكام الشريعة (7) من أدلّتها التفصيليّة . واصطُلح في هذه الأعصار على التعبير عنها بالاجتهاد . وطلبها فرض كفاية. وإنّما وجوب هذه المرتبة كفاية في الأعصار التي لا يمكن الوصول فيها إلى الحجّة. وأمّا في العصر الذي كان الحجّة ظاهرا والأخذ منه ميسّرا، ففيه كفاية عن الاجتهاد ، وكذا عن المرتبة الثانية من العلم المتكفّل بمعرفة اللّه وصفاته وتوابعه. ثمّ نقول: مراده ظاهرا فرض العين وبحسب ذلك الزمان ، فيكون المفترض المرتبتين الأوّلتين من العلمين . ولمّا بيّن فرض العلم رغّب في المرتبة الغير المفروضة ، وهو الاشتغال بتحصيل العلوم وضبطها واتّخاذه حرفة بقوله: «ألا إنّ اللّه يحبّ بغاة العلم» أي طَلَبته. (8)

.


1- . في الكافي المطبوع : «عبداللّه » بدل «عبدالرحمن» .
2- . رجال النجاشي ، ص 377 ، الرقم 1026 .
3- . الفهرست للطوسي ، ص 135 ، الرقم 591 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 91 .
5- . راجع كلام المصنّف في ذيل الحديث العاشر من نفس هذا الباب.
6- . في المصدر : «رفع» .
7- . في المصدر : «بالأحكام الشرعية» .
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 92 .

ص: 310

. .

ص: 311

. .

ص: 312

الحديث الثاني (1)روى في الكافي عن مُحَمَّدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ».

هديّة :عيسى بن عبداللّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، له كتاب. والحديث بيانه كسابقه.

الحديث الثالث (2)روى في الكافي بإسناده عن عليّ عن العبيدي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : هَلْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُ الْمَسْأَلَةِ عَمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ:«لَا».

هديّة :يعني هل يسعهم (ترك المسألة) مع إمكانها بلا مضرّة لا يجوز تحمّلها شرعا عمّا يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم؟ قال برهان الفضلاء: يعني سئل الكاظم عليه السلام هل يسع الناس ترك السؤال عن الحكم الذي يحتاجون إليه؟ يعني السؤال واجب عينيّ على كلّ من أسلم عمّا يحتاج إليه في وقت الحاجة إليه، وأمّا تحصيل العلم بالكتب المؤلَّفة بأمر الأئمّة عليهم السلام يعمل (3) بما فيها في زمن الغيبة الكبرى فهو واجب كفائي ، كما يفهم من الأحاديث الآتية في باب الأخذ بالكتب.

الحديث الرابعروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَهْلِ وَمُحَمَّدُ عن (4) ابْنِ عِيسى جَمِيعا، عَنْ السرّاد، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ:«أَيُّهَا النَّاسُ، اعْلَمُوا أَنَّ كَمَالَ الدِّينِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلُ بِهِ، أَلَا وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ؛ إِنَّ الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ، قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ، وَضَمِنَهُ، وَسَيَفِي لَكُمْ، وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ؛ فَاطْلُبُوهُ».

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
2- . في «الف»: - «الحديث الثالث».
3- . في «ب» و «ج»: «للعمل».
4- . في الكافي المطبوع هكذا : «ومحمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن السرّاد» .

ص: 313

هديّة :الجوهري: سبيع، كأمير بطن من هَمْدان رهط أبي إسحاق السبيعي. (1) (كمال الدِّين طلب العلم) يعني الدِّين الكامل بمراتبه خاصّ بطلبة علمه العاملين به ، ولا بأس بإرادة التعميم، والحجّة المعصوم عاقل عمّن انحصرت الأعلميّة بما في هذا النظام فيه تعالى شأنه، إلّا أنّه لم يتعارف إطلاق طلبة العلم إلّا على خواصّ من الرعيّة. (أوجب عليكم) ردّ على طريقة الصوفيّة، ولا رهبانيّة في الإسلام، (2) ونصّ في أنّ طلب المال الحلال على الوجه المشروع على قدر الكفاف واجب وإن كان مقسوما مضمونا، وأمثال حديث: «نِعْمَ العون على الآخرة الدنيا» (3) دلالة على زيادة حسن طلب الزيادة لاُمور مهمّة. (والعلم مخزون عند أهله) يعني حجج اللّه المعصومين العاقلين عن اللّه الذين عددهم محصور في هذا النظام، لا يزيد ولا ينقص، كالأفلاك، والأبراج، والثوابت، والسيّار. «وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ» . (4) (وقد أمرتم بطلبه من أهله) ناظر إلى مثل قوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (5) كمقسوم إلى قوله تعالى: «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (6) ، ومضمون إلى قوله تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَا عَلَى اللّه ِ رِزْقُهَا» (7) . قال برهان الفضلاء: يعني اعلموا أنّ صحّة استكانة العبوديّة وذلّها عنده تعالى طلب العلم بالأحكام الإلهيّة، والعمل بها. «والعلم مخزون عند أهله» يعني الأئمّة عليهم السلام وليس بمضمون لكم كما قال اللّه تعالى في سورة الأنعام: «وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» . (8) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «والعلم مخزون عند أهله» تصريح بما اشتهر تفصيله في كلامهم عليهم السلام من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جاء بحكم كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة إلى يوم القيامة، وقد أودع الكلّ عند أهل بيته عليهم السلام والناس مأمورون بسؤالهم في كلّ ما يحتاجون إليه. (9) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ كمال الدِّين طلب العلم والعمل به» المراد بهذا العلم، العلم المتعلّق بالعمل، فمَن طلبه ولم يعمل به [أولم يطلبه] (10) كان ناقص الدِّين. ونبّه عليه بالتنبيه على أنّ طلب العلم أوجب من طلب المال، وقال: «إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه» فما قُدّر لكلّ أحد منكم أجراه إليه، ولم يستحسن طلب المال من أحد ولم يحوج أحدا إلى طلب المال من مثله، ولم يرتض له به، بل وسّع لهم طريق الاكتساب. وأمّا العلوم الشرعيّة فمأخذه واحد، وطريق الأخذ واحد، وقد اُمرتم بطلبه من أهله. (11) انتهى. الصواب أن يحمل قوله رحمه الله: «وأمّا العلوم الشرعيّة» على العلوم الحقّة بأحوال المبدأ والمعاد وجميع ما في هذا النظام ممّا يحتاجون إلى معرفته بقدر الوسع والطاقة، وقد نقلنا فيما سبق تصريحه رحمه الله بهذا، فقوله هنا في صدر كلامه: «المراد بهذا العلم المتعلّق بالعمل» كماترى. ولا منافاة بين إرادة المطلق وذكر العمل المتعلّق به بعضه. وما أحسن هنا بيان الفاضل الاسترآبادي رحمه الله.

.


1- . الصحاح ، ج 3 ، ص 1227 (سبع).
2- . دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 193 ، ح 701؛ النهاية لأبن أثير ، ج 2 ، ص 280 (رهب).
3- . الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 9. و بتفاوت يسير في الفقيه ، ج 3 ، ص 156 ، ح 3567.
4- . الرعد (13): 8 .
5- . النحل (16): 43.
6- . الزخرف (43): 32.
7- . هود (11): 6 .
8- . الأنعام (6): 104.
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 91.
10- . أضفناه من المصدر.
11- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.

ص: 314

. .

ص: 315

الحديث الخامسروى في الكافي وقال: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ ، عن (1) رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا _ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ».

هديّة :(عن أبي عبداللّه ) اسمه: ميمون البصري. وفي بعض النسخ: «عن أبي عبداللّه رجلٍ من أصحابنا» بدون كلمة «عن». والحديث بيانه كنظيره، وهو الثاني.

الحديث السادسروى في الكافي وقال: وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِم، أَلَا وَإِنَّ اللّه َ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ».

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الأوّل، وبين المتنين «واو».

الحديث السابعروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ البرقي، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (2) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«تَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ، فَهُوَ أَعْرَابِيٌّ؛ إِنَّ اللّه َ تَعَالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: «لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُواقَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» ».

.


1- . في الكافي المطبوع: - «عن».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 316

هديّة :لا شكّ أنّ المراد ب «الفقه» العلم بحكم ما يحتاج إليه في الدِّين، من العقائد والأعمال. ووجوب التفقّه عامّ؛ لانحصار الأعلميّة، فالقطع بالحقّيّة والتفقّه، إمّا بلا واسطة، فهو عقل الحجّة المعصوم المحصور عددا عن اللّه سبحانه. أو بواسطة العاقل عن اللّه . أو بوسائط، كتفقّه العاقل عن العاقل عن العاقل عن اللّه . والآية في سورة التوبة (1) استشهاد للقسم الثاني والثالث؛ اكتفاءً بما يظهر منه جميع الأقسام. فنسبة التّارك عمدا إلى الأعراب وهم أشدّ كفرا ونفاقا (2) كناية عن شدّة الجهل ، وإشارة إلى أنّه مع إظهاره الإسلام أقرب من الكفر منه إلى الإيمان فبحكم أسوء الجاهلين، والمفضي إلى الكفر هو الجهل، وصدر الآية: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا» الآية. والتالي صريح في أنّ المراد ترك التفقّه مع إمكان التحصيل بقدر الحاجة والوسع. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «التفقّه» تفعّل، مطاوع التفعيل، يعني أخذ الفقه من أهله. و «الفقه» مصدر باب علم، وحسن، واسم المصدر أيضا، يعني العلم مع العمل به. فالفقه والفهم أخصّ مطلقا من العلم؛ إذ العلم بلا عمل لا يقال له الفقه والفهم. والمراد بالدِّين طريق العبودية، وهو على قسمين: حقّ وباطل. والدِّين الحقّ ما يكون موافقا لما أنزل اللّه على رسوله، وهو عبارة عمّا في محكمات القرآن، ومصرّح مكرّرا، كالنهي عن تبعيّة الظنّ، وعن الاختلاف في القضاء والإفتاء ظنّا. قال اللّه في سورة البقرة: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ» (3) ، وكان هذا النهي في شرائع جميع الأنبياء عليهم السلام . قال اللّه تعالى في سورة الشورى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّه ُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» (4) ، وهو المسمّى بالصراط المستقيم في مواضع من القرآن العظيم. و «الأعرابي»: نسبة إلى الأعراب، كالجنّ والجنّي. والمراد هنا صاحب الكفر والنفاق الذي شأن أكثر الأعراب. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه: «فإنّ من لم يتفقّه في الدِّين». قد مضى وسيجيء أنّ الإنذار _ أي دعوة الخلق إلى الإقرار بالوحدانيّة والرسالة وسائر الطاعات، وتعيين الإمام، وبيان ذلك وأدلّتها _ إنّما هي على اللّه تعالى على لسان رسله. والمراد هنا أنّ سائر الأفعال التي أوجبها اللّه كالوضوء، والصلاة، والصوم، والحجّ، والزكاة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يجب على الخلق طلب العلم بها بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام بواسطة أو بدونها. وأمّا الأحكام الشرعيّة [الوصفيّة] (5) كحكم الشكّ في عدد الركعات، وحكم من زاد سجدة سهوا، وأحكام البيع، والنكاح، والميراث، والديات، والحدود، والقصاص. والاقتضائيّة التي هي تحريم بعض الأفعال ، كحرمة الغيبة، وشرب الخمر، وغير ذلك، فإنّما يجب طلب العلم بها عند الحاجة إليها. وأمّا القول بأنّه يجب كفاية في كلّ قطر تعلّم كلّ ذلك فباطل؛ لتصريح الروايات بأنّه يمتنع أن يعلم كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة إلّا الجماعة المنصوبون من عنده تعالى لأجل ذلك ، وهم النبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وقد مهّدوا عليهم السلام لزمان الغيبة الكبرى كتبا مؤلَّفة بأمرهم عليهم السلام لتكون مرجع الشيعة في كلّ الأبواب؛ ففيها أنّ بعض الأبواب التي هي من خواصّ الحجج صلوات اللّه عليهم كإجراء الحدود، والدعوة إلى الدِّين، موقوف إلى ظهوره عليه السلام . والأبواب التي ليست كذلك وجدت فيها تصريحات بفتاويهم وأحكامهم عليهم السلام ولا يجوز العدول عمّا في تلك الكتب إلى خيالات أحدثوها علماء اُصول الفقه العامّة، كحجّيّة الإجماع _ يعني اتّفاق ظنون جمعٍ، وكوجوب اتّباع ظنّ صاحب الملَكة المخصوصة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وككون المراد من اُولي الأمر السلطان ولو كان فاسقا، فيجب اتّباعه فيما حكم به من ضروريّات الدِّين أو ظنون المجتهدين، وكوجوب عالم بالكلام الذي هو مقتضى أفكار جمع من المعتزلة والأشاعرة؛ ليدفع شبه الملاحدة عن القواعد الدينيّة، وكالتمسّك بالأصل المبنيّ عند النظر الدقيق على خلوّ الواقعة عن حكم اللّه ، وكالتمسّك باستصحاب الحكم السابق في موضع مع حدوث حالة يمكن أن يتغيّر الحكم عند اللّه بسببه، وكالتمسّك بالملازمات المختلف فيها، وكالتمسّك بالقياس الغير المنصوص العلّة، وغير القياس بطريق الأولويّة، وغير ذلك «فهو أعرابيّ» صريح في أنّه يجب كفاية أخذ كتب الأحاديث من أهلها، كما سيجيء تفصيله في باب الأخذ بالكتب. (6) انتهى تحقيق قوله: «وكوجوب اتّباع ظنّ صاحب الملكة المخصوصة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله »: أنّ صاحب المَلَكة المخصوصة إن كان إماميّا عدلاً ممتازا في العلم، فالرخصة له عنهم عليهم السلام في العمل بالظنّ فيما لو ترك للزم الحرج المنفي ثابت بالنصّ وإجماع الإماميّة في زمن الغيبة، وذكرهم عليهم السلام معالجات علّة الاختلاف في الأحاديث المضبوطة المتواترة عنهم عليهم السلام رخصة لصاحب الملكة الموصوف في الحكم القطعي بالظنّ فيما لو توقّف للزم الحرج المنفيّ بمحكم الكتاب والسنّة.

.


1- . التوبة (9): 122.
2- . اقتباس من الآية 97 ، التوبة (9).
3- . البقرة (2): 159.
4- . الشورى (42): 13.
5- . أضفناه من المصدر.
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 91.

ص: 317

. .

ص: 318

الحديث الثامنروى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«عَلَيْكُمْ بِالتَّفَقُّهِ فِي دِينِ اللّه ِ، وَلَا تَكُونُوا أَعْرَابا؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللّه ِ، لَمْ يَنْظُرِ اللّه ُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلاً».

هديّة :بيانه كسابقه. وقد بيّنا أنّه صريح في أنّ المراد أنّ مَن لم يتفقّه في الدِّين الحقّ مع إمكان التحصيل على قدر الحاجة والوسع لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، أي لم يكن ثوابه _ لو كان من الناجين _ كثواب الساعين بقدر الوسع، وثابت أنّ «من مات في طلب علم الدِّين يعلّمه الملك فيحشر فقيها». قال برهان الفضلاء: «ولم يزكّ له عملاً» أي لم يُقبل منه طاعةً. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ولا تكونوا أعرابا» أي كالأعراب في عدم التفقّه؛ فقد ذمَّ اللّه تعالى الأعراب بقوله: «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّه ُ» (1) وبيّن وجوب التفقّه في الدِّين وأكّده بقوله: «فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزكّ له عملاً». وتفصيل المقام أنّه بيّن عليه السلام وجوب التفقّه بوجوه: الأوّل: أنّ عدم التفقّه جدير بمن هو أشدّ كفرا ونفاقا، ومن اختاره يكون كمَن آثر الكفر والنفاق. الثاني: أنّ مَن لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً؛ أي لا يشملهم رحمته، ولا يثابون على أعمالهم؛ لأنّ أعمالهم لم تكن على وجه الانقياد والإطاعة؛ لأنّ الإطاعة والانقياد إنّما يتصوّر فيما يعلم فيه الأمر والنهي، ومَن لم يتفقّه لم يعلم وكلّ، ما لا يكون على وجه الإطاعة والانقياد لم يكن عبادة له تعالى، ومن لم يعبد اللّه لم يكن محسنا، ولم ينل رحمة اللّه ، ولم يكن مثابا بعلمه. الثالث: ما استدلّ به في الحديث السابق على هذا الحديث بقوله: إنّ اللّه يقول في كتابه: «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ» فأوجب الخروج للتفقّه، ولو لم يكن التفقّه واجبا لم يكن الخروج له واجبا. (2)

.


1- . التوبة (9): 97.
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 94 _ 95.

ص: 319

الحديث التاسعروى في الكافي عن النيسابوريّين: عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«لَوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُؤُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتّى يَتَفَقَّهُوا».

.

ص: 320

هديّة :«ودّ» كعزّ، و «السياط» جمع سوط، وهو ما يُجلد به، قُلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. قال برهان الفضلاء: المراد شكاية عن الشيعة.

الحديث العاشرروى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، رَجُلٌ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ لَزِمَ بَيْتَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّفْ إِلى أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ:«كَيْفَ يَتَفَقَّهُ هذَا فِي دِينِهِ؟!».

هديّة :نصّ في الحظر من الاعتزال عن زيارة الإخوان في الدِّين، ودلالة على امتناع حصول العلم بالمكاشفة من الرياضة كما ادّعت الصوفية والقدريّة لعنهم اللّه ، وفي الباب الثاني: «إذا أراد اللّه بعبدٍ خيرا فقّهه في الدِّين». يعني لا خير فيمن لم يتعلّم علم الدِّين من أهله بواسطة أو بلا واسطة. والمراد أنّ مثله كمَن لا خير فيه، وفي عدادهم إذا ترك مع الإمكان، والمعذور يعلّم في البرزخ. سئل شيخٌ كبير من الصوفيّة الملعونين: ما حكم الشكّ بين الثلاث والأربع؟ فقال: استئناف الصلاة في كلّ صورة أولى، فإنّ الصلاة السليمة خيرٌ من صلاة ذات وصلة.

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».

ص: 321

باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء

الباب الثالث : بَابُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ الْعُلَمَاءِوأحاديثه كما في الكافي عشرة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ الدِّهْقَانِ، عَنْ دُرُسْتَ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:«دَخَلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْمَسْجِدَ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقِيلَ: عَلَامَةٌ، فَقَالَ: وَمَا الْعَلَامَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَشْعَارِ وَالْعَرَبِيَّةِ» . قَالَ: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ذَاكَ عِلْمٌ لَا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَمَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ».

هديّة :«العلّامة» على صيغة المبالغة: العالم جدّا. و «النسّابة»، والتاء للمبالغة، مبالغة في المبالغة. وعطف «الأيّام» محتمل. و «العربية» أي القواعد المنسوبة بلسان العرب. وضرر الجاهل ونفع العالم هنا يعلم من قوله عليه السلام في الثامن في السابق: «فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه (2) إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً» وذلك في العلم بالأنساب، والوقائع، والتواريخ، والأشعار ظاهر. وأمّا في العربية، فهي قد تقع مقدّمة طالبي علم الدِّين، وليست مقصوده بالذات للنفع الموصوف. (إنّما العلم ثلاثة) لعلّ المعنى: إنّما علم الدِّين الذي يوجب أن ينظر اللّه إلى عالمه يوم القيامة بشرط العمل، ويزكّى له عمله ثلاثة بحسب الاسم الذي باعتبار العالم، وهو علم واحد حقيقةً. يدلّ على هذا العطفان بكلمة «أو»؛ فإنّ علم الدِّين ليس إلّا ما اُخذ عن اللّه تبارك وتعالى، فإن كان بلا بشر سمّي (آية محكمة)؛ لأنّه من آيات محكمات حجّيّة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، نبيّا كان أو وصيّا، كسائر المعجزات والدلالات، ومعجزة العلم أحكمها وأظهرها. وإن كان بالواسطة، فإمّا بواسطة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو بواسطة العاقل عن العاقل عن اللّه ، واحدا كانت الواسطة أو أكثر. فعلى الأوّل سمّي (فريضة عادلة) باعتبار أنّ طلبه فريضة، وآخذه عدل مشافهيّ كأنّه هو. ولوصفه حينئذٍ ب «العادلة» إشارة اُخرى، وهي اشتراط عدالة الناقل الآخذ مشافهة، ففي صورة الواسطة بطريقٍ أولى. وعلى الثاني سمّي (سنّة قائمة) أي بين الناس حتّى تقوم الساعة، ووجهه ظاهر كوجه البيان؛ إذ العلم ما فيه القطع واليقين. وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: قوله في العنوان؛ يعني هذا باب بيان علامة العلم الذي أمر اللّه تعالى بطلبه، وبيان فضيلته، وبيان فضيلة علمائه. وقوله: «وأيّام الجاهليّة» أي تواريخها. «آية محكمة» أي العلم بمضمون محكم من محكمات القرآن إذا لم يكن منسوخا، كالمحكمات الدالّة على النهي عن الشرك والعمل بالظنّ. «أو فريضة عادلة» من الفرض بمعنى القطع والإبانة. و «عادلة» من العدل، بمعنى الرجوع عن الشيء. والمراد هنا من الفريضة مسائل فروع الفقه، وهي انتهت في الإبانة، وعلم بها حكم الأفعال الشخصيّة. فالمعنى أو العلم بما يكون فيه القطع الإلهيّ وفصله بحكم متعلّق بفعل مخصوص من أفعال المكلّفين بلا واسطة قاعدة كلّيّة يستنبط منه أحكام أفراد الأفعال، و «الفريضة» بهذا المعنى «عادلة» من محكمات القرآن ليست فيها كوجوب الأربع للظهر واستحباب أحد عشر في السَّحَر. «أو سنّة قائمة» أي طريقة بيّنة، وقواعد أصليّة ظاهرة، يعلم بواسطتها الأحكام المتعلّقة بالأفعال الشخصيّة التي لا يظهر القطع الإلهي وفصله فيها بدون تلك الطريقة، والقواعد الأصليّة، يعني مسائل اُصول الفقه، كالعمل في مسألة مشتبهة بظاهر القرآن لو أمكن لكن بدون القضاء والإفتاء، وكالعمل بالخبر الواحد الصحيح لو لم يمكن بظاهر القرآن ، وكغير ذلك من الاُصول الفقهيّة الثابتة عندنا. والمصنّف طاب ثراه أشار إلى القسم الثالث في الخطبة بقوله: «بالآثار الصحيحة والسنن القائمة». «وما خلاهنّ فهو فضل» أي زيادة بلا طائل، لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ذلك علمٌ لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه» أي لا يتضرّر أحد بجهله، ولا يكون بفقدانه سَيِّئ الحال، ولا يترتّب نفع على حصول ذلك العلم وإن كان في نفسه نوع فضيلة. وما هذا شأنه لا يعتدّ به، ولا ينبغي أن يعدّ من العلوم؛ فإنّ ما يُحتاج إليه من العلوم وما ينتفع به كثير لا مجال للاشتغال عنها بمثل ذلك العلم. «إنّما العلم» أي الحقيق بأن يعدّ علما هو العلم المحتاج إليه والمنتفع به في الدِّين والدنيا ، وهو «ثلاثة» أقسام: العلم بآية محكمة من الكتاب بمعرفة ما فيها من المعارف والأحكام. و «الآية المحكمة» هي التي لم تكن منسوخة، ولا محتاجة إلى التأويل. أو العلم بفريضة عادلة. والمراد ب «الفريضة» ما أوجبه اللّه تعالى بخصوصه، سواء علم وجوبه بالمحكمات من الآيات أو بطريق آخر، أو الفريضة الواجب مطلقا. والمراد ب «العادلة»: القائمة، أي الباقية الغير المنسوخة. وقيل: الفريضة العادلة: المعدّلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنّة. (3) وقيل: ما اتّفق عليه المسلمون. (4) وما ذكرناه أقرب. أو العلم بسنّة قائمة. والمراد ب «السنّة» الطريقة أي ما يكون ثبوته من جهة الطريقة التي سنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإذا قوبلت بالفريضة يراد بها ما لا يكون فريضة. فكلّ من هذه العلوم يغاير الآخرين، ولذا ثلّث القسمة، فلا يضرّ اجتماع بعضها مع بعض في الجملة، ولا حاجة إلى تخصيص الأوّل بالمعارف الاُصوليّة بقرينة المقابلة كما ظنّ، ويندرج فيها المعارف الاُصوليّة والمسائل الفروعيّة، سواء وجب الفعل أو الترك، أو سنّ الفعل أو الترك. ويحتمل أن يكون المراد من العلم بآية محكمة الاطّلاع على الآية وفهمها. ومن العلم بالفريضة العادلة ما هو من المعارف الاُصوليّة. ويكون «العادلة» حينئذٍ بمعنى القائمة في النفوس أنّها مستقيمة. ومن العلم بالسنّة القائمة العلم بالشريعة كلّها. والأوّل يغاير الآخَرَين وإن كان قد يوصل إليهما، كالعلم بالدليل يغاير العلم بالمدلول وإن كان موصلاً إليه. (5) انتهى الأمر في (6) ذلك (7) كما في النسخ التي رأيناها، وذلك كما في نسخته رحمه اللهضبطا منه، أو على الاشتباه من ناسخها سهل، ولا شكّ أنّ خير الوجوه ما هو أنسب بلفظ العلم بمعنى القطع واليقين، والوجه الذي ذكرناه وجه وجاهته معه، والقطع بحقّية شيء من الاُمور الدينيّة منحصر في أخبار من انحصرت الأعلميّة فيه تعالى شأنه. وقال السيّد الباقر الشهير بداماد رحمه الله: علم الآية المحكمة هو العلم النظري الذي فيه المعرفة باللّه سبحانه، وبحقائق مخلوقاته ومصنوعاته، وبأنبيائه ورسله، وهذا هو الفقه الأكبر. وعلم الفريضة العادلة هو العلم الشرعي الذي فيه المعرفة بالشرائع والسنن، والقواعد والأحكام في الحلال والحرام، وهذا هو الفقه الأصغر. وعلم السنّة القائمة هو علم تهذيب الأخلاق، وتكميل الآداب. (8) وقال ابن الأثير في نهايته: فسّر الفريضة بالميراث، والعادلة بتعديل السّهام. ثمّ قال: ويحتمل يريد أنّها مستنبطة من الكتاب والسنّة، فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما، وقيل: الفريضة العادلة ما اتّفق عليه المسلمون. (9) وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله: التعريف في «العلم» للعهد، وهو ما علم من الشارع، وهو العلم النافع في الدِّين، وحينئذٍ «العلم» مطلق، فينبغي تقييده بما يفهم منه المقصود، فيقال: علم الشريعة معرفة ثلاثة أشياء، والتقسيم حاصر. بيانه: أنّ قوله «آيةٌ محكمة» يشتمل على معرفة كتاب اللّه وما يتوقّف عليه معرفته؛ لأنّ المحكمة هي التي أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه، فتحمل المتشابهات عليها، وتردّ إليها، ولا يتمّ ذلك إلّا للماهر في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدّمات يفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربيّة. ومعنى قيام «السنّة القائمة» ثباتها ودوامها بالمحافظة عليها، من قامت السّوق، إذا نفقت؛ لأنّها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي يتوجّه إليه النفقات، ويتنافس فيه المحصّلون (10) بالطلبات. ودوامها؛ إمّا أن يكون بحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل، ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والموثّق والضعيف المنشعب منه أقسامٌ كثيرة، وما يتّصل بها من المتمّمات ممّا يسمّى علم الاصطلاح. وإمّا أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان، وتفهّم معانيها، واستنباط العلوم منها. «أو فريضة عادلة» أي مستقيمة مستنبطة من الكتاب والسنّة والإجماع. «وما خلاهنّ فهو فضل»؛ أي لا مدخل لها في اُصول علم الدِّين، بل ربّما يستفاد منه خبثا؛ لقوله عليه السلام : «أعوذ بك من علمٍ لا ينفع». (11) ولقلّة الفائدة في نقل تكلّفات الأقوال هنا طويناها بطويها.

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيداللّه بن عبداللّه الدهقان ، عن درست الوسطي».
2- . في «الف»: - «اللّه ».
3- . راجع: شرح المازندراني ، ج 2 ، ص 23.
4- . المصدر السابق.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 95 _ 97.
6- . في «الف»: «إلى».
7- . في «ب» و «ج»: «ذاك».
8- . التعليقة على الكافي، ص 66 _ 67 .
9- . النهاية لابن الأثير ، ج 3 ، ص 432 (فرض).
10- . في «الف»: «للحصول».
11- . كنز الفوائد ، ج 1 ، ص 385؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج 83 ، ص 18 ، ح 15.

ص: 322

. .

ص: 323

. .

ص: 324

. .

ص: 325

. .

ص: 326

الحديث الثانيروى في الكافي عن مُحَمَّدِ ، عن ابى عِيسى، عَنْ البَرقي، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَما وَلَا دِينَارا، وَإِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ، فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَقَدْ أَخَذَ حَظّا وَافِرا، فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ؟ فَإِنَّ فِينَا _ أَهْلَ الْبَيْتِ _ فِي كُلِّ خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».

هديّة :(إنّ العلماء) يعني علماء علم الدِّين، وهم الأوصياء، وعلماء شيعتهم عليهم السلام . وهذا الإطلاق بدلالة فقرات الحديث، وقول بعض المعاصرين. (ورثة الأنبياء) إمّا ورثتهم من غذاء الروح، فهم أولادهم الروحانيّون؛ أو ورثتهم من غذاء الجسم، وهم أولادهم الجسمانيّون. يوهم ترجيح غير الإمام على الإمام، فلعلّ غرضه أنّ أئمّتنا عليهم السلام ورثة جدّهم صلى الله عليه و آله بكلا الاعتبارين. (حظّا وافرا) لأنّ قليل العلم خيرٌ ممّا طلعت عليه الشمس. (2) فلمّا لم يكن العلم إلّا ما يحصل به اليقين، ولا يحصل إلّا بالأخذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه الذي انحصرت فيه الأعلميّة بما في هذا النظام بلا واسطة أو بواسطة عدول علماء الشيعة، قال عليه السلام : (فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه). و «الخلف» بالتحريك والسكون: كلّ من يجيء بعد من مضى، إلّا أنّه يحرّك في الخير، ويسكن في خلافه. يُقال: خلف صدق وخلف شرّ. يعني في زمن كلّ خلف عدولاً من شيعته (ينفون عنه) عليه السلام أو عن الدِّين المفهوم سياقا (تحريف الغالين، وانتحال المبطلين) أي ادّعائهم الحقّ. وأفحشهم الصوفيّة القدريّة _ لعنهم اللّه _ وهم أفضح المأوّلين الجاهلين، انتحل شعر غيره ادّعى لنفسه. وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». (3) أي عدول شيعته. واحتمال تعميم أهل البيت والخلف، وتخصيص العدول بالأئمّة عليهم السلام كما يتوهّم من ظاهر العبارة ليس بشيء. قال برهان الفضلاء: المراد ب «العلماء» هنا، العالمون بالبيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام على الوجه الذي لا يكون معه غلوّ وانتحال وتأويل. والمراد ب «الأنبياء» ذووا شريعة على حدة، وهم ستّة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله . «وذاك أنّ» بفتح الهمزة وتشديد النون بتقدير «لأنّ». و «الأحاديث» عبارة عن الآيات البيّنات المحكمات التي مضمونها مشترك بين مجموع كتب هؤلاء الستّة من الأنبياء عليهم السلام . و «من» تبعيضيّة؛ لأنّ في كتبهم غير تلك الآيات أيضا، لكن تلك الآيات أحسن الحديث، قال اللّه تعالى في سورة الزمر: «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابا مُتَشَابِها مَثَانِىَ» (4) ، وفي سورة يوسف: «مَا كَانَ حَدِيثا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ» (5) . و «بشيء منها» مبنيّ على أنّ مضمون تلك الآيات واحد، والتكرار إنّما هو لتأكيد إتمام الحجّة، ولذا تسمّى بالمتشابه بمعنى المتوافق و المثاني، فالتمسّك بواحدة منها كما هو حقّه تمسّك بجميعها. «حظّا وافرا» مبنيّ على أنّها اُمّ الكتاب. وأصل الشريعة، والتمسّك بها يفضي إلى ترك اتّباع الظنّ في المتشابهات، والاشتغال بالسؤال عن أهل الذِّكر، والاستعلام من أحاديثهم عليهم السلام على ما اُمروا به، فيوجب صحّة العبادة والفوز بالحظّ الوافر ورضوان اللّه تعالى. قال اللّه تعالى في سورة الحديد: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللّه َ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ» (6) . و «علمكم هذا» عبارة عن مضمون تلك المحكمات. و «في» في «فينا» وفي «كلّ خلف» تعليليّة. والظرف الثانية بدل من الاُولى، من قبيل بدل البعض من الكلّ و «الأهل» نصب على الاختصاص. و «الخلف» عبارة عن الإمام الحيّ من أهل البيت عليهم السلام في كلّ زمان إلى انقراض التكليف. و «العدول»: جمع عدل، بمعنى عادل؛ يعني المتوسّطين بين الإفراط والتفريط من جملة الإماميّة. قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء». المراد بالوارث هنا هو الباقي بعد المورِّث الذي يصير إليه ما بقي بعد المورّث وتركه، كما في قوله صلى الله عليه و آله : «اللّهمَّ متّعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث منّي» (7) أي أبقهما بعد انحلال القوى النفسانيّة حتّى يصير إليهما ما بقي بعدها من موادّ تصرّفها ويكون لهما، فمن لم يبق منه إلّا العلوم ولم يترك سواها، لم يكن له وارث سوى من صار إليه ما تركه وبقي عنه. وبيّنه عليه السلام بقوله: «وذاك لأنّ (8) الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم» أي من علومهم التي حدّثوا بها. وأتى ب «من» التبعيضيّة؛ لأنّ من أحاديثهم أحاديثَ لم يورثوها بل نُسخت، فمن أخذ شيئا من الأحاديث الموروثة متمسّكا به «فقد أخذ حظّا وافرا» لشرف المأخوذ وفضيلته؛ حيث إنّه ممّا آثره خير الناس، ومن مواريثه التي تركها لاُمّته، ولا نجاة للاُمّة إلّا بها ولا غناء لهم عنها. وما كان شأنه هذا فينبغي أن يُهتمّ بأمره ويُؤخذ من مآخذه، ولا يساهل فيه. فنبّه عليه السلام عليه بقوله: «فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه» فإنّ التساهل في معرفة الطريق إلى المأخوذ به تساهل في المأخوذ. «فإنّ فينا أهل البيت _ إلى قوله _ : و تأويل الجاهلين» ناظر إلى ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله: «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (9) أي العدول الذين ذكرهم النبيّ صلى الله عليه و آله فينا أهل البيت. يدلّك عليه قوله صلى الله عليه و آله : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي» (10) الحديث، ثمّ الفحص عن أحوال أهل البيت و أحوال المخالفين لهم. والمراد ب «كلّ خلف» بكل قرن من القرون بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله. و المراد ب «العدول»: الملتزمون (11) للطريقة الفُضلى التي هي التوسّط بين الإفراط والتفريط. و «التحريف»: صرف الكلام عن وجهه. و «الغالين»: المجاوزين الحدّ. و «الانتحال»: أن يدّعي لنفسه ما لغيره ، كأن يدّعي الآية أو الحديث في غيره أنّه فيه. و «المبطلين»: الذين جاؤوا بالباطل و قرّروه ، و ذهبوا بالحقّ وضيّعوا الحقّ، وأخفَوه. و «تأويل الجاهلين»: تنزيلهم الكلام على غير الظاهر، وتبيين مرجعه، وهذا إنّما يجوز من العالم الراسخ (12) في العلم. فإن قيل: إنّما في زمان ظهور الحجّة يتمكّن من الأخذ عنه، وفي زمان الغيبة لا يتمكّن عن الأخذ عن الحجّة فما يصنع الطالب؟ قلنا: في حال الغيبة يتمكّن الطالب من الأخذ عن العدول الظاهرين في القرون السابقة ، وإن لم يتمكّن من الأخذ عن النائب فيأخذ عنهم. وما لم يكن له فيه سبيل إلى الأخذ يتوقّف فيه، ولا يصير إلى الأخذ عن الجاهل، وإنّما وقع أهل هذه الأعصار فيما وقعوا فيه من سوء اختيارهم وغلبة الأهواء فيهم على العقول، فجاءهم الضرر من أنفسهم. (13) انتهى. لعلّ التعبير بالسمع والبصر في الحديث الذي نقله السيّد رحمه اللهفي أوائل بيانه عن النبيّ صلى الله عليه و آله إنّما هو عن السبطين صلوات اللّه عليهما.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي البَخْتَري».
2- . لعلّه إشارة إلى المرويّ في مستدرك الوسائل ، ج 17 ، ص 300 ، ح 21405: «و عنه صلى الله عليه و آله قال: سارعوا في طلب العلم ، فلحديث صادقٍ خير ممّا طلعت عليه الشمس والقمر».
3- . معاني الأخبار ، ص 35 ، باب معنى الصراط ذيل الحديث 4؛ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 81 ، باب ذكر الرغائب في العلم و... .
4- . الزمر (39): 23.
5- . يوسف (12): 111.
6- . الحديد (57): 9.
7- . الكافي ، ج 2 ، ص 577 ، باب دعوات موجزات ، ضمن الحديث 1؛ مصباح المتهجّد ، ص 270 ، الرقم 381.
8- . في «الف»: «أن».
9- . معاني الأخبار ، ص 35 ، باب معنى الصراط ذيل الحديث 4؛ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 81 ، باب ذكر الرغائب في العلم و....
10- . حديث الثقلين رواه الخاصّة والعامّة بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، وهو من الأحاديث المتواترة عند الفريقين. راجع: عبقات الأنوار، ج 1، قسم حديث الثقلين؛ بحار الأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... ؛ مسند أحمد، ج 3، ص 17، 26، ح 1119 _ 11147، 11227؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 118، 160، ح 4576، 4711؛ كنز العمّال، ج 1، ص 333، ح 952 _ 953.
11- . في «ب» و «ج»: «الملتزمين».
12- . في المصدر: «من العالم ، بل الراسخ» بدل «من العالم الراسخ».
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 97 _ 99.

ص: 327

. .

ص: 328

. .

ص: 329

. .

ص: 330

الحديث الثالثروى في الكافي عَن الاثنين، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِذَا أَرَادَ اللّه ُ بِعَبْدٍ خَيْرا، فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ».

هديّة :(خيرا) أي خيرا عظيما. والمراد أنّه لا خير فيمن لم يتعلّم علم الدِّين بقدر حاجته ووسعه من أهله بواسطة أو بلا واسطة. والمراد ما مرّ في بيان العاشر من الباب الثاني. قال برهان الفضلاء: «خيرا» أي النجاة، ودخول الجنّة. «في الدِّين» أي في طريق العبوديّة الحقّة، فيكفّ نفسه عن اتّباع الظنّ في المشتبهات.

الحديث الرابعروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، (2) عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ:«الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ، وَتَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ».

.


1- . لفظ السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحُسين بنُ محمّد ، عن معلّى بنِ محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان».
2- . السند إلى هنا في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بْنِ شاذان ، عن حمّاد بن عيسى».

ص: 331

هديّة :(النائبة): المصيبة والحادثة. و (تقدير المعيشة): تعديلها من دون الإسراف والتقتير. قال اللّه تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما» (1) . وفي بعض النسخ: وحسن تقدير المعيشة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «النائبة»: ما ينزل من شدائد الدنيا. و «تقدير المعيشة»: الاقتصاد من دون الإتلاف والتضييق. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «النائبة»: ما ينزل بالإنسان من المهمّات والحوادث. و «تقدير الشيء»: التفكّر في تسوية أمره. هذا إذا جعل «وتقدير المعيشة» عطفا على قوله: «والصبر» وإن جعل عطفا على «النائبة»، فالمعنى: والصبر على تقدير المعيشة، من قدّر، بمعنى قتّر. (2)

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى عليه السلام (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«الْعُلَمَاءُ أُمَنَاءُ، وَالْأَتْقِيَاءُ حُصُونٌ، وَالْأَوْصِيَاءُ سَادَةٌ».

هديّة :يعني علماء الدِّين حقّا من الرعيّة هم الذين يكونون اُمناء بعدالتهم المرضيّة عند اللّه تعالى في حفظ أحاديث الحجج المعصومين عليهم السلام ، ونقلها، ونشرها، وفي سائر معاملاتهم في الناس. (والأتقياء): جمع التّقي، بمعنى الأتقى؛ بقرينة «العلماء» المراد بهم عدولهم. (الاُمناء) يعني والأكرمون من هؤلاء العلماء، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم. (حصون) حصينة للشريعة والمتشرّعين من فِتَن المبتدعين في الدِّين بخدائع الطواغيت والشياطين. (والأوصياء سادة) يعني حكم اللّه تعالى إنّما هو حكمهم عليهم السلام بلا واسطة أو بواسطة العدول من العلماء الممتازين المحتاطين جدّا بالتوقّف في الشبهات لو لم يلزم الحرج المنفيّ. وقال برهان الفضلاء: يعني العلماء كاُمناء الحصون فوّضت الحصون إليهم؛ لأمانتهم، وتلك الحصون الأتقياء في الاُمّة. والسادة المفوّضون الحصون إلى العلماء، هم الأوصياء عليهم السلام . وفيه إشارة إلى أنّ غير المتّقي خارج من الحصن. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الأمين» هو المعتمد عليه، الموثوق به. والعلماء موثوق بهم فيما آتاهم اللّه من فضله، وأعطاهم من المعرفة والعلم، فيحفظونه ويوصلونه إلى من يستحقّه. «والأتقياء حصون»؛ لأنّ بتقواهم واجتنابهم عن المحرّمات يحصل حفظ الاُمّة عن دخول النوايب ونزول العذاب عليهم، وبهم يُدفع عن غيرهم كالحصن بالنسبة إلى المدينة. «والأوصياء سادة»، «السيّد»: الجليل العظيم الذي له الفضل على غيره، وهو الرئيس الذي يعظّم ويُطاع في أوامره ونواهيه، ولم يكن لأحد الخروج من طاعته. (4)

.


1- . الفرقان (25): 67 .
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 99.
3- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 100.

ص: 332

الحديث السادسروى في الكافي، وقال: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى:«الْعُلَمَاءُ مَنَارٌ، وَالْأَتْقِيَاءُ حُصُونٌ، وَالْأَوْصِيَاءُ سَادَةٌ».

هديّة :(منارٌ) أي أعلام يعلم بهم معالم الدِّين. في بعض النسخ كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «والعلماء سادة» قال: يعني علماء الدِّين من الرعيّة منار؛ لئلّا يضلّوا عن الطريق، والعلماء من أهل البيت عليهم السلام سادة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «العلماء منار»، «المنار»: موضع النّور وعَلَم الطريق. والمراد به المهتدى به. (1)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 100.

ص: 333

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ الفتى، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكِنْدِيِّ، عَنْ بَشِير الدَّهَّانِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَتَفَقَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، يَا بَشِيرُ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِفِقْهِهِ، احْتَاجَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِمْ، أَدْخَلُوهُ فِي بَابِ ضَلَالَتِهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ».

هديّة :يعني من لا يتفقّه في الدِّين من أصحابنا مع التمكّن فكمَن لا خير فيه وفي عدادهم ، كما بيّن في بيان العاشر من الباب الثاني. وضمائر الجمع للمخالفين عدا الأوّل، وما أسهل إدخالهم غيرهم في باب ضلالتهم بمقالات الصوفيّة منهم كالبصري والثوري والشامي والرومي. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «احتاج إليهم» يعني إليهم وإلى كتبهم، فبخيالٍ منه أنّه يأخذ ما هو الحقّ فيها ويترك خلافه، يقع على التدريج فيما كان يفرّ منه وهو لا يشعر. ومنشأ الدخول في باب الضلالة تبعيّة الظنّ فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ الرجل منهم» أي من أصحابنا «إذا لم يستغن بفقهه» عن المراجعة إلى غيره في المسائل الضروريّة للعمل. «احتاج إليهم» عند شدّة التقيّة، أو عدم حضور الفقيه وتيسّر الوصول إليه. «فإذا احتاج إليهم» راجعهم وجالسهم. «أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم» أيّ يحسّن الشيطان قولهم وعملهم في نظره ويرغّبه إليه، فيميل إليهم ويدخل في باب ضلالتهم من حيث لا يدري. (2)

.


1- . في «ج»: «القمّي». و في الكافي المطبوع: «أحمد بن إدريس» بدل «عن الفتى».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 100 _ 101.

ص: 334

الحديث الثامنروى في الكافي عن عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، (1) عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ إِلَا لِرَجُلَيْنِ: عَالِمٍ مُطَاعٍ، أَوْ مُسْتَمِعٍ وَاعٍ».

هديّة :(العيش): الحياة، يعني لا بقاء لخير حياة الدنيا إلّا لرجلين. (عالم) وكذا (مستمع) يحتمل الجرّ على البدل، والرّفع على الخبر، أي أحدهما عالم مفترض الطاعة بالعصمة المنصوصة، والآخر مستمع قول المعصوم مشافهة أو بالواسطة الموصوفة، حافظ له بالانقياد والتسليم. «وعاه»: حفظه. قال برهان الفضلاء: «عالمٌ مُطاع» أي يجب السؤال عنه، والعمل بقوله. «أو مستمع واع» أي حافظ بالعمل.

الحديث التاسعروى في الكافي عن الثلاثة؛ (2) وَمُحَمَّدِ، عَنْ أَحْمَدَ، (3) عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ».

.


1- . في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».
2- . يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
3- . في الكافي المطبوع: «و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد».

ص: 335

هديّة :من الانتفاع بالعلم المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه إرشاد الضالّ المغترّ بطريقة الصوفيّة والقدريّة ومقالاتهم الخادعة بأعمالهم الباطلة المحفوفة بِنَبْذٍ من الأشياء الحقّة، وطريقتهم أفحش المهلكات وأخفاها على الجُهلاء، وأبينها عند العقلاء ، ومثل حجرة الصوفي، وإدلاء الزنبيل ليعرج مشهور، ونِعْمَ ما قيل: صاحبدلى بمدرسه آمد زخانقاهبشكست عهدِ صحبتِ اهلِ طريق را گفتم ميان عابد و عالم چه فرق بودتا اختيار كرد دلت اين فريق را؟ گفت آن شده است غرق بفكر كَليم خويشاين جهد مى كند كه بگيرد غريق را 1 قال برهان الفضلاء: يعني من سبعين ألف عابد لا يصل نفع عمله إلّا إلى نفسه.

الحديث العاشرروى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ ابْنِ عَمَّارٍ (1) ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : رَجُلٌ رَاوِيَةٌ لِحَدِيثِكُمْ يَبُثُّ ذلِكَ فِي النَّاسِ، وَيُشَدِّدُهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَ قُلُوبِ شِيعَتِكُمْ، وَلَعَلَّ عَابِدا مِنْ شِيعَتِكُمْ لَيْسَتْ لَهُ هذِهِ الرِّوَايَةُ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ:«الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِنَا يَشُدُّ بِهِ قُلُوبَ شِيعَتِنَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ».

هديّة :(راوية) أي كثير الرّواية، والتاء للمبالغة، كما في العلّامة، والنسّابة. (يبثّ) من باب مدّ، وبثّ الحديث: نشره (ويشدّده) بالشين المعجمة والتشديد: الإحكام والتقوية. وضبط برهان الفضلاء _ كما في بعض النسخ _ بالمهملة في «يشدّده» وبالمعجمة في «يشدّ به». قال في شرحه بالفارسي: «ويسدّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم»؛ يعني ووا مى نمايد راستى حديث شما را در دلهاى مخالفان و در دلهاى شيعه شما. و «يشدّ به» يعنى پا برجا ميكند بحديث ما دلهاى شيعه مارا. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الراوية»: كثير الرواية، والتاء للمبالغة. والمراد ببثّ الحديث في الناس نشره بينهم بإيصاله إليهم. و «السّداد» _ بالسين المهملة _ : الاستقامة وعدم الميل. «يسدّده» أي يقرّره سديدا بتضمين معنى التقرير. «في قلوب الناس وقلوب شيعتكم» من عطف الخاصّ على العامّ؛ لزيادة الاهتمام. وفي بعض النسخ: «يشدّده» بالمعجمة، أي يوثّقه ويجعله مستحكما في قلوبهم. وعلى النسخة الاُولى يحتمل هذا المعنى أيضا؛ فإنّ «التسديد» (2) قد يُراد به التوثيق. ولمّا ذكر السائل هذا القسم والقسم الذي يقابله به _ وهو العابد من الشيعة ليست له تلك الرواية _ وصرّح بغرضه الذي هو السؤال عن النسبة بينهما في الفضيلة، أجاب عليه السلام (3) : بأنّ «الرّاوية لحديثنا الذي يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» وفيه إشعار بأنّ الفضيلة باعتبار النشر بين الشيعة وإخبارهم، لا بالنشر بين غيرهم وإن لم يكن فيه الإخلال بالتقيّة الواجبة. (4) فإن قيل: لِمَ قال في هذا الحديث: «أفضل من ألف عابد» وفي الحديث السابق [في النسبة بين العالم الذي ينتفع بعلمه و العابد (5) ]: «أفضل من سبعين ألف عابد؟» قلنا: للتفاوت بين العلم ورواية الحديث؛ فإنّ الراوي حافظ للكلام، ناقل له، ولا يلزم أن يكون عالما، فإنّه لا ينافي روايتُه جهلَه بالمراد ممّا يرويه، «وربَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه». (6) فبيّن عليه السلام التفاوتَ بين العالم المنتفع بعلمه والعابد بأنّه أفضل من سبعين ألف عابد، والتفاوتَ بين الراوية والعابد بأنّه أفضل من ألف عابد، فيفهم منها أنّ العالم المنتفعَ بعلمه أفضل من سبعين راويةً للحديث يشدّ به قلوب الشيعة. (7)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن معاوية بن عمّار».
2- . في «ج»: «التشديد».
3- . في «ج»: + «عنه».
4- . في المصدر: «بالواجب من التقيّة».
5- . ما بين الموقوقين أضفناه من المصدر.
6- . الكافي ، ج 1 ، ص 403 ، باب ما أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالنصيحة... ، ح 1 و 2؛ دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 80 ، باب ذكر الرغائب في العلم و... ؛ و ص 378 ، باب ذكر الأمان.
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 101 _ 102.

ص: 336

. .

ص: 337

. .

ص: 338

باب أصناف الناس

الباب الرابع : بَابُ أَصْنَافِ النَّاسِو أحاديثه كما في الكافي أربعة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ، وَمُحَمَّدُ عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا، عَنْ السرّاد، عن الشحّام، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، (1) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه يَقُولُ:«إِنَّ النَّاسَ آلُوا بَعْدَ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِلى ثَلَاثَةٍ: آلُوا إِلى عَالِمٍ عَلى هُدًى مِنَ اللّه ِ قَدْ أَغْنَاهُ اللّه ُ بِمَا عَلِمَ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ، وَجَاهِلٍ مُدَّعٍ لِلْعِلْمِ لَا عِلْمَ لَهُ، مُعْجَبٍ بِمَا عِنْدَهُ و (2) قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا وَفَتَنَ غَيْرَهُ، وَمُتَعَلِّمٍ مِنْ عَالِمٍ عَلى سَبِيلِ هُدًى مِنَ اللّه ِ وَنَجَاةٍ، ثُمَّ هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرى».

هديّة :«آل إليه»: رجع وصار، يعني صاروا ثلاثة أصناف بدليل ثالثها. (بما علم) أي عقلاً عن اللّه بجعله حجّته على الناس. واحتمال المعلوم، أو خلافه من التفعيل كماترى. (مدّع للعلم) أي في المتشابهات بالأدلّة والمقاييس، أو بالمسموع من الأفواه من غير استناده على الوجه الصحيح على ما وصف من الحجّة المعصوم، إلى الحجّة المعصوم أو بادّعاء المكاشفة بالارتياض، أو التحديث، أو الإلهام من دون أن يكون من الحجج المعصومين المحصور عددهم في تقدير اللّه وحكمته كالأفلاك وأبراجها، «وكلّ شيء عنده بمقدار» (3) (لا علم له) أي بالمختلف فيه على ما وصف. (معجب بما عنده) من المكتسب بما فصّل. أعجبني فلانٌ لحسنه، وقد اُعجب فلان بنفسه، على ما لم يسمّ فاعله، فهو معجَب برأيه، بفتح الجيم. ولمّا كان في الحقيقة أصناف الناس بحسب علم الدِّين بعد رسول ا صلى الله عليه و آله أربعة وكان القسمان منها في النار، وكان لا يتعلّق غرض يعتدّ به ببيان تفاوت مرتبتهما فيها أدرج عليه السلام ثانيهما في الأوّل؛ إيماءً إلى أنّهما في النار، ثمّ أومأ إلى تربيع القسمة بقوله: (وفتن غيره). وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: لم يذكر المتعلّم من جاهل مدّع؛ إمّا لكونه كالمعدوم؛ أو لكونهما غثّاء، كما في التالي، وهما في النار؛ أو للظهور. وقال برهان الفضلاء: «آلوا» بالهمزة والألف وضمّ اللّام من باب نصر، يعني صاروا هكذا إلى يوم القيام. و «المعجب» على اسم المفعول من الإفعال. «إلى عالم» يعني أمير المؤمنين وأحد عشر من ولده صلوات اللّه عليهم. «ثمّ هلك من ادّعى» تعريض على الأوّل، «وخاب مَن افترى» على الثاني. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «آلو إلى عالم» إلى آخره: تصريح بأنّ الناس ثلاثة أصناف: أصحاب العصمة، ومن التزم السماع منهم بواسطة أو بدونها في المسائل الدينيّة كلّها، وغيرهما. وتصريح بأنّ الصنف الثالث مفترٍ على اللّه ، سواء كان مجتهدا أو مقلِّدا؛ يعني آلو إلى عالم ومتعلّم وصاحب الجهل المركّب. (4) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: يعني رجعوا إلى ثلاثة؛ فإنّه إذا فُتّش عن أحوالهم وُجدت راجعةً إلى ثلاثة، فيكون رجوع الناس باعتبارها إلى ثلاثة أقسام: «عالم» بالمعارف ومسائل الشريعة «على هدى من اللّه » أي مستقرّ على هدى من جانب اللّه وبتأييده. والمراد به الحجّة، وهو أحد الأقسام الثلاثة. وغير العالم ينقسم قسمين: أحدهما: الذي لا يتعلّم ولا يرجع في تحصيل المعرفة إلى العالم ابتداءً أو بواسطة، فيرى ما عنده من رأيه أو الآخذ عن الجاهل كافيا له، فهو «مدّع للعلم». (5) وهذا هو القسم الثاني الذي عبّر عنه بقوله: «وجاهل مدّع للعلم لا علم له، معجب لما عنده قد فتنته الدنيا وفتن غيره. والمراد بالجاهل إمّا مقابل العالم. وقوله: «لا علم له» تأكيد لجهله. وإمّا مقابل العاقل، وجميع ما بعده ممّا يترتّب على جهله. والآخر: المتعلّم من العالم ابتداءً أو بواسطة. ولمّا فرغ من ذكر الأقسام قال: «ثمّ هلك من ادّعى» أي بعد ماآل الناس إلى ثلاثة هلك هذا القسم بعمله بمقتضى جهله، أو ادّعائه العلم من اللّه لنفسه، والبقاء على ضلاله وإضلاله الناس وإضاعته للحقّ وإعلائه للباطل وخاب وخسر بقوله على اللّه بما لا يعلم ، و افترائه بالكذب على اللّه ، والإفتاء في حكم اللّه من غير دليل. (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ؛ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي اُسامة ، عن هشام بن سالم».
2- . في الكافي المطبوع: «قد» بدل «وقد».
3- . الرعد (13): 8 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
5- . في المصدر بإضافة «فإنّه من الظاهر أنّه لاكفاية إلّا بالعلم ، فمن يرى الكفاية فيما عنده _ من الرأي الفاسد و الأخذِ عن غير العالم _ يكون مدّعيا لكونه علما».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 102 _ 103.

ص: 339

. .

ص: 340

الحديث الثانيروى في الكافي عن الاثنين ، عَنِ الْوَشَّاءِ، (1) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ سَالِمِ بْنِ مُكْرَمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: عَالِمٌ، وَمُتَعَلِّمٌ، وَغُثَاءٌ».

هديّة :يعني بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو من أوّل التكليف إلى انقراض الدنيا. (عالم) أي على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بعقله عن اللّه بلا واسطة بشر عن علم غيره. (ومتعلّم) أي من العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة. و «الغثاء» بالمدّ والضمّ»: ما يحمل السّيل من الزّبد والوسخ، يعني سواء كان عالما مدّعيا أو متعلّما منه. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد من «العالم» الإمام الحقّ، ومن «المتعلّم» شيعته، ومن «الغثاء» هنا الذين سقطوا عن درجة الاعتبار؛ لأنّهم حطب جهنّم وبئس المصير؛ يعني أئمّة الضلالة وتبعتهم. وقال السيّد الأجلّ النائيني: المراد ب «العالم» و «المتعلّم» ما ذكر في الحديث السابق. و «الغثاء» بالضمّ والمدّ: ما يجيء فوق السيل ممّا يحمله من الزّبد والوسخ وغيره. وغير العالم والمتعلّم _ ممّا لا ينتفع به ولا يُدرى إلى ما ينتهي أمره وأين يستقرّ _ فهو كالغثاء في عدم الانتفاع به والاطّلاع على منتهى أمره ومستقرّه. أو المراد أنّ غيرهما ليس حركته وجريه في أحواله إلّا بإجراء الأهوية وإغواء الأبالسة، بل ليس القصد إلى وجوده إلّا تبعا وبالعرض، كما أنّ الغثاء ليس حركته إلّا بتبعيّة حركة السيل وبالعرض. (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 104. وفي «الف»: «أو بالعرض».

ص: 341

الحديث الثالثروى في الكافي عن مُحَمَّدُ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ، عَنْ الثُّمَالِيِّ، (1) قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«اغْدُ عَالِما، أَوْ مُتَعَلِّما، أَوْ أَحِبَّ أَهْلَ الْعِلْمِ، وَلَا تَكُنْ رَابِعا؛ فَتَهْلِكَ بِبُغْضِهِمْ».

هديّة :يعني (اغْدُ) وانظر فإن كنت حجّة معصوما، وإلّا فكن (متعلِّما) من العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة على الوجه الصحيح الموصوف، أو محبّا (أهل (2) العلم) أي الإمام الحقّ وشيعته. وفي الحديث عن الصادق عليه السلام : «إنّ اللّه تبارك وتعالى يغفر الشيعة، ومَن أحبَّ الشيعة، ومَن أحبّ محبّ الشيعة» بمعنى يوفّق ويهدي فيغفر. وقال بعض المعاصرين: فيه دلالة على أنّ غير الأئمّة عليهم السلام يجوز أن يصير عالما علما لدُّنيا، فإنّه المراد بالعلم دون حفظ الأقوال وحمل الأسفار. (3) انتهى. غفلته عن أمثال أحاديث الباب، وحديث: «من حفظ أربعين حديثا» (4) واغتراره بتوهّم ناشٍ من ظاهر متعارف في المكالمات، وساقط عن درجة الاعتبار، علامةٌ بيّنة لمن يتخبّطه الشيطان من المسّ. والحديث التالي بيّنة عادلة انحصر في حكمته _ تبارك وتعالى _ العلم اللدنيّ في الحجّة المعصوم المحصور عدده، فبناء الادّعاء إنّما هو على أصل من اُصول القدريّة، وهو كشف الحقائق يحصل لأيّ من كان بالرياضة الكاملة ولو كانت ممنوعة شرعا لا على أحاديث الأئمّة عليهم السلام ، والمدّعي بغير علم من الهالكين ببغضهم. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «اُغد» بالغين المعجمة والدال المهملة على الأمر المعتلّ اللّام، من باب نصر، من الأفعال الناقصة؛ يعني لا يخلو كلّ صباح من إمامٍ حقّ ومتعلّمٍ منه بلا واسطة، أو بواسطة ، ومحبّ للإمام الحقّ بانتظاره كلّ صباحٍ ومساء، وترك العمل بالظنّ في المختلف فيه كأعدائه. «ولا تكن رابعا» بترك السؤال في زمن ظهور الإمام، وعدم الانتظار في زمن الغيبة بالعمل بالظنّ «فتهلك» ببغض هؤلاء الأقسام الثلاثة. قال لي رجلٌ من المخالفين في المدينة المنوّرة: قول الرافضة فينا بأنّا نبغض عليّا عليه السلام محض افتراء علينا، وهو رابع خلفاء ديننا. قلت: مَن قال مِن النصارى: إنّ اللّه ثالث ثلاثة هو عدوّ اللّه أو وليّه؟ قال: عدوّه، قلت: كيف يكون عدوّ اللّه من يحبّ اللّه ويقول هو الربّ الثالث؟! فسكت مليّا، ثمّ قال: هذا جواب له الحياة ويُحيي الأموات. وقال السيّد الأجلّ النايني رحمه الله: أي كُن في كلّ غداة عالما، أو متعلِّما، أو أحبّ أهل العلم فإنّه يجرّه إلى التعلّم وإن لم يكن متعلِّما في كلّ غداة. أو المراد بالمتعلّم من يكون التعلّم كالصّنعة له، ومن لم يكن عالما من اللّه ولا متّخذا التعلّم صنعة (5) له وأحبّ أهل العلم يأخذ منهم ويدخل في المتعلّم بالمعنى الأعمّ، ومن لم يحبّهم ويكون ذلك لجهله وحبّه له، فيبغض أهل العلم، ويحبّه الجَهَلَة ويبغضه العلماء فيهلك (6) . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن عبداللّه بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن العلاء بْن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي حمزةَ الثُمالي».
2- . في «ج»: «لأهل».
3- . الوافي ، ج 1 ، ص 153.
4- . الكافي ، ج 1 ، ص 49 ، باب النوادر من كتاب فضل العلم ، ح 7؛ الاختصاص ، ص 61 ، حديث موسى بن جعفر مع يونس بن عبدالرحمن ، الأمالي للصدوق ، ص 382 ، ح 488.
5- . في المصدر : «صفة له» بدل «صفته». وفي «الف»: «صنعته».
6- . في المصدر: «بحبّه الجَهَلَة و بعضه العلماءَ يهلك».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 104.

ص: 342

. .

ص: 343

الحديث الرابعروى في الكافي عن عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ جَمِيلٍ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:«يَغْدُو النَّاسُ عَلى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: عَالِمٍ، وَمُتَعَلِّمٍ، وَغُثَاءٍ، فَنَحْنُ الْعُلَمَاءُ، وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ، وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ».

هديّة :بيان لِما أجمل في أمثال أحاديث الباب، ومعيار لبياناتها، وبيان البيان: أنّ الناس من لدن آدم عليه السلام على ثلاثة أصناف: حجّةٌ معصوم عاقل عن اللّه ، وشيعته، وغيرهما (غثاء) وهم في كلّ عصر من الأعصار من أوّل الدنيا إلى انقراضها فرقٌ شتّى. واليهود، تفرّقوا (2) على إحدى وسبعين فرقة إحداها الشيعة والباقية هالكة، والنصارى على اثنتين وسبعين كذلك، وهذه الاُمّة إلى بضع وسبعين إحداها ناجية والباقية باغية هالكة. (3) وكما أنّ في السلسلة النورانيّة الإيمانيّة الممتدّة من لدن آدم إلى آخر الدنيا علماء وفضلاء، ففي سلاسل الظلمانيّة الضلاليّة الجحوديّة الكفريّة الشركيّة الإلحاديّة رؤساء مُهراء في الشيطنة والنَكْراء، وقد مزج الباطل بالحقّ. وقد مرّ في الحديث: أنّ من أركان المعرفة معرفة أعداء الدِّين، لا سيّما الصوفيّة القدريّة لعنهم اللّه ؛ لما عرفت من مقالاتهم السخيفة، واطّلعتَ على أسرارهم من دون كشف بالرياضة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: بيانه كنظائره. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: المراد ب «المتعلّم» هنا: من يأخذ العلم عن أهله ويطلبه في الجملة وعند الحاجة وبقدرها. (4) الباب الخامس : بَابُ ثَوَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن جميل».
2- . في الأصل: «تتفرّقوا»، والمناسب ما اُثبت.
3- . إشارة إلى حديث الافتراق المرويّ بطرق مختلفة و عبارات متفاوته ، رواه الخاصّة و العامة. راجع: بحارالأنوار ، ج 28 ، ص 3 _ 37 ، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 105.

ص: 344

. .

ص: 345

باب ثواب العالم والمتعلّم

الحديث الأوّلروى في الكافي عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَلِيِّ بْن مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ جميعا، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ الْقَدَّاحِ؛ وَعَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْقَدَّاحِ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ سَلَكَ طَرِيقا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْما، سَلَكَ اللّه ُ بِهِ طَرِيقا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضا بِهِ، وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ (2) لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ؛ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارا وَلَا دِرْهَما، وَلكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».

هديّة :المراد ب «العالم» في العنوان _ بدلالة أحاديث الباب _ : العالم المعلّم، سواء كان علمه عقلاً عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة. و ب «المتعلّم»: طالب العلم من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة. وبقوله: (علما) في المتن _ بدلالة الإطلاق _ : مسألة أو مسائل من المسائل الدينيّة ، أو المقدّمات الضروريّة لها؛ نظرا إلى بعض الطالبين، وبعض فنون علم الدِّين، فمعنى من (سلك) أي مؤمن بولاية أهل البيت عليهم السلام ، وإنّما يسلك (اللّه به طريقا إلى الجنّة)؛ لأنّ بالعلم المأخوذ عن المعصوم والعمل به يخلق اللّه تعالى لعباده في البرزخ نعيمه، وفي دار الخُلد نعيم جنانها من الأطعمة والأشربة، والحور والقصور، والأنهار، وما فيها من عجائب الصنع وغرائب التدبير. وقد روى في بصائر الدرجات بإسناده عن نصر (3) بن قابوس، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ» (4) ، قال: «يا نصر، إنّه _ واللّه _ ليس حيث يذهب الناس، إنّما هو العالم وما يخرج منه». (5) يعني أنّ الظلّ الممدود ليس معناه حيث يذهب الناس إليه، إنّما هو الإمام الحقّ، وعلمه المنبثّ في شيعته في مشارق الأرض ومغاربها، وبه وبالعمل به يخلق اللّه تبارك وتعالى في البرزخ نعيمه، وفي الجنّة نعيمها. قال بعض الأفاضل: لو علم الملوك ما نحن فيه من لذّة العلم لحاربونا بالسيوف، وللآخرة أكبر درجات وأفضل تفضيلاً. قال برهان الفضلاء: لا يخفى أنّ استغفار الحيتان لطالب العلم كالذي صدر من الهدهد والنمل عند سليمان عليه السلام بإنطاق اللّه تعالى إيّاهما. والمراد أنّ بركات طلبة علم الدِّين وفوائدهم يصل إلى غير المكلّفين أيضا. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «مَن سلك طريقا يطلب فيه علما» الجملة صفة أو حال، والضمير فيها للطريق أو السلوك. والطريق إلى الشيء إمّا الدخول فيه أو طيُّه يوصل إليه. ومن طرق العلم: الفكرة ، ومنها: الأخذ من العالم ابتداءً أو بواسطة أو بوسائط. ويحتمل أن يكون المراد بالطريق معناه المتعارف، وبسلوكه أن يسير فيه للوصول إلى العالم والأخذ منه ، أو للوصول إلى موضع يتيسّر له فيه تحصيل العلم. «سلك اللّه به طريقا إلى الجنّة »، أي أدخله اللّه طريقا يوصل سلوكه إلى الجنّة. و «وضع الأجنحة»: حطّها وخفضها وهو هيئة تواضع الطائر. و تواضع الملك عبارة عن التعظيم أو الفعل (6) على وفق مطلوب من يتواضع له، وإعانته. «رضا به» أي لأنّه يرتضيه أو لإرضائه. و «الاستغفار»: طلب ستر الزلّات والعثرات، والتجاوز عن السيّئات بنزول الرحمة وشمولها، أو طلب إصلاح الحال والتثبّت على الصراط المستقيم المنجرّ إلى البقاء والنجاة إلى (7) المآل . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّدبن الحسن و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ ، و محمّدبن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبداللّه بن ميمونٍ القدّاح. و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن القدّاح».
2- . في الكافي المطبوع: «ليستغفر».
3- . في «ج»: «نضر».
4- . الواقعة (56): 30 _ 33.
5- . بصائر الدرجات ، ص 525 ، باب النوادر في الأئمّة ، ح 3.
6- . فيالمصدر: «والفعل».
7- . في المصدر: «في المآل».
8- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 106.

ص: 346

. .

ص: 347

الحديث الثاني (1)روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ السَرّادِ ، عن جَميلِ بنِ صالحٍ ، عَنْ مُحَمَّدٍ، (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال :«إِنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ مِنْكُمْ لَهُ أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الْمُتَعَلِّمِ ، وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهِ ، فَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ ، وَعَلِّمُوهُ إِخْوَانَكُمْ كَمَا عَلَّمَكُمُوهُ الْعُلَمَاءُ».

هديّة :(منكم) أي من الفرقة الإماميّة. في بعض النسخ: «مثلا أجر المتعلّم» على التثنية، فلقوله عليه السلام : (وله الفضل عليه) احتمالان على الأكثر، يعني وله زيادة ثواب، أو وله عليه إكرامه وتعظيمه، والتأخّر عنه في المجالس، ومعرفة حقّه، وأداء شكر نعمته، وغير ذلك من الحقوق. وكذا على البعض، أحدهما: الثاني على الأكثر، والثاني: كون «الواو» للحال بيانا للعلّة من (حملة العلم) أي بلا واسطة أو بواسطة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني معلّم علم الدِّين المتعلّم منه متساويان في الثواب، إلّا أنّ للمعلّم حقّ النعمة على المتعلِّم، وهو غير الثواب الاُخرويّ. «وعلّموه إخوانكم» أي بلا زيادة ونقصان وتصرّف فيه تبعا للظنّ . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «فتعلّموا العلم من حملة العلم» يعني خذوا العلم من أصحاب العصمة بواسطة أو بدونها. «وعلّموا إخوانكم» من غير تصرّف فيه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «له أجر مثل أجر المتعلّم وله الفضل عليه» ظاهر هذه العبارة مساواة أجر التعليم والتعلّم، لكن في الرعيّة حيث قال : «إنّ الّذي يعلّم العلم منكم». وباعتبار نفس التعليم والتعلّم المقيس أحدهما إلى الآخر. وللمعلّم اُجرة التعلّم (4) أيضا مثل اُجرة تعليمه، وللمعلّم الفضل على المتعلّم؛ لأنّ المعطي والمفيض أعلى رتبةً وأكثر فضلاً من المعطى له والمفاض عليه . (5)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
2- . السند في الكافيالمطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن درّاج ، عن محمّد بن مسلم».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
4- . في المصدر: «أجرا لتعلّم».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 107.

ص: 348

الحديث الثالث (1)روى في الكافي بإسناده عن البَرْقي، عن عليِّ بنِ الحَكَمِ، عن عليٍّ، عن أبي بصير (2) قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول :«مَن علّم خيرا فَلَه مِثْلُ أجْرِ مَنْ عَمِلَ بِه». قلت : فَإنْ عَلَّمَه غَيْرَه يَجْرِي ذلِكَ لَه؟ قال : «إنْ عَلَّمَه النّاسَ كُلَّهُم جَرى لَه». قلت : فَإِنْ ماتَ؟ قال : «وإن مات» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثالث».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «علىُّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّدٍ البرقي ، عن عليّ بن الحَكَم ، عن عليّ بن أبي حمزةَ ، عن أبي بصير».

ص: 349

هديّة :(خيرا) أي من العمل، أو علما كان، أو عملاً. والظاهر أنّ الفاعل في (فإن علّمه غيره) هو المتعلّم. ويحتمل المعلّم، أو بالعكس كما قيل. والسؤال الثاني بجوابه يؤيّد الأوّل. (إن علّمه الناس كلّهم) يعني ولو بوسائط. والفعلان (1) من الجَرَيان على المعلوم، لا من الجزاء أو الإجزاء بالجيم والزّاي على خلافه، وإن استقام بالتكلّف؛ للاستقامة بدونه. ولعلّ فاعل (مات) هو المعلّم لا الخير، كما حمل عليه السيّد الباقر ثالث المعلّمين الشهير بداماد رحمه الله حيث قال : «وإن مات» أي وإن مات ذلك وانقرض واندرس ولم يبق ولم يوجد من يتعلّمه، ومن يعمل به . (2) قال برهان الفضلاء : «فإن علّمه غيره» يعنى فإن علّم المتعلّم شخصا آخر يجري ذلك الأجر للمعلّم الأوّل. قال : إن علّم المتعلّم كلّ الناس فله مثل أجر من عمل به ؛ أي من المتعلّمين منه. «فإن علّمه غيره» يحتمل وجهين: أحدهما : السؤال عن أنّ التعليم يجري فيه ما يجري في العمل، فيكون له مثل أجر من علّمه ، كما أنّ له مثل أجر من عمل به. والجواب بأنّ تعليم المتعلّم كما له مثل أجر عمله، وذلك لاستنادهما إلى تعليمه . والثاني : السؤال عن العمل بتعليم غيره من متعلّميه ، أي عمل المتعلّم بواسطة، فكأنّه فهم من كلامه أوّلاً عمل المتعلّم بلا واسطة فسأل عن المتعلّم بواسطة، فأجاب بأنّه يجري له ذلك فيه، وذلك لكونه بتعليمه ولو بواسطة . ويحتمل أن يكون المراد مَن علّم خيرا ابتداءً وكان منه خروجه وظهوره أوّلاً فله أجر من عمل به ، ويكون معنى كلام السائل: «فإن علّمه غيره يجري ذلك له» إن علّمه غيره وعمل بتعليم الغير يكون للمعلِّم أوّلاً مثل ثواب هذا العالم الذي ليس عمله بتعليمه؟ والجواب: أنّ له مثل ثواب من عمل به بتعليم كلّ أحد ؛ وذلك لكونه منشأه ومبدأه.

.


1- . أي «يجري» و «جرى».
2- . التعليقة على الكافي، ص 74.

ص: 350

الحديث الرابع (1)روى في الكافي بهذا الإسناد، 2 عن محمّد بن عبد الحميد، عن العلاء، عن الحذّاء، (2) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ عَلَّمَ بَابَ هُدًى ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، وَلَا يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئا ، وَمَنْ عَلَّمَ بَابَ ضَلَالٍ ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، وَلَا يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئا» .

هديّة :(فله مثل أجر من عمل به) أي كلّ من عمل به. (ولا ينقص) في الموضعين على ما لم يسمّ فاعله. والإتيان ب «الأوزار» أوّلاً على الجمع، لعلّه للإيماء إلى تعدّد أنواع العذاب . قال برهان الفضلاء : «فله»، أي للمعلّم الأوّل فالأوّل. وكذا «كان عليه مثل» ما على جميع العاملين به من الثواب والعقاب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بتعليم باب الهدى وتعليم باب الضلال تعليم طريق السلوك إلى أحدهما والدخول فيه. ويجري في هذا الحديث ما ذكر في الحديث السابق من الحمل على المعلّم ابتداءً، فيكون له مثل ما لكلّ عامل ولو لم يكن بتعليمه، والحمل على كلّ معلّم ، ويكون له مثل ما لكلّ عالم ينتمي عمله إلى تعليمه ولو بواسطة . (3)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الرابع».
2- . في الكافي المطبوع: «عن العلاء بن رزين ، عن أبي عبيدة الحذّاء».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 102.

ص: 351

الحديث الخامس (1)روى في الكافي عَن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام، قَالَ:«لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ، وَخَوْضِ اللُّجَجِ، إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَوْحى إِلى دَانِيَالَ: أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، التَّارِكُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ؛ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ، اللَازِمُ لِلْعُلَمَاءِ، التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ، الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاءِ».

هديّة :(ما في طلب العلم) أي العلم النافع في الدِّين. و «السفك»: الإراقة. وربّما يخصّ بالدّم. و (المهج) كصرد: جمع مهجة بضمّ الميم وسكون الهاء، وهي دم القلب. و «الخوض»: الدخول في الماء. و «اللّجج»: جمع لُجّة، وهي معظم الماء. يعني ودخول الورطات الهائلة. و «المقت» بالفتح: البغض (التارك للاقتداء بهم) يعني وهم ورثة الأنبياء عليهم السلام . و (التقيّ): بَيِّنُ التقوى. وباطنيّه أصل الظاهريّة، فإنّ ظاهريّه _ وهو الاجتناب بالجوارح عن المحرّمات _ لا ينفع مثقال ذرّة بدون التبرّي من صميم القلب من جميع الفرق الهالكة، طواغيتهم وأشياعهم. والمراد علماء العاملون بعلم الدِّين عقلاً عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة. و ب «الحلماء»: العقلاء العاقلون عن العاقل عن اللّه . من «الحلم» بالكسر، بمعنى العقل. و ب «الحكماء»: الأفاضل من العقلاء. و (القابل) يحتمل المفردة والخاتمة. والمضبوط (عن) بالعين . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «ولو بسفك المهج» أي دماء المخالفين المانعين من طلب علم الدِّين. «وخوض اللّجج» أي الدخول في صفوف سيوفهم. و «الثواب الجزيل» عبارة عن الثواب الاُخرويّ «التابع للحلماء» أي العقلاء. «القابل» بالمفردة. «عن الحكماء» أي الكافين أنفسهم عن أهوائها. ومنها العمل بالظنّ في المشتبهات . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «اللّازم للعلماء». هذه الصفات الثلاث إشارة إلى الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لو يعلم» الناس ما في طلب العلم» أي من حصول الفضل والشرف والأجر «لطلبوه ولو بسفك المهج» أي بإراقة الدّماء «وخوض اللّجج» أي دخول اللّجج، وهي جمع لجّة، أي معظم الماء. «وأنّ أحبّ عبيدي إليَّ التّقي» قابَلَه بالجاهل؛ لأنّ التقوى من آثار كمال العقل المقابل للجهل. والمراد بطالب الثواب الجزيل: العامل لما يوصله إليه، سواء قصد به حصوله أو لا. والمراد بملازمة العلماء: كثرة مجالستهم ومصاحبتهم. والمراد بالحلماء: العقلاء. ومتابعتهم: سلوك طريقه (3) الذي سلكوه. «والقابل عن الحكماء»: الآخذ عنهم ولو بواسطة أو وسائط. والمراد بالحكماء: العدول الآخذون بالحقّ [والصواب (4) ] قولاً وعملاً. والظاهر أنّ المراد بالحلماء والحكماء: الأنبياء والأوصياء ، والقريب منهم كلقمان وآصف؛ فإنّ كمال العقل والحكمة لهم. والعلماء يشمل غيرهم ومن لا يدنوهم من أهل العلم. (5) انتهى . الظاهر كلقمان واسكندر .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الخامس».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
3- . في المصدر: «طريقتهم».
4- . أضفناه من المصدر.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 109 _ 110.

ص: 352

. .

ص: 353

الحديث السادس (1)روى في الكافي عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري (2) عن حفص بن غياث، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام :«مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَمِلَ بِهِ وَعَلَّمَ لِلّهِ ، دُعِيَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِيما ، فَقِيلَ : تَعَلَّمَ لِلّهِ ، وَعَمِلَ لِلّهِ ، وَعَلَّمَ لِلّهِ» .

هديّة :الظرف في (وعلّم للّه ) الاُولى متعلّق بكلّ واحدٍ من الأفعال الثلاثة. (دُعي) على ما لم يسمّ فاعله، أي سمّي من عظماء الشيعة ، ف «الفاء» في (فقيل) للتعقيب. ويحتمل التفسير . قال برهان الفضلاء : «العلم»: مفعول به، وعبارة عن بيّنات محكمات الآيات الصريحة في النّهي عن اتّباع الظنّ ، (3) والأمر بسؤال أهل الذِّكر (4) عند كلّ مشتبه (5) محتاج إليه في الدِّين. و «تعلّم العلم» وتفهّمه عبارة عن استنباط النتيجة من ذلك، وهي إمامة أمير المؤمنين وأوصيائه المعصومين إلى انقراض التكليف، بناءً على اتّفاق الاُمّة على أنّ المعارضين لهذه الاُمّة يتّبعون الظنّ. «وعلّم للّه » بتقدير علّمه للّه ، و «للّه » متعلّق بالأفعال الثلاثة. «دُعي» على المجهول بمعنى سمّي. و «الملكوت»: مبالغة في الملك، يعني كمال السلطنة والتسخير لكلّ شيء. وهنا عبارة عن الملائكة، وآثار السلطنة الكاملة فيهم أظهر؛ لفقدان الباطل فيهم. و «الفاء» في «فقيل» للبيان يعني دُعي فيها بهذه الأسماء نظير ما يجيء في كتاب التوحيد أنّ جملة «لا تأخذه سنة ولا نوم» من أسماء اللّه تبارك وتعالى . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وعلّم للّه » أي يكون كلّ من التعلّم والعمل والتعليم للّه ، كما صرّح به في آخر الحديث . «دُعي» أي سمّي عظيما ؛ أي بالعظمة في ملكوت السماوات . والملكوت مبالغة الملك ، أي أعلى مراتبه الجامعة لتوابع الملك ولوازمه من كثرة الجنود والأتباع المسخّرين القائمين بأوامر الملك المطيعين له وكثرة آيات العظمة والجلالة، فيُطلق ويُراد به عزّ الملك وسلطانه، ويُطلق ويُراد به آيات العظمة والجلالة وآثار الملك والسلطنة ، ويُطلق ويُراد به الجنود المسخّرين . والمراد بملكوت السماوات إمّا الآيات كما قيل، أي سمّي في الآيات [السماويّة] (6) وهي أعظم الآيات الظاهرة، ويسمّيه أهلها _ وهم الملائكة والأرواح العلويّة _ عظيما . أو المراد به الجنود السماويّة وهم الملائكة والأرواح، أي يسمّى بينهم عظيما، ويذكر بالعظمة بينهم . (7)

.


1- . في «الف»: - «الحديث السادس».
2- . في الكافي المطبوع: «عن سليمان بن داود المنقري».
3- . منها في الأنعام (6): 16 و 148؛ و يونس (10): 36 و 66 ؛ والجاثية (45): 24؛ والنجم (53): 23.
4- . النحل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
5- . في «الف»: «مشيئة».
6- . ما بين المعقوفين من المصدر.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 110 _ 111.

ص: 354

. .

ص: 355

باب صفة العلماء

الباب السادس : باب صفة العلماءوأحاديثه كما في الكافي سبعة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن محمّد، عن ابن عيسى، عن السّراد، عن ابن وهب، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اطْلُبُوا الْعِلْمَ ، وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ الْعِلْمَ ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ ، وَلَا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ ؛ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ».

هديّة :وجه الحكمة في الأمر بتواضع المعلّم للمتعلِّم منه أكثر من وجهها في الأمر بتواضع المتعلّم لمعلّمه. و «الجبّار»: المتكبّر. والتكبّر حقّ اللّه سبحانه، والتواضع حقّ العباد. (فيذهب باطلكم) أي تكبّركم بحقّكم، أي بتواضعكم. بيّنا الغرض من الكلام ببيان لطفه، ولا يخفى لطفه . قال برهان الفضلاء : يعني اطلبوا علم الدِّين وتزيّنوا بالعلم والحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم زيادةً في رغبته بالتأليف والتأنيس، يعني تأليف القلب. «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم» أداءً لواجب حقّه. والغرض من قوله : «فيذهب باطلكم بحقّكم»: إنّ تكبّر العالم يوجب عدم الرغبة إلى تحصيل العلم، فيوجب حرمان المعلّم من ثواب التعليم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم» [أي في أوان اشتغاله بالطلب. «و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم» أي عند الطلب و بعده. «ولا تكونوا علماء جبّارين» أي متكبّرين «فيذهب باطلكم» أي تكبّرتم «بحقّكم» أي بعلمكم ، فلا يبقى العلم] (1) عندكم، ويرتحل عن قلوبكم، أو بفضلكم وشرفكم بالعلم؛ فإنّه لا يبقى فضل وشرف بالعلم مع التكبّر به، أو بفضلكم وثوابكم على التعليم والتعلّم؛ حيث لا فضيلة ولا استحقاق للثواب بهما مع التكبّر بالعلم . (2)

.


1- . في «ب» و «ج»: - «أي في أوان... فلا يبقى العلم».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 111 _ 112.

ص: 356

الحديث الثاني (1)روى في الكافي عن عليّ، عن العبيدي؛ عن يونس، عن حمّاد بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «إِنَّمَا يَخْشَى اللّه َ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (2) قال :«يعني بالعلماء من صدّق فعله قوله ؛ فمن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم».

هديّة :الآية في سورة الفاطر. والظاهر أنّ الإمام عليه السلام أفاد بالتفسير أنّ المراد ب «العلماء» في هذه الآية خصوص الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه . فالمراد ب «الفعل» على فاعليّة المعجزة، وكذا ب «القول» يعني من صدّق معجزه دعواه، أو من صدّق قوله في أحكام اللّه بعلمه المعجز صحّة جميع أفعاله. وتفسير الصدِّيق _ وأكثر إطلاقه في المعصوم _ بمن يصدّق فعله قوله مؤيّد. ولمّا ليس حقّ الخشية إلّا مع الحجّة المعصوم؛ لأنّ حقّ اليقين معه، وكلّما يزداد اليقين يزداد الخوف والرّجاء نطق (3) القرآن بأداة الحصر. ويحتمل أن يكون غرضه عليه السلام أنّ المراد بالعلماء في الآية أعمّ من المعصوم ومن العدول من علماء الشيعة ، فالمراد بحقّ الخشية مراتب كمالها وحقّها في الرعيّة مع العلماء المتّقين ، وفي الاُمّة أو مطلق العباد مع الأوصياء من الحجج المعصومين ، والحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين. وما أظهر أنّ وقاحة الصوفيّة القدريّة وجسارتهم في دعاويهم الباطلة شرعا، وأقاويلهم المردودة قطعا إنّما هي من قلّة خوفهم من العذاب الموعود؛ لعدم يقينهم بجميع ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله . وإنّما قلنا من قلّة خوفهم؛ لأنّ خوف الاحتمال الذي ليس باحتمال سهل لن ينفكّ عن الجاحدين الملحدين، ولا يمنعه خيال عن إذابة قلوبهم . هشدار كه منكر قيامتاز شايد آن دلش دو نيم است . وبناء حديث أمير المؤمنين عليه السلام مع الزنديق الذي أسلم على يده (4) إنّما هو على امتناع منع الجاحد ذلك الاحتمال بشيء من قلبه إن كان الأمر كما قلتم، وليس كما قلتم فنحن وأنتم سواء. وإن كان كما قلنا و هو كما قلنا فمن ينجيكم، وإلى أين تفرّون، وإلى مَن تفزعون. فزع إليه، كعلم: لجأ (فليس بعالم) أي من المعصومين، أو من علماء الدِّين في عرف أهل الدِّين . قال برهان الفضلاء : معنى «العلماء» هنا ظاهر ممّا مرّ في الحديث الثاني عشر من الباب الأوّل في شرح: «يا هشام، إنّ العقل مع العلم» وممّا مرّ في شرح الحديث الآخر من الباب السابق. يعني «إنّما يخشى اللّه » ويترك اتّباع الظنّ «من عباده العلماء». ولمّا كان العلم الذي لا عمل معه أسوء من الجهل قال عليه السلام : «فمن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد ب «من صدّق فعله قوله»: من يكون ذا علم ومعرفة ثابتة مستقرّة في قلبه استقرارا لا يغلبه معه هواه. والمعرفة الثابتة المستقرّة كما تدعو إلى القول والإقرار باللِّسان، تدعو إلى الفعل والعمل بالأركان، فيكون فعله مصدِّقا لقوله، والعالم لهذا المعنى الحقيق بذلك الاسم له خشيةٌ من ربّه ليست لغيره ، وهذه الخشية تؤدّيه إلى الإطاعة والانقياد قولاً وفعلاً؛ فإنّ الجرأة على العصيان لا يجامع الخشية الحقيقيّة . (5)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
2- . فاطر (35): 28.
3- . جواب لقوله: «و لمّا».
4- . المرويّ في الاحتجاج، ج 1، ص 240 _ 258.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 112 _ 113.

ص: 357

. .

ص: 358

الحديث الثالث (1)روى في الكافي عن العدّة، عن البرقي، (2) عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيدٍ القمّاط، عن الحلبي، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللّه ِ، وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللّه ِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللّه ِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ رَغْبَةً عَنْهُ إِلى غَيْرِهِ؛ أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَكُّرٌ». وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى: «أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ، أَلَا لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا، أَلَا لَا خَيْرَ فِي نُسُكٍ لَا وَرَعَ فِيهِ».

هديّة :(القمّاط): بنّاء بيت القصب، و «القمط» بالكسر: ما يشدّ به قصبات بيت القصب. وككتاب: الخرقة التي تلفّ على الصبيّ، وحبل يشدّ به رِجْل الدواب . (لم يقنّط) على المعلوم من التفعيل . وكذا لم يؤمّنهم. أمن من كذا كعلم، وأمنه غيره كنصر، كآمنه إيمانا، وأمّنه تأمينا. وللتأمين معنى آخر، وهو التكلّم بعد الدّعاء بكلمة «آمين» من أسماء الأفعال، بمعنى استجب. لعلّ عليه السلام أشار بكلّ فقرة من الفقرات الأربع إلى بطلان مذهب من المذاهب الباطلة، أو أكثر في الاُصول والفروع. فبالاُولى: إلى بطلان مذهب المعتزلة في قولهم بإيجاب الوعيد، وتخليد صاحب الكبيرة في النار . ومذهب الخوارج المضيّقين على أنفسهم في التكاليف الشرعيّة، كالصوفيّة القدريّة بالرياضات المخترعة، والرهبانيّة المبتدعة. وبالثانية: إلى بطلان مذهب المرجئة القائلين بتأخير العمل عن الإيمان، بأنّ الإيمان مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله . ومن يجري مجراهم، كمن يقول: صحّة الاعتقاد تكفي للنجاة ومن ورائي الشفاعات. نعم، صحّة الاعتقاد بدون العمل _ مع أنّ العمل من الإيمان باتّفاق أصحابنا الإماميّة _ توجب النجاة لو لم يوجد فرصة للعمل، كمن أسلم ومضى. وأمّا التارك أصلاً مع الفرصة، فإن وفّق للتوبة ولو قبل المعاينة بنَفَسٍ فلا يدخل النار، ويعلم اللّه حاله في عقبات البرزخ. وإن لم يوفّق للتوبة ومضى بصحّة الاعتقاد ، فإمّا من الداخلين في النار بغير الخلود فيها كما قيل، أو من المخلّدين ؛ لأنّ عدم التوفيق للتوبة علامة الخذلان، وزوال الإيمان التصديقي بغلبة الشيطان. أو من الذين للّه فيهم المشيئة، إن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم. وبالثالثة: إلى بطلان مذهب الأشاعرة والحنابلة ومن يشبههم شبه الملامتيّة من الصوفيّة القدريّة وسائر أصنافهم. وبالرابعة: إلى بطلان مذهب المتفلسفة الذين أعرضوا عن القرآن وحملة علمه، وحاولوا اكتساب العلم والعرفان من كتب قدماء الفلاسفة، ومذهب أصحاب الآراء والمقاييس، كالحنفيّة وغيرهم من فرق العامّة . (ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهّم) أي تيقّن، بأنّ العلم بالمتشابهات لا يحصل إلّا بتوسّط الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة في اللّه ، فلا قطع في مشتبه في هذا النظام العظيم إلّا بما أخبر به مدبّره الحكيم، والحكيم لئلّا يكون على اللّه حجّة بعد الرّسل لا يحتجّ على عباده إلّا بالمعصوم الممتاز عن الجميع حسبا ونسبا . (ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر) من التدبّر فيه: أنّ حجّيّة القرآن _ والبضع والسبعون متمسّكون به _ لا تستقيم إلّا بقيّم له من اللّه معصوم عاقل عن اللّه ممتاز عن الجميع في جميع المكارم والأخلاق حسبا ونسبا؛ فإنّ كلّ إمام من الاثني عشر عليهم السلام في زمانه كان كذلك باتّفاق المؤالف والمخالف ، «وَ لَ_كِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَ_فِرِينَ » . (3) وحديث : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين» (4) قد صحّ عند البضع والسبعين . (ألا لا خير في عبادةٍ ليس فيها تفكّر) أي التفكّر المبني على استحكام هذا النظام المحيّر للعقلاء، من التفكّر فيها أنّها لا تصحّ إلّا بالوجه الصحيح المقطوع بصحّته، ولا قطع إلّا بما ثبت عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . ألا يرى أنّ الرسوم المخترعة في العبادة من عبّاد الصوفيّة القدريّة لا يفضي إلّا إلى ترك العبادة والارتداد بخيالات واهية صادرة من ملكة الاختلاف، وأفكار باطلة ناشئة من سنخ الكفر والنفاق . (وفي رواية اُخرى) كلام ثقة الإسلام. (ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها) بيانه بَيِّنٌ ممّا بيّنا. وجواب شيخ كبير من مشايخ الصوفيّة عن مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع وحكمه بالاستئناف على الاستحسان مشهور. وفي «النّسك» بمعنى العبادة لغات. فتح النون، وضمّها، وكسرها وسكون السين، وبضمّتين (لا ورع فيه) أي عمّا نهي عنه في الشريعة الغرّاء، القائمة إلى قيام الساعة، القاصمة ظهر الزنادقة والملاحدة لعنهم اللّه ، كسّر اللّه ظهرهم بقهره بأيدي شيعة آل محمّد صلى الله عليه و آله . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «العدّة» في سند هذا الحديث عبارة عن: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبداللّه بن اُذينة، وأحمد بن عبداللّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن . و «برقة رود»: قرية من قرى قمّ، والنسبة إليها «برقيّ» بسكون الرّاء. و «مهران» بكسر الميم، ولا ينصرف. و «القمّاط»: بيّاع القِماط ككتاب، وهو ما يلفّ على الصبيّ قبل زمان المهد. و «الحلبي» هو عبيد اللّه بن عليّ بن أبي شعبة الحلبي. «ألا اُخبرّكم» من التخبير: بسيار دانا كردن كسى را به چيزى به نشان هاى درست. و«لم يقنّط» على المعلوم من التفعيل، من القنوط، وهو ضدّ الرجاء. ويجيء في باب الكبائر في كتاب الإيمان والكفر: «الكبائر: القنوط من رحمة اللّه ، والإياس من روح اللّه ، والأمن من مكر اللّه »، الحديث. وقد يُفرَّق بين «الرحمة» بإيصال النفع، كإعطاء الولد على إبراهيم عليه السلام في أواخر سنّ سارة؛ وبين «الرَوْح» _ بالفتح _ بدفع الضرر، كإزالة حزن يعقوب برؤية يوسف عليهماالسلام ويمكن أن يكون المراد من «عذاب اللّه » هنا: مكر اللّه المذكور في سورة الأعراف ؛ قال اللّه تعالى : «فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه ِ إِلَا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ» (5) . وقد يستعمل «الرحمة» في إمام الهدى ، و «العذاب» في إمام الضلالة ؛ قال اللّه تعالى في سورة الأعراف : «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» . (6) والترخيص في المعاصي يلزم على عدّة طائفة من الفِرَق الهالكة، منها: المرجئة القائلون بأنّ الإيمان محض التصديق بما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله ، والعمل ليس منه ولا يلازم له؛ وأنّ قوّة إيمان فسق الفسّاق رتبةً كقوّة إيمان جبرئيل وميكائيل. «رغبةً عنه»: مفعول له. و «الرغبة» إذا تعدّت ب «عن» بمعنى النفرة. وترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره صنيعة طائفتين من أهل الضلال: أهل الآراء وأهل (7) المقاييس القائلون بالظنون ، وهم عامّة العامّة ومن يجري مجراهم في القضاء والإفتاء؛ والصوفيّة القائلون بأنّ العلم الحاصل بالمكاشفة أعلى وأقوى من العلم الحاصل من قول الأنبياء . و «ألا» في المواضع حرف الاستفتاح والتنبيه . و «في» فيها بمعنى «مع» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «حقّ الفقيه» أي حقيقة الفقيه. و «حقّ الفقيه» بدل عن «الفقيه» وما بعده خبرُ مبتدإٍ محذوف ؛ أي هو «من لم يقنّط الناس». ويحتمل أن يكون «حقّ الفقيه» مبتدأ وما بعده خبر. والمراد أنّ الفقيه حقيقةً ليس إلّا من هو عالم بالمراد بما ورد في الوعيد والوعد والعفو بملاحظة بعضها مع الآخر حتّى يتبيّن له المراد. ومن يقتصر على ملاحظة البعض دون الباقي ويعتمد على ما يفهمه بتلك الملاحظة فيؤدّيه إلى أن يقنّط الناس من رحمة اللّه ، أو يؤمّنهم من عذاب اللّه ، أو يرخّص لهم في معاصي اللّه ، فبمجرّد علمه بالمسائل الشرعيّة الفروعيّة لا يكون فقيها. وكذا حقيقة الفقيه لا يكون إلّا لمن أخذ بكتاب اللّه وتفكّر فيه ولم يرغب عنه إلى غيره؛ فإنّ التارك لكتاب اللّه لا يكون فقيها وإن كان حافظا للأحاديث، ضابطا لها، فإنّ معرفة الأحاديث وفهمها لا يتمّ إلّا بمعرفة كتاب اللّه والتفكّر فيه. وأمّا مَن ترك التفكّر في كتاب اللّه ، ثمّ قاس على الأحاديث، فعدوله عن الحقّ أكثر. ويحتمل أن يكون قوله : «ألا لا خير في علمٍ ليس فيه تفهّم» ناظر إلى ما ذكره أوّلاً ؛ فإنّ مَنْ كان يتفهّم يعلم أنّ الوعيد للتقريب من الإطاعة، والتقنيط يبعّد عنها ، فمن يقنّط لم يكن في علمه تفهّم . و «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر» ناظر إلى ما ذكره ثانيا؛ فإنّ من يتدبّر في قراءته للكتاب والقصص المذكورة فيه _ من نزول العذاب عند المعاصي _ علم أنّها نزلت لئلّا يأمنوا من عذاب اللّه ، ولم يجترئوا على المعاصي، ولم يرخّصوا لأنفسهم فيها. و «ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر» ناظر إلى ما ذكره ثالثا من قوله : «ولم يترك القرآن رغبةً عنه»؛ فإنّ من تمسّك بالقرآن وعمل بما فيه كان آخذا بما يتعبّد به من مأخذه بالتفكّر ، ومَن ترك التمسّك به ورغب عنه إلى غيره كان آخذا له من غير مأخذه الذي كان يجب أن يأخذ منه تاركا لأخذه كما ينبغي بالتفكّر . «وفي رواية اُخرى». اختلاف هذه الرواية مع الرواية السابقة في الفقرة الثالثة هو اختلاف في العبارة ، والمراد واحد. وزيادة الفقرة الرابعة هنا تدلّ على أنّ الفقرة الثانية ناظرة إلى الأمن من عذاب اللّه ، والرابعة ناظرة إلى الرخصة في المعاصي و «النسك»: الطاعة والعبادة، وكلّ ما يتقرّب به. و «الورع» في الأصل: الكفّ عن المحارم و التحرّج منه ، ثمّ استعمل في الكفّ عن التسرّع إلى تناول أعراض (8) الدنيا حسب ما يليق بالمتورّع ، فمنه واجب ، و هو الكفّ عن المحرّمات، وهو ورع العامّة ؛ لأنّ الاجتناب عن المحرّم على الكلّ؛ ومنه ندب، وهو الوقوف عند الشبهات، وهو ورع الأوساط؛ ومنه فضيلة، وهو الاقتصار على الضروريّات، وهو ورع الكاملين. والمراد به هنا الأوّل ، ويحتمل الثاني؛ فإنّه مع فقدانه لا يكون خير يعتدّ به. (9) انتهى . قال اللّه تبارك وتعالى : «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا» . (10) لا شكّ أنّ كلمات قيّم القرآن، وهو القرآن الناطق إنّما هي بأمر اللّه ، وهو لسان اللّه الناطق في خلق اللّه .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الثالث».
2- . في الكافي المطبوع: «عن أحمد بن محمّدٍ البرقي».
3- . الزمر (39): 71.
4- . حديث الثقلين متواتر بين الفريقين و تعرّض لنقله أرباب الصحاح و السنن و المسانيد ، و رووه بأسانيد مختلفة و ألفاظ متفاوته عن كثير من الصحابة. راجع: نهج الحقّ ، ص 225 _ 228؛ صحيح مسلم ، ج 4 ، ص 1873 ، ح 22408. مسند أحمد ، ج 4 ، ص 366 ، ح 19285؛ سنن البيهقي ، ج 2 ، ص 148 ، ح 2679؛ كنزالعمّال ، ج 1 ، ص 315 ، ح 898 .
5- . الأعراف (7): 99.
6- . الأعراف (7): 156.
7- . في «ب» و «ج»: - «أهل».
8- . في «ب» و «ج»: «أغراض».
9- . الحاشية على اُصول الكافى¨ ، ص 113 _ 115.
10- . الكهف (18): 109.

ص: 359

. .

ص: 360

. .

ص: 361

. .

ص: 362

. .

ص: 363

الحديث الرابع (1)روى في الكافي عن محمّد، عن ابن عيسى والنيسابوريّين جميعا، عن صفوان، (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :«إنّ مِنْ عَلاماتِ الفِقْه (3) الحِلْمُ والصَّمْتُ» .

هديّة :يعني من علامات العالم بعلم الدِّين العامل به أن يكون حليما ذا وقار كافّا لسانه عمّا لا طائل فيه ، وإلّا فلا عامل فلا فقيه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «الحلم» يعني العفو والصفح عمّن لا أدب له. و «الصمت» يعني كفّ اللِّسان عمّا لا علم به، وعن التكلّم بما علم في غير موضعه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الحلم»: الأناة، وترك النزاع والجدال. و «الصّمت»: السكوت عمّا لا يحتاج إليه . (4)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الرابع».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ و محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان النيسابوريّ جميعا ، عن صفوانَ بنِ يحيى».
3- . في الكافي المطبوع: «الفقيه».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 113.

ص: 364

الحديث الخامس (1)روى في الكافي عن أحمد بن عبداللّه ، عن البرقي، (2) عن بعض أصحابه رفعه، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام :«لا يَكونُ السَّفَهُ والغِرَّةُ فِي قَلْبِ العالِمِ» .

هديّة :مضمونه كسابقه. و (السفه): الخفّة والطيش، وهو ضدّ الحلم بمعنى الأناة . و (الغرّة) بكسر المعجمة وتشديد المهملة: الغفلة، وقلّة الفطنة بمكائد الشيطان فأعمّ من الاغترار ومصائده. والظاهر أنّ المراد لا يكون أصلاً ، فالمراد ب «العالم» الحجّة المعصوم . قال برهان الفضلاء : يعني عالم علم الدِّين لا ينزعج من مكانه بسهولة، ولا يغترّ بمكائد الشيطان . (3) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : الظاهر أنّ «أحمد بن عبداللّه » في سند هذا الحديث هو أحمد بن عبداللّه بن بنت أحمد بن محمّد البرقي بقرينة ما في الفهرست. (4) والظاهر أنّه المراد من المذكور في العدّة، والمراد بالعالم هنا الإمام عليه السلام . 5 وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «السفه»: قلّة الحلم أو عدمه. و «الغرّة» بالكسر: الغفلة. (5) انتهى . أشار بالترديد إلى احتمال التعميم في «العالم» .

.


1- . في «الف»: - «الحديث الخامس».
2- . في الكافي المطبوع: «عن أحمدبن محمدٍ البرقي».
3- . في «ب» و «ج»: + «بسهولة».
4- . الفهرست للطوسي ، ص 22 ، في ترجمة أحمدبن محمّد بن خالد البرقى ، الرقم 55.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115.

ص: 365

الحديث السادس (1)روى في الكافي بهذا الإسناد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان رفعه، قال :«قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليه السلام : يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ اقْضُوهَا لِي، قَالُوا: قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اللّه ِ، فَقَامَ، فَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ، فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهذَا يَا رُوحَ اللّه ِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْخِدْمَةِ الْعَالِمُ، إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي فِي النَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ عِيسى عليه السلام : بِالتَّوَاضُعِ تُعْمَرُ الْحِكْمَةُ، لَا بِالتَّكَبُّرِ؛ وَكَذلِكَ فِي السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعُ، لَا فِي الْجَبَلِ».

هديّة :«المعشر» كمنصب: الجماعة ، والجمع معاشر . في بعض النسخ: «فقبّل» من التقبيل، مكان «فغسل» على المعلوم من باب ضرب . (بالخدمة) أي بالتواضع، و (العالم) مأمور بالتواضع مع المتعلِّم كما مرّ في الأوّل. ووجه الأحقّيّة: اختصاص التكبّر باللّه سبحانه، وكمال التواضع حقّ المقرّبين من عباده؛ لتفرّده بالخالقيّة والقِدَم والبقاء، كجميع ما سواه بالمخلوقيّة والحدوث والفناء. ويجيء في الحديث في الباب التاسع والخمسون وهو باب التواضع في كتاب الإيمان والكفر: «أنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام أنّ أقرب الناس إلى اللّه المتواضعون وأبعدهم منه المتكبّرون» . (إنّما تواضعت) بيان لوجه آخر لمبالغته في التواضع ، فمنه قوله : (بالتواضع تُعمر الحكمة) بزيادة التواضع تنموا الحكمة وتزاد . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : روح الإنسان جسم هوائي لطيف غير مرئي يوجب الحياة ما دام في البدن. وبدن غير عيسى عليه السلام مخلوق قبل نفخ الروح فيه، وبدنه مخلوق من روح نفخ جبرئيل عليه السلام في مريم عليهاالسلام بإذن اللّه تعالى. والإضافة في «روح اللّه » إضافة الاختصاص والتشريف والتكريم، كسمائي وأرضي وملائكتي. «فغسل» كضرب من «الغسل» بالفتح «تعمر» على المجهول من باب نصر. انتهى . اعتقاده سلّمه اللّه بجسميّة النفوس الناطقة. بناءً على ما هو الحقّ والصدق من تفرّد الربّ تبارك وتعالى بالقِدَم واللّازمانيّة واللّامكانيّة والتنزّه عن الأبعاد اللّازمة الجسمانيّة، هل يمكن لذي حياة أن يعقل نفسه مجرّدة عن البُعد والإمكان بعد مفارقتها البدن؟ احتمال لا يعارض اليقين . نعم ، يعقل [المجرّد من البعد والحنّير والمكان والمادة، لكن إمّا معان قائمة بالأذهان أو من ساير الأعراض فجسمانيّ، وهل يتصوّر شيء بدون صورة] (2) اسمه القائمة بالذهن، ولذا بنيت المعرفة الدينيّة على نفي التشبيه والتعطيل . وروى الشيخ الطبرسي بإسناده في الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «الروح لا يوصف بثقلٍ ولا خفّةٍ، وهي جسم رقيق اُلبس قالَبا كثيفا، فهي بمنزلة الريح في الزقّ، فإذا نفخت فيه امتلأ الزقّ منها، فلا يزيد في وزن الزقّ، وُلُوجها، ولا ينقصه خروجها، وكذلك الروح ليس لها ثقلٌ ولا وزنٌ». قيل له: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالَبه أم هو باق؟ قال : «بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى، فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها، وذلك أربعمائة سنة تَسْبِتُ فيها الخلق، وذلك بين النفختين» . وقال عليه السلام أيضا : «إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياءٍ وفُسْحَة، وروح المسيء في ضِيقٍ وظلمة ، والبدن يصير ترابا». (3) الحديث . قوله عليه السلام : «فلا حسّ ولا محسوس _ إلى قوله _ : وذلك أربعمائة سنة» ؛ دلالة على بطلان مثل القول بأنّ الزمان مقدار حركة الفلك . ونقل بعض المعاصرين هذا الحديث من الاحتجاج ، وقال : «أمّا إطلاق الجسم على الروح؛ فلأنّ نشأة الملكوت أيضا (4) جسمانيّة من حيث الصورة وإن كانت روحانيّة من جهة المعنى غير مدركة بهذه الحواسّ». انتهى . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم» وذلك لشدّة استعداده للفيضان من المبدأ عليه، ولفضله وشرفه وعزّه بالعلم، فبتواضعه وتذلّله بالخدمة يُفاض عليه ما يليق به، ويتزيّن عزّه وشرفه بالتواضع، ولا يلحقه ذلّ بذلك، بخلاف الجاهل؛ فإنّه لقلّة استعداده أو لسوء استعداده إنّما يُفاض عليه ما يليق به ويناسب استعداده، ولِذُلّه و منقصته بالجهل يكون مناسبا للخدمة، ولا يكون في خدمته تواضع، فلا يزيد به إلّا ذلّاً. فالعالم أحقّ بأن يفعل الخدمة؛ حيث له فيها منافع كثيرة وعزّ وشرف ، والجاهل لا ينتفع بارتكابه ويزيد به ذُلّاً ، إنّما فعل ما هو مناسب لِذُلّه وهو فيه ذلّ ولا عزّ له في ارتكابه وتحمّله. والعالم يعزّ بارتكابه، فهو من هذه الحيثيّة له عزّ. (5) انتهى . الباعث لما يرد في مواضع على بيانه إنّما هو ما يُستشمّ من بنائه بيانه عليه ولا بأس به؛ إذ الفيضان والاستعداد وغيرهما من آلات اُصول الفلاسفة على الإيجاب مع الإيجاب، وعلى الإمكان مع القدرة والاختيار .

.


1- . في «الف»: - «الحديث السادس».
2- . ما بين المعقوفتين لم يرد في «الف».
3- . الاحتجاج ، ج 2 ، ص 96 _ 98.. و عنه في البحار ، ج 10 ، ص 185 _ 186 ، ح 2. والحديث طويل اختار المصنّف بعض منه.
4- . في «الف»: «تصير».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 115 _ 116.

ص: 366

. .

ص: 367

. .

ص: 368

الحديث السابع (1)روى في الكافي عن عليّ، (2) عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عمّن ذكره، عن ابن وهب ، (3) عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ لِلْعَالِمِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ: الْعِلْمَ، وَالْحِلْمَ ، وَالصَّمْتَ، و لِلْمُتَكَلِّفِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ: يُنَازِعُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيَظْلِمُ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ ، وَيُظَاهِرُ الظَّلَمَةَ».

هديّة :(إنّ للعالم) أي من الرعية . (العلم) أي المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه على ما فصّل فيما سبق مرارا. وبيّن (الحلم والصمت) في هديّة الرابع . (بالمعصية) أي بالعقوق والتمرّد، كالحسن البصري من الصوفيّة . (بالغلبة) أي في دولة الباطل، كأبي حنيفة. و «المظاهرة»: المعاونة . قال برهان الفضلاء : «للعالم» أي للعالم الذي يجوز أن يؤخذ عنه علم الدِّين. «العلم» أي العلم بمرتبته عند من هو أعلم منه. و «الحلم والصمت» قد فسّرا في شرح الحديث الأوّل. و «يظاهر الظلمة» أي يعاون ظالمي المخالفين في الإفتاء، والقضاء بالظنّ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله يعني ب «العالم» من استقرّ العلم في قلبه كما سبق. ومن علامات هذا العالم المعرفة الظاهرة و «الحلم والصمت». و ب «المتكلّف»: الذي يدّعي أنّ المعرفة الظاهريّة القوليّة من عقائده المستقرّة الثابتة في قلبه ، ومن علامته: المنازعة لمن فوقه ومن عليه إطاعته، والأخذ عنه بالمعصية، وترك الإطاعة له، والظلم على من دونه بغلبته عليه وإسكاته بالباطل الذي لا يقدر مَن دونه على حلّه والتخلّص عنه، والمظاهرة والمعاونة للظلمة . (4)

.


1- . في «الف»: - «الحديث السابع».
2- . في الكافي المطبوع: «عن عليّ بن إبراهيم».
3- . في الكافي المطبوع: «عن معاوية بن وهب».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 116 _ 117.

ص: 369

. .

ص: 370

باب حقّ العالم

الباب السابع : باب حقّ العالموفيه كما في الكافي حديثٌ واحد .

روى في الكافي عن عليّ بن محمّد بن عبداللّه ، عن أحمد، (1) عن محمّد بن خالد، عن الجعفري، (2) عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ أَنْ لَا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ ، وَلَا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ ، وَإِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ _ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ _ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعا ، وَخُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ ، وَاجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَا تَجْلِسْ خَلْفَهُ ، وَلا تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ ، وَلَا تُشِرْ بِيَدِكَ ، وَلَا تُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ : قَالَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ خِلَافا لِقَوْلِهِ ، وَلَا تَضْجَرْ بِطُولِ صُحْبَتِهِ ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُهَا مَتى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَالْعَالِمُ أَعْظَمُ أَجْرا مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ، الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللّه ِ تبارك وتعالى».

قوله (3) : (أن لا تكثر عليه السؤال) حذرا عمّا يوجب الملال. (ولا تأخذ بثوبه) اجتنابا عن سوء الأدب. و «التحيّة»: الثناء. والمراد ب «الجلوس بين يديه»: الجلوس في مجلسه بحيث لا يحوجه إلى التفات كثير منه عند الخطاب. و ب «الخلف»: ما يقابله. «غمز» بالعين أو الحاجب، كضرب: أشار ، وباليد: نخس. في بعض النسخ: «من قول قال فلان وقال فلان» بلا تعريف «القول» فعلى البدل على الأكثر ، أو بتقدير القول. «ضجر» به ومنه ، كعلم: سأم وقلق ؛ أي لا تظهر الضجر، أو أمرٌ بالنهوض عن المجلس عند وجدان الضجر. و (العالم) المنتفع بعلمه في الدِّين (أعظم أجرا من الصائم) بالنهار (القائم) بالليل (الغازي في سبيل اللّه ) في الجهاد الأكبر دائما ، وفي أصغره عنده . قال برهان الفضلاء : «إنّ من حقّ العالم» أي العالم بالمسائل الدينيّة. «ولا تأخذ بثوبه» أي عند إرادته النهوض من المجلس إلتماسا لتوقفه ساعةً اُخرى. وخصّة بالتحيّة دونهم ؛ أي لا تثن عنده غيره بمثل ثنائه فضلاً عن الأزيد. «من قول قال فلان وقال فلان» على الإضافة. والتمثيل ب «النخلة»: إشارة إلى أنّ كلام العالم من غير سؤال عنه أفضل في جواب سؤال؛ فإنّ ما يسقط من النخلة أنضج وأكمل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يحتمل أن يكون المراد بالإكثار عليه: الإكثار المتضمّن للضرّ، (4) بأن يكثر لينفد ما عنده، أو ليظهر (5) خطأه أو عجزه. ويحتمل أن يكون المراد بالإكثار عليه: الزيادة على القدر الذي يعمل به، أو يحفظه ويضبطه. ويحتمل أن يكون الظرف متعلّقا بالسؤال، ويكون المراد بالسؤال عليه الإيراد والردّ عليه. أو يراد ب «على» مفادها ، ويراد به السؤال منه، كما في الاحتمال الثاني. وفي كلّ منها ترك رعاية حقّ العالم وتعظيمه وتوقيره. [والمراد ب «الجلوس بين يديه»: الجلوس حيث يواجهه ، ولا يحتاج في الخطاب والمواجهة إلى انصراف إلى جانب السائل. والمراد ب «الجلوس خلفه»: ما يكون بخلاف ذلك ، فيحتاج في التوجّه و الخطاب إلى الانصراف نحوَه. والمراد ب «الغمز بالعين»: الإشارة بها.] (6) وفي كلّ من الغمز بالعين والإشارة باليد والإكثار من نقل قول القائلين بخلاف قوله ترك التعظيم والإجلال للعالم الذي من حقّه أن يعظّم ويُبجّل. «ولا تضجر لطول صحبته»؛ (7) فإنّ في طول صحبته انتفاعا ونيلاً للمطلوب عاجلاً وآجلاً. (8) فكما أنّ في كسر النخلة أو قطعها تفويتا أكثر ممّا يتوقّع من الانتفاع به بسقوط شيء منها، كذلك في حطّ مرتبة العالم والاستخفاف به تفويت أعظم ممّا يتوقّع حصوله بالسؤال عنه. «والعالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه » ؛ لأنّ الصائم يكون صومه مكفّا لنفسه عمّا اُمر بالكفّ عنه، ولا يوجب كفّ أحد في الصوم كفّ آخر ، وكذا إقامة الصلاة. والعالم يكفّ نفسه عن الاعتقادات الباطلة بالدلائل القاطعة، ويُقيم الاعتقادات الحقّة بالبراهين القاطعة (9) الواضحة. وهذه الدلائل والبراهين توجب كفّ كلّ نفس عن الآراء الباطلة، وقيام كلّ على المذاهب الحقّة. وكذا الغازي في سبيل اللّه يدفع طغيان أهل الكفر والضلال، الذين (10) يجاهدهم ويسعى في إزالة باطلهم، فيقاتلهم حتّى يقرّوا بالحقّ أو يعملوا بالذمّة. والعالم يدفع الشُّبه الموجبة للكفر والضلال، ويسعى في إزالتها، فيهتدي به (11) بذلك كلّ من وصل إليه واستمعه (12) ونظر بعين الإنصاف ، فلهذا صار العالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل اللّه جلَّ جلاله . (13) باب فقد العلماء الباب الثامن باب فقد العلماء وأحاديثه كما في الكافي ستّة:

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».
2- . في الكافي المطبوع: «عن سليمان بن جعفرٍ الجعفري».
3- . في «ب» و «ج»: «هدية».
4- . في المصدر: «للضرر».
5- . كذا في المصدر، وفي الأصل: «ليظهره».
6- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
7- . في المصدر هنا إضافة تركها المصنّف ، أو اُسقطت من المخطوطة.
8- . في المصدرهنا إضافة تركها المصنّف ، أو اُسقطت من المخطوطة.
9- . في المصدر: «القطعيّة» بدل «القاطعة».
10- . في «ب» و «ج»: «للدين».
11- . في المصدر: - «به».
12- . فيالمصدر: «وسمعه».
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 117 _ 119.

ص: 371

. .

ص: 372

. .

ص: 373

باب فقد العلماء

الحديث الأوّل (1)روى في الكافي عن العدّة، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ».

هديّة :(فقيه) أي عالم عامل من علماء الدِّين. ورواه الصدوق رحمه الله في الفقيه بدون «من المؤمنين» وذلك؛ لأنّ الفقيه أعلم بأعظم المهلكات المحفوفة بالمنجيات، وهو التصوّف، وهو أخفى المهلكات عند الجهلاء وأظهر عند العلماء ، ولا ينجي بالواسطة إلّا الخبير الناجي .

الحديث الثاني (2)روى في الكافي عن الثلاثة، (3) عن بعض أصحابه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال :«إذا مات المؤمن الفقيه ثُلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء» .

(ثلمة) كضرب، فانثلم. وتثلّم وثلّمه تثليما، شدّد للكثرة. وثلم السيف _ بالفتح _ وثلم الوادي _ بالتحريك _ والثّلمة _ بالضمّ _ : الخلل في الحائط ونحوه. شبّه الإسلام بالمدينة ، وعلماءه الموصوفون بحصنها أو بحصونها . و «ثلمة» نصب على المصدرية ، فلعلّ معنى (لا يسدّها شيء) : لا يسدّها إلّا مثله ؛ للقرينة الدقيقة في الخامس . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ثلم» على المجهول من باب ضرب ، أو التفعيل . «ثلمة» بالضمّ نصب مفعول مطلق ، كأنبتُّه نباتا . والظرف نائب الفاعل، أو فاعل للمبالغة. وبيان «لا يسدّها شيء» يجيء في الحديث التالي . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لا يسدّها شيء»؛ لأنّ الفقهاء الموجودين في كلّ وقت كلّ منهم كحصن الإسلام (4) في ذلك العصر، فإذا مات ثلم ثلمة لا يسدّها شيء ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من الموجودين حين وفاته كحصن آخر فلا يسدّ هذه الثّلمة التي بزوال هذا الحصن به، وإذا قيل (5) بحصول كمال لآخر عند موته فيصير به ذلك الحصن أشدّ استحكاما . (6)

.


1- . في «الف»: - «الحديث الأوّل».
2- . في «الف»: - «الحديث الثاني».
3- . يعني: «عليّ بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
4- . في المصدر: «للإسلام».
5- . في «ب» و «ج»: «قبل».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 119 _ 120.

ص: 374

الحديث الثالثروى في الكافي عن محمّد، عن أحمد، عن السّراد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عليهماالسلام يَقُولُ :«إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ ، بَكَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَبِقَاعُ الْأَرْضِ ، الَّتِي كَانَ يَعْبُدُ اللّه َ عَلَيْهَا ، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ ، الَّتِي كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأَعْمَالِهِ ، وَثُلِمَ فِي الْاءِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الْاءِسْلَامِ كَحِصْنِ سُورِ الْمَدِينَةِ لَهَا» .

.


1- . السند فى الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 375

هديّة :المراد ب «المؤمن» هنا : المؤمن الفقيه ؛ للتصريح به في سابقه ، أو الأعمّ ، ولا ينافيه لفظة «الفقهاء» في الجملة التعليليّة ؛ لأنّها إمّا للإشارة إلى أنّ كلّ مؤمن فقيه بعلمه بضروريّات الدِّين التي ظهرت للأسماع في السنّة القائمة إلى يوم القيام كالشمس في رابعة النهار لجميع الأنظار، أنظار المؤمنين والكفّار ، أو لبيان أنّ المؤمن الفقيه كالحصن ، وغيره من المؤمنين كعمارة العمارة وأسباب البناء . وأورد ثقة الإسلام طاب ثراه هذا الحديث بإسناد آخر في كتاب الجنائز في باب نوادر الجنائز بدون لفظة «الفقهاء» . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «المؤمن» هنا بمعنى المؤمن الفقيه ، كما في سابقه . و «الحصون» استعيرت للحَفَظَة . والإضافة في «حصون الإسلام» لاميّة. «كحصن» خبر مبتدأ محذوف، بتقدير: «كلّ واحد» لبيان وجه الشّبه في الاستعارة . وإضافة «الحصن» إلى «السور» بيانيّة ، واحترازٌ عن المعنى المجازي للحصن . والمراد تشبيه كلّ واحد من الفقهاء بالسور . ويجيء هذا الحديث في آخر أبواب كتاب الجنائز بسندٍ آخر ، وهناك «كحصون» مكان «كحصن» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بكت عليه الملائكة» أي الملائكة الموكّلون بالناس وبأعمالهم ، أو الملائكة كلّهم . «وبقاع الأرض التي كان يعبد اللّه » أي هذا المؤمن «عليها» إن كان البناء للفاعل. ويحتمل البناء للمفعول ، أي كلّ بقعة توقع عبادة اللّه عليها . والمراد أهل تلك البقاع، من الملائكة والأرواح والناس العابدين للّه . ولعلّ المراد ب «أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله» : ما يوصل الأعمال إلى مقرّها من العِلويّات، ويكون وسيلة لوصولها ودخولها وانضباطها فيها، مَلِكا كان أو روحا أو نفوسا كاملة شريفة قدسيّة أو قوّة أو نفسا علويّة . ويحتمل أن يكون المراد بها مواضع مخصوصةً من الفلك، ويكون المراد بكاء الموكّلين على هذه المواضع من الأرواح والملائكة . وبالجملة: يُراد بالبكاء الحزن الموجب لجري الدموع فينا، سواء كان هناك مع الحزن جري دموع أو لا . «حصون الإسلام» أي الحافظون له بحفظ العقائد الصحيحة والشريعة القويمة، المانعون عنه بالمنع عن دخول الشُّبه والأباطيل والبدع فيه . (1) انتهى . قيل في بيانه رحمه الله أشياء: منها: أنّ بيانه لأبواب السماء لا يوافق بيانه للحصون، ومن ضروريّات الدِّين الاعتقاد بالمعراج الجسماني من الأبواب المفتّحة له صلى الله عليه و آله وجسمانيّة البُراق، والإمامة ليلة المعراج لجميع المقرّبين عند سدرة المنتهى بالبدن الجسمانيّ، واللّه الذي على كلّ شيءٍ قدير، وجاعل الملائكة اُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ويزيد في الخلق ما يشاء . (2) إنّ حديث زغب رياش الملائكة (3) وأمثاله من محكمات السنّة . والإتيان بالمتشابهات في الأخبار عن ضروريّات الدِّين ليس من أفعال الحكيم تعالى شأنه وعظم سلطانه .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 120 _ 121.
2- . اقتباس من الآية 1 ، فاطر (35).
3- . راجع: الكافي ، ج1 ، ص 393 ، باب أنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم و... ، ج 3؛ بحار الأنوار ، ج 18 ، ص 319 _ 332 ، ج 34.

ص: 376

الحديث الرابعروى في الكافي، وقال : وَعَنْهُ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَبَّ إِلى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ فَقِيهٍ» .

هديّة :بيانه كمثله، وهو الأوّل .

.

ص: 377

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ ابْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنْ عَمِّهِ (1) ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِنَّ أَبِي عليه السلام كَانَ يَقُولُ : إِنَّ اللّه َ _ تبارك و تعالى _ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بَعْدَ مَا يُهْبِطُهُ ، وَلكِنْ يَمُوتُ الْعَالِمُ ، فَيَذْهَبُ بِمَا يَعْلَمُ ، (فتأمّهم) فَتَلِيهِمُ الْجُفَاةُ ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ ، وَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ» .

هديّة :يعني علم اُصول الدِّين من لدن آدم عليه السلام إلى انقراض زمان التكليف، وأهله من الحجّة المعصوم وشيعته سلسلة نورانيّة ممتدّة من أوّل الدنيا إلى آخرها، لن تخلو الدنيا ما دامت منها إلّا أنّ عالما من علمائه يقضي نَحْبه أو يغيب بإذن اللّه . والمراد ب «العالم»: الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . «وليه» صار واليا له، وتناوله بقصد التملّك من الولاية. في القاموس : الولاية بالكسر والفتح لها معان، أو بالفتح مصدر، وبالكسر الخُطّة والإمارة والسلطان. (2) وفي بعض النسخ «فتأمّهم» من الإمامة مكان «فتليهم». وضمير الجمع عليهما للناس أو العباد. و (الجفاة): جمع الجافي من الجَفاء، وهو الظّلم، والغِلَظُ في المعاشرة ، والخُرق في المعاملة ملّة في شيء من المحكم والمتشابه (أصل) أي مأخذ عن الحجّة المعصوم . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «لا يقبض» على المعلوم من باب ضرب. و «العلم» نصب ومفعول به، وهو عبارة عن الآيات البيّنات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عند كلّ مشتبه محتاج إليه. و «ما» في الموضعين مصدريّة. و «العالم» عبارة عن العالم بتلك المحكمات. والمراد بموته أنّ به يضعف الباقون ويقلّون، كقلّتهم وضعفهم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على التدريج حتّى انتهى إلى غيبة الإمام عليه السلام . و «الباء» في «بما» للتعدية، أو للمصاحبة. «فتأمّهم» بالهمز وتشديد الميم، والضمير ل «الناس» المفهوم سياقا «ولا خير في شيء ليس له أصل» يعني من لم يكن له مستند في الأقوال والأفعال من المحكمات فهو ضالّ مضلّ، كما هو شأن مخالفينا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني لا يقبض العلم من بين الناس بعد هبوطه، (3) بل يبقى فيهم، ويكون فيه من يعلّم، (4) ولكن يموت العالم «فيذهب بما يعلم» أي بعلمه الذي كان له. «فتأمّهم الجفاة» أي تأخذهم تابعين مطيعين مقرّين بإمامتهم. وفي بعض النسخ: «فتليهم الجُفاة» أي تملك التصرّف في اُمورهم . (5)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن عمّه يعقوب بن سالم».
2- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 1732 (ولي).
3- . في المصدر: + «و إنزاله».
4- . في المصدر: «يعلّمه».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 121 _ 122.

ص: 378

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ العِدَّةٌ عَنْ أَحْمَدَ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلاميَقُولُ : إِنَّهُ يُسَخِّي نَفْسِي فِي سُرْعَةِ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فِينَا قَوْلُ اللّه ِ تعالى «أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» وَهُوَ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ» .

هديّة :«السخاء» و «السخاوة»: الجود . يُقال: منه سخا يسخو كدعا يدعو ، أو سخي يسخى كرضي يرضى . وسخو يسخو _ من باب حسن _ سخاوة: (2) صار سخيّا وجاد، وأسخاه غيره. يعني (أنّه يسخّي نفسي) فيما ذكر تعظيم اللّه العلماء وتكريمه إيّاهم بنسبة الإتيان إلى نفسه سبحانه، ف «نفسي» نصب على المفعوليّة . و «قول اللّه تعالى» رفع على الفاعليّة . والآية في سورة الرعد . (3) ولعلّ المراد بنقصان الأرض من أطرافها: خلوّها من نور العلم ؛ أي خلوّ بعض أطرافها؛ لمكان «من» وشرف المكان بالمكين . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «من أطرافها» أي من نفائسها، جمع طريف ، بمعنى النفيس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : وفي بعض النسخ: «يسخّي» من باب التفعيل. وفي بعضها: «تسخى من المجرّد» . وعلى الاُولى: فاعله «قول اللّه » ومفعوله «نفسي» و «فينا» متعلّق ب «سرعة الموت والقتل» . وعلى الثانية: فاعلها «نفسي» و «فينا» خبر لقوله: «قول اللّه » . (4) وقال بعض المعاصرين : إنّما عبّر عن العلماء بنهايات الأرض؛ لأنّ غاية الحركات الأرضيّة، ونهاية الكمالات المرتّبة عليها من لدن حصول المعادن منها، ثمّ النباتات، ثمّ الحيوانات إلى الوصول إلى الدرجة الإنسانيّة وما فوقها، إنّما هو وجود العلم والعلماء ، فالأرض والأرضيّات بهم تنتهي إلى سماء العلم والعقل، فهم بمنزلة نهاياتها . (5) انتهى .

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد».
2- . في «الف»: «سخاؤه».
3- . الرعد (13): 41.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122.
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 150.

ص: 379

. .

ص: 380

باب مجالسة العلماء ومصاحبتهم

الباب التاسع : بَابُ مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَمصاحبتهم (1)وأحاديثه كما في الكافي خمسة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ، (2) رَفَعَهُ ، قَالَ :«قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ ، اخْتَرِ الْمَجَالِسَ عَلى عَيْنِكَ ، فَإِنْ رَأَيْتَ قَوْما يَذْكُرُونَ اللّه َ جَلَّ وَعَزَّ ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ ؛ فَإِنْ تَكُنْ عَالِما ، نَفَعَكَ عِلْمُكَ ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلاً ، عَلَّمُوكَ ، وَلَعَلَّ اللّه َ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِرَحْمَتِهِ ؛ فَتَعُمَّكَ مَعَهُمْ ، وَإِذَا رَأَيْتَ قَوْما لَا يَذْكُرُونَ اللّه َ ، فَلَا تَجْلِسْ مَعَهُمْ ؛ فَإِنْ تَكُنْ عَالِما ، لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ ، وَإِنْ كُنْتَ جَاهِلاً ، يَزِيدُوكَ جَهْلاً ، وَلَعَلَّ اللّه َ أَنْ يُظِلَّهُمْ بِعُقُوبَةٍ ؛ فَتَعُمَّكَ مَعَهُمْ» .

هديّة :(على عينك) لعلّ المراد على بصيرتك؛ لما لا يخفى . (يذكرون اللّه ) أي يكون مبنى مذاكرتهم ومكالمتهم بما أخذ عن الحجّة المعصوم الممتنع خلوّ الدنيا عنه . (نفعك علمك) من وجوه. (علّموك) ما نفعك . قال برهان الفضلاء : «اختر» من الاختيار بمعنى التفضيل والترجيح . و «المَجالس» بفتح الميم: جمع المُجالس بضمّ الميم، أي المصاحب، كما قيل في قوله تعالى في سورة الأنعام : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ» (3) ، إنّ المَفاتح هنا جمع المُفاتح. والمراد الحجج المعصومون، يعني أنّهم لا يعلمون الغيب ولكنّهم هم مفاتحوه بإذن اللّه . و «الذِّكر» عبارة عن الخوف من عذاب اللّه بالتوفيق بين الفعل والقول بالعمل بمحكمات الكتاب التي ناهية في كلّ شريعة عن اتّباع الظنّ في المتشابهات، آمرة بسؤال أهل الذِّكر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «على عينك» أي على بصيرة منك ومعرفة لك بحالها، ثمّ بيّن معرفة خيرها من شرّها بقوله : «فإن رأيت قوما يذكرون اللّه ». «أن يظلّهم». أي يغشيهم . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «صحبتهم».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بنُ إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس رفعه».
3- . الأنعام (6) : 59 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 122.

ص: 381

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَمُحَمَّدٌ، عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا ، عَنِ السّراد ، عَنْ دُرُسْتَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ (1) ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليهماالسلام ، قَالَ :«مُحَادَثَةُ الْعَالِمِ عَلَى الْمَزَابِلِ خَيْرٌ مِنْ مُحَادَثَةِ الْجَاهِلِ عَلَى الزَّرَابِيِّ» .

هديّة :أي العالم العاقل عن اللّه ابتداءً أو بواسطة أو بوسائط . و (الزّرابيّ): جمع «زربيّ» بتثليث الزّاي. قيل هي بسط عراض فاخرة . وقيل هي الطّنافس التي لها خمل رقيق . وقيل هي النمارق، والنمرقة واحدة النُمْرُق، كهدهد: الوسادة . (2) قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الزّرابيّ» من النبت: ما اصفرّ أو احمرّ وفيه خُضْرة. ويُطلق على البُسُط الملوّنة بالألوان تشبيها لها بالزرابي من النبت . أو المراد بها النمارق، والنمرقة: الوسادة . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه؛ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن درست بن أبي منصور ، عن إبراهيم بن عبدالحميد».
2- . راجع: الوافي ، ج 1 ، ص 176؛ لسان العرب ، ج 1 ، ص 477 (زرب).
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123.

ص: 382

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (1) ، عَنْ شَرِيفِ بْنِ سَابِقٍ ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ صلّى اللّه عليه و آله ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : قَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسى : يَا رُوحَ اللّه ِ ، مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ : مَنْ تُذَكِّرُكُمُ اللّه َ رُؤْيَتُهُ ، وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْاخِرَةِ عَمَلُهُ» .

هديّة :يعني جالسوا من تكونون قاطعين بإيمانه وعلمه وعمله به، فيذكّركم اللّه رؤيته وينفعكم علمه وعمله . قال برهان الفضلاء : «من تذكّركم» من التفعيل، أي تنذركم من عذاب اللّه رؤيته، ويزيد في معرفتكم كلامه ، ويحرّصكم في ثواب الآخرة طاعته .

الحديث الرابعروى في الكافي، بإسناده عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ» .

هديّة :يعني المطيعين للحجّة المعصوم المفترض الطاعة على ما اُمروا؛ فإنّ رؤيتهم ذكر، وكذا مجالستهم والمكالمة معهم، ومجالسهم مجالس الذِّكر . وهل الذِّكر إلّا كلّ طاعة صحيحة شرعا، وكلّ أمر فيه للّه سبحانه رضىً ؟ وقد روى الصدوق رحمه الله في الفقيه في باب نوادر الكتاب بإسناده، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «بادروا إلى رياض الجنّة» ، قالوا : يارسول اللّه ، وما رياض الجنّة؟ قال : «حَلَق الذِّكر»، (2) يعني مجالس العلماء من أهل الدِّين . قال برهان الفضلاء : «مجالسة أهل الدِّين» يعني العلماء بالمسائل الدينيّة العاملين بعلمهم» .

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمدبن محمّد بن البرقي».
2- . الفقيه ، ج 4 ، ص 409 ، ح 5888. و رواه مسندا في الأمالي ، ص 444 ، ح 592 ؛ و معاني الأخبار ، ص 321 ، باب معنى قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «بادروا إلى رياض الجنّة» ، ح 1. بحارالأنوار ، ج 1 ، ص 202 ، ح 12.

ص: 383

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ الْمِنْقَرِيِّ (2) ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«لَمَجْلِسٌ أَجْلِسُهُ إِلى مَنْ أَثِقُ بِهِ أَوْثَقُ فِي نَفْسِي مِنْ عَمَلِ سَنَةٍ» .

هديّة :(مسعر) كمنبر، و (كدام) قيل: ككتاب . وقيل كغراب . وقيل كشدّاد . كدمه كضرب ، ونصر: عضّه بأدنى فمه أو أثّر فيه بحديدة، القاموس ، (3) وكغراب: أصل المرعى، والرجل الشيخ، وموضع باليمن، وككتاب، وزبير، ومعظم أسماء. «إلى من أثق به» هل وثوق قطعيّ بلا اشتباه إلى مخلوق لا يكون حجّة معصوما عاقلاً عن اللّه ، ولا مؤمنا عدلاً عاقلاً عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بواسطة ؟ قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «المجلس» هنا مصدر ميميّ، يعني لجلوس أفعله كجلوسي إلى من أثق به من علماء علم الدِّين بتركه تبعيّة الظنّ في الأحكام المشتبهة . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «مسعر» بكسر الميم وفتح العين بين السين الساكنة والراء غير المعجمات، وقد يفتح ميمه تفاؤلاً. و «كدام» بالكاف المكسورة والدال الغير المعجمة . و «مسعر» شيخ السفيانين: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة . «لمجلس أجلسه إلى مَن أثق به» يحتمل أن يكون المجلس مصدرا ميميّا، ويكون المنصوب في «أجلسه» في موضع المفعول المطلق . ويحتمل أن يكون اسم مكان، وتقدير الكلام: أجلس فيه. و «إلى» بمعنى «مع» ؛ أي مع من أثق به، كما في «إلى المرافق» . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم».
2- . في الكافي المطبوع: «سليمان بن داود المنقري».
3- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 1518 (كدم).
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 123 _ 124.

ص: 384

. .

ص: 385

باب سؤال العالم وتذاكره

الباب العاشر : بَابُ سُؤَالِ الْعَالِمِ وَتَذَاكُرِهِوأحاديثه كما في الكافي عشرة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَن الثلاثة ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ مَجْدُورٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ ، فَغَسَّلُوهُ ، فَمَاتَ ، قَالَ :«قَتَلُوهُ ، أَلَا سَأَلُوا ؛ فَإِنَّ دَوَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ» .

هديّة :الإضافة الاُولى في العنوان إلى المفعول به، والمضاف إليه الثاني للأوّل، فالاشتراك بحسب تذكير المسألة من السائل وتذكير حكمها من العالم، أو للعلم المفهوم من العالم . و «المجدور» من الجدري بفتحتين وبضمّ الجيم : داءٌ معروف. وإنّما قتلوه؛ لأنّ فرضه التيمّم، فالمفتي ضامن كالمباشر . و (العيّ) بكسر المهملة وتشديد الخاتمة: الجهل، والعجز عن البيان . قال برهان الفضلاء : اُضيف السؤال في العنوان إلى المفعول به، والضمير في تذاكره للعلم المفهوم من العالم. و «ألّا» بفتح الهمزة والتشديد: حرف التنديم. و «العيّ» بالكسر والتشديد مصدر المعتلّ العين اليائيّ، ومعتلّ اللّام اليائي، من باب علم: عجز البيان . والمراد هنا عدم العلم بالأحكام . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ألا» حرف تخصيص . و «العيّ» بكسر العين المهملة: أن لا يهتدي بوجه المراد ويعجز عنه . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124.

ص: 386

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدٍ وَ الْعِجْلِيِّ (1) ، قَالُوا : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام لِحُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ فِي شَيْءٍ سَأَلَهُ :«إِنَّمَا يَهْلِكُ النَّاسُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْأَلُونَ» .

هديّة :يعني عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو عن الثقة العاقل عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة الموصوفة . والخبر ردّ على مدّعي الكشف بالرياضة . قال برهان الفضلاء : يعني لأنّهم لا يسألون عن العالم بالمسائل الدينيّة ويتّبعون الظنّ .

الحديث الثالثروى في الكافي عَن عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلٍ ، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ ، عَنْ الْقَدَّاحِ (2) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«إِنَّ هذَا الْعِلْمَ عَلَيْهِ قُفْلٌ ، وَمِفْتَاحُهُ الْمَسْأَلَةُ» .

هديّة :أي العلم الذي لا يحصل لأحد من الرعيّة إلّا بالأخذ عن الحجّة المعصوم المحصور عدده في الأوّلين والآخرين . والتنوين في (قفل) للتعظيم؛ إشارةً إلى أنّ مفاتيح خزائنه الأصليّة إنّما هي في أيدي الحجج المعصومين عليهم السلام . قال برهان الفضلاء : «إنّ هذا العلم» يعني علم المسائل الدينيّة التي يجري الاختلاف فيها وفي دليلها من دون مكابرة . والمراد من قوله عليه السلام : «ومفتاحه المسألة»: أنّه لا يحصل لأحد بالفكر والرياضة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «عليه قفل» تصريح بأنّ علم الحلال والحرام مخزون عند أهل البيت عليهم السلام ويجب سؤالهم في كلّ ما يُحتاج إليه . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أي العلم الذي هو العلم حقيقةً» . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريزٍ ، عن زرارة و محمّد بن مسلمٍ و بُريد العجلي».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ ، عن جعفر بن محمّدٍ الأشعري ، عن عبداللّه بنِ ميمون القدّاح».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 93.
4- . لم أجده في حاشيته على اُصول الكافي.

ص: 387

الحديث الرابعروى في الكافي ، عن عليّ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ مؤمن الطاق ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لَا يَسَعُ النَّاسَ حَتّى يَسْأَلُوا ، وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ ، وَيَسَعُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِمَا يَقُولُ وَإِنْ كَانَ تَقِيَّةً» .

هديّة :يعني لا رخصة من النبيّ صلى الله عليه و آله لمَن أقرَّ بالرسالة أن يأخذ العلم بأحكام الدِّين اُصوله وفروعه إلّا بالسؤال عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو عمّن عقل عن العاقل الموصوف ابتداءً أو بالواسطة على الوجه الصحيح. والتّفقّه بذلك ومعرفة الإمام المعصوم الذي لابدّ من وجوده في هذا النظام العظيم لحِكَمٍ شتّى بأنّ المأخذ إنّما هو قوله وفعله. ولهم رخصة في الأخذ بما عنه، إن كان ما عنه على التقيّة . ونسخة: «وإن كانت تقيّة» بالتأنيث والرفع _ كما ضبط بعض المعاصرين _ بمعنى «وإن كانت تقيّة باعثة» تكاد أن تكون غلطا . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد بالسؤال هنا: سؤال الناس بعضهم بعضا آخر عن حدود ما أنزل اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله و ب «التّفقّه» معرفة تلك الحدود بالسؤال. وذلك إشارة إلى آية سورة التوبة «فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ» (2) الآية . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ويسعهم أن يأخذوا» أي قولاً واعتقادا وعملاً في كلّ زمان. «بما يقول» ؛ أي في ذلك الزمان وإن كان تقيّةً؛ فإنّ ما يقوله الإمام تقيّةً يسع السائل أن يعتقده ويقول به إذا لم يتنبّه للتقيّة ، وأمّا العمل به والأمر بالعمل به مع التنبّه للتقيّة أيضا لازم عند التقيّة . (3)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن أبي جعفر الأحول».
2- . التوبة (9): 122.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 124.

ص: 388

الحديث الخامسروى في الكافي ، عن عَلِيٍّ ، عَنْ العبيدى (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : أُفٍّ لِرَجُلٍ لَا يُفَرِّغُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِأَمْرِ دِينِهِ ؛ فَيَتَعَاهَدَهُ وَيَسْأَلَ عَنْ دِينِهِ» .

هديّة :(أفّ) كلمة تَكَرُّهٍ . قال في القاموس: ولغاتها أربعون . (2) والمراد تفريغ النفس من شواغل الدنيا في كلّ اُسبوع يوما لا أقلّ . ولعلّ هذا في صدر الإسلام للمشتغلين بتحصيل وجه المعاش ؛ فإنّ وجوب طلب العلم على كلّ مسلم يجمع دائما كلّ يوم مع كلّ شغل وصنعةٍ . واحتمال عطف «يسأل» على «يفرّغ» غير بعيد . فالمعنى: أُفٍّ لرجلٍ مسلمٍ لا يتعاهد أمر دينه في كلّ جمعة بكثرة العبادة والإكثار من الاستغفار ، وأفّ لرجل مسلم يترك السؤال عن دينه بعدم المبالاة وقلّة التنبّه ليوم المكافأة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «لا يفرّغ نفسه» أي من شغل الدنيا في كلّ يوم جمعة، أو في كلّ اُسبوع يوما لعمدة أمر آخرته؛ ليصير عارفا بها، ويسأل عمّا يُحتاج إليه في دينه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «اُفّ» كلمة ضجر . «لا يفرغ» إمّا من المجرّد، أي لا يقصد نفسه كلّ جمعة أمر دينه ، وإمّا من المزيد، أي لا يجعل نفسه قاصدا لأمر دينه. وتعاهد الشيء: تفقّده، وإحداث العهد بالشيء ولقاؤه . والمراد بالفراغ لأمر الدِّين: ترك الاشتغال بالاُمور الدنيويّة للتوجّه إلى العبادة والاشتغال بالاُمور الدينيّة والاُخرويّة . والمراد بتعاهده: طلب ما يفقده منه، وإحداث العهد به ولقاؤه، لا التحفّظ وتجديد الحفاظ؛ لأنّ الشائع المتعارف في التعبير عن التحفّظ، التعهّد لا التعاهد ، ولذا يُقال : «تعهّدت الضيعة» أفصح من «تعاهدت الضيعة» وإن كان قد يستعمل كلّ منهما في المعنى الشائع من الآخر . وبالجملة، فالمعنى الشائع في التفاعل تشارك الفاعلين، ثمّ ما يكون بين الاثنين كالمفاعلة . وقد يستعمل لمعانٍ اُخر، وتلك المعاني الغير المتعارفة بالنسبة إلى ذلك الباب ربّما يكون متعارَفا في مادّة خاصّة، فلا يضرّ عدم التعارف بالنسبة إلى الباب حينئذٍ . وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل ؛ فإنّ التحفّظ هنا ليس من الأوّل ولا من الثاني، ولم يتعارف استعمال التعاهد فيه، إنّما شاع استعمال التعهّد فيه، فلا تغفل (3) . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن عيسى».
2- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 117 (أفّ).
3- . في المصدر: - «فلا تفعل».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 125 _ 126.

ص: 389

. .

ص: 390

الحديث السادسروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .

هديّة :يعني مكان «لرجل». في باب أعداد أحاديث الأبواب اُسوتي في الأكثر ببرهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى .

الحديث السابعروى في الكافي عن الثلاثة ، (1) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ اللّه َ _ تبارك و تعالى _ يَقُولُ : تَذَاكُرُ الْعِلْمِ بَيْنَ عِبَادِي مِمَّا تَحْيَا عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الْمَيْتَةُ إِذَا هُمُ انْتَهَوْا فِيهِ إِلى أَمْرِي» .

هديّة :في بعض النسخ: «تذاكر العالم» فلعلّ المعنى: المذاكرة بين العباد بنقل أقوال العلماء وأفعالهم للاستناد والاستشهاد إنّما هي ممّا تحيا به القلوب الميتة ميتة الجهل وعدم المعرفة، بشرط انتهائهم في ذلك التذاكر إلى حجّة معصوم عاقل عن اللّه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد بتذاكر العلم: مذاكرة المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر ، ألا ترى أنّ كلّ فرقة تشنّع على سائرها من الفرق بأنّ مذاهبكم من الظنّ من عندكم ليست من عند اللّه . «إذا هم انتهوا فيه إلى أمري» أي في ذلك التذاكر إلى تسليم أمر الإمامة، والإقرار بوجوب معرفة الإمام في كلّ زمان؛ لئلّا يوجب اتّباع الظنّ، والتأويل الغلط، والتخصيص الفاسد؛ وألّا يكون أمر الجهل كما كان . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي تذاكر العباد وتشاركهم في ذكر العلم، بأن يذكر كلّ للآخر شيئا من العلم، ويتكلّموا فيه ممّا تحيا القلوب الميّتة حال كونها ثابتة عليه. و «تحيا» يحتمل أن يكون من المجرّد، وأن يكون من المزيد المجهول من باب الإفعال. وذلك الإحياء، أو الحياة بحصول العلم الذي هو حياة قلب البصير ، أو بتذكّره، لكن لا يكون العلم حياة القلب إلّا إذا كان علما مستقرّا تُحفظ به النفس عن متابعة الهوى، ويؤدّي إلى الإطاعة والانقياد لأمره سبحانه ، ولذا قيّده بقوله : «إذا هم انتهوا فيه إلى أمري» أي إذا وصلوا في التذكّر إلى أمري ولم يتجاوزوه ، والوصول إلى الأمر وعدم التجاوز عنه عبارة عن إطاعة الأمر والانقياد له . هذا إن كان المراد بالأمر خطاب الإيجاب . ويحتمل أن يكون «الأمر» واحد «الاُمور» . يُقال : أمر فلان يستقيم، (2) واُموره مستقيمة. وأن يكون أمره عبارة عن الروح الذي كان مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام ؛ قال اللّه تعالى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا» (3) . فعلى الأوّل يكون المراد بالانتهاء إلى أمره، الوصول إلى صفاته وأسمائه بالمعرفة ، وإلى أوامره ونواهيه بالمعرفة والإطاعة والانقياد . وعلى الثاني يكون الانتهاء في التذاكر إلى أمره عبارة عن استناد ما يتذاكرونه من العلوم الدينيّة وانتهاء أخذه إليهم عليهم السلام . (4)

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
2- . في المصدر: «مستقيم».
3- . الشورى (42): 52.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 126 _ 127.

ص: 391

الحديث الثامنروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«رَحِمَ اللّه ُ عَبْدا أَحْيَا الْعِلْمَ» قَالَ : قُلْتُ : وَمَا إِحْيَاؤُهُ؟ قَالَ : «أَنْ يُذَاكِرَ بِهِ أَهْلَ الدِّينِ وَأَهْلَ الْوَرَعِ» .

هديّة :(أن يذاكر) إمّا على المعلوم من المفاعلة على الغيبة أو الخطاب، أو المجهول الغائب منها ، أو الخطاب المعلوم من التفاعل بحذف إحدى التائين ، وعلى التقادير بتأويل المصدر ، ف «أهل» يرفع ويُنصب . (أهل الدِّين) يعني أهل الطريق المستقيم . (وأهل الورع) أي المحبّين للتحلّي بالورع عن المحرّمات . أو ذكر أهل الورع للإشارة إلى عدم الاعتداد بشأن غير العدول من أهل الدِّين . قال برهان الفضلاء : يعني قال عليه السلام : إحياء العلم بمعنى إنمائه: هو المذاكرة به مع الذين نظرهم في الآخرة والمتورّعين من الذنوب؛ لئلّا ينسى فيحفظ ويكثر العلماء . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قال: أن يذاكر به أهل الدِّين وأهل الورع» يحتمل أن يكون المراد ذكره لهم وحده، أو مع ذكرهم العلم له . والمراد بإحياء العلم: جعله محفوظا بين الناس، سواء كان إحداثا للحفظ وتجديدا له: أو إبقاءً وتثبيتا؛ فإنّ الإبقاء لِما في معرض الزوال والفناء يُقال له: الإحياء ؛ قال اللّه تعالى : «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا» . (2) والتخصيص بأهل الدِّين، وأهل الورع؛ لكون غيرهم مظنّة أن يغيّروه ويفسدوه، فلا يوجب الذّكر والنقل لهم أو عنهم حفظا، فلا يكون فيه إحياء . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . المائدة (5): 32.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 127.

ص: 392

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ الْحَجَّالِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله :«تَذَاكَرُوا وَتَلَاقَوْا وَتَحَدَّثُوا ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جِلَاءٌ لِلْقُلُوبِ ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ، جلاؤه الحديد» . (1)

.


1- . في الكافي المطبوع: «و جلاؤُها الحديث».

ص: 393

هديّة :(تذاكروا) أي علم الدِّين. (وتلاقوا) ولا تعتزلوا بالعزلة المبتدعة في رهبانيّة التصوّف . (وتحدّثوا) على التفعّل، بمعنى التفاعل، للمبالغة. (فإنّ الحديث) أي مذاكرة أحاديث الحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم. و «الجلاء» بالكسر والمدّ ويفتح مصدر جلوت السيف: صقلته . وهنا بمعنى الفاعل مبالغة . (لترين) على المعلوم من باب باع، من الرين _ بالفتح _ بمعنى الطبع والدّنس ، القاموس: ران ذَنْبُه على قلبه رَيْنا و رُيُونا: غلب. وكلّ ما غلبك: رانك، وبك وعليك. ورانت النفس: خَبُثَت و غُشِيت. (1) وَرِينَ به _ بالكسر _ : وقع فيما لا يستطيع الخروج منه. (2) (جلاؤه الحديد) وصف، أو استئناف بياني. والمراد بالحديد: الصيقل بمعنى المصقل. وفي بعض النسخ: «الحديث» مكان «الحديد» فالضمير للقلب . قال برهان الفضلاء : «اللام» في «الحديث» للعهد الخارجي . والمراد به «أ» العلم. واستعمال الحديث في آيات القرآن _ وبمحكماتها الناهية عن اتّباع الظنّ يزول رين القلوب _ موافق لأمثال آية سورة الزمر : «اللّه ُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» (3) . و «الجلاء» في الأوّل _ بالفتح والتخفيف والمدّ _ : مصدر المعتلّ اللّام الواوي من باب نصر، بمعنى الانكشاف والخروج عن الكدورات . واستعمل هنا في باعث الانكشاف والخروج المذكور مبالغةً . و «للقلوب»: صفة للجلاء، واللّام للتقوية لا للتعدية؛ إذ «الجلاء» هنا مصدر اللّازم بمناسبة «الجلاء» في الثاني . قال المطرزي : الجلاء بالفتح والمدّ: الخروج عن الوطن أو الإخراج يُقال: جلا السلطان القوم عن أوطانهم وأجلاهم فَجَلَوْا واجْلَوا، أي أخرجهم فخرجوا. كلاهما يتعدّى ولا يتعدّى . (4) و «الجلاء» في الثاني يحتمل التشديد والتخفيف، فعلى الأوّل مبالغة في الجالي، وعلى الثاني مصدر بمعنى الفاعل مبالغةً ، والمآل واحد . و «الحديد» هنا بمعنى القاطع جدّا، ويوصف البصر بالحديد كالسّيف . قال اللّه تعالى : «فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» (5) . وجملة «جلاوة الحديد»: استئناف بياني لتقريب التشبيه المذكور سابقا ؛ يعني بيانه أنّ ذا الجلاء جدّا من السيف هو حديده، أي قاطعه جدّا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الجلاء» بالكسر، هو الصيقل، (6) مصدر قد يستعمل لما يجلى به، فاستعمل فيه، أو حمل على الحديث مبالغةً. «جلاؤه الحديد» أي جلاء السيف الحديد . وفي بعض النسخ بدل «الحديد»: «الحديث» أي جلاء القلب الحديث . (7)

.


1- . في المصدر: «وغثت».
2- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 230 (رين).
3- . الزمر (39): 23.
4- . المغرب في ترتيب المعرب ، ج 1 ، ص 155 (جلو).
5- . ق (50): 22.
6- . في المصدر: «الصَقل».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128.

ص: 394

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ ، عن البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ فَضَالَةَ (2) ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ ، عَنْ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ :«تَذَاكُرُ الْعِلْمِ دِرَاسَةٌ ، وَالدِّرَاسَةُ صَلَاةٌ حَسَنَةٌ» .

هديّة :يعني علم الدِّين دراسة، يعني ثوابه كثواب دراسة القرآن . قال ابن الأثير في نهايته: في الحديث: «تَدارَسُوا القرآن» أي اقرؤوه وتعهّدوه؛ لئلّا تنسوه . (3) (صلاة حسنة) أي طاعة مقبولة، أو إشارة إلى ما ورد عنهم عليهم السلام «أنّ صلاة مقبولة تُغني عن سائر الحسنات لأصل النجاة». وقراءة «الصلاة» بالكسر وسكون اللّام بمعنى الصّلة كما ترى . قال برهان الفضلاء : يعني مذاكرة محكمات الآيات ثوابها كثواب تدريسها، وثواب التدريس كثواب صلاة مقبولة، وثوابها خيرٌ من عشرين حجّة . و «الدّراسة» بالكسر مصدر باب نصر وضرب ؛ يعني تعليم الكتاب بمن جهله . و «صلاة حسنة» إشارة إلى أنّ من قُبِلَتْ له صلاةٌ واحدةٌ لا يعذّب أبدا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الدراسة»: قراءة الكتاب والعلم . يُقال : درست الكتاب دراسةً ؛ أي قرأتُه ، و «الدراسة» أي قراءة العلم . «صلاة حسنة» أي دعاء جميل؛ لأنّه يترتّب عليها ما يترتّب على أكمل الأدعية، وهو الدُّعاء الذي يطلب فيه جميع الخيرات من المطالب الدنيويّة والاُخرويّة فيستجاب، أو تعظيم للّه سبحانه جميل؛ لأنّ فيه تعظيما ظاهريّا ينشأ عن تعظيم باطني وينبئ عنه، فيثمر (4) تعظيما باطنيّا لآخر . أو المراد بالصلاة معناها الشرعي، وبالصلاة الحسنة: المفروضة، كما قيل في قوله تعالى : «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» (5) ، يعني الصلوات الخمس تكفِّر ما بينها . (6) والمراد بكونها صلاة مفروضة تَشارُكها في الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل، أو في تكفير ما بينها من السيّئات . (7)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن أحمدبن محمّد بن خالد».
2- . في الكافي المطبوع: «عن فضالة بن أيّوب».
3- . النهاية لابن الأثير ، ج 2 ، ص 250 (درس).
4- . في «الف«: «ليثمر».
5- . هود (11): 114.
6- . مجمع البيان ، ج 5 ، ص 307 ، ذيل الآية 114 من هود (11).
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 128.

ص: 395

. .

ص: 396

باب بذل العلم

الباب الحادي عشر : بَابُ بَذْلِ الْعِلْمِوأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ ابْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حازم ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام : إِنَّ اللّه َ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى الْجُهَّالِ عَهْدا بِطَلَبِ الْعِلْم حَتّى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ عَهْدا بِبَذْلِ الْعِلْمِ لِلْجُهَّالِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَ الْجَهْلِ» .

هديّة :يعني في العنوان (بذل العلم) المحتاج إليه في الدِّين . والظاهر أنّ المراد ب(العلماء) هنا حجج اللّه المعصومون؛ لظاهر أخذ العهد . ويحتمل التعميم. والتعليل في المتن للتخصيص في التقديم . ولعلّ المراد التقدّم في الخلقة ، وأوّل ما خلق اللّه العقل ، وأوّل ما خلق اللّه نور نبيّنا صلى الله عليه و آله . أو المراد أنّ علم الدِّين كان مع حجج اللّه قبل جهل الاُمم به . وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي : إنّما كان العلم قبل الجهل مع أنّه يكتسبه الجاهل بعد جهله لوجوه : منها : أنّ اللّه سبحانه قبل كلّ شيء، وعلمه عين ذاته . ومنها : أنّ العلماء كالملائكة وآدم واللّوح والقلم، لهم التقدّم على الجهّال من أولاد آدم . ومنها : أنّ العلم غاية الخلق كما قال سبحانه : «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» (2) . وثمرة العبادة المعرفة، والغاية متقدّمة على ذي الغاية؛ لأنّها سبب غائيّ . ومنها : أنّ الجهل عدم العلم، والأعدام إنّما تُعرف بملكاتها . ومنها : أنّه أشرف، فله التقدّم بالشرف والرتبة . و منها : أنّ الجاهل إنّما يتعلّم بوساطة العالم وتعليمه . يُقال : علّمه فتعلّم . (3) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : المراد ب «العلم» في العنوان: محكمات القرآن الناهية عن الاختلاف بالظنّ . و ب «الجهال» أهل الاختلاف بتبعيّة الظنّ . و «اللّام» في «العلم» هنا في المواضع للعهد الخارجي ؛ أي العلم بحرمة الاختلاف في الدِّين ظنّا، كما نطق به آيات القرآن في محكماتها، ولأنّ الاستدلال بآية سورة آل عمران : «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ» . (4) والمراد أنّ أخذ العهد على علماء هذا العلم لو لم يكن قبل أخذه على الجهّال في كلّ شريعة لَما يحصل هذا العلم لجميع الجهّال من أهل الكتاب قبل الجهالة، أي الاختلاف ظنّا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لأنّ العلم كان قبل الجهل» هذا دليل على سبق أخذ العهد على العالم ببذل العلم للجاهل على أخذ العهد على الجاهل لطلب (5) العلم ، أو بيان لصحّته . ويمكن أن يقرّر بحمل القبليّة على القبليّة الزمانيّة، وتنزيلها (6) على القبليّة بالرتبة والشرف . أمّا الأوّل فبأن يُقال : العلم قبل الجهل؛ حيث كان خلق الجاهل من العباد بعد وجود العالَم كالقلم واللّوح وسائر الملائكة المقرّبين ، وكخليفة اللّه في أرضه آدم عليه السلام بالنسبة إلى أولاده ، فيصحّ كون الأمر بالطلب بعد الأمر ببذل العلم ، أو يكون الأمر ببذل العلم سابقا؛ حيث يأمر بما يقتضيه الحكمة (7) البالغة، وبما هو الأصلح عند وجود من يستحقّ أن يخاطب به، ولأنّ من لم يسبق الجهل على علمه يعلم باطّلاع منه سبحانه حسنَ أن يبذل العلم ومطلوبيّته له تعالى، فيعلم كونه مطلوبا منه البذل ، وهذا أخذ العهد ببذل العلم . وأمّا الثاني فبأن يُقال: العلم أشرف من الجهل، والعالم أقرب من جنابه سبحانه في الرتبة، ولا يصل العهد منه سبحانه إلى الجاهل إلّا بواسطة العالم، ويعلم العالم من ذلك أنّ عليه البذل عند الطلب . أو يقال: من جملة علمه وجوب بذل العلم عند الطلب . (8)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منصوربن يونس ، عن طلحة بن زيد».
2- . الذاريات (51): 56.
3- . راجع: شرح الاُصول الكافي، ص 165.
4- . آل عمران (3): 19.
5- . في المصدر: «بطلب».
6- . في المصدر: «بتنزيلها».
7- . في المصدر: «حكمته».
8- . الحاشيه على اُصول الكافي ، ص 129 _ 130.

ص: 397

. .

ص: 398

الحديث الثانيروى في الكافي عَن العِدَّةِ ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ الْمُغِيرَةِ (2) وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي هذِهِ الْايَةِ : «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ» (3) قَالَ :«لِيَكُنِ النَّاسُ عِنْدَكَ فِي الْعِلْمِ سَوَاءً» .

هديّة :الآية في سورة لقمان . و «تصعير الخدّ»: إمالته تكبّرا في العلم ، أي في بذله على قدر عقل المبذول له؛ للحديث المشهور، (4) والرّابع . قال برهان الفضلاء : قد بيّن معنى العلم مرارا، فلا منافاة بين هذا الحديث وما يجيء في أوّل باب اختلاف الحديث الباب الثاني والعشرين من تخصيص رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين والسبطين عليهم السلام بتعليم الأسرار من العلوم. يعني لا السرّ الذي إذا انكشف كان كفرا، كأسرار الصوفيّة القدريّة لعنهم اللّه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : تصعير الخدّ: إمالته عن النظر إلى الناس تهاونا . وقال عليه السلام : المقصود به التسوية بالنسبة إلى طلّاب العلم، فلا يميل وجهه عن أحدٍ منهم، وذلك لأنّ المقصد الأقصى من بعثة الرُّسل تبليغ الشريعة القويمة، وتعليم الدِّين المبين . والظاهر كونه نهيا عمّا يُخلّ بما هو المقصود الأصلي ، ولأنّه ليس النهي عن التصعير لاشتماله على التكبّر والتهاون بالنسبة إلى الناس ؛ لأنّ التكبّر لا يكون منه، والتهاون بالنسبة إلى الكلّ غير منهيّ عنه، بل لكونه منعا عمّا يجب بالنسبة إلى الكلّ، وهو التبليغ والتعليم . (5)

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن أحمدبن محمّدٍ البرقي».
2- . في الكافي المطبوع: «عن عبداللّه بن المغيرة».
3- . لقمان (31): 81 .
4- . و هو قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناسَ على قدر عقولهم» ، المرويّ في الكافي ، ج 1 ، ص 23 ، كتاب العقل و الجهل ، ح 15؛ و ج 8 ، ص 268 ، ح 394.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 130.

ص: 399

الحديث الثالثروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ اللّه ِ» .

هديّة :يعني زكاة علم الدِّين تعليمه المستحقّ المحتاج إليه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني زكاة علم المحكمات تعليمه عباد اللّه بأنّها ناهية عن الاختلاف ظنّا، آمرة بالسؤال عن العالم بها .

.

ص: 400

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَ :«قَامَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليهماالسلام خَطِيبا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ : يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَا تُحَدِّثُوا الْجُهَّالَ بِالْحِكْمَةِ ؛ فَتَظْلِمُوهَا ، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا ؛ فَتَظْلِمُوهُمْ» .

هديّة :(بالحكمة) أي بعلم الدِّين. وأكثر التعبير عن علم الدِّين بالحكمة؛ للدلالة على أنّ المراد دقائقه من المعارف والمسائل والحِكَم والعلل والنّكت . يعني لا تحدّثوها مَن لم يكن من شأنه فهمها، فلا منافاة بينه وبين الثاني . قال برهان الفضلاء : المراد ب «الحكمة»: العلم المذكور في العنوان وقد مرّ بيانه. والنهي في «لا تحدّثوا» إنّما هو في غير صورة التكليف بإتمام الحجّة، فلا ينافي ما مرّ في الأوّل . والنهي في «لا تمنعوها» في صورة التكليف بالتقيّة من بعض الحاضرين . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد ب «الجهّال»: من لا علم لهم ولا يطلبونه ولا يحبّونه، فلا يلتفتون إليه ولا يقرّون به . أو من الجهل مقابل العقل ؛ أي الدّاعي إلى اختيار الشرّ وما لا صلاح فيه . والمراد بأهل الحكمة مقابلهم . (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عمّن ذكره».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 131.

ص: 401

باب النهي عن القول بغير علم

الباب الثاني عشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍوأحاديثه كما في الكافي تسعة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى و أخيه بنان (1) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ مزيد (2) ، قَالَ : قَالَ (3) أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَنْهَاكَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ ، فِيهِمَا هُلْكُ الرِّجَالِ : أَنْهَاكَ أَنْ تَدِينَ اللّه َ بِالْبَاطِلِ ، وَتُفْتِيَ النَّاسَ بِمَا لَا تَعْلَمُ» .

هديّة :(بنان) كغراب بتقديم المفردة على النون: ابن محمّد بن عيسى، أخو أحمد بن محمّد بن عيسى . وقيل : هو كشدّاد ، وقيل : كسحاب . والأوّل أكثر وأشهر . «دانه»: أطاعه بالباطل ؛ أي بغير طاعة مفترض الطاعة. وكلّ ما لا يقين بحقّيّته هو خلاف الحقّ. ولانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام في مدبّره تعالى شأنه انحصر القطع بحقّيّة ما فيه الاختلاف بلا مكابرة في أخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، فمَن دان اللّه بغير طاعة مفترض الطاعة دانه بالباطل . ومن البراهين القاطعة على وجوب وجود الحجّة المعصوم في كلّ زمان من أزمنة هذا النظام بهذا العِظَم والشأن أنّ جميع الفرق من هذه الاُمّة وغيرها عدا الإماميّة إنكارهم لهذا الوجوب عين الاشتراك مع الإماميّة في الإقرار به، ولكن لا يعلمون فإنّ كلّ فرقة يدّعي على خصمائها أنّ دينهم من عندهم لا من عند اللّه ، قال اللّه تعالى : «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» (4) الآية . (وتفتي الناس بما لا تعلم) أي لا تعلم مأخذه من قول اللّه ، وقول المعصوم، وفعله قطعا. والمأخذ بالمعالجات الواردة عنهم عليهم السلام التي رخصةٌ في الحكم بالظنّ في زمن الغيبة للفقيه الإمامي العدل الممتاز المحتاط جدّا في المشتبهات، حكمه بحكمهم عليهم السلام حكم المأخذ من محكمات الكتاب والسنّة ، لكن إذا لزم من التوقّف الحرج المنفيّ، وإلّا فالتوقّف أضبط وأسلم . نعم ، لو ثبت أنّ وقت ظهور الإمام عليه السلام ليس من المحتومات، فالكفّ عن الحكم بالظنّ في زمن الغيبة واجب على الجميع؛ ليكفّ الجميع فيظهر الإمام ، لكن ثبوت الرخصة بدلالة تعليم المعالجة ونفي الحرج المنفّي بمحكم القرآن، وظهور محتوميّة وقت الظهور دلالة على أنّ اتّباع الظنّ ليس بمذموم مطلقا ، وظاهر «أنّ بعض الظنّ إثم» (5) في سورة الحجرات مؤيّد، وظاهر عموم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا» (6) لا يمنع احتمال التخصيص . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «بالباطل» أي بما لا ينفع أصلاً لمن يطلب ثواب الآخرة . والمراد به هنا اتّباع الظنّ، كما قال اللّه تعالى في سورة يونس وسورة النجم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا» (7) «بما لا تعلم» أي وثقتي بظنّك فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بالباطل» أي أن تعبد اللّه بما هو مأخوذ لا من جهةٍ يجب الأخذ منها، سواء كان من العقائد والمعارف، أو من الأعمال فعلاً أو تركا. والجهة المأخوذ منها في العقائد الاُصوليّة البراهين والأدلّة العقليّة ، وقد يتمسّك في بعضها بالسمعيّات، وفي المسائل الفروعيّة الكتابُ والسنّةُ المنقولة المنتهية إلى الحجّة المعصوم، ولغير العارف القويّ على استنباط مقاصدهما على منهاج الاستقامة والسّداد العارف بهما، فيؤخذ بقوله وفتياه . وقوله: «وتفتي الناس بما لا تعلم» ذِكْرٌ للخصلة الثانية . وكما لا يجوز للآخذ أخذ العلم من غير مأخذه لا يجوز للمفتي أن يفتي _ أي يجيب في المسائل ويبيّنها أو يقضي _ بما لا يعلم؛ فإنّ المفتي إن لم يكن واصلاً إلى مرتبة معرفة الكتاب والسنّة وتصدّى للإفتاء فقد ركب متن عمياء ، وإن وصل إلى تلك المرتبة وأفتى بما لم يأخذ منهما (8) على ما هو طريق الأخذ _ تمكّن من الأخذ أو لم يتمكّن _ فقد خبط خبط عشواء . (9) انتهى في قوله رحمه الله: «والجهة المأخوذ منها في العقائد الاُصوليّة البراهين والأدلّة العقليّة» ما فيه؛ فإنّ في غير المعلومات بالاتّفاق من العقائد وغيرها لا يحصل القطع ببرهان عقليّ على شيء إلّا بقول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة في علّام الغيوب تعالى شأنه، والبراهين العقليّة على أحكام الأجرام العلويّة _ مثلاً _ قد تفيد القطع باستقامة نظام لو كان على هذا في الواقع لا بكونه واقعيّا ، وقد جوّز أهل الهيئة باستقامةِ نظامِ فَلَكِ الشمس في قرب مركزها وبُعده من مركز العالم بطريقين بممثّل وخارج المركز، أو بممثّلٍ و تدويرٍ وحاملٍ موافق المركز ، فيمكن أن يكون الواقعي ثالثهما ، وعند إقامة البرهان على الثالث لا يحصل القطع أيضا بما هو الواقع إلّا أنّ يخبر الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث : من العلوم ما لا يؤخذ إلّا من اللّه ببركة متابعة النبيّ صلى الله عليه و آله وهي الأسرار الإلهيّة ، ومنها : ما لا يُؤخذ إلّا من النبيّ وأوصيائه عليهم السلام و هي العلوم الشرعيّة . (10) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد و عبداللّه ابني محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «مفضّل بن يزيد».
3- . في الكافي المطبوع: + «لي».
4- . آل عمران (3): 64 .
5- . الحجرات (49): 12.
6- . يونس (10): 36.
7- . يونس (10): 36؛ النجم (53): 28.
8- . في المصدر: «لم يأخذه متنهما».
9- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132.
10- . الوافي ، ج 1 ، ص 190.

ص: 402

. .

ص: 403

. .

ص: 404

الحديث الثانيروى في الكافي عَن عَلِيٍّ ، عن العُبَيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ البجلي (1) ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِيَّاكَ وَخَصْلَتَيْنِ ؛ فَفِيهِمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ : إِيَّاكَ أَنْ تُفْتِيَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ ، أَوْ تَدِينَ بِمَا لَا تَعْلَمُ» .

هديّة :بيانه كسابقه . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «برأيك» أي لا بالأخذ من الكتاب والسنّة على منهاجه. «أو تدين بما لا تعلم» أي أن تعبد اللّه بما لا تعلمه بثبوته بالبراهين والأدلّة العقليّة، أو بالكتاب والسنّة والأدلّة السمعيّة . ويحتمل أن يكون من «دانَ به» أي اتّخذ (2) دينا . (3) وأن يكون «تديّن» من باب التفعّل ؛ أي تتّخذ الدِّين متلبّسا بالقول فيه بما لا تعلم . و «الدِّين» اسم لجميع ما يتعبّد اللّه به والملّة . (4) انتهى . قد علم في هديّة سابقة تحقيق ما هو الحقّ من البراهين العقليّة الصرفة على غير المعلومات بلا تعسّف ومكابرة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن عبدالرحمن بن الحجّاج».
2- . في المصدر: «اتّخذه».
3- . في المصدر: + «يعني إيّاك أن تتّخذ مالم تعلم دينا».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 132.

ص: 405

الحديث الثالثروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ ، عَن ابْنِ عِيسى ، عَنِ الْسرّاد ، عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الْحَذَّاءِ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى من اللّه (2) ، لَعَنَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، وَلَحِقَهُ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِفُتْيَاهُ» .

هديّة :(بغير علم) أي حاصلٍ بالعقل عن اللّه كما للحجّة المعصوم . (ولا هدىً) أي ولا بهداية من العاقل عن اللّه كما للإمامي العدل الممتاز علما و فضلاً و حذاقة في الاستنباط من المآخذ المُحكَمة ، المعهودة ، المحصورة ، المعلومة من الحجّة المعصوم العاقل من اللّه . وقوله : (لعنته ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب) يعني الملائكة أجمعين . و «الفتيا» بالضمّ والخاتمة والقصر، والفتوى بالفتح والواو والقصر بمعنى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «بغير علم» أي بغير علم يكون مضمون محكمات القرآن ، وبغير هداية عالم بتأويل متشابهات القرآن، ولا يعلم تأويله إلّا اللّه والراسخون في العلم، وهم الحجج المعصومون عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الهدى» بضمّ الهاء الطريقة والسنّة التي يهتدي به ، والدلالة. وإنّما يجوز الإفتاء والجواب في المسائل وإبانتها والحكم فيها بعلمٍ حاصل من مأخذه ، سواء كان من جانب اللّه سبحانه ابتداءً، أو بتوسّط ملاحظة برهان أو دليل، أو إرشاد ودلالة من العالم، أو اتّباع من يهتدي بهداه . فبذكر الهدى بعد العلم نبّه على أنّه العمدة في أسباب العلم بما يحتاج إليه في الفُتيا . ف «من أفتى بغير علم ولا هدىً لعنته ملائكة الرحمة»؛ حيث تعرّض لما يوجب الحرمان من رحمة اللّه . «وملائكة العذاب»؛ حيث أتى بما يستحقّ به العذاب (ولحقه وزر مَن عمل بفُتياه) منضمّا إلى وزره بفُتياه؛ حيث أضلّه، ولولا إفتاء غير العالم لراجعوا إلى العالم وأخذوا منه . (3) وقال بعض المعاصرين : المراد بالعلم ما يستفاد من الأنوار الإلهيّة والإلهامات الكشفيّة كما هو للأئمّة عليهم السلام ، وبالهدى ما يسمع من أهل بيت النبوّة كما هو لنا . (4) انتهى . بناء بيانه بيّن.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذّاء».
2- . في الكافي المطبوع: - «من اللّه ».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 133.
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 191.

ص: 406

الحديث الرابعروى في الكافي ، عَن العِدَّةِ ، عن البرقي ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«مَا عَلِمْتُمْ فَقُولُوا ، وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَقُولُوا : اللّه ُ أَعْلَمُ ؛ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِ عُ الْايَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» .

هديّة :(ما علمتم) أي ما قطعتم بأنّه حكم اللّه . ولا قطع بحقّيّة شيء ممّا يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة إلّا بقول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (لينتزع الآية من القرآن) أي للاستناد إليها والاستشهاد بها ، وهي من المتشابهات مِنْ دون مأخذ لتأويلها عن الحجّة المعصوم. (يخرّ فيها) على المعلوم من باب فرّ، أي يسقط بسبب تأويلها مقلوبا من العُلْوِ إلى السِفْل أزيد من المسافة بين السماء والأرض . ف «في» في «فيها» للسببيّة وفي الانتزاع؛ لتضمّنه معنى التفريق. دلالةً على أنّ جميع المتشابهات في حكم واحد، لا حكم لها سوى القيّم المعصوم . وقراءة «يحرّفها» من التحريف تصحيف وتحريف. ليس في بعض النسخ: «والأرض» . قال برهان الفضلاء : «ما علمتم» أي بمحكمات القرآن. «لينتزع الآية» أي من المتشابهات ليفسّرها بظنّه ويعمل ويفتي. «يخرّ فيها» أي في تفسير تلك الآية في حفرة أعمق من كلّ عميق ؛ يعني جهنّم وبئس المصير . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما علمتم فقولوا، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم» . هذا خطاب مع العلماء من شيعته وأصحابه عليه السلام وهم العالمون بكثير من المسائل أو أكثرها، بالفعل أو بالقوّة القريبة من الفعل، باطّلاع على مآخذها، وطريق الأخذ منها سابق على الخروج من القوّة (2) إلى الفعل، فيظنّ بهم العلم بما يسأله السائل. «لينتزع الآية من القرآن» أي يقلعها ويفصلها (3) ويفسّرها. «يخرّ فيها» إمّا حال عن الضمير في «ينتزع» أو خبر بعد خبر . والمعنى يخرّ فيها، أي في تفسيرها ساقطا على ما هو بعيد عن المراد، بينهما أبعد ما بين السماء والأرض . (4) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «لينتزع الآية» ذمّ استنباط الرعيّة من الآيات الشريفة . (5) وقال بعض المعاصرين : «ما علمتم» أي بالنور الإلهي المقذوف في قلوبكم، أو بالسّماع عن أهل بيت النبوّة . (6) انتهى .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبانٍ الأحمر ، عن زياد بن أبي رجاء».
2- . في المصدر: - «من القوّة».
3- . في المصدر: + «و يأخذها ليبيّنها».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 133 _ 134.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 94.
6- . الوافي ، ج 1 ، ص 191.

ص: 407

. .

ص: 408

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ أَنْ يَقُولَ : اللّه ُ أَعْلَمُ ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَالِمِ أَنْ يَقُولَ ذلِكَ» .

هديّة :(للعالم) أي للفقيه الإمامي؛ لأنّ الإمام عالم بكلّ ما يحتاج إليه الناس. (وليس لغير العالم) أي لا ينبغي، فلا منافاة بينه وبين سابقه ، ووجهه بدليل التالي إيقاعه السائل في شكّ في أنّه لم يجب بُخلاً أو تقيّةً أو تكبّرا أو لغرض آخر يوجب أمرا مكروها ، أو الوجه عدم المناسبة لحاله . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «العالم» هنا: العالم بقدر معتدّ به من المسائل ، أو العالم ببعض المسؤول عنه لا بتمامه، كما لو سئل عن أنّ الكذب كبيرة، وهو يعلم أنّه حرام ولا يعلم أنّه كبيرة . ولا منافاة بين الشقّ الأوّل من هذا الحديث وبين السادس وهو التالي ؛ لأنّ هذا الحديث لبيان الرّاجح ولا ينافيه جواز المرجوح . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «للعالم» أي لمن كان مطّلعا على أكثر المآخذ بقدر الوسع وعلى طريق الأخذ _ ويعبّر عنه في هذه الأعصار بالمجتهد _ «إذا سئل عن شيء» حال كونه غير عالم به بالفعل أن يقول: «اللّه أعلم» ، ولا يضرّ دلالته على نحو علم له به ؛ فإنّ العلم بالمآخذ وطريق الأخذ نحوُ علمٍ بالمأخوذ منها، ويترتّب عليه العلم بما يؤخذ منها ولو بالقوّة القريبة من الفعل. «وليس لغير العالم ذلك» لإشعاره بادّعائه ما ليس له من العلم . (2) وقال الفاضل صدر الدِّين محمّد الشيرازي : لأنّ مقتضى صيغة التفضيل أن يكون للمفضّل عليه شركة فيما فيه الفضل وليس للجاهل ذلك ، وأمّا العالم فلمّا كان له نصيب من جنس العلم صحّ له هذا القول وإن كان حكمه حكم الجاهل فيما سئل عنه . (3) وقال السيّد الباقر الشهير بالداماد رحمه الله : يعني عليه السلام ب «الرجل» المسؤول الجاهل الذي لا يعلم المسألة ولا طرقها المؤدّية إليها ومباديها بخلاف العالم المسؤول عمّا لا يعلم، فإنّه وإن لم يكن يعلم المسألة إلّا أنّه يعلم مداركها ومباديها، فجهل العالم ليس كجهل الجاهل ، فإذا سئل العالم عمّا لا يعلم فقال: اللّه أعلم أوقع بذلك في قلب صاحبه شكّا أنّ له علما بالمسؤول عنه، لم يكن به بأس، ولا عليه فيه جناح، ولا كذلك أمر الجاهل، فليس له إلّا أن يقول: لا أدري . (4)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّادبن عيسى ، عن ربعي بن عبداللّه ، عن محمّد بن مسلم».
2- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134.
3- . شرح الاُصول الكافي، ص 167، ذيل الحديث الرابع من الباب.
4- . التعليقة على الكافي، ص 91 _ 92.

ص: 409

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ البرقي ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِذَا سُئِلَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَمَّا لَا يَعْلَمُ ، فَلْيَقُلْ : لَا أَدْرِي ، وَلَا يَقُلْ : اللّه ُ أَعْلَمُ ؛ فَيُوقِعَ فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ شَكّا ، وَإِذَا قَالَ الْمَسْؤُولُ : لَا أَدْرِي ، فَلَا يَتَّهِمُهُ السَّائِلُ» .

هديّة :يعلم بيانه ببيان سابقه وهو الخامس . قال برهان الفضلاء : «فلا يتّهمه» مجزوم بلا النّاهية ؛ لأنّ النافية يستلزمها ترك الفاء ؛ أي فلا يتّهمه السائل بالعلم والكفّ عن الجواب . ولا منافاة بينه وبين الرابع ؛ لأنّ هذا الحديث في جواب السؤال بخلاف الرابع . وقال السيّد الأجلّ النائيني : يحتمل أن يكون المراد ب «الرجل»؛ من الشيعة هنا غير العالم؛ فإنّه ليس في الكلام إشعار بعالميّته، وهو الغالب الأكثري الوجود ، وليس له أن يقول: «اللّه أعلم» إنّما له أن يقول: «لا أدري»؛ لئلّا يقع في قلب صاحبه _ وهو من سأله _ شكّ ولا يتّهمه بكونه عالما . ويحتمل أن يكون المراد يعمّ العالم وغيره ، ويكون المعنيُ بإيقاع الشكّ والاتّهام الشكَّ في كونه عالما بالمسؤول عنه عند السؤال، مُعرضا عن الجواب لعلّة واتّهامه بذلك، فيكون المنهيّ عنه أن يقول : «اللّه أعلم» عند مظنّيّة (2) وقوع الشكّ والاتّهام، وذلك في العالم نادر، وفي غيره يكون غالبا؛ فإنّ العالم همّه في نشر العلم وإذاعته، كما أنّ الجاهل همّه في ستر ما اطّلع عليه وإضاعته . (3) وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : «شكّا» أي في علمه و (4) عدم علمه فيتّهمه بالعلم، وما قيل: «لا أدري نصف العلم»، كأنّه ناظر إلى أنّ المتعلّق بكلّ مسألة علمان: علمٌ بها، وعلمٌ بأنّه يعلمها، أو لا يعلمها، فلا أدري أحد العلمين وهو الجهل البسيط . وفيه: أنّه ورد: «العلم ثلاثة: كتابٌ ناطق، وسنّةٌ قائمة، ولا أدري» ، فعلى هذا لا أدري ثلث العلم . والتحقيق: أنّ العلم المكسوب للبشر إمّا بالعقل عن اللّه وهو علم الحجّة المعصوم ، أو بالعقل عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة ، فلا أدري من غير المعصوم نصف العلم التامّ بالشيء وهو العلم به، والعلم بأنّه حقّ؛ لأنّه مأخوذ عن المعصوم . فمآل كون «لا أدري ثلث العلم» (5) _ كما ورد _ أو نصفه _ كما قيل _ إلى أمرٍ واحد .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن أحمدبن محمّد بن خالد،عن حمّاد بنِ عيسى ، عن حريزبن عبداللّه ، عن محمّدبن مسلم».
2- . في «ب» و «ج»: «مظنّته».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 134 _ 135.
4- . في «ب» و «ج»: - «علمه و».
5- . مجمع الزوائد ، ج 1 ، ص 432 ، ح 847 .

ص: 410

الحديث السابعروى في الكافي عَن الاثنين ، عَنْ ابن أَسْبَاطٍ (1) ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَمَاعَةَ ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ زُرَارَةَ (2) ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام : مَا حَقُّ اللّه ِ عَلَى الْعِبَادِ؟ قَالَ :«أَنْ يَقُولُوا مَا يَعْلَمُونَ ، وَيَقِفُوا عِنْدَ مَا لَا يَعْلَمُونَ» .

.


1- . في الكافي المطبوع: «الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن عليِ بن أسباط».
2- . في المصدر: «زرارة بن أعين».

ص: 411

هديّة :(ما يعلمون) أي عقلاً عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة . أجاب عليه السلام بالأهمّ الذي اندرج جميع الحقوق أو أكثرها فيه بحسب المعرفة بها . «والوقوف عندما لا يعلمون» أي عقلاً عن العاقل عن اللّه ابتداءً أو بالواسطة على الوجه الصحيح المرخّص فيه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : لهذا الحديث ذيل سيذكر في الثاني عشر من الباب السابع عشر، وهو باب النوادر ، و هو قوله: «فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى اللّه حقّه» . يعني سألتُ عنه عليه السلام «ما» عمدة «حقّ اللّه على العباد؟» يعني الحقّ الذي يكون في ضمن أدائه أداء جميع حقوق اللّه على عباده، قال : «أن يقولوا» _ أي عند الحاجة _ «ما يعلمون» أي قطعا أنّه حكم اللّه ، «ويقفوا» أي عن الحكم بالظنّ «عندما لا يعلمون». وهذا هو العهد الذي أخذ اللّه على جميع عباده في جميع كتبه المنزلة على أنبيائه عليهم السلام قال اللّه تعالى في سورة الأعراف «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» (1) . وقال الفاضل الاسترآبادي : «ويقفوا عند ما لا يعلمون» نصّ في الأمر بالتوقّف. والحرج اللّازم من توقّف جميع الرعيّة في المدّة الطويلة للغيبة ممّا لا يخفى عظمه، وإيجابه ضعف الدِّين واندراسه على التدريج . انتهى . نعم، لو لم يلزم منه حرجٌ، وإلّا فالأمر بتحصيل الظنّ المرخّص فيه في زمن الغيبة بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام للفقيه الإمامي العدل الممتاز علما وفضلاً ثابت عند أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم، والحرج اللّازم من توقّف جميع الرعيّة في المدّة الطويلة للغيبة ممّا لا يخفى عِظمه، وإيجابه ضعف الدِّين واندراسه على التدريج. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «ما حقّ اللّه على العباد؟» أي الحقّ الواجب الثابت الذي يطالب به صاحبه من عليه، وسؤاله عن الحقيق بهذا الاسم من بين الفرائض والواجبات، فأجاب عليه السلام : «أن يقولوا ما يعلمون» أي يكون مقولهم مقصورا على ما يعلمون، أو إتيانهم بعد السؤال واستدعاء الجواب بقول ما يعلمونه، «وأن يقفوا عند ما لا يعلمون». والمراد أنّ الحقيق بهذا الاسم الاقتصار على القول بما يعلمه، والوقوف عن القول بما لا يعلمه، كما في قوله تعالى حكايةً عن قول موسى عليه السلام : «حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» (2) . والقول في العلوم الدينيّة عند عدم العلم قولٌ على اللّه بغير الحقّ؛ فإنّ القول دالّ على اعتقاد القائل و علمه بالمقول ، و كلّ قولٍ في العلوم الدينيّة قول على اللّه ، فالقول فيها من غير العالم قول على اللّه بغير (3) الحقّ من حيث عدم مطابقته لما عليه الأمر في نفسه، أو من حيث عدم معلوميّته له وإن طابق اتّفاقا، فمِن حقّ اللّه على العباد أن يقفوا عن القول عندما لا يعلمون، وأن يقتصروا على القول بالحقّ فيها. (4)

.


1- . الأعراف (7): 169.
2- . الأعراف (7): 105.
3- . في «ب» و «ج»: - «فإنّ القول دالّ... قول على اللّه بغير».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 135 _ 136.

ص: 412

الحديث الثامنروى في الكافي عن الثلاثة، (1) عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ اللّه َ خَصَّ عِبَادَهُ بِآيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: أَنْ لَا يَقُولُوا حَتّى يَعْلَمُوا، وَلَا يَرُدُّوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلَا الْحَقَّ» وَقَالَ: «بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» ».

هديّة :في بعض النسخ: «وإسحاق بن عبداللّه » بالواو، ولعلّ الأصحّ بدون الواو؛ فإنّ إسحاق بن عبد العزيز يكنّى أبا يعقوب وأشهر اسم أبيه عبداللّه ، وكأنّ اختلاف النسخ من هذا. والمراد بالتخصيص هنا التخصيص الاهتمامي، يعني بالغ في تشريك جميع الاُمم في الأخذ بمضمونهما اهتماما بشأن حكمهما. والعامل بمضمونهما مؤدّ لعمدة حقوق اللّه المتضمّنة لسائرها. وقرئ: «حضّ» _ بالحاء المهملة والضادّ المعجمة _ من «الحضّ» بمعنى التحضيض ، بمعنى التحريض والترغيب. (أن لا يقولوا) أي في المتشابهات. (حتّى يعلموا) أي التأويل والمأخذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (ولا يردّوا ما لم يعلموا) أي ما لم يعلموا أنّه مردود بالكتاب والسنّة. والآية الاُولى في سورة الأعراف، (2) والثانية في سورة يونس. (3) وقال بعض المعاصرين: «ولا يردّوا ما لم يعلموا» أي لا يكذّبوا به بل يكلوا علمه إلى قائله؛ فإنّ التصديق بالشيء كما هو محتاج إلى تصوّره إثباتا فكذلك هو مفتقر إليه نفيا، وهذا في غاية الظهور، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. (4) انتهى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «حضّ» بالحاء المهملة والضادّ المعجمة على المعلوم من مضاعف باب نصر. «وأن يقولوا» بتقدير: «على أن لا يقولوا» و «ما» في «ما لم يعلموا» مصدريّة زمانيّة لا موصولة، وإلّا لزم أن لا يردّ الممتنع كشريك الباري؛ لأنّه غير معلوم. فقوله: «لم يعلموا» بتقدير «لم يعلموا صحّة الردّ». «بما لم يحيطوا بعلمه» أي العلم بصحّة ذلك التكذيب. «ولمّا يأتهم تأويله» أي عاقبة ذلك التكذيب. انتهى. لا يخفى صحّة موصوليّة «ما» لما بيّنا، وتكلّف مصدريّتها بالنظر إلى مصدريّتها. وتفسيره سلّمه اللّه «ولمّا يأتهم تأويله» لعلّه من البطون، أو الاحتمالات. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «حضّ عباده» _ بالمعجمة بعد المهملة _ من «الحضّ» بمعنى الحثّ، والمعنى حثّ عباده بآيتين من كتابه. «أن لا يقولوا» أي على أن لا يقولوا قبل العلم. «ولا يردّوا» إلّا بعد العلم، فحذف «على». ويحتمل أن يكون «أن لا يقولوا» تفسيرا لحثّه تعالى؛ فإنّ حثّه عباده يكون بالقول، فصحّ وقوع هذا القول تفسيرا له. و«لا» في الموضعين حينئذٍ للنهي، وعلى الأوّل للنفي. (5) وفي بعض النسخ «خصّ» بالمهملة بعد المعجمة، والمعنى خصّ عباده، أي هذه الاُمّة. والتعبير عنهم بوصف العبوديّة مضافا إليه تبارك وتعالى لتشريفهم وتعظيمهم من بين الاُمم بإنزال آيتين من كتابه، وإعلامهم بمضمونهما وحثّهم عليهما دون سائر الاُمم. و «أن لا يقولوا» حينئذٍ إمّا بدل من «آيتين» أو تفسير للخصوص. وقوله: «وقال عزّ وجلّ» معطوف على «خصّ» من عطف أحد التعبيرين عن الشيء إلى آخر لمغايرة بينهما عبارةً ومعنىً، إجمالاً وتفصيلاً، حجّيّة وادّعاءً، مطابقة والتزاما. وقوله: «أن لا يقولوا على اللّه إلّا الحقّ» أي الثابت الواقع. ولمّا نهاهم عن القول على اللّه مستثنى منه الحقّ، لم يكن لهم الإتيان إلّا بما علموا واعتقدوا كونه مستثنى، فقولهم قبل العلم واعتقاد الحقّية إتيان بالمنهيّ عنه. والآية الأخيرة صريحة في النهي عن ردّ ما لم يعلم والتكذيب به. (6) انتهى. لا يخفى أنّ الحمل على إحدى القرائتين على التخصيص الاهتمامي كما بيّناه أولى؛ لثبوت العهد المعهود في كلّ شريعة على أهلها، وضمير «عليهم» في الآية الاُولى لليهود. إنّما قلنا أولى؛ لإمكان تأويل حمله رحمه الله إلى ما اُوّل أوّلاً.

.


1- . يعني: «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير».
2- . الأعراف (7): 169.
3- . يونس (10): 39.
4- . الوافي ، ج 1 ، ص 193.
5- . في «الف»: «النفي».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 136 _ 137.

ص: 413

. .

ص: 414

. .

ص: 415

الحديث التاسعروى في الكافي عَن عَلِيٍّ، عَن العبيدي، (1) عَنْ يُونُسَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَا ذَكَرْتُ حَدِيثا سَمِعْتُهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام إِلَا كَادَ أَنْ يَتَصَدَّعَ قَلْبِي، قَالَ:«حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ». قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: وَأُقْسِمُ بِاللّه ِ مَا كَذَبَ أَبُوهُ عَلى جَدِّهِ، وَلَا جَدُّهُ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ عَمِلَ بِالْمَقَايِيسِ، فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ ، وَمَنْ أَفْتَى النَّاسَ (2) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَالْمُحْكَمَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ فَقَدْ هَلَكَ وَأَهْلَكَ».

هديّة :«الشّبرم» كقنفذ وزبرج: حبّ شبيه بالحمّص، ومن الرِّجال: القصير والبخيل. و (ابن شبرمة) هو عبداللّه بن شبرمة الضبِّي الكوفي، كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة. (3) و «التصدّع»: التشقّق والتفرّق. وقرئ: «ينصدع» من الانصداع بمعنى الانشقاق. واقتصر في الحكاية اكتفاء بالظهور، والمراد أبي، عن جدّي، عن جدّه عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ومعنى «ولا جدّه» ولا جدّ جدّه، كما إذا كان ضمير «ولا جدّه» للجدّ. و «المقاييس» إمّا جمع «مقيوس» وهو صار بالإعلال مقيسا، والمفرد إذا جمع الجمع المكسّر يردّ إلى أصله، أو جمع «المقياس» كمقاريض ومقراض. قاسه قيسا _ بالفتح _ وقياسا _ بالكسر _ : قدّره، ك «اقتاسه». والإسم «قيس» _ بالكسر _ قيسُ رُمحٍ: أي قَدْره. و «المقياس»: ما يقدّر به الشيء على مثال. والعمل بالقياس _ وأوّل من قاس إبليس لعنه اللّه طريقة أكثر العامّة والقدريّة _ بأن يجعل شيئا من المعاني المشتركة معيارا لإلحاق فرع بأصل، ويثبت به حكما في جزئيّ لثبوته في جزئيّ آخر لمعنىً مشترك بينهما. (وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ) أي عقلاً عن اللّه ، أو عن العاقل عن اللّه على الوجه الصحيح المضبوط عند الإماميّة. (والمحكم): ما لا يحتمل غير المعنى المقصود منه. و (المتشابه): ما يحتمله. وكما لا شكّ في عدم الرخصة في الإفتاء لغير الفقيه الإمامي العدل الممتاز في العلم والفضل، لا شكّ في عدمها أيضا في التجاوز في المتشابهات عن المعالجات المضبوطة عنهم عليهم السلام . وقد روى الشيخ في التهذيب عن الثلاثة عن البجلي، قال: كان أبو عبداللّه عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابيّ فسأل ربيعة عن مسألة فأجابه، فلمّا سكت قال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «هو في عنقه»، قال: «أو لم يقل كلّ مفتٍ ضامن (4) ؟!». قال ابن داود: ربيعة بن عبد الرحمان المعروف بربيعة الرأي في المدينة فقيه، عامّي ، روى عن الباقر والصادق عليهماالسلام (5) قال برهان الفضلاء: «وأقسم باللّه » معترضة. و «المقاييس» جمع مقيوس لا مقيس؛ للردّ في المكسر إلى الأصل. ويطلق «الناسخ» و «المنسوخ» على الإمام الحيّ، والإمام الماضي كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في الرابع، في الباب الثاني والأربعين باب العبادة؛ وفي كتاب المعيشة في باب دخول الصوفيّة على أبي عبداللّه عليه السلام للباب الأوّل. وعلى الآيتين من القرآن إحداهما ناسخة لحكم الاُخرى. وعلى الكلمتين، أو الفقرتين إذا صارت المؤخّرة منهما قرينة لإرادة خلاف الظاهر من المقدّمة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «من عمل بالمقاييس» المقياس: ما يقدّر به الشيء على مثال. والمراد به ما جعلوه معيار إلحاق الفرع بالأصل من الاشتراك في المظنون عليّته للحكم و عدم الفارق. والمراد من العمل به اتّخاذه دليلاً شرعيّا معوّلاً عليه، واستعماله في استخراج الحكم الشرعي، والقول بموجبه ومقتضاه بعد جعله دليلاً شرعيّا؛ فإنّ العمل بالدليل الاستدلال به والتعويل عليه والقول بمدلوله لدلالته عليه. «فقد هلك وأهلك» أي بضلالته في العمل وإضلاله مَن تبعه واقتصّ (6) أثره. «ومَن أفتى الناس» أي بما يأخذه عن الكتاب والسنّة. «وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمُحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك» وفيه دلالة على أنّه كما يجوز للمفتي أن يقول: كذا فهمت من الكتاب أو السنّة، يجوز له أن يقول إذا سُئل عن الحكم: كذا حكم اللّه في ظنّي، وأنّه يجب عليك أن تعمل كذا. (7) انتهى. يعني للمفتي الإمامي العدل العارف بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه من الكتاب والسنّة على الوجه الصحيح المضبوط بالتواتر بالمعنى الأعمّ عنهم عليهم السلام .

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: + «بغير علم».
3- . خلاصة الأقوال ، ص 370 ، الرقم 5 ؛ رجال ابن داود ، ص 120 ، الرقم 873 .
4- . التهذيب ، ج 6 ، ص 223 ، ح 530 ؛ الكافي، ج 7 ، ص 409 ، باب أنّ المفتي ضامن ، ح 1؛ وسائل الشيعة ، ج 27 ، ص 220 ، ح 33639 ، باب أنّ المفتي إذا أخطأ أثم و ضمن.
5- . رجال ابن داود ، ص 245 ، الرقم 183.
6- . في المصدر: «واقتفى».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 137 _ 138.

ص: 416

. .

ص: 417

. .

ص: 418

باب من عمل بغير علم

الباب الثالث عشر : بَابُ مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة.

الحديث الأوّلروى في الكافي عَن العِدَّةِ، عَنْ البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«الْعَامِلُ عَلى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلى غَيْرِ الطَّرِيقِ، لَا يَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَا بُعْدا».

هديّة :هذا الحديث رواه الصدوق رحمه الله أيضا في الفقيه، عن محمّد بن سنان، عن طلحة بن زيد، (2) وزاد «من الطريق» بين أداة الاستثناء و «سرعة السير». وفي بعض النسخ: «وكثرة السير» مكان «وسرعة السير». (على غير بصيرة) أي بلا معرفته الحجّة المعصوم المفترض الطاعة العاقل عن اللّه سبحانه. والقطع بحقّيّة شيء من المتشابهات الدينيّة منحصر في إخباره؛ لانحصار الأعلميّة في المدبّر تعالى شأنه. والتعبّد على خلاف حكم اللّه تعاند لا تعبّد، والداخل على دار لا من بابها سارق، والسائر على غير الطريق ضالّ هالك. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «على غير بصيرة» أي بلا معرفة الإمام، وعلم المسائل الفروعيّة، أو اُصول الفقه. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «على غير بصيرة» أي غير معرفة بما يعمله بما هو طريق المعرفة في العمليّات. فمنها. ما يحصل الجزم بكونه مطلوبا للشارع عند الفحص عن الأدلّة. ومنها: ما يحصل الظنّ به عند الفحص عنها، كالأخبار الغير المتواترة وغير المقترنة بما يفيد الجزم، وكالظواهر من المتواتر. (3) والساعي في الفحص عنها بقدر الوسع هو المجتهد، ويجب عليه العمل بمقتضى معرفته وعلمه وظنّه المستتبع للعلم. ويجب على غير العالم الرجوع إلى مجتهد في الأخذ، والعمل على وفق معلومه المرجوع إليه. فالمقلّد لعلمه بوجوب الأخذ عن العالم واطّلاعه على فُتياه على بصيرة، كما أنّ العالم لعلمه بوجوب الأخذ عن الأدلّة _ كالكتاب والسنّة _ واطّلاعه على ما فيها على بصيرة في عمله. ولا يبعد أن يحمل العمل هنا على ما يشتمل السعي والاجتهاد في أخذ المسائل عن الأدلّة. وقوله: «كالسائر عل غير الطريق» لأنّ العامل يريد بعمله الإطاعة والوصول إلى النجاة، ولا إطاعة في العمل بلا بصيرة وعلم بكونه على وفق ما طُلب واُريد منه، فلا ينتهي عمله إلى ما يريد الانتهاء إليه بارتكابه، (4) فلا يكون طريقا للمطلوب ويكون سلوكه سلوك غير طريقه، فلا يزيد سرعته إلّا بُعدا عن المطلوب كالسائر على غير الطريق. وأيضا كلّ ما هذا شأنه فارتكابه قبيح منهيٌّ عنه، والاشتغال به شغل عن المأمور به فيما (5) يريد الإطاعة والنجاة، وبسعيه (6) يعصي ويهلك، وبزيادته كمّيّة أو كيفيّة، أي كثرة أو سرعة _ باختلاف النسختين؛ فإنّ في بعضها مكان «سرعة السير»: «كثرة السير» _ لا يزداد إلّا عصيانا وضلالاً وبُعدا عن المقصود. (7) انتهى. أراد ب «المتواتر» الاصطلاحي، أي الذي يفيد القطع واليقين. اصطلح المتأخّرون من الاُصوليّين على تسميتهم الخبر المفيد لليقين بالمتواتر، والمفيد للظنّ بخبر الواحد، والأخبار المضبوطة بتواتر الثقات والكتب متواترة بالمعنى الأعمّ. وعرّفوا الخبر المتواتر بأنّه خبر جماعة يفيد بنفسه القطع بصدقه، ولِما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطئهم على الكذب واستمرّ ذلك في الطبقات حيث يتعدّد، فيكون أوّله كآخره ووسطه كطرفيه، ولا ينحصر ذلك في عدد خاصّ وشرط العلم به انتفاء اضطرار عن السامع. وخبرَ الآحاد بما لا يفيد بنفسه إلّا ظنّا، وقد يفيد القطع إن حفّ بالقرائن، على خلافٍ بين الاُصوليّين من المتأخّرين. وبالجملة: المتواتر بالمعنى الأعمّ فمحكمه مأخذ، وكذا متشابهه، لكن بعلاجات معهودة مضبوطة عنهم عليهم السلام .

.


1- . في المصدر: «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . الفقيه ، ج 4 ، ص 401 ، ح 5864.
3- . في المصدر: «المتواترات».
4- . في المصدر: + «والاشتغال به».
5- . في المصدر: «فبما».
6- . في المصدر: - «بسعيه».
7- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 138 _ 139.

ص: 419

. .

ص: 420

الحديث الثانيروى في الكافي بإسناده عَن ابْنِ عِيسى، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ الصَّيْقَلِ، (2) قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«لَا يَقْبَلُ اللّه ُ عَمَلاً إِلَا بِمَعْرِفَةٍ، وَلَا مَعْرِفَةً إِلَا بِعَمَلٍ؛ فَمَنْ عَرَفَ، دَلَّتْهُ الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْعَمَلِ ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ، فَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ، أَلَا إِنَّ الْاءِيمَانَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ».

هديّة :(إلّا بمعرفة) أي بمعرفة هي معرفة حقيقة، فالإبهام للتعظيم، يعني معرفة اللّه الحاصلة بطاعة مفترض الطاعة ومعرفته. (إلّا بعمل) أي دالّ على أنّ العامل به عارف الإمام. (ولا) لنفي الجنس، أو «الواو» للعطف. والمعنى عليهما _ لصريح لفظ «البعض» _ : أنّ كمال الإيمان بالعمل؛ فإنّ الإيمان باللّه يكمل من الإيمان بالرسول، وهو يكمل من الإيمان بالإمام، وهو يكمل من العمل بما اُمر ونهي عنه. (دلّته المعرفة على العمل) أي العمل على الوجه الصحيح المضبوط عن مفترض الطاعة. (ومن لم يعمل) أي هكذا. (بعضه من بعض) يعني أنّ الإيمان ليس مجرّد التصديق كما ذهبت إليه المرجئة، بل العمل من الإيمان على ما ذكرنا ولذا له مراتب. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «بمعرفةٍ» أي بمعرفة اللّه ، بترك اتّباع الظنّ في القول والفعل. و «لا» في «لا معرفة» لنفي الجنس. والإيمان عبارة عن المركّب من المعرفة والعمل. وقوّته وضعفه على حسب كثرة العمل وقلّته، قال اللّه تعالى في سورة بني إسرائيل: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني: «بمعرفةٍ» أي بمعرفةٍ بالعمل وبما يتوقّف عليه المعرفة بالعمل، أو بمعرفة صحيحة مأخوذة عن مأخذها الذي يجب الأخذ عنه كما هو طريقه. وتلك المعرفة تكون للعالم القادر على الأخذ من الأدلّة بالأخذ منها، و تكون للمقلّد العاجز عن الأخذ منها بالأخذ عن العالم فيما يجوز فيه التقليد. «ولا معرفة إلّا بعمل» إمّا معطوف على «عملاً» و «لا» مؤكّدة للنفي؛ أي لا يقبل اللّه معرفةً متعلّقةً بعملٍ إلّا بعملٍ يتعلّق به المعرفة، أو لا يقبل اللّه معرفة إلّا بعمل يتعلّق بها. وإمّا معطوف على قوله: «لا يقبل اللّه عملاً» و «لا» لنفي الجنس؛ أي ولا معرفة كاملة تستحقّ أن تعدّ معرفة إلّا بعمل يتعلّق بها، ولا أقلّ من الإقرار باللسان وما في حكمه. فكلّ معرفة لا يتعلّق عليها عمل لا يعتدّ بها ولا يعدّ معرفة؛ حيث لا يترتّب عليها آثار المعرفة ولا يكون مقبولة، فإنّه كما لا يؤثّر هاهنا لا يؤثّر هناك؛ وذلك لعدم استقرارها وتمكّنها في القلب. فالمعرفة المتعلّقة بالمبدأ وصفاته، والرسالة والوصاية متى فارقها الإقرار باللسان وما في حكمه لا يعتدّ بها ولا تكون إيمانا، وكذا المعرفة المتعلّقة بعمل إن كان من المتيقّن ثبوته من الشريعة كالضروريّات الدينيّة إن فارقها الإقرار لا يعتدّ بها ، ولم يكن تلك المعرفة من الإيمان، ولذا يحكم بكفر منكر ضروريّ الدِّين وإن كان عارفا به. وأمّا الظنّيات من الفروع فالاعتقاد بها معرفتها (4) الظنّية ليست من الإيمان، إنّما المعتبر في الإيمان الاعتقاد والتصديق بجميع ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله عموما بهذا العنوان، وخصوصا في المتيقّن ثبوته شرعا كالضروريّات عند ملاحظتها، فإنكارها وإن لم يُخرج من الإيمان، لكن هذه المعرفة الظنّية فائدتها الإقرار والعمل، فبعدمهما يكون وجودها كعدمها، فلا يكون مقبولة ولا معدودة في المعرفة، بل وجودها أسوأ من عدمها؛ لغلبة شرّيّة النفاق والخلاف بين الباطن والظاهر، أو القول والفعل، وتكذيب كلّ منهما الآخر على خيريّتها، «فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له» تفصيل وتبيين لما ذكر قبله إجمالاً. والمراد أنّ المعرفة شأنها (5) الدلالة والإيصال إلى العمل، والعمل من آثارها المرتّبة عليها، ومن لم يترتّب أثر المعرفة على ما فيه ويظنّه معرفة، فإمّا لعدم كونه معرفة في ذاته، أو لعدم كونه معرفة له، أي ثابتة مؤكّدة الثبوت له، ظاهرةً فيه، غالبةً على أضدادها، فالحالة الحاصلة في الشخص _ من اجتماع ما للقلب والقوّة العقليّة، وما للقوى الخياليّة والوهميّة، وما للقوى الشهوانيّة والغضبيّة _ لا كماليّة ولا معدودة معرفة، كالمركّب من المسك والقاذورات لا يشمّ منه إلّا المركّب من كيفيّتهما وهو النتن لا الطيب، فلا يقال لرائحة المِسْك المخلوطة بنتن القاذورات والجيف عند الاختلاط والاضمحلال في كيفيّتها: عَرْفا وريحا طيّبا، ولا يكون مُستعمِل المِسْك على هذا النحو مستعملاً للطيب. كذا المعرفة المنغمرة في الأهواء والمنى والجهالات الدّاعية إلى الشرّ والفساد لا يكون معرفةً، ولا يكون صاحبها على هذا النحو سالكا طريق النجاة، بل الحالة المركّبة من جميع هذه الاُمور أقوى في الإيصال إلى الضلال والهلاك. «إلّا أنّ الإيمان بعضه من بعض» أي بعضٌ ممّا اعتبر فيه _ وهو العمل المعتبر في أصله، أو العمل المعتبر في كماله _ نشأ من بعض، وهو المعرفة الدالّة عليه؛ فإنّ المعرفة التي هي مناط الإيمان أقلّ مراتبها يدلّ على أقلّ مراتب العمل، وهو الإقرار والقول بها؛ وأكملها يدلّ على أكمل مراتب العمل، وهو الموافقة لها قولاً وفعلاً؛ والأوساط على الأوساط، وينشأ من كلّ مرتبة من المعرفة ما يطابقها من مراتب العمل. (6) انتهى. لا يذهب عليك أنّ غرضه رحمه الله من الفقرات في قوله: «من اجتماع ما للقلب _ إلى قوله _ : وما للقوى الشهوانيّة والغضبيّة مطلق الآثار، كما هو عند الفلاسفة ومن تبعهم في أكثر اُصولهم كالصوفيّة القدريّة؛ فإنّ كلّ واحدٍ من تلك الآثار في تقدير حكمة اللّه وشرعه قسمان: حسن وقبيح، مأمور به ومنهيٌّ عنه، ممدوح ومذموم، بل يجري فيه الأحكام الخمسة. همه خشمى نه عيب و نقصان استخشم روز جهاد ايمان است وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «لا يقبل اللّه عملاً إلّا بمعرفة» سيجيء أنّ للإيمان معنيين: أحدهما موهبيّ لم يكلّف اللّه العباد بتحصيله، وهو المعرفة باللّه وبرسوله. والآخر من أفعالنا الاختياريّة، وهو الانقياد القلبي واللِّساني والجوارح على وفق المعرفة. ومعنى الإيمان بعضه من بعض: أنّ بعضه ناش من بعض، أي الانتفاع بكلّ جزء من أجزائه الثلاثة يتوقّف على تحقّق الجزئين الآخرين. (7) وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث في آخر كلامه: فمن لا معرفة له باللّه واليوم الآخر فكيف يعبده؟! ومَن لا عبادة له ولا رياضة شرعيّة كيف يصفّي نفسه ويرقّ قلبه ويطهّر باطنه؟! (8) انتهى.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «الحسن الصيقل».
3- . الإسراء (17): 84 .
4- . في المصدر: «و معرفتها».
5- . في المصدر: «من شأنها».
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 139 _ 141.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 94 .
8- . الوافي ، ج 1 ، ص 201.

ص: 421

. .

ص: 422

. .

ص: 423

. .

ص: 424

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَمَّنْ رَوَاهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْ عَمِلَ عَلى غَيْرِ عِلْمٍ، كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ».

هديّة :يعني من عمل بقصد العبادة وكان عمله بناءً على غير العلم بوجهه من الحجّة المعصوم كان ما يفسد من أمر الآخرة أكثر ممّا يصلح من أمر الدنيا بزهده وصلاحه في نظر عوامّ الناس، قال اللّه تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا» (2) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «ما» في الموضعين موصولة، أو مصدريّة. و «أكثر» على التقديرين، إمّا بالمثلّثة أو بالمفردة، ومآل الكلّ واحد؛ فإنّ العابد بغير العلم بمسائل فروع الفقه أو مسائل اُصول الفقه إفساده ثواب الآخرة أكثر من إصلاحه معاش دنياه قصدا بالتزامه ظاهر الإسلام أن يحقن دمه، ويكرّم في نظر الناس، ويكسب الأموال بالموافقة مع أئمّة الضلال. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح» أي كان الفساد في عمله الذي لم يكن من علم أكثر من الصلاح فيه، وكلّ ما كان الفساد فيه أكثر من الصلاح كان قبيحا غير مطلوب للحكيم. (3) وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: يعني كان غلطه المفسد للعمل أكثر من صحيحه المصلح له.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عنه ، عن أحمد بن محمّد».
2- . الكهف (18): 103 _ 104.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 141.

ص: 425

باب استعمال العلم

الباب الرابع عشر : بَابُ اسْتِعْمَالِ الْعِلْمِوأحاديثه كما في الكافي سبعة.

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى، (1) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ، (2) عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قَالَ فِي كَلَامٍ لَهُ:«الْعُلَمَاءُ رَجُلَانِ: رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِهِ، فَهذَا نَاجٍ، وَعَالِمٌ تَارِكٌ لِعِلْمِهِ، فَهذَا هَالِكٌ، وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِهِ، وَإِنَّ أَشَدَّ أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وَحَسْرَةً رَجُلٌ دَعَا عَبْدا إِلَى اللّه ِ تعالى، فَاسْتَجَابَ لَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ، فَأَطَاعَ اللّه َ، فَأَدْخَلَهُ اللّه ُ الْجَنَّةَ، وَأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِهِ عِلْمَهُ، وَاتِّبَاعِهِ الْهَوى، وَطُولِ الْأَمَلِ، أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَطُولُ الْأَمَلِ يُنْسِي الْاخِرَةَ».

هديّة :في العنوان (استعمال العلم) يعني في العمل والحكم والإفتاء. وحاصل معنى الاستعمال هنا طلب فائدة العلم بالعمل. (رجلان) يعني قسمين. (آخذٌ بعلمه) على اسم الفاعل، ولا بأس بصيغة الماضي، أي آخذ في العمل والحكم بعلمٍ قطعيٍ مأخوذٍ عن المأخذ الذي لا يتطرّق إليه الخطأ. (وعالمٌ تاركٌ لعلمه) أي تارك عمدا لغرض من الأغراض الباطلة، كحبّ الرياسة وتبعيّة الظَّلمة؛ طمعا في الدنيا وحطامها. (فهذا هالك) بمعنى أنّ أكثر أفراد هذا القسم وأفراده من المستودعين من الهالكين بالخذلان، وأقلّهم من الناجين من النار بتوفيق التوبة وقبول الاستغفار، إذا لم يكونوا من المبتدعين في ضروريّ من ضروريّات الدِّين، أو لم يمت باعتقاد بدعتهم تابع لهم فيها. في بعض النسخ: «وأدخل الداعي النار بترك عمله» بتقديم الميم على اللّام. فالمعنى بترك عمله بعلمه في استعمال علمه في العمل والإفتاء. قال برهان الفضلاء: «فيصدّ عن الحقّ» أي عن العمل بالمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ، الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ» أي علما كان أو عملاً، فهو من موانع تناول الحقّ. «وطول الأمّل» [ينسي الآخرة» فهو موجب لعدم تذكّر الآخرة المقتضي للعمل ، فاتّباع الهوى مانع ، و طول الأمل] (3) موجب لرفع المقتضي. ويمكن أن يكون «ينسئ» من الإنساء مهموز اللّام؛ أي يؤخّر العمل للآخرة، فحذف العمل واُسند الفعل إلى الآخرة، فطويل الأمل لظنّه البقاء يؤخّر العمل للآخرة، ويقول: سأفعل لها فيما بعد. (4) وقال بعض المعاصرين: «عالم آخذٌ بعلمه» هذا التقسيم هو للعلماء الذين علمهم مقصور بما يتعلّق بالعمل كالعالم بالشريعة وكالعالم بالأخلاق، دون الذين علمهم مقصود لذاته كالعالم بالمبدأ والمعاد. (5) انتهى.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «عمربن اُذيتة».
3- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 142 _ 143.
5- . الوافي ، ج 1 ، ص 203 _ 204.

ص: 426

. .

ص: 427

الحديث الثانيروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«الْعِلْمُ مَقْرُونٌ إِلَى الْعَمَلِ؛ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ، وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ، وَإِلَا ارْتَحَلَ عَنْهُ».

هديّة :(مقرون) أي مربوط من «القرن» بالكسر، وهو حبل يجمع به البعيران، والبعير المقرون بآخر ژكالقرين. ومنه المقرّن، قال اللّه تعالى في سورة إبراهيم: «وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ» (2) . (ومن عمل علم) يعني هو العالم حقيقةً. (والعلم يهتف) بمنزلة الدليل. و «الهتف» بالفتح: الصوت. هتف به كضرب. و «ارتحال العلم» إمّا بنسيانه، أو بانعدام عزّته واعتباره، فلو اُطلق عليه اسم العالم فعلى التجوّز أو التهكّم. چنانكه قوّت پروازرا دوبال دهند، هميشه فايده؛ هم دهند علم وعمل. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «الفاء» في «فمن» تفريعيّة. «فمن علم عمل» أمر في صورة الخبر، وكذا «من عمل علم» يمكن أن يكون الأمر هنا للإباحة، فراجَعَ إلى النهي عن طلب العلم قبل العمل بما علم كما يجيء في التالي للتالي. «ارتحل عنه» أي بعروض النسيان، أو انحطاط قدره ومنزلته. وقال السيّد الأجلّ النائيني: «مقرون» أي قرن العلم مع العمل في كتاب اللّه وكلامه، كقوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» (3) ، وعلّق المغفرة والنجاة عليهما. «فمن علم عمل، ومن عمل علم» أمر في صورة الخبر، أي يجب أن يكون العلم مع العمل بعده، والعمل مع العلم قبله. «يهتف» أي يصيح ويدعو صاحبه بالعمل على طبقه، فإن أجابه وعمل استقرّ فيه وتمكّن، وإلّا ارتحل عنه بدخول الشكّ والشبهة عليه [ولو إلى] (4) ساعة الارتحال من دار الدنيا. ويحتمل أن يكون المراد بمقرونيّة العلم مع العمل عدم افتراق الكامل من العلم عن العمل بحسب مراتب كماله، وعدم افتراق بقاء العلم واستكماله عن العمل على وفق العلم. «فمن علم» أي علما كاملاً معتبرا مقبولاً باقيا «عمل». «ومن عمل علم» أي أبقى علمه واستكمله، تفصيل لما أجمل قبله. «والعلم يهتف بالعمل» أي مطلقا، فإن أجابه وعمل قوى واستقرّ وتمكّن في قلبه، وإلّا ضعف وزال عن قلبه. نعوذ باللّه . (5)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد».
2- . إبراهيم (14): 49.
3- . جاء في القرآن الكريم قريب من خمسين موردا ، منها في البقرة (2): 25 ، و 82 ، و 227.
4- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 143.

ص: 428

الحديث الثالثروى في الكافي عن العِدَّةٌ، عَن البرقي، عَنْ الْقَاسَانِيِّ ، (1) عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَزِلُّ الْمَطَرُ عَنِ الصَّفَا».

هديّة :«زلّت قدمه»: كفر. و (الصفا) بالقصر: جمع صفاة، وهو الحجر الصلد لا ينبت. (2) ووجه الشبه الفيضان والقساوة؟ ومن القلوب كالحجارة، أو أشدّ قسوة. (3) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «بعلمه» أي بالمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ ، الآمرة بسؤال أهل الذِّكر عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الموعظة»: النهي عن الدخول في المحارم والمعاصي _ فعلاً كان أو تركا _ أو ذكر ما يليّن القلب من الثواب والعقاب. والمعنى: إذا لم يعمل العالم بمقتضى علمه، ونهى عن ارتكاب ما ارتكبه من ترك العمل بعلمه، أو ذَكَر الثواب والعقاب لتليين القلوب، لم يؤثّر نهيه أو ذكره ذلك في القلوب، إنّما يمسّها ويزلّ عنها كما يزلّ المطر عن الصفا. و «الصفا»: جمع صفاة، وهي الصخرة والحجر الأملس، فما كان من القلوب صوافي البواطن يُقبِل على العمل؛ لما فيها من الرقّة والصّفاء لا بتأثير موعظةٍ، (4) وما كان قاسية كدرته لا يستقرّ هذه الموعظة ولا تدخلها لتؤثّر، إنّما الاستقرار والدخول لموعظة العامل بعلمه. (5) انتهى. ذكر رحمه الله أعلى القلوب؛ يعني قلوب الحجج المعصومين عليهم السلام ، وأسفلها كفاية بفهمهما عن فهم الأوساط، وموعظة المعصوم لمثل سلمان وأبي ذرّ _ رضي اللّه عنهما _ كثيرة، فلا قدح في قوله: «لا بتأثير موعظة».

.


1- . في الكافي المطبوع: «عدّة من أصحابنا ، عن أحمدبن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن محمّدٍ القاساني».
2- . اُنظر: لسان العرب ، ج 14 ، ص 464 (صنو).
3- . اقتباس من الآية 74، البقرة (2).
4- . في المصدر: «موعظته».
5- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 144.

ص: 429

الحديث الرابعروى في الكافي عَن عَلِيٍّ، (1) عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام، فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ، ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام:«مَكْتُوبٌ فِي الْاءِنْجِيلِ: لَا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا ما (2) عَلِمْتُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ، لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلَا كُفْرا ، وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللّه ِ إِلَا بُعْدا».

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّبن إبراهيم».
2- . في الكافي المطبوع و هامش «ب»: «بما».

ص: 430

هديّة :(عن مثلها) دفع لتوهّم عنها على الاكتفاء. (ولمّا تعملوا) حاليّة. والأولى (ما عُلّمتم) على ما لم يسمّ فاعله من التفعيل؛ لما لا يخفى. و (لم يزدد) الثاني بمنزلة التعليل للأوّل. والتمادي في كفر المعصية قد ينجرّ إلى الكفر، كفر الارتداد. قال برهان الفضلاء: «الواو» في «ولمّا» للحال، والنهي في «لا تطلبوا» للتنزيه والأولويّة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «لا تطلبوا» أي إذا كان من شأن علمكم عدم التأثير فيكم، وعرفتم ذلك من أنفسكم بترك العمل بما علمتم، فالأصلح لكم ترك طلب العلم بما لا تعملونه من الأعمال. «لأنّ العلم إذا لم يُعمل به لم يزدد صاحبه إلّا كفرا» أي جحودا؛ فإنّ ترك العمل مع العلم جحود وعدمُ إقرارٍ بما عرفه وكفرٌ به، والجاهل لا يلزمه الإنكار، ولا يكون منه الجحود. فهاهنا ثلاث مراتب: الأوّل: الجاهل بالجهل الصرف بدون إنكار. الثاني: الجاهل بما يجب العلم به مع الإنكار، وهذا أسوء حالاً من الأوّل. والثالث: العالم به مع جحده، وهذا أسوأ حالاً منهما؛ فإنّ المعرفة في نفسها وإن كانت حسنة لكنّ الجحود بعدها من أقبح القبائح، والحالة الملتئمة منهما أسوأ [حالاً] (1) من الملتئمة من الإنكار والجهل، ومن الجهل الصرف بكثير. ثمّ مراتب الجحود مختلفة: فمنها: الجهل (2) على الإطلاق، وهو الخالي عن كلّ وجه من وجوه الإقرار بعد العلم، وهو كفر مطلق في الربوبيّة، أو التوحيد، أو الرسالة، أو ما هو من ضروريّات الدِّين. والثانية: الجحد بترك العمل مطلقا بعد الإقرار باللِّسان، وهذه كالاُولى في كونه كفرا مطلقا، وإنّما يجري في العمليّات. والثالثة: الجحد بترك العمل ببعض من الضروريّات بعد الإقرار باللِّسان، وهذا ليس كفرا مطلقا، بل هو كفر به. «ولم يزدد من اللّه إلّا بُعدا» أي من رحمته و ثوابه و نيل ما عنده؛ وذلك لأنّ في الجحود من استحقاق العقاب والبُعد عن المغفرة والثواب أكثر ممّا في الجهل والترك ، و في الإنكار معها. (3) انتهى. غرضه من مطلق الكفر في الربوبيّة، الجحد باللِّسان فقط؛ لثبوت المعرفة الفطريّة لكلّ مكلّف بالنصّ، وفي النصّ: أنّ الجحد بها جحد بمجرّد اللِّسان «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّه ُ» (4) .

.


1- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
2- . في المصدر: «الجحد» مكان «الجهل».
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 144 _ 145.
4- . الزخرف (43): 87 .

ص: 431

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بِمَ يُعْرَفُ النَّاجِي؟ قَالَ:«مَنْ كَانَ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقا، فَأَثْبِتْ لَهُ الشَّهَادَةَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقا، فَإِنَّمَا ذلِكَ مُسْتَوْدَعٌ».

هديّة :(من كان) أي مؤمن كان عاملاً بما علم عقلاً عن المعصوم ابتداءً أو بالواسطة. في بعض النسخ: «فإنمّا له الشهادة» والمعنى الظاهر عليهما: أشهد أنّه مؤمن حقّا. ويحتمل: أقبل شهادته لعدالته. والمشار إليه ل (ذلك) هو الموصول، على أن يكون «المستودع» بمعنى محلّ الوديعة والإيمان المفهوم سياقا ، إذا كان اسم المفعول. و المعنى: فإنّما ذلك مستودع هالك ، أوللّه سبحانه في المستودع المشيّة. ولا منافاة في أحاديثهم عليهم السلام وباب التوبة مفتوح للعالم والجاهل، لكن للعالم إلى قبل المعاينة وللجاهل إلى المعاينة كما سيجيء في الباب التالي للتالي، وتفسير آية سورة النساء: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ» (2) . قال برهان الفضلاء: يجيء هذا الحديث بتمامه المبيّن له في كتاب الإيمان والكفر في الباب الثالث والثمانين والمائة، باب في علامة المعار. والمراد ب «الناجي» الإماميّ، لا يُعذّب بجهنّم أصلاً، أولا يخلّد فيها. و «الفعل» هنا عبارة عن القدر المشترك بين عمل، أو حكم بالظنّ أو بالعلم. و «القول» عبارة عن الاعتراف بالقرآن، أو كتاب آخر من كتب الشرائع الإلهيّة؛ فإنّ جميعها متضمّن للمحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ. فموافقة الفعل والقول عبارة عن ترك اتّباع الظنّ في العمل والحكم. «فإنّما له الشهادة» أي ثابت له الشهادة بأنّه من الناجين في القيامة. «ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك» مكانُ لعارية الإيمان، بمعنى أنّه مؤمن رسميّ لا حقيقيّ، والمؤمن الرسمي من المستودعين كما مرّ في أواخر شرح الخطبة في شرح قوله: «فذاك في المشيّة، إن شاء اللّه تبارك وتعالى أتمّ إيمانه، وإن شاء سلبه إيّاه ، ولا يؤمن عليه أن يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا و يصبح كافرا». وقال السيّد الأجلّ النائيني: «فإنّما له الشهادة» في بعض النسخ «فأبتّ له» بالباء الموحّدة قبل المنقوطة بنقطتين، من «البتّ». وسيذكر هذا الحديث في باب علامة المعار، وهناك: قلت: فَبِمَ يُعرف الناجي من هؤلاء جُعلت فداك؟ قال: «من كان قوله لفعله موافقا، فأتت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنّما ذلك مستودع». فلا يبعد أن يكون هنا أيضا: «فأتت» بالتاءين كما في ثمّة. أمّا على النسخة الاُولى: فمعناه: «من كان فعله لقوله موافقا» أي لما يقول به ويعتقده _ والمراد من «القول» الكلام الحاكي عن الاعتقاد _ «فإنّما له الشهادة» أي شهادة الشاهد بالنجاة، وهو موافقة الفعل للقول الدالّة على ثبوت الاعتقاد ورسوخه واستقراره حتّى يوصله إلى النجاة، فدلّ بأداة الحصر على انحصار الشهادة له مؤكّدة بتقديم الظرف. ومن لم يكن فعله لقوله ومعتقده «موافقا فإنّما ذلك مستودع» أي اعتقاده كالوديعة عنده يؤخذ ويسلب. أو المراد بالشهادة عدم غيبة المعرفة عن قلبه وحفظه لها، فيحصل النجاة بها. وأمّا على الثانية: «فأبتّ له الشهادة» أي فقطع له الشهادة، أي حضور الاعتقاد وحفظها عن الزوال والسلب عنه. أو المراد فقطع له شهادة شاهد النجاة بحفظ معرفته من السلب والزوال. وأمّا على موافقة ما في الحديث المنقول ثمّة: «فأتت له الشهادة بالنجاة» أي فجاءت وحصلت له شهادة شاهد النجاة، وهو موافقة الفعل للقول أو الاعتقاد بالنجاة. وظاهر أوّل الحديث على ما نقله ثمّة أنّ السؤال عمّن اعتقد الحقّ وقال به. (3) انتهى. قوله: «في بعض النسخ: «فأبتّ له» بالباء الموحّدة قبل المنقوطة بنقطتين» يعني على الماضي المجهول من باب الإفعال. «بتّه» _ كمدّ و فرّ _ : قطعه، كأبتّه فانبتّ، أي فانقطع. القاموس «البتّ: القطع كالإبتات، و الانبتات: الانقطاع». (4) واللّه أعلم بالصواب.

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى ، عن أحمدبن محمّد بن عيسى».
2- . النساء (4): 17.
3- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 145 _ 146. بتفاوت يسير.
4- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 188 (بتّ).

ص: 432

. .

ص: 433

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ العِدَّةٍ، عَنْ البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي كَلَامٍ لَهُ خَطَبَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ:«أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ؛ إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ عَنْ جَهْلِهِ، بَلْ قَدْ رَأَيْتُ أَنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالْحَسْرَةَ أَدْوَمُ عَلى هذَا الْعَالِمِ الْمُنْسَلِخِ مِنْ عِلْمِهِ مِنْهَا عَلى هذَا الْجَاهِلِ الْمُتَحَيِّرِ فِي جَهْلِهِ، وَكِلَاهُمَا حَائِرٌ بَائِرٌ، لَا تَرْتَابُوا فَتَشُكُّوا، وَلَا تَشُكُّوا فَتَكْفُرُوا، وَلَا تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ (2) فَتُدْهِنُوا، وَلَا تُدْهِنُوا فِي الْحَقِّ فَتَخْسَرُوا، وَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ تَفَقَّهُوا، وَمِنَ الْفِقْهِ أَنْ لَا تَغْتَرُّوا، وَإِنَّ أَنْصَحَكُمْ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُكُمْ لِرَبِّهِ، وَأَغَشَّكُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاكُمْ لِرَبِّهِ، وَمَنْ يُطِعِ اللّه َ يَأْمَنْ وَيَسْتَبْشِرْ، وَمَنْ يَعْصِ اللّه َ يَخِبْ وَيَنْدَمْ».

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . في «ب» و «ج»: «في أنفسكم».

ص: 434

هديّة :(إذا علمتم) أي عقلاً عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه . (فاعملوا بما علمتم) أي من غير تصرّف من عندكم بالرّأي والقياس وادّعاء الكشف وغير ذلك من أسباب الضلالة والهلاك. (لعلّكم تهتدون) هداية موصلة إلى النجاة. (إنّ العالم العامل بغيره) أي بغير ما علمه عقلاً عن العاقل عن اللّه . و «الاستفاقة»: الخلاص من السكر والمرض. شبّه الجهل بهما. (على هذا العالم) عطف بيان ل (عليه) (1) ، أو بدل. واحتمال البيان من الراوي ليس بشيءٍ. (منها) صلة للأفْعَلين. (2) (لا ترتابوا) أي في الإمامة. (فتشكّوا) أي في الرسالة. (فتكفروا باللّه ) (ولا ترخّصوا لأنفسكم) أي في المعصية، معصية الرسول، واُولي الأمر منكم. (فتدهنوا) فتقعوا في المداهنة في أمر الدِّين حقّ الإمام، والمساهلة في مواعيد الكتاب والسنّة، فتكونوا من الخاسرين بالخسران المبين. الجوهري: المداهنة كالمصانعة، والادّهان مثله من الإفعال، كالادّهان من الافتعال. (ومن الفقه أن لا تغترّوا) أي بالأباطيل المحفوفة بأشياء من الحقّ كطريقة الصوفيّة القدريّة؛ فإنّ للإيمان سلسلة واحدة ممتدّة من لدن آدم إلى انقراض الدنيا، وللكفر في مقابله سلاسل شتّى، فكما أنّ الإيمان قائم دائما بالحجج المعصومين وشيعتهم، وفي شيعتهم في كلّ زمان فقهاء فضلاء. فالكفر قائم دائما بالطواغيت وتبعتهم، وفي أشياعهم مهراء في الشيطنة والنَكراء. ولمّا بالغ الشيطان في خدائعه في أواخر عمره في طريقة التصوّف؛ قصدا إلى إضلال الناجية من البضع والسبعين في هذه الاُمّة مع علمه بأنّ الزيارات والشفاعات وغيرهما من المُنجيات من ورائهم، وأنّهم لن يتهوّدوا ولن يتنصّروا ولن يتمجّسوا بالوسوسة، بُوِلغ (3) في أحاديث الأئمّة عليهم السلام في ردّ تلك الطريقة المهكلة؛ استبصارا للشيعة بكفرها المخبوء بأشياء من أسباب الإيمان. (وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه) أي بطاعة مفترض الطاعة. (ومن يطع اللّه ) أي بطاعة مفترض الطاعة. «بشّرني فاستبشرت»: سرّني فسررت، صرت مسرورا. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «رأيت» على المتكلّم وحده؛ إشارةٌ إلى أنّ استنباط ذلك من القرآن لا يتيسّر للرعيّة. «عليه» متعلّق ب «الحجّة». والضمير ل «العالم» العامل بغيره». «على هذا العالم المنسلخ من علمه»: بدل «من «عليه». «منها» متعلّق ب «الأعظم»، والضمير ل «الحجّة». «على هذا الجاهل» متعلّق بضمير «منها»؛ لأنّه الحجّة، فترك النظائر في «والحسرة أدوم» مع كونه عطفا على اسم «أنّ» وخبرها؛ للاختصار. والتقدير: «الحسرة عليه أدوم منها على هذا العالم المنسلخ من علمه». والأدوميّة باعتبار أنّ الحسرة تدرك العالم بموته، والجاهل بعد بعثه وحشره موافقا لما يجيء في كتاب الجنائز في الباب الثامن والثمانين، باب المسألة في القبر ومَن يُسأل ومَن لا يسأل. «لا ترتابوا» أي لا تطلبوا الشكّ فيما علمتم من محكمات القرآن فتقعوا في الشكّ فيها «فتكفروا» و «الدهن» بالفتح مصدر باب نصر. والإدهان على الإفعال بمعنى. والمراد هنا المداهنة والمساهلة. و «أن» في الموضعين مفسّرة أو ناصبة، فقوله: «تفقّهوا» إمّا على الأمر أو المضارع من التفعّل بحذف إحدى التائين أو من باب حَسُنَ أو علم. وقد مرَّ معنى الفقه والتفقّه في شرح السابع من الباب الثاني. و «الاغترار»: الانخداع، يعني من خلفاء الضلالة ومشائخ الصوفيّة، قال اللّه تعالى في سورة آل عمران: «لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ» (4) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ العالم العامل بغيره» أي بغير العلم، والعمل بالشيء إعماله، أو بغير ما علم وجوب العمل به من الأعمال. و «الباء» صلة. و «الحائر» هو الذي لا يهتدي بجهة أمره. و «الاستفاقة»: الرجوع إلى ما شغل عنه، وشاع في الرجوع عن السّقم إلى الصحّة. ومنه استفاقة المريض والمجنون والمغمى عليه. «بل قد رأيت» أي قد علمت علما قريبا من المعاينة. (5) والظرف متعلّق ب «الحجّة» والمتعلّق ب «أعظم» محذوف؛ اعتمادا على المذكور فيما يتلوا هذه القرينة، أو المذكور (6) متعلّق بكلّ منهما «المنسلخ من علمه» أي المُشْرِف على الإنسلاخ. «على هذا العالم» متعلّق بقوله: «أدوم»، والجملة معطوفة على: «قد رأيت» أو على مدخول «أنّ». «وكلاهما حائر باير» الباير: الهالك. «لا ترتابوا فتشكّوا» الريب: مصدر رابني الشيء، إذا حصل فيك الريبة. و «الرّيب» في الأصل تحصيل الرّيبة والإيصال إليها والإيقاع فيها. وحقيقة الريبة قلق النفس واضطرابها. ومنه حديث الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهماالسلامقال: «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الشكّ ريبة، والصدق طمأنينة». (7) و «الارتياب»: الوصول إلى الرِيبة والوقوع فيها، أو اتّخاذ الريب بالمعنى المذكور. وليس الرّيب في هذا الحديث مستعملاً في الشكّ أو التّهمة أو غيرهما من لوازم معناه الأصلي وملزوماته التي شاع استعماله فيها. والمراد: لا توقعوا أنفسكم في القلق والاضطراب بالتوغّل في الشبهات، أو بمعارضة العلم في مقتضاه من العمل فينتهي أمركم إلى أن تشكّوا في العلوم و المتيقّن لكم. «ولا تشكّوا» أي لا توقعوا أنفسكم في الشكّ واحذروا من طَرَيانه على العلم. «فتكفروا» أي يوصلكم إلى الكفر وينتهي إلى الشكّ فيما يكون الشكّ فيه كفرا. «ولا ترخّصوا لأنفسكم» أي لا تسهّلوا لأنفسكم أمر الطاعة والعصيان، ولا تخفّفوا عليها ما شدّد اللّه عليها من حقوقه. «فتدهنوا» أي تظهروا وتقولوا خلاف ما تضمرونه، أو تليّنوا عند إظهار الباطل ولا تنكروه. والإدهان: إظهار خلاف ما يضمر، أو المقاربة في الكلام والتبيين. (8) «لا تدهنوا في الحقّ فتخسروا» أي لا تدهنوا فيما تعرفونه بالحقّيّة «فتخسروا» (9) أي فيحصل لكم النقص في المعرفة الحاصلة لكم أو في رأس مالكم الذي هو الإيمان. «وإنّ من الحقّ أن تفقّهوا» أي من حقوق اللّه وممّا أوجبه عليكم أن تتفقّهوا. والتفقّه: تعلّم الفقه وتحصيل المعرفة بجميع ما هو معدود من العلوم الشرعيّة باُصولها وفروعها. «ومن الفقه أن لا تغترّوا» أي لا تنخدعوا بالباطل، ولا تطعموا فيه. و «النصيحة»: إرادة الخير للمنصوح له، وهي اسم من النَصْح بالفتح، وهو فعل النصيحة. و «الغشّ»: خلاف النصيحة، وهو إظهار خلاف ما أضمر، والاسم منه «الغشّ» بالكسر. في بعض النسخ: «ويسترشد» مكان «ويستبشر» استبشرت به _ على المعلوم _ : صرت مسرورا. (10) و «الخيبة»: الحرمان والخسران وعدم نيل المطلوب. «يندم» أي على تفويت الفرصة (11) . (12)

.


1- . في «الف»: «عليه» بدون اللام.
2- . يعني «أعظم» و «أدوم».
3- . جواب لقوله: «لمّا بالغ».
4- . آل عمران (3): 196.
5- . في المصدر: + «أنّ الحجّة على هذا العالم أعظم من الحجّة على هذا الجاهل».
6- . في المصدر: + «فيما يتلوها».
7- . كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 158؛ بحارالأنوار ، ج 71 ، ص 214 ، ذيل الحديث 47، و فيهما: «فإنّ الكذب ريبة».
8- . في المصدر: «والتليين».
9- . في «ب» و «ج»: - «فيما تعرفونه بالحقّيّة فتخسروا».
10- . من قوله: «و في بعض النسخ _ إلى _ صرت مسرورا» لم يرد في المصدر.
11- . قوله: «يندم ، أي على تفويت الفرضة» لم يرد في المصدر.
12- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 147 _ 149.

ص: 435

. .

ص: 436

. .

ص: 437

. .

ص: 438

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ البرقي، (1) عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيْلى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ:«إِذَا سَمِعْتُمُ الْعِلْمَ فَاسْتَعْمِلُوهُ، وَلْيَتسِعْ قُلُوبُكُمْ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا كَثُرَ فِي قَلْبِ رَجُلٍ لَا يَحْتَمِلُهُ، قَدَرَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ، فَإِذَا خَاصَمَكُمُ الشَّيْطَانُ، فَأَقْبِلُوا عَلَيْهِ بِمَا تَعْرِفُونَ؛ فَ «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا» ». فَقُلْتُ: وَمَا الَّذِي نَعْرِفُهُ ؟ قَالَ: «خَاصِمُوهُ بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ مِنْ قُدْرَةِ اللّه ِ تبارك و تعالى».

هديّة :(إذا سمعتم العلم) أي المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ابتداء أو بالواسطة الثقة على ما صحّ من طريق الأخذ والحفظ (فاستعملوه) أي فاطلبوا فوائده بالعمل بمقتضاه. (وليتّسع قلوبكم) إمّا أمر _ كنايةً _ بترك زيادة الطلب عن قدر الاحتياج للعمل، أو أمر بطلب العلم عن مأخذه الذي يتّسع قلب الطالب بنوره ببركة المأخوذ عنه، ويقوى ويأمن من غلبة الشيطان عند مخاصمته بالشكوك والشبهات. (فإنّ العلم) أي القدر المشترك بين ما هو علم حقيقة وما سمّي بالعلم، وليس علما (إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله) أي لأنّه أخذ زيادة عن قدر الاحتياج، أو أخذه من غير مأخذه الموصوف. (بما تعرفون) أي بالعلم الذي تعلمون بمعرفة الإمام؛ ف «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَ_نِ كَانَ ضَعِيفًا» (2) لن يقاوم بمكائده ووساوسه وشبهاته مع ما هو الحقّ، والحقّ غالب على الباطل دائما وإن كان الباطل بالتدليس والتلبيس ملبّسا بلباس الحقّ. (قال خاصموه بما ظهر من قدرة اللّه تبارك وتعالى) يعني من علوم حججه المعصومين، العالِمين بخبر السماوات والأرضين، الصادقين بالمعجزات والدلالات،الممتازين عن الجميع حسبا ونَسَبا عند المؤالف والمخالف إلى آدم عليه السلام . أو المعنى: بما ظهر من حجج اللّه ومعجزاتهم و ودلالاتهم وعلومهم بحيث ملأت مشارق الأرض ومغاربها. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «إذا سمعتم العلم» أي ما هو سبب العلم، كمحكمات القرآن. «فاستعملوه» أي في سؤال أهل الذِّكر عليهم السلام ولوازمه. «فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفا» ناظر إلى آية سورة النساء «بما ظهر لكم من قدرة اللّه » أي بالعلوم التي ظهرت بخلقه تعالى محمّدا وأوصيائه الاثني عشر صلوات اللّه عليهم. يعني وازنوا علمكم وفضلكم بعلمهم وفضلهم؛ لئلّا يؤدّي علمكم إلى العُجْب المؤدّي إلى عبادتكم أنفسكم، فتهلكوا بالغرور بالمعارف من عندكم، والحكم بظنونكم وآرائكم. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إذا سمعتم فاستعملوه» المراد بالعلم المُذْعَنُ به، لا نفس التصديق والإذعان؛ فإنّ التصديق والعلم يُطلق على المعلوم المذعن به. والمقصود أنّه بعد حصول العلم ينبغي الاشتغال بإعماله (3) على وفقه عن طلب علمٍ آخرَ قبل إعماله، فاحفظوه واربطوه بالعمل لتكونوا عالمين، حافظين للعلم من الزوال. «وليتّسع قلوبكم» أي يجب أن يتّسع قلوبكم لما علمتم. والمراد أنّه يجب أن يكون طلبكم للعلم بقدر يتّسعه قلوبكم، ولا تستكثروا منه؛ «فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجلٍ لا يحتمله»، ولا يكون قلبه متّسعا له قادرا على ضبطه، «قدر الشيطان» بتلبيس الشبهات «عليه» حتّى يتشكّك فيما علمه ويترك العمل به. «فإذا خاصمكم الشيطان، فأقبلوا عليه بما تعرفون» تنبيه على دفع ما يتوهّم من أنّ القناعة من العلم بما يتّسعه القلب تؤدّي إلى العجز عن مخاصمة الشيطان، والاستكثار منه من أسباب القوّة على معارضته ودفعه. وجوابه: أنّ الإقبال على الشيطان بما تعرفون من العقائد المعتبرة في أصل الإيمان يكفي في دفعه «فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفا». والمراد بقوله: «خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه تعالى»: خاصموه بآثار قدرته، الدالّة على إلهيّته وتوحيده، الظاهرة في أنفسكم وفي العالَم. وبآثار قدرته، الظاهرة في الرسول وعلى يده، الدالّة على رسالته. وبآثار قدرته الظاهرة في الوصيّ من فطانته وعلمه وصلاحه بعد تنصيص النبيّ صلى الله عليه و آله على عينه أو صفاته. (4)

.


1- . في الكافي المطبوع: «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . النساء (4): 76.
3- . في المصدر: + «والعمل».
4- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 150 _ 151.

ص: 439

. .

ص: 440

. .

ص: 441

باب المستأكل بعلمه والمباهي به

الباب الخامس عشر : بَابُ الْمُسْتَأْكِلِ بِعِلْمِهِ وَالْمُبَاهِي بِهِوأحاديثه كما في الكافي ستّة.

الحديث الأوّلروى في الكافي عَن مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى؛ وَعَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعا، عَنْ حَمَّادِ، عَنْ ابْنِ أُذَيْنَةَ (1) ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ دُنْيَا، وَطَالِبُ عِلْمٍ؛ فَمَنِ اقْتَصَرَ مِنَ الدُّنْيَا عَلى مَا أَحَلَّ اللّه ُ لَهُ، سَلِمَ؛ وَمَنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا، هَلَكَ إِلَا أَنْ يَتُوبَ أَوْ يُرَاجِعَ؛ وَمَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ وَعَمِلَ بِعِلْمِهِ، نَجَا؛ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا، فَهِيَ حَظُّهُ».

هديّة :(المستأكل بعلمه) أي الذي يطلب أكل أموال الناس من غير حلّها بفقاهته من شغل الفتوى بغير حقّ أو غيره من الوجوه. (والمباهي به) أي المفتخر به على وجه الاستكبار. روى الصدوق رحمه الله في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «من استأكل بعلمه افتقر» فقلت: جُعلت فداك، إنّ في شيعتك ومواليك قومٌ يتحمّلون علومكم، ويبثّونها في شيعتكم، ولا يعدمون منهم البرّ والإحسان والصّلة والإكرام؟ فقال عليه السلام : «ليس اُولئك المستأكلين، إنّما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علمٍ ولا هدىً من اللّه عزّ وجلّ ليبطل به الحقوق؛ طمعا في حُطام الدنيا». (2) وأيضا بإسناده عن عبدالسّلام بن صالح الهروي، قال: سمعت أبا الحسن الرِّضا عليه السلام يقول: «رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا» فقلت له: وكيف يُحيي أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس؛ فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا» قال: فقلت: ياابن رسول اللّه ، فقد روي لنا عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «مَن تعلّم علما ليماري به السّفهاء، أو يُباهي به العلماء، أو ليقبل بوجوه الناس إليه فهو في النار؟» فقال عليه السلام : «صدق جدّي، أفَتَدري مَن السّفهاء؟» فقلت: لا يا ابن رسول اللّه ، قال: «هم قصّاص مخالفينا، (3) وَتَدري مَن العلماء؟» فقلت: لا يا ابن رسول اللّه ، قال: «هم علماء آل محمّد صلى الله عليه و آله ؛ الذين فرض اللّه طاعتهم وأوجب مودّتهم»، ثمّ قال: «و تدري ما معنى قوله: أو ليقبل بوجوه الناس إليه؟» قلت: لا، قال: «يعني بذلك _ واللّه _ ادّعاء الإمامة بغير حقّها، ومَن فعل ذلك فهو في النار». (4) قوله عليه السلام : «ليماري به» على المعلوم، من الممارات بمعنى المجادلة والمخاصمة. ولعلّ المراد بقصّاص المخالفين: علماؤهم المبالغون في مديح طواغيتهم. و«المنهوم»: الحريص من النَهَم بالتحريك، وهو إفراط الشهوة في الطعام. نَهِمه _ كعلم _ نهما، ونُهِم بكذا، وهو منهوم؛ أي مولع به حريص عليه. والنَّهْمَة بالفتح: بلوغ الهمّة في الشيء. (5) (لا يشبعان) على المعلوم، من باب عَلِمَ. في بعض النسخ: «طالب الدنيا، وطالب العلم». (فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلَّ اللّه له سلم) إشارةٌ إلى حديث: «الدنيا دنياآن» (6) ودلالةٌ على أنّ الحريص على الدنيا الحلال ليكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصِل به رحِمهُ ممدوحٌ، كالحريص على أخذ العلم عن أهله ليعمل به. (أو يراجع) الظاهر أنّه ترديد من الراوي. واحتمال: أو يراجع بالمال إلى صاحبه في الآخرة، كما ترى. (من أهله) أي الذين لا يتطرّق إلى علمهم الغلط؛ للعقل عن اللّه بالعصمة. وفي حكم أهل العلم في صحّة الأخذ عنهم ثقات علماء شيعتهم الذين رُخّص في الأخذ عنهم عند عدم التمكّن من لقائهم عليهم السلام . (ومن أراد به الدنيا فهي حظّه) أي في الدنيا، «و ما له في الآخرة من نصيب» . (7) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «طالب دُنيا وطالب علم» أي حريص على مالها، وحريص على طلبه. «أو يراجع» أي بالمال إلى صاحبه في يوم الحساب لو لم يستغرق المال حسنات الغاصب؛ فإنّ الظالم الذي يستوعب المظلمة حسناته لا يُغفر، بخلاف الذي يبقى له من حسناته بعد المراجعة بين الغاصب والمغصوب منه في القيامة، قال اللّه تعالى في سورة البقرة: «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (8) . ويجيء _ في كتاب الإيمان والكفر في الأوّل من الباب الخامس والتسعين والمائة باب في أنّ الذنوب ثلاثة _ ما يوافق مضمونه هذا من قوله: «وأمّا الذنب الذي لا يغفر، فمظالم العباد بعضهم لبعض _ إلى قوله _ : فيقتصّ للعباد بعضهم من بعضٍ حتّى لا تبقى لأحدٍ على أحدٍ مظلمةٌ، ثمّ يبعثهم للحساب». و«من» في «من أهله» تبعيضيّة أو ابتدائيّة. والضمير على الأوّل راجع إلى مصدر الأخذ أو إلى العلم، وعلى الثاني إلى العلم. والمراد ب «أهله» على الأوّل: من يستحقّ أن يأخذ العلم، فاحترازٌ عن الذي قَصْده من أخذ العلم حُطام الدنيا لا ثواب الآخرة. وعلى الثاني: من يقوم برهان عقليّ أو نقليّ على أنّه من العلماء الذين افترض اللّه طاعتهم وأمر بسؤالهم عند المشكلات والمتشابهات. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «النَهَم»: إفراط الشهوة في الطعام وشدّة الحرص عليه. شُبّه إفراط الشهوة في طلب الدنيا وطلب العلم، وشدّة الحرص عليهما بإفراط الشهوة في الطعام و شدّة الحرص عليه، واستعمل الموضوع له فيهما. «طالب الدنيا» أي من يكون مطلوبه الدنيا لنفسها لا لرفع الحاجة؛ فإنّ طالبها لرفع الحاجة طالب الكفاية. (9) «وطالب علمٍ» أي من يكون شهوته في طلب العلم لحصول العلم له، فهذان لا يشبعان، ولا يصلان إلى حدّ يزول شهوتهما في الزيادة؛ حيث لا نهاية لهما، ولا انزجار للقوى الإنسانيّة عنهما. ولمّا حكم بأنّهما لا يشبعان ولم يكن فيه تفصيل حالهما، فصّله بقوله: «فمن اقتصر من الدنيا المطلوبة له على ما أحلَّ اللّه له» وكفّ عمّا حرّمه عليه «سلم» عن الهلاك بارتكاب ما حرّمه اللّه عليه منها، واستحقاق العقاب وإن كان فيه شهوة الطلب «ومَنْ تناولها من غير حلّها» يهلك بارتكاب المحرّم واستحقاقه العقاب. ولم يتعرّض في التفصيل لذمّ الرغبة في الدنيا، بل اقتصر على ما هو مناط الهلاك والنجاة عنه صريحا، ويعلم منه كون الموصل إلى الهلاك غالبا مذموما. ولمّا حكم بهلاكه مطلقا استثنى منه مَن حصل له النجاة بالتوبة، أو بأن يراجع (10) اللّه عليه بفضله وقبوله وهو توّاب على عباده، والتوبة بشروطها يحصل بها النجاة لكلّ من يتوب. وأمّا النجاة بمراجعة اللّه بفضله على العبد فلمن يستحقّ فضل اللّه وقبوله، ويتوب اللّه عليه؛ فإنّ من تناولها من غير حلّها في الجملة وفي بعض الأحوال دون بعض، ربّما يكون بكثرة الطاعة والاجتناب عن أكثر الكبائر مستحقّا لأن يتوب اللّه عليه ويراجعه بفضله وقبوله، فيُنجيه من الهلاك وتشديد الأمر عليه بالعقاب وقال: «إلّا أن يتوب، أو يراجع» على البناء للمجهول، أي يراجعه اللّه بفضله. أو على البناء للفاعل، أي يراجع اللّه ذلك المتناول من غير الحلّ في الجملة، ويكون كثيرَ المراجعة إلى اللّه بالطاعات وترك أكثر الكبائر من المعاصي، فيراجع اللّه عليه بفضله؛ لاستحقاقه له بمراجعته إلى اللّه . «ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا» تفصيل لحال طالب العلم بأنّ النّجاة لمن أخذ العلم من أهل العلم، وهو العالم المأخوذ علمه من المأخذ الذي يجب الأخذ عنه، العامل بعلمه، المطابق قوله لفعله. والمراد ب «العلم المأخوذ»: ما يشمل المسائل والأدلّة الشرعيّة والبراهين العقليّة. وب «أهله»: من يكون عالما بها بالأخذ عمّا يجب الأخذ عنه من النظر العقلي، والرجوع إلى الحجّة ولو بوسائط وعمل به. (11) فحصول النجاة بالعلم المقرون بالعمل به. وما ذكر إنّما يكون لمن يريد العلم لحقّيّته وللعمل على وفقه ومقتضاه ويترتّب عليه. ومن لم يعتقد (12) بالأخذ من أهل العلم ولم يعمل بعلمه، فلا يكون همّه بالعلم لتحقيق الحقّ والعمل به، إنّما همّه بطلب العلم ليقال: إنّه عالم، ويتبعه الجهّال، ويراجعه السلاطين، أو الأكابر من أهل الدنيا ليرخّص لهم فيما يريدونه من المحظور، فيأكل من عطاياهم وجوائزهم، ويترأّس بقربهم على من لا رئاسة له عليه، وهو الذي عبّر عنه بقوله عليه السلام : «ومن أراد به الدنيا فهي حظّه» أي نصيبه وما يصل إليه من طلبه العلم. وليس له من العلم والعمل المترتّب عليه، والنجاة المترتّب عليهما حظّ، إنّما حظّه دنياه التي نالها بطلبه. (13) وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا» هذا من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ العلم عنهم عليهم السلام ولا يجوز الاستقلال بالأفكار في العقائد (14) ؛ لأنّ المستقلّ بفكره، أي الذي لم يأخذ المقدّمتين عنهم عليهم السلام كثيرا مّا يُخطئ في مادّة أفكاره. (15)

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى؛ و عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمربن اُذينة».
2- . معاني الأخبار ، ص 181 ، باب معنى الاستئكال بالعلم» ؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج 2 ، ص 117 _ 118 ، ح 14.
3- . في المصدر: «من مخالفينا».
4- . معاني الأخبار ، ص 181 ، باب معنى قول الصادق عليه السلام من تعلم علما ليماري به السفهاء أو... ، ح 1؛ عيون أخبار الرضا ، ج 2 ، ص 275 ، ح 60 . و روي عنهما في بحارالأنوار ، ج 2 ، ص 30 ، ح 13.
5- . راجع: القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 184؛ لسان العرب ، ج 12 ، ص 593 (نهم).
6- . المرويّ في الكافي ، ج 2 ، ص 131 ، باب ذم الدنيا و الزهد فيها ، ح 11 ، و ص 317 ، باب حبّ الدنيا و الحرص عليها ، ح 8؛ و عنه في بحارالأنوار ، ج 70 ، ص 20 ، ح 9.
7- . الشورى (42): 20.
8- . البقرة (2): 81 .
9- . في «ب» و «ج»: «للكفاية».
10- . في المصدر: «يرجع».
11- . من قوله: «و بأهله _ إلى _ و عمل به» لم يرد في المصدر.
12- . في المصدر: «لم يتقيّد».
13- . الحاشية على اُصول الكافي ، 151 _ 153.
14- . في المصدر: + «والأعمال».
15- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 94 .

ص: 442

. .

ص: 443

. .

ص: 444

. .

ص: 445

. .

ص: 446

الحديث الثانيروى في الكافي عَن الاثنين، عَنْ الْوَشَّاءِ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْاخِرَةِ نَصِيبٌ؛ وَمَنْ أَرَادَ بِهِ خَيْرَ الْاخِرَةِ، أَعْطَاهُ اللّه ُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ».

هديّة :يعني من طلب العلم من مأخذه الذي مأخذه الحجج (2) المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه لخصوص منفعة الدنيا، أو لحرام منفعتها لم يكن له في الآخرة نصيب من الثواب. ومن أراد به خير الآخرة بالتعلّم والعمل به، والتعليم للّه تبارك وتعالى أعطاه خير الدنيا والآخرة. وفي الحديث دلالة بيّنة على أنّ العلم الحقيقي لا يحصل للرعيّة في اُمور الدِّين إلّا بالأخذ عن مأخذه الحقيقي الذي مأخذه خزائن علم اللّه تبارك وتعالى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: يعني من طلب علم الحديث لمنفعة الدنيا، كمنصب الفتوى والقضاء لم يكن له في الآخرة نصيب من الجنّة. ومن أراد به خير الدنيا والآخرة أعطاه خير الدنيا من العزّة وسعة الرزق ونحوهما، وخير الآخرة من النجاة ودخول الجنّة ورفعة الدرجة.

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْاَ?ْبَهَانِيِّ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْاخِرَةِ نَصِيبٌ».

هديّة :بيانه كسابقه.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء».
2- . في «الف»: «علم الحجج».

ص: 447

الحديث الرابعروى في الكافي بهذا الإسناد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ مُحِبّا لِدُنْيَاهُ، فَاتَّهِمُوهُ عَلى دِينِكُمْ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيْءٍ يَحُوطُ مَا أَحَبَّ» . وَقَالَ عليه السلام :«أَوْحَى اللّه ُ تعالى إِلى دَاوُدَ عليه السلام : لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَالِما مَفْتُونا بِالدُّنْيَا؛ فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي؛ فَإِنَّ أُولئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ الْمُرِيدِينَ، إِنَّ أَدْنى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِ عَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ».

هديّة :(محبّا لدنياه) أي لحرامها. وفي الحديث كما رواه الصدوق رحمه الله في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «ليس منّا من لم يحبّ جمع المال من الحلال ليكفّ به وجهه، ويقضي به دَينه ويصِل به رحمه». (1) (فاتّهموه على دينكم) أي فاقطعوا بأنّه ضرر دينكم بعدم موافقة قوله لفعله، أو ظنّوه كذا. يُقال: اتَّهَمه بمعنى ظنّه كتَوَهَّمه، وظَنَّه بمعنى علمه كثير. وقيل: يعني فاعتقدوه متّهما في قوله وفعله صونا على دينكم. (2) و«الحوط» و«الحياطة»: الحفظ والصيانة. يعني فإنّ كلّ محبّ مع محبوبه ويراعي جانبه. وحبّ الدِّين وحبّ الدنيا الحرام كحبّ أمير المؤمنين عليه السلام وحبّ الثاني _ مثلاً _ لا يجتمعان في قلبٍ قطّ. لمّا كان البغض الكامن من المهلكات كالسمّيّات فلذا تمحّل المخالفون برضاه عليه السلام على قتل الثالث باستحباب بغضه على قدر شعيرة. فأظهروا على المنابر ورؤوس الخلائق؛ فرارا عن بلائه المبرم، وقصدا إلى الخلاص من المرض الباطني المهلك اُظهر أو لم يُظهر. (لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدُّنيا) كالمدّعي لعلم الدِّين بالكشف من دون استناد في علمه إلى الحجّة المعصوم المنحصر عدده في حكمة اللّه سبحانه. أي لا تجعله وسيلة التقرّب إليّ ظنّا منك بادّعائه وادّعاء رهطه المريدين أنّه صاحب الكشف والكرامات، وعالِم بالأسرار والخفيّات، وهو بتركه للدُّنيا مفتون بها كمن ترك الدنيا للدُّنيا، والدليل على ذلك أنّه يحبّ كثرة المريدين من الحمقاء، ويدّعي المكاشفة بالرياضة الممنوعة شرعا، ويُظْهِر العلم بالأسرار وحقائق الأشياء من دون أن يكون حجّة معصوما منصوصا، أو تابعا له فيما أمر به ونهى عنه. قال برهان الفضلاء: «يحوط» على المضارع المعلوم من باب نصر، أو التفعيل. و«الحوط» و«التحويط»: المحافظة والرعاية. و«ما» مصدريّة، أو موصولة. فعلى الأوّل: المصدر نائب عن ظرف الزمان والعائد مقدّر، فبمعنى: يحوطه مدّة حبّه إيّاه، فلو زال الحبّ لزال الحوط. وعلى الثاني: من قبيل وضع الظاهر موضع الضمير لإفادة التعليل، فبمعنى: يحوطه لحبّه إيّاه. والمراد بنزع حلاوة المناجاة من قلوبهم: عدم توفيقهم للرجوع إلى محكمات الكتاب والسنّة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «يحوط ما أحبّ» أي كلّ محبّ لشيء يحفظه ويتعهّد من هذا الشيء ومن مقابله ما أحبّ، وحبّه (3) المقابل للشيء المنافي له لا يجامع حبّ ذلك الشيء؛ فمن أحبَّ الدنيا لم يحبّ الآخرة كما في قول أمير المؤمنين عليه السلام : «فمَن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها». (4) وللإشعار إلى ما ذكر قال: «يحوط ما أحبّ» ولم يقل: «يحوطه». ومن المعلوم أنّ حفظ الدنيا وتعهّدها لا يجامع إظهار الحقّ والعمل به غالبا، فمن يحوطها يميل إلى الباطل كثيرا، فكلّ قول وفعل منه مظنّة كونه من الكثير الغالب، فينبغي أن يتّهمه العاقل ويسيء الظنّ به، ولا يأتمنه على دينه، ولا يعتمد عليه في أخذ العلوم الدينيّة. «لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا بالدُّنيا» أي لا تجعل المفتون بالدُّنيا أي المُعجَب بها بين اللّه وبينك وسيلةً إلى حصول معرفة اللّه ومعرفة دينه وشريعته التي شرّعها لعباده، «فيصدّك» ويمنعك «عن طريق محبّتي» بالترغيب إلى الدنيا، وتهييج الشهوة إلى طلبها، وتشييد محبّتها في القلب. «فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين»؛ لأنّهم يُميلون الناس من الرغبة إلى اللّه وإلى الآخرة إلى الرغبة في الدنيا وأسبابها، أو لأنّهم بإراءتهم للناس أنّهم علماء أمالوا الناس من طلب العالم الربّاني إلى الرجوع إليهم والأخذ عنهم، فأضلّوهم عن السبيل إليه. «أدنى ما أنا صانع بهم» أي أقلّ ما أجزيهم بكونهم مفتونين بالدُّنيا، وذلك لمن فيه أقلّ مراتب الافتتان، وهو المتحرّز عن تناولها لا من حلّها مع حبّه لها «أن أنزع حلاوة مناجاتي» أي الحكاية معي والدّعاء وعَرْض الحاجة عليَّ من قلبه، وذلك لشغل قلبه بالدُّنيا عن اللّه سبحانه وعن حقوقه، فلا يدرك حلاوة المناجاة؛ لشغل قلبه بغير من يناجيه، أو لأنّ إدراكه لكيفيّة المناجاة وطعمها مشوب بإدراك كيفيّة نيل الدنيا وطعمها، وهي مرّة في ذاتها وإن وافقت ذائقته، فلا يخلص له حلاوة المناجاة مع ربّه ، فهو سبحانه بتركه على افتتانه نَزَع حلاوة المناجاة عن قلبه. ولا يبعد أن يقال: المراد بالمناجاة هنا معناه الأصلي من المسارّة، و الحكاية بالسرّ؛ فإنّ في الإسرار مع الحبيب حلاوةً ليس في الإظهار، وهو لحبّه للدُّنيا وافتتانه بها يحلو (5) عنده وفي ذوقه الإظهار دون الإسرار. (6)

.


1- . الفقيه ، ج 3 ، ص 167 ، ح 3615؛ الكافي ، ج 5 ، ص 72 ، باب الاستعانة بالدنيا على الآخرة ، ح 5 ؛ تهذيب الأحكام ، ج 7 ، ص 4 ، ح 10. و في المصادر: «لاخير فيمن لا يحب» بدل «ليس منا من لم يحب».
2- . قاله في الوافي ، ح 1 ، ص 213.
3- . في المصدر: «محبّة».
4- . نهج البلاغة ، ص 486 ، الحكمة 103؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 129 ، ح 134.
5- . في جميع النسخ: «يخلو» بالمعجمة ، و ما أثبتناه من المصدر، و هو الصحيح.
6- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 153 _ 155.

ص: 448

. .

ص: 449

الحديث الخامسروى في الكافي عَن الأربعة، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّه ِ، وَمَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ، فَاحْذَرُوهُمْ عَلى دِينِكُمْ».

.


1- . يعني «عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوقلي ، عن السكوني».

ص: 450

هديّة :يعني العلماء من الرعيّة اُمناء الرُّسل وأوصياؤهم بدليل: (ما لم يدخلوا في الدنيا) أي حرامها تبعا للسلطان الجائر طمعا فيها من غير تقيّة أو ضرورة اُخرى. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني علماء الأحاديث اُمناء حجج اللّه في الاُمم في الدنيا، أي في محبّتها. «وما دخولهم في الدنيا؟» أي وما علامة دخولهم فيها. والمراد ب «السلطان»: الجائر من الملوك. «فاحذروهم على دينكم» أي فاحترزوا عن ضرر فتاويهم ظنّا على دينكم. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «اتّباع السلطان»: اتّخاذ طريقته قدوةً واستحسان ما حسّنه، واستقباح ما قبّحه، والاهتمام بفعل ما يرتضيه وترك ما ينكره. «فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» أي فاحذروهم محافظةً على دينكم، أو خوفا منهم على دينكم، ولا تراجعوهم للسؤال عن المعارف الإلهيّة والمسائل الدينيّة. (1)

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ النيسابوريّين، (2) عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ رِبْعِيِّ (3) ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ يُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ؛ إِنَّ الرِّئَاسَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَا لِأَهْلِهَا».

هديّة :قد علم بيانه بذكر الحديث عن أبي الحسن الرِّضا عليه السلام في هديّة الأوّل. في بعض النسخ: «عن حريز» مكان «عن ربعي» وكلاهما من الثقات. «تبوّأ من كذا»: اتّخذه منزلاً. الجوهري: تبوّأتُ منزلاً: نزلتُه، وبوّأت له منزلاً هيّأت ومكّنته فيه. (4) والمراد ب «الرئاسة» هنا: الإمارة في الدِّين، وب «أهلها»: حجج اللّه المعصومون المنصوصون، فتعريض على أئمّة الضلالة. قال برهان الفضلاء: يعني من طلب العلم للمغالبة بفضله وبهائه على العلماء من أهل البيت عليهم السلام أو ليجادل به السفهاء بالاستدلالات الظنّيّة في المسائل المختلَف فيها بين المجتهدين في اصطلاح المخالفين، أو يصرف بالقضاء والإفتاء وجوه الناس إلى جانبه؛ فإنّ رئاسة أهل الإسلام لا تصلح إلّا للعالم بجميع المسائل الدينيّة بلا اتّباع منه للظنّ بالاستدلالات الظنّية فيما يجري فيه، وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «المباهاة»: مفاعلة من البهاء، ومعناه (5) المغالبة في الحُسْن؛ أي فيما يعدّ من المحاسن والمفاخر. و«المماراة»: المجادلة والمنازعة. والمراد أنّ من طلب العلم لتحصيل الرئاسة. و من وجوهها التي تناسب طلب العلم: المفاخرة، وادّعاء الغلبة به، وذلك مع العلماء لا يصل إلى النزاع والجدال؛ حيث لا يمارون بعلمهم؛ لقبحه، (6) فيسلّم له المفاخرة وادّعاء الغلبة مع الجهّال المتلبّسين بلباسهم يورث النزاع والجدال، وإذا كانت الرئاسة مطلوبةً له يماري ويجادل ليظهر غلبته عليهم. ومنها: صرف وجوه الناس إليه، (7) فيما ينبغي المراجعة فيه إلى من هو أهل الرئاسة. ولا ينتقل الذهن إلى وجهٍ آخر من الرئاسة يناسب طلبَ العلم ولا يؤول إلى ما ذكر عليه السلام . «فليتبوّأ مقعده من النار» أي فلينزل مكانه ومقرّه من النار، أو فليتّخذ مقرّه ومكانه من النار. «إنّ الرياسة لا تصلح إلّا لأهلها» دليل لما قبله. وأهل الرئاسة من أوجب اللّه على عباده المراجعة إليه، والأخذ عنه، والتسليم لأمره، وتحمّلها بالنسبة إليهم من التكاليف الشاقّة حيث لا يريدونها؛ لما عرفوه بعقولهم الكاملة ومعارفهم الربّانيّة من الفضل في تركها وعدم إرادتها، فهم يفعلون فعل الرؤساء في زيّ (8) الفقراء، ولا يزدادون بفعلهم ورئاستهم إلّا كسر أنفسهم، كما في دعاء بعضهم عليهم السلام : «اللّهُمَّ لا تجعل لي عزّا ظاهرا إلّا وجعلت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها (9) ». (10)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي ، ص 155.
2- . يعني: «محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان».
3- . في الكافي المطبوع: «ربعي بن عبداللّه ».
4- . الصحاح ، ج 1 ، ص 370 (بوأ).
5- . في المصدر: «معناها».
6- . في المصدر: «لعلمهم بقبحه».
7- . في المصدر: + «من العالم الرباني ، فيحصل له الرئاسة بمراجعة الناس إليه».
8- . في جميع النسخ: «ذوي» مكان «زيّ». وما أثبتناه من المصدر.
9- . الصحيفة السجّاديّة، ص 93، الدعاء 20.
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 156.

ص: 451

. .

ص: 452

. .

ص: 453

باب لزوم الحجّة على العالم وتشديد الأمر عليه

الباب السادس عشر : بَابُ لُزُومِ الْحُجَّةِ عَلَى الْعَالِمِ وَتَشْدِيدِ الْأَمْرِ عَلَيْهِوأحاديثه في الكافي أربعة:

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ:«يَا حَفْصُ، يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ سَبْعُونَ ذَنْبا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ».

هديّة :بيان العنوان: إنّ العالم الذي في عداد علماء الإسلام ليس له عذر إذا عصى ولا يسمع منه، وحاله في (لزوم الحجّة وتشديد الأمر عليه) أسوأ من الجاهل الذي في مقابله وإن كان عالما بحرمة ما فعل، أو وجوب ما ترك فضلاً عن الجاهل بهما، كما يشدّد على الصغير في تأديبه بأكثر ممّا في تأديب الأصغر، ولعلّ «السبعين» كناية عن الكثرة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : هذا باب بيان دوام احتجاج اللّه تعالى على العالم وبيان تشديده عليه، بمعنى أنّ العالم بالوعيد على فعل المعصية والوعد على تركها حاله بعصيانه أسوأ من حال من لم يعلم وعصى ولو علم أنّ ما فعل معصية. أو بمعنى أنّ العالم بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ إذا ترك العمل بها فحاله أسوأ في القيامة من العامل بالظنّ؛ لجهله بها. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنبٌ واحد» للجهل بالحكم مراتب: أحدها: جهل المكلّف بالحكم الشرعي مطلقا، بأن لا يعلمه بالأخذ عن العالم تقليدا و لا بالأخذ من أدلّته التفصيليّة، ولا يعلم ما يترتّب عليه من الفضل والثواب، وعلى تركه من الخذلان والعقاب (2) ؛ فإنّ العلم بما يترتّب عليه فقط مع عدم العلم بالمكلّف به بنحو من النحوين لا ينقص في الجهل رتبة عن عدم العلم مطلقا. وثانيها: عدم العلم به من أدلّته التفصيليّة، وعدم العلم بما يترتّب عليه وعلى تركه مع العلم التقليدي. وثالثها: عدم العلم بما يترتّب عليه مع العلم به من الأدلّة. وإن اعتبر التقليد والاستدلال بالنظر إلى العلم بما يترتّب عليه فعلاً وتركا، زادت المراتب، وكلّ مرتبة من الجهل جهلٌ بالنسبة إلى ما فوقها، وما فوقها علم بالنسبة إليه. ثمّ الجاهل والعالم في كلامه عليه السلام يحتمل الجاهلُ على الإطلاق الذي لا يقال له: «العالم» أصلاً، والعالِمُ على الإطلاق الذي لا يطلق عليه «الجاهل» أصلاً. ويحتمل الجاهل والعالِم الإضافيّين، فالأمر شديد على كلّ عالم بالنسبة إلى من هو جاهل بالنظر إليه. (3) وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: المراد ب «العالم» هنا: كامل العلم من الرعية، أعني العالم بالاُصول والفروع من العلوم الدينيّة على ما ينبغي. وب «الجاهل» خلافه. أو كان المراد ب «العالم»: من يعدّ عالما عرفا، ومن له تلك المعرفة، وب «الجاهل» خلافه.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عليّ بن إبراهيم بن هاشم».
2- . في المصدر: + «أويعلمه». و من قوله: «فإنّ العلم _ إلى _ عن عدم العلم مطلقا» أورده في المصدر في الهامش.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 157 _ 158.

ص: 454

الحديث الثانيروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ _ عَلى نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَ عَلَيْهِ السَّلامُ _ :وَيْلٌ لِلعُلَمَاءِ (1) السَّوْءِ كَيْفَ تَلَظّى عَلَيْهِمُ النَّارُ ؟!».

.


1- . في الكافي المطبوع: «لعلماء».

ص: 455

هديّة :(السوء) بالفتح مصدر ساءَه، نقيض سرّه، والإسم السوء بالضمّ، وقرئ بهما «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ» (1) الجوهري: وتقول: هذا رجل سوء، ورجل السوء بالفتح والإضافة فيهما. وقال الأخفش: ولا يقال: هذا رجل السوء بالضمّ (2) . و«العالم السوء»: من لا يعمل بما علم. والمصدر يقع صفة للجمع كما للمفرد. (تلظّى) على التفعّل، أي تتلهّب وتضطرم. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «السوء» بالضمّ والهمز: الآفة، كالبرص والجذام. والمراد هنا: آفة دين المسلمين بحبّ الدنيا، واتّباع الظنّ في الأحكام ونحوهما. و«كيف» للتعجّب. وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله: يُقال: ساءه سوءا، ورجل سَوْءٍ بفتح السين والإضافة. ويُقال: علماء السوء، بالإضافة؛ فإنّ من يظهر منه السوء كأنّه لا يعرف إلّا السوء، فاُضيف الصفة إلى السوء معرفةً كالضارب رجل (3) ، أو غير معرفة. ثمّ لمّا أراد التعبير عن الصفة المضافة إلى معمولها وتعريفها، قال: «العلماء السوء» وليس السوء في مثل هذا الموضع صفةً بل مضاف إليه لكن الإضافة هنا في معنى التوصيف؛ أي المضاف موصوف بما اُضيف إليه، والمشتقّ منه محمول على المضاف كما قيل في رجل سوء وامرأة سوء. «تلظّى» أي تلهّب وتشتعل وتمدّ لهبها «عليهم النار (4) ».

.


1- . التوبة (9): 98.
2- . الصحاح، ج 1، ص 55 (سوأ).
3- . في المصدر: «الضارب الرجل».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 158.

ص: 456

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ الخمسة (1) ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«إِذَا بَلَغَتِ النَّفْسُ هَاهُنَا _ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى حَلْقِهِ _ لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِمِ تَوْبَةٌ»، ثُمَّ قَرَأَ : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ» .

هديّة :(النفس) هنا بسكون الفاء: الرّوح. والآية في سورة النساء قال اللّه تبارك وتعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّه ِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّه ُ عَلِيما حَكِيما* وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْانَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابا أَلِيما» (2) . فقراءته عليه السلام هذه الآية إشارة إلى تفسيرها؛ دفعا للتوهّم الناشئ من أداة الحصر فيها: أنّ العالم ليست له التوبة أصلاً؛ وتصريحا بأنّ الحصر إنّما هو لإفادة أنّ الفرق بين العالم والجاهل في قبول التوبة وعدمه، إنّما هو عند الإشراف على المعاينة التي يسدّ عندها باب التوبة؛ إذ لا معنى لقبولها عند رؤية المكان من الجنّة أوالنار، فتُقْبل توبة الجاهل قبل المعاينة ولو بنَفَسٍ، وتوبة العالم قبلها بنفسين بدلالة «حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ» هنا، و «حتّى إذا بلغت الحلقوم (3) » في موضع آخر. وفي بعض التفاسير: ومن لطف اللّه بعباده أمره قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصدر، ثمّ ينتهي إلى الحلق فيعاين؛ ليتمكّن في هذه المهملة من الإقبال بالقلب على اللّه ، والوصيّة، والتوبة ما لم يعاين، والاستحلال، وذكر اللّه ، فيخرج روحه وذكر اللّه بالتولّي والتبرّي (4) على لسانه، فيرجى بذلك حسن خاتمته إن شاء اللّه تعالى (5) . والتوبة والرجوع والإنابة، فإذا نسبت إلى اللّه تعالى تعدّت ب «على»، وإذا نسبت إلى العبد تعدّت ب «إلى». قال اللّه تعالى: «ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا» (6) أي ألهمهم التوبة، أو وفّقهم لها ليرجعوا، فإذا رجعوا قبل المعاينة على التفصيل المذكور قبل توبتهم وهو التوّاب الرحيم. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «النفس» بالسكون: الروح. وظاهر هذا الحديث دلالة على إبطال تجرّد النفس الناطقة. والمراد ب «العالم»: من علم أنّ الكبيرة هي المعصية التي أوعد اللّه بها النار، وب «الجاهل»: من لا يعلم ذلك، ولا يفرّق بين الكبيرة والصغيرة مع علمه بحرمتهما. و«السوء» في الآية بمعنى الكبيرة. و«الباء» في «بجهالة» للملابسة. وفي الآية دلالة على أنّ التوبة عن الكبيرة عند بلوغ النفس إلى الحلق لا تقبل أصلاً مع العلم بالكبيرة، إلّا أن تكون حقّ الناس، فتقع المراجعة بالحسنات، فتحتمل النجاة بعد الحساب، وإلّا فلا، كما مرّ في شرح الأوّل من الباب السابق. وفي حقّ اللّه أيضا تحتمل النجاة بعد الحساب وإن لم تقبل التوبة عند بلوغ النفس إلى الحلق. و«ثمّ» في تمام الآية في سورة النساء للتراخي. و«من» بمعنى «في». و«قريب» عبارة عن الوقت المتّصل بلقاء اللّه ، وهو وقت بلوغ النَفْسِ إلى الحلق. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «إذا بلغت النفس» هاهنا دلالة على أنّه لم يكن للعالم توبة عند الاحتضار. (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: المراد ببلوغ النفس إلى الحلق قطع تعلّقها عن الأعضاء، والانتهاء في قطع التعلّق إلى حوالَي الحلق من الصدر (8) والرأس، وهو آخر ساعة من الحياة الدنيويّة. «لم يكن للعالم توبة» أي لمن يعلم الأدلّة وما يترتّب على العمل فعلاً وتركا، تضييقا وتشديدا للأمر عليه. «ثمّ قرأ إنّما التوبة الآية» تمسّك فيما قاله بكتاب اللّه سبحانه؛ حيث حكم بانحصار استحقاق قبول التوبة للجاهلين و«الجاهل» هنا مقابل «العالم» بالمعنى الذي ذكرنا. وحمل الآية على انحصار قبول التوبة عند الخروج من الدنيا للجاهل؛ لدلالة الأدلّة على قبول التوبة لغير الجاهل قبله (9) . انتهى. أوّل بيانه بتمامه ظاهرا على القول بتجرّد النفوس الناطقة كما هو مذهب الفلاسفة، وله مفاسد لا تحصى؛ لحقّيّة تفرّده تعالى باللّازمانيّة واللّامكانيّة كتوحّده _ جلّ وعزّ _ بالقدم والخالقيّة بمجرّد نفوذ الإرادة، فلو كان فيما سوى اللّه موجود مجرّد عن الزمان والمكان والمادّة ذاتا وبالتبعيّة، فلابدّ أن يكون تأثيره بفعله بمجرّد نفوذ الإرادة، وهو خاصّ المتفرّد بما ذكر تعالى شأنه، فكلّ جوهر جسم أوما يلتئم منه الجسم، وكلّ عرض جسماني والزمان ينتزع من استمرار البقاء للممكنات.

.


1- . يعنى: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه؛ و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير».
2- . النساء (4): 17 _ 18.
3- . إشارة إلى الآية 81 من الواقعة (56).
4- . «بالتولي و التبرّي» من إضافات المصنّف و ليس في المصدر.
5- . تفسير الصافي، ج1، ص 432، ذيل الآية 18 من النساء (4)؛ بحار الأنوار، ج 6 ، ص 16 _ 17.
6- . التوبة (9): 118.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 94 .
8- . كذا في المصدر، و في «الف» و «ب»: «الحلق» بدل «الصدر». وفي «ج»: «حلق».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 158 _ 159.

ص: 457

. .

ص: 458

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ ابْنِ عِيسى (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تبارك و تعالى : «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغَاوُونَ» ، قَالَ:«هُمْ قَوْمٌ وَصَفُوا اَلْعَدْل (2) بِأَلْسِنَتِهِمْ ثُمَّ خَالَفُوا (3) إِلى غَيْرِهِ».

هديّة :الآية في سورة الشعراء (4) . «كبّه على وجهه»: صرعه، فأكبّ. وهذا من النوادر. و«الكبكبة» مبالغة في الكبّ، كرّر اللّفظ لتكرير المعنى. و«الغيّ» بالفتح والتشديد: الضلال والخيبة، غوى يغوي _ من باب ضرب _ غيّا وغواية بالفتح فيهما، فهو غاوٍ وغَوٍ، وأغواه غيره فهو غَوِيّ على فعيل. قال الأصمعي: لا يُقال غيره، أي في الفعيل بمعنى المغويّ على اسم المفعول (5) . (وصفوا العدل) أي الإمام الحقّ، أو العدالة. بمعنى علمهم بتحريم الذنب ومعرفتهم الصغائر والكبائر، ثمّ عملهم بغير ما علموه. في بعض النسخ: «وصفوا عدلاً» بدون التعريف، «ثمّ خالفوه إلى غيره». بالضمير. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «وصفوا عدلاً» الوصف هنا بمعنى معرفة حال الشيء. والعدل: التوسّط بين الإفراط والتفريط. والمراد هنا محكمات الكتب المنزّلة فإنّها ميزان عدل في كلّ اُمّة من لدن آدم إلى انقراض زمان التكليف، ناهٍ عن اتّباع الظن آمرٌ بالسؤال عن الحجّة المعصوم. و«بألسنتهم» نعت للعدلٌ؛ فإنّ كلّ كتاب منها منزل بألسنة قوم نزل ذلك عليهم. «ثمّ خالفوه إلى غيره» أي باتّباعهم الظنّ في المتشابهات. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره» أي الغاوون قوم وصفوا عدلاً، أي حقّا ثابتا مستقرّا من العقائد والمذاهب، وذكروه بالحقّيّة بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره (6) . انتهى. في بيانه تعريض على الصوفيّة بانتحالهم التشرّع وطريقتهم الرهبانيّة التي ابتدعوها.

.


1- . في الكافي المطبوع: «عن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع: «عدلاً».
3- . فى الكافي المطبوع: «خالفوه».
4- . الشعراء (26): 94.
5- . راجع: الصحاح، ج 6 ، ص 2450.
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 159.

ص: 459

. .

ص: 460

باب النوادر

الباب السابع عشر : بَابُ النَّوَادِرِوأحاديثه كما في الكافي خمسة عشر:

الحديث الأوّلروى في الكافي عن الثلاثة (1) ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ رَفَعَهُ، قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ :«رَوِّحُوا أَنْفُسَكُمْ بِبَدِيعِ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَكِلُّ كَمَا تَكِلُّ الْأَبْدَانُ».

هديّة :يعني باب طائفة من الأحاديث المعجبة لطبائع المؤمنين بنفاستها البيّنة. (روّحوا) على الأمر من الترويح، وهو إيصال الرّاحة والتطيّب والتفريح والتنضير. (ببديع الحكمة) أي بتذاكر أحاديث الأئمّة عليهم السلام والتأمّل فيها. وبعبارة اُخرى: بتذاكر العلوم الحقّة قطعا؛ لأنّها المأخوذة عن الحجج المعصومين العاقلين عن اللّه سبحانه. والأعلميّة منحصرة فيه تعالى، فالقطع بحقّيّة شيء من المتشابهات بلا مكابرة منحصر في إخبار العاقل عن اللّه تبارك وتعالى. وفي إفراد «البديع» إشارة إلى أنّ الإضافة إضافة الصّفة إلى الموصوف؛ دلالةً على أنّ علومهم عليهم السلام كلَّها بدائع ونفائس وغرائب. و«الكلال»: مصدر قولك: كللتُ من المشي أكلّ كلالاً وكلالةً من باب ضرب؛ أي أعييت. وكَلَّ السيفُ، والرّيح، والطرف، واللِّسان يكلّ كلالاً وكلولاً أيضا من باب ضرب، وسيف كليل الحدّ، ورَجُل كليل اللِّسان. (2) وأعيا الرجل في المشي، وأعياه غيره كلاهما من باب الإفعال يتعدّى ولا يتعدّى. القاموس: عيّ بالأمر وعَيِىَ كرضي، وتعايا واستعيا وتعيّا عجز عنه، وأعيا الماشي: كلَّ، والسيرُ البعيرَ: أكلّه. (3) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «الترويح»: إيصال الراحة ببديع الحكمة؛ أي بالحديث الجديد من جملة المنقول عن الحكماء الحقّ، يعني الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام . «تكلّ» أي من العمل. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الترويح» من الرَّوح بمعنى الراحة، أو من الرَّوح بمعنى نسيم الريح ورائحته الطيّبة. أي صيّروا أنفسكم طيّبة أو في راحة ببديع الحكمة، أي ما يكون مبتدعا غير متكرّر من الحكمة بالنسبة إلى أنفسكم، فإنّ النفوس تكلّ وتعيا بالمتكرّر من المعرفة وتكرار تذكّرها، كما تكلّ الأبدان بالتكرار من الفعل (4) . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله في باب النوادر تصريحات بانحصار طريق علم الدِّين في السّماع. ومعناه باب أحاديث متفرّقة. (5)

.


1- . يعني: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- . راجع: الصحاح، ج 5 ، ص 1811 (كلل).
3- . القاموس المحيط، ج 4، ص 368 (محي).
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 159 _ 160.
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 94.

ص: 461

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ شُعَيْبٍ النَّيْسَابُورِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللّه ِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الدِّهْقَانِ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَخِي شُعَيْبٍ الْعَقَرْقُوفِيِّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ:«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: يَا طَالِبَ الْعِلْمِ، إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ؛ فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ، وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ، وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ، وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ، وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ، وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ، وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَالْأُمُورِ، وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ، وَرِجْلُهُ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ ، وَهِمَّتُهُ السَّلَامَةُ، وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ، وَمُسْتَقَرُّهُ النَّجَاةُ، وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ، وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ، وَسِلاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ، وَسَيْفُهُ الرِّضَا، وَقَوْسُهُ الْمُدَارَاةُ، وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَمَالُهُ الْأَدَبُ، وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ، وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ، وَمَأْوَاهُ الْمُوَادَعَةُ، وَدَلِيلُهُ الْهُدى، وَرَفِيقُهُ مَحَبَّةُ الْأَخْيَارِ».

.

ص: 462

هديّة :نصح صلوات اللّه عليه طالب علم الدِّين بأنّ مطلوبك متّصف بفضائل كثيرة فيجب لك الاتّصاف بها؛ طلبا لكثرة المناسبة الموجبة لشدّة المرابطة والمواصلة. كالمناسبة بين «الرّأس» و«التواضع» ضدّ التكبّر، و«العين» و«البراءة من الحسد» ضدّ المودّة، و«الاُذن» و«الفهم» ضدّ الغباوة، و«اللِّسان» و«الصدق» ضدّ الكذب، و«الحفظ» و«الفحص» _ أي عمّا يحتاج إليه في الدِّين _ ضدّ التهاون والتساهل، و«القلب» و«حسن النيّة» ضدّ سوئها، و«العقل» و«معرفة الأشياء والاُمور» ضدّ الجهل، و«اليد» و«الرّحمة» ضدّ القسوة، و«الرِّجل» و«زيارة العلماء» ضدّ الشقاوة، و«الهمّة» و«السلامة» ضدّ الهلاك؛ فإنّ الهمّة صدق القصد إلى النجاة، و«الحكمة» و«الورع» ضدّ الهوى، و«المستقرّ» و«النجاة» أي من النار، والمقرّ للناجي الجنّة، والقائد _ أي إلى الخير _ والعافية ضدّ البلاء، أي كون الناس في عافية من بلائه وبالعكس؛ فإنّ شغل الابتلاء مع عظم الموانع. و«المركب» و«الوفاء»؛ فإنّ الصبر على البلاء مفتاح الفرج. و«السلاح» أي ما يحفظه من حربة العدوّ كالسَّرد والتُرس. والمراد كتمان السرّ، لِمناسبة (1) «لين الكلمة». و«السيف» و«الرضا» أي بالقضاء، وهو يوجب الجرأة والجلادة. و«القوس» و«المداراة»؛ فإنّ بها يصاد الصيد من بعيد. و«الجيش» و«محاورة العلماء»؛ فإنّ بها يكثر الأعوان في الجهاد مع جنود الشيطان. و«المال» و«الأدب» وبه يكسب الرزق ويكثر العزّة. و«الذخيرة» و«اجتناب الذنوب» وبه يعدّ ذخائر الثواب. و«الزاد» و«المعروف» أي الإحسان؛ فإنّ الجزاء للإحسان هو الإحسان. و«الماء» و«الموادعة» أي السكون والمصالحة بالاستكانة والملائمة. و«الدليل» و«الهدى» أي من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، وهو الهادي إلى اللّه . و«الرفيق» و«محبّة الأخيار» وبها يكثر الأعوان والأنصار. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى: «فراسه التواضع» أي للحقّ؛ لما مرّ في الثاني عشر من الباب الأوّل من قوله عليه السلام : «يا هشام، إنّ لقمان قال لابنه: تواضع للحقّ تكن أعقل الناس». و«البراءة من الحسد»: الإغماض عن حطام الدنيا في أيدي أهلها. و«الفهم» هنا بمعنى حسن المعاشرة مع الناس، وهو ضدّ الحمق؛ فإنّ فهم قباحة القبائح، إنّما يحصل من استماع الكلام من ذوي الآداب الحسنة. و«الحفظ» عن التلف والهلاك. و«الفحص» يعني السؤال عن المشكل. والفرق بين «المعرفة» و«العلم»: أنّ «المعرفة» يستعمل في العلم بالجزئيّات التي تصير صغريات للشكل الأوّل، كمعرفة عدالة الشاهدين، وقِيَم المتلفات، ومقادير الجنايات وأمثالها وتسمّى بمحالّ أحكام اللّه تعالى. و«العلم» يستعمل في معرفة القواعد الكلّيّة التي تصير كُبريات للشكل الأوّل، كنفس أحكام اللّه في المسائل الفقهيّة. والفرق بين «الأشياء» و«الاُمور»: أنّ «الأشياء» يستعمل فيما لا اختيار للمكلّفين فيه، كطلوع الفجر، ودلوك الشمس وغروبها لأوقات الصلوات. و«الاُمور» تستعمل في أفعال العباد، كمقادير الجنايات الموجبة لتعيين الديات. والمراد ب «السلامة» هنا: السلامة من عقوبات الآخرة وآفات الدنيا. منها الخصومات في المباحثات. و«حكمته الورع» بفتح الحاء المهملة والكاف أيضا، وهي حديدة اللّجام. و«الورع»: الاجتناب عمّا يضرّ بالآخرة. و«القائد» هنا عبارة عن سبب الاستنباط من القضايا المعلومة المنتجة. و«العافية» يعني البراءة من الأمراض القلبيّة. و«لين الكلمة» أي عند إتمام الحجّة على الخصم. قال اللّه تعالى في سورة طه: «فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» (2) أي لفرعون. و«محاورة العلماء» أي مكالمتهم. واحتمال المجاورة بالجيم بمعنى الملازمة، كما ترى. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «إنّ العلم ذو فضائل كثيرة» أي تتبعه فضائل (3) كثيرة، بها يظهر الآثار المقصودة من العلم، وهي للعلم بمنزلة الأعضاء والقوى والآلات والخَدَم وَالتَبَعة والأسباب والأعوان. «فرأسه التواضع» تفصيل لتلك الفضائل، وابتدأ بالتي منها بمنزلة الأعضاء من العلم، وقال: «فرأسه التواضع» أي لا يفارق العلم وحصوله التواضع، فتوقّع حصول العلم بلا تواضع كتوقّع وجود شخص وحياته بلا رأس، فمن يريد حصول العلم (4) فعليه بالتواضع. و«عينه البراءة من الحسد» فالعلم مع الحسد كمن لا عين له، فلا يرى؛ فإنّ الطالب إذا حسد يخفى علمه ولا يتذاكر به، فيخفى عليه مواضع الشُّبَه ولا يتميّز عنده حقّه من باطله حقّ التّمييز. و«اُذنه الفهم» فإنّ من أخذ شيئا من العلوم، ولم يبالغ في فهمه أو فهم ما يوصله إليه، فعلمه به كالذي يخاطَب بما لا يسمع. و«لسانه الصدق» فإنّ العلم مع عدم مراعاة الصدق كالذي لالسان له ليفيد غيره. و«حفظه الفحص» وهو البحث عن الشيء، والعلم بدونه (5) كالذي لا حفظ له، فيغفل عن كثير وينسى كثيرا. و«قلبه حسن النيّة» فإنّ العلم بدونه، كالذي لا قلب له (6) ولا قوّة على أن يأتي بما ينبغي منه. (7) و«عقله معرفة الأشياء والاُمور» كمعرفة أحوال الأوقات والأعصار وأهلها. (8) «ويده الرحمة» أي على المحتاجين إلى العلم والعمل به. (9) و«رجله زيارة العلماء» ولولا زيارة العلماء لما انتقل العلم من أحدٍ إلى آخر. (10) وهذا آخر ذكر الأعضاء، وعدّ العقل فيها لكونه المدار عليه في الشخص، واحتياجه إليه أشدّ من احتياجه إلى الأعضاء. و«حكمته» أي ما به اختياره الصدق الصواب (11) «الورع» وهو التقوى والتحرّر عن ارتكاب المحرّمات. ويحتمل «حكمته» (12) بفتح الحاء والكاف، وهو المحيط من اللجام بِحَنَك الدابّة؛ أي المانع لمركبه من الخروج عن طريقه. و«مستقرّه» أي مسكنه الذي إذا وصل إليه سكن واستقرّ، فيه «النجاة» والتخلّص عن الشُّبه وطرق الضلال. و«قائده» أي ما يقوده ويجرّه نحو مستقرّه، «العافية» أي البراءة من الآفات والعاهات والأمراض النفسانيّة. و«مركبه» أي ما بركوبه وسَوقه يصل إلى مستقرّه «الوفاء» بما في ذمّته من وجوب الإتيان بما يجب فعله، والانتهاء عمّا يجب تركه، فبركوبه وسوقه يصل العلم إلى النجاة. و«سلاحه» و ما يدافع به عدوّه الذي يريد إبطاله وإسقاطه «لين الكلمة»، فإنّ لين الكلمة يؤدّي إلى قلّة التعرّض للعلم. «وسيفه الرِّضا» أي ما يدفع به العدوّ عند اللّقاء ويؤمن من غالبيّته (13) «الرِّضا»؛ فإنّه إذا رضي بما وقع من العدوّ بالنسبة إليه ولم يتعرّض لدفعه، سلم العلم عن الهلاك والاندفاع بالمماراة والجدال. «وقوسه» وما يرمي به عدوّه من بعيد «المداراة» وهو حسن الخُلق والملائمة (14) مع الخلق. «وجيشه» وما يقوى به من الأعوان والأنصار «محاورة العلماء» ومكالمتهم والمجاوبة معهم. «وماله» أي بضاعته التي يتّجر بها ويزيد بها ربحه «الأدب» وحسن التناول في التعليم والتعلّم والمعاشرة. «وذخيرته» أي ما يحرزه لوقت الحاجة «اجتناب الذنوب»؛ فإنّه إذا اجتنب لم يضعف وتبقى قوّته، بل يقوى يوما فيوما، فعند إرادة العدوّ وإزالته ينتفع به. «وزاده» وما به قوّته على سلوك الطريق «المعروف» من الأفعال. فبفعل المعروف يقوى على سلوك طريق النجاة. «وماؤه» وما يسكن به عطشه وحرقة فؤاده وحرارة كبده «الموادعة» والمصالحة. «ودليله» إلى النجاة «الهدى» أي ما يهتدي به من الطريقة المأخوذة من الكتب والرُّسل والأوصياء. «ورفيقه» وما يؤمن بمرافقته من قطع الطريق عليه «محبّة الأخيار» فإنّها تورث الاجتناب عن الشرّ واختيار الخير. (15)

.


1- . في «ب» و «ج»: «كمناسبة».
2- . طه (20): 44.
3- . في المصدر: «و فضائل».
4- . في المصدر: «طلب العلم».
5- . في المصدر: «بدون الفحص».
6- . في المصدر: «فإنّ العلم إذا لم يكن معه حسن النيّة كان كالذي لا قلب له».
7- . في المصدر: + «أو كالذي لاحياة له، و لا يظهر منه آثار وجوده».
8- . في المصدر: «و مصير كلّ شيء إلى ما ينتهي إليه، فيظهر من العلم مع تلك المعرفة ما ينبغي ظهورها منه وما يكون خيرا له حينئذٍ».
9- . في المصدر: + «فإنّ العلم مع عدم الرحمة كالذي لا يد له، و لا يقدر على ما ينبغي له أو يريد فعله».
10- . في المصدر: + «و كان كمن لا رِجْل له، و لا ينتقل من مكانه، و لا يتعدّى إلى آخر».
11- . في «ب» و «ج»: «والثواب».
12- . في «ب» و «ج»: «وحكمته».
13- . في المصدر: «غائلته».
14- . من المصدر: «المداينة».
15- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 160 _ 163.

ص: 463

. .

ص: 464

. .

ص: 465

. .

ص: 466

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى، عَنْ البزنطيّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : نِعْمَ وَزِيرُ الْاءِيمَانِ الْعِلْمُ، وَنِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ، وَنِعْمَ وَزِيرُ الْحِلْمِ الرِّفْقُّ، وَنِعْمَ وَزِيرُ الرِّفْقِ الصبر». (2)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان».
2- . في الكافي المطبوع: «العِبْرَة».

ص: 467

هديّة :«الوزارة» بالكسر وبالفتح لغة: شغل وزير السلطان. و«الوزير»: النّاصر والمعين. و«الموازرة» المعاونة. الجوهري: الوزير: الموازر، كالأكيل بمعنى المؤاكل؛ لأنّه يحمل وزر صاحبه، أي ثقله. (1) شبّه الإيمان بالسلطان، وعلم الدِّين المقرون بالعمل بوزيره. و(الحلم) بمعنى الأناة والوقار. والمتحمّل في الاُمور بوزيرٍ وزير السلطان. وهكذا في «الرّفق» بمعنى المداراة مع الناس. و«الصبر» أي على الشدائد. وفي بعض النسخ _ كما ضبط برهان الفضلاء _ : «العبرة» مكان «الصبر»، و«العبرة» بالكسر: اسم من الاعتبار. قال برهان الفضلاء: أي العلم بما يحتاج إليه في الدِّين. و«الحلم» هنا بمعنى تحمّل المشاقّ والصبر عليها. و«الرفق» بمعنى لين الكلمة. و«العبرة» بمعنى الفكر في عاقبة المتمرّدين عن طاعة اللّه بترك طاعة مفترض الطاعة. (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: «الوزير» الذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره، ويحمل عن الأمير ما حمله من الأثقال. والمراد ب «الإيمان»: التصديق بإلهيّته سبحانه، ووحدانيّته، وبالرسول وما جاء به بحيث لا يجامع الإنكار والجحود. وب «العلم»: معرفة المعارف بأدلّتها معرفة توجب مراعاتها اضمحلال الشُبه والشكوك. وب «الحلم»: الأناة وأن لا ينزعج من هيجان الغضب، (3) وهي حالة نفسانيّة توجب ترك المِراء والجدال. و«الرّفق»: الميل إلى التلطّف وتسهيل الأمر والإعانة. أو المراد به العقل. (4) و«العبرة» هي العبور العلمي من الأشياء إلى ما يترتّب عليها وينتهي إليه. فالإيمان في استقامة أمره يحتاج إلى رأي العلم وتدبيره، والعلم كذلك يحتاج إلى رأي الحلم وتدبيره، والحلم كذلك إلى رأي الرّفق وتدبيره، والرّفق أيضا إلى رأي العبرة وتدبيرها، وكلّ يحمل من سابقه ممّا حمله من الأثقال.

.


1- . في المصدر: + «وأن لا يستفزّه الغضب».
2- . الصحاح، ج 2، ص 845 (وزر).
3- . في المصدر: «و أن لا يزعجه هيجان الغضب».
4- . في المصدر: «الفعل».

ص: 468

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ الْقَدَّاحِ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ:«جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّه ِ، مَا الْعِلْمُ؟ فَقَالَ: (2) الْاءِنْصَاتُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الِاسْتِمَاعُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْحِفْظُ؟ قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللّه ِ؟ قَالَ: نَشْرُهُ».

هديّة :(ما العلم) أي العلم القطعي الذي لا يجري فيه الاختلاف أصلاً، كعلم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه. (فقال: الإنصات) أي السكوت عمّا يجري الاختلاف فيه وفي دليله بلا مكابرة ممّا يحتاج إليه في الدِّين. وكلمة (مَهِ) إمّا مخفّف «ما هو» أو قد يكتب «م» مخفّف «مامع» «هاء» السكت. (قال: الاستماع) أي إلى كلام الحجّة المعصوم، أو من سمع منه ولو بالواسطة. قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : ظاهر تقديم «الإنصات» على «الاستماع» موافقا لما يجيء في كتاب الصلاة في الباب الثاني والعشرين باب عزائم السجود في الحديث الثالث منه من قوله: «إلّا أن يكون مُنصِتا لقراءته مستمعا لها» أنّ «وأنصتوا» في آية سورة الأعراف: «وَإِذَا قُرِءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا» (3) ليس معطوفا على الجزاء، بل على جملة مركّبة من الشرط والجزاء. والمراد الأمر بالسكوت للاستماع (4) أينما تراد قراءة القرآن ليقع الشروع فيه بلا مهلة؛ يعني فقال: يا رسول اللّه ، ما الذي يطلب في طلب العلم ليحصل العلم؟ «فقال: الإنصات» أي في مجلس العلم قصدا أخذه. «قال: الاستماع» أي إلقاء السمع إلى كلام العالم. «قال: الحفظ» أي في الذكر أو الكتاب. وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله: «الإنصات» و«الاستماع» و«الحفظ» صريح في انحصار طريق علم الدِّين في السماع عنهم عليهم السلام ولو بالواسطة العادلة. (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله: لعلّ السؤال عمّا هو مناط العلم حصولاً وبقاءً، أو عمّا يعرف به حصول العلم للعالم ويمتاز به عن الجاهل، فأجابه صلى الله عليه و آله وسلم بأنّه الإنصات، وهو أن يسكت سكوت مستمع، وهو مناط العلم وعلامته. «قال: ثمّ مَه؟» أصلها «ما» قُلبت الألف هاءً؛ فإنّ ألف «ما» الاستفهاميّة قد تقلب «هاءً» كما في حديث أبي ذُؤيب: «قدمتُ المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلّوا بالإحرام، فقلت: مَه؟ فقيل: هلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ». (6) «قال الاستماع» أي المناط بعد الإنصات الاستماع، وهو ممّا حصوله علامة العلم. «قال: الحفظ» أي المناط بعد الاستماع الحفظ، وهو أيضا ممّا وجوده من علامات العلم. «قال: العمل به» فإنّ العمل مناط بقاء العلم وتقرّره، وهو من علامات العلم. «قال: نشره» وهو مناط بقاء العلم مطلقا وتقرّره فيه، وهو من علامات وجود العلم فيه. ولا يبعد أن يكون السؤال الأخير ابتداء السؤال من غير جنس ما سأل عنه أوّلاً؛ فإنّه لمّا انتهى الكلام في الجواب إلى مناطيّة العمل للعلم ودلالته عليه، فدلَّ على أنّه ممّا يجب الإتيان به، فابتداء السائل هنا سؤالاً آخر، (7) وهو أنّه بعد العمل بالعلم ما الذي يجب على العالم أن يأتي به؟ ولذا أعاد النداء، وصرّح به عنده وقال: «يارسول اللّه » فأجاب صلى الله عليه و آله بأنّ ما يجب على العالم بعد أن عَمِل (8) بعلمه نشر العلم. (9) انتهى. في استشهاده رحمه اللهلقلب «ما» الاستفهاميّة «هاءً» ما ترى.

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعري، عن عبداللّه بن ميمون القدّاح».
2- . في الكافي المطبوع: «قال».
3- . الأعراف (7): 204.
4- . في«الف»: - «للاستماع».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 93.
6- . فتح الباري، ج 8 ، ص 580 ؛ كنز العمّال، ج 7، ص 420، ح 18830؛ الإصابة، ج 7، ص 132.
7- . في «الف» و «ب»: «فابتداء السؤال هنا سؤال آخر»، وكذا في «ج» ولكن لم ترد فيه كلمة «آخر». و ما أثبتناه من المصدر.
8- . في «ب» و «ج»: «أعمل».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 164 _ 165.

ص: 469

. .

ص: 470

الحديث الخامسروى في الكافي وقال: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، رَفَعَهُ إِلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ:«طَلَبَةُ العِلْمِ ثَلاثَةٌ، فَاعْرِفْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ: صِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلاِسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ ، وَصِنْفٌ يَطْلُبُهُ لِلْفِقْهِ وَالْعَقْلِ، فَصَاحِبُ الْجَهْلِ وَالْمِرَاءِ مُوذٍ، مُمَارٍ، مُتَعَرِّضٌ لِلْمَقَالِ فِي أَنْدِيَةِ الرِّجَالِ بِتَذَاكُرِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الْحِلْمِ، قَدْ تَسَرْبَلَ بِالْخُشُوعِ ، وَتَخَلّى مِنَ الْوَرَعِ، فَدَقَّ اللّه ُ مِنْ هذَا خَيْشُومَهُ، وَقَطَعَ مِنْهُ حَيْزُومَهُ؛ وَصَاحِبُ الاِسْتِطَالَةِ وَالْخَتْلِ ذُو خِبٍّ وَمَلَقٍ، يَسْتَطِيلُ عَلى مِثْلِهِ مِنْ أَشْبَاهِهِ، وَيَتَوَاضَعُ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ دُونِهِ، فَهُوَ لِحَلْوَائِهِمْ هَاضِمٌ، وَلِدِينِهِ حَاطِمٌ، فَأَعْمَى اللّه ُ عَلى هذَا خَبَرَهُ، وَقَطَعَ مِنْ آثَارِ الْعُلَمَاءِ أَثَرَهُ؛ وَصَاحِبُ الْفِقْهِ وَالْعَقْلِ ذُو كَآبَةٍ وَحَزَنٍ وَسَهَرٍ، قَدْ تَحَنَّكَ فِي بُرْنُسِهِ، وَقَامَ اللَّيْلَ فِي حِنْدِسِهِ، يَعْمَلُ وَيَخْشى وَجِلاً دَاعِيا مُشْفِقا، مُقْبِلاً عَلى شَأْنِهِ ، عَارِفا بِأَهْلِ زَمَانِهِ، مُسْتَوْحِشا مِنْ أَوْثَقِ إِخْوَانِهِ، فَشَدَّ اللّه ُ مِنْ هذَا أَرْكَانَهُ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَانَهُ».

.

ص: 471

ثمّ قال ثقة الإسلام طاب ثراه: وَحَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ الْقَزْوِينِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْقَلِ بِقَزْوِينَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ صُهَيْبٍ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام .

هديّة :(فأعرفهم بأعيانهم وصفاتهم) أي بملكاتهم النفسانيّة من آثارها، وأفعالهم الأبدانيّة من مقاصدهم. (يطلبه للجهل والمراء) أي لا لحصول المعرفة المُنجية، بل قصدا إلى ما يوجب الجهل؛ لأنّه من جنوده، ك «المراء» بالكسر والمدّ؛ أي الجدال بغير الحقّ مع أهل الحقّ. و«الاستطالة»: الاستعلاء بالاستكبار. و(الختل) بفتح المعجمة وسكون المثنّاة من فوق: الخدعة. (للفقه والعقل) أي للاتّصاف بالعلم المقرون بالعمل والمعرفة الحفّة بمعرفة مفترض الطاعة وطاعته. (موذٍ ممارٍ) أي لأهل الحقّ ومعهم. و «الأندية»: جمع النَدِيّ على فعيل، بمعنى النادي، وهو مجلس القوم ومتحدّثهم ما داموا فيه مجتمعين. قال الأصعمي: فإذا تفرّقوا فليس بنادٍ. (بتذاكر العلم) أي قصدا إلى الجهل. (وصفة الحلم) أي إظهارا لها، خدعةً ورياءً. و «التسربل»: تفعلل من السّربال، أي القميص، يعني تلبّس بلباس الخشوع بإظهاره مكرا وخديعة خاليا من الورع حقيقةً. فجملة (وتخلّى من الورع) حاليّة. وجملة: (فدقّ اللّه من هذا خيشومه) دعائيّة أو خبريّة. و «الخيشوم» بالفتح: أقصى الأنف. و «الحيزوم»: وسط الصدر. و «الخبّ» بالكسر والتشديد: المكر والجربزة. القاموس: «الخبّ» بكسر المعجمة وتشديد المفردة: الغِشّ، والخبث، والمكر. وبالفتح: الخَدّاع الجُربُز، ويكسر. (1) و «الملق»: الودّ، واللّطف الشديد. ويستعمل في تكلّفهما: رجلٌ مَلِق كصعق، يعطي بلسانه ما ليس في قلبه. (من أشباهه) أي من جملة أمثاله. (للأغنياء من دونه) بكسر الميم، أي لمن دونه من الأغنياء. و «الحلواء» يمدّ ويقصر. وفي بعض النسخ: «لحلوانهم» بالضمّ والنون، أي الرّشوة ونحوها. و «الحطم» بلا نقطة: مصدر حطمه كضرب: كسّره تكسيرا، أو التكسير مبالغة في الكسر. «عمي عليه الخبر» كعلم: خُفي، وأعماه عليه غيره. وضمير (خبره) محتمل؛ أي معرفة اللّه أو المعرفة المنجية لطالب العلم. والجملة دعائيّة أو خبريّة. وكذا تابعها. وقطع أثره (من آثار العلماء) كنايةٌ عن حشره مع الجهلاء في صفوف الهالكين. و «الكآبة» بالهمز ويمدّ: سوء الحال والانكسار من الحزن. و «الحزن» حزنان: حزن مؤدٍّ إلى الفرح في العقبى، وحزنٌ موجب للأحزان في الآخرة، وهو حزن أهل الدنيا حرصا لها وطمعا فيها، فلا ينافي ما سبق من أنّ الحزن من جنود الجهل، ونِعْمَ ما قيل في مديح الشيعة: بايد باشند دائم اين جمعبا سوزدرون شكفته چون شمع و«التحنّك» : إدارة العمامة ونحوها تحت الحنك . والمراد هنا التلفّف كالنائم المجتمع . و«البرنس» كهدهد: قلنسوة طويلة كان النسّاك يلبسونها قبل الإسلام . وقيل : كلّ ثوب له رأس منه ملتزق به الرأس ، كما هو شعار رهبان النصارى، لا سيما الأفرنج منهم . والمراد هنا لباس الزهّاد . والمخاطب عبّاد البصري من الصوفيّة القدريّة . «الحندس» كزبرج : الليل الشديد الظلمة ، فإضافته إلى ضمير «الليل» على التجريد . (مشفقا) أي خائفا . (مقبلاً على شأنه) بتهذيب الأخلاق لصلاح المعاش والمعاد . (عارفا بأهل زمانه) ناجيهم وهالكهم . (مستوحشا من أوثق إخوانه) مبالغة في امتثال حكم التقيّة في زمن دولة الباطل . (أركانه) أي أركان معرفته ليسلم إيمانه ويظفر في الجهاد الأكبر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الأعيان»: جمع العين بمعنى النظر؛ أي فاعرفهم بنظرهم في الفوائد التي يقصدونها من طلب العلم . و«الصفات» عبارة عن لوازم الأعيان ، وبيان الأعيان في فقرة ذكر الأصناف ، وبيان الصفات في الفقرات بعدها . «صنف يطلبه للجهل والمراء» أي للحكم بالظنّ والجدال مع منكره . و«الاستطالة» التفوّق . و«الختل»: الخدعة ، وتقدير (2) الناس . «للفقه» أي لفهم ما يحتاج إليه من المسائل الدينيّة بمعنى العمل بها . و«العقل» أي ترك التجاوز عمّا هو اللّغو . «مؤذٍ» بالهمز ، قال اللّه تعالى في سورة الأحزاب : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه َ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فِى الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابا مُهِينا» (3) . و«الأندية»: جمع النَديّ على فعيل بمعنى النادي ، يعني المجالس . «وصفة الحلم» أي وصفه ومدحه ، عطف على «التذاكر» ومضاف إلى المفعول به. والأنسب هنا : قراءة الحُلم _ بالضمّ وسكون اللّام وضمّها _ بمعنى الرؤيا الفاسدة، ومنه أضغاث الأحلام . والمراد التأويلات الباطلة بالخيالات الفاسدة ، ف «تذاكر العلم وصفة الحلم» إشارة إلى آية سورة النحل : «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّه ِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه ِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» (4) . «فَدَقَّ اللّه ُ مِنْ هذَا خَيْشُومَهُ» إنّ في سورة الأنبياء قال اللّه تعالى : «لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ» (5) . و«الخبّ» بالكسر والتشديد هيجان البحر، وهنا استعارة للخشونة في الكلام ونحوه. و«مِنْ» في «مِنْ أشباهه» و«مِنْ دونه» تبعيضيّة . و«الفاء» في «فهو» للتفريع . و«الحلواء» بالفتح والمدّ، وهنا كناية عن الحرام اللّذيذ. و«التحنّك»: كمال الامتثال، وإدارة العمامة تحت الحنك . والأوّل هنا أنسب . وسيجيء في كتاب الزيّ والتجمّل استحباب لبس أهون الثياب للعبادة لا لتغرير الناس كالمُرائين والصوفيّة. والاستيحاش من أوثق الإخوان في زمن التقيّة لا ينافي ما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في السابع عشر من الباب التاسع والأربعين من قوله عليه السلام : «لا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف» . وقال السيّد الباقر الشهير بداماد: قوله طاب ثراه : و«حدّثني به» و«حدّثنا» أعلى رتبة من «أخبرني» و«أخبرنا» فحدّثني ما سمعته من لفظ الشيخ، وحدّثنا ما سمعته في السّامعين منه، وأخبرني ما قرأت عليه بنفسي، وأخبرنا ما قرئ عليه وأنا شاهد سامع. ولا يجوز إبدال شيء منها بغيره . (6) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم» أي بخواصّهم وأفعالهم (7) المخصوصة (8) ، أو بالشاهد والحاضر من أفعالهم. «صنف يطلبه للجهل» أي ليكون آلة له يستعمل في المراء والجدال ومنازعة السفهاء ، فالجهل هنا مقابل العقل (9) . «للاستطالة والختل» بفتح الخاء المعجمة والتاء المثنّاة فوق، أي للتفوّق والترفّع بالنسبة إلى العلماء ، والختل الخدعة بالنسبة إلى أهل الدِّنيا. «للفقه ، والعقل» أي ليكون فقيها عارفا بالمسائل، وليستعمله العقل فيعمل بمقتضاه، فإنّ العلم مقصود بذاته، والعملَ به أيضا مقصود . ولمّا ذكر الأصناف الثلاثة شرع في بيان ما يختصّ بكلّ واحدٍ منها (10) ، وما حضر وشهد من أفعال كلّ واحد فيعاين ويرى فيه، فقال: «فصاحب الجهل والمِراء مؤذٍ» أي فاعل للأذيّة، وهي المكروه، فُيسْمِع مَن يباحثه ما (11) يكرهه. «ممار» أي منازع مجادل. «متعرّض للمقال في أندية الرجال» النادي: مجتمع القوم ومجلسهم. ويقال لأهل المجلس أيضا ، والنديّ بمعناه، والأندية: جمع النَدِيّ، ومجيء الجمع على أندية وأنداء [إمّا] (12) لأخذ الجمع من النديّ والاكتفاء به، أو لكونه الأصل المأخوذ منه النادي، فلوحظ الأصل عند بناء الجمع من النادي. وقد قيل: الأنداء جمع النادي، وقد ظنّ في الأندية كونها جمعه أيضا. «تذاكر العلم»: ذكر المسائل والمعارف بينهم وإظهار العلم بها. «وصفة الحلم» ذكر أوصافه وإظهار اتّصافه به. و«السِربال» بكسر السين: القميص، أو الدرع، أو كلّ ما لُبس. تسربل به؛ أي تلبّس به . (13) والمراد بالتسربل بالخشوع: إظهار الخضوع والتواضع والسكون والتذلّل. «وتخلّى من الورع» والتقوى واجتناب المحرّم عليه من الإيذاء والمماراة ومخالفة قوله فعله. «فدقّ اللّه من هذا خيشومه وقطع منه حيزومه» بيان لما يترتّب على طلبه العلم للجهل. والمراد بدقّ الخيشوم _ وهو أعلى الأنف وأقصاه _ : إذلاله، وإبطال أمره، ودفع (14) الانتظام من أحواله وأفعاله . والمراد بقطع الحيزوم _ بفتح الحاء المهملة وهو وسط الصدر _ : إفساد ما هو مناط الحياة والتعيّش عليه. و«الخبّ» بكسر الخاء المعجمة: الخداع والخُبث والغشّ. و«الملق»: المداهنة والملاينة باللِّسان، والإعطاء باللِّسان ما ليس في القول والفعل. «يستطيل على مثله من أشباهه، ويتواضع للأغنياء من دونه» تفصيل لبيان خِبّه ومَلَقه؛ فإنّ خباثته وغشّه باستطالته على مثله ومَنْ يساويه في الرتبة (15) والعزّ من أشباهه، وهم أهل العلم وطلبته، وكذا خِداعه بفعله هذا وإن كان خدّاعا لغير أهل العلم، ومَلَقه بالنسبة إلى الأغنياء (16) بتواضعه «للأغنياء من دونه» أي من غيره، يعني من غير صنفه وجنسه، وهم طلبة العلم، أو «من دونه» أي ممّن هو دونه ومن هو خسيس، أو ضعيف بالنسبة إليه. «فهو لحلوانهم هاضم، ولدينه حاطم» الحلوان _ بالضمّ والنون أخيرا _ : اُجرة الدلّال والكاهن وما أعطى من نحو رشوة (17) . والمراد به هنا ما يعطيه الأغنياء، فكأنّه أجر لما يفعله بالنسبة إليهم ولهم، أو رشوة على من يتوقّع منه بالنسبة إليهم . وفي بعض النسخ: «فهو لحلوائهم هاضم» والحلواء: ما يتّخذ من الحلاوة من الأطعمة اللّذيذة. و«الهضم» في الأصل: الكسر، ثمّ استعمل في تصرّف الطبيعة في الطعام والغذِاء بكسره وإزالة صورته كسرا وإزالةً يستعدّ به لأن يصير جزءا من المغتذي، ويترتّب عليه الغرض المطلوب منه، فيصير (18) جزءا صالحا من الأعضاء فيتقوّى به وينتفع به (19) . و«الحطم» هو الكسر المؤدّي إلى الفساد، وخروج الشيء عن أن يترتّب عليه الغرض المطلوب منه . ولمّا ذكر عليه السلام حال هذا الصنف وفعله بيّن ما يترتّب على فعله بقوله : «فأعمى اللّه على هذا» أي من أجل فعله (20) «خبره» بكسر الخاء المعجمة وسكون الباء الموحّدة؛ أي علمه، فلا يتميّز بين طريق الحقّ والباطل، ولا يختار الحقّ ولا يهتدي إليه، ولا يترتّب على علمه ما هو من آثار العلم وفوائده. و«قطع من آثار العلماء» وما يبقى بعدهم ويذكرون به في القرون الآتية «أثره» أي ما يبقى بعده من آثار علمه، فلا يذكر به . (21) و«صاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر» أي الذي يطلب العلم للفقه والعقل . وفيه إشارة إلى أنّ من يطلب العلم لأن يكون فقيها، وليكون آلة للعقل، مقوّيا له، كان له بحصوله ما أراده من الفقاهة وقوّة العقل . (22) و«الكآبة» بفتح الكاف: إنكسار النفس من شدّة الحزن والهمّ. و«الحزن (23) » : وجع القلب على فوات الفائت، أو عدم حصول متوقّع الحصول . و«التحنّك»: إدارة العمامة تحت الحنك ، أو المراد به هنا الانقياد والمتابعة . و«البرنس» بالباء الموحّدة المضمومة والرّاء المهملة الساكنة والنون المضمومة والسين المهملة: قلنسوة طويلة كان يلبسها النُسّاك (24) في صدر الإسلام. كذا ذكره الجوهري (25) . و«الحندس» بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة والدال المكسورة والسين المهملتين: اللّيل المظلم، أو ظلمة الليل . والمعنى كونه متحنّكا متهيّئا للاشتغال بالعبادة عند لبس البرنس، وكأنّه كان ممّا يُلبس عند الفراغ من الاشتغال بالمكاسب والمعاملات الدنيويّة وترك معاشرة الناس وفي الخلوات. أو منقادا للأوامر والنواهي الشرعيّة في الخلوات (26) . «يعمل ويخشى» أي يعمل بما كُلّف به، ويخشى اللّه مع كونه عاملاً، ويخاف أن لا يكون عمله على خلوص يليق بعبادته (27) . «وجِلاً»: خائفا من سوء عقابه. «داعيا»: طالبا منه سبحانه التوفيق للاهتداء بالهدى، والثَبات على الإيمان والتقوى، ونيل السعادة الأبديّة ومغفرته وعفوه. «مشفقا» من الانتهاء إلى الضلال والشقاء وسوء العاقبة. «مقبلاً على شأنه» وإصلاح حاله؛ حذرا ممّا يشفق منه. «عارفا بأهل زمانه» فلا ينخدع «مستوحشا من أوثق إخوانه»؛ لما يعرفه من أهل زمانه. وبعدما ذكر حال هذا الصنف وفعله بيّن ما يترتّب عليه فقال : «فشدّ اللّه من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه» أي أصلح حاله في الدنيا بإفاضة المعرفة، وإكمال العقل، وتمكّنه من إعمال العلم والعمل على وفقه، وحاله في الآخرة بإعطاء الأمان، فجزاه اللّه على طباق ما كان يطلب العلم له من حسن الحال في الدنيا والآخرة. ولمّا [كان] (28) المطلوب للصنفين الأوّلين الدنيا لا غير، ذكر مجازاتهم بضدّ مطلوبهما في الدنيا، وسكت عن حالهما في الآخرة؛ حيث لم تكن من مطالبهما. ولمّا كان الصنف الثالث مطلوبه خير الدنيا والآخرة ذكر مجازاته على وفق مطلوبه فيهما . (29)

.


1- . القاموس المحيط، ج 1، ص 59 (خبّ).
2- . في «ب» و «ج»: «تغرير».
3- . الأحزاب : 57 .
4- . النحل (16) : 116 .
5- . الأنبياء (21) : 17 _ 18 .
6- . لم نعثر عليه.
7- . في «ب» و «ج»: - «وأفعالهم».
8- . في المصدر: + «بهم».
9- . كذا في «ب» و «ج» والمصدر. وفي «الف»: «العلم».
10- . في «ب» و «ج»: - «منها».
11- . في المصدر: «بما».
12- . أضفناه من المصدر.
13- . في المصدر: + «وجعله لباسا له».
14- . في المصدر: «رفع».
15- . في المصدر: «المرتبة».
16- . في المصدر: + «ومعهم».
17- . في هماش «الف»: «الرشوة، مثلّثة الراء (منه)».
18- . في المصدر: «فتصيّره».
19- . في «الف» والمصدر: - «به».
20- . في المصدر: + «هذا».
21- . هنا في المصدر إضافات لم ينقلها المصنّف(ره).
22- . بإضافة يسيرة في المصدر لم ينقلها المصنّف (ره).
23- . في المصدر: + «الهمّ و».
24- . في المصدر: + «والعبّاد».
25- . الصحاح، ج 3، ص 908 (برنس).
26- . في المصدر: + «وكونه مشتغلاً بالعبادة في ليلته المظلمة، أوفي ظلمة ليله».
27- . في المصدر: + «أو أن لا يديمه له».
28- . أضفناه من المصدر.
29- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 165 _ 171.

ص: 472

. .

ص: 473

. .

ص: 474

. .

ص: 475

. .

ص: 476

. .

ص: 477

. .

ص: 478

. .

ص: 479

الحديث السادسروى في الكافي عن عَلِيٍّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ رُوَاةَ الْكِتَابِ كَثِيرٌ ، وَإِنَّ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ ، وَكَمْ مِنْ مُسْتَنْصِحٍ لِلْحَدِيثِ مُسْتَغِشٌّ لِلْكِتَابِ ، فَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُ الرِّعَايَةِ ، وَالْجُهَلاء (2) يَحْزُنُهُمْ حِفْظُ الرِّوَايَةِ ، فَرَاعٍ يَرْعى حَيَاتَهُ ، وَرَاعٍ يَرْعى هَلَكَتَهُ ، فَعِنْدَ ذلِكَ اخْتَلَفَ الرَّاعِيَانِ ، وَتَغَايَرَ الْفَرِيقَانِ» .

هديّة :(إنّ رواة الكتاب كثير) أي الذين صحّحوا ألفاظه وأحسنوا قراءته وحفظه؛ بدليل قول أبي جعفر عليه السلام في رسالة إلى سعد الخير، ويجيء في كتاب الروضة إن شاء اللّه تعالى : «وكان من نَبْذِهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يَرعَوْنه، والجُهّال يُعجبهم حِفْظُهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية». و«الكثير» : فعيل يستوي فيه التذكير والتأنيث. «استنصحه» : راعاه جيّدا بطلب ما هو خيره فيه. و«الاستغشاش» : خلاف الاستنصاح . حزن لأجله كعلم، وحزنه الأمر _ كنصر _ كأحزنه، ف (العلماء يحزنهم ترك الرّعاية) أي في الدنيا ، (والجهلاء يحزنهم حفظ الرواية) أي في الآخرة ، فلا منافاة بين «يحزنهم» هنا و«يعجبهم» هناك. (فراع يرعى حياته) إمّا للعالم، فالمعنى حياته الباقية؛ أو للجاهل، أي الحياة الدنيا. وكذا (وراع يرعى هلكته) بالتحريك، أي هلاكه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «كم» مبتدأ خبره «مستغشّ» بكسر الغين المعجمة كالصاد في «المستنصح» . والمراد ب «العلماء»: العالمون بأنّ المطلب الأصلي من ألفاظ القرآن إنّما هو العمل بها، يعني وأنّ تبعة القرآن قليل . وكم من يعدّ الحديث خالصا ويعدّ القرآن غير خالص؛ لكون ذلك الحديث مخالفا لمحكمات القرآن ، فالعلماء يفكّرهم ترك رعاية القرآن فينظرون فيه ويتأمّلون، فيلعنون المخالفين له، كما يفكّر الجهلاء حفظ رواية ألفاظ القرآن فينظرون فيها، فبذلك يحسّنون المخالفين ويقبلون منهم «حياته» أي الباقية . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية، والجهّال يحزنهم حفظ الرواية» في الباب الآخر من السرائر عن طلحة بن زيد قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «العلماء تحزنهم الدراية، والجهّال تحزنهم الرواية» (3) _ ثمّ قال _ : أقول : قوله : «ترك الرعاية» في كثير من النسخ هكذا، ولم يظهر لي معنى صحيحا يوافق آخر الحديث، ويوافق ما عندنا من استعمال العرب، ويوافق الحديث المنقول في آخر السرائر . ويمكن أن يُقال : «الترك» من الأضداد كما صرّح به في القاموس (4) . أو يُقال : هنا تصحيف ، والصحيح : «بذل الرعاية» بالباء والذّال المعجمة واللّام ، وفي السّاير كتاب محمّد بن إدريس الحلبي نقل هذا الحديث عن كتاب الصفواني (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أراد ب «رواة الكتاب» : رواة القرآن، قراءةً كان أو تفسيرا وب «رعاته» : من يتفكّر فيه، ويتنبّه لمقصوده، ويعمل بمطلوبه . أو المراد برواته : رواة الفرض، أو الحكم ونقلته؛ وبرعاته : الآخذون له من مأخذه، العاملون به على وجهه . «وكم من مستنصح» أي مستخلص للنقل عن الغشّ. «مستغشّ للكتاب» بأحد الوجهين المذكورين. وفيه إشارة إلى أنّ استنصاح الحديث لا يستلزم رعاية الكتاب، بل يندر المقارنة . «أحزنه» و«حزنه» كنصر : إذا جعله محزونا . والمعنى أنّ العلماء العاملين بعلمهم يحزنهم ترْك الرعاية والتفكّر في الكتاب. والتنبّه لمقصوده، والعمل لمقصوده (6) بمطلوبه، وفواتها عاجلاً عنهم حيث يعلمون ما في الترك من سوء العاقبة؛ وآجلاً عند ظهور الآيات والعلامات، فيحزنهم ما يترك من مقصودهم الذي هو الرعاية ، والجهّال _ الذين لا يريدون العلم للعمل، ولا يتفكّرون في المطالب، ولا يختارون حسن العواقب _ يحزنهم حفظ الرواية، ويصير حفظها من أسباب حزنهم؛ لاشتداد الأمر عليهم بسبب العلم والاطّلاع على الكتاب ونقله والقول به وترك التدبّر فيه والعمل به، فيحزنون بحفظها عاجلاً عند ظهور الآيات، ويحزنهم مطلوبهم من الرواية وحفظها . والحاصل : أنّ مطلوب العلماء ممّا تركه يوجب حزنهم ويؤدّي إليه، ومطلوب الجهّال ممّا فعله والاهتمام به يوجب حزنهم ويؤدّي إليه . أو المراد بالحفظ الرعاية . [قال في القاموس : حفظ المال: رعاه] (7) وبالرواية المرويّ، أي يحزنهم رعاية ما يروونه، كما أنّ العلماء يحزنهم ترك الرعاية . «فراع يرعى حياته، وراع يرعى هلكته» أي فراع _ وهو العالم _ يرعى ويحفظ ما فيه حياته ونجاته وحسن عاقبته، وهو التدبّر والتفكّر في الكتاب والعمل بما فيه . وراع _ وهو الجاهل _ يرعى ويحفظ ما فيه هلاكه وسوء عاقبته، وهو رواية الكتاب بلا تدبّر منه وعمل بما فيه. (8) انتهى. بيانه بقوله : «وفيه إشارة إلى أنّ استنصاح الحديث لا يستلزم رعاية الكتاب بل يندر المقارنة» بناءً على أنّ محكمات الكتاب التي ثبت أحكامها بالاتّفاق بلا احتمال منسوخيّة واحد منها مستندات للأحكام، ومراجع في الكتاب لردّ المتشابهات من السنّة إليه، والتي منها لا كذلك، فحكمها منوط بحكم المحكمات من السنّة بالاتّفاق، وقد مرّ ذكر المعالجات لمتشابهات السنّة القائمة المتواترة بتواتر الكتب وضبطها .

.


1- . فيالكافي المطبوع: «عن عليّ بن إبراهيم».
2- . في الكافي المطبوع: «الجهّال».
3- . مستطرفات السرائر، ص 150، ح 6 .
4- . القاموس المحيط، ج 3، ص 296 (ترك).
5- . صدر العبارة إلى قوله : «تحزنهم الرواية» في الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
6- . في المصدر : - «لمقصوده».
7- . ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 172.

ص: 480

. .

ص: 481

. .

ص: 482

الحديث السابعروى في الكافي عن الإثنين (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ ، عن التميمي ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَنْ حَفِظَ مِنْ أَحَادِيثِنَا أَرْبَعِينَ حَدِيثا ، بَعَثَهُ اللّه ُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِما فَقِيها» .

هديّة :هذا الحديث مستفيض مضمونه باختلاف في اللّفظ بين الخاصّة والعامّة . وقد رواه أصحابنا بعدّة طرق، منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الكاظم عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من حفظ على اُمّتي أربعين حديثا ممّا يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه اللّه يوم القيامة فقيها عالما» (2) . وفي رواية اُخرى : «كنتُ له شفيعا يوم القيامة» . و«من اُمّتي مكان على اُمّتي» (3) . ف «على» بمعنى «اللّام». أي لأجلهم كما قالوا في قوله تعالى : «وَلِتُكَبِّرُوا اللّه َ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (4) ؛ أي لأجل هدايته إيّاكم ، أو متعلّقة على مقدّر مضمّن كالشّفقة. أو بمعنى «من» كما قيل في قوله تعالى: «إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» (5) ؛ أي من الناس (6) . وحفظ الحديث ضبطه على ما ورد، وروايته كما ضبط، وحراسته عن الاندراس كما أمكن، سواء كان عن ظهر القلب أو بالكتابة . وفهم المعنى مع ذلك إن كان شرطا فحافظ اللّفظ فقط من دون فهم المعنى مأجور أيضا مرحوم؛ لقول النبيّ صلى الله عليه و آله : «رحم اللّه امرءٍ سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها، فربّ حامل فقهٍ ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه» (7) . فقول بعض المعاصرين في بيانه : ودخول حافظ اللّفظ فقط في هذا الحديث بعيد؛ لأنّه ليس بفقيه ولا عالم، فكيف يبعث فقيها عالما؟! (8) استبعاد عن شمول القدرة، أو تعليم الملك في البرزخ، أو البعيد بمعنى القريب ، ومثله في كتب الصوفيّة كثير . قال برهان الفضلاء : «حفظ» على المعلوم، كعلم . والمراد بالحفظ هنا : العلم المقرون بالعمل. «وأحاديثنا» أي المختصّة بطريق أهل البيت عليهم السلام الواردة في المختلف فيه بين الاُمّة من المسائل الشرعيّة ، فاحتراز عن المختصّة بطريق المخالفين، وعن المشتركة بين جميع الاُمّة؛ لأنّ حفظ المتّفق عليه وإن كان من شروط الفقه لكنّه ليس بكاف . «أربعين حديثا» بناءً على أنّ ما يحتاج إليه أكثر الناس من الأحاديث ليس بأكثر من الأربعين . والفقيه أخصّ مطلق من العالم كما بيّن في شرح السابع من الباب الثاني . انتهى . لعلّه سلّمه اللّه تعالى ترك الاستثناء من قوله : «لكنّه ليس بكاف» لظهوره يعني إلّا أن يكون في باب الإمامة، فيكفي لترتّب الأجر، كحديث المنزلة (9) و«أقضاكم عليّ» (10) ، و«إنّي تاركٌ فيكم الثقلين» (11) وغير ذلك ممّا لا يحصى ، وكفى بكتاب كشف الغمّة (12) شاهدا لهذا . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : والوجه في تعيين عدد الأربعين : أنّ مجامع العلوم الثلاثة في حديث إبراهيم بن عبد الحميد، أو الأربعة في حديث سفيان بن عيينة ورؤوس مسائلها تؤول إلى ذلك، كما يدلّ عليه ما رواه الصدوق رحمه الله في كتاب الخصال في هذا المعنى (13) . والحديث طويل فاطلبه ثمّة . انتهى. حديث إبراهيم بن عبد الحميد هو الأوّل من الباب الثالث (14) ، وحديث سفيان بن عيينة هو الحادي عشر من هذا الباب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «من حفظ من أحاديثنا أربعين حديثا» أي من الأحاديث المرويّة عنّا أهل البيت بأخذها عنّا (15) ولو بواسطة أخذا مقرونا بالتدبّر والعمل بها، ونشرِها. «بعثه اللّه يوم القيامة عالما فقيها» أي معدودا من الفقهاء وفي زمرتهم وجماعتهم (16) .

.


1- . يعني : «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد».
2- . الخصال، ص 541 ، ح 15؛ ثواب الأعمال، ص 134، باب ثواب من حفظ أربعين حديثا. و في المصدرين : «من اُمّتي».
3- . الخصال، ص 541 _ 542 ، ح 16.
4- . البقرة(2) : 185 .
5- . المطفّفين (83) : 2 .
6- . جوامع الجامع، ج 6 ، ص 585 ؛ الأصفى، ج 2، ص 1417، ذيل الآية 2 من المطفّفين (83).
7- . الكافي، ج 1، ص 403، باب ما أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالنصيحة لأئمّة المسلمين و... ، ح 1؛ سنن ابن ماجة، ج 1، ص 84 ، ح 230؛ مسند أحمد، ج 3، ص 225، ح 13374.
8- . الوافي، ج 1، ص 137 .
9- . المرويّ من طرق الخاصّة والعامّة. راجع : مناقب أمير المؤمنين، ص 499 _ 525 ، الباب 53 ، ح 416 _ 457؛ الكافي، ج 8 ، ص 107، ح 80 ؛ الإرشاد، ج 1، ص 8 ، باب الخبر عن أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ صحيح البخاري، ج 4، ص 1602، ح 4154؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1870، ح 2404.
10- . دلائل الإمامة، ص 236، ح 162؛ دعائم الإسلام، ج 1، ص 92؛ بحار الأنوار، ج 40، ص 87 ؛ الاحتجاج، ج 2، ص 353 و 391.
11- . المرويّ بطرق عديدة وبألفاظ مختلفة، رواه العامّة والخاصّة. راجع : صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119؛ و ج 3، ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... .
12- . من مؤلّفات عليّ بن عيسى الأربلي، المتوفّى سنة 693 في فضائل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته، نشر في ثلاث مجلّدات نشر دار الأضواء، بيروت، لبنان.
13- . الخصال، ص 543 ، باب فيمن حفظ أربعين حديثا، ح 19 .
14- . كذا في «الف» و «ب». والصواب : «الثاني» وهو باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء.
15- . في المصدر : «ويأخذها عنّا».
16- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 173.

ص: 483

. .

ص: 484

الحديث الثامنروى في الكافي عن العِدَّةٌ ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ ، عَنْ الشَّحَّامِ (2) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ : «فَلْيَنْظُرِ الْاءِنْسَانُ إِلى طَعَامِهِ» قَالَ : قُلْتُ : مَا طَعَامُهُ؟ قَالَ :«عِلْمُهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ ، عَمَّنْ يَأْخُذُهُ؟» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . في الكافي المطبوع : «زيد الشحّام».

ص: 485

هديّة :الآية في سورة عبس وتولّى (1) . يعني كما يجب النظر إلى طعام البدن من أين اكتسبه حذرا من الحرام يجب النظر إلى طعام الروح عمّن أخذه حذرا ممّا لا قطع بأنّه حقّ . والمأخوذ المقطوع بحقّيّته منحصر في علم الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة فيه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ما طعامه» أي ما المراد من طعامه في الآية؟. «قال : علمه» أي بحديث النبيّ صلى الله عليه و آله «الذي يأخذه، عمّن يأخذه؟» يعني يجب أخذ الحديث عنّا أهل البيت بلا واسطة أو بواسطة ثقة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب أخذ الحلال والحرام عنهم عليهم السلام ولا يجوز العمل بأصل أو استصحاب أو غير ذلك . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه؟» أي المراد بالطعام في الآية ما يُدرَك طعمه ويغتذى، به أعمّ من أن يكون إدراكا واغتذاءً جسمانيّا أو روحانيّا ونفسانيّا، والأهمّ من ذلك النفسانيّ فكأنّه المقصود الأصلي. فمراده أنّ المهتمّ به أشدّ اهتماما (3) من طعامه، علمُه الذي يأخذه ، فيجب أن ينظر إليه، ويلاحظه (4) عمّن يأخذه، ولا يأخذه إلّا بطريق حلّ له أخذه به . (5)

.


1- . عبس (80) : 24.
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
3- . في المصدر : + «به».
4- . في المصدر : «ويلاحظ».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 173.

ص: 486

الحديث التاسعروى في الكافي عن مُحَمَّدُ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، (1) عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«الْوُقُوفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَةِ ، وَتَرْكُكَ حَدِيثا لَمْ تُرْوِهِ خَيْرٌ مِنْ رِوَايَتِكَ حَدِيثا لَمْ تُحْصِهِ» .

هديّة :(عند الشبهة) أي التي لامعالجة لعلّتها بوجهٍ صحيح عند الفقيه العدل الإمامي المأذون عنهم عليهم السلام بالطبابة لعلّة الشبهات. (والاقتحام) في الشيء: رمي النفس فيه من غير رويّة . و(الهلكة) بالتحريك : الهلاك ويضمّ . (لم تروه) أي وتركك كلاما في أمر الدِّين لم ينقل لك من ثقة _ على الحذف والإيصال _ أي لم يكن مأخذه من المعصوم. (خير من روايتك حديثا لم تحصه) من الإحصاء، أي لم تضبطه على وجهه وإن كانت رواية عن المعصوم . و«الإحصاء» : العدّ والحفظ والإحاطة بالشيء . وقرئ : «لم تخصّه» بالخاء المعجمة، أي بالمعصوم باحتمالك كونه عن غيره. ويخطر بالبال أنّ الأولى : «لم تروه» على الخطاب المعلوم من المجرّد، أي تركك الجواز أو الوجوب بترك نقلك الحديث الصحيح خير من فعلك الحرام بروايتك «حديثا لم تحصه» أو «لم تخصّه» على نسخة؛ لأنّ ترك مثل الواجب يغفر بالاستغفار، وفعل مثل الحرام يؤدّي إلى النار . وفي نهج البلاغة من وصايا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لابنه الحسن عليه السلام : «ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لا تُكلَّف، وأمْسِك عن طريقٍ إذا خفت ضلالته؛ فإنّ الكفّ عند حَيْرة الضلالة خيرٌ من ركوب الأهوال» (2) . ولعلّ معنى «فيما لا تكلّف» : في مقام لا تكلّف أن تكون آمرا أو ناهيا فيه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «خير» أي ضرره قليل، وضرر الوقوف عند الشبهة إنّما هو باعتبار الدنيا، نظير النفع في آية سورة البقرة : «وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا» (3) . وجملة «وتركك» من قبيل الترقّي. «ولم تروه» _ بسكون الرّاء وتخفيف الواو المكسورة _ صفة للحديث. ومفهوم هذه الصفة احتراز عن الحديث الذي لم يقع العمل بمقتضاه ، وعن الحديث الذي لم يحص ولم يعدّ . والمراد بالإحصاء هنا : استيعاب العلم المعلوم بجميع أجزائه مثل «أَحْصَى كُلَّ شَىْ ءٍ عَدَدَا» (4) ؛ يعني الوقوف عن القول والعمل عند الشكّ في أنّه جائز أم لا ، أقلّ ضررا من الاقتحام فيه ودخول النار . «وتركك حديثا» لم تنقله مع أنّك ضبطته وعملت بمقتضاه أقلّ ضرارا من نقلك حديثا لم تضبطه . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «الوقوف عند الشبهة» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه يجب التوقّف في الحلال والحرام عند فقد القطع واليقين . (5) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهلكة» أي التثبّت عند الشبهة حتّى ينتهي (6) الأمر خير من الاقتحام والدخول ، وإلقاء النفس فجأةً في الهلكة، وهي _ بضمّ الهاء وفتح اللّام _ الهلاك ، وعبّر عن الضلال بالهلاك. والدخول فيالشبهة وما لا يكون معلوم الثبوت _ عقلاً أو شرعا، لا ابتداء ولا تأنّيا، (7) اعتقادا أو قولاً أو فعلاً _ ضلال وهلاك. «وتركك حديثا لم تروه» أي لم تحمل على روايته. وكونه محمولاً على روايته عبارة عن كونه محفوظا مصحّحا عنده الحديث بحيث يكون له روايته ويجب (8) عليه. والفعل مجهول من باب الإفعال أو التفعيل، (9) أو معلوم من إحدى البابين. يقال : روّيته الشعرَ، أي حملته على روايته، وأرويته أيضا، أي لم تحمل من تروى له على روايته، ولم تصيّره بحيث يكون له أو يجب عليه روايته. ومناط الجوازِ في صور الجواز والوجوب في صوره كونه مأخوذا عن طريقه المعتبر الثابت بالأدلّة العقليّة والنقليّة، (10) محفوظا لفظه أو معناه السالم عن التغيّر والتبدّل فيما هو المقصود إفادته. أو مجرّد، أي «تركك حديثا» ولم تكن راويا له على حاله فلا ترويه. «خيرٌ من روايتك حديثا لم تحصه» [خبر لقوله : «وتركك»] (11) «ولم تحصه» صفة لقوله «حديثا» كقوله : «لم تروه» [لقوله : «حديثا» هناك] (12) هناك . والمراد أنّ حالك _ باعتبار تركك رواية حديثٍ غير ثابت بطريقه، أو حديثا لم تكن راويا له فلا ترويه _ خيرٌ من حالك باعتبار روايتك حديثا لم تحصه. والإحصاء لغةً : العدّ، ولمّا كان عدّ الشيء يلزمه الاطّلاع على واحد واحد ممّا فيه، استعمل في الاطّلاع على جميع ما في شيء والإحاطة العلميّة التامّة بما فيه، وشاع ذلك الاستعمال. وإحصاء الحديث عبارة عن العلم بجميع أحواله متنا وسندا وانتهاءً إلى المأخذ الشرعي، فما لم يكن من الأحاديث معلوما له بأحواله _ متنا؛ للاشتباه في ألفاظه ومعانيه في بقائه ومنسوخيّته، أو سندا حيث لا يعرف كيفيّة سنده، أو انتهاءً حيث لا يعلم أنّ المنتهى إليه من المآخذ الشرعيّة _ تركُ روايته خيرٌ من روايته؛ لأنّه إذا لم يروه رجع الناس فيه إلى من عنده العلم به، فيأخذونه على ما هو عليه، وإذا رواه يرجع إليه كثير من الجَهَلة والمسامحين في أمر الدِّين، ويبقى كثير على الضلال وإن بالغ في التحرّز عن التصرّف ، وفي الإسناد إلى الناقلين وإلى المأخذ المنتهى إليه، ولم يزدد على النقل ولم يدّع حقّيته . (13) انتهى . أنت خبير بأنّ الأنسب بصدر الحديث ما ذكرناه أخيرا بقولنا : «ويخطر بالبال»، وإنّما لم ننقله أوّلاً وهو أولى؛ لمكان توهّم الأمر بترك الواجب وليس أمرا به في مقام المبالغة في المنع والتهديد ، كما أنّ ترك قراءة الحمد في الصلاة مع الاعتقاد بأنّ البسملة منها خيرٌ من ترك البسملة اعتقادا أنّها ليست من السورة، والأوّل يعالج بخلاف الثاني .

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن النعمان، عن عبداللّه بن مسكان».
2- . نهج البلاغة، ص 391، الرسالة 31.
3- . البقرة (2) : 219 .
4- . الجنّ (72) : 28 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
6- . في المصدر: «حتى يتبيّن».
7- . في «ب، ج»: «ثانيا».
8- . في المصدر : «أو يجب».
9- . في المصدر قدّم قوله : «يقال : رويته _ إلى _ وأرويته أيضا» على قوله : «أو معلوم من إحدى البابين».
10- . في المصدر : «أو النقليّة».
11- . أضفناه من المصدر.
12- . أضفناه من المصدر.
13- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 173 _ 175.

ص: 487

. .

ص: 488

. .

ص: 489

الحديث العاشرروى في الكافي عن مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ : أَنَّهُ عَرَضَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام بَعْضَ خُطَبِ أَبِيهِ ، حَتّى إِذَا بَلَغَ مَوْضِعا مِنْهَا ، قَالَ لَهُ :«كُفَّ وَاسْكُتْ» . ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «لا يَسَعُكُمْ فِيمَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ إِلَا الْكَفُّ عَنْهُ وَالتَّثَبُّتُ وَالرَّدُّ إِلى أَئِمَّةِ الْهُدى حَتّى يَحْمِلُوكُمْ (1) فِيهِ عَلَى الْقَصْدِ ، وَيَجْلُوا عَنْكُمْ فِيهِ الْعَمى ، وَيُعَرِّفُوكُمْ فِيهِ الْحَقَّ ، قَالَ اللّه ُ تَعَالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» » .

هديّة :خلاف عند علماء الرجال في أنّ الطيّار صفة حمزة أو أبيه محمّد؛ ففي رجال الشيخ : حمزة بن محمّد الطيّار (2) . وفي خلاصة العلّامة : حمزة بن الطيّار. (3) وكذلك ضبط برهان الفضلاء. وقال ابن داود في رجاله : حمزة الطيّار، قر، ق (كش، جخ) ممدوح ، وبعض أصحابنا أثبته : حمزة بن الطيّار، وهو التباس ، والظاهر أنّه رأى في كتاب الرجال : حمزة بن محمّد الطيّار، فظنّه صفة أبيه، وهو له. ترحّم عليه الصادق عليه السلام (4) . انتهى. إثبات الابن عند ترك الأب أشهر. يعني (بعض خطب) الباقر عليه السلام (حتّى إذا بلغ موضعا منها) وأراد عرض التتمّة من دون أن يسأل عن معنى ما عرض؛ زعما منه أنّه قد فهمه، أو قصد إلى السؤال بعد التمام، فالأمر على الأوّل بالكفّ، والسكوت أمرٌ بالسؤال عن المستصعب من كلام الإمام عليه السلام . وعلى الثاني دلالة على وجوب السؤال عنه فورا مع الإمكان. و(التثبّت) : التوقّف. (حتّى يحكموكم) من الإفعال أي يثبتوكم . وفي بعض النسخ : «حتّى يحملوكم» من حمله كضرب، بمعنى أجراه وأوصله، يعني حتّى يوصلوكم فيه على قصد الطريق وسواءه. أو من حمّله على فرسه تحميلاً. والتحميل على الطريق لا يحتاج إلى تضمين معنى الإشراف والإعلاء . ويمكن أن يكون المراد ب «القصد» : العدل والوسط بين الإفراط والتفريط، والمآل واحد . (ويجلوا عنكم) من باب غزا . يقال : جلوت بصري برؤيتك. (ويعرّفوكم) من التفعيل. والآية في سورة النحل هكذا : «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ» (5) ، وفي سورة الأنبياء : «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَا رِجَالاً نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (6) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «بعض خطب أبيه» يعني أبا جعفر عليه السلام . «كفّ» أي عن العرض، و«اسكت» أي عن كلام آخر أيضا. «فيما ينزل بكم» أي من القول والفعل. و«القصد» بمعنى سواء الطريق. «حتّى يحملوكم» على المعلوم من المجرّد. حمله عليه : أوقفه عليه، بمعنى أقامه. والآية في السورتين : سورة النحل، وسورة الأنبياء . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «لا يسعكم» إلى آخره. من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لا يجوز الاعتماد في الحلال والحرام وشبههما إلّا على القطع واليقين، وبأنّه يجب التوقّف إذا لم يكن يقين وقطع . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «عرض على أبي عبداللّه عليه السلام بعض خطب أبيه عليه السلام » عَرْض الكتاب والخطبة : إظهاره على من يعرض عليه، سواء كان لتصحيح لفظه، أو فهم معناه، أو إظهار ما فهمه ليختبر عن صحّته وفساده. «كفّ وأسكت» (8) أمر بالكفّ عن عرض الخطبة بأن لا يقرأها، وبالسكوت عن التكلّم؛ لداعيته (9) إلى إفادة ما أفاده، وشدّة اهتمامه (10) به، أو لفهمه ممّا في الخطبة في هذا الموضع ما لم يكن صوابا، فأمره بالكفّ عن العرض، والسكوت عن بيان ما فهمه، وأفاد (11) أنّ المواضع المشكلة التي لا يعلمون كفوّا عن حملها على معنىً، وردّوا الأمر فيها إلى أئمّة الهدى، أو لكونه في معرض بيان ما فهمه، فأمره بالإعراض عنه والسكوت و أفاد ما أفاد. «حتّى يحملوكم فيه على القصد» أي على استقامة الطريق أو الوسط بين الطرفين، وهو العدل والطريق المستقيم. «ويجلوا» أي يذهبوا «عنكم فيه العمى» والعمى : ذهاب البصر، ويستعمل في ذهاب بصر العقل فيُراد به الجهل والضلال . (12)

.


1- . في «ب» و «ج»: «يحكموكم».
2- . رجال الطوسي، ص 190، الرقم 2350.
3- . خلاصة الأقوال، ص 120، الرقم 2.
4- . رجال ابن داود، ص 86 ، الرقم 534.
5- . النحل (16) : 43 _ 44 .
6- . الأنبياء (21) : 7 .
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95.
8- . في المصدر : + «عند بلوغه موضعا من المواضع».
9- . في المصدر : «لداعيةٍ».
10- . في المصدر : «اهتمام».
11- . في «الف»: «أفاد» بدون الواو.
12- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 175 _ 176.

ص: 490

. .

ص: 491

. .

ص: 492

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عن عَلِيٍّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«وَجَدْتُ عِلْمَ النَّاسِ كُلَّهُ فِي أَرْبَعٍ : أَوَّلُهَا : أَنْ تَعْرِفَ رَبَّكَ ، وَالثَّانِي : أَنْ تَعْرِفَ مَا صَنَعَ بِكَ ، وَالثَّالِثُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا أَرَادَ مِنْكَ ، وَالرَّابِعُ : أَنْ تَعْرِفَ مَا يُخْرِجُكَ مِنْ (2) دِينِكَ» .

هديّة :(وجدت علم الناس كلّه) أي العلم الذي يحتاج إليه الناس في دينهم الحقّ أوّلها (أن تعرف ربّك) يعني على ما عرّف به نفسه، وأخبر به حججه المعصومون العاقلون عنه بمجرّد طَوْله العظيم ولطفه العميم، وهو أرحم الراحمين، وأرأف بعباده من والديهم والأقربين. واللّه ، لولا إخبارهم عليهم السلام عقلاً عنه جلّ وعلا بالأسماء الحسنى والأثِنيةَ العليا، والصفات الخاصّة بذاته تعالى ما سمّاه أحدٌ أبدا بها، ولا يعرفه أحد بصفاته الخاصّة أبدا، لا واللّه ، لا صوفيّ قدريّ مرتاض بالآلام، ولا وجديّ مدّعٍ لمعارج في البِسْطام ، فالحكم لهم عليهم السلام والحجّة معهم على الأنام إلى يوم القيام، وهم قد حكموا بكفر من قال بمقالة الصوفيّة القدريّة، وكونه مخلّدا في النار. وقد خرج توقيعا كما نقله الشيخ المفيد قدس سره في حديقة الحدائق (3) ، ومولانا أحمد نزيل الغَرِيّ رحمه الله (4) في حديقة الشيعة من الصاحب صاحب الأمر والزمان صلوات اللّه عليه في سؤال الشيعة بعد قتل الحلّاج في الغيبة الصغرى بأمر بني العبّاس وإفتاء الشافعيّة عن حاله ب «أنّه» كان زنديقا نجسا، وهو عدوّ اللّه مخلّد في النار . (والثاني أن تعرف ما صنع بك) يعني أن تعرف نفسك وخلقتك وصنعه فيك، وتفضّله معك بأنواع التفضّلات وأقسام التلطّفات، وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (5) يعني من عرف نفسه _ كما ينبغي _ فقد عرف ربّه على ما عرّف به نفسه لعباده، من تفرّده تبارك وتعالى بالأزليّة، والخالقيّة، والقدرة على كلّ شيء بمجرّد نفوذ الإرادة، وغير ذلك ممّا أخبر به حججه المعصومون العاقلون عنه سبحانه. ويكفي للعبد من بيان معرفة نفسه مفصّلاً بعد معرفته بأحوالها المتغايرة بكمال عجزها ونهاية احتياجها إيماءً مّا إلى قطرة من البحار وأثر من الآثار. ما أبين خباثة النطفة وكونها بحيث لو تلطّخ إصبعك بها ولم يكن ماء لإزالتها كاد أن ترضى بقطع الإصبع، وهي بعد صيرورتها في الرحم علقةً ثمّ مضغةً توجد بصنعه تبارك وتعالى، فيها نقاط سود صغار في غاية الصغر _ بحيث لا يدركها إلّا إمعان النظر _ اثنتنان من تلك النقاط تصير بحكمة صنعه سبحانه عينيك بطبقاتهما، وأجفانهما، وأشفارهما، وهيئاتهما، ومكانهما من الوجه، ومائهما المالح المخلوق فيهما لصلاحهما، ونورهما السيّار في مقدار طرفة العين ونِصْفِ النظر من الناظر إلى فلك البروج. واثنتان اُخراوان تصير اُذنيك بصماخهما، وهيئاتهما، ومكانهما من الرأس، ومائهما المُرّ المخلوق فيهما؛ صونا من اختلالهما من الهوامّ والسوام ونحوهما؛ وسامعتهما التي تدرك الصوت المخلوق بحركة الشفتين _ مثلاً _ في الهواء المجاور للحلق أوّلاً، ثمّ في سلاسل أمواج الهواء المنتهية إلى الصماخ على هيئات الحروف على أنحاء كثيرة لا تحصى. وهكذا سائر تلك النقاط السود الصغار المخلوقة أوّلاً في المضغة تصير بقدرته وصنع حكمته أنفك وفمك من الوجه، ولسانك وأسنانك في الفم، ويديك ورجليك بمفاصلهما وأصابعهما وهيئاتهما وموضعها من البدن، وسائر جوارحك من قرنك إلى قدمك ظواهرهما وبواطنهما من الأحشاء والأمعاء، وغير ذلك ممّا لا تخفى «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (6) . (والثالث أن تعرف ما أراد منك) يعني أن تعرف لماذا خلقك؟ وما أراد منك لمعاشك ومعادك؟ خلقك لمعرفته بمعرفة مفترض الطاعة، وطاعته على ما اُخبرت واُمرت، وأراد منك بمحض التفضّل الامتثال في الأمر والنهي هنا راضيا شاكرا، ثمّ الاشتغال بالسرور المخلّد، والعيش المؤبّد في دار الخُلد وجنان الرحمان بعد طيّ عقبات البرزخ ومواقف أهوال الموقف للعرض الأكبر، سالما حامدا «وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (7) . (والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك) يعني أن تعرف عدوّ دينك، ومن يفسد إيمانك موافقته وتبعيّته. إنّ رئيس رؤساء الأعداء لدين اللّه سبحانه هو إبليس اللّعين، وهو العدوّ المبين غير المبين، هو وأبالسته يجيئون للتسلّط على بني آدم بالوسوسة من الجوانب الستّة، وقد يتمثّلون بأشكالٍ مختلفة ويكيدون بمكائد عجيبة معجبة ، وقصّة الشيخ النجدي والذي أحكم البيعة أوّلاً مع الأوّل وغير ذلك من القصص معروفة، ونفوذهم في الأصنام المتنطّقة والوجديّين من الصوفيّة القدريّة والطائرين من الجواكي الهندية ظاهر لاُولي الأبصار، ومشهور بتواتر الأخبار . وكما أنّ للإيمان سلسلة واحدة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيام قائمة في كلّ عصرٍ من الأعصار بحجّة معصوم وشيعته ، فللكفر سلاسل شتّى ظلمانيّة ممتدّة من لدن قابيل إلى انقراض الدنيا قائمة برئيس الملاعين وتبعته من الأبالسة والطواغيت وأشياعهم ومريديهم . وكما أنّ في سلسلة الإيمان فقهاء وفضلاء دائما، ففي سلاسل الكفر رؤساء مهراء في الشيطنة والنَكراء ما دامت الدنيا. تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين كلّهم أهل التوراة، كانت إحداها ناجية والباقية هالكة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلّهم أهل الإنجيل، إحداها ناجية والباقية باغية هالكة، وهذه الاُمّة على ثلاث وسبعين كلّهم أهل القرآن كانت بالنصّ وإجماع الجميع إحداها ناجية والباقية باغية طاغية هالكة (8) . وقد عرفت مرارا أنّ مكائد أفكار الشيطان ومصائد خدائعه لعباد الرحمان خارجة من الإحصاء والحسبان، وأنّ أدقّها وأخفاها على الإنسان طريقة التصوّف المحفوفة بأشياء من المكارم والأخلاق والحديث والقرآن والأشعار والأمثال ومحاسن الأقوال والأفعال وغير ذلك ، كوسخ الحديد المرصّع بجواهر نفيسة وصنائع لطيفة؛ فكفر الصوفيّ أسوء صنوف الكفر، والتصوّف أخيب شعوب الشرك، وهو من أواخر أفكاره بذلك العمر، وتلك المهارة بتلك القوّة والجرأة الطامعة في الأنبياء عليهم السلام مع علمه بأنّهم معصومون قصدا بالذات إضلاله الناجية من الفرق؛ لعلمه بأنّهم لا يهلكون بالمعصية ومن ورائهم الزيارات والشفاعات وسائر الأسباب للنجاة والمنجيات، وأنّهم لا يكاد أن يتهوّدوا بوسوسته، أو يتنصّروا، أو يتمجّسوا، ففكّروا فكرا وتفكّر، فانتهى فكره إلى وضع طريقة التصوّف، فنعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، ولعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين على الملحدين الأبعدين من الصراط المستقيم، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله المعصومين وسلّم أبد الآبدين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «وجدت علم الناس» أي العلم الذي ينفعهم في الدِّين كلّه «في أربع كلمات أوّلها : أن تعرف ربّك» بأنّه ربّ العالمين على ما عرّف به نفسه . والثاني (9) : أن تعرف ما صنع بك» أي تعترف بأنّ خلق الدنيا وما فيها لو كان بدون التكليف وإرسال الرُّسل والأحكام والآداب والمجازاة في الآخرة لكان عبثا ولهوا ولعبا، كما بيّن المصنّف _ طاب ثراه _ في جواب السؤال الأوّل ، وبيّنا في شرح قوله في الخطبة : «فلو كانت الجهالة جائزة». والثالث : أن تعرف ما أراد منك» أي برسالة الرّسل وإخبارهم بمنافعك ومضارّك . والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك» كالشرك، والإصرار على الكبيرة، واتّباع أهل الرأي وأئمّة الجور» . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «علم الناس» أي بما يحتاجون إلى معرفته وينتفعون به منحصر في أربع معارف «أوّلها» أي أوّل المعارف الأربع، أو أوّل أقسامها؛ حيث عُرِف انقسامها بالأقسام «أن تعرف ربّك» بكونه موجودا أزليّا أبديّا واحدا أحدا عالما قادرا وبسائر صفات ذاته وصفات فعله معرفة يقينيّةً فيما يمكن منها تحصيل (10) اليقين فيه . «والثاني» : من الأقسام معرفتك بما صنع بك من إعطاء العقل والحواسّ والقدرة واللّطف بإرسال الرُّسل وإنزال الكتب، وسائر نعمه العظام . «والثالث» : معرفتك بما أراد منك وطلب فعله والكفّ عنه، وبما أراد من طريق معرفته وأخذه من المآخذ المعلومة بالعقل، أو بالنقل . «والرابع : أن تعرف ما يخرجك من دينك» كاتّباع الطواغيت، والأخذ من غير المآخذ، وإنكار الضروريّ من الدِّين . (11)

.


1- . في الكافي المطبوع : + «بن إبراهيم».
2- . في «ب» و «ج»: «عن».
3- . لم نعثر عليه.
4- . في مجمع البحرين، ج 1، ص 315 (غرا) : «الغريّ، كغنيّ البناء الجيّد، ومنه الغريّان بناءان مشهوران بالكوفة، قاله في القاموس. وهو الآن مدفن عليّ عليه السلام ».
5- . غررالحكم، ص 232، ح 4637؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 20، ص 292، ح 339. ورواه عن النبيّ صلى الله عليه و آله في عوالي اللآلي، ج 4، ص 102، ح 149؛ بحارالأنوار، ج 2، ص 32، ح 22.
6- . المؤمنون (23) : 14.
7- . يونس (10) : 10 .
8- . إشارة إلى حديث الافتراق، رواه الفريقان. راجع : بحارالأنوار، ج 28، ص 2، باب افتراق الاُمّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله على ثلاث وسبعين فرقة و... .
9- . كذا، والمناسب: «والثانية» وكذا بعدها: والثالثة... والرابعة.
10- . في «الف»: «لتحصيل».
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 176 _ 177 .

ص: 493

. .

ص: 494

. .

ص: 495

. .

ص: 496

. .

ص: 497

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عن الثلاثة (1) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : مَا حَقُّ اللّه ِ عَلى العباد (2) ؟ فَقَالَ :«أَنْ يَقُولُوا مَا يَعْلَمُونَ ، وَيَكُفُّوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ فَقَدْ أَدَّوْا إِلَى اللّه ِ حَقَّهُ» .

هديّة :يعني : ما أهمّ حقوقه سبحانه على عباده، أو ما حقّ اللّه المندرج فيه جميع حقوقه. (ما يعلمون) أي ما يقطعون بأنّه حقّ، ولا قطع بحقيّة شيء من المختلف فيه بلا مكابرة إلّابإخبار الحجّة المعصوم المنحصر عدده في حكمته تعالى، وانحصر القطع في ذلك بالحقّ في حقّ قوله، وفعله، وتقريره؛ لانحصار الأعلميّة في ربّ العالمين . (ويكفّوا عمّا لا يعلمون) أي ما لا يقطعون بأنّه حقّ؛ لعدم العلم بمآخذه عن الحجّة؛ لعدم دخوله في الأخبار المضبوطة المتواترة المعالجة متشابهاتها بمعالجات معهودة عن الحجج عليهم السلام في جملة محكمات السنّة القائمة آحادها ومتواتراتها، وظنّيّة الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم، وتوقّف الفقيه الإمامي العدل الممتاز _ فضلاً عن العمل بالظنّ في زمن الغيبة بالعلاجات المنصوصة لو لم يلزم منه الحرج المنفيّ _ بمحكم الكتاب واجب قطعا . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : بيانه كنظيره، وهو السابع من الباب الثاني عشر . وقال الفاضل الاسترآبادي : «أن يقولوا ما يعلمون» من تصريحاتهم عليهم السلام بوجوب التوقّف عند عدم اليقين والقطع . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى اللّه حقّه» وذلك لأنّه إذا قال ما علمه قولاً يدلّ على إقراره ولا يكذبه بفعله، وكفّ عمّا لا يعلمه، هداه اللّه إلى علم ما بعده، وهكذا حتّى يؤدّي إلى أداء حقوقه . (4)

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- . في الكافي المطبوع : «على خَلقه».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95. وفي المصدر : - «عند عدم اليقين والقطع» .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 177 .

ص: 498

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ سَهْلِ ، (1) عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ الْعِجْلِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اعْرِفُوا مَنَازِلَ النَّاسِ عَلى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا» .

هديّة :يعني : أنّ منزلة كلّ فقيه من فقهاء شيعتنا على قدر روايته عنّا؛ فالمكثر قدره أعلى من المقلّ إذا تساويا عقلاً وفهما وعملاً، وإلّا فالمقلّ مع الفهم والعمل أعلى قدرا من المكثر بدونهما ، فالمراد قدر الفهم فهم الراوي وراجله بأساليب كلامهم عليهم السلام لا قدر الرواية كثرةً وقلّةً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني اعرفوا أقدار الناس في الفُتيا والقضاء على قدر كثرة الرواية وقلّتها عنّا؛ بمعنى أنّ من أكثر من الاكتفاء بنقل حديثنا مَن دون تصرّف في لفظه أو معناه عند الجواب عن المسألة التي ليست في محكمات القرآن ويجري فيه الاختلاف بلا مكابرة فهو أسلم من الخطأ من الذي لم يكثر منه عند ذلك . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا» فكلّ طائفة كثير (2) مراجعتهم إلى أهل البيت، وكان رجوعهم إلى روايات أهل البيت عليهم السلام في الأخذ بالمعارف والمسائل، فهؤلاء أكمل عقلاً، وأسلم قلبا، وأطوع لأوامر اللّه ونواهيه. ومن كان يرجع إليهم في كثير، ويأخذون دينهم منهم ومن غيرهم، فهؤلاء ممّن يرجى فيهم أن يصلوا إلى النجاة بفضل اللّه . ومن يراجع غيرهم، وكان اعتماده في أخذ دينه على القائلين بآرائهم وأهوائهم في الدِّين، فهؤلاء لا خير فيهم، ولا يرجى منهم الصلاح والرجوع إلى الحقّ؛ وذلك لأنّ من أخذ بقولهم كان آخذا بقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» (3) . وما في معناه، ومن تركهم كان تاركا لما أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله به، من الأخذ عنهم آخذا بما نهى أخذ دينه عنه من غير كتاب اللّه وعترته فهما لا يفترقان كما نصّ عليه بقوله : «لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض » (4) .

.


1- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد».
2- . في المصدر: «كثر».
3- . حديث الثقلين مرويّ بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، رواه العامّة والخاصّة. راجع : صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119؛ و ج 3، ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام و... .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 177 _ 178.

ص: 499

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عن الْحُسَيْنِ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْغَلاَبِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَائِشَةَ الْبَصْرِيِّ رَفَعَهُ : أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ :«أَيُّهَا النَّاسُ ، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِلٍ مَنِ انْزَعَجَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ فِيهِ ، وَلَا بِحَكِيمٍ مَنْ رَضِيَ بِثَنَاءِ الْجَاهِلِ عَلَيْهِ؛ النَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ ، وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُ ، فَتَكَلَّمُوا فِي الْعِلْمِ؛ تَبَيَّنْ أَقْدَارُكُمْ» .

هديّة :(الغلابي) بالمعجمة والمفردة : نسبة إلى بني غلاب _ كسَحاب _ قبيلة بالبصرة ، و(محمّد بن زكريا الغلابي )مولاهم؛ ذكره العلّامة _ طاب ثراه _ في كتابي الخلاصة والإيضاح (1) . و «الانزعاج» : الانقلاع عن المكان، والقلق والاضطراب. و «الزّور» : الكذب والباطل والبهتان. يعني : لا يغتمّ العاقل (من قول الزور فيه)؛ لأنّ الربّ الديّان المُجازي بالعدل الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء (2) ، حكم بين كلّ ظالم ومظلوم، وكلّ مفتر ومبرّاءٍ. (ولا بحكيمٍ مَن رضي بثناء الجاهل عليه) أي على فعله المذموم عند العقلاء، أو لمسرّته من الثناء وإن كان على مكرمة لا تكون فيه، وكلاهما ينافي الحكمة. «الناس أبناء ما يحسنون» على المعلوم من الأفعال؛ أي يحبّونه كما يحبّون آبائهم ، إنّ «كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» (3) يقال : أحسن الشيء، أي تعلّمه : فَعَلِمَه حسنا. و(العلم) من معاني الإحسان ، فمعنى «وقدر كلٌّ امرى ءٍ ما يحسن» : ما يعلمه حسنا . قال أمير المؤمنين عليه السلام : الناس من جهة التمثال أكفّاءأبوهم آدم والاُمّ حوّاء لا فضل إلّا لأهل العلم أنّهمعلى الهدى لمن استهدى أدلّاء وقيمة المرء ما قد كان يحسنهوالجاهلون لأهل العلم أعداء فقم بعلمٍ ولا تبغ له بدلاًفالناس موتى وأهل العلم أحياء (4) (تبيّن) بحذف إحدى التائين جُزِم في جواب الأمر، وقد مرّ مرارا أنّ المراد من العلم ما هو المأخوذ عن الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه»؛ لأنّ قول الزور قيل في اللّه وفي حججه ، فالانزعاج والانقلاع من المكان منه نوع من التكبّر، وهو علامة الجهل. «ولا بحكيم من رضى بثناء الجاهل عليه» أي بالثناء الصدق، والرضا بصدوره عن الجاهل بظنّه الميل إلى الجاهل ، فينبغي الاحتراز عنه . و«الأبناء» هنا استعارة لجماعة يُعرفون بشيء كما يُعرف الأبناء بالآباء . و«ما» موصولة ومضاف إليه . و«الإحسان» بمعنى كثرة الممارسة لفعل وإيقاعه حسنا . و«في» في «فيالعلم» للتعليل. وتعريف «العلم» للعهد الخارجي، يعني العلم بمحكمات الآيات البيّنات ، أو المراد علم الدِّين. و«تبيّن» على المضارع المعلوم للغائبة من باب التفعّل بحذف إحدى التائين، ومجزوم بالأمر . و«أقداركم» مرفوع وفاعل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ليس بعاقل من انزعج» أي من قلق وخرج عن مكانه من «قول الزور» أي الكذب والميل عن الحقّ مدحا كان أو ذمّا «فيه» أو في عدوّه؛ لأنّه إذا كان فيه كمال ونفاه الكاذب، لم يحصل له به منقصة، ولم يحصل للنّافي إلّا منقصة واستحقاق للعذاب، وإذا كان فيه منقصة لم يحصل له بإثبات الكمال من الكاذب الكمالُ، ولم يدفع (5) به عنه منقصة ، وكذا في عدوّه ، والعقل يمنع من الانزعاج بما يحكم بعدم ضرّه، وبما يحكم بعدم نفعه. «ولا بحكيم من رضى بثناء الجاهل عليه» لأنّ الحكيم عارف بأسباب الأشياء ومسبّباتها، ويعرف أنّ التخالف وعدم التناسب يوجب التنافر في الطبائع، وأنّ الجاهل لا يميل إلّا إلى مشاكله، فلا يثني إلّا على الجاهل، أو من يعتقد جهله ومناسبته له، أو من يستهزئ به باعتقاده، أو من يريد أن يخدعه ، والحكيم لا يرضى بشيء من ذلك، والحكمة لا يجامع الرضا بثناء الجاهل، والعقل لا يجامع الانزعاج من قول الزور، وبالرضا يعرف انتفاء الحكمة، وبالانزعاج انتفاء العقل . «الناس أبناء ما يحسنون» أي ينبغي أن يكون افتخار الناس بما يعلمون (6) ، وهو يُحسن الشيء إحسانا، أي يعلمه ، والشائع افتخار الأبناء بآبائهم (7) ، أو المراد أنّه كما أنّ نظام حال الابن وصلاحه بالأب، كذا نظام حال الناس وصلاحهم بما يعلمونه (8) .

.


1- . خلاصة الأقوال، ص 259، الرقم 104؛ إيضاح الاشتباه، ص 257، الرقم 611 .
2- . اقتباس من الآية : 61 من سورة يونس (10).
3- . المؤمنون (23) : 53 ؛ الروم (30) : 32.
4- . ديوان الإمام عليّ، ص 24.
5- . في المصدر : «يرفع».
6- . في المصدر : «بما يحسنون، أي يعملون».
7- . في المصدر : + «فهم أبناء مايعلمون، أي ينبغي أن يكون افتخارهم به».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 177 _ 178.

ص: 500

. .

ص: 501

. .

ص: 502

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عن الإثنين (1) ، عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، (2) عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ : عُثْمَانُ الْأَعْمى ، وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ الْعِلْمَ يُؤْذِي رِيحُ بُطُونِهِمْ أَهْلَ النَّارِ . فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«فَهَلَكَ إِذَنْ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ ، مَا زَالَ الْعِلْمُ مَكْتُوما مُنْذُ بَعَثَ اللّه ُ تَعالى نُوحا ، فَلْيَذْهَبِ الْحَسَنُ يَمِينا وَشِمَالاً ، فَوَ اللّه ِ مَا يُوجَدُ الْعِلْمُ إِلَا هاهُنَا» .

هديّة :ليس إنكاره عليه السلام إنكارا لمساءة مطلق الكتمان، وقد سبق في باب بذل العلم _ يعني لأهله _ أحاديث في الحثّ على الإعلان وعدم الكتمان، بل إنكار لإنكار الحسن البصريّ شرعيّة التقيّة وما هو الحقّ من الحقّ . وكان الحسن البصري _ لعنه اللّه _ من رؤساء الصوفيّة القدريّة ومبتدعي طريقتهم المهلكة، لعنهم اللّه وقصم ظهرهم . والنصّ في لعنه ولعنهم كثير كما في مواضع من الكافى¨ (3) وغيره . والشيخ أبو عليّ الطبرسي رحمه اللهروى في الاحتجاج روايات في طعن اللّعين البصري منها : أنّه «سامريّ هذه الاُمّة » (4) ، ومنها : أنّه «أخو الشيطان». (5) فإن قيل : كانت التقيّة من زمن هابيل وقابيل فما وجه التخصيص ؟ قلنا : لعلّ الوجه أنّ نوحا عليه السلام أوّل اُولي العزم عليهم السلام . ويجيء في كتاب الروضة أنّ نوحا عليه السلام أوّل مسؤول في القيامة عن التبليغ؛ لأنّه أوّل اُولي العزم عليهم السلام (6) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «البصري» بكسر الباء : نسبة إلى البصرة بفتحها. نشأ توهّم الحسن البصري من عدم فهمه قوله تعالى في سورة البقرة : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّه ُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ» (7) . وغفل عن أنّ الكتمان على قسمين : الأوّل : ما يكون بالرأي والقياس، وهوى النفس، والتأويل الباطل، أو التخصيص كذلك . والثاني : ما يكون تقيّةً . والمراد في الآية القسم الأوّل . و«البيّنات» بمعنى المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ، والاختلاف ظنّا. و«الهدى» : الإمام العالم بجميع المتشابهات والمشكلات، ف «الهدى» عطف على «ما أنزلنا» : وضمير «بيّناه» للهدى (8) الذي آياته صريحة في ذلك . و«بيّناه للناس» دلالة على أنّ في معنى تلك المحكمات ودلالتها على الهدى لا اشتباه أصلاً. وقصد اللّعين البصري من كلامه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكتم علمه ولم يخصّص أهل بيته بتعليمه، بل علّم جميع الاُمّة بما علم ، فقال عليه السلام ردّا على اللّعين : «فهلك إذن» إلى آخره . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فهلك إذن مؤمن آل فرعون» بكتمانه إيمانه ومعرفته باللّه . والحاصل : أنّه كيف يكون الكتمان قبيحا موجبا للعقاب، وكان المؤمنون يكتمون (9) تقيّةً كمؤمن آل فرعون. وفي العلوم الحقيقيّة الفائضة من المبدأ على اُولي العزم ما يُتّقى فيه عامّة الناس ولا يجوز إظهارها بينهم. «وما زال هذا العلم مكتوما منذ بعث اللّه نوحا»، وكان مطلب اللّعين من ادّعائه ذلك [إظهار] (10) أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن عنده علم سوى ما اشتهر بين الناس وفي أيديهم من أحاديثه، ولم يكن عند أمير المؤمنين عليه السلام علم بغير ما اشتهر، (11) وتكذيب مَن يدّعي أنّ عنده علم من علوم النبيّ صلى الله عليه و آله غير ما في أيدي الناس ، فأبطل عليه السلام [قوله] (12) ردّه بأنّ الكتمان عند التقيّة أو الحكمة المقتضية له طريقة مستمرّة منذ زمن نوح عليه السلام إلى الآن . «فليذهب الحسن» الذي يزعم انحصار العلم فيما في أيدي الناس «يمينا وشمالاً (13) ، فواللّه ، لا يوجد العلم إلّا هاهنا» أي عند أهل البيت الذين ائتمنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله على علومه، وهي عندهم عليهم السلام (14) [مكتوبة] (15) .

.


1- . يعني : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد».
2- . في «ب» و «ج»: - «بن عثمان».
3- . اُنظر: الكافي ج 2، ص 113، باب الصناعات، ح 2.
4- . الاحتجاج، ج 1، ص 251، احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام بعد دخوله البصرة... .
5- . لم نعثر عليه.
6- . راجع : الكافي، ج 8 ، ص 267، ح 292.
7- . البقرة (2) : 159.
8- . في «الف»: «الهدى».
9- . في المصدر : «يكتمونه».
10- . أضفناه من المصدر.
11- . في المصدر : «ما هو المشهور» بدل «ما اشتهر».
12- . أضفناه من المصدر.
13- . في المصدر : + «أي إلى كلّ جانب ليطلبه من الناس؛ فإنّه لايوجد عندهم أكثر علوم المعارف والشرائع».
14- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 179 _ 180.
15- . أضفناه من المصدر.

ص: 503

. .

ص: 504

. .

ص: 505

باب رواية الكتب والحديث

الباب الثامن عشر : بَابُ رِوَايَةِ الْكُتُبِ وَالْحَدِيثِ وَفَضْلِ الْكِتَابَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْكُتُبِوأحاديثه في الكافي خمسة عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي عن الثَلاَثَةِ ، عَنْ بُزُرْجَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ (1) ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : قول اللّه عزّ وجلّ (2) : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ» ؟ قَالَ :«هُوَ الرَّجُلُ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ ، فَيُحَدِّثُ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ ، لَا يَزِيدُ فِيهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ» .

هديّة :في العنوان : (رواية الكتب) يعني باب رواية كتب الحديث والدّعاء عن رواتها من طريق الإماميّة. (والحديث) يعني ورواية الحديث في باب نقل الحديث. (وفضل الكتابة) أي كتابة الحديث. (والتمسّك بالكتب) أي وفضل التمسّك بكتب الحديث. وصدر الآية في سورة الزّمر : «فَبَشِّرْ عِبَادِى * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ» (3) الآية . وهذا أحد معاني هذه الآية. وقد مضى لها معنى آخر في حديث هشام، الثاني عشر من الباب الأوّل. (لا يزيد فيه ولا ينقص منه) يعني في معناه، ومن معناه، بدليل الأخبار الآتية إن شاء اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني هذا باب الأحاديث المنسوبة إلى نقل الكتب من رواة الحديث، والأحاديث المنسوبة إلى نقل الحديث، وفضل كتابة الحديث، وفضل حفظ كتب الحديث ومحافظتها للتمسّك بها، والعمل بمضمونها. وفي آية سورة الزمر «هو» راجع إلى «أحسنه»، أو إلى قائل أحسنه المفهوم من السياق . فعلى الأوّل يقدّر : «قول الرجل». والحصر على التقديرين بناءً على أنّ هذا آخر مراتب اتّباع أحسن القول؛ لتأخّره عن اتّباع «أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» (4) و «أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم» (5) أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم (6) في سورة الزمر، فتشتمل على جميع مراتب الاتّباع لأحسن القول . وسيجيء الوجه لأولويّة رواية لفظ الحديث بعينه من نقله بالمعنى في كتاب الحجّة في الأوّل من الباب الثاني والمائة باب ما أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بالنصيحة لأئمّة المسلمين . ولعلّ هذه البشارة لمؤمني زمن الغيبة، أو للغائبين عن الإمام في أيّ زمان كانوا . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «والتمسّك بالكتب» قصده _ طاب ثراه _ أنّ أصحاب العصمة عليهم السلام جمعوا أحاديثهم وكتبوا كتبا من أحاديثهم بأمرهم عليهم السلام ؛ ليعمل بها الشيعة في زمن الغيبة الكبرى، وتلك الكتب صار مجمعا على صحّتها بين جمع من أصحاب العصمة عليهم السلام ، فتعيّن العمل بها لا بالخيالات الظنّية . (7) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «هو الرجل» أي المستمع للقول المتّبع أحسنه هو الرجل يسمع الحديث ويحفظه، فيحدّث به ويرويه كما سمعه بلا زيادة ونقصان . فالاتّباع عبارة عن السلوك بقول راويه مسلك ما سمعه وحدّثه به، واقتدأً واقتفأً لأثره، والاحتذاء حذائه (8) بلا زيادة ونقصان، وأحسن القول أكثره حسنا، وهو المحكم الباقي مرّ (9) الدهور حكمه ، فقوله تعالى : «أحسنه» مفعول لقوله : «يتّبعون» كما في قوله تعالى : «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» (10) .

.


1- . السند في الكافيالمطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير».
2- . في «الف» : - «قول اللّه عزّ وجلّ».
3- . الزمر (39) : 17 _ 18 .
4- . الزمر (39) : 23.
5- . الزمر (39) : 55.
6- . في «ب» و «ج»: - «أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 95 . مع تفاوت يسير في صدر العبارة .
8- . في المصدر : «بقوله: رواية مسلك ما سمعه وحدّثه به غيره اقتداءً واقتفاءً لأثره والاحتذاء به حذاءه.
9- . في المصدر: «مدّ».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 180 _ 181. والآية في الزمر (39) : 55 .

ص: 506

. .

ص: 507

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْكَ ، فَأَزِيدُ وَأَنْقُصُ؟ قَالَ :«إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مَعَانِيَهُ ، فَلَا بَأْسَ» .

هديّة :رخصةٌ في نقل الحديث بالمعنى وإن زيد في لفظه أو نقص منه إذا لم يخلّا بالمعنى المقصود من لفظه، واحدا كان أو أكثر (2) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني «فلا بأس»؛ إذ لم يوجب الزيادة أو النقصان في اللفظ الزيادة والنقصان المخلّ في المعنى بوجه في وجوهه إذا كان ذا معاني . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فأزيد وأنقص» أي عندما اُحدّث به وأرويه . والمراد السؤال عن جواز الزيادة والنقصان فيما يسمع من الحديث عند روايته ، فأجاب عليه السلام بقوله : «إن كنت تريد معانيه» أي أن يقصد بالزيادة والنقصان إفادة معانيه، أو إن كنت تقصد حفظ معانيه، فلا يختلّ بالزيادة والنقصان «فلا بأس» بأن تزيد أو تنقص . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع: «محمّد بن يحيى».
2- . في «ب» و «ج»: «كثيرا».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 181.

ص: 508

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام: إِنِّي أَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْكَ ، فَأُرِيدُ أَنْ أَرْوِيَهُ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْكَ فَلَا يَجِيءُ؟ قَالَ : «فَتَتَعَمَّدُ ذلِكَ؟» . قُلْتُ : لَا ، فَقَالَ : «تُرِيدُ الْمَعَانِيَ؟» . قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : «فَلَا بَأْسَ» .

هديّة :(فلا يجيء) أي فلا أقدر عليه؛ لأنّه نسي خصوص اللّفظ، أو لعسر الإفهام، أو لغرض آخر. في بعض النسخ : «فتعمّد» من عمده _ كضرب _ : قصده كتعمّده، يعني : أفتريد حنيا ؟ فالتقدير : «أفقد تتعمّد أن ترويه بغير لفظ عمدا لا لغرض صحيح، أو نسيان خصوص اللفظ ». (قلت : لا ، فقال تريد المعاني؟) أي بيان المعاني لمكان النسيان، أو لغرض آخر؟ (قلت : نعم ، قال : فلا بأس) في «فلا بأس» كسابقه دلالة صريحة _ كظاهر الآية _ فيه على جواز نقل الحديث بالمعنى على الوجه الصحيح، إلّا أنّ نقله بألفاظه على ما سمع أولى بالاتّفاق؛ لوجوه بيّنة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فتعمّد ذلك» على الخطاب المعلوم من الإفعال، أو التفعيل، والإعماد والتعميد : جعل الشيء ذا عمد. والعمد _ بالتحريك _ : جراحة سنام الإبل من تحت الجلد مع صحّة ظاهر الجلد. يعني فلا يجيء بخاطري كما سمعتُ . قال : أفتجعل الكلام حَسَن الظاهر وسيّء الباطن؟ بمعنى أنّك تخيّل الناس بذلك أنّ اللفظ الذي تلفظ به هو لفظك؟ «قلت : لا ، فقال : تريد المعاني؟» يعني جميع معانيه بلا زيادة ونقصان ؟ «قلت : نعم ، قال : فلا بأس ». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فلا يجيء» أي هل يجوز فيما سمعته منك واُريد أن أرويه كما سمعته بألفاظه فلا يجيء كذلك ؟ (1) قال عليه السلام في جوابه : «فتعمّد ذلك؟» يقال : تعمّدته : إذا قصدته كعمدته، أي أتقصد اللّفظ وتريد به روايته بألفاظه جميعا ؟ فقال السائل : «لا ، فقال عليه السلام : تريد المعاني؟» أي روايته بمعانيه من غير محافظة على اللّفظ؟ فقال السائل : «نعم ، فقال عليه السلام : فلا بأس» أي إذا كنت بصدد نقل المعنى، فلا بأس بعدم المحافظة على اللّفظ . ويحتمل أن يكون «فتعمّد» من المجرّد. يقال : عمدت الشيء، أي أقمته بعماد، أو «فتعمد» من إلأفعال. يقال : أعمدته جعلت تحته عمادا، ويكون (2) المعنى : أفتضمّ إليه شيئا من عندك تُقيمه به وتصلحه كما يقام الشيء بعماد يعتمد عليه ؟ فقال السائل : «لا ، فقال عليه السلام : تريد المعاني» وتقصدها وتحفظها من الزيادة والنقصان؟ فقال السائل : «نعم ، فقال : فلا بأس» في النقل بالمعنى . (3)

.


1- . في المصدر : + «أن أرويه كما يجيء».
2- . في «الف»: «أو يكون».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 181 _ 182. بتفاوت وزيادة في المصدر.

ص: 509

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْهُ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : الْحَدِيثُ أَسْمَعُهُ مِنْكَ أَرْوِيهِ عَنْ أَبِيكَ ، أَوْ أَسْمَعُهُ مِنْ أَبِيكَ أَرْوِيهِ عَنْكَ؟ قَالَ :«سَوَاءٌ ، إِلَا أَنَّكَ تَرْوِيهِ عَنْ أَبِي أَحَبُّ إِلَيَّ» . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام لِجَمِيلٍ : «مَا سَمِعْتَ مِنِّي فَارْوِهِ عَنْ أَبِي» .

.


1- . السند في الكافي هكذا : «وعنه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عليّ بن أبي حمزة».

ص: 510

هديّة :(قال سواء) لأنّ علومهم عليهم السلام من معدن واحد، وهم من نور واحد . ووجه الاستثناء كثير، منها التقيّة، وسرعة بعض الطبائع، وتذكير الإمام السابق . وله فوائد شتّى، منها تذكّر وجوب وجود إمامٍ في كلّ عصرٍ من الأعصار، ووصيّته لخلفه ومطابقة قول الوصيّ والموصي، وغير ذلك، كرجحان علوّ السند، وقرب الإسناد من النبيّ عليه السلام عند الناس في قبول الرواية. وتوقّف الواقفة على الأب، فلا يكون حجّة عليهم من الوجوه والفوائد . (وقال أبو عبداللّه عليه السلام ) كلام ثقة الإسلام، أو أبي بصير، أو غيره من رجال السند . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «سواء» في المطابقة للواقع. ووجه الأحبّيّة : التقيّة؛ إذ لا يحتمل تطرّق الضرر إلى الإمام السابق . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : هذا السؤال يحتمل وجهين : أحدهما : هل فرق بين رواية المسموع منك عن أبيك، وبين رواية المسموع من أبيك عنك أم لا؟ والثاني : هل يجوز أن أروي عن أبيك ما كان سماعه منك، وأروي عنك ما كان سماعه من أبيك ؟ ومعنى الجواب على الأوّل : أنّهما سواء في الجواز، فكما يجوز أن تروي عن أبي ما تسمعه منّي؛ حيث يُعلم أنّ حديثي حديثه ومأخوذ منه، فكذلك يجوز أن تروي عنّي ما كان سماعه من أبي؛ لما يُعلم أنّ أحاديثنا واحد لا يختلف . وعلى الثاني : أنّ السَّماعَين سواء في الجواز بالنسبة إلى الروايتين، وذلك حيث أخبر عليه السلام مجملاً بأنّ ما كان يقول به أحد من الحجج عليهم السلام يقول به الآخر وأنّ أحاديثهم لا يختلف. وقوله «إلّا أنّك»، جارٍ في الاحتمالين . وعلى الاحتمال الثاني يمكن تعلّقه بالقرينتين وبالأخيرة . فعلى الاحتمال الأوّل يكون المعنى : رواية المسموع منّي عن أبي أحبّ إليَّ من رواية المسموع من أبي عنّي . وعلى الاحتمال الثاني على تقدير تعلّقه بالجميع يكون المعنى : رواية كلّ منهما عن أبي أحبّ إليّ من روايته عنّي . وعلى تقدير تعلّقه بالأخيرة يكون المعنى : رواية المسموع من أبي عنه أحبّ إليَّ من روايته عنّي؛ لأنّ في رواية المسموع من أبيه عنه يتوهّم كونه مسموعا عنه بخصوصه، وهو خلاف الواقع . وفي رواية المسموع منه عن أبيه رعاية التقيّة، واستشهاد الرواية عن الأعلى الذي إنكار أهل الزمان له أقلّ. وأحبّيّته إليه إمّا للتقيّة أو للتحرّز عن إيهام ما هو خلاف الواقع من سماعه بخصوصه من المروي عنه . «وقال أبو عبداللّه عليه السلام » من كلام أبي بصير، ويحتمل أن يكون ابتداء ذكر حديثٍ آخر من الكليني طاب ثراه بترك الإسناد. (1) انتهى . «فعلى الاحتمال الأوّل _ إلى قوله _ : أقلّ» كأنّه حاشية منه اُدخلت في المتن، لما لا يخفى (2) . وفي «أو للتحرّز» ما فيه .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 182 _ 183.
2- . في المصدر أيضا في الهامش نقلاً عن حاشية «ت، م، ل» مخطوطات المتن.

ص: 511

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنِ السّرّاد (1) ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : يَجِيئُنِي الْقَوْمُ ، فَيَسْتَمِعُونَ مِنِّي حَدِيثَكُمْ ، فَأَضْجَرُ وَلَا أَقْوى؟ قَالَ :«فَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِهِ حَدِيثا ، وَمِنْ وَسَطِهِ حَدِيثا ، وَمِنْ آخِرِهِ حَدِيثا» .

هديّة :ضجرمنه وبه، كعلم : تبرّم وقلق من الغمّ والسّآمة. (من أوّله) أي من أوّل كتاب الحديث، أو أوّل درسهم . قال برهان الفضلاء : «يجيئني القوم» يعني من الشيعة. «حديثكم» أي كتاب حديثكم. «فأضجر» أي من كثرة عدد الدّرس، أو طوله. «من أوّله حديثا» أي من أوّل الكتاب درسا «ومن وسطه» درسا «ومن آخره» درسا؛ لأنّ الضجر إن كان من كثرة عدد الدرس فالتقليل يوجب الراحة، وإن كان من طوله فالانتشار يوجب الراحة، كما مرّ في الأوّل من باب النوادر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يجيئني القوم» لسماع حديثكم منّي، فأقوم بقضاء حاجتهم، ويسمعون منّي حديثكم ولا أقوى على ما يريدون من سماع كلّ ما رُوِّيته من حديثكم منّي وأضجر؛ لعدم الإتيان بمرادهم. فقال عليه السلام في جوابه : «فاقرأ عليهم من أوّله» أي من أوّل كتاب الحديث «حديثا ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا ». والمعنى أنّه إذا لم تَقْو على القيام بمرادهم _ وهو السماع على الوجه الكامل _ فاكتف بما يحصل لهم فضل السماع في الجملة ، ولينتفعوا بما به يجوز العمل والنقل، من الإجارة وإعطاء الكتاب غيره، كما ورد في الأخبار والأحاديث. (2) وقال السيّد السند أميرحسن القائني رحمه الله : يعني أنّ الحديث إذا كان متعدّدا وتضجر من قرائته جاز أن تقرأ عليهم من أوّل الكتاب حديثا، ومن وسطه آخر، ومن آخره آخر. وإن كان حديثا واحدا طويلاً فاقرأ عليهم كلاما مفيدا مستقلّاً من أوّله، وكذا من وسطه وآخره . ولعلّ الوجه في تخصيص الأوّل والوسط والآخر أنّ الجمل المتقاربة تكون في أكثر الأمر من نوع واحد، فليست الفائدة فيها كالتي في الجمل المتباعدة .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «وعنه، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 184.

ص: 512

الحديث السادسروى فيالكافي بِإِسْنَادِهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَالِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام : الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُعْطِينِي الْكِتَابَ ، وَلَا يَقُولُ : ارْوِهِ عَنِّي ، يَجُوزُ لِي أَنْ أَرْوِيَهُ عَنْهُ؟ قَالَ : فَقَالَ :«إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْكِتَابَ لَهُ ، فَارْوِهِ عَنْهُ» .

.

ص: 513

هديّة :(الحلّال) : بيّاع الحلّ _ بفتح المهملة وتشديد اللّام _ يعني الشيرج، وهو دهن السمسم. (1) (الرجل من أصحابنا) أي الثقة من الإماميّة. والحديث من مواضع الرخصة في اعتبار الإذن فحوىً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «إذا علمت أنّ الكتاب له» أي أنّه روايته عن الإمام بلا واسطة أو بواسطة. ولا يخفى أنّ في هذا الحديث دلالة على أنّه لا اعتبار بقول من اعتبر الإجازة والرخصة في نقل الكتاب بمجرّد العلم بأنّ مصنّفه فلان . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «إذا علمتَ أنّ الكتاب له فاروه عنه» أي إعطاء كتاب الحديث ممّن تعلم أنّه من مرويّاته ومسموعاته كافٍ في رواية الكتاب عنه . أو المراد أنّ العلم بأنّ الكتاب له ومن مرويّاته كافٍ للرواية، سواء كان مع إعطاء الكتاب أو لا ، لكن لا يقول (2) : «أخبرني» أو «حدّثني» بل يقول : «روى» وأمثاله . (3) انتهى. اعتبار برهان الفضلاء إعطاء صاحب الكتاب لا يأبى عن إعطائه ولو بواسطة ثقةٍ أو أكثر، فلا يتوهّم المنافاة من ظاهر كلامه بينه وبين كلام السيّد؛ لمكان الفرق البيّن بين الكتاب المضبوط بتواتر الثقات، وما ليس كذلك وإن علم أنّه من مصنّفات فلانٍ الثقة .

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ (4) ، عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ ، عَنِ السَّكُونِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه : إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ ، فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ ، فَإِنْ كَانَ حَقّا فَلَكُمْ ، وَإِنْ كَانَ كَذِبا فَعَلَيْهِ» .

.


1- . اُنظر : لسان العرب، ج 11، ص 173 (حلل).
2- . في «ب» و «ج»: «لا يقال».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 184 .
4- . في الكافي : «عليّ بن إبراهيم».

ص: 514

هديّة :احتمال المجهول في (إذا حدّثتم) بعيد . ولعلّ المعنى إذا أردتم رواية الحديث وأنتم شاكّون في ثقة مَنْ حدّثكم به (فأسندوه) إليه فالأمر للوجوب. (فلكم) أي ثوابه. (فعليه) أي إثمه وعقابه . قال برهان الفضلاء : نصح عليه السلام شيعته بهذا؛ لتكثّر الكذّابة فيزمنه و بعدَه. «وإذا حدّثتم» يحتمل المجهول والمعلوم من باب التفعيل، والأوّل أنسب ب «حدّثكم» وبما يأتي في الثاني عشر من هذا الباب . «فإن كان حقّا» أي فإن ظهر أنّه حقّ «فلكم» نفعه، وإن ظهر بطلانه بمثل أنّه مخالف لمحكمات القرآن «فعليه» ضرره لا عليكم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني كلّما تحدّثون بحديث وتروونه فأسندوه عند روايته «إلى الذي حدّثكم» به . ويحتمل أن يكون الفعل مجهولاً؛ أي إذا سمعتم الحديث من راويه «فاسندوه» عند روايته «إلى الذي حدّثكم» به وأخذتم الرواية عنه (1) .

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ عَليِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْمَدَنِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ حُسَيْنٍ الْأَحْمَسِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«الْقَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ» .

هديّة :حثّ عليه السلام الرعيّة على فضل كتابة الحديث وضبطه بها؛ لمكان عموم بلوى النسيان . و«الاتّكال» : الاعتماد. يعني يتّكل ويطمئنّ لتمكّنه من الرجوع عند النسيان . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني اكتبوا ما سمعتم من الحديث؛ لئلّا تشكّوا فيه عند روايته . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : هذا تحريص منه عليه السلام على كتابة الحديث، وعدم الاكتفاء بالحفظ والاتّكال على المحافظة (2) . (3)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 184 _ 185 .
2- . في هامش «الف» والمصدر : «الحافظة».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 185 .

ص: 515

الحديث التاسعروى في الكافي عن الإثنين ، عَنْ الْوَشَّاءِ (1) ، عَنْ عَاصِمِ بن حُمَيدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«اكْتُبُوا ، فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتّى تَكْتُبُوا» .

هديّة :يعني (اكتبوا) ما تسمعون من حديثنا (فإنّكم لا تحفظون) لأنّكم الرعيّة ، والغنى عن الكتابة خاصّ بالحجج المعصومين عليهم السلام . ومن مزخرفات الصوفيّة القدريّة أنّ الكتب قطّاع الطريق في مسلك أهل التحقيق ، مع أنّ كتب الضلال منهم أكثر من سائر أهل الضلال. والإنسان عدوّ لما جهله (2) . ولِمَ لا يذمّون كتبنا وهي تفضحهم، ولِمَ لا يقولون : إنّ اللعنة محض الرحمة واللّعنة يبدّدهم ويستأصلهم؟! و الحربة التي صنعها اللّه القهّار لأعدائه من اللّام والعين والنون لن يفلّ حدُّها بتمحّلهم (3) بمثل مزخرفاتهم، بل تصير أنفذ وأقطع بالتجربة والعيان . قال برهان الفضلاء : «اكتبوا» أي أحاديثنا ومثل الحديث. ردّ على الصوفيّة؛ لقولهم بأنّ الكتاب سدّ في طريق السالك؛ يعني السالك إلى جهنّم وبئس المصير .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشاء».
2- . إشارة إلى كِلام مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام المرويّ في نهج البلاغة، ص 533 ، الحكمة 438 : «الناس أعداء ماجهلوا».
3- . في «ب» : «بتجهّلهم».

ص: 516

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ (1) ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا» .

هديّة :«الاحتفاظ» : مبالغة في الحفظ . والظاهر أنّ هذه المبالغة للاحتياج إليها في زمن الغيبة، أو في أوان الشّيب وضعف القوى لا سيّما الحافظة ، أو (سوف) إشارة إلى اختصاص عدم النسيان بالحجج المعصومين صلوات اللّه عليهم . قال برهان الفضلاء : «بكتبكم» أي بكتب أحاديثنا، كالاُصول الأربعمائة المدوّنة في زمانه عليه السلام . و «الباء» في «بكتبكم» باعتبار تضمين معنى التمسّك، أو لتقوية التعدية . والأوّل أنسب بعنوان الباب . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فإنّكم سوف تحتاجون إليها» إخبار منه عليه السلام بوقوع الغيبة، وبعدم تمكّن الناس من المراجعة إلى الحجّة، وعند ذلك لابدّ من الرجوع إلى الكتب المصنّفة في أحاديثهم عليهم السلام (2) .

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّةِ ، عَنْ الْبَرْقِيِّ (3) ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخَيْبَرِيِّ ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«اكْتُبْ ، وَبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لَا يَأْنَسُونَ فِيهِ إِلَا بِكُتُبِهِمْ» .

هديّة :في بعض النسخ : «أبي معبد الخيبري» كمنصب. ولعلّه الذي روى عنه المخالفون أيضا. (الكتب) أي أحاديثنا. (فإن متّ) أي صار الموت مشرفا عليك، أو صرت مشرفا على الموت . «والهرج» : الفتنة والاختلاط في الأوضاع للاختلاف. «أنس به» كعلم وكنصر لغةً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «زمان هرج» يعني زمان فتنة وغيبة الإمام عليه السلام . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : بخطّه : «اكتب وبثّ علمك» إلى آخره ، سيجيء في باب الغيبة تصريح من أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بذلك (4) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فأورث كتبك بنيك» أي اجعلها بحيث يصل إليهم بعدك ويبقى في أيديهم . ويحتمل أن يكون الفعل مجهولاً و «بنيك» مصغّرا. «فإنّه يأتي على الناس زمان هرج » يُقال : هرج الناس ، إذا اختلطوا . و المراد اختلاط الباطل بالحقّ بحيث لا يمكن فيه التوصّل إلى الحجّة والحقّ الصريح. وزمان الغيبة زمان ذلك الاختلاط . وما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «بين يدي الساعة هرج» (5) إشارة إلى ذلك الزمان وما فيه، وإذ لا يتيسّر الوصول (6) إلى الحجّة فيه فلابدّ من التوصّل إلى ما أمكن الوصول إليه بالكتب، كما قال عليه السلام : «لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم» (7) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الفضّال».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 185 .
3- . في الكافي : «أحمد بن محمّد بن خالدٍ البرقي».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
5- . النهاية لابن الأثير، ج 5 ، ص 587 (هرج). بحارالأنوار، ج 33، ص 368، ح 599.
6- . في المصدر : «لا تَيَسُّر للوصول».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 185 _ 186 .

ص: 517

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ العِدّة ، عَنْ البرقي ، عن محمّد بن عليّ، رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ الْمُفْتَرِ عَ» . قِيلَ لَهُ : وَمَا الْكَذِبُ الْمُفْتَرِ عُ؟ قَالَ : «أَنْ يُحَدِّثَكَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ، فَتَتْرُكَهُ وَتَرْوِيَهُ عَنِ الَّذِي لم يحدّثك به حَدَّثَكَ عَنْهُ» .

.

ص: 518

هديّة :(المفترع) إمّا بالفاء والعين المهملة على اسم المفعول. و«افتراع البكر» اقتضاضها (1) ، ف «الكذب المفترع» يعني القول الذي لا ينقل عن صاحبه بماء وجهه أو القول الذي يفتضح عيبه إذا اختبر، كالبكر المفترع المدّعية لبكارتها . أو بالقاف على اسم الفاعل من الاقتراع : مبالغة في القرع، يعني يقترع هامة قائله بالافتضاح . في بعض النسخ المعتبرة : «حدّثك عنه» مكان «لم يحدّثك به» يعني وتروِّيه عن راوي راويك لغرض الاعتبار . وقال السيّد الباقر الشهير بالداماد : «المقترع» بالقاف على اسم المفعول من الاقتراع، بمعنى الاختبار والامتحان؛ أي الممتحن أنّه لا يمكن أن لا يفتضح . وفي بعض النسخ : «عن الذي حدّثك عنه» مكان «عن الذي لم يحدّثك به» أي عن الشيخ الذي حدّثك ذلك الرجل روايته عنه . وفي آخر : «عن غير الذي حدّثك به» أي غير ذلك الرجل الذي حدّثك بذلك الحديث (2) . وقال برهان الفضلاء بعد ضبطه : «عن الذي حدّثك عنه (3) » : «والكذب المفترع» أي الكذب المتعارف المبتذل، كالبكر المفترع. أو الافتراع من الفرع، بمعنى الأعلا؛ فإنّ فرع كلّ شيء أعلاه، كأنّ هذا المحدّث يريد أن يجعل حديثه مفترعا؛ أي مرتفعا، فيسنده إلى الأعلى بحذف الواسطة؛ لغرض علوّ السند، كما إذا حدّثه زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام فقال : قال أبو عبداللّه عليه السلام ، وأمّا إذا قال : حدّثني أبو عبداللّه عليه السلام فهو كذب صريح . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : «الاقتراع» بالقاف : الاختبار، وإيقاد النار . فلعلّ المعنى : الكذب الموجب للعقاب ، ف «المقترع» على اسم الفاعل . وفي بعض النسخ : «عن الذي لم يحدّثك به» مكان «عن الذي حدّثك عنه». وضبط بعض المعاصرين (4) : «لم يحدّثك به» وقال : والصواب أن يقال : الافتراع بمعنى التفرّع؛ فإنّه فرّع قوله على صدق الراوي، وإنّما كان كذبا لأنّه غير جازم بصدوره عن الأصل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «افترع البكر» : اقتضّها. و«المفترع» إمّا اسم الفاعل، أي المزيل لبكارة البكر. أو اسم مفعول، أي ما اُزيل بكارته. وعلى الأوّل معناه الكذب الذي يترتّب عليه ما لم يكن قبله من إزالة المانع من العمل بالخبر، وهو حال الراوي إذا لم يكن بحيث يجوز العمل بخبره، أو وصف له بصفة فاعله؛ فإنّه مفترع به حيث لم يشاركه غيره في خصوصه . وعلى الثاني معناه الكذب الذي سبقكم به غيرُكم، ويكون إشارة إلى وقوع هذا القسم من الكذب من السابقين من رواة الحديث (5) .

.


1- . في هامش المخطوطة : «الاقتضاض _ بالقاف والمعجمتين _ : إزالة البكارة (منه)».
2- . التعليقة على الكافي، ص 117، بتفاوت يسير.
3- . في «ب» و «ج»: - «حدّثك عنه».
4- . أراد ببعض المعاصرين صاحب الوافي، اُنظر: الوافي، ج 1، ص 232.
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 186 _ 187 .

ص: 519

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدُ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنْ البزنطي (1) ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَعْرِبُوا حَدِيثَنَا؛ فَإِنَّا قَوْمٌ فُصَحَاءُ» .

هديّة :يعني لا تلحنوا في إعراب الكلمات حين التكلّم بحديثنا . أو المعنى : أزيلوا فساد الخلاف الذي قد يتوهّم من ظاهر حديثنا بالتأويل الصحيح، من عَرِبَ _ كعلم _ : فسد، فهمزة الإفعال للإزالة. أو المعنى : أظهروا حديثنا كما رَوَيْتُموه من دون تصرّف فيه عند إرادة النقل بخصوص ألفاظه . فعلى هذا والأوّل من الإعراب بمعنى الإفصاح . أو المعنى : أعربوه حين الكتابة، بأن يكتب الحروف بحيث لا يشتبه بعضها ببعض، أو يجعل عليها ما اشتهر باسم الإعراب عند الناس. والأوّل أقرب إلى طريقة السلف . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني أظهروا حديثنا من دون تغيير في لفظه عند نقله «فإنّا قوم فصحاء» وأعرف بأساليب الكلام، فيمكن أن لا تنقلوا بالتغيير ما هو غرضنا. أو المعنى : أعربوه بالحركات والسكنات عند كتابته على ما سمعتم منّا . وقال السيّد الأجل النائيني رحمه الله : «الإعراب» : الإبانة والإيضاح . والمراد إظهار الحروف وإبانتها بحيث لا تشتبه مقارناتها بمقارناتها (2) ، وإظهار حركاتها وسكناتها بحيث لا يوجب اشتباها. أي حدّثوا كما حدّثناكم به؛ «فإنّا قوم فصحاء» نتكلّم بما لا يكون فيه اشتباه في الحروف أو الحركات، ولا نلحن (3) في القول لحنا في الحروف أو في الحركة (4) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر».
2- . في المصدر : «لاتشتبه بمقارباتها» مكان «لاتشتبه مقارناتها بمقارناتها».
3- . في «الف»: «ونلحن».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 187 .

ص: 520

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ (1) ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ ، قَالُوا : سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي ، وَحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي ، وَحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الْحُسَيْنِ ، وَحَدِيثُ الْحُسَيْنِ حَدِيثُ الْحَسَنِ ، وَحَدِيثُ الْحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَحَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَ حَدِيثُ رَسُولِ اللّه ِ قَوْلُ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ» .

هديّة :يعني علمي ميراث من أبي، من أبيه، من جدّه، من أخيه، من أبيه، من رسول اللّه صلى الله عليه و آله عقلاً عن اللّه سبحانه، فلا اختلاف في أحاديثنا كما لا اختلاف في علم اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني قولي قول أبي، وقول أبيه قول جدّه، وهكذا . والغرض أنّ ناقل حديثنا مخيّر في نقله عن أيّنا شاء بلا احتياج إلى ذكر الواسطة؛ لأنّه مجرّد النقل ليس فيه اتّباع الظنّ . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني أحاديث كلّ واحد منهم عليهم السلام منتهية إلى قول اللّه تعالى، فلا اختلاف في أحاديثهم كما لا يختلف قوله عزّ وجلّ، ولا مدخل فيه للآراء والظنون، فلا يجوزالرجوع أو الاختلاف ، والمرويّ عن كلّ واحد منهم موافق للمروي (2) عن آخر منهم (3) .

.


1- . في «ب» و «ج»: - «بن زياد».
2- . في «الف»: «المروي».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 187 .

ص: 521

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ شَيْنُولَةَ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنَّ مَشَايِخَنَا رَوَوْا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلاموَكَانَتِ التَّقِيَّةُ شَدِيدَةً ، فَكَتَمُوا كُتُبَهُمْ وَلَمْ تُرْوَ (2) عَنْهُمْ ، فَلَمَّا مَاتُوا ، صَارَتِ الْكُتُبُ إِلَيْنَا ، فَقَالَ :«حَدِّثُوا بِهَا؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ» .

هديّة :(شينولة) بفتح المعجمة وسكون الخاتمة وضمّ النون : من الألقاب. وقرئ : «شنبولة» بالنون مكان الخاتمة، والمفردة مكان النون. وقال العلّامة في إيضاحه : شينولة، بفتح الشين المعجمة وإسكان المثنّاة من تحت وضمّ النون وإسكان الواو . وقيل : شينرلة بفتح المعجمة وسكون الخاتمة وضمّ النون وسكون الراء المهملة وفتح اللّام والتاء أخيرا (3) . (إنّ مشايخنا رووا) إلى آخره، يعني أنّ السلف من مشايخ الرعيّة الإماميّة رووا عنهما عليهماالسلامما جمعوا في الكتب، كالاُصول الأربعمائة . ولا بأس باحتمال «رُووا» على ما لم يسمّ فاعله . (وكانت) أي وصارت، أي بعدهما عليهماالسلام إلى ما علم اللّه . (فقال : حدّثوا بها فإنّها حقّ) نصّ في صحّة الاعتماد على كتب الثقات المضبوطة بتواتر الثقات، وعلى ما لا شكّ بأنّه من الثقة . قال برهان الفضلاء : «كانت التقيّة شديدة» أي بعد زمان الباقر والصادق عليهماالسلام . والمعنى أنّ مشايخنا الذين وصل الحديث منهم إلينا نقلوا عنهما عليهماالسلام . «فلم ترو» على التأنيث المجهول؛ أي فلم تنقل تلك الكتب عنهم. «فقال : حدّثوا بها؛ فإنّها حقّ» يعني يجب العمل بها وإن كان فيها ما ورد تقيّة، أو غلط فيه الراوي، أو كان كذبا، لكن بشرط العلم بأنّ تلك الكتب مضبوطة بالثقات منقولة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام . وقال السيّد الباقر الشهير بداماد رحمه الله : الأصحّ الأصوب الأقوم : «فلم يروّ عنهم» بفتح الواو المشدّدة والراء المفتوحة على صيغة المجهول من المضارع الغائب . وفي طائفة من النسخ : «فلم يرووا» من روى يروي رواية . وواو الجمع في الفعل للمشايخ ، والضمير البارز في «عنهم» للأئمّة عليهم السلام . وأمّا «فلم نرو» بصيغة المتكلّم مع الغير من الرواية فمن تصحيفات المصحّفين (4) . انتهى . يعني «فلم يروّ عنهم» من التروية بمعنى الحمل . يقال _ كما قال الجوهري _ : رويت الحديث رواية ورويته تروية؛ أي حملته على روايته كما رويته (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فلم ترو عنهم» أي لمّا كانت التقيّة شديدة كتموا كتبهم التي كتبوا فيها رواياتهم، فلم تُرو عنهم تلك الكتب ولم تصل إلينا برواية الرواة عنهم . «فلمّا ماتوا وصلت كتبهم إلينا» أي ونحن نعرف أنّها كتبهم بالقرائن المفيدة للعلم، أو بقول الثقات العارفين بأنّها كتبهم . «فقال : حدّثوا بها» أي بالأخبار بأنّ فلان روى في كتابه (6) كذا. «فإنّها حقّ» فإنّ تلك الروايات معتبرة ثابتة عنهم، وعمّن رووا عنه بنقلهم وإثباتهم لها في كتبهم . (7)

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد».
2- . في النسخ : «فلم يرووا»، لكن ظاهر المصنّف «قدّس سرّه» اختيار ما اُثبت، كما سيأتي في الصفحة التالية، وهو المثبت في الكافي المطبوع أيضا.
3- . في الإيضاح، ص 266، الرقم 567 هكذا : «محمّد بن الحسن بن أبي خالد، المعروف ب «شينر» بفتح الشين المعجمة، وإسكان الياء المنقّطة تحتها نقطتين، وضمّ النون، وإسكان الراء».
4- . التعليقة على الكافي، ص 119، بتفاوت يسير.
5- . راجع : الصحاح، ج 6 ، ص 2364 (روى). بتفاوت فيه.
6- . في «ب» و «ج»: - «في كتابه».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 188 .

ص: 522

. .

ص: 523

. .

ص: 524

باب التقليد

الباب التاسع عشر : بَابُ التَّقْلِيدِوأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ يَحْيى ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه ِ» ؟ فَقَالَ :«أَمَا وَاللّه ِ ، مَا دَعَوْهُمْ إِلى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ ، وَلكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاما ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالاً ، فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ» .

هديّة :معنى (التقليد) في العنوان (باب) بيان عمل غير الفقيه من الرعيّة في الحلال والحرام بقول الفقيه منهم، أو الإمام ، والتقليد الحلال والتقليد الحرام. والآية في سورة التوبة في توبيخ بعض أهل الكبائر (2) . (أحبارهم) أي علماءهم ، (ورهبانهم) أي مشايخهم المرتاضين بالرياضات الشاقّة المبتدعة. وما أكثر وأبين تحليل الحرام وتحريم الحلال في طريقة الصوفيّة القدريّة ، قال روميّهم في الدفتر الخامس من كتابه في بيان قولهم : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع : إنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض والإكسير للكيمياء، فإذا برأ المريض وصار الصُفْر ذَهَبا فلم تبق حاجة إلى دواء وإكسير ، والسالك يصل بالرياضة في حياته في الدنيا إلى مقام ليس عليه فيه عبادة، ولا حلال ولا حرام (3) . ولذا قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» (4) ؛ فإنّ نكاح ذوات المحارم من الاُمّهات والبنات والأخوات وغيرهنّ حلال عندهم كما عند المجوس، وحلال الشريعة حلال لكلّ مكلّف أبدا وحرامها حرام عليه أبدا، وارتفاع التكليف بالجنون، ويجب الاستعاذة منه كما من الشيطان لا يقيم لهم جوابا بوجه ، واستشهد أمير المؤمنين عليه السلام في الصلاة . ومن مزخرفاتهم لعنهم اللّه أنّ المريد يجب عليه في صلاته أن يقصد بكاف الخطاب في «إيّاك نعبد» شيخه؛ لأنّه واصل فيصل إلى من وصل، كإلابرة إلى الإبرة الواصلة إلى المقناطيس، لعنهم اللّه . ما دعى الأحبارُ جماعةَ اليهود، ولا الرهبانُ جماعةَ النصارى (إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم ما أجابوهم) ودعى هؤلاء الزنادقة مريديهم إلى عبادة أنفسهم فأجابوهم كما في الحديث الثالث . ولذا ورد في الحديث : «أنّ الصوفيّة أشدّ كفرا من اليهود والنصارى والمجوس». لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه ، ثمّ لعنهم اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الأحبار» : جمع «حبر» بالفتح والكسر، وسكون المفردة معهما، بمعنى العالِم أو عالِم اليهود . «والرُّهبان» بالضمّ : جمع «راهب» بمعنى المرتاض، كمشايخ الصوفيّة لعنهم اللّه ، وقسّيسين النصارى. يعني قلت له عليه السلام : إنّ اللّه وبّخ في سورة التوبة بعض أهل الكبائر بأنّهم أشركوا واتّخذوا علماءهم وأشياعهم المرتاضين أربابا لأنفسهم من دون اللّه ؟ فقال عليه السلام : ليس واللّه شركهم شرك الجحود بل شرك اتّباع الآراء والظنون من علماءهم ومرتاضيهم، أحلّوا لهم حراما كتقليد أهل الظنّ، وحرّموا عليهم حلالاً كسؤال أهل الذِّكر بالاجتهاد وادّعاء حصول الكشف بالرياضة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني سألته عن معنى هذه الآية. «ولو دعوهم ما أجابوهم» أي على وفق دعوتهم كما في «أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا» (5) . «ولكن أحلّوا لهم حراما، وحرّموا عليهم حلالاً» أي على وفق أهوائهم وميلهم إلى استرضاء أهل الدنيا، أو إلى أن لا يظنّ بهم أنّهم لا يعلمون. «فعبدوهم» أي فقبلوا منهم وسلّموا وجوب الإطاعة لهم فيما يقولونه، وهو المراد بعبادتهم؛ فإنّ الإطاعة والانقياد للأوامر والنواهي _ من حيث هو أمرٌ ونهيّ لأحد، لا لأنّه ممّا أوجبه اللّه سبحانه عبادة له _ وخصوصا فيما علم أنّه يخالف فيه أمره سبحانه . أو المراد بعبادتهم إيّاهم نفيا وإثباتا فعل العبادة كالصلاة لهم، كما في حديث آخر الباب من التصريح بنفي العبادات لهم مستشعرا. «فعبدوهم» بالقبول منهم والطاعة لهم «من حيث لا يشعرون» أنّه عبادة، وذلك لمساهلتهم وعدم تفكّرهم في أمر دينهم . أو المراد أنّ أفعالهم وعباداتهم خصوصا فيما يخالف حكم اللّه عبادة لهم (6) .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . التوبة (9) : 31.
3- . مثنوي معنوي، ص 726، مقدّمة الدفتر الخامس.
4- . جامع الأخبار، ص 161، الفصل 126؛ وعنه في المستدرك، ج 18، ص 185، ح 22457؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 166، ح 175؛ و عنه في المستدرك، ج 12، ص 317، ح 14190.
5- . يونس (10) : 89 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 189 .

ص: 525

. .

ص: 526

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ (1) ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الهَمْدانِيِّ (2) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، قَالَ : قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام :«يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتُمْ أَشَدُّ تَقْلِيدا أَمِ الْمُرْجِئَةُ؟» قَالَ : قُلْتُ : قَلَّدْنَا وَقَلَّدُوا ، فَقَالَ : «لَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ هذَا» . فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ أَكْثَرُ مِنَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام : «إِنَّ الْمُرْجِئَةَ نَصَبَتْ رَجُلاً لَمْ تَفْرِضْ طَاعَتَهُ وَقَلَّدُوهُ ، وَأَنْتُمْ نَصَبْتُمْ رَجُلاً وَفَرَضْتُمْ طَاعَتَهُ ثُمَّ لَمْ تُقَلِّدُوهُ ، فَهُمْ أَشَدُّ مِنْكُمْ تَقْلِيدا» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «سهل بن زياد».
2- . في الكافي المطبوع : «الهَمَذانيّ».

ص: 527

هديّة :يعني أبا الحسن الأوّل موسى بن جعفر عليهماالسلام . «والتقليد» : العمل بفتوى الغير. واسم (المرجئة) قد يُطلق _ كما هنا _ في مقابلة الإماميّة على العامّة المقابل للخاصّة. من الإرجاء، بمعنى التأخير؛ لتأخيرهم أمير المؤمنين عليه السلام عن منزلته ، وقد يُطلق على طائفة من العامّة القائلين بتأخّر العمل عن الإيمان، والمعطين لأنفسهم الرّجاء باعتقادهم أن لن تضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وأن لا فرق بين إيمان مثل جبرئيل وميكائيل وإيمان أفسق الفسّاق؛ لقولهم بأنّ الإيمان مجرّد التصديق بما جاء به النبيّ عليه السلام والعمل ليس داخلاً . فعلى الإطلاق الثاني إمّا من «الإرجاء» بمعنى التأخير، أو منه بمعنى إعطاء الرجاء. (لم تفرّض) على المعلوم من التفعيل، وكذا (فرّضتم) فرّضه تفريضا : جعله فرضا على نفسه. (ثمّ لم تقلّدوه) أي في بعض الاُمور بالتقليد الواجب عليكم دائما، كالمحافظة على التقيّة والفتوى بالرأي، وعدم التوقّف في تكفير الصوفيّة القدريّة. (فهم أشدّ منكم تقليدا) أي لتقليدهم الحرام عليهم دائما في جميع الاُمور . وقال بعض المعاصرين : والسبب في شدّة تقليدهم لأئمّتهم أنّهم يدعونهم إلى الدّعة والرّاحة ، وأئمّتنا عليهم السلام إلى التكلّف والمشقّة ، فتقليدهم أهون على طباعهم . انتهى (1) . أئمّتنا عليهم السلام لم يدعونا إلى التكلّف والمشقّة والشريعة سهلة سمحة، إنّما الكلفة والمشقّة والضيق في ملّة النصارى والخوارج وطريقة الصوفيّة القدريّة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد بالمرجئة هنا الذين أخّروا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعدّوه رابع خلفائهم . و«التفريض» : عدّ الشيء واجبا بدلالة محكمات القرآن على وجوبه . والغرض من الحديث شكايته عليه السلام عن اتّباعهم الظنّ، أو عن ترك التقيّة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : قصده عليه السلام من المرجئة أهل السنّة؛ فإنّهم اختاروا من عندأنفسهم رجلاً بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجعلوه رئيسا، ولم يقولوا بأنّه معصوم عن الخطأ فتجب طاعته في كلّ ما يقول ، ومع ذلك قلّدوه في كلّ ما قال . وأنتم يا شيعة عليّ عليه السلام نصبتم رجلاً هو أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدتم أنّه معصوم عن الخطأ، ومع ذلك خالفتموه في كثير من الاُمور. وإنّما سمّاهم عليه السلام مرجئة؛ لأنّ الإرجاء بمعنى التأخير، وهم زعموا أنّ اللّه تعالى أخّر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الاُمّة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . «ولكن أحلّوا لهم حراما » قصده عليه السلام أنّ كلّ من قلّد ظنون غيره فقد جعله شريك اللّه في الأمر والنهي ، وكما أنّ الخلق للّه تعالى فكذلك الأمر والنهي له تعالى دون غيره (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : كان الشائع في سابق الزمان التعبير بالقدريّة والمرجئة عمّن يضاهي المعبَّر عنه في هذه الأعصار بالمعتزلة والأشاعرة في اُصول الاعتقادات، كما فيما روي عن ابن عبّاس أنّه أمرني رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن أبرأ من خمسة : من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدريّة وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم، قالوا : لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم، فقالوا : اللّه أعلم (3) . والمراد بالتقليد : الانقياد والإطاعة في الأوامر والنواهي. «إنّ المرجئة نصبت رجلاً» أي عيّنوه وأقاموه من عند أنفسهم لإمارتهم وإمامتهم من غير أن يكون معيّنا من عند اللّه وعند رسوله صلى الله عليه و آله كالخلفاء في ذلك العصر. «لم تفرض طاعته» أي من عند اللّه أصلاً في الواقع ولا بخصوصه باعتقادهم. «وقلّدوه» وانقادوا لأوامره ونواهيه وأطاعوه «وأنتم نصبتم رجلاً» للإمامة، وقلتم بإمامته «وفرضتم طاعته» أي حكمتم بوجوب طاعته من عند اللّه «ثمّ لم تقلّدوه» ولم تطيعوه حقّ الإطاعة، «فهم أشدّ منكم تقليدا» من حيث تقليدهم وعدم تقليدكم، ومن حيث إنّ تقليدهم لإمامهم لإطاعته، وتقليدكم لإمامكم لإطاعة اللّه ، لا لمحض طاعته (4) .

.


1- . الوافي، ج 1، ص 241 _ 242، حكاه ملخّصا.
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
3- . رجال الكشي، ص 56 ، الرقم 106؛ بحارالأنوار، ج 42، ص 152، ح 20.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 189 _ 190. وفي «ب» و «ج»: «إطاعته».

ص: 528

. .

ص: 529

الحديث الثالثروى في الكافي بإسناده عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّه ِ تعالى : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابا مِنْ دُونِ اللّه ِ» فَقَالَ :«وَاللّه ِ ، مَا صَامُوا لَهُمْ وَلَا صَلَّوْا لَهُمْ ، وَلكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاما ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالاً ، فَاتَّبَعُوهُمْ» .

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الأوّل . قال برهان الفضلاء : «في قول اللّه تعالى» أي في سورة التوبة في توبيخ أهل الكتاب، إنّهم اتّخذوا علماءهم ومرتاضيهم أربابا من دون اللّه ، فقال عليه السلام : واللّه ، ما صاموا رضاءً لهم ولا صلّوا كذلك؛ يعني لم يشركوا شرك الجحود، ولكن أحلّوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالاً، فاتّبعوهم وصاروا بذلك مشركين باللّه في أحكامه من حيث لا يشعرون .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبداللّه ».

ص: 530

باب البدع والرأي والمقاييس

الباب العشرون : بَابُ الْبِدَعِ وَالرَّأْيِ وَالْمَقَايِيسِوأحاديثه كما في الكافي إثنان وعشرون :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ الإثنين ، عَنْ الْوَشَّاءِ؛ وَالعِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ جَمِيعا ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام النَّاسَ ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللّه ِ ، يَتَوَلّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً ، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ ، لَمْ يَخْفَ عَلى ذِي حِجًى ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ ، لَمْ يَكُنِ اخْتِلافٌ ، وَلكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ ، فَيُمْزَجَانِ فَيَجِيئَانِ مَعا ، فَهُنَالِكَ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلى أَوْلِيَائِهِ ، وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللّه ِ الْحُسْنى» .

هديّة :المراد ب «البدع» في العنوان : الرّسوم المخترعة في الدِّين، كطريقة التصوّف والرهبانيّة المبتدعة. وب «الرأي» : الحكم والفتوى في المسائل الدينيّة من دون استناد إلى محكم من الكتاب والسنّة . و(المقاييس) : جمع المقيوس المجعول بالإعلال مقيسا . والمراد القياسات الفقهيّة الممنوعة شرعا. أو جمع للقياس، بمعنى القياس. و«التولّي» الاتّباع، وأخذ الرجل آخر وليّا وصاحبا له في اُموره. (خلص) خلوصا وخالصة، كنصر : صار صالحا، وهو خالص لا غشّ فيه. (لم يخف) على المعلوم من الخفاء، أو المجهول من الخوف. يُقال : خيف عليه من كذا . و«الحجى» بالكسر والقصر : العقل . و«الضّغث» بالكسر : القبضة من الحشيش المختلط رطبه بيابسه. وما أكثر ذلك الخلط في طريقة التصوّف المحفوف كفرها وزندقتها بأشياء كثيرة من المعارف والمكارم والأخلاق الحسنة والأعمال والأقوال والأشعار والأمثال وغير ذلك من لطائف خدائع الشيطان، ومُهراء رؤسائهم في الشيطنة، وزخرفة الهذيان. (فيمزجان فيجيئان معا) أي الباطل الخالص والحقّ الخالص . و«الاستحواذ» الغلبة على أوليائه؛ أي الذين غلبت عليهم الشقوة وناظر إلى قوله تعالى : «لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ» (2) . والمراد بالحسنى السعادة الأزليّة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «البدع» في العنوان : الأحكام التي بأهواء النفس، ويسمّى بالاعتقاد المبتدأ؛ لعدم استنادها إلى قرينة، ولا إلى أصل محكم لفروعات شتّى. وب «الرأي» : الحكم بالظنّ الحاصل باستفراغ الوسع بلا أصل يكون محكما، وقد يُطلق عليه اسم الاجتهاد ، ولذا قد يستعمل الاجتهاد في مقابلة القياس. و«المقاييس» : جمع مقيوس أصل مقيس، والمفرد في الجمع المكسور يردّ إلى أصله. «بدء وقوع الفتن» بالفتح والهمز أي باعث الفتن المهلكة في الدِّين، يعني اختلافات المجتهدين ظنّا في الإفتاء والقضاء في مسائل الحلال والحرام . و«الهوى» بالفتح والقصر، يجمع على أهواء، يعني أهواء النفس وما تحبّه وتتمنّاه من المحظورات. «وأحكام تبتدع» على المجهول من الافتعال ك «تتّبع»، ومن قبيل العطف التفسيري . والمراد ابتداع الأحكام، بمعنى الحكم من جهة الاعتقاد المبتدأ. «يخالف فيها كتاب اللّه » على المجهول من المفاعلة، وناظر إلى قوله تعالى في سورة النحل : «وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّه ِ الْكَذِبَ» (3) . و«التولّي» : تفعّل، بمعنى جعل الرجل آخر وليّا له وأولى بالتصرّف في اُموره . و«في» في «فيها» للسببيّة، ويحتمل الظرفيّة . وعلى الأوّل المراد بالتولّي التقليد في مسائل الحلال والحرام . وعلى الثاني التقليد في تأويل الآيات البيّنات يعني المحكمات . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله في شرح العنوان بخطّه : «البدعة» : حكم ينسب إلى اللّه تعالى لم يكن ممّا جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله (4) . انتهى . أقول : أفحش البدع ما يبتدع في الدِّين بالمكر والخديعة مع تواتر المنع منه، وظهور حرمته في الشريعة كطريقة الصوفيّة القدريّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «البدء» إمّا بمعنى الأوّل ، أو بمعنى الابتداء . و«الفتنة» : الامتحان والاختبار، ثمّ كثر استعماله لما يختبر به من المكروه (5) ، ثمّ كثر استعماله بمعنى الضلال والكفر والقتال . و«الأهواء» جمع هوى. وهوى _ بالقصر _ : الحُبّ المفرط في الخير والشرّ وإرادة النفس . والمعنى أنّ أوّل الفتن أهواء و«الوقوع» مقحّم، أو أوّل وقوعها وقوع الأهواء، أو ابتداء وقوع الفتن منها، أو منشأ وقوع الفتن ومبتدؤها أهواء. «يخالف فيها كتاب اللّه » توضيح وبيان لقوله «تبتدع». «يتولّى فيها رجال رجالاً» يُقال : تولّاه ، إذا اتّخذه وليّا. ويصحّ هنا حمل الوليّ على الحبيب، والناصر، والأولى بالتصرّف. «ولو أنّ الباطل خلص» تفصيل لما ذكره _ من بدء وقوع الفتن والأهواء المتّبعة والأحكام المبتدعة _ بأنّها أوقعت الضلال بخلطها ومزجها بالحقّ، والافتتان باجتماعهما، فإنّ الباطل الخالص لا يخفى بطلانه على «ذي حجى» أي ذي عقل وفطانة. والحقّ الخالص [واحد] (6) لا يكون به ضلال ولا اختلاف. «ولكن يؤخذ من هذا» الباطل «ضغث» أي قبضة «ومن هذا» الحقّ «ضغث، فيمزجان فيجيئان معا» أي مقارنين، فيحصل الاشتباه ، «فهنالك» أي عند الاشتباه «استحوذ» أي غلب «الشيطان على أوليائه» أي محبّيه وأتباعه «ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى» أي في مشيّته وقدره وقضائه . (7)

.


1- . السند إلى هنا في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد الأشعري، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليٍّ الوشّاء؛ وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّدٍ».
2- . النحل (16) : 99 _ 100.
3- . النحل (16) : 116 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
5- . في «ب» و «ج»: - «ثمّ كثر استعماله لما يختبر به من المكروه».
6- . أضفناه من المصدر.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 191 _ 192.

ص: 531

. .

ص: 532

. .

ص: 533

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ الإثنين ، (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ الْعَمِّيِّ يَرْفَعُهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله :«إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي ، فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّه ِ» .

هديّة :«العمّ» : أخو الأب، وقرية بين حلب وأنطاكية. والمأمور بهذا الإظهار من الرعيّة في زمن الغيبة إنّما هو العالم الذي يكون السلطان في زمانه على الإماميّة سلطانا إماميّا عدلاً مروّجا للحقّ، كما في زماننا هذا . وسلطاننا _ خلّد اللّه ملكه، وأفاض على العالمين برّه وعدله وإحسانه _ الحمد للّه سيّدٌ، عدلٌ، صفويّ، موسويّ، عون للمؤمنين، وغيظ على الملحدين، ومروّج للدِّين الحقّ، وهو السلطان بن السلطان بن السلطان شاه سليمان أيّده اللّه لمزيد العدل والإنصاف، واستيصال الجور والبدعة والاختلاف . وقد ظهر في عصرنا أفحش البدع في الدِّين، يعني طريقة الصوفيّة القدريّة، فصاروا مغلوبين مدحضين مستأصلين بتأييد اللّه ربّ العالمين وتوفيقه لعلمائنا الإماميّين، فأظهروا علمهم، وأقام اللّه عَلَمَهم فهزموهم بإذن اللّه ، واستأصلوهم بعون اللّه ، الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على نبيّنا محمّد وآله المعصومين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فليظهر العالم علمه» أي العالم بمسائل علم الدِّين عند عدم وجوب التقيّة، وتأثير الإظهار ليس بشرط، ففائدته أن لا يتوهّم عوام الناس أنّ البدعة التي ظهرت في الدِّين هي المجمع عليه بين العلماء ُ ، وفي هذا الحديث دلالة على أنّ الراضي بالبدعة والمساهل في إنكارها ملعون كصاحبها . وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله : أفضح البدع وأفحشها طريقة التصوّف، ثمّ منصب القضاء للجهلاء، وأسوء منه للعلماء (2) المفتونين بحبّ الرئاسة والطمع في زَهرة الدنيا. «فليظهر العالم علمه» يعني عند عدم شدّة التقيّة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : يعني عند عدم وجوب التقيّة . وفي بعض النسخ : «فإن لم يفعل» مكان «فمن لم يفعل ». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فليظهر العالم علمه» أي مع التمكّن وعدم الخوف على نفسه أو على المؤمنين . (3)

.


1- . يعني «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد».
2- . في «الف»: «العلماء».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193.

ص: 534

الحديث الثالثروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : (1)«مَنْ أَتى ذَا بِدْعَةٍ فَعَظَّمَهُ ، فَإِنَّمَا يَسْعى فِي هَدْمِ الْاءِسْلَامِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : - «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ».

ص: 535

هديّة :يعني عند عدم وجوب التقيّة كما مرّ في هديّة سابقة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فإنّما يسعى في هدم الإسلام»؛ لأنّ للتعظيم هنا إعانة . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «فعظّمه» أي لكونه ذا بدعة، أو لا لتقيّة. «فإنّما يسعى في هدم الإسلام»؛ لأنّ تعظيمه ممّا يقوّيه في ترويج بدعته، ورواج البدعة إبطال للشريعة، وإدخال لما ليس منه فيه . (1)

الحديث الرابعروى في الكافي بِهذَا الْاءِسْنَادِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله :«أَبَى اللّه ُ لِصَاحِبِ الْبِدْعَةِ بِالتَّوْبَةِ» قِيلَ : يَا رَسُولَ اللّه ِ ، وَكَيْفَ ذلِكَ؟ قَالَ : «إِنَّهُ قَدْ أُشْرِبَ قَلْبُهُ حُبَّهَا» .

هديّة :(قد أشرب) على ما لم يسمّ فاعله. أشرب فلان حبّ فلان : خالط قلبه . قال اللّه تعالى : «وَأُشْرِبُوا فِى قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ» (2) ؛ أي حبّ العجل، حذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه. ووجه إبائه تعالى له بالتوبة، إمّا أنّ إشراب حبّ البدعة في الدِّين يوجب التمادي فيها بحيث لا يوفّق للتوبة قطّ ، أو أنّ قبول التوبة عن البدعة _ كما ورد في النصّ _ مشروط بإحياء صاحبها مَنْ مات من الآخذين ببدعته، ونادر أن يتخلّف إشراب حبّها الموجب للتمادي عن موت واحد منهم ، ولذا ورد عنهم عليهم السلام : «أنّ كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار ». (3) قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الباء» في «بالتوبة» لتقوية التعدية . والمراد بتوفيق التوبة. و«اشرب» على المجهول من الإفعال. و«قلبه» مرفوع، ونائب الفاعل. و«حبّها» منصوب ومفعول ثان، يعني قد اُشرب قلبه حبّها فلا يتركها . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قد اشرب قلبه حبّها» أي لا يوفّق صاحب البدعة للتوبة، لأنّه خالطه حبّها، فيعمى بصيرته عن إدراك قبحه، أو فساده وبطلانه، فلا يندم على فعله، ولا يهتدي إلى معرفة الطريق المستقيم . (4)

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193.
2- . البقرة (2) : 93 .
3- . الكافي، ج 1، ص 56 ، باب البدع والرأي و... ، ح 8 و 12؛ الفقيه، ج 2، ص 137، ح 1964؛ و ج 3، ص 572 ، ح 4954؛ وسائل الشيعة، ج 8 ، ص 45، ح 10062، و ص 335، ح 10829 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193.

ص: 536

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، عَنِ الْسرّاد ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، (1) قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ _ تَكُونُ مِنْ بَعْدِي يُكَادُ بِهَا الْاءِيمَانُ _ وَلِيّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، مُوَكَّلاً بِهِ ، يَذُبُّ عَنْهُ ، يَنْطِقُ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللّه ِ ، وَيُعْلِنُ الْحَقَّ ، وَيُنَوِّرُهُ ، وَيَرُدُّ كَيْدَ الْكَائِدِينَ ، يُعَبِّرُ عَنِ الضُّعَفَاءِ ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللّه ِ» .

هديّة :الغرض من هذا الحديث أنّ دين اللّه تعالى سلسلة نورانيّة ممتدّة من لدن آدم عليه السلام إلى انقراض الدنيا محفوظة في كلّ زمان بحجّة معصوم عاقل عن اللّه ، فمعنى (تكون من بعدي) أي في الفرقة الناجية من البضع والسبعين، كطريقة التصوّف، وهي أفحش البدع وأسوأها كفرا. (يكاد بها الإيمان) على المجهول؛ أي يمكر ويخدع بها أهل الإيمان. (وليّا من أهل بيتي) وهو صاحب الزمان في زماننا . و«الذبّ» : الطرد والدفع. ذبّ عنه، كمدّ. ودفع علماء الشيعة البدعة بإظهار علمهم في غيبة الإمام عليه السلام إنّما هو بتأييد اللّه وغلبة نور الإمام فيهم ، فالدافع لها هو الإمام بإذن اللّه ، كما أنّ الدافع لما دفعه الإمام هو اللّه سبحانه. (يعبّر عن الضعفاء) بدون الواو في النسخ التي رأيناها، أي يكون لسانا لهم إمّا ظاهرا أو في الغيبة بإعانة نوره علماء شيعته في كلّ باب من فتن المكائد والشبهات. (فاعتبروا يا اُولي الأبصار ) كأنّ المخاطب بهذا الخطاب في هذا الحديث مقصودا بالذات علماء عصرنا هذا؛ لدفع فِتَنه وبلاياه الشديدة العظيمة بأسهل الوجوه من مكر اللّه تعالى مع الماكرين الملحدين ، الحمد للّه ربّ العالمين . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «يذبّ عنه» تصريح بأنّ دافع الشبهات الإمام عليه السلام فلم يجز كفاية علم الكلام ولا سيما الكلام الباطل . (2) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «الإيمان» هنا : التصديق بالمحكمات الناهية عن الاختلاف ظنّا. «يعبّر» أي يتكلّم عنهم بما عقل عن اللّه تعالى في ليالي القدر. «فتوكّلوا على اللّه » يعني فلا تتّبعوا ظنونكم في الحكم مشتبهات المسائل (3) الدينيّة في غيبة الإمام وتوقّفوا وتوكّلوا على اللّه حتّى ظهر إمامكم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يكاد بها الإيمان» أي يمكر ، (4) أو يراد بسوء، أو يحارب ، وفيه إشارة بوقوع فتنة (5) يكاد بها الإيمان بعده صلى الله عليه و آله وكثرتها . «وليّا» أي ناصرا للإيمان «موكّلاًبه» أي بالإيمان. والموكّل بالشيء هو الذي جُعل حافظا له . والمعنى جعل حافظا للإيمان من عند اللّه «يذبّ عنه» أي يدفع عن الإيمان ويمنع عنه أعداء الإيمان، وهم أهل البدع. «ينطق بإلهام من اللّه ، ويعلن الحقّ وينوّره» أي يظهر الحقّ ويقول به قولاً ظاهرا، ويجعله واضحا بيّنا بالبراهين والأدلّة الواضحة. «ويردّ كيد الكايدين» أي يجيب عن شبههم. «يعبّر عن الضعفاء» أي يتكلّم عن قبلهم . والضعفاء الذين ضعفوا عن إظهار الحقّ وإبانته بالأدلّة . ويحتمل أن يكون «يعبّر عن الضعفاء» ابتداء كلام من الصادق عليه السلام ، والمعنى أنّه صلى الله عليه و آله بقوله ذلك يعبّر عن الضعفاء، أي الأئمّة الذين ظُلموا واستضعفوا في الأرض. «فاعتبروا يا اُولي الأبصار» الظاهر أنّه (6) كلام الصادق عليه السلام . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، من الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96 .
3- . في «ب» : «في المسائل».
4- . في المصدر : «أي بها يمكر الإيمان».
5- . في المصدر : «بدعة» مكان «فتنة».
6- . في «ب» و «ج»: «من».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 193 _ 194.

ص: 537

. .

ص: 538

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ وَعَلِيّ ، عَن الإثنين ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ؛ وَعَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ السرّاد رَفَعَهُ ، (1) عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : (2)«مِنْ أَبْغَضِ الْخَلْقِ إِلَى اللّه ِ _ تعالى _ لَرَجُلَيْنِ : رَجُلٌ وَكَلَهُ اللّه ُ تعالى إِلى نَفْسِهِ ، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ، مَشْغُوفٌ (3) بِكَلَامِ بِدْعَةٍ ، قَدْ لَهِجَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ ، حَمَّالُ خَطَايَا غَيْرِهِ ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ . وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً فِي جُهَّالِ النَّاسِ ، غَانٍ (4) بِأَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ ، قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِما ، وَلَمْ يَغْنَ فِيهِ يَوْما سَالِما ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ ، حَتّى إِذَا ارْتَوى مِنْ آجِنٍ وَأكْثَرَ (5) مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِيا ضَامِنا لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلى غَيْرِهِ ، وَإِنْ خَالَفَ قَاضِيا سَبَقَهُ ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ ، كَفِعْلِهِ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ الْمُعْضِلَاتِ ، هَيَّأَ لَهَا حَشْوا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ ، (6) فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ غَزْلِ الْعَنْكَبُوتِ ، لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ ، لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَ ، وَلَا يَرى أَنَّ وَرَاءَ مَا بَلَغَ فِيهِ مَذْهَبا ،إِنْ قَاسَ شَيْئا بِشَيْءٍ ، لَمْ يُكَذِّبْ نَظَرَهُ ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ ، اكْتَتَمَ بِهِ؛ لِمَا يَعْلَمُ به (7) مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ يكنّ الصواب؛ (8) لِكَيْ لَا يُقَالَ لَهُ : لَا يَعْلَمُ ، ثُمَّ جَسَرَ فَقَضى ، فَهُوَ مِفْتَاحُ عَشَوَاتٍ ، رَكَّابُ شُبُهَاتٍ ، خَبَّاطُ (9) جَهَالَاتٍ ، لَا يَعْتَذِرُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ؛ فَيَسْلَمَ ، وَلَا يَعَضُّ فِي الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ؛ فَيَغْنَمَ ، يَذْرِي الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ ، تَبْكِي مِنْهُ الْمَوَارِيثُ ، وَتَصْرُخُ مِنْهُ الدِّمَاءُ ، يُسْتَحَلُّ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَرَامُ ، وَيُحَرَّمُ بِقَضَائِهِ الْفَرْجُ الْحَلَالُ ، لَا مَلِيءٌ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ ، (10) وَلَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا مِنْهُ فَرَطَ مِنِ ادِّعَائِهِ عِلْمَ الْحَقِّ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه؛ وعليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلمٍ، عن مَسْعدةَ بن صَدَقة، عن أبي عبداللّه ؛ وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابْن محبوب رفعه».
2- . في الكافي المطبوع : + «إنّ».
3- . في «ب»: «مشعوف».
4- . في الكافي المطبوع : «عان».
5- . في الكافي المطبوع : «اكتنز».
6- . في الكافي المطبوع : + «به».
7- . في الكافي المطبوع : - «به».
8- . في الكافي المطبوع : - «يكنّ الصواب».
9- . في «ب» و «ج»: «خبّات».
10- . في الكافي المطبوع : «عليه ورد».

ص: 539

هديّة :المراد ب «الرجل» الأوّل : الرجل الضالّ المبتدع أصالة في الاُصول كالحسن البصري، من الصوفيّة القدريّة، وهم موكولون بخذلان اللّه تعالى إلى أنفسهم غير موفّقين لكسب العلوم الحقّة من مآخذها؛ لزعمهم أنّ الحقائق تنكشف لكلّ أحد بالرياضة وإن كان جوكيا (1) كافرا. (فهو جائر) أي مائل عن سواء الطريق . وب «الرجل» الثاني المبتدع أصالة في الفروع، كأبي حنيفة من العامّة . وقال ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة : أمّا الرجل الأوّل، فهو الضالّ في اُصول العقائد؛ والثاني، هو المتفقّه في فروع الشرعيّات . (2) وقال برهان الفضلاء : «الرجل» الأوّل عبارة عن الصوفي؛ لقوله بحصول جميع العلوم بالكشف للمرتاض . والثاني، عن القاضي الذي لا يبالي ، والمفتي الذي يقضي بالظنّ. و«المشغوف» بالمعجمة، أو المهملة، وقرئ بهما قوله تعالى : «قَدْ شَغَفَهَا حُبّا» (3) . والمعنى على الأوّل : دخل حبّ كلام بدعة شغاف قلبه، أي حجابه حتّى وصل إلى فؤاده . وعلى الثاني : غلبه حبّه وأحرقه . و«الشغف» بالمهملة : شدّة الحبّ وإحراقه قلب المحبّ . وضبط برهان الفضلاء : «مشعوف» بغير المنقوطة. والكلام المزخرف المعجب جدّا في ترويج المبتدع بدعته في مقالات الصوفيّة أكثر منه في طرق آخر للِفَرقِ الباطلة . و«اللّهج بالشيء» محرّكةً : الولوع فيه والحرص عليه، لهج به، كعلم. (فهو فتنة لمن افتتن به) على المجهول. «فتنه» كنصر، و«افتتنه» من الافتعال للمبالغة . وفي الثاني في الباب الحادي والخمسين في كتاب الإيمان والكفر : «لا تغترّوا بصلاتهم ولا صيامهم؛ فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش». (ضالّ عن هدى من كان قبله) يحتمل ضمّ الهاء وفتحها. «والهدي» بالفتح وسكون الدالّ : السيرة والطريقة. (حمّال خطايا غيره) يحتمل التنوين والإضافة. (ورجل قمش جهلاً) كضرب، أي جمعه. و«القمش» بالفتح : الجمع من هنا ومن هنا، ومنه القُماش لمّا جمع. يعني جهلاً شبيها بالعلم مكرا وخديعةً بمزج الباطل بشيء من الحقّ، كما هو شعار غير الإماميّة من فِرَق هذه الاُمّة، وجميعها مؤمن بالكتاب والرسول صلى الله عليه و آله . (غان بإغباش الفتنة) أي مقيم في ظلماتها، أسير بها. من «غني به» بالغين المعجمة كرضي : أقام به وعاش فيه. و«الغبش» _ بالمعجمة والمفردة المفتوحتين _ : الظلمة . هكذا ضبط السيّد الداماد رحمه اللهوقال : «غان» بالغين المعجمة والنون المنوّنة بالكسر بعد الألف ، وأمّا «عان» من عني بالكسر، أي تعب فمن التصحيفات . (4) وضبط برهان الفضلاء _ سلّمه اللّه تعالى _ «عان» بالمهملة، من عنى بالفتح ، وقال : العاني : الأسير . ويحتمل «غان» بالمعجمة من غنيت المرأة بزوجها _ بالكسر _ : استغنت بالاكتفاء به . و(أشباه الناس) عبارة عن العوامّ والجهّال؛ لخلوّهم عن معنى الإنسانيّة. (ولم يغن فيه يوما سالما) بالغين المعجمة؛ أي لم يلبث في العلم يوما تامّا، ولم يعش. أو حال كونه سالما من الفتنة والجهالة. (بكّر ، فاستكثر ما قلّ منه خير ممّا كثر) بكر بكورا _ كنصر _ وبكّر إليه تبكيرا، وأبكر، وابتكر، كلّه بمعنى، يعني وإن لم يصرف عمره يوما في طلب ما هو العلم حقّا لكن خرج كلّ يوم من أوّل الصباح لكسب الدنيا الحرام، أو الجهالات التي تزعمها الجهّال علما، فاستكثر الذي قليله خيرٌ من كثيره. ففي الكلام إضمار . وقرأ برهان الفضلاء : «ما قُلَّ» بضمّ القاف وتنوين اللّام المشدّدة ، وقال : يعني استكثر الذي أقلّ قليله خيرٌ من كثيره. الجوهري : القلّ والقلّة، كالذلّ والذلّة . يُقال : الحمد للّه على القلّ والكُثْر، (5) بضمّ القاف والكاف وكسرهما . وفي نهج البلاغة : «فاستكثر من (6) جمعٍ ما قَلَّ». (7) و«الارتواء» من الشراب، كالشبع من الطعام . و«الآجن» بكسر الجيم : الماء المتغيّر اللّون والريح والطعم. في بعض النسخ : «واكتثر» من الافتعال للمبالغة مكان «وأكثر». وفي بعض النسخ : «واكتنز» من الكنز بمعنى الجمع، كما ضبط برهان الفضلاء . و«المعضل» كالمشكل لفظا ومعنىً . و«الحشو» : اللّغو، وما لا مخّ له . (ثمّ قطع) أي جزم به وحكم. (فهو من لبس الشبهات) بفتح اللّام، أي اختلاطها . وأصل «اللّبس» : اختلاط الظلام ، وأمّا بالضمّ، _ كما ضبط برهان الفضلاء _ فمصدر لبست الثوب بالكسر . وفي بعض النسخ : «المشتبهات». (في مثل غزل العنكبوت) أي أسيرٌ محبوس كالذباب في الشبيه بحبالة العنكبوت، أو المعنى هو كالعنكبوت في حبالته (لا يدرى) أنّه استحكمها فأصاب، أو لا فأخطأ. (يكنّ الصواب) أي يستره. كنّه كنّا وكنونا، كفَّر : ستره. (لكيلا (8) يقال له لا يعلم) يحتمل الخطاب والغيبة. (ثمّ جسر) أي اجترأ، من الجسارة، وسماجة الوقاحة. و«العشوة» مثلّثة العين : الظلمة، والأمر الملتبس. وأصل «الخبط» : ضرب الإبل يدها على الأرض على غير استواء . (ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع) يعني حرّم اللّه عليه نعمة العلم وهو محروم عنها لا يهتدي إليه أبدا. «ذرت الريح الهشيم» تذروه ذروا : سفته وأطارته، كأذرته تذريه إذراء. و«الهشيم» من النبات : اليابس المتكسّر. و«إذراؤه الروايات (9) » : تصفّحها وسردها موافقا لغرضه الباطل. ودرسها مع عدم فهمها وتأويلها بالمنكر، أو تركها وعدم الإقبال إليها متدبّرا . قال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «يذري الروايات» وذلك لترجيح القياس على الخبر الواحد. (10) (وتصرخ) من باب نصر. والصراخ كغراب : صوت البكاء. و«المليء» بالهمز على فعيل، بمعنى القادر، والثقة الغني . و«الإصدار» : الإرجاع. (ما عليه ورد) أي من المبهمات والمعضلات. ولا يكون حلّالاً للمشكلات إلّا الحجّة المعصوم بالدلالات البيّنات . (لما منه فرط) كنصر، أي سبق وظهر سابقا. (من ادّعائه علم الحقّ) وزاد في نهج البلاغة : «إلى اللّه أشكو من معشرٍ يعيشون جُهّالاً، ويموتون ضلّالاً، ليس فيهم سِلْعَة أبْور (11) من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، ولا أنفق سِلْعةً وأغلى ثمنا من الكتاب (12) إذا حرّف عن مواضعه، ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر ». (13)

.


1- . الجوكيّة : طائفة من البراهمة يقولون بتناسخ الأرواح. تاج العروس، ج 1، ص 6667 (جوك).
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 1، ص 289، ذيل الخطبة 17 .
3- . يوسف (12): 30.
4- . التعليقة على الكافي، ص 126 _ 127.
5- . الصحاح، ج 5 ، ص 1804 (قلل). وفيه : «والقُلُّ : القِلَّة، مثل : الذُّل والذِلَّه».
6- . في «الف»: - «من».
7- . نهج البلاغة، ص 59 ، الخطبة 17 .
8- . في «ب» و «ج»: «كيلا».
9- . في «ب» و «ج»: «للروايات».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 198.
11- . في هامش المخطوطة : «البوار، كالكسار والهلاك لفظا ومعنىً (منه)».
12- . في المصدر : «ولا سِلْعَةٌ أنفق بيعا ولا أعلى ثمنا من الكتاب».
13- . نهج البلاغة، ص 60 ، الخطبة 17 .

ص: 540

. .

ص: 541

. .

ص: 542

. .

ص: 543

. .

ص: 544

الحديث السابعروى في الكافي عن الإثنين عَنْ الْوَشَّاءِ ، عَنْ أَبَانِ ، (1) عَنْ أَبِي شَيْبَةَ الْخُرَاسَانِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«إِنَّ أَصْحَابَ الْمَقَايِيسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْمَقَايِيسِ ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ (2) الْمَقَايِيسُ مِنَ الْحَقِّ إِلَا بُعْدا ، وَإِنَّ دِينَ اللّه ِ لَا يُصَابُ بِالْمَقَايِيسِ» .

هديّة :أوّل من قاس إبليس لعنه اللّه . (وإنّ دين اللّه ...) لأنّ علمه خاصّ بالحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، والقطع بحقّيّة شيء في الدِّين منحصر في إخباره؛ لانحصار الأعلميّة في الربّ المدبّر الحكيم لهذا النظام العظيم . قال برهان الفضلاء : «طلبوا العلم بالمقاييس» إشارة إلى ما اشتهر بين المخالفين من أنّ ظنّيّة الطريق لا ينافي قطعيّة الحكم، وقد سبق، وقلنا : إنّ «المقاييس» جمع مقيوس، أصل مقيس. ويمكن أن يكون «المقاييس» هنا جمع المقياس يعنى آلات القياس وأسبابها. «والحقّ» عبارة عن المعلوم بالآيات البيّنات الناهية عن اتّباع الظنّ . انتهى. مبالغته سلّمه اللّه تعالى في إنكار الاجتهاد الممنوع وباعثه؛ لنسبته الأصل الثابت عند معظم أصحابنا الإماميّة _ رضوان اللّه عليهم _ أيضا إلى العامّة، وصحّة العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن في العمل بالظنّ عند الاشتباه للفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً في زمن الغيبة إنّما هو مثبتة لذلك الأصل، والحرج منفي بالكتاب والسنّة. وهل منكر؟! لأنّ الأحوط له التوقّف ما أمكن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «طلبوا العلم» أي بالمسائل الشرعيّة، ولمّا [لم] (3) يكن القياس من سبيل السلوك إليها لم يزد مراعاتهم المقاييس إلّا بُعدا من الحقّ، وذلك لترجيح القياس على الخبر الواحد، أو جعله معارضا للخبر، أو مرجّحا للضعيف على القويّ من الأخبار. (4) «وإنّ دين اللّه » أي الدِّين الذي شرّعه «لا يُصاب بالمقاييس» ؛ إذ ما لم يرد فيه حكم من الشارع فهو على الإباحة، وليس لأحدٍ إثبات حكم فيه بالقياس، وما ورد فيه حكم من الشارع ليس لأحد ترك طلبه وأخذه من جملته (5) والاعتماد فيه على القياس، كيف؟! والأحكام الثابتة إذا لوحظت فأكثرها ممّا يخالف قياسهم . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليٍ الوشّاء، عن أبان بن عثمان».
2- . في الكافي المطبوع : «فلم تزدهم».
3- . أضفناه من المصدر.
4- . ليس في المصدر من قوله : «وذلك لترجيح _ إلى _ من الأخبار».
5- . في المصدر : «حَمَلَتِه».
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 198 _ 199.

ص: 545

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ؛ وَالنيشابُورِيَّيْنِ (1) رَفَعَهُ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَا :«كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ» .

هديّة :يعني كلّ بدعة في دين اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه (2) : «كلّ بدعة» يعني كلّ حكم في الدِّين يكون بناؤه على هوى النفس .

.


1- . يعني : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان».
2- . في «ب» و «ج»: + «تعالى».

ص: 546

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ الثلاثة (1) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فُقِّهْنَا فِي الدِّينِ ، وَأَغْنَانَا اللّه ُ بِكُمْ عَنِ النَّاسِ ، حَتّى أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنَّا لَتَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ مَا يَسْأَلُ رَجُلٌ صَاحِبَهُ تَحْضُرُهُ الْمَسْأَلَةُ وَيَحْضُرُهُ جَوَابُهَا فِيمَا مَنَّ اللّه ُ عَلَيْنَا بِكُمْ ، فَرُبَّمَا وَرَدَ عَلَيْنَا الشَّيْءُ لَمْ يَأْتِنَا فِيهِ عَنْكَ وَلَا عَنْ آبَائِكَ شَيْءٌ ، فَنَظَرْنَا إِلى أَحْسَنِ مَا يَحْضُرُنَا ، وَأَوْفَقِ الْأَشْيَاءِ لِمَا جَاءَنَا عَنْكُمْ ، فَنَأْخُذُ بِهِ؟ فَقَالَ :«هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، فِي ذلِكَ _ وَاللّه ِ _ هَلَكَ (2) مَنْ هَلَكَ يَا ابْنَ حَكِيمٍ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «لَعَنَ اللّه ُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ» . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ لِهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ : وَاللّه ِ ، مَا أَرَدْتُ إِلَا أَنْ يُرَخِّصَ لِي فِي الْقِيَاسِ .

هديّة :خلاف بين علماء الرجال، فقيل : محمّد بن حُكيم بضمّ الحاء. وقيل بفتحها. (3) و(ما) في (يسأل) زمانيّة كما في قوله تعالى : «مَا دُمْتُ حَيّا» (4) ، وقوله : «فَاتَّقُوا اللّه َ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (5) . والبارز في (تحضره المسألة) لصاحبه. (فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا) أي لنحكم برأينا استحسانا. (وأوفق الأشياء لما جاءنا عنكم) أي أو بأنسب الأحكام مقيسا على ما يحضرنا من أحكامكم. (قال عليّ : وقلت) يعني هو رأى رأيا باجتهاده وأنا رأيت رأيا آخر باجتهادي على خلافه . قال الزمخشري صاحب الكشّاف في كتاب ربيع الأبرار : قال يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله أربعمائة حديث وأكثر . قيل : مثل ذا؟ قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «للفَرَس سهمان، وللرجل سهم »، وقال أبو حنيفة : لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن . وأشعر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأصحابه البُدْن ، وقال أبو حنيفة : الإشعار مُثْلة . وقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا (6) » . وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار . وكان عليه السلام يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا وأقرع أصحابه ، وقال أبو حنيفة : القرعة قمار . (7) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فقهنا» على المعلوم من باب حَسُن، أو خلافه من التفعيل. «فَقُه» : صار فقيها. و«الناس» عبارة عن فقهاء المخالفين. «حتّى إنّ الجماعة» بكسر الهمزة وتشديد النون. «لتكون» بفتح اللّام على المعلوم من المجرّد، والمستتر للجماعة. وتعريف «المجلس» للعهد الخارجي. والمراد مجلس فقيه المخالفين. و«ما» مصدريّة، والمصدر نائب لظرف الزمان. وضمير «صاحبه» للمجلس. و«صاحبه» عبارة عن فقيه المخالفين. «تحضره» في الموضعين على المضارع المعلوم للغائبة من باب الإفعال، والمستتر للجماعة، والبارز لصاحبه ومفعول أوّل. و«جوابها» نصب ومفعول ثان، والجملة عطف على «تكون» بحذف العاطف، أو حال من المستتر في «تكون». والمراد أنّ رجلاً إذا سأل فقيها من المخالفين بمحضر جماعة منّا عن مسألة وكان ذلك الفقيه غافلاً عن شقوقها تفهم جماعتنا ذلك الفقيه جواب كلّ شقّ من شقوقها. و«في» في «فيما» للسببيّة. و«ما» مصدريّة، أو موصولة. «يحضرنا» على المضارع الغائب المعلوم من باب نصر. «ما يحضرنا» عبارة عن الأحكام التي يخطر بخاطرنا فيما ورد علينا ولم نسمع حكمه من الأئمّة عليهم السلام . «وأوفق الأشياء» عطف تفسير ل «أحسن ما يحضرنا». «كان يقول : قال عليّ وقلت» يعني كان غرضه من قوله : إنّ الأفكار التي يخطر بخاطري في باب القياس لم يخطر بخاطر عليّ عليه السلام . «واللّه ، ما أردت إلّا أن يرخّص لي في القياس» أي في قياس ما لم يعلم حكمه على ما علم حكمه بواسطة الموافقة في آلة القياس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما يسأل رجل صاحبه» أي ما يسأل رجل منهم صاحبه . والجملة حال من فاعل «لتكون» (8) . «فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا» لعلّ المراد بالأحسن ما لا يكون فيه تقيّة ولا يلحقه تغيير، وهو الأصل. «أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم» أي في الجواب عمّا ورد علينا قياسا على ما جاءنا عنكم «فنأخذ به» ونقوله في الجواب . «هيهات هيهات» تأكيد في بُعده عن المسلك المستقيم وإصابة الحقّ. «في ذلك» أي في الأخذ بالقياس. «قال عليّ، وقلت» ظاهره أنّه كان يقول : قال عليّ قياسا، وقلت قياسا، وافقه أو خالفه . (9) ويحتمل أن يكون مراده مخالفته بالقياس لقول عليّ عليه السلام ولو كان روايةً؛ لظنّه بالنبيّ صلى الله عليه و آله أنّه كان يقول بالقياس، وترجيح قياسه على قياسه صلى الله عليه و آله أو لترجيح قياسه على رواية عليّ عليه السلام . ولكنّه بعيد؛ لاشتماله على ضلال وطغيان (10) قلمّا يرتكبه ويظهره مسلم . (11) انتهى. ما حكيناه عن صاحب الكشّاف آنفا يكفي معيارا لقرب الاحتمال وبُعده .

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير».
2- . في «ب» و «ج»: «هلك واللّه ».
3- . اءيضاح الاشتباه، ص 280، الرقم 629 .
4- . مريم (19): 31.
5- . لتغابن (64): 16.
6- . في «ب» و «ج»: «يتفرّقا».
7- . ربيع الأبرار، باب العلم والحكمة والادب والكتاب والقلم، ص 311؛ وعنه في الوافي، ج 17 ص 251 _ 252.
8- . في المصدر : + «وهو ضمير الجماعة».
9- . في المصدر : + «فأخذ بالقياس وظنّ بعليّ عليه السلام ذلك».
10- . في المصدر : + «فيه».
11- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 200.

ص: 547

. .

ص: 548

. .

ص: 549

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ رَفَعَهُ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام : بِمَا أُوَحِّدُ اللّه َ؟ فَقَالَ :«يَا يُونُسُ ، لَا تَكُونَنَّ مُبْتَدِعا . مَنْ نَظَرَ بِرَأْيِهِ هَلَكَ ، وَمَنْ تَرَكَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ضَلَّ ، وَمَنْ تَرَكَ كِتَابَ اللّه ِ وَقَوْلَ نَبِيِّهِ كَفَرَ» .

هديّة :(بما اُوحِّد اللّه ) أي بما أستدلّ على التوحيد المعتبر في المعرفة الدينيّة من الدلائل؟ فنهاه عن غير السمع من الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه . أو المعنى _ كما ينادي به الجواب _ بأيّ طريق من طرق المذاهب في التوحيد اُوحِّد اللّه تعالى؟ فنهاه مؤكّدا عن الابتداع بالرأي فيه، كالصوفيّة القائلين بوحدة الوجود، والموجود المتكثّر بالاُمور الاعتباريّة من الأكوان والشؤونات ، وقد ذكرنا فيما سبق أنّ منشأ ضلالتهم تفكّر رؤسائهم المبتدعين لأفحش البدع كفرا وزندقةً في قول أفلاطون القبطي من رؤساء زنادقة الفلاسفة : إنّ العلّة الاُولى خلق العالم من ذاته، كما منشأ ضلالة زنادقة الفلاسفة هو التفكّر في علمه سبحانه أنّه حضوري أو حصولي. (من نظر برأيه هلك) أي هلاك الخلود في النار كالصوفي . (ومن ترك أهل بيت نبيّه ضلّ) أي عن الطريق ، ويحتمل أن يهتدي. (ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر) كغير الناجية من فرق هذه الاُمّة ، فذكر العام بعد الخاصّ؛ للإشارة إلى كفر غير الإماميّة من هذه الاُمّة . قال برهان الفضلاء : «بما اُوحِّد اللّه » أي ما الذي بوسيلته يحصل معرفة التوحيد التي يكون جاهلها مشركا ؟ قال عليه السلام : «يا يونس، لا تكوننّ مبتدعا» في الدِّين بالاجتهاد، ودعوى الكشف الحاصل بالرياضة. «من نظر برأيه» أي فكّر في المسائل الدينيّة فحكم بظنّه هلك؛ لأنّه أشرك . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «من نظر برأيه هلك» فيجب أن يكون التفكّر في المدّعى المسموعة منهم عليهم السلام . وفي البيان، أي الدليل المسموع منهم عليهم السلام . (1) وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لا تكوننّ مبتدعا برأيك» أي مثبتا حكما من عندك لا بالكتاب والسنّة، بل برأيك والقياس ، «ومن نظر برأيه هلك». «ومن ترك أهل بيت نبيّه» أي من تركهم ولم يأخذ عنهم أوّلاً أو بواسطة أو وسائط، لم يتمكّن من الوصول إلى الحقّ في المعارف والأحكام؛ حيث ترك السبيل إليها، وهو الأخذ عنهم، فاحتاج إلى الرجوع إلى القياس والرأي، وربّما يؤدّي ضلاله إلى ترك الكتاب وقول النبيّ صلى الله عليه و آله ، وذلك عند معرفته من الكتاب وجوب الرجوع إليهم، ومن مثل قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي » (2) ، فيكون بتركهم تاركا لما علم ثبوته من الكتاب وقول النبيّ صلى الله عليه و آله مدّعيا جواز الترك لهما بالآراء، ومجوّز ترك كتاب اللّه ، وقول النبيّ صلى الله عليه و آله بالرأي كافر، فنبّه عليه السلام بقوله : «ومن ترك كتاب اللّه وقول نبيّه كفر ». (3) انتهى. كأنّ في نسخة السيّد بزيادة : «برأيك» بعد «مبتدعا»، وليست في النسخ التي رأيناها سوى نسخة مصنّفه رحمه الله .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
2- . حديث الثقلين مرويّ بطرق عديدة وألفاظ مختلفة، رواه الخاصّة والعامّة. راجع : الكافي، ج 2، ص 414، باب أدنى مايكون به العبد مؤمنا، ح 1؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام ؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119، و ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 200 _ 201.

ص: 550

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنِ الْوَشَّاءِ ، عَنْ المُثَنّى الْحَنَّاطِ ، (1) عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : تَرِدُ عَلَيْنَا أَشْيَاءُ لانَعْرِفُهَا (2) فِي كِتَابِ اللّه ِ عزّوجلّ ، وَلَا سُنَّة نبيّه صلى الله عليه و آله (3) فَنَنْظُرُ فِيهَا؟ قَالَ (4) :«لَا ، أَمَا إِنَّكَ إِنْ أَصَبْتَ ، لَمْ تُؤْجَرْ؛ وَإِنْ أَخْطَأْتَ ، كَذَبْتَ عَلَى اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن مثنّى الحنّاط».
2- . في الكافي المطبوع : «ليس نعرفها».
3- . في الكافي المطبوع : «ولا سنّةٍ».
4- . في الكافي المطبوع : «فقال».

ص: 551

هديّة :(قال : لا)يعني لا تتفكّروا عند ذلك اجتهادا بآرائكم، بل شأنكم عنده في زمن الغيبة التوقّف مع الإمكان، وعدم لزوم الحرج المنفيّ بالكتاب والسنّة ورجوعكم عند الضرورة إلى أفقهكم وأحذقكم بالمعالجات المعهودة المتواترة بتواتر الكتب المضبوطة بالثقات عن أهل البيت عليهم السلام . (أمّا أنّك إن أصبت) ردٌّ على ما روته العامّة، وهو قولهم : «من اجتهد فأصاب (1) فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد » (2) قيل : لو كانت روايتهم هذه صحيحة لوجب حملها على الاجتهاد في مثل استعلام جهة القبلة، وتقدير الحكومة في قيم المتلفات ونحوها لإصلاح ذات البين، والاجتهاد في فهم المراد من كلام أهل البيت عليهم السلام في ردّ الفروع الجزئيّة (3) على الاُصول الكلّيّة المأخوذة منهم دون استنباط الأحكام من المتشابهات بالمقاييس والظنون والآراء . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : الغرض من قوله عليه السلام : «لا» أنّ إصابة الحقّ في مثل ذلك اتّفاقي لا مدخل للاختيار فيه، فالإثم على كلا التقديرين ثابت. وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فننظر فيها» يحتمل أن يكون المراد النظر بالقياس. والمراد بقوله : «إن أصبت لم تؤجر» : الإصابة في أصل الحكم. (4) ويحتمل أن يكون المراد النظر في الكتاب والسنّة والاستنباط من العمومات لا بطريق القياس فربّما يكون مصيبا في الحكم والاستنباط كليهما ولم يكن مأجورا؛ لتقصّره في تتبّع الأدلّة وتحصيل الظنّ بعدم دليل آخر ، والمصنّف _ طاب ثراه _ حملها على الأوّل، فأوردها في هذا الباب . (5)

.


1- . في «ب» و «ج»: «وأصاب».
2- . سنن الترمذي، ج 3، ص 615 ، ح 1326؛ سنن الدار قطني، ج 4، ص 204، كتاب في الأقضية والأحكام، ح 1؛ كنزالعمّال، ج 5 ، ص 630 ، ح 14110؛ و ج 6 ، ص 7، ح 14597 .
3- . في «ب» و «ج»: - «الجزئيّة».
4- . في «ب» و «ج»: + «وعلّته».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 201.

ص: 552

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» .

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الثامن. والمراد هنا كما هناك، يعني فكلّ ضلالة سبيلها إلى النار، فإنّ بعضا من الضالّين قد يهتدي .

الحديث الثالث عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ الْعَبِيدِي ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ سَمَاعَةَ، (2) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، إِنَّا نَجْتَمِعُ فَنَتَذَاكَرُ مَا عِنْدَنَا ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا شَيْءٌ إِلَا وَعِنْدَنَا فِيهِ شَيْءٌ مُسَتطَّرٌ (3) ، وَذلِكَ مِمَّا أَنْعَمَ اللّه ُ بِهِ عَلَيْنَا بِكُمْ ، ثُمَّ يَرِدُ عَلَيْنَا الشَّيْءُ الصَّغِيرُ لَيْسَ عِنْدَنَا فِيهِ شَيْءٌ ، فَيَنْظُرُ بَعْضُنَا إِلى بَعْضٍ وَعِنْدَنَا مَا يُشْبِهُهُ ، فَنَقِيسُ عَلى أَحْسَنِهِ؟ فَقَالَ : «مَا (4) لَكُمْ وَلِلْقِيَاسِ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِالْقِيَاسِ» . ثُمَّ قَالَ :«إِذَا جَاءَكُمْ مَا تَعْلَمُونَ ، فَقُولُوا بِهِ ، وَإِنْ جَاءَكُمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ ، فَهَا» وَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلى فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : «لَعَنَ اللّه ُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ كَانَ يَقُولُ : قَالَ عَلِيٌّ وَقُلْتُ أَنَا ، وَقَالَتِ الصَّحَابَةُ وَقُلْتُ» ثُمَّ قَالَ : «أَ كُنْتَ تَجْلِسُ إِلَيْهِ؟» فَقُلْتُ : لَا ، وَلكِنْ هذَا كَلَامُهُ . فَقُلْتُ : أَصْلَحَكَ اللّه ُ ، أَتى رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله النَّاسَ بِمَا يَكْتَفُونَ بِهِ فِي عَهْدِهِ؟ قَالَ : «نَعَمْ ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . فَقُلْتُ : فَضَاعَ مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ : «لَا ، هُوَ عِنْدَ أَهْلِهِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليُّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبدالرحمن، عن سماعة بن مهران».
3- . في الكافي المطبوع وهامش «الف» : «مسطّر».
4- . في الكافي المطبوع : «وما».

ص: 553

هديّة :(مستطر) من الاستطار. وفي بعض النسخ. «مسطّر» من التسطير، يعني في كتب أحاديثنا. (فنقيس على أحسنه) أي على أوفق ما عندنا وأنسبه؛ لما يرد علينا من الأشياء الجزئيّة التي ليست داخلة تحت الاُصول الكلّيّة ولا تحت منصوص العلّة. (من هلك من قبلكم) أي من الفقهاء؛ ليستقيم الحصر . و«ها» : حرف تنبيه، أو بمعنى هنا، أو هنا من أسماء الأفعال، أي فخذوا من هنا. والغرض الإشارة إلى انحصار مأخذ المسائل الدينيّة في قول الحجّة المعصوم . وقال بعض المعاصرين : الظاهر هنا مكان «ها» «ثمّ» قال : يعني أشار بوضع اليد على الفم إلى السكوت مطابقا لما مرّ من قوله عليه السلام : «أن تقولوا ما لا تعلمون وتكفّوا عمّا لا تعلمون ». (1) وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «ما عندنا» أي من المسائل وأجوبتها. و«المسطّر» على اسم المفعول من التفعيل، أي مكتوب في كتبنا المضبوطة فيها ما سمعنا عنكم. «الشيء الصغير» أي السهل الحقير من الاُمور التي لا يلزم من الخطأ في حكمها ضرر بيّن في الدنيا والآخرة. «إنّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس» أي بالذي هو علّة الأسباب للمتّبعين لظنّهم في الأحكام. «فها» أي فخذوا من أفواهنا . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة » هذا الحديث ينبغي ذكره في الباب الآتي أيضا . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ها» اسم فعل بمعنى «خذ» . ويحتمل أن يكون «فها» للمفرد ، ويحتمل أن يكون «فهاؤا» للجمع. «وأهوى بيده إلى فيه» على الأوّل ك «هوى بيده» على الثاني للحال، بتقدير «قد» والباء في «بيده» للتعدية، أي مدّ ورفع يده مشيرا إلى فيه. يقال : هوت يدي له وأهوت : إذا امتدّت وارتفعت . والمعنى : إذا جاءكم ما لا تعلمون فخذوا من أفواهنا . «نعم، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة» [أي نعم، أتى بما يكتفون به في عهده، وبما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة] (3) من الأحكام الشرعيّة. تصديق ذلك قوله عزّ وجلّ : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى» (4) ، وقوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» (5) ، فهو سبحانه لمّا أكمل الدِّين بيّن لنبيّه صلى الله عليه و آله جميع الأحكام الشرعيّة، وأنزلها إليه ؛ ولمّا أمره بتبليغ ما أنزل إليه، بلّغ بنفسه ما أمكن تبليغه إلى من أمكن تبليغه، وحمّل بعضا ليبلّغ إلى آخرين، فلم يبق حكم من أحكام اللّه إلّا وقد أتى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله اُمّته . «هو عند أهله» أي عند من حمّله رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك، وهو أهل للتحمّل والتبليغ، وأهل ما حُمّل يعني أمير المؤمنين وأوصياؤه عليهم السلام . تصديق ذلك قوله صلى الله عليه و آله : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب اللّه ، وعترتي» ، (6) وقوله صلى الله عليه و آله : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» (7) . (8)

.


1- . الوافي، ج 1، ص 253.
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 96.
3- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
4- . المائدة (5) : 3 .
5- . المائدة (5) : 67 .
6- . تقدّم تخريجه قبيل هذا، ذيل الحديث العاشر.
7- . التوحيد، ص 307، الباب 43، ح 1؛ الخصال، ص 574 ، ح 1؛ تحف العقول، ص 430؛ المجازات النبويّة، ص 207، ح 166؛ عوالي اللآلي، ج 4، ص 123، ح 205؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 7، ص 219؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 137 _ 138، ح 4637 _ 4639.
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 202 _ 203.

ص: 554

. .

ص: 555

الحديث الرابع عشرروى في الكافي عَنْ عليٍّ، عَنْ الْعَبِيدِي ، عَنْ يُونُسَ ، (1) عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«ضَلَّ عِلْمُ ابْنِ شُبْرُمَةَ عِنْدَ الْجَامِعَةِ _ إِمْلَاءِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَخَطِّ عَلِيٍّ عليه السلام بِيَدِهِ _ إِنَّ الْجَامِعَةَ لَمْ يَدَعْ لِأَحَدٍ كَلَاما ، فِيهَا عِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، إِنَّ أَصْحَابَ الْقِيَاسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْقِيَاسِ ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنَ الْحَقِّ إِلَا بُعْدا؛ إِنَّ دِينَ اللّه ِ لَا يُصَابُ بِالْقِيَاسِ» .

هديّة :«عبداللّه بن شُبْرُمَة» كجربزة : كان من رؤساء أصحاب القياس من فقهاء العامّة، وكان قاضيا بالكوفة. (2) وسيجيء بيان (الجامعة) في كتاب الحجّة إن شاء اللّه تعالى. «ضلّ علمه» ضاع واضمحلّ. (إنّ دين اللّه لا يصاب بالقياس)؛ لانحصار علمه في أخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة فيه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : «إنّ الجامعة لم يدع لأحد كلاما» يعني ليعجز في حكم مسألة، فيقول : ليس بدّ هنا من القياس واتّباع الظنّ؛ فإنّ الجامعة فيها تأويل جميع متشابهات القرآن. «إنّ دين اللّه لا يصاب بالقياس»؛ لأنّ القياس اتّباع الظنّ، وهو شرك باللّه سبحانه . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «إنّ الجامعة لم يدع لأحد كلاما» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لم يخلوا واقعة عن حكم اللّه تعالى، وبأنّ كلّ أحكامه محفوظ عند أهلها . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة» المراد بالعلم إمّا المأخوذ من مأخذه من المسائل ، وإمّا ما يظنّ ويراه بأيّ طريق كان، سواء كان مأخوذا من المآخذ الشرعيّة، أو من الرأي والقياس. و«الضلال» إمّا بمعنى الخفاء والغيبوبة حتّى لا يُرى، أو بمعنى الضياع والهلاك والفساد، أو مقابل الهُدى. فإن حُمل العلم على الأوّل ناسبه الأوّل من معاني الضلال؛ لأنّه من قلّته بالنسبة إلى ما في الجامعة من جميع المسائل ممّا لا يُرى (4) . وإن حُمِل على الثاني ويشتمل جميع ظنونه وآرائه، ناسبه أحد الأخيرين من معاني الضلال، فإنّه ضائع هالك عندما أتى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمخالفته له. وضلّ هذا العلم، أي ظهر ضلاله وخروجه عن طريقه (5) المستقيم (6) عندما يثبت (7) من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو منهاج الهدى لمخالفته إيّاه. «إنّ دين اللّه لا يصاب بالقياس» لأنّه إذا كان في كلّ مسألة حكما خاصّا صادرا من الشارع، فقلّما يطابقه ما يقاس ويقال فيه بالرأي والتخمين، والأحكام الشرعيّة (8) أكثرها لا يطابق القياس، والعلل فيها غير منتظمة، فقلّما يفارق النظّر فيها عن الالتباس . (9)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عنه، عن محمّدٍ، عن يونس».
2- . رجال الطوسي، ص 117، الرقم 1184؛ خلاصة الأقوال، ص 270، الرقم 5 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.
4- . في المصدر : + «ولا يكون له قدر بالنسبة إليه وفي جنبه».
5- . في «ب» و «ج»: «طريق».
6- . في المصدر : «الطريقة المستقية».
7- . في «ب» و «ج»: «ثبت».
8- . في المصدر : «فإنّ الأحكام الواردة في الشريعة» بدل «والأحكام الشرعيّة».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 203 _ 204.

ص: 556

. .

ص: 557

الحديث الخامس عشرروى في الكافي عَنْ النيسابوريّين ، عَنْ صَفْوَانَ ، عن البجليّ 1 ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ السُّنَّةَ لَا تُقَاسُ ، أَ لَا تَرى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْضِي صَوْمَهَا وَلَا تَقْضِي صَلَاتَهَا؟ يَا أَبَانُ ، إِنَّ السُّنَّةَ إِذَا قِيسَتْ مُحِقَ الدِّينُ» .

هديّة :«محقه» كمنع : أبطله وأذهبه، كأمحقه فامتحق: صار ممحوقا حتّى لا يرى منه أثر، وذلك لتفاوت مراتب الآراء والظنون والأفكار الموجب للاختلاف، وما من شيء إلّا بينه وبين شيء آخر مجانسة أو مشاركة أو مناسبة في كمّ، أو كيف، أو نسبة، أو غير ذلك . ولكلّ أحد أن يرى بفكره مناسبة أو مشاركة أو موافقة بين شيء وما أراد أن يقيسه، فلا محالة ينجرّ إلى تحليل الحرام وتحريم الحلال حتّى لم يبق شيء من السنّة بحاله . قال برهان الفضلاء : سيجيء قريب من هذا الحديث في كتاب الديات (1) باب الرجل يقتل المرأة، ويذكر في السادس فيه : أنّ أبان بن تغلب بقياسه في أمر صار باعثا لصدور مثل الكلام عن الإمام عليه السلام . «ولا تقضي صلاتها» مع أنّها أعظم من الصوم . وذهبت الزيديّة إلى أنّ الحائض تقضي الصلاة أيضا . وسيجيء إبطاله في كتاب الحيض في الرابع من باب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ويذكر هناك نكتة في الفرق بين القضائين ببيان صعوبة قضاء الصلاة بالنسبة إلى قضاء الصوم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : إنّ السنّة لا تقاس؛ أي لا يوصل إليها ولاتعرف بالقياس؛ لما فيها من ضمّ المختلفات في الصفات الظاهرة، وتفريق المتشاركات في الأحوال الواضحة كما في قضاء صوم الحائض، وعدم قضاء صلاتها. «إنّ السنّة إذا قيست» وأثبتت بالقياس «محق» أي محي واُبطل الدِّين بإدخال ما ليس منه فيه، وإخراج ما يكون منه عنه، والإكثار منها يلزم العمل بالقياس . أعاذنا اللّه من إطاعة إبليس، والدخول في التباس . (2)

.


1- . في «ب» و «ج»: + «في».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 204 .

ص: 558

الحديث السادس عشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، (2) قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام عَنِ الْقِيَاسِ ، فَقَالَ :«مَا لَكُمْ وَالْقِيَاسَ؟ إِنَّ اللّه َ لَا يُسْأَلُ كَيْفَ أَحَلَّ وَكَيْفَ حَرَّمَ» .

هديّة :ناظر إلى قوله تعالى في سورة الأنبياء : «لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» (3) ، وتنبيه على أنّ العلم الذي لا اختلاف فيه إنّما هو علم اللّه ، فالحكم إنّما هو حكم اللّه ، والعالم به إنّما هو الحجّة المعصوم العاقل عنه تعالى، وبه يمتاز ما هو الحقّ من الدِّين من أديان البضع والسبعين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : نفي مسؤوليّته تعالى هنا كناية عن أنّ العلم بسرّ قضائه وقَدَره في أحكام شرعه خارج من طاقة غيره، وإشارة إلى أنّ طريق علمنا بالمشكلات منحصر في السؤال، وكذلك العلم بسائر أفعال اللّه ، كما قال في سورة الأنبياء : «لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ» ، ويظهر من هنا أنّ المنقول في الأحاديث من علل الشرائع كقطرة من بحار، ومن قبيل النكتة بعد الوقوع . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ اللّه لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم» أي لا يأتي في التحليل والتحريم بما يوافق مدارك عامّة العباد من المصالح والحكم حتّى لو سئل عنه أجاب بما هو مرغوب مداركِهم ومستحسن طباعهم، بل في أحكامه حِكَم ومصالح لا يصل إليها أفهام أكثر الناس من العوامّ والخواصّ . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد».
2- . في «ب» و «ج»: - «بن عيسى».
3- . الأنبياء (21) : 23 .
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 204 _ 205 .

ص: 559

الحديث السابع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ الإثنين (1) ، قَالَ : حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ ، عَنْ أَبِيهِ عليهماالسلام :«أَنَّ عَلِيّا عليه السلام قَالَ : مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْقِيَاسِ ، لَمْ يَزَلْ دَهْرَهُ فِي الْتِبَاسٍ ، وَمَنْ دَانَ اللّه َ بِالرَّأْيِ ، لَمْ يَزَلْ دَهْرَهُ فِي ارْتِمَاسٍ» قَالَ : وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «مَنْ أَفْتَى النَّاسَ بِرَأْيِهِ ، فَقَدْ دَانَ اللّه َ بِمَا لَا يَعْلَمُ ، وَمَنْ دَانَ اللّه َ بِمَا لَا يَعْلَمُ ، فَقَدْ ضَادَّ اللّه َ؛ حَيْثُ أَحَلَّ وَحَرَّمَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ» .

هديّة :(دهره) نصب على الظرفيّة . والفقرة الاُولى ردّ على فقهاء العامّة ، والثانية على مشايخ الصوفيّة القدريّة المرتمسين على الاستدراج في ورطات الجهالة، والمغتمسين بالآراء والأفكار في لجج الهلاك والضلالة . (من أفتى الناس برأيه فقد دان اللّه بما لا يعلم) أي أطاعه بالجهالة؛ لحصر عدد (2) حججه المعصومين العاقلين عنه؛ لحصر الأعلميّة فيه تبارك وتعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «دهره» أي عمره «في التباس» أي في اختلاط عظيم من ظلمات الشبهات. «في ارتماس» أي في تورّط عظيم من ورطات الجهالات . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لم يزل دهره في التباس» يعني من أقام نفسه للعمل بالقياس، لم يزل دهره في التباس؛ أي في اشتباه وخلطٍ بين الباطل والحقّ . «ومن دان اللّه بالرأي» أي اعتقد أنّه من دين اللّه الواجب مراعاته والعمل بمقتضاه «لم يزل دهره في ارتماس» أي انغماس في الباطل [ودخول فيه] (3) بحيث يحيط به إحاطة تامّة (4) . «فقد ضادّ اللّه » حيث نصب نفسه للتحليل والتحريم، وجعلها شريكا للّه في وضع الشريعة (5) . وقال الفاضل الأسترآبادي : «فقد ضادّ اللّه ؛ حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم» من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لا يجوز الفتوى إلّا بعد قطع ويقين بما هو حكم اللّه ، أو بما ورد عنهم عليهم السلام . (6)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة».
2- . في «ب» و «ج»: - «عدد».
3- . أضفناه من المصدر.
4- . في المصدر : + «قوله : (من أفتى الناس برأيه) أي بمظنونه المأخوذ لامن الأدلّة والمآخذ المنتهية إلى الشارع، بل من الاستحسانيّات العقليّة، أو القياسات الفقهيّة (فقد دان اللّه بما لا يعلم، ومن دان اللّه بما لا يعلم) وأدخل في دين اللّه ما ليس منه».
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 205 .
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.

ص: 560

الحديث الثامن عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيَّاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ إِبْلِيسَ لعنه اللّه قَاسَ نَفْسَهُ بِآدَمَ عليه السلام ، فَقَالَ : «خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ، فَلَوْ قَاسَ الْجَوْهَرَ الَّذِي خَلَقَ اللّه ُ مِنْهُ آدَمَ بِالنَّارِ ، كَانَ ذلِكَ أَكْثَرَ نُورا وَضِيَاءً مِنَ النَّارِ» .

هديّة :(ميّاح) بالياء الخاتمة ككتّان : من الميح بالفتح. وله معان : المنفعة، والاستيلاء، والسعي البليغ، والاستياك، واستخراج الريق بالسواك، والشفاعة، والإعطاء، كالامتياح. وفي بعض النسخ : «عن الحسين بن جَناح» بالجيم، كسحاب، وكأنّه جناح بن رزين. والمراد ب (الجوهر الذي خلق اللّه منه آدم) : روحه المقدّسة التي هي أمر من صنع اللّه سبحانه ، وفي الحديث عن أهل البيت عليهم السلام : «إنّ روح الإنسان جسم لطيف جدّا ». وقد روى الشيخ الطبرسي رحمه اللهفي كتاب الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «الروح لا يوصف بثقل ولاخفيةً، وهي جسم رقيق اُلبس قالبا كثيفا» (2) . الحديث . وقد ذكرنا فيما سبق تمامه، فما هو الحقّ المنصوص أنّ روح الإنسان كما يكون من طينة الجنّة يكون من طينة النار، وكذا الأبدان . وأمّا روح الجانّ وأبدانها إذا لم تكن نافذة في جلد غيرها فشيء واحد وهو النار، فإمّا نورا له كما في المسلمين منهم ، وإمّا ظلماني ككفّارهم. واللّه قادر على تبديل النوراني بالظلماني وبالعكس . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «القيس» بالفتح، و«القياس» كسحاب : مصدر باب ضرب، بمعنى إلحاق شيء بشيء آخر في حكم. «والباء» في «بآدم» بمعنى «مع»، فالظرف مستقرّ وحال من «نفسه» ومنصوب محلّاً؛ إذ لو كان صلة ل «قاس» لكان الظرف لغوا ومتعلّقا ب «قاس» ولم يكن له محلّاً من الإعراب . فالغرض أنّ إبليس قاس نفسه بشيء، وآدم بشيء. و«الفاء» في «فقال» للتفصيل وبيان المقيس عليه في القياسين السابقين. و«خلقتني» ناظر إلى ما في سورة الأعراف وسورة ص (3) ، يعني قاس نفسه بمادّته وهي النار، وآدم بمادّته وهي الطين. [و«الفاء» في «فقاس» للتفريع، أو للتعقيب، وعليهما إشارة إلى قياس ثالث، القياسين، وهو ملاحظة النسبة بين إبليس وآدم، على النسبة التي بين النار والطين ف «ما» موصولة وعبارة عن النسبة، و«ما بين» بتقدير : «على ما بين» كما يجيء في كتاب الدّعاء في باب الإقبال على الدّعاء، الباب التاسع : «اللّهمّ حوالينا ولا علينا» إنّه بتقدير : «اللّهمّ أنزل الغيث على حوالينا، ولا تنزله علينا». وترك ذكر المقيس والاكتفاء بذكر المقيس عليه؛ للاقتصار، بناءً على ظهور المقيس بين آدم وإبليس . فالغرض أنّه عدّ نفسه أشرف من آدم قياسا، بناءً على قياس نسبة إثنين من المخلوق بنسبة إثنين من المخلوق منه . ويظهر من هذا أنّ افتخار الأبناء بالآباء مشتمل على ثلاثة ]قياسات] (4) ، وهو ميراث إبليس، وبطلانها معلوم بالأدلّة النقليّة، منها قوله تعالى في سورة الحجرات : «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه ِ أَتْقَاكُمْ» (5) ]. (6) و«الفاء» في «فلو» للتفريع، و«قاس الجوهر» بتقدير : «قاس على الجوهر». وهو معرّب «كوهر» أي الشيء الذي يكون أصلاً لشيء آخر كان هو مخلوقا منه. و«الباء» في «بالنار» بمعنى «مع» و«بالنار» في تقدير : بالجوهر الذي خلق اللّه منه النار . ويمكن بلا تقدير. ويظهر حكم المادّة _ أي البحر الاُجاج الظلماني_ بطريق أولى وعليهما الظرف حال من الجوهر . والمقصود أنّ قياس المخلوق بالمخلوق منه لو كان صحيحا لكان فاسدا، وما يلزم من صحّته فساده باطل قطعا. بيانه : أنّ إبليس كما هو مخلوق من النار، فتلك النار مخلوقة من البحر الاُجاج الظلماني؛ وأنّ آدم كما هو مخلوق من الطين، فذلك الطين مخلوق من الماء العذب الفرات النوراني كما مرّ في الرابع عشر من الباب الأوّل . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالجوهر الذي خلق منه آدم النور العقلاني الذي في نفسه، وهو أكثر ضياءً من النار؛ فإنّه به يظهر ما لا يظهر بالنار كالمعقولات، وبه يظهر ما يظهر بالنار، (7) كالمحسوسات (8) . انتهى . يمكن حمل بيانه على الردّ على القائل بتجرّد النفوس الناطقة تبعا لفلاسفة المثبتين عقولاً مجرّدة ونفوسا مجرّدة؛ فإنّ الحقّ المنصوص اختصاص اللازمانيّة واللامكانيّة، كالخالقيّة والأزليّة بالربّ تبارك وتعالى. ومَثَلُ التوفيق بالتمحّلات بين الاختلافات بين أهل الشرع وغيرهم، كقدم العالم وحدوثها مع عدم رضاء الفلاسفة ومن تبعهم بذلك، مَثَلُ موتِ الحمار وصاحبه غير راضٍ . وقال بعض المعاصرين : الجوهر الذي هو نور معنويّ عقلاني لا نسبة له إلى الأنوار الحسّيّة كنور الشمس والقمر فضلاً عن نور النار التي يضمحلّ في النهار ، وآدم (9) عبارة عنه، لا عن الجسد، (10) ولمّا لم يكن لإبليس منه نصيب لم يره من آدم ولم يعرفه، وهو يختصّ بالأنبياء والأولياء وأهل السعادة الكاملة من العلماء . وأمّا الأرواح التي لسائر أفراد البشر فلإبليس في مثلها مشاركة (11) . انتهى . كأنّ بيانه هذا بناؤه على ما انكشف له من العلم بالحقائق ، وإلاّ فلا مأخذ له لا من الكتاب و لا من السّنّة. (12)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- . الاحتجاج، ج 2، ص 349؛ وعنه في بحارالأنوار، ج 58 ، ص 34، ح 7 .
3- . الأعراف (7) : 12؛ ص (38) : 76 .
4- . في جميع النسخ: «قياس»، والصحيح ما اُثبت.
5- . الحجرات (49) : 13.
6- . الظاهر أنّ ما بين المعقوفتين تفسير للحديث العشرين، ولعلّ ذكره هنا من سهو النسّاخ.
7- . في «ب» و «ج»: - «كالمعقولات وبه يظهر ما يظهر بالنار».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 206 _ 207 .
9- . في المصدر : + «في الحقيقة».
10- . في «ب» و«ج»: - «لا عن الجسد».
11- . الوافي، ج 1، ص 256 _ 257، بتفاوت في صدر العبارة.
12- . في «ب» و «ج»: - «كأنّ بيانه هذا... ولا من السنّة».

ص: 561

. .

ص: 562

. .

ص: 563

الحديث التاسع عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَرِيزٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَقَالَ :«حَلَالُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حَلَالٌ أَبَدا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَحَرَامُهُ حَرَامٌ أَبَدا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، لَا يَكُونُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِيءُ غَيْرُهُ» . وَقَالَ : «قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : مَا ابْتَدَعَ أحَدٌ (2) بِدْعَةً إِلَا تَرَكَ بِهَا سُنَّةً» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد».
2- . في الكافي المطبوع : «ما أحدٌ ابتدع».

ص: 564

هديّة :رواه فيالتهذيب أيضا، عن أحمد، عن ابن بزيع، عن حنان، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام (1) . الحديث. وفي الحديث إشارات إلى أشياء : منها : ختم النبوّة والرسالة على نبيّنا صلى الله عليه و آله . ومنها : أنّه ليس لأوصيائه أيضا تحليل حرامه ولا تحريم حلاله . ومنها : تبليغه صلى الله عليه و آله جميع ما جاء به من عند اللّه ، وأنّ جميعه جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة، وأنّ التكليف ثابت على كلّ مكلّف إلى موته وقيام قيامته. والجنون من الأمراض السوء لا يمكن معه التقرّب من اللّه سبحانه . ولعلّ الغرض الأهمّ الردّ على طريقة التصوّف، وهي أفحش البدع في الدِّين كفرا وشركا وزندقةً . وقد قال الرومي من الصوفيّة القدريّة في الدفتر الخامس من كتابه المسمّى بالمثنوي في بيان قولهم _ بالعناد والنفاق والزندقة والإلحاد، لعنهم اللّه أبد الآباد _ : إذا ظهرت الحقائق بطلت الشرائع : إنّ الشريعة بمنزلة الدواء للمريض، فإذا برأ السالك من الأمراض النفسانيّة بالرياضة الكاملة استغنى من الدواء (2) . فالحلال والحرام عنده على السويّة _ لعنه اللّه _ لم يجترء المجوس على ذلك، فإنّهم مع تجويزهم نكاح البنات والأخوات والاُمّهات لم يقولوا برفع الحلال والحرام أصلاً ، ولذا قال الرسول صلى الله عليه و آله : «القدريّة مجوس هذه الاُمّة» (3) يعني أنّهم أسوأ من المجوس كفرا وزندقةً _ لعنهم اللّه _ ، ثمّ لعنهم اللّه «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (4) . (ما ابتدع أحد بدعة إلّا ترك بها سنّة) وذلك لأنّه ليس شيء ممّا يحتاج إليه الناس إلّا وقد جاء بحُكْمه صلى الله عليه و آله من اللّه عزّ وجلّ، كما مرّ في أحاديث الباب، والباب التالي يفصّلها إن شاء اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «لا يكون غيره» إبطال للاختلاف في أحكام الحلال والحرام باختلاف ظنون المجتهدين، مصوّبةً كانوا أو مخطّئة، بناءً على أنّ اتّباع الظنّ بالحكم الواقعيّ متضمّن للحكم بالمظنون صريحا، كالإفتاء بالمظنون؛ أو غير صريح، كالعمل بالمظنون من حيث إنّه مظنون. ويظهر من هذا التقرير أنّ هذا الخبر لا يبطل طريقة الأخباريّين. «ولا يجيء غيره» لبيان أنّ هذه الشريعة لا يتطرّق إليها نسخ أبدا . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «حلال محمّد صلى الله عليه و آله حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة » من جملة تصريحاتهم عليهم السلام بأنّه لايجوز الاختلاف في الفتاوى، وبأنّه لم يخل واقعة عن حكم وارد من اللّه تبارك وتعالى (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «ما ابتدع أحد بدعة إلّا ترك بها سنّة» لأنّه لمّا كان في كلّ مسألة بيان من الشارع وحكم فيها، فمن قال بما لم يكن في الشرع وابتدع شيئا ترك به سنّة وحكما من أحكامه (6) .

.


1- . لم أجده في التهذيب و لا في غيره بهذا السند.
2- . مثنوي معنوي، ص 726، مقدّمة الدفتر الخامس.
3- . جامع الأخبار، ص 161، الفصل 126؛ و عنه في المستدرك، ج 18، ص 185، ح 24457؛ عوالي اللآلي، ج 1، ص 166، ح 175؛ وعنه في المستدرك، ج 12، ص 317، ح 14190.
4- . المائدة (5) : 75؛ التوبة (9) : 30؛ المنافقون (63) : 4 .
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 206 .

ص: 565

الحديث العشرونروى في الكافي عَنْ عَلِيّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْعَقِيلِيِّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّه ِ الْقُرَشِيِّ ، قَالَ : دَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلى أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ :«يَا أَبَا حَنِيفَةَ ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقِيسُ؟» قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : «لا تَقِسْ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ _ لعنه اللّه _ حِينَ قَالَ : «خَلَقْتَنِى مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ وَالطِّينِ ، وَلَوْ قَاسَ نُورِيَّةَ آدَمَ بِنُورِيَّةِ النَّارِ ، عَرَفَ فَضْلَ مَا بَيْنَ النُّورَيْنِ ، وَصَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْاخَرِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عليّ بن إبراهيم».

ص: 566

هديّة :بيانه كنظيره، وهو الثامن عشر. (وصفاء أحدهما على الآخر) أي وفضل صفاء أحدهما على الآخر . و(أحمد بن عبداللّه العقيلي) هو أحمد النسّابة المحدّث بنصيبين (1) . وروي عن أبي حنيفة أنّه قال : جئت إلى حجّام [بمنى] (2) ليحلق رأسي، فقال لي : أدْنِ ميامنك، واستقبل القبلة، وسمّ اللّه تعالى. فتعلَّمت منه [ثلاث] (3) خصال لم تكن عندي ، فقلت له : مملوكٌ أنتَ أم حرّ؟ فقال : مملوك ، قلت : لِمَنْ؟ قالُ : لجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، قلت : أشاهد أم غائب؟ قال : شاهد ، فصرت إلى بابه فاستأذنت عليه فحجبني، وجاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذِنَ لهم فدخلت معهم، فلمّا صرت عنده قلت له : يا ابن رسول اللّه لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم ، فقال : «لا يقبلون منّي » فقلت : ومَن لا يقبل منك وأنت ابن رسول اللّه ؟! فقال : «أنت أوّل من لا يقبل منّي، دخلتَ داري بغير إذني، وجلست (4) بغير أمري، وتكلّمت بغير رأيي، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس». قلت : نعم أقول ، قال : «ويحك يا نعمان، أوّل مَن قاس إبليس _ لعنه اللّه _ حين اُمر بالسجود لآدم عليه السلام فأبى وقال : «خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (5) أيّما أكبر يا نعمان، القتل أو الزناء؟». قلت : القتل ، قال : «فلِمَ جعل اللّه في القتل شاهدين، وفي الزاء أربعةً، أيَنْقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «فأيّما أكبر الصلاة أو الصيام؟» قلت : الصلاة ، قال : «فلِمَ وجب على الحائض أن تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، أيَنْقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «فأيّما أضعف المرأة أو الرجل؟» قلت : المرأة ، قال : «فلِمَ جعل اللّه _ تعالى _ في الميراث للرجل سهمين وللمرأة سهم ، أينقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «فبما حكم اللّه فيمن سرق عشر دراهم القطع، وإذا قطع الرجل يد الرجل فعليه ديّتها خمسة آلاف درهم ، أينقاس لك هذا؟» قلت : لا ، قال : «وقد بلغني أنّك تقرأ آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ وهي «لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ» (6) أنّه الطعام الطيّب والماء البارد في اليوم الصائف؟» قلت : نعم ، قال : «لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيّبا، وسقاك ماءً باردا، ثمّ امتنّ عليك به ما كنت تنسب (7) إليه؟» قلت : أنسبه إلى البخل ، قال : «أفتبخّل اللّه تعالى؟» قلت : فما هو؟ قال : «حبّنا أهل البيت » (8) . روى الصدوق رحمه اللهفي كتاب علل الشرائع نظير هذا الحديث (9) ، أو هو أطول لفظا، وأشمل ببيانه تمام القصّة مفصّلاً.

.


1- . «نصيبين» بالموحّدة بين ياءين : بلد بين الشام والعراق. مجمع البحرين، ج 2، ص 174 (نصب).
2- . أضفناه من بحارالأنوار.
3- . كذا في المصادر، وفي النسخ «ستّ».
4- . في «الف»: «دخلت».
5- . الأعراف (7) : 12؛ ص (38) : 76 .
6- . التكاثر (102) : 8 .
7- . في «ب» و «ج»: «تنسبه».
8- . بحارالأنوار، ج 10، ص 220، ح 20؛ الوافي، ح 1، ص 258 .
9- . علل الشرائع، ج 1، ص 86 _ 88 ، الباب 81 ، ح 1 _ 3 .

ص: 567

الحديث الحادي والعشرونروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ مَسْأَلَةٍ ، فَأَجَابَهُ فِيهَا ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، مَا كَانَ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُ :«مَهْ ، مَا أَجَبْتُكَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، لَسْنَا مِنْ «أَ رَأَيْتَ» فِي شَيْءٍ» .

هديّة :(أ رأيت) أي ما رأيك واجتهادك إن كان الحكم كذا وكذا؟ وقوله : (ما كان يكون القول فيها) جزاء الشرط على التجريد، والتقدير. يعني : أسألك إن كان كذا وكذا، ما كان عندك ما يكون باجتهادك القول فيها؟ فزجره عليه السلام بقوله : (مه) وهي كلمة زجر؛ لزعمه صحّة الحكم بالرأي والاجتهاد الممنوع، وإلّا فمثل «رأيت كذا» بمعنى «علمت» في كلامهم عليهم السلام كثير. (لسنا من «أرأيت» في شيء) أي من أهل الرأي والاجتهاد بالآراء والمقاييس في حكم من الأحكام الشرعيّة، فلا يكون الاختلاف في علمنا وحكمنا؛ فإنّا أهل البيت قومٌ معصومون عاقلون عن اللّه بلا واسطة أو بواسطة معصوم آخر ، وقد قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «علّمني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ألف بابٍ من العلم، فانفتح لي من كلّ باب ألف باب » (2) . وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «اُعطيت جوامع الكلم، واُعطى عليّ جوامع العلم (3) » (4) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «فقال : أ رأيت» يعني بعد تغييره صورة المسألة ، قال : ما رأيك، إن كان الأمر كذاوكذا فما جوابك عنه؟ «فقال له : مه» أي لا تقل هكذا فإنّا لسنا من المتّبعين للظنّ في شيء . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه : السائل قصد : أيّ شيء مقتضى اجتهادك الظنّي؟ فأجابه عليه السلام بقوله: «لسنا من أرأيت في شيء» (5) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أرأيت إن كان كذا وكذا، ما يكون القول فيها» أي أخبرني عن رأيك فيما ينبغي أن يقال في مسألة (6) هذه. «فقال : مه» أي اُكفف، فإنّا لا نقول إلّا بما وصل إلينا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لسنا نقول برأينا (7) . انتهى . ليس في نسخته رحمه الله «كان» بعد «ما» وقبل «يكون» أو سقط من قلم الناسخ في مصنّفه. ولعلّ الثاني .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن عيسى».
2- . الاختصاص، ص 283؛ الخصال، ج 2، ص 646 ، ح 33؛ بحارالأنوار، ج 40، ص 131 _ 132، ح 10 _ 14 .
3- . في «ب» و «ج»: - «واُعطي عليّ جوامع العلم».
4- . الأمالي للطوسي، ص 104 _ 105، ح 161، المجلس 4، ح 15؛ و عنه في بحارالأنوار، ج 38، ص 157، ح 133.
5- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97.
6- . في المصدر : «المسألة».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 206 .

ص: 568

. .

ص: 569

الحديث الثاني والعشرونروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ أَبِيهِ (2) مُرْسَلاً ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلِيجَةً ، فَلَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وَقَرَابَةٍ وَوَلِيجَةٍ وَبِدْعَةٍ وَشُبْهَةٍ مُنْقَطِعٌ ، إِلَا مَا أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ» .

هديّة :أورد طاب ثراه هذا الخبر بعينه بهذا الإسناد في كتاب الروضة، وزاد بعد قوله (منقطع) : «مضمحلّ كالغبار (3) الذي يكون على الحجر الصّلد إذا أصابه المطر » (4) . في سورة التوبة هكذا : «وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» (5) ، ووليجة الرجل : بطانته وخاصّته وصاحب سرّه ومن يعتمد عليه في اُموره . فمعنى الحديث : لا تتّخذوا صاحبا ووليّا _ بمعنى الأولى بالتصرّف _ في اُموركم الدينيّة والدنيويّة من دون اللّه ولا رسوله ولا أوصياء رسوله الواهبين الأمان شيعتهم حتّى لاتُعدّوا أنّكم لستم من شيعتهم. ولظهور نظر الحديث إلى هذه الآية ، ومآل ولاية الرسول والأئمّة عليهم السلام إلى ولاية اللّه _ كما في نصّ الحصر في آية الولاية (6) _ اكتفى بقوله : (لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة) إلاّ ما أثبته القرآن؛ وذلك لانحصار القطع بحقّيّة شيء في المتشابهات في قول اللّه تعالى؛ لانحصار الأعلميّة فيه سبحانه. قال برهان الفضلاء : سيجيء في كتاب الحجّة في العاشر من باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلامأنّ : «الوليجة الذي يقام دون وليّ الأمر» فنقول هنا _ على الاحتمال _ : إنّ الوليجة مطلق الداخل في سلسلة الأئمّة عليهم السلام بحقّ أوبغير حقّ. وهي فعيلة بمعنى فاعلة، من الولوج بمعنى الدخول، والتاء للنقل من الوصفيّة إلى الاسميّة، أو للتأنيث باعتبار النفس. وتفسيرها ب «الذي يقام دون وليّ الأمر» تفسير بفرد منها الذي يلاحظ باعتبار ملاحظة من دون اللّه ولا رسوله ولا المؤمنين . ويجيء في كتاب الحجّة في باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلامأنّ المراد بالمؤمنين في الآية الأئمّة عليهم السلام . والاقتصار في الحديث؛ للإشعار بأنّ النصّ من اللّه تعالى لا يكون بدون النصّ من الرسول وأوصيائه عليهم السلام ، «فلا تكونوا مؤمنين» لبيان كفر القائلين بانعقاد الإمامة بغير نصّ من اللّه ورسوله وأوصياء رسوله صلى الله عليه و آله ؛ ف «إنّ» الاحتجاج على عدم إيمان هؤلاء القائلين. و«السبب» هنا عبارة عن أمثال المصاهرة بين الوليجة والإمام السابق. و«النسب» القرابة بالولادة، ككون الوليجة والإمام السابق من قبيلة قريش. و«القرابة» ككون الوليجة عمّا للإمام السابق، أو كونهما من بني هاشم . وذكر هذا الحديث في تحت هذا العنوان باعتبار ذكر «البدعة» و«الشبهة». والمراد بالشبهة : المشابهة التي تكون في القياس . وفي هذا الحديث إشعار بأنّ كلّ واحدة من البدعة والشبهة على قسمين : الأوّل : ما يكون في نفس حكم اللّه ، كتعيين الإمام بهوى النفس، أو بشَبِهَه بالإمام السابق في الشكل والشمائل . والثاني : ما يكون في غير ذلك، كاختراع نوع من الطعام بهوى النفس، وكالمشابهة لقياس أمر بآخر في تعيين قِيَم المتلفات وتعيين القبلة . والمقصود في هذا الباب إبطال القسم الأوّل لا الثاني؛ لأنّ القرآن يبطله ويثبت الثاني . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : وليجة الرجل : من يجده معتمدا . والمراد هنا المعتمد عليه في أمر الدِّين. ومن يعتمد في أمر الدِّين وتقرير الشريعة على غير اللّه يكون متعبّدا لغير اللّه ، فلا يكون مؤمنا باللّه واليوم الآخر . وأيضا فما لم يستند إلى موجبه الحقيقي الذي لا يزول _ وهو اللّه سبحانه _ يزول بزوال مستنده الذي اتّخذه (7) وليجة من دون اللّه ، وذلك لأنّ كلّ ما لم يثبته القرآن من السبب والنسب والقرابة والوليجة والبدعة والشبهة منقطع لا يبقى ولا ينتفع بها في الآخرة، فلا يبقى الإيمان، لزوال مستنده وموجبه . أو نقول : فلا يجامع الإيمان (8) باللّه واليوم الآخر الاعتماد عليها في أمر الدِّين (9) . وذكر الوليجة بعد ذكر السبب والنسب والقرابة من ذكر العام بعد الخاصّ، وتقديمها على البدعة والشبهة؛ لأنّهما منحطّان عن أن يُعدّا وليجةً أو ممّا له وليجة .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . في «ب» و «ج»: - «عن أبيه».
3- . في المصدر: «مضمحل، كما يضمحل الغبار».
4- . الكافي، ج 8 ، ص 242، ح 335 .
5- . التوبة (9) : 16 .
6- . المائدة (5) : 55 .
7- . في «ب» و «ج»: «اتّخذ».
8- . في المصدر : + «أي الاعتقاد الثابت».
9- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 207 .

ص: 570

. .

ص: 571

. .

ص: 572

باب الردّ إلى الكتاب والسنّة ، وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام

الباب الحادي والعشرون (1) : بَابُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ إِلَا وَ قَدْ جَاءَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌوأحاديثه كما في الكافي عشرة :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى (2) ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ مُرَازِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ _ عزّوجلّ _ أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتّى وَاللّه ِ ، مَا تَرَكَ اللّه ُ شَيْئا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ حَتّى لَا يَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ : لَوْ كَانَ هذَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ إِلَا وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللّه ُ (تعالى) فِيهِ» .

هديّة :لا شكّ بدلالة هذا العنوان وأحاديث الباب ونظائرها أنّ جميع ما يحتاج إليه الناس في اُمور دينهم ودنياهم من الأحكام إلى قيام القيامة إنّما هو في القرآن والسنّة القائمة، وأنّ الجميع عند أهله، وهم الأئمّة المعصومون من أهل بيت نبيّنا صلى الله عليه و آله ، فالأمر بالتوقّف عند الاشتباه مع المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام الصريحة في الإذن للفقيه العدل الإمامي الممتاز فضلاً وعلما، إنّما هو مع إمكانه بحيث لا يلزم حرج بيّن في الدِّين، وهو منفي بالكتاب (3) والسنّة (4) . (لو كان هذا اُنزل (5) في القرْآن) للتمنّي. إن قال لك رجل من العامّة : أين في القرآن ذمّ فلان وفلان وفلان بخصوصهم؟ فاقرأ آية سورة الحجرات : «وَلَكِنَّ اللّه َ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الْاءِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ» (6) ، وفسّر كما ورد عن أهل الذِّكر عليهم السلام (7) . وإن قال لك ملحد: أين في القرآن مذمّة الصوفيّة فقل : سبحان اللّه ! واسكت، أو اقرأ تمام القرآن، أو آيات اللعن، وهم مصرّحون بأنّ اللعنة عين الرحمة، لتركّبها من أربعة أحرف من أسماء اللّه ، «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» (8) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني هذا باب بيان وجوب ترك حكم كلّ مسألة إلى محكمات القرآن، وإلى بيان رسول اللّه صلى الله عليه و آله متشابهات القرآن في الجامعة كما مرّ في الرابع عشر في الباب السابق شيء في الحديث عبارة عمّا يحتاج إليه أكثر الناس. و«حتّى» للانتهاء، وما بعدها داخل في حكم ما قبلها. وجملة : «حتّى لا يستطيع» بدل من جملة القسم، أو معطوفة عليها بحذف العاطف. «يقول» يحتمل الرفع والنصب؛ لجواز إهمال الناصبة المقدّرة وإعمالها. و«لو» للتمنّي. و«إلّا » استثناء من «لا يستطيع»، والواو حاليّة، والمستثنى مفرّغ . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : اشتهر بين علماء الاُصول أنّ المسائل ثلاثة أقسام : قسم من ضروريّات الدِّين ، وقسم من ضروريّات المذهب ، وقسم لا هذا ولا ذاك ، وأنّ القسم الثالث هو محلّ الاجتهاد . واشتهر بينهم أنّ في القسم الثالث أقوالٌ أربعة : الأوّل : أنّه خال عن حكم اللّه . والثاني : أنّه غير خال عن حكم اللّه ، لكن ما نصب اللّه عليه دليلاً أصلاً لا قطعيّا ولا ظنّيا . والثالث : أنّ اللّه تعالى نصب عليه دليلاً ظنّيا لا قطعيّا . وعلى القول الأوّل، كلّ مجتهد مصيب، صرّحوا بذلك . وعلى الثاني والثالث، للمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر واحد، صرّحوا بذلك . والقول الرابع : أنّ في القسم الثالث للّه _ عزّ وجلّ _ حكما معيّنا ونصب عليه دليلاً قطعيّا محفوظا عند أهله ، فالمخطئ فيه آثم فاسق كالقسمين الأوّلين . وفي هذا الباب وغيره تصريحات ببطلان المذاهب الثلاثة وتعيين (9) المذهب الرابع (10) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «كلّ شيء» أي ممّا يحتاج إليه العباد؛ بقرينة ما بعده. «حتّى لا يستطيع عبد يقول» أي قولاً صحيحا. «لو كان هذا اُنزل في القرآن» للتمنّي. «إلّا وقد أنزله اللّه فيه» استثناء من قوله : «ما ترك اللّه شيئا يحتاج إليه العباد» وما بعد «إلّا» جملة ابتدائيّة وقعت حالاً من قوله : «شيئا »، و«إلّا» معطية في المعنى فائدتها الاستثنائيّة، مفيدة كون كلّ متروك من المحتاج إليه قد اُنزل في القرآن . أو المراد، ما ترك شيئا محتاجا إليه على حال إلّا مُنزلاً في القرآن. وتوسيط الغاية بينهما، إمّا رعاية لاتّصالها بذي الغاية ، أو لجعله مفسّرا لمثله المحذوف قبل الغاية 11 .

.


1- . رقم هذا الباب في الكافي المطبوع : العشرون.
2- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
3- . المائدة (5) : 6 ؛ الحجّ (22) : 78.
4- . راجع : الكافي، ج 5 ، ص 495، باب كراهية الرهبانيّة و... ، ح 1؛ و ج 4، ص 504 _ 505 ، باب من قدم شيئا أخّره من مناسكه، ح 1 و 2؛ و وسائل الشيعة، ج 14، ص 155 و 156، الباب 39 من أبواب الذبح، ح 18857 و 18859 .
5- . في «ب» و «ج»: - «اُنزل».
6- . الحجرات (49) : 7 .
7- . البرهان في تفسير القرآن، ج 5 ، ص 105، ذيل الآية 7 من الحجرات (49).
8- . الملك (67): 22.
9- . في المصدر : «تعيّن».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 97 _ 98.

ص: 573

. .

ص: 574

. .

ص: 575

الحديث الثانيروى في الكافي عَن عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ عُمَرَ (2) بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يَدَعْ شَيْئا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَدّا ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ عَلى مَنْ تَعَدّى ذلِكَ الْحَدَّ حَدّا» .

هديّة :(تحتاج إليه الاُمّة) أي إلى انقراض الدنيا، فإشارة إلى وجوب وجود معصوم عاقل عن اللّه في كلّ زمان بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى آخر الدنيا. ومثال وجعل ثلاثا؛ أمّا في العبادات فإنّه جلّ جلاله جعل للصوم (3) حدّا، ودليله قوله عزّ وجلّ : «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللّه ُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (4) ، وحدّ من تعدّى ذلك الحدّ الكفّارة على تفصيلها . وأمّا في غيرها فمثل حدّ الزنا، وثبوته بالأربعة، ودليله : «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» (5) وحدّ من تعدّى ذلك الحدّ _ بأن شهد عليها قبل تمام العدد _ الثمانون جلدة. وغير ذلك من جميع ما في الجامعة من تأويل المتشابهات، وهي الآن عند صاحب الزمان صلوات اللّه عليه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يجيء مضمون هذا الحديث في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى. و«إلّا» هنا للاستثناء المنقطع من القسم الذي لا يمكن فيه تسليط العامل على المستثنى، مثل : «ما زاد هذا إلّا نقص». و«الحدّ» : الحاجز بين الشيئين، والمانع من ارتكاب شيء . والأوّل مراد من الأوّل، والثاني من الثاني . و«الدليل» هنا عبارة عن الإمام، أو عن محكمات القرآن، أو عن الجامعة. والمآل واحد . انتهى . يعني مآل الأوّل والثاني؛ لما لا يخفى . وقال الفاضل الاسترآبادي : «إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئا» إلى آخره. يبطل بأحاديث هذا الباب ثلاثة مذاهب من المذاهب الأربعة المشهورة بين الاُصوليّين، ويتعيّن المذهب الرابع وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام ومذهب قدمائنا الأخباريّين ، والمقصود بأحاديث هذاالباب، وأحاديث باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ردّ المذاهب الثلاثة وتعيين المذهب الرابع، لا ما زعمه جمع من القاصرين [من] أنّ المقصود بها تجويز استنباط الأحكام التي ليست من بديهيّات الدين ولا من بديهيّات المذهب من كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله ؛ وذلك لأنّه لو كان المراد ما زعموه لما صحّ قولهم عليهم السلام «وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا »، ولا قولهم عليهم السلام : «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة» وكذلك حرامه لا يتبدّل ولا يتغيّر ، ولا قولهم عليهم السلام : «حكم اللّه في كلّ واقعة واحد ». وسيجيء لهذا مزيد توضيح إن شاء اللّه تعالى 6 . انتهى . ترك العمل بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام عند الضرورة من تعدّى حدود اللّه ، العمل بتلك المعالجات حلال وتركه عند الضرورة حرام، والعلاج في واقعة إنّما هو بحكم اللّه سبحانه، ووقت ظهور الإمام من المحتوم . فقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «لكلّ شيء» أي ممّا يحتاج إليه العباد حدّا ومنتهى معيّنا لا يتجاوزه ولا يقصر عنه. «وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه» ويبيّنه للناس كالنبيّ صلى الله عليه و آله في زمانه، والإمام في زمانه ، فعلى الناس أن يراجعوا الدليل ويأخذوها (6) عنه ، أو جعل عليه السلام (7) دليلاً من الكتاب. وجعل على من ترك ذلك الحدّ ولم يقل به ولم يأخذه من دليله ولم يراجعه حدّا من العقاب والنكال (8) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: «عمرو».
3- . في «الف»: «الصوم».
4- . البقرة (2) : 187 .
5- . النساء (4): 15.
6- . في «ب» و «ج»: «يأخذوا».
7- . في «ب» و «ج»: «عليه» بدل «عليه السلام».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 208.

ص: 576

. .

ص: 577

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ أَبَانٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَارُونَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَا خَلَقَ اللّه ُ حَلَالاً وَلَا حَرَاما إِلَا وَلَهُ حَدٌّ كَحَدِّ الدَّارِ ، فَمَا كَانَ مِنَ الطَّرِيقِ ، فَهُوَ مِنَ الطَّرِيقِ ، وَمَا كَانَ مِنَ الدَّارِ ، فَهُوَ مِنَ الدَّارِ حَتّى أَرْشِ الْخَدْشِ فَمَا سِوَاهُ ، وَالْجَلْدَةِ وَنِصْفِ الْجَلْدَةِ» .

هديّة :يجيء هذا الحديث بمضمونه _ إن شاء اللّه تعالى _ في أوائل كتاب الحدود، عن الإثنين، عن الوشّاء، عن أبان، عن سليمان بن أخي حسّان العجلي، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول . الحديث. (والخدش) : تقشير الجلد بُعودٍ وغيره من الحجر والحديد ونحوهما. و«أرشه» : ما يجبر نقصه من الدّية. و(الجلدة) : الضربة بالسوط، ونصفها : أن يؤخذ بنصف السوط فيضرب . وذكر النصف على التمثيل؛ لمكان ثلثها في بعض الأخبار . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : و«الأرش» _ هنا بمعنى الدية _ : مجرور ومضاف. و«الخدش»: تقشير الجلد . و«الفاء» في «فما» للتعقيب باعتبار الرتبة، و«ما» موصولة، وضمير «سواه» بالكسر والقصر ل «الخدش» ومرفوع تقديرا خبرا عن المبتداء المحذوف بتقدير «هو» وهو العائد. ومعنى «ما سواه» ما دونه؛ لأنّ «حتّى» للانتقال من الأقوى إلى الأضعف. و«الجلدة» بالفتح مجرور، عطف على «الأرش » وذكر نصف الجلدة على المثال؛ لأنّ التأديب بثلثها يجيء في بعض الأحاديث في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى بشرحه وبيانه .

.

ص: 578

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبي عَبْدِاللّه عليه السلام ، قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَا وَفِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ» .

هديّة :أي ما من شيء ممّا يحتاج إليه الاُمّة إلى قيام القيامة إلّا وفي حكمه كتاب محكم، أو سنّة مفسّرة لما يشتبهه. وجميع الأحكام إنّما هو عند أهله عليهم السلام . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : بيانه ظاهر من شرح العنوان .

الحديث الخامسروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أبيه ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، (2) والعدّة، عن عليٍّ، عن العبيدي، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ (3) ، قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام :«إِذَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ ، فَاسْأَلُونِي أين هو (4) مِنْ كِتَابِ اللّه ِ؟» . ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ : «إِنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله نَهى عَنِ الْقِيلِ وَالْقَالِ ، وَفَسَادِ الْمَالِ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ» فَقِيلَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، أَيْنَ هذَا مِنْ كِتَابِ اللّه ِ؟ قَالَ : «إِنَّ اللّه َ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقُولُ : «لَا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النّاسِ» وَقَالَ : «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللّه ُ لَكُمْ قِيامَا» وَقَالَ : «لاتَسْئَلُواعَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» » .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: + «عن يونس».
3- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد، عن عبداللّه بن سنان، عن أبي الجارود».
4- . في الكافي المطبوع : - «أين هو».

ص: 579

هديّة :قول الإمام عليه السلام : (إذا حدّثتكم بشيء فاسألوني أين هو من كتاب اللّه ) من بيّنات دلالات الإمامة، من يجترأ غير الإمام الحقّ العاقل عن اللّه على مثله ؟! وفي الحديث أنّ رجلاً قال للصادق عليه السلام : ولا رطب ولا يابس إلّا في كتابٍ مبين، والجار ثمّ الدار من أمثال العرب، فأين هذا من كتاب اللّه ؟ فقرأ عليه السلام قوله تعالى حكاية عن امرأة فرعون : «رَبِّ ابْنِ لِى عِنْدَكَ بَيْتا فِى الْجَنَّةِ» (1) . والآية الاُولى في سورة النساء (2) ، والثانية أيضا فيها (3) ، والثالثة في المائدة (4) . والمراد ب (القيل والقال) : المكالمة بما لا طائل فيه لصلاح المعاش والمعاد. وب (فساد المال) صرفه لا في مصرفه . وب (كثرة السؤال) : الإكثار منه زائدا على (5) قدر الحاجة للأعمال . ولا يخفى الأمر بالسؤال وذكر حديث النهي عن كثرته، فلأنّ قيام أهل بيته، وقوام أهل بيته، وقوام الأمر نظامه وعماده . وأمّا القَوام بالفتح، فبمعنى العدل والوسط؛ قال اللّه تعالى : «وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما» (6) . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «القيل والقال» عبارة عن الأقوال والمكالمات التي لا طائل فيها . ويظهر من هذا الحديث أنّ المراد بكثير من نجواهم: القيل والقال ، فالاستثناء منقطع. و«فساد المال» عبارة عن إنفاقه لا في مصرفه بالحقّ (7) . وفي الحديث في كتاب الزكاة في الباب الثالث والسبعين : «من كان منكم له مال فإيّاه والفساد؛ فإنّ إعطاءه في غير حقّه تبذير وإسراف» . والمراد بكثرة السؤال ، السؤال عن المسائل الدينيّة مزيدا على قدر الاحتياج كما مرّ في الرابع في الباب الرابع عشر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : المراد بالقيل والقال : نقل الحكايات كما يقال : قيل كذا وكذا في نقل التواريخ والوقائع، وأقوال بعضهم في بعض كما هو الشائع؛ إظهارا للاطّلاع عليها، أو إطّلاعا لهم عليها، أو جعل قلوبهم مشغولين بحكايته، مستأنسين بها، لا للتعليم أو التذكير في المسائل العلميّة وما ينتفع بها، أو الإصلاح؛ فإنّ المطلوب حينئذٍ التعليم والتذكير لا الحكاية . والمراد بفساد المال ترك إصلاحه، أو صرفه في غير مصرفه . والمراد بكثرة السؤال، السؤال عن الأكثر ممّا يحتاج إليه (8) .

.


1- . التحريم (66) : 11. ولم أجد للحديث مصدرا.
2- . النساء (4) : 114.
3- . النساء (4) : 5 .
4- . المائدة (5) : 101.
5- . في «ب» و «ج»: «عن».
6- . الفرقان (25) : 67 .
7- . في «ب» و «ج»: «الحقّ».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 209 .

ص: 580

الحديث السادسروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَحْمَدَ (1) ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«مَا مِنْ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَا وَلَهُ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلكِنْ لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرِّجَالِ» .

هديّة :هل لعقل غير الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه مدخل في فهم أنّ بطنا من بطون «المص» (2) إخبار عن زوال ملك بني اُميّة وهلاك مروان الحمار آخر خلفائهم، وسنة فلان، وشهر فلان، وسنة فلان، واستيصاله بخروج المنصور الدوانيقي وأخيه السفّاح على بني اُميّة لعنهم اللّه ؟ وحديثه مذكور في كتاب معاني الأخبار (3) للصدوق رحمه الله . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : أي ما من أمرٍ يحتاج إليه الناس ويجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة إلّا وله أصل في كتاب اللّه محكمٌ أو متشابه، ولكن لا تبلغ إلى تأويل المتشابه عقول الرجال إلّا اُولي الأمر في ليالي القدر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إلّا وله أصل في كتاب اللّه » أي ما يمكن معرفته منه ولو بضمّه إلى غيره من الكتاب، أو السنّة، أو مقدّمة عقليّة أو حسّيّة. «ولكن لا تبلغه عقول الرجال» أي أكثرهم، بل إنّما يبلغه عقول الكمَّل منهم، أو من هداه اللّه إليه وخصّه بمزيد فضله . (4) انتهى. تفسيره بالأكثر لا يناسب حكمة النظام، وكلّ شيء عنده (5) بمقدار ، فلا تغفل .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد».
2- . الأعراف (7) : 1.
3- . معاني الأخبار، ص 28، باب معنى الحروف المقطّعة... ، ح 5 ؛ وعنه فيالبحار، ج 10، ص 163، ح 10. وراجع : البرهان في تفسير القرآن، ج 2، ص 516.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 210 .
5- . في «الف»: «عنه».

ص: 581

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، عَنْ الإثنين ، (1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللّه َ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَرْسَلَ إِلَيْكُمُ الرَّسُولَ صلى الله عليه و آله ، وَأَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَأَنْتُمْ أُمِّيُّونَ عَنِ الْكِتَابِ وَمَنْ أَنْزَلَهُ ، وَعَنِ الرَّسُولِ وَمَنْ أَرْسَلَهُ عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ ، وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ ، وَعَمًى عَنِ الْحَقِّ ، وَاعْتِسَافٍ مِنَ الْجَوْرِ ، وَامْتِحَاقٍ مِنَ الدِّينِ ، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ عَلى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ رِيَاضِ جَنَّاتِ الدُّنْيَا ، وَيُبْسٍ مِنْ أَغْصَانِهَا ، وَانْتِثَارٍ مِنْ وَرَقِهَا ، وَيَأْسٍ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَاغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا ، وقَدْ (2) دَرَسَتْ أَعْلَامُ الْهُدى ، وَظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدى ، فَالدُّنْيَا مُتَجَهِّمَةٌ فِي وُجُوهِ أَهْلِهَا مُكْفَهِرَّةٌ ، مُدْبِرَةٌ غَيْرُ مُقْبِلَةٍ ، ثَمَرَتُهَا الْفِتْنَةُ ، وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ ، وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ ، مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، وَقَدْ أَعْمَتْ عُيُونُ أَهْلِهَا ، وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهَا أَيَّامُهَا ، قَدْ قَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ ، وَدَفَنُوا فِي التُّرَابِ الْمَوْؤُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ، يَختَارُ (3) دُونَهُمْ طِيبُ الْعَيْشِ وَرَفَاهِيَةُ خُفُوضِ الدُّنْيَا ، لَا يَرْجُونَ مِنَ اللّه ِ ثَوَابا ، وَلَا يَخَافُونَ _ وَاللّه ِ _ مِنْهُ عِقَابا ، حَيُّهُمْ أَعْمى نَجِسٌ ، وَمَيِّتُهُمْ فِي النَّارِ مُبْلِسٌ ، فَجَاءَهُمْ بِنُسْخَةِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى ، وَتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَتَفْصِيلِ الْحَلَالِ مِنْ رَيْبِ الْحَرَامِ ، ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ ، أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ؛ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَحُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ ، وَبَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، فَلَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ ، لَعَلَّمْتُكُمْ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة».
2- . في الكافي المطبوع : - «دو».
3- . في الكافي المطبوع : «يجتاز».

ص: 582

هديّة :«الاُمّي» : الأجنبيّ عن القراءة والكتاب ، (1) والمكّي في النسبة إلى اُمّ القرى؛ قال اللّه تعالى : «هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ» (2) . والمراد هنا المعنى الأوّل ، والرسول صلى الله عليه و آله اُمّي بالمعنى الثاني . وإطلاق الاُمّي عليه صلى الله عليه و آله بالمعنى الأوّل _ كما هو عند العامّة _ باطل بدليل هذه الآية ، وكتاب سنّه حفر الخندق، وثبوت تناوله القرآن لورد القراءة . و(على) على تضمين معنى مثل النوم والغفلة والبُعد. و«الفترة» بالفتح، زمان ما بين الرسولين . و«الهجعة» بفتح الهاء وسكون الجيم والعين المهملة : النوم. كنّى بها عن الغفلة. (واعتراض من الفتنة) أي انبساط مشتمل جدّا. سنّ اللّه تبارك وتعالى عند مشيّته ظهور حجّة من اُولي الأمر أن يعمّ الخصال الرديئة قبله في الناس، ويغلب الكفر بجنوده عليهم، ويضنّ (3) السماء بغيثه، والأرض ببركته، والعيش برفاهيّته. وسينجرّ الزمان لظهور صاحب الزمان صلوات اللّه عليه إلى أشدّ الحالات المذكورة وشمول الكفر والزندقة غاية الشمول (4) ليرتفع تلك الظلمة والدّجى بطلوع شمس الهدى ، وكأنّ سبيل ذلك الشمول طريقة التصوّف بالجربزة الغالبة على إدراكات أهل آخر الزمان . وفي الحديث أنّ سورة التوحيد نزلت لهم. (5) (وانتقاض من المبرم) يعني محكمات الشرائع السابقة في المعارف والأحكام . و«الاعتساف» : للمبالغة في الظلم والميل عن الطريق، فالمعنى واشتداد من الجور. و«الامتحاق» : مبالغة في الإمحاء من المحو بمعنى الذهاب والزوال . و«التلظّي» : تلهّب النار واشتعالها. (على حين اصفرار من [رياض] جنّات الدنيا) لضنّة السماء بغيثه بسخط من اللّه ، وكذا الأرض بمائها وبركاتها . وفي الفقرات السابقة والآتية استعارات وترشيحات. و«إغورار الماء» : مبالغة في غوره وذهابه في باطن الأرض . (قد درست) أي محت وزالت. «درس الرسم» _ كنصر وضرب _ : عفا. و«درسته الريح» لازم ومتعدّ. و«الردى» بالفتح والقصر : الهلاك والضلال . و«التجهّم» بتقديم الجيم : مبالغة في الجهومة ، والجهم وككتف : الوجه الغليظ المجتمع السمج. «رجل جهم الوجه» أي كالح الوجه. «جهم» ككرم، جهامة وجهومة، و«جهمه» كمنه وسمعه : استقبله بوجه كريه كتجهّمه . قاله في القاموس (6) . وضبط بعض المعاصرين بتقديم الهاء على الجيم ، وقال : والتهجّم : التهدّم (7) . وهو كما ترى . و«الإكفهرار» : مبالغة في العبوس . و«المكفهرّ» كالمطمئنّ : السحاب الغليظ الأسود، ومن الوجوه : القليل اللّحم الغليظ الذي لا يستحيي، والمتعبّس. و«الشعار» ككتاب : ما يلي شعر الجسد من اللباس والدّثار أيضا بالكسر: ما فوق الشعار منه. و«التمزيق» : التفريق والتشتيت. «أعمى» : صار أعمى. و«أظلم» : صار ذا ظلمة . و(الموؤودة) : المدفونة حيّة من البنات في التراب ، وقعر القليب كما كان شعار جماعة في الجاهليّة. (يختار دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدنيا) على ما لم يسمّ فاعله؛ أي المختار عندهم والمعزّز لديهم إنّما هو صاحب طيب العيش . ويمكن «طيّب العيش» كسيّد ، ف «الرفاهية» بالجرّ عطفا على العيش. واحتمال «يجتاز» بالجيم والزّاي على المعلوم، من الاجتياز من الجواز، أي الرائج عندهم والمقبول في نظرهم كما ترى ولو يؤول إلى المعنى . وكذا «يحتاز» بالمهملة والزاي على المجهول من الاحتياز من الحيازة، أي يجمع ويضبط. وكذا «يمتار» بالميم على المجهول، من امتيار الطعام. و«الخفوض» : جمع الخفض بالفتح وهو الدعة والراحة والسكون، ودعة العيش : وسعته وخفضه، كلّه بمعنى عيش خافض مطمئنّ لا اضطراب فيه لسعته . (لا يرجون من اللّه ثوابا)؛ لعدم المعرفة والطاعة وانحصار نظرهم في الخلق وطمعهم منهم. (ولا يخافون واللّه منه عقابا) لذلك أيضا . و«النّجس» بكسر الجيم وتفتح وكالرّجس، كلّه بمعنى. و«الإبلاس» بالمفردة على الإفعال يتعدّى ولا يتعدّى. «أبلسه» : سجنه وحبسه، أي جعله مسجونا محبوسا . و«أبلس» : يئس وتحيّر، ومنه (8) إبليس . و«البَلَس» محرّكة : من لا خير عنده . (وتصديق الذي بين يديه) أي من الكتب السماوية. (ذلك القرآن) فاعل «فجاءهم». (فاستنطقوه) : تمهيد لبيان أنّ القرآن لا يكون فرقان بين الحقّ والباطل إلّا بقيِّمٍ معصوم عاقل عن اللّه ، وأنّ القيّم له بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله من؟ (فلو سألتموني عنه) أي عن القرآن وما فيه من علم ما مضى وما يأتي إلى يوم القيامة. (لعلّمتكم) أي لتظهر لكم دلالة من دلالات الإمامة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : بيانه من الصدر إلى «امتحاق» ظهر في شرح الخطبة . و«التلظّي» : توقّد النار. «قد درست» إلى «في النار مبلس» استئناف بياني للفقرة السابقة، وصدرها ناظر إلى صدر ما سبقت. و«درست» على المعلوم أوخلافه من باب نصر ، و«الدروس» : صيرورة الشيء مفقودا، وزوال الأثر. و«الدرس» بالفتح : الإعلام والإزالة لأثر شيء . و«أعلام الهدى» عبارة عن بيّنات الآيات المحكمات الناهية عن اتّباع الظنّ النازلة في كلّ شريعة . و«أعلام الردى» عبارة عن قواعد المتعيّن للظنّ، والرسوم المبتدعة للمدّعين للكشف بالرياضة . و«الفاء» في «فالدُّنيا» تفريعيّة للإشارة إلى أنّ فساد الدنيا يترتّب على فساد الدِّين غالبا؛ قال اللّه تعالى في سورة طه : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا» (9) ، وفي سورة الطلاق : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (10) ، وأيضا : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّه َ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا» (11) . «متهجّمة» بتقديم الهاء على الجيم المكسورة، أي منهدمة . وفي بعض النسخ بتقديم الجيم بمعنى : كالح الوجه . و«في» على الأوّل متعلّقة بما بعدها . و«المكفهرّ» : المتعبّس . و«الفتنة» : اختلاف الناس باتّباع الظنّ . والمراد ب «الجيفة» : الدنيا الحرام. «عيون أهلها» يحتمل الرفع والنصب؛ لأنّ «أعمى» على الماضي إفعال من عمى، فمتُعدٍّ؛ وبمعنى : صار أعمى، فلازم ، وكذا «أظلم» يتعدّى ولا يتعدّى . وضمير «عليها» ل «العيون». وأخذ الفعلين على التعدّي أولى ف «أيّامها» مفعول به ، وعبارة عن حجج اللّه تعالى ، ووجه الشبه ظاهر؛ قال اللّه تعالى في سورة إبراهيم : «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّه ِ» (12) ؛ يعني ذكّر الاُمّة بسبب بيان الأنبياء والأوصياء . وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار حديث : «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم » ثمّ روى في معناه «لا تعادوا الأئمّة عليهم السلام فتعاديكم. (13) «يختار» على المجهول؛ أي ينتجب . وفي بعض النسخ بالجيم مكان الخاء المعجمة على المعلوم، أي يمرّ ورائهم من العجم والتُرك وغيرهما. يعني كان (14) العيش حاصلاً في غير العرب من طوائف الناس . و«البخس» بالمفردة والخاء المعجمة كصعق : الجائر الظالم. و«المبلس» على اسم الفاعل من الإفعال: اليائس بمعنى المأيوس . «فجاءهم بنسخة ما في الصحف» أي النسخة التي تكون للقطع بصحّته وحقّيّته معيارا لما في الصحف الاُولى ، قال اللّه تعالى في سورة طه : «أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الْأُولَى» (15) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وأنتم اُمّيّون عن الكتاب» يقال لمشركي العرب : اُمّيّون؛ لنسبتهم إلى ما عليه اُمّة العرب وجماعتهم من ترك تعلّم الكتاب وجهلهم بالكتاب وغفلتهم عنه، ثمّ غلب فيمن لا يكتب . وقد يقال : الاُمّي منسوب إلى الاُمّ؛ أي من هو باق على حالته الجبليّة التي ولد عليها . (16) و«الفترة» : السكون وقلّة الاجتهاد، والزمان الخالي من الرسول بين الرسولين . و«الهجعة» : النوم بالليل، عبّر بها عن الغفلة بالجهالة . «وانتقاض من المبرم» أي المحكم من الشريعة السابقة . «وامتحاق من الدِّين» أي بطلان وانمحاء . و«التهجّم» : مبالغة الهجوم، و«الهجوم» : الدخول بلا إذن . والمراد بتهجّمها في وجوه أهلها ملاقاتها لهم لا على وفق مأمولهم ومتمنّاهم . و«المكفهرّ» من الوجوه : القليل اللّحم، الغليظ الذي لا يستحي . و«الممزّق» كمعظّم : مصدر كالتمزيق بمعنى التفريق . و«الموؤودة» : البنت المدفونة حيّةً. و«بينهم» متعلّق بالدفن أوالوأد بتضمين معنى الشيوع. «يختاردونهم طيب العيش» أي يختار لغيرهم طيب العيش، ورفاهيّة الدعة، وسعة الدنيا . وفي بعض النسخ : «يحتاز» _ بالحاء المهملة والزاي _ أي يُجمع ويُمسك ورائهم طيب العيش والتوسّع في الدنيا. «حيّهم أعمى بخس» أي عديم المعرفة ناقص الحظّ «وميّتهم في النار مبلس» من أبلس إذا يئس. «ولن ينطق لكم» إشارة إلى أنّ الاهتداء بالكتاب موقوف على بيان الحجّة من أهل البيت، كما بيّنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . (17) انتهى . اختيارنا : «يختار» بالخاء المعجمة بالمعنى الذي ذكرناه أنسب بالفقرة التالية. وآخر بيان السيّد إنكار للتفسير بالأكثر، كما حكيناه في هديّة السادس .

.


1- . في «الف»: «الكتاب».
2- . الجمعة (62) : 2 .
3- . «الضِنَّة والضِنّ و... : كلّ ذلك من الإمساك والبخل». لسان العرب، ج 13، ص 261 (ضنن).
4- . في «ب» و «ج»: - «غاية الشمول».
5- . الكافي، ج 1، ص 91، باب النسبة، ح 3؛ البرهان في تفسير القرآن، ج 5 ، ص 801 ، ذيل سورة الإخلاص.
6- . القاموس المحيط، ج 4، ص 92 (جهم).
7- . الوافي، ج 1، ص 271 .
8- . في «الف»: «منها».
9- . طه (20) : 124 .
10- . الطلاق (65) : 2 و 3 .
11- . الطلاق (65) : 4 .
12- . إبراهيم (14) : 5 .
13- . معاني الأخبار، ص 123، باب معنى الحديث الذي روى عن النبيّ صلى الله عليه و آله لاتعادوا... ، ح 1.
14- . في «ب» و «ج»: «يكون».
15- . طه (20) : 133 .
16- . في المصدر : + «ولم يكتب».
17- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 210 _ 212.

ص: 583

. .

ص: 584

. .

ص: 585

. .

ص: 586

. .

ص: 587

. .

ص: 588

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ الصهباني ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَأَنَا أَعْلَمُ كِتَابَ اللّه ِ ، وَفِيهِ بَدْءُ الْخَلْقِ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَفِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَخَبَرُ الْأَرْضِ ، وَخَبَرُ الْجَنَّةِ وَخَبَرُ النَّارِ ، وَخَبَرُ مَا كَانَ وَخَبَرُ (2) مَا هُوَ كَائِنٌ ، أَعْلَمُ ذلِكَ كَمَا أَنْظُرُ إِلى كَفِّي ، إِنَّ اللّه َ يَقُولُ : فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ» .

هديّة :«ولد فلانا» كوعد، وولّدها توليدا : والتوليد التربية أيضا ، فيحتمل هنا بمعنى التربية؛ لحكومة الإمامة. وتعليمها، ومنه قوله تعالى لعيسى عليه السلام : «أنت نبيّي وأنا ولّدتك» (3) أي ربّيتك للنبوّة، فحرّفت النصارى وقرأوا : «أنت بُنَيّ وأنا ولدتك» على التصغير في «نبيّ» بعد التصحيف، و«ولدتك» من المجرّد. (وأنا أعلم) على التخصيص. (كما أنظر إلى كفّي) من الأمثال في المبالغة للظهور . وفي سورة النحل هكذا : «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانا لِكُلِّ شَىْ ءٍ» (4) فهنا نقل بالمعنى . و«التبيان» بالكسر : مصدر شاذّ، والقياس «التفعال» بفتح التاء، كالتنكار والتكرار. ولم يجيء بالكسر إلّا حرفان : التلقاء، والتبيان، وهو البيان الوافي . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «قد ولّدني» على المعلوم من التفعيل، يعني قد بشّر بولادتي ، فإشارة إلى أمثال ما يجيء في كتاب الحجّة في باب ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم عليهم السلام من قول اللّه في الحديث القدسي : «سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ ». و«البدء» بالفتح والهمز : الإنشاء والإحداث. و«الخلق» هنا بمعنى التقدير والتدبير . ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول، وناظر إلى قوله تعالى في سورة الأنبياء : «كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ» (5) ، وردّ على زنادقة الفلاسفة والصوفيّة الاتّحاديّة القائلين اُولئك بقدم العالم مع المغايرة بالذات بين الأثر والمؤثّر، واُولئك به مع دعوى الاتّحاد بالذات والتغاير بالاعتبار. «ما هو كائن إلى يوم القيامة» عبارة عمّا هو باق بشخصه، أو بنوعه إلى يوم القيامة. «وما هو كائن» عبارة عمّا يقع ولم يكن من قبل لا بشخصه ولا بنوعه . والعلم بالحوادث الآتية، أي بأكثرها إنّما يحصل للإمام في كلّ سنة في ليلة القدر بالتحديث للاستنباط من القرآن. والبداء لا يجري إلّا في الاعتقاد بشيء ممّا يحدث قبل الاستنباط من القرآن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «وفيه بدء الخلق» أي ذكر فيه أوّل الخلق، منه بدأ اللّه الخلق. والمراد كلّ ما اتّصف بالوجود فيما مضى من الخلق. «وما هو كائن» أي ما يتّصف بالوجود من المخلوقات في الحال وفي المستقبل «إلى يوم القيامة» وذكر «فيه خبر السماء وخبر الأرض» أي أحوالها «وخبر الجنّة وخبر النار، وخبر ما كان وما هو كائن» أي ذكر أحوال ما كان وما هو كائن. وهذا من التعميم بعد ذكر الخاصّ، فذكر أوّلاً اشتمال الكتاب على المخلوقات وذكرها فيه، ثمّ ذكر اشتماله على أخبارها، وذكر أحوالها مبتدئا بالعمدة الظاهرة منها في الدنيويّات، أعني السماء والأرض، وفي الاُخرويّات، أعني الجنّة والنار، ثمّ [عمّم] (6) بقوله : «وخبر ما كان وما هو كائن» . (7)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عبدالجبّار».
2- . في «ب» و «ج»: - «خبر».
3- . عون المعبود، ج 8 ، ص 300؛ تاج العروس، ج 5 ، ص 328 (ولد).
4- . النحل (16) : 89 .
5- . الأنبياء (21) : 104 .
6- . أضفناه من المصدر.
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 212 _ 213.

ص: 589

. .

ص: 590

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«كِتَابُ اللّه ِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَفَصْلُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ» .

هديّة :لعلّ التعبير في الأوّل بالنبأ وفي الثاني بالخبر؛ للإشارة إلى العمدة فيما مضى؛ أي الأنبياء بقصصهم، وللتفنّن . والمراد بالفصل : فصل الخطاب، بمعنى الخطاب الفاصل، أو المفصول؛ يعني حكم ما بينكم من الاختلافات والاُمور المتشابهة (2) . قال برهان الفضلاء : «كتاب اللّه » مرفوع على الابتداء، أو منصوب على الإغراء، بتقدير : «ألزموا». وجملة فيه على الأوّل خبر، وعلى الثاني استئناف بياني . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فيه نبأ ما قبلكم» الخطاب لهذه الاُمّة وما قبلهم: السابق عليهم من الاُمم وغيرهم، و«ما بعدهم»: [ما] (3) يكون بعد انقراضهم إلى يوم القيامة ، وفصّل ما بينهم الحكم في القضايا الشرعيّة . (4)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: «المتشابهات».
3- . أضفناه من المصدر.
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 213.

ص: 591

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (1) ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ ، عَنْ سَمَاعَةَ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَكُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، أَوْ تَقُولُونَ فِيهِ؟ قَالَ :«بَلْ كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللّه ِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله » .

هديّة :(المغراء) بالفتح والغين المعجمة والمدّ : تأنيث الأمغر بمعنى الأحمر الشعر ، «والمغر» بالفتح طين أحمر . (أو تقولون) يحتمل على الخطاب والغيبة، أي بالآراء والاجتهادات . قال برهان الفضلاء : لكلّ شيء من الحلال والحرام وما يحتاج إليه الناس. «أو تقولون» على الخطاب أو الغيبة؛ يعني من عندكم أو من عندهم . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : يعني أو يقول الناس : إنّ كلّ شيء في كتاب اللّه ، وليس كلّ شيء فيه . (2)

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّد بن خالد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 213.

ص: 592

باب اختلاف الحديث

الباب الثاني والعشرون : بَابُ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ القاساني ، (1) عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي ذَرٍّ شَيْئا مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، وَأَحَادِيثَ عَنْ نَبِيِّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ ، وَرَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ ذلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ ، أَفَتَرَى النَّاسَ يَكْذِبُونَ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُتَعَمِّدِينَ ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ؟ قَالَ : فَأَقْبَلَ عَلَيَّ عليه السلام ، فَقَالَ :«قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ ، إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّا وَبَاطِلاً ، وَصِدْقا وَكَذِبا ، وَنَاسِخا وَمَنْسُوخا ، وَعَامّا وَخَاصّا ، وَمُحْكَما وَمُتَشَابِها ، وَحِفْظا وَوَهَما ، وَقَدْ كُذِبَ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عَلى عَهْدِهِ ، حَتّى قَامَ خَطِيبا ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذَّابَةُ ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ صلى الله عليه و آله ، وَإِنَّمَا أَتَاكُمُ الْحَدِيثُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ : رَجُلٍ مُنَافِقٍ يُظْهِرُ الْاءِيمَانَ ، مُتَصَنِّعٍ بِالْاءِسْلَامِ ، لَا يَتَأَثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَكْذِبَ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُتَعَمِّدا ، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَذَّابٌ ، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا : هذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَرَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ، فَيأَخَذُون (2) عَنْهُ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حَالَهُ؛ وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللّه ُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَهُ ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ ، فَقَالَ تبارك وتعالى وَجَلَّ : «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ ، فَتَقَرَّبُوا إِلى أَئِمَّةِ الضَّلَال (3) وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ، فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ ، وَحَمَلُوهُمْ عَلى رِقَابِ النَّاسِ ، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَا مَنْ عَصَمَ اللّه ُ ، فَهذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ . وَرَجُلٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله شَيْئا لَمْ يَحْمِلهُ (4) عَلى وَجْهِهِ وَوَهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِبا ، فَهُوَ فِي يَدِهِ ، يَقُولُ بِهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَيَرْوِيهِ ، فَيَقُولُ : أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ لَمْ يَقْبَلُوهُ ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهِمَ لَرَفَضَهُ . وَرَجُلٍ ثَالِثٍ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله شَيْئا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَحَفِظَ مَنْسُوخَهُ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ ، فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ _ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ _ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ . وَآخَرَ رَابِعٍ لَمْ يَكْذِبْ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، مُبْغِضٍ لِلْكَذِبِ؛ خَوْفا مِنَ اللّه ِ تَعَالى وَتَعْظِيما لِرَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، لَمْ يَنْسَهُ ، بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلى وَجْهِهِ ، فَجَاءَ بِهِ كَمَا سَمِعَ ، لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ ، وَعَلِمَ النَّاسِخَ والْمَنْسُوخِ (5) ، وَعَمِلَ (6) بِالنَّاسِخِ وَرَفَضَ الْمَنْسُوخَ ، فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِثْلُ الْقُرْآنِ ، نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، وَخَاصٌّ وَعَامٌّ ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ ، قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْكَلامُ لَهُ وَجْهَانِ ، و (7) كَلَامٌ عَامٌّ وَكَلَامٌ خَاصٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ ، وَقَالَ اللّه ُ _ تبارك وتعالى _ فِي كِتَابِهِ : «ماآتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فَيَشْتَبِهُ عَلى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَمْ يَدْرِ مَا عَنَى اللّه ُ بِهِ وَرَسُولُ اللّه (8) صلى الله عليه و آله ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَفْهَمُ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَا يَسْتَفْهِمُهُ ، حَتّى أَنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ وَالطَّارِئُ فَيَسْأَلَ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله حَتّى يَسْمَعُوا . وَقَدْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كُلَّ يَوْمٍ دَخْلَةً وَكُلَّ لَيْلَةٍ دَخْلَةً ، فَيُخْلِينِي فِيهَا ، أَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ ، وَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ ذلِكَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي بَيْتِي يَأْتِينِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أَكْثَرُ ذلِكَ فِي بَيْتِي ، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَنَازِلِهِ ، أَخْلَانِي وَأَقَامَ عَنِّي نِسَاءَهُ ، فَلَا يَبْقى عِنْدَهُ غَيْرِي ، وَإِذَا أَتَانِي لِلْخَلْوَةِ مَعِي فِي مَنْزِلِي ، لَمْ يُقِمْ (9) عَنِّي فَاطِمَةَ وَلَا أَحَدا مِنْ بَنِيَّ ، وَكُنْتُ إِذَا سَأَلْتُهُ أَجَابَنِي ، وَإِذَا سَكَتُّ عَنْهُ وَفَنِيَتْ مَسَائِلِي ابْتَدَأَنِي ، فَمَا نَزَلَتْ عَلى رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَا أَقْرَأَنِيهَا ، وَأَمْلَاهَا عَلَيَّ ، فَكَتَبْتُهَا بِخَطِّي ، وَعَلَّمَنِي تَأْوِيلَهَا وَتَفْسِيرَهَا ، وَنَاسِخَهَا وَمَنْسُوخَهَا ، وَمُحْكَمَهَا وَمُتَشَابِهَهَا ، وَخَاصَّهَا وَعَامَّهَا ، وَدَعَا اللّه َ أَنْ يُعْطِيَنِي فَهْمَهَا وَحِفْظَهَا ، فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّه ِ تعالى وَلا عِلْما أَمْلَاهُ عَلَيَّ وَكَتَبْتُهُ مُنْذُ دَعَا اللّه َ لِي بِمَا دَعَا ، وَمَا تَرَكَ شَيْئا عَلَّمَهُ اللّه ُ مِنْ حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ ، وَلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ ، كَانَ أَوْ يَكُونُ ، وَلَا كِتَابٍ مُنْزَلٍ عَلى أَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ إِلَا عَلَّمَنِيهِ وَحَفِظْتُهُ ، فَلَمْ أَنْسَ حَرْفا وَاحِدا ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدْرِي ، وَدَعَا اللّه َ لِي أَنْ يَمْلَأَ قَلْبِي عِلْما وَفَهْما وَحُكْما وَنُورا . فَقُلْتُ : يَا رَسُول اللّه ِ (10) ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، مُنْذُ دَعَوْتَ اللّه َ لِي بِمَا دَعَوْتَ لَمْ أَنْسَ شَيْئا ، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْءٌ لَمْ أَكْتُبْهُ ، أَفَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ فِيمَا بَعْدُ؟ فَقَالَ : لَا ، لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ النِّسْيَانَ وَالْجَهْلَ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا : «عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني».
2- . في الكافي المطبوع : «وأخذوا».
3- . في الكافي المطبوع : «الضلالة».
4- . في الكافي المطبوع : «لم يحفظه».
5- . في الكافي المطبوع : «من المنسوخ».
6- . في الكافي المطبوع : «فعمل».
7- . في الكافي المطبوع : «كلام» بدون «و».
8- . في الكافي المطبوع : «رسوله».
9- . في «ب» و «ج»: «تقم».
10- . في الكافي المطبوع : «نبيّ اللّه ».

ص: 593

. .

ص: 594

هديّة :(وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل) يعني وتدّعون، أو تقولون : إنّ ما في أيدي الناس من الأشياء الكثيرة التي أنتم تخالفونهم فيها ، والحقّ هنا الذي عند الإمام الحقّ مسموعا مشافهةً من النبيّ صلى الله عليه و آله كحديث أمير المؤمنين والسبطين عليهم السلام ، والصدق الذي عند شيعته كذلك، كحديث سلمان وأبي ذرّ والمقداد رضي اللّه عنهم . ول «المحكم» إطلاقان : الخطاب الدالّ على معنى لا يحتمل غيره ، والذي لم ينسخ . والمراد هنا الأوّل . و«الحفظ» المحفوظ على وجهه معنىً، و«الوهم» بخلافه، فغير المحفوظ لفظا فقط من الأوّل . و«الكذّابة» بالتشديد : جمع الكذّاب، كالسيّارة للقافلة، أي السائرين، والنظّارة للناظرين. واحتمال بعض المعاصرين كسر الكاف والتخفيف ككتابة على المصدر، حيث قال : ويحتمل كسر الكاف وتخفيف المعجمة على المصدر، ومنه قولهم : المرء قد ينفعه كذابه ، وبمعنى المكذوب كالكتاب بمعنى المكتوب ، والتاء للتأنيث. (1) ليس بشيء، والمصدر : «كذاب» بدون التاء. وكذّاب بالتشديد بمعنى الكذب . وقد روى العتائقي (2) في شرحه لنهج البلاغة في بيان السبب لقيامه صلى الله عليه و آله لهذه الخطبة : أنّ رجلاً سرق رداء النبيّ صلى الله عليه و آله وخرج إلى قوم فقال : هذا رداء محمّد صلى الله عليه و آله أعطانيه لتمكّنوني من تلك المرأة، فاستنكروا ذلك فبعثوا من سأله عنه، فقام فشرب ماء فلدغته (3) الحيّة فمات، فلمّا سمع النبيّ صلى الله عليه و آله ذلك قال لعليّ عليه السلام : «انطلق فإن وجدته وقد كفيت فأحرقه بالنار» فجاء وأمر بإحراقه. (4) (فليتبوّأ مقعده من النار) أي فليستقرّ في مقرّه من النار. بوّأته منزلاً وفيه : أنزلته فيه فتبوّأ. (وإنّما أتاكم الحديث من أربعة) يعني الحديث المنسوب إلى النبيّ صلى الله عليه و آله بأنّه سمع منه مشافهة . و«التصنّع» : التكلّف، والمتصنّع : المرائي. (لا يتأثّم ولا يتحرّج) أي لا يندم من الإثم ولا يضيق صدره من ذلك، القاموس: الإثم : الذنب. وتأثّم : تاب منه. (5) وتحرّج، أي تسأّم وضاق صدره . وقيل : أي لا يعتقد الإثم إثما. (قد صحب) كعلم والآية في سورة المنافقين . (6) (ثمّ بقوا) من باب رضي، ومن باب رمى لغة طيّ . في بعض النسخ (فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة) بالتاء. (وإنّما الناس مع الملوك والدنيا) أي الدنيا الحرام وأربابها (إلّا من عصم اللّه ). روى العتائقي عن المدائني في شرحه على نهج البلاغة أنّه قال في كتاب الأحداث : إنّ معاوية لعنه اللّه كتب إلى عمّاله أن أدعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ولا تزكّوا (7) خبرا يرويه أحدٌ في أبي تراب وآله، وأتوني بمناقص (8) له في الصحابة ، فَرُوِيَت أخبار كثيرة مفتعلة لا حقيقة لها حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر . (9) وروى ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، أنّ معاوية لعنه اللّه أعطى صحابيّا مالاً كثيرا ليضع حديثا في ذمّ عليّ عليه السلام ويحدّث به على المنبر ففعل . (10) وروى عن ابن عرفة المعروف بنفطويه أنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني اُميّة؛ تقرّبا إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون بها أنف بني هاشم. (11) (ووهم فيه) كوعد. (أنّه وَهْم) على المصدر، أي غلط ، واحتمال «أنّه وَهَم» كوعد يحتاج إلى الإضمار أو الحذف والإيصال في (لم يقبلوه). و«الرجل الرابع» : إمّا الإمام، أو ثقة من الرعيّة. ولابدّ لثبوت القطع بالصحّة من الرجوع إلى قول الحجّة المعصوم في المواضع كلّها ؛ لعدم كفاية الظنّ الحاصل بالثقة إلّا بالاستناد إلى أصل من المعصوم مشافهيّ أو مضبوط عنه على ما أمر وعيّن، وعدمِ علم غيره _ وإن كان ثقةً _ بجميع الناسخ والمنسوخ، وضبطه الأخبار على وجهها كما ينبغي ، فالعالم بالناسخ والمنسوخ _ مثلاً _ من الرعيّة، سواء كان في زمان ظهور الإمام أو غيبته، لا يكون علمه بذلك إلّا بمقدار ممتاز عن أقدار علوم غيره بمزيدِ الأوصاف المعتبرة المعهودة في الفقيه العدل الإمامي المرخّص له في العمل عند التشابه وعدم إمكان الوصول إلى الإمام ولزوم الحرج المنفيّ لو توقّف بالمعالجات المضبوطة المعهودة عن الأئمّة عليهم السلام كما ذكر في الخطبة، وسيذكر في الباب الآخر إن شاء اللّه تعالى . «استفهمني» الشيء فأفهمته وفهّمته تفهيما ، فمعنى (ولا يستفهمه) فلا يفهم الجواب فلا يستفهمه (12) ثانيا؛ للأدب، أو الإجلال والمهابة في بعض الأحيان. (حتّى إن كانوا ليحبّون) على التخفيف عن التثقيل بحذف ضمير الشأن. و(الطارئ) الذي يأتي من مكان بعيد، والمرء الغريب. و«الدّخلة» بالفتح للمرّة، وبالكسر للنوع، كما لأخذ العلم . (فيخلّيني فيها) من الإخلاء. أخلاه : أدخله الخلوة، أو من التخلية. يُقال : خلّيت سبيله؛ أي فيخلّي سبيل مساءلتي ومكالمتي في الخلوة. (أكثر ذلك) أي أكثر صلى الله عليه و آله ذلك الإحسان إليّ في بيتي. (وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله) بمنزلة الدليل لذلك الإكثار الميسّر بقلّة المانع من الخلوة، وبيان لوجه آخر، بل لوجوه اُخر لمنزلته عليه السلام منه صلى الله عليه و آله . و«الحكم» بالضمّ : الحكمة، أو الإمامة . ونبّه عليه السلام بإظهار نَبْذٍ من منزلته تلك المنزلة، واختصاصه ذلك الاختصاص على وجوب أن لا يراجع الناس في اُمور دينهم إلّا إليه، ومن هو مثله في العصمة وسائر خصائص الإمامة من أولاده صلوات اللّه وسلامه عليه وآله . وآية «مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ» (13) في سورة الحشر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «باب اختلاف الحديث» يعني بيان سبب المنافاة بين أحاديث المعصومين عليهم السلام ومعدنها واحد . والعطف في «وصدقا» إلى آخره من عطف المفصّل على المجمل . والمقصود تقسيم الباطل إلى خمسة أقسام؛ فالحقّ ليس داخلاً في قسم منها . والمراد ب «العام» فيها (14) : المطلق، كتحرير الرقبة في كفّارة الظهار في سورة المجادلة . (15) وب «الخاصّ» : المقيّد، كتحرير الرقبة المؤمنة في كفّارة قتل الخطأ في سورة النساء (16) . وهذا إشارة إلى بطلان مذهب جماعة من الاُصوليّين لحملهم في أمثال ذلك _ سواء كان في القرآن أو في الحديث _ حمل المطلق على المقيّد باعتبار اللّغة والعرف، أو باعتبار القياس كما ذكر . وبيّن الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتاب العدّة في فصل ذكر الكلام في المطلق والمقيّد من أنّ المطلق نوع من العامّ والمقيّد نوع من الخاصّ، وبعض كلامه هذا : وقد يكون التخصّص بأن يعلم أنّ اللّفظ يتناول جنسا من غير اعتبار صفة ويخصّ بعد ذلك بذكر صفة من صفاته نحو قول القائل : «تصدّق بالوِرِق إذا كان صحاحا» فيستثنى منه ما ليس بصحاح. وإن كان اللّفظ الأوّل لم يتناول ذلك على التفصيل وقد علم أنّ الرقبة إذا ذكر منكّرة لم يختصّ عينا دون عين فصحّ تخصيص الكافرة منها، وتخصيص ذلك قد يكون بأن يقترن إلى الرقبة صفة يقتضي إخراج الكافرة، وقد يكون باستثناء الكافرة فلا فصل بين قوله عزّ وجلّ : «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» وبين قوله : إلّا أن تكون كافرة ، وهذا بيّن . (17) انتهى كلام الشيخ . فعلى هذا كلّ حديث منقول من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في نظير كفّارة الظهار يكون عامّا فهو داخل في الحقّ، وإن كان خاصّا فهو داخل في الباطل، ومن قبيل النقل بالمعنى وهما ، والمراد ب «المحكم» : نقل معنى الحديث النبويّ الصريح الدلالة وغير المنسوخ، سواء كان ذلك الحديث تفسيرا لآيةٍ أو لا ، فذلك النقل مطابق للمنقول وداخل في الحقّ . والمراد ب «المتشابه» : نقل معنى الحديث النبويّ غير صريح الدلالة وغير مطابق للمنقول، فداخل في الباطل . والمراد ب «الحفظ» حفظ لفظ الحديث النبويّ في الخاطر. وب «الوهم» : نسيان ذلك اللفظ، أو عدم سماع بعضه. ولدخول الثلاثة الأخيرة من أقسام الباطل في الغلط بعضها لفظا وبعضها معنى ، يجوز عدّها قسما واحدا ، كما أنّ بناء ليس لهم في الفقرة الآتية عليه . و«الكذّابة» بالفتح والتشديد : جمع «الكذّاب» على صيغة المبالغة . «رجل منافق» إلى قوله : «هذا أحد الأربعة» بيان للقسم الأوّل من الباطل المذكور في «صدقا وكذبا ». «متصنّع» خبر مبتدأ محذوف؛ أي هو متصنّع . والجملة حال من المستتر في «يظهر» أو نعت آخر ل «الرجل». ويمكن أن يكون «متصنّع» نعت آخر ل «الرجل» إلاّ أنّ الأكثر في مثله تقديم المفرد على الجملة. و«الباء» في «بالإسلام» للآلة. و«الزّور» متعلّق ب «تقرّبوا» أو ب «الدعاة». و«الزور» : الكذب الذي يكون بمجرّد اللسان، والقوة، والشرك. وبفتحتين : إعوجاج السليقة. والكلّ هنا مناسب . و«الإقراء» : التدريس. و«الإملاء» : القراءة ليكتب المقروء. انتهى ما نقلنا من شرح برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى، وغاية ما في تفسيره المحكم والمتشابه _ بما عرفت ممّا حكيناه _ الاحتياج في زمن الغيبة لمكان التشابه والاختلاف في غير ما هو الحقّ _ على بيانه _ إلى المعالجات المعهودة المضبوطة بتواتر الكتب المضبوطة عن أصحابنا الأخباريّين _ رضوان اللّه عليهم _ عن الحجج المعصومين عليهم السلام كالمعالجة عند الاشتباه في الرَقَبة _ مثلاً _ بالإطلاق في موضع والتقييد في آخر بالعمل بما هو خلاف ما عليه العامّة، والرشد فيه (18) ، لا إلى حمل المطلق على المقيّد مع التغاير بين المقامين ليلزم العمل بالظنّ الحاصل من القياس وغيره من الاُصول الغير الداخلة في المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فأقبل عليّ» أي فتوجّه إليّ. «إنّ في أيدي الناس» شروع في الجواب. «حقّا وباطلاً» أي من حيث الاعتقاد والرأي. «وصدقا وكذبا» أي من حيث الرواية والنقل. «وحفظا ووهما» أي محفوظا عند الراوي، متيقّنا له أنّه سمعه على ما ينقله، وموهوما له غير متيقّن الانحفاظ، فينقله على ما يتوهّمه أنّه سمعه، سواء وافق الحقّ رجما بالغيب، أو لا . و«الكذّابة» _ كالكتابة _ مصدر، أي كثير الكذب عليَّ . ويحتمل أن يكون على صيغة المبالغة. «فمن كذب عليَّ متعمّدا» أي لا عن وهم. «وإنّما أتاكم الحديث من أربعة» وجه الضبط: أنّ الراوي الذي يؤخذ عنه الحديث ويعتمد على روايته إمّا كاذب، أو صادق، والكاذب الذي يعتمد عليه إمّا ظاهر الصلاح، متصنّع بالإسلام، غير متحرّج من الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله _ وقد أخبر سبحانه بوجودهم في عصره صلى الله عليه و آله ووصفهم بما وصفهم، ثمّ بقوا بعده _ وإمّا متحرّج عن الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله عمدا، ولكن يتوهّم ويغلط؛ حيث لم يحفظ الحديث على وجهه، فيكذب عليه من حيث لا يدري . والصادق إمّا غير عالم بالناسخ والمنسوخ فيحدّث بالمنسوخ ويقول به، أو عالم بالناسخ والمنسوخ حافظ للحديث على وجهه فلا يحدّث إلّا بالناسخ، أو بالمنسوخ على أنّه منسوخ متروك القول والعمل به بعد أن حفظه على وجهه الذي حدّث به رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأراد به العموم والخصوص، والوجه المراد من الكلام الذي له وجهان. «فإنّ أمر النبيّ صلى الله عليه و آله » بيان لوجود القسم الثاني والثالث بتحقّق الناسخ والمنسوخ في الأحاديث النبويّة، فيقع نقل المنسوخ والقول به لغير العالم بالناسخ، وتحقّق العامّ والخاصّ ، والكلام له وجهان فيها فيقع الاشتباه، وينقل العام على عمومه، ويقال به ويتوهّم، فيُحمل ما له الوجهان على غير المراد فيحدّث عنه صلى الله عليه و آله بما فهمه. ولمّا انتهى كلامه صلى الله عليه و آله إلى أنّ الأحاديث كالقرآن في الاشتمال على الناسخ والمنسوخ والعامّ والخاصّ والكلام ذي الوجهين، عمّم البيان بعده بما يشملهما، فبيّن أنّ ما جاز وقوعه في الحديث جاز وقوعه في القرآن، وأبان أنّ المرجع في بيان الكتاب والمبيّن له رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله : «مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (19) . ثمّ بيّن أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أودع بيان ما يحتاج إلى البيان من الكتاب عند أهل بيته عليهم السلام بقوله : «فما نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه و آله آية من القرآن» إلى آخره، فكلّ ما يحتاج إليه الناس محفوظ عندهم عليهم السلام فلا يسع الناسَ تركُ الأخذ عنهم والاستبداد بآرائهم في الأخذ عن الكتاب ، بل عليهم أن يراجعوا أهل البيت عليهم السلام فيما فيه احتمال تخصيص، أو إرادة وجه دون وجه، أو وقوع نسخ ، فبعد المراجعة إليهم إذا علم عدم تخصيص يفسّر العام على عمومه. وإذا علم عدم إرادة وجه آخر، يحمل على هذا الوجه . وإذا علم عدم وقوع نسخ عمل به وعدّ محكما . وأمّا صنيع الجماهير من ترك المراجعة إليهم والاستبداد بآرائهم والاعتماد على ظنونهم وقياساتهم، ففيه من الاستهانة بأمر الدِّين ما لا ينبغي للمتديّن، وخصوصا بعد الاطّلاع على قوله صلى الله عليه و آله : «يا أيّها الناس، إنّي تركت فيكم من إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي » (20) . (21)

.


1- . الوافي، ج 1، ص 279 .
2- . في الكنى والألقاب، ج 1، ص 354 : «كمال الدين عبدالرحمن بن محمّد بن إبراهيم بن العتائقي الحلّي الإمامي الشيخ العالم الفاضل المحقّق الفقيه المتبحّر، كان من علماء المائة الثامنة معاصرا للشيخ الشهيد وبعض تلامذة العلّامة رحمهم اللّه . له مصنّفات كثيرة في العلوم، رأيت جملة منها في الخزانة المباركة الغرويّة، ولعلّ بعضها كانت بخطّه. وله شرح على نهج البلاغة...».
3- . في «ب» و «ج»: «فلذعته».
4- . شرح العتائقي على نهج البلاغة، مخطوط. وروى القصّة أيضا في شرح ابن ميثم، ج 4، ص 21؛ ومنهاج البراعة، ج 14، ص 29 .
5- . القاموس المحيط، ج 4، ص 72 (أثم).
6- . المنافقون (63) : 4.
7- . في المصدر : «ولا تتركوا».
8- . في المصدر : «بمناقض».
9- . رواه عن كتاب الأحداث أيضا في شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 46 .
10- . راجع : شرح ابن أبي الحديد، ج 4، ص 63 .
11- . شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 45 .
12- . في «ب» و «ج»: - «فلا يفهم الجواب فلا يستفهمه».
13- . الحشر (59) : 7 .
14- . في «ب» و «ج»: «هنا».
15- . المجادلة (58) : 3.
16- . النساء (4) : 92.
17- . عدة الاُصول، ج 1، ص 334 و 335.
18- . ناظر إلى قوله عليه السلام في الحديث العاشر من هذا الباب : «ما خالف العامّة ففيه الرشّاد».
19- . الحشر (59) : 7 .
20- . راجع : الكافي، ج 2، ص 414، باب ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا؛ بحارالأنوار، ج 23، ص 104، باب فضائل أهل البيت عليهم السلام ؛ صحيح مسلم، ج 4، ص 1873، ح 2408؛ مسند أحمد، ج 3، ص 14، ح 11119، و ص 17، ح 11147؛ المستدرك للحاكم، ج 3، ص 160، ح 4711.
21- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 213 _ 217.

ص: 595

. .

ص: 596

. .

ص: 597

. .

ص: 598

. .

ص: 599

. .

ص: 600

. .

ص: 601

. .

ص: 602

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ ، عَنْ عُثْمَانَ ، عَنْ الْخَرَّازِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْوُونَ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَنْ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَا يُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ ، فَيَجِيءُ مِنْكُمْ خِلَافُهُ؟ قَالَ :«إِنَّ الْحَدِيثَ يُنْسَخُ كَمَا يُنْسَخُ الْقُرْآنُ» .

هديّة :حال هؤلاء الأقوام شأن الرجل الثالث في السابق . قال برهان الفضلاء : «عن فلان وفلان» كناية عن عدد التواتر لا يتّهمون (2) بالكذب، على ما لم يسمّ فاعله؛ أي لوصول حديثهم إلى حدّ التواتر .

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ التميمي (3) ، عَنْ عاصم بن حميد ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : مَا بَالِي أَسْأَلُكَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ ، فَتُجِيبُنِي فِيهَا بِالْجَوَابِ ، ثُمَّ يَجِيئُكَ غَيْرِي ، فَتُجِيبُهُ فِيهَا بِجَوَابٍ آخَرَ؟ فَقَالَ :«إِنَّا نُجِيبُ النَّاسَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله صَدَقُوا عَلى مُحَمَّدٍ أَمْ كَذَبُوا؟ قَالَ : «بَلْ صَدَقُوا» . قَالَ : قُلْتُ : فَمَا بَالُهُمُ اخْتَلَفُوا؟ فَقَالَ : «أَمَا تَعْلَمُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَيَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ ، فَيُجِيبُهُ فِيهَا بِالْجَوَابِ ، ثُمَّ يُجِيبُهُ بَعْدَ ذلِكَ ما يَنْسَخُ (4) ذلِكَ الْجَوَابَ ، فَنَسَخَتِ الْأَحَادِيثُ بَعْضُهَا بَعْضا» .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخزّار».
2- . في «ب» و «ج»: «يتّهم».
3- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران».
4- . في الكافي المطبوع : «بما ينسخ».

ص: 603

هديّة :(على الزيادة والنقصان) أي زيادة رواج الدِّين ونقصان رواجه؛ ففي الأوّل حقيقة، وفي الثاني تقيّة ومصلحة. أو الزيادة والنقصان كناية عن الاختلاف للتقيّة والمصلحة. ولا يأبى حمل العبارة على القول عن إرادة المعنيين . (قال : بل صدقوا) تقيّة ، أو المراد أصحابه من الناجية. في بعض النسخ : «ثم يجيئه من اللّه تعالى» بزيادة «من اللّه تعالى» قبل «بعد ذلك ». وفي بعض آخر : «ثمّ يجيبه بعد ذلك بما ينسخ» بالمضارع المعلوم، من الإجابة بمعنى الجواب، وزيادة المفردة الداخلة على الموصول . قال برهان الفضلاء : «على الزيادة والنقصان» يعني إنّا أهل البيت نجيب على التقيّة، فنزيد في حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله وننقص، ولم يكن رسول اللّه يفعل ذلك لعدم التقيّة عليه صلى الله عليه و آله ، فلم يزد قطّ ولم ينقص في كلامه سبحانه. «فأخبرني عن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله » يعني (1) الذين وصل عددهم إلى حدّ التواتر. «فما بالهم اختلفوا» يعني قلت : لمّا ليس على النبيّ صلى الله عليه و آله تقيّة وعدد الرواة من الطرفين على حدّ التواتر. «ثمّ يجيئه» أي من عند اللّه تعالى «بعد ذلك» بجواب آخر «ينسخ ذلك الجواب ». وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قال : بل صدقوا» لمّا كان الظاهر أنّ السؤال عن غير المنافقين فيما لا يجري فيه الاشتباه الناشئ عن العموم والخصوص، أو كون الكلام ذا وجهين ، أجاب عليه السلام بأنّهم صدقوا ، وأسند الاختلاف إلى الناسخيّة والمنسوخيّة (2) .

.


1- . في «الف»: - «يعني».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 218.

ص: 604

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَهْلِ ، عَنِ السرّاد ، عَنْ ابْنِ رِئَابٍ ، عَنْ الحذّاء (1) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ لِي :«يَا زِيَادُ ، مَا تَقُولُ لَوْ أَفْتَيْنَارَجُلاً مِمَّنْ يَتَوَلَانَا بِشَيْءٍ مِنَ التَّقِيَّةِ؟» قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَنْتَ أَعْلَمُ جُعِلْتُ فِدَاكَ ، قَالَ : «إِنْ أَخَذَ بِهِ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَعْظَمُ أَجْرا» .

هديّة :يعني أنّ المؤمن الآخذ بقول الإمام في زمن التقيّة مع علمه بأنّه أفتاه على التقيّة أعظم أجرا من المؤمن العامل الغير العالم بأنّ ما أفتاه الإمام إنّما هو على التقيّة؛ فإنّ الأطوع أطوع . وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني أنّ المؤمنين في زمن التقيّة أعظم أجرا من مؤمني زمن النبيّ صلى الله عليه و آله ولا تقيّة فيه، ووسوسة الشيطان في زمن التقيّة أكثر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بشيء من التقيّة» أي ممّا يتّقى به من العامّة . والمراد أنّه ما تقول؟ هل يثاب ويؤجر عليه ويبرأ ذمّته من المكلّف به ؟ فقال زياد : «أنت أعلم» فقال عليه السلام : «إن أخذ به فهو خيرٌ له وأعظم أجرا» أي من العمل بالمكلّف به على وجهه عند عدم التقيّة، أو عند التقيّة إن قلنا بصحّته حينئذٍ (2) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 219.

ص: 605

الحديث الخامسروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«إِنْ أَخَذَ بِهِ أُوجِرَ؛ وَإِنْ تَرَكَهُ وَاللّه ِ أَثِمَ» .

هديّة :(أُوجر) على ما لم يسمّ فاعله؛ أي اُعطي الأجر للطاعة وإن تركه. (واللّه أثم) لترك الطاعة . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني وفي رواية اُخرى آخر الحديث هكذا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «اُوجر» أي على فعل ما فيه التقيّة أجر العمل بالمأمور به على وجهه، وأجر ارتكابه التقيّة. «وإن تركه واللّه أثم (1) » على ترك التقيّة ، أو عليه وعلى الإتيان بخلافه، ثمّ بترك الواجب (2) إن قلنا بعدم صحّة المأتيّ به على وجهه حينئذٍ (3) .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَنِي ، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَأَجَابَهُ بِخِلَافِ مَا أَجَابَنِي ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ (4) آخَرُ ، فَأَجَابَهُ بِخِلَافِ مَا أَجَابَنِي وَأَجَابَ صَاحِبِي . فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ ، قُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه ِ ، رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ شِيعَتِكُمْ قَدِمَا يَسْأَلَانِ ، فَأَجَبْتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مَا أَجَبْتَ بِهِ صَاحِبَهُ؟ فَقَالَ :«يَا زُرَارَةُ ، إِنَّ هذَا خَيْرٌ لَنَا ، وَأَبْقى لَنَا وَلَكُمْ ، وَلَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلى أَمْرٍ وَاحِدٍ ، لَصَدَّقَكُمُ النَّاسُ عَلَيْنَا ، وَلَكَانَ أَقَلَّ لِبَقَائِنَا وَلبقَائِكُمْ» (5) . قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : شِيعَتُكُمْ لَوْ حَمَلْتُمُوهُمْ عَلَى الْأَسِنَّةِ أَوْ عَلَى النَّارِ لَمَضَوْا ، وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِكُمْ مُخْتَلِفِينَ؟ قَالَ : فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ .

.


1- . في «ب» و «ج»: + «أي».
2- . في المصدر : «إثم ترك الواجب».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 219.
4- . في «ب» و «ج»: - «رجل».
5- . في الكافي المطبوع : «وبقائكم».

ص: 606

هديّة :وجه التعبير عن السائل الثاني ب «صاحبي» ظاهر. (لصدّقكم الناس علينا) يعني لصدّق الناسُ ظنّهم فيكم بالتشيّع، وذلك يضرّنا في زمن التقيّة. يُقال : صدّق فلان فلانا القول له أو عليه . وضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «لصدفكم» بالفاء مكان القاف ، قال : يعني لمنعكم الناس من مجالسهم فتلجؤون إلى اجتماعكم على بابنا، وهو في زمن التقيّة يضرّنا ويضرّكم . وقال السيّد الأجلّ النائيني : «لصدّقكم الناس علينا» أي لحكموا (1) بصدقكم علينا، فحكموا بموالاتكم لنا. «ولكان» أي ولكان حكمهم بصدقكم علينا وموالاتكم لنا لا يبقينا ولا يبقيكم (2) .

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى (3) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ نَصْرٍ الْخَثْعَمِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَنْ عَرَفَ أَنَّا لَا نَقُولُ إِلَا حَقّا ، فَلْيَكْتَفِ بِمَا يَعْلَمُ مِنَّا ، فَإِنْ سَمِعَ مِنَّا خِلَافَ مَا يَعْلَمُ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ ذلِكَ دِفَاعٌ مِنَّا عَنْهُ» .

هديّة :يعني من عرف أنّا أهل البيت قوم معصومون عاقلون عن اللّه مأمورون في كلّ أمر، وفي كلّ أمر للّه سبحانه حِكَمٌ شتّى. «والدفاع» : مصدر باب المفاعلة للمبالغة. دفع عنه، ودافع عنه دفاعا بمعنىً . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «من عرف أنّا لا نقول» يعني سواء كان ما نقول موافقا للمعلوم منّا أهل البيت أو مخالفا تقيّة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «فليكتف بما يعلم منّا» أي بما يعلمه صادرا عنّا من الأقوال والأفعال، ولا يتفتّش عن مستنده ومأخذه. «فإن سمع منّا خلاف ما يعلم» أي خلاف ما علم صدوره عنّا «فليعلم أنّ ذلك» أي قولنا بخلاف ما يعلمه دفاعٌ منّا عنه (4) .

.


1- . في «ب» و «ج» : «لحملوا».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 219 _ 220.
3- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 220.

ص: 607

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُثْمَانَ ، والسرّاد جَمِيعا ، عَنْ سَمَاعَةَ (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فِي أَمْرٍ كِلَاهُمَا يَرْوِيهِ ، أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِأَخْذِهِ ، وَالْاخَرُ يَنْهَاهُ عَنْهُ ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ :«يُرْجِئُهُ حَتّى يَلْقى مَنْ يُخْبِرُهُ ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ حَتّى يَلْقَاهُ» .

هديّة :(يرجئه) على المعلوم من الإفعال، أي يؤخّر ذلك الأمر ويتوقّف حتّى يلقى الإمام، أو من سمع من الإمام وكان مزكّى، وذلك إن أمكن التوقّف بحيث لا يلزم منه حرج في الدِّين، وإلّا فيعمل بقول الفقيه العدل الإمامي الممتاز علما وفضلاً، الحاذق في طبّ المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام لعلل الاختلاف وأمراض الاشتباه، كما ذكر في شرح الخطبة، ويذكر أيضا إن شاء اللّه تعالى . ويمكن أن يكون : «يخبره» من التخبير للمبالغة في التعليم والتفهيم، كما ضبط برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى ، وقال : «كيف يصنع؟» يعني هل يجوز له أن يرجّح إحدى الروايتين بظنّه؟ «قال : يرجئه» أي يؤخّر الترجيح بالظنّ حتّى يلقى من يخبره ويعلّمه ما هو الموافق للواقع. والغرض أنّ الترجيح بالظنّ كما هو شعار فقهاء العامّة لا يجوز . ثمّ قال : ولا يخفى أنّ كونه في سعة إنّما هو في باب العبادات لا في ما فيه الخصومة والحكومة مثل الميراث والقرض كما سيجيء في الحديث الثاني عشر من هذا الباب . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : قال : «يرجئه حتّى يلقى من يخبره» تصريح في أنّه يجب التأخير والتوقّف حتّى يلقى من يتعلّم منه، فيجوز له التأخير في العمل حتّى يلقاه من يخبره . (2) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «كيف يصنع؟» أي في هذه الصورة، وبِمَ يقول ويفتي فيها؟ أو بِمَ يعمل ؟ والأخير أظهر، حيث لم يبيّن وجوه الترجيح، فيحمل على المقلّد لا على المفتي . «يرجئه» أي يؤخّر العمل والأخذ بأحدهما، أو يؤخّر في الترجيح والفُتيا . وقوله : «حتّى يلقى من يخبره» أي من أهل القول والفُتيا، فيعمل حينئذٍ بفُتياه، أو من أهل الرواية، فيخبره بما يرجّح إحدى الروايتين على الاُخرى، فيقول ويفتي بالرّاجح . ويحتمل أن يكون المراد بمن يخبره الحجّة، وذلك في زمان ظهور الحجّة. «فهو في سعة حتّى يلقاه» أي في سعة في العمل حتّى يلقى من يعمل بقوله، أو من يروي ما يرجّح إحدى الروايتين فيفتي بالراجح (3) .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعا، عن سماعة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 98 .
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 220 _ 221.

ص: 608

الحديث التاسعروى في الكافي وقال : وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى :«بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَكَ» .

هديّة :أي بأيّ الخبرين أخذت على تسليمك إيّاه أنّه أمر الحجّة المعصوم أو نهيه وسعك العمل بموجبه، وتُصيب وتُثاب، وذلك إذا لم يمكن التوقّف للزوم الحرج المنفيّ . فظهر أنّ وجه الحكم على التخيير _ مع أنّ حكم اللّه سبحانه واحد في كلّ قضيّة _ أنّ مع الجهل بالحكم الواقعي يسقط وجوب الأخذ به للاضطرار ، فالحكم في مثله اضطراري كالحكم عند التقيّة والعمل بموجبه . وقد يخصّص التوقّف في الرواية الاُولى بما يتعلّق بالمعارف والعقائد، والتخيير في الثانية بما يتعلّق بالطاعات والأعمال . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني وفي رواية اُخرى عن صاحب الزمان عليه السلام بتوسّط سفير من السفراء في جواب مثل ذلك السؤال هكذا : «ورد من باب التسليم» أي من باب قبول قول الإمام المفترض الطاعة لا من باب الترجيح بالظنّ، جاز لك ولا بأس . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «التسليم» : الرّضاء أو الانقياد؛ أي بأيّهما أخذت رضا بما ورد من الاختلاف وقبولاً له، أو انقيادا للمرويّ عنه من الحجج، لا من حيث الظنّ بكون أحدهما حكم اللّه ، أو كونه بخصوصه متعيّنا للعمل، وسعك وجاز لك (1) .

.


1- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 221.

ص: 609

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُثْمَانَ (1) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«أَرَأَيْتَكَ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ الْعَامَ ، ثُمَّ جِئْتَنِي مِنْ قَابِلٍ فَحَدَّثْتُكَ بِخِلَافِهِ ، بِأَيِّهِمَا كُنْتَ تَأْخُذُ؟» قَالَ : قُلْتُ : كُنْتُ آخُذُ بِالأَْخِيرِ ، فَقَالَ لِي : «رَحِمَكَ اللّه ُ» .

هديّة :وذلك؛ لأنّ الأخير إمّا حقيقة أو مصلحة . قال برهان الفضلاء : يظهر بيانه ممّا مرّ في السابع من هذا الباب ، وسيجيء مضمونه في السابع من الباب السابع والتسعين، باب التقيّة في كتاب الإيمان والكفر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «أرأيتك» أي أخبرني عنك لو حدّثتك بحديثين مختلفين متقدّما ومتأخّرا بأيّهما تأخذ؟ فقال : «كنت آخذ بالأخير » فاسترحم عليه السلام له (2) تصديقا له؛ وذلك لحدوث سبب التغيّر من الأوّل إلى الثاني وعدم العلم بزواله (3) .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى».
2- . في «ب» و «ج»: - «له».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 221.

ص: 610

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ مَرَّارٍ (1) ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِيعَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : إِذَا جَاءَ حَدِيثٌ عَنْ أَوَّلِكُمْ وَحَدِيثٌ عَنْ آخِرِكُمْ ، بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ؟ فَقَالَ :«خُذُوا بِهِ حَتّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ ، فَخُذُوا بِقَوْلِهِ» . قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : «إِنَّا وَاللّه ِ لَا نُدْخِلُكُمْ إِلَا فِيمَا يَسَعُكُمْ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : «خُذُوا بِالْأَحْدَثِ» .

هديّة :(خذوا به) أي بما جاء عن الأوّل فالأوّل. (حتّى يبلغكم) عن إمام زمانكم. واحتمال أن يكون ضمير«به» للأخير كما ترى ، ولو آل المعنى إلى المعنى. و«الحديث» : نقيض القديم. يعنى خذوا بالأخير؛ لما مرّ من وجهه. وأفعل التفضيل من الحديث : الأحدَث، كالجديد والأجدّ . وبالفارسية : تازه تر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني إذا جاء حديث عن أوّلكم كعليّ بن الحسين عليهماالسلامهنا، وحديث عن آخركم كالباقر عليه السلام بأيّهما نأخذ؟ فقال : «خذوا به»؛ أي بالأخير . والمراد ب «الحيّ» نفسه عليه السلام . «فيما يسعكم» يعني فيما يكون سعتكم وخيركم فيه . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «خذوا بالأحدث » يجيء هذا الحديث في باب التقيّة ، وفيه تصريح بأنّ العلّة في ذلك كون الأحدث موافقا لزمان الحال من شدّة التقيّة في المسألة ومن خفّتها ، فالأحدث قد يكون خلاف الواقع وقد يكون موافق الواقع ، وقد غفل عن هذا المعنى الشيخ الطوسي رحمه الله، فزعم أنّ العلّة في العمل بالأحدث كونه موافقا للواقع ، وقد صرّح بهذا الزعم في باب الأحاديث الواردة في نجاسة الخمر (2) . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّا _ واللّه _ لا ندخلكم إلّا فيما يسعكم» أي يجوز لكم القول أو العمل به تقيّة أو إلزاما في المأمور به على نحو الإطلاق والعموم لخاصّ (3) من خواصّه لأحدٍ، ولخاصّ آخر لآخر لمصلحة تستدعيه، كاختلافهم في الرواية عن الحجّة، أو في العمل لئلّا يصدّقوا في تولّاهم بالحجّة، أو لا يظنّ بهم ذلك، إلى غير ذلك من الحِكَم وغيرها (4) .

.


1- . في الكافي المطبوع : «عن إسماعيل بن مرّار».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 98.
3- . في المصدر في الموردين : «بخاصّ».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 221 و 222.

ص: 611

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ (1) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيى ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ ، فَتَحَاكَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَ إِلَى الْقُضَاةِ ، أَيَحِلُّ ذلِكَ؟ قَالَ :«مَنْ تَحَاكَمَ إِلَيْهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ ، فَإِنَّمَا تَحَاكَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ ، وَمَا يَحْكُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتا وَإِنْ كَانَ حَقّا ثَابِتا لَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللّه ُ أَنْ يُكْفَرَ بِهِ ، قَالَ اللّه ُ تَعَالى : «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوابِهِ» » . قُلْتُ : فَكَيْفَ يَصْنَعَانِ؟ قَالَ : «يَنْظُرَانِ إِلى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مِمَّنْ قَدْ رَوى حَدِيثَنَا ، وَنَظَرَ فِي حَلَالِنَا وَحَرَامِنَا ، وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا ، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَما؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِما ، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ ، فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللّه ِ وَعَلَيْنَا رَدَّ ، وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللّه ِ وَهُوَ عَلى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللّه ِ» . قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِنَا ، فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ (2) فِي حَقِّهِمَا ، وَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا ، وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفا (3) فِي حَدِيثِكُمْ؟ قَالَ : «الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا ، وَلَا يَلْتَفِتْ إِلى مَا يَحْكُمُ بِهِ الْاخَرُ» . قَالَ : قُلْتُ : فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ، لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلى صَاحِبِهِ (4) الآخر (5) ؟ قَالَ : فَقَالَ : «يُنْظَرُ إِلى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ ، فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا ، وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ . وَإِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ : أَمْرٌ بَي_ِّنٌ رُشْدُهُ فَيُتَّبَعُ ، وَأَمْرٌ بَي_ِّنٌ غَيُّهُ فَيُجْتَنَبُ ، وَأَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إِلَى اللّه ِ وَإِلى رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ؛ قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : حَلَالٌ بَيِّنٌ ، وَحَرَامٌ بَيِّنٌ ، وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذلِكَ ، فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ» . قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ؟ قَالَ : «يُنْظَرُ ، فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ ، فَيُؤْخَذُ بِهِ ، وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ» . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَرَأَيْتَ ، إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَوَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقا لِلْعَامَّةِ ، وَالْاخَرَ مُخَالِفا لَهُمْ ، بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ؟ قَالَ : «مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ ، فَفِيهِ الرَّشَادُ» . فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَإِنْ وَافَقَها (6) الْخَبَرَانِ جَمِيعا؟ قَالَ : «يُنْظَرُ إِلى مَا هُمْ إِلَيْهِ أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَقُضَاتُهُمْ ، فَيُتْرَكُ ، وَيُؤْخَذُ بِالْاخَرِ» . قُلْتُ : فَإِنْ وَافَقَ حُكَّامُهُمُ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعا؟ قَالَ : «إِذَا كَانَ ذلِكَ ، فَأَرْجِهْ حَتّى تَلْقى إِمَامَكَ؛ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ» .

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى».
2- . في «ب» و «ج»: + «فيما حكما وكلاهما اختلفا».
3- . في الكافي المطبوع : «اختلف». وفي «ب» و «ج»: - «فيما حكما وكلاهما اختلفا».
4- . في «ب» و «ج»: - «صاحبه».
5- . في الكافي المطبوع : - «الآخر».
6- . في الكافي المطبوع : «وافقهما».

ص: 612

. .

ص: 613

هديّة :هذا الخبر رواه الشيخ رحمه الله أيضا في التهذيب تارةً بهذا الإسناد (1) ، واُخرى باُخرى (2) ، كما في الكافي في كتاب القضاء (3) . وذكر في الكافي هناك مكان محمّد بن الحسين : محمّد بن الحسن ، وفي التهذيب : محمّد بن الحسن بن ميمون أو شمّون . ورواه الصدوق رحمه اللهأيضا في الفقيه، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت في رجلين اختار كلّ واحدٍ منهما رجلاً (4) . الحديث. (في دين) بفتح الدال. «التحاكم إلى السلطان» : رفع أمره إليه . والمراد هنا : السلطان الغير الإمامي وقضاة المخالفين، وفي حكمهم في هذا فسّاق قضاة الإماميّة وكلّ حاكم مرتشٍ يحكم على المحقّ. ولا بأس على حامل المتخاصمين على الصلح، أو العفو، أو الإبراء أو نحو ذلك . و(الطاغوت) : مبالغة في الطاغي، أو الطغيان، وهو الشيطان وكلّ رئيس طاغٍ. (وما يحكم له) على المعلوم أو خلافه . و«السّحت» بالضمّ وبضمّتين : الحرام، وما خبث من المكاسب . وآية : «يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّ_غُوتِ» في سورة النساء (5) . وفي الحديث قال أمير المؤمنين عليه السلام : «كلّ حَكَمٍ حكمَ بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت » (6) ثمّ قرأ هذه الآية. و«الكفر بالطّاغوت» : التبرّي منه، والقطع بأنّه ليس أهلاً للتحاكم إليه. ولا خلاف أنّ المحقّ الإمامي _ سواء كان خصمه إماميّا أو لا _ حكمه ذلك مع الإمكان والاختيار ، وأمّا إذا اضطرّ _ وهو على نفسه بصيرة _ فلا . وكذا لا خلاف في أنّ الحَكَم العدل الإماميّ إذا اضطرّ إلى أخذ حقّ المحقّ بقوّة الجائر ولا يمكنه التوقّف جاز له ذلك . (قال : ينظران) من المجرّد أو الإفعال؛ أي يجعلان ناظرا في أمرهما. (من كان منكم) من عدول رواة أحاديث أهل البيت عليهم السلام عارفا بالحلال والحرام وسائر أحكام الدِّين. (فليرضوا) على الغيبة؛ أي الشيعة. في بعض النسخ : «واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلف في حديثكم» مكان (واختلفا في حديثكم ) (7) . والمراد ب (المجمع عليه) هنا : المشهور، بمعنى المتّفق عليه من أكثر الأصحاب، لا المجمع عليه المصطلح عليه اليوم بين أصحابنا ، والكلام في الحديث وروايته لا القول والإفتاء، ولذا قال عليه السلام (8) : (ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك) . ومن إفادات الشهيد الثاني في شرح درايته : أنّ المراد بالشهرة في الخبرين : شهرة الحديث الكائنة بين قدماء أصحابنا الإخباريّين الذين لا يتعدّون النصّ في شيء من الأحكام دون شهرة القول الحادثة بين المتأخّرين من أهل الرأي والتخمين (9) . (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) يعني إذا لم يعارضه المجمع عليه المصطلح عليه عند المتأخّرين . وفي رواية زرارة رواها محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور اللحسائي (10) في كتاب عوالي اللآلي، عن العلّامة الحلّي قدس سرهمرفوعا إلى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته فقلت : جُعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيّهما آخذ؟ فقال عليه السلام : «يا زرارة، خُذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر ». فقلت : يا سيّدي، إنّهما مشهوران مرويّان مأثوران عنكم ، فقال : «خُذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ». فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان ، فقال : «انظر إلى ما وافق منهما مذاهب (11) العامّة فاتركه وخُذ بما خالفهم، فإنّ الحقّ فيما خالفهم». قلت : ربما كانا معا موافقين لها (12) أو مخالفين، فكيف أصنع؟ فقال : «إذن فخذ فيه الحائطة (13) لدينك واترك ماخالف الاحتياط». فقلت : إنّهما معا موافقان (14) للاحتياط أو مخالفان له، فكيف أصنع؟ فقال : «إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر» (15) . «فتخيّر» على الخطاب المعلوم من التفعيل؛ أي من باب التسليم . والأخبار كثيرة في هذا المعنى؛ ففي بعضها : «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه، فنحن أولى بذلك، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » (16) . ولا يخفى عدم المنافاة بين وجوب التوقّف عند الاشتباه مع الإمكان بحيث لا يلزم منه حرج، وبين العمل بإحدى المعالجات المعهودة المضبوطة عنهم عليهم السلام مع الاضطرار في زمن الغيبة، كالتخيير في العمل من باب التسليم. وليس هذا الحكم والفتوى بأنّه حكم اللّه في الواقع، بل مداواة عنهم عليهم السلام لِعِلَّة الاضطرار ولزوم الحرج. (وإنّما الاُمور ثلاثة أمرٌ بيِّن رشده) لأنّه مجمعٌ عليه بين أصحابنا ولو بمعنى المشهور المذكور ، وكذا الأمر الثاني . (وأمرٌ مشكل) أي غير مشهور حكمه، فضلاً عن كونه مجمعا عليه بالمعنى الاصطلاحي. (يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله صلى الله عليه و آله ) أي بعرْضه على محكمات الكتاب والسنّة وسائر المعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام . (ومن أخذ بالشبهات) أي بالرأي والتخمين ، من دون التوقّف أو المعالجة المعهودة (ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم). (فإن كان الخبران عنكما مشهورين) في بعض النسخ : «عنكم» مكان «عنكما» وهو الظاهر. وفي بعض آخر «عنهما». (17) والمعنى على الأكثر عن الإثنين من أهل البيت عليهم السلام . ولا منافاة بين المستفاد من الأخبار السابقة الدالّة على وجوب الأخذ بما ورد عنهم عليهم السلام على التقيّة، وبين حكم أمثال هذا الخبر من وجوب ترك ما وافق العامّة؛ لأنّ ذلك إنّما هو في العمل، وهذا في العلم والاعتقاد بأنّه حقّ وإن كان قد يجب العمل بخلافه تقيّة . (قلت : جعلت فداك، أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة) أي عرفا حكمه بحمل كلّ واحد منهما حكم الكتاب الذي محكم ومتشابه معا باعتبارين مثل : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» (18) على ما يوافق حكم الخبر الذي عنده . قال الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج بعد نقل هذا الحديث : جاء هذا الخبر على سبيل التقدير؛ لأنّه قلّما يتّفق في الآثار أن يرد خبران مختلفان في حكمٍ من الأحكام، موافقين للكتاب والسنّة، وذلك مثل الحكم في غسل الوجه واليدين في الوضوء، فإنّ الأخبار جاءت بغسلها (19) مرّة مرّة وبغسلها مرّتين ، وظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك ، بل يحتمل تلك الروايتين، ومثل ذلك يوجد (20) في أحكام الشرع . (21) وقرأ برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «عزفا حكمه» بالزاي على ما لم يسمّ فاعله، من «العزف» بمعنى المنع، وسنحكيه في نقل بيانه هنا، إن شاء اللّه تعالى . الجواهري : «عزفت نفسي عن الشيء عزوفا» كضرب ونصر : زهدت فيه وانصرفت عنه. (22) (فإن وافقها الخبران جميعا) أي العامّة . وفي بعض النسخ : «وافقهما» أي طائفتين من العامّة. (فارجه حتّى تلقى إمامك) أي فأخّره وقِفْ . قال الشيخ أبو عليّ الطبرسي رحمه الله في كتاب الاحتجاج : وأمّا قوله عليه السلام للسائل : «أرجه وقِف حتّى تلقى إمامك» أمره بذلك عند تمكّنه من الوصول إلى الإمام ، فأمّا إذا كان غائبا ولا يتمكّن من الوصول إليه والأصحاب كلّهم مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الآخر بالكثرة والعدالة، كان الحكم بهما من باب التخيير. يدلّ عليه ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرِّضا عليه السلام قال : قلت له : يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، قال : «ما جاءك عنّا فاعرضه (23) على كتاب اللّه تعالى وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا وإن لم يشبههما فليس منّا » قلت : يجيئان الرجلان _ وكلاهما ثقة _ بحديثين مختلفين، فلا نعلم أيّهما الحقّ؟ فقال : «إذا لم تعلم فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام فتردّ إليه ». (24) وقال ثقة الإسلام في أوائل الكافي : يا أخي أرشدك اللّه أنّه لا يسع أحدا تمييز شيء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه إلّا على ما أطلقه العالم عليه السلام بقوله : «اعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه عزّوجلّ فخذوه، وما خالف كتاب اللّه فردّوه» . وقوله عليه السلام : «دعوا ما وافق القوم فإنّ الرُّشد في خلافهم ». وقوله عليه السلام : «خذوا بالمجمع عليه، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ». ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه، ولا نجدّ شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه السلام : «بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم». (25) «ولا نجد شيئا» إلى آخره، معناه أنّ الواجب علينا حينئذٍ التوقّف إن أمكن، وإلّا فالتخيير من باب التسليم في العمل دون الإفتاء والحكم القطعي بأنّه حكم اللّه الواقعي . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : تسمّى هذه الرواية بمقبولة عمر بن حنظلة؛ لقبول جميع الأصحاب إيّاها، وكونها مدارا لعملهم في المتشابهات . وحاصلها : أنّ العمل بواحد من الخبرين المختلفين الصحيحين إنّما هو فيما فيه التنازع، لا فيما لا يكون فيه ذلك، وليس للفقيه اختيار أصلاً فيما فيه التنازع، بل له أن يرجّح العمل بواحدِ منهما بواحدٍ من الأسباب الستّة للترجيح على الترتيب الذي يذكر هنا ، فإن لم يمكن بشيء منها يجب التوقّف، ولا اختيار لأحد فيما لا نزاع فيه كما مرّ في الثامن والتاسع من هذا الباب . و«الدَّين» : المال في الذمّة بأجلٍ معيّن، فإذا كان بلا أجل معيّن فهو قرض . و«الطاغوت» : الشيطان. والمراد هنا من كان مطاعا في باطله كالشيطان، كالحاكم في المسائل الدينيّة بظنّه . و«السّحت» : الرشوة . والمراد هنا الحرام الشبيه بالرشوة في عقابها ونكالها . «قال : يُنظران» على المعلوم من الإنظار، أي يجعلان ناظرا في أمرهما من كان متّصفا بأوصاف أربعة : الأوّل : أن يكون من عدول المؤمنين، وبهذا أشار بقوله عليه السلام : «من كان منكم ». الثاني : أن يكون مكثرا من تتبّع أحاديث أهل البيت عليهم السلام وبهذا أشار بقوله : «ممّن قد روى حديثنا ». والرواية في الأصل : الإكثار من أخذ الماء، ومنه الراوية للكبير من القِرَب. ووجه الشبه في استعمال الرواية في الإكثار من نقل الحديث المُحيي للقلوب ، والراوية لمكثره ظاهر . الثالث : أن يكون من المتدبّرين في معاني الأحاديث في الحلال والحرام بحيث يعرف أنّ القضيّة المتنازع فيها متفرّعة على أي حديث منها؛ إذ بقلّة التدبّر فيها يحصل الاشتباه كثيرا ، وبهذا أشار بقوله : «ونظر في حلالنا وحرامنا ». الرابع : أن يكون عارفا بأنّ جميع أحاديث الأئمّة عليهم السلام حقّ لا ريبَ فيه وإن كان بعضها على التقيّة، أو لمصلحة اُخرى، وبهذا أشار بقوله : «وعرف أحكامنا ». وقوله : «وهو على حدّ الشرك باللّه » يعني وهو فوق مرتبة الشرك : إذ المشرك يقبل حكم اللّه مع حكم من أخذه شريكا له سبحانه، وتركُ ما أمر اللّه به استكبارا أسوء من الشرك كما يجيء في كتاب الإيمان والكفر في الثاني عشر من باب الكفر. أو المعنى، وهو في مرتبة الشرك. في قوله : «قلت : فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا _ إلى قوله _ : ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر» بيان أربعة _ على الترتيب _ من الوجوه الستّة لترجيح أحد الحديثين الصحيحين المختلفين على الآخر فيما فيه التنازع. ويتوهّم في قوله : «قال : قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان _ إلى قوله _ : وهلك من حيث لا يعلم» أنّ فيه بيان الوجه الخامس من وجوه الترجيح، وليس كذلك، بل فيه بيان أنّ الترجيح المذكور هنا اُحيل إلى ما ذكر؛ فإنّ بعد معرفة ما ذكر لا إشكال هنا، وبيان الترجيح الخامس إنّما هو في قوله : «قلت : فإن كان الخبران عنكما _ إلى قوله _ : ففيه الرّشاد ». و في بعض النسخ : «عنكم» مكان «عنكما ». و«العزف» بفتح المهملة وسكون المعجمة : المنع . والمعنى: إن كانا ممنوعين من الحكم من الكتاب والسنّة . وفي قوله : «فقلت : جعلت فداك، فإن وافقها الخبران جميعا _ إلى قوله _ : فيترك ويؤخذ بالآخر» بيان الوجه السادس من وجوه الترجيح . وفي بعض النسخ : «فإن وافقهما» بضمير التثنية لطائفتين من العامّة . و«الاقتحام» : الدخول في الشيء من غير رويّة . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : هذا الحديث وحديث أبي سعيد الزهري المتقدّم يدلّان على وجوب التوقّف عند تعادل الحديثين المتعارضين، وبعض الأحاديث المتقدّمة كان صريحا في التخيير في العمل بأيّهما شاء ، ويمكن الجمع بينهما بحمل التخيير على واقعة لم تكن متعلّقة بحقوق الآدميّين، وحمل وجوب التوقّف على واقعة تكون كذلك . ثمّ قال : أقول : هذا الحديث وحديث أبي سعيد الزهري المتقدّم في باب النوادر، وحديث سماعة المتقدّم تدلّ على وجوب التوقّف عند تعادل الحديثين المتناقضين، وبعض الأحاديث المتقدّمة كان صريحا في التوسعة؛ أي التخيير في العمل من جهة التسليم . ويمكن الجمع بينهما بحمل التخيير على واقعة لم تكن متعلّقة بحقوق الآدميّين كالوضوء والصلاة، وحمل وجوب التوقّف على واقعة متعلّقة بحقوق الآدميّين كدَيْنٍ أو ميراث . ومعنى قوله عليه السلام : «من جهة التسليم» من باب تسليم أمرِنا ووجوب طاعتنا على الرعيّة، لا من باب ما اشتهر بين أهل الرأي _ أي الاجتهاد الظنّي _ من تخيير المجتهد في العمل عند تعادل الأمارتين، وتخيير المقلّد كذلك، فإنّ لهم حينئذٍ قولين : أحدهما التخيير، والآخر التوقّف . (26) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «بينهما منازعة في دين أو ميراث» ذكر الدَّين والميراث إمّا على سبيل التمثيل. والمراد المنازعة مطلقا، أو المراد السؤال عن المنازعة في الدين أو الميراث، أي النزاع في الوارثيّة، أو في قدر الإرث في غير المجمع عليه بين المسلمين، أو في ثبوت الإرث بحصول ظنّ الحاكم به بإقامة الشهود مع عدم علم المدّعي؛ ففي جميع هذه الصور لا يجوز الأخذ بحكم الجائر، ويكون المأخوذ حراما، بخلاف الأعيان ومنافعها مع علم المدّعي؛ فإنّه وإن حرّم الأخذ بحكم الجائر لكن لا يحرم المأخوذ الذي هو حقّه المعلوم له عليه، وحرمة المأخوذ في تلْك الصور لا ينافي صحّة المقاصّة في الدَّين المعلوم ثبوته وحقّيّته له . والمعنيّ بحرمة (27) المأخوذ : كونه غير جائز التصرّف فيه بعد الأخذ، وبحرمة الأخذ : عدم جواز إزالة يد المدّعى عليه واستقرار اليد عليه. «فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة» أي السلطان الجائر وقُضاته. «في حقّ أو باطل» يحتمل العموم والشمول للأعيان والديون والمواريث وغيرها. «فإنّما يأخذ سحتا» إن حمل على أنّه يأخذ أخذا سحتا؛ أي حراما ، فعلى عمومه، وإن حمل على أنّه يأخذ مالاً سحتا، أي حراما عليه أن يتصرّف فيه، فمخصّص بما لا يكون المدّعي به عينا معلوم الحقّيّة للمدّعي، فإنّ له التصرّف في المأخوذ حينئذٍ، بخلاف ما إذا كان ثابت الحقّيّة عنده بحكم الحاكم، أو مظنون الحقّيّة، أو مشكوكها وكان (28) المدّعى به دَينا، فالاستحقاق في العين والتعيين في الدّين بحكم الطاغوت لا يوجب جواز التصرّف. «من كان منكم ممّن قد روى حديثنا» اعتبر في المتحاكم إليه _ بعد كونه على طريقة النجاة وسبيل الحقّ والرشاد، آخذا (29) من روايات أهل البيت عليهم السلام _ كونه (30) ناظرا في حلالها، وحرامها، عارفا بالأحكام التي يستنبط منها. والموصوف بهذه الصفات هو المعبّر عنه بالفقيه عند السلف، وبالمجتهد في هذه الأعصار عند الإماميّة، وإن كان المجتهد في العصر الأوّل بينهم مستعملاً في العامل بالقياس والرأي ، ولذلك منعوا عن الاجتهاد . فالمجتهد عبارة عن العارف بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة معرفةً مستندة إلى النظر في الحلال والحرام على ما في الأدلّة من الكتاب والروايات والأحاديث بعد الجمع والترجيح . وفي قوله : «وعرف أحكامنا» دلالة إلى بلوغه مرتبةَ معرفةِ جميع الأحكام، والقدر (31) المعتدّ به بحسب الوسع معرفةً بالفعل، أو بالقوّة القريبة منها (32) بحيث يصحّ إطلاق المعرفة عليه . وتلك المعرفة يحصل بعد الفطنة القويمة، وبعد العلم بأساليب الكلام بممارسته ملاحظة الأحاديث، ونهج بيانهم للأحكام، وملازمة العلماء ذوي البصائر والاستمداد منهم . وقد سعى السلف في جميع ما يستمدّ به في معرفة أساليب الكلام ومعانيها وترجيح الأخبار وجمعها _ شكر اللّه مساعيهم، وجزاهم أحسن الجزاء _ ولكن لا يغني ما أتوا به من تلك الممارسة والملازمة، فلا يعتمد قبلهما على تحدّسه بالمراد. وإذا حصل له تلك المعرفة اطّلع من جانب اللّه بإلهام وإعلام على جواز عمله بما يفهمه من الروايات. ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء . وأمّا القاصرون من المتزاولين لأقوال الفقهاء المكابرين مع العلماء الممارين للسفهاء فيضلّون عن السبيل بادّعاء ما ليس لهم والدخول فيما حُظر عليهم، ولا ينتفعون بمساعيهم، فما هم إلّا كباسط كفّيه إلى الماء، وليس ببالغٍ فاه، ويضلّون الناس ويحسبون أنّهم يحسنون صنعا . أعاذنا اللّه من فتنهم (33) والتصنّع بصنعتهم ، وهدانا اللّه إلى اتّباع المهتدين من عباده الهادين إلى سبيل الرّشاد. «والرادّ على اللّه على حدّ الشرك باللّه » أي على مرتبة من الضلالة لا مرتبة فيها أشدّ منها، والمرتبة المتجاوزة منها مرتبة الشرك باللّه ؛ لأنّه بردّه على اللّه يخرج من الإيمان، وباستخفافه بحكم اللّه يخرج عن التحافظ على الإسلام والانقياد الظاهري، فلم يبق له إلّا الإسلام الضعيف الغير المتحافظ عليه وحفظ الدّم والمال به، والمرتبة التي بعدها الشرك باللّه ، فيخرج من انحفاظهما لا بجزية لأهل الذمّة من المشركين. «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث» أي من يكون حديثه أصحّ من حديث الآخر بأن ينقله من أعدل أو أكثر من العدول أو الثقات. وظاهر هذه العبارة الحكم بترجيح حكم الراجح في الصفات الأربع جميعها . ويحتمل الترجيح بحسب الرجحان في واحدة من الأربع أيّها كانت . وعلى الأوّل يكون حكم الرجحان بحسب بعضها دون بعض مسكوتا عنه. [وعلى الثاني يكون حكم تعارض الرجحان في بعضٍ منها للرجحان في بعض آخر مسكوتا عنه.] (34) والاستدلال على الأولويّة والرجحان بالترتيب الذكري ضعيف . والمراد أنّ الحكم الذي يجب قبوله من الحكمين المذكورين حكم الموصوف بما ذكر من الصفات الأربع، ويفهم منه وجوب اختياره لأن يتحاكم إليه ابتداءًا، وأنّ ترجيح الأفضل لازم في الصور المسكوت عنها . ومن هاهنا ابتدأ في الوجوه المعتبرة للترجيح في القول والفُتيا . «قال: قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان» أي فإنّ راويين (35) لحديثكم العارفَين بأحكامكم عدلان مرضيّان، لا يفضّل واحد منهما على صاحبه في شيء من الصفات المذكورة، فإذا كان كذلك فبحكم أيّهما يؤخذ؟ فأجاب عليه السلام وبيّن له وجها آخر للترجيح بقوله : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حَكَما بِه، المجمع عليه من أصحابك؛ أي المشهور روايته بين أصحابك «فيؤخذ» بأشهرهما روايةً، «ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه»؛ أي المشهور في الرواية لا ريب فيه. وفي قوله : «لا ريب فيه» إشارة إلى أنّ المناط غلبة الظنّ بصحّة الرواية، واستناد الحكم بالرواية الصحيحة . والمراد ب «البيّن رشده» : الظاهر حقّيّته؛ لغلبة الظنّ أو العلم بصحّة الرواية المتضمّنة له، أو دلالة الكتاب عليه . وب «البيّن غيّه» : الظاهر بطلانه؛ لغلبة الظنّ أو العلم بصحّة الرواية المتضمّنة له، أو دلالة الكتاب عليه . والأمر المشكل : ما لا يغلب الظنّ بحقّيّته أو بطلانه فضلاً عن العلم من أدلّته من الكتاب والسنّة؛ لعدم وضوح دلالة الكتاب وصحّة الحديث، أو دلالته ، فهذا لا يحكم فيه ولا يفتى، «بل يرد علمه إلى اللّه وإلى الرسول صلى الله عليه و آله ». «فمن ترك الشبهات» إلى آخره، أعمّ مأخذا ممّا ذكره عليه السلام بقوله : «يردّ علمه إلى اللّه »؛ لشموله العمل، واختصاصِ ذلك بالحكم والفُتيا. «فمن ترك الشبهات» أي فُتيا وحكما وعملاً «نجا من المحرّمات»؛ فإنّ الفُتيا بالمشتبه حرام، وكذا الحكم به، وكذا العمل به على أنّه مطلوب . «ومن أخذ بالشبهات» فُتيا أو حكما أو عملاً «ارتكب المحرّمات، وهلك من حيث لا يعلم»؛ لأنّه حينئذٍ متعبّد لهواه وللشيطان، وهو على حدّ الشرك باللّه . وفي «فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات» دلالة على فضل ترك ما هو مشتبه الحرمة. وإن كان الخبران عنكما مشهورين» الظاهر أنّ المراد ب «الخبران» عن الصادق والباقر عليهماالسلاموالخطاب للصادق وأبيه عليهماالسلام . وتخصيصهما بالذِّكر والخطاب؛ لاشتهار الروايات عنهما، وشيوعِ الأخذ عن أهل البيت في زمانهما دون السابقين؛ لشدّة التقيّة حينئذٍ، وتعلّقِ الأغراض بالأخذ عن غيرهم وتركهم. وإذا كان الخبران مشهورين غلب الظنّ بصحّتهما، فلا يخلوان من موافقة الكتاب والسنّة، أو موافقة العامّة للتقيّة، فيكون أحدهما موافقا للكتاب والسنّة، والآخر موافقا للعامّة وآرائهم، فيؤخذ بالموافق لهما ويترك الموافق للعامّة . والمراد بموافقة الكتاب والسنّة : احتماله الدخول في المراد من الكتاب والسنّة الثابتة، والكون من محاملهما . «أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة» أي وجد كلّ منهما ما حكم به موافقا للكتاب والسنّة، وكان أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم، فالترجيح للمخالف للعامّة؛ فإنّه جمع بحمل الموافق للمخالف على التقيّة. «فإن وافقها الخبران جميعا» أي وافق كلّ خبر بعضا من العامّة. «ينظر إلى ما هم أميل، حكّامهم وقضاتهم» أي ينظر إلى ما حكّامهم وقضاتهم إليه أميل. و«حكّامهم» بدل من الضمير المنفصل في «ما هم». ويترك الموافق لهم ومختارهم؛ لكونه أولى بالتقيّة، ويؤخذ ويفتى ويحكم بالذي لا يميل إليه حكّامهم وقضاتهم. «فإن وافق حكّامهم الخبرين» أي كان ميل الحكّام إلى ما في الخبرين من الحكم سواءً، ولا يكونون إلى أحدهما أميل. «وأرجه» أي أخّر الفُتيا والحكم بما في أحدهما، ولا تُفْت ولا تحكم بأحدهما «حتّى تلقى إمامك، فإنّ الوقوف عند الشبهات» وترك الفُتيا والحكم فيها بترجيح أحد الطرفين مع الاشتباه «خيرٌ من الاقتحام» والدّخول «في الهلكات» بالترجيح والفتوى والحكم من غير مرجّح. و«الهلكات» : جمع هلكة _ محرّكة _ بمعنى الهلاك . والمراد الدخول في الضلال وما يوجب العقاب والنكال . عصمنا اللّه بلطفه عن الاقتحام فيما يوجب سخطه، وصلّى اللّه على محمّد وآله المعصومين . (36)

.


1- . التهذيب، ج 6 ، ص 218، ح 514 ، إلى قوله : «على حدّ الشرك باللّه عزّوجلّ».
2- . التهذيب، ج 6 ، ص 301، ح 845 .
3- . الكافي، كتاب القضاء والأحكام، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح 14616، إلى قوله: «على حدّ الشرك باللّه عزّوجلّ».
4- . الفقيه، ج 3، ص 8 ، ح 3233.
5- . النساء (4) : 60 .
6- . دعائم الإسلام، ج 2، ص 53 ، ح 1883؛ وعنه في المستدرك، ج 17، ص 244، ح 21240.
7- . كذا في المخطوطين، ولعلّ الصحيح هكذا : «وفي بعض النسخ : وكلاهما اختلف في حديثكم» مكان «وكلاهما اختلفا في حديثكم».
8- . في «ب» و «ج»: - «ولذا قال عليه السلام ».
9- . راجع: شرح الدراية المطبوع ضمن رسائل في دراية الحديث، ج 1، ص 180 ، وفيه : «المشهور : وهو ما شاع عند أهل الحديث، بأن نقله رواة كثيرون...». وما حكاه المصنّف نقلاً عن الشهيد الثاني ليس بتمامه من كلام الشهيد قدس سره، بل من كلام صاحب الوافي. راجع : الوافي، ج 1، ص 292.
10- . كذا في جميع النسخ، والمشهور : «الأحسائي». وفي خاتمة المستدرك، ج 1، ص 334، نقلاً عن الرياض في باب الكنى : «أبي جمهور اللحساوي... ويقال تارة : الأحسائي، واللحسائي».
11- . في المصدر : «مذهب».
12- . في المصدر : «لهم».
13- . في «الف»: «الحائط».
14- . في المصدر : «مواف2ض وكذا : «مخالفين».
15- . عوالي اللآلي، ج 4، ص 133، ح 229؛ وعنه في المستدرك، ج 17، ص 303، ح 21413.
16- . عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 24، باب ماجاء عن الرضا عليه السلام ، من الأخبار المنثورة، ح 45؛ وعنه في البحار، ج 2، ص 233، ح 15 .
17- . في «ب» و «ج»: - «من دون التوقّف... وفي بعض آخر عنهما».
18- . المائدة (5) : 6 .
19- . في المصدر في الموضعين : «بغسلهما».
20- . في المصدر : «يؤخذ».
21- . الاحتجاج، ج 2، ص 108، باب احتجاج أبي عبداللّه عليه السلام في أنواع شتّى من... .
22- . الصحاح، ج 4، ص 1403 (عزف).
23- . في المصدر: «فقسه».
24- . الاحتجاج، ج 2، ص 109، باب احتجاج أبي عبداللّه عليه السلام في أنواع شتّى من... .
25- . الكافي، ج 1، ص 8 و 9 .
26- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 98 _ 99.
27- . في جميع النسخ : «لحرمة» وما أثبتناه من المصدر.
28- . في المصدر : «أو كان».
29- . في المصدر : «كونه آخذا».
30- . في المصدر : - «كونه».
31- . في المصدر: «أو القدر».
32- . في المصدر : «منه».
33- . في «ب» و «ج»: «فتنتهم».
34- . ما بين المعقوفتين أضفناه من المصدر.
35- . في المصدر : «الراويين».
36- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 222 _ 230.

ص: 614

. .

ص: 615

. .

ص: 616

. .

ص: 617

. .

ص: 618

. .

ص: 619

. .

ص: 620

. .

ص: 621

. .

ص: 622

. .

ص: 623

. .

ص: 624

. .

ص: 625

. .

ص: 626

باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب

الباب الثالث والعشرون : بَابُ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَشَوَاهِدِ الْكِتَابِوأحاديثه كما في الكافي اثنا عشر :

الحديث الأوّلروى في الكافي عَنْ الأربعة (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : إِنَّ عَلى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً ، وَعَلى كُلِّ صَوَابٍ نُورا ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللّه ِ فَخُذُوهُ ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللّه ِ فَدَعُوهُ» .

هديّة :يعني أنّ أصلاً ومستندا نصب على كلّ حقّ، ليدلّ على أنّه حقّ. و(نورا) أي برهانا واضحا نصب على كلّ صواب؛ ليظهر منه أنّه صواب. (فما وافق كتاب اللّه فخذوه) أي محكماته المضبوط عدم نسخها بالأحاديث المضبوطة عن أئمّتنا عليهم السلام بتواتر الكتب من ثقات أصحابنا الإماميّة رضوان اللّه عليهم؛ فإنّ العلم بأنّ حكم وجوب الزكاة _ مثلاً _ لم ينسخ إنّما هو بالعلم الحاصل من الأخبار الموصوفة، فيعالج متشابهات السنّة المتواترة بمحكماتها المربوطة بمحكمات الكتاب ، وكذا محكمات الكتاب التي [هي] محكمات باعتبار ومتشابهات بآخر، كآية الوضوء، (2) والصلوات الخمس (3) وأوقاتها. والعلم بجميع محكمات الكتاب خاصّ بالمعصوم؛ لتوقّفه على العلم بجميع الناسخ والمنسوخ، فلا يحصل للفقيه بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام لعلّة التشابه إلّا الظنّ ، وهذا الظنّ لا ينافي القطع بصحّة الحكم والإفتاء والعمل في زمن الغيبة لو لم يلزم حرج من التوقّف الواجب مع إمكانه . نعم ، هذا الظنّ ينافي القطع بأنّه حكم اللّه في الواقع. والحكم بحكم اللّه الواقعي حقيقي، وبالظنّ المرخّص في تحصيله _ على ما فصّل مرارا _ اضطراريّ ، كصحّة العمل بخبر الواحد الصحيح من باب التسليم لا الإفتاء والحكم بأنّه حكم اللّه ، فظهر أنّ معنى «فما وافق كتاب اللّه » أي قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه مثل رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعينه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : المراد ب «شواهد الكتاب» في العنوان محكماته (4) الناهية عن اتّباع الظنّ، الآمرة بسؤال أهل الذِّكر فيما يجري فيه وفي دليله النزاع بلا مكابرة. يعني هذا باب بيان أنّ تابع سنّة الرسول صلى الله عليه و آله من هو تابع لمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ والاجتهاد بالرأي والتخمين في المتشابهات، لا من هو تابع للأحاديث الموضوعة، أو لمتشابهات القرآن بدون السؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام فإنّ الذين قالوا بخلافة أمير المؤمنين عليه السلام (5) طوائف : وأكبرهم الأشاعرة والمعتزلة. تَبِع الأشاعرة في مسائل اُصول الدِّين أبا الحسن الأشعري، والمعتزلة اعتزلوا عن الأشاعرة فيها فتبعوا واصل بن عطاء ، والجميع في مسائل فروع الدِّين أهل الرأي والاجتهاد ، ومع ذلك تبعوا أربعة نفر من مجتهديهم المختلفين في الحكم والفتوى باتّباع الظنّ، فصاروا أربع طوائف : فتبع طائفة أبا حنيفة، وطائفة الشافعي، واُخرى مالك بن أنس، واُخرى أحمد بن حنبل . والأشاعرة _ وهم أكبرهم _ يسمّون أنفسهم بأهل السنّة والجماعة وغيرهم من طوائف العامّة بأهل البدعة . وأصحابنا الإماميّة يسمّون جميعهم بالحشويّة؛ لتركهم محكمات القرآن وأخذهم الأباطيل من الأحاديث الموضوعة والاُصول الباطلة وغير ذلك . فختم المصنّف _ طاب ثراه _ كتاب العقل بهذا الباب؛ ليظهر أنّ جميع طوائف المخالفين أهل البدعة والضلالة، وأنّ أهل السنّة في الحقيقة إنّما هم الشيعة الاثنا عشريّة . والمراد من «الحقّ» هنا الإيمان المسؤول عنه يوم القيامة، كما يظهر من نقل المصنّف _ طاب ثراه _ هذه الفقرة في كتاب الإيمان والكفر في باب حقيقة الإيمان واليقين . ومن الحقيقة الأصل الذي يرجع إليه، كما يرجع العسكر إلى العَلَمِ القائم لهم . والمراد هنا الشهادة الصادقة من الأعمال الصالحة . «وعلى كلّ صواب نورا» يعني دليلاً واضحا على صحّة العمل من محكمات القرآن ، فالمعنى أنّ على كلّ إيمان علامة من الأعمال الصالحة ، وعلى كلّ عمل صالح دليلاً واضحا من محكمات القرآن إمّا بلا واسطة كوجوب الزكاة ، وإمّا بواسطة كوجوب العمل بخبر الواحد الصحيح . فالغرض أنّ في محكمات القرآن نهيا عن اتّباع الظنّ، وأمرا بسؤال أهل الذِّكر في المتشابهات ، فإن كان دعوى الإيمان والعمل الصالح وكذا دعوى الإمامة ، ودعوى الكون عن (6) أهل السنّة بالحقّ، ونقل الأحاديث على طبق الدعوى، والجلوس في منصب القضاء والفتوى مبنيّا على تبعيّة الظنّ، فباطل وخطأ، وإلّا فحقّ وصواب . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله : «إنّ على كلّ حقّ حقيقة» معناه: أنّ كلّ واقعة ورد فيها حكم من اللّه تعالى، ونصب اللّه تعالى عليه دليلاً قطعيّا واضحا عند أهل الذِّكر عليهم السلام موجودا في كتاب اللّه تعالى، لا يجوز القول بخلافه . فهذا الكلام الشريف يبطل ثلاثة مذاهب من مذاهب الاُصوليّين، ويتعيّن المذهب الرابع. فإنّ بعضهم قال: بأنّ الواقعة التي ليست من بديهيّات الدِّين ولا من بديهيّات المذهب ليس فيها للّه حكم، بل فوّض حكمها إلى أذهان المجتهدين . وقال بعضهم: بأنّ فيها حكما من اللّه تعالى، لكنّه تعالى لم ينصب عليه دليلاً فهو بمنزلة دفين . وبعضهم قال: بأنّ اللّه تعالى نصب عليه دليلاً ظنّيا لا قطعيّا . (7) وبعضهم قال : نصب عليه دليلاً قطعيّا . وأصحاب المذهب الرابع يقولون : من خالف حكم اللّه فهو مخطئ فاسق . وأصحاب المذهب الأوّل يقولون : كلّ مجتهد مُصيب . وأصحاب المذهب الثاني والثالث يقولون : مَن خالف حكم اللّه معذور، وله أجر واحد، ومَن وافقه، له أجران ، (8) انتهى . أقول : تحقيق قوله : «وبعضهم قال : نصب عليه دليلاً قطعيّا» أنّ دليلاً عليه قطعيّا واضحا عند أصحاب العصمة عليهم السلام ، وأمّا فقهاء شيعتهم فمرخّصون في زمن الغيبة عند الاشتباه، وكونهم جامعين لشرائط الفتوى أن يتفصّوا عند الاضطرار _ لامتناع التوقّف _ بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام ، فدليلهم _ مثل الأخذ بأحد الخبرين من باب التسليم _ ظنّي، وحكمهم بالمعالجة على الرخصة قطعيّ، بمعنى القطع بصحّته . وهذا معنى ما ثبت عند الاُصوليّين من أصحابنا الإماميّة أنّ ظنّية الطريق لاينافي قطعيّة الحكم، فنسبة برهان الفضلاء _ كما نقلنا فيما سبق _ هذا الأصل إلى الاُصوليين من المخالفين كما ترى . نعم ، ظنّية الطريق ينافي القطع في الحكم بأنّه حكم اللّه في الواقع، لا الحكم بصحّة الحكم الاضطراريّ بالمعالجة الصريحة في الرخصة . وتحقيق قوله «وأصحاب المذهب الرابع يقولون : من خالف حكم اللّه فهو مخطئ فاسق» أنّ الآخذ في المتشابهات بظنّه من دون التمسّك بالمعالجات المعهودة عنهم عليهم السلام _ مع امتناع التوقّف؛ للزوم الحرج المنفيّ في الدِّين _ مخطئ فاسق، متعدّ عن حدود اللّه . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ على كلّ حقٍّ حقيقة» أي على كلّ ثابت في نفس الأمر من الاُمور الدينيّة وغيرها ، _ والمقصود من الدينيّة : ما يكون مصيره إليه؛ أي ينتهي ثبوته وبيانه إليه . قال في الغريبين : قال اللّيث : الحقيقة ما يصير إليه حقّ الأمر ووجوبه. (9) «وعلى كلّ صواب نورا» أي على كلّ اعتقاد مطابق لما في نفس الأمر موضحا مبيّنا يهدى إليه. «فما وافق كتاب اللّه » أي ينتهي في البيان والاستدلال إليه أو إلى ما يوافقه «فخذوه»، «وما خالف كتاب اللّه » أي ينتهي بيانه إلى ما يخالف كتاب اللّه ، ولا ينتهي إليه ولا إلى ما يوافقه «فدعوه». (10)

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني».
2- . المائدة (5) : 6 .
3- . النساء (4) : 103؛ البقرة (2) : 238 .
4- . في «ب» و «ج»: «محكماتها».
5- . في «ب» و «ج»: + «هم».
6- . في «ب» و «ج»: «من».
7- . في المصدر : - «وبعضهم قال بأنّ اللّه نصب عليه دليلاً ظنّيّا لاقطعيّا».
8- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 99 _ 100.
9- . في المصدر : - «قال في الغريبين : قال الليث : الحقيقة ما يصير إليه حقّ الأمر ووجوبه».
10- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 230 و 231.

ص: 627

. .

ص: 628

. .

ص: 629

. .

ص: 630

الحديث الثانيروى في الكافي عَنْ مُحَمَّد ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ ، عَنْ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ ، قَالَ : وَحَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ (1) أَنَّهُ حَضَرَ ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ فِي هذَا الْمَجْلِسِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيهِ مَنْ نَثِقُ بِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِهِ؟ قَالَ :«إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ ، فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِدا مِنْ كِتَابِ اللّه ِ ، أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وَإِلّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ أَوْلى بِهِ» .

هديّة :(قال : وحدّثني الحسين بن أبي العلاء) يعني قال أبان : وحدّثني الحسين بن أبي العلاء بعد نقل هذا الحديث الوارد بسؤاله عنه عليه السلام : إنّ ابن أبي يعفور كان حاضرا في مجلس السؤال . فالوجه تكرار السؤال بحسب السائلين في المجلسين . قال السيّد السند أمير حسن القائني بخطّه رحمه الله : «قال : وحدّثني» أي قال أبان : وحدّثني الحسين بن أبي العلاء . ويحتمل نصب ابن أبي يعفور؛ يعني أنّه حضر معه في هذا المجلس. (عن اختلاف الحديث) أي في قضيّة واحدة يرويه الثقة على الاختلاف وغير الثقة أيضا كذلك. (شاهدا من كتاب اللّه ) أي من محكماته المعلوم عدم نسخها بالأخبار المضبوطة عن أصحاب العصمة عليهم السلام بالكتب المضبوطة بثقات شيعتهم من أصحابهم على التواتر، متواترةً كانت، أو أخبار آحاد. (أو من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) أي المضبوطة عنه من أوصيائه بثقاث شيعتهم عليهم السلام . (وإلّا فالذي جاءكم به أولى به) يعني : أمّا أنتم فلا تقبلوه ، وأمّا هو فإن كان سمعه من الإمام مشافهة فيعمل عليه بنفسه من باب التسليم، وإن كان وروده على التقيّة أو مصلحة اُخرى ، وكذا إن كان سمعه من الثقة، وإلّا فهو أولى بتركه منكم فإنّه كماله المشتبه بالحرام حتّى يعلم مأخذه ومكسبه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه : يعني سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن اختلاف الأحاديث التي يرويها أهل المذاهب المختلفة في باب الإمامة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله . «يرويه» أي الحديث المختلف. «مَنْ نَثِق به» أي جماعة ثقات. «ومنهم من لا نثق به» من اُولئك الرواة. «حديث» أي في الإمامة. «شاهدا من كتاب اللّه » أي من محكماته التي فيها النهي عن اتّباع الظنّ، والأمر بسؤال أهل الذِّكر. «أو من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإلّا فالذي جاءكم به أولى» يعني فردّوا عليه وهو أولى بكذبه ذلك . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «قال : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه حضر» يحتمل وجوها : أوّلها : قال عليّ بن الحكم : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه _ أي الحسين _ حضر ابن أبي يعفور في المجلس الذي سمع منه أبان. وثانيها : قال أبان : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّه _ أي الحسين _ حضر ابن أبي يعفور في مجلس سؤاله عن أبي عبداللّه عليه السلام . وثالثها : قال أبان : وحدّثني حسين بن أبي العلاء أنّ ابن أبي يعفور حضر مجلس السؤال عن أبي عبداللّه عليه السلام ، وكان السائل غيره وهذا بعيد (2) ، والأمر فيه سهل. «يرويه من نثق به و[منهم] من لا نثق به» يحتمل وجهين : أحدهما : السؤال عن اختلاف (3) الواقع في الحديث برواية الموثّقين للحديثين المختلفين، فيشكل الأمر للثقة بالرواة وحصول الظنّ بثبوتهما. ويكون قوله : «ومنهم من لا نثق (4) به» إشارة إلى أنّ من الأحاديث المختلفة ما يرويه من لا نثق به منهم؛ أي من المحدّثين، ولا يشكل حينئذٍ؛ لعدم الوثوق بالرواية . وثانيهما : السؤال عن اختلاف الحديث برواية من نثق به من أصحابنا الإماميّة المعدّلين، وبرواية من لا نثق به منهم؛ أي من العامّة الذين هم عندنا غير موثوق بهم، ويكون السؤال عن اختلاف الحديث مطلقا، سواء كان في أحاديثنا، أو أحاديث العامّة . «فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله » أي فاقبلوه ، والخبر (5) محذوف . «وإلّا» أي وإن لم تجدوا له شاهدا من كتاب اللّه أو السنّة (6) الثابتة منه صلى الله عليه و آله فلا تقبلوا من الذي جاءكم به، وردّوه عليه؛ فإنّه أولى بروايته وأن يكون عنده لا يتجاوزه . (7)

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى، عن عبداللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبداللّه بن أبي يعفور. قال : وحدّثني حُسين بن أبي العلاء».
2- . في «الف» : «المقيّد».
3- . في المصدر : «الاختلاف».
4- . في «ب» و «ج»: «يثق».
5- . في المصدر: «والجزاء».
6- . في «الف»: «والسنّة».
7- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 231 و 232.

ص: 631

. .

ص: 632

الحديث الثالثروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عن البرقي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّضْرِ (1) ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَكُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللّه ِ ، فَهُوَ زُخْرُفٌ» .

.


1- . السند في الكافي المطبوع هكذا : «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سُويد».

ص: 633

هديّة :اكتفاؤه عليه السلام في الفقرة الأخيرة بذكر كتاب اللّه إشارة إلى أنّ أصل جميع الاُصول والمستندات للمسائل الدينيّة إنّما هو محكمات الكتاب المعلوم عدم نسخها بتواتر الأحاديث المضبوطة عن أصحاب العصمة عليهم السلام بثقات شيعتهم رضوان اللّه عليهم . و«الزّخرف» كهدهد : الذهب، وكمال حسن الشيء ، ومن القول : حَسَنه بترقيش الكذب ، ومن الأرض ألوان نباتها (1) . والمراد هنا المعنى الثالث، يعني المزخرف . ويقال لكلّ مموّه ومزوّر : المزخرف . والترقيش : التنقيش من الرّقش كالنقش . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : أي كلّ شيء يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة مردود إلى محكمات القرآن ومحكمات السنّة؛ بمعنى أنّه إن كان حكمه صريحا فيهما يجب العمل به، وإلّا فالمتمسّك سؤال أهل الذِّكر عليهم السلام ، وكلّ حديث روي في الأمامة عن الرسول صلى الله عليه و آله إن كان مخالفا لمحكمات الكتاب فهو كذب ومكر . والمراد بمخالفته لمحكمات القرآن كونه بحيث يكون فيه ميل إلى إمامة من هو تابع لظنّه في فُتياه وقضائه، بناءً على أنّ في محكمات القرآن نهيا عن اتّباع الظنّ قطعا . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة» أي يجب أن ينتهي كلّ شيء من الاُمور الدينيّة إلى الكتاب والسنّة، وأن يكون مأخوذا عنه . «وكلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه » بل يخالفه «فهو زخرف» والزّخرف من القول حسنه بترقيش الكذب؛ أي تزيينه . والمراد كذب مزيّن بإسناده إلى النبيّ والحجج عليهم السلام (2) . انتهى . قد عرفت في هديّة الأوّل أنّ معنى قولهم عليهم السلام : «فما وافق كتاب اللّه فخذوه» فما وافق قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه كالنبيّ صلى الله عليه و آله بعينه .

.


1- . راجع : لسان العرب، ج 9، ص 133 (زخرف).
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 232.

ص: 634

الحديث الرابعروى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى ، (1) عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ رَاشِدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«مَا لَمْ يُوَافِقْ مِنَ الْحَدِيثِ الْقُرْآنَ ، فَهُوَ زُخْرُفٌ» .

هديّة :قد علم بيانه بسابقه .

الحديث الخامسروى في الكافي بإسناده عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ (2) ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِمِنى ، فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللّه ِ ، فَأَنَا قُلْتُهُ ، وَمَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللّه ِ ، فَلَمْ أَقُلْهُ» .

هديّة :يعني يوافق قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه تعالى . قال برهان الفضلاء : «بمنى» أي في حجّة الوداع . «ما جاءكم عنّي» أي في الإمامة على ما عرفت في بيان الثالث .

الحديث السادسروى في الكافي بإسناده عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«مَنْ خَالَفَ كِتَابَ اللّه ِ وَسُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَقَدْ كَفَرَ» .

هديّة :يعني من خالف قول العالم بكتاب اللّه عقلاً عن اللّه كالنبيّ بعينه صلى الله عليه و آله فقد كفر ، وكذا من خالف سنّة محمّدٍ المضبوطة عنه صلى الله عليه و آله من أوصيائه بثقات شيعتهم عليهم السلام على التواتر . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : يعني من خالف محكمات الكتاب ومحكمات السنّة فقد كفر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «من خالف كتاب اللّه وسنّة محمّد صلى الله عليه و آله » أي في الفُتيا، وأفتى بخلاف ما اُنزل في المحكم من الكتاب، أو ما أتى به النبيّ صلى الله عليه و آله عالما عامدا معتقدا لفتياه «فقد كفر» باللّه وبرسوله؛ لأنّ الاعتقاد باللّه ورسوله صلى الله عليه و آله لا يجامع الاعتقاد بخلاف ما اُنزل في الكتاب، وأتى به النبيّ صلى الله عليه و آله عالما بالمخالفة . (3)

.


1- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى».
2- . في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير».
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 233.

ص: 635

الحديث السابعروى في الكافي عَنْ عَلِيّ ، عَنْ العبيدي (1) ، عَنْ يُونُسَ رَفَعَهُ ، قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام :«إِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللّه ِ مَا عُمِلَ بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَلَّ» .

هديّة :ردّ على المبتدعين في العبادات والرياضات. وما أكثر بدع الصوفيّة القدريّة لعنهم اللّه . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : أي بوسيلة السنّة المقرّرة بمحكمات القرآن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ما عمل بالسنّة» أي العمل بما جاء في السنّة النبويّة عالما بأنّه عمل بما جاء فيها لمجيئه فيها ، ويكون «ما» مصدريّة . أو ما عمل بالسنّة [فيه] ويكون المراد الأعمال التي عملت . (2)

الحديث الثامنروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْقَمَّاطِ وَ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ : عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا ، قَالَ : فَقَالَ الرَّجُلُ : إِنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَقُولُونَ هذَا . فَقَالَ :«يَا وَيْحَكَ ، وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيها قَطُّ؟! إِنَّ الْفَقِيهَ _ حَقَّ الْفَقِيهِ _ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا ، الرَّاغِبُ فِي الْاخِرَةِ ، الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله » .

.


1- . في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى بن عبيد».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 233.

ص: 636

هديّة :(إنّ الفقهاء) أي من العامّة. (يا ويحك) بحذف المنادى تحقيرا مشعرا بالتوبيخ؛ أي يا هذا ويحك . (وهل رأيت فقيها حقّا قطّ ؟ إنّ الفقيه) الواقعي إنّما هو المتّصف بهذه الأوصاف، أن يكون زاهدا في الدنيا الحرام، وراغبا في ثواب الآخرة، المقارنة خلوص إيمانه باليوم الآخر خلوص إيمانه باللّه ، ومتمسّكا بالسنّة النبويّة المضبوطة عنه صلى الله عليه و آله من آله بثقات شيعتهم عليهم السلام ، فلا فقيه حقّ الفقيه سوى الإمام الحقّ وشيعته . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «إنّ الفقهاء» يعني علماء المخالفين . «التمسّك بسنّة النبيّ صلى الله عليه و آله » أي السنّة (1) المقرّرة بمحكمات القرآن . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «إنّ الفقيه حقّ الفقيه الزاهد في الدنيا» إلى آخره؛ لأنّ من استقرّ العلم في قلبه كان عاملاً بعلمه، والعالم العارف إذا عمل بعلمه زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وتمسّك بما فيه نجاته. (2)

الحديث التاسعروى في الكافي عَنْ العِدَّة ، عَنْ البرقي (3) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَزْدِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ ، عَنْ جَعْفَر بن محمّدٍ (4) ، عَنْ آبَائِهِ ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليهم السلام ، قَالَ :«قَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : لَا قَوْلَ إِلَا بِعَمَلٍ ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إِلَا بِنِيَّةٍ ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ وَلَا نِيَّةَ إِلَا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ» .

.


1- . في «ب» و «ج»: «بالسنّة».
2- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 234.
3- . في الكافي المطبوع : «عن أحمد بن محمّد بن خالد».
4- . في الكافي المطبوع : - «بن محمّد».

ص: 637

هديّة :في التهذيب بإسناده عن الرِّضا عليه السلام هكذا قال عليه السلام : «لا قول إلّا بعمل، ولا عمل إلّا بنيّة، ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» . (1) وفي بعض نسخ الكافي أيضا كما في التهذيب. يعني لا يقبل الإيمان التصديقي مع إمكان العمل إلّا بالعمل؛ لأنّ العمل من الإيمان، بل الإيمان كلّه عمل . وكذا لا يقبل العمل إلّا بخلوص النيّة بدخول نور الإيمان داخل القلب . وسيجيء في مواضع من كتاب الإيمان والكفر بيان وجوه الفرق بين الإسلام والإيمان على تخالف الإطلاق. منها : إحاطة نور الإيمان القلب من غير دخوله داخله كما في المستودع ، قال اللّه تعالى في سورة الحجرات : «قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْاءِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...» (2) . وكذا لا تقبل النيّة إلّا بإصابة السنّة المضبوطة عن الحجج المعصومين عليهم السلام بثقات شيعتهم على التواتر . قال (3) برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى بعد ضبطه هكذا : «لا قول إلّا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلّا بنيّة، ولا قول ولا عمل ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» : يعني لا يقبل القول إلّا بالعمل، ولا يقبل القول والعمل إلّا بنيّة القربة ورضائه سبحانه ، ولا يقبل القول والعمل والنيّة إلّا بإصابة السنّة المقرّرة بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : أي لا يجدي القول والإقرار والاعتقاد في العمليّات إلّا بعمل، ولا يجدي القول والعمل إلّا بنيّة؛ أي بقصد متعلّق بالفعل، إنّ الإتيان به من جهة الإطاعة والانقياد للّه سبحانه ، ولا ينفع القول والعمل والنيّة مجموعها «إلّا بإصابة السنّة» أي بالأخذ من السنّة والإتيان بما يوافقها . (4)

.


1- . التهذيب، ج 4، ص 186، ح 520 .
2- . الحجرات (49) : 14 .
3- . في «الف»: «وقال».
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 234.

ص: 638

الحديث العاشرروى في الكافي عَنْ عَلِيُّ (1) ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : قَالَ :«مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَا وَلَهُ شِرَّةٌ وَفَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ ، فَقَدِ اهْتَدى ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلى بِدْعَةٍ ، فَقَدْ غَوى» .

هديّة :«الشّرة» بالكسر والتشديد : النشأة والرغبة . وفي الحديث : «لكلِّ عابد شرّةٌ» (2) و«الشّره» بالتحريك والتخفيف والهاء : غلبة الحرص على الشيء ، وقرئ بهما هنا . و«الفترة» بالفتح مقابلهما. يعني فمن فتر عن عبادة مندوبة، لكثرتها، ووهن طاقته، وانزجار طبيعته فأقبل إلى أقلّ منها مطابقا للسنّة الحقّة فهو من الناجين . وأمّا من فتر عنها وأقبل إلى بدعة كبدع الصوفيّة القدريّة _ لعنهم اللّه _ قلّ أو كثر فهو من الهالكين . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «الشره» بفتح الشين المعجمة وفتح الراء المهملة والهاء : حرص الدنيا . ويحتمل «الشرّة» بالكسر والتشديد والتاء المصدرية : الرغبة في العبادة . و«الفترة» بالفتح : عدم الرغبة في الدنيا، ووهن الطبيعة. يعني ما من أحد من الرعيّة إلّا وله حرص الدنيا في بعض أوقاته ، كما أنّه يكون لكلّ أحد في أوائل سنّه ، وقد يكون له وهن في طلب الدنيا كما أنّه يكون لكلّ أحد عند ملاحظته فناء الدنيا، فمن كان وهنه في طلب الدنيا موافقا للسنّة المقرّرة بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ الآمرة بسؤال أهل الذِّكر فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة، فهو من الفرقة الناجية ، ومن كان تركه حرص الدنيا موافقا للبدعة الممنوعة في الشريعة الغرّاء _ كالصوفيّة المدّعين للمكاشفة بالرياضة _ فهو من الفرقة الهالكة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «شرّة الشباب» : فرحه ونشاطه. و«الفترة» : السكون بعد حدّة واللين بعد شدّة . والمراد بالفترة إلى السنّة : السكون إليها والاستقرار عند الوصول إليها . والمعنى أنّه ما من أحد إلّا وفيه نشاط يتحرّك بسببه إلى جوانب مختلفة، وفترةٌ وسكون إلى ما يستقرّ عنده ويسكن إليه، فبنشاطه يتوجّه إلى كلّ جانب، ويتحرّك إليه في أخذ دينه، وينظر في كلّ ما يجوز كونه مأخذا، ثمّ يستقرّ عندما يعتقد صلوحه للمأخذيّة دون غيره يفتر به ويسكن إليه ، فمن كان سكونه إلى السنّة وما ينتمي إليها ويجعلها مأخذا ومنتهى في الاُمور الدينيّة فقد اهتدى ، ومن كان سكونه إلى ما لا يوافق السنّة، بل يخالفها (3) من البدع فقد غوى وضلّ وخاب وخسر . (4)

.


1- . في الكافي : «عليّ بن إبراهيم».
2- . مسند أحمد، ج 2، ص 158، ح 6477؛ النهاية لابن الأثير، ج 2، ص 459 (شرر). و عن النهاية في بحارالأنوار، ج 68، ص 210.
3- . في «ب» و «ج»: «يخالفه»
4- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 234 و 235.

ص: 639

الحديث الحادي عشرروى في الكافي عَنْ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ البرقي ، (1) عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ؛ وَمُحَمَّدُ (2) ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ ، عَنْ زُرَارَةَ (3) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ :«كُلُّ مَنْ تَعَدَّى السُّنَّةَ ، رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ» .

هديّة :يعني من تعدّى السنّة المضبوطة عن النبيّ صلى الله عليه و آله من آله المعصومين بثقات شيعتهم عليهم السلام على التواتر، سواء كان ما يتعدّى فيه من العقائد أو الأعمال، ردّ إلى السنّة وجوبا بما تقتضيه السنّة من الاستتابة والضرب والقتل . قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى : «كلّ من تعدّى السنّة» يعني كلّ من تعدّى السنّة المقرّرة بمحكمات القرآن الناهية عن اتّباع الظنّ فيما يجري فيه وفي دليله النزاع بلا مكابرة «ردّ إلى السنّة» يعني واجب على كلّ من تمكّن من ردّه ومنعه ردّه إلى السنّة ومنعه من البدعة . وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : «ردّ إلى السنّة» أي يجب أن يردّ إلى السنّة، كمن زاد أو نقص في الفرائض أو غيرها من المحدودات في السنّة قولاً أو عملاً، يجب ردّه إلى السنّة، ونهيه عن مخالفتها على من تمكّن من ذلك .

.


1- . في الكافي المطبوع : «أحمد بن محمّدٍ البرقي».
2- . في الكافي المطبوع : «محمّد بن يحيى».
3- . في الكافي المطبوع : «زراة بن أعين».

ص: 640

الحديث الثاني عشرروى في الكافي عَن الأربعة (1) ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام ، قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه : السُّنَّةُ سُنَّتَانِ : سُنَّةٌ فِي فَرِيضَةٍ ، الْأَخْذُ بِهَا هُدًى ، وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ؛ وَسُنَّةٌ فِي غَيْرِ فَرِيضَةٍ ، الْأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ ، وَتَرْكُهَا إِلى غَيْرِ خَطِيئَةٍ» .

هديّة :(السنّة) لغةً : الطريقة، وشرعا لها إطلاق عامّ، وإطلاق خاصّ، كما نصّ به عليه السلام . وعلى الأوّل يقابلها البدعة ، والمعنى سنّة مضبوطة عن النبيّ صلى الله عليه و آله من آله عليهم السلام بثقات شيعتهم على التواتر في باب ما فرض اللّه تعالى على عباده، الأخذُ بها على وجهها هدايةٌ للآخذ بها بتوفيق اللّه إلى الصراط المستقيم، وتركُها ضلالةٌ وكفر بخذلان اللّه ، أمّا لا على الاستحلال فضلالة المعصية وكفرها الموجب لنقص الإيمان، وأمّا على الاستحلال فضلالة الكفر وكفر الجحود الموجب للخلود في النار مطلقا، كما بالارتداد عن الملّة، أو بشرط عدم التوبة كما بالارتداد عن الملّة . وسنّة مضبوطة كذلك في باب المندوبات الأخذ بها فضيلة موجبة للنفل والعطاء، وتركها لا يوجب إثما . ويمكن أن يكون «إلى» بمعنى مع . وأمّا احتمال تنوين «غير» ورفع «خطيئة» على الخبر فليس بشيء. كقول بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث : وتنقسم السنّة إلى واجب وندب . وبعبارة اُخرى: إلى فرض ونفل ، وبثالثة إلى فريضة وفضيلة . (2) وأمّا تخصيص السنّة بالنفل والفضيلة فعرف طار من الفقهاء نشأ حديثا، وليس في كلام أهل البيت عليهم السلام منه أثر، بل يقولون : غسل الجمعة سنّة واجبة ونحو ذلك ؛ فإنّ قوله هذا غفلة بيّنة عن ثبوت الإطلاق الخاصّ للسنّة في كلام أهل البيت عليهم السلام _ كما في صريح هذا الحديث _ ومثلُه صار سببا لاشتهار الإطلاق الخاصّ فيما بين الفقهاء . قال برهان الفضلاء : «إلى» في «إلى غير خطيئة» بمعنى مع، والظرف خبر المبتدأ. و«غير» مجرور غير منوّن ومضاف إلى «خطيئة». يعني الطريقة التي جاء بها النبيّ صلى الله عليه و آله من عند اللّه تبارك وتعالى قسمان : أحدهما : ما في محكمات القرآن صريحا من دون حاجة إلى السؤال عن أحد، أو ضمنا بمعنى الحاجة في علمه إلى السؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام ، ومن المحكمات وجوب السؤال عن أهل الذِّكر عليهم السلام . ومنه يعلم وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح. والآخر : ما ليس في محكمات القرآن بل هو في متشابهاته. والأخذ بهذا القسم فضيلة، أي كمال يحصل للآدميّ بقضائه تعالى وقَدَره، كمن وصل إليه اتّفاقا خبر صحيح موافقا للواقع، فتركه ليس مع إثم، أي لا إثم في تركه، كمن وصل إليه خبر صحيح موافقا للتقيّة وليس فيه تقصير . انتهى . فيه أشياء تظهر بالتدبّر في البيانات في هديّة الأوّل وسائر أحاديث الباب . وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله بخطّه : السنّة سنّتان؛ أي الأثر والطريقة النبويّة صلى الله عليه و آله قسمان : قسم ورد فيما افترضه اللّه ، وقسم ورد فيما استحبّه اللّه تعالى . (3) وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله : السنّة الطريقة المنسوبة إليه صلى الله عليه و آله والحديث المرويّ عنه عليه السلام . وعلى الأوّل : فكونها في فريضة كونُ العامّ في خاصّ من خواصّها، أي سنّة تكون فريضةً . وعلى الثاني : فكونها في فريضة كونها في بيانها، أي سنّة تكون مبيّنةً بفريضة . وقوله : «الأخذ بها» أي العمل على وفقها، والقول بوجوبها أو مفادها «هدى، وتركها» قولاً أو فعلاً «ضلالة» . «وسنّة في غير فريضة» أي كائنة في غيرها كون العامّ في خاصّه، أو في بيان غيرها. «والأخذ بها» أي العمل على وفقها «فضيلة، وتركها إلى غير خطيئة» أي ينتهي إلى غير خطيئة، أو هو من غير خطيئة أو هو غير خطيئة (4) ؛ لأنّ تركه ترك ما جوّز الشارع تركه ولم يوجب فعله . وأمّا عدم القول به لعدم الاطّلاع عليه، [وتركُ تحصيل الاعتقاد بما جاء في السنّة هذه] (5) فليس بخطيئة ، وأمّا عدم القول والإنكار بعدما اطّلع على السنّة فعلى حدّ الشرك. (6) في بعض نسخ الكافي بعد ذكر هذا الحديث : «تمّ كتاب العقل». وفي بعض آخر : «هذا آخر كتاب فضل العلم من كتاب الكافي» فلعلّه من زيادات المفيد، أو بعض تلامذة ثقة الإسلام الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، وجعل اللّه الجنّة مثواه . قد فرغت بتوفيق اللّه وحسن تأييده من تأليف الجزء الأوّل، وهو كتاب العقل من كتاب الهدايا في اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأوّل في سنة أربع وثمانين وألف، حامدا مصلّيا، ويتلوه إن شاء اللّه تبارك وتعالى الجزء الثاني، وهو كتاب التوحيد . وفّقني اللّه للإتمام بحقّ الحسين وأخيه وجدّه وأبيه و اُمّه وبنيه عليهم السلام .

.


1- . يعني : «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني».
2- . الوافي، ج 1، ص 302.
3- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 100.
4- . في «ب» و «ج»: - «أو هو غير خطيئة».
5- . أضفناه من المصدر.
6- . الحاشية على اُصول الكافي، ص 235 و 236.

ص: 641

. .

ص: 642

. .

ص: 643

فهرس المطالب .

ص: 644

. .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.