البضاعةالمزجاة: شرح كتاب الروضه من الكافي المجلد 1

هویة الکتاب

سرشناسه : قارياغدي، محمدحسين، توشيحگر

عنوان قراردادي : الكافي. روضه. شرح

عنوان و نام پديدآور : البضاعةالمزجاة: شرح كتاب الروضه من الكافي/ محمدحسين قارياغدي ؛ تحقيق حميد الاحمدي الجلفائي.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالحديث العلميه والثقافيه، مركز للطباعه والنشر؛ تهران: كتابخانه٬ موزه و مركز اسناد مجلس شوراي اسلامي،1430ق.= 1388 -

مشخصات ظاهري : ج.

فروست : الشروح والحواشي علي الكافي؛ 14.

مركز بحوث دارالحديث؛ 156.

مجموعه آثار الموتمرالدولي الذكري ثقةالاسلام الكليني(ره)؛ 24 ، 25

شابك : دوره: 978-964-493-329-5 ؛ 70000 ريال: ج. 1 : 978-964-493-319-6

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر كتاب "اصول الكافي" تاليف "محمدبن يعقوب كليني" است.

يادداشت : كتابنامه.

عنوان ديگر : شرح كتاب الروضه من الكافي.

موضوع : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. روضه -- نقد و تفسير

موضوع : احاديث شيعه -- قرن 4ق.

شناسه افزوده : احمدي جلفايي، حميد، 1357 -

شناسه افزوده : كليني، محمد بن يعقوب - 329ق. . الكافي. روضه. شرح

شناسه افزوده : ايران. مجلس شوراي اسلامي. كتابخانه، موزه و مركز اسناد

شناسه افزوده : دار الحديث. مركز چاپ و نشر

رده بندي كنگره : BP129/ك8ك240216 1388

رده بندي ديويي : 297/212

شماره كتابشناسي ملي : 1852989

ص: 1

اشاره

مرکز البحوث

موسسة دارالحديث العلمیة الثقافیة

ص: 2

البضاعَةُ الْمُزْجَاةُ

(شرح کتاب الروضة من الكافي)

مُحَمَّدْ حُسَيْنُ بْنُ قَارُ يَا غَدِي

(م 1089 ق.)

المجلد الأول

تَحْقِيقُ

حَمِيدِ الْأَحْمَدِي الْجُلْفَائِيِّ

مجموعة آثار المؤتمر الدولي لذكرى الشيخ ثقة الإسلام الكليني - ٢٤

ص: 3

البضاعة المزجاة /

محمد حسين بن قارياغدي

تحقيق : حميد الأحمدي الجلفائي

الإخراج الفنى : محمد كريم صالحي ، مجيد بابكي

الناشر : دار الحديث للطباعة والنشر

الطبعة : الأولى ، ١٤٢٩ ق / ١٣٨٧ ش

المطبعة : دار الحديث

الكمية : ؟؟؟؟

الثمن : ؟؟؟؟

دار الحديث للطباعة والنشر

مؤسسة دار الحديث العلمية الثقافية

دارالحديث للطباعة والنشر : قم ، شارع معلّم ، قرب ساحة الشهداء ، الرقم ١٢٥

الهاتف : ٠٢١٧٧٤١٦٥٠ - ٠٢٥١٧٧٤٠٥٢٣ ص ب : ٤٤٦٨ / ٣٧١٨٥

hadith@hadith.net

http://www.hadith.net

ص: 4

تصدير

لا يزال الكافي يحتلّ الصدارة الاُولى من بين الكتب الحديثية عند الشيعة الإمامية ، وهو المصدر الأساس الذي لا تنضب مناهله ولا يملّ منه طالبه ، وهو المرجع الذي لا يستغني عنه الفقيه ، ولا العالم ، ولا المعلّم ، ولا المتعلّم ، ولا الخطيب ، ولا الأديب . فقد جمع بين دفّتيه جميع الفنون والعلوم الإلهيّة ، واحتوى على الاُصول والفروع . فمنذ أحد عشر قرنا وإلى الآن اتّكأ الفقه الشيعي الإمامي على هذا المصدر لما فيه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، وهو أوّل كتاب جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب . وبعد ظهور الكافي اضمحلّت حاجة الشيعة إلى الاُصول الأربعمائة ، لوجود مادّتها مرتّبة ، مبوّبة في ذلك الكتاب . ولقد أثنى على ذلك الكتاب القيّم المنيف والسفر الشريف كبار علماء الشيعة ثناءً كثيرا ؛ قال الشيخ المفيد في حقّه : «هو أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة» وتابعه على ذلك من تأخّر عنه . ومن عناية الشيعة الإمامية بهذا الكتاب واهتمامهم به أنّهم شرحوه أكثر من عشرين مرّة ، وتركوا ثلاثين حاشية عليه ، ودرسوا بعض اُموره ، وترجموه إلى غير العربية ، ووضعوا لأحاديثه من الفهارس ما يزيد على عشرات الكتب ، وبلغت مخطوطاته في المكتبات ما يبلغ على ألف وخمسمائة نسخة خطيّة ، وطبعوه ما يزيد على العشرين طبعة . ومن المؤسف أنّ الكافي وشروحه وحواشيه لم تحقّق تحقيقا جامعا لائقا به ، مبتنيا على اُسلوب التحقيق الجديد ، على أنّ كثيرا من شروحه وحواشيه لم تطبع إلى الآن وبقيت مخطوطات على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة ، بعيدة عن أيدي الباحثين والطالبين. هذا ، وقد تصدّى قسم إحياء التراث في مركز بحوث دار الحديث تحقيق كتاب الكافي ،

ص: 1

وأيضا تصدّى في جنبه تحقيق جميع شروحه وحواشيه _ وفي مقدّمها ما لم يطبع _ على نحو التسلسل. ومنها هذا الشرح الذي بين يديك ، وهو الذي لم تتناوله يد الطبع إلى يومنا هذا ، الّفه الفاضل الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي ، وقد كان معاصرا لملّا صالح المازندراني والعلّامة المجلسي رحمهما الله ، وكان حيّا إلى سنة (1098 ق) حيث فرغ من تأليف هذا الشرح في هذه السنة ، ولم يعلم تاريخ وفاته . ولمّا كان كتاب الروضة من الكافي يشتمل على روايات متفرّقة في موضوعات شتّى ، ولم يضع الشيخ الكليني رحمه الله لهذا الكتاب تبويبا خاصّا، فلهذا أفرد المصنّف _ قبل شروعه بشرح أحاديث الكتاب _ فهرسا موضوعيّا لتلك الأحاديث ، ورتّبها في ثلاثين بابا ، وذكر أحاديث كلّ باب من الأبواب التي رتّبها مرقّمة _ بالعدد والحروف _ مطابقا للترقيم الموجود في الكافي المطبوع بتحقيق الغفّاري رحمه الله . وهذا يعدّ من إبداعاته وابتكاراته التي سهّلت الرجوع إلى روايات كلّ موضوع بسرعة فائقة ومن دون جهد وعناء . وقد بذل _ قدّس سرّه _ كلِّ ما بوسعه لشرح الأحاديث، فما مرّ بعبارة أو كلمة غير واضحة في متون الأحاديث إلاّ وتعرّض لها وبيّنها و شرحها موضحا الوجوه المحتملة والأقوال المختلفة فيها ، فجاء هذا الشرح شرحا مبسوطا موسّعا حتّى عدّ من أهمّ شروح كتاب الروضة من الكافي ، فللّه درّه و عليه أجره . وفي ختام المطاف نعرب عن جزيل الشكر والتقدير للمحقّق الفاضل الشيخ حميد الأحمدي الجلفائي ؛ لتبنّيه تحقيق هذا الأثر القيّم وتصحيحه ، ونسأل اللّه له المزيد من التوفيق ، واللّه وليّ التوفيق .

قسم إحياء التراث

مركز بحوث دار الحديث

محمّد حسين الدرايتي

ص: 2

مقدّمة التحقيق

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الواحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، ثمّ سلامه وصلواته الدائمة الوافرة على خاتم رسله محمّد الأمجد ، وآله الكرام البررة إلى الأبد. لا ريب أنّ كتاب الكافي (اُصولاً وفروعا وروضة) هو أهمّ الكتب الحديثيّة عند الفرقة الناجية وأدقّها وأجلّها وأضبطها ، وأوّل كتاب تقريباً جمعت فيه الأحاديث بهذه السعة والترتيب والتبويب، ولا زال منذ تأليفه إلى يومنا هذا مصدرا ومرجعا أساسيّا لعلماء الشيعة وغيرهم في مجالات مختلفة . ويؤيّد هذا كثرة الإرجاعات إليه، ووفور مخطوطاته، وشروحه وحواشيه، وتراجمه وطبعاته، أو البحث والتحقيق عنه وحوله ، ولا سيّما ميلان البعض إلى اعتبار جميع أحاديثه وطرقه، أو إلى ما يقربه . كان مؤلّفه ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ السلسليّ البغداديّ أشهر وأوثق وأفضل علما وعملاً عند علماء الفريقين من أن نعرّفه في هذا المقام . (1)

كتاب الروضة من الكافي

واعلم أنّ كتاب الكافي _ الذي اشتهر فيه من كلام الصاحب عليه السلام أنّه كاف لشيعتنا - على ثلاثة أقسام كما هو المشهور:

ص: 3


1- .اُنظر في ترجمته : رجال النجاشي ، ص377 ؛ رجال الطوسي ، ص135 ؛ الفهرست للطوسي ، ص136 و496 ؛ رجال ابن داود ، ص178 ؛ كشف المحجّة ، ص 159 - 220 ؛ الفوائد الرجاليّة ، ج3 ، ص336 ؛ الخلاصة للحلّي ، ص145 ؛ معالم العلماء ، ص99 .

القسم الأوّل : قسم الاُصول .

وهو مشتمل على ثمانية كتب : كتاب العقل والجهل ، كتاب فضل العلم ، كتاب التوحيد ، كتاب الحجّة ، كتاب الإيمان والكفر ، كتاب الدعاء ، كتاب فضل القرآن ، وكتاب العشرة . القسم الثاني : قسم الفروع . وهو مشتمل على ستّة وعشرين كتابا بهذه العناوين: الطهارة ، الحيض ، الجنائز ، الصلاة ، الزكاة ، الصيام ، الحجّ ، الجهاد ، المعيشة ، النكاح ، العقيقة ، الطلاق ، العتق والتدبير والكتابة ، الصيد ، الذبائح ، الأطعمة ، الأشربة ، الزيّ والتجمّل والمروءة ، الدواجن ، الوصايا ، المواريث ، الحدود ، الديات ، الشهادات ، القضاء والأحكام ، والأيمان والنذور والكفّارات . القسم الثالث : كتاب الروضة . وفيه سبعة وتسعون وخمسمائة حديثا متفرّقة غير مبوّبة ، إلّا ما نرى فيه من بعض العناوين في أوائل بعض أحاديثه كعناوين الصحف والخطب والرسائل والقصص والوصايا والمواعظ ، والأحاديث الطوال . و«الروضة» في اللغة : البستان الذي فيه البَقل والعُشب والأشجار المُثمرة وغيرها ، أو مُستنقع الماء أيضا. (1) وعن الشارح الشهير المحقّق المازندراني رحمه الله : [وهي] مستعارة لهذه الكتاب بتشبيه ما فيه من المسائل الشريفة والخصائل العجيبة والفضائل الغريبة بهما في البهجة والصفاء والنضارة والبهاء ، أو في كونه سببا لحياة النفوس كالماء. (2) وقد أنكر بعض الشواذّ كون كتاب الروضة جزءا من الكافي، وذهب إلى كونه تصنيفا مستقلاًّ للكليني رحمه الله ، بل نُقل عن البعض نسبته إلى غير الكليني رحمه الله. وجعل البعض أيضاً ترتيبه بين كتاب العشرة وكتاب الطهارة؛ مستدلًا عليه بكتابة بعض الناسخين هكذا. وأوّل من نسب إليه هذا القول هو المولى خليل القزويني رحمه الله ، إلى صاحب الشرحين على

ص: 4


1- .راجع : النهاية لابن الأثير ، ج2 ، ص277 ؛ لسان العرب ، ج7 ، ص162 ؛ المصباح المنير ، ص245 (روض) .
2- .شرح المازندراني ، ج11 ، ص140 .

الكافي (أحدهما باللغة الفارسيّة والآخر بالعربيّة) المسمّين الصافي والشافي، حيث نَقل عنه صاحب الرياض في ترجمته هكذا:

إنّ [كتاب] الروضة ليس من تأليف الكليني ، بل هو من تأليف ابن إدريس. ثمّ قال :

وإن ساعده في الأخير بعض الأصحاب ، وربّما يشهد هذا القول الأخير إلى الشهيد الثاني ، ولكن لم يثبت. (1)

ونرى مثله في كتاب مستدرك الوسائل مع ذكر بعض من اعتنى به . (2)

ونقله المحقّق ابن المعالي رحمه الله أيضا في الرسائل الرجاليّة ، ثمّ علّله بتعليل نظنّ أنّه أيضا عن القزويني، وهو قوله : «لاشتمالها على منكرات» . (3)

ويردّ جميع هذه الأوهام _ مضافا على عدم ذكر دليل وبرهان خاصّ عن القائلين بها _ عدّة دلائل وقرائن واضحة ، وهي كالآتي:

الأوّل : يحتمل أنّ ما نقله صاحب الرياض عن القزويني ليس ممّا سمعه عنه، بل المظنون أنّه سمعه عن البعض ؛ لأنّ القزويني رحمه الله إن كانت عقيدته هكذا ، فلابدّ أن يذكره في أوّل شرحه على كتاب الروضة _ وهو المسمّى بالصافي في شرح الكافي _ والحال أنّا عثرنا على نسخة من شرحه في خزانة مكتبة الملك مع الرقم 1946، حيث ذكر في أوّله ما يدّل على أنّه _ رغم ما قيل _ يرى أنّ الروضة كانت قسما من كتاب الكافي مستشهدا بكلام النجاشي والشيخ رحمهما اللّه ، ولهذا قد شرحها في إدامة شرحه على القسمين السابقين (أعني الاُصول والفروع) ونصّ كلامه هكذا :

بعد ، چون فقير حقير خليل بن الغازى القزوينى مأمور شد به صافى (شرح كافىِ أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق رازي كليني) به زبان فارسى، [و] به انجام رسيد شرح سى وسه كتاب ،[پس] شروع نمود در شرح كتاب الروضه كه شيخ ابو جعفر طوسى ونجاشى آن را آخر كتب كافى شمرده اند ، به تاريخ سه شنبه ... . (4)

نعم ، لو كان معتقدا يأنّها ليست من الكافي ، فأيّ محلّ كان أنسب وأليق بذكره والدفاع

ص: 5


1- .رياض العلماء ، ج2 ، ص261 .
2- .راجع : مستدرك الوسائل ، ج3 ، ص546 .
3- .راجع : الرسائل الرجاليّة ، ص634 .
4- .راجع : نسخة مكتبة الملك ، الرقم 1946 .

عنه من أوّل شرحه على هذا الكتاب الشريف؟ !

الثاني: وهو أحكم الدلائل في ردّه ، تصريح النجاشي والشيخ الطوسي _ رحمهما اللّه _ (وهما من أقدم الرجاليّين) ومحمّد بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ق) بكونها جزءا من كتاب الكافي .

قال النجاشي في رجاله في ترجمة محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله : صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي في عشرين سنة . شرحُ كتبه : كتاب العقل ، كتاب فضل العلم - إلى أن عدّ _ كتاب الوصايا ، كتاب الفرائض ، كتاب الروضة ... . (1)

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في الفهرست :

له كتب منها الكافي ، وهو مشتمل على ثلاثين كتابا ، أوّله : كتاب العقل _ إلى أن قال _ كتاب الحدود ، كتاب الديات ، كتاب الروضة من آخر كتاب الكافي ... . (2)

وقال محمّد بن شهر آشوب رحمه الله في كتابه معالم العلماء في ترجمة المصنّف رحمه الله : له الكافي يشتمل على ثلاثين كتابا منها : العقل ، فضل العلم ، التوحيد _ إلى أن عدّ _ الزيّ والتجمّل ، الروضة ... . (3) وقريب من قول الشيخ رحمه الله ما في نقد الرجال للمحققّ التفرشي رحمه الله ، ولعلّه نقله عنه من دون الإسناد إليه. (4) الثالث: انضمامها إلى سائر كتب الكافي في جلّ المخطوطات التي وصلنا إليها ، والنسّاخ قد نسخوها منضمّة إلى سائر كتب الكافي من دون أن يتردّدوا في كونها منه، بل من دون أن إشارة إلى النزاع في هذا المقام ، مع أنّ بعض الأعاظم من علماء الشيعة قد صحّحوا بعض هذه النسخ، أو قابلوها، وتوجد لبعضهم علامات للبلاغ ونحوه ، وهم لم يتردّدوا في كونها من الكافي ، أو لا أشاروا إلى النزاع أصلاً.

فلاحظ على سبيل المثال النسخة التي صحّحها الشهيد رحمه الله ، وقوبل كثير من النسخ معها من قبل بعض الأعاظم ، ولم يخبر أحد من النسّاخ بشيء في هذه النسخة يدلّ على النزاع.

ص: 6


1- .رجال النجاشي ، ص377 .
2- .الفهرست ، ص135 .
3- .معالم العلماء ، ص99 .
4- .راجع : نقد الرجال ، ج4 ، ص353 .

أو لاحظ النسخة المصحّحة بيد العلاّ مة المجلسي رحمه الله؛ أو النسخة المحرّرة بيد المولى حيدر عليّ بن محمّد حسن الشيرازي سبط المجلسيّ الأوّل ؛ أو نسخة أبيه التي قوبلت بيده مع النسخة المصحّحة بيد المجلسيّ؛ أو النسخة المحرّرة بيد المولى فتح اللّه بن شكر اللّه الشريف (مؤلّف تفسير منهج الصادقين) (ت 998 ق) ؛ أو النسخة التي حرّرها نور الدين محمّد بن رفيع الدين بن الميرزا رفيعا (شارح الكافي واُستاد العلّامة المجلسي رحمه الله) ؛ أو النسخة المصحّحة بيد الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله، وغيرها .

وتوجد صور كلّ هذه النسخ التي أشرنا إليها في مؤسّسة دارالحديث بقم، قسم الإحياء للآثار والمتون . (1)

وأضف إلى هذا أنّه إذا بحث المتأخّرون المتأخّرين من فقهاء الشيعة وغيرهم عنها صرّحوا بكونها من الكافي بألفاظ مختلفة ، أشهرها : «روضة الكافي» . فراجع على سبيل المثال: قول المحقّق السبزواري (ت 1090 ق) في ذخيرة المعاد (ج1 ، ص278)؛ والمحقّق البحراني (ت 1186 ق) في الحدائق (ج1 ، ص39 ، وص114 )؛ والمحقّق النراقي (ت 1344 ق) في عواعد الأيّام (ص72) ؛ وصاحب الجواهر في كتابه (ج43 ، ص49) ونحوها.

الرابع : انضمامه أيضا في كلّ الشروح والحواشي والتراجم والتعاليق الموجودة للكافي التي كتبها أعاظم الشيعة، من دون بيان أيّ نزاع في المقام إلّا ما انسب إلى المولى القزويني رحمه الله، وقد تقدّم ما فيه .

وسنذكر جلّ هذه الشروح والحواشي وغيرها بُعيد هذا إن شاء اللّه تعالى .

الخامس : انتسابها إلى ابن إدريس رحمه الله أو أمثاله بعيد جدّا؛ لأنّه لا يخفى على اللاحظ أنّ جميع الشيوخ والرواة الذين ذُكروا في أوّل أسانيد كتاب الروضة يعدّون من الطبقة الثامنة أو التاسعة ، وأمّا ابن إدريس رحمه اللهفيعدّ من الطبقة الخامسة عشرة ، فكيف يمكن روايته عنهم؟!

وثقة الإسلام الكليني رحمه الله نفسه يعدّ من الطبقة التاسعة ، فلهذا يروي عن صغار الطبقة الثامنة، وهم يعدّون من مشايخه. ويروي أيضا عن الطبقة التاسعة الذين عامرهم .

السادس: إذا قسنا أسانيد كتاب الروضة وكيفيّة نسجها واتّصالها وارتفاعها والإضمارات

ص: 7


1- .وراجع أيضا : فرستگان نسخه هاى خطّى ، ج5 ، ص204 _ ص319 .

والتعليقات والتحويلات فيها على أسانيد قسمي الاُصول والفروع ، ولا سيّما الأسانيد التي تكررّت عينا في كلّ من الأقسام الثلاثة للكافي ، نستيقن بلا شكّ أنّ الروضة من الكافي كقسميه الاُصول والفروع . السابع: وهكذا إذا قسنا الأسانيد التي صدّرت ب «عدّة» في كتاب الروضة بالنسبة إلى القسمين السابقين ، نجد اتّحادا وتشابها يدّل على كونها من الكافي ، وأكثر هذه العدد والطرق ثلاثة : الأوّل _ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ... الثاني _ عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسي ... الثالث _ عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد الآدمي القمّي ... الثامن: صرّح المصنّف رحمه الله في موضعين من الكافي بأنّ الروضة كانت منه بالتعبيرين : أحدهما في آخر كتاب الأيمان والنذور والكفّارات (وهو خاتمة كتب قسم الفروع من الكافي) حيث قال : هذا آخر كتاب الأيمان والنذور والكفّارات ، وبه تمّ كتاب الفروع من الكافي تأليف أبي جعفر محمّد بن يعقوب الرازي الكليني رحمه الله، والحمد للّه ربّ العالمين ... ويتلوه كتاب الروضة من الكافي إن شاء اللّه ... (1) وثانيهما في خاتمة نفس كتاب الروضة حيث قال : تمّ كتاب الروضة من الكافي ، وهو آخره، والحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. (2) وهذان التعبيران (مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ الغير دخيلة في المراد) توجدان في جلّ مخطوطات الكافي الموجودة في قسم الإحياء للتراث في مؤسسّة دارالحديث بقم ، وهي تقرب من عشر نسخ تقريبا .

ذكر الشروح والحواشي والتعليقات على كتاب الروضة من الكافي

1 . شرح المولى محمّد صالح بن أحمد بن شمس الدين السرويّ المازندراني (ت 1086 ق). وهو صهر المولى العلّامة محمّد تقيّ المجلسي (ت 1086 ق) . شرح جميع كتاب

ص: 8


1- .الكافي ، ج7 ، ص464 .
2- .الكافي ، ج8 ، ص396 .

الروضة مع قسم الاُصول من الكافي غير الفروع ، وطبع شرحه مرارا ، وقد أكمل شرحه ابنه المولى محمّد هادي بن محمّد صالح المازندراني بشرح قسم الفروع ، وهذا الشرح سيطبع عن قريب من قبل مؤسسّة دارالحديث بقم إن شاء اللّه تعالى . 2 . شرح الشيخ الجليل الملّا خليل بن الغازي القزويني (ت 1089 ق) . يسمّى شرحه الصافي في شرح الكافي ، ونسخة منه موجودة في مكتبة الملك بطهران مع الرقم 1946. (1) وقد رتّب تلميذه المولى محمّد مهدى بن أصغر القزويني (ت 1129 ق) في أوّل نسخة مكتبة الملك فهرسا على أحاديث كتاب الروضة ، ولهذا قد أخطأ بعض المفهرسين في نسبة هذا الشرح إلى تلميذه. 3 . شرح العلّامة المولى الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي (ت 1098 ق). ويسمّى شرحه «البضاعة المزجاة»، وهو الشرح الذي بين يديك، وسيأتي ذكره بعيد هذا . (2) 4 . مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ؛ للعلّامة المولى محمّد باقر بن المولى محمّد تقيّ بن مقصود عليّ المجلسي (ت 1110 ق) . وقد شرح جميع كتاب الكافي ؛ لكن فرغ من قسمي الاُصول والفروع في سنة (1102 ق)، ومن قسم الروضة في سنة (1076 ق) _ كما في نسخة الرضويّة التي ذكرها صاحب الذريعة (3) _ فيظهر منه أنّه رحمه الله بدأ بشرح الروضة قبل قسمي الاُصول والفروع . 5 . الحاشية على كتاب الروضة ؛ مؤلّفها مجهول ، ونسخة منها موجودة في مكتبة مدرسة الحجّتيّة بقم برقم الرقم 614 ، وهي باللغة العربيّة ، حرّرت في سنة 1302 ق . (4) 6 . الحاشية على الروضة من الكافي ؛ كتبها المولى محمّد حسين بن يحيى النوري . نسخة منها موجودة في مكتبة جامعة طهران برقم 8895 ، وشرح فيها اثنين وأربعين حديثا من أوّل الروضة .

ص: 9


1- .راجع : الفهرست للمكتبة ، ج3 ، ص515 ، الرقم 1946 .
2- .الذريعة ، ج14 ، ص27 .
3- .الذريعة ، ج20 ، ص279 ، الرقم 297 .
4- .راجع : الفهرست للمكتبة ، ص50 .

7 . نزهة الإخوان وتحفة الخلّان ؛ للسيّد نعمة اللّه بن عبد اللّه الجزائري (ت 1112 ق) . ذكره صاحب الذريعة، ثمّ أخبر أنّه رأى نسختين منه عند الشيخ محمّد رضا فرج اللّه بالنجف : إحداهما بخطّ محمّد عليّ بن الحسين المعروف بسيّد بزرگ إمام الجمعة (ت 1350 ق) ؛ والاُخرى بخطّ أحمد بن عبد الصمد . وقال أيضاً: قد فرغ من التدوين يوم الثلثاء المحرّم سنة (1112ق) ، فهو آخر تصانيفه ظاهرا . (1) وقال في موضع آخر: ذكره سبطه السيّد عبد اللطيف التستري في تحفة العالم ، ويظهر منه أنّ له عليه شرحين: كبير وصغير . (2) وسمعت أنّ نسخة منه موجودة في مكتبة مركز الإحياء للتراث الإسلامي بقم .

8 . شرح السيّد حسين بن ضياء الدين حسن بن أبي جعفر محمّد الموسوي الكركي العاملي المعروف بالمجتهد (ت 1001 ق) . ذكره صاحب الذريعة في كتابه، وإسماعيل باشا في هداية العارفين مع سائر تصانيفه . (3)

9 . الحاشية عليها وعلى قسيميها؛ للمولى أبي الحسن الشريف العاملي الفتوني النباطي الإصفهاني الغروي (ت 1138 ق)، صاحب كتاب الأنساب . ذكره صاحب الذريعة وقال : «فرغ من الكتابة في 1128 ، والحواشي بخطّ غيره، وإمضاؤها (أبوالحسن)» . (4)

10 . الحاشية عليها مع قسيميها ؛ للمولى حيدر عليّ بن الميرزا محمّد بن الحسن الشيرواني . (5)

11 . الحاشية عليها؛ للشيخ قاسم بن محمّد بن جواد الكاظمي الشهير بابن الوندي والفقيه الكاظمي (ت 1100 ق) . (6)

ص: 10


1- .الذريعة ، ج24 ، ص111 ، الرقم 577 .
2- .الذريعة ، ج13 ، ص297 ، الرقم 1085.
3- .راجع : الذريعة ، ج13 ، ص296 ، الرقم 1083 ؛ هداية العارفين ، ج1 ، ص320 .
4- .راجع : الذريعة ، ج6 ، ص180 ، الرقم 985 .
5- .راجع : الذريعة ، ج6 ، ص182 ، الرقم 993 .
6- .راجع : الذريعة ، ج6 ، ص183 ، الرقم 999.

ذكر بعض طبعات كتاب الروضة من الكافي

1 . لكنهو (عام 1302 ق) طبعة حجريّة .

2 . طهران (عام 1303 ق) طبعة حجريّة ؛ مع كتاب تحف العقول وكتاب منهاة النجاة (في 142 صفحة) .

3 . طهران (عام 1303 ق) طبعة حجريّة ؛ مع كتاب تحف العقول (في 321 صفحة) .

4 . طهران (عام 1307 ق) طبعة حجريّة .

5 . طهران (عام 1318 ق) طبعة حجريّة .

6 . طهران من ناحية دار الكتب الإسلاميّة (طبعة الآخوند) ، بتحقيق علي أكبر الغفّاري.

7 . النجف الأشرف ، من قبل مطبعة النجف، باهتمام الشيخ هاديّ الأسدي .

8 . بيروت ، من قبل مطبعة دار التعارف (اُوفست على طبعة الآخوند في دار الكتب الإسلاميّة) .

البضاعة المزجاة (في شرح كتاب الروضة من الكافي)

البضاعة المزجاة (في شرح كتاب الروضة من الكافي)وأمّا الشرح الذي بين يديك ، وهو المسمّى «البضاعة المزجاة» (1) ، فيعدّ من أهمّ الشروح الموجودة على كتاب الروضة من الكافي ، كتبه المولى الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي (من علماء القرن الحادي عشر ). يمكن البحث في أهميّة هذا الأثر المتين من جهتين : الاُولى _ نظرا إلى الفهرس المبسوط الذي رتّبه المصنّف فى ابتداء شرحه على كلّ أحاديث كتاب الروضة . والتحقيق أنّه صُنع مفيد، وعملٌ لازم جدّا، يسهّل الرجوع إلى أحاديث هذا القسم من الكافي، ويتيسّر الأخذ منها إنصافا ، وقد بيّن غرضه من ترتيب هذا الفهرس هكذا: ولما كان نظم أحاديث الكتاب كالسلك الذي تناثرت لآليه، ويصعب وجدان أكثرها فى بابه على طالبيه، وضعت تسهيلاً لذلك أبواباً لترتيب الكتاب ... .

ص: 11


1- .ولعلّه اقتبس في تسمية شرحه من الآية الكريمة (88) من سورة يوسف (12): «فَلَمَّا دَخَلوُا عَلَيْهِ قَالوُا يأيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةِ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» .

وهذا الفهرس مرتّب على ثلاثين بابا كلّيّا :

الباب الأوّل : في الخطب (وفيه أربع عشرة خطبة) .

الباب الثاني : في الرسائل (وفيه تسع رسائل) .

الباب الثالث : في النصائح والمواعظ وكلمات موجزات لرسول اللّه صلى الله عليه و آله (وفيه إحدى عشر موعظة) .

الباب الرابع : في القصص وحكايات السلف (وفيه إحدى وستّون قصّة) .

الباب الخامس : في القرائات وتفسير الآيات (وفيه آيات كثيرة قد رتّبها على ترتيب المصحف الشريف) .

الباب السادس : في فضل أهل البيت عليهم السلام وموالاتهم ومحبّتهم ... (وفيه خمسة وسبعون حديثا) .

الباب السابع: في النصيحة للمؤمن ورعاية حرمته (وفيه تسع نصائح) .

الباب الثامن : في الامتحان والاختبار (وفيه أربع أحاديث) .

الباب التاسع : في التواضع والنهي عن المُمارات (وفيه ثلاثة أحاديث) .

الباب العاشر : في التقليد من الشبهة (وفيه حديث واحد) .

الباب الحادي عشر : في ذكر جماعة من الممدوحين والمذمومين والمستضعفين (وفيه ذكر أربعة وعشرين رجلاً أو فرقة) .

الباب الثاني عشر : في الاحتجاج وحجج اللّه على عباده (وفيه تسعة احتجاجات) .

الباب الثالث عشر : في الحسب والنسب (وفيه عشرة أحاديث) .

الباب الرابع عشر : في المداراة والتقيّة والتستّر والمعاشرة والاُلفة مع الناس (وفيه ثلاثة وعشرون حديثا) .

الباب الخامس عشر : في الطيرة والعَدوى (وفيه ثلاثة أحاديث) .

الباب السادس عشر : في الاستخارة (وفيه حديث واحد) .

الباب السابع عشر : في السفر وما يتعلّق به، واختيار الأيّام والساعات له (وفيه خمسة عشر حديثا) .

الباب الثامن عشر : في النجوم (وفيه عشرة أحاديث) .

ص: 12

الباب التاسع عشر : في المطر وأسبابه (وفيه أربعة أحاديث) .

الباب العشرون : في الرياح وأصنافها (وفيه أربعة أحاديث) .

الباب الحادي والعشرون : في الزلزلة وسببها (وفيه حديثان) .

الباب الثاني والعشرون : في أصناف المخلوقات (وفيه سبعة عشر حديثا) .

الباب الثالث والعشرون : في النوم والأحلام وتعبير الرؤيا (وفيه عشرون حديثا) .

الباب الرابع والعشرون : في الطبّ والأمراض والمعالجات (وفيه ثلاثة وأربعون حديثا) .

الباب الخامس والعشرون : في الحرز والعوذة والأدعية (وفيه ثمانية أحاديث) .

الباب السادس والعشرون : في النوادر (وفيه اثنان وأربعون حديثا) .

الباب السابع والعشرون : في الإخبار عمّا هو آت (وفيه اثنا عشر حديثا) .

الباب الثامن والعشرون : في ظهور القائم عليه السلام وعلاماته (وفيه ثلاثة وعشرون حديثا) .

الباب التاسع والعشرون : في أحوال القيامة وأهوالها (وفيه أربعة أحاديث) .

الباب الثلاثون : في وصف الجنّة والنار (وفيه سبعة أحاديث) .

وقد أرجع أحاديث كلّ باب من الأبواب المذكورة مرقّمة - بالعدد والحروف - موافقا على الترقيم الموجود في تحقيق الغفّاري للكافي .

والثانية _ بملاحظة نفس الشرح وكيفيّة نقد الأحاديث وتحقيقها وتبيينها فيه ، وفي هذا المضمار أربعة نكات مهمّة :

الاُولى : قد أتى الشارح رحمه الله أوّلاً بمتن الحديث كاملاً ، ثمّ أتى بشرح أسانيد الأحاديث وتعيين درجة الحديث، ثمّ شرح المتن (بهذا الاُسلوب إلى آخره).

الثانية : ما مرّ الشارح رحمه الله بعبارة أو كلمة في متون الأحايث أو أسانيدها إلّا وتعرّض إليها، وبيّنها وشرحها مشيرا إلى الوجوه المحتملة والأقوال المختلفة فيها .

الثالثة: قد أخذ الشارح رحمه الله كثيرا مّا في شرح العبارات أو الكلمات الغامضة عن الشارح الشهير ملّا صالح المازندراني رحمه الله من دون إشارة إلى اسمه ، تارة من دون الإسناد أصلاً إلى أحد ، وتارة مع عبارات كبعض الأعلام ، أو بعض المحققّين ، أو بعض الفضلاء ، أو بعض الشارحين أو نحوها .

وأخذ بعضا عن العلّامة المجلسي رحمه الله، والمحقّق الفيض رحمه الله، والمحقّق الإسترآبادي

ص: 13

وغيرهم بأحد العناوين المذكورة . الرابعة: الظاهر أنّ الشارح رحمه الله قد رأى في شرح الأحاديث نسخا متعدّدة ؛ لأنّه أشار كثيرا مّا في شرح الكلمات والعبارات إلى الاختلافات الموجودة بين النسخ المختلفة.

الشارح رحمه الله في سطور

هو المولى الفاضل الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي (كان حيّا سنة 1098 ق) ، معاصر لكلّ من الأفاضل :

الشارح الشهير ملّا صالح المازندراني رحمه الله ، والعلّامة المجلسي رحمه الله ، وملّا خليل القزويني رحمه الله.

ولا نعلم من شرح حاله إلّا أوّلاً: ما قال صاحب الذريعة رحمه الله في تعريف هذا الشرح (أعني البضاعة المزجاة) هكذا :

البضاعة المزجاة : شرح كبير مبسوط لروضة الكافي ، ذكر اسم مؤلّفه في ديباجته ، أوّله ... ووضع فهرسا مبسوطا لأحاديث الكتاب ، ورتّبه على ثلاثين بابا ، وفرغ من تأليفه في رابع عشر محرّم الحرام سنة 1098 ، وتاريخ كتابة النسخة 1100 ، وهي في تبريز مكتبة السيّد ميرزا باقر القاضي الطباطبائي التبريزي . (1)

ثمّ قال في موضع آخر في تعريف كتابا للشارح في علم الرجال :

رجال الشيخ محمّد حسين بن قارياغدي . مرّ بعنوان «بضاعة مزجاة» في (ج3 ، ص127)، وله «شرح روضة الكافي» المشحون بالفوائد الرجاليّة وتراجم الرجال ،نسخة منه كانت عند المولى حبيب اللّه الكاشاني المتوفّى (1340 ق) ، وقال : «إنّ مؤلّفه عالم ماهر في الدراية والرجال». (2)

وثانيا: قد عرّف في كتاب معجم المؤلّفين مستفادا من مصفّى المقال هكذا : محمّد حسين بن قارياغدي (كان حيّا 1098 ق) ، فاضل ، عارف الرجال ، من آثاره :

شرح روضة الكافي، وسمّاه «بضاعة مزجاة»، فرغ منه سنة 1098 . (3) و«قارياغدي» اسم أبيه، وهي عبارة تُركيّة مركّبة عن كلمتين : «قار» و«ياغدي» ، الاُولى

ص: 14


1- .الذريعة ، ج3 ، ص127 ، الرقم 425 .
2- .الذريعة ، ج10 ، ص113 . وراجع أيضا : مصفّى المقال ، ص150 و151 .
3- .معجم المؤلّفين ، ج9 ، ص249 .

بمعنى الثلج ، والثانية إخبار عن النزول ، أي «نَزَلَ الثلج» .

وسمعت في سبب تسمية شخص آخر بهذا الاسم يعيش في بلد من بلاد آذربيجان أنّه حين وُلدته اُمّه أقرباؤه يتشاورون في اسمه ، وفي هذا الأثناء دخل أحد أقربائه عليهم وأخبر بنزول الثلج ، فسمّوه بهذا الاسم تيمّنا بنزول رحمة اللّه تعالى عليهم ، ويحتمل أن تكون تسمية أبي الشارح رحمه الله أيضا من هذا الباب ، واللّه أعلم .

مخطوطات الكتاب ومنهج التحقيق

ذُكر في الفهارس لهذا الأثر نسختان مخطوطتان :

الاُولى _ نسخة في خزانة مكتبة آية اللّه المرعشي رحمه الله بقم ، تحت رقم 7692 ، وهي شاملة للمجلّد الأوّل من شرحه .

فرغ عنها 14 شهر محرّم الحرام من سنة 1098 ق، وكاتب النسخة مجهول ، والنسخة محشيّة، وأكثر حواشيه عن الملّا صالح المازندراني رحمه الله، ولا تُرى فائدة لأكثر حواشيه ؛ لأنّها تكرار مضمون ما نقل الشارح في المتن عنه من دون ذكر المأخذ غالبا .

والثانية _ نسخة في مكتبة السيّد محمّد عليّ القاضي الطباطبائي بتبريز ، كتبها محمّد طاهر بن علي أكبر زنگنه التبريزي في سنة 1100 ق ، ولا نعلم من أحوالها غير هذا. (1) واعتمدنا في تحقيق هذا الشرح على النسخة الاُولى المذكورة، وطابقناها في المواضع المخدوشة أو الغير المقروّة مع سائر الشروح الموجودة على كتاب الروضة كشرح المازندراني ، ومرآة العقول للعلّامة المجلسي ، والوافي للمحقّق الفيض وغيرها .

ثمّ تأكّدنا من سلامة المتن والحواشي بالرجوع إلى مخطوطات الكافي الموجودة بأيدينا في قسم الإحياء من مؤسّسة دار الحديث بقم، ومصادر المنقولات والمنصوصات ، وكتب اللغة والتراجم والرجال ، وقمنا بتخريج ما فيه من الآيات والروايات والمنقولات، وعلّقنا عليه أيضا تعاليق مفيدة في تكميل بيان الشارح أو في تيسير فهم بعض الكلمات الغامضة ونحوها .

وسنذكر في هذا المجال أيضا الفروق الموجودة في متون الأحاديث بين النسخة

ص: 15


1- .راجع : نشريّه نسخه هاى خطّى ، ج7 ، ص513 .

المعتمدة وبين الطبقين للكافي : إحداهما الطبعة القديمة _ أي المتداولة فعلاً ، والتي حققّها المرحوم علىّ أكبر الغفّاري _ والثانية الطبعة الجديدة ، التي ستتبنّاها مؤتستر دارالحديث بحقيق دقيق وهوامش كثيرة وفوائد عظيمة في قسم إحياء التراث التابع لتلك المؤسسة ، وسيطبع قريبا إن شاء اللّه تعالى .

خاتمه

وفي الختام نرى من الواجب علينا أن نقدّم جزيل الشكر والثناء إلى الإخوة المسؤولين في مؤسّسة دار الحديث بقم، لا سيّما المحقّق الفاضل الشيخ مهدي المهريزي (مسئول دار الحديث ورئيس مؤتمر الشيخ الكليني رحمه الله) والمحقّق العزيز الشيخ محمّد حسين الدرايتي (مسئول قسم الإحياء في دارالحديث والمؤتمر المذكور) وسائر مساعديهم الذين قد أتاحوا لنا الفرصة في تحقيق هذا الأثر الوزين، وهيّئوا لنا مصوّرة النسخة المعتمدة عليها ، آجرهم اللّه وإيّانا جميعا، ويوفّقنا لما يحبّ ويرضى، إنّه هو الموفّق المعين .

حميد الأحمدي الجلفائي

قم المقدّسة

ص: 16

«صورة الصفحة الاُولى من المخطوطة»

ص: 17

«صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة»

ص: 18

البضاعة المزجاة

اشاره

ص: 19

ص: 20

[مقدّمة الشارح رحمه الله]

بسم اللّه الرحمن الرحيم، وبه نستعين.

الحمد للّه الناشر في الخلق فضله، والباسط فيهم بالجود يَدَه، نحمده على ما كان، ونستعينه من أمرنا على ما يكون، (1) ونسأله المعافاة في الأديان، ونسأله المعافاة في الأبدان، ونشهد أن لا إله غيره، وأنّ محمّداً نبيّه ورسوله، أرسله بأمره صادعاً، وبذكره ناطقاً، فأدّى أميناً، ومضى رشيداً، وخلّف فينا رايةَ الحقّ، مَن تقدّمها مَرَقَ، ومن تخلّف عنها زَهَقَ، ومن لزمها لَحِقَ، دليلُها مَكيثُ الكلام، بطيء القيام، سريع إذا قام، (2) أعني آله الكرام المطهّرين، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً؛ مُستقرّهم خير مستقرّ، ومَنبتهم أشرف مَنبت في معادن الكرامة، ومَماهد السلامة؛ قد صُرفت إليهم أفئدة الأبرار، وثُنيت نحوَهم أزمّةُ الأبصار، (3) كلامهم بيان، وصَمتهم لسان، صلّى اللّه عليه وعليهم ما لاح الجديدان و[ما ]حَدا الحاديان، (4) وسلّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد، فيقول أفقر المفتاقين إلى رحمة ربّه الغني محمّد حسين بن قارياغدي (عفى اللّه عنهما):

ص: 21


1- .النسخة غير مقروّة إلى هنا، فأثبتنا العبارات من كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج3، ص127، الرقم425 حيث نقل ابتداء هذا الشرح من النسخة التي قد رآها.
2- .من قوله: «ونسأله المعافاة» إلى هنا غير مقروّة أيضاً، لكن يفهم من بعض كلماتها المقروّة أنّ العبارات مقتبسة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، ص145، الخطبة 100، فأثبتناها من كلامه عليه السلام .
3- .من قوله: «مستقرّهم» إلى هنا مقتبسة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، ص141، الخطبة 96.
4- .قوله:«ما لاح الجديدان، وما حدا الحاديان» مقتبس من الدعاء الذي ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في مصباح المتهجّد، ص76 والكفعمي فى كتابيه: مصباحه، ص36 والبلد الأمين، ص21 والسّيد رحمه الله فى فلاح السائل، ص206 (في تعقيب صلاة العصر). وقال الشيخ البهائي رحمه اللهفي مفتاح الفلاح، ص64: «ما لاح الجديدان؛ هما الليل والنهار ... وما حدا الحاديان؛ هما الليل والنهار، كأنّهما يحدوان بالناس ليسيروا إلى قبورهم، كالذي يحدو بالإبل».

هذه بضاعة مزجاة ممّا جاد به جواد فكري الفاتر، ونبذة من ملتقطات إفادات جماعة من المشايخ العظام والأفاضل الكرام فى أحاديث كتاب الروضة البهيّة من كتاب الكافي، تصنيف ثقة الإسلام وغُرّة (1) الأعلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، وهو شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، وصنّف كتاب الكافي في عشرين سنة، شكر اللّه سعيه، ونوّر مرقده.

ص: 22


1- .كذا قرأناه.

[الفهرس الموضوعي لأحاديث كتاب الروضة]

اشارة

ولما كان نظم أحاديث الكتاب كالسلك الذي تناثرت لآليه، ويصعب وجدان أكثرها في بابه على طالبيه، وضعت تسهيلاً لذلك أبواباً لترتيب الكتاب، ورتّبته على ثلاثين باباً:

الباب الأوّل: في الخطب

1. خطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أنّ أوليائه منهم ليسوا (1) إلّا المتّقون ....في [الحديث] الخامس والمائتين (205)

2. خطبته صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة ...في [الحديث] الثاني والأربعين والثلاثمائة (342)

3. خطبة الحكمة أو الوسيلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] الرابع (4)

4. الخطبة الطالوتيّة له عليه السلام ...في [الحديث] الخامس (5)

5. خطبة له عليه السلام في الفتن والبدع وتحريف السنّة ...في [الحديث] الحادي والعشرين (21)

6. خطبة له عليه السلام في المواعظ والإخبار عمّا سيأتي ...في [الحديث] الثاني والعشرين (22)

7. خطبة له عليه السلام لمّا بويع بعد قتل عثمان ...في [الحديث] الثالث والعشرين

8. خطبة له عليه السلام بصفّين ...في [الحديث] الخمسين والخمسمائة (550)

9. خطبة له عليه السلام في نفي الفضل بين الأ سود والأ حمر ...في [الحديث] السادس والعشرين (26)

10. خطبة له عليه السلام فيما لا يكون الفضل لأ حد إلّا بسابقة وتقوى ...في [الحديث] الرابع والمائتين (204)

11. خطبة له عليه السلام فيما أتاه جمع يطلبون منه التفضيل لهم (2)...في [الحديث] الحادي والخمسين والخمسمائة (551)

12. خطبة له عليه السلام في الزهد والتقوى ...في [الحديث] الثالث والتسعين والمائة (193)... وفي [الحديث] الرابع والتسعين والمائة (194)

ص: 23


1- .كذا قرأناه.
2- .كذا قرأناه.

13. خطبة له عليه السلام لمّا انقضّت القصّة بينه وبين الزبير وطلحة ...في [الحديث] الثامن والستّين وثلاثمائة (368)

14. خطبته عليه السلام بذي قارٍ ...في [الحديث] السادس والثمانين وخمسمائة (586)

الباب الثاني: في الرسائل

1. رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابن عبّاس ...في [الحديث] السابع والعشرين وثلاثمائة (327)

2. رسالة منه عليه السلام إلى مولاه ...في [الحديث] الثامن والعشرين (28)

3. رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير ...في [الحديث] السادس عشر (16)

4. رسالة منه عليه السلام إليه أيضاً ...في [الحديث] السابع عشر (17)

5. رسالة أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه ...في [الحديث] الأوّل (1)

6. رسالة منه عليه السلام إلى رجل من أصحابه ...في [الحديث] التاسع (9)

7. رسالة منه عليه السلام إلى الشيعة ...في [الحديث] الثاني والخمسين ومائة (152)

8. رسالة أبي الحسن موسى عليه السلام إلى عليّ بن سويد ...في [الحديث] الخامس والتسعين (95)

9. حديث العلماء والفقهاء ومكاتبة بعضهم إلى بعض ...في [الحديث] السابع والسبعين وأربعمائة (477)

الباب الثالث: في النصائح والمواعظ وكلمات موجزات لرسول اللّه صلى الله عليه و آله

1. وصيّة النبي صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والثلاثين (33)

2. موعظة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] التسعين والمائة (190)

3. وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام بالتقوى والذكر ...في [الحديث] الثالث (3)

4. موعظة أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الثامن والتسعين (98) ...وفي [الحديث] التاسع والثمانين والمائة (189) ...وفي [الحديث] السابع والثلاثين والثلاثمائة (337) ...وفي [الحديث] الثامن والثلاثين والثلاثمائة (338) ...وفي [الحديث] الحادي والثمانين والثلاثمائة (381)

5. موعظة أبي الحسن الرضا عليه السلام ...في [الحديث] السادس والأربعين والخمسمائة (546)

6. موعظة لقمان ووصاياه ...في [الحديث] السابع والأربعين والخمسمائة (547)

ص: 24

7. حديث محاسبة النفس ...في [الحديث] الثامن والمائة (108)

8. خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والمائة (132)

9. الحذر عن النكت ...في [الحديث] الثامن والثمانين والمائة (188)

10. حديث النبي صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] التاسع والثلاثين (39)

11. حديثه صلى الله عليه و آله أيضاً ...في [الحديث] السابع والأ ربعين (47)

الباب الرابع: في القصص وحكايات السلف

1. حديث آدم عليه السلام مع الشجرة ...في [الحديث] الثاني والتسعين (92)

2. قصّة آدم وحوّاء حين هبط إلى الأرض ...في [الحديث] الثامن والثلاثمائة (308)

3. قصّة نوح صلّى اللّه [عليه] ...في [الحديث] الحادي والعشرين والأربعمائة (421) ...وفي [الحديث] الثاني والعشرين والأربعمائة (422) ...وفي [الحديث] الرابع والعشرين والأربعمائة (424) ...وفي [الحديث] الخامس والعشرين والأربعمائة (425) ...وفي [الحديث] السادس والعشرين والأربعمائة (426) ...وفي [الحديث] السابع والعشرين والأربعمائة (427) ...وفي [الحديث] الثامن والعشرين والأربعمائة (428) ...وفي [الحديث] التاسع والعشرين والأربعمائة (429) ...وفي [الحديث] الثلاثين والأربعمائة (430)

4. قصّة صالح عليه السلام وقومه ...في [الحديث] الثالث عشر والمائتين (213) ...وفي [الحديث] الرابع عشر والمائتين (214)

5. قصّة ولادة إبراهيم عليه السلام وأنّ آزر كان أباه لا عمّه ...في [الحديث] الثامن والخمسين والخمسمائة (558)

6. قصّته عليه السلام حين رأى ملكوت السماوات والأرض ...في [الحديث] الثالث والسبعين والأربعمائة (473)

7. قصّته عليه السلام مع نمرود وعمارة ملك سارة ...في [الحديث] التاسع والخمسين والخمسمائة (559) ...وفي [الحديث] الستّين والخمسمائة (560)

8. قصّته عليه السلام ...في [الحديث] الثامن والثمانين والخمسمائة (588)

ص: 25

...وفي [الحديث] التاسع والثمانين والخمسمائة (589) ...وفي [الحديث] التسعين والخمسمائة (590) ...وفي [الحديث] الحادي والتسعين والخمسمائة (591)

9. قصّة لوط عليه السلام وإهلاك قومه ...في [الحديث] الخامس والخمسمائة (505)

10. قصّة موسى عليه السلام ومواعظ اللّه تعالى له ...في [الحديث] الثامن (8)

11. قصّته عليه السلام مع عجوز بني إسرائيل ...في [الحديث] الرابع والأربعين والمائة (144)

12. قصّة سليمان بن داود عليهماالسلام ...في [الحديث] الرابع عشر والمائة (114) ...وفي [الحديث] الرابع والأربعين والثلاثمائة (344)

13. قصّة عيسى بن مريم عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والمائة (103) ...وفي [الحديث] السادس عشر والخمسمائة (516) ...وفي [الحديث] الثاني والثلاثين والخمسمائة (532)

14. قصّة خالد بن سنان ...في [الحديث] الأربعين والخمسمائة (540)

15. قصّة ولادة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] التاسع والخمسين والأربعمائة (459) ...وفي [الحديث] الستّين والأربعمائة (460)

16. قصّته صلى الله عليه و آله مع قريش حين أرادوا قتله ...في [الحديث] الثامن عشر الأربعمائة (418)

17. قصّته صلى الله عليه و آله حين أسرى به ...في [الحديث] السادس والسبعين والثلاثمائة (376) ...وفي [الحديث] الخامس والخمسين والخمسمائة (555)

18. صفة البُراق الذي ركبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في ليلة الإسراء ...في [الحديث] السابع والستّين والخمسمائة (567)

19. قصّته صلى الله عليه و آله مع أبي بكر في الغار ...في [الحديث] السابع والسبعين والثلاثمائة (377)

20. قصّته صلى الله عليه و آله حين هاجر إلى المدينة ...في [الحديث] الثامن والسبعين والثلاثمائة (378)

21. قصّة غزوة بدر ...في [الحديث] التاسع عشر والأربعمائة (419) ...وفي [الحديث] الثالث والستّين والخمسمائة (563)

22. قصّة غزوة اُحد ...في [الحديث] الثاني والخمسمائة (502) ...وفي [الحديث] التسعين (90)

ص: 26

23. قصّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم حفر الخندق ...في [الحديث] الرابع والستّين والمائتين (264)

24. قصّة غزوة الأحزاب ...في [الحديث] العشرين والأربعمائة (420)

25. قصّة غزوة الحديبيّة ...في [الحديث] الثالث والخمسمائة (503)

26. قصّة غزوة الحنين ...في [الحديث] السادس والستّين والخمسمائة (566)

27. غزوة ذات الرقاع ...في [الحديث] السابع والتسعين (97)

28. قصّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين عَرضت عليه الخَيل ...في [الحديث] السابع والعشرين (27) (1)

29. قصّة ناقة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الثامن والسبعين والمائة (178) ...وفي [الحديث] الثامن والسبعين والمائتين (278) ...وفي [الحديث] الخامس عشر والخمسمائة (515)

30. سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في المطاعم والمشارب وغيرها ...في [الحديث] التاسع والتسعين (99) ...وفي [الحديث] المائة (100) ...وفي [الحديث] الخمس والسبعين والمائة (175) ...وفي [الحديث] الثاني والمائة (102) ...وفي [الحديث] الحادي والمائة (101) ...وفي [الحديث] الحادي والسبعين والمائة (171) ...وفي [الحديث] الثالث والتسعين والثلاثمائة (393) ...وفي [الحديث] الرابع والتسعين والثلاثمائة (394) ...وفي [الحديث] الرابع والعشرين والمائة (124) ...وفي [الحديث] الرابع والأربعين والمائة (144)

31. حديث الذي أضاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله [بالطائف] ...في [الحديث] الرابع والأربعين والمائة (144)

32. قصّة إسلام علي عليه السلام ...في [الحديث] السادس والثلاثين والخمسمائة (536)

33. قصّته عليه السلام يوم حنين ...في [الحديث] السادس والستّين والخمسمائة (566)

34. قصّته عليه السلام وسيرته وسيرة فاطمة عليهاالسلام ...في [الحديث] السادس والسبعين والمائة (176)

35. قصّته عليه السلام يوم الغدير ...في [الحديث] الثاني والأربعين والخمسمائة (542)

ص: 27


1- .في النسخة: «السابع والتسعين»، وهو سهو واضح.

36. قصّته عليه السلام حين اُخرج به (1) عليه السلام للبيعة ...في [الحديث] العشرين والثلاثمائة (320) ...وفي [الحديث] الحادي والعشرين والثلاثمائة (321)

37. قصّة مخاصمة الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمر الخلافة ومبايعتهم أبا بكر ...في [الحديث] الحادي والأربعين والخمسمائة (541)

38. مرثية فاطمة عليهاالسلام لأبيها عند سارية المسجد ...في [الحديث] الرابع والستّين والخمسمائة (564)

39. قصّة الحسنين عليهماالسلام ...في [الحديث] السابع والثلاثمائة (307)

40. إنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله حقيقة ...في [الحديث] الحادي والخمسمائة (501)

41. قصّة عليّ بن الحسين عليه السلام ...في [الحديث] الثالث عشر والثلاثمائة (313) ...وفي [الحديث] الثالث والستّين والثلاثمائة (363) ...وفي [الحديث] الثاني والسبعين والمائة (172)

42. قصّته عليه السلام حين ضمّن دين محمّد بن اُسامة عند موته ...في [الحديث] الرابع عشر والخمسمائة (514)

43. قصّة الباقر عليه السلام مع نصرانيّ الشام ...في [الحديث] الرابع والتسعين (94)

44. قصّته عليه السلام مع الشيخ ...في [الحديث] الثلاثين (30)

45. قصّته عليه السلام مع عبد اللّه بن عطاء ...في [الحديث] السابع عشر والأربعمائة (417)

46. قصّة أبي عبد اللّه عليه السلام مع بعض سُودان المدينة ...في [الحديث] السادس والثمانين والمائتين (286)

47. قصّته عليه السلام مع عبد اللّه بن الحسن ...في [الحديث] الثالث والخمسين والخمسمائة (553)

48. قصّته عليه السلام مع السالحين (2) ...في [الحديث] التاسع والأربعين (49)

49. قصّته عليه السلام مع غلامه ...في [الحديث] الخمسين (50)

50. قصّته عليه السلام حين تخلّل بساتين الكوفة ...في [الحديث] الحادي عشر والمائة (111)

51. قصّة أبي الحسن الرضا عليه السلام مع المأمون ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والمائة (134)

52. قصّة سلمان مع نفر من قريش في المسجد ...في [الحديث] الثالث والمائتين (203)

53. قصّة أبي ذرّ رحمه الله ...في [الحديث] السابع والخمسين والأربعمائة (457) ...وفي [الحديث] السادس والتسعين (96)

ص: 28


1- .في النسخة: «بعليّ» بدل «به»، والصحيح ما أثبتناه.
2- .السالحون: موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى المغرب. المغرب، ص231 (سلح).

وفي [الحديث] الثامن والسبعين والأربعمائة (478) وفي [الحديث] الحادي والخمسين والمائتين (251)

54. قصّة جعفر بن أبي طالب في [الحديث] الخامس والستّين والخمسمائة (565) في [الحديث] السابع والخمسين والخمسمائة (552)

55. قصّة مقداد مع عثمان في [الحديث] الثالث عشر والخمسمائة (513)

56. قصّة آل ذريح وصفة البرهوت في [الحديث] الخامس والسبعين والثلاثمائة (375)

57. قصّة ثُمامَة بن اُثال في [الحديث] الثامن والخمسين والأربعمائة (458)

58. قصّة ذي النَّمِرَة في [الحديث] الحادي والثلاثين والخمسمائة (531)

59. قصّة ذي الفَقار في [الحديث] الحادي والتسعين والثلاثمائة (391)

60. قصّة درع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والعِقال والأبرق الذي يشدّ عليه في [الحديث] الحادي عشر والخمسمائة (511) وفي [الحديث] الثاني عشر والخمسمائة (512)

61. قصّة امرأة من الأنصار مع عمر بن الخطّاب واُمّ سلمة في [الحديث] الخامس والأربعين والمائة (145)

الباب الخامس: [في] القرائات وتفسير الآيات

1. في قوله تعالى: «هذا كِتابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» (1) في [الحديث] الحادي عشر (11)

2. في قوله تعالى: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها» (2) في [الحديث] الثاني عشر (12)

3. في قوله تعالى: «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةُ» (3) في [الحديث] الثالث عشر (13)

4. في قوله تعالى: «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ» (4) في [الحديث] الرابع عشر (14)

5. في قوله تعالى: «فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» (5) في [الحديث] الخامس عشر (15)

6. في قوله تعالى: «وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ» (6)

ص: 29


1- .الجاثية(45): 29.
2- .الشمس(91): 1.
3- .الغاشية(88): 1.
4- .النحل(16): 38.
5- .الأ نبياء(21): 12.
6- .الزخرف(43): 57.

وفي قوله: «اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» (1)

الآية وفي قوله: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ» (2)

وفي قوله: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ» (3) ...في [الحديث] الثامن عشر (18)

7. [في] قوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ» (4) ...في [الحديث] التاسع عشر (19)

8. في قوله تعالى: «كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً» (5) ...في [الحديث] العشرين (20)

9. في قوله تعالى: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ» (6) ...في [الحديث] الرابع والأربعين (44)

10. في قوله تعالى: «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (7) ...في [الحديث] السادس والستّين (66)

11. في قوله تعالى: «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ» (8) وفي قوله: (وَالسَّمَاءَ) (9) بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها» (10) وفي قوله: «أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا» (11) الآية ...في [الحديث] السابع والستّين (67)

12. في قوله تعالى: «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلىَ الْمَاءِ» (12) ...في [الحديث] الثامن والستّين (68)

13. في قوله تعالى: «يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً» (13) وفي قوله: «وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً» (14) وفي قوله: (غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) (15) ...في [الحديث] التاسع والستّين (69)

14. في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً» (16) الآية

ص: 30


1- .الأ نفال(8): 32.
2- .المعارج(70): 1.
3- .إبراهيم(14): 15.
4- .الروم(30): 41.
5- .البقرة(2): 213.
6- .الفيل(105): 3.
7- .الشورى(42): 23.
8- .الصافّات(37): 180.
9- .كذا في النسخة. وفي المصحف الشريف: «أم السماء» بدل «والسماء».
10- .النازعات(79): 27 و28.
11- .الأ نبياء(21): 30.
12- .هود(11): 7.
13- .مريم(19): 85.
14- .الإ نسان(76): 21.
15- .كذا في النسخة. وفي المصحف الشريف، سورة الزمر(39): 20 هكذا: «غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ».
16- .إبراهيم(14): 28.

في [الحديث] السابع والسبعين (77)

15. في قوله تعالى: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» (1) في [الحديث] الثامن والسبعين (78)

16. في قوله تعالى: «وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا [مِنْ قَبْلِكَ] مِنْ رُسُلِنا» (2) الآية وفي قوله: «أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا» (3) الآية وفي قوله: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ» (4) في [الحديث] الثالث والتسعين (93)

17. في قوله تعالى: «أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ» (5) الآية في [الحديث] الخامس عشر والمائة (115)

18. في قوله تعالى: «وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ» (6) الآية في [الحديث] السادس والأربعين والمائة (146)

19. في قوله تعالى: «فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ» (7) في [الحديث] السابع والأربعين والمائة (147)

20. في قوله تعالى: «فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ» (8) الآية في [الحديث] الحادي والخمسين والمائة (151)

21. في قوله تعالى: «عامِلَةٌ ناصِبَةٌ» (9) في [الحديث] الثاني والستّين والمائة (162)

22. في قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْافاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ» (10) في [الحديث] الحادي والثمانين والمائة (181) وفي [الحديث] الخامس والسبعين والمائة (175)

23. في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً» (11) في [الحديث] التاسع والتسعين والمائة (199)

24. في قوله تعالى: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (12) في [الحديث] المائتين (200)

25. في قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» (13) وفي قوله: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ» (14) في [الحديث] الحادي والمائتين (201)

ص: 31


1- .الغاشية(88): 1.
2- .الأ نبياء(21): 30.
3- .الذاريات(51): 54.
4- .الزخرف(43): 45.
5- .إبراهيم(14): 48.
6- .هود(11): 5.
7- .آل عمران(3): 170.
8- .الرحمن(55): 70.
9- .الأ عراف(7): 165.
10- .الغاشية(88): 3.
11- .فصّلت(41): 53.
12- .الفرقان(25): 73.
13- .المرسلات(77): 36.
14- .الطلاق(65): 2.

26. في قوله تعالى: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ» (1)

وفي قوله: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنّا مُبْرِمُونَ» (2)

في قوله: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا» (3)

وفي قوله: «وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى» (4) ...في [الحديث] الثاني والمائين (202)

27. في قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ» (5) ...في [الحديث] الثامن والمائتين (208)

28. في قوله تعالى: «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ» (6) ...في [الحديث] التاسع والمائتين (209)

29. في قوله تعالى: «وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (7) ...في [الحديث] العاشر والمائتين (210)

30. في قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» (8) ...في [الحديث] الحادي عشر والمائتين (211)

31. في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» (9) ...في [الحديث] الثاني عشر والمائتين (212)

32. في قوله تعالى: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ» (10) ...في [الحديث] الرابع عشر والمائتين (214)

33. في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ» (11) الآية ...في [الحديث] السابع والثلاثين والمائتين (237)

34. في قوله تعالى: «اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ» (12) ...في [الحديث] الثامن والثلاثين والمائتين (238)

35. في قوله تعالى: «وَحَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ» (13) ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والمائتين (239)

36. في قوله تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ» (14) ...في [الحديث] الأربعين والمائتين (240)

37. في قوله تعالى: «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ» (15) الآية ...في [الحديث] الحادي والأربعين والمائتين (241)

ص: 32


1- .المجادلة(58): 7.
2- .الزخرف(43): 79.
3- .الحجرات(49): 9.
4- .النجم(53): 53.
5- .آل عمران(3): 103.
6- .آل عمران(3): 92.
7- .النساء(4): 66.
8- .النساء(4): 63.
9- .النساء(4): 59.
10- .القمر(54): 23.
11- .البقرة(2): 243.
12- .يوسف(12): 87.
13- .المائدة(5): 71.
14- .المائدة(5): 78.
15- .الأ نعام(6): 33.

38. في قوله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ» (1) الآية ...في [الحديث] الثاني والأربعين والمائتين (242)

39. في قوله تعالى: «وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (2) ...في [الحديث] الثالث والأربعين والمائتين (243)

40. في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى» (3) ...في [الحديث] الرابع والأربعين والمائتين (244)

41. في قوله تعالى: «أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (4) الآية ...في [الحديث] الخامس والأربعين والمائتين (245)

42. في قوله تعالى: «وَإِذا مَسَّ الْاءِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ» (5) ...في [الحديث] السادس والأربعين والمائتين (246)

43. في قوله تعالى: «ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» (6) ...في [الحديث] السابع والأربعين والمائتين (247)

44. في قوله تعالى: «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ» (7) ...في [الحديث] الثامن والأربعين والمائتين (248)

45. في قوله تعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً» (8) ...في [الحديث] التاسع والأربعين والمائتين (249)

46. في قوله تعالى: «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ» (9) الآية ...في [الحديث] الخمسين والمائتين (250)

47. في قوله تعالى: «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ» (10) ...في [الحديث] الثالث والثمانين والمائتين (283)

48. في قوله تعالى: «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ» (11) الآية ...في [الحديث] الثمانين والمائتين (280)

ص: 33


1- .الأ نعام(6): 93.
2- .الأ نفال(8): 39.
3- .الأ نفال(8): 70.
4- .التوبة(9): 19.
5- .الزمر(39): 8.
6- .المائدة(5): 95 و106.
7- .المائدة(5): 101.
8- .الأ نعام(6): 115.
9- .الإ سراء(17): 4.
10- .الزمر(39): 29.
11- .الشعراء(26): 205.

49. في قوله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» (1) ...في [الحديث] الحادي والثمانين والمائتين (281)

50. في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (2) ...في [الحديث] الرابع والتسعين والمائتين (294)

51. في قوله تعالى: «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ» (3) ...في [الحديث] الثالث والثلاثمائة (303)

52. في قوله تعالى: «بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ» (4) في قوله تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» (5) ...في [الحديث] الخامس والعشرين والثلاثمائة (325)

53. في قوله تعالى: «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ» (6) ...في [الحديث] السادس (6) و...في [الحديث] الثاني والثلاثين (32) و...في [الحديث] الرابع والمائة (104)

54. في قوله تعالى: «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ» (7) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والثلاثمائة (334)

55. في قوله تعالى: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ» (8) ...في [الحديث] الحادي والأربعين والثلاثمائة (341) ...وفي [الحديث] الثامن والتسعين والثلاثمائة (398)

56. في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ» (9) وقوله: «وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها» (10) وقوله: «سِيرُوا فِي الْأَ رْضِ» (11) وقوله: «إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ» (12) ...في [الحديث] التاسع والأربعين والثلاثمائة (349) 57. في قوله تعالى: «يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا» (13) ...في [الحديث] السادس والأربعين والثلاثمائة (346)

ص: 34


1- .النور(24): 63.
2- .المؤمنون(23): 60.
3- .الأ نبياء(21): 26.
4- .القلم(68): 6.
5- .محمّد(47): 22.
6- .ص(38): 62.
7- .الأ نبياء(21): 18.
8- .آل عمران(3): 144.
9- .الأ نفال(8): 24.
10- .الأ نعام(6): 59.
11- .الروم(30): 42.
12- .الصافّات(37): 137.
13- .يس(36): 52.

58. في قوله تعالى: «وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» (1) ...في [الحديث] الرابع والخمسين والثلاثمائة (354)

59. في قوله تعالى: «كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً» (2) ...في [الحديث] الخامس والخمسين والثلاثمائة (355)

60. في قوله تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» (3) ...في [الحديث] الرابع والستّين والثلاثمائة (364)

61. في قوله تعالى: «وأَمّا (4) إِنْ كانَ مِنَ أصْحَابِ الْيَمِينِ» (5) ...في [الحديث] الثالث والسبعين والثلاثمائة (373)

62. في قوله تعالى: «وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ» (6) الآية ...في [الحديث] السابع والثمانين والثلاثمائة (387)

63. في قوله تعالى: «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ» (7) ...في [الحديث] التاسع والثمانين والثلاثمائة (389)

64. في قوله تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها» (8) ...في [الحديث] التسعين والثلاثمائة (390)

65. في قوله تعالى: «فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً» (9) ...في [الحديث] الثاني والتسعين والثلاثمائة (392) و...في [الحديث] الرابع والثلاثين والأربعمائة (434)

66. في قوله تعالى: «الم غُلِبَتِ الرُّومُ» (10) ...في [الحديث] السابع والتسعين والثلاثمائة (397)

67. في قوله تعالى: «وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ» (11) ...في [الحديث] الثامن والتسعين والثلاثمائة (398)

68. في قوله تعالى: «ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ» (12) ...في [الحديث] السابع والعشرين والأربعمائة (427)

ص: 35


1- .الأ نبياء(21): 84.
2- .يونس(10): 27.
3- .الإ سراء(17): 33.
4- .هكذا في المصحف الشريف. وفي النسخة: «فأمّا».
5- .الواقعة(56): 90.
6- .الإ سراء(17): 46.
7- .آل عمران(3): 26.
8- .الحديد(57): 17.
9- .الملك(67): 27.
10- .الروم(30): 1 و2.
11- .البقرة(2): 253.
12- .الأ نعام(6): 143.

69. في قوله تعالى: «هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ» (1) ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والأربعمائة (431)

70. في قوله تعالى: «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ (2) وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (3) الآيات وقوله: «يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» (4) وقوله: «رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ» (5) وقوله: «قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» (6) ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والأربعمائة (432)

71. في قوله تعالى: «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ» (7) ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والأ ربعمائة (433)

72. في قوله تعالى: «أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ» (8) وقوله: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ» (9) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والأربعمائة (434)

73. في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» (10) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والأ ربعمائة (434) ...وفي [الحديث] السادس والخمسمائة (506)

74. في قوله تعالى: «إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ» (11) الآية ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والأ ربعمائة (435)

75. في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ» (12) ...في [الحديث] السادس والثلاثين والأربعمائة (436) ...وفي [الحديث] الثامن والثلاثين والأربعمائة (438)

76. في قراءة آية الكرسي ...في [الحديث] السابع والثلاثين والأربعمائة (437) ...في [الحديث] الثامن والثلاثين والأربعمائة (438)

ص: 36


1- .التوبة(9): 52.
2- .هكذا في المصحف الشريف. وفي النسخة: «أجراً» بدل «من أجر».
3- .ص(38): 86.
4- .المعارج(70): 26.
5- .الأنعام(6): 23.
6- .الإسراء(17): 81.
7- .النحل(16): 98.
8- .الملك(67): 22.
9- .النساء(4): 31.
10- .النساء(4): 77.
11- .البقرة(2): 205.
12- .البقرة(2): 257.

77. في قوله تعالى: «وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ» (1) ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والأربعمائة (439)

78. في قوله تعالى: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» (2) و قوله: «سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ» (3) ...في [الحديث] الأربعين والأربعمائة (440) 79. في قوله تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً» (4) ...في [الحديث] الحادي والستّين والأربعمائة (461)

80. في قوله تعالى: «يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [وَيُؤْمِنُونَ بِهِ] وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (5) ...في [الحديث] السبعين والأربعمائة (470)

81. في قوله تعالى: «وَإِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْاخِرَةِ» (6) ...في [الحديث] الحادي والسبعين والأربعمائة (471)

82. في قوله تعالى: «فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» (7) ...في [الحديث] الثاني والسبعين والأربعمائة (472)

83. في قوله تعالى: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» (8) ...في [الحديث] الثالث والسبعين والأربعمائة (473)

84. في قوله تعالى: «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا» (9) ...في [الحديث] الحادي والثمانين والأربعمائة (481) ...في [الحديث] الثاني والثمانين والأربعمائة (482)

85. في قوله تعالى: «وَإِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً» (10) ...في [الحديث ]الثالث والثمانين والأربعمائة (483)

86. في قوله تعالى: «وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ» (11)

ص: 37


1- .البقرة(2): 214.
2- .البقرة(2): 102.
3- .البقرة(2): 211.
4- .الحديد(57): 11.
5- .غافر(40): 7.
6- .الزمر(39): 45.
7- .البقرة(2): 37.
8- .البقرة(2): 260.
9- .البقرة(2): 89.
10- .الشعراء(26): 4.
11- .سبأ(34): 18.

وقوله: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» (1)

في [الحديث] الخامس والثمانين والأربعمائة (485)

87. في قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ» (2) ...في [الحديث] السادس والثمانين والأربعمائة (486)

88. في قوله تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً» (3) ...في [الحديث] السابع والثمانين والأربعمائة (487)

89. في قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً» (4) ...في [الحديث] الثامن والتسعين والأربعمائة (498)

90. في قوله تعالى: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ» (5) ...في [الحديث] التاسع والتسعين والأربعمائة (499) ...في [الحديث] الخمسعمائة (500)

91. في قوله تعالى: «أَوْ جاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ» (6) ...في [الحديث] الرابع والخمسمائة (504)

92. في قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ» (7) ...في [الحديث] العاشر والخمسمائة (510)

93. في قوله تعالى: «رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا» (8) ...في [الحديث] الثالث والعشرين والخمسمائة (523)

94. في قوله تعالى: «إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ» (9) ...في [الحديث] الخامس والعشرين والخمسمائة (525)

95. في قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» (10) ...في [الحديث] السادس عشر والخمسمائة (516)

96. في قوله تعالى: «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِ لْحادٍ بِظُلْمٍ» (11) ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والخمسمائة (533)

ص: 38


1- .النساء(4): 63.
2- .إبراهيم(14): 37.
3- .الفجر(89): 14.
4- .البقرة(2): 148.
5- .البقرة(2): 247.
6- .البقرة(2): 248.
7- .النساء(4): 90.
8- .النور(24): 36.
9- .فصّلت(41): 29.
10- .النساء(4): 108.
11- .الحجّ(22): 25.

97. في قوله تعالى: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ» (1) ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والخمسمائة (534)

98. في قوله تعالى: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ» (2) ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والخمسمائة (535)

99. في قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (3) ...في [الحديث] الرابع والخمسين والخمسمائة (554)

100. في قوله تعالى: «وَما تُغْنِي الْاياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ» (4) ...في [الحديث] الخامس والخمسين والخمسمائة (555)

101. في قوله تعالى: «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ» (5) ...في [الحديث] الثامن والستّين والخمسمائة (568)

102. في قوله تعالى: «التّائِبُونَ الْعابِدُونَ» (6) ...في [الحديث] التاسع والستّين والخمسمائة (569)

103. في قوله تعالى: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» (7) ...في [الحديث] السبعين والخمسمائة (570)

104. في قوله تعالى: «فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» (8) ...في [الحديث] الحادي والسبعين والخمسمائة (571)

105. في قوله تعالى: «فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ» (9) ...في [الحديث] الثاني والسبعين والخمسمائة (572)

106. في قوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمَّةً واحِدَةً» (10) ...في [الحديث] الثالث والسبعين والخمسمائة (573)

107. في قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» (11)

وقوله: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها» (12)

وقوله: «قُلْ ما سَأَ لْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» (13)

وقوله: «قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» (14)

ص: 39


1- .الشورى(42): 23.
2- .ص(38): 86.
3- .الحجّ(22): 40.
4- .المائدة(5): 109.
5- .يونس(10): 2.
6- .يونس(10): 101.
7- .التوبة(9): 118.
8- .التوبة(9): 112.
9- .التوبة(9): 128.
10- .التوبة(9): 40.
11- .هود(11): 12.
12- .هود(11): 118.
13- .النحل(27): 89؛ القصص(28): 84.
14- .سبأ(34): 47.

وقوله: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ» (1)

وقوله: «وَيَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» (2)

وقوله: «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا»(3)

وقوله: «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى» (4)

وقوله: «قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» (5)

وقوله: «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً» (6)

وقوله: «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ» (7)

وقوله: «ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ» (8)

وقوله: «وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا» (9)

وقوله: «اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» (10)

وقوله: «رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ» (11)

وقوله: «إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً» (12) الآية ...في [الحديث] الرابع والسبعين والخمسمائة (574)

108. في قوله تعالى: «رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا» (13) في [الحديث] السادس والستّين والخمسمائة (566)

109. في قوله تعالى: «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ» (14)...في [الحديث] التاسع والثلاثين والثلاثمائة (339)

الباب السادس: فضل أهل البيت وموالاتهم ومحبّتهم والذبّ عنهم ومدح شيعتهم

الباب السادس: فضل أهل البيت وموالاتهم ومحبّتهم والذبّ (15) عنهم ومدح شيعتهم

1.خرج النبي صلى الله عليه و آله ذات يوم وهو مستبشر في [الحديث] العاشر (10)

2. قول النبي صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : «إنّ فيك شَبَهاً من عيسى ابن مريم عليه السلام » في [الحديث] الثامن عشر (18)

ص: 40


1- .الشورى(42): 24.
2- .الشورى(42): 24.
3- .الأ نبياء(21): 3.
4- .النجم(53): 1.
5- .الأ نعام(6): 58.
6- .يونس(10): 5.
7- .يس(36): 37.
8- .البقرة(2): 17.
9- .هكذا في المصحف الشريف سورة الكهف(18): الآية 57. وفي النسخة: «لا يسمعوا» بدل «فلن يهتدوا».
10- .النور(24): 35.
11- .هود(11): 73.
12- .آل عمران(3): 33.
13- .سبأ(34): 19.
14- .البقرة(2): 199.
15- .«الذبّ»: الدفع والمنع والمدافعة والحماية. اُنظر: كتاب العين، ج8، ص178؛ لسان العرب، ج1، ص380 (ذبب).

3. حديث الشيخ مع الباقر عليه السلام ...في [الحديث] الثلاثين (30)

4. حديث بايع الزَّيت ...في [الحديث] الحادي والثلاثين (31)

5. حديث أبي جعفر عليه السلام ...في [الحديث] الخامس والثلاثين (35)

6. لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي ...في [الحديث] التسعين (90)

7. قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ادْعُوا لي خليلي» وقول علي عليه السلام : «حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بألف باب من العلم» ...في [الحديث] الثالث والعشرين والمائة (123)

8. طاعة عليّ ذُلّ، ومعصيته كفر ...في [الحديث] الثاني والثمانين والمائة (182)

9. إذا أخذ عليّ بن الحسين عليه السلام كتاب عليّ عليه السلام ، قال: «من يُطيق هذا؟» ...في [الحديث] الثاني والسبعين والمائة (172)

10. نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب ...في [الحديث] الثالث والثمانين والمائة (183)

11. نحن قريش وشيعتنا العرب ...في [الحديث] الرابع والثمانين والمائة (184) (1)

12. إنشاد الكميت ...في [الحديث] الثاني والستّين والمائتين (262)

13. الناس ثلاثة ...في [الحديث] السابع والثمانين والمائتين (287)

14. نفي الربوبيّة عنهم عليهم السلام ...في [الحديث] الثالث والثلاثمائة (303) ...وفي [الحديث] السادس والثمانين والمائتين (286)

15. من قعد في مجلس يُسَبُّ فيه إمام ...في [الحديث] الخامس عشر والثلاثمائة (315)

16. قول أبي الحسن عليه السلام : «إلينا إياب هذا الخلق» ...في [الحديث] السابع والستّين والمائة (167)

17. شدّة ابتلاء الأئمّة عليهم السلام ...في [الحديث] الثاني والخمسين والثلاثمائة (352)

18. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «نحن أصل كلّ خير» ...في [الحديث] السادس والثلاثين والثلاثمائة (336)

19. حرب عليّ عليه السلام شرّ من حرب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الثالث والخمسين والثلاثمائة (353)

20. عَرضُ الأعمال على النبي صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الحادي والستّين والثلاثمائة (361)

21. ما أحدٌ من هذه الاُمّة يَدينُ بدين إبراهيم عليه السلام إلّا الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم ...في [الحديث] التاسع والخمسين والثلاثمائة (359)

22. عجبٌ للعرب كيف لا تَحملنا على رؤوسها؟! ...في [الحديث] الثامن والثمانين والثلاثمائة (388)

ص: 41


1- .في النسخة: «المائتين» بدل «المائة»، وهو سهو.

23. لا يزال حقّ آل محمّد واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة ...في [الحديث] الخامس والأربعين والمائة (145)

24. فرضُ الولاية ...في [الحديث] التاسع والتسعين والثلاثمائة (399)

25. قول رجل لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي اُصلّي، فاجعل بعض صلاتي لك ...في [الحديث] الرابع عشر والأربعمائة (414)

26. عَليٌّ أولى الناس بعد النبي صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] العشرين والخمسمائة (520)

27. قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : «من أحبّك فقد قَضى نَحبه» ...في [الحديث] الخامس والسبعين والأربعمائة (475)

28. في أنّهم عليهم السلام ورثوا العفو من آل يعقوب، والشكر من آل داود ...في [الحديث] الثمانين والأربعمائة (480)

29. لا يحبّنا من العرب والعجم إلّا أهل البيوتات والشرف ...في [الحديث] السابع والتسعين والأربعمائة (497)

30. من كان قلبه موافقاً لهم عليهم السلام كان ناجياً، ومن كان قلبه مخالفاً لهم كان هالكاً ...في [الحديث] الحادي والثمانين والخمسمائة (581)

31. في مدح الشيعة وذمّ الناصب ...في [الحديث] الثاني والسبعين (72)

32. من شكى إلى مؤمن كانت شكواه إلى اللّه ...في [الحديث] الثالث عشر والمائة (113)

33. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع أبي بصير ...في [الحديث] السادس (6)

34. حديثه عليه السلام مع ميسّر ...في [الحديث] الثاني والثلاثين (32)

35. حديثه عليه السلام مع سعيد بن يسار ...في [الحديث] السادس والثلاثين (36)

36. حديثه عليه السلام مع عبد اللّه بن الوليد ...في [الحديث] الثامن والثلاثين (38)

37. حرمة الاستخفاف بالشيعة ...في [الحديث] الثالث والسبعين (73)

38. الإيمان لا يضرّ معه العمل، والكفر لا ينفع معه العمل ...في [الحديث] الثمانين (80)

39. الحُرَم خَمس ...في [الحديث] الثاني والثمانين (82)

40. إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه اللّه من الأدواء الثلاثة ...في [الحديث] الثالث والثمانين (83)

41. حديث إبليس ...في [الحديث] الخامس والمائة (105)

ص: 42

42. إذا استقرّ أهلُ النار يَفقدون الشيعة ...في [الحديث] الرابع والمائة (104)

43. الإبليس إنّما صَمَدَ للشيعة وحده ...في [الحديث] الثامن عشر والمائة (118)

44. دخول يحيى بن سابور على أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] التاسع عشر والمائة (119)

45. الميّت على هذا الأمر رشيد وإن مات على فراشه ...في [الحديث] العشرين والمائة (120)

46. ما أحد أحبّ إليهم عليهم السلام من الشيعة ...في [الحديث] الحادي والعشرين والمائة (121)

47. وجوب الستر على المؤمن وإن شهد خمسون قَسامة ...في [الحديث] الخامس والعشرين والمائة (125)

48. الناس أهل رياء غير الشيعة، وإنّ اللّه جعل المتعة عوضاً لهم من الأشربة ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والمائة (133)

49. لِمَ سُمّي المؤمنُ مؤمناً؟ ...في [الحديث] الحادي والستّين والمائة (161)

50. كلّ شيء حرام على غير وليّ عليّ عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والستّين والمائة (163)

51. وليّ عليّ [ عليه السلام ]لا يأكل [إلّا] الحلال ...في [الحديث] الثالث والسبعين والمائة (173)

52. آخى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين سلمان وأبي ذرّ ...في [الحديث] الثامن والستّين والمائة (168)

53. لكلّ مؤمن حافظ وسائب ...في [الحديث] الخامس والتسعين والمائة (195)

54. مدح الشيعة ...في [الحديث] التاسع والخمسين والمائتين (259) ...وفي [الحديث] الستّين والمائتين (260) ...وفي [الحديث] الثامن والعشرين والثلاثمائة (328)

55. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «أشكو إلى اللّه وحده» ...في [الحديث] الحادي والستّين والمائتين (261)

56. الناس طبقات ثلاث ...في [الحديث] الخامس والسبعين والمائتين (275)

57. فرق الناس والناجي والهالك فيهم ...في [الحديث] الثالث والثمانين والمائتين (283)

58. إنّما العيش في مجالسة المؤمنين ومحادثتهم ...في [الحديث] الثاني والتسعين والمائتين (292)

59. إنّ اللّه أعطى المؤمن ثلاث خصال ...في [الحديث] العاشر والثلاثمائة (310)

60. ثلاث هنّ فخر المؤمن ...في [الحديث] الحاديعشر والثلاثمائة (311)

61. عدم قبول العبادة من غير الشيعة ...في [الحديث] السادس عشر والثلاثمائة (316) ...وفي [الحديث] الثامن عشر والثلاثمائة (318)

ص: 43

62. من أحبّ الشيعة على ما هم عليه دخل الجنّة وإن لم يقل بقولهم في [الحديث] السابع والستّين والثلاثمائة (367)

63. شيعتنا حواريّون ...في [الحديث] السادس والتسعين والثلاثمائة (396)

64. الشيعة نور في ظلمات الأرض ...في [الحديث] الخامس عشر والأربعمائة (415)

65. الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا الشيعة ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والأربعمائة (431)

66. للّه _ عزّ وجلّ _ ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور الشيعة ...في [الحديث] السبعين والأربعمائة (470)

67. إنّ اللّه زيّن الشيعة بالحلم، وغشّاهم بالعلم ...في [الحديث] الرابع والتسعين والأربعمائة (494)

68. حبّ الشيعة يوجب دخول الجنّة، وبغضه يوجب دخول النار ...في [الحديث] الخامس والتسعين والأربعمائة (495)

69. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «عاديتم فينا الآباء والأبناء والأزواج» ...في [الحديث] التاسع عشر والخمسمائة (519)

70. تَعْجَبُ الملائكةُ من اشتغال الشيعة بذكر فضل آل محمّد مع قتلهم وكثرة عدوّهم ...في [الحديث] الحادي والعشرين والخمسمائة (521)

71. المراد بالفتى المؤمن لا الشابّ ...في [الحديث] الخامس والتسعين والخمسمائة (595)

72. الشيعة لا يدخل النار اثنان منهم ولا واحد ...في [الحديث] الثاني والثلاثين (32)

73. حديث «الناس وأشباه الناس والنَّسناس» ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والثلاثمائة (339)

74. إنّ للّه تعالى عباداً مَيامين مَياسير ...في [الحديث] الخامس والأربعين والثلاثمائة (345)

75. فيما ينبغي للمؤمن من الخوف والرجاء ...في [الحديث] الثاني والستّين والأربعمائة (462)

الباب السابع: النصيحة للمؤمن ورعاية حرمته

1. وجوب النصيحة للمؤمن ...في [الحديث] التاسع والستّين والمائة (169)

2. إنّ اللّه يحفظ من يحفظ صديقه ...في [الحديث] السادس والستّين والمائة (166)

3. وجوب زَبْر المؤمن ونهيه إذا بلغ عنه ما يَشينه ويَشين اللّه ...في [الحديث] الخمسين والمائة (150)

4. النهي عن الحمل على الشيعة، ووجوب الرفق بهم ...في [الحديث] الثاني والعشرين والخمسمائة (522)

ص: 44

5. إذا قال المؤمن لأخيه: «اُفّ»، خرج من ولايته ...في [الحديث] السادس والخمسين والخمسمائة (556)

6. استحباب التزاور والتعاهد ...في [الحديث] الرابع عشر والخمسمائة (514)

7. استحباب إجابة المؤمن وصحّة ضمان البري? ...في [الحديث] الرابع عشر والخمسمائة (514)

8. حديث عبد الأعلى مع أبي عبد اللّه وإسماعيل عليهماالسلام ...في [الحديث] الثاني والثمانين والمائتين (282)

9. الحُرَم خمس (1) ...في [الحديث] الثاني والثمانين (82)

الباب الثامن: الامتحان والاختبار

1. لو مَيّزتُ شيعتي ما وجدتم (2) إلّا واصفة ...في [الحديث] التسعين والمائتين (290)

2. لا يستحقّ عبد حقيقة الإيمان حتّى يكون الموت [أحبّ] إليه من الحياة ...في [الحديث] السابع والخمسين والثلاثمائة (357)

3. قول أبي جعفر عليه السلام : «من فيكم يَطيب (3) نفسه أن يأخذ جَمْرة بكفّه» ...في [الحديث] التاسع والثمانين والمائتين (289)

4. خالطوا الناس تَخبرهم ...في [الحديث] السادس والتسعين والمائة (196)

الباب التاسع: التواضع والنهي عن المُمارات

1. من خصف نعله ورقّع ثوبه وحمل سِلعته فقد برئ من الكبر ...في [الحديث] الثاني والثلاثمائة (302)

2. الويل للممارئ والمُخاصم، ومن كثر كلامه في غير ذات اللّه ...في [الحديث] السابع والثمانين والخمسمائة (587)

3. لا حسب لقرشي ولا لعربي إلّا بتواضع ...في [الحديث] الثاني عشر والثلاثمائة (312)

الباب العاشر: التقليد من الشبهة

الباب العاشر: التقليد من الشبهة (4)

1. من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم [على] شبهة هامدة ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والثلاثمائة (333)

ص: 45


1- .هذا، وقد مضى هذا العنوان بعينه في الباب السابق، الرقم 39.
2- .في كلتا الطبعتين للكافي: «لم أجدهم» بدل «ما وجدتم».
3- .في كلتا الطبعتين للكافي: «من منكم تطيب» بدل «من فيكم يطيب».
4- .كذا قرأناه.

الباب الحادي عشر: ذكر جماعة من الممدوحين والمذمومين والمستضعفين

1. ما يدلّ على مدح زيد بن علي عليه السلام ...في [الحديث] الرابع والستّين والمائة (164) ...وفي [الحديث] الخامس والستّين والمائة (165) ...وفي [الحديث] الحادي والخمسين والثلاثمائة (351)

2. مدح معلّى بن خنيس ...في [الحديث] التاسع والستّين والأربعمائة (469)

3. مدح مفضّل بن عمر وذمّ حُجر بن زائدة وعامر بن جُذاعة ...في [الحديث] الحادي والستّين والخمسمائة (561)

4. ذمّ الرجلين وكفرهما ولعنهما ...في [الحديث] الرابع والسبعين (74) ...وفي [الحديث] الخامس والسبعين (75) ...وفي [الحديث] الأربعين والثلاثمائة (340) ...وفي [الحديث] الثالث والأربعين والثلاثمائة (343)

5. كفر الأوّل ...في [الحديث] السابع والسبعين والثلاثمائة (377)

6. ذمّ الثاني وتكذيبه بقول أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] السادس والسبعين (76)

7. إنكار الثاني حقّ آل محمّد ومودّتهم بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الخامس والأربعين والمائة (145)

8. ارتدّ الأنصار ومبايعتهم سعد بن عبادة ...في [الحديث] الخامس والخمسين والأربعمائة (455)

9. صار الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بمنزلة من اتّبع هارون ومن اتّبع العِجل ...في [الحديث] السادس والخمسين والأربعمائة (456)

10. كان الناس أهلَ رِدَّة بعد النبي صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة ...في [الحديث] الحادي والأربعين والثلاثمائة (341)

11. هلكوا بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة ...في [الحديث] السادس والخمسين والثلاثمائة (356)

12. ذمّ عَبّاد بن كثير البصري الصوفي ...في [الحديث] الحادي والثمانين (81)

13. ذمّ خالد بن عبد اللّه القَسْري ...في [الحديث] الحادي والتسعين (91)

14. ذمّ نافع مولى عمر بن الخطّاب ...في [الحديث] الثالث والتسعين (93)

15. ذمّ أشعثَ بن قَيْسٍ ...في [الحديث] السابع والثمانين والمائة (187)

16. ليس يموت من بني اُميّة ميّت إلّا مسخ وزغاً ...في [الحديث] الخامس والثلاثمائة (305)

ص: 46

17. قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمروان بن الحكم: «الوزغ ابن الوزغ» ...في [الحديث] الثالث والعشرين والثلاثمائة (323) ...وفي [الحديث] الرابع والعشرين والثلاثمائة (324)

18. لعنُ المُرجئة ...في [الحديث] السابع عشر والأربعمائة (417)

19. لعن أبي الخطّاب محمّد بن المِقْلاص ...في [الحديث] السادس (1) والثمانين والمائتين (286)

20. إنّ ممّن يَنتحل هذا الأمرَ لَيَكذب حتّى إنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه ...في [الحديث] الثاني والستّين والثلاثمائة (362)

21. ذمّ الزيديّة ...في [الحديث] الثامن والخمسين والمائة (158) ...وفي [الحديث] الرابع عشر والثلاثمائة (314)... وفي [الحديث] الحادي والخمسين والثلاثمائة (351)

22. آدم بن قياما ...في [الحديث] السادس والأربعين والخمسمائة (546)

23. سبب عدم قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهلَ النفاق ...في [الحديث] الرابع والأربعين والخمسمائة (544)

24. ضعف إسلام عبّاس وعقيل ...في [الحديث] السادس عشر والمائتين (216)

الباب الثاني عشر: في الاحتجاج وحجج اللّه على عباده

1. احتجاج أبي جعفر عليه السلام على عبد اللّه بن نافع الخارجي ...في [الحديث] الثامن والأربعين والخمسمائة (548)

2. احتجاجه عليه السلام على قَتادة ...في [الحديث] الخامس والثمانين والأربعمائة (485)

3. الحديث القُدسي ...في [الحديث] السبعين والمائتين (270)

4. أخذُ علي عليه السلام على الناس البيعة أن يمنعوا محمّداً وذرّيّته ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريّهم ...في [الحديث] الرابع والسبعين والثلاثمائة (374)

5. في أنّ العامّة يزعمون أنّ بيعة أبي بكر كانت رضاً للّه عزّ وجلّ ...في [الحديث] الثامن والتسعين والثلاثمائة (398)

6. الرجل حجّة لأهل بيته ...في [الحديث] الثاني والأربعين (42)

ص: 47


1- .الصحيح هكذا بملاحظة كلتا الطبعتين، لكن في النسخة: «الرابع» بدل «السادس».

7. الرجل حجّة لجيرانه ...في [الحديث] الثالث والأربعين (43)

8. تؤتى بالمرأة الحسناء وغيرها يوم القيامة ويُحتجّ عليهم ...في [الحديث] الحادي والتسعين والمائتين (291)

9. إنّ العبد لفي فُسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة ...في [الحديث] الرابع والثمانين (84)

الباب الثالث عشر: في الحسب والنسب

1. حديث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ...في [الحديث] الرابع والثلاثين (34)

2. خطبته صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة ...في [الحديث] الثاني والأربعين والثلاثمائة (342)

3. لا حسب لقرشي ولا لعربي إلّا بالتواضع ...في [الحديث] الثاني عشر والثلاثمائة (312)

4. قصّة سلمان مع نفر من قريش في المسجد ...في [الحديث] الثالث والمائتين (203)

5. كلّ نسب وسبب منقطع إلّا ما أثبته القرآن ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والثلاثمائة (335)

6. الجزاء بالأعمال لا بالحسب والنسب ...في [الحديث] السادس والتسعين والمائتين (296)

7. حديث مالك بن عَطيّة ...في [الحديث] الخامس والتسعين والثلاثمائة (395)

8. رجل أصاب أباه سَبي في الجاهليّة ...في [الحديث] التاسع والثلاثمائة (309)

9. نسب عمر بن الخطّاب والعبّاس ...في [الحديث] الثاني والسبعين والثلاثمائة (372)

10. حديث من وُلد في الإسلام ...في [الحديث] السادس والعشرين والمائة (126)

الباب الرابع عشر: المداراة والتقيّة والتستّر والمعاشرة والاُلفة مع الناس

1. حديث أبي الحسن عليه السلام في المَسعى ...في [الحديث] الثامن والأربعين

2. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع السالحين (1) ...في [الحديث] التاسع والأربعين (49)

3. حديثه عليه السلام مع غلامه ...في [الحديث] الخمسين (50)

4. لا تحدّثوا بالحكمة غير أهلها ...في [الحديث] الخامس والأربعين والخمسمائة (545)

5. في أنّهم عليهم السلام يكلّمون على سبعين وجهاً ...في [الحديث] السبعين (70)

ص: 48


1- .كذا في النسخة. ومعنى «السالحين» بالسين المهملة قد مضى _ وهو اسم موضع _ والأنسب على هذا: «في السالحين» بدل «مع السالحين» كما جاء في متن الخبر.

6. الأمر بالحذر من أوثق الناس ...في [الحديث] الخمسين والثلاثمائة (350)

7. علاجُ من ضاقَ صدرُه من كتمان السرّ ...في [الحديث] التاسع والأربعين والمائة (149)

8. النهي عن التشهير ...في [الحديث] الثاني والستّين والخمسمائة (562)

9. حديث محمّد بن سنان مع أبي الحسن الرضا عليه السلام ...في [الحديث] الحادي والسبعين والثلاثمائة (371)

10. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الحادي والخمسين (51)

11. حديث أبي بصير مع المرأة ...في [الحديث] الحادي والسبعين (71) ...وفي [الحديث] التاسع عشر والثلاثمائة (319)

12. إيّاكم وذكر عليّ وفاطمة عليهماالسلام عند المخالفين ...في [الحديث] السادس والخمسين والمائة (156)

13. السكوت عن ذكر صنميهم ...في [الحديث] الخامس عشر والمائتين (215)

14. دخولُ مُصعبٍ العَبدي على أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الثالث والستّين والمائتين (263)

15. كفّ الألسنة عن الناس ...في [الحديث] السابع والثلاثين والخمسمائة (537)

16. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «رحم اللّه عبداً حبّبنا إلى الناس» ...في [الحديث] الثالث والتسعين والمائتين (293)

17. حديث جعفر بن محمّد عليه السلام مع الدوانيقي حين أراد تخريب المدينة ...في [الحديث] الثمانين والأربعمائة (480)

18. بيعة أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر مُكرهاً، والعلّة في ذلك ...في [الحديث] الرابع والخمسين والأربعمائة (454)

19. الأمر بالمُخالطة مع الناس ...في [الحديث] الخامس والخمسين والمائة (155)

20. الصبر في دولة الباطل ...في [الحديث] السادس والأربعين والثلاثمائة (346)

21. فضل المعرفة والزهد والصبر على النوائب ...في [الحديث] السابع والأربعين والثلاثمائة (347)

22. شكاية أبي عبد اللّه عليه السلام من وحدته وتَقَلقُله بين أهل المدينة ...في [الحديث] الحادي والستّين والمائتين (261)

الباب الخامس عشر: الطَّيْرَة والعَدوى

1. لا طَيرة ولا عَدوى ...في [الحديث] الرابع والثلاثين والمائتين (234)

2. الطَّيرة على ما تَجعلها ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والمائتين (235)

ص: 49

3. كفّارة الطَّيرة التوكّل ...في [الحديث] السادس والثلاثين والمائتين (236)

الباب السادس عشر: الاستخارة

1. من استخار اللّه راضياً بما صنع اللّه خار اللّه له ...في [الحديث] الثلاثين والثلاثمائة (330)

الباب السابع عشر: في السفر وما يتعلّق به واختيار الأيّام والساعات له

1. كراهة الخروج في السفر وحده ...في [الحديث] الثالث والتسعين والأربعمائة (493) ...وفي [الحديث] الخامس والستّين والأربعمائة (465)

2. أحبّ الصحابة إلى اللّه أربعة ...في [الحديث] الرابع والستّين والأربعمائة (464)

3. استحباب السير في البَردَيْن (1) ...في [الحديث] الثامن والثمانين والأربعمائة (488)

4. المسلم إذا أراد سفراً يستحبّ أن يعلم إخوانه ...في [الحديث] الخامس والثلاثين والمائة (135)

5. كراهة السفر والتزويج والقمر في العقرب ...في [الحديث] السادس عشر والأربعمائة (416)

6. استحباب السفر يوم السَّبت ...في [الحديث] التاسع والمائة (109)

7. كراهة الخروج يوم الاثنين، واستحبابه يوم الثلثاء ...في [الحديث] الثاني والتسعين والأربعمائة (492)

8. تَصَدَّقْ واخرُج أيّ يوم شئتَ ...في [الحديث] الثامن والأربعمائة (408)

9. الأرض تُطوى بالليل ...في [الحديث] التسعين والأربعمائة (490) ...وفي [الحديث] الحادي والتسعين والأربعمائة (491) ...وفي [الحديث] التاسع والثمانين والأربعمائة (489)

10. استحباب حمل السلاح وسائر ما يحتاج إليه في السفر ...في [الحديث] السادس والستّين والأربعمائة (466)

11. استحباب تطييب الزاد في السفر ...في [الحديث] السابع والستّين والأربعمائة (467) ...وفي [الحديث] الثامن والستّين والأربعمائة (468)

12. الشُّؤم للمسافر خمسةُ أشياء ...في [الحديث] الثالث والتسعين والأربعمائة (493)

ص: 50


1- .البَردان: الغَداةُ والعَشيّ. وقيل: العَصران. اُنظر: لسان العرب، ج3، ص84 (برد).

الباب الثامن عشر: في النجوم

1. النجوم حقّ، وإنّ اللّه بعث المشتري إلى الأرض ...في [الحديث] السابع والخمسمائة (507)

2. النهي عن النظر في النجوم ...في [الحديث] الثالث والثلاثين والمائتين (233)

3. حديث المنجّم مع أبي عبد اللّه ...في [الحديث] التاسع والأربعين والخمسمائة (549)

4. ما يَعلم النجوم إلّا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند ...في [الحديث] الثامن والخمسمائة (508)

5. حديث البحر مع الشمس وعلل كسوفها ...في [الحديث] الحادي والأربعين (41)

6. للشمس ثلاثمائة وستّين بُرجاً ...في [الحديث] الثامن والأربعين والمائة (148)

7. المِرّيخ كوكب حارّ، وزُحَل كوكب بارد ...في [الحديث] الرابع والسبعين والأربعمائة (474)

8. إنّ اللّه خلق نجماً في الفلك السابع وهو نجم الأنبياء والأوصياء ...في [الحديث] التاسع والستّين والثلاثمائة (369)

9. هذا اليوم لِلَّيلة الماضية ...في [الحديث] السابع عشر والخمسمائة (517)

10. علّة كون الشمس أحرّ من القمر ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والثلاثمائة (332)

الباب التاسع عشر: في المطر وأسبابه

1. إنّ تحت العرش بحراً فيه ماء يُنبت أرزاقَ الحيوانات ...في [الحديث] السادس والعشرين والثلاثمائة (326)

2. ما أبرقت قطّ في ظلمة ليل ولا ضوء نهار إلّا وهي ماطرة ...في [الحديث] السابع والستّين والمائتين (267)

3. السحاب أين يكون، وذكر الرعد والبرق ...في [الحديث] الثامن والستّين والمائتين (268)

4. كراهة الإشارة إلى المطر والهلال ...في [الحديث] السادس والعشرين والثلاثمائة (326)

الباب العشرون: في الرياح وأصنافها

1. الرياح الأربع ...في [الحديث] الثالث والستّين (63)

2. رياح الرحمة ورياح العذاب ...في [الحديث] الرابع والستّين (64)

3. إنّ للّه ريحاً يقال له: الأزيَب ...في [الحديث] الخامس والستّين والمائتين (265)

ص: 51

4. أحبّ الرياح الأربع من تحت الركن الشامي ...في [الحديث] الحادي والأربعمائة (401)

الباب الحادي والعشرون: في الزلزلة وسببها

1. اضطربت الأرض في زمن علي عليه السلام ...في [الحديث] السادس والستّين والثلاثمائة (366)

2. سبب الزلزلة ...في [الحديث] الخامس والستّين والثلاثمائة (365)

الباب الثاني والعشرون: في أصناف المخلوقات

1. أوّل ما خلق اللّه ...في [الحديث] السابع والستّين (67)

2. كان كلّ شيء ماء ...في [الحديث] الثاني والأربعين والمائة (142)

3. خلقُ طينة المؤمن والكافر ...في [الحديث] السادس والخمسين (56)

4. الناس معادنُ كمعادن الذهب والفضّة ...في [الحديث] السابع والتسعين والمائة (197)

4. إنّ اللّه خلق الخير يوم الأَحَد ...في [الحديث] السابع عشر والمائة (117)

5. حديث زَينبُ العَطّارة ...في [الحديث] الثالث والأربعين والمائة (143)

6. حديث الحوت على أيّ شيء هو ...في [الحديث] الخامس والخمسين (55)

7. ليس خلق أكثر من الملائكة ...في [الحديث] الثاني والأربعمائة (402)

8. الملائكة على ثلاثة أجزاء ...في [الحديث] الثالث والأربعمائة (403)

9. هل كان إبليس من الملائكة أم لا؟ ...في [الحديث] الثالث عشر والأربعمائة (413)

10. لإبليس عون يقال له: تَمريح ...في [الحديث] الرابع والثلاثمائة (304)

11. إنّ للّه مَلَكاً ما بين شَحْمَة اُذُنه إلى عاتقه مسيرةُ خمسمائة عام ...في [الحديث] الخامس والأربعمائة (405)

12. إنّ للّه ديكاً ...في [الحديث] السادس والأربعمائة (406)

13. حديث القِباب ...في [الحديث] الثلاثمائة (300) ...وفي [الحديث] الحادي والثلاثمائة (303)

14. ما خلق اللّه خلقاً إلّا وقد أمرّ عليه آخر يغلبه ...في [الحديث] التاسع والعشرين والمائة (129)

15. ما خلق اللّه خلقاً أصغرَ من البَعوض ...في [الحديث] الثامن والأربعين والثلاثمائة (348)

16. حديث يأجوج ومأجوج وأصناف الخلق ...في [الحديث] الرابع والسبعين والمائتين (274)

ص: 52

الباب الثالث والعشرون: في النوم والأحلام وتعبير الرؤيا

1. حديث الأحلام والحجّة على أهل ذلك الزمان ...في [الحديث] السابع والخمسين (57)

2. الرؤيا الصادقة والكاذبة ...في [الحديث] الثاني والستّين (62)

3. الرؤيا على ثلاثة وجوه ...في [الحديث] الحادي والستّين (61)

4. رؤيا المؤمن على سبعين جزءاً من أجزاء النبوّة ...في [الحديث] الثامن والخمسين (58)

5. رؤيا المؤمن مُبَشِّرَاتٌ (1) ...في [الحديث] التاسع والخمسين (59) و...في [الحديث] الستّين (60)

6. رؤيا النبي صلى الله عليه و آله أنّ بني اُميّة يصعدون المنابر ...في [الحديث] الثمانين والمائتين (280) ...وفي [الحديث] الثالث والأربعين والخمسمائة (543)

7. رؤيا أبي جعفر عليه السلام ...في [الحديث] السادس والمائتين (206)

8. رؤيا محمّد بن مسلم ...في [الحديث] السابع والأربعين والأربعمائة (447)

9. رؤيا ياسرٍ الخادم ...في [الحديث] السبعين والثلاثمائة (370)

10. رؤيا رجل قيل له: انطلق فصلّ على أبي جعفر عليه السلام ...في [الحديث] السابع والمائتين (207)

11. رؤيا رجل رأى شَبَحاً من خَشَب ...في [الحديث] الثامن والأربعين والأربعمائة (448)

12. رؤيا رجل رأى كان الشمس طالعة على رأسه دون جسده ...في [الحديث] الخامس والأربعين والأربعمائة (445)

13. رؤيا رجل كان الشمس طالعة على قدميه دون جسده ...في [الحديث] السادس والأربعين والأربعممائة (446)

14. رؤيا المرأة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ جِذع بيتها قد انكسر ...في [الحديث] الثامن والعشرين والخمسمائة (528)

15. رؤيا المؤمن تُرَفْرِفُ بين السماء والأرض ...في [الحديث] التاسع والعشرين والخمسمائة (529)

16. الرؤيا على ما تُعَبَّر ...في [الحديث] السابع والعشرين والخمسمائة (527)

17. الرؤيا لا تُقَصُّ إلّا على مؤمن خَلا من الحسد والبغي ...في [الحديث] الثلاثين والخمسمائة (530)

ص: 53


1- .إشارة إلى متن حديث روي عن الرضا عليه السلام : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إذا أصبح قال لأصحابه: هل من مُبَشِّراتَ، يعني به الرؤيا».

18. حديث العالم الذي له ابنٌ لم يَرغب في علم أبيه ...في [الحديث] الثاني والخمسين والخمسمائة (552)

الباب الرابع والعشرون: في الطبّ والأمراض والمعالجات

1. ما بعث اللّه نبيّاً إلّا صاحب مرّة سوداء ...في [الحديث] السابع والسبعين والمائة (177)

2. الرخصة في أنواع المعالجات ...في [الحديث] التاسع والعشرين والمائتين (229) ...وفي [الحديث] الثلاثين والمائتين (230)

3. حديث الطبيب ...في [الحديث] الثاني والخمسين (52)

4. جميع الداء سارع إلى الجسد ...في [الحديث] الثالث والخمسين (53)

5. طبائع الجسم على أربعة ...في [الحديث] السابع والتسعين والمائتين (297)

6. الدواء أربعة ...في [الحديث] السادس والعشرين والمائتين (276)

7. ليس من دواء إلّا وهو يُهيّج داء ...في [الحديث] التاسع والأربعمائة (409)

9. حدّ الحِمْية ...في [الحديث] الثالث والأربعين والأربعمائة (443)

10. لا الحِمية إلّا من التمر والتداوي بالتُّفّاح والماء البارد ...في [الحديث] الحادي والأربعين والأربعمائة (441)

11. لا تنفع الحِمية لمريض بعد سبعة أيّام ...في [الحديث] الثاني والأربعين والأربعمائة (442)

12. دواء لضعف البصر ...في [الحديث] الحادي والثمانين والخمسمائة (581)

13. دواء لوَجَع العين ...في [الحديث] الثالث والثمانين والخمسمائة (583)

14. دواء للبياض يكون في العين ...في [الحديث] الثاني والثمانين والخمسمائة (582)

15. كراهة التداوي من الزُّكام ...في [الحديث] السابع والسبعين والخمسمائة (577) ...وفي [الحديث] الثامن والسبعين والخمسمائة (578)

16. يسلّط اللّه الزكام مع الجُذام والدَّماميل على البَرَص ...في [الحديث] التاسع والسبعين والخمسمائة (579)

17. علاج لوَجَع الضِّرْس ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والمائتين (231) ...وفي [الحديث] الثاني والثلاثين والمائتين (232)

ص: 54

18. علاج لوجع الفم والدم الذي يخرج من الإنسان والضربان والحُمرة التي تقع في الفم ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والمائتين (232)

19. دواء للسُعال ...في [الحديث] السابع والعشرين والمائتين (227)

20. دواء للطُحال ...في [الحديث] التاسع عشر والمائتين (219)

21. علاج من تغيّر عليه ماء الظهر ...في [الحديث] الثالث والعشرين والمائتين (223)

22. دواء لضعف المَعِدَة ...في [الحديث] العشرين والمائتين (220)

23. علاج الريح الشابكة والحام والإبردة في المفاصل ...في [الحديث] الحادي والعشرين والمائتين (221)

24. دواء للبلّة والرطوبة ...في [الحديث] الثامن والعشرين والمائتين (228)

25. دواء للوجع ...في [الحديث] الخامس والثمانين والثلاثمائة (385)

26. علاج للحُمّى ...في [الحديث] السابع والثمانين (87) ...وفي [الحديث] السادس والثمانين والثلاثمائة (386) ...وفي [الحديث] العاشر والأربعمائة (410)

27. دواء لحُمّى الرِّبْع ...في [الحديث] الرابع والثمانين والثلاثمائة (384)

28. كراهة الاحتجام يوم الثلثاء ...في [الحديث] الثالث والعشرين والمائتين (223)

29. الاحتجام يوم الأربعاء ...في [الحديث] الرابع والعشرين والمائتين (224)

30. كراهة الاحتجام يوم الجمعة ...في [الحديث] الخامس والعشرين والمائتين (225)

31. كراهة الحجامة على الريق ...في [الحديث] السابع والأربعمائة (407)

32. الحجامة على الرأس ...في [الحديث] الستّين والمائة (160)

33. اقرأ آية الكرسي واحتجم أيّ يوم شئت ...في [الحديث] الثامن والأربعمائة (308)

34. المشي للمريض نُكْس ...في [الحديث] الرابع والأربعين والأربعمائة (444)

35. دعاء البُرّ للاستغثاء ...في [الحديث] الرابع والخمسين (554)

36. الدعاء للواهنة والصُداع وغَمرة البول ...في [الحديث] السابع عشر والمائتين (217)

37. تعويذ للحُمّى ...في [الحديث] الثامن والثمانين (88)

38. الحَزم في القلب، والرحمة والغلظة في الكبد ...في [الحديث] الثامن عشر والمائتين (218)

ص: 55

الباب الخامس والعشرون: الحرز والعوذة والأدعية

1. تعويذ أبي عبد اللّه عليه السلام لبعض ولده ...في [الحديث] السادس والأربعين (46)

2. دعاء لدفع الفقر والسقم ...في [الحديث] الخامس والستّين (65)

3. تعويذ للحُمّى ...في [الحديث] الثامن والثمانين (88)

4. من قال البسملة والحوقلة ...في [الحديث] التاسع والثمانين (89)

5. الدعاء إذا رأى الرجل في منامه ما يكره ...في [الحديث] السادس والمائة (106) ...وفي [الحديث] السابع والمائة (107)

6. دعاء الاستسقاء ...في [الحديث] السادس والستّين والمائتين(266)

7. الدعاء عند قراءة قوله تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لَا تُحْصُوهَا» (1) في [الحديث] الثاني والتسعين والخمسمائة (592)

الباب السادس والعشرون: في النوادر

1. الفرار عن الربا ...في [الحديث] الخامس والثمانين (85)

2. ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه ...في [الحديث] السادس والثمانين (86)

3. اشتدّت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة ...في [الحديث] الثاني عشر والمائة (112)

4. من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمّت عليه النعمة ...في [الحديث] السابع والعشرين والمائة (127)

5. إنّما عرّف اللّه نفسه إلى خلقه بالكلام ...في [الحديث] الثامن والعشرين والمائة (128)

6. إذا هممت بأمر فتدبّر عاقبته ...في [الحديث] الثلاثين والمائة (130)

7. ارحموا عزيزاً ذلّ ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والمائة (131)

8. لا تَطعُنُوا عيوب من أقبل عليكم بمودّته ...في [الحديث] الثاني والثلاثين والمائة (132)

9. خَلّتان كثير من الناس فيهما مَفتون ...في [الحديث] السادس والثلاثين والمائة (136)

10. من عرّض نفسَه للتُّهَمَة ...في [الحديث] السابع والثلاثين والمائة (137)

11. إنّما النصر لأحسن بقيّة على الاسلام من الفئتين ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والمائة (139)

ص: 56


1- .النحل (16): 18.

12. جُبلت القلوب على حبّ من ينفعها ...في [الحديث] الأربعين والمائة (140)

13. افعل الخير إلى كلّ من طلبه منك ...في [الحديث] الحادي والأربعين والمائة (141)

14. الدين دولتان ...في [الحديث] الثالث والخمسين والمائة (153)

15. إذا أراد اللّه فناء دولة قوم ...في [الحديث] الأربعمائة (400) ...وفي [الحديث] السابع والخمسين والمائة (157)... وفي [الحديث] الثامن والثلاثين والخمسمائة (538) ...وفي [الحديث] الثالث والتسعين والخمسمائة (593)

16. انقطع شِسْع نَعل أبي عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] التاسع والخمسين والمائة (159)

17. إنّ اللّه يعذّب الستّة بالستّة ...في [الحديث] السبعين والمائة (170)

18. كراهة طعام الحارّ، واستحباب تناول الفاكهة بعد الطعام ...في [الحديث] الثلاثين والمائة (130)

19. يا ليتنا سيّارة مثل آل يعقوب ...في [الحديث] التاسع والسبعين والمائة (179)

20. المقبول من كلام الحكمة والمردود منها ...في [الحديث] الثمانين والمائة (180)

21. الحكمة ضالّة المؤمن ...في [الحديث] السادس والثمانين والمائة (183)

22. إنّ أحقّ الناس أن يتمنّى الغنى للناس أهلُ البخل ...في [الحديث] الحادي والتسعين والمائة (191)

23. كراهة شكاية إلى أهل الخلاف ...في [الحديث] الثاني والتسعين والمائة (192)

24. من صدق لسانُه زكى عمله ...في [الحديث] التاسع والستّين والمائتين (269)

25. ثلاث من كنّ فيه لا يُرجى خيره ...في [الحديث] الحادي والسبعين والمائتين (271)

26. إذا أتاكم شريفُ قوم فأكرموه ...في [الحديث] الثاني والسبعين والمائتين (272)

27. ما أشدّ حزن النساء ...في [الحديث] الثالث والسبعين والمائتين (273)

28. وُكّل الرزقُ بالحُمق ...في [الحديث] السابع والسبعين والمائتين (277)

29. معنى قول أبيذرّ: ثلاث يبغضها الناس وأنا اُحبّها ...في [الحديث] التاسع والسبعين والمائتين (279)

30. لم تزل دولة الباطل طويلة، ودولة الحقّ قصيرة ...في [الحديث] الرابع والثمانين والمائتين (284)

31. ما من عبد يدعو إلى ضلالة إلّا وجد من يُتابعه ...في [الحديث] الخامس والتسعين والمائتين (295)

32. استحباب الغسل لقتل الوَزَغ ...في [الحديث] الخامس والثلاثمائة (305)

ص: 57

33. وجوب أداء الأمانة إلى الأسود والأحمر ...في [الحديث] السادس والثلاثمائة (316)

34. ولد الزنا جزاؤه على وفق عمله كسائر الناس ...في [الحديث] الثاني والعشرين والثلاثمائة (322)

35. لم تهلك هؤلاء الحُمقى إلّا بخَفق النعال خلفهم ...في [الحديث] الحادي والثلاثين والثلاثمائة (331)

36. عدم المؤاخذة بالشيء على حدّ الغضب ...في [الحديث] الستّين والثلاثمائة (360)

37. حدّ مسجد الكوفة ...في [الحديث] الحادي والعشرين والأربعمائة (421)

38. حديث الرِّباط وحدّه ...في [الحديث] السادس والسبعين والخمسمائة (576)

39. من خالف قوماً في عمله لا يُنزل اللّه معهم يوم القيامة ...في [الحديث] الثامن والخمسين والثلاثمائة (358)

الباب السابع والعشرون: في الإخبار عمّا هو آت

1. حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع المنصور في موكبه ...في [الحديث] السابع (7)

2. حديث أمير المؤمنين عليه السلام ...في [الحديث] الخامس والعشرين (25)

3. إخبار أبي جعفر عليه السلام بني العبّاس بدولتهم قبل ظهوره ...في [الحديث] السادس والخمسين والمائتين (256) ...وفي [الحديث] السابع والخمسين والمائتين (257)

4. إتيان كتاب أبي مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام ...في [الحديث] الثاني عشر والأربعمائة (412)

5. الإخبار بكثرة القتل في أهل بيت من قريش ...في [الحديث] الثالث والخمسين والأربعمائة (453)

6. سيأتي على هذه الاُمّة زمان تُخبث فيه سرائرهم ...في [الحديث] السادس والسبعين والأربعمائة (476)

7. سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلّا رسمه ...في [الحديث] التاسع والسبعين والأربعمائة (479)

8. حديث وُلد المِرْداس ...في [الحديث] التاسع والثلاثين والخمسمائة (539)

9. رقّة أبي عبد اللّه عليه السلام لمحمّد بن عبد اللّه ...في [الحديث] الرابع والتسعين والخمسمائة (594)

10. وقعة قِرْقيسا ...في [الحديث] الحادي والخمسين والأربعمائة (451)

11. وقعة الرَّيِّ ...في [الحديث] الثامن والتسعين والمائة (198)

ص: 58

الباب الثامن والعشرون: في ظهور القائم عليه السلام وعلاماته

1. فضل انتظار ظهور القائم عليه السلام ...في [الحديث] السابع والثلاثين (37)

2. إنّ الدنيا لا تذهب حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل البيت عليهم السلام ...في [الحديث] السابع والتسعين والخمسمائة (597)

3. قول أمير المؤمنين عليه السلام : «تفرّجي تضيّقي» ...في [الحديث] الخمسين والأربعمائة (450)

4. قول أبي عبد اللّه عليه السلام : «كأنّي بالقائم على منبر الكوفة» ...في [الحديث] الخامس والثمانين والمائة (185)

5. النهي عن استعجال هذا الأمر ...في [الحديث] الحادي عشر والأربعمائة (411)

6. علامات ظهور الصاحب عليه السلام وفرج الشيعة ...في [الحديث] الرابع والخمسين والمائتين (254) ...وفي [الحديث] الثالث والثمانين والثلاثمائة (383) ...وفي [الحديث] الخامس والثمانين والمائتين (285) ...وفي [الحديث] الحادي والثمانين والثلاثمائة (381) ...وفي [الحديث] الثالث والثمانين والأربعمائة (483) ...وفي [الحديث] الثاني عشر والسبعين والمائتين (272) وفي [الحديث] التاسع والخمسمائة (509)

7. حديث الصيحة ...في [الحديث] الثاني والخمسين والمائتين (252) ...وفي [الحديث] الثالث والخمسين والمائتين (253) ...وفي [الحديث] الخامس والخمسين والمائتين (255)

8. اختلاف بني العبّاس من المحتوم، والنداء من المحتوم ...في [الحديث] الرابع والثمانين والأربعمائة (484)

9. إذا قام القائمُ عليه السلام عَرَضَ الإيمانَ على كلّ ناصب ...في [الحديث] الثامن والثمانين والمائتين (288)

10. إنّ اللّه بعث محمّداً صلى الله عليه و آله رحمة، ويبعث القائم عليه السلام نعمة ...في [الحديث] السادس والثلاثمائة (306)

11. إذا قام القائمُ مدّ اللّه للشيعة في أسماعهم وأبصارهم ...في [الحديث] التاسع والعشرين والثلاثمائة (329)

ص: 59

12. كراهة الخروج في زمن الغيبة ...في [الحديث] الثاني والخمسين والأربعمائة (452) ...وفي [الحديث] الحادي والثمانين والثلاثمائة (381) ...وفي [الحديث] الثاني والثمانين والثلاثمائة (382)

13. لو قد قام القائم عليه السلام أعطى الرجل من الشيعة قوّة أربعين رجلاً ...في [الحديث] التاسع والأربعين والأربعمائة (449)

الباب التاسع والعشرون: في أحوال القيامة وأهوالها

1. حديث حشر الخلائق عُزلاً بُهْماً ...في [الحديث] التاسع والسبعين (79)

2. حديث الناس يوم القيامة ...في [الحديث] الرابع والخمسين والمائة (154)

3. مثل الناس يوم القيامة ...في [الحديث] العاشر والمائة (110)

4. حديث نوح عليه السلام يوم القيامة ...في [الحديث] الثاني والتسعين والثلاثمائة (392)

الباب الثلاثون: في وصف الجنّة والنار

1. إنّ اللّه تعالى خلق الجنّة قبل أن يخلق النار ...في [الحديث] السادس عشر والمائة (116)

2. حديث الجِنان والنُوق ...في [الحديث] التاسع والستّين (69)

3. في الجنّة نَهَرٌ يقال له: جعفر ...في [الحديث] الثامن والثلاثين والمائة (138)

4. في الجنّة نَهَرٌ حَافتاه حُور نابتات ...في [الحديث] التاسع والتسعين والمائتين (299)

5. في الجنّة نَهَرٌ يغتمس فيه جبرئيل عليه السلام كلّ غداة ...في [الحديث] الرابع والأربعمائة (404)

6. إنّ خَيراً اسم نَهَر في الجنّة ...في [الحديث] الثامن والتسعين والمائتين (298)

7. كيفيّة احتضار جهنّم في العرصات ...في [الحديث] السادس والثمانين والأربعمائة (486)

ص: 60

وإذ قد فرغنا ممّا أردنا من فهرست الأبواب، فلنشرع فيما هو المقصود الأصلي من شرح الكتاب: قال المصنّف رحمه الله: (بسم اللّه الرحمن الرحيم. كتاب الروضة:)

متن الحديث الأوّل

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ، (1) قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ حَفْصٍ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ؛وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام أَنَّهُ كَتَبَ بِهذِهِ الرِّسَالَةِ إِلى أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِمُدَارَسَتِهَا، وَالنَّظَرِ فِيهَا، وَتَعَاهُدِهَا، وَالْعَمَلِ بِهَا، (2) فَكَانُوا يَضَعُونَهَا فِي مَسَاجِدِ بُيُوتِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ نَظَرُوا فِيهَا؛ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، 3 عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ الصَّحَّافِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَخْلَدٍ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ: خَرَجَتْ هذِهِ الرِّسَالَةُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلى أَصْحَابِهِ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَاسْأَلُوا رَبَّكُمُ الْعَافِيَةَ، وَعَلَيْكُمْ بِالدَّعَةِ وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ،

ص: 61


1- .في كلتا الطبعتين للكافي: _ «رضي اللّه عنه».
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بما فيها» بدل «بها».

وَعَلَيْكُمْ بِالْحَيَاءِ وَالتَّنَزُّهِ عَمَّا تَنَزَّهَ الصَّالِحُونَ مِنْ (1) قَبْلِكُمْ. وَعَلَيْكُمْ بِمُجَامَلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ، تَحَمَّلُوا الضَّيْمَ مِنْهُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَمُمَاظَّتَهُمْ، دِينُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ إِذَا أَنْتُمْ جَالَسْتُمُوهُمْ وَخَالَطْتُمُوهُمْ وَنَازَعْتُمُوهُمُ الْكَلاَمَ؛ فَإِنَّهُ لَابُدَّ لَكُمْ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ وَمُنَازَعَتِهِمُ الْكَلاَمَ بِالتَّقِيَّةِ الَّتِي أَمَرَكُمُ اللّهُ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، فَإِذَا ابْتُلِيتُمْ بِذلِكَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ سَيُؤْذُونَكُمْ، وَتَعْرِفُونَ فِي وُجُوهِهِمُ الْمُنْكَرَ، وَلَوْ لَا أَنَّ اللّهَ [تَعَالى ]يَدْفَعُهُمْ عَنْكُمْ لَسَطَوْا (2) بِكُمْ، وَمَا فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ أَكْثَرُ مِمَّا يُبْدُونَ لَكُمْ، مَجَالِسُكُمْ وَمَجَالِسُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَأَرْوَاحُكُمْ وَأَرْوَاحُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لَا تَأْتَلِفُ، لَا تُحِبُّونَهُمْ أَبَداً، وَلَا يُحِبُّونَكُمْ غَيْرَ أَنَّ اللّهَ [تَعَالى ]أَكْرَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَبَصَّرَكُمُوهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ مِنْ أَهْلِهِ، فَتُجَامِلُونَهُمْ، وَتَصْبِرُونَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ لَا مُجَامَلَةَ لَهُمْ، وَلَا صَبْرَ لَهُمْ عَلى شَيْءٍ، وَحِيَلُهُمْ وَسْوَاسُ (3) بَعْضِهِمْ إِلى بَعْضٍ؛ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا صَدُّوكُمْ عَنِ الْحَقِّ ويَعْصِمُكُمُ (4) اللّهُ مِنْ ذلِكَ، فَاتَّقُوا اللّهَ، وَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ إِلَا مِنْ خَيْرٍ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَذْلَقُوا (5) أَلْسِنَتَكُمْ بِقَوْلِ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ وَالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ كَفَفْتُمْ أَلْسِنَتَكُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ (6) اللّهُ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ كَانَ خَيْراً لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ مِنْ أَنْ تَذْلَقُوا (7) أَلْسِنَتَكُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ ذَلَقَ (8) اللِّسَانِ فِيمَا يَكْرَهُ اللّهُ وَمَا نَهى (9) عَنْهُ مَرْدَاةٌ لِلْعَبْدِ عِنْدَ اللّهِ، وَمَقْتٌ مِنَ اللّهِ، وَصَمَمٌ (10) وَعَمًى وَبَكَمٌ يُورِثُهُ اللّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَصِيرُوا كَمَا قَالَ اللّهُ: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ»،(11) يَعْنِي لَا يَنْطِقُونَ، «وَلا

ص: 62


1- .في كلتا الطبعتين للكافي وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «عنه الصالحون» بدل «الصالحون من».
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لسلّطوا». وفي حاشية اُخرى لها: «لبطشوا».
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وساوس».
4- .في كلتا الطبعتين للكافي وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «فيعصمكم».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «أن تزلقوا» بالزاي المعجمة.
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يكره».
7- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «أن تُزلقوا» بالزاي المعجمة.
8- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «زلق» بالزاي المعجمة.
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وفيما ينهى». وفي الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وما ينهى».
10- .في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «وصمّ» بالتضعيف.
11- .البقرة(2): 19.

يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» . (1) وَإِيَّاكُمْ وَمَا نَهَاكُمُ اللّهُ (2) عَنْهُ أَنْ تَرْكَبُوهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ إِلَا فِيمَا يَنْفَعُكُمُ اللّهُ بِهِ مِنْ (3) أَمْرِ آخِرَتِكُمْ، وَيَأْجُرُكُمْ عَلَيْهِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى اللّهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ، وَلَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ أَحَدٌ، فَاشْغَلُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِذلِكَ عَمَّا نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنْ أَقَاوِيلِ الْبَاطِلِ، الَّتِي تُعْقِبُ أَهْلَهَا خُلُوداً فِي النَّارِ مَنْ مَاتَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتُبْ إِلَى اللّهِ وَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا. وَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُدْرِكُوا نَجَاحَ الْحَوَائِجِ عِنْدَ رَبِّهِمْ بِأَفْضَلَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللّهِ، (4) وَالْمَسْأَلَةِ لَهُ، فَارْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَكُمُ اللّهُ فِيهِ، وَ أَجِيبُوا اللّهَ إِلى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ لِتُفْلِحُوا وَتُنْجِحُوا (5) مِنْ عَذَابِ اللّهِ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَشْرَهَ أَنْفُسُكُمْ إِلى شَيْءٍ مِمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ (6) مَنِ انْتَهَكَ مَا (7) حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ هاهُنَا فِي الدُّنْيَا حَالَ اللّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَلَذَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا الْقَائِمَةِ الدَّائِمَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَبَدَ الْابِدِينَ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ بِئْسَ الْحَظُّ الْخَطَرُ لِمَنْ خَاطَرَ اللّهَ بِتَرْكِ طَاعَةِ اللّهِ وَرُكُوبِ مَعْصِيَتِهِ، فَاخْتَارَ أَنْ يَنْتَهِكَ مَحَارِمَ اللّهِ فِي لَذَّاتِ دُنْيَا مُنْقَطِعَةٍ زَائِلَةٍ عَنْ أَهْلِهَا عَلى خُلُودِ نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا وَكَرَامَةِ أَهْلِهَا، وَيْلٌ لأولئِكَ مَا أَخْيَبَ حَظَّهُمْ، (8) وَأَخْسَرَ كَرَّتَهُمْ، وَأَسْوَأَ حَالَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، اسْتَجِيرُوا اللّهَ أَنْ يُجِيرَكُمْ (9) فِي مِثَالِهِمْ أَبَداً، وَأَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِمَا ابْتَلَاهُمُ اللّهُ، (10) وَلَا قُوَّةَ لَنَا وَلَكُمْ إِلَا بِهِ. فَاتَّقُوا اللّهَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ النَّاجِيَةُ إِنْ أَتَمَّ اللّهُ لَكُمْ مَا أَعْطَاكُمْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ الْأَمْرُ حَتّى يَدْخُلَ عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَى الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَحَتّى تُبْتَلَوْا فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَحَتّى تَسْمَعُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللّهِ أَذًى كَثِيراً، فَتَصْبِرُوا، وَتَعْرُكُوا بِجُنُوبِكُمْ، وَحَتّى يَسْتَذِلُّوكُمْ وَيُبْغِضُوكُمْ، وَحَتّى يُحَمِّلُوا

ص: 63


1- .المرسلات(77): 36.
2- .في النسخة «اللّه» مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «في».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إليه» بدل «إلى اللّه».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «تنجوا».
6- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «فإنّه».
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ممّا».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «خطرهم».
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يخزيكم».
10- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «به» بدل «اللّه».

عَلَيْكُمُ الضَّيْمَ، (1) مِنْهُمْ تَلْتَمِسُونَ بِذلِكَ وَجْهَ اللّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَحَتّى تَكْظِمُوا الْغَيْظَ الشَّدِيدَ فِي الْأَذى فِي اللّهِ _ جَلَّ وَعَزَّ _ يَجْتَرِمُونَهُ إِلَيْكُمْ، وَحَتّى يُكَذِّبُوكُمْ بِالْحَقِّ، وَيُعَادُوكُمْ فِيهِ، وَيُبْغِضُوكُمْ عَلَيْهِ، فَتَصْبِرُوا عَلى ذلِكَ مِنْهُمْ، وَمِصْدَاقُ ذلِكَ كُلِّهِ فِي كِتَابِ اللّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ جَبْرَئِيلُ[ عليه السلام ]عَلى نَبِيِّكُمْ[ صلى الله عليه و آله ]؛ سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» ؟ (2) ثُمَّ قَالَ: «وَلَقَدْ (3) كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ، (4) فَقَدْ كُذِّبَ نَبِيُّ اللّهِ وَالرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ، وَأُوذُوا مَعَ التَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، فَإِنْ سَرَّكُمْ أَمْرُ اللّهِ فِيهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ لَهُ فِي الْأَصْلِ _ أَصْلِ الْخَلْقِ _ مِنَ الْكُفْرِ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِ اللّهِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ لَهُ فِي الْأَصْلِ، وَمِنَ (5) الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ». (6) فَتَدَبَّرُوا هذَا، وَاعْقِلُوهُ، وَلَا تَجْهَلُوهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَجْهَلْ هذَا وَأَشْبَاهَهُ مِمَّا افْتَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مِمَّا أَمَرَ اللّهُ بِهِ وَنَهى عَنْهُ، تَرَكَ دِينَ اللّهِ، وَرَكِبَ مَعَاصِيَهُ، فَاسْتَوْجَبَ سَخَطَ اللّهِ، فَأَكَبَّهُ اللّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ». وَقَالَ: «أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ الْمُفْلِحَةُ، إِنَّ اللّهَ أَتَمَّ لَكُمْ مَا آتَاكُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِلْمِ اللّهِ، وَلَا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللّهِ فِي دِينِهِ بِهَوًى وَلَا رَأْيٍ وَلَا مَقَايِيسَ، قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ الْقُرْآنَ، وَجَعَلَ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ لِلْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِ (7) الْقُرْآنِ أَهْلاً لَا يَسَعُ (8) أَهْلَ عِلْمِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللّهُ عِلْمَهُ أَنْ يَأْخُذُوا فِيهِ بِهَوًى وَلاَ رَأْيٍ وَلَا مَقَايِيسَ، أَغْنَاهُمُ اللّهُ عَنْ ذلِكَ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ عِلْمِهِ، وَخَصَّهُمْ بِهِ، وَوَضَعَهُ عِنْدَهُمْ، كَرَامَةً مِنَ اللّهِ أَكْرَمَهُمْ بِهَا، وَهُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللّهُ هذِهِ الْأُمَّةَ بِسُؤَالِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ مَنْ سَأَلَهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللّهِ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ، وَيَتَّبِعَ أَثَرَهُمْ، أَرْشَدُوهُ، وَأَعْطَوْهُ مِنْ عِلْمِ الْقُرْآنِ مَا يَهْتَدِي بِهِ إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ، وَإِلى جَمِيعِ سُبُلِ الْحَقِّ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَرْغَبُ

ص: 64


1- .في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «فتحمّلوا».
2- .الأحقاف(46): 35.
3- .في كلتا الطبعتين للكافي: «وإن يكذّبوك فقد» بدل «ولقد».
4- .الأنعام(6): 34.
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وفي».
6- .كذا في النسخة وكلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة للكافي. وفي المصحف الشريف _ الآية 41 من سورة القصص(28) _ : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» .
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولعلم». وفي كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «ولتعلّم».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يُسيغ».

عَنْهُمْ وَ (1) عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ وَعَنْ عِلْمِهِمُ الَّذِي (2) أَكْرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ، وَجَعَلَهُ عِنْدَهُمْ إِلَا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ اللّهِ الشَّقَاءُ فِي أَصْلِ الْخَلْقِ تَحْتَ الْأَظِلَّةِ، فَأُولئِكَ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ عَنْ سُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَالَّذِينَ آتَاهُمُ اللّهُ عِلْمَ الْقُرْآنِ، وَوَضَعَهُ عِنْدَهُمْ، وَأَمَرَ بِسُؤَالِهِمْ، وَأُولئِكَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ وَمَقَايِيسِهِمْ حَتّى دَخَلَهُمُ الشَّيْطَانُ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَهْلَ الْاءِيمَانِ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ اللّهِ كَافِرِينَ، وَجَعَلُوا أَهْلَ الضَّلَالَةِ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ عِنْدَ اللّهِ مُؤْمِنِينَ، وَحَتّى جَعَلُوا مَا أَحَلَّ اللّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ حَرَاماً، وَجَعَلُوا مَا حَرَّمَ اللّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ حَلَالاً، فَذلِكَ أَصْلُ ثَمَرَةِ أَهْوَائِهِمْ، وَقَدْ عَهِدَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَالُوا: نَحْنُ بَعْدَ مَا قَبَضَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ رَسُولَهُ يَسَعُنَا أَنْ نَأْخُذَ بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ رَأْيُ النَّاسِ بَعْدَ (3) قَبْضِ اللّهِ [عَزَّ وَجَلَّ ]رَسُولَهُ صلى الله عليه و آله ، وَبَعْدَ عَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْنَا، وَأَمَرَنَا بِهِ مُخَالِفاً لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ[ صلى الله عليه و آله ]، فَمَا أَحَدٌ أَجْرَأَ عَلَى اللّهِ، وَلَا أَبْيَنَ ضَلَالَةً مِمَّنْ أَخَذَ بِذلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ ذلِكَ يَسَعُهُ، وَاللّهِ إِنَّ لِلّهِ عَلى خَلْقِهِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَيَتَّبِعُوا أَمْرَهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَبَعْدَ مَوْتِهِ، هَلْ يَسْتَطِيعُ أُولئِكَ أَعْدَاءُ اللّهِ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ أَحَداً مِمَّنْ أَسْلَمَ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَخَذَ بِقَوْلِهِ وَرَأْيِهِ وَمَقَايِيسِهِ؟! فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ، وَ «ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً» ، (4) وَإِنْ قَالَ: لَا، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَمَقَايِيسِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْحُجَّةِ عَلى نَفْسِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللّهَ يُطَاعُ وَيُتَّبَعُ أَمْرُهُ بَعْدَ قَبْضِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ» . (5) وَذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يُطَاعُ، وَيُتَّبَعُ أَمْرُهُ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ[ صلى الله عليه و آله ]، وَبَعْدَ قَبْضِ اللّهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَكَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مَعَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَنْ يَأْخُذَ بِهَوَاهُ وَلَا رَأْيِهِ وَلَا مَقَايِيسِهِ خِلَافاً لِأَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَكَذلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ [النَّاسِ ]بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَنْ يَأْخُذَ بِهَوَاهُ وَلَا رَأْيِهِ وَلَا مَقَايِيسِهِ». وَقَالَ: «دَعُوا رَفْعَ أَيْدِيكُمْ فِي الصَّلَاةِ إِلَا مَرَّةً وَاحِدَةً حِينَ تُفْتَتَحُ الصَّلَاةُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ شَهَرُوكُمْ بِذلِكَ، «وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ» ، (6) وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ».

ص: 65


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «لا».
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الذين».
3- .في الطبعة القديمة: + «ما».
4- .آل عمران(3): 144.
5- .آل عمران (3): 144.
6- .الإسراء(17): 7.

وَقَالَ: «أَكْثِرُوا مِنْ أَنْ تَدْعُوا اللّهَ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُ، وَقَدْ وَعَدَ اللّهُ (1) عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِجَابَةِ، (2) وَاللّهُ مُصَيِّرٌ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُمْ عَمَلاً يَزِيدُهُمْ بِهِ (3) فِي الْجَنَّةِ. فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ اللّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ فَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ لَهُ، وَاللّهُ ذَاكِرٌ لِمَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَا ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ، فَأَعْطُوا اللّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ لَا يُدْرَكُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ إِلَا بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ، الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَبَاطِنِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ قَالَ فِي كِتَابِهِ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَذَرُوا ظاهِرَ الْاءثْمِ وَباطِنَهُ» . (4) وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ تَجْتَنِبُوهُ فَقَدْ حَرَّمَهُ، وَاتَّبِعُوا آثَارَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتَهُ، فَخُذُوا بِهَا، وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ وَآرَاءَكُمْ (5) فَتَضِلُّوا؛ فَإِنَّ أَضَلَّ النَّاسِ عِنْدَ اللّهِ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَرَأْيَهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ. وَأَحْسِنُوا إِلى أَنْفُسِكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، «فإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» ، (6) وَجَامِلُوا النَّاسَ، وَلَا تَحْمِلُوهُمْ عَلى رِقَابِكُمْ تَجْمَعُوا مَعَ ذلِكَ طَاعَةَ رَبِّكُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَسَبَّ (7) أَعْدَاءِ اللّهِ حَيْثُ يَسْمَعُونَكُمْ، «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، (8) وَقَدْ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا حَدَّ سَبِّهِمْ لِلّهِ كَيْفَ هُوَ، إِنَّهُ مَنْ سَبَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ، فَقَدِ انْتَهَكَ سَبَّ اللّهِ، وَمَنْ أَظْلَمُ عِنْدَ اللّهِ مِمَّنِ اسْتَسَبَّ لِلّهِ وَلِأَوْلِيَائِهِ، (9) فَمَهْلاً مَهْلاً، فَاتَّبِعُوا أَمْرَ اللّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ». وَقَالَ: «أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْحَافِظُ اللّهُ لَهُمْ أَمْرَهُمْ عَلَيْكُمْ بِآثَارِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَسُنَّتِهِ وَآثَارِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِنْ بَعْدِهِ وَسُنَّتِهِ؛ (10) فَإِنَّهُ (11) مَنْ أَخَذَ بِذلِكَ فَقَدِ اهْتَدى، وَمَنْ تَرَكَ

ص: 66


1- .الإسراء(17): 7.
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: _ «اللّه».
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الاستجابة» بدون الباء.
4- .في النسخة «به» مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.
5- .الأنعام (6): 120.
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ورأيكم».
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وأن تسبّوا» بدل «وسبّ».
8- .الأنعام(6): 108.
9- .في الطبعة القديمة للكافي: «ولأولياء اللّه».
10- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «وسنّتهم».
11- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فإنّ».

ذلِكَ وَرَغِبَ عَنْهُ ضَلَّ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللّهُ بِطَاعَتِهِمْ وَوَلَايَتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَمَلِ فِي اتِّبَاعِ الْاثَارِ وَالسُّنَنِ _ وَإِنْ قَلَّ _ أَرْضى لِلّهِ، وَأَنْفَعُ عِنْدَهُ فِي الْعَاقِبَةِ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْبِدَعِ وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ، أَلَا إِنَّ اتِّبَاعَ الْأَهْوَاءِ وَاتِّبَاعَ الْبِدَعِ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللّهِ ضَلَالٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فِي النَّارِ، وَلَنْ يُنَالَ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَ اللّهِ إِلَا بِطَاعَتِهِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ وَالرِّضَا مِنْ طَاعَةِ اللّهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ حَتّى يَرْضى عَنِ اللّهِ فِيمَا صَنَعَ [اللّهُ] إِلَيْهِ، وَصَنَعَ بِهِ عَلى مَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، وَلَنْ يَصْنَعَ اللّهُ بِمَنْ صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللّهِ إِلَا مَا هُوَ أَهْلُهُ، وَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا أَحَبَّ وَكَرِهَ. وَعَلَيْكُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى «الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» (1) كَمَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ. وَعَلَيْكُمْ بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ حَقَّرَهُمْ، وَتَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ زَلَّ عَنْ دِينِ اللّهِ، وَاللّهُ لَهُ حَاقِرٌ مَاقِتٌ، وَقَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَمَرَنِي رَبِّي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ (2) ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ (3) مَنْ حَقَّرَ أَحَداً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَلْقَى اللّهُ عَلَيْهِ الْمَقْتَ مِنْهُ وَالْمَحْقَرَةَ حَتّى يَمْقُتَهُ النَّاسُ، وَاللّهُ لَهُ أَشَدُّ مَقْتاً، فَاتَّقُوا اللّهَ فِي إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمَسَاكِينِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً أَنْ تُحِبُّوهُمْ، فَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ رَسُولَهُ (4) صلى الله عليه و آله بِحُبِّهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُحِبَّ مَنْ أَمَرَ اللّهُ بِحُبِّهِ فَقَدْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ عَصَى اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَاتَ عَلى ذلِكَ مَاتَ وَهُوَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَإِيَّاكُمْ وَالْعَظَمَةَ وَالْكِبْرَ؛ فَإِنَّ الْكِبْرَ رِدَاءُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ نَازَعَ اللّهَ رِدَاءَهُ قَصَمَهُ اللّهُ وَأَذَلَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَبْغِيَ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ خِصَالِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ بَغى صَيَّرَ اللّهُ بَغْيَهُ عَلى نَفْسِهِ، وَصَارَتْ نُصْرَةُ اللّهِ لِمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَصَرَهُ اللّهُ غَلَبَ، وَأَصَابَ الظَّفَرَ مِنَ اللّهِ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَحْسُدَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؛ فَإِنَّ الْكُفْرَ أَصْلُهُ الْحَسَدُ. وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُعِينُوا عَلى مُسْلِمٍ مَظْلُومٍ، فَيَدْعُوَ اللّهَ عَلَيْكُمْ، وَيُسْتَجَابَ لَهُ فِيكُمْ؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ: إِنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَلْيُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ: إِنَّ مَعُونَةَ الْمُسْلِمِ خَيْرٌ، وَأَعْظَمُ أَجْراً مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

ص: 67


1- .البقرة(2): 238.
2- .في الطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: + «منهم».
3- .في كلتا الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «أنّ».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «نبيّه».

وَإِيَّاكُمْ وَإِعْسَارَ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِكُمُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تُعْسِرُوهُ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لَكُمْ قِبَلَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ؛ فَإِنَّ أَبَانَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعْسِرَ مُسْلِماً، وَمَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً أَظَلَّهُ اللّهُ بِظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَا ظِلُّهُ. وَإِيَّاكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْمَرْحُومَةُ الْمُفَضَّلَةُ عَلى مَنْ سِوَاهَا، وَحَبْسَ حُقُوقِ اللّهِ قِبَلَكُمْ يَوْماً بَعْدَ يَوْمٍ، وَسَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ؛ فَإِنَّهُ مَنْ عَجَّلَ حُقُوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كَانَ اللّهُ أَقْدَرَ عَلَى التَّعْجِيلِ لَهُ إِلى مُضَاعَفَةِ الْخَيْرِ فِي الْعَاجِلِ وَالْاجِلِ، وَإِنَّهُ مَنْ أَخَّرَ حُقُوقَ اللّهِ قِبَلَهُ كَانَ اللّهُ أَقْدَرَ عَلى تَأْخِيرِ رِزْقِهِ، وَمَنْ حَبَسَ اللّهُ رِزْقَهُ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرْزُقَ نَفْسَهُ، فَأَدُّوا إِلَى اللَّهِ حَقَّ مَا رَزَقَكُمْ يُطَيِّبِ [اللّهُ] لَكُمْ بَقِيَّتَهُ، وَيُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ مِنْ مُضَاعَفَتِهِ لَكُمُ الْأَضْعَافَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا وَلَا كُنْهَ فَضْلِهَا إِلَا اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ». وَقَالَ: «اتَّقُوا اللّهَ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْكُمْ مُحْرِجُ الْاءِمَامِ؛ فَإِنَّ مُحْرِجَ الْاءِمَامِ هُوَ الَّذِي يَسْعى بِأَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ أَتْبَاعِ الْاءِمَامِ، الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِ، الصَّابِرِينَ عَلَى أَدَاءِ حَقِّهِ، الْعَارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ (1) ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ نَزَلَ بِذلِكَ الْمَنْزِلِ عِنْدَ الْاءِمَامِ فَهُوَ مُحْرِجُ الْاءِمَامِ، فَإِذَا فَعَلَ ذلِكَ عِنْدَ الْاءِمَامِ أَحْرَجَ الْاءِمَامَ إِلى أَنْ يَلْعَنَ أَهْلَ الصَّلَاحِ مِنْ أَتْبَاعِهِ، الْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِ، الصَّابِرِينَ عَلى أَدَاءِ حَقِّهِ، الْعَارِفِينَ بِحُرْمَتِهِ، فَإِذَا لَعَنَهُمْ لِاءِحْرَاجِ أَعْدَاءِ اللّهِ الْاءِمَامَ صَارَتْ لَعْنَتُهُ رَحْمَةً مِنَ اللّهِ عَلَيْهِمْ، وَصَارَتِ اللَّعْنَةُ مِنَ اللّهِ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَرُسُلِهِ عَلى أُولئِكَ. وَاعْلَمُوا أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ أَنَّ السُّنَّةَ مِنَ اللّهِ قَدْ جَرَتْ فِي الصَّالِحِينَ قَبْلُ». وَقَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللّهَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقّاً حَقّاً، فَلْيَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَلْيَبْرَأْ إِلَى اللّهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَيُسَلِّمُ لِمَا انْتَهى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِمْ؛ لِأَنَّ فَضْلَهُمْ لَا يَبْلُغُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مَنْ دُونَ ذلِكَ؛ أَ لَمْ تَسْمَعُوا مَا ذَكَرَ اللّهُ مِنْ فَضْلِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، قَالَ: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» . (2) فَهذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ فَضْلِ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ بِهِمْ وَفَضْلِهِمْ؟! وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُتِمَّ اللّهُ لَهُ إِيمَانَهُ حَتّى يَكُونَ مُؤْمِناً حَقّاً حَقّاً، فَلْيَفِ لِلَّهِ (3) بِشُرُوطِهِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا

ص: 68


1- .في الطبعة القديمة للكافي: «لحرمته».
2- .النساء(4): 69.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: «فليتّق اللّه».

عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ قَدِ اشْتَرَطَ مَعَ وَلَايَتِهِ وَوَلَايَةِ رَسُولِهِ وَوَلَايَةِ أَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَإِقْرَاضَ اللّهِ قَرْضاً حَسَناً، (1) وَاجْتِنَابَ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا فُسِّرَ مِمَّا (2) حَرَّمَ اللّهُ إِلَا وَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ: فَمَنْ دَانَ اللّهَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّهِ مُخْلِصاً لِلّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لِنَفْسِهِ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ هذَا، فَهُوَ عِنْدَ اللّهِ فِي حِزْبِهِ الْغَالِبِينَ، وَهُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً. وَإِيَّاكُمْ وَالْاءِصْرَارَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللّهُ فِي ظَهْرِ الْقُرْآنِ وَبَطْنِهِ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالى: «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (3) _ إِلى هاهُنَا رِوَايَةُ قَاسِمِ بْنِ الرَّبِيعِ _ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ إِذَا نَسُوا شَيْئاً مِمَّا اشْتَرَطَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ عَصَوُا اللّهَ فِي تَرْكِهِمْ ذلِكَ الشَّيْءَ، فَاسْتَغْفَرُوا، وَلَمْ يَعُودُوا إِلى تَرْكِهِ، فَذلِكَ مَعْنى قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» . وَاعْلَمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ وَنَهى لِيُطَاعَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَلِيُنْتَهى عَمَّا نَهى عَنْهُ، فَمَنِ اتَّبَعَ أَمْرَهُ فَقَدْ أَطَاعَهُ، وَقَدْ أَدْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَمَّا نَهَى اللّهُ عَنْهُ فَقَدْ عَصَاهُ، فَإِنَّ مَنْ (4) مَاتَ عَلى مَعْصِيَتِهِ أَكَبَّهُ اللّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ اللّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَنْ دُونَ ذلِكَ مِنْ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ إِلَا طَاعَتُهُمْ لَهُ، فَخُذُوا (5) فِي طَاعَةِ اللّهِ إِنْ سَرَّكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حَقّاً حَقّاً، (6) وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ». وَقَالَ عليه السلام : «وَ (7) عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ رَبِّكُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِنَّ اللّهَ رَبُّكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْاءِسْلاَ مَ هُوَ التَّسْلِيمُ، وَالتَّسْلِيمَ هُوَ الْاءِسْلَامُ، فَمَنْ سَلَّمَ فَقَدْ أَسْلَمَ، وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَلَا إِسْلَامَ لَهُ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْلِغَ إِلى نَفْسِهِ فِي الْاءِحْسَانِ فَلْيُطِعِ اللّهَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَطَاعَ اللّهَ فَقَدْ أَبْلَغَ إِلى نَفْسِهِ فِي الْاءِحْسَانِ. وَإِيَّاكُمْ وَمَعَاصِيَ اللّهِ أَنْ تَرْكَبُوهَا؛ فَإِنَّهُ مَنِ انْتَهَكَ مَعَاصِيَ اللّهِ فَرَكِبَهَا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الْاءِسَاءَةِ إِلى

ص: 69


1- .في الحاشية: «دلّ على أنّ الإيمان هو التصديق بالولايات المذكورة، وأنّ الأعمال خارجة عنه، شروط لكماله». شرح المازندراني، ج11، ص198.
2- .في الحاشية: «بيان بما فسّر، أوبشيء».
3- .آل عمران(3): 135.
4- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «فإنْ» بدل «فإنّ من».
5- .هكذا في النسخة وبعض نسخ الكافي. وفي الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين: «فاجتهدوا». وفي حاشية اُخرى لها وبعض نسخ الكافي: «فجدّوا».
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «ولا حول».
7- .الواو في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.

نَفْسِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْاءِحْسَانِ وَالْاءِسَاءَةِ مَنْزِلَةٌ، فَلِأَهْلِ الْاءِحْسَانِ عِنْدَ رَبِّهِمُ الْجَنَّةُ، وَلِأَهْلِ الْاءِسَاءَةِ عِنْدَ رَبِّهِمُ النَّارُ، فَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللّهِ، وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ يُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ شَيْئاً، لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَنْ دُونَ ذلِكَ، فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ تَنْفَعَهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ عِنْدَ اللّهِ، فَلْيَطْلُبْ إِلَى اللّهِ أَنْ يَرْضى عَنْهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَداً مِنْ خَلْقِ اللّهِ لَمْ يُصِبْ رِضَا اللّهِ إِلَا بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَطَاعَةِ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ _ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ _ وَمَعْصِيَتُهُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ (1) لَهُمْ فَضْلاً عَظُمَ وَلَا صَغُرَ. (2) وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْكِرِينَ هُمُ الْمُكَذِّبُونَ، وَأَنَّ الْمُكَذِّبِينَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَأَنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَالَ لِلْمُنَافِقِينَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» ، (3) وَلَا يَعْرِفَنَّ (4) أَحَدٌ مِنْكُمْ أَلْزَمَ اللّهُ قَلْبَهُ طَاعَتَهُ وَخَشْيَتَهُ مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ (5) أَخْرَجَهُ اللّهُ مِنْ صِفَةِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ (6) اللّهُ مِنْ أَهْلِ صِفَةِ الْحَقِّ، فَأُولئِكَ هُمْ شَيَاطِينُ الْاءِنْسِ وَالْجِنِّ، وَإِنَّ لِشَيَاطِينِ الْاءِنْسِ حِيلَةً وَمَكْراً وَخَدَائِعَ وَوَسْوَسَةَ بَعْضِهِمْ إِلى بَعْضٍ يُرِيدُونَ إِنِ اسْتَطَاعُوا أَنْ يَرُدُّوا أَهْلَ الْحَقِّ عَمَّا أَكْرَمَهُمُ اللّهُ بِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي دِينِ اللّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلِ اللّهُ شَيَاطِينَ الْاءِنْسِ مِنْ أَهْلِهِ إِرَادَةَ أَنْ يَسْتَوِيَ أَعْدَاءُ اللّهِ وَأَهْلُ الْحَقِّ فِي الشَّكِّ وَالْاءِنْكَارِ وَالتَّكْذِيبِ، فَيَكُونُونَ سَوَاءً، كَمَا وَصَفَ اللّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ: «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» ، (7) ثُمَّ نَهَى اللّهُ أَهْلَ النَّصْرِ بِالْحَقِّ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً، فَلَا يُهَوِّلَنَّكُمْ، وَلَا يَرُدَّنَّكُمْ عَنِ النَّصْرِ بِالْحَقِّ الَّذِي خَصَّكُمُ اللّهُ بِهِ (8) مِنْ حِيلَةِ شَيَاطِينِ الْاءِنْسِ وَمَكْرِهِمْ مِنْ أُمُورِكُمْ، تَدْفَعُونَ أَنْتُمُ السَّيِّئَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، تَلْتَمِسُونَ بِذلِكَ وَجْهَ رَبِّكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَهُمْ لَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ،

ص: 70


1- .في الحاشية: «الظاهر أنّ قوله: ومعصيتهم إلخ، جملة معترضة، ولم ينكر إلخ، جملة حاليّة. والظاهر أنّ في عبارة الحديث زيد «من» من الرواة أو النسّاخ، وأنّه: ومن معصيتهم معصية اللّه، فيكون قوله عليه السلام عطفاً على آل محمّد، ويكون قوله عليه السلام : ولم ينكر، جملة حاليّة، واللّه يعلم، والعالم أنّه تعالى».
2- .في كلتا الطبعتين: «أو صغر». وفي بعض نسخ الكافي: «ولا أصغر».
3- .النساء(4): 145.
4- .في الحاشية عن بعض النسخ وفي كلتا الطبعتين: «ولا يفرقنّ». وفي حاشية اُخرى: «ولا يقرفنّ».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة للكافي: + «ممّن».
6- .في الطبعة الجديدة للكافي وجميع النسخ التي قوبلت فيها: «يجعله».
7- .النساء(4): 89.
8- .«به» في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.

وَ (1) لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوهُمْ (2) عَلى أُصُولِ دِينِ اللّهِ؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ سَمِعُوا مِنْكُمْ فِيهِ شَيْئاً عَادَوْكُمْ عَلَيْهِ، وَرَفَعُوهُ عَلَيْكُمْ، وَجَهَدُوا (3) عَلى هَلَاكِكُمْ، وَاسْتَقْبَلُوكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمُ النَّصَفُ (4) مِنْهُمْ فِي دُوَلِ الْفُجَّارِ، فَاعْرِفُوا مَنْزِلَتَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يُنْزِلُوا أَنْفُسَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَجْعَلْ أَهْلَ الْحَقِّ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ؛ أَ لَمْ يَعْرِفُوا وَجْهَ قَوْلِ اللّهِ فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ» ؟! (5) أَكْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَلَا تَجْعَلُوا اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ وَ «لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» ، (6) وَإِمَامَكُمْ وَدِينَكُمُ الَّذِي تَدِينُونَ بِهِ عُرْضَةً لِأَهْلِ الْبَاطِلِ، فَتُغْضِبُوا اللّهَ عَلَيْكُمْ فَتَهْلِكُوا. فَمَهْلاً مَهْلاً يَا أَهْلَ الصَّلَاحِ، لَا تَتْرُكُوا أَمْرَ اللّهِ وَأَمْرَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِطَاعَتِهِ، فَيُغَيِّرَ اللّهُ مَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، أَحِبُّوا فِي اللّهِ مَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ، وَأَبْغِضُوا فِي اللّهِ مَنْ خَالَفَكُمْ، وَابْذُلُوا مَوَدَّتَكُمْ وَنَصِيحَتَكُمْ لِمَنْ وَصَفَ صِفَتَكُمْ، وَلَا تَبْذُلُوهَا (7) لِمَنْ رَغِبَ عَنْ صِفَتِكُمْ وَعَادَاكُمْ عَلَيْهَا، وَبَغَاكُمُ (8) الْغَوَائِلَ، (9) هذَا أَدَبُنَا (10) وَ (11) أَدَبُ اللّهِ، فَخُذُوا بِهِ، وَتَفَهَّمُوهُ، وَاعْقِلُوهُ، وَلَا تَنْبِذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، مَا وَافَقَ هُدَاكُمْ أَخَذْتُمْ بِهِ، وَمَا وَافَقَ هَوَاكُمُ اطَّرَحْتُمُوهُ، (12) وَلَمْ تَأْخُذُوا بِهِ. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّجَبُّرَ عَلَى اللّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ عَبْداً لَمْ يُبْتَلَ بِالتَّجَبُّرِ عَلَى اللّهِ إِلَا تَجَبَّرَ عَلى دِينِ اللّهِ، فَاسْتَقِيمُوا لِلّهِ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، أَجَارَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ التَّجَبُّرِ عَلَى اللّهِ، وَلَا قُوَّةَ لَنَا وَ (13) لَكُمْ إِلَا بِاللّهِ». وَقَالَ عليه السلام : «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ خَلَقَهُ اللّهُ فِي الْأَصْلِ _ أَصْلِ الْخَلْقِ _ مُؤْمِناً لَمْ يَمُتْ حَتّى يُكَرِّهَ اللّهُ

ص: 71


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «لا».
2- .الواو في النسخة مرمّز ب (خ)، ولم يرد في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أن تطلعوهم».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وجاهدوا».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «النصفة».
6- .ص(38): 28.
7- .الروم(30): 27.
8- .في الطبعة القديمة للكافي: «ولا تبتذلوها».
9- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «وبغى لكم».
10- .في الحاشية: «الغائلة: بدى. دستور [اللغة]».
11- .في الحاشية: «الأدب: كار پسنديده. كنز [اللغة]».
12- .الواو في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي.
13- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة وبعض نسخ الكافي: «طرحتموه».

إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَيُبَاعِدَهُ مِنْهُ، (1) وَمَنْ كَرَّهَ اللّهُ إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَبَاعَدَهُ عَنْهُ، (2) عَافَاهُ اللّهُ مِنَ الْكِبْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَالْجَبْرِيَّةِ، فَلَانَتْ (3) عَرِيكَتُهُ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ، وَطَلُقَ وَجْهُهُ، وَصَارَ عَلَيْهِ وَقَارُ الْاءِسْلَامِ وَسَكِينَتُهُ وَتَخَشُّعُهُ، وَوَرِعَ عَنْ مَحَارِمِ اللّهِ، وَاجْتَنَبَ مَسَاخِطَهُ، وَرَزَقَهُ اللّهُ مَوَدَّةَ النَّاسِ وَمُجَامَلَتَهُمْ، وَتَرْكَ مُقَاطَعَةِ النَّاسِ وَالْخُصُومَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَهْلِهَا فِي شَيْءٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا (4) كَانَ اللّهُ خَلَقَهُ فِي الْأَصْلِ _ أَصْلِ الْخَلْقِ _ كَافِراً لَمْ يَمُتْ حَتّى يُحَبِّبَ اللّهُ (5) إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَيُقَرِّبَهُ مِنْهُ، فَإِذَا حَبَّبَ إِلَيْهِ الشَّرَّ، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ، ابْتُلِيَ بِالْكِبْرِ وَالْجَبْرِيَّةِ، فَقَسَا قَلْبُهُ، وَسَاءَ خُلُقُهُ، وَغَلُظَ وَجْهُهُ، وَظَهَرَ فُحْشُهُ، وَقَلَّ حَيَاؤُهُ، وَكَشَفَ اللّهُ سِتْرَهُ، (6) وَرَكِبَ الْمَحَارِمَ، فَلَمْ يَنْزِعْ عَنْهَا، وَرَكِبَ مَعَاصِيَ اللّهِ، وَأَبْغَضَ طَاعَتَهُ وَأَهْلَهَا، فَبُعْدٌ مَا بَيْنَ حَالِ الْمُؤْمِنِ وَحَالِ الْكَافِرِ، سَلُوا اللّهَ الْعَافِيَةَ، وَاطْلُبُوهَا إِلَيْهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ. صَبِّرُوا النَّفْسَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي الدُّنْيَا؛ (7) فَإِنَّ تَتَابُعَ الْبَلَاءِ فِيهَا، وَالشِّدَّةَ فِي طَاعَةِ اللّهِ وَوَلَايَتِهِ وَوَلَايَةِ مَنْ أَمَرَ بِوَلَايَتِهِ خَيْرٌ عَاقِبَةً عِنْدَ اللّهِ فِي الْاخِرَةِ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا، وَإِنْ طَالَ تَتَابُعُ نَعِيمِهَا وَزَهْرَتِهَا وَغَضَارَةُ عَيْشِهَا فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ وَوَلَايَةِ مَنْ نَهَى اللّهُ عَنْ وَلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ أَمَرَ بِوَلَايَةِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللّهُ (8) فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ: «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» ، (9) وَهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ اللّهُ بِوَلَايَتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، وَالَّذِينَ نَهَى اللّهُ عَنْ وَلَايَتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، وَ (10) هُمْ أَئِمَّةُ الضَّلَالَةِ الَّذِينَ قَضَى اللّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ دُوَلٌ (11) فِي الدُّنْيَا عَلى أَوْلِيَاءِ اللّهِ، الْأَئِمَّةِ (12) مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، يَعْمَلُونَ فِي دُولَتِهِمْ

ص: 72


1- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: _ «اللّه».
2- .الواو في النسخة مرمّز ب_ (خ)، ولم يرد في بعض نسخ الكافي.
3- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «عنه».
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «منه».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولانت».
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إن».
7- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: _ «اللّه».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «سرّه».
9- .في الحاشية: «وممّا يُسهّل الصبرَ النظرُ فيما ورد على الصلحاء من البلاء ممّا يعجز من إدراك كمّيّته عقول الأعلام، وعن بيان كيفيّته لسان الأحكام، من تدبّر فيه وفي حسن عاقبته وصبرهم عليه، تيقّن أنّ ذلك ليس لأجل استحقاقهم واستحقارهم، بل لرفع درجتهم وإعلاء منزلتهم تلقاء بالقبول تأسّياً بهم. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص208.
10- .الأنبياء(21): 73.
11- .في الحاشية: «دول مثلّثة، جمع دُولة _ بالضمّ _ في المال والجاه، وبالفتح في الحرب. وقيل: هما فيهما سواء. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص209.
12- .في الحاشية: «صفةُ أولياء اللّه».

بِمَعْصِيَةِ اللّهِ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، لِيَحِقَّ اللّهُ (1) عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَلِيَتِمَّ أَنْ تَكُونُوا مَعَ نَبِيِّ اللّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَالرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ، فَتَدَبَّرُوا مَا قَصَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ مِمَّا ابْتَلى بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَأَتْبَاعَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ، (2) ثُمَّ سَلُوا اللّهَ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، (3) وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَمُمَاظَّةَ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَعَلَيْكُمْ بِهُدَى الصَّالِحِينَ، (4) وَوَقَارِهِمْ وَسَكِينَتِهِمْ وَحِلْمِهِمْ (5) وَتَخَشُّعِهِمْ، وَوَرَعِهِمْ عَنْ مَحَارِمِ اللّهِ، وَصِدْقِهِمْ وَوَفَائِهِمْ، وَاجْتِهَادِهِمْ لِلّهِ فِي الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذلِكَ (6) لَمْ تُنْزَلُوا عِنْدَ رَبِّكُمْ مَنْزِلَةَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَامِ، فَإِذَا أَعْطَاهُ ذلِكَ نَطَقَ (7) لِسَانُهُ بِالْحَقِّ، وَعَقَدَ قَلْبَهُ عَلَيْهِ، فَعَمِلَ بِهِ، فَإِذَا جَمَعَ اللّهُ لَهُ ذلِكَ تَمَّ لَهُ إِسْلَا مُهُ، وَكَانَ عِنْدَ اللّهِ إِنْ مَاتَ عَلى ذلِكَ الْحَالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَقّاً، وَإِذَا لَمْ يُرِدِ اللّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً وَكَلَهُ إِلى نَفْسِهِ، وَكَانَ صَدْرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً، فَإِنْ (8) جَرى عَلى لِسَانِهِ حَقٌّ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْطِهِ اللّهُ الْعَمَلَ بِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ ذلِكَ عَلَيْهِ حَتّى يَمُوتَ _ وَهُوَ عَلى تِلْكَ الْحَالِ _ كَانَ عِنْدَ اللّهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَصَارَ مَا جَرى عَلى لِسَانِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ اللّهُ أَنْ يُعْقَدَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْعَمَلَ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ (9) ، فَاتَّقُوا اللّهَ، وَسَلُوهُ أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَكُمْ لِلْاءِسْلَامِ، وَأَنْ يَجْعَلَ أَلْسِنَتَكُمْ تَنْطِقُ بِالْحَقِّ، حَتّى يَتَوَفَّاكُمْ وَأَنْتُمْ عَلى ذلِكَ، وَأَنْ يَجْعَلَ مُنْقَلَبَكُمْ مُنْقَلَبَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ص: 73


1- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: _ «اللّه».
2- .في الحاشية: «يظهر ذلك بالتأمّل في أحوال الماضين من المؤمنين كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء؛ كانوا أثقل الخلائق عناء، وأجهدهم بلاء، وأضيقهم حالاً، وأقلّهم مالاً، اتّخذهم الفراعنة عبيداً، وآذوهم شديداً، وساموهم سوء العذاب، وراموهم إلى أشدّ العقاب، فلم تبرح الحال بهم في الهلكة وقهر الغلبة، لا يجدون حيلة في امتناع، ولا وسيلة إلى دفاع، وقد جرت سنّة اللّه في عباده الصالحين بالاختبار والامتحان والتمحيص، وما يلقّاها إلّا الصابرون الفائزون، وهم خير عاقبة عند اللّه تعالى في الدنيا والآخرة، وهم المؤمنون المفلحون، فتأسّ بهم عند نزول البلاء، وقُل: مَرحباً بشعار الصالحين. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص210.
3- .في الحاشية: «والضرّاء: الحالة التي تضرّ، وهي نقيض السرّاء. صالح». شرح المازندراني، ج11، ص210.
4- .في الحاشية: «أي بسيرتهم».
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «و حملهم».
6- .في الحاشية: «أي المذكور من الصبر وبعده».
7- .في الطبعة القديمة للكافي: «أنطق».
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وإن».
9- .في الطبعة القديمة للكافي: + «يوم القيامة».

وَمَنْ سَرَّهُ (1) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ، فَلْيَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَلْيَتَّبِعْنَا؛ أَ لَمْ تَسْمَعْ (2) قَوْلَ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» ، (3) وَاللّهِ لَا يُطِيعُ اللّهَ عَبْدٌ أَبَداً إِلَا أَدْخَلَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ اتِّبَاعَنَا، وَلَا وَاللّهِ لَا يَتَّبِعُنَا عَبْدٌ أَبَداً إِلَا أَحَبَّهُ اللّهُ، وَلَا وَاللّهِ لَا يَدَعُ أَحَدٌ اتِّبَاعَنَا أَبَداً إِلَا أَبْغَضَنَا، وَلَا وَاللّهِ لَا يُبْغِضُنَا أَحَدٌ أَبَداً إِلَا عَصَى اللّهَ، وَمَنْ مَاتَ عَاصِياً لِلّهِ أَخْزَاهُ اللّهُ، وَأَكَبَّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».

شرح الحديث

«الروضة» في اللغة: البستان، ومستنقع الماء من العُشب والكلأ (4) أيضاً، استُعيرت لهذا الكتاب بتشبيه ما فيه من المسائل الشريفة والمباحث اللطيفة والثمار العجيبة بالروضة في البهجة والصفاء والنضارة والبهاء، أو في كونه محتوياً لما هو سبب لحياة الأرواح، كما أنّ الروضة محتوية لما هو سبب لحياة الأشباح من الماء والكلأ وغيرهما، فصار الكتاب وأهله مصداقاً لقوله عزّ وجلّ: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» . (5) ثمّ اعلم أنّ المصنّف _ قدّس سرّه _ روى هذه الرسالة بثلاثة أسانيد: الأوّل منها: مجهول. والثاني: ضعيف على المشهور، ومعتبر عند البعض. (6) والثالث: ضعيف، لكن آثار الصحّة لائحة من سياقها مع تأيّد مضامينها والحِكم المودعة فيها بالعقل والنقل. قوله: (محمّد بن يعقوب الكليني). الظاهر أنّه كلام أحد من رواة الكليني: النعماني، أو الصفواني، أو غيرهما.

ص: 74


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يسرّه».
2- .هكذا في النسخة. وفي كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «يسمع». وفي بعضها: «يستمع».
3- .آل عمران(3): 31.
4- .«الكلأ»: ما يُرعى من البقل والشجر وما أشبههما، أو العُشب رطبه ويابسه، ولا واحد له. راجع: كتاب العين، ج5، ص408؛ لسان العرب، ج1، ص148 (كلأ).
5- .الشورى(42): 22.
6- .كالعلّامة المجلسي رحمه الله حيث ضعّفها في مرآة العقول، ج25، ص5 بدليل وجود «ابن سنان»، ثمّ قال: «عندي معتبر».

وقيل: يحتمل كونه كلام المصنّف بلسانهم، وإخبار عن نفسه بطريق الغيبة. (1)

قال الفيروزآبادي: «كَلين، كأمير: قرية بالريّ، منها محمّد بن يعقوب الكليني من فقهاء الشيعة». (2)

وقال السمعاني في كتاب الأنساب:

الكُليني _ بضمّ الكاف، وكسر اللام، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، وفي آخرها النون _ هذه النسبة إلى كلين، وهي قرية [بالرَّيّ]. انتهى. (3)

وأقول: سمعت ممّن يوثق به أنّ بالريّ قريتان: إحداهما تسمّى كَلين كأمير، والاُخرى كُلَين، بضمّ الكاف وفتح اللام وسكون الياء؛ واللّه أعلم.

وقوله: (وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع) عطف على قوله «ابن فضّال»؛ لكونهما في مرتبة واحدة، ولرواية إبراهيم بن هاشم عنهما جميعاً.

وقوله: (الرسالة) هي بالفتح والكسر، اسم من الإرسال، وهو الإطلاق والتوجيه، ثمّ استعملت في العرف بمعنى الكتاب والمكتوب الذي يُرسل إلى الغير.

وقوله: (بمدارستها) أي بقراءتها وتعلّمها وتعليمها، من قولهم: درست الكتاب _ للفهم أو للحفظ _ دَرساً بالفتح، ودِراسة بالكسر، من باب نصر وضرب، إذا قرأته وكرّرت قراءته. (والنظر فيها) أي بالتفكّر والتدبّر، أو بالبصر، أو بهما.

وقوله: (وتعاهدها) أي تحفّظها وتفقّدها وإتيانها مرّة بعد اُخرى، وتجديد العهد بها، والاعتقاد بمضامينها، والعمل بما يتعلّق بالعمل فيها.

قال الجوهري: التعهّد:

التحفّظ بالشيء، وتجديد العهد به، وتعهّدت فلاناً، وتعهّدت ضَيعتي، وهو أفصح من قولك: تعاهدته؛ لأنّ التعاهد إنّما يكون بين اثنين. (4)

هذا كلامه، فتأمّل.

وقوله: (قال: وحدّثني الحسن بن محمّد) . القائل هو الكليني، (5) والواو للعطف على قوله: «حدّثني»، وكانت تلك الواو في المنقول،

ص: 75


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص175.
2- .القاموس المحيط، ج4، ص263 (كلن).
3- .الأنساب، ج5، ص91.
4- .الصحاح، ج2، ص516 (عهد).
5- .هذا، وأمّا عند العلّامة المجلسي رحمه الله القائل هو إبراهيم بن هاشم. راجع: مرآة العقول، ج25، ص6.

لا في كلام الناقل، ولذا لم يدخل على قوله: «قال».

قوله: (بسم اللّه الرحمن الرحيم) .

ابتدأ بها تيمّناً، أو تشرّفاً وتعظيماً لما يذكر بعدها، وعملاً بمضمون حديث الابتداء.

(أمّا بعد) أي بعد التسمية والاستعانة باللّه _ عزّ وجلّ _ في الاُمور كلّها.

(فاسألوا ربّكم العافية)

يقال: عافاهُ اللّه عن المكروه مُعافاة وعافية، أي دفعه منه، ووهب له العافية، والمراد بسؤالها طلب البراءة من الأسقام والآلام والمكاره، أو من الذنوب، أو من أذى الناس، أو من إيذائهم، أو الجميع.

(وعليكم بالدَّعَة والوَقار والسكينة) .

الدَّعة بالفتح: الراحة والرفاهيّة والسعة في العيش، والترغيب بها، والأمر بالتزامها، ليس باعتبار إكثار المال، بل لإصلاح الحال؛ فإنّ «مَن قَنع شَبع» (1) واستراح، وترفّه في العيش، ومن أصلح بينه وبين الخلق، صديقاً كان أو عدوّاً، طاب عيشه، وترفّه حاله، واستقرّ باله.

وقيل: المراد بها ترك الحركات والأفعال التي توجب الضرر في دولة الباطل. (2)

والوَقار بالفتح: الحلم والرَزانة. ولعلّ المراد هنا ترك العجلة والتسرّع في الاُمور، أو اطمئنان القلب بالإيمان، وعدم تزلزله بمضلّات الفتن، أو رزانة النفس باللّه وسكونها (3) إليه، وفراغها من غيره.

والسكينة: الطمأنينة وسكون الجوارح، وهي تابعة للوَقار؛ لأنّ من شغل قلبه باللّه، ولم يضطرب في اُمور الدنيا والدين، ولم يتسرّع إليها، اشتغلت جوارحه بما خلقت لأجله، وأعرضت عمّا سواه، وهذا أحسن من القول بترادفهما.

(وعليكم بالحياء) .

الحَياء بالفتح والمدّ: العار والحشمة، وعرّفوه بأنّه كيفيّة نفسانيّة مانعة من القبيح

ص: 76


1- .الكافي، ج8، ص243، ح337؛ تحف العقول، ص303؛ غرر الحكم، ص392، ح9054؛ مشكاة الأنوار، ص130؛ مجموعة ورّام، ج2، ص153.
2- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج25، ص6.
3- .في الحاشية: «العطف للتفسير. منه».

والتقصير في الحقوق خوفاً من اللوم، وقد يتخلّق به من لم يُجبل عليه، وهو الحياء المكتسب، وإطلاقه على ما هو مبدأ الانفعال عن ترك الإتيان بالحقوق، وارتكاب ما يذمّ به على سبيل التجوّز.

(والتنزّه عمّا تنزّه الصالحون قبلكم) .

لعلّ المراد بالصالحين ما يعمّ الأنبياء والمرسلين، وبما تنزّهوا عنه فعلَ المَنهيّات وترك المأمورات، والتخلّقَ بالأخلاق الرديّة والآدابِ الذميمة، وارتكابَ فضول الدنيا ممّا لا حاجة لهم إليها.

(والمُجاملة) .

في بعض النسخ بالجيم، وهي المُعاملة بالجميل. وفي بعضها بالحاء المهملة، ولعلّه بمعنى التحمّل، وهو تكلّف الحمل ومُقاساة (1) شدائده.

وكان قوله: (تحمّلوا الضَّيم) بيان للمجاملة.

و«الضَّيم»: الظلم، أي لا تقابلوهم بالانتقام؛ فإنّ الانتقام منهم في دولة الباطل يوجب مضاعفة الظلم عليكم؛ لضعفكم وقلّة ناصركم.

(وإيّاكم ومُماظَّتهم)

المُماظّة: المُشارّة والمنازعة وملازمة الخصم، وكأنّه عليه السلام حذّر عن مشارّتهم والدخول في مشهورتهم، أو عن منازعتهم وطول اللزوم في مخاصمتهم في الاُمور كلّها؛ لأنّها تميت القلب، وتُثير العداوة والفتن، وتوجب اضطراب القلب باستماع الشبهات، وهي مذمومة مع أهل الحقّ، فكيف مع أهل الباطل في دولتهم؟! أمّا نصيحة من استنصح منهم، واستعدّ لقبولها، فيكفيه أدنى الإشارة وأقلّ البيان، و[إن ]لم يستعدّ لذلك لم ينفعه السيف والسنان. (دِينوا فيما بينكم وبينهم) من الاُمور المختلفة التي يجب فيها التقيّة. والدِّين بالكسر: العادة والعبادة والمواظبة، أي عوّدوا أنفسكم بالتقيّة، أو اعبدوا اللّه، وأطيعوه بها، أو واظبوا عليها.

وقوله: (إذا أنتم ... ) ظرف لقوله: «دينوا».

ص: 77


1- .قال ابن منظور: «المُقاساة: مُكابدة الأمر الشديد». لسان العرب، ج15، ص181 (قسو).

والمُنازعة: المخاصمة والمجاذبة، والمراد هنا ما يعمّ المحاورات مطلقاً، أو ما يتعلّق بأمر الدين.

وقوله: (فإنّه لابدّ لكم ... ) إشارة إلى لزوم (1) تلك الاُمور؛ إمّا لأجل التقيّة، أو لأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع، يحتاج في تحصيل أغراضه ومآربه إلى بني نوعه، ولا يتمّ ذلك إلّا بالمجالسة والمخالطة، ومع تحقّقهما يتحقّق المنازعة والمخاصمة.

وقوله: (بالتقيّة) متعلّق بقوله: «دينوا».

وحاصل المعنى: اعملوا بالتقيّة، واعبدوا اللّه بعبادة التقيّة إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم؛ فإنّه لا يمكنكم ترك مخالطتهم لما ذكر، مع كونكم مأمورين بها في الآيات والأخبار الكثيرة، منها قوله تعالى: «وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ» ، (2) وقوله: «لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» ، (3) قال عليه السلام : «الحسنة: التقيّة، والسيّئة: الإذاعة». (4)

ومنها قوله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» ، (5) قال عليه السلام : «التي هي أحسن التقيّة». (6)

ومنها قوله تعالى: «إِلَا مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاءِيمَانِ» ، (7) قيل: الظاهر أنّه لا خلاف في وجوب التقيّة عند الحاجة إليها، وأنّ تاركها آثم، ولكن إثمه لا يوجب دخول النار؛ لما روي عن أبي جعفر عليه السلام في رجلين من أهل الكوفة اُخذا، فقيل لهما: ابْرَءا من أمير المؤمنين عليه السلام ، فبرئ واحد منهما وأبى الآخر، فخُلّي سبيلُ الذي بَرئ، وقُتِلَ الآخَر، فقال عليه السلام : «أمّا الذي بَرئ فرجل فقيه في دينه، وأمّا الذي لم يَبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة». (8)

ص: 78


1- .ظاهر الكلام اللزوم كما ذهب إليه الشارح رحمه الله، لكن قد فهم المحقّق المازندراني رحمه الله منه الجواز أو الرجحان. راجع: شرح المازندراني، ج11، ص176.
2- .الرعد(13): 22؛ القصص(28): 54.
3- .فصّلت(41): 34.
4- .الكافي، ج2، ص217، باب التقّية، ح1؛ وص218، نفس الباب، ح6؛ المحاسن، ج1، ص257، ح296 وح297؛ تفسير فرات الكوفي، ص385، ح513؛ تأويل الآيات، ص526.
5- .المؤمنون(23): 96.
6- .الكافي، ج2، ص218، باب التقيّة، ح6؛ المحاسن، ج1، ص257، ح297.
7- .النحل(16): 106.
8- .الكافي، ج2، ص221، باب التقيّة، ح21. وعنه في وسائل الشيعة، ج16، ص226، ح21425؛ وبحار الأنوار، ج72، ص436، ح101.

وقوله: (فإذا ابتُليتُم) .

يحتمل أن يكون جزاء الشرط محذوفاً، أي فاعملوا حينئذٍ بالتقيّة، ولا تتركوها؛ بقرينة السياق. ويكون قوله: «فإنّهم سيؤذونكم» دليل الجزاء اُقيم مقامه. ويحتمل أيضاً كونه جزاء الشرط.

و(المنكر): ضدّ المعروف.

وقوله: (يدفعهم عنكم) أي بصرف قلوبهم، أو بالأمر بالتقيّة.

(لَسَطَوا بكم) .

السَّطو: الحملة والقهر والبطش، وعلى الأوّل يعدّى ب_ «على»، وعلى الثاني بالباء.

وقوله: (من العداوة والبَغضاء) .

البُغض بالضمّ: ضدّ الحبّ كالعداوة، والبِغضة _ بالكسر _ والبَغضاء: شدّته.

وقوله عليه السلام : (مجالسكم ... ) بيان لسبب العداوة ومنشأ المفارقة؛ فإنّ ذوات أرواح المؤمنين وصفاتها نورانيّة ومن علّيّين، وذوات أرواح المخالفين وصفاتها ظلمانيّة ومن سجّين، ولا ائتلاف (1) بين النور والظلمة، ولذا قال خليل الرحمان عليه السلام : «وَبَدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ» (2) إلى يوم القيامة.

ولا يبعد أن يُراد بعدم الائتلاف التناكر الروحاني، كما روي: «الأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدة، فما تَعارف منها ائتَلف، وما تناكر منها اختَلف». (3)

وقوله: (وبصّركموه) .

الضمير للحقّ، وهو كلّ ما يطابق الواقع، ومنه ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، وأعظمها الولاية، وقد أكرم اللّه تعالى بها أهله، ولم يجعل لغيرهم منها نصيب؛ لإبطالهم الفطرة الأصليّة الداعية إلى الخير.

ص: 79


1- .كذا قرأناه.
2- .الممتحنة(60): 4.
3- .الفقيه، ج4، ص380، باب ألفاظ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموجزة التي لم يُسبق إليها، ح5818؛ الأمالي للصدوق، ص145، المجلس 29، ح16؛ علل الشرائع، ج1، ص84، ح2؛ عوالي اللآلي، ج1، ص288، ح142. وفي شرح المازندراني، ج11، ص178: «وفيه [أي الحديث] تنبيه على أنّ اتّحاد المنازل في العالم الجسماني لا يستلزم اتّحادها في العالم الروحاني ولا بالعكس».

وقوله: (فتُجاملونهم) بالجيم.

وفي بعض النسخ بالحاء المهملة. وكذا قوله: «وهم لا مُجاملة لهم».

وكأنّ قوله: «وتصبرون عليهم» بيان للمجاملة؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أعطى أهل الحقّ خصالاً شريفة منها المُجاملة، وهي لا تحصل إلّا بالمصابرة كما لا يخفى.

(وهم لا مُجاملة لهم، ولا صبر لهم على شيء)؛ لفقدهم الفضائل وحرمانهم منها.

قيل: من المعلوم أنّ بقاء المخالطة متوقّف على الصبر والمجاملة من الطرفين، أو من أحدهما، وهما لا يتصوّران فيهم لما ذكر، فوجبا عليكم؛ لأنّهما مطلوبان منكم لعلمكم بأنّ فيهما فوائد كثيرة كنجدة النفس، وإبقاء النظام، وحوالة الانتقام إلى الملك العلّام، وترقّب أجر الصبر، وتوقّع الأمن من القتل والنَهب والأسر، سيّما مع قوّة الظالم وتوقّع رقّته ورحمته بمشاهدة العجز والانكسار، ولذا صبر جميع الأنبياء والأولياء على أذى الجُهلاء والأشقياء. (1) (وحيلهم وسواس (2) بعضهم إلى بعض) .

الحيله بالكسر: الاسم من الاحتيال، وهو المكر والرويّة (3) في الاُمور، والتصرّف فيها للتوصّل بها إلى المقصود.

قال الفيروزآبادي: «الوسوسة: حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير، كالوِسواس بالكسر، والاسم بالفتح، وقد وسوس له وإليه». (4) وقيل: لعلّ المراد بقوله: «وحيلهم وسواس» إلخ، أنّ حيلتكم في دفع ضررهم المجاملة والصبر على أذاهم والتقيّة، وهم لا يقدرون على الصبر، ولا على صدّكم عن الحقّ، فليس لهم حيلة إلّا وسوسة بعضهم إلى بعض في إيذائكم والإغراء بكم.

ثمّ اعلم أنّه يظهر من بعض النسخ المصحّحة اختلال نظم هذا الحديث وترتيبه في النسخ المشهورة بتقديم بعض الورقات وتأخير بعضها، وفي تلك النسخة قوله: «وحيلهم»

ص: 80


1- .القائل هو المحقّق المازندراني في شرحه، ج11، ص178.
2- .في الحاشية: «الوسواس بالكسر: الوسوسة، وبالفتح: مرض يحدث من غلبة السوداء يغلط معه النفس. منه». راجع: شرح المازندراني، ج12، ص45.
3- .الرويّة في الأمر: أن تنظر ولا تعجل. لسان العرب، ج14، ص350 (روي).
4- .القاموس المحيط، ج2، ص257 (وسوس).

إلخ، متّصل بقوله فيما بعد: «ومكرهم»، هكذا: «ولا يردّنّكم عن النصر بالحقّ الذي خَصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم، وحيلهم وساوس بعضهم إلى بعض» إلخ.

وقوله: «لا صبر لهم على شيء» متّصل بقوله فيما بعد: «من اُموركم»، هكذا: «ولا صبر لهم على شيء من اُموركم، تدفعون أنتم السيّئة» إلخ، وهو الصواب، وسنشير في كلّ موضع من مواضع الاختلاف، ثمّ ننقل الحديث بتمامه على ترتيب النسخة المشار إليها تسهيلاً ليتبيّن (1) لك صحّتها واختلال نظم النسخ المشهورة.

(فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحقّ) .

قيل: هذا تعليل لسابقه؛ إذ اهتمامهم بالصدّ المتوقّف على الاستطاعة يقتضي الاجتهاد في تحصيلها من كلّ وجه سيّما التعاون. (2)

(يعصمكم اللّه من ذلك) جزاء ودعاء وإشارة إلى أنّهم لن يصلوا بحيلهم إلى مَرامهم مع عصمة اللّه وحفظه ودفاعه.

(فاتّقوا اللّه) فيما نهاكم عنه؛ فإنّ «مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً» ، (3) و «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ» . (4)

(وكفّوا ألسنتكم إلّا من خير) .

هو ما ينفع في الآخرة، أو في الدنيا أيضاً بشرط أن لا يكون مخالفاً للعقل والنقل، وبه يخرج غير النافع وإن كان مباحاً.

(وإيّاكم أن تَذلُقوا ألسنتكم) أي تحدّوها.

قال الجوهري: الذَّلَق بالتحريك: القَلَق، وقد ذَلِقَ _ بالكسر _ وأذلَقتُه أنا، وذَلِقَ اللسان _ بالكسر _ يَذْلَقُ ذَلقاً، أي ذَرِبَ، وكذلك السنان، وخَطيبٌ ذَلِقٌ وذَليقٌ، وكلّ مُحدَّد الطرَف مُذَلَّق. (5)

وفي بعض النسخ: «تَزْلُقُوا» بالزاي المعجمة. قال الفيروزآبادي: «زَلَقَ، كفرج ونصر: ذَلَّ، وزَلَقَه عن مكانه، يَزْلِقُه: بعّده ونحّاه، وفلاناً: أزلّه، كأزلقه» (6) .

ص: 81


1- .القائل هو المحقّق المازندراني في شرحه، ج11، ص178.
2- .كذا.
3- .الطلاق(65): 2.
4- .التوبة(9): 4 و7.
5- .الصحاح، ج4، ص1479 (وسوس).
6- .القاموس المحيط، ج3، ص242 (زلق).

(بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان) .

الجارّ متعلّق بقوله: «تذلقوا».

والزور: الكذب والباطل والتهمة، شهادة كان أو غيرها.

وفي القاموس:

الزور بالضمّ: الكذب، والشرك باللّه تعالى، ومجلس الغناء، وما يعبد من دون اللّه، وهذه وفاق بين لغة العرب والفرس، والباطل.انتهى. (1)

والبُهتان _ بالضمّ _ مصدر قولهم: بَهَتَه _ كمنعه _ بَهْتاً وبَهَتاً وبُهتاناً، إذا قال عليه ما لم يفعل، فهو أخصّ من الزور.

والإثم: الذنب، والمراد هنا القول المُفضي إليه كالغيبة والفاحشة من الأقوال.

والعدوان بالضمّ: الظلم والتعدّي، ولعلّ المراد هنا الأمر بالظلم كالقتل والضرب مثلاً.

والحاصل أنّه عليه السلام حذّر عن مَذالق اللسان، واكتفى بها على اُصولها الأربعة؛ لأنّ ما سواها مندرجة (2) تحتها.

(فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره (3) اللّه) .

تعليل للتحذير، وإشارة إلى منافع اللسان ومفاسده. وقوله: (ممّا نهاكم عنه) بيان للموصول. والمراد بالنهي ما يعمّ التنزيه والتحريم. (كان خيراً لكم عند ربّكم) . إن اُريد بالخير مخفّف «خيّر» _ بالتشديد _ فظاهر، وإن اُريد به التفضيل فباعتبار فرض الخير، وتقديره في المفضّل عليه.

ويؤيّد الثاني قوله: «من أن تذلقوا ألسنتكم به» كما لا يخفى.

(فإنّ ذَلقَ اللسان) بالذال المعجمة ككَتِف، أو محرّكة، أي حديد اللسان أو حدّته، والأخير أنسب لما بعده.

وفي بعض النسخ: «زَلَق» بالزاي.

ص: 82


1- .كذا قرأناه.
2- .القاموس المحيط، ج2، ص42 (زور) مع التلخيص.
3- . كذا، وفي المتن الذي نقله الشارح سابقاً: «يكرهه».

(فيما يكره اللّه) . أي المنهيّ (1)

من اللّه _ حراماً كان، أو مكروهاً _ ومنه إكثار المباح.

(وفيما ينهى عنه) .

في كثير من النسخ: «وما نهى عنه».

والعطف للتفسير، أو اُريد بالثاني المحرّم كالشتم، وبالأوّل سائر المكروهات.

(مرداة للعبد عند اللّه) بكسر الميم أو فتحها، بغير همزة، اسم آلة، أو مكان، من رَدِيَ _ كرضي _ ردًى، إذا هلك، وأصله مِردية. ويحتمل أن يقرأ مُرْدَأَة بالضمّ.

قال الجوهري: «رَدُءَ الشيءُ رَداءَة، فهو رَدِئٌ، أي فاسد، وأردأتُه: أفسدتُه». (2) (ومَقْتٌ من اللّه) .

قال الجوهري: «مَقَتَه مَقْتاً: أبغضه». (3)

وقيل: مَقْتُهُ تعالى لعبده عبارة عن سلب الإحسان والإفضال والتوفيق إلى الخيرات، ووكوله إلى نفسه المشتاقة إلى الطغيان والعصيان، وترك القربات حتّى يؤدّيه إلى الجهالة والبطالة والخسارة والعقوبات. (4)

(وصَمَم) .

في بعض النسخ: «وصمّ» بالتشديد.

قال الفيروزآبادي: «الصَمَم محرّكة: انسداد الاُذن وثِقل السمع، صَمّ يَصَمُّ _ بفتحهما _ وصَمِمَ، بالكسر نادر _ صَمّاً وصَمَماً». (5)

(وعمًى) هو عدم البصر عمّا من شأنه أن يبصر، وقد يقال لعدم البصيرة؛ في القاموس: «عَمِيَ _ كرضي_ عَمًى: ذهب بصره كلّه». (6)

(وبَكَم) .

في القاموس: البَكَم محرّكة: الخَرَس، أو مع عَيّ وبَلَه، أو أن يولد لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر، بَكِمَ

ص: 83


1- .كذا قرأناه.
2- .الصحاح، ج1، ص52 (ردأ).
3- .الصحاح، ج1، ص266 (مقت).
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص179.
5- .القاموس المحيط، ج4، ص140 (صمم).
6- .القاموس المحيط، ج4، ص366 (عمي).

كفرح، فهو أبكم وبَكيم، الجمع: بُكمان. انتهى. (1)

واعلم أنّ الظاهر في هذه الأخبار الثلاثة الأخيرة كونها بصيغ المصدر ليصحّ الحمل، وكونها بصيغ الجمع لا يخلو عن تكلّف، وفي بعضها لا يستقيم، وحملها على اسم «إنّ» من قبيل حمل المسبّب على السبب مبالغة.

(يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة) .

الجملة حاليّة أو وصفيّة. والضمير الأوّل راجع إلى العبد، والثاني إلى كلّ من المَقت وما عطف عليه، يقال: أورثه الشيء أبوه، أي تركه له ميراثاً، ولما كانت تلك الاُمور ثمرة ذلاقة اللسان، وتصل إليه في النشأة الآخرة سمّاه ميراثاً.

(فتصيروا) بهذه الرذائل.

(كما قال اللّه تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» (2) ) جمع الأصمّ والأبكم والأعمى.

( «فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» ) .

في بعض النسخ: «لَا يَعْقِلُونَ» (3) ، وكلاهما في سورة البقرة.

قال البيضاوي: أي لا يعودون إلى الهُدى الذي باعوه وضيّعوه، أو عن الضلالة التي اشتروها، أو فهم متحيّرون لا يدرون [أ] يتقدّمون أم يتأخّرون، وإلى حيث ابتدؤوا منه كيف يرجعون؟! (4) انتهى. أقول: لمّا سدّ هؤلاء مسامعهم عن الإصغاء إلى نداء الحقّ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم، ولم يتبصّروا الآيات وطرق الحقّ بأبصارهم وبصائرهم، جعلوا كأنّما ائفَت مشاعرُهم، وانتفت قُواهم، (5) هذا مكافاتهم الدنيويّة، وأمّا مجازاتهم الاُخرويّة _ وهي المراد هاهنا _ فهم لا يسمعون نداء الرحمة، ولا يقدرون على الكلم بالمعذرة، ولا يتصيّرون الجنّة.

فقوله عليه السلام : (يعني لا ينطقون) تفسير لقوله تعالى: «لَا يَرْجِعُونَ» ، أي لا يرجعون إلى النطق والكلام، ولا يمكنهم ذلك.

ص: 84


1- .القاموس المحيط، ج4، ص81 (بكم).
2- .البقرة(2): 18.
3- .البقرة(2): 171.
4- .تفسير البيضاوي، ج1، ص198.
5- .نحوه في تفسير البيضاوي، ج1، ص194.

وعلى النسخة الاُخرى تفسير لقوله: «لَا يَعْقِلُونَ» ، بأن يُراد بالعقل النطق، أو أنّهم لا يعقلون طريق النطق، ولا يشعرون به وبكيفيّة الاعتذار، كما أشار إليه بقوله: «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (1). (2)

قال البيضاوي:

عطف «فَيَعْتَذِرُونَ» على «يُؤْذَنُ» ليدلّ على نفي الإذن والاعتذار عقيبه مطلقاً، ولو جعله جواباً لدلّ على أنّ عدم اعتذارهم لعدم الإذن، فأوهم ذلك أنّ لهم عذراً، لكن لم يؤذن لهم فيه. (3)

وقيل: إنّما خصّ عليه السلام التفريع بالبُكم؛ لأنّه يعلم منه حال أخويه بالمقايسة، أو اُريد بهما الحقيقة. (4) انتهى.

وأنت خبير بأنّه إذا جعل قوله: «لا ينطقون» إلخ، تفسيراً لقوله: «لَا يَرْجِعُونَ» كما ذكرناه، لا يسع لي هذا التوجيه المتعسّف. (وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه) .

قيل: أي تقترفوه من ركبت الذنب _ كسمعت _ إذا اقترفته، أو تتّبعوه من ركبت الأثر: تبعته، أو تعلوه من ركبت الفرس: علوته، فقد شبّه المنهيّ عنه بالمركوب في أنّه يصل بصاحبه إلى مقام البُعد من الحقّ، كما يشبه الطاعة به في الإيصال إلى مقام القُرب، ولمّا كانت عرصة اللسان وسيعة؛ لحكايته عن أحوال المبدأ والمعاد والشرائع والأحكام والأشياء الموجودة والموهومة وعقائد القلوب وأفعال الجوارح، كانت خطيئاته غير محصورة، وزلّاته غير معدودة، بالغ في حفظه مكرّراً. (5)

وقال: (وعليكم بالصَّمت) إلى قوله: (ويأجُركم عليه) . والمراد بما ينفعكم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإرشاد الخلق، والوعظ والنصيحة لهم، وغير ذلك من الأقوال الواجبة والمندوبة، ثمّ لمّا أمر بالنافع إجمالاً أشار إلى بعضه تفصيلاً بقوله: «وأكثروا من التهليل»، أي قول: «لا إله إلّا اللّه».

ص: 85


1- المرسلات (77): 36
2- .المرسلات(77): 36.
3- .تفسير البيضاوي، ج5، ص436.
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج11، ص180.
5- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص180.

(والتقديس والتسبيح) .

وهما التنزيه والتطهير من العيوب والنقائص، والثاني تأكيد للأوّل.

ويمكن أن يراد بأحدهما إذا اجتمعا تنزيه الصفات، وبالآخر تنزيه الذات عن الشريك والتركيب مثلاً، أو يراد بالتسبيح قول: «سبحان»، وبالتقديس قول: «اللّه أكبر» و«لا حول ولا قوّة إلّا باللّه» وسائر ما يدلّ على تنزيهه تعالى عن أن يكون له شريك في الكبرياء والعظمة، أو في الحول والقوّة.

(والثناء على اللّه) .

قيل: هو الإتيان بما يدلّ على التمجيد والتعظيم مطلقاً _ كلاماً كان أو غيره (1) _ ويفهم من مجمل اللغة تخصيصه بالكلام الجميل.

(والتضرّع إليه) .

قال الفيروزآبادي: «تضرّع إلى اللّه تعالى: ابتهل وتَذلّل، أو تعرّض بطلب الحاجة». (2)

وقال: «الابتهال: الاجتهاد في الدعاء وإخلاصه». (3)

(والرغبة فيما عنده) من المثوبات مع الإتيان بما يوجب الوصول إليها؛ فإنّ الرغبة في الشيء من غير اجتهاد في تحصيل أسبابه سَفَه وحُمق.

(من الخير الذي لا يَقدر قَدرَهُ، ولا يَبلغ كُنهَه أحد) .

«من» بيان للموصول، و«أحد» فاعل الفعلين على سبيل التنازع، أو الفعل الأوّل على البناء للمفعول و«أحد» فاعل الثاني.

والقدر _ بالتحريك والتسكين _ مبلغ الشيء، وقياس الشيء بالشيء بيان كمّيّة الشيء وكيفيّته كالتقدير، يقال: قَدَرت الشيء _ كنصر وضرب _ قَدْراً وقَدَراً، وقدّرته تَقديراً بمعنى. والمراد بالخير ما يعمّ خير الدنيا والآخرة، وهو في الأصل ما يرتّب فيه الكلّ كالعقل والعدل.

وقيل: المراد به هنا نعيم الجنان وما فوقها من درجات القرب والكمال، وفيها ما لا عين

ص: 86


1- .قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص180: «هو المفهوم من الصحاح والكشّاف وغيرهما». ثمّ قال بعد نقل ما في مجمل اللغة بأنّ قوله أنسب بهذا المقام.
2- .القاموس المحيط، ج3، ص56 (ضرع).
3- .القاموس المحيط، ج3، ص339 (بهل).

رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خَطَر على قلب بشر، وإذا كان كذلك، فكيف يقدر أحد أن يقدر قدره، ويبيّن مقداره، ويبلغ كنهه؟! (1)

(فاشغَلوا ألسنتكم بذلك)

أي بما ذكر من الكلام النافع، إلخ. (2)

قال الفيروزآبادي: «الشغل بالضمّ وبضمّتين وبالفتح وبفتحتين: ضدّ الفراغ، شَغَلَه كمنعه شَغلاً _ ويضمّ _ وأشغله، لغة جيّدة [أو] قليلة أو رديّة» (3) .

وقوله: (عمّا نهى اللّه عنه) متعلّق ب_ «اشغلوا» بتضمين معنى الإعراض أو بدونه.

وقوله: (من أقاويل الباطل) بيان للموصول.

(التي تُعقب أهلَها) أي أهل تلك الأقاويل.

(خلوداً في النار) .

يقال: عقّبته تعقيباً، أي جئت بعقبه، ثمّ عُدّي إلى المفعول الثالث بالباء، ويقال: عقّبته بالشيء، إذا جعلت الشيء على عقبه، كذا قيل.

ويظهر من هذا الخبر أنّه يعدّى إلى المفعول الثاني بنفسه أيضاً.

ثمّ إن اُريد بالأقاويل الباطل ما يوجب الخروج من الإيمان فالخلود على حقيقة، وإلّا فالمراد به طول المكث والزمان.

وقوله: (من مات عليها ... ) بيان لأهل الباطل والخلود في النار، أو خبر المبتدأ المحذوف. (4) وفي بعض النسخ: «لمن».

(ولم يتب إلى اللّه ) توبة خالصة توجب الخروج من تبعتها، والعزم على عدم الرجوع إليها، كما يشعر به قوله: (ولم يَنزع عنها). في القاموس: «نزع عن الاُمور نُزوعاً: انتهى عنها». (5) (وعليكم بالدعاء) في اُمور الدين والدنيا، لأنفسكم ولإخوانكم بظهر الغيب.

ص: 87


1- .كذا قرأناه.
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص180 وص181.
3- .قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص181: «وفيه إشارة إلى وجه الفرار من الكلام الباطل بجعل اللسان مشغولاً بما ذكر دائماً، أو في أكثر الأوقات؛ فإنّ شغله بذلك مانع من صدور ضدّه ضرورة؛ لأنّ ما ذكر حينئذٍ يصير عادة، وهي أيضاً مانعة منه».
4- .القاموس المحيط، ج3، ص401 (شغل).
5- . القاموس المحيط، ج3، ص88 (نزع).

(فإنّ المسلمين لم يُدركوا نَجاح الحوائج) الدينيّة والدنيويّة (عند ربّهم بأفضل من الدعاء). النجاح، بالفتح: الظفر بالمطلوب وإصابته.

والحوائج: جمع الحاجة على غير قياس، أو مولَّدة.

والمقصود من هذا الكلام أنّ الدعاء أفضل وأدخل من غيره في نيل الحوائج، قال اللّه عزّ وجلّ: «قُلْ مَا يَعْبَؤُا بَكُمْ رَبِّي لَوْ لَا دُعَاؤُكُمْ» . (1)

وقد وجّه ذلك بأنّ من عرف أنّه تعالى كريم قادر، عالم بمصالح العباد وغيرها، وأنّه لا ينفعه المنع، ولا يضرّه الإعطاء، ورجع إلى العقل والنقل والتجربة والوعد، علم أنّه إذا رفع حاجته المشروعة إليه تعالى بقلب تقيّ نقيّ ونيّة خالصة، كانت مقرونة بالإجابة، وأمّا غيره من الوسائل مثل الاعتماد بالكسب والرجوع إلى الخلق، فلا عِلْمَ له بترتّب الحاجة عليه، وعلى تقدير ترتّبها فهو وسيلة أيضاً بإذن اللّه تعالى، فالدعاء أفضل منه، وأصل لجميع الحاجات.

(والرغبة إليه، والتضرّع إلى اللّه) .

في بعض النسخ: «إليه» بدل «إلى اللّه».

(والمسألة له) .

لفظة «له» ليست في بعض النسخ. قال الجوهري: «سألته الشيء [وسألته عن الشيء] سؤالاً ومسألة». (2)

(فارغَبوا فيما رغّبكم اللّه فيه)

من الجنّة ونعيمها بقوله: «لِمِثْلِ هذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ» (3) ، وقوله: «وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» . (4) (وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه) من طلب الحوائج للدين والدنيا، بقوله: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (5) ، أو أعمّ منه ومن سائر العبادات. والأوّل أنسب بالمقام، والثاني أليق بقوله عليه السلام : (لتُفلحوا وتَنجوا من عذاب اللّه)؛ فإنّ الفلاح

ص: 88


1- .الفرقان (25): 77. وفي الحاشية: «أي ما يصنع بكم، من عبأت الجيش إذا هيّأته، أو لا يعتد بكم. «لَوْ لَا دُعاؤُكُمْ» : لو لا عبادتكم؛ فإنّ شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطاعة، وإلّا فهو وسائر الحيوانات سواء. وقيل: معناه ما يصنع بعذابكم لو لا دعاؤكم معه آلهة. بيضاوي». تفسير البيضاوي، ج4، ص230.
2- .الصحاح، ج5، ص1723 (سأل).
3- .الصافّات (37): 61.
4- .المطّفّفين (83): 26.
5- .غافر (40): 60.

والفوز بالسعادات والنجاة من العقوبات متوقّف غالباً على إجابته تعالى في جميع ما دعا إليه من أنواع الطاعات.

وفي كثير من النسخ: «وتُنجحوا» بدل «تنجوا».

قال الجوهري: «النُّجح والنَّجاح: الظفر بالحوائج، وأنجح الرجل: صار ذا نُجح». (1)

(وإيّاكم أن تَشْره أنفُسُكم إلى شيء ممّا حرّم اللّه عليكم) .

لمّا نهى عليه السلام عن مقابح اللسان عمّم النهي عمّا لا يليق بالإنسان مطلقاً، صغيراً كان أو كبيراً، ظاهراً كان أو باطناً.

قال الفيروزآبادي: «شَرِه كفرح: غلب حرصُه». (2)

(فإنّ (3) من انتهك ما) في بعض النسخ: «ممّا» ( حرم اللّه عليه).

قال الجزري: «انتهكوا، أي بالغوا في هتك (4) محارم الشرع وإتيانها». (5)

وقوله: (هاهنا) ظرف للانتهاك، وقوله: (في الدنيا) بدل من الظرف. (حال اللّه بينه وبين الجنّة ونعيمها) .

في القاموس: «النعيم: الخَفض والدَّعَة والمال، كالنعمة بالكسر». (6)

(ولذّتها وكرامتها) .

الكرامة _ بالفتح _ اسم من التكريم والإكرام، ولعلّ المراد هنا زيارة الملائكة والفيوضات الإلهيّة، أو الأعمّ منها. (القائمة الدائمة لأهل الجنّة) . لعلّ وصف «القائمة» بالدائمة للتأكيد والتفسير، والمراد بقيامها ثباتها وعدم زوالها، وبدوامها استمرارها بلا تخلّل انقطاع.

(أبدَ الآبدين) .

في القاموس: الأبد محرّكة: الدهر _ الجمع: آباد واُبود _ والدائم، والقديم، والأزلي، (7) ولا آتيه أبد

ص: 89


1- .الصحاح، ج1، ص409 (نجح).
2- .القاموس المحيط، ج4، ص286 (شره).
3- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «فإنّه».
4- .في المصدر: «خَرْق».
5- .النهاية، ج5، ص127 (نهك).
6- .القاموس المحيط، ج4، ص181 (نعم).
7- .في المصدر: «القديم الأزلي» من دون العطف.

الأبديّة، وأبد الآبدين، وأبد الأبدين _ كأرضين _ وأبد الأبد محرّكة، وأبد الأبيد، وأبد الآباد، وأبد الدهر، وأبيد الأبيد بمعنى (1) .

أقول: تستعمل هذه الكلمات للتأكيد والمبالغة في طول الدهر وتخليده ودوامه، كما يقال: دهر الداهرين، وعوض (2) العائضين، والإتيان بصيغة الجمع باعتبار القطعات ولو كانت موهومة.

(واعلموا أنّه بئس الحظُّ الخطر لمن خاطر اللّه بترك طاعة اللّه وركوب معصيته) .

قال الفيروزآبادي: «الحظّ: النصيب، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل». (3)

وقال: خطر بباله وعليه، يَخطِر ويَخطُر خُطوراً: ذكره بعد نسيان، وأخطره اللّه تعالى، والخِطر بالكسر والفتح: الشرف، ويحرّك، وبالضمّ: الأشراف من الرجال، الواحد: الخَطير، وبالتحريك: الإشراف على الهلاك، والسَّبق يتداهن عليه، وقدر الرجل، والمثل في العلوّ، كالخطير.

وتَخاطروا: تراهنوا، وأخطر: جعل نفسه خَطراً لِقِرْنه فبارزه، والمال: جعله خطراً بين المتراهنين، وخاطر بنفسه: أشفاها على خطر هُلك أو نيل مُلك. (4)

أقول: يمكن أن يراد بالخطر هنا كلّ من تلك المعاني بنوع من التقريب، وبالمخاطرة المراهنة، أو الإشراف على الهلاك.

وقيل: الأظهر أنّ المراد بالخطر هو ما يتراهن عليه، وبالمخاطرة المراهنة، فكأنّه جرى مراهنة بين العبد والربّ تعالى، والسبق الذي يحوزه العبد لذّات الدنيا الفانية، والسبق الذي للربّ تعالى عقاب العبد، فبئس الحظّ والنصيب الخطر والسبق الذي يحوزه العبد عند مخاطرته ومراهنته مع اللّه بأن يترك طاعته ويرتكب معصيته. (5)

وقيل: لعلّ المراد أنّ من خاطر اللّه واستبق إلى [الخطر] الذي أخرجته النفس الأمّارة، وهو ترك الطاعة وفعل المعصية، وانتهى إليه، ولا محالة كان معه علمه تعالى حتّى انطبق على

ص: 90


1- .القاموس المحيط، ج1، ص273 (أبد) مع التلخيص. وراجع: الصحاح، ج2، ص439 (أبد).
2- .العوض، معناه الأبد. الصحاح، ج3، ص1093 (عوض).
3- .القاموس المحيط، ج2، ص394 (حظظ).
4- .القاموس المحيط، ج2، ص22 (خطر) مع التلخيص.
5- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج25، ص9، ثمّ قال: «ويحتمل على بُعد أن يكون الخطر في الموضعين بمعنى الإشراف على الهلاك، أو بمعنى الخطور بالبال، أو على التوزيع. واللّه يعلم».

المعلوم، فهو ذو حظّ قبيح في الدنيا والآخرة، وأمّا من خاطره واستبق إلى ما جعله اللّه تعالى خطراً للعباد، وهو فعل الطاعة وترك المعصية، وانطبق علمه تعالى بذلك على المعلوم، فهو ذو حظّ جميل وثواب جزيل. ويحتمل أن يراد بالخطر والمخاطرة لازمها، وهو المبارزة. (1)

(فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذّات دنيا) .

[في] متعلّق بالانتهاك، أو بالمحارم.

قوله: (منقطعة) صفة للدنيا، أو لذّاتها.

وكذا قوله: (زائلة عن أهلها).

والجارّ في قوله: (على خلود نعيم في الجنّة ولذّاتها وكرامة أهلها) متعلّق ب «اختار».

والحاصل أنّ هذا المُخاطر اختار أن يتناول ما حرّم اللّه تعالى في لذّات الدنيا الفانية الزائلة _ بزوال الدنيا، أو بالموت، أو قبله أيضاً في حال الحياة _ ويؤثّره على نعيم الجنّة، وما يوجب الوصول إليها، وذلك لفقد بصيرته وغلبة شهوته وتوهّمه أنّ الحاضر الفاني خير من الغائب الباقي.

(ويل لاُولئك) المخاطرين.

لاحظ في الموصول الإفراد سابقاً، والجمع هنا؛ نظراً إلى اللفظ والمعنى.

قال الفيروزآبادي: «الوَيل: حلول الشرّ، وبهاء الفضيحة، أو هو تفجيع، وويل كلمة عذاب، وواد في جهنّم، أو بئر أو باب لها» . (2) (ما أخيبَ حظّهم) . الخَيبة: الحِرمان، وكلمة «ما» للتعجّب.

والمراد بالحظّ إمّا النصيب المقدّر لهم في الجنّة بشرط الطاعة، أو الحظّ الواصل إليهم بالمعصية المستلزم خيبتهم من الأوّل أيضاً، فعلى الأوّل اُريد خيبتهم من الوصول إليهم، وعلى الثاني خيبتهم من رحمة اللّه تعالى، وتعليق الخَيبة إلى الحظّ مجاز إسنادي.

وعلى هذا القياس قوله: (وأخسر كرّتهم) أي رجوعهم إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ للحساب، أو عَود أرواحهم إلى أبدانهم للعقاب.

ص: 91


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج11، ص149.
2- .القاموس المحيط، ج4، ص66 (ويل) مع التلخيص.

والكرّة في الأصل: المرّة والحملة والرجوع.

(وأسوأ حالَهم عند ربّهم يوم القيامة)

حين شاهدوا ما اُعدّ لهم من العقاب والخذلان، ورأوا ما وصل إلى المتّقين من الكرامة والامتنان.

(استجيروا اللّه أن يخزيكم (1) في مثالهم أبداً) .

كأنّه على الحذف والإيصال، أي استجيروا باللّه، واطلبوا منه الإجارة والأمان أن يجيركم ويعيذكم من أن يخزيكم في صفاتهم مثل اتّباع الشهوات والإعراض من الهُداة، وسلوك طُرُق الضلالات، والفضيحة على رؤوس الأشهاد في العرصات، والخلود في العقوبات. والمِثال، بالكسر: صفة الشيء والمقدار.

وفي بعض النسخ: «أن يجريكم» من الإجراء. وفي بعضها: «أن يجيركم»، وقيل: معناه حينئذ: استجيروا، أو استعيذوا باللّه من أن يكون إجارته تعالى إيّاكم على مثال إجارته لهم؛ فإنّه لا يجيرهم من عذابه في الآخرة، وإنّما أجارهم في الدنيا. (2)

وفي بعض النسخ: «من مثالهم»، ولعلّ المراد حينئذ: استجيروا باللّه أن يجيركم من أن تكونوا مثلهم.

(وأن يبتليكم بما ابتلاهم به) . (3)

لفظة «به» ليست في بعض النسخ.

وفي بعضها: «بما ابتلاهم اللّه».

وقيل: الموصول عبارة عن الميل إلى الباطل وحبّ أهله، والفرار من الحقّ وبغض أهله، فأبطلوا بذلك فطرتهم الأصليّة وقوّتهم الفطريّة، واستحقّوا الخذلان وسلب التوفيق، وهو معنى الابتلاء فيهم.

وفيه تنبيه على أنّه ينبغي لطالب الحقّ أن لا يثق بنفسه ولا بعمله؛ لأنّ النفس أمّارة بالسوء، والعمل لا يخلو من التقصير فيه، بل يرجع إلى ربّه، ويلوذ به، ويطلب منه أن يجيره من صفة أهل الباطل باللطف والتوفيق، (4) كما أشار إليه أيضاً بقوله: (ولا قوّة لنا ولكم إلّا به).

ص: 92


1- .هذا، وقد أثبت الشارح رحمه الله في المتن الذي نقله سابقاً: «أن يجيركم».
2- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 10.
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «اللّه » بدل «به».
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 150.

قيل: أي لا قوّة لنا على طاعة اللّه والفرار من معصيته، والنجاة من صفة أعدائه وما ابتلاهم به إلّا بمعونته وتوفيقه، وهذه أعظم كلمة يقوله العبد لإظهار الفقر إليه تعالى، وطلب المعونة منه على ما يحاول من الاُمور، وهو حقيقة العبوديّة. (1)

(فاتّقوا اللّه أيّتها العِصابةُ الناجية) .

قال الجوهري: «العصابة: الجماعة من الناس والطير والخيل». (2)

وفي القاموس: العَصَب محرّكة: خيار القوم، والعصبة محرّكة: قوم الرجل الذين يتعصّبون له، والعُصبة _ بالضمّ _ من الرجال والخيل والطير: ما بين العشرة إلى الأربعين، كالعصابة بالكسر (3) . انتهى. وقيل: إنّما سمّاهم عليه السلام بها لشرافتهم وتعصّبهم في الدين مع قلّتهم. (4)

(إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم به) من الهداية والتوفيق للإيمان بما يجب الإيمان به، والعمل بمتقضاه. والظاهر أنّ جزاء الشرط محذوف، وقوله: (فإنّه لا يتمّ الأمر) مع ما بعده قائم مقام الجزاء، وما قيل من أنّه هو الجزاء فضعفه ظاهر. والمراد بالأمر أمر الدين والثبات عليه، أو الجنّة والثواب. وتقدير الكلام: إن أتمّ اللّه لكم عطاياه، فإنّ إتمامها إنّما يكون بالابتلاء؛ لأنّه لا يتمّ أمر حتّى (يدخل عليكم) إلى آخره.

وقال بعض الأفاضل:

لعلّ المراد: اتّقوا اللّه، ولا تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي عند إرادة اللّه إتمام ما أعطاكم من دين الحقّ، ثمّ بيّن عليه السلام الإتمام بأنّه إنّما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم.

والحاصل أنّه أمر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن، وذكر فائدة الابتلاء بأنّه سبب لتمام الإيمان.

ص: 93


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 150.
2- .الصحاح، ج 1، ص 183 (عصب).
3- .القاموس المحيط، ج 1، ص 105 (عصب) مع التلخيص.
4- القائل هو المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ج 11 ص 150

ويحتمل على بُعد أن يكون «أن» بالفتح مخفّفة، أي اتّقوا اللّه لإتمامه دينكم.

ويحتمل أن يكون التعليق للنجاة، أي للنجاة إنّما يكون بعد الإتمام، ولمّا كان هذا التعليق مُشعراً بقلّة وقوع هذا الشرط بيّن ذلك بأنّه موقوف على الامتحان، والتخلّص عنه مشكل. (1)

(حتّى يدخل عليكم مثلُ الذي دخل على الصالحين قبلكم)

من الابتلاء بالشدائد. (وحتّى تُبتلوا) على البناء للمفعول.

(في أنفسكم وأموالكم) بالمصائب والنوائب والأمراض والأسقام والجهاد مع أعداء الدين وتلف الأموال والنقص والنَّهْب (2) ووجوب إخراج الحقوق الماليّة واستحبابها وصرفها في وجوهها.

وفي هذا الكلام إشارة إلى قوله عزّ شأنه: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» . (3)

(وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذًى كثيراً)

أي كلاماً كثيراً يوجب أذاكم من الطعن والشتم واللعن ونحوها.

(فتصبروا) على ذلك، كما صبر عليه من قبلكم من الصالحين.

(وتَعْرُكوا بجُنُوبكم) على البناء للفاعل، أو المفعول.

أي تحمّلوا الأذى منهم بجنوبكم، كما يحمله البعير حمله. يقال: عَرَكه يعرُكه، من باب نصر، أي دَلَكَه وحكّه حتّى عَفّاه، وحمل عليه الشّر.

قال االفيروزآبادي: «عَرِكة كهمزة _ من يَعِرك الأذى بجنبه _ أي يحتمله». (4) انتهى. وفيه إشارة إلى قوله تعالى: «لَتَبْلُوَنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ (5) مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (6) ،

ص: 94


1- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 10.
2- .«النَّهْب»: الغنيمة والغارة والسلب، والجمع: النهاب. راجع: كتاب العين، ج 4، ص 59؛ لسان العرب، ج 31، ص 773 (نهب).
3- .البقرة (2): 155.
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 313 (عرك).
5- . في الحاشية: «يعني الصبر والتقوى. بيضاوي». تفسير البيضاوي، ج2، ص127.
6- .آل عمران (3): 186.

وفُسّر «أَذًى كَثِيراً» بهجاء الرسول، والطعن في الدين، وإغراء الكفرة على المسلمين، و «عَزْمِ الْأُمُورِ» بمعزومات الاُمور التي يجب العزم عليها، أو بما عزم اللّه عليه، أي أمر به وبالغ فيه. (1)

(وحتّى يَستذلّوكم) .

يقال: استذلّه، أي جعله ذليلاً، أو رآه ذليلاً.

(ويُبغضوكم)

في القاموس: البُغض، بالضمّ: ضدّ الحبّ، والبِغضة بالكسر والبَغضاء: شدّتُه، وبغض _ ككرم ونصر وفرح _ وأبغضه ويُبغضني، وبالضمّ لغة رديّة، وأبغضوه: مقّتوه، والتبغيض: ضدّ التحبيب. (2)

(وحتّى يُحمّلوا عليكم الضَّيم) أي الظلم.

(فتحمّلوه (3) منهم) من التحمّل بحذف إحدى التائين.

والتحميل: تكليف الحمل. قال الفيروزآبادي: «حَمَلَه على الأمر يَحمله فانحمل: أغراه به، وحمّله الأمر تحميلاً، فتحمّله تحمّلاً». (4)

وفي بعض النسخ: «وحتّى يحمّلوا الضَّيم فتحتملوه منهم»، وهو أظهر، فتدبّر. (تَلتمسون بذلك) التحمّل والصبر (وجهَ اللّه).

في القاموس: «الوجه: مستقبل كلّ شيء، ونفس الشيء، والجهة». (5) والمراد به هنا الثواب. (والدارَ الآخرة) أي الجنّة.

والظاهر أنّ الجملة في محلّ النصب على الحال من فاعل «تحمّلوه». (وحتّى تَكظموا الغيظَ الشديد في الأذى) في اللّه، أي في رضاه وفي سبيله (جلّ وعزّ). في القاموس: «كظم الغيظ يكظمه: ردّه وحبسه، والباب: أغلقه» (6) انتهى. وقيل: كظم الغيظ: تجرّعه، واحتمال سببه، والصبر عليه، وحبس النفس فيه مهما أمكن. (7)

ص: 95


1- .راجع: تفسير البيضاوي، ج 2، ص 127.
2- .القاموس المحيط، ج 2، ص 325 (بغض).
3- .هذا، وقد أثبت الشارح رحمه الله في المتن الذي نقله سابقاً: «فتحتملوه». وفي كلتا الطبعتين للكافي وأكثر نسخه: «فتحمّلوا».
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 361 (حمل) مع التلخيص.
5- .القاموس المحيط، ج 4، ص 295 (وجه).
6- .القاموس المحيط، ج 4، ص 172 (كظم) مع اختلاف يسير.
7- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 151.

ولفظ «في» في الثاني متعلّق بالأذى، وفي الأوّل بالكظم، أو بالغيظ، وهي للظرفيّة مجازاً، أو بمعنى الباء في الأخير.

(يَجترمونه إليكم) حالٌ عن فاعل «يحمّلوا».

وفي بعض النسخ: «تجترمونه» بالتاء، فهي حينئذ حال عن فاعل «تكظموا»، والضمير المنصوب راجع إلى الغيظ، أو إلى الأذى.

ويقال: اجترم، أي أذنب، واجترم عليهم وإليهم، أي جنى جناية.

ويحتمل أن يراد بالاجترام القطع والصرم بتضمين مثل معنى الإيصال والضمّ. قال الفيروزآبادي: «جرمه يَجرمه: قطعه، والنخل: صرمه، كاجترمه». (1)

ويؤيّد هذا الاحتمال أنّه في بعض النسخ: «تخترمونه» بالخاء المعجمة». قال الجوهري: «اخترمهم الدهر، وتخرّمهم، أي اقتطعهم واستأصلهم، وتخرّم زَبَدُ فلان، أي سكن غضبه». (2) وقيل: الاجترام بالجيم: الكسب. وفي القاموس: «اجترم لأهله: كسب». (3)

و«إلى» بمعنى اللام، أو بمعناها مع تضمين معنى الضمّ ونحوه، والضمير راجع إلى الكظم، وفيه تنبيه على أنّه من جملة الأعمال الصالحة. (4) انتهى. (وحتّى يُكذّبوكم بالحقّ) . في القاموس: «كذّب الأمر تكذيباً: أنكره، وفلاناً: جعله كاذباً». (5) وقوله عليه السلام : (ومصداق ذلك) أي ما دخل على الصالحين من الابتلاء، إلخ. (سمعتم قول اللّه _ عزّو جلّ _ لنبيّكم صلى الله عليه و آله ) في سورة الأحقاف: ( «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ اُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» (6) ).

قال البيضاوي: أي اُولوا الثبات والجدّ منهم؛ فإنّك من جملتهم. و«من» للتبيين، وقيل: للتبعيض. و «اُولُوا الْعَزْمِ» : أصحاب الشرائع، اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها، وصبروا على

ص: 96


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 151.
2- .القاموس المحيط، ج 4، ص 88 (جرم) مع التلخيص.
3- .الصحاح، ج 5، ص 1910 (خرم).
4- .القاموس المحيط، ج 4، ص 88 (جرم).
5- .القاموس المحيط، ج 1، ص 123 (كذب).
6- .الأحقاف (46): 35.

تحمّل مشاقّها ومعاداة الطاعنين فيها، ومشاهيرهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى.

وقيل: الصابر (1) على بلاء اللّه كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتّى يغشى عليه، وإبراهيم على النار وذبح وَلَده والذبيح على الذبح، ويعقوب على فقد الولد والبصر، ويوسف على الجُبّ والسجن، وأيّوب على الضرّ، وموسى قال له قومه: «إِنَّا لَمُدْرَكوُنَ * قَالَ كَلَا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» (2) ، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة. (3)

( «وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» ) : لكفّار قريش بالعذاب بأنّه ينزّل بهم في وقته لا محالة.

(ثمّ قال) في سورة الأنعام: (4) ( «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» )؛ تسلية للرسول صلى الله عليه و آله من تكذيب قومه.

( «فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ) على تكذيبهم وإيذائهم، أمره صلى الله عليه و آله بالتأسّي بهم في الصبر.

وفي كثير من نسخ الكتاب: «ثمّ قال: وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل من قبلك، فصبروا على ما كذّبوا واُوذوا»، وكأنّه اشتباه من النسّاخ، فإنّ الآية في سورة الأنعام كما عرفت، وفي سورة آل عمران: «فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ» (5) ، فليتأمّل.

وفي قوله عليه السلام : (فقد كُذّب نبيّ اللّه) إلى قوله: (بالحقّ) ترغيب على التأسّي بهم في ذلك.

وقوله عليه السلام : (فإن سَرّكم) في النسخة المشار إليها متّصل بما سيجيء من قوله: (أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله ) إلى آخر الرسالة، وقوله: (أمر اللّه (6) فيهم ... ) بعد قوله: (وليتمّ)، وهو الصواب.

والأمر ضدّ النهي، وقد يكون بمعنى الفعل، والموصول في قوله: (الذي خلقهم له) صفة للأمر.

ص: 97


1- .في المصدر: «الصابرون».
2- .الشعراء (26): 60 و61.
3- .تفسير البيضاوي، ج 5، ص 187.
4- .الأنعام (6): 34.
5- .آل عمران (3): 184.
6- .في الحاشية: «لعلّ المراد بذلك الأمر شدّة العقوبة، أو سوء الخاتمة، أو ختم القلوب، أو جعلهم أئمّة ضلال باعتبار حبّهم للرئاسة، وصرف همّتهم في تحصيلها، وتخليته تعالى بينه وبين ما أرادوا، وعدم جبرهم على تركها، فكأنّه جعلهم أئمّة. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 152.

والمراد بالخلق إمّا الإيجاد والتقدير، واللام (1) للعاقبة، كما في قوله:

«فللموت تغذو الوالدات سُخّالها***كما لخراب الدهر تُبنى المساكن» (2)

أو للغاية المجازيّة؛ فإنّ الغاية الحقيقيّة هي العبادة، كما قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاءِنْسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» . (3)

(في الأصل أصلَ الخلق) .

قيل: المراد بأصل الخلق الوجود الظلّي، وهو عالم الأرواح، أو الأعمّ منه ومن الوجود العيني. (4)

وقوله: (من الكفر) بيان للموصول، وهو شامل لكفر الجحود ولمخالفة الحقّ وأهله بتكذيبهم وإيذائهم ومعاندتهم.

(الذي سبق في علم اللّه أن يَخلُقَهم له في الأصل) .

ربّما اُوّل هذا وأمثاله بأنّه تعالى كان عالماً بأنّهم بعد خلقهم يكونون باختيارهم كذلك، فكأنّه خلقهم لذلك. (5)

(ومن الذين سمّاهم اللّه في كتابه) .

في بعض النسخ: «في» بدل «من»، وهو أظهر.

ولعلّ كلمة «من» على نسخة الأصل للظرفيّة، وحينئذ في العدول عن لفظة «في» إشعار بأنّ أمر اللّه نشأ من سؤء أعمالهم وقبح أفعالهم.

وقيل: كأنّه معطوف على قوله: «خلقهم» بتقدير جعلهم، أو على الظرف بعده بتضمين الجعل. (6)

أو المبتدأ مقدّر؛ أي وهم من الذين، ولا يبعد أن يكون بتصحيف «هم». انتهى. (7)

ص: 98


1- .أي اللام في «له».
2- .قاله سابق البريري (أو البريدي) في العقد الفريد، ج 1، ص 269. وراجع: الوافي بالوفّيات، ج 15، ص 70؛ بغية الطالب، ج 9، ص 4071؛ القاموس المحيط، ج 4، ص 178.
3- .الذاريات (51): 56.
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
5- .في الحاشية: «إيماء إلى أنّ علمه تعالى بصدور الكفر منهم اختياراً سبب لخلقهم له؛ لوجب المطابقة بين العلم والمعلوم. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 152.
6- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.
7- .الظاهر أنّ قوله: «أو المبتدأ مقدّر ... » كان أيضاً من قول العلّامة المجلسي رحمه الله في المرآة، لكن لم نجده فيه.

وقيل: الظاهر أنّه عطف على فيهم. (1)

أقول: يحتمل عطفه على قوله: «من الكفر» بتقدير المضاف، أي: ومن صفات الذين سمّاهم اللّه، أو من أحوالهم وأنوارهم.

(في قوله: «وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ») .

في سورة القصص: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً» . (2)

قال البيضاوي:

أي قُدوة للضلال بالحمل على الإضلال. وقيل: بالتسمية، كقوله: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمنِ إِنَاثاً» (3) ، أو بمنع الألطاف الصارفة عنه. «يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» : إلى موجباتها من الكفر والمعاصي. انتهى(4).

وقيل: جعلهم أئمّة ضلال باعتبار حبّهم للرئاسة، وصرف همّتهم في تحصيلها، وتخليته تعالى بينهم وبين ما أرادوا، وعدم جبرهم على تركها، فكأنّه جعلهم أئمّة، والفرق بين المعطوف عليه والمعطوف أنّ الأوّل أعمّ من الثاني؛ لصدقه على التابع والمتبوع، بخلاف الثاني؛ فإنّه صادق على المتبوع فقط. (5) وقيل: قوله: (فتدبّروا هذا، واعقِلوه، ولا تجهَلوه) جزاء لقوله: «فإن سرّكم أمر اللّه». (6) وقيل: يحتمل أن يكون جزاء الشرط محذوفاً، فتقديره: إن سَرّكم فاشكروا، أو لا تجزعوا ممّا يصل إليكم منهم. (7)

واسم الإشارة والضمائر للأمر. وقيل: لما يُفهم من الكلام السابق من لزوم التقيّة، والصبر على المكاره في الدين، والرضا بقضاء اللّه تعالى فيهم وفي أعدائهم. (8) والتدبّر: النظر في عاقبة الأمر والتدبير. وإنّما أمر بتدبّره وعقله _ أي إدراكه _ ونهى عن

ص: 99


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
2- القصص (28): 41 و لعل ما اثبت فی المتن فهو سهو من ناحیة النساخ أو نقل بالمضمون من المعصوم علیه السلام
3- .الزخرف (43): 19.
4- .تفسير البيضاوي، ج 4، ص 294.
5- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
6- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 152.
7- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.
8- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.

الجهل به ابتداء، ونسيانه بعد معرفته، مبالغة في الإحاطة به، والعلم بحقيقته وغايته كما هي، ووجه السرور بما ذُكر أنّهم أعداء، ونكالُ العدوّ وخِذلانُه موجبٌ للسرور، ووجه ترتّب الجزاء عليه أنّ السرور بنكال العدوّ يقتضي التدبّر في سببه؛ ليمكن التخلّص منه والفرار عنه.

وقوله: (فإنّه من يَجهل هذا وأشباهَه) تعليل للأمر بالتدبّر فيما ذكر، وفي غيره ممّا يجب العلم والمعرفة به.

وقوله: (ممّا افترض اللّه عليه في كتابه) بيان للأشباه.

وقوله: (ممّا أمر اللّه به، ونهى عنه) بيان للموصول.

وقوله: (تَرَكَ دينَ اللّه) جواب لقوله: (من يجهل).

(وركب معاصيَه)؛ لأنّ جاهل هذا كثيراً مّا يدخل فيه، ويترك دين اللّه، وجاهل أشباهه يترك الامتثال بالأوامر والنواهي.

(فاستوجب سخطَ اللّه، فأكبّه اللّه على وجهه في النار) .

قيل: استيجاب الأوّل (1) أبديّ دون الثاني. (2)

وفي الإكباب مبالغة في التعذيب والإذلال.

يقال: كبّه وأكبّه، إذا ألقاه على وجهه، فأكبّ هو، لازم متعدّ على خلاف القياس. (3)

والظاهر «إنّ» في قوله: (إنّ اللّه أتمّ لكم ما آتاكم من الخير) بالتشديد، وأنّه بشارة بأنّ اللّه أتمّ هذا الأمر، وهو أمر التشيّع لخواصّ الشيعة.

وقيل: يحتمل كونه بالتخفيف حرف شرط، ويكون قيداً للفلاح، أي فلاحُكُم مشروط بأن يتمّ اللّه لكم الأمر، وأن لا تضلّوا بالفتن على قياس ما مرّ. (4) وقيل: المراد بالخير دين الإسلام، وإتمامه وإكماله بولاية علي عليه السلام ، وهو إشارة إلى قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» (5) ، يعني بولاية علي عليه السلام ، أو هو ذكر كلّ ما يحتاج [إليه] العباد فيه، وهذا تمهيد لما سيجيء من أنّه لا يجوز [فيه ]القول بالهوى

ص: 100


1- .القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 12.
2- .في الحاشية: «هو ترك دين اللّه. منه».
3- .في الحاشية: «وهو ترك المعاصي. منه».
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 153.
5- .المائدة (5): 3.

والرأي والقياس، بل يجب الرجوع إلى أهل العصمة عليهم السلام . (1)

(واعلموا أنّه ليس من علم اللّه) أي العلم المنسوب إليه تعالى، والمأخوذ منه بوساطة أصحاب الوحي.

وقيل: أي ممّا علم اللّه حقّيّته وأنّه حقّ في دينه.

(ولا من أمره) أي ممّا أمر به.

(أن يأخذ أحد من خَلق اللّه في دينه).

الضمير للّه، أو للأحد.

(بهوًى ولا رأي ولا مقاييس) وإذا كان كذلك، فهو باطل، وبدعة ابتدعها أهلها.

(قد أنزل اللّه القرآن، وجعل فيه تبيانَ كلّ شيء) .

التبيان _ بالكسر وقد يفتح _ مبالغة في البيان، والجملة حاليّة، أو استئنافيّة لبيان أنّهم لا يحتاجون إلى الأخذ بالرأي والقياس؛ لأنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء يحتاج إليه.

ثمّ العلم وإن كان كلّه في القرآن، لكن لا يصل إليه علم كلّ أحد كما هو معلوم بالتجربة والاتّفاق، بل يعلمه جماعة مخصوصون، كما أشار إليه بقوله: (وجعل للقرآن وتعلّم (2) القرآن أهلاً).

قال الفيروزآبادي: «علم به كسمع: شعر، والأمرَ: أتقنه، كتعلّمه». (3) وفي كثير من النسخ المصحّحة: «ولعلم القرآن»، وهو الظاهر، والعطف للتفسير والبيان. (لا يَسَعُ أهلَ علم القرآن) . في بعض النسخ: «لا يُسيغ».

في القاموس: «ساغ الشرابُ سَوغاً: سَهُلَ مَدخله، وسُغته أسوغه، وسُغته اُسيغه، لازم متعدّ، وسوّغه تسويغاً: جوّزه». (4) انتهى. فتأمّل جدّاً.

(الذين آتاهم اللّه علمَه) وهم النبي وأهل بيته عليهم السلام .

(أن يأخذوا فيه) أي في القرآن، أو في علمه.

(بهوًى ولا رأي ولا مقاييس) فإذا لم يجز لهم ذلك مع كمال نفوسهم وقوّة عقولهم وشمول علومهم للأحكام وعللها، فكيف يجوز لغيرهم؟!

ص: 101


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 153.
2- .في كلتا الطبعتين وأكثر نسخ الكافي: «ولتعلّم».
3- .القاموس المحيط، ج 4، ص 153 (علم).
4- .القاموس المحيط، ج 3، ص 108 (سوغ) مع التلخيص.

(أغناهم اللّه عن ذلك) أي الأخذ في دين اللّه بالرأي وشبهه.

(بما آتاهم من علمه) . الضمير للقرآن، أو للّه، وهذا الكلام يدلّ ظاهراً على أنّ هذا العلم لهم موهبيّ. (وخصّهم به، ووضعه عندهم) فهم قُوّامه لا يشاركهم فيه غيرهم وإنسان فيه. (1)

(كرامةً من اللّه أكرمهم بها) بالنصب، على أنّه مفعول لقوله: «آتاهم» وما عطف عليه.

ويحتمل كونه بالرفع على الاستئناف.

(وهم أهل الذكر) .

الذكر القرآن، أو محمّد صلى الله عليه و آله ، أو التذكّر لأحكام الدين والدنيا على حسب ما أنزل اللّه على رسوله صلى الله عليه و آله بحيث لا يشذّ منها شيء، وهذا التذكّر لم يوجد ولا يوجد أبداً إلّا في أهل العصمة عليهم السلام .

وفيه ردّ على مفسّري العامّة حيث فسّروا أهل الذكر بأهل الكتاب أو علماء الأحبار، وفساده أظهر من أن يخفى على عاقل فضلاً عن فاضل.

(الذين أمر اللّه هذه الاُمّة بسؤالهم) في قوله: «فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (2) .

ثمّ رغّب فى الرجوع إليهم بقوله: (وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم اللّه).

الواو للحال لا للاعتراض، والغرض أن ليس كلّ من سألهم يرشد ويهتدي بقولهم، بل من قد سبق في علم اللّه سبحانه (أن يصدّقهم ويتّبع أثرهم).

يقال: خرج في إثره بالكسر، وفي أثَره بالتحريك، أي بعده وفي عقبه. وقوله عليه السلام : (أرشَدوه) على صيغة المضيّ، جواب لقوله: «من سألهم». (وأعطَوه من علم القرآن) لا من الرأي والقياس والهوى. (ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه) أي بعلمه، أو بأمره وتسويفه. قال الفيروزآبادي: «أذِن بالشيء _ كسمع _ إذناً بالكسر ويحرّك: علم به، وأذن له في الشيء إذناً بالكسر: أباحه له». (3)

ص: 102


1- .كذا قرأناه.
2- .النمل (16): 43؛ الأنبياء (21): 7.
3- .القاموس المحيط، ج 4، ص 195 (أذن).

وفي قوله: (وإلى جميع سُبُل الحقّ) إشارة إلى أنّهم كما يرشدون السائل إلى ما سأله، كذلك يرشدونه إلى جميع سبل الحقّ؛ فإنّهم أدلّاء يدلّون عباد اللّه المصدّقين لهم إلى مراشدهم. (وهم) يعني أهل الذكر (الذين لا يرغَب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذين (1) ) خبر بعد خبر لضمير الجمع.

وفي بعض النسخ: «الذي»، فهو صفة للعلم.

(أكرمهم اللّه به) إلى قوله: (تحتَ الأظلّة)

هي جمع ظِلال، وهو جمع ظِلّ نقيض الضِّحّ، وقد يقال للجنّة _ قيل: ومنه قوله تعالى: «وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ» (2) _ وللخَيال من الجنّ وغيره يُرى، وللشخص من كلّ شيء، ولكنّه اشتهر إطلاق الأظلّة في الأخبار على عالم الأرواح الصرفة أو عالم الذرّ، ويقال له: عالم المثال أيضاً.

وقيل: إطلاق الظلّ على الروح والمثال مجاز تشبيهاً لهما بالظلّ في عدم الكثافة، وتقريباً لهما إلى الفهم. (3)

(فاُولئك) الأشقياء هم (الذين يرغَبون عن سؤال أهل الذكر).

وقوله: (والذين آتاهم اللّه علم القرآن) عطف على أهل الذكر.

وقوله: (واُولئك الذين يأخذون بأهوائهم) إلخ، عطف على «اُولئك الذين يرغبون»، ويستفاد منه أنّ المصدّق بأئمّة الحقّ في الإيمان هو المصدّق لهم في علم اللّه السابق وتحت الأظلّة، والمكذّب لهم فيها هو المكذّب لهم هاهنا، وقد صُرّح بذلك في كثير من الأخبار.

ثمّ ذكر عليه السلام للأخذ بما ذكر من الأهواء والآراء والمقاييس غايتين:

اُولاهما الغلط في الاُصول، وهي قوله: (حتّى دخلهم الشيطان)؛ أي استولى عليهم، ودخل مجاري صدورهم دخولاً تامّاً يقتضي كفرهم؛ (لأنّهم جعلوا أهل الإيمان) المذكورين (في علم القرآن)؛ أي الذين هم بحيث يُعلم من علم القرآن أنّهم مؤمنون.

ص: 103


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «الذي».
2- .فاطر (35): 21.
3- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 155.

أو الظرف متعلّق بأهل الإيمان باعتبار أنّهم مؤمنون، أي الذين آمنوا بما يعلمون من علم القرآن علماً واقعيّاً.

وقوله: (عند اللّه) متعلّق بأهل الإيمان، أو بقوله: (كافرين).

وكذا قوله عليه السلام : (عند اللّه مؤمنين) يحتمل تعلّقه بأهل الضلالة، أو بمؤمنين.

والغاية الثانية الغلط في الفروع، وأشار إليه بقوله: (وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه) إلى قوله: (حلالاً).

ثمّ أشار إلى فَذلكة ما ذكر بقوله: (فذلك) أي إعراضهم عن سؤال أهل الذكر وما يتفرّع عليه.

(أصلُ ثَمَرةِ أهوائهم) أي أصل يترتّب عليه سائر أهوائهم وآرائهم ومشتهيات نفوسهم، كجعل المؤمن كافراً وبالعكس، وجعل الحلال حراماً والحرام حلالاً.

(وقد عهد إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل موته) أي أوصاهم بولاية وصيّه، ورعايتها وحفظها في مواضع منها يوم الغدير.

(فقالوا: نحن بعد ما (1) قبض اللّه رسولَه) أي توفّاه.

(يسعُنا) خبر ل «نحن»، وقوله: (بعد) متعلّق به، وتعلّقه ب «قالوا» بعيد؛ يعني أنّهم لم يكتفوا بترك سؤال أهل الذكر والإعراض عنهم، بل قالوا: يجوز لنا (أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس) (2) في أمر الخلافة.

(بعد قبض اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ) .

الظرف متعلّق بقوله: «يسعنا»، أو «نأخذ»، أو «اجتمع»، أو بالجميع على سبيل التنازع، وعلى بعض الاحتمالات يكون تأكيداً للسابق.

ص: 104


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: - «ما».
2- .في الحاشية: «قال بعض العلماء: إنّ قوله: بما اجتمع عليه رأي الناس، صريح في نفي حجّيّة الإجماع بالآراء من دون نصّ مستفيض، وكفى به حجّة على متأخّري أصحابنا حيث جعلوا الإجماع حجّة ثالثة برأسها في مقابلة الكتاب والسنّة، وإن لم يكن [له] مستند ظاهر منهما، وكفى بما قبله وبما بعده من كلماته عليه السلام حجّة عليهم أيضاً فيما ذهبوا إليه من الاجتهاد والقول بالرأي. هذا كلامه، وهو كما ترى. منه عفي عنه» والقائل هو المحقّق الفيض رحمه الله في كتاب الوافي، ج 26، ص 111.

(وبعد عهده الذي عهده)

أي أوصاه (إلينا، وأمرنا به) أي بذلك العهد الذي هو عهد الولاية والخلافة.

وقوله: (مخالفاً للّه ولرسوله صلى الله عليه و آله ) حال عن فاعل «اجتمع»، أو عن فاعل «قالوا»، وظاهر أنّ تلك المخالفة كفر بهما لإنكار قولهما.

(فما أحد أجرى على اللّه) .

كذا في أكثر النسخ. وفي بعضها: «أجرأ» بالهمزة، وهو الصواب، أي ليس أحد أكثر جرأة. (ولا أبينَ ضلالةً ممّن أخذ بذلك) إشارة إلى قولهم: «نحن بعد ما قبض اللّه رسوله» إلخ.

وكذا قوله: (وزعم أنّ ذلك يسعُه).

و«من» التفضيليّة متعلّق ب «أجرأ» و«أبين» على سبيل التنازع.

وقيل: المقصود من هذا الكلام أنّ كلّ من أخذ من هذه الاُمّة بذلك الرأي، وزعم أنّه يجوز له الأخذ، فهو أجرى على اللّه تعالى، وأبين ضلالة وخروجاً عن سبيل الحقّ من غيره مطلقاً، سواء كان ذلك الغير من هذه الاُمّة أم من غيرها؛ لأنّه أنكر قولهما مع علمه به وأخذه بخلافه، وهو كفر باللّه العظيم، بخلاف من لم يأخذ من هذه الاُمّة بذلك الرأي؛ فإنّه لو خالفهما في أفعاله لم يكن ذلك كفراً وجحوداً، وأمّا من أنكر قولهما في نصب الخلافة من غير هذه الاُمّة فإنّه وإن كان كافراً أيضاً لكن إنكاره ليس مسبوقاً بالعلم، والفرق بين الإنكار مع العلم وعدمه واضح. (1)

وقوله: (واللّه إنّ للّه على خلقه) إلى قوله: (وبعد موته) تأكيد لسابقه وتمهيد للاحقه؛ فإنّ وجوب طاعته واتّباع أمره غير مقيّد بحال حياته صلى الله عليه و آله ، ولا بخصوص شخص دون شخص، فتجب متابعته بعد موته كما يجب قبله، فمن امتنع منه فهو كافر منكر بالرسالة وتوابعها. (هل يستطيع اُولئك) إشارة إلى الآخذين برأيهم، واجتماع الناس بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمر الخلافة. والظاهر أنّ الاستفهام للإنكار، وما قيل من أنّه على حقيقته؛ لأنّ الإنكار غير مناسب لسياق الكلام (2) ، فضعفه ظاهر.

ص: 105


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج 11، ص 156.

وقوله: (أعداءُ اللّه) بدل عن «اُولئك» وفائدته التصريح بأنّهم خرجوا بذلك عن الدين، فصاروا من أعداء اللّه المعاندين.

وقيل: توضيح المقام يحتاج إلى تقديم مقدّمة هي أنّ قول الرسول صلى الله عليه و آله قول اللّه تعالى، وأنّ متابعته واجبة، وأنّ وجوبها غير مقيّد بحياته، وأنّ الأخذ بالرأي على خلافه [في حياته ]غير جائز، وكلّ ذلك أمر بيّن لا ينكره أحد إلّا من خرج عن دين الإسلام وأنكر الرسالة، وليس الكلام معه. (1)

وقوله: (أن يزعُموا) .

الزعم مثلّثة: القول الحقّ والباطل والكذب ضدّ، وأكثر ما يقال فيما يشكّ فيه. وقيل: هو الظنّ، ويطلق غالباً على ما لا أصل ولا مستند له. (2) وفعله من باب نصر.

وقوله: (فإن قال: نعم) أي إن قال قائل منهم: نعم يجوز ذلك.

قيل: الظاهر «قالوا»: عدل إلى الإفراد للتنبيه على أنّ اعتباره أولى من الجميع في مقام النصح، كما قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ»(3) الآية» (4) انتهى، فتأمّل فيه.

(فقد كذب على اللّه) لما ذكر من المقدّمات.

( «وضَلَّ ضَلَالاً بَعيِداً» ) (5) .

قيل: اُكّد الفعل بالمصدر، والمصدر بالبُعد المفرط للمبالغة في خروجه بذلك عن حدّ الإسلام، كما خرج الثاني بإنكار صلح الحديبيّة، وإنكار عدول المُفرد إلى التمتّع، وإنكار الأمر بإحضار الدوات والقلم. (6)

(وإن قال: لا، لم يكن) أي فقد ثبت باعترافه أنّه لا يجوز، ولم يكن (لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه) فيكون «لم يكن» جزاء الشرط. ويحتمل أن يكون بدلاً من قوله: «لا يكون».

ص: 106


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.
3- .سبأ (34): 46.
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 157.
5- .آل عمران (3): 144.
6- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 156.

وقوله: (فقد أقرّ بالحجّة على نفسه) جواب الشرط، وعلى الأوّل فهو متفرّع على الجزاء.

وقيل في توجيه الإقرار على نفسه: إنّ القول بعدم جواز الأخذ بالرأي في حياة محمّد صلى الله عليه و آله على خلاف أمره يستلزم القول بعدم جوازه بعد موته، وهو ظاهر لا ينكره إلّا كافر، وإبداء الفرق بينهما أنّه صلى الله عليه و آله كان مجتهداً، وأنّ قول الميّت كالميّت يوجب بطلان دينه بعده بالمرّة، ولا يقدم على التزامه إلّا ملحد.

ووجه آخر هو أنّ الدين واحد، والتكليف واحد، لا يختلف في حياته وبعد موته، فلا يجوز التمسّك بالرأي والقياس بعد موته خلافاً لأمره، كما لا يجوز ذلك في حياته. (1)

وقرّره بعض الأفاضل بوجه آخر، وقال:

الظاهر أنّ هذا احتجاج عليهم بأنّكم لا تجوّزون الاستبداد بالرأي ومخالفة الرسول صلى الله عليه و آله في حياته؛ لأنّ هذا كفر بيّن، ومخالفة للآيات الصريحة، فلابدّ أن تقولوا بعدم جواز ذلك في حياته، وإذا اعترفوا بذلك يلزمهم أن لا يجوز ذلك بعد وفاته صلى الله عليه و آله ؛ لما يظهر من الآية أنّه لا يجوز ترك ما اُخذ به في حياته صلى الله عليه و آله ، وأنّ ترك ذلك ارتداد عن الدين وانقلاب عن الحقّ. (2)

فقوله عليه السلام : (وهو ممّن يزعم أنّ اللّه يُطاع ويُتّبع أمره بعد قبضِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) أي يلزمه ذلك بما أقرّ به، وإن لم يكن مذهباً له، ويصير ممّن يزعم ذلك للإقرار بملزومه هذا.

والظاهر أنّ الجملة حال عن فاعل «أقرّ»، والحاصل أنّه عليه السلام بيّن أنّه لا فرق بين زمان حياته صلى الله عليه و آله وبعد موته في عدم جواز العمل بالرأي والقياس كما لا فرق بينهما في وجوب طاعة اللّه واتّباع أمره.

(وقد قال اللّه) في سورة آل عمران.

(وقوله الحقّ) جملة حاليّة، أو معترضة.

( «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ» ) لا يجاوز الرسالة إلى التبرّي من الموت أو القتل.

( «قَدْ خَلَتْ» ) . قال الجوهري: «قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ» (3) أي مضى وأرسل» (4) .

ص: 107


1- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 157.
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 14.
3- .فاطر (35): 24.
4- .الصحاح، ج 6، ص 2330 (خلو).

( «مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» ) فسيخلوا كما خلوا بالموت أو القتل.

( «أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقَابِكُمْ» ) .

قال البيضاوي:

هذا إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدين لخلوّه بموت أو قتل بعد علمهم بخلوّ الرسل قبله وبقاء دينهم متمسّكاً به.

وقيل: الفاء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرسل قبله سبباً لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

روي أنّه لمّا رمى عبد اللّه بن قميئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير، وكان صاحب الراية حتّى قتله ابن قميئة، وهو يرى أنّه قتل النبي صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّداً، وصرخ صارخ: ألا إنّ محمّداً قد قُتل، فانكفأ الناس، وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو: إليّ عباد اللّه، فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه وحموه حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون، وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان، وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّاً لما قُتل، ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم، فقال أنس بن النضر: عّم أنس بن مالك يا قوم، إن كان قتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده، فقاتلوا على ما قاتل عليه، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقولون، وأبرأ [إليك] منه، وشدّ بسيفه، فقاتل حتّى قتل، فنزلت: «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً» بارتداده، بل يضرّ نفسه (1) .

( «وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ» ) (2) على نعمة الإسلام بالتثبّت عليه كأنس وأضرابه.

(وَذلِكَ) أي ما ذكر من الآية (لتعلموا أنّ اللّه يُطاع) إلى قوله: (ولا مقاييسه).

وحاصله أنّ الآية تدلّ على وجوب متابعة أمره تعالى في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد موته، وعلى عدم جواز الأخذ بالرأي مخالفاً لأمره في حياته وبعد موته، فمن أنكر شيئاً من ذلك فهو مرتدّ خارج عن الإسلام.

وقال عليه السلام : (دَعوا) أي اُتركوا. (رفعَ أيديكم في الصلاة إلّا مرّة واحدة حين تُفتتح الصلاة) .

لا خلاف بين الخاصّة والعامّة في أنّ رفع اليدين في تكبير الافتتاح مرغوب فيه،

ص: 108


1- .آل عمران (3): 144.
2- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 99 و100.

والمشهور بين أصحابنا أنّه مستحبّ، وذهب السيّد المرتضى إلى الوجوب، (1) وأمّا سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين استحبابه.

وقال الثوري وأبو حنيفة وإبراهيم النخعي من العامّة: لا يرفع يديه إلّا عند الافتتاح، وذهب السيّد من علمائنا إلى الوجوب في الجميع، (2) ولمّا كان في عصره عليه السلام عدم استحباب الرفع في سائر التكبيرات أشهر بين المخالفين، أو كانوا يتركونه رغماً على الشيعة وخلافاً لهم، منع عليه السلام الشيعة عن ذلك تقيّة؛ كراهة أن يشتهروا بذلك، فيعرفوا به كما صرّح به عليه السلام بقوله: (فإنّ الناس قد شَهَروكم (3) بذلك) أي برفع اليدين.

قال الفيروزآبادي: «الشُهرة بالضمّ: ظهور الشيء في شنعة، شهره _ كمنعه _ شهّره». (4)

( «وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ» ) (5) في الاُمور كلّها وفي دفع كيد الأعداء.

وقوله عليه السلام : (فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين) أي من أعمالهم.

(أن يَدْعوه) تعليل لإكثار الدعاء.

وقوله: (عملاً يزيدهم به في الجنّة) أي عملاً يوجب علوّ الدرجة فيها.

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:

إنّ المؤمنَ ليدعو اللّه _ عزّوجلّ _ في حاجته، فيقول اللّه عزّ وجلّ: أخّروا إجابته شوقاً إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال اللّه عزّ وجلّ: عبدي، دعوتَني، فأخّرتُ إجابتك، وثوابُك كذا وكذا، ودعوتَني في كذا وكذا، فأخّرتُ إجابتك، وثوابُك كذا وكذا، قال: فيتمنّى المؤمن أنّه لم يُستجب له دعوة في الدنيا ممّا يَرى من حسن الثواب. (6)

(فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم) .

كلّ عبادة لها حدّ إلّا ذكر اللّه؛ فإنّه مطلوب على قدر الاستطاعة والقدرة.

ص: 109


1- .راجع: الانتصار، ص 147، الرقم 45.
2- .اُنظر للمزيد: الخلاف، ج 1، ص 319، المسألة 71؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 77، المسألة 221؛ وج 3، ص 119، المسألة 213؛ وص 192، ذيل المسألة 263؛ مختلف الشيعة، ج 2، ص 171.
3- .يجوز فيه تحفيف الهاء وتشديدها. راجع: شرح المازندراني، ج 11، ص 158.
4- .القاموس المحيط، ج 2، ص 66 (شهر).
5- .الإسراء (17): 7.
6- .الكافي، ج 2، ص 490، باب من أبطأتْ عليه الإجابةُ، ح 9.

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال:

ما من شيء إلّا وله حدّ يَنتهي إليه إلّا الذكر، فليس له حدّ ينتهي إليه، فرض اللّه _ عزّ وجلّ _ الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ، وشهرَ رمضان فمن صامه فهو حدّه، والحجّ فمن حجّ فهو حدّه، إلّا الذكر؛ فإنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ لم يرضَ منه بالقليل، ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه. الحديث. (1)

(فإنّ اللّه أمر بكثرة الذكر له) بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً» (2) وغيره من الآيات.

والمراد بالذكر هنا ذكره باللسان والجَنان، (3) وعند حضور الطاعة والمعصية وغيرهما من الأحوال.

(واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين) .

لعلّ المراد أنّه تعالى يعامله معاملة الذاكر دون معاملة الناسي، أو ذاكر له في الملأ الأعلى بخير، أو مثيب له سمّي ثواب الذكر ذكراً لوقوعه في صحبته.

(واعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلّا ذكره اللّه _ عزّ وجلّ (4) _ بخير) .

في بعض النسخ: «بخيره» مع الضمير. (5) ويمكن أن يراد بالخير ما ذكرناه في ذاكر.

(فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته) .

قيل: الطاعة شاملة للذكر وغيره، بل كلّ طاعة ذكر، كما يرشد إليه قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي» (6) . (7)

ثمّ رغّب فيها بقوله: (فإنّ اللّه لا يُدرك) البناء للمفعول (شيء من الخير) الاُخروي استحقاقاً (إلّا بطاعته).

ص: 110


1- .الكافي، ج 2، ص 498، باب ذكر اللّه عزّ وجلّ كثيراً، ح 1.
2- .الأحزاب (33): 41.
3- .«الجَنان»: القَلب، من الاجتنان بمعنى الاستتار؛ لاستتاره في الصدر. وقيل: لوعَيه الأشياء وجمعه لها. راجع: كتاب العين، ج 6، ص 21؛ لسان العرب، ج 13، ص 92 (جنن).
4- .في الطبعتين للكافي: - «اللّه عزّ وجلّ».
5- .هكذا ضبطه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 15، ثمّ قال: «أي يقرّر ويعدله ثواب ذلك، أو يذكره في الملأ الأعلى ويثني عليه ويشكره».
6- .طه (20): 14.
7- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 159.

أمّا الخير الدنيوي فقد يدركه الكافر أيضاً، والخير الاُخروي قد يدرك بالتفضّل أيضاً، لكن منشأه الطاعة.

(واجتناب محارمه الّتي حرّم اللّه في ظاهر القرآن وباطنه) .

كأنّ المراد بالظاهر ما ظهر تأويله، وعُرف معناه، وبالباطن ما بطن تفسيره وخفي، ولا يعلمه إلّا الراسخون في العلم.

(فإنّ اللّه تبارك وتعالى قال في كتابه) في سوره الأنعام (وقوله الحقّ: «وَذَرُوا ظَاهِرَ الْاءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» ) . (1)

قال البيضاوي: «أي ما يعلن ويسرّ، أو ما بالجوارح، وما بالقلب. وقيل: الزنا في الحَوانيت واتّخاذ الأخدان». (2)

وأقول: دلّ استشهاده عليه السلام أنّ ظاهر الإثم ما ظهر تحريمه من ظاهر القرآن، وباطنه ما ظهر تحريمه من باطنه، ولكن يظهر من آثار أهل البيت عليهم السلام أنّ المراد بالمحرّمات الباطنة ولاية أئمّة الجور.

روى المصنّف رحمه الله في باب من ادّعى الإمامة وليس لها بأهل، بإسناده عن محمّد بن منصور، قال: سألت عبداً صالحاً عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (3) ، قال: فقال: «إنّ القرآن له ظَهر وبطن، فجميع ما حرّم اللّه تعالى في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمّة الجور؛ وجميع ما أحلّ اللّه تعالى في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمّة الحقّ» (4) انتهى.

واعلم أنّه وقع في كثير من نسخ الكتاب: «فاجتنبوا ظاهر الإثم وباطنه»، فهو إمّا نقل مضمون الآية، أو في قرائتهم عليهم السلام كان كذلك.

(واعلموا أنّ ما أمر اللّه أن تجتنبوه فقد حرّمه) .

دلّ ظاهراً على أنّ أوامر القرآن للوجوب، سيّما ما وقع بلفظ الاجتناب، وأنّ نواهيه

ص: 111


1- .الأنعام (6): 120.
2- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 447.
3- .الأعراف (7): 33.
4- .الكافي، ج 1، ص 374، باب من ادّعى الإمامة وليس لها بأهل، ح 10. وقال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج 26، ص 112: «لعلّ المراد بما حرّم اللّه تعالى في باطن القرآن مخالفة وليّ الأمر ومتابعة أهل الضلال واتّباع آرائهم واعتقاد الولاية فيهم، وذلك لأنّ ثلث القرآن ورد فيهم، كما ورد عنهم عليهم السلام ، وهو المراد بباطن الإثم، أو هو أحد أفراده».

للحرمة، إلّا ما أخرجه الدليل، وتخصيص الأمر بما وقع بصيغة «اجتنبوا» بعيد، وكذا حمل التحريم على الأعمّ من تحريم المصطلح والتنزيه.

وقيل: يمكن أن يراد بالأمر الأمر باجتناب الطاغوت. (واتّبِعوا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته) .

لعلّ العطف للتفسير، أو يراد بالآثار الأخبار، وبالسنّة السيرة والطريقة، وأصل الأثر بالتحريك: بقيّة الشيء، ولا يبعد أن يراد بآثاره صلى الله عليه و آله أعلامه المنصوبة للهدى من أوصيائه وحججه صلوات اللّه عليهم.

(فخذوا بها) أي بتلك الآثار والسنّة.

(ولا تتّبعوا) في شيء من اُمور الدين والدنيا (أهوائكم وآراءكم) _ في بعض النسخ: «ورأيكم» _ (فتضلّوا عن الحقّ).

وقوله عليه السلام : (فإنّ أضلّ الناس عند اللّه من اتّبع هواه ورأيَه بغير هدًى من اللّه) تعليل للنهي من اتّباع الأهواء والآراء، أو لما يترتّب عليه من الضلال، والظرف حال عن فاعل «اتّبع»، أي متمسّكاً بغير هاد منصوب من قبل اللّه.

روى المصنّف في باب من دان اللّه بغير إمام من اللّه، بإسناده عن أبي الحسن عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدٍى مِنَ اللّهِ» ، (1) قال: «يعني من اتّخذ دينَه رأيَه بغير إمام من أئمّة الهدى». (2)

(وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم) .

قيل: المراد بالإحسان إليها الإتيان بما ينفعها يوم القيامة، وتهذيب الظاهر والباطن عن الأخلاق والأعمال الفاسدة، وتزيينها بالأعمال والأخلاق الفاضلة. (3)

وقيل: يحتمل أن يراد الإحسان إلى الغير، كما قيل في قوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» (4) ،

ص: 112


1- .القصص (28): 50.
2- .الكافي، ج 1، ص 374، باب من دان اللّه _ عزّ وجلّ _ بغير إمام من اللّه، ح 1.
3- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 160، واستظهره العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج25، ص15.
4- .النساء (4): 29.

وقوله: «فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» (1) ، والمعنى: فليحسن كلّ منكم إلى أخيه؛ فإنّ من أحسن إلى غيره فقد أحسن لنفسه. (2) انتهى .

وهو كما ترى.

ثمّ أراد عليه السلام أن يبيّن ثمرة الإحسان إلى النفس، وأن يرغّب في فعله وفي ترك ضدّه، فقال: «فَإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ» ؛ لأنّ ثوابه ونفعه لها، «وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (3) ، فإنّ وبالها عليها. قيل: اللام بمعنى على، وإنّما ذكرها ازدواجاً. (4)

(وجامِلوا الناس) بالجيم، أو بالحاء المهملة كما مرّ.

(ولا تَحملوهم) بتشديد الميم، وتخفيفها احتمال.

(على رقابكم) .

فيه إشارة إلى حسن المعاشرة معهم ظاهراً. (5)

وقوله: (تَجمعوا) جواب الأمر والنهي. وقوله: (مع ذلك) إشارة إلى الأمر المستفاد من الكلام السابق، أي إذا جاملتم الناس جمعتم مع الأمن من إضرار الناس وإيذائهم.

(طاعة ربّكم) .

لعلّ المراد بها التقيّة، أو ما يعمّ سائر الطاعات.

ويحتمل قراءة قوله: «تجمعوا» بالتخفيف والتشديد. قال الفيروزآبادي: «الجمع: تأليف المتفرّق، والتجميع مبالغة الجمع». (6)

وفي بعض النسخ: «تجمعون»، فالظاهر أنّه حينئذ حال عن ضميري الخطاب، أي اجمعوا طاعة اللّه مع المجاملة بأن تعاشروهم ظاهراً ولا تتابعوهم في المعاصي، بل تعملوا

ص: 113


1- .الإسراء (17): 7.
2- .النور (24): 61.
3- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 16.
4- .قاله البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 433.
5- .قال المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 161: «ولابدّ منه؛ فإنّ النفوس العاصية المطيعة لإبليس وجنوده إن وقع الافتراق منهم بالمرّة، أو وقع المخالطة معهم على وجه الشقاق وإظهار العداوة وثبوا لما فيهم من الغواية والضلالة والغلظة وخشونة الوجه وقلّة الحياء إلى الأذى والضرب والشتم والقتل والنهب، والمعاشرة على هذا الوجه فرد من الطاعة مضافاً إلى طاعة الربّ ظاهراً وباطناً، وبه يتمّ نظام الدين والدنيا جميعاً».
6- .القاموس المحيط، ج 3، ص 15 (جمع) مع التلخيص.

بطاعة ربّكم وبالتقيّة التي أمركم بها.

(وإيّاكم وسبَّ (1) أعداء اللّه) يعني رؤساء الضلالة وتابعيهم.

قال الجوهري: «السبّ: الشتم، وقد سبّه يسبّه وسبّه أيضاً بمعنى قطعه». (2)

(حيث يَسمعونكم) بتخفيف الميم من السماع، فيدلّ على جواز الشتم حيث لا يسمعونه، أو من الإسماع، يقال: أسمعه، أي شتمه.

ويحتمل كونه من التسميع بمعنى التشنيع أو التشهير، أي لا تسبّوهم مع شتمهم أو تشنيعهم إيّاكم، فكيف مع عدمه؟!

وقيل: المراد: إن شتموكم لا تسبّوا أئمّتهم؛ فإنّهم يسبّون أئمّتكم، بل سبّهم ينتهي إلى سبّ اللّه سبحانه، كما أشار إليه بقوله: «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» إشارة إلى قوله عزّ وجلّ في سورة الأنعام: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» ؛ (3) قال البيضاوي:

العَدو: التجاوز عن الحقّ إلى الباطل، و «بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، أي على جهالة باللّه وبما يجب أن يذكر به. وفيه دلالة على أنّ الطاعة إذا أدّت إلى معصية راجحة وجب تركها؛ فإنّ ما يؤدّي إلى الشرّ شرّ (4) . انتهى.

وقال الجوهري: «العَداء أيضاً: تجاوز الحدّ والظلم. يقال: عَدا عليه عَدواً وعُدُوّاً وعَداء، ومنه قوله تعالى: «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» ، وقرأ الحسن: عُدوّاً». (5)

وقال الفاضل الإسترآبادي:

هو أنّهم يسبّون من ربّاكم ومن علّمكم السبّ، ومن المعلوم أنّ المربّي والمعلّم هو اللّه تعالى بواسطة النبيّ وآله عليهم السلام ، فينتهي سبّهم إلى اللّه من غير علمهم به. (6)

وأقول: يفهم من قوله عليه السلام : (وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم للّه كيف هو) إلخ، أنّ المراد بسبّهم للّه سبّ أوليائه، والمراد بحدّ السبّ معناه ومفهومه.

ص: 114


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أن تسبّوا» بدل «وسبّ».
2- .الصحاح، ج 1، ص 144 (سبب).
3- .الأنعام (6): 108.
4- .تفسير البيضاوي، ج 2، ص 441 (مع اختلاف يسير).
5- .الصحاح، ج 6، ص 2420 (عدا).
6- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 161.

وقوله: (من سبّ أولياء اللّه فقد انتهك سبَّ اللّه) بيان وتحديد للحدّ، وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحلّ.

(ومن أظلمُ عند اللّه ممّن استَسَبّ للّه) أي جعله في معرض السبّ بتحصيل أسبابه.

(ولأوليائه) كذلك.

قال الفاضل الإسترآبادي: «فيه دلالة واضحة على أنّه لا يجوز السبّ حيث يسمعون مطلقاً عند الخوف والأمن». (1)

(فمَهلاً مهلاً) (2) منصوب بفعل مقدّر، والتكرير للتأكيد.

والمَهْل بالتسكين، وقد يحرّك: السكينة والرفق، كالمُهلة بالضمّ، أي اسكنوا سُكوناً، وأخّروا تأخيراً، واتركوا ما أردتم من سبّهم وإيذائهم إلى ظهور دولة الحقّ، ولا تعجلوا فيه.

(فاتّبعوا أمرَ اللّه) فيما ذُكر، أو الأعمّ منه.

(ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه) في اتّباع أمره وعدم مخالفته.

(وقال: أيّتها العِصابةُ الحافظُ اللّهُ لهم أمرَهم)

الظاهر أنّ قوله: «اللّه» مرفوع بالابتدائيّة، و«الحافظ» خبره، قُدّم للتخصيص، والإشارة إلى أنّه ينبغي التوسّل به تعالى، وحفظه في جميع الاُمور.

ويحتمل كون الجملة الوصفيّة دعائيّة، وقوله: «أمرهم» منصوب على المفعوليّة، والمراد به الاُمور الدينيّة والدنيويّة.

(عليكم بآثار رسول اللّه) إلى قوله: (وولايتهم) مرّ شرحه.

(وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المُداوَمَةُ على العمل في اتّباع الآثار والسنن _ وإن قلّ _ أرضى للّه) إلى آخره.

لأنّ القليل المداوم عليه إذا كان موافقاً للقانون الشرعي يوجب الوصول إلى المطلوب بخلاف الكثير المخالف له.

وبناء اسم التفضيل في الموضعين على فرض الرضا والنفع في المفضّل عليه بفرض المحال، وهذا من قبيل المُماشاة مع الخصم لترويج الحجّة.

ص: 115


1- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 161.
2- .في الحاشية: «يطلق على الواحد والتثنية والجمع والمذكّر والمؤنّث. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 162.

(ألا إنّ اتّباع الأهواء) كما هو شأن أئمّة الضلال (واتّباع البِدَع) كما هو شأن تبعتهم، أو بالعكس، أو كلاهما لكليهما.

والأوّل أنسب بقوله: (بغير هدًى من اللّه)، وهذا تأكيد وبيان، لا تقييد وتخصيص؛ لأنّ اتّباع الأهواء والبدع لا يكون إلّا كذلك.

وقوله: (ضَلال) خبر «إنّ». وفي بعض النسخ: «ضلالة».

(وكلّ ضلالة بدعة) .

في بعض النسخ: «ضلال».

(وكلّ بدعة في النار)؛ يعني صاحبها.

قيل: الغرض بيان التلازم والتساوي بين المفهومين، ويظهر منه أنّ قسمة البدع بحسب انقسام الأحكام الخمسة، كما فعله جماعة من الأصحاب تبعاً للمخالفين ليس على ما ينبغي؛ إذ البدعة ما لم يرد في الشرع، لا خصوصاً، ولا في ضمن عامّ، وما ذكروه من البدع الواجبة والمستحبّة والمكروهة والمباحة، فهي داخلة في ضمن العمومات(1).

وأقول: روى المسلم عن النبي صلى الله عليه و آله : «إنّ شرّ الاُمور مُحدثاتها، وكلّ مُحدث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة»(2).

وقال بعض الشرّاح:

البدعة: ما اُحدثت ولم يسبق لها مثال، وحديث «كلّ بدعة في النار» من العامّ المخصوص؛ لأنّ من البدع واجب كترتيب الأدلّة على طريقة المتكّلمين للردّ على الملاحدة، ومنها مندوب كبناء المدارس والزوايا، ومنها مباح كالبسط في أنواع الأطعمة والأشربة(3). انتهى.

وأنت بعد خيرتك بما ذكرنا سابقاً لا يخفى عليك في هذا الكلام من التعسّف وخروجه عن المتنازع فيه.

ص: 116


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 17
2- سنن ابن ماجة، ج 1، ص 18، ح 46؛ مسند أبي يعلى، ج 4، ص 85، ح 2111؛ صحيح ابن حبان، ج 1، ص 186
3- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 162 عن المازري، ثمّ قال: «أقول: هذا إن فسّرت البدعة بما ذكر، وأمّا إن فسّرت بما خالف الشرع، أو بما نهى عنه الشارع، فلا تصدق على الاُمور المذكورة»

(ولن يُنال شيء من الخير عند اللّه إلّا بطاعته والصبر) على المصائب وواردات الدهر، وعلى مشقّة التكاليف الشرعيّة.

(والرضا) بقضاء اللّه.

(لأنّ الصبر والرضا من طاعة اللّه) .

قيل: أي من شرائط قبول طاعة اللّه، ويمكن أن يكون المراد أنّهما من جملة الطاعات، ويضمّ إليه مقدّمة خارجة، وهي أنّ قبول بعض الطاعات مشروط بالإتيان بسائرها، كما قال تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(1). . وعلى التوجّهي(2). يتمّ التعليل، ويمكن أن يوجّه أوّل الكلام بأنّ المراد: لا ينال شيء من الخير عند اللّه كما ينبغي وعلى وجه الكمال إلّا بالإتيان بجميع طاعاته، وحينئذ يكون قوله: «والصبر والرضا» من قبيل التخصيص بعد التعميم للعناية والاهتمام، وحينئذ ينطبق التعليل أيضاً(3).

والحاصل أنّ نيل الخير بالطاعة أمر مسلّم لا يحتاج إلى البيان، والقول بأنّه يُنال بالصبر والرضا لا يتمّ إلّا ببيان أنّهما من الطاعة، فالتعليل لبيان ذلك.

(واعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن اللّه) .

كأنّه أراد بالإيمان الفردا الكامل منه؛ ضرورة أنّ من لم يبلغ مرتبة الرضا لم يخرج عن أصل الإيمان(4). (فيما صن(5). إليه) من المحبوب (وصنع به) من المكروه. قال الفيروزآبادي: «صنع إليه معروفاً _ كمنع _ صُنعاً بالضمّ، وصنع به صَنيعاً قبيحاً: فعله، والشيء صنعاً بالفتح والضمّ: عمله(6). . انتهى.

فقوله عليه السلام : (على ما أحبّ وكره) نشر على ترتيب اللفّ، ويفهم منه أنّه لابدّ في كمال الإيمان من الرضا بالمحبوب والمكروه، كالصحّة والسقم، والغنى والفقر، وأمثالها على تفاوت درجاتها.

ص: 117


1- كذا
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 17
3- المائدة (7): 27
4- في الحاشية: «العائد إلى الموصول وهو المفعول الأوّل محذوف، محبوب إن عدّي الثاني بإلى، ومكروه إن عدّي بالباء في الأغلب، وقد يقوم كلّ منهما مقام الآخر كما يجى ء. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 163
5- في كلتا الطبعتين: + «اللّه »
6- القاموس المحيط، ج 3، ص 52 (صنع)

وقوله: (ولن يَصنع اللّه بمن صبر ورَضي عن اللّه إلّا ما هو أهله، وهو خير له) أي من خلافه؛ لأنّه تعالى عالم بمصالح العبد، فإن أغناه كان خيراً له، وإن أفقره كان خيراً له، وعلى هذا القياس جميع الأحوال المتضادّة.

وقيل: فيه دلالة على أنّ الخيريّة مشروطة بالرضا والصبر، وإلّا فجرت عليه مقادير اللّه، وهو محروم عن أجر الصابرين(1).

والظاهر أنّ قوله: (ممّا أحبّ وكره(2). بيان للموصول في قوله: «ما هو أهله».

(وعليكم بالمحافظة على الصلوات) بإيقاعها في أوقاتها المقررّة بشرائطها المعتبرة. وفي بعض النسخ: «على الصلاة». ( «وَالصَّلَاةِ الْوُسْطى» ) أي الواقعة في الوسط بينها، أو الفُضلى منها. وفي تعيّنها أقوال، والمشهور أنّها صلاة العصر .

وقيل: لعلّ السرّ في إخفائها هو الترغيب في محافظة جميعها (3).

«وَقُومُوا لِلّهِ قانِتيِنَ» .

قيل: يعني في قنوت الصلاة (4).

والمشهور استحبابه، وظاهر الصدوق وجوبه مطلقاً، وابن ابي عقيل في الجهريّة (5). وقيل: المراد به مطلق الذكر والدعاء والخضوع(6). قال الجوهري: «القنوت: الطاعة» (7). (كما أمر اللّه به المؤمنين في كتابه) في سورة البقرة.

(من قبلكم وإيّاكم) يحتمل كسر الميم وفتحها .

وفيه دلالة على أنّ خطاب القرآن يشمل الحاضر والغائب عند النزول من باب التغليب،

ص: 118


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 163
2- في الحاشية: «وتعلّقه بخير بعيد من حيث المعنى، ويؤيّده أنّه وقع «فيما» بدل «ممّا» في بعض النسخ. صالح». شرح المازندراني، ج 11، ص 163
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
4- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 16 . وراجع: الخلاف للطوسي ، ج 1 ، ص 295 ، ذيل المسألة 4
5- اُنظر: الخلاف ، ج 1 ، ص 295 ؛ المعتبر ، ج 2 ، ص 243 ؛ منتهى المطلب ، ج 1 ، ص 299 ، المسألة 30 ؛ كشف اللثام ، ج 4 ، ص 146 ؛ رياض المسائل ، ج 3 ، ص 485 و486 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 53
6- اُنظر: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 261 (قنت

ومنهم من خصّه بالأوّل وأجرى الحكم في الثاني بالإجماع (1).

(وعليكم بحبّ المساكين) (2).

الحُبّ بالضمّ ويكسر: الوداد، وهو ميل القلب . قال الفيروزآبادي: «المسكين ، وتفتح ميمه: من لا شيء له، أو له ما [لا] يكفيه، والذليل والضعيف. الجمع: مساكين» . (3)

وقيل: تخصيص المساكين بالذكر _ مع أنّ الحبّ مطلوب لجميع المسلمين _ زيادة للاهتمام بحالهم، أو للكشف والإيضاح؛ فإنّ المسلمين _ وهم المؤمنون _ كلّهم مساكين في دولة الباطل على تفاوت درجاتهم، ومن المحبّة أن تحبّ لهم ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك (4).

(فإنّه من حقّرهم) .

يقال: حَقَرَه حَقْراً كضربه ضرباً، وحقّره تحقيراً، إذا أذلّه واستضعفه وصغّره (5).

(وتكبّر عليهم) أي تجبّر وتعظّم ، وأظهر شرفه ورفعته عليهم .

(فقد زلّ عن دين اللّه) أي عن أصله وكماله. قال الفيروزآبادي: «زللتُ تزلّ ، وزللت _ كمللت _ زَلِقت في طين أو منطق» (6).

(واللّه له حاقر ماقت) أي مُبغض ، يفعل به ما يوجب ذُلّه وإهانته، ويعاقبه ويسلب عنه رحمته(7).

(وقد قال أبونا) إلى قوله: (والمَحقرة) بفتح الميم والقاف، أي الذلّة والصغار، وفعله كضرب وكرم . (حتّى يَمْقُته الناس) مطلقاً؛ لأنّ المتكبّر والفاسق أيضاً يذمّان من كان بصفتهما ويمقتانه، أو يراد بهم الأنبياء والأوصياء والصلحاء .

ص: 119


1- في الحاشیة عن شرح المازندراني: هر کسی را لقب مکن مومن ***گر چه از سعی جان و تن کاهد تا نخواهد برادر خود را *** آنچه از بهر خویشتن خواهد
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 235 (سكن)
4- قاله المحقق المازندرانی رحمة الله فی شرحه ج 11 ص 163
5- ويجوز فيه عند العلّامة المجلسي رحمه الله التخفيف والتشدي
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلل)
7- في الحاشية: «وقد كرّر الأمر بحبّ مساكين المسلمين ؛ لأنّهم عياله وعيال اللّه وغرباء فقراء في هذه الدار ، فاقتضى المقام المبالغة فيه؛ لشدّة الاهتمام والاغتمام بحالهم . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16

وقوله: (فإنّ لهم عليكم حقّاً أن تُحبّوهم ) بفتح الهمزة، بيان لقوله: «حقّاً».

وقوله: (وهو من الغاوين) أي الذين أوعد اللّه عليهم النار بقوله: «فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ» (1).

قال الجوهري: «الغيّ: الضلال والخيبة [أيضا] ، وقد غوى _ بالفتح _ يغوي غَيّاً وغواية، فهو غاو وغوّ» (2).

(وإيّاكم والعظمةَ والكبرَ) .

العطف للتفسير، أو العظمة عبارة عن اعتبار كمال ذاته وصفاته، والكبر عبارة عمّا ذُكر مع اعتبار فضله على الغير .

(فإنّ الكبر رداء اللّه عزّ وجلّ) .

قيل: شبّه الكبر _ وهو العظمة بحسب الذات والصفات والرفعة على الغير من جميع الجهات _ بالرداء في الإحاطة والشمول ، وهي موجودة في المشبّه تخييلاً ، وفي المشبّه به تحقيقاً ، أو في الاختصاص ؛ لأنّ رداء كلّ شخص مختصّ به لا يشاركه غيره ، والمقصود من هذا التشبيه إخراج المعقول إلى المحسوس لقصد الإيضاح والإفهام (3).

وقال الجزري: في الحديث : «قال اللّه تعالى: العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي» ضرب الرداء والإزار مثلاً في انفراده بصفة العظمة والكبرياء ، أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتّصف بها الخلق مجازاً كالرحمة ، وشبّههما بالإزار والرداء ؛ لأنّ المتّصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنّه لا يشركه في إزاره ورداءه أحد ، فكذلك اللّه تعالى لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد (4).

(فمن نازع اللّه رداءه قَصَمه اللّه وأذلّه يوم القيامة) .

في بعض الأخبار: «إنّه يجعل في صورة الذرّ، يتوطّاه الناس حتّى يفرغ اللّهمن الحساب» (5).

ص: 120


1- الشعراء (26) : 9
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2450 (غوى)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
4- النهاية ، ج 1 ، ص 44 (أزر)
5- ثواب الأعمال ، ص 222. وراجع أيضا : روضة الواعظين ، ج 2 ، ص 382 ؛ مجموعة ورّام ، ج 1 ، ص 19

قال الجوهري: «نازعته منازعة ، إذا جاذبته في الخصومة ، وبينهم نزاعة ، أي خصومه في حقّ» (1).

وقال : «قصمت الشيء قَصْماً، إذا كسرته حتّى يَبين» (2).

(وإيّاكم أن يَبغ)(3). بعضكم على بعض) .

في القاموس: «بغى عليه بَغياً: علا وظلم ، وعدل عن الحقّ ، واستطال وكذب» (4).

(فإنّها) أي البغي .

والتأنيث باعتبار الخصلة والصفة ، كما يشعر به قوله: (ليست من خصال الصالحين) أي خصلتهم الفاضلة وصفتهم الكاملة .

وقوله : (صيّر اللّه بَغيَه عليه)(5). أي يعود ضرره إليه (6).

وقوله : (وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً؛ فإنّ الكفر أصلُه الحسد) لأنّ الكفر نشأ أوّلاً من إبليس بإنكار السجود لآدم ، ومنشأه الحسد ، وكذا أكثر أفراد الكفر ينشأ من الحسد على من فضّل اللّه عليه ، وأوجب متابعته كما كفر الثلاثة بإنكار ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وغصب خلافته ، ومن ثمّ قيل : الحاسد كافر باللّه العظيم ؛ لنسبة الجور إليه سبحانه في القسمة ، وكافر بنعمته لتحقيرها ، وكافر بمخالفة الأمر بترك الحسد ، ومفاسد الحسد أكثر من أن تُحصى .

وروى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : «إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحَطَب» (7).

(وإيّاكم أن تُعينوا على مسلم) أي على ضرره بإيصال الأذى إليه ، أو بترك نصرته . يقال: أعانه، أي نصره ، وأعان عليه ، أي واضّربه .

وقيل: قوله: (إنّ دعوة المسلم المظلوم مُستجابة) دلّ على جواز الدعاء على الظالم ؛ لأنّ

ص: 121


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1289 (نزع)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2013 (قصم)
3- في الحاشية: «وأصل البغي المجاوزة عن الحدّ . صالح ». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
5- كذا. وفي كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «على نفسه» بدل «عليه»
6- في الحاشية : «كما قال اللّه تعالى : «يا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» [يونس (10): 23]. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 16
7- الكافي ، ج 2 ، ص 306 ، باب الحسد ، ح 2 ؛ وج 4 ، ص 89 ، باب أدب الصائم ، ح 9

التحذير من قبوله إقرار له ، وقد وقع الأمر بالدعاء عليه في بعض الأخبار ، ولا فرق في ذلك بين من عمّ ظلمه أو خصّ بواحد ، ولا [بين] من يكون ظلمه متجاوزاً عن الحدّ ومن لا يكون كذلك ، ولا بين من يكون الظالم مؤمناً أو كافرا ، إلّا أنّ الاُولى ترك الدعاء على الظالم المؤمن _ عمّ ظلمه أو لا _ لأنّه أوفر للأجر (1).

(وإيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين) .

في بعض النسخ: «المؤمنين» .

قال الفيروزآبادي : «العُسر بالضمّ وبضمّتين وبالتحريك : ضدّ اليُسر، وأعسر : افتقر ، وعسر الغريم يَعسره : طلب منه على عُسرة كأعسره »(2).

(ومن أنظر معسراً أظلّه اللّه بظلّه) أي بظلّ عرشه ، أو بظلّ رحمته مجازاً شبّهها بالظلّ في نجاة من استقرّ فيها من حرّ الشدائد ، واستعار لها لفظه .

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (وحبس حقوق اللّه قِبلكم) أعمّ من الحقوق الواجبة والمندوبة .

وفي قوله : (فإنّه من عجّل حقوقَ اللّه) إلخ ، دلالة على أنّ تعجيل حقوق اللّه والمبادرة إليها سبب لازدياد الرزق ؛ فإنّ «مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (3).

والموصول في قوله: (فأدّوا إلى اللّه حقّ ما رزقكم) عبارة عمّا أنعم اللّه على العبد من النعماء الظاهرة والباطنة ، وأداء حقّ ذلك فهو الطاعة والشكر سبب لبقاء الواصل ووصول غير الحاصل ، قال اللّه عزّ شأنه : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ(4). ، وإليه أشار عليه السلام بقوله: (يطيّب [اللّه ]لكم بقيّته) إلى قوله : (إلّا اللّه ربّ العالمين) .

«يطيّب» بتشديد الياء مجزوم على أنّه جواب الأمر ، ويحتمل كونه بتخفيف الياء من الإطابة ، قال الجوهري : «الطيّب : خلاف الخبيث ، وطاب الشيء يطيب طيبة ، وأطابه غيره، وطيّبه» (5).

وفي القاموس : «نجز كفرح ونصر : انقضى وفنى ، والوعد : حضر ، والكلام : انقطع ، ونجز حاجته : قضاها، كأنجزها »(6).

ص: 122


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 88 (عسر)
3- الطارق (65) : 2 و
4- إبراهيم (14) :
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 173 (طيب) مع التلخي
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 193 (نجز)

(وقال: اتّقوا اللّه أيّتها العصابة ، وإن استطعتم أن لا يكون منكم مُحرج الإمام) بالحاء المهملة .وجواب «إن» محذوف ، أي فافعلوا . وقيل : لا يبعد أن يكون في الأصل : ما استطعتم ، ولعلّه هو الصواب (1). انتهى .

قال الجزري : «أحرجه: أوقعه في الحرج» (2).

وقال الجوهري : «التحريج : التضييق ، وأحرجه إليه : ألجأه» (3).

ولعلّ المراد بمحرج الإمام من يجعله مضطرّاً إلى شيء لا يرضى به ، كما يفهم من قوله عليه السلام : (فإنّ مُحرج الإمام هو الذي يَسعى بأهل الصلاح).

قال الجوهري : «سعى به إلى الوالي ، إذا وشى به ، أي نقل أمره إليه ، ونمّه ، وذمّه عنده ليؤذيه» (4).

وقوله : (من أتباع الإمام) بفتح الألف بيان لأهل الصلاح .

وقوله : (المسلّمين لفضله) صفة لهم .

وكذا قوله : (الصابرين على أداء حقّه) .

وقوله : (العارفين بحُرمته) الضمائر المجرورة للإمام .

(واعلموا أنّه من نزل بذلك المَنزل) أي منزل السعاية (عند الإمام، فهو)؛ أي ذلك النازل (مُحرج الإمام)؛ أي مُلجِؤُه إلى ما سيذكر من لعن أهل الصلاح ، وإليه أشار بقوله : (فإذا فعل ذلك عند الإمام أحرج الإمام) إلخ .

و«الإمام» في قوله : (فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّه الإمامَ) فاعل اللعن ومفعول الإحراج على التنازع .

ويحتمل أن يكون فاعل «لعنهم» الضمير المستتر فيه العائد إلى الإمام، وإضافة الإحراج إلى أعداء اللّه من إضافة المصدر إلى الفاعل ، والمراد بهم الساعون بأهل الصلاح إلى الإمام ، أو إلى الجائر على احتمال سنذكره .

(صارت لعنتُه) أي لعنة الإمام .

ص: 123


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج 11 ، ص 16
2- النهاية ، ج 1 ، ص 361 (حرج)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 306 (حرج)
4- الصحاح، ج 6، ص 2377 (سعى)

(رحمة من اللّه عليهم) أي على أهل الصلاح المذكورين .

(وصارت اللعنة من اللّه ومن الملائكة ورسله على اُولئك) الساعين .

والحاصل ما ذكره بعض المحقّقين أنّه عليه السلام بيّن المُحرج بأنّه هو الذي يذمّ أهل الصلاح عند الإمام، ويشهد عليهم بفساد، وهو كاذب في ذلك، فيثبت ذلك بظاهر حكم الشرع عند الإمام، فيلزم الإمام أن يلعنهم، فإذا لعنهم وهم غير مستحقّين لذلك تصير اللعنة عليهم رحمة لهم، وترجع اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي ألجأ الإمام إلى ذلك .

أو المراد أنّه ينسب الواشي إلى أهل الصلاح عند الإمام شيئاً بمحضر جماعة يُتّقى منهم الإمام، فيضطرّ [الإمام] إلى أن يلعن من نُسب إليه ذلك تقيّة .

ويحتمل أن يكون المراد أنّ محرج الإمام هو من يسعى بأهل الصلاح إلى أئمّة الجور ، ويجعلهم معروفين عندهم بالتشيّع ، فيلزم أئمّة الحقّ لدفع الضرر عن أنفسهم وعن أهل الصلاح أن يلعنوهم ويتبرّؤوا منهم ، فتصير اللعنة إلى الساعين وأئمّة الجور معاً ، وعلى هذا المراد بأعداء اللّه أئمّة الجور .

هذا ، ولكن قوله عليه السلام : «فإذا فعل ذلك عند الإمام» إلخ ، يؤيّد المعنى الأوّل كما لا يخفى (1).

(واعلموا أيّتها العصابة أنّ السنّة من اللّه قد جرت في الصالحين قبلُ) كان اللام في السنّة للعهد ، أي جرت فيهم السنّة بالامتحان والاختبار بأن يسعى بهم أهل الجور ، فيلعنهم الناس ، ويؤذونهم ، فإذا لُعنوا صارت تلك اللعنة عليهم رحمة .

ويحتمل أن يراد ما يعمّ ذلك وغيره من وجوه الامتحان ؛ لكونهم مشهورين مرغوبين ، والغرض أنّ تلك السنّة كما جرى فيهم كذلك يجري فيكم سنّة اللّه في الذين خلوا من قبل ، و «لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً» (2).

(وقال: من سرّه أن يَلقى اللّه وهو مؤمن حقّاً حقّاً) تأكيد لمضمون الجملة المتقدّمة ، أي أحقّه حقّاً ، والتكرير للتأكيد ؛ أو صفة لمصدر ، أي إيماناً حقّاً .

(فليتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا) . يقال : تولّاه ، أي اتّخذه وليّاً .

ص: 124


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 166 و167 ؛ مرآة العقول ، ج 25 ، ص 29 و3
2- الأحزاب (33) : 62 ؛ الفتح (48) : 2

ولعلّ المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين وسائر الأئمّة عليهم السلام (1).

(وليبرأ إلى اللّه من عدوّهم ، ويُسلّم) .

في بعض النسخ : « وليسلّم» . والتسليم: الرضا. وقيل: أراد هنا التصديق الجازم (2).

(لما انتَهى إليه من فضلهم) .

المستتر في «انتهى» راجع إلى «من» ، وضمير «إليه» راجع إلى «ما» ، و«مِن» بيان لما ، أي للذي وصل وبلغ إليه من فضلهم ، وإن لم يعرف حقيقته.

(لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مَن دون ذلك) تعليل للتسليم .

وفي بعض النسخ : «ولا مؤمن دون ذلك».

و«دون» بمعنى غير ، أو نقيض فوق .

و«ذلك» إشارة إلى ما ذكر من الملك والنبي .

وفي هذا الكلام دلالة على أنّ أصل الإيمان إنّما يتحقّق بالاُمور الثلاثة ، وأنّ البراءة من عدوّهم من جملة اُصول الإيمان ، وأنّ فضلهم البالغ إليه يجب تسليمه وتصديقه ، وإن كان في الكمال بحيث يستبعده العقول ؛ فإنّ ما بلغ إليه منهم كالقطرة من بحار فضلهم ، ولا يدرك كنهه إلّا اللّه عزّ وجلّ .

والاستفهام في قوله: (أ لم تسمعوا ما ذكر اللّه) للتقرير والتحقيق .

وقوله : (من فضل أتباع الأئمّة الهداة) بيان للموصول، ووصف الأئمّة بالهداة إمّا تقييد لإخراج أئمّة الضلال، أو المدح .

(وهم المؤمنون) .

الضمير لأتباع الأئمّة ، وتعريف المسند للحصر .

(قال) أي قال اللّه عزّ وجلّ في سورة النساء في فضل أتباع الأئمّة : «وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ

ص: 125


1- قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 167 : «وفيه دلالة على أنّ أصل الإيمان لا يتحقّق بدون اُمور أربعة ، وأنّ البراءة من عدوّهم جزء منه، كما دلّ عليه غيره من الأخبار» . لاحظ على سبيل المثال قول أبي الحسن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون حيث قال : «وحبّ أولياء اللّه _ عزّ وجلّ _ واجب ، وكذلك بغض أعدائهم والبراءة منهم ومن أئمّتهم ». والأصرح منه قول الرسول صلى الله عليه و آله في ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام هكذا : «ولا يقبل اللّه إيمان عبد إلّا بولايته والبراءة من أعدائه» . ونحوهما كثير في الأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام . راجع : عيون الأخبار ، ج 2 ،ص 124 ، الباب 35 ، ح1 ؛ الأمالي للصدوق ، ص138 ، المجلس 28 ، ح
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16

وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ» .

«اُولئك» إشارة إلى الموصول، ويظهر من هذا الحديث أنّ المراد بهم أتباع الأئمّة عليهم السلام .

«مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ» .

قال البيضاوي : «مِن» بيان للموصول حال منه ، أو من ضميره ، قسّمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحثّ كافّة الناس [على ]أن لا يتأخّروا عنهم ، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل ، المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل ، ثمّ الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات ، واُخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى درج العرفان حتّى اطّلعوا على الأشياء ، وأخبروا عنها على ما هي عليه، ثمّ الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة ، والجدّ في إظهار الحقّ حتّى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة اللّه ، ثمّ الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته، وأموالهم في مرضاته. «وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً(1). في معنى التعجّب ، و«رفيقاً» نصب على التمييز ، أو الحال ، ولم يجمع ؛ لأنّه يقال للواحد والجمع كالصدّيق ، أو لأنّه اُريد : وحسن كلّ واحد منهم رفيقاً . انتهى (2).

وقيل : الفَرق بين الفِرَق الأربعة أنّ كلّ لاحق أعمّ مطلقاً من السابق إن اُريد بالشهداء الشهداء في العباد ، وأمّا إن اُريد بهم الشهداء في الجهاد فالنسبة بينهم وبين من قبلهمأعمّ من وجه ، ويمكن أن يراد بالثلاثة الأخيرة الأئمّة ، وذكر هذه الصفات للدلالة على اتّصافهم بها (3).

وسيجيء تفسير آخر لهذه الآية إن شاء اللّه تعالى .

(فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة) .

«أتباع» بصيغة الجمع، واحتمال كونه بصيغة المصدر بعيد .

والوجه: الجهة والطريق والجانب والناصية ؛ يعني أنّ لهم فضائل كثيرة، وما ذكره فضل واحد من فضائلهم.

(فكيف بهم وفضلهم) .

ص: 126


1- النساء (4) : 6
2- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 214 و215 (مع التلخيص)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16

هذا كالنتيجة للسابق ، والاستفهام للإنكار ، يعني إذا كان ما ذكر من جملة فضائلهم ، فكيف يمكن البلوغ إلى إدراك كنه ذواتهم ، والإحاطة بحقيقة صفاتهم ورفعة درجتهم ؟ !(ومن سَرّه أن يُتمّ اللّه له إيمانه) .

الظاهر أن يراد بالإتمام الإكمال ، يشعر به قوله : (حتّى يكون مؤمناً حقّاً حقّاً) فيدلّ على أنّ الإيمان هو التصديق بالوَلايات الآتية ، والأعمال خارجة عنه وشروط لكماله ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة .

(فليف للّه) .

في بعض النسخ: «فليتّق اللّه».

(بشروطه الّتي اشترطها على المؤمنين) .

في القاموس: «الشرط: إلزام الشيء ، والتزامه في البيع ونحوه كالشريطة، واشترط عليه شرط» . انتهى (1).

ثمّ بيّن عليه السلام شروط الإيمان وقال : (فإنّه قد اشترط مع وَلايته وولاية رسوله وولاية أئمّة المؤمنين).

قال الجوهري : الوِلاية بالكسر : السلطان ، عن ابن السكّيت : الوِلاية والوَلاية : النصرة .

وقال سيبويه : الوَلاية _ بالفتح _ المصدر، والوِلاية _ بالكسر _ الاسم ، مثل الإمارة والنقابة ؛ لأنّه اسم لما تولّيته وقمت به ، فإذا أرادوا المصدر فتحوا (2).

وأقول : لعلّ المراد بالولاية هنا محبّتهم والإذعان بكونهم أولى بالتصرّف في اُمور الدين والدنيا .

(إقامَ الصلاة) .

عوّض فيه الإضافة من التاء المعوّضة عن العين الساقطة بالإعلال .

(وإيتاء الزكاة) أي ما يجب إخراجه من المال للمستحقّين .

(وإقراضَ اللّه قرضاً حسناً) .

يقال : أقرضه ، أي أعطاه قرضاً .

ص: 127


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 368 (لزم
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2530 (ولي)

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً(1).

:أي إقراضاً حسناً مقروناً بالإخلاص وطيب النفس ، أو مُقْرَضاً حلالاً طيّباً .

وقيل : القرض : الحسن بالمجاهدة والإنفاق في سبيل اللّه (2). انتهى .

وروي أنّ الآية نزلت في صلة الإمام خاصّة (3).

ولعلّ المراد أنّها نزلت قصداً وبالذات فيها ، فلا ينافي عمومها .

وقيل : إنّما سمّي ذلك قرضاً ؛ لأنّ الفاعل يأخذ العوض ، وهو الأجر الجزيل والثواب الجميل منه تعالى (4).

(واجتنابَ الفواحش ما ظهر منها وما بطن) إشارة إلى قوله تعالى : «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ(5). الآية. وقوله: «وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ(6). الآية .

والفاحشة : الزنا ، وما يشتدّ قبحه من الذنوب ، وكلّ ما نهى اللّه تعالى عنه ، وقد مرّ تفسير مثله .

(فلم يبق شيء ممّا فُسّر) على البناء للمفعول .

قال الفيروزآبادي : «الفَسر : الإبانة وكشف المغطّى ، كالتفسير ، والفعل منه كضرب ونصر» (7).

وقوله : (ممّا حرم اللّه) بيان للموصول ، واحتمال كونه بياناً لشيء بعيد (8).

(إلّا وقد دخل في جملة قوله) أي في الفواحش .

فقوله : «واجتناب الفواحش» يشمل اجتناب جميع المحرّمات .

ص: 128


1- البقرة (2) : 245 ؛ الحديد (57) : 1
2- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 53
3- رواه المصنّف رحمه الله في الكافي ، ج 1 ، ص 537 ، باب صلة الإمام عليه السلام ، ح 2 . وعنه في تأويل الآيات ، ص 633 ؛ وبحار الأنوار ، ج 24 ، ص 27
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 16
5- الأعراف (7) : 3
6- الأنعام (6) : 15
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 110 (فسر)
8- هذا ، وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «والأوّل [أي كونه بيانا للموصول] أظهر ، والثاني [أي كونه بيانا لشيء ]أشمل، والمراد بالجملة على الأوّل الفواحش ؛ يعني أنّ هذا المجمل شامل لجميع المحرّمات في الآيات والروايات . وعلى الثاني إقام الصلاة إلى آخره ؛ فإنّه شامل لجميع الطاعات أيضا»

(فمن دانَ اللّه) أي عبده .

(فيما بينه وبين اللّه) أي مُختفياً وسرّاً ، ومع قطع النظر عن غيره ، والثاني أنسب بقوله : (مخلصاً للّه) ، لا يشرك في عمله غيره ، ولا يبتغي به سواه .

وقيل : معنى قوله : «فيما بينه وبين اللّه» في الدين الذي بينه وبين اللّه، لا في دين الرأي والقياس (1). ولا يخفى بُعده .

(ولم يُرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا) أي ممّا ذكر من الولايات وشروطها .

والرُخصة في الأمر : خلاف التشديد ، ورخّص له في كذا ترخيصاً ، أي لم يستقص .

(فهو عند اللّه في(2). حزبه) أي في جنده وأنصار دينه . قال الجوهري : «حزب الرجل : أصحابه ، والحِزب : الطائفة ، وتحزّبوا : تجمّعوا» (3).

(الغالبين) . قيل : أي على النفس الأمّارة بالكسر ، أو على المذاهب الباطلة بالحجّة ، أو على الأعداء بالغلبة ، وهم حزب الإمام المنتظر ، أو الأعمّ منهم ومن حزب الأنبياء والرسل (4).

ومعنى قوله : (إلى هاهنا رواية القاسم بن الربيع) أنّ ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم ، بل كان في رواية حفص المؤذّن وإسماعيل بن جابر .

وقيل: إنّما لم يقل : إلى هنا رواية إسماعيل بن مَخْلَد ؛ لأنّه لو قال ذلك يفهم أنّه لم يرو الباقي ، وذلك غير معلوم لجواز روايته ، وعدم نقله للقاسم ، أو نقله له ، واختصار القاسم على القدر المذكور . (5)

والظاهر أنّ قوله : (يعني المؤمنين قبلكم) من تتمّة الرواية بطريق حفص وإسماعيل ، وأنّه بيان وتفسير للآية السابقة .

وما قيل : الظاهر أنّه من كلام المصنّف لتفسير الآية المذكورة ، (6) فبعيد جدّاً .(إذا نسوا شيئاً ممّا اشترط اللّه في كتابه) إلى قوله : (ولم يعودوا إلى تركه) .

الظاهر أنّ المراد بالنسيان هنا الترك، كما يدلّ عليه قوله عليه السلام : (عرفوا أنّهم قد عصوا اللّه) إلخ .

ص: 129


1- هو الاحتمال الثاني عند المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 169
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 109 (حزب) مع التلخي
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 16

فلا يرد أنّ النسيان لا يعدّ عصياناً ، وفسّره به أبو جعفر عليه السلام في قوله تعالى : «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» (1).

وقال الجوهري : النسيان بكسر النون : خلاف الذكر والحفظ ، وقد نسيت الشيء نسياناً، والنسيان : الترك ، قال اللّه تعالى : «نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ»(2). ، وقوله : «وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ(3). (4).

(فذلك معنى قول اللّه) .

قال اللّه تعالى في سورة آل عمران : «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَا اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا» .

قال الجوهري : «أصرّ على الشيء ، إذا أقام ودام» (5).

وقال البيضاوي : «أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله صلى الله عليه و آله : ما أصرّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرّة» (6).

«وَهُمْ يَعْلَمُونَ(7). حال من «يُصرّوا»، أي ولم يصرّوا على قبيح فعلهم عالمين به (8).

وقوله : (أكبّه اللّه على وجهه في النار) .

قال الفيروزآبادي : «كبّه : قلبه وصَرعه ، فأكبّ وهو لازم متعدّ» (9).

وقال الجوهري : كبّه [اللّه ] لوجهه ، أي صرعه ، فأكبّ هو على وجهه ، وهذا من النوادر أن يقال : أفعلتُ أنا ، وفعلتُ غيري ، يقال : كبّ اللّه عدوّ المسلمين ، ولا يقال : أكبّ (10).

انتهى ، فتأمّل .

(واعلموا أنّه ليس بين اللّه وبين أحد من خلقه ملك مقرّب) إلى قوله : (ولا قوّة إلّا باللّه) أي لا

ص: 130


1- طه (20) : 11
2- التوبة (9) : 6
3- البقرة (2) : 23
4- الصحاح، ج 6، ص 2508 (نسا) مع التلخيص
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 579 (صرر)
6- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 94 . وراجع : سنن أبي داود ، ج 1 ، ص 339 ، ح 1541 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 218 ، ح3631 ؛ السنن الكبرى ، ج 10 ، ص 18
7- آل عمران (3) : 13
8- راجع : تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 9
9- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 121 (كبب)
10- الصحاح ، ج 1 ، ص 207 (كبب)

يتوسّط أحد في شفاعة غيره بينه وبين اللّه ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل، ولا غيرهم توسّطاً بدون الطاعة ، بل توسّطهم في ذلك مشروط بها .

وفيه ترغيب لكلّ أحد في طاعة اللّه بأنّ كلّ من توسّط بين اللّه وبين خلقه كان توسّطه بحسب طاعته له، فينبغي أن يجتهد فيها كمال الجدّ ليبلغ كمال درجة الإيمان .

ثمّ اعلم أنّ الظاهر أنّ «ملك» بالرفع اسم «ليس» ، و«من خلقه» بيان لأحد ، والظرف متعلّق بليس ، والخبر محذوف ، أي متوسّطا أو وسيلة .

وقيل : الأظهر أنّ «ملك» بدل «من الخلق» ، وأنّ اسم «ليس» محذوف ، أي ليس بين اللّه وبين أحد من الخلائق شيء نافع إلّا الطاعة (1). وفيه ما فيه .

(وقال : وعليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم) .

قيل: أمر عليه السلام في هذا الحديث بطاعة الربّ مكرّراً لاقتضاء المقام المبالغة فيه ؛ لأنّ القائل بالحقّ قليل ، واللسان عن الصدق كليل ، والناس معتكفون على العصيان ، وراغبون في المعصية والطغيان (2).

(فإنّ اللّه) المستجمع لجميع صفات الكمال ، القادر القاهر (ربّكم) أخرجكم من ظلمات العدم ، وأفاض عليكم نور الوجود وتوابعه من الكمالات ، وربّاكم في جميع الحالات ، وكلّ ذلك يقتضي الطاعة له بقدر الاستطاعة .

(واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم) أي الانقياد للّه _ عزّ وجلّ _ في أوامره ونواهيه ، والرضا بقضائه ، والمتابعة لرسوله فيما جاء به ، والإذعان لأئمّة الحقّ في جميع ما يصدر عنه ، وإن بعد عن الفهم ، وخفي وجهه .

والحاصل أنّ الإسلام ليس بمجرّد القول .

(والتسليم هو الإسلام) لعلّ المراد أنّهما متلازمان في الوجود ، ومتساويان في الصدق ، وفي تعريفهما باللام وتوسيط ضمير الفعل إيماء إلى اتّحاد الحقيقة ؛ يعني إن عرفت معنى الإسلام والتسليم وحقيقتهما ، فهذا ذاك ، لكن يمكن حمله على التأكيد والمبالغة في التلازم ، كما يفهم من قوله : (فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له) ؛ فإنّ وجود اللازم

ص: 131


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 17
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 17

دليل على وجود الملزوم ، وعدمه على عدمه .

(ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان، فليطع اللّه) .

الإبلاغ : الإيصال ، كالتبليغ . يقال : أبلغ إليه شيئاً ، أي أوصل إليه .

وقيل : كلمة «في» هنا زائدة للتأكيد ، مثل «ارْكَبُوا فِيهَا» (1). أو هو كإلى متعلّق ب «يبلغ» بتضمين معنى الاجتهاد ، أو بمفعول مقدّر ، أي من سرّه أن يوصل إلى نفسه اجتهاداً في الإحسان ، فليطع اللّه في أوامره ونواهيه (2).

وقال بعض الأفاضل :

كان الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة . يقال : بالغ في أمره ، أي اجتهد . وقوله : «إلى نفسه» متعلّق بالإحسان ، أي يبالغ ويجتهد في الإحسان إلى نفسه ، فهذا هو الظاهر بحسب المعنى ، ويؤيّده ما ذكر في الإساءة .

وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ، ويجوز تأويله كما هو الشائع . ولعلّ التقديم والتأخير من النسّاخ .

ويحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال ، أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمراً كاملاً في الإحسان .

والأوّل أظهر ، والشائع في مثل هذا المقام «بلغ» من المجرّد . يقال: بلغ الكرم ، أي حدّ الكمال فيه (3).

وقوله : (وإيّاكم ومعاصي اللّه أن تَركبوها) أي تقترفوها .

قال الفيروزآبادي : «ركبه _ كسمعه _ ركوباً ومركباً : علاه ، كارتكبه ، والذنب : اقترفه ، كارتكبه» (4).

(وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ... ) .

قال الفاضل الإسترآبادي :قد تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار بأنّ الناس ثلاثة أصناف : منهم من هو تحت

ص: 132


1- هود (11) : 4
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 17
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 2
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 75 (ركب) . وفي شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 171 : «أي تتّبعوها ، من ركبت الأثر إذا تبعته ، أو تعلوها بتشبيه المعصية بالدابّة في إيصال صاحبها إلى منزل الشقاوة ، ونسبة الركوب إليها مكنيّة وتخييليّة

المشيّة ، فالظاهر أنّ مراده عليه السلام أنّ الذي أبرم أمره قسمان (1).

انتهى ، فليتأمّل .

(واعلموا أنّه ليس يُغني عنكم) إلى قوله : (ولا من دون ذلك) .

قال الجزري : «أغن عنّي شرك ، أي أصرفه وكفّه ، ومنه «لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً(2). (3).

انتهى ، أي لا يصرف ولا يكفّ عنكم أحد ممّن ذكر شيئاً من عقوبة اللّه إلّا برضاه عنكم ، ولم يذكر الاستثناء لظهوره وشيوعه في الآيات والأخبار ، كقوله تعالى : «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَا لِمَنِ ارْتَضى(4). ، ولدلالة التفريع عليه ، وهو قوله : (فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه فليطلب إلى اللّه) أي فليتضرّع إليه، أو فليرغب إليه .

قال الفيروزآبادي : «طلبه: حاول وجوده ، وطلب إليّ : رغب»(5).

(أن يَرضى عنه) .

قيل : المراد بطلب الرضا طلب وسيلة له ، وهي طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة الإمام ؛ فإنّه إن صدر منه حينئذٍ ما يوجب سخط اللّه من ترك بعض الطاعات ، وفعل بعض المنهيّات [و] تدركه الرحمة والشفاعة بإذن اللّه لرضائه عنه من وجه آخر ، فاستحقّ بذلك قبولهما (6).

(واعلموا أنّ أحداً من خلق اللّه) إلى قوله : (ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر) .

في بعض النسخ: «أو صغر» .

وقيل : المراد بالفضل العظيم ما لا يصل إليه الفهم ، ويستبعده العقل ، ولا يعرف حقيقته ، وبالصغير ما هو خلاف ذلك . والظاهر أنّ قوله : «ومعصيتهم» عطف على اسم «أنّ» ، وقوله : «ولم ينكر» على خبرها ، وفيه شَيء؛ لأنّ كثيراً من الناس أنكروا فضلهم ، بل نصبوا عداوتهم .

ص: 133


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 171 ، ثمّ قال : «أقول : يريد أنّ الذي وقع الحتم فيه قسمان لا ثالث لهما ؛ لأنّه إمّا مقرّ بالولايات المذكورة متمسّك بشروطهما ، أو منكر لشى ء منها ، فالأوّل محسن ، والثاني مُسيء ، وأمّا المستضعف وهو من لم يقرّ ولم ينكر، فهو خارج عن المقسم ، فلا يرد أنّه قسم ثالث
2- الجاثية (45) : 19
3- النهاية ، ج 3 ، ص 392 (غنو)
4- الأنبياء (21) : 28
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 97 (طلب) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 172

ولعلّ المراد بعدم إنكار أحد عدم الإنكار ولو حين الاحتضار ؛ لدلالة بعض الروايات على أنّ المنكرين يعترفون بفضلهم حينئذٍ .أو المراد به العلم بفضلهم وإن لم يصدقوا به ، أو المراد أنّه ينبغي عدم إنكار فضلهم . أو المراد بالخلق الأنبياء والأوصياء وأهل المعرفة من الاُمم السابقة ومن هذه الاُمّة (1). انتهى .وأنت خبير بما في هذه التوجيهات من التكلّفات ، بل يحتمل أن يكون الواو في قوله: «ومعصيتهم» للاستئناف ، وفي قوله : «ولم ينكر» بالبناء للمفعول للعطف على «معصيتهم» .ويحتمل كونها للحال في الموضعين ، ومعنى «لم ينكر» أنّ فضلهم في غاية الوضوح عند كلّ أحد بحيث لا ينبغي أن ينكره ، كما قيل في قوله تعالى : «لَا رَيْبَ فِيهِ» (2). (واعلموا أنّ المنكرين هم المكذّبون) . لعلّ المراد بالإنكار عدم المعرفة كما في قوله تعالى : «فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ(3). ، ويكون الغرض أنّ عدم المعرفة أيضاً تكذيب .ويحتمل أن يراد به الجحود ، والمعنى أنّ منكر واحد من الأئمّة عليهم السلام ومنكر فضلهم مكذّب للّه ورسوله . (وأنّ المكذّبين هم المنافقون) الذين ذكرهم اللّه في كتابه ، وحكم بكفرهم .(وأنّ اللّه قال للمنافقين) في سورة النساء (وقوله الحقّ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ(4). ) . قيل: هو الطبقة التي في قعر جهنّم . وقيل : توابيت من نار تطبق على أهلها .وقال بعض المفسّرين : «إنّما كانوا كذلك ؛ لأنّهم أخبث الكفرة، إذ ضمّنوا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعاً للمسلمين» (5).

ص: 134


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 17
2- البقرة (2) :
3- يوسف (12) : 5
4- النساء (4) : 14
5- راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج 1 ، ص 455 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 223 ؛ جامع البيان ، ج 5 ، ص 454 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 405 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 425 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 271 (ذيل الآية الشريفة

( «وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» ) يخرجهم منه ، ويدفع عنهم العقوبة بالشفاعة وغيرها .

وقيل : فيه دلالة على خلودهم في النار (1). (ولا يَعرفنّ (2). أحد منكم ألزم اللّه قلبه طاعَتَه وخَشيته من أحد من الناس) .

في بعض النسخ : «ممّن» بدل قوله: «من الناس» .

ولعلّ قوله : «من أحد» متعلّق ب_ «لا يعرفنّ» على صيغة المجرّد المجهول المؤكّد بالنون الثقيلة أو الخفيفة ، والمراد بالناس المخالفون .

وقوله : «ألزم» صفة ل «أحد» ، والمراد به أهل الولاية ، أي لا يفعل أحد منكم عندهم ما يعرف به ويتميّز عنهم ، ففيه ترغيب في التقيّة ، ونهي عن تركها .

وقال بعض الأفاضل :

كأنّ قوله : «لا يعرفنّ» من باب التفعيل ، والمفعول الأوّل مقدّر ، أي لا يُعرّف أحد منكم نفسه أحداً من الناس، أي العامّة .

و«من» زائدة لتأكيد النفي ، أي لا تجعلوا أنفسكم معروفين عند المخالفين بالتشيّع ، أو المراد : لا تعرّفوهم دين الحقّ ؛ فإنّهم شياطين لا ينفعهم ذلك ، ويصل إليكم ضررهم .

أو بالتخفيف من المعرفة ، ويكون كناية عن المحبّة والمواصلة، أي ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلاً عن أن تحبّوهم وتتّخذوهم أولياء .

وعلى هذا يحتمل أن لا تكون «من» زائدة ، بل ابتدائيّة ، أي لا تعرفوا ولا تتعرّفوا شيئا منهم ؛ فإنّهم يريدون إضلالكم (3). انتهى .

وفي بعض النسخ : «لا يفرقنّ» ، وكأنّه من الفَرق بمعنى الفصل والتمييز ؛ يقال : فرّقت بين الشيئين أفرق فَرقاً وفُرقانا ، أو من الفُرقة _ بالضمّ _ ضدّ الاُلفة .

وقيل : هو من الفَرَق بمعنى الخوف ، أي لا تخافوهم ؛ فإنّهم الشياطين ، و «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً» (4). (5).

ص: 135


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 172
2- .في كلتا الطبعتين : «لا يفرقنّ»
3- القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 23
4- .النساء (4) : 76
5- قاله العلّامة المازندراني رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 24 . وفي حاشية النسخة : «لعلّ غرضه : لا تخافوا من إضلالهم ووساوسهم . منه»

(أخرجه اللّه من صفة الحقّ ، ولم يجعله من أهلها).

الجملة صفة أحد من الناس ، أو استئناف في جواب من يسأل عن علّة النهي .

قيل : إنّما نسب الإخراج من صفة الحقّ _ وهي القول بالولاية إلى اللّه تعالى _ لعلمه أزلاً بعدم اتّصاف بها ، واضطراب قلبه من قبولها ، فأخرجه منها ، ولم يجعله من أهلها جبراً ؛ لأنّ الجبر مناف للحكمة ، ومنه يظهر إلزامه تعالى قلب أحد طاعته وصفة الحقّ ؛ لأنّه لمّا علم منه قبولها اختياراً وفّقه لقبولها ، ونصره عليه ، وهذا معنى الإلزام ، فانتفى الجبر في الموضعين ، وملك كلّ أحد ماله باختياره (1). (فإنّ من لم يجعله (2).

اللّه من أهل صفة الحقّ ، فاُولئك شياطين الإنس والجنّ) .

قيل : الظاهر أنّه تعليل لقوله : «لا يعرفنّ أحد منكم من أحد من الناس» ؛ لتضمّنه معنى الشيطنة التي تقتضي الحذر منهم بالتقيّة .

وحينئذ يكون قوله: (فإنّ لشياطين الإنس) بياناً وتفصيلاً لما تضمّنه معنى الشيطنة، ويحتمل كونه تفصيلاً وبياناً لإثبات معنى آخر للمخرجين من صفة الحقّ ، وهو التمرّد والشيطنة (3).

ولعلّ المراد بمَن الموصولة الإنس والجنّ ، فمعنى حملهاعليها شياطين الإنس إن كانوا من الإنس، وشياطين الجنّ إن كانوا من الجنّ .

ويحتمل أن يراد بها الإنس خاصّة ، فحمل شياطين الجنّ عليها من باب التشبيه في الشيطنة ، أو إشارة إلى إلحاقهم بشياطين الجنّ بعد موتهم ، كما قاله بعض المفسّرين في قوله تعالى : «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْاءِ نْسِ» (4). (5).

(حيلة ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض) .

الحيلة : الحَذق، وجودة النظر ، والقدرة على التصرّف .

ص: 136


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 172 و173
2- .في الطبعة القديمة للكافي والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «لم يجعل»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 173
4- .الأنعام (6) : 128
5- في الحاشية : «في سورة الأنعام : «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ» يعني الشياطين «قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْاءِنْسِ» أي من إغوائهم وإضلالهم ، أو منهم جعلتموهم أتباعكم ، فحشروا معكم ، كقولهم : استكثر الأمير من الجنود . البيضاوي» . تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 452 . وانظر للمزيد : التبيان للطوسي ، ج 4 ، ص 272 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 4 ، ص 161 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 4 ، ص 190 ؛ تفسير السمعاني ، ج 2 ، ص 144

والمكر : الخديعة _ وهي الخَتل _ وإرادة المكروه من حيث لا يعلم .

والوسوسة : حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير .

وقيل : المراد بالأوّل هنا استعمال الحذق في التصرّف في الاُمور المتوصّل بها إلى المقصود ، وبالمكر إيصال المكروه من حيث لا يعلم ، وبالخديعة هذا المعنى ، أو تلبيس شبهات باطلة بلباس الحقّ لانخداع الغير بها ، وبالوسوسة مشاورة بعضهم بعضاً في تحصيل أسباب الغلبة والإضرار (1).

وقوله : (يريدون إن استطاعوا ... ) استئناف لجواب سؤال مقدّر كان قائلاً يقول : ما غرضهم من الحيلة وما عطف عليها ؟ فأجاب بأنّ غرضهم (أن يَرُدّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه) .

النظر محرّكة : التأمّل بالعين والرقّة والرحمة ، والإعانة ، والفكر في الشيء يقدّره ويقيسه .

والمراد بدين اللّه الدين الذي أنزله إلى رسوله ، وأكمله بولاية وليّ الأمر .

وقيل : المراد بالنظر فيه العلم به ، والتصديق بحقّيّته (2).

وقوله : (إرادة أن يستوي أعداءُ اللّه وأهل الحقّ) مفعول له للإرادة .

وقيل : الأصل أن يستوون هم وأهل الحقّ، عدل عن الضمير إلى الظاهر لقصد ذمّهم صريحاً بنسبة العداوة إليهم، ولعدم حاجة صحّة العطف إلى ضمير الفعل .

(في الشكّ والإنكار والتكذيب) متعلّق بالاستواء ، والشكّ في الأصل عدم اليقين .

ولعلّ المراد به هنا دينهم الباطل ، أو الشكّ في دين الحقّ ، وبالإنكار ردّ قول اللّه سبحانه وجحوده ، وبالتكذيب عدم التصديق بقول النبي صلى الله عليه و آله فيما جاء به ، سيّما أمر الولاية .

(فيكونون سواء) فيما ذكر .

(كما وصف اللّه تعالى في كتابه من قوله) في سورة النساء : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا» أي تمنّوا أن تكفروا ككفرهم .

«فَتَكُونُونَ سَوَاءً» (3)

معهم في الضلال ، وهو عطف على «تكفرون» . (4).

ص: 137


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 173
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 173
3- النساء (4) : 89
4- .راجع : تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 231

(ثمّ نهى اللّه أهل النصر) هم الذين أعانوا دينه وأولياءه .

(بالحقّ) أي حال كونهم متلبّسين بالحقّ ، غير عادلين إلى الباطل .

والجارّ متعلّق بالنصر ، واحتمال تعلّقه بالنهي بعيد .

(أن يتّخذوا من أعداء اللّه وليّاً ولا نصيراً) أي نهاهم أن يقبلوا منهم ولاية ولا نصرة .

(فلا يُهوّلنّكم) بضمّ اللام من الهَول ، أو التهويل .

قال الفيروز آبادي : «هاله يهوله هَولاً : أفزعه ، كهوّله فاهتال» (1).

(ولا يردّنّكم) بضمّ الدال المشدّدة .

يقال : ردّه عن الأمر، أي صرفه عنه، فارتدّ هو .

وضمير الجمع المحذوف في الموضعين لأعداء اللّه، أو لشياطين الجنّ والإنس .

ولعلّ كلمة «من» في قوله : (من حيلة شياطين الإنس ومكرهم) تعليليّة .

وقيل : إمّا ابتدائيّة ، أو بمعنى الباء .

وقيل : يحتمل أيضاً أن تكون «حيلة» فاعلاً للفعلين ، وتكون «من» زائدة لتأكيد النفي (2).

وأصل الكلام من حيلتهم عدل إلى الظاهر لنسبة الشيطنة إليهم ، وتوبيخهم عليها .

والمكر : الخديعة .

يقال: مكره من كذا ، وعنه ، أي احتال أن يردّه عنه .

فقوله: (من اُموركم) متعلّق بالمكر ، و«من» للتعليل وقيل : للابتداء ، أو للسببيّة .

وحاصل المعنى : لا تخافوا ، ولا ترتدّوا عن نصرة الحقّ من أجل حيلتهم ومكرهم من اُمور دينكم، واحتيالهم في إغوائكم وإضلالكم عنها؛ فإنّهم شياطين الإنس ، و «إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً» (3).

ثمّ اعلم أنّ هذا الموضع أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي أشرنا إليها سابقاً والنسخ المشهورة ، وفي تلك النسخة قوله : «ومكرهم» متّصل بما مرّ من قوله : «وحيلهم» هكذا: «من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض» ، وهو الصواب .

وفي تلك النسخة قوله : «من اُموركم» متّصل بما مرّ من قوله : «ولا خير لهم على شيء» هكذا : «وهم لا مجاملة لهم ، ولا صبر لهم على شيء من اُموركم» .

ص: 138


1- النساء (4) : 76
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 71 (هول)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 24

(تدفعون أنتم السيّئة بالتي هي أحسن) .

أمر بصورة الأخبار ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ» (1).

قال البيضاوي :التي هي أحسن : الصفح عن السيّئة، والإحسان في مقابلها ، لكن بحيث لم يؤدّ إلى وهن في الدين .

وقيل : هي كلمة التوحيد ، والسيّئة : الشرك .

وقيل : هي الأمر بالمعروف ، والسيّئة : المنكر (2). انتهى .

وقيل : لعلّ المراد بالسيّئة عداوتهم وإضرارهم ، وبالتي هي أحسن : التقيّة (3).

(فيما بينكم وبينهم) .

الضمير لأعداء اللّه ، أو لشياطين الإنس .

(تلتمسون بذلك) الدفع (وجهَ ربّكم)؛ أي جهته وذاته .

(بطاعته) وهي الدفع المذكور ، أو الأعمّ منه ومن سائر الطاعات التي أعظمها وأشرفها الولاية .

(وهم لا خير عندهم)؛ لتركهم منبع الخيرات ومعدنها من ولاية وليّ الأمر .

(لا يحلّ لكم أن تُظهروهم) .

في بعض النسخ : «أن تطلعوهم»، والمآل واحد .

(على اُصول دين اللّه) .

لعلّ المراد بها الأحكام المختصّة بالشيعة ، سواء تعلّقت بالعقائد كإنكار الجبر والتفويض ، ونفي زيادة الصفات على الذات ، والإقرار بولاية أئمّة المعصومين عليهم السلام وإمامتهم ، أو بالأعمال كوجوب مسح الرجلين ، واستحباب القنوت ، ورفع اليدين فيه وفي تكبيرة الإحرام وسائر التكبيرات المندوبة، وأمثالها .

(فإنّهم إن سمعوا منكم فيه) أي في دين اللّه ، أو في اُصوله . والتذكير باعتبار المضاف إليه .

(شيئاً) من الاُصول المذكورة ونحوها .

(عادَوكم عليه ، ورفعوه عليكم) أي أسرعوا في تبليغه وتقريبه إلى السلطان الجائرة لإيصال المكروه إليكم والإضرار بكم .

ص: 139


1- المؤمنون (23) : 96
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 166 (مع اختلاف يسير)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 174

قال الجوهري :

رفع البعير في السير ، أي بالغ فيه ، ورفعته أنا ، يتعدّى ولا يتعدّى، وقوله تعالى : «وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ» ، (1).

قالوا : مقرّبة لهم ، ومن ذلك رفعته إلى السلطان ، ومصدره : الرُفعان (2). . انتهى .

ويحتمل كونه من الرفع خلاف الوضع ، فيكون كناية عن التشهير والإفشاء بين الناس .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّكم إن علّمتموهم شيئاً يجعلونه حجّة عليكم في المناظرة (3).

(وجهدوا) .

في بعض النسخ : «وجاهدوا» .

(على هلاككم) بقدر الإمكان .

وفي بعض النسخ : «على إهلاككم» .

(واستقبلوكم بما تَكرهون) من الأقوال الغليظة والأفعال الكريهة .

(ولم يكن لكم النَّصفَ) .

في بعض النسخ: «النصفة» .

(منهم في دُوَل (4). الفجّار) .

النَصَف والنَصَفة محرّكتين : الإنصاف والعدل ، وكذلك النِصف بالكسر .

وقال الجوهري :الدولة في الحرب ، أن تداول إحدى الفئتين على الاُخرى ، والجمع : الدول .

والدولة _ بالضمّ _ في المال ؛ يقال : صار الفيء دُولة بينهم يتداولونه ، يكون مرّة لهذا ومرّة لهذا ، والجمع: دُولات ودُول (5).

أقول : حاصل المعنى أنّكم إذا ترافعتم إلى حكّامهم ، أو القيام إلى أحد منهم يجورون

ص: 140


1- .الواقعة (56): 34
2- .الصحاح ، ج 3 ، ص 1221 (رفع)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 25
4- .في الحاشية: «الدولة: انقلاب الزمان ، والعقبة من المال، ويضمّ، أو الضمّ فيه ، والفتح في الحرب، أو هما سواء، أو الضمّ في الآخرة والفتح في الدنيا، يجمع دول مثلّثة. كذا في القاموس» . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 377 (دول)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1699 (دول)

عليكم ، ولا يتوقّع منهم العدل والإنصاف فيكم، فيلزم عليكم التقيّة منهم ، وعدم اظهار ما يخالف مذهبهم عندهم ، وعدم الالتجاء بهم مهما أمكن .

(فأعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل) .

في القاموس : «المنزلة : موضع النزول والدرجة» (1). أي وجب عليكم معرفة درجتكم الرفيعة بين الناس. قيل : هي الإيمان باللّه ، وبما يليق به، وبالرسول وما جاء به ، وبالولاية ومن اتّصف بها، وإظهار اُصول الدين وأحكامه على أهلها ، والاتّصاف بآدابه وأخلاقه ، والامتثال بأوامره ونواهيه ليحصل لكم التميز بينها (2).

وبين منزلة أهل الباطل، والتمكّن من التحرّز عنها (3).

(فإنّه لا ينبغي لأهل الحقّ أن يُنزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل) .

كأنّه بيان وتفصيل لمعرفة المنزلة .

وقيل : إنّه دليل عليها ، وقال : انطباق الدليل عليها ظاهر ؛ لأنّ أهل الحقّ ينبغي أن يكونوا مع الحقّ، فلا ينبغي لهم الاتّصاف بالباطل كأهله .

قال : وهنا احتمال آخر ، وهو أنّه يجب عليكم معرفة منزلتكم فيما بينكم ، وهي ما ذكر ، ومنزلتكم فيما بين أهل الباطل ، وهي حسن المعاشرة معهم ظاهراً ، والتقيّة منهم للاحتراز من ضررهم إلّا أنّ في انطباق الدليل المذكور عليه خفاء إلّا أن يراد بأهل الباطل في الدليل أعمّ من أهل الخلاف وتارك التقيّة ؛ لأنّ تاركها أيضاً في باطل (4).

(لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحقّ عنده بمنزلة أهل الباطل) .

هذا دليل لقوله : «لا ينبغي» ، وبيان لشرافة منزلة أهل الحقّ ، وخساسة منزلة أهل الباطل عنده تعالى ؛ لأنّ منزل أهل الحقّ جنّات النعيم ، ومنزل أهل الباطل نيران الجحيم .

وقوله : (أ لم تعرفوا (5) وجه قول اللّه في كتابه) أي جهته وسبيله المقصود منه . والاستفهام للتنبيه والتقرير . وفي بعض النسخ : «يعرفوا» بالياء .

ص: 141


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 56 (نزل)
2- .في الحاشية: «أي بين الاُمور المذكورة»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 175
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 175
5- في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «ألم يعرفوا»

وقيل : هو حينئذ وصف لأهل الباطل ، وبيان لضعف عقولهم حيث لم يعرفوا وجه الآية ومعناها .

ثمّ قال : فإن قلت : أكثرهم أهل اللسان ، فكيف لم يعرفوا معناها ؟ قلت : المراد أنّهم لأذهانهم السقيمة ، وأفكارهم العقيمة أخطؤوا في المقصود منها ، فزعموا أنّهم هم المؤمنون الصالحون المتّقون ، وأنّ مَن عداهم ممّن رفض طريقتهم هم الفجّار المفسدون ، فقلبوا المقصود لفساد قلبهم ، ذلك مبلغهم من العلم ، ولذلك أدرج لفظ الوجه ؛ لأنّ وجه الكلام سبيل المقصود منه (1).

(إذ يقول) في سورة ص : «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ» .

قال بعض المفسّرين : يعني الكفّار ، أي لو سوّينا بينهما لكنّا خلقناهما باطلاً ، والآية نزلت في ثلاثة رهط : علي عليه السلام ، وحمزة ، وعبيدة بن الحارث .

والمفسدين في الأرض: عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وهم الذين بارزوا يوم بدر ، فقتل عليّ عليه السلام الوليد ، وقتل حمزة عتبة، وقتل عبيدة شيبة .

وقيل: عامّ (2).

«أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ» الذين يتّقون الشرك والمعاصي .

«كَالْفُجَّارِ» (3). : كالكفّار في الثواب .

قال البيضاوي :

«أم» الاُولى منقطعة ، والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الجزئين التي هي من لوازم خلقها باطلاً ؛ ليدلّ على نفيه ، وكذا التي في قوله : «أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» ؛ فإنّه أنكر التسوية بين المؤمنين والكافرين ، ثمّ بين المتّقين من المؤمنين والمجرمين

ص: 142


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 175
2- اُنظر: تفسير السمرقندي ، ص 158 ؛ تفسير السمعاني ، ج 4 ، ص 438 ؛ شواهد التنزيل للحسكاني ، ج 2 ، ص 171 _ 173 ؛ تفسير البغوي ، ج 4 ، ص 59
3- .ص (38) : 27 و28

منهم ، ويجوز أن يكون تكريرا للإنكار الأوّل باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية (1).

(أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل) .

في القاموس : «أكرمه وكرّمه : عظّمه ونزّهه» (2).

ولعلّ هذا الكلام استئناف ، ولذلك ترك العاطف ، كأنّهم قالوا : إذا وجب علينا النزول في منزلتنا ، والفرار من منزلتهم ، فكيف نضع إذا كنّا معهم ؟ ! فأجاب بما ذكر ، يعني عظّموا أنفسكم ، وشرّفوها عن ظلم أهل الباطل وجورهم بالموافقة في العمل تقيّة منهم .

(ولا (3). تجعلوا اللّه _ تبارك وتعالى _ «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» (4). ) .

الواو للحال . وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» : «هو الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود الفائق ، والنزاهة عن صفات المخلوقين» (5). . انتهى .

وقيل : المثل الأعلى : الشرف الأعلى من جميع الوجوه (6).

وفي القاموس : «المَثَل محرّكة : الحديث والحجّة والصفة ، ومنه «مَثَلُ الْجَنَّةُ الَّتِي» (7). » (8).

وقوله : (وإمامَكم ودينكم) معطوفان على اللّه .

(الذي تَدينون به) .

قال الجوهري : «الدين : الطاعة ، ودان له ، أي أطاعه ، ومنه الدين ، والجمع : الأديان .

يقال : دان بكذا ديانة ، وتديّن به» (9).

وقوله : (عُرضه لأهل الباطل) مفعول الثاني لقوله : «لاتجعلوا» .

قال الفيروزآبادي : «العُرضة بالضمّ : الهمّة ، وحيلة في المصارعة ، وهو عُرضة للناس : لا يزالون يقعون فيه ، وجعلتُه عُرضة لكذا : نصبتُه له» (10). انتهى .

ص: 143


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 44 (مع اختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)
3- .هذا ، وفي كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «فلا»
4- .الروم (30) : 27
5- .تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 405
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 176
7- .الرعد (13) : 35 ؛ محمّد (47) : 15
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 48 (مثل)
9- الصحاح ، ج 5 ، ص 2119 (دين) مع التلخيص
10- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 335 (عرض)

أي لا تجعلوا ربّكم وإمامكم ودينكم في معرض ذمّ أهل الباطل ، بأن تعارضوهم في الدين ، ويعارضونكم بما لا يليق .

(فتُغضبوا اللّهَ عليكم) بضمّ التاء المثنّاة الفوقانيّة .

والغضب محرّكة : ضدّ الرضى ، يقال : غضب عليه وله وبه _ كعلم _ وأغضبه غيره .

وفي بعض النسخ : «فيغضبوا» بالياء المثنّاة التحتانيّة ، فحينئذٍ ضمير الجمع راجع إلى أهل الباطل .

(فتَهلكوا) على صيغة المجهول من الإهلاك ، أو المعلوم من الهلاك ، وفعله كضرب ومنع وعلم .

(فمهلاً مهلاً) مرّ شرحه .

(يا أهل الصلاح ، لا تَتركوا أمر اللّه وأمر من أمركم بطاعته) في قوله عزّ وجلّ : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (1).

(فيُغيّر [اللّه ] ما بكم من نعمة) إشارة إلى قوله تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (2).

وقوله : «إِنَّ اللّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (3).

(أحبّوا في اللّه) أي لأجله وطلب مرضاته، أو في سبيله .

وقوله : (من وصف صفتَكم) مفعول «أحبّوا» ، أي أهل دينكم، ومن يقول بمقالتكم (4).

(وأبغضوا في اللّه من خالفكم) .

البُغض بالضمّ : ضدّ الحبّ، وفعله ككرم ونصر وفرح .

(وابذُلوا مودّتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم) .

في القاموس : «البذل معروف ، بذله يبذُله ويبذِله : أعطاه ، وجاد به» (5). انتهى .

ص: 144


1- النساء (4) : 59
2- الأنفال (8) : 53
3- الرعد (13) : 11
4- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «ومنشأ تلك المحبّة هي الاشتراك في دين الحقّ ، واتّحاد المطلوب ، والطريق الموصل إليه ، والرفاقة فيه ، واتّحاد الأصل ؛ لأنّ المؤمنين إخوة ، بل هم كنفس واحدة ، وكونها في اللّه مشروط بأن لا يشرب بشيء من أغراض الدنيا ؛ فإنّه لا اعتناء بها ، ولا ثبات لها ، وقس على ذلك البغض في اللّه »
5- . القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بذل)

والمراد ببذل المودّة صرفها لأهل الدين ، وبذل آثارها ولوازمها ، ومن جملتها دفع المضارّ والمكاره عنه ، وجلب المنافع له .

والنصيحة : إرادة الخير للمنصوح ، ويعتبر في حقيقتها الخلوص عن الغشّ ، والمراد ببذلها إعمالها للإرشاد إلى الحقّ والصواب .

(ولا تبذُلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها) أي على تلك الصفة .

(وبغاكم الغَوائل) .

قال الفيروزآبادي : «أبغاه الشيء : طلبه له ، كبغاه إيّاه _ كرماه _ أو أعانه على طلبه» (1).

وقال : «الغوائل : الدواهي»(2).

وفي النهاية : «الغائلة : الخصلة المهلكة» (3).

(هذا أدبُنا أدبُ اللّه) .

في بعض النسخ : «وأدب اللّه» .

قال الفيروزآبادي : «الأدب محرّكة : حسن التناول ، أدُبَ _ كحسن _ أدباً ، فهو أديب ، وأدّبه : علّمه ، فتأدّب» (4).

والظاهر أنّ هذا إشارة إلى ما مرّ من المواعظ والآداب ، ويحتمل أن يكون المشار إليه ما سيأتي من قوله : (ما وافق هداكم أخذتم به) إلخ .

ووجه كون أدبهم عليهم السلام أدب اللّه كونه بتعليمه ووحيه وأمره .

وقيل : الأدب شامل للمحاسن كلّها ، ولكلّ عضو منه نصيب ، فأدب العين النظر إلى المصنوعات مثل الاستدلال بها على وجوه الصانع وقدرته وحكمته ، وأدب السمع استماع الآيات وغيرها من كلام الحقّ ، وأدب اللسان التكلّم بما ينبغي والسكوت عن غيره من الفضول، وأدب القلب معرفة اللّه ومعرفة ما يليق به ومعرفة الرسول والوصي والأحكام والأخلاق، وقس على ذلك (5).

ص: 145


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 176
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 27 (غول)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 397 (غول)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 36 (أدب)

(فخُذوا به، وتفهّموه، واعقِلوه، ولا تنبذوه وراء ظهوركم) .

في القاموس : «فَهِمه _ كفرح _ فَهَماً وفَهْماً : علمه ، وعرفه بالقلب»(1).

وقال الجوهري : «تفهّم الكلام ، إذا فهمه شيئاً بعد شيء» (2).

وفي القاموس : «عَقَل الشيء يَعقل عقلاً : فهمه .

والدواء بطنه: أمسكه» (3).

وفيه : النبذ : «طرحك الشيء أمامك ، أو ورائك ، أو عام ، والفعل : كضرب» (4).

وقيل : الفرق بين تلك الاُمور أنّه عليه السلام أمر أوّلاً بالأخذ به ، وهو تناوله وقبوله بالقلب ، وثانياً بتفهّمه وهو معرفته ومعرفة حسنه وكماله ، وثالثاً بعقله وهو الغور فيه وإدراك حسن عاقبته وإمساكه وحفظه ، فهذه اُمور ثلاثة لابدّ منها في كلّ مطلوب (5).

(ما وافق هُداكم أخذتم به، وما وافق هواكم طرحتموه) .

في بعض النسخ : «اطّرحتموه» .

يقال : طرحه وبه _ كمنع _ أي رماه وأبعده ، كأطرحه وطرّحه .

وقوله : (ولم تأخذوا به) كالتأكيد لسابقه .

والهدى في الأصل : الرشاد والدلالة .

والمراد هنا قوانين شرعيّة مستنبطة من الكتاب والسنّة والموازين القطعيّة .

والهوى بالقصر : إرادة النفس ومشتهياتها .

والإضافة فيهما لاميّة ، والظاهر أنّ الخبر هنا بمعنى الأمر .

(وإيّاكم والتجبّر على اللّه) .

أي التكبّر عليه بترك الامتثال بأوامره ، وعدم الانزجار عن نواهيه ، والإعراض عن نصائحه ومواعظه ، وعدم المبالاة بأحكامه وشرائعه .

أو المراد به التكبّر على أئمّة الحقّ وعلى أولياء اللّه ؛ فإنّه ينجرّ إلى التكبّر على اللّه .

(واعلموا أنّ عبداً لم يُبتل) على البناء للمفعول (بالتجبّر على اللّه إلّا تَجَبّر على دين اللّه).

ص: 146


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 161 (فهم)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2055 (فهم)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 18 (عقل)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 359 (نبذ)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 177

لعلّ الغرض إثبات التلازم بين التجبّرين بكون الأوّل سبباً لحصول الثاني ، وكون وجود الثاني دليلاً على وجود الأوّل .

(فاستقيموا للّه) .

قال الجوهري : «الاستقامة : الاعتدال .

يقال : استقام له الأمر» ، (1). انتهى .

ولعلّ المراد بالاستقامة له الثبوت على عهده وولايته وطاعة من أمر بطاعته .

(ولا تَرتدّوا على أعقابكم) أي لا ترجعوا مدبرين بسبب العصيان وعدم الوثوق على اللّه .

(فتنقلبوا خاسرين) عن ثواب الدارين .

ويجوز جزم «فتنقلبوا» على العطف ، ونصبه على الجواب.

وقوله عليه السلام : (إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل _ أصل الخلق _ مؤمناً) .

أصل الثاني بدل من الأوّل، واُريد بالخلق : الإيجاد ، أو التقدير ، وبأصله الوجود الظلّي ، أو العيني .

و«مؤمناً» حال عن مفعول «خلقه» ، أو تميز عن النسبة فيه .

وقيل : اللازم على التقديرين أن يكون خلق العبد مقروناً بإيمانه في علم اللّه ، ولا يلزم أن يكون إيمانه من فعله تعالى ، كما في قولك : ضربتُ زيداً قائماً ، إذا جعل قائماً حالاً من زيد .

(لم يَمُت) هذا العبد المؤمن (حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويُباعده منه) وإن كان ارتكب شرّاً أو كفراً إحياناً .

قال الفيروزآبادي : «كرّهه إليه تكريهاً : صيّره كريهاً ، والكَره ويضمّ : الإباء والمشقّة ، أو بالضمّ : ما أكرهت نفسك عليه ، وبالفتح : ما أكرهك غيرك عليه» (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : قوله : «حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ» إلخ ، تفسير لقوله تعالى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشآءُ» ، (3).

فعُلم أنّ مراده تعالى من الهداية هنا أن يخلق في القلب حبّ الحقّ وكراهة الباطل .

(ومن كرّه اللّه إليه الشرّ) بلطفه وتوفيقه (وباعده عنه (4). ) بحيلولته بينه وبين الشرّ .

ص: 147


1- .الصحاح ، ج 5 ، ص 2017 (قوم)
2- القاموس المحيط، ج4، ص291 (كره)
3- .القصص (28) : 56
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «منه»

(عافاه اللّه من الكبر أن يدخله) .

الكبر بالكسر : الرفعة في الشرف والعظمة والتجبّر .

وقيل : المراد هنا أن يعتقد العبد أنّه أعظم من غيره ، وليس لأحد حقّ عليه (1).

(والجبريّة) عطف على الكبر ، وهي بالفتح وسكون الباء .

وقيل : بكسرها وكسر الجيم أيضاً بمعنى التكبّر ، فهي كالتأكيد لسابقها ، أو يراد بها إظهار آثار الكبر بالأقوال والأفعال .

(فلانَت عَريكته) .

قال الجوهري : «العريكة : الطبيعة ، وفلان ليّن العريكة ، إذا كان سَلِساً ، ويقال : لانت عريكته ، إذا انكسرت نخوته» (2). انتهى .

وقيل : دلّ التفريع كالتجربة على أنّ حصول اللينة متوقّف على زوال الكبر ؛ إذ المتّصف به خشن فظّ غليظ القلب ، وهذه الاُمور تنافي اللينة ، فلعدمه مَدخل في حصولها ، ويتّبعها كثير من الفضائل (3).

(وحَسُن خُلُقه) .

الخلق ، بالضمّ وبضمّتين : السجيّة ، والطبع ، والمروّة ، والدين .

وعرّفه بعضهم بأنّه صفة يحصل من الاعتدال بين الإفراط والتفريط في القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة ، ويُعرف ذلك بمخالطة الناس بالجميل والتودّد والصلة والصدق واللطف والمبرّة وحسن الصحبة والمراعاة والمواساة والرفق والحلم والاحتمال لهم والإشفاق عليهم ، وبالجملة هو تابع لاستقامة جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة (4).

(وطَلُق وجهُه) .

في القاموس : «طَلُق ككرم ، وهو طلق الوجه _ مثلّثة _ وككتف ، وأمير : ضاحكة مشرقة» .(5) (وصار عليه وَقار الإسلام وسكينته) .

الوَقار بالفتح : الرزانة .

والسَّكينة والسِّكّينة _ بالكسر _ مشدّدة : الطمأنينة ، وما يسكن إليه .

ص: 148


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1599 (عرك)
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 258 (طلق)

وقيل : يمكن الفرق بينهما بأنّ الوقار سكون النفس في مقتضى القوّة الشهويّة ،والسكينة سكونها في مقتضى القوّة الغضبيّة ، ويؤيّده أنّ المحقّق الطوسي عدّ الأوّل من أنواع العفّة الحاصلة باعتدال القوّة الاُولى ، وعدّ الثاني من أنواع الشجاعة الحاصلة باعتدال القوّة الثانية (1).

وقد مرّ الفرق بينهما بوجه آخر في أوائل الرسالة .

(وتخشّعُه) .

التخشّع : تكلّف الخشوع .

في القاموس : «الخشوع : الخضوع ، أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر ، والسكون ، والتذلّل» (2). انتهى .

وقيل : إنّما أضاف الثلاثة إلى الإسلام ؛ لأنّها من أعظم ما يقتضيه الإسلام ، ولها فوائد جمّة ، وإن كان الكلّ كذلك ، ثمّ الخضوع والخشوع والتواضع متقاربة في المعنى .

ويمكن الفرق بينها بأنّ لينة القلب من حيث إنّها توجب الخوف والخشية والعمل خشوع، ومن حيث إنّها توجب الانكسار والافتقار خضوع ، ومن حيث إنّها توجب انحطاط الرتبة عن الغير وتعظيمه تواضع (3).

(وورع) كورث، أي كفّ .

(عن محارم اللّه، واجتنب مَساخطه) .

قيل : هذا من آثار الحياء ، والحياء من آثار اللينة ؛ لأنّ الليّن ينفعل قلبه سريعاً عن إرادة المحارم والمساخط، فيكفّ نفسه عنها خوفاً من اللوم ، وذلك الانفعال هو الحياء ، والكفّ هو الورع .(4).

(ورزقه اللّه مودّة الناس) .

من إضافة المصدر إلى المفعول ، أو إلى الفاعل .

والمودّة : الحبّ .

ولعلّ المراد بالناس من يجوز التودّد إليه ، وإن أمكن تعميمه على الاحتمال الثاني .

ص: 149


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 178 و179
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 18 (خشع)
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179
4- قائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179

(ومُجاملتهم) في المعاملات والمحاورات ، والإحسان إليهم ، وهي من لوازم المودّة .

قيل : الرزق : كلّ ما ينتفع به ، فإطلاقه على المودّة والمجاملة حقيقة ، ولهما منافع كثيرة ؛ لأنّ العاقل يعلم أنّ مودّته ومجاملته لهم يستلزم مودّتهم ومودّة أتباعهم وخدمهم وحواشيهم ومجاملتهم له، ويجلب لنفسه من مودّة واحد ، ومجاملته مودّة أشخاص كثيرة وميل قلوبهم إليه واُنسهم به ومدافعتهم عنه ، وبذلك يتمّ نظامه (1).

(وتَرْكَ مُقاطعة الناس والخُصومات)؛ لأنّها موجبة لنفرتهم وبُعدهم عنه، وعداوتهم له ، وبذلك يفسد نظامه .

و«ترك» يحتمل أن يكون على صيغة الفعل، أو المصدر .

والمراد بالناس هنا كلّهم ، ولذا اُتي بالاسم الظاهر على خلاف مقتضى الظاهر .

(ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء) أي لم يكن ثابتاً في شيء من المقاطعة والخصومات أصلاً ، ولا في شيء من صفة أهلها من التباغض والتحاسد والتشاتم ونحوها .

(وإنّ العبد إذا (2).

كان اللّه خلقه في الأصل _ أصل الخلق _ كافرا) .

قيل : معناه : علم عند خلقه أنّه يصير كافراً (3).

وقد مرّ نظيره آنفاً .

(لم يمت حتّى يُحبّب اللّه إليه الشرّ، ويُقرّبه منه) .

كناية عن منع ألطافه الخاصّة عقوبة عن فعله من الشرّ الذي استحقّ بها ذلك .

وقال الفاضل الإسترآبادي : معناه التخلية بينه وبين الشيطان ، وإخراج الملك عن قلبه ، وهذامن باب جزاء العمل في الدنيا كما وقع التصريح به في الأحاديث وفي كلام ابن بابويه (4).

(فإذا حبّب إليه الشرّ ، وقرّبه منه ، ابتُلي بالكبر والجبريّة) بالتخلية وسلب اللطف .

(فقسا قلبُه) أي صلب وغلظ بحيث لا يهتدي إلى الخير ولا يقبله . يقال : قسا يَقسو قَسواً وقَساء وقَساوة .

(وساء خلقُه)؛ لأنّ المتّصف بالكبر يترك محاسن الأخلاق كلًا أو جُلًا كالسلام والكلام

ص: 150


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إن»
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 26
4- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 179

والتواضع والإنصاف والملائنة ونحوها ، ويتّصف بأضدادها لزعمه أنّها لأنّها كسر لشأنه ومنافية لمكانه .

(وغلُظ وجهه) كناية عن عبوسه وتصعّره وعدم انبساطه وطلاقته .

قال الفيروزآبادي : «الغلظة _ مثلّثة _ والغلاظة ، بالكسر وكعنب : ضدّ الرقّة ، والفعل ككرم وضرب» (1).

(وظهر فُحشه) .

الفُحش بالضمّ : التكبّر والتعظّم والقهر واتّباع فعل ، ولا يكون إلّا شرّا ، وأفحش: افتخر لباطل ، وكلّ أمر جاوز حدّه فهو فاحش .

وقيل : الفحش : ما اشتدّ قبحه من الذنوب ، ويندرج فيه الغيبة والبهتان وسائر أكاذيب اللسان (2).

(وقلّ حياؤه) فلا يبالي وقوع شيء من القبائح الظاهرة والباطنة .

(وكشف اللّهُ ستره) .

في بعض النسخ : «سرّه» .

وقيل : لعلّ المراد بالستر هو الحجاب بين الذنوب وبين المقرّبين ، فإذا كشفه فضحه عندهم ، فيبغضونه ويلعنونه ، واللّه سبحانه ستّار يستر ذنوب العبد إذا لم يتجاوز عن الحدّ .

أو المراد به لطف الحقّ ، وتوفيقه الحاجز بين العبد والمعصية ، أو الملك الموكّل بقلبه لدلالته على الخيرات ، فإذا رفعه منه وقع في الشرّ .

والفرق بينه وبين التخلية كالفرق بين اللازم والملزوم ؛ لأنّ كشف الستر مستلزم التخلية .

(وركب المحارم ، فلم ينزع عنها) .

قال الجوهري : «نزع عن الاُمور نزوعاً : انتهى عنها» (3).

(فبُعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر) .

«بُعد» بالضمّ والتنوين، أو بالإضافة مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي بعد ما بينها كثير .

وكلمة «ما» موصولة، أو زائدة للمبالغة في التعظيم .

ويحتمل كون الظرف خبراً ، وقراءة «بعد» بصيغة الفعل محتمل ، والمراد أنّ بينهما مباينة

ص: 151


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 397 (غلظ)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 180
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1289 (نزع) مع اختلاف يسير

في الذات والصفات؛ لأنّ ذات المؤمن وصفاته نورانيّة ، وذات الكافر وصفاته ظلمانيّة ، فلا جامع بينهما .

(سلوا اللّه العافية) (1).

من العلل والبلاء ، أو من المعاصي أيضاً .

والعافية دفاع اللّه عن العبد . يقال : عافاه اللّه من المكروه معافاة وعافية ، أي وهب له العافية .

(واطلبوها إليه) . يقال : طلب إليّ ، أي رغب .

(صَبّروا النفس (2). على البلاء في الدنيا) .

قال الفيروزآبادي : «أصبره : أمره بالصبر ، كصبّره ، وجعل له صبراً» (3).

وقال: «ابتليته : اختبرته ، وفلاناً فأبلاني : استخبرته ، وامتحنته ، واختبرته ، كبلوته بَلواً وبلاء ، والاسم البَلوى والبَليّة والبِلوة بالكسر» (4). انتهى .

وقد شاع استعمال البلاء فيما يختبر به مثل التكاليف والأمراض والمصائب والفقر وتحمّل الأذى ونحوها .

(فإنّ تتابع البلاء فيها) أي في الدنيا .

(والشدّة في طاعة اللّه) عطف على التتابع .

واحتمال نصبها على المعيّة ، أو جرّها عطفاً على البلاء بعيد .

(ووَلايته ووَلاية من أمر بوَلايته خيرٌ عاقبةً عند اللّه) .

في بعض النسخ بعد قوله : «عند اللّه» : «في الآخرة» . وقوله : (من مُلك (5). الدنيا) متعلّق بخير .

(وإن طال تتابع نعيمها) .

الضمير للدنيا .

والنعيم : الخفض والدعة والمال، كالنعمة بالكسر .

ص: 152


1- .في الحاشية : «العافية : دفاع اللّه الأسقام والبلايا عن العبد ، وهي اسم من عافاه اللّه وأعفاه ، وُضع موضع المصدر ، ومثله: «ناشِئَةَ اللَّيْلِ» بمعنى نشوء الليل ، والخاتمة بمعنى الختم ، والكاذبة بمعنى الكذب ، ومعافاة اللّه : صرف الأذى عن الخلق وصرف أذى الخلق منك. مجمع البحرين» . مجمع البحرين ، ج 3 ، ص 210 (عفو)
2- .في الحاشية : «صبّر النفس ، أي حملها على الصبر . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 180
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 66 (صبر)
4- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 305 (بلو)
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تلك»

(وزهرتها وغَضارة عَيشها) .

قال الفيروزآبادي : «الزَّهرة ويحرّك : النبات ونَوره ، ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها ، وبالضمّ : البياض والحسن» (1).

وقال : «الغضارة : النعمة والسعة والخِصب» (2).

وقوله : (في معصية اللّه) متعلّق بملك الدنيا ، أو حال عنه .

وقيل : التفضيل باعتبار فرض الفعل ، وتقديره في المفضّل عليه ، والمقصود أنّ المشقّة في الدنيا مع الطاعة خير من الراحة فيها مع المعصية ، أمّا الطاعة فظاهرة ، وأمّا المشقّة فلأنّ فيها ثواب ، وفي الراحة حساب ، ولو قال : «في طاعة اللّه » بدل قوله : «في معصية اللّه» ، لفُهم أنّ المشقّة في الدنيا خير من الراحة فيها ، وليس ذلك بمقصود ، وإنّما المقصود ما ذُكر لترغيب أهل الحقّ في الصبر على المشقّة والطاعة بيان أنّهما خير من الراحة والمعصية التي من جملتها ترك الولاية ورفض طاعة الإمام عليه السلام (3).

وقوله : (ووَلاية من نهى اللّه عن ولايته وطاعته) عطف على معصية اللّه .

وقوله : (فإنّ اللّه أمر بولاية الأئمّة الذين سمّاهم اللّه في كتابه) إشارة إلى تحقيق ما ذكر من تصبير النفس على البلاء وما يتفرّع عليه وتثبيته ، وبيان من اتّصف بولاية من أمر اللّه بولايته ، ومن اتّصف بضدّها ، وبيان شيء من أحوالها ، والآثار المترتّبة على ذلك كلّه .

(في قوله) عزّ وجلّ في سورة الأنبياء : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً» يقتدي بهم بسبب تطهير ظاهرهم وباطنهم من الأرجاس كلّها ، وتعيينهم للنبوّة والإمامة ، وهي كالرسالة من قبله تعالى ؛ إذ هي متوقّفة على قدرة كاملة مانعة من الخطأ والزلل مطلقاً، وهي العصمة ، فلا ينافي هذا التفسير عود ضمير الجمع إلى الأنبياء المذكورين في الآية .

«يَهْدُونَ» الناس إلى الحقّ «بِأَمْرِنا» .

قيل : أي بسبب أمرنا لهم بالهداية لا يحبّ الدنيا ورئاسة أهلها ، أو بسبب أمرنا فيهم ، وهو اللطف والعصمة المانعة من الزلل ، أو إلى أمرنا وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، أو إنّهم يهدون

ص: 153


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 43 (زهر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 102 (غضر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 181

بأمرنا لا بأمر الناس حيث يقدمون أمر اللّه قبل أمرهم ، وحكم اللّه قبل حكمهم (1).

روى المصنّف رحمه الله في باب أنّ الأئمّة في كتاب اللّه إمامان : «قال اللّه تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» (2).

لا بأمر الناس ، يقدّمون أمر اللّه قبل أمرهم ، وحكم اللّه قبل حكمهم» .

وقال : « «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» (3).

يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه وحكمهم قبل حكم اللّه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه تعالى» (4).

(وهم) أي الأئمّة المذكورون في الآية .

(الذين أمر اللّه بولايتهم وطاعتهم) بقوله : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» (5). الآية ، وقوله : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (6). (والذين نهى اللّه عن ولايتهم وطاعتهم) بقوله : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ» (7). ؛ فإنّه نهى عن ولايات أعداء اللّه مطلقاً، وإن ورد في مورد خاصّ .

وقوله تعالى : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» ؛ فإنّ الغرض منه النهي عن اعتقاد ولاية تلك الأئمّة .

ثمّ اعلم أنّ الموصول مبتدأ ، والواو في قوله : (وهم أئمّة الضلالة) على ما في بعض النسخ للحال، أو للعطف على الصلة .

وقوله : (الذين قضى اللّه أن يكون لهم دُوَل في الدنيا على أولياء اللّه) صفة لأئمّة الضلالة .

وقوله : (الأئمّة من آل محمّد) صفة لأولياء اللّه ، أو بدل منه ، أو خبر مبتدأ محذوف .

وقوله : (يعملون في دولتهم بمعصية اللّه ومعصية رسوله صلى الله عليه و آله ) خبر المبتدأ ، أعني قوله : «الذين نهى اللّه» .

وقيل : يحتمل أن يكون الموصول الثاني بياناً وتفسيراً للموصول الأوّل ، وأن يكون خبراً له ، وحينئذ قوله : «يعملون» خبر بعد خبر ، أو حال عن ضمير «لهم» ، أو استئناف كأنّه قيل :

ص: 154


1- النساء (4) : 59
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 181
3- .الأنبياء (21) : 73
4- القصص (28) : 41
5- .الكافي ، ج 1 ، ص 216 ، باب أنّ الأئمّة في كتاب اللّه إمامان ... ، ح 2
6- المائدة (5) : 55
7- .الممتحنة (60) : 1

ما يصنعون في دولتهم ، فأجاب بما ذكر (1).

ومعنى قوله : «قضى اللّه» إلخ ، أنّه تعالى حكم بذلك، وأمر به ، وفي هذا القضاء حكمة مخفية لا يدركها عقولنا .

وقيل : لا يبعد أن يكون الحكمة منها اختبارهم واختبار هذه الاُمّة بهم ، كاختبار جميع الاُمم بالشيطان ليتميّز الخبيث منهم من الطيّب (2).

وقال الفيروزآبادي : «القضاء ، ويقصر : الحكم والصنع والحتم والبيان ، وقضى وطره : أتمّه وبلغه ، وإليه : أنهاه» (3).

(ليُحقّ (4)عليهم كلمةَ العذاب) .

في القاموس :

حقّه كمدّه : غلبه على الحقّ ، كأحقّه . والشيءَ : أوجبه ، كأحقّه وحقّقه. والطريق : [ركب] حاقّه ، والأمر يُحقّ ويَحقّ حقّة بالفتح : وجب ووقع بلا شكّ ، لازم متعدّ(5). انتهى .

وقيل : المراد بكلمة العذاب حكم اللّه عليهم بالشقاوة والكفر واستحقاق العذاب (6).

وقيل : هي أمر اللّه به ، أو الآيات الدالّة عليه كقوله تعالى : «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (7)كما يقال كلمة التوحيد ، ويراد بها الكلام الدالّ عليه ، أي فعل ما فعل ، وقضى ما قضى لتحقّ تلك الكلمة عليهم وعلى أتباعهم حقّاً مطابقاً للإيمان ، أو لتثبت ثبوتاً ظاهراً لا يخفى استحقاقهم له عليهم ولا على غيرهم ؛ إذ قد جرت حكمة اللّه تعالى أن لا يعذّب أحداً بسبب علمه بما يوجب استحقاقهم له ، حتّى يتحقّق المعلوم في الخارج ، ويطابق علمه به ، ويظهر استحقاقه للخلق (8).

(وليَتمّ أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله والرسل من قبله) .

ص: 155


1- القائل هو المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ، ج 11، ص 181 و 182 .
2- القائل هو المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ، ج 11، ص 181 و 182 .
3- القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص 379 ( قضى ) مع التلخيص.
4- في المتن الذي نقله الشارح رحمة الله سابقاً : + «الله» .
5- القاموس المحيط ، ج 3، ص 221 (حقق).
6- قاله العلّامة المجلسي رحمة الله في مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ٢٧ .
7- هود (11) : 119 ؛ السجدة (32) : 13 .
8- قاله المحقق المازندراني رحمة الله في شرحه ، ج 11، ص 182 .

في بعض النسخ : «يكونوا» بالياء المثنّاة التحتانيّة . وضمير الجمع للأئمّة عليهم السلام ، أو للمؤمنين الموصوفين سابقاً على احتمال .

وفى بعضها بالتاء الفوقانيّة ، فالضمير للشيعة الصابرين على البلاء ، التابعين لأئمّة الهُدى .

ثمّ اعلم أنّ هذا الموضع أيضاً أحد مواضع الاختلاف مع النسخة المشار إليها ، وفيها قوله : «وليتمّ» متّصل بقوله عليه السلام : «أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل» ، وقوله : «أن تكونوا» بعد قوله : «فإن سرّكم» هكذا : «واُوذوا مع التكذيب بالحقّ ، فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه» ، إلخ .

وقيل : المراد بقوله : «ليتمّ» : ليحقّ ، وإنّما عدل إليه للتفنّن ، ووجهه يعلم ممّا ذكر (1)، ويمكن أن يكون فيه إيماء إلى أنّ علمه تعالى باستحقاقهم للثواب كاف في الإثابة ، ولأعمالهم مَدخل في تمامها وكمالها ، ويؤيّده ظاهر بعض الآيات والروايات (2).

(فتدبّروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه) .

في القاموس: «قصّ الخبر: أعلمه» (3).

وقوله: (ممّا ابتَلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين) بيان للموصول .

(ثمّ سَلوا اللّه تعالى أن يُعطيكم [الصبر] على البلاء) .

قيل: الصبر وإن كان من فعل العبد ، ولذلك وقع التكليف به ، لكن التوفيق والقوّة المعدّة من فعله تعالى ، ولذا أمر بالسؤال عنه (4).

(في السَّرّاء والضَّرّاء) .

السرّاء : المَسرّة ، والضرّاء : الزَّمانة ، والشدّة ، والنقص في الأموال والأنفس .

وقيل : هما بناءان للمؤنّث ، ولا مذكّر لهما (5).

(والشدّة والرَّخاء) .

الرخاء بالفتح : سعة العيش .

وقيل : المراد بالفقرة الاُولى ما يتعلّق بالبدن مثل الصحّة

ص: 156


1- في الحاشية: «يعني قوله أو قد جرت حكمة الله تعالى، إلخ»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 182
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 313 (قصص)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 183
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 183

والسلامة والأمراض ونحوها ، وبالثانية ما يتعلّق بالمال كضيق العيش وسعته ، ولا يخفى أنّ في الرخاء والسرّاء أيضاً ابتلاء لكثرة ما يطلب فيهما (1).

(مثلَ الذي أعطاهم) من الصبر والتوفيق .

وضمير الجمع للأنبياء وأتباعهم، وعائد الموصول محذوف .

وقوله : (مُماظّة أهل الباطل) إلى قوله : (وحلمهم) .

يقال : ماظظتُه مُماظّة ومُماظّاً ، أي شاردته ونازعته ، وماظظت الخصم ، أي لازمته .

والهَدي بفتح الهاء _ وقد يكسر _ وسكون الدال : الطريقة والسيرة .

ويحتمل كونه هذا بضمّ الهاء وفتح الدال بمعنى الدلالة والرشاد، من قبيل إضافة المصدر إلى فاعله بحذف المفعول، أو بالعكس (2).

والوَقار بالفتح : الرزانة ، وعرّفوه بأنّه سكون النفس باللّه ، وعدم اضطرابها لشيء ممّا سواه ، وهو في الحقيقة يتحقّق بالاعتدال في القوّة العقليّة والشهويّة والغضبيّة .

والسكينة : طمأنينة الأعضاء ، وهي ثمرة الوقار .

والحلم بالكسر : الأناة والعقل ، وعرّفوه بأنّه صفة توجب العفو عن الآثام ، والصفح عن الانتقام .

وفي كثير من النسخ: «وحملهم» بتقديم الميم على اللام، وكان المراد به التحمّل .

وقوله : (وتخشّعهم) أي تضرّعهم للّه ، والانقياد لأحكامه ، والإطاعة لرسوله والأئمّة عليهم السلام ، والتواضع لسائر المؤمنين .

(وورعهم) أي كفّهم (عن محارم اللّه وصدقهم) في الأقوال ، أو في الأعمال أيضاً .

(ووفائهم) بالعهود .

(واجتهادهم) أي جدّهم وكدّهم للّه .

(في العمل بطاعته) خالصاً لوجهه .

وهذه الاُوصاف الثمانية كالبيان والتفسير لهَدي الصالحين، وهي اُمّهات الفضائل .

ص: 157


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 183
2- قد استبعد هذا الاحتمال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 183

(فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك) المذكور من الاتّصاف بسيرة الصالحين ، أو الأعمّ منه ومن الصبر على البلاء والحذر عن المُماظّة .

(لم تُنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم)؛ لأنّ منزلتهم الرفيعة ومرتبتهم المنيعة لا يليق إلّا لمن تخلّق بأخلاقهم .

(واعلموا أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً) .

قيل : لعلّ المراد به اللطف والتوفيق لاستعداد العبد في قبولهما ، أو خلق حبّ الخلق وكراهة الباطل .

وقيل : الإذن في دخول الجنّة .

ويستفاد من بعض الأخبار المروي عن الرضا عليه السلام (1).

أنّه الهداية إلى الجنّة في الآخرة بسبب إيمانه في الدنيا (2).

وقيل : المراد بالإرادة العلم ، وصحّ إطلاقها عليه ، والخير يتمّ سائر الخيرات ، وعلى التقادير لا يرد أنّ اللّه تعالى أراد خير جميع العباد ، فلا وجه للتخصيص ببعضهم (3).

(شرح صدره للإسلام) أي كشفه ووسّعه ، وهيّأه لقبوله والتزام إكماله .

(فإذا أعطاه ذلك) أي إرادة الخير المستلزم لشرح الصدر .

(ونَطَق لسانُه بالحقّ) أي تكلّم بما هو مطابق للواقع (4).

(وعقد) على بناء الفاعل ، أو المفعول . يقال : عقد البيع والجهل والعهد كضرب ، إذا شدّه .

(قلبه عليه) أي عقدا ثابتاً لا يزول بالشبهات والفتن ، واعتقد به حتّى كأنّه مشدود عليه لا يفارقه .

(فإذا جمع اللّه له ذلك) المذكور من إرادة الخير ، وشرح الصدر ، والنطق بالحقّ ، والقصد عليه ، والعمل به .

ص: 158


1- .في الحاشية: «في تفسير قوله تعالى: «فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَامِ» » [الأنعام (6): 125]
2- راجع : الاحتجاج ، ج 2 ، ص 411 ؛ التوحيد للصدوق ، ص 242 ، ح 4 ؛ عيون الأخبار ، ج 1 ، ص 131 ، ح 27 ؛ معانيالأخبار ، ص 145 ، ح 2
3- اُنظر في كلّ الأقوال : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 184
4- في شرح المازندراني : «ذلك لظهور أنّ النطق به وعقد القلب عليه فرع العلم ، فتأمّل»

وقيل : إنّما نسب الجميع إليه تعالى مع أنّ أكثر ذلك فعل العبد باعتبار توفيقه إيّاه (1).

(تمّ له إسلامه ...) .

المراد بالإسلام هنا ما هو أخصّ من الإيمان ، وربّما استدلّ بهذا وأمثاله على كون العمل خارجاً عن حقيقة الإسلام متمّماً له موجباً لكماله .

وقوله : (وكله إلى نفسه) أي خَلاه مع نفسه الأمّارة بالسوء ، وسلب عنه التوفيق جزاء لعمله .

يقال : وَكّل إليه الأمر _ كوعد _ وَكلاً ووُكولاً ، إذا سلّمه وتركه .

(وكان صدرُه ضَيّقاً حَرَجاً) بحيث يأبى عن الإيمان ، ويستوهم الحقّ .

قال الجوهري :ضاق الشيء يضيق ضَيقاً وضَيّقاً ، والضيق أيضاً تخفيف الضيّق ، والضيق أيضاً جمع الضَيقة ، وهي الفقر وسوء الحال(2).

وقال :

مكان حَرِج وحَرَج، أي ضيّق كثير الشجر ، لا تصل إليه الراعية، وقرئ: «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرِجاً» (3). وحَرَجاً ، وقد حَرج صدره يَحرج حَرجَاً(4). انتهى .

وقيل : الحرج : الضيق ، أو أشدّ أفراده ، فعل الأوّل تأكيد ، وعلى الثاني تأسيس ومبالغة في عدم قبوله الحقّ وإنكار أهله (5).

(فإن جرى على لسانه حقّ) اتّفاقاً، أو معلّلاً بالأغراض .

(لم يُعقد قلبُه عليه)؛ لعدم اعتقاده به .

(وإذا لم يُعقد قلبه عليه لم يُعطه اللّه العمل به) أي لم يوفّقه له ؛ ضرورة أنّ العمل به متوقّف على اعتقاده .

وقوله : (وأن يجعل مُنقلَبكم مُنقلَبَ الصالحين) .

الانقلاب : تحوّل الشيء ظهراً لبطن ، والمنقلب _ بضمّ الميم وفتح اللام _ للمكان ، والمصدر كالمنصرف ، أي يجعل مرجعكم أو رجوعكم إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ في القيامة ، أو

ص: 159


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 184
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1510 (ضيق)
3- .الأنعام (6) : 125
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 305 (حرج)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 184

وقت الموت ، أو مطلقاً كمرجع الصالحين ، أو رجوعهم في الاشتمال على الاستفاضات والسرور والكرامة والروح والراحة .

هذا وإذ قد فرغنا ممّا أردناه من شرح الرسالة على ترتيب النسخ المشهورة ، فلنذكرها على ترتيب النسخة المشار إليها سابقاً (1).

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .

أمّا بعد ، فاسألوا اللّه ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ؛ وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ؛ وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحمّلوا الضَّيم منهم ، وإيّاكم ومُماظّتهم ، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام ؛ فإنّه لا بدّ لكم من مجالستهم ومخاطبتهم (2). ومنازعتهم الكلام بالتقيّة التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم ، فإذا ابتُليتم بذلك منهم فإنّهم سيؤذونكم ، وتعرفون في وجوههم المنكر ، ولو لا أنّ اللّه تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم ، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر ممّا يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة ، وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف ، لا تحبّونهم أبداً ، ولا يحبّونكم غير أنّ اللّه تعالى أكرمكم بالحقّ ، وبصّركموه ، ولم يجعلهم من أهله ، فتجاملونهم ، وتصبرون عليهم ، وهم لا مجاملة لهم ، ولا صبر لهم على شيء من اُموركم ، تدفعون أنتم السيّئة «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» فيما بينكم وبينهم ، تلتمسون بذلك وجه ربّكم بطاعته ، وهم لا خير عندهم ، لا يحلّ لكم أن تظهروهم على اُصول دين اللّه ؛ فإنّهم (3).

إن سمعوا منكم فيه شيئاً عادوكم عليه ، ورفعوه عليكم ، وجاهدوا على هلاكهم ، واستقبلوكم بما تكرهون ، ولم يكن لكم النَّصَف منهم في دُوَل الفجّار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ؛ فإنّه لا ينبغي لأهل الحقّ أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ؛ لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحقّ عنده بمنزلة أهل الباطل ، أ لم تعرفوا وجه قول اللّه في كتابه إذ يقول : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ» (4).

ص: 160


1- قد ضبط المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 97 ، ح 25378 متن الخبر عن النسخة المشار إليها ، ونقله الغفاري في آخر كتاب الروضة _ المطبوع بتحقيقه _ عن الوافي ، فطبّقت أنا ما نقله الشارح رحمه الله هنا وقابلته مع ما في الوافي، وذكرت بعض الفروق الواقعة بينهما
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «مخالطتهم»
3- .في الوافي : «فإنّه»
4- ص (38) : 28

أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ، فلا تجعلوا اللّه تعالى _ «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى» (1).

_ وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عُرضة لأهل الباطل ، فتغضبوا اللّه عليكم ، فتهلكوا .

فمهلاً مَهلاً يا أهل الصلاح، لا تتركوا أمر اللّه وأمر من أمركم بطاعته ، فيغيّر اللّه ما بكم من نعمة ، أحبّوا في اللّه من وصف صفتكم ، وأبغضوا في اللّه من خالفكم ، وابذُلوا مودّتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها ، وبغاكم الغوائل .

هذا أدبنا أدب اللّه ، فخذوا به ، وتفهّموه ، واعقلوه ، ولا تنبذوه وراء ظهوركم ، ما وافق هداكم أخذتم به ، وما وافق هواكم اطّرحتموه ، ولم تأخذوا به .

وإيّاكم والتجبّر على اللّه ، واعلموا أنّ عبداً لم يبتل بالتجبّر على اللّه إلّا تجبّر على دين اللّه ، فاستقيموا للّه ، ولا ترتدّوا على أعقابكم «فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ، أجارنا اللّه وإيّاكم من التجبّر على اللّه ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا باللّه .

وقال : إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل _ أصل الخلق _ مؤمناً ، لم يمت حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويباعده منه ، ومن كرّه اللّه إليه الشرّ وباعده منه عافاه اللّه من الكبر أن يدخله والجبريّة ، فلانت عريكته ، وحسن خلقه ، وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشّعه وورع عن محارم اللّه ، واجتنب مساخطه ، ورزقه اللّه مودّة الناس ومجاملتهم ، وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء .

وإنّ العبد إذا كان اللّه خلقه في الأصل _ أصل الخلق _ كافراً، لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ ، ويقرّبه منه ، فإذا حبّب إليه الشرّ ، وقرّبه منه ، ابتُلي بالكبر والجبريّة ، فقسا قلبه ، وساء خلقه، وغلظ وجهه ، وظهر فحشه ، وقلّ حياؤه ، وكشف اللّه ستره ، وركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، وركب معاصي اللّه ، وأبغض طاعته وأهلها ، فبُعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر .

سلوا اللّه العافية ، واطلبوها إليه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه ، صبّروا النفس على البلاء في الدنيا ؛ فإنّ تتابع البلاء فيها والشدّة في طاعة اللّه وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند اللّه في الآخرة من ملك الدنيا ، وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية اللّه وولاية من نهى اللّه عن ولايته وطاعته ؛ فإنّ اللّه أمر بولاية الأئمّة الذين سمّاهم في كتابه في قوله: «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا» ، (2). وهم الذين أمر اللّه

ص: 161


1- .الروم (30) : 27
2- .الأنبياء (21) : 73

تعالى بولايتهم وطاعتهم ، والذين نهى اللّه عن ولايتهم وطاعتهم ، وهم أئمّة الضلالة (1).

الذين قضى اللّه أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء اللّه الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، يعملون في دولتهم بمعصية اللّه ومعصية رسوله ، ليحقّ عليهم كلمة العذاب، وليتمّ أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل _ أصل الخلق _ من الكفر الذي سبق في علم اللّه أن يخلقهم له في الأصل ، ومن الذين سمّاهم اللّه في كتابه في قوله : «وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ» (2).

فتدبّروا هذا ، واعقلوه ، ولا تجهلوه ؛ فإنّ من جهل هذا وأشباهه ممّا افترض اللّه عليه في كتابه ممّا أمر به ونهى عنه ، ترك دين اللّه ، وركب معاصيه ، فاستوجب سخط اللّه ، فأكبّه اللّه على وجهه في النار .

وقال : أيّتها العصابة المرحومة المفلحة ، إنّ اللّه أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنّه ليس من علم اللّه ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل اللّه القرآن ، وجعل فيه تبيان كلّ شيء، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصّهم به ، ووضعه عندهم كرامة من اللّه أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الاُمّة بسؤالهم ، وهم الذين من سألهم ، وقد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم ، ويتّبع أمرهم أرشدوه ، وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه وإلى جميع سبل الحقّ ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي (3).

أكرمهم اللّه به ، وجعله عندهم إلّا من سبق عليه في علم اللّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلّة ، فاُولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر ، والذين آتاهم اللّه علم القرآن ، ووضعه عندهم ، وأمر بسؤالهم ، فاُولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتّى دخلهم الشيطان ؛ لأنّهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّه كافرين ، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين ، وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه في كثير من الأمر حراماً ، وجعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالاً ، فذلك أصل ثمرة أهوائهم ، وقد عهد إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل موته ، فقالوا : نحن بعد ما قبض اللّه تعالى رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي

ص: 162


1- .القصص (28) : 41
2- في الوافي : «الضلال»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ : «الذين»

الناس بعد قبض اللّه تعالى رسوله ، وبعد عهده الذي عهده (1). ، وأمرنا به مخالفة للّه ولرسوله صلى الله عليه و آله ، فما أحد أجرأ على اللّه ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك ، وزعم أنّ ذلك يسعه ، واللّه إنّ للّه على خلقه أن يطيعوه ويتّبعوا أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد موته ، هل يستطيع اُولئك أعداء اللّه أن يزعموا أنّ أحداً ممّن أسلم مع محمّد صلى الله عليه و آله أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه ؟ !

فإن قال : نعم ، فقد كذب على اللّه ، و «ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً» ، وإن قال : لا ، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقرّ بالحجّة على نفسه ، وهو ممّن يزعم أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره بعد قبض اللّه رسوله ، وقد قال اللّه وقوله الحقّ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ» (2).

وذلك ليعلموا أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد قبض اللّه محمّداً صلى الله عليه و آله ، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافاً لأمر محمّد صلى الله عليه و آله ، فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه .

وقال : دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلّا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة؛ فإنّ الناس قد شهروكم بذلك ، «وَاللّهُ الْمُسْتَعانُ» ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .

وقال : أكثروا من أن تدعوا اللّه ؛ فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة ، والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنّة ، فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنهار؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بكثرة الذكر له، واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين .

واعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلّا ذكره بخير ، فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته؛ فإنّ اللّه لا يُدرَك شيء من الخير عنده إلّا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم اللّه في ظاهر القرآن وباطنه، فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه وقوله الحقّ : «وَذَرُوا ظاهِرَ الْاءِثْمِ وَباطِنَهُ» (3). ، واعلموا أنّ ما أمر اللّه أن تجتنبوه فقد حرّمه (4). ، واتّبعوا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته ، فخذوا بها ، ولا تتّبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ؛ فإنّ أضلّ

ص: 163


1- .في الوافي : + «إلينا»
2- آل عمران (3) : 144
3- .الأنعام (6) : 120
4- .في الوافي : + «اللّه »

الناس عند اللّه من اتّبع هواه ورأيه بغير هدى من اللّه ، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، ف_ «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها» (1).

وجاملوا الناس ، ولا تحمّلوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربّكم .

وإيّاكم وسبّ أعداء اللّه حيث يسمعونكم ، «فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» (2). ، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم للّه كيف هو ، إنّه من سبّ أولياء اللّه فقد انتهك سبّ اللّه ، ومن أظلم عند اللّه ممّن استسبّ للّه ولأوليائه ، فمهلاً مهلاً ، فاتّبعوا أمر اللّه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .

وقال : أيّتها العصابة الحافظ اللّه لهم أمرهم ، عليكم بآثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته وآثار الأئمّة الهداة من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بعده وسنّتهم ؛ فإنّه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ ؛ لأنّهم هم الذين أمر اللّه بطاعتهم وولايتهم ، وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «المداومة على العمل في اتّباع الآثار والسنن _ وإن قلّ _ أرضى للّه ، وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتّباع الأهواء» .

ألا إنّ اتّباع الأهواء واتّباع البدع بغير هدى من اللّه ضلال ، وكلّ ضلالة (3). بدعة ، وكلّ بدعة في النار، ولن ينال شيء من الخير عند اللّه إلّا بطاعته والصبر والرضا ؛ لأنّ الصبر والرضا من طاعة اللّه .

واعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن اللّه فيما صنع اللّه إليه ، وصنع به على ما أحبّ وكره ، ولن يصنع اللّه بمن صبر ورضي عن اللّه إلّا ما هو أهله ، وهو خير له ممّا أحبّ وكره .

وعليكم بالمحافظة «عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» ، (4). كما أمر اللّه به المؤمنين في كتابه من قبلكم ، وإيّاكم وعليكم بحبّ المساكين المسلمين ؛ فإنّه من حقّرهم وتكبّر عليهم ، فقد زلّ عن دين اللّه، واللّه له حاقر ماقت .

وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم» .

واعلموا أنّه من حقّر أحداً من المسلمين ، ألقى اللّه عليه المقت منه والمحقرة حتّى يمقته الناس ، واللّه له أشدّ مقتاً .

فاتّقوا اللّه في إخوانكم المسلمين المساكين ؛ فإنّ لهم عليكم حقّاً أن تحبّوهم ، فإنّ اللّه

ص: 164


1- الإسراء (17) : 7
2- .الأنعام (6) : 108
3- .في الوافي : «ضلال»
4- .البقرة (2): 238

أمر نبيّه صلى الله عليه و آله بحبّهم ، فمن لم يحبّ من أمر اللّه بحبّه ، فقد عصى اللّه ورسوله ، ومن عصى اللّه ورسوله ومات على ذلك ، مات وهو من الغاوين .

وإيّاكم والعظمة والكبر ؛ فإنّ الكبر رداء اللّه تعالى ، فمن نازع اللّه رداءه ، قصمه اللّه وأذلّه يوم القيامة .

وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض ؛ فإنّها ليست من خصال الصالحين ، فإنّه من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه ، وصارت نصرة اللّه لمن بُغي عليه ، ومن نصره اللّه غلب ، وأصاب الظفر من اللّه .

وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً ؛ فإنّ الكفر أصله الحسد .

وإيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم ، فيدعو اللّه عليكم ، فيستجاب له فيكم ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : «إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة» ، وليُعن بعضكم بعضاً ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : «إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام» .

وإيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول: «ليس للمسلم أن يعسر مسلماً، ومن أنظر معسراً أظلّه اللّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» .

وإيّاكم أيّتها العصابة المرحومة المفضّلة على من سواها ، وحبس حقوق اللّه قبلكم يوماً بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ؛ فإنّه من عجّل حقوق اللّه قبله كان اللّه أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل ، وإنّه من أخّر حقوق اللّه قبله كان اللّه أقدر على تأخير رزقه ، ومن حبس اللّه رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه ، فأدّوا إلى اللّه حقّ ما رزقكم يطيب لكم بقيّته ، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة ، التي لا يعلم بعددها ، ولا بكنه فضلها إلّا اللّه ربّ العالمين .

وقال : اتّقوا اللّه أيّتها العصابة ، وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج الإمام، (1). فإنّ (2). محرج الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام ، المسلّمين لفضله، الصابرين على أداء حقّه ، العارفين بحرمته .

واعلموا أنّ (3). من نزل بذلك المنزل عند الإمام ، فهو محرج الإمام، (4) فإذا فعل ذلك عند

ص: 165


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «للإمام»
2- .في الوافي : «و إنّ»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أنّه»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «للإمام»

الإمام أحرج الإمام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه المسلّمين لفضله ، الصابرين على أداء حقّه ، العارفين بحرمته ، فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّه الإمام صارت لعنته رحمة من اللّه عليهم ، وصارت اللعنة من اللّه ومن الملائكة ورسله (1). على اُولئك .

واعلموا أيّتها العصابة أنّ السنّة من اللّه قد جرت في الصالحين قبل .

وقال : من سرّه أن يلقى اللّه وهو مؤمن حقّاً حقّاً، فليتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا، وليبرأ إلى اللّه من عدوّهم ، وليسلّم لما انتهى إليه من فضلهم ؛ لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك ، أ لم تسمعوا ما ذكر اللّه من فضل أتباع الأئمّة الهداة _ وهم المؤمنون _ قال : «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (2).

فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة، فكيف بهم وفضلهم ؟ !

ومن سرّه أن يتمّ اللّه إيمانه حتّى يكون مؤمناً حقّاً حقّاً ، فليتّق اللّه (3). بشروطه التي اشترطها على المؤمنين ، فإنّه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمّة المؤمنين عليهم السلام إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض اللّه قرضاً حسناً واجتناب الفواحش «ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ» ، فلم يبق شيء ممّا فسّر ممّا حرّم اللّه إلّا وقد دخل في جملة قوله ، فمن دان اللّه فيما بينه وبين اللّه مخلصاً للّه ، ولم يرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا، فهو عند اللّه في حزبه الغالبين ، وهو من المؤمنين حقّاً.

وإيّاكم والإصرار على شيء ممّا حرّم اللّه في ظهر القرآن وبطنه ، وقد قال اللّه : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (4). _ إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع (5). _ يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئاً ممّا اشترط اللّه في كتابه عرفوا أنّهم قد عصوا اللّه في تركهم ذلك الشيء، فاستغفروا ، ولم يعودوا إلى تركه، فذلك معنى قول اللّه : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» .

واعلموا أنّه إنّما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ، ولينتهى عمّا نهى عنه، فمن اتّبع أمره فقد أطاعه ، وقد أدرك كلّ شيء من الخير عنده ، ومن لم ينته عمّا نهى اللّه عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبّه اللّه على وجهه في النار .

ص: 166


1- .النساء (4) : 69
2- آل عمران (3) : 135
3- .في الوافي : «رسوله»
4- .في الوافي : «فليف للّه »
5- .في الوافي : «الربيع»

واعلموا أنّه ليس بين اللّه وبين أحد من خلقه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك من خلقه كلّهم إلّا طاعتهم له ، فجدّوا في طاعة اللّه إن سرّكم أن تكونوا مؤمنين حقّاً حقّاً ، ولا قوّة إلّا باللّه.

وقال : عليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم ، فإنّ اللّه ربّكم .

واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم، والتسليم هو الإسلام ، فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له .

ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان، فليطع اللّه ؛ فإنّه من أطاع اللّه ، فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان .

وإيّاكم ومعاصي اللّه أن تركبوها؛ فإنّه من انتهك معاصي اللّه فركبها ، فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربّهم الجنّة ، ولأهل الإساءة عند ربّهم النار .

فاعملوا بطاعة اللّه ، واجتنبوا معاصيه ، واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من اللّه أحد من خلقه شيئاً ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك .

فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه ، فليطلب إلى اللّه أن يرضى عنه .

واعلموا أنّ أحداً من خلق اللّه لم يصب رضى اللّه إلّا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة وُلاة أمره من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، ومعصيتهم من معصية اللّه ، ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر .

واعلموا أنّ المنكرين هم المكذّبون ، وأنّ المكذّبين هم المنافقون ، وأنّ اللّه قال للمنافقين وقوله الحقّ : «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» (1). ، ولا يفرقنّ أحد منكم ألزم اللّه قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ، أخرجه اللّه من صفة الحقّ ، ولم يجعله من أهلها ؛ فإنّ من لم يجعله اللّه من أهل صفة الحقّ ، فاُولئك هم شياطين الإنس والجنّ ، وإنّ (2). لشياطين الإنس حيلاً ومكراً وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض ، يريدون إن استطاعوا أن يردّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه الذي لم يجعل اللّه شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء اللّه وأهل الحقّ في الشكّ والإنكار والتكذيب، فيكونون سواء كما وصف اللّه في كتابه من قوله : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً» (3). ، ثمّ نهى اللّه أهل النصر

ص: 167


1- . النساء (4) : 145
2- .النساء (4) : 89
3- .في الوافي : «فإنّ»

بالحقّ أن يتّخذوا من أعداء اللّه وليّاً ولا نصيراً ، فلا يهوّلنّكم ، ولا يردّنّكم عن النصر بالحقّ الذي خصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووسواس بعضهم إلى بعض ؛ فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحقّ ، فيعصمكم اللّهمن ذلك .

فاتّقوا اللّه ، وكفّوا ألسنتكم إلّا من خير ، وإيّاكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ؛ فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره اللّه ممّا نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ؛ فإنّ ذلق اللسان فيما يكره اللّه وفيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند اللّه ، ومقت من اللّه ، وصمم وعمى وبكم يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة ، فتصيروا كما قال اللّه : «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» (1). ؛ يعني لا ينطقون ، «وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (2).

وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه ، وعليكم بالصمت إلّا فيما ينفعكم اللّه به في أمر آخرتكم ، ويؤجركم عليه ، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على اللّه والتضرّع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ، ولا يبلغ كنهه أحد .

فاشْغَلوا ألسنتكم بذلك عمّا نهى اللّه عنه من أقاويل الباطل التي تُعقب أهلها خلوداً في النار لمن مات عليها ، ولم يتب إلى اللّه منها ، ولم ينزع عنها (3).

وعليكم بالدعاء ؛ فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرّع إلى اللّه والمسألة له .

فارغبوا فيما رغّبكم اللّه فيه ، وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه ؛ لتفلحوا وتنجوا منعذاب اللّه .

وإيّاكم أن تشره أنفسكم إلى شيء حرّم اللّه عليكم ؛ فإنّه من انتهك ما حرّم عليه هاهنا في الدنيا ، حال اللّه بينه وبين الجنّة ونعيمها ولذّتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنّة أبد الآبدين .

واعلموا أنّه بئس الحظّ (4).

لمن خاطر بترك طاعة اللّه وركوب معصيته ، فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذّات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنّة ولذّاتها

ص: 168


1- .البقرة (2) : 171 . وفي الوافي : «فهم لا يرجعون» بدل «فهم لا يعقلون»
2- المرسلات (77) : 36
3- في الوافي : «عليها»
4- .في الوافي : + «الخطر»

وكرامة أهلها ، ويل لاُولئك ما أخيب حظّهم ، وأخسر كرّتهم ، وأسوأ حالهم عند ربّهم يوم القيامة .

استجيروا اللّه أن يجريكم في مثالهم أبداً ، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا به .

فاتّقوا اللّه أيّتها العصابة الناجية ، إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم ؛ فإنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم ، وحتّى تُبتلوا في أنفسكم وأموالكم ، وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذًى كثيراً ، فتصبروا ، وتعركوا بجنوبكم ، وحتّى يستذلّوكم ويبغضوكم ، وحتّى يحمّلوا عليكم الضيم ، فتحتملوه منهم ، تلتمسون بذلك وجه اللّه والدار الآخرة ، وحتّى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في اللّه تعالى يجترمونه إليكم ، وحتّى يكذّبوكم بالحقّ ، ويعادوكم فيه ، ويبغضوكم عليه ، فتصبروا على ذلك منهم .

ومصداق ذلك كلّه في كتاب اللّه تعالى الذي أنزله جبرئيل على نبيّكم ، سمعتم قول اللّه تعالى لنبيّكم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ» (1).

ثمّ قال : «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ» (2). ، «فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا» ، فقد كذّب نبيّ اللّه والرسل من قبله ، واُوذوا مع التكذيب بالحقّ ، فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه محمّد صلى الله عليه و آله والرسل من قبله ، فتدبّروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه ممّا ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين .

ثمّ سلوا اللّه أن يعطيكم الصبر على البلاء في السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء مثل الذي أعطاهم .

وإيّاكم ومُماظّة أهل الباطل ، وعليكم بهدَي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشّعهم وورعهم عن محارم اللّه وصدقهم ووفائهم واجتهادهم للّه في العمل بطاعته ؛ فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم .

واعلموا أنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحقّ ، وعقد قلبه عليه ، فعمل به ، فإذا جمع اللّه له ذلك تمّ إسلامه ، وكان عند اللّه _ إن مات على ذلك الحال _ من المسلمين حقّاً ، وإذا لم يرد اللّه بعبد خيراً وكله إلى نفسه، وكان صدره ضيّقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حقّ لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه

ص: 169


1- .الأحقاف (46) : 35
2- .فاطر (35) : 4

عليه لم يعطه اللّه العمل به ، فإذا اجتمع ذلك عليه حتّى يموت _ وهو على تلك الحال _ كان عند اللّه من المنافقين ، وصار ما جرى على لسانه من الحقّ الذي لم يعطه اللّه أن يعقد قلبه عليه ، ولم يعطه العمل به حجّة عليه .

فاتّقوا اللّه ، وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام ، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحقّ ، حتّى يتوفّاكم وأنتم على ذلك ، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ، ولا قوّة إلّا باللّه ، «وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .

ومن سرّه أن يعلم أنّ اللّه يحبّه ، فليعمل بطاعة اللّه وليتّبعنا ، ألم يسمع قول اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» (1).

،واللّه لا يطيع اللّه عبد أبداً إلّا أدخل اللّه عليه في طاعته اتّباعنا ، ولا واللّه لا يتّبعنا عبد أبداً إلّا أحبّه اللّه ، ولا واللّه لا يدع اتّباعنا أحد أبداً إلّا أبغضنا ، ولا واللّه لا يبغضنا أحد أبداًإلّا عصى اللّه ، ومن مات عاصياً للّه أخزاه اللّه ، وأكبّه على وجهه في النار ، «وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» .

متن الحديث الثاني

اشاره

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، (2). عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ؛ وَ (3). عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، (4). عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ ، (5). عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ، (6). قَالَ :مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِلَا مَا بَلَغَنِي عَنْ (7). عَلِيِّ بْنِ أَبِي

ص: 170


1- .آل عمران (3) : 31
2- .في الحاشية: «ثقة على الظاهر»
3- .في السند تحويل بعطف طبقتين على طبقتين
4- .في الحاشية: «عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، ثقة ، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، وهذا هو الذي روى عنه محمّد بن يعقوب الكليني عنه ، وروى عنه إبراهيم بن هاشم القمّي ، ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول بقدح فيه، و[لا ]تعديل بالتنصيص ، والمروي عنه كثير. الخلاصة . المصحّح» . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 16 ، الرقم 18 ؛ رجال الشيخ ، ص353 ، الرقم 5224 ؛ الفهرست ، ص 4 ، الرقم 6 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 49 ، الرقم 9
5- .في الحاشية: «مالك بن عطيّة الأحمسي أبو الحسين البجلي الكوفي ، ثقة. مصحّح». رجال النجاشي ، ص 422 ، الرقم 2032 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 277 ، الرقم 2
6- .في الحاشية: «أبو حمزة هو ثابت بن دينار الثمالي، ودينار أبوه يكنّى بأبي صفيّة، كوفي ، ثقة، لقي السجّاد والباقر والصادق والكاظم عليهم السلام ، وكان من صالح أصحابنا، ونقل عن الرضا عليه السلام أبو حمزة في زمانه كسلمان في زمانه. مصحّح». وانظر : رجال الطوسي ، ص 333 ، الرقم 4959 ؛ خلاصة الأقوال ، ص 85 ، الرقم 5
7- .في الطبعة القديمة للكافي: «من»

طَالِبٍ عليه السلام ، قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : كَانَ (1). عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام إِذَا تَكَلَّمَ فِي الزُّهْدِ (2). وَوَعَظَ ، أَبْكى مَنْ بِحَضْرَتِهِ ، قَالَ أَبُو حَمْزَةَ :

وَقَرَأْتُ صَحِيفَةً فِيهَا كَلَامُ زُهْدٍ مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَكَتَبْتُ مَا فِيهَا ، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَعَرَضْتُ مَا فِيهَا عَلَيْهِ ، فَعَرَفَهُ ، وَصَحَّحَهُ ، وَكَانَ مَا فِيهَا :

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، كَفَانَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ، وَبَغْيَ الْحَاسِدِينَ، وَبَطْشَ الْجَبَّارِينَ .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، لَا تَفْتِنَنَّكُمُ (3). الطَّوَاغِيتُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي هذِهِ الدُّنْيَا، الْمَائِلُونَ إِلَيْهَا، الْمُفْتَتِنُونَ بِهَا، الْمُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَعَلى حُطَامِهَا الْهَامِدِ وَهَشِيمِهَا الْبَائِدِ غَداً.

وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللّهُ مِنْهَا، وَازْهَدُوا فِيمَا زَهَّدَكُمُ اللّهُ فِيهِ مِنْهَا، وَلَا تَرْكَنُوا إِلى مَا فِي هذِهِ الدُّنْيَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ وَمَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ.

وَاللّهِ ، إِنَّ لَكُمْ مِمَّا فِيهَا عَلَيْهَا دَلِيلاً (4).

وَتَنْبِيهاً مِنْ تَصْرِيفِ أَيَّامِهَا وَتَغَيُّرِ انْقِلَابِهَا وَمَثُلَاتِهَا وَتَلَاعُبِهَا بِأَهْلِهَا، إِنَّهَا لَتَرْفَعُ الْخَمِيلَ، وَتَضَعُ الشَّرِيفَ، وَتُورِدُ أَقْوَاماً إِلَى النَّارِ غَداً.

فَفِي هذَا (5). مُعْتَبَرٌ وَمُخْتَبَرٌ وَزَاجِرٌ لِمُنْتَبِهٍ، إِنَّ الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مُظْلِمَاتِ (6). الْفِتَنِ ، وَحَوَادِثِ الْبِدَعِ ، وَسُنَنِ الْجَوْرِ ، وَبَوَائِقِ الزَّمَانِ ، وَهَيْبَةِ السُّلْطَانِ ، وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ، لَتُثَبِّطُ الْقُلُوبَ عَنْ تَنَبُّهِهَا، وَتُذْهِلُهَا عَنْ مَوْجُودِ الْهُدى وَمَعْرِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ إِلَا قَلِيلاً مِمَّنْ عَصَمَ اللّهُ، فَلَيْسَ يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيَّامِهَا وَتَقَلُّبَ حَالَاتِهَا وَعَاقِبَةَ ضَرَرِ فِتَنِهَا (7).

إِلَا مَنْ عَصَمَ اللّهُ، وَنَهَجَ سَبِيلَ الرُّشْدِ، وَسَلَكَ طَرِيقَ الْقَصْدِ، ثُمَّ اسْتَعَانَ عَلى ذلِكَ بِالزُّهْدِ، فَكَرَّرَ الْفِكْرَ، وَاتَّعَظَ بِالصَّبْرِ (8). ، فَازْدَجَرَ، وَزَهِدَ فِي

ص: 171


1- .في الطبعة القديمة للكافي: + «الإمام»
2- .في الحاشية: «الزهد: ترك الدنيا، وصرف الإرادة عنها، والفرار عن متاعها ومناهيها . وقيل : الزهد ثلاثة أحرف ؛ فالزاء ترك الزينة ، والهاء ترك الهوى ، والدال ترك الدنيا . وقيل : هو صرف الهمّة إلى اللّه تعالى ، ورفض حلال الدنيا فضلاً عن حرامها . وقال عليّ بن الحسين عليهماالسلام : إنّ الزهد في آية من كتاب اللّه عزّو جلّ : «لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلَا تَفرَحُوا بِما آتَاكُمْ» [الحديد (57) : 23] . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 186 و187
3- .في كلتا الطبعتين : «لا يفتننّكم»
4- .في الطبعة القديمة للكافي والوافي وشرح المازندراني : «لدليلاً»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فهل من» بدل «ففي هذا»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «مظلاّ ت». وفي بعض نسخ الكافي والوافي : «ملمّات»
7- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة عن بعض النسخ: «فتنتها»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بالعبر»

عَاجِلِ بَهْجَةِ الدُّنْيَا، وَتَجَافى عَنْ لَذَّاتِهَا، وَرَغِبَ فِي دَائِمِ نَعِيمِ الْاخِرَةِ، وَسَعى لَهَا سَعْيَهَا، وَرَاقَبَ (1). الْمَوْتَ، وَشَنَأَ الْحَيَاةَ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، نَظَرَ إِلى مَا فِي الدُّنْيَا بِعَيْنٍ نَيِّرَةٍ، حَدِيدَةَ النَّظَرِ (2). ، وَأَبْصَرَ حَوَادِثَ الْفِتَنِ وَضَلَالَ الْبِدَعِ وَجَوْرَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ، فَلَقَدْ (3). لَعَمْرِي اسْتَدْبَرْتُمُ الْأُمُورَ الْمَاضِيَةَ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْفِتَنِ الْمُتَرَاكِمَةِ، وَا لأْهِمَاكِ فِيمَا تَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلى تَجَنُّبِ الْغُوَاةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْبَغْيِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ .

فَاسْتَعِينُوا بِاللّهِ، وَارْجِعُوا إِلى طَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلى بِالطَّاعَةِ مِمَّنِ اتُّبِعَ، فَأُطِيعَ .

فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ قَبْلِ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ وَالْقُدُومِ عَلَى اللّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ .

وَتَاللّهِ مَا صَدَرَ قَوْمٌ قَطُّ عَنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ إِلَا إِلى عَذَابِهِ، وَمَا آثَرَ قَوْمٌ قَطُّ الدُّنْيَا عَلَى الْاخِرَةِ إِلَا سَاءَ مُنْقَلَبُهُمْ، وَسَاءَ مَصِيرُهُمْ .

وَمَا الْعِلْمُ بِاللّهِ وَالْعَمَلُ إِلَا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفَانِ؛ فَمَنْ عَرَفَ اللّهَ خَافَهُ، وَحَثَّهُ الْخَوْفُ عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَإِنَّ أَرْبَابَ الْعِلْمِ وَأَتْبَاعَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا اللّهَ، فَعَمِلُوا لَهُ، وَرَغِبُوا إِلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللّهُ : «إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ» (4). ، فَلَا تَلْتَمِسُوا شَيْئاً مِمَّا فِي هذِهِ الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةِ اللّهِ (5). ، وَاشْتَغِلُوا فِي هذِهِ الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللّهِ، وَاغْتَنِمُوا أَيَّامَهَا، وَاسْعَوْا لِمَا فِيهِ نَجَاتُكُمْ غَداً مِنْ عَذَابِ اللّهِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ أَقَلُّ لِلتَّبِعَةِ، وَأَدْنى مِنَ الْعُذْرِ، وَأَرْجى لِلنَّجَاةِ .

وَقَدِّمُوا (6). أَمْرَ اللّهِ، وَطَاعَةَ مَنْ (7).

أَوْجَبَ اللّهُ طَاعَتَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَلَا تُقَدِّمُوا الْأُمُورَ الْوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ مِنْ طَاعَةِ الطَّوَاغِيتِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَبِيدُ اللّهِ، وَنَحْنُ مَعَكُمْ، يَحْكُمُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً، وَهُوَ مُوقِفُكُمْ وَمُسَائِلُكُمْ، فَأَعِدُّوا الْجَوَابَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالْمُسَاءَلَةِ وَالْعَرْضِ عَلى رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَوْمَئِذٍ «لَا تَكَلَّمُ

ص: 172


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «راغب»
2- .في الطبعة القديمة للكافي وحاشية النسخة عن بعض النسخ: «البصر»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي وشرح المازندراني : «فقد»
4- .فاطر(35) : 28
5- .في الحاشية: «نهى عن اكتساب المعصية مطلقاً، ومنها الدنيا المانعة من الطاعة ، أو المفضية إلى ترك الطهارة كبعض الأسفار للتجارة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 194
6- .في الطبعة القديمة للكافي : «فقدّموا»
7- .في الحاشية: «أمر عليه السلام بتقديم أمر اللّه تعالى ، وطاعة الإمام المنصوب من قبله على جميع الاُمور الدنيويّة وإن كانت مباحة ، ولا يتحقّق ذلك إلّا بمراقبة العبد جميع حركاته وسكناته. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 194

نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ» (1).

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ لَا يُصَدِّقُ يَوْمَئِذٍ كَاذِباً، وَلَا يُكَذِّبُ صَادِقاً، وَلَا يَرُدُّ عُذْرَ مُسْتَحِقٍّ، وَلَا يَعْذِرُ غَيْرَ مَعْذُورٍ، لَهُ الْحُجَّةُ عَلى خَلْقِهِ بِالرُّسُلِ وَالْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ الرُّسُلِ .

فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ، وَاسْتَقْبِلُوا مِنْ (2). إِصْلَاحِ أَنْفُسِكُمْ (3). ، وَطَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ مَنْ تَوَلَّوْنَهُ فِيهَا، لَعَلَّ نَادِماً قَدْ نَدِمَ فِيمَا فَرَّطَ بِالْأَمْسِ فِي جَنْبِ اللّهِ، وَضَيَّعَ مِنْ حُقُوقِ اللّهِ.

وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَةِ، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ.

وَإِيَّاكُمْ وَصُحْبَةَ الْعَاصِينَ، وَمَعُونَةَ الظَّالِمِينَ، وَمُجَاوَرَةَ الْفَاسِقِينَ، احْذَرُوا فِتْنَتَهُمْ (4). ، وَتَبَاعَدُوا مِنْ (5). سَاحَتِهِمْ.

وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ خَالَفَ أَوْلِيَاءَ اللّهِ، وَدَانَ بِغَيْرِ دِينِ اللّهِ، وَاسْتَبَدَّ بِأَمْرِهِ دُونَ أَمْرِ وَلِيِّ اللّهِ، كَانَ فِي نَارٍ تَلْتَهِبُ ، تَأْكُلُ أَبْدَاناً قَدْ غَابَتْ عَنْهَا أَرْوَاحُهَا، وَغَلَبَتْ عَلَيْهَا شِقْوَتُهَا، فَهُمْ مَوْتى لَا يَجِدُونَ حَرَّ النَّارِ، وَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَوَجَدُوا مَضَضَ حَرِّ النَّارِ.

وَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ، وَاحْمَدُوا اللّهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ قُدْرَةِ اللّهِ إِلى غَيْرِ قُدْرَتِهِ، «وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ» (6). ثُمَّ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، فَاتَّعِظُوا (7). بِالْعِظَةِ ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الصَّالِحِينَ» .

شرح الحديث

السند صحيح.

قوله عليه السلام : (كفانا اللّه وإيّاكم كيدَ الظالمين، وبغيَ الحاسدين، وبطشَ الجبّارين) .

ص: 173


1- هود (11): 105
2- .في الطبعة القديمة للكافي وحاشية النسخة عن بعض النسخ: «في»
3- .في الحاشية: «أي الخالق والمخلوق ، وحقيقته تهذيب النفس عن الرذائل وتزيينها بالفضائل ، وتعدية الاستقبال ب «في» باعتبار تضمينه بمعنى السعي ، أو الشروع ، أو بمعنى «على» . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 196 . ولا يخفى أنّ هذا التفسير مناسب إذا كان المتن : «في إصلاح أنفسكم» كما في بعض النسخ والطبعة القديمة وشرح المازندراني
4- .في الحاشية عن بعض نسخ الكافي: «فتنهم»
5- .في الحاشية عن بعض نسخ الكافي: «عن»
6- .التوبة (9) : 94 . وفي الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : _ «ورسوله»
7- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة: «فانتفعوا»

قال الجزري : «كفاه الأمر، إذا قام مقامه فيه» (1).

وقال الفيروزآبادي: «الكيد: المكر والخبث والحيلة والحرب» (2).

وقال: «بغى عليه يبغي بَغياً: علا ، وظلم ، وعدل عن الحقّ ، واستطال ، وكذب» (3).

وقال: «بطش به يبطش ويبطش: أخذه بالعنف والسطوة، والبطش : [الأخذ ]الشديد من كلّ شيء، والبأس» (4).

وقال: «الجبّار : كلّ عات ، والقتّال في غير حقّ، والعظيم القويّ الطويل، والمتكبّر الذي لا يرى لأحد عليه حقّاً» (5). انتهى.

وقيل: الفرق بين الثلاثة أنّ الظالم الخارج من الدين مكره ، وخدعته لقصد إخراج الغير منه تابع لفساد قوّته العقليّة ؛ والحاسد بغيه وعداوته في زوال نعمة الغير على الأنحاء الممكنة ، وإرادتها لنفسه تابع لفساد قوّته الشهويّة ؛ والجبّار تسلّطه وبطشه تابع لفساد قوّته الغضبيّة ؛ والكلّ خارج عن حدّ العدل ، داخل في رذيلة الإفراط . انتهى (6).

(أيّها المؤمنون لا يَفتننّكم الطواغيت) إلى قوله : (فيما زهّدكم اللّه فيه منها) .

قال الفيروزآبادي :

الفتنة بالكسر : الحيرة، وإعجابك بالشيء ، والضلال ، والإثم ، والفضيحة ، والعذاب ، والإضلال ، والجنون ، والمحنة ، والمال ، والأولاد ، واختلاف الناس في الآراء ، وفتنه يفتنه : أوقعه في الفتنة، كفتّنه وأفتنه ، فهو مفتن ومفتون، لازم متعدّ (7).

وقال: الطاغوت : كلّ رأس ضلال ، والكاهن ، والشيطان ، والأصنام ، وكلّ ما عُبد من دون اللّه ، ومَرَدة أهل الكتاب، للواحد والجمع، فَلَعوت من طَغَووت ، الجمع: طواغيت وطواغ(8). انتهى .

وقيل: المراد به هنا الراغب المنهمك في الدنيا، وجمع أسبابها ، كسلطان الجور ومن دونه على تفاوت درجاتهم.

ص: 174


1- النهاية ، ج 4 ، ص 193 (كفا)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 334 (كيد)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 263 (بطش)
5- .القاموسط المحيط ، ج 1 ، ص 384 (جبر)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 187
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 255 (فتن)
8- القاموسط المحيط ، ج 4 ، ص 357 (طغو)

والمعنى: فلا يضلّنّكم، ولا تمدّنّ عينيك إلى ما هم فيه من كثرة النعم والتسلّط على الغير؛ فإنّها حجب حائلة بين العبد والربّ لو كانت مباحة، فكيف بالحرام؟! (1).

وقال الجوهري : «الحُطام بالضمّ: ما تكسر من اليبيس» (2).

وقال الفيروزآبادي : «الهامد : البالي المسوّد المتغيّر، واليابس من النبات، ومن المكان : ما لا نبات به» (3).

وقال: «الهَشم: كسر الشيء اليابس أو الأجوف، أو كسر العظام والرأس خاصّة ، أو كلّ شيء ، هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم» (4).

وقال : «باد يَبيد بَوداً وبيدودة: ذهب، وانقطع . والشمس بيوداً : غربت» (5). انتهى.

وقوله: (غداً) ظرف للبائد، أو للهامد أيضاً، والظاهر أنّه كناية عن القيامة . وقيل: عن وقت الموت، أو قبله في أقرب الأوقات، أو بعده (6).

والمراد بالحطام والهشيم متاع الدنيا سمّاه بهما ووصفه بما ذكر تحقيراً له وتنفيراً عنه على سبيل الاستعارة، ووجه المشابهة أنّ معناهما وهو النبات اليابس، كما أنّه لا نفع له بالنسبة إلى ما تبقى خُضرته ونضرته، ويكون ذا ثمرة، كذلك متاع الدنيا بالنسبة إلى الأعمال الصالحة الباقية في الآخرة ، على أنّ في الهشيم لو كان بمعنى الهاشم، إشارة إلى معنى آخر، وهو أنّه يكسر عقله في الدنيا، وقدره في الآخرة، كما أنّ في وصفة بالبائد إشارة إلى انقطاعه وزواله سريعاً ، فلا ينبغي أن يتوجّه العاقل إلى الكاسر له والزائل عنه.

وقد ذكر للطواغيت أوصاف أربعة مترتّبة:

الأوّل : الرغبة في الدنيا، وهي بمنزلة إرادتها بمن تصوّرها وتصوّر منافعها الزائلة.

والثاني : الميل إليها، وهي بمنزلة العزم لها.

والثالث : الافتتان بها ، أي إصابة فتنها ، وقبول ضلالها حتّى العقل الداعي إلى الخيرات الاُ خرويّة، ويحصل القوّة الداعية إلى الدنيا وجمع زخارفها.

ص: 175


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 187
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1901 (حطم)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 348 (همد)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 190 (هشم)
5- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 279 (بود)
6- قال المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 187

والرابع : الإقبال عليها، وصرف العمر في تحصيلها وضبطها.

وعائد الموصول في قوله: (ما حذّركم اللّه منها) محذوف، وضمير التأنيث عائد إلى الدنيا، وعوده إلى الموصول باعتبار كونه عبارة من الدنيا بعيد، وأيضاً لا يناسب قوله: (وازهدوا فيما زهّدكم اللّه فيه منها) .

(ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا) .

الركون: الميل والسكون . يقال: ركن إليه، كنصر وعلم ومنع.

والغرض من التشبيه في قوله: (ركون من اتّخذها دارَ قرار ومنزل استيطان) أنّ الدنيا مذمومة من هذه الجهة، وهي الرضا بها، واتّخاذها وطناً ودار إقامة كما هو عادة أهل الدنيا، والراغبين إليها، وإلّا فهي من حيث كونها محلًا للعبادة والعبرة، وتزوّد التقوى للآخرة ممدوحة .

(واللّه إنّ لكم ممّا فيها عليها دليلاً) .

في بعض النسخ: «لدليلاً».

(وتنبيهاً من تصريف أيّامها) .

كلمة «من» بيان للموصول.

وقيل: المراد من التصريف ذهاب قوم ومجي?آخرين، لا في الذاهبين رجوع إلى الدنيا، ولا في الآخرين سكون فيها (1).

(وتغيّر انقلابها) أي تغيّر الأمن والصحّة والرخاء ونحوها إلى الخوف والسقم والشدّة بالعكس.

(ومَثُلاتها) عطف على التصريف، أي شدائدها وعقوباتها.

قال الجزري والجوهري : «المَثُلة بفتح الميم وضمّ الثاء: العقوبة، والجمع: المَثُلات» (2).

(وتَلاعُبها بأهلها) بأن عرضت زينتها وزخارفها عليهم، فإذا أقبلوا إليها، واطمأنّوا بها، أدبرت عنهم.

ص: 176


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 188
2- الصحاح، ج 5، ص 1816 (مثل). وراجع: النهاية، ج 4، ص 294 (مثل)

وقيل: هو إلباس أسبابها الخسيسة بالصور الحسنة، وتزيينها عند أهلها، وهذا العمل شبيه بالملاعبة، وفي الصيغة الدالّة على وقوع الفعل من الطرفين دلالة على وقوعه منها على وجه الكمال، وهذا العمل كما يسمّى ملاعبة كذلك يسمّى خدعة وغُروراً على سبيل المكنيّة والتخييليّة، وفيه ترغيب لتنبيه اللبيب في الاتّعاظ من تصاريفها وتقلّبها على أهلها ، وعدم ثباتها على وجه واحد، كما تشهد عليه الديار الخالية والمنازل الخالية عن أهلها وسكّانها، فإنّ المتيقّظ إذا عرف هذه الاُمور وتدبّرها، اتّعظ بها، واعتبر منها (1).

وقوله عليه السلام : (إنّها لتَرفع الخَميل ... ) (2). كالبيان والدليل لسابقه.

ولعلّ المراد بالخميل الخامل، وهو الخفيّ الذكر، والساقط الذي لا نباهة له (3).

(وتضع الشريف، وتورد أقواماً إلى النار غداً) أي تصير سبباً لدخولهم فيها بإعطاء لذّاتها وشهواتها الموجبة له.

(ففي هذا) الذي ذكر من تصريف أيّامها، إلخ.

(معتبر ومختبر) اسمان بفتح الباء فيهما للمكان.

وفي بعض النسخ: «فهل من معتبر ومختبر»، وعلى هذه يكونان بصيغة اسم الفاعل.

(وزاجر لمنتبه) أي لكلّ من تنبّه ويتّعظ.

والمراد به العاقل، وخصّصه بالذكر؛ لأنّه هو المقصود بالخطاب.

وفي القاموس: «النُبه بالضمّ: الفطنة ، والقيام من النوم، وأنبهته ونبّهته ، فتنبّه وانتبه» (4).

(إنّ الاُمور الواردة عليكم في كلّ يوم وليلة من مُظلمات الفتن) .

وفي بعض النسخ: «من مُضلّات الفتن» . وفي بعضها: «من مُلمّات» . والمُلمّة: النازلة من نوازل الدنيا .

والظاهر أنّ كلمة «من» بيان للاُمور، ويحتمل كونها ابتدائيّة، أي الاُمور الناشئة منها .

ص: 177


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 188
2- .في الحاشية: «الخُمول: ناپديد وبى نام شدن»
3- في الحاشية: «النُباهة: بزرگوار شدن. ونسبة هذه الأفعال إلى الدنيا باعتبار أنّها سبب متأدّى لها». شرح المازندراني ، ج11 ، ص 188
4- القاموس المحيط، ج 4، ص 293 (نبه)

وإضافة المظلمات إلى الفتن من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف.

وقيل: المراد بها فتنة الخلفاء الثلاثة وأضرابهم من بني اُميّة وأتباعهم، وكونها فتنة ومحنة ظاهر لشدّتها على أهل الإيمان، وكثرة بلوى أهل الدين فيها في القتل والأذى ونحوهما.

وإنّما وصفها بالظلمة ؛ لأنّ الواقع فيها لا يجد إلى الناصر سبيلاً، وإلى الخلاص دليلاً، كالسائر في الظلمة(1).

أقول : الاُولى حمل الفتنة على ما يعمّ ما ذكر وغيره.

(وحوادث البدع) .

في القاموس : «البدعة بالكسر: الحديث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه و آله من الأهواء والأعمال» (2). انتهى.

ووصفها بالحدوث للكشف والإيضاح.

(وسنن الجور) .

في القاموس : «السنّة بالضمّ: السيرة والطبيعة، وسنن الطريق مثلّثة وبضمّتين: نهجه وجهته» (3). انتهى.

وقيل: المراد بسنن الجور هنا الظلم والضلال عن طريق الحقّ، والسنّة إذا اُطلقت يراد بها ما جاء به النبي صلى الله عليه و آله ، وإذا اُضيفت يراد بها معنى تقتضيه الإضافة.

ولعلّ المراد بها هنا طريقة الجائر وسيرتها الخبيثة ، كغصب الفيء والأموال ، وقتل النفوس ، والإضلال ، وغير ذلك من أنواع الظلم والجور (4).

(وبَوائق الزمان) أي اُموره الغلظة الشديدة وشروره.

وفي القاموس: «البائقة: الداهية، الجمع: بوائق» (5).

(وهَيبة السلطان) .

الهيبة: المهابة، وهي الإجلال والمخافة، وقد هابه يَهابه . وإضافتها إلى السلطان إضافة المصدر إلى مفعوله.

ص: 178


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه، ج 11، ص 189
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 4 و5 (بدع)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 237 (سنن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 189
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 215 (بوق)

(ووسوسة الشيطان) .

الوسوسة: حديث النفس والشيطان بما لا نفع فيه ولا خير.

وقوله: (لَتُثبّط القلوب عن تنبّهها) بفتح اللام ، خبر «إنّ».

في القاموس: «ثبّطه عن الأمر: عوّقه ، وبطّأبه عنه ، كثبّطه فيهما» (1).

؛ يعني أنّ الاُمور المذكورة تشغل القلوب وتعوقها ؛ لكمال حيرتها ودهشتها عن يقظتها وفطنتها، أو عن إدراكها وجه فسادها، وكيفيّة التخلّص منها .

وقيل: هذا في اللفظ خبر، وفي المعنى زجر عن تثبّط القلوب بأمثال هذه الاُمور عن الحقّ ومعرفة أهله بالتفكّر في أنّ هذه الاُمور خارجة عن القوانين العدليّة، وزمانها قليل مُنصرم ، وعقوبة مخالفة الحقّ وأهله شديدة دائمة(2).

(وتُذهلها عن مَوجود الهُدى) .

قال الجوهري: «ذَهلتُ عن الشيء أذهل ذُهولاً ذُهُلاً : نسيته وغفلتُ عنه، وأذهلني عنه كذا، وفيه لغة اُخرى : ذَهِلت _ بالكسر _ ذَهولاً» (3). انتهى.

وإضافة الموجود إلى الهدى من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها؛ أي تشغلها عن الهدى الموجود بينهم، وهو الإمام المنصوب من اللّه، أو دينه الحقّ، أو القرآن (4). (ومعرفة أهل الحقّ) من الأنبياء والأوصياء ومن يقتدي بسنّتهم. وقوله: (إلّا قليلاً ممّن عصم اللّه) استثناء من القلوب، أي من قلب مَن عصم اللّه، أو من أهلها المفهوم من السياق، وهم الذين آمنوا بما يجب الإيمان به.

وإضافة الضرر إلى الفتنة في قوله: (وعاقبةَ ضرر فتنتها) (5). لاميّة، أو بيانيّة.

وضررها الخروج من الدين، وعاقبته الدخول في النار.

(إلّا من عصم اللّه، ونهج سبيل الرشد) .

يقال: نهجت الطريق _ كمنع _ إذا أنبته وأوضحته، ونهجت الطريق أيضاً ، إذا سلكته.

ص: 179


1- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 352 (ثبط)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 190
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1702 (ذهل)
4- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «ولعلّ الذهول المفهوم من الإذهال كناية عن الترك والخروج من الحقّ إلى الباطل»
5- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «فتنها»

والرشد بالضمّ وبضمّتين: الهداية ، والاستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه.

(وسلك طريق القصد) .

لعلّ الإضافة بيانيّة.

وفي القاموس: «القصد: استقامة الطريق ، والاعتماد» (1).

(ثمّ استعان على ذلك) المذكور من العصمة وما عطف عليها .

(بالزهد) في الدنيا، وعدم الرغبة إلى زخارفها .

(فكرّر الفكر) في أحوال الدنيا وانقلاباتها وتصرّفاتها، وتكرير الفكر فيها يوجب ملكة الاعتبار وقوّة الانزجار .

(واتّعظ بالصبر) .

الباء للتلبّس، وكونها صلة للاتّعاظ بعيد.

وفي بعض النسخ: «بالعبر» ، وهو أظهر.

(فازدجر) .

الاتّعاظ: قبول الموعظة . والزجر: المنع والنهي. يقال: زجره وازدجره ، فانزجر وازدُجر، يتعدّى ولا يتعدّى، أي قبل الموعظة من أحوال الماضين، أو من أحوال الدنيا وتقلّب أوضاعها ، متلبّساً بالصبر على مكارهها ومصائبها .

أو المراد بالصبر عدم التسرّع في الفكر والتأمّل ، والغور والتعمّق في المقدّمات ومباديها، فازدجر ، ومنع النفس من الميل إلى الدنيا وزينتها .

(وزهد في عاجل بَهجة الدنيا) .

يقال: زهد في الشيء وعن الشيء _ كعلم _ إذا لم يرغب فيه، وزهد _ كمنع _ لغة فيه.

والبهجة بالفتح: الحسن، وبهجة الدنيا: نعيمها وزخارفها .

وإضافة العاجل إليها إمّا بيانيّة، أو من قبيل إضافة الصفة إلى موصوفها.

(وتَجافى) أي بَعُد وامتنع (عن لذّاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة).

قال الجوهري : «تجافى جنبه عن الفراش: نَبا» (2).

وفي القاموس: «جفا الشيء جَفاء وتجافى: لم يلزم مكانه، وجفا عليه كذا : ثقل .

والجفأ نقيض الصلة» (3).

ص: 180


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 327 (قصد)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2303 (جفا)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 312 (جفا)

(وسعى لها سعيها) أي ما هو حقّها من السعي (1).

وقيل في ذكر المصدر وإضافته إلى الآخرة مبالغة وترغيب في السعي والاجتهاد لها، والإتيان بأسبابها ومنافعها على قدر الإمكان (2).

(وراقب الموت) .

يقال: راقب الشيء، إذا انتظره، أو حرسه .

وراقبه أيضاً ، إذا خافه .

ولا شكّ أنّ مراقبة الموت وانتظاره دائماً وعدم نسيانه تزعج النفوس إلى التهيّؤ لاُمور الآخرة، وسلوك سبيل الجنّة .

ونِعم ما قيل : ممّا يعين على مراقبته أن يتصوّر أيّام عمره فراسخ ، وساعاته أميالاً ، وأنفاسه خطوات ، [فكم] من شخص بقيت له فراسخ ، وآخر بقيت له أميال ، وآخر بقيت له خطوات ، ولما لم يكن له علم ببقاء شيء من ذلك ، فليجوز وجود الموت في الآن الموجود هو فيه، وليتعوّذ باللّه من وروده على غير عدّة (3).

(وشنأ الحياة) أي أبغضها (مع القوم الظالمين)؛ لعلمه بأنّ التعيّش معهم يوجب خسران المبين وفساد الدين ، مع كراهه مخالطة الظالمين ، ومشاهدة مخالفة ربّ العالمين.

قال الفيروزآبادي: «شنأه _ كمنعه وسمعه _ شنئاً، ويثلّث، وشنآناً: أبغضه». (4) (نظر إلى ما في الدنيا بعَين نَيّرة) .

في بعض النسخ: «بعين قَرَّة» .

يقال: قرّت عينه تقرّ _ بالكسر والفتح _ قُرّة _ ويضمّ _ وقُروراً، أي بردت، وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه.

وإنّما وصفت العين بالمصدر مبالغة . وقيل: هذا كالتأكيد للسابق، ولذا ترك العطف.

والمراد بكونها نيّرة كونها في غاية الحرّة ، كما أشار إليه بقوله: (حديدة النظر).

في بعض النسخ: «البصر» بدل «النظر»، وهي صفة ثانية للعين، والإضافة لفظيّة، فلا يفوت المطابقة.

ص: 181


1- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 31 : «[وهو] إشارة إلى قوله تعالى : «وَ مَنْ أَرَادَ الْأَخِرَةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا» الآية» [الإسراء (17) : 19]
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 191
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 191
4- القاموس المحيط، ج 1، ص 19 (شنأ)

واُريد بحدّتها بلوغها إلى نهاية ما في الدنيا من المفاسد والمقابح ، ظاهرة أو مخفيّة، حسّيّة أو عقليّة .

(وأبصر حوادث الفتن) المذكورة وغيرها.

(وضَلال البدع) .

الإضافة فيهما بيانيّة، أو لاميّة، أي الاُمور الحادثة في الدين من اختراع المضلّين.

(وجورَ الملوك الظَّلَمة) جمع ظالم.

(فلقد لَعَمْري) .

في بعض النسخ: «فقد».

قال الفيروزآبادي : «العمر بالفتح وبالضمّ وبضمّتين: الحياة، وبالفتح: الدين.

قيل: ومنه «لَعَمري» ، ويحرّك» (1).

(استدبرتم الاُمور الماضية في الأيّام الخالية) أي الماضية من أيّام الدنيا.

قال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام : «أي فقد استدبرتم، حذف الفعل لوجود المفسّر» .

وأقول : أنت خبير بما فيه ؛ فإنّ توسيط القسم بين «قد» ومدخوله جائز، ومثله في الكلام كثير، وفي الأدعية السجّاديّة: «قد وعزّتك بلغ بي مَجهودي» (2).

، فلا يحتاج إلى ارتكاب الحذف.

ثمّ قال: وقد ، لتقريب الماضي إلى الحال ؛ لإحضار مضمونه عند المخاطب، وهو أدخل في التحريص على التفكّر فيه، واللام للابتداء، والخبر محذوف وجوباً ؛ لقيام جواب القسم مقامه، أي لواهب عمري قسمي على حذف المضاف .

أو المراد به صورة القسم تأكيداً لمضمون الكلام وترويجه، وليس المراد به القسم حقيقة، فلا يردّ أنّه لا يقسم بغير اللّه (3).

ص: 182


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 191
2- . القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 95 (عمر)
3- راجع : الكافي ، ج 3 ، ص 325 ، باب السجود والتسبيح والدعاء فيه ... ، ح 17؛الفقيه ، ج 1 ، ص 329 ، باب سجدة الشكر والقول فيها ، ح 967 ؛ التهذيب ، ج 2 ، ص 110 ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها و... ، ح 184

(من الفتن المُتراكمة) بيان للاُمور .

قال الفيروزآبادي : «الرَّكم: جمع الشيء فوق آخر حتّى يصير رُكاماً مركوماً كركام الرَّمل ، وارتكم الشيء وتراكم: اجتمع» (1).

(والانهماك فيما تَستدلّون به) عطف على الفتن، أو على الاُمور بعيداً .

قال الجوهري : «انهمك الرجل في الأمر: جدّ ولجّ» (2).

(على تجنّب الغُواة وأهل البدع والبَغي والفَساد في الأرض بغير الحقّ) .

اللام في الانهماك عوض عن المضاف إليه، أي ومن انهماكهم وتماديهم فيما تستدلّون به من أشياء فانية، ودولات زائلة، وبدعهم وبغيهم وفسادهم في الأرض، وما ورد عليهم بسبب ذلك من النكال والوبال والعقوبات الدنيويّة على الاجتناب منهم والبعد عنهم، وعدم الاعتماد على ملكهم وعزّهم.

وفي تحف العقول : «والانهماك فيها ما تستدلّون» (3). ، ولعلّه هو الصواب .

(فاستعينوا باللّه) على طاعته ، وطاعة ولىّ أمره.

وقيل: على التجنّب منهم ومن صفاتهم، أو على دفع الشدائد كلّها (4).

والأوّل أنسب بقوله: (وارجعوا إلى طاعة اللّه، وطاعة من هو أولى بالطاعة) من الرسول واُولى الأمر .

(ممّن اتُّبع فاُطيع) .

الجارّ متعلّق ب «أولى» ، و«اتُّبع» على صيغة المجهول، والمستتر فيه راجع إلى الموصول، وكذا قوله: «فاُطيع»، أي من كان إطاعة الناس له بمجرّد أنّ جماعة من أهل الباطل اتّبعوه وبايعوه كالخلفاء الجور.

وقيل: يدلّ التفريع على أنّ الاتّباع غير الإطاعة، وهو كذلك؛ لأنّ الأوّل اعتقاد أنّه حقّ، والثاني اقتفاؤه في أقواله وأفعاله وسيرته المبتدعة .

ص: 183


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 122 (ركم)
2- الصحاح، ج4، ص 1617 (همك)
3- .تحف العقول ، ص 253
4- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 192

أوالمراد بالاتّباع اتّباع الأوّل والثاني، وبالإطاعة إطاعة الآخرين، كالأغنام يعدو بعضهم عقب بعض (1).

(فالحذر الحذر) أي احذروا الحذر، وألزموه، واحترزوا من طاعة من لا يجوز طاعته، ومخالفة من لايسع مخالفته.

(من قبل الندامة والحسرة) حيث ينقطع العمل، وينسدّ باب التوبة، وهو وقت معاينة اُمور الآخرة وما بعده .

وقيل: الفرق بينهما أنّ الندامة على فعل ما لا ينبغي ، والحسرة على ترك ما ينبغي(2) .

(وتاللّه ما صدر قوم قطّ عن معصية اللّه إلّا إلى عذابه) .

الغرض أنّ غاية المعصية وما يترتّب عليها من الأثر عذاب اللّه .

قال الفيروزآبادي: «الصدر: الرجوع، صدر يصدُر ويصدِر» (3) .

(وما آثر قوم قطّ الدنيا على الآخرة إلّا ساء مُنقلبهم وساء مَصيرهم) .

الإيثار: الاختيار . والمنقلب والمصير يجيئان للمصدر واسم المكان . وإيثار الدنياإمّا بتحصيل الزائد عن الكفاية، أو بطلبها من الشبهة، أو من الحرام، أو بعدم المبالاة في طرق تحصيلها، أو بمنع الحقوق الماليّة خوفاً من الانتقاص، أو بطلبها المفضي إلى التقصير في أمر الآخرة .

(وما العلم باللّه والعمل إلّا إلفان مؤتلفان) .

«إلفان» بكسر الهمزة وسكون اللام، أو بصيغة اسم الفاعل. قال الفيروزآبادي: «الإلف بالكسر وككتف : الأليف. وقد ألِفه _ كعلمه _ ألِفاً _ بالكسر والفتح _ وهو آلِف» (4).

وقال في المصباح: «ألِفتُه من باب علم: أنست به وأحببته، واسم الفاعل: أليف _ مثل عليم _ وآلف ، مثل عالم» (5) انتهى .

وقيل: في وصفهما بالائتلاف مبالغة في وجود الاُلفة بينهما ، حتّى لا يرضى أحدهما

ص: 184


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 192
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 192
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 68 (صدر) مع اختلاف يسير
4- .القاموسط المحيط ، ج 3 ، ص 118 (ألف)
5- .المصباح المنير ، ص 18 (ألف) مع التلخيص

وجوده بدون الآخر، كما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «العلم مقرون إلى العمل، فمن علم عمل، ومن عمل علم ؛ والعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه ، وإلّا ارتحل عنه» (1).

(فمن عرف اللّه خافه) ؛ لأنّ العارف بعظمة اللّه وكبريائه ، وغضبه وقهره ، وكمال قدرته على جميع خلقه ، وعلى تعذيبهم وإفنائهم من غير أن يمنعه مانع ، أو يعترضه معترض ، أو يعود إليه ضرر ، حصّلت له حالة نفسانيّة تبعث صاحبها إلى عدم الاجتراء بترك ما ينبغي فعله ، وفعل ما ينبغي تركه، وتلك الحالة تسمّى خوفاً، ولها مراتب متفاوتة بتفاوت مراتب المعرفة .

(وحَثّه الخوفُ على العمل بطاعة اللّه) ؛ لأنّ الخوف _ كما عرفت _ يبعث الخائف إلى الطاعات، وموجبات القربات، ورفض ما يوجب البُعد عن جناب القدس .

(وإنّ أرباب العلم) من الأنبياء والأوصياء (وأتباعهم) (2). ممّن اتّبع منارهم، واقتبس من آثارهم.

وقوله: (الذين عرفوا اللّه) خبر «إنّ».

(فعملوا له ، ورغبوا إليه) .

وأمّا غيرهم فلم يعرفوا اللّه، ولم يعملوا له؛ لاتّباعهم أهل البغي والجهل، وعدم تمسّكهم بدين أرباب العلم والعدل .

(وقد قال اللّه) في سورة فاطر: «إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ» (3).

قال البيضاوي :

إذ شرط الخشية معرفة المَخشيّ ، والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «إنّي أخشاكم [للّه ]وأتقاكم له» (4).

وتقديم المفعول لأنّ المقصود حصر الفاعليّة، ولو اُخّر انعكس الأمر.

وقُرئ برفع اسم «اللّه» ونصب «العلماء» على أنّ الخشية مستعارة للتعظيم؛ فإنّ المعظَّم يكون مَهيباً(5). انتهى .

ص: 185


1- .الكافي ، ج 1 ، ص 44 ، باب استعمال العلم ، ح 2 ؛ نهج البلاغة ، ص 539 ، الحكمة 366 ؛ عدّة الداعي ، ص 78 ؛ عوالي اللئالي ، ج 4 ، ص 66 ، ح 26 . والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 193
2- .في الحاشية: «أي الشيعة؛ لأنّ غيرهم فلم يعرفوا اللّه ، ولم يعملوا له ؛ لأنّ اُصولهم فاسدة ، وطاعتهم باطلة . مصحّح»
3- .فاطر(35) : 28
4- .مسند أحمد ، ج 6 ، ص 226 ؛ الإصابة ، ج 4 ، ص 487 ، ح 5757 ؛ بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 344
5- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 418

وقيل: المراد بالعلماء هنا الربّانيّون ، الذين لهم معرفة باللّه وبدينه على وجه يمنعهم من الركون إلى الدنيا وشهواتها، ويزجرهم عن متابعة النفس ومشتهياتها، ويبعثهم على العمل للآخرة، وهم الموصوفون بالخشية وغيرها من الكمالات.

ثمّ الخوف والخشية في اللغة بمعنى واحد، فتمّ الاستشهاد بالآية إلّا أنّ بينهما في عرف العارفين فرقاً، وهو أنّ الخوف ألم النفس من المكروه المنتظر، والعقاب المتوقّع بسبب احتمال فعل المنهيّات وترك الطاعات.

والخشية حالة نفسانيّة تنشأ من الشعور بعظمة الربّ وهيبته، وخوف الحجاب عنه بسبب الوقوف على النقصان والتقصير في أداء حقوق العبوديّة ورعاية الأدب، فهي خوف خاصّ، وإليه يرشد قوله تعالى: «وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» (1). (2).

وقوله: (واغتنموا أيّامها) .

الضمير للدنيا، أو للطاعة.

وقوله: (فإنّ ذلك أقلّ للتبعة ، وأدنى من العُذر). أي أقرب منه .

والتبعة بفتح التاء وكسر الباء، وهي ما يتبع أعمال العباد من العقاب وسوء العاقبة.

وقيل: هي ما على أحد من حقّ الغير، سمّي بها لأنّ صاحبه يتبعه ويطلبه.

وفيه تنبيه على أنّ العبد وإن اجتهد في الطاعة فهو بَعُد في مقام التقصير ، إلّا أنّ عذره لقلّة تبعته قريب من القبول(3).

(وأرجى للنجاة) من العقوبات.

وقيل: فيه إشعار بأنّ العامل المطيع لا ينبغي له الجزم بنجاته، والاعتماد بعمله، وإنّما له الرجاء بالنجاة، كما دلّت عليه الآيات والروايات، واللّه سبحانه لا يخيب رجاءه(4).

(ولا تقدّموا الاُمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت) جمع طاغوت، وهو كلّ رأس ضلال، وما عُبد من دون اللّه.

ص: 186


1- .الرعد (13) : 21
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 193 و194
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 194
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 194

وكلمه «من» للابتداء، والظرف في محلّ النصب على الحاليّة، أي اُموراً ناشئة من طاعة الطواغيت.

ويحتمل كونها بياناً للاُمور.

وكذا في قوله: (من زَهرة الدنيا) يحتمل كونها بياناً لطواغيت، وكونها ابتدائيّة عطفاً على «من» الاُولى بتقدير العاطف.

ويحتمل كونها بياناً للاُمور، أي لا تقدّموا على طاعة اللّه الاُمور التي تحصل لكم بسبب طاعة الطواغيت، وتلك الاُمور هي زهرات الدنيا.

وقد تلخّص لك ممّا ذكرنا وجوه :

الأوّل: كون كلمة «من» في الموضعين للابتداء .

والثاني: كونها فيهما للبيان .

والثالث: كونها في الأوّل ابتدائيّة ، وفي الثاني بيانيّة .

والرابع: عكسه .

وعلى الثاني والثالث يحتمل كونها بياناً للاُمور، أو للطواغيت .

وعليك بالتأمّل في ترجيح بعض تلك الوجوه على البعض.

(من زَهرة الدنيا) بسكون الهاء ، وقد يحرّك: بهجتها ونضارتها وحسنها ومتاعها.

(بين يدي اللّه وطاعته وطاعة اُولي الأمر منكم) .

نهى عليه السلام عن تقديم طاعة الطواغيت من الجنّ والإنس، وتقديم زهرة الدنيا على أمر اللّه وطاعته وطاعة اُولي الأمر، كما هو شأن أكثر أبناء الدنيا والراغبين إليها؛ لأنّ ذلك يوجب الحرمان والخسران في الآخرة ، بل في الدنيا أيضاً .

(واعلموا أنّكم عَبيد اللّه ، ونحن معكم) .

قيل : أي بين أظهركم إن اُريد به المعيّة في الوجود، أو عالمون بأحوالكم وأعمالكم، وقد مرّ في الاُصول أنّهم عليهم السلام يعلمونها . وفيه على الأوّل إشارة إلى أنّه ينبغي الرجوع إليهم في جميع الاُمور، وعلى الثاني إلى أنّه ينبغي تصحيح جميع الأعمال والأخلاق (1).

ص: 187


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 195

أقول : لعلّ غرضه عليه السلام من هذا الكلام الوعد والوعيد ، وتذكير نعم اللّه وإتمام حجّته عليهم .

(يَحكم علينا وعليكم سيّد حاكم غداً) أي يحكم علينا يوم القيامة بعد المحاسبة بما تستحقّه، وفيه تنبيه للغافلين.

وقيل: أي يحكم علينا من جهة الهداية والإرشاد وعليكم من جهة الطاعة والانقياد سيّد متولّ لاُمور الخلائق ، حاكم عليهم (1).

(وهو مُوقفكم ومُسائلكم) (2). الضمير للسيّد الحاكم.

(فأعدّوا الجواب) أي هيّؤوه لأنفسكم. يقال: أعدّه لأمر كذا، أي هيّأه له.

(قبل الوقوف والمُساءلة والعرض) .

اللام فيها للعهد. قال الفيروزآبادي: «عرض له ، كذا يعرض : ظهر عليه وبدا ، كعرض ، كسمع، والشيء له: أظهره له ، وعليه: أراه إيّاه» (3).

وفي قوله عليه السلام : (على ربّ العالمين) تهويل وتعظيم لشأن الأمر، كما لا يخفى.

(يومئذٍ «لا تَكَلَّمُ» ) بصيغة المستقبل بحذف إحدى التائين.

«نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ» أي بإذن ربّ العالمين.

وهذه الفقرة الشريفة مقتبسة من قوله تعالى في سورة هود: «يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ» (4).

قال البيضاوي في تفسير هذه الآية : «يَوْمَ يَأْتِ» ، أي الجزاء، أو اليوم، أي اللّه عزّ وجلّ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بحذف الياء اجتراء عنها بالكسرة .

«لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ» ، أي لا تتكلّم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة.

«إِلَا بِإِذْنِهِ» : إلّا بإذن اللّه، كقوله: «لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ» (5). ، وهذا في موقف .

ص: 188


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 195
2- في شرح المازندراني : «عن دينكم وإمامكم وعقائدكم وأعمالم ومكسب أموالكم ومصرفها ، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلّا وهو يسألها»
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 334 (عرض)
4- هود(11) : 105
5- .النبأ (78) : 38

وقوله: «هذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (1). في موقف آخر.

أو المأذون فيه هي الجوابات الحقّة، والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة(2). انتهى.

وقيل: هذه الكلمة الشريفة محرّكة إلى الخيرات كلّها ؛ فإنّ كلّ أحد يتشبّث يوم القيامة بأمر ينجيه من العذاب مثل الشفاعة والطاعة والإحسان إلى الخلق وغيرها ممّا فيه رضاه تعالى، وكلّفه به، فإن كان صادقاً يؤذن له ويصدّق، وإلّا فلا، كما أشار إليه بقوله: (واعلموا أنّ اللّه لا يصدّق يومئذ كاذباً، ولا يكذّب صادقاً، ولا يردّ عذر مستحقّ) .

أي من يستحقّ لقبول العذر كمن ترك الصلاة في وقتها بالنوم، أولفقدان الطهورين، أو صلّاها مؤميا ، أو مع النجاسة للعجز والعذر وأمثال ذلك (3).

(ولا يعذر غير معذور) أي لا يقبل عذر من ليس له عذر في ترك ما اُمر به. يقال: عَذَرته فيما صنع _ كضربته _ عُذراً بالضمّ وبضمّتين، أي دفعت عنه اللوم، فهو معذور، أي غير ملوم، والاسم : المَعذرة _ مثلّثة الدال _ والعِذرة بالكسر .

والحاصل أنّه لا يقبل إعتذار من ليس له حجّة على اللّه بعد البيان، بل الحجّة للّه عليه كما أشار إليه بقوله : (له الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل).

وقوله: (في إصلاح أنفسكم) أي بتزيينها بالفضائل وتهذيبها عن الرذائل.

وفي بعض النسخ: «من» بدل «في» .

قال الجوهري : «الصلاح ضدّ الفساد، والإصلاح نقيض الإفساد» (4).

وقيل: تعدية الاستقبال ب «في» باعتبار تضمينه بمعنى السعي ، أو الشروع (5).

وأقول : يحتمل أيضاً أن يكون بتضمين معنى الاستئناف، أي استقبلوا، واستأنفوا العمل في إصلاح أنفسكم.

ويحتمل أن يكون «في» بمعنى «إلى»، أو «على»، كما في قوله تعالى: «وَلَأُ صَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (6).

ص: 189


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 195
2- المرسلات (77) : 35 و36
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 261 و262 (مع التلخيص واختلاف يسير)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 384 (صلح)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 196
6- طه (20) : 71

وقوله: (وطاعة اللّه) على الإصلاح (وطاعة من تَوَلّونه) من باب التفعيل والتفعّل (فيها) أي في الطاعة.

وفي تحف العقول: «فيما» بدل «فيها» (1).

وفي القاموس: «تولّاه، أي اتّخذه وليّاً، والأمر: تقلّده»(2).

وقال الجوهري: «قوله تعالى: «وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا» (3). ، أي مستقبلها بوجهه» (4).

(لعلّ نادما قد ندم) كفرح (فيما فرّط بالأمس) أي في ما مضى من عمره (في جنب اللّه ) .

(وضيّع من حقوق اللّه) عطف على «فرّط» .

وفي القاموس: «فَرَط في الأمر فَرطاً: قصّر به وضيّعه، وفرط الشيء ، وفيه تفريطاً : ضيّعه ، وقدّم العجز فيه وقصّر» (5). انتهى .

والجنب في الأصل: شقّ الإنسان وغيره، والناصية ، والجانب، وشاع في العرف إطلاقه على القرب والجوار والأمر والطاعة، وقد يطلق عل المقرّبين بجنابه سبحانه من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام .

وقيل: يطلق أيضاً على معظم الشيء، والولاية من معظم أمر اللّه وحقوقه (6).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ» (7). :أي قصّرت في جانبه، أي في حقّه، وهو طاعته.

وقيل: في ذاته على تقدير مضاف كالطاعة. وقيل : في قربه من قوله: «وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ» (8). انتهى (9).

و«لعلّ» كلمة رجاء وطمع. وقيل: إنّما رجا عليه السلام وجود نادم من التفريط والتضييع فيما مضى من الحقوق اللازمة لقلّة وجوده (10).

وقيل: هو على سبيل المماشاة وإرخاء العنان، ومعناه أنّه يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما فرّط وضيّع بالأمس، أي في الدنيا في جنب اللّه، أي في قربه وجواره ، أو في أمره

ص: 190


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 196
2- تحف العقول ، ص 254
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 402 (ولي)
4- البقرة (2) : 148
5- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2529 (ولي)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 377 (فرط)
7- .الزمر(39) : 56
8- .النساء(4) : 36
9- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 74 (مع اختلاف يسير)
10- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 196

وطاعته، والحاصل أنّ إمكان وقوع ذلك الندم كاف في الحذر، فكيف مع تحقّقه، أو لأنّه بالنسبة إلى كلّ شخص غير متحقّق(1).

(واستغفروا للّه، وتوبوا إليه؛ فإنّه يَقبل التوبة، ويعفو عن السيّئة) .

قيل: لعلّ المراد بقبولها إسقاط العقاب المترتّب على الذنب الذي تاب منه تفضّلاً ورحمة بعباده كما ذهب إليه الأشاعرة والشيخ الطوسي في الاقتصاد (2). ، والعلاّ مة في بعض كتبه الكلاميّة .

وعلى هذا قوله: «ويعفو عن السيّئة» تفصيل لقوله: «يقبل التوبة»؛ أي يعفو تفضّلاً عن السيّئة التي تاب منها .

وقال المعتزلة: إنّ قبول التوبة واجب على اللّه تعالى حتّى لو عاقب بعدها كان ظلماً، وتوقّف المحقّق في التجريد (3). انتهى .

وأقول : الوجوب في أمثال هذه المقامات محمول على لزوم الوفاء بالوعد بحيث يلزم من ترك القبح، وقد ثبت في الآيات والروايات وعده سبحانه بقبول التوبة وعفو السيّئة، فيلزم من عدم قبولها ترك الوفاء بالوعد، وهو قبيح ، تعالى اللّه عنه عُلوّاً كبيراً .

ثمّ أقول : لا يبعد أن يراد بقبول التوبة إسقاط العقاب المترتّب على الكبائر، ويعفو السيّئة إسقاطه عن الصغائر تفضّلاً، أو بأسباب آخر مطلقاً، كما قيل في تفسير قوله تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» (4). الآية (5).

(ويعلم ما تفعلون) فلا يفوته شيء من أفعالكم، وفيه وعد ووعيد.

(وإيّاكم وصُحبة العاصين) إلّا إذا اُريد نُصحهم مع توقّع التأثير، وذلك للفرار من اللعن والعذاب النازل عليهم، ولئلّا يميل إلى مقتضى طريقتهم.

(ومَعونة الظالمين) .

لعلّ المراد بالمعونة إعانتهم في ظلمهم، أو فيما يعود إليه، أو يوجبه.

ص: 191


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 32
2- .لاحظ : الاقتصاد ، ص 132 و133
3- .راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 197
4- .النساء (4) : 31
5- اُنظر : التبيان للطوسي ، ج 9 ، ص 433 ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 69 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 3 ، ص 291 ؛ تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 158 و159 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 176 _ 178

وقيل: الأحوط ترك معونتهم مطلقاً لعموم الآية والرواية (1).

قال الفيروزآبادي: «استعنته وبه ، فأعانني وعوّنني، والاسم: العَون والمعانة والمَعونة والمَعون» (2).

(ومُجاورة الفاسقين) بالسكنى في دارهم، أو في جوارهم، أو في بلادهم ، كما يظهر من بعض الروايات.

(احذروا فتنتهم) أي الفتنة الناشئة منهم، أو الابتلاء بمثل الفتنة التي افتتنوا بها . والفتنة: الضلال والإضلال والفضيحة والإثم والمحنة.

(وتَباعدوا من ساحتهم) أي فناء دارهم، أو جانبهم وناحيتهم.

ولعلّ كلًا من الفقرتين الأخيرتين ناظر إلى كلّ من الفقرات الثلاثة السابقة عليها، فتدبّر.

(واعلموا أنّه من خالف أولياء اللّه) بردّ أقوالهم ، وعدم الامتثال بأوامرهم ونواهيهم ، وإنكار عقيدتهم ، ورفض سلوك طريقتهم ، أو بالشكّ فيها .

والمراد بأولياء اللّه الأنبياء والأوصياء ومن يقتفي أثرهم، ويسير بسيرتهم.

(ودان بغير دين اللّه) أي اعتقد، أو تعبّد اللّه بغير دينه الذي جاء به النبي صلى الله عليه و آله .

(واستبدّ بأمره دون أمر وليّ اللّه) .

يقال: استبدّ فلان بكذا، أي تفرّد به دون غيره ؛ يعني تفرّد بأمر نفسه ، وعمل برأيه متجاوزاً عن أمر وليّ اللّه غير متمسّك به.

(كان في نار تَلتهب) .

يقال: التهب النار، إذا اتّقدت واشتعلت، ولعلّ المراد بكونه فيها صيرورته إليها .

وقال الفاضل الإسترآبادي: «كأنّ بالتشديد ، ليكون من الحروف المشبّهة بالفعل، والمراد أنّ حاله هكذا في الدنيا في نظر أولياء اللّه (3).

واعترض عليه بعض الأفاضل أنّ الجزاء حينئذٍ غير مرتبط بالشرط ، وتقدير العائد خلاف الظاهر (4).

ص: 192


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 197
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 250 (عون)
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 197
4- المعترض هو المحقّق المازندراني رحمه الله ، والأقوال الآتية بعد قول الشارح رحمه الله أيضا تكون منه

وأقول: أنت خبير بعدم ورود هذا الاعتراض ؛ لوجوب تقدير العائد حينئذ لئلاّ يبقى «كان» خالياً عن الاسم .

ثمّ قال:

الظاهر أنّ «كان» ناقصة، وأنّه شبّه أعماله القبيحة وأخلاقه الذميمة وعقائده الفاسدة بالنار في الإهلاك، واستعار لفظ النار لها ، ورشّح بذكر الالتهاب، أو سمّاها ناراً مجازاً مرسلاً باعتبار أنّها تصير ناراً في القيامة .

ثمّ قال : [قال] الشيخ في الأربعين نقلاً عن بعض العارفين:

إنّ الحيّات والعقارب والنيران في القيامة هي بعينها تلك الأعمال والأخلاق والعقائد الباطلة، وإنّ اسم الفاعل في قوله تعالى: «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ» (1). للحال وعلى حقيقته [لا للاستقبال] ، كما قيل: وإنّ قبائحهم الخُلقيّة والعمليّة والاعتقاديّة محيطة بهم في هذه النشأة، وهي بعينها جهنّم التي ستظهر عليهم في النشأة الاُخرويّة بصورة النار وعقاربها وحيّاتها (2).

وقريب منه ما قيل: الظاهر أنّ المراد أنّهم في الدنيا في نار البعد والحرمان والسخط والخذلان، لكنّهم لمّا كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم يستشعروا ألم هذه النار، ولم يدركوها، كما قال تعالى: «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَما يَشْعُرُونَ» (3). (4).

ويحتمل أن يراد بالنار أسباب دخولها استعارة أو مجازاً مرسلاً تسمية للسبب باسم المسبّب .

(تأكل أبداناً) كأنّ المراد : تحرقها ، أو تحكّها ، أو تفسدها ، بتشبيه النار بالأكل في الإفناء والإفساد .

(قد غابت عنها أرواحُها) .

قيل: هو من باب نسبة الجمع إلى الجمع بالتوزيع، والمراد بغيبتها فسادها بالمهلكات (5).

ص: 193


1- .التوبة (9) : 49 ؛ العنكبوت (29) : 54
2- الأربعون حديثا ، ص 246 ، و247 (مع التلخيص) . وانظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 197 و198
3- .النحل (16) : 21
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 33
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 198

(وغلبت عليها شِقوتُها) .

في القاموس: «الشقا : الشدّة والعُسر، ويمدّ ، شقي _ كرضي _ شقاوة، ويكسر، وشقا وشقاء وشقوة ، ويكسر» (1).

وقال الجوهري : «الشقوة _ بالكسر _ ضدّ السعادة، وفتحه لغة» (2).

ولعلّ المراد بالشقوة الغالبة المخرجة عن الإيمان.

(فهم مَوتى لا يجدون حَرّ النار) كما لم يجده الميّت ؛ لفقد شرطه ، وهو الروح والشعور .

وبالجملة كما أنّه لابدّ في إدراك المعقولات من شعور خاصّ، كذلك لابدّ في إدراك المحسوسات أيضاً من شعور خاصّ، ولم يوجد فيهم؛ لأنّهم بمنزلة الموتى ، مع أنّ الحكمة مقتضية لعدم وجدانه .

(ولو كانوا أحياء لوجدوا مَضَضَ حرّ النار) .

في القاموس: «المَضَض محرّكة: وجع المصيبة»(3).

وفي قوله: ( «وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ» (4).

ثمّ إليه تُحشرُون) وعد ووعيد(5).

(فانتفعوا بالعِظة) .

في القاموس: «وعظه يعظه وَعظاً وعِظَة وموعظة: ذكره ما يليّن قلبه من الثواب والعقاب، فاتّعظ» (6).

وفي بعض النسخ: «فاتّعظوا بالعظة».

(وتَأدّبوا بآداب الصالحين) .

التأدّب: تعلّم الأدب، وهو حسن التناول.

وقيل: كلّ ما فيه صلاح النفس ، سمّي أدباً؛ لأنّه تعالى دعاهم إليه (7).

ص: 194


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 349 (شقو)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2394 (شقو) مع اختلاف يسير
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 344 (مضض)
4- .التوبة (9) : 94 . وفي المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : + «ورسوله»
5- في الحاشية: «وترغيب في العمل الصالح ، وتنفير عن القبائح. روي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه والرضا عليهم السلام : إنّ أعمال العباد تُعرض على رسول اللّه والأئمّة . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 198 . وانظر الخبر في: الفقيه ، ج 1 ، ص191 ، باب النوادر، ح 583 ؛ وبصائر الدرجات ، ص 424 ، ح 2 وح 8
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 400 (وعظ)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 199

متن الحديث الثالث

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ (1). _ وَهُوَ الْعَاصِمِيُّ _ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الصَّوَّافِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَمْدَانِيِّ، (2).

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:«كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُوصِي أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ؛ فَإِنَّهَا غِبْطَةُ الطَّالِبِ الرَّاجِي، وَثِقَةُ الْهَارِبِ اللاَّجِي، وَاسْتَشْعِرُوا التَّقْوى شِعَاراً بَاطِناً .

وَاذْكُرُوا اللّهَ ذِكْراً خَالِصاً ، تَحْيَوْا بِهِ أَفْضَلَ الْحَيَاةِ، وَتَسْلُكُوا بِهِ طَرِيقَ النَّجَاةِ.

انْظُرُوا فِي الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِ الْمُفَارِقِ لَهَا (3). ؛ فَإِنَّهَا تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآْمِنَ، لَا يُرْجى مِنْهَا مَا تَوَلّى فَأَدْبَرَ، وَلَا يُدْرى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ، وُصِلَ الْبَلَاءُ مِنْهَا بِالرَّخَاءِ، وَالْبَقَاءُ مِنْهَا إِلى فَنَاءٍ، فَسُرُورُهَا (4). مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، وَالْبَقَاءُ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَهِيَ كَرَوْضَةٍ اعْتَمَّ مَرْعَاهَا، وَأَعْجَبَتْ مَنْ يَرَاهَا؛ عَذْبٌ شِرْبُهَا ، طَيِّبٌ تُرْبُهَا ، تَمُجُّ عُرُوقُهَا الثَّرى، وَتَنْطُفُ فُرُوعُهَا النَّدى، حَتّى إِذَا بَلَغَ الْعُشْبُ إِبَّانَهُ، وَاسْتَوى بَنَانُهُ، هَاجَتْ رِيحٌ تَحُتُّ الْوَرَقَ، وَتُفَرِّقُ مَا اتَّسَقَ ، فَأَصْبَحَتْ كَمَا قَالَ اللّهُ : «هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً» (5). انْظُرُوا فِي الدُّنْيَا فِي كَثْرَةِ مَا يُعْجِبُكُمْ، وَقِلَّةِ مَا يَنْفَعُكُمْ» .

شرح الحديث

السند مجهول (6).

قوله عليه السلام : (اُوصيكم بتقوى اللّه) .

التقوى اسم من التُقى بالضمّ، وهي الحذر، أصله «تَقْيا»، قلبوا الياء واواً ؛ للفرق بين الاسم

ص: 195


1- .في الحاشية: «أحمد بن محمّد بن أحمد بن طلحة أبو عبد اللّه، وهو ابن أخي أبي الحسين عليّ بن عاصم المحدّث ، يقال له: العاصمي، كان ثقة في الحديث ، سالما جنبته ، أصله كوفي ، سكن ببغداد. منه». اُنظر : رجال الطوسي ، ص 416 ، الرقم 6016 ؛ رجال العلّامة ، ص 16 ، الرقم 16 ؛ رجال ابن داود ، ص 38 ، الرقم 112 ؛ وص 42 ، الرقم 123
2- .في الحاشية: «لقي الرضا عليه السلام ». اُنظر : رجال الطوسي ، ص 226 ، الرقم 3994
3- .في الحاشية عن بعض النسخ : «العارف بها» بدل «المفارق لها»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «سرورها _ ولسرورها»
5- الكهف(18) : 45
6- بدليل وجود عبدالواحد بن الصوّاف في السند ، وهو الذي لم يذكره أحد من علماء الرجال في كتبهم

والصفة؛ فإنّ رَيّا (1). مؤنّث ريّان، لم تبدل فيها من الياء واو؛ لأنّها صفة.

وبعضهم عرّف التقوى بالتجنّب عن المعاصي، والتنزّه عمّا يشغل القلب عنه تعالى، وهي أكمل ما ينفع في الدنيا والآخرة.

قال اللّه عزّ و جلّ : «تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» (2). ، ولذلك ذكر عليه السلام بعد الوصيّة بها غايتين للترغيب فيها :

الاُولى : أنّها لعظم ثوابها في الآخرة، يتمنّى الناظر إليها منزلة صاحبها.

الثانية : أنّها واقية تقي صاحبها من المكاره والعقوبات الدنيويّة والاُخرويّة.

فأشار إلى الاُولى بقوله: (فإنّها غبطة الطالب الراجي) .

في القاموس: «الغِبطة بالكسر: حسن الحال، والمَسَرّة، والحسد.

وقد غبطه كضربه وسمعه، وتمنّى نعمة على أن لا تتحوّل من صاحبها، فهو غابط» (3). انتهى.

يعني أنّ الطالب لثواب اللّه الراجي لرحمته يغبط ويتمنّى ويطلب التقوى.

قال بعض الشارحين:لعلّ المقصود أنّ التقوى غبطة لطالب ثواب اللّه الراجي له، ونعمة عظيمة توجب علوّ منزلته، ورفع درجته إلى حدّ يتمنّى الناظر إليه منزلته.

ثمّ قال: «وإنّما جعلنا الطالب مغبوطاً؛ لأنّ إضافة الغبطة إليه بتقدير اللام المفيدة للاختصاص يقتضي ذلك » (4). انتهى، وهو كما ترى .

وأشار إلى الثانية بقوله: (وثقة الهارب اللاجي) .

في القاموس: «وثق به _ كورث _ ثقة ومَوثقاً: ائتمنه، والوَثيق: المحكم» (5). انتهى.

وقد يطلق الثقة ويراد بها الوَثيق .

والمعنى: الهارب من عقاب اللّه اللاجي إلى اللّه إنّما يثق بالتقوى لدفع المكاره الدنيويّة

ص: 196


1- .رَيّا كلّ شيء: طيب رائحته. لسان العرب، ج 14، ص 350 (روي)
2- .البقرة(2) : 197
3- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 375 (غبط)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 199
5- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 287 (وثق)

والعقوبات الاُخرويّة ، لا بالأماني والغرور (1).

ثمّ أمر بملازمتها بقوله: (واستشعروا التقوى) .

في القاموس: «الشِعار ككتاب: ما تحت الدثار من اللباس، وهو يلي شعر الجسد، ويفتح، واستشعره : لبسه» (2). انتهى.

وهو هنا كناية عن شدّة الملابسة وكمال الملازمة، وكونها خالصة للّه مخفية عن الخلق ، لا يشوبها رياء كما أنّ الشعار يكون غالباً مستوراً بالدثار .

وفي قوله: (شعاراً باطناً) إشعار بذلك.

وقيل: نصب شعار على الحاليّة من التقوى، أو مفعول بتضمين معنى الجعل أو الاتّخاذ، وإطلاقه على التقوى على وجه استعارته لها من الثوب، والوجه ملازمة الجسد، أو الإحاطة به مع الإشعار بلزوم خفائها وخلوصها من الريا والسمعة، كخفاء الشعار بالدثار .

وفي وصفه بالباطل لقصد الإيضاح إيماء إليه (3).

(واذكروا اللّه) باللسان والقلب ، عند الطاعة والمعصية.

(ذكراً خالصاً) من الرياء والسمعة .

أمر عليه السلام بعد الوصيّة بالتقوى وذكر غاياتها بما هو عبادة في نفسه، وأصل لسائر العبادات قبولها، بل هو روح لها .

وقوله: (تَحْيَوا به أفضل الحياة) جواب الأمر.

والمراد حياة الأبديّة في الجنّة، أو حياة القلب، أو رفاهيّة العيش.

قال الفيروزآبادي: «الحَياة والحيوة بسكون الواو : نقيض الموت، حَيي _ كرضي _ حَياة، والحياة الطيّبة: الرزق الحلال، أو الجنّة» (4).

ص: 197


1- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وإلى هاتين الغايتين أشار أميرالمؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله : فإنّ التقوى في اليوم الحرزُ والجُنّة ، وفي غد الطريق إلى الجنّة . [نهج البلاغة ، ص 284 ، الخطبة 191] أراد باليوم مدّة الحياة ، وبالغد القيامة ؛ يعني أنّ التقوى في حال الحياة حرز من المكاره ، وفي الآخرة حرز من العقوبات والشدائد ، كما ينطق به قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» [الطلاق (65) : 2 و3] حيث دلّ على أنّ التقوى مناط للخروج من المضائق والمفاسد ، والوصول إلى المنافع والفوائد»
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 59 (شعر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 199 و200
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 321 (حيي)

وفي بعض النسخ: «تحبوا به أفضل الحَبوة» بالباء الموحّدة فيهما . قال الجوهري : «حباه حبوة، أي أعطاه، والحِبا: العطاء» (1).

وعلى هذه النسخة ينبغي أن يقرأ: «تُحبوا» على صيغة المجهول. وعلى نسخة الأصل على صيغة المعلوم.

(وتَسلكوا به) أي بالذكر (طريق النجاة) ؛ فإنّ الذكر في حدّ ذاته عبادة، وسبب للنجاة من العقوبات، وله مدخليّة عظيمة لكمال سائر الطاعات الموجبة للنجاة.

(انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها) .

في بعض النسخ: «العارف لها».

وقيل: أمر بترك الدنيا واحتقارها إلّا بمقدار الضرورة ، علّل ذلك بذكر معايبها المنفّرة عنها بقوله : (فإنّها تُزيل الثاويَ الساكن) أي تزيل المقيم الساكن إليها عمّا ركن إليه منها من زخارفها .

قال الفيروزآبادي : «ثوى المكان وبه يثوي ثواء وثويّا بالضمّ ، وأثوى به : أطال الإقامة به، أو نزل» (2).

(وتَفجع المترف الآمن) أي الدنيا تؤلم وتوجع المتنعّم بها الذي اطمأنّ بحياتها وانخدع بغرورها بسلب ما عليه من نعمها.

وقيل : المراد بالأمن الأمن من الموت وما بعده؛ فإنّ المترف الغافل حال انهماكه في لذّات الدنيا لا يؤمن خوف الموت، بل يكون في تلك الحال آمنا منه (3).

وقال الفيروزآبادي: «فجعه _ كمنعه _ أوجعه، كفجّعه» (4) .

وقال : التُرفة بالضمّ: النعمة والطعام الطيّب، والشيء الظريف، تخصّ به صاحبك ، وأترفته النعمة : أطغته ، أو نعّمته ، كترفته تتريفاً ، وفلان : أصرّ على البغي، والمُترف كمكرم:

ص: 198


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2308 (حبو) مع اختلاف يسير
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 310 (ثوي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 200
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 61 (فجع)

المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع ، والمتنعّم لا يمنع من تنعّمه ، والجبّار (1).

(لا يرجى منها ما تولّى فأدبر) أي أعرض وانقضى [زمانه] ، فولّى دبره . ويحتمل أن يكون التولّي بمعنى الإدبار، والجمع بينهما للتأكيد .

والحاصل أنّ ما ذهب منها من نعمة وصحّة وشباب وعمر مثلاً لا يرجى رجوعها.

(ولا يُدرى) على البناء للمفعول (ما هو آت منها فيُنتظر) ؛ إذ لا علم بالمستقبل منها من خير حتّى ينتظر وقوعها وورودها، ولا من شرّ فيحترز منه .

(وُصل البلاء منها بالرخاء ، والبقاء فيها إلى فناء) .

«وصل» على صيغة المجهول ، من وصلتُ الشيء وَصلاً وصِلَة ؛ أو المعلوم ، من وصل بمعنى اتّصل، أو من وَصل إليه وُصولاً.

والرخاء: وسعة الحال ورفاهيّة العيش (2).

(فسرورُها مَشوب بالحزن) أي مخلوط به، وهذا ناظر إلى وصل البلاء بالرخاء.

وفي بعض النسخ: «مشرب» بدل «مشوب»، والمآل واحد.

قال الجوهري: «الإشراب : لون قد اُشرب من لون [آخر] ، يقال: اُشرب الأبيض حُمرة، أي علاه ذلك، واُشرب في قلبه حبّه، أي خالطه» (3).

(والبقاء فيها إلى الضعف والوهن) أي آئل ومنته إليه .

وهذا ناظر إلى وصل البقاء بالفناء.

والضعف خلاف القوّة، والوهن مثله، فالعطف للتفسير، أو يراد بالضعف ضعف القوى والحواسّ، وبالوهن فتور العظام والأعضاء.

(فهي كروضة اعتمّ مَرعاها) .

يقال: اعتمّ النبت _ بالعين المهملة وشدّ الميم _ إذا اكتهل، أي تمّ طوله، وظهر نوره، ويقال للشابّ إذا طال : اعتمّ .

(وأعجبت) تلك الروضة (من يراها) : لحسن منظرها.

ص: 199


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 120 (ترف)
2- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وفيه تحريك للغافل بأن لا يرضى بالرخاء المتّصل بالفناء»
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 154 (شرب)

(عَذبٌ شِربها) ؛ مبتدأ وخبر .

قيل: استعار الشرب للذات الدنيا ، ورشّحها بذكر العَذب في ميل الطبع إليها (1).

قال الجوهري : «العَذب : الماء الطيّب» (2).

وقال: «شرب الماء وغيره شَرباً وشِرباً وشُرباً، والشِرب بالكسر: الحظّ من الماء» (3).

(طَيّب تُربتها) .

في بعض النسخ: «ريحها».

والتُربة بالضمّ: التراب، وطيبها باعتبار قابليّتها للزرع والنبات ؛ لكونها سهلًا، لا جبلاً ولا سبخة ، أو باعتبار كثرة خيرها ومنافعها لما فيها من أنواع الأشجار والأزهار والأثمار ممّا يعجب النفس ، ويبعث الميل إليها.

(تَمُجّ عُروقها الثَّرى، وتَنطف فروعُها النَّدى) .

المجّ: الرمي، وفعله كنصر.

والثرى، بفتح الثاء والراء: التراب النَّدى ، أو النَّديّ أيضاً .

ونَطَفان الماء: سَيَلانه ، أو تَقاطره قليلاً قليلاً، وفعله كنصر وضرب .

وفرع كلّ شيء : أعلاه .

والنَّدى ، بفتح النون والدال : البَلَل .

والمقصود بيان كثرة مائها وطراوتها وارتوائها بحيث يترشّح الماء من عروقها ويتقاطر، أو يسيل من فروعها، هذا إذا اُريد بالثرى النّدى ، وإن اُريد بها التراب النَّديّ ، فلعلّ المراد أن عروقها ترمي التراب من جنبيها ، وتدفعها إلى فوق ، وترفعها ، وتنقّب فيه لكثرة قوّتها .

(حتّى إذا بلغ العُشب إبّانه) .

العُشب بالضمّ: الكلأ ما دام رَطباً .

وإبّان الشيء بالكسر والتشديد: وقته وحين ظهوره وكماله.

ص: 200


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 201
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 178 (عذب)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 153 (شرب) مع التلخيص

ويظهر من الجوهري أنّ النون فيه أصليّة؛ فإنّه فِعّال ، حيث ذكره في «ابن» (1).

وقيل: النون زائدة، وإنّه فعلان ، من أبّ الشيء ، إذا تهيّأ للذهاب (2).

(واستوى بَنانه) أي استقرّ في موضعه على ما يليق به، أو استقام من اعوجاج ، وتمّ قوّته .

(هاجَت ريح تَحُتّ الورق ، وتُفرّق ما اتَّسق) .

هذه الجملة جواب «إذا».

ويقال: هاج يَهيج هَيجًا وهَيَجاناً وهياجاً بالكسر، أي ثار .

وحَتّ الورق كمدّ، أي أسقطها، أو فَرَكها ، أو قَشَرها ، وحتّت الورقُ : سقطت ، لازم متعدّ .

والوَرَق _ بالتحريك _ من الشجر ، معروفة ، والواحدة بهاء. وقيل: قد تطلق على جمال الدنيا وبهجتها أيضاً (3).

والاتّساق: الانتظام.

و«تفرّق» من التفريق، عطف على «تحتّ»، والمستتر فيها للريح، والمراد به تفريق انتظامها وإزالة اجتماعها حتّى كان لم تكن، كما أشار إليه بقوله: (فأصبحت) أي صارت «هَشِيماً» .

قال الجوهري : «الهَشيم من النبات : اليابس المتكسّر ، والشجرة البالية يأخذها الحاطب كيف يشاء» (4).

«تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ» أي تطيّره وتذهبه وتفرّقه إلى الأطراف.

«وَكانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً» (5) .

الاقتدار: القدرة ، والغنى ، واليسار . أي قادراً على إيجاده وإبقائه وإفنائه متمكّنا منه .

(اُنظروا في الدنيا في كثرة ما يُعجبكم وقلّة ما ينفعكم) .

قيل: ختم الكلام بعد ذمّ الدنيا والركون إليها بالنهي عن الاغترار بكثرة ما يعجب منها، وعلّله بقلّة ما ينفع منها.

وقوله: «في كثرة» بدل لقوله: «في الدنيا»، أو «في» بمعنى على، أو مع .(6).

ص: 201


1- راجع : الصحاح ، ج 5 ، ص 2066 (ابن)
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 201
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 201
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2058 (هشم)
5- .الكهف (18) : 45
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 201

متن الحديث الرابع (وهي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ، وهي خطبة الوسيلة)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، (1). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُكَابَةَ 2 التَّمِيمِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ النَّضْرِ الْفِهْرِيِّ 3 ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو (2). الْأَوْزَاعِيِّ (3). ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، (4). عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، (5). قَالَ:

ص: 202


1- .في الحاشية : «الكوفي ، يكنّى بأبي الحسين صاحب الصبيحي ، سمع منه التلعكبري ، وله منه إجازة . مصحّح» . اُنظر : رجال النجاشي ، ص 138 ، الرقم 356 ؛ وص 235 ، الرقم 622 ؛ رجال الطوسى ، ص 442 ، الرقم 631 . ولا يخفي أنّ بعض فقرات الحديث ورد في الأمالي للصدوق ، ص 263 ، المجلس 52 ، ح 9 ؛ والتوحيد ، ص 72 ، ح 27 بسند الصدوق رحمه الله عن الكليني رحمه الله ، عن محمّد بن عليّ بن معن ، إلخ ، ونحن لم نجد هذا العنوان في موضع
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «عمر»
3- .قال الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله ، ص 247 ، الرقم 3222 : «[هو] الفقيه» . وفي أعيان الشيعة ، ج 2 ، ص 388 ،الرقم 2612 : «أقول : الظاهر أنّه أبو عمرو عبد الرحمان بن عمرو بن أبي عمرو ، واسمه محمّد الشامي الأوزاعي ، الفقيه المشهور ، نزيل بيروت ، المتوفّى بها سنة 158 أو 155 أو 151 ؛ فإنّه في طبقة عمرو بن شمر الراوي عن الإمام جعفر الصادق (المتوفّى سنة 148)»
4- .في الحاشية: «عمرو بن شمر، أبو عبد اللّه الجُعفي عربي ، روى [الصادق] عن جابر ، ضعيف. غض» رجال ابن الغضائري ، ج 4 ، ص 305 . وانظر للمزيد : رجال البرقي ، ص 35 ؛ رجال الطوسي ، ص 250 ، الرقم 3507 ؛ رجال العلّامة ، ص241 ، ح 6
5- . في الحاشية: «جابر بن يزيد أبو عبد اللّه عربيّ قديم ، لقي الباقر والصادق عليهماالسلام ومات في أيّامه ، وروى عنه جماعة من الضعفاء منهم عمرو بن شمر ، ثقة في نفسه ، ولكن جلّ من روى عنه ضعيف. مصحّح». راجع : رجال النجاشي ، ص 128 ، الرقم 332 ؛ رجال الكشّي ، ص 191 ؛ رجال الطوسي ، ص 177 ، الرقم 2092 ؛ رجال العلّامة ، ص 35 ،الرقم 2 ؛ وص 241 ، الرقم 6

دَخَلْتُ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، قَدْ أَرْمَضَنِي اخْتِلاَ فُ الشِّيعَةِ فِي مَذَاهِبِهَا!فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، أَ لَمْ أَقِفْكَ عَلى مَعْنَى اخْتِلَافِهِمْ مِنْ أَيْنَ اخْتَلَفُوا، وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَفَرَّقُوا؟!قُلْتُ: بَلى يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ.

قَالَ: فَلَا تَخْتَلِفْ إِذَا اخْتَلَفُوا ، يَا جَابِرُ ، إِنَّ الْجَاحِدَ لِصَاحِبِ الزَّمَانِ كَالْجَاحِدِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي أَيَّامِهِ، يَا جَابِرُ، اسْمَعْ، وَعِ» .

قُلْتُ : إِذَا شِئْتَ .

قَالَ : «اسْمَعْ، وَعِ، وَبَلِّغْ حَيْثُ انْتَهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَذلِكَ حِينَ فَرَغَ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ وَتَأْلِيفِهِ، فَقَالَ :الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي مَنَعَ الْأَوْهَامَ أَنْ تَنَالَ إِلَا وُجُودَهُ، وَحَجَبَ الْعُقُولَ أَنْ تَتَخَيَّلَ (1).

ذَاتَهُ ؛ لأْتِنَاعِهَا مِنَ الشَّبَهِ وَالتَّشَاكُلِ، بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ فِي ذَاتِهِ، وَلَا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزِئَةِ الْعَدَدِ فِي كَمَالِهِ ؛ فَارَقَ الْأَ شْيَاءَ لَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَ مَاكِنِ، وَيَكُونُ فِيهَا لَا عَلى وَجْهِ الْمُمُازَجَةِ، وَعَلِمَهَا لَا بِأَدَاةٍ ؛ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ إِلَا بِهَا، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْلُومِهِ عِلْمُ غَيْرِهِ بِهِ كَانَ عَالِماً بِمَعْلُومِهِ .

إِنْ قِيلَ : «كَانَ» فَعَلى تَأْوِيلِ أَزَلِيَّةِ الْوُجُودِ، وَإِنْ قِيلَ: «لَمْ يَزَلْ» فَعَلى تَأْوِيلِ نَفْيِ الْعَدَمِ.

فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَنْ قَوْلِ مَنْ عَبَدَ سِوَاهُ، وَاتَّخَذَ إِلهاً غَيْرَهُ عُلُوّاً كَبِيراً.

نَحْمَدُهُ بِالْحَمْدِ الَّذِي ارْتَضَاهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَوْجَبَ قَبُولَهُ عَلى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَانِ تَرْفَعَانِ الْقَوْلَ، وَتُضَاعِفَانِ الْعَمَلَ ؛ خَفَّ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ مِنْهُ، وَثَقُلَ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَبِهِمَا الْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةُ مِنَ النَّارِ، وَالْجَوَازُ عَلَى الصِّرَاطِ.

وَبِالشَّهَادَةِ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَبِالصَّلَاةِ تَنَالُونَ الرَّحْمَةَ.

ص: 203


1- .في الحاشية: «عبّر عن الإدراك بالتخييل للتنبيه على أنّ العقل في عدم قدرته على إدراك ذاته كالخيال ؛ إذ الصور العقليّة كالصور الخياليّة في الحدوث والتجزّي والتحليل والتحيّز والاتّصاف بالعوارض والافتقار إلى محلّ وعلّة ، وقدس الحقّ منزّه عن جميع ذلك. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 203

أَكْثِرُوا بِالصَّلَاةِ (1). عَلى نَبِيِّكُمْ، «إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (2). ، صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا شَرَفَ أَعْلى مِنَ الْاءِسْلَامِ، وَلَا كَرَمَ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوى، وَلَا مَعْقِلَ أَحْرَزُ مِنَ الْوَرَعِ، وَلَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَا لِبَاسَ أَجْمَلُ مِنَ الْعَافِيَةِ، وَلَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ مِنَ السَّلَامَةِ، وَلَا مَالَ أَذْهَبُ بِالْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَا بِالْقَنَاعَةِ، وَلَا كَنْزَ أَغْنى مِنَ الْقُنُوعِ .

وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلى بُلْغَةِ الْكَفَافِ، فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ، وَتَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ.

وَالرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ التَّعَبِ، وَا لأْتِكَارُ مَطِيَّةُ النَّصَبِ، وَالْحَسَدُ آفَةُ الدِّينِ، وَالْحِرْصُ دَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ، وَهُوَ دَاعِي الْحِرْمَانِ، وَالْبَغْيُ سَائِقٌ إِلَى الْحَيْنِ، وَالشَّرَهُ جَامِعٌ لِمَسَاوِي الْعُيُوبِ.

رُبَّ طَمَعٍ خَائِبٌ ، وَأَمَلٍ كَاذِبٌ ، وَرَجَاءٍ يُؤَدِّي إِلَى الْحِرْمَانِ، وَتِجَارَةٍ تَؤُولُ إِلَى الْخُسْرَانِ.

أَلَا وَمَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ غَيْرَ نَاظِرٍ فِي الْعَوَاقِبِ ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمُفْضِحَاتِ النَّوَائِبِ، وَبِئْسَتِ الْقِلَادَةُ قِلَادَةُ (3). الذَّنْبِ لِلْمُؤْمِنِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا كَنْزَ أَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا عِزَّ أَرْفَعُ مِنَ الْحِلْمِ، وَلَا حَسَبَ أَبْلَغُ مِنَ الْأَدَبِ، وَلَا نَسَبَ (4). أَوْضَعُ مِنَ الْغَضَبِ، وَلَا جَمَالَ أَزْيَنُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلَا سَوْأَةَ أَسْوَأُ مِنَ الْكَذِبِ، وَلَا حَافِظَ أَحْفَظُ مِنَ الصَّمْتِ، وَلَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، (5). مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ ؛ وَمَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللّهِ، لَمْ يَأْسَفْ عَلى مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ ؛ وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ ، قُتِلَ بِهِ ؛ وَمَنْ حَفَرَ لأخِيهِ بِئْراً ، وَقَعَ فِيهَا ؛ وَمَنْ هَتَكَ حِجَابَ غَيْرِهِ ، انْكَشَفَتْ (6).

عَوْرَاتُ بَيْتِهِ ؛ وَمَنْ نَسِيَ زَلَلَهُ ، اسْتَعْظَمَ زَلَلَ غَيْرِهِ ؛ وَمَنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ ، ضَلَّ ؛ وَمَنِ اسْتَغْنى بِعَقْلِهِ ، زَلَّ ؛ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ ، ذَلَّ ؛ وَمَنْ سَفِهَ عَلَى النَّاسِ ، شُتِمَ ؛ وَمَنْ خَالَطَ الْأَنْذَالَ ، حُقِّرَ ؛ وَمَنْ حَمَلَ مَا لَا يُطِيقُ ، عَجَزَ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا مَالَ (7). أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ، وَلَا فَقْرَ (8). أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ، وَلَا وَاعِظَ 9 أَبْلَغُ مِنَ النُّصْحِ، وَلَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ ، وَلَا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ، وَلَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا وَحْشَةَ أَشَدُّ مِنَ الْعُجْبِ، وَلَا

ص: 204


1- .في كلتا الطبعتين والحاشية عن بعض النسخ : «من الصلاة»
2- .الأحزاب (33) : 56
3- .في الطبعة القديمة : _ «قلادة»
4- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «نصب»
5- .في الطبعة القديمة : + «إنّه»
6- .في الطبعة القديمة : «انكشف»
7- .في الطبعة القديمة : + «هو»
8- .في الطبعة القديمة: + «هو»

وَرَعَ كَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلَا حِلْمَ كَالصَّبْرِ وَالصَّمْتِ .

أَيُّهَا النَّاسُ، فِي الْاءِنْسَانِ عَشْرُ خِصَالٍ يُظْهِرُهَا لِسَانُهُ: شَاهِدٌ يُخْبِرُ عَنِ الضَّمِيرِ، وَحَاكِمٌ (1).

يَفْصِلُ بَيْنَ الْخِطَابِ، وَنَاطِقٌ يُرَدُّ بِهِ الْجَوَابُ، وَشَافِعٌ يُدْرَكُ بِهِ الْحَاجَةُ، وَوَاصِفٌ يُعْرَفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، وَأَمِيرٌ يَأْمُرُ بِالْحَسَنِ، وَوَاعِظٌ يَنْهى عَنِ الْقَبِيحِ، وَمُعَزٍّ تُسَكَّنُ بِهِ الْأَحْزَانُ، وَحَاضِرٌ تُجْلى بِهِ الضَّغَائِنُ، وَمُونِقٌ يُلْهى (2). بِهِ الْأَسْمَاعُ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.

وَاعْلَمُوا _ أَيُّهَا النَّاسُ _ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ لِسَانَهُ يَنْدَمْ، وَمَنْ لَا يَعْلَمْ يَجْهَلْ، وَمَنْ لَا يَتَحَلَّمْ لَا يَحْلُمْ، وَمَنْ لَا يَرْتَدِعْ لَا يَعْقِلْ، وَمَنْ لَا يَعْقِلْ (3). يُهَنْ، وَمَنْ يُهَنْ لَا يُوَقَّرْ، وَمَنْ لَا يُوَقَّرْ (4). يَتَوَبَّخْ، وَمَنْ يَكْتَسِبْ مَالاً مِنْ غَيْرِ حَقِّهِ يَصْرِفْهُ فِي غَيْرِ أَجْرِهِ، وَمَنْ لَا يَدَعْ وَهُوَ مَحْمُودٌ يَدَعْ وَهُوَ مَذْمُومٌ، وَمَنْ لَمْ يُعْطِ قَاعِداً مُنِعَ قَائِماً، وَمَنْ يَطْلُبِ الْعِزَّ بِغَيْرِ حَقٍّ يَذِلَّ، وَمَنْ يَغْلِبْ بِالْجَوْرِ يُغْلَبْ، وَمَنْ عَانَدَ الْحَقَّ لَزِمَهُ الْوَهْنُ، وَمَنْ تَفَقَّهَ وُقِّرَ، وَمَنْ تَكَبَّرَ حُقِّرَ، وَمَنْ لَا يُحْسِنْ لَا يُحْمَدْ (5) .

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمَنِيَّةَ قَبْلَ الدَّنِيَّةِ، وَالتَّجَلُّدَ قَبْلَ التَّبَلُّدِ، وَالْحِسَابَ قَبْلَ الْعِقَابِ، وَالْقَبْرَ خَيْرٌ مِنَ الْفَقْرِ، وَغَضَّ الْبَصَرِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّظَرِ، وَالدَّهْرَ يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ، فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلَا تَبْطَرْ، وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ، فَبِكِلَيْهِمَا تُمْتَحَنُ [ وَفِي نُسْخَةٍ: «وَكِلَاهُمَا سَيُخْتَبَرُ» ] .

أَيُّهَا النَّاسُ، أَعْجَبُ مَا فِي الْاءِنْسَانِ قَلْبُهُ، وَلَهُ مَوَادُّ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلَافِهَا ، فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ، وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أُسْعِدَ بِالرِّضى نَسِيَ التَّحَفُّظَ، وَإِنْ نَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ، وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْنُ اسْتَلَبَتْهُ الْعِزَّةُ [وَفِي نُسْخَةٍ: «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ» ] ، وَإِنْ جُدِّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ، وَإِنْ أَفَادَ مَالاً أَطْغَاهُ الْغِنى، وَإِنْ عَضَّتْهُ فَاقَةٌ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ [ وَفِي نُسْخَةٍ: «جَهَدَهُ الْبُكَاءُ» ] ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ، وَإِنْ أَفْرَطَ فِي الشِّبَعِ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ ؛ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ ، وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ .

ص: 205


1- .في الطبعة القديمة: «حاكم» بدون الواو
2- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة: «تلتذّ». وفي بعض نسخ الكافي : «تلهى»
3- .في الطبعة القديمة : «لا يعلم»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يتوقّر»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا يجمل»

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنْ قَلَّ ذَلَّ، وَمَنْ جَادَ سَادَ، وَمَنْ كَثُرَ مَالُهُ رَأَسَ، وَمَنْ كَثُرَ حِلْمُهُ نَبُلَ، وَمَنْ أَفْكَرَ فِي ذَاتِ اللّهِ تَزَنْدَقَ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ (1). شَيْءٍ عُرِفَ بِهِ، وَمَنْ كَثُرَ مِزَاحُهُ اسْتُخِفَّ بِهِ، وَمَنْ كَثُرَ ضِحْكُهُ ذَهَبَتْ هَيْبَتُهُ، فَسَدَ حَسَبُ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَدَبٌ، إِنَّ أَفْضَلَ الْفِعَالِ صِيَانَةُ الْعِرْضِ بِالْمَالِ، لَيْسَ مَنْ جَالَسَ الْجَاهِلَ بِذِي مَعْقُولٍ، مَنْ جَالَسَ الْجَاهِلَ فَلْيَسْتَعِدَّ لِقِيلٍ وَقَالٍ.

لَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ غَنِيٌّ بِمَالِهِ، وَلَا فَقِيرٌ لأِقْلَالِهِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، لَوْ أَنَّ الْمَوْتَ يُشْتَرى لَاشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الْكَرِيمُ الْأَبْلَجُ وَاللَّئِيمُ الْمَلْهُوجُ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَوَاهِدَ تُجْرِي الْأَنْفُسَ عَنْ مَدْرَجَةِ أَهْلِ التَّفْرِيطِ، وَفِطْنَةُ الْفَهْمِ لِلْمَوَاعِظِ مَا يَدْعُو النَّفْسَ إِلَى الْحَذَرِ مِنَ الْخَطَرِ، وَلِلْقُلُوبِ خَاطِرٌ (2). لِلْهَوى، وَالْعُقُولُ تَزْجُرُ وَتَنْهى، وَفِي التَّجَارِبِ عِلْمٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَا لأْتِبَارُ يَقُودُ إِلَى الرَّشَادِ، وَكَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ مَا تَكْرَهُهُ لِغَيْرِكَ.

وَعَلَيْكَ لأخِيكَ الْمُؤْمِنِ مِثْلُ الَّذِي لَكَ عَلَيْهِ.

لَقَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنى بِرَأْيِهِ، وَالتَّدَبُّرُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمِنُكَ مِنَ النَّدَمِ، وَمَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْارَاءِ عَرَفَ مَوَاضِعَ (3).

الْخَطَإِ، وَمَنْ أَمْسَكَ عَنِ الْفُضُولِ عَدَلَتْ رَأْيَهُ الْعُقُولُ، وَمَنْ حَصَرَ (4).

شَهْوَتَهُ فَقَدْ صَانَ قَدْرَهُ، وَمَنْ أَمْسَكَ لِسَانَهُ أَمِنَهُ قَوْمُهُ وَنَالَ حَاجَتَهُ.

وَفِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ، وَالْأَيَّامُ تُوضِحُ لَكَ السَّرَائِرَ الْكَامِنَةَ، وَلَيْسَ فِي الْبَرْقِ الْخَاطِفِ مُسْتَمْتَعٌ لِمَنْ يَخُوضُ فِي الظُّلْمَةِ، وَمَنْ عُرِفَ بِالْحِكْمَةِ لَحَظَتْهُ الْعُيُونُ بِالْوَقَارِ وَالْهَيْبَةِ.وَأَشْرَفُ الْغِنى تَرْكُ الْمُنى.

وَالصَّبْرُ جُنَّةٌ مِنَ الْفَاقَةِ، وَالْحِرْصُ عَلَامَةُ الْفَقْرِ، وَالْبُخْلُ جِلْبَابُ الْمَسْكَنَةِ، وَالْمَوَدَّةُقَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ، وَوَصُولٌ مُعْدِمٌ خَيْرٌ مِنْ جَافٍ مُكْثِرٍ، وَالْمَوْعِظَةُ كَهْفٌ لِمَنْ وَعَاهَا، وَمَنْ أَطْلَقَ طَرْفَهُ كَثُرَ أَسَفُهُ.

وَقَدْ أَوْجَبَ الدَّهْرُ شُكْرَهُ عَلى مَنْ نَالَ سُؤْلَهُ.

وَقَلَّ مَا يُنْصِفُكَ اللِّسَانُ مِنْ (5).

نَشْرِ قَبِيحٍ أَوْ إِحْسَانٍ ، وَمَنْ ضَاقَ خُلُقُهُ مَلَّهُ أَهْلُهُ، وَمَنْ نَالَ اسْتَطَالَ،

ص: 206


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «في»
2- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «خواطر»
3- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «مواقع»
4- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «حصّن». وفي بعض نسخ الكافي : «حصرت»
5- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «في»

وَقَلَّ مَا تَصْدُقُكَ الْأُمْنِيَّةُ.

وَالتَّوَاضُعُ يَكْسُوكَ الْمَهَابَةَ ، وَفِي سَعَةِ الْأَخْلاَقِ كُنُوزُ الْأَرْزَاقِ.

كَمْ مِنْ عَاكِفٍ عَلى ذَنْبِهِ فِي آخِرِ أَيَّامِ عُمُرِهِ، وَمَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ خَفِيَ عَلَى النَّاسِ عَيْبُهُ.

وَانْحُ الْقَصْدَ مِنَ الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ مَنْ تَحَرَّى الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنُ، وَفِي خِلَافِ النَّفْسِ رُشْدُكَ، مَنْ عَرَفَ الْأَيَّامَ لَمْ يَغْفُلْ عَنِ ا لأْتِعْدَادِ.

أَلَا وَإِنَّ مَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقاً، وَإِنَّ فِي كُلِّ أُكْلَةٍ غُصَصاً، لَا تُنَالُ نِعْمَةٌ إِلَا بِزَوَالِ أُخْرى.

وَلِكُلِّ ذِي رَمَقٍ قُوتٌ، وَلِكُلِّ حَبَّةٍ آكِلٌ، وَأَنْتَ قُوتُ الْمَوْتِ.

اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ مَنْ مَشى عَلى وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِلى بَطْنِهَا، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَتَنَازَعَانِ (1). [وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرى : «يُسَارِعَانِ» (2). ] فِي هَدْمِ الْأَعْمَارِ .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُفْرُ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ، وَصُحْبَةُ الْجَاهِلِ شُؤْمٌ ؛ إِنَّ مِنَ الْكَرَمِ لِينَ الْكَلَامِ ، وَمِنَ الْعِبَادَةِ إِظْهَارَ اللِّسَانِ وَإِفْشَاءَ السَّلَامِ .

إِيَّاكَ وَالْخَدِيعَةَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ خُلُقِ اللَّئِيمِ.

لَيْسَ كلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ، وَلَا كُلُّ غَائِبٍ يَؤُوبُ ؛ لَا تَرْغَبْ فِيمَنْ زَهِدَ فِيكَ، رُبَّ بَعِيدٍ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ.

سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ .

أَلَا وَمَنْ أَسْرَعَ فِي الْمَسِيرِ أَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ.

اسْتُرْ عَوْرَةَ أَخِيكَ كَمَا تَعْلَمُهَا فِيكَ، اغْتَفِرْ زَلَّةَ صَدِيقِكَ لِيَوْمِ يَرْكَبُكَ عَدُوُّكَ .

مَنْ غَضِبَ عَلى مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلى ضَرِّهِ طَالَ حُزْنُهُ وَعَذَّبَ نَفْسَهُ.

مَنْ خَافَ رَبَّهُ كُفِيَ عَذَابَهُ، (3). وَمَنْ لَمْ يَزِغْ فِي كَلَامِهِ أَظْهَرَ فَخْرَهُ.

مَنْ (4).

لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ، إِنَّ مِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةَ الزَّادِ .

مَا أَصْغَرَ الْمُصِيبَةَ مَعَ عِظَمِ الْفَاقَةِ غَداً، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ وَمَا تَنَاكَرْتُمْ إِلَا لِمَا فِيكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي

ص: 207


1- .في الحاشية عن بعض النسخ : «يسارعان»
2- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة: «يتسارعان»
3- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «من خاف ربّه كفّ ظلمه . في نسخة : من خاف ربّه كفي عذابه»
4- .في كلتا الطبعتين : «ومن»

وَالذُّنُوبِ، فَمَا أَقْرَبَ الرَّاحَةَ مِنَ التَّعَبِ وَالْبُؤْسَ مِنَ النَّعِيمِ، وَمَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ، وَمَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ.

وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ مَحْقُورٌ، وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ، وَعِنْدَ تَصْحِيحِ الضَّمَائِرِ تُبْدُو الْكَبَائِرُ.

تَصْفِيَةُ الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ، وَتَخْلِيصُ النِّيَّةِ مِنَ الْفَسَادِ أَشَدُّ عَلَى الْعَامِلِينَ مِنْ طُولِ الْجِهَادِ.

هَيْهَاتَ لَوْ لَا التُّقى لَكُنْتُ أَدْهَى الْعَرَبِ.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَعَدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله الْوَسِيلَةَ، وَوَعْدُهُ الْحَقُّ، «وَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ» (1) .

أَلَا وَإِنَّ الْوَسِيلَةَ عَلى دَرَجِ (2). الْجَنَّةِ، وَذِرْوَةِ ذَوَائِبِ الزُّلْفَةِ، وَنِهَايَةِ غَايَةِ الْأُمْنِيَّةِ ، لَهَا أَلْفُ مِرْقَاةٍ مَا بَيْنَ الْمِرْقَاةِ إِلَى الْمِرْقَاةِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ مِائَةَ عَامٍ (وَفِي نُسْخَةٍ : «أَلْفَ عَامٍ») ، وَهُوَ مَا بَيْنَ مِرْقَاةِ دُرَّةٍ إِلى مِرْقَاةِ جَوْهَرَةٍ إِلى مِرْقَاةِ زَبَرْجَدَةٍ إِلى مِرْقَاةِ لُؤْلُؤَةٍ إِلى مِرْقَاةِ يَاقُوتَةٍ إِلى مِرْقَاةِ زُمُرُّدَةٍ إِلى مِرْقَاةِ مَرْجَانَةٍ إِلى مِرْقَاةِ كَافُورٍ إِلى مِرْقَاةِ عَنْبَرٍ إِلى مِرْقَاةِ يَلَنْجُوجٍ إِلى مِرْقَاةِ ذَهَبٍ إِلى مِرْقَاةِ فِضَّةٍ إِلى مِرْقَاةِ غَمَامٍ إِلى مِرْقَاةِ هَوَاءٍ إِلى مِرْقَاةِ نُورٍ ؛ قَدْ أَنَافَتْ عَلى كُلِّ الْجِنَانِ، وَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَوْمَئِذٍ قَاعِدٌ عَلَيْهَا مُرْتَدٍ بِرَيْطَتَيْنِ: رَيْطَةٍ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ، وَرَيْطَةٍ مِنْ نُورِ اللّهِ ، عَلَيْهِ تَاجُ النُّبُوَّةِ وَإِكْلِيلُ الرِّسَالَةِ ، قَدْ أَشْرَقَ بِنُورِهِ الْمَوْقِفُ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَهِيَ دُونَ دَرَجَتِهِ .

وَعَلَيَّ رَيْطَتَانِ: رَيْطَةٌ مِنْ أُرْجُوَانِ النُّورِ، وَرَيْطَةٌ مِنْ كَافُورٍ، وَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ قَدْ وَقَفُوا عَلَى الْمَرَاقِي، وَأَعْلَامُ الْأَزْمِنَةِ وَحُجَجُ الدُّهُورِ عَنْ أَيْمَانِنَا، قَدْ تَجَلَّلَتْهُمْ حُلَلُ النُّورِ وَالْكَرَامَةِ، لَا يَرَانَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَا بُهِتَ بِأَنْوَارِنَا، وَعَجِبَ مِنْ ضِيَائِنَا وَجَلَالَتِنَا.

وَعَنْ يَمِينِ الْوَسِيلَةِ عَنْ يَمِينِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله غَمَامَةٌ بَسْطَةَ (3). الْبَصَرِ يَأْتِي مِنْهَا النِّدَاءُ: يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ، طُوبى لِمَنْ أَحَبَّ الْوَصِيَّ، وَآمَنَ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ، وَمَنْ كَفَرَ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ.

وَعَنْ يَسَارِ الْوَسِيلَةِ عَنْ يَسَارِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ظُلَّةٌ يَأْتِي مِنْهَا النِّدَاءُ: يَا أَهْلَ الْمَوْقِفِ، طُوبى لِمَنْ أَحَبَّ الْوَصِيَّ، وَآمَنَ بِالنَّبِيِّ ا لأمِّيِّ، وَالَّذِي لَهُ الْمُلْكُ الْأَعْلى، لَا فَازَ أَحَدٌ وَلَا نَالَ الرَّوْحَ وَالْجَنَّةَ إِلَا مَنْ لَقِيَ خَالِقَهُ بِالْاءِخْلَاصِ لَهُمَا، وَالِاقْتِدَاءِ بِنُجُومِهِمَا، فَأَيْقِنُوا يَا أَهْلَ وَلَايَةِ اللّهِ بِبَيَاضِ (4). وُجُوهِكُمْ،

ص: 208


1- .الحجّ (22) : 47
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «درجة»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بسط»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بتبييض»

وَشَرَفِ مَقْعَدِكُمْ، وَكَرَمِ مَآبِكُمْ، وَبِفَوْزِكُمُ الْيَوْمَ «عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» (1).

وَيَا أَهْلَ ا لأْحِرَافِ وَالصُّدُودِ عَنِ اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ وَرَسُولِهِ وَصِرَاطِهِ وَأَعْلَامِ الْأَزْمِنَةِ، أَيْقِنُوا بِسَوَادِ وُجُوهِكُمْ، وَغَضَبِ رَبِّكُمْ جَزَاءً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

وَمَا مِنْ رَسُولٍ سَلَفَ، وَلَا نَبِيٍّ مَضى إِلَا وَ (2).

كَانَ مُخْبِراً أُمَّتَهُ بِالْمُرْسَلِ الْوَارِدِ مِنْ بَعْدِهِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَمُوصِياً قَوْمَهُ بِاتِّبَاعِهِ، وَمُحَلِّيَهُ عِنْدَ قَوْمِهِ لِيَعْرِفُوهُ بِصِفَتِهِ، وَلِيَتَّبِعُوهُ عَلى شَرِيعَتِهِ، وَلِئَلَا (3). يَضِلُّوا فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَيَكُونَ مَنْ هَلَكَ أَوْ ضَلَّ بَعْدَ وُقُوعِ الْاءِعْذَارِ وَالْاءِنْذَارِ عَنْ بَيِّنَةٍ وَتَعْيِينِ حُجَّةٍ، فَكَانَتِ الْأُمَمُ فِي رَجَاءٍ مِنَ الرُّسُلِ وَوُرُودٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَئِنْ أُصِيبَتْ بِفَقْدِ نَبِيٍّ بَعْدَ نَبِيٍّ عَلى عِظَمِ (4). مَصَائِبِهِمْ وَفَجَائِعِهَا بِهِمْ، فَقَدْ كَانَتْ عَلى سَعَةٍ مِنَ الْأَمَلِ، وَلَا مُصِيبَةٌ عَظُمَتْ وَلَا رَزِيَّةٌ جَلَّتْ كَالْمُصِيبَةِ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ لأنَّ اللّهَ حَسَمَ (5). بِهِ الْاءِنْذَارَ وَالْاءِعْذَارَ، وَقَطَعَ بِهِ ا لأحْتِجَاجَ وَالْعُذْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ بَابَهُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، وَمُهَيْمِنَهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ إِلَا بِهِ، وَلَا قُرْبَةَ إِلَيْهِ إِلَا بِطَاعَتِهِ، وَقَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَمَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» (6). ، فَقَرَنَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِهِ، وَمَعْصِيَتَهُ بِمَعْصِيَتِهِ، فَكَانَ ذلِكَ دَلِيلاً عَلى مَا فَوَّضَ إِلَيْهِ، وَشَاهِداً لَهُ عَلى مَنِ اتَّبَعَهُ وَعَصَاهُ.

وَبَيَّنَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ، فَقَالَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى اتَّبَاعِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي تَصْدِيقِهِ وَالْقَبُولِ لِدَعْوَتِهِ (7). : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» (8). ، فَاتِّبَاعُهُ صلى الله عليه و آله مَحَبَّةُ اللّهِ، وَرِضَاهُ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ، وَكَمَالُ النورِ (9). وَوُجُوبُ الْجَنَّةِ، وَفِي التَّوَلِّي عَنْهُ وَالْاءِعْرَاضِ مُحَادَّةُ اللّهِ وَغَضَبُهُ وَسَخَطُهُ، وَالْبُعْدُ مِنْهُ مُسْكِنُ النَّارِ، وَذلِكَ قَوْلُهُ: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ» (10). ، يَعْنِي الْجُحُودَ بِهِ، وَالْعِصْيَانَ لَهُ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ اسْمُهُ _ امْتَحَنَ بِي عِبَادَهُ، وَقَتَلَ بِيَدِي أَضْدَادَهُ، وَأَفْنى بِسَيْفِي جُحَّادَهُ، وَجَعَلَنِي زُلْفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحِيَاضَ مَوْتٍ عَلَى الْجَبَّارِينَ، وَسَيْفَهُ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَشَدَّ بِي أَزْرَ رَسُولِهِ، (11). وَأَكْرَمَنِي بِنَصْرِهِ، وَشَرَّفَنِي

ص: 209


1- الصافّات(37) : 44
2- .في كلتا الطبعتين : + «قد»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «لكيلا»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «عظيم»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «حكم»
6- .النساء(4) : 80
7- .في الطبعة القديمة : «بدعوته»
8- .آل عمران(3) : 31
9- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «الفوز»
10- .هود(11) : 17
11- . في الحاشية عن بعض النسخ: «نبيّه». وفي بعض نسخ الكافي : «رسول اللّه صلى الله عليه و آله »

بِعِلْمِهِ، وَحَبَانِي بِأَحْكَامِهِ، وَاخْتَصَّنِي بِوَصِيَّتِهِ، وَاصْطَفَانِي بِخِلَافَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، فَقَالَ وَقَدْ حَشَدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَانْغَصَّتْ بِهِمُ الْمَحَافِلُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلِيّاً مِنِّي كَهَارُونَ مِنْ مُوسى، إِلَا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي.

فَعَقَلَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ اللّهِ، نَطَقَ الرَّسُولُ إِذْ عَرَفُونِي أَنِّي لَسْتُ بِأَخِيهِ لأبِيهِ وَ _ أُمِّهِ وَاللّهِ (1). _ كَمَا كَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسى لأبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَا كُنْتُ نَبِيّاً فَاقْتَضى نُبُوَّةً، وَلكِنْ كَانَ ذلِكَ مِنْهُ اسْتِخْلَافاً لِي، كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسى هَارُونَ عليه السلام حَيْثُ يَقُولُ: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (2).

وَقَوْلُهُ عليه السلام حِينَ تَكَلَّمَتْ طَائِفَةٌ، فَقَالَتْ :

نَحْنُ مَوَالِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ صَارَ إِلى غَدِيرِ خُمٍّ، فَأَمَرَ، فَأُصْلِحَ لَهُ شِبْهُ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَلَاهُ وَأَخَذَ بِعَضُدِي حَتّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ رَافِعاً صَوْتَهُ قَائِلاً فِي مَحْفِلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاه ، وَكَانَتْ (3). عَلى وَلَايَتِي وَلَايَةُ اللّهِ، وَعَلى عَدَاوَتِي عَدَاوَةُ اللّهِ، وَأَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلامَ دِيناً» (4). ، فَكَانَتْ وَلَايَتِي كَمَالَ الدِّينِ وَرِضَا الرَّبِّ جَلَّ ذِكْرُهُ، وَأَنْزَلَ اللّهُ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ اخْتِصَاصاً لِي ، وَتَكَرُّماً (5). نَحَلَنِيهِ ، وَإِعْظَاماً وَتَفْضِيلاً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَنَحَنِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» (6). فِيَّ مَنَاقِبُ لَوْ ذَكَرْتُهَا لَعَظُمَ بِهَا ا لأْتِفَاعُ، وَطَالَ لَهَا ا لأْتِمَاعُ، وَلَئِنْ تَقَمَّصَهَا دُونِيَ الْأَشْقَيَانِ، وَنَازَعَانِي فِيمَا لَيْسَ لَهُمَا بِحَقٍّ، وَرَكِبَاهَا ضَلَالَةً ، وَاعْتَقَدَاهَا جَهَالَةً، فَلَبِئْسَ مَا عَلَيْهِ وَرَدَا، وَلَبِئْسَ مَا لأنْفُسِهِمَا مَهَّدَا، يَتَلَاعَنَانِ فِي دُورِهِمَا، وَيَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ يَقُولُ لِقَرِينِهِ إِذَا الْتَقَيَا: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، فَيُجِيبُهُ الْأَشْقى عَلى رُثُوثَةٍ : يَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْكَ خَلِيلاً لَقَدْ أَضْلَلْتَنِي «عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْاءِنْسَانِ خَذُولاً» (7).

ص: 210


1- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : _ «واللّه»
2- الأعراف (7) : 142
3- .في الطبعة القديمة : «فكانت»
4- .المائدة (5) : 3
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تكرمة». وفي بعض نسخ الكافي : «تكريما»
6- الأنعام (6) : 62
7- الفرقان (25) : 28 و29

فَأَنَا الذِّكْرُ الَّذِي عَنْهُ ضَلَّ، وَالسَّبِيلُ الَّذِي عَنْهُ مَالَ، وَالْاءِيمَانُ الَّذِي بِهِ كَفَرَ، وَالْقُرْآنُ الَّذِي إِيَّاهُ هَجَرَ، وَالدِّينُ الَّذِي بِهِ كَذَّبَ، وَالصِّرَاطُ الَّذِي عَنْهُ نَكَبَ، وَلَئِنْ رَتَعَا فِي الْحُطَامِ الْمُنْصَرِمِ وَالْغُرُورِ الْمُنْقَطِعِ، وَكَانَا مِنْهُ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَهُمَا عَلى شَرِّ وُرُودٍ فِي أَخْيَبِ وُفُودٍ، وَأَلْعَنِ مَوْرُودٍ يَتَصَارَخَانِ بِاللَّعْنَةِ، وَيَتَنَاعَقَانِ بِالْحَسْرَةِ، مَا لَهُمَا مِنْ رَاحَةٍ، وَلَا عَنْ عَذَابِهِمَا مِنْ مَنْدُوحَةٍ، إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَزَالُوا عُبَّادَ أَصْنَامٍ، وَسَدَنَةَ أَوْثَانٍ، يُقِيمُونَ لَهَا الْمَنَاسِكَ، وَيَنْصِبُونَ لَهَا الْعَتَائِرَ، وَيَتَّخِذُونَ لَهَا الْقُرْبَانَ، وَيَجْعَلُونَ لَهَا الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْحَامَ، وَيَسْتَقْسِمُونَ بِالْأَزْلَامِ ، عَامِهِينَ عَنِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، حَائِرِينَ عَنِ الرَّشَادِ ، وَمُهْطِعِينَ (1). إِلَى الْبِعَادِ، قَدِ (2). اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، وَغَمَرَتْهُمْ سَوْدَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَضَعُوا (3). جَهَالَةً، وَانْتَظَمُوا (4). ضَلَالَةً ، فَأَخْرَجَنَا اللّهُ إِلَيْهِمْ رَحْمَةً، وَأَطْلَعَنَا عَلَيْهِمْ رَأْفَةً، وَأَسْفَرَ بِنَا عَنِ الْحُجُبِ نُوراً لِمَنِ اقْتَبَسَهُ، وَفَضْلاً لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَتَأْيِيداً لِمَنْ صَدَّقَهُ، فَتَبَوَّؤُوا الْعِزَّ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَالْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَهَابَتْهُمُ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، وَأَذْعَنَتْ لَهُمُ الْجَبَابِرَةُ وَطَوَائِفُهَا، وَصَارُوا أَهْلَ نِعْمَةٍ مَذْكُورَةٍ، وَكَرَامَةٍ مَيْسُورَةٍ، (5). وَأَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، وَجَمْعٍ بَعْدَ كَوْفٍ، (6). وَأَضَاءَتْ بِنَا مَفَاخِرُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ، وَأَوْلَجْنَاهُمْ بَابَ الْهُدى، وَأَدْخَلْنَاهُمْ دَارَ السَّلَامِ ، وَأَشْمَلْنَاهُمْ ثَوْبَ الْاءِيمَانِ، وَفَلَجُوا بِنَا فِي الْعَالَمِينَ، وَأَبْدَتْ لَهُمْ أَيَّامُ الرَّسُولِ آثَارَ الصَّالِحِينَ : مِنْ حَامٍ مُجَاهِدٍ، وَمُصَلٍّ قَانِتٍ، وَمُعْتَكِفٍ زَاهِدٍ، يُظْهِرُونَ الْأَمَانَةَ، وَيَأْتُونَ الْمَثَابَةَ، حَتّى إِذَا دَعَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَرَفَعَهُ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُ ذلِكَ بَعْدَهُ إِلَا كَلَمْحَةٍ مِنْ خَفْقَةٍ، أَوْ وَمِيضٍ مِنْ بَرْقَةٍ، إِلى أَنْ رَجَعُوا عَلَى الْأَعْقَابِ، وَانْتَكَصُوا عَلَى الْأَدْبَارِ، وَطَلَبُوا بِالْأَوْتَارِ، وَأَظْهَرُوا الْكَتَائِبَ، وَرَدَمُوا الْبَابَ، وَفَلُّوا الدَّارَ (7). ، وَغَيَّرُوا آثَارَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَرَغِبُوا عَنْ أَحْكَامِهِ، وَبَعُدُوا عَنْ (8). أَنْوَارِهِ، وَاسْتَبْدَلُوا بِمُسْتَخْلَفِهِ بَدِيلاً اتَّخَذُوهُ، وَكَانُوا ظَالِمِينَ.وَزَعَمُوا أَنَّ مَنِ اخْتَارُوا مِنْ آلِ أَبِي قُحَافَةَ أَوْلى بِمَقَامِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنِ اخْتَارَهُ (9). رَسُولُ اللّهِ (10). صلى الله عليه و آله لِمَقَامِهِ، وَأَنَّ مُهَاجِرَ آلِ أَبِي قُحَافَةَ خَيْرٌ مِنَ مُهَاجِرِي الْأَنْصَارِ (11). الرَّبَّانِيِّ نَامُوسِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.

ص: 211


1- . في الطبعة القديمة : «مهطعين» بدون الواو
2- .في الطبعة القديمة : «وقد»
3- .في الطبعة القديمة : «ورضعوها»
4- .في الطبعة القديمة : «وانفطموها»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «منشورة»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «حوب»
7- .في الطبعة القديمة : «الديار»
8- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «من»
9- .في الطبعة القديمة : «اختار»
10- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «الرسول» بدل «رسول اللّه »
11- .في كلتا الطبعتين وحاشية النسخة : «المهاجري الأنصاري»

أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ شَهَادَةِ زُورٍ وَقَعَتْ فِي الْاءِسْلَامِ شَهَادَتُهُمْ أَنَّ صَاحِبَهُمْ مُسْتَخْلَفُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَا كَانَ رَجَعُوا عَنْ ذلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَضى وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الطَّيِّبُ الْمُبَارَكُ، أَوَّلَ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالزُّورِ فِي الْاءِسْلَامِ، وَعَنْ قَلِيلٍ يَجِدُونَ غِبَّ مَا يَعْمَلُونَ ، وَسَيَجِدُ (1). التَّالُونَ غِبَّ مَا أَسَّسَهُ الْأَوَّلُونَ .

وَلَئِنْ كَانُوا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنَ الْمَهْلِ، وَشِفَاءٍ مِنَ الْأَجَلِ ، وَسَعَةٍ مِنَ الْمُنْقَلَبِ، وَاسْتِدْرَاجٍ مِنَ الْغُرُورِ، وَسُكُونٍ مِنَ الْحَالِ، وَإِدْرَاكٍ مِنَ الْأَمَلِ، فَقَدْ أَمْهَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ شَدَّادَ بْنَ عَادٍ، وَثَمُودَ بْنَعَبُّودٍ، وَبَلْعَمَ بْنَ بَاعُورٍ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَأَمَدَّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَعْمَارِ، وَأَتَتْهُمُ الْأَرْضُ بِبَرَكَاتِهَا، لِيَذَّكَّرُوا آلَاءَ اللّهِ، وَلِيَعْرِفُوا الْاءِهَابَةَ لَهُ وَالْاءِنَابَةَ إِلَيْهِ، وَلِيَنْتَهُوا عَنِ ا لأْتِكْبَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْمُدَّةَ، وَاسْتَتَمُّوا الْأُكْلَةَ، أَخَذَهُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَاصْطَلَمَهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ حُصِبَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَحْرَقَتْهُ الظُّلَّةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْدَتْهُ الرَّجْفَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَرْدَتْهُ الْخَسْفَةُ، «فَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (2).

أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً، فَإِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ لَوْ كُشِفَ لَكَ عَمَّا هَوى إِلَيْهِ الظَّالِمُونَ، وَآلَ إِلَيْهِ الْأَخْسَرُونَ، لَهَرَبْتَ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، وَإِلَيْهِ صَائِرُونَ.

أَلَا وَإِنِّي فِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ كَهَارُونَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَبَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَسَفِينَةِ نُوحٍ فِي قَوْمِ نُوحٍ، وَإِنِّي (3). النَّبَأُ الْعَظِيمُ، وَالصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، وَعَنْ قَلِيلٍ سَتَعْلَمُونَ مَا تُوعَدُونَ، وَهَلْ هِيَ إِلَا كَلُعْقَةِ الآْكِلِ، وَمَذْقَةِ الشَّارِبِ، وَخَفْقَةِ الْوَسْنَانِ، ثُمَّ تُلْزِمُهُمُ الْمَعَرَّاتُ جَزَاءً (4). فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، فَمَا جَزَاءُ مَنْ تَنَكَّبَ مَحَجَّتَهُ، وَأَنْكَرَ حُجَّتَهُ، وَخَالَفَ هُدَاتَهُ، وَحَادَ عَنْ نُورِهِ، وَاقْتَحَمَ فِي ظُلَمِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْمَاءِ السَّرَابَ، وَبِالنَّعِيمِ الْعَذَابَ، وَبِالْفَوْزِ الشَّقَاءَ، وَبِالسَّرَّاءِ الضَّرَّاءَ، وَبِالسَّعَةِ الضَّنْكَ، إِلَا جَزَاءُ اقْتِرَافِهِ، وَسُوءُ خِلَافِهِ .

فَلْيُوقِنُوا بِالْوَعْدِ عَلى حَقِيقَتِهِ، وَلْيَسْتَيْقِنُوا بِمَا يُوعَدُونَ يَوْمَ تَأْتِي الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ، «ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً» (5). إِلى آخِرِ السُّورَةِ .

ص: 212


1- .في الطبعة القديمة : «يعلمون وسيجدون»
2- التوبة(9) : 70 ؛ العنكبوت (29) : 40
3- .في الطبعة القديمة : «إنّي» بدون الواو
4- .في الطبعة القديمة : «خزيا»
5- .ق (50) : 42 _ 44

شرح الحديث

قوله: (خطبة الوسيلة) ؛ سمّيت بها لاشتمالها على ذكر الوسيلة ومقامها وكيفيّتها.

وقوله: (محمّد بن عليّ بن مَعمر) بفتح الميم وإسكان العين المهملة وفتح الميم. كذا في الإيضاح (1).

(عن محمّد بن عليّ بن عُكابة التَّيمي) .

في القاموس: «عُكابة كدُخانة : ابن صعب ، أبو حيّ من بكر»(2).

(عن الحسين بن النضر الفِهري) .

في القاموس: «الفهر بالكسر: قبيلة من قريش»(3).

(عن أبي عمرو الأوزاعي) .

في القاموس: «الأوزاع : الجماعات ، ولقب مرثد بن زيد ، أبي بطن من همدان»(4).

(عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد) .

السند ضعيف، لكن آثار الصحّة لائحة من قوّة بيان الخطبة، وصحّة معانيها بحيث لا يحتاج إلى إسناد، مع كونها من الخطب المشهورة عنه صلوات اللّه عليه.

وقوله: (قد أرمضني) أي أحرقني وأوجعني في المصيبة.

(اختلافُ الشيعة في مذاهبها) أي اختيار كلّ صنف منهم مذهباً، واختلفوا في الاُصول والفروع جميعاً.

(فقال: يا جابر، أ لم أقفك) إلى قوله: (تفرّقوا) .

هذا الكلام يدلّ على أنّه عليه السلام أوقفه على ذلك قبل.

قال الفيروزآبادي: «وقف يَقف وُقوفاً: دام قائماً، ووقفته أنا وقفاً ، كوقّفته وأوقفته ، وفلاناً على دنبه : أطلعه» (5).

(قلت: بلى يابن رسول اللّه، قال: فلا تختلف إذا اختلفوا) ؛ لأنّ اختلاف هؤلاء لغرض من

ص: 213


1- إيضاح الاشتباه ، ص 192
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 107 (عكب) . وراجع فيه إلى ما قلنا سابقا في هامش متن الحديث
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 112 (فهر)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 93 (وزع)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 205 (وقف)

أغراض الدنيا، فلا ينبغي أن تكون كذلك.

وقيل: النهي عن الاختلاف لكثرتهم، أو لشبهتهم وتلبيسهم ، كما أختلف لذلك كثير من الناس.

(يا جابر، إنّ الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في أيّامه) .

وذلك الجحود إمّا بإنكار أنّه لابدّ منه ، أو بإنكار أنّه هو ، أو بعدم الإقرار بما يليق به، وذكر الصاحب على سبيل التمثيل ، والغرض أنّ إنكار آخرهم مستلزم لإنكار أوّلهم.

(يا جابر، اسمع وعِ) أمر من الوَعي .

وفي القاموس: «وَعاه يعيه: حفظه وجمعه»(1).

(قلت: إذا شئت) كأنّه بصيغة الخطاب.

وقيل: هو بمنزلة إن شاء اللّه؛ لأنّ مشيئته مشيئة اللّه تعالى (2). ، ولا يخفى ما فيه من البُعد .

والأصحّ ما قيل: إنّ التقدير: إذا شئت أن أسمع ، تقول: فأسمع، أو إذا شئت أن أسمع وأعي أسمع وأعي ، فحذف الجزاء بقرينة المقام (3).

أو يقال: إنّ قوله: «شئت» بصيغة المتكلّم، و«إذا» بالتنوين.

وقوله: (خطب الناس بالمدينة)؛ يعني في مسجدها، وسيصرح به .

قوله عليه السلام : (منع الأوهام أن تنال إلّا وجوده) أي سوى التصديق والإذعان بوجوده لما يُشاهَد من آثاره وصنائعه؛ لأنّ الأوهام لا تنال إلّا المعاني الجزئيّة المعلقّة بالمحسوسات والموادّ الجسمانيّة كالمحبّة والشفقة والعداوة ونحوها .

وقيل: كالشكل والهيئة والمقادير وأمثالها(4).

وفيه نظر؛ لأنّ تلك الاُمور إنّما تدرك بالحواسّ الظاهرة وما يجري مجراها ، لا بالواهمة كما حقّق في موضوعه .

واللّه _ تعالى شأنه _ ليس بشيء من تلك الاُمور ، فلا يتمكّن الأوهام من إدراكه والاطّلاع

ص: 214


1- القاموس المحيط، ج 4، ص 400 (وعي)
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 202
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 36 ، ومال إليه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 29
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 203

على كنه حقيقة ذاته وصفاته(1).

وقيل: الظاهر أنّ المراد بالأوهام ما يشمل العقول أيضاً (2). وأنت خبير بأنّ هذا الإطلاق مجاز ، ولابدّ له من قرينة، وبأنّ مقابلتها بالعقول يأبى عنه ظاهراً.

(وحجب العقول أن تتخيّل ذاته) أي تتعقّلها وتدركها .

قال الفيروزآبادي: «خال الشيء يخال خَيلاً وخَيلة: ظنّه، وخيّل عليه تخييلاً وتخيّلاً: وجّه التهمة إليه، وفيه الخير : تفرّسه ، كتخيّله»(3).

وقيل: لما بيّن عليه السلام أنّ الأوهام قاصرة عن إدراكه بذاته وصفاته، أشار إلى أنّ العقول المدركة للكلّيّات قاصرة عن إدراكه أيضاً ؛ لينسدّ باب من يدّعي إدراكه؛ لأنّ الإدراك لايخلو من أحد هذين الوجهين. انتهى (4)..

وفيه تأمّل؛ فإنّ بناء هذا الكلام على ما ادّعاه الفلاسفة من الحواسّ الباطنة وأدلّتهم في إثباتها مدخولة، بل الظاهر أنّ العقل مدركة للكلّيّات والجزئيّات جميعاً بلا توسّط شيء من الحواسّ الباطنة، فالعقل والوهم شيء واحد بالذات مختلف بالاعتبار .

وهذا الإيراد وارد أيضاً على ما قيل من أنّه عليه السلام عبّر عن الإدراك والتعقّل بالتخيّل للتنبيه على أنّ العقل في عدم قدرته على إدراك كنه ذاته تعالى كالخيال ؛ إذا الصور العقليّة كالصور الخياليّة في الحدوث والتجزّي والتحليل والتحيّز والاتّصاف بالعوارض والافتقار إلى محلّ وعلّة ، وقدس الحقّ منزّه عن جميع ذلك، وإنّما غاية عرفان العقل له أن يحكم بوجوده بالعنوانات العقليّة، ويعرفه بصفاته الإضافيّة والسلبيّة (5).

ص: 215


1- في الحاشية: «نعم للأوهام، أو تنال وجوده لظهوره في صورة وجودها ووجود سائر مدركاتها وعوارض وجوداتها والتغيّرات اللاحقة بها من جهة ما هو صانعها وموجدها؛ إذ الوهم عند مشاهدة هذه المدركات المشخّصة يحكم بذاته أو بمعونة العقل بما حكم بوجوده تعالى ، وهذه المعاني الجزئيّة مع مشاركة الوهم نسب الحكم به إليه ، وللعقل طريق آخر للحكم بوجوده ، ومن هنا ينسبون الحكم بوجوده تارة إلى العقل ، وتارة إلى الوهم ، وظهر لك الفرق بينهما . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 203
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 36
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 372 (خيل) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 203
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 203

وقال بعض الأعلام:

معنى قوله عليه السلام : «أن تتخيّل ذاته»، أي كنه ذاته إن كان المراد بالتخيّل الارتسام في الخيال كما هو المصطلح ، والمراد بالتعليل في قوله عليه السلام : (لامتناعها من الشبه (1). والتشاكل) أنّ التخيّل إنّما يكون في المحسوسات والمادّيّات، فلو كان قدسه تعالى متخيّلاً كان شبيهاً بها مشاكلاً لها مشتركاً معها في الصفات الإمكانيّة، وهو متعال عن ذلك علوّاً كبيراً .ولو كان المراد الارتسام في العقل كما هو الأظهر، فالمراد أنّه تعالى لا يشبه شيئاً حتّى يكون له ما به الاشتراك وما به الامتياز حتّى يتصوّر بهما، أو أنّه لا يشبه شيئاً من الصور الحاصلة في العقل ؛ لافتقارها إلى المحلّ، وكون حصولها بعلّة ممكنة، أو لأنّه إذا كان متعقّلاً كان في كونه متعقّلاً شبيهاً بما يتعقّل من الممكنات، أو أنّه لابدّ من مناسبة بين العاقل والمعقول ؛ ليمكن التعقّل ، والمناسبة والمشابهة بينه وبين خلقه منتف رأساً(2). وأقول : الشبه والشكل في أصل اللغة متقاربان.

قال الفيروزآبادي: «الشبه، بالكسر وبالتحريك [و] كأمير: المثل» (3).

وقال: «الشكل: الشبه والمثل، ويكسر، وما يوافقك ويصلح لك» (4). انتهى .

وفي الاصطلاح: الشبه والشبيه في الكيف ، والمشاكلة: المناسبة في الشكل، وهو الهيئة أو الصورة أو الحدّ أو الحدود بالمقدار (5).

والظاهر أنّ التعليل لمنع الأوهام وحجب العقول جميعاً، والغرض أنّ ذلك المنع والحجب لامتناع ذاته تعالى عن أن يكون له شبيهاً أو مشاكل في التحليل والتوصيف والتصوير والتحيّز والحاجة والتكيّف والتشبّه بالخلق.

وبالجملة إدراك العقل والوهم كنه ذاته وحقيقة صفاته يستلزم مشابهته ومشاكلته تعالى بخلقه في الاُمور المذكورة وما شاكلها ، وهي ممتنعة في حقّ خالقها وصانعها.

(بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته) .

في القاموس: «تفاوت الشيئين : تباعد ما بينهما، «وَمَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفَاوُتٍ» (6). ؛

ص: 216


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 36
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «التشبّه»
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 286 (شبه)
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 401 (شكل)
5- راجع للمزيد : الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكري ، ص 304 (الفرق بين الشكل والشبه)
6- .الملك(67) : 3

أي عيب ، يقول الناظر: لو كان كذا لكان أحسن (1).

وأقول: كأنّه إشارة إلى نفي الشبه والتشاكل وبرهان عليه، وتقريره أنّه تعالى لو جاز عليه التشابه وأمثاله من لوازم الإمكان ، لزم أن يتفاوت في أصل ذاته بأن يكون له أجزاء متفاوتة خارجيّة كالأعضاء والجوارج والأبعاض والأبعاد، أو عقليّة كالجنس والفصل، وبالجملة يلزم أن يتفاوت في ذاته وذاتيّاته بالعموم والخصوص والمغايرة والمباينة وأمثالها، ولا شكّ أنّ جميع ذلك من صفات الحدوث وصفات الإمكان، ويمتنع اتّصاف الواجب بالذات بما هو من لوازم الإمكان، وإلّا لزم صيرورة الواجب ممكناً، وبالعكس .

وقيل: إشارة إلى نفي اتّصافه بصفات الخلق، وتحقّق التشابه بينه وبينهم؛ لأنّ ذلك يوجب تحقّق التفاوت في ذاته، وإنّه باطل . بيان ذلك أنّ هويّته المستفادة من قوله : «بل هو» ذاتيّة مطلقة غير مضافة إلى الغير، ومن كان كذلك فهو هو دائما من غير تبدّل ولا تغيّر في ذاته وهويّته ، فلو طرء عليه المعاني وصفات الخلق لزم انتقاله من هويّته الذاتيّة إلى هويّته الإضافيّة، فلزم التفاوت في ذاته، وإنّه محال، انتهى (2). فتأمّل فيه .

(ولم يتبعّض (3). بتجزئة العدد في كماله) أي في حدّ كماله، أو في صفات كماله.

وكأنّه إشارة إلى نفي زيادة الصفات الذاتيّة الموجودة في الخارج على ذاته المتعالية، وكلمة «في» ظرفيّة، أو سببيّة.

وقيل: المراد بتجزئة العدد تحليله بأجزائه المستلزم للكثرة، وإنّما نفى التبعّض والتجزّئ للتنبيه على ما يلزم القائلين بزيادة الصفات من لزوم كون الواجب مجموع الصفة والموصوف؛ لأنّ الواجب كامل بالاتّفاق والبرهان، والكامل هذا المجموع لا كلّ واحد منها بانفراده بالضرورة ، والقول بأنّ المجموع واجب الوجود أقبح وأشنع للزوم التركيب والحدوث والإمكان والافتقار من جهات شتّى، وإن كان القول بأنّ الواجب أحدهما دون الآخر أيضاً باطلاً بالضرورة.

4 (فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن) بأن يكون هو في مكان وسائر الأشياء في مكان

ص: 217


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 154 (فوت)
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 204
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : «ولا يتبعّض»

آخر؛ لاستحالة كونه في مكان، بل المراد بمفارقته الأشياء مباينة ذاته وصفاته عن مشابهة شيء منها، وهذه المباينة أمر سلبي اعتبره العقل بعد معرفته بالوجوب الذاتي .

(ويكون فيها) أي في الأماكن، أو في الأشياء . والأوّل أظهر وأنسب بالسياق.

(لا على وجه المُمازجة) أي المخالطة والمداخلة والحواية، كما يتبادر من الظرفيّة، بل كونه فيها بالعلم والقدرة والإحاطة بها بالحفظ والتربية، فيفهم من قوله: «لا على وجه الممازجة» أنّ كلمة «في» ليست للظرفيّة الحقيقيّة.

وقيل: هذا الكلام دفع لما يتوهّم من عدم كونه في مكان أنّه غافل عن المكان وعمّا فيه ، كما هو شأن المخلوق (1).

وأيضاً لما كان في وهم القاصر أنّ علمه تعالى بالمكان والمكانيّات كعلمنا بها في الافتقار إلى الحواسّ والآلات، دفعه بقوله: (وعلمها) بالرفع على أنّه مبتدأ وما بعده خبر، أو على صيغة الفعل المضي (لا بأداة) بفتح الهمزة، أي آلة .

(لا يكون العلم) في المخلوق (إلّا بها) لتنزّهه تعالى عن الآلات والأدوات، واستحالة افتقاره في علمه إلى الغير ؛ لأنّه ينافي الوجوب الذاتيّة .

وقيل: في قوله: «لا يكون العلم إلّا بها» إيماء إلى أنّ نفي كون علمه تعالى بأداة إنّما هو فيما يحتاج إليها في العلم بالمحسوسات؛ لأنّه هو محلّ الوهم لا مطلقاً (2).

(وليس بينه وبين معلومه علمُ غيره به كان عالماً بمعلومه) .

علم _ بالرفع والتنوين _ اسم «ليس»، و«غيره» صفته؛ أي ليس بينه وبين معلومه علم مغاير لذاته المقدّسة بسببه كان عالماً بمعلومه، بل بذاته علم بمعلوماته .

ويحتمل قراءة «علم» بالإضافة، فمعناه حينئذٍ : ليس بينهما علم عالم مغاير له تعالى حتّى يكون بعلم ذلك العالم أو بتعليمه عالماً بمعلومه.

وقيل: هو حينئذ ردّ على من ذهب إلى أنّه تعالى يعلم الأشياء بصورها الحالّة في المبادئ العالية والعقول المجرّدة ، أو على من ذهب إلى أنّ إيجاده للخلق ليس من باب الاختراع والابتداع.

ص: 218


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 204
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 205

توضيحه: أنّه ليس إنشاؤه للخلق على وجه التعلّم من الغير بحيث يشير إليه على وجه الصواب، واشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله: «مبتدع الخلائق بعلمه بلا اقتداء ولا تعليم» (1). (2).

(إن قيل: «كان» فعلى تأويل أزليّة الوجود) .

قيل: لما فهم من قولنا: «فلان كان موجوداً» حدوث وجوده في الزمان الماضي ؛ لدلالة «كان» عليه ، أشار إلى نفي ذلك بأنّ المراد به أزليّة وجوده . والأزل عبارة عن عدم الأوّليّة والابتداء، وهذا أمر يلحق واجب الوجود لما هو هو بحسب الاعتبار العقلي، وهو ينافي لحوق الابتداء والأوّليّة لوجوده ؛ لاستحالة اجتماع النقيضين (3).

(وإن قيل: «لم يزل» فعلى تأويل نفي العدم)؛ لما فهم من قولنا: «لم يزل موجوداً» كون وجوده في الزمان، وعدم زواله عنه، أشار إلى نفي ذلك _ إذ لا زمان لوجوده _ بأنّ معناه نفي العدم عنه، أي وجوده ليس مسبوقاً به.

وقال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «إن قيل: كان» إلخ، أي ليس كونه موجوداً في الأزل عبارة عن مقارنته للزمان أزلاً لحدوث الزمان، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء، أو أنّه تعالى ليس بزماني، وكان يدلّ على الزمانيّة.

فتأويله أنّ معنى كونه أزلاً أنّ وجوده يمتنع عليه العدم، وفي الفقرة الثانية لعلّ المعنى الأخير متعيّن.

ويحتمل أن يكون المراد أنّه إن قيل: «كان» فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها، فإنّ في العرف يفهم من الكون الحدوث، بل معناه أزليّة وجوده تعالى .

وإن قيل: «لم يزل» فليس على ما يطلق في الممكنات، يقولون: لم يزل هو كذلك، ويعنون به الكون على هذه الحال مدّة حياتهم، أو مدّة طويلة، بل معناه نفي العدم أبداً.

أو المعنى أنّه إذا قيل في الممكنات: «لم يزل» فمعناه استمرار وجودهم مع طريان أنحاء العدم والتغيّر والتبدّل عليهم، ومعنى «لم يزل» في حقّه تعالى نفي جميع أنحاء العدم والتغيّرات عنه.

ص: 219


1- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 205
2- راجع : نهج البلاغة ، ص 283 ، الخطبة 191
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 205 . وقريبا منه في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 37

وقد ورد هذا المعنى في تفسير آخريّته تعالى في الخبر.

ويحتمل أيضاً أن يكون المراد في المقامين نفي تعقّل كنه وجوده تعالى وكيفيّة كونه، أي إن قيل: «كان» أو «لم يزل» فمعناه نفي العدم عنه أزلاً وأبداً، وأمّا تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر.

انتهى كلامه(1).

(فسبحانه وتعالى عن قول من عَبَدَ سواه، واتّخذ إلهاً غيره علوّاً كبيراً) .

في القاموس: «التعالي: الارتفاع» (2).

وفي هذا الكلام الشريف إيماء إلى أنّ من وصفه تعالى على الوجوه المنفيّة سابقاً، وعلى الأوصاف التي لا يليق بقدر جنابه مطلقاً ، فقد اتّخذ إلهاً غيره، ومشرك باللّه.

(نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه) في الإحسان (3). لخلقه .

(وأوجب قبوله على نفسه) .

قيل: حمده بعد الحمد على سبيل الدوام والثبات بما يدلّ على التجدّد والاستمرار في جميع الأوقات للتنبيه على لزوم الاهتمام بحمده ، ويتجدّد إرادته في جميع الآنات ؛ لأنّه من أعظم الطاعات والقربات ، فلا ينبغي أن يكون مغفولاً عنه في شيء من الساعات، وأشار بالوصف الأوّل إلى طلب كماله بالإخلاص الشافي للنفس عن الرذائل الموجب للرضا والاختصاص ، وبالوصف الثاني إلى رجاء قبوله الموجب لمزيد الامتنان في الدنيا والرضوان في الآخرة، وهو حجّة على من أنكر وجوب شيء عليه(4).

(وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله) .

قيل: قدّم العبوديّة ؛ لتقدّمها في الواقع، ولتحقّق معنى الترقّي ، ولئلّا يكون ذكرها بلا فائدة، وإنّما لم يقل : «نشهد» كما قال «نحمد» ؛ للتنبيه على قلّة المشارك في الأوّل، وكثرته في الثاني، «وَإِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (5) .(6)

(شهادتان) خبر مبتدأ محذوف، أي الشهادة بالتوحيد والشهادة بالرسالة شهادتان.

ص: 220


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25، ص 37 و38
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 366 (علو)
3- .كذا قرأناه
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 206
5- .الإسراء (17) : 44
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 206

وقوله: (تَرفعان القول) صفة للشهادتين، أي كلّ واحد منهما، أو كلاهما معاً ترفعان القول الحسن إلى درجة القبول.

(وتُضاعفان العمل) أي تصيران سبب المضاعفة.

والحاصل أنّه لا يرتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلّا بمقارنتهما ، وبالإقرار بهما ، والتكلّم بهما يوجب تضاعف الأعمال، أو الإذعان بهما ترتّب الثواب على سائر الأعمال وتضاعفه.

وقيل: يحتمل أن يكون المراد: أشهد شهادة خالصة مقرونة بالشرائط حتّى يترتّب عليها رفع القول ومضاعفة العمل (1).

وعلى كلّ تقدير يكون إشارة إلى قوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» (2).

على وجه.

(خفّ ميزان تُرفعان منه ، وثقل ميزان توضعان فيه) .

الرفع والوضع كناية عن عدمهما في تضاعف الأعمال ووجودهما فيها، أو الوضع كناية عن قبولهما، والرفع عن عدمه لفقدان شرائط القبول.

وقال الشيخ البهائي في كتاب الأربعين : ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات، ورجحانها على السيّئات، وقد اختلف أهل الإسلام في أنّ وزن الأعمال الوارد في الكتاب والسنّة هل هو كناية عن العدل والإنصاف والتسوية، أو المراد به الوزن الحقيقي ؛ فبعضهم على الأوّل؛ لأنّ الأعراض لا يعقل وزنها، وجمهورهم على الثاني للوصف بالخفّة والثقل في القرآن والحديث، والموزون صحائف الأعمال أنفسها بعد تجسّمها في تلك النشأة .

ثمّ قال:

الحقّ أنّ الموزون في النشأة الاُخرى هو نفس الأعمال لا صحائفها ، وما يقال من أنّ تجسّم العرض طور خلاف طور العقل فكلام ظاهري عامّي ، والذي عليه الخواصّ من أهل التحقيق أنّ سنخ الشيء _ أي أصله وحقيقته _ أمر مغاير لصورته التي يتجلّى بها على المشاعر الظاهرة، ويلبسها لدى المدارك الباطنة ، وأنّه يختلف ظهوره في تلك

ص: 221


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 38
2- .فاطر (35) : 10

الصور بحسب اختلاف المواطن والنشآت ، فيلبس في كلّ موطن لباساً، ويتجلبب في كلّ نشأة بجلباب، كما قالوا: إنّ لون الماء لون إنائه ، وأمّا الأصل الذي يتوارد هذهالصور عليه، ويعبّرون عنه تارة بالسنخ ومرّة بالوجه، واُخرى بالروح، فلا يعلمه إلّا علّام الغيوب.

فلا بُعد في كون الشيء في موطن عرضاً، وفي آخر جوهرا ؛ ألا ترى إلى الشيء المُبصَر، فإنّه إنّما يظهر لحسّ البصر إذا كان محفوفاً بالجلابيب الجسمانيّة ملازماً لوضع خاصّ، وتوسّط بين القرب والبعد المفرطين وأمثال ذلك، وهو يظهر للحسّ المشترك عريا من تلك الاُمور التي كانت شرط ظهوره لذلك الحسّ؛ ألا ترى إلى ما يظهر في اليقظة من صورة العلم، فإنّه في تلك النشأة أمر عرضي، ثمّ إنّه يظهر في النوم بصورة اللبن ، فالظاهر في الصورتين سنخ واحد تجلّى في كلّ موطن بصورة، وتحلّى في كلّ نشأة بحلية، وتزيّا في كلّ عالم بزيّ، ويسمّى في كلّ مقام باسم، فقد تجسّم في مقام ما كان عرضاً في مقام آخر (1).

(وبها الفوز بالجنّة ، والنجاة من النار، والجواز على الصراط) .

الحصر إمّا للمبالغة في توقّف الاُمور الثلاثة عليهما ، أو لأنّ غيرهما من الأعمال الصالحة سبب لرفع الدرجة في الجنّة، لا لأصل الفوز والنجاة، كما يشعر به قوله عليه السلام : (وبالشهادة) أي بالإقرار بالتوحيد والرسالة عن صميم القلب.

(تدخلون الجنّة، وبالصلاة) على النبيّ وآله (تنالون الرحمة، أكثروا بالصلاة).

وفي بعض النسخ: «من الصلاة».

(على نبيّكم) .

في القاموس: «أكثر: أتى بكثير» (2).

قيل: المراد أنّ للشهادتين هذه الفضيلة بشروطها، ومن شروطهما الإقرار بالولاية، بل له مدخل في تحقّق حقيقتها عند أهل الحقّ.

ثمّ إنّ الصراط الموعود به في القرآن والحديث حقّ يجب الإيمان به وإن اختلف الناس في حقيقته ، وظاهر الشريعة والذي عليه جمهور المسلمين، ومن أثبت المعاد الجسماني من سائر أرباب الملل أنّه جسم في غاية الدقّة والحدّة ممدود على جهنّم، وهو طريق إلى

ص: 222


1- كتاب الأربعين ، ص 63 و64 (مع اختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كثر)

الجنّة يجوزه من أخلص للّه، ومن عصاه سلك من جنبيه أحد أبواب جهنّم(1).

قال الصدوق رحمه الله:

اعتقادنا في الصراط أنّه حقّ، وأنّه جسر جهنّم، وأنّه ممرّ جميع الخلق؛ قال اللّه عزّ وجلّ: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَا وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً» (2).

وقال:

الصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه، فمن عرفهم في الدنيا وأطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم يوم القيامة ويوم الحشر والندامة.

وقال النبي صلى الله عليه و آله لعليّ عليه السلام : يا علي، إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرئيل عليه السلام على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلّا من كانت معه براءة بولايتك (3) .

انتهى كلام الصدوق رحمه الله.

وقيل: الصراط دين الإسلام.

وقيل: الحقّ أنّ كِلا القولين صادق، ويؤيّده ما ذكره بعض العلماء من أنّه روي عن الحسن العسكري عليه السلام : «أنّ الصراط صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة ؛ فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ، وارتفع من التقصير واستقام، ولم يعدل إلى شيء من الباطل.

وصراط الآخرة هو طريق المؤمنين إلى الجنّة، لا يعدلون عن الجنّة إلى النار، ولا إلى غير النار سوى الجنّة» (4).

، والناس في ذلك متفاوتون ، فمن استقام على هذا الصراط، وتعوّد سلوله، مرّ على صراط الآخرة مستوياً، ودخل الجنّة آمناً(5).

وقال بعض العلماء: قوله عليه السلام : «هو ما قصر عن الغلوّ» إلخ، ما ذهب إليه بعض الحكماء في تفسير الصراط وقالوا: هو الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادّة كالسخاوة بين التبذير والبخل، والشجاعة بين التهوّر والجبن، والاقتصاد بين الإسراف والتقتير، والتواضع بين التكبّر والمهانة، والعفّة بين الجمود والشهوة، والعدالة بين الظلم والانظلام، فالأوساط بين هذه الأوصاف المتضادّة هي الأخلاق المحمودة، ولكلّ واحد منها طرفا إفراط

ص: 223


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 207
2- مريم(19) : 71
3- .الاعتقادات للشيخ الصدوق ، ص 70
4- .معاني الأخبار ، ص 33 ، ح 4 (مع اختلاف يسير)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 207

وتفريط هما مذمومان، والصراط المستقيم هو الوسط (1).

«إِنَّ اللّهَ وَمَلاَ ئِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» .

قال البيضاوي: معنى «يُصَلُّونَ» : يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه . «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ» : اعتنوا أنتم أيضاً؛ فإنّكم أولى بذلك، وقولوا: اللّهمّ صلّ على محمّد . «وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» ، وقولوا : السّلام عليك أيّها النبي . وقيل: وانقادوا لأوامره . والآية تدلّ على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة.

وقيل: تجب الصلاة كلّما جرى ذكره؛ لقوله عليه السلام : «رُغم أنف رجل ذُكرتُ عنده، فلم يصلّ عليّ» (2).

وقوله : «من ذكرت عنده، فلم يصلّ عليّ، فدخل النار ، فأبعده اللّه» (3).

وتجوز الصلاة على غيره تبعاً له، وتكره استقالاً ؛ لأنّه في العرف صار شعارا لذكر الرسول ، ولذلك كره أن يقال: «محمّد عزّ وجلّ» وإن كان عزيزاً وجليلاً(4). انتهى.

وقال بعض الأفاضل:

معنى صلاة اللّه تعالى على نبيّه إفاضته أنواع الكرامات ولطائف النعم عليه، وأمّا صلاتنا وصلاة الملائكة عليه فهو سؤال وابتهال في طلب تلك الكرامه ورغبة في إفاضتها عليه، وأمّا استدعاؤه صلى الله عليه و آله الصلاة من اُمّته (5).

فلاُمور :منها أنّ الدعاء مؤثّر في استدار فضل اللّه ونعمته ورحمته ، وما وعد الرسول من الحوض والشفاعة والوسيلة ، وغير ذلك من المقامات المحمودة ، غير محدودة على وجه لا يتصوّر الزيادة فيها ، بالاستمداد من الأدعية استزادة تلك الكرامات .

ومنها ارتياعه صلى الله عليه و آله به، كما قال: «إنّي اُباهي بكم الاُمم» (6).

ومنها الشفقة على الاُمّة بتحريضهم على ما هو حسنة في حقّهم، وقربة لهم. انتهى (7).

ص: 224


1- كذا قرأناه
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 207
3- مسند أحمد ، ج 2 ، ص 254 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 210 ، ح 3613 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 1 ، ص 549
4- الكافي ، ج 2 ، ص 495 ، باب الصلاة على النبيّ و ... ، ح 19 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 96 ، باب فضل شهر رمضان و ... ، ح 1832 ؛ التهذيب ، ج 4 ، ص 192 ، باب فضل شهر رمضان ، ح 4 (وفي الأخيرين مع اختلاف يسير)
5- .تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 385
6- الكافي» ، ج 5 ، ص 333 ، باب كراهية تزويج العاقر ، ح 2 ؛ دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 197 ، ح 721 ؛ التوحيد ، ص 395 ، ح 10
7- نُسب القول إلى المحقّق الفيض رحمه الله . راجع : التجلّي الأعظم للسيّد فاخر الموسوي ، ص 96 و224

وأقول : روى المصنّف رحمه الله في باب تاريخ مولد النبي صلى الله عليه و آله ووفاته بإسناده عن داودبن كثير الرقّي، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما معنى السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فقال: «إنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ لمّا خلق نبيّه ووصيّه وابنته وابنيه وجميع الأئمّة ،وخلق شيعتهم ، أخذ عليهم الميثاق، وأن يصبروا ويُصابروا ويُرابطوا، وأن يتّقوا اللّه، ووعدهم أن يسلّم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن، وأن ينزّل لهم البيت المعمور، ويُظهر لهم السقف المرفوع، ويُريحهم من عدوّهم والأرض التي يُبدّلها اللّه من السلام، ويسلّم ما فيها لهم، لا شية فيها».

قال: «لا خصومة فيها لعدوّهم، وأن يكون لهم فيها ما يحبّون، وأخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله على جميع الأئمّة وشيعتهم (1). الميثاق بذلك، وإنّما عليه تذكرة نفس الميثاق، وتجديد له على اللّه ، لعلّه يجعله جلّ وعزّ، ويعجّل (2). السلام لكم بجميع ما فيه»(3).

(يا أيّها الناس، إنّه لا شرف أعلى من الإسلام) .

في القاموس: «الشرف محرّكة: العلوّ، والمكان العالي، والمجد، أو لا يكون إلّا بالآباء ، أو علوّ الحسب، ومن البعير : سنامه»(4).

(ولا كرم أعزّ من التقوى) .

في القاموس: «الكرم (5). محركّة: ضدّ اللؤم» (6) . وفي الصحاح : «اللئيم : الدني?الأصل الشحيح النفس» (7).

وقيل: المراد أنّ التقوى كرم فيها غاية عزّة ليست في غيرها، والعزّة إمّا العظمة، أو القدرة، أو الندرة، أو الغلبة، والتقوى مستلزمة لجميع ذلك؛ لأنّها تحمى أولياء اللّه عن محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته حتّى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم، وتربط الأبدان

ص: 225


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وشيعتنا»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ويعجّله»
3- الكافي ، ج 1 ، ص 451 ، باب مولد النبيّ صلى الله عليه و آله ووفاته ، ح 39
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 157 (شرف) . وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «ظاهر أنّه لا شرف أعلى من شرف الإسلام ؛ إذ هو في الدنيا والعقبى»
5- .في الحاشية: «الكرم: بزرگوارى. كنز اللغة»
6- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)
7- الصحاح ، ج 5 ، ص 2025 (لأم)

بالعبادات، فصاروا بذلك من أهل العظمة والندرة والغلبة والقدرة على طاعة اللّه ودفع مكائد النفس والشيطان (1).

(ولا مَعقِل أحرز من الورع) .

في القاموس: «المعقل كمنزل: الملجأ»(2).

يعني أنّ الورع عن محارم اللّه وعن ملاذّ الدنيا أحرز حصن وأقوى ملجأ في دفع المخاطرات، ومنع موجبات العقوبات؛ لأنّها إنّما تنشأ من ترك الورع ، والركون إلى الدنيا وشهواتها.

(ولا شفيع أنجح من التوبة) .

النَجاح بالفتح، والنُجح بالضمّ: الظفر بالشيء، والذبّ يظفر بالتوبة النصوح بالنجاة، والتخلّص من الوبال والنكال ما لا يظفر به أحد من الشفاعة ونحوها؛ لأنّ التوبة ماحية للذنوب كلّها، والشفاعة قد لا يتحقّق، ومع تحقّقها قد لا تقبل، ومع قبولها قد لا تكون إلّا بعد عقوبة شديدة في مدّة طويلة.

(ولا لباس أجمل من العافية) .

الجمال: الحسن والبهاء والزينة.

والعافية: دفاع اللّه عن العبد، وهو اسم من المعافاة.

يقال: عافاه اللّه من المكروه معافاة وعافية، أي وهب له العافية من العلل والأسقام والبلاء.

ولعلّ المراد بالعافية هنا البراءة من البلايا، والسلامة من الكفر والشرك والمعاصي ، شبه العافية باللباس والوجه الحسن والزينة.

(ولا وِقاية أمنع من السلامة) .

الوقاية بالكسر: الصيانة، والوقاية مثلّثة: ما وُقيت به .

ويحتمل أن يراد بالسلامة البراءة عن إيذاء الناس وبعضهم ونحوهما ممّا يوجب التنافر، أو يراد بها ما قلناه في العافية وبالعكس.

ص: 226


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 208
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 20 (عقل)

ويحتمل التعميم فيهما، والأوّل أنسب.

(ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة) (1).

في نهج البلاغة: «من الرضى بالقوت» (2).

القناعة : الرضا بالقسم . والقوت : المُسْكة من الرزق، ومن العيش : الكفاية .

(ولا كنز أغنى من القنوع) .

قال الفيروزآبادي: «الغِنى كإلى : ضدّ الفقر. وإذا فتح مدّ ، وأغنى عنه غَناء فلان : ناب عنه، أو أجزأ مجزأه، وكرضي : أقام وعاش» (3).

وقال: «القُنوع بالضمّ: الرضا بالقِسم» (4). انتهى.

يعني أنّ القنوع أنفع أو أثبت وأبقى أو أدخل في العيش، أو أجبر للفقر وأذهب به من الكنز؛ لأنّه لا ينقص ولا يفنى بخلاف الكنز (5).

(ومن اقتصر على بُلغة الكفاف) .

قال الجوهري: «البُلغة: ما يتبلّغ به من العيش ، وتبلغ بكذا، أي اكتفى به» (6).

وفي القاموس: «الكفاف من الرزق _ كسحاب _ ما كفّ عن الناس وأغنى» (7).

أقول : فإضافة البلغة إلى الكفاف للبيان.

وقال ابن ميثم: «أي البلغة التي تكفّ عن الناس» (8). فتأمّل.

(فقد انتظم الراحة) .

في القاموس: «نظم اللؤلوء: ألّفه، وجمعه في سلك فانتظم، وانتظمه بالرُّمح : اختلّه» (9).

وفي تاج اللغة: «الانتظام بهم: باز دوختن» .

ص: 227


1- في الحاشية: «الرضا بالقناعة والاختصار بالواصل وعدم الاهتمام بغير الحاصل أقوى في إذهاب الفاقة من المال ؛ لأنّ القانع لا يفتقر إلى الغير وإلى سؤاله بخلاف غير القانع؛ فإنّه في فقر وفاقة دائما وإن كان له مال. صالح». شرح المازندراني ، ج 1 ، ص 209
2- أي بدل «من الرضا بالقناعة» . نهج البلاغة ، ص 540 ، الكلمة 371
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 371 (غني)
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 76 (قنع)
5- وقيل : نسبة الغناء إلى الكنز إسناد مجازي ، والمراد غنى صاحب الكنز . مرآة العقول ، ج 25 ، ص 39
6- الصحاح ، ج 4 ، ص 1317 (بلغ)
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 191 (كفف)
8- .اُنظر : شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ص 425 و426
9- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 181 (نظم)

فعلى الأوّل يحتمل أن يكون الراحة منصوباً بنزع الخافض، أي انتظم مع الراحة في سلك أو في مسلك الراحة.

وعلى الثاني يحتمل أن يكون المراد أنّه اصطاد الراحة، وانتظهما بسهمة، أو برمحة.

(وتبوّأ خَفض الدَّعة) .

يقال: تبوّأت منزلاً، أي نزلته.

والدعة بفتحين: رفاهيّة العيش وسعته والسكون والراحة.

والخفض: الترفّه في العيش.

والإضافة إمّا لاميّة، أو بيانيّة مبالغة، أي اتّخذ غاية السكون والراحة منزلاً لنفسه، ونزل فيها، والتزمها.

(والرغبة مفتاح التعب) .

شبّه الرغبة في الدنيا والزيادة عن الكفاف بالمفتاح من حيث إنّها سبب فتح باب التعب، فكأنّها آلة له في تحصيلها وحفظها تعب شديد، ففيه زجر عنها.

ويحتمل أن يكون المراد الرغبة في أيّ شيء كان من اُمور الدين والدنيا، ففيه ترغيب إلى الأوّل، وزجر عن الثاني، فتأمّل.

وقال بعض المحقّقين: «فيه إشارة إلى مسألة ، وهي أنّ الإتيان بالفعل الاختياري لا يتصوّر إلّا لمن رغب فيه أوّلاً، وقد برهن عليه في موضعه» (1).

(والاحتكار مَطيّة النَّصَب) .

الاحتكار: حبس الشيء انتظارا لغلائه .

ولعلّ المراد هنا مطلق الحبس والإمساك.

والنصب محرّكة: التعب، وفعله كفرج.

والنصب بالفتح والضمّ وبضمّتين: الشرّ والرأى والبلاء، وتشبيه الاحتكار بالمطيّة مبالغة في سببيّته للنصب، وورود النصب عليه، فكأنّه يركبه.

وقيل: المراد أنّ الاحتكار كمطيّة يتعب ركوبها (2).

ص: 228


1- نقله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 209
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 40

وقيل: الأظهر أنّ المراد أنّه مركوب للتعب يركبه، فإذا أقبل الاحتكار إليك أقبل راكبه معه، أو أنّه يسهّل وصول المتاعب إليك كما أنّ المركب يسهّل وصول الراكب إلى مقصوده (1). وقال بعض الشارحين: «الاحتكار: اللجاجة، والظلم، والاستبداد بالشيء، وإساءة المعاشرة، واحتباس الغلّة لانتظار الغلاء، والكلّ مناسب هنا» (2). انتهى.

وفيه بحث؛ إذ ما ذكره من المعاني سوى الأخير ليس معنى الاحتكار. قال صاحب القاموس: «الحَكر: الظلم، وإساءة المعاشرة، والشيء القليل، وبالتحريك : ما اُحتكر، أي احتُبس انتظاراً لغلائه ، واللجاجة ، والاستبداد بالشيء» (3).

وقال الجوهري: «احتكار الطعام : حبسه وجمعه يتربّص به الغلاء» (4). انتهى، فتأمّل جدّاً .

(والحسد آفة الدين) .

يقال: حسده، وعليه _ كنصر وضرب _ حسداً، إذا تمنّى أن يتحوّل نعمته إليه .

والآفة: العاهة، أو مرض مفسد لما أصابه.

وقيل: وجه كون الحسد آفة الدين أنّ الحاسد يضادّ إرادة اللّه في التقسيم والتدبير في الإفضال والإنعام، ويحتقر نصيبه ويكفر به، ويلتذّ طبعه بمضارّ الناس وزوال نعمتهم ، ويغتمّ بمصالحهم ومنافعهم، ويشتغل بالهمّ والحزن بمشاهدة انتظام أحوالهم، ويصرف الفكر في تحصيل أسباب زوالها ، حتّى لا يفرغ لتحصيل ما يعود نفعه إليه من الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ، وحفظ ما حصل له من الملكات الخيريّة والصور العلميّة ، وكلّ ذلك موجب لفساد الدين (5).

(والحرص داع إلى التقحّم في الذنوب) .

يقال: قحم في الأمر _ كنصر _ قحوماً، رمى بنفسه فيه فجأة بلا رويّة ، وقحمّه تقحيما ، وأقحمته فاقتحم.

والحرص: الهمّ والحزن على فوت الزائد وتوزّع البال في التوصّل إليه ، والظاهر أنّه

ص: 229


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 40
2- .شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 209
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 12 (حكر)
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 635 (حكر)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 209 و210

يكون (1). من فعل القلب، وقد يطلق على فعل الجوارح، وهو تكلّف مشاقّ اُمور الدنيا لعدم الاعتماد على وكيل(2).

(وهو داعي الحِرمان) .

الظاهر أنّ الضمير راجع إلى التقحّم في الذنوب؛ لأنّ الدخول فيها بلا رويّة وإلقاء النفس عليها من غير مبالات داع إلى الحرمان من السعادات والخيرات، أو من الرزق الحلال المقدّر له؛ فإنّه بقدر ما يتصرّف فيه من الحرام يقاص منه من الرزق الحلال، كما يدلّ عليه صريح بعض الأخبار(3).

ويحتمل إرجاع الضمير إلى الحرص؛ لأنّ الحرمان عن المطلوب لازم للحرص؛ إذ مراتب الحرص على الاُمور غير محصورة، وحصول تلك الاُمور كلّها معتذر أو متعسّر جدّا ، فالحريص دائماً في ألم الحرمان.

(والبغي سابق إلى الحَين) .

البغي مجاوزة الحدّ، والاستطالة، والكذب، والزنا، والعدول عن الحقّ، والاختيال في المشي ، والخروج عن طاعة الإمام العدل.

والحَين بفتح الحاء المهملة: الهلاك والمحنة . والبغي بتلك المعاني مستلزم لهما كما دلّت عليه روايات آخر.

(والشَّرَه جامع لمساوي العيوب) .

الشَرَه محرّكة: غلبة الحرص. والمساوى ء جمع المساءة ، أو السوء على غير قياس.

قال الجوهري : «ساءه يسوءه سَوءاً ومَساءة _ بالفتح _ ومسائية : نقيض سرّه ،

ص: 230


1- .كذا قرأناه
2- في الحاشية : «لأنّ الحريص لا يبالي الدخول في المحارم من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح ، والحرص على المباح أيضا مذمومة ؛ ألا ترى أنّ أبانا آدم غلبه الحرص على أكل الشجرة مع كونه مباحا، لحقه وذرّيّته ما لحقه من المحنة والمصائب التي يعجز عن تحمّلها الجبال المراسيات. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 210
3- في الحاشية : «لكن يكون ذلك غالبا في المؤمن الممتحن ، [وقد] روي أنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل [به] ابتلاه بالحاجة، فإن لم يفعل ذلك ابتلاه بشدّة الموت ؛ ليكافيه بذلك الذنب. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 210 . وروي الخبر في الكافي ، ج 2 ، ص 444 ، باب تعجيل عقوبة الذنب ، ح 1 (مع اختلاف يسير)

والاسم : السوء بالضمّ» (1).

وفي بعض النسخ: «الشرّ» بدل «الشره».

ولعلّ المقصود حينئذ أنّ الشرّ أمر كلّي يندرج فيه جميع أفراد المساوي والعيوب، كما أنّ الخير _ الذي ضدّه _ كلّي جامع للمحاسن كلّها (2).

(ربّ طمع خائب) .

يقال: خاب يخيب خَيبة، إذا حرم ، وخسر ، وكفر ، ولم ينل ما طلب.

ووصف الطمع _ وهو الحرص على الشيء _ بالخيبة مجاز، والمراد وصف صاحبه بها، وظاهر أنّ الطمع بما في أيدي الناس مع كونه مهانة ظاهرة ومذلّة حاضرة أكثره خائب، والعاقل لا يرتكب العار مع الفوائد العظيمة، فكيف مع عدمها؟!

(وأمل كاذب) .

الأمل: الرجاء، وكثيراً ما يطلق على الرغبة في طول البقاء في الدنيا، وتوجيه القلبإلى حصول أسبابها وأسباب رفاهيّة العيش والتلذّذ فيه، والكدّ في تحصيل المقتنيات الفانية الزائلة .

وهذا مع كونه مانعاً من التوجّه إلى الآخرة، وسبباً لزوال ما حصل من أحوالها فيالذهن أكثره كاذب لا يحصل أبداً، ولا ينبغي لسالك طريق الآخرة أن يعقد قلبه عليه، ويضيّع أوقاته له.

(ورجاء يؤدّي إلى الحرمان) .

يقال: حرمه الشيء _ كضربه وعلمه _ حرماناً بالكسر، أي منعه من مأموله.

وقيل: الرجاء المؤدّي إلى الحرمان أعمّ من أن يكون من اللّه كرجاء ثوابه والتجاوز عن عقابه، مع الاستمرار في العصيان؛ لأنّ ذلك الرجاء حماقة، كما دلّ عليه بعض الروايات، أو من الخلق ؛ فإنّ حصول المرجوّ منهم نادر جدّاً.

وبالجملة الرجاء من اللّه حسن بشرط الطاعة، ومن الخلق مذموم مطلقاً.

ص: 231


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 55 (سوأ)
2- وقال بعض المحقّقين : كلّ واحد من الخير والشرّ إمّا مطلق كالعقل وعدمه ، وإمّا مقيّد كالمال ونحوه . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 210

ثمّ اعلم أنّ الطمع في أصل اللغة الحرص، والأمل _ كجَبَل _ وشبه الرجاء . والرجاء : ضدّ اليأس، فهي متقاربة، وقد يفرق بأنّ المطلوب من الطمع أقرب في الحصول من المرجوّ، ويؤيّده أنّ الحرص معتبر في مفهوم الطمع، والحرص على الشيء لا يكون إلّا إذا كان ذلك الشيء ممكناً قريب الوقوع، والمرجوّ أقرب في الحصول من المأمول(1).

(وتجارة تؤول إلى الخسران) .

التجارة بالكسر: البيع والشراء ، والحذاقة في الأمر، وفعله كنصر.

والخَسْر والخُسران: النقص . يقال: خسر التاجر كفرح وضرب، أي وُضع في تجارته، أو غَبِنَ .

والخُسران كما يكون في تجارة الدنيا كذلك يكون في تجارة الآخرة من كسب الأعمال والعقائد والأخلاق ؛ فإنّ العمل كثيراً ما لا يقع على الوجه المعتبر في الشريعة لتطرّق الاختلال في ذاتيّاته أو صفاته أو شرائطه، ويصير ذلك موجباً وسبباً للانحراف عن الدين والضلال عن المنهج القويم ، وذلك هو الخسران المبين.

وقيل: في هذه الفقرات توبيخ للناس على إدبارهم عن الآخرة ، إقبالهم إلى الدنيا، وتنفير لهم عنها بذكر الخيبة والكذب والحرمان والخسران (2).

(ألا ومن تورّط في الاُمور) أي وقع فيها بحيث يعسر النجاة والتخلّص منها.

قال الجوهري: «الوَرطة : الهلاك ، وأصل الورطة : أرض مطمئنّة لا طريق فيها، وأورطه وورّطه: أوقعه في الورطة، فتورّط» (3).

(غيرَ ناظر في العواقب) ؛ ليعرف حسنها وقبحها وصلاحها وفسادها.

(فقد تعرّض لمُفضحات النوائب) أي المصيبات التي توجب الفضيحة والإهانة.

يقال: فضحه _ كمنعه _ إذا كشف مساويه، فافتضح، وأفضح الصبح : بَدا .

والنائبة: المصيبة، واحدة نوائب الدهر.

ص: 232


1- راجع للمزيد : الفروق اللغويّة لأبي هلال العسكري ، ص 73 (الفرق بين الأمل والطمع) ؛ وص 183 (الفرق بين الحرص والطمع) ؛ وص 248 (الفرق بين الرجاء والطمع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 211
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1166 (ورط)

وفي بعض النسخ: «المقطّعات النوائب». والإضافة على الأوّل بيانيّة، أو من قبيل إضافه الصفة إلى الموصوف . وعلى الثاني من قبيل لُجَين الماء بتشبيه النوائب بالمقطّعات، وهي الثياب التي قطّعت من نحو الجبّة والقميص، هذا إذا قرئ بالفتح الطاء ، وأمّا إذا قرى ء بكسرها فالإضافة من قبيل الأوّل.

ونقل الشيخ البهائي عن بعض أهل اللغة : أنّ المقطّعات جمع لا واحد لها من لفظها، وواحدها ثوب(1).

والحاصل أنّه لا يقال للجبّة مثلاً مقطّعة، بل يقال لجملة الثياب مقطّعات، وللواحد ثوب(2).

وقيل: يمكن أن يقرأ «المُفظَعات» بالفاء والظاء المعجمة ، جمع المفظعة _ بفتح الظاء أو بكسرها _ من فظع الأمر _ بالضمّ _ فظاعة، وهو فظيع، أي شديد شنيع، وأفظعه: وجده فظيعا (3).

(وبئست القِلادة قلادة الذنب للمؤمن) .

القلادة بالكسر: ما يجعل في العُنُق، شبّه الذنب بها في لزومه للمذنب لزوم القِلادة للأعناق ، ووجه الذمّ العامّ أنّ الذنب مع كونه موجباً للعقوبة الاُخرويّة يوجب نقص الثمرات ومحق البركات وإغلاق خزائن الخيرات.

والغرض من هذا الكلام التنفير عن ارتكاب الذنب مع الاتّصاف بالإيمان (4).

(أيّها الناس، إنّه لا كنز أنفع من العلم) .

قيل: شبّه العلم بالكنز في الخفاء والنفع وميل الطبع إليه، ورجّحه عليه ؛ لكونه روح النفس وحياة القلب وكمال الإنسان وسبباً لبقائه ونجاته مع زيادته بالإنفاق.

والغرض منه هو الحثّ على تحصيل علم الدين وما يتعلّق به (5).

ص: 233


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 211
2- راجع : الأربعون حديثا ، ص 196 ، ذيل الحديث الخامس
3- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 211
4- في شرح المازندراني : «الغرض منه هو الحثّ على رفع حجب النفوس التي هي الذنوب والمعاصي ، واستعدادها بذلك ؛ لقبول الرحمة بالتوبة ، والإقلاع من المعصية ، والانزجار عنها ، والتذكّر للمبدأ الأوّل وما أعدّ لأوليائه الأبرار في دار القرار»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 212

(ولا عزّ أرفع من الحلم) .

قيل: الحلم _ وهو الأناة والتثبّت في الاُمور _ يحصل بالاعتدال في القوّة الغضبيّة، ويمنع النفس من الانفعال عن الواردات المكروهة المؤذية، والجزع عند الاُمور الهائلة ، والطيش في المؤاخذة وصدور حركات غير منتظمة ، وإظهار المزيّة على الغير ، والتهاون في حفظ ما يجب حفظه شرعاً وعقلاً، وهو أرفع وأعظم ما يوجب العزّ في الآخرة برفع اللّه درجات، وفي الدنيا عند الخلائق بوجوه الاعتبارات (1).

(ولا حسب أبلغ) أي أكمل (من الأدب) وهو بالتحريك حسن التناول والدرس.

وقيل: هو وضع الشيء موضعه، ولا يتحقّق ذلك إلّا بالعلم والعمل(2).

والحسب محرّكة: الشرف بالآباء وما يعدّه الإنسان من مفاخرهم ، ويقال: حسب الرجل خُلقه وماله .

أو هو الشرف المكتسب في الرجل ، وإن لم يكن آباؤه أشرافاً.

والغرض منه الترغيب إلى تحصيل الأدب؛ لأنّه أشرف كمالات الإنسان وأكملها.

أو شرفه بالانتساب بالآباء الروحانيّة الذين توسّطوا في الحياة المعنويّة بالإيمان والعلم وسائر الكمالات المتشعّبة منها .

والترغيب في التفاخر بشرف الآباء اعتباري ، لا نصيب فيه للولد حقيقة ، والإيماء إلى أنّ الآباء ينبغي أن يورثوا الأولاد أدبا .

(ولا نَصَب (3). أوضع من الغضب) .

النصب بالتحريك: التعب، وبالضمّ وبضمّتين: الداء والبليّة والمحنة . والتعب محرّكة: ضدّ الرضا .

أو عرّفوه بأنّه ثوران النفس وحركتها بسبب تصوّر المؤذي والضارّ إلى الانتقام، وهو من أخسّ أفراد التعب وأقبحه ؛ لكثرة مفاسده من الأفعال الشنيعة والأقوال القبيحة والأخلاق الذميمة والحركات الخارجة عن القوانين الشرعيّة والعقليّة.

قال الفيروزآبادي: «نصبه المرض ينصبه: أوجعه، والشيء: وضعه ، ورفعه ، ضدّ،

ص: 234


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 212
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 212
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «نسب» بالسين المهملة

والنصب : العَلَم المنصوب، ويحرّك» (1). انتهى.

ولك تطبيق قوله عليه السلام بإحدى تلك المعاني بنوع من التقرّب.

وفي بعض النسخ: «ولا نسب» .

قيل: أي نسب صاحب الغضب الذي يغضب على الناس لشرافة نسبه أوضع الأنساب وأخسّها، ففي الكلام تقدير، ولعلّه تصحيف (2).

وفي تحف العقول: «ولا نصب أوجع من الغضب»(3).

(ولا جمال أزين من العقل) .

قيل: عدّ العقل جمالاً، وهو الحسن في الخَلق والخُلق، ورجّحه عليه في الزينة؛ لأنّ بالعقل يستقيم الظاهر والباطن، ويتمّ الكمالات الدينيّة والدنيويّة، وكلّ خير يصلح التزيّن به تابع له، والغرض منه هو الحثّ على تكميله بالعلوم والآداب (4).

(ولا سَوءة أسوأ من الكذب) .

في القاموس: «السوءة: الفرج ، والفاحشة ، والخلّة القبيحة» (5).

(ولا حافظ أحفظ من الصَّمت) عمّا لا يعني ؛ فإنّه أقوى حافظ من آفات الدارين؛ لأنّ آفات اللسان ومعاصيه كثيرة، فمن صمت إلّا عن خير نجا .

(ولا غائب أقرب من الموت) .

فيه حثّ على ذكره وانتظاره في كلّ وقت ؛ لاحتمال وروده آناً فآناً.

والغرضمنه الاستعداد له، والكدّ والمسارعة لاُمور الآخرة، والتحذير عن الانهماك في الاشتغال بأشغال الدنيا.

(أيّها الناس، إنّه (6).

من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره) ؛ إمّا لكثرة ما يظهر عليه من

ص: 235


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 132 (نصب)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 41
3- تحف العقول ، ص 92
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 212 و213
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 18 (سوأ) . وفي الحاشية: «لأنّ الكذب مع أنّه ليس من خصلة الصالحين يوجب خراب الدنيا والدين وقتل النفوس وفساد النظام وهلاك وغيرها من المفاسد ؛ ألا ترى أنّ إبليس أفسد بكذب واحد نظام آدم وأولاده إلى يوم الدين ، وأنّ الأوّل وناصره كيف أفسدا به دين سيّد المرسلين. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 213
6- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا والطبعة الجديدة : _ «إنّه»

عيوب نفسه فيحزنه ذلك، أو ليشتغل بدفعها فلا يتوجّه إلى عيوب غيره، أو لأنّه يظهر عليه من عيوب نفسه ما هو أشنع ممّا يرى في غيره، فلا يستعظم عيب غيره، ولا يعيبه عليه.

(ومن رضي برزق اللّه لم يأسف على ما في يد غيره) أي من رضي بقسمته من رزق اللّه لا يتوقّع الزائد عليه ممّا في يد غيره، فلا يحزن بفواته.

وفي القاموس: «الأسف محرّكة: أشدّ الحزن، أسف _ كفرح _ وعليه: غضب»(1).

(ومن سَلّ سيف البغي قُتل به) .

السلّ: انتزاع الشيء وإخراجه في رفق، وفعله كمدّ. والبغي: الظلم(2).

(ومن نسي زَلله استعظم زَلل غيره) .

في القاموس: «زللت تزلّ وزللتَ _ كمللتَ _ زلاًّ وزليلاً ومزلّة _ بكسر الزاي _ وزلولاً وزَلَلاً محرّكة: زلقت في طين أو منطق، وأزلّه غيره واستزلّه» (3).

(ومن اُعجب برأيه ضلّ) .

قال الجوهري: «أعجبني هذا الشيء لحسنه، وقد اُعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَب برأيه وبنفسه، والاسم: العُجب بالضمّ» (4).

وقال الفيروزآبادي: «العُجب: بالضمّ: الزَّهو والكبر، وأعجبه: حمله على العَجَب منه، واُعجب به : عجب وسُرّ» (5).

وقال: «الرأي: الاعتقاد» (6). انتهى.

أي من سرّ باعتقاده وعقله من [جهة] كمال اكتسبه في ظنّه ، ضلّ عن طريق الحقّ ، ولم يهتد به .

(ومن استغنى بعقله زلّ) عن مطلوبه في اُمور دينه ودنياه، بل لابدّ في الأوّل من المشورة مع الأصدقاء العقلاء الاُمناء، وفي الثاني من الرجوع إلى قانون صاحب الشريعة الغرّاء.

ص: 236


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 117 (أسف)
2- قال المازندراني رحمه الله : «يحتمل الظاهر، والإضافة للملابسة ، ويحتمل أن يشبه البغي بالسيف ، وإضافته إليه للبيان»
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلل) . وفي شرح المازندراني : «لأنّ استعظام زلل الغير وانحرافه عن سبيل الحقّ إنّما هو لعظمة قبحه وقبح المخالفة ، ولا يرتكب ذلك إلّا من نسي زلل نفسه ، وإلّا لاشتغل بإصلاحها تحرّزا من القبيح ، وخوفا من اللؤم ، وحياء من اللّه »
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 177 (عجب)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 101 (عجب)
6- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 331 (رأي)

(ومن سفه على الناس شُتم) .

السَفَه: الخفّة ، والطيش ، والاضطراب ، وإيذاء الناس ، وعدم تحمّل شيء منهم.

وفي القاموس: «السَفَه، محرّكة وكسحاب وسحابة: خفّة الحلم، أو نقيضه، أو الجهل، وسفه _ كفرح وكرم _ وعلينا: جَهِل، فهو سفيه» (1).

(ومن خالط الأنذال حُقّر) .

الأنذال جمع نَذْل ، وهو الخسيس من الناس ، المحتقر في جميع أحواله.

والتحقير: الإرذال والتصغير.

(ومن حمل ما لا يُطيق عجز) أي من حمل حملاً لا يُطيق حمله، ولا يكون في وسعهمن الأفعال والأعمال الدينيّة أو الدنيويّة عجز عنها، أو عن إكمالها، وفات عنه كمالات اُخر لو اشتغل بها لم تفت عنه، واستحقّ بذلك التحقير والإذلال عند الخالق والخلق، بل عند نفسه أيضاً.

(أيّها الناس، إنّه لا مال أعود (2). من العقل) .

في القاموس: «العائدة: المعروف ، والصلة ، والعطف ، والمنفعة، وهذا أعود: أنفع» (3).

والغرض أنّ العقل أنفع الأموال؛ لأنّ نفعه في الدنيا والعُقبى جميعاً بخلاف غيره من الأموال.

وقيل: «في عدّ العقل من أفراد المال تجوّز واستعارة، والوجه الانتفاع» (4).

أقول : لا يبعد أن يكون إطلاق المال عليه حقيقة؛ لأنّ المال ما ملّكته من كلّ شيء تنتفع به، وهذا منه .

وفيه ترغيب في اكتساب العقل ممّا كان منه كسبيّاً، والسعي في أسباب حصوله من العلوم والآداب.

(ولا فقر أشدّ من الجهل) .

قيل: لأنّ الفقر عدم النافع، والجهل أشدّ عدم النافع ، ولا فقر أشدّ من الجهل ؛ لاشتراك

ص: 237


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 285 (سفه) مع التلخيص
2- .في الحاشية: «أعود من العائدة ، وهي النعمة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 215
3- القاموس المحيط ، ج 1 . ص 319 (عود)
4- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 215

الفقر والجهل في العجز عن تحصيل المرام، وعجز الثاني أشدّ؛ لأنّه في الدنيا والآخرة، وعجز الأوّل في الدنيا فقط، وفي التنفير عن الجهل بجعله من أشدّ أفراد الفقر تنفير عن الفقر أيضاً، وهذا ينافي ما ورد في مدح الفقر والفقراء والترغيب فيه، ويمكن دفعه أوّلاً بأنّ المراد بالفقر هنا ما يكسر الظهر، ويدفع الصبر، وهو الذي وقع الاستعاذة منه في بعض الروايات.

وثانياً بأنّ المراد به الفقر الظاهري مع الفقر الباطني، والمتّصف به من جمع فيه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

وثالثاً بأنّ المراد به الفقر المعروف المتنفّر عند الناس، وهذا القدر كاف في تشبيه الجهل به والتنفير عنه (1).

(ولا واعظ (2). أبلغ من النُّصح) .

النُّصح بالضمّ: إرادة الخير للمنصوح، وإرشاده إلى مصالحه، وأصله الخلوص.

وفي القاموس: «نصحه وله _ كمنعه _ نُصحاً ونصاحة ونصاحية، والاسم: النصيحة، ونصح: خلص» (3).

وقيل: لعلّ المراد أنّ من ينصح الناس، ولا يغشّهم ، ويأمرهم بما يصلحهم يتّعظ هو أيضاً بما يعظ به غيره، فذاك واعظه، أو من يعظ رجلاً على وجه النصح يؤثّر فيه وإن لم يبالغ في ذلك، ولم يُطل الكلام، ومن لم يكن غرضه النصح لا يؤثّر كثيراً وإن أكثر وأطنب فيما يناسب المقام(4).

وقيل: المراد من النصح استماع نصائح الكتاب والسنّة، وكونه أبلغ؛ لأنّ الواعظ يدعو إلى

ص: 238


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215
2- .في الحاشية: «الواعظ يدعو إلى الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع ؛ لأنّ النداء الربّاني أولى بالإتّباع من النداء الإنساني ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه بقوله : كيف يُراعي النَّبْأة من أصمّته الصَّيحة [نهج البلاغة ، ص 51 ، الخطبة 4] أي كيف يحفظ الصوت الخفيّ من أصمّته الصيحة الإلهيّة والنبويّة ، استعار عليه السلام النَّبْأة لدعائه لهم وندائه إلى سبيل الحقّ ، والنصيحة لخطاب اللّه ورسوله، وهي كناية عن ضعف دعائه بالنسبة إلى قوّة دعاء اللّه، وتقرير ذلك أنّ الصوت الخفي لا يسمع عند القوي لاشتغال الحواسّ به ، وكان كلامه عليه السلام أضعف في جذب الخلق إلى الحقّ من كلام اللّه وكلام رسوله ، فأجراه مجرى الصوت القوي ، وأجرى كلامه مجرى الصوت الخفي ، وإسناد الإصمام إلى الصيحة ترشيح له للاستعارة ؛ إذ من شأن الصيحة الإصمام إذا قرعت السمع. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 215
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 252 (نصح)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 41 و42

الخيرات، ويمنع عن المنهيّات، ونصح القرآن والسنّة أبلغ منه، فهو أولى بالاستماع(1).

(ولا عقل كالتدبير) في العواقب ؛ ليحصل البراءة عن النوائب.

والظاهر أنّ المراد بالعقل هنا قوّة بها إدراك الخير والشرّ، أو نفس ذلك الإدراك.

والتدبير النظر في عواقب الاُمور، ويطلق في الأخبار كثيراً على تدبير المعاش والاقتصاد فيه، وهو دليل العقل ودالّ عليه ، حتّى أنّ من لا تدبير له لا عقل له، ولذا فضّله عليه ورغب فيه.

(ولا عبادة كالتفكّر) وهو إعمال النظر في الشيء.

وقيل: المراد هنا التفكّر في الاُمور من حيث الصدور؛ إذ بالتفكّر يشاهد صور المعقولات، ويبصر وجوه العبادات ، فهو مع كونه عبادة أصل للبواقي، والأصل أفضل من الفرع(2).

(ولا مُظاهرة أوثق من المشاورة) .

المظاهرة: المعاونة ؛ يعني المشاورة في الاُمور مع الأصدقاء وأرباب العقول أوثق المعاونة وأحكمها؛ فإنّ اجتماع العقول وتعاونها وتعاضدها أقرب إلى إصابة المطلوب والظفر بما هو الحقّ والصواب، وأدخل في حصول الاُلفة.

(ولا وحشة أشدّ من العُجب) .

قد مرّ آنفاً أنّ العُجب _ بالضمّ _ اسم من قولك: «اُعجب فلان بنفسه»، ووجه كونه أشدّ الوحشة ما قال بعض الأفاضل [من] أنّ المعجب بنفسه وبفضائله وأعماله لما رأى في نفسه من الفضل والكمال واعتنى به ، حتّى أخرجه عن حدّ الاعتدال يستوحش من غيره، وذلك الغير أيضاً يستوحش منه، ويتنفّر عنه ، إلّا إذا كان سلطانا أو ذا مال، فتقرب منه الراغب في الدنيا مع الوحشة للضرورة .

(3) وأقول : يستلزم ذلك أيضاً عدم تعرّضه لإصلاح معايبه وتدارك ما فات عنه من حقوق الخلائق والخلق، فتنقطع عنه موادّ رحمة اللّه وتوفيقه ولطفه وهدايته، فينفرد عن ربّه أيضاً، ويبعد عن ساحته، ولا وحشة أوحش منه.

ص: 239


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 215

(ولا ورع كالكفّ عن (1). المحارم) .

في القاموس: «ورع ، كورث: كفّ»(2).

وفي الصحاح: «الورع بكسر الراء: الرجل التقي، وقد ورع يرع _ بالكسر فيهما _ وَرَعاً وَرِعة»(3).

وقيل: هذا الكلام بيان أنّ الورع عن المحارم مقدّم على الورع عن الشبهات والمكروهات ؛ فإنّ أكثر الناس يتنزّهون عن كثير من المكروهات لإظهار الورع، ولا يبالون بارتكاب أكثر المحرّمات (4).

وقيل: الورع عبارة عن لزوم الأعمال الجميلة المفيدة في الآخرة، والغفلة معه عن الاُمور الدنيويّة، والمصالح المتعلّقة بجزئيّاتها ليست بضارّة، بل ربّما كان سبباً للنجاة من عذاب الآخرة، وهي متكثّرة أفضلها الكفّ عن محارم اللّه خوفاً من اللّه (5).

(ولا حلم كالصبر والصَّمت) .

الحلم بالكسر: الأناة ، وفعله ككرم.

وفي بعض النسخ: «ولا حكم»، وهو بالضمّ الحكمة من العلم .

ولما كان الحلم _ وهو ملكة العفو والصفح عن الآثام، والتجاوز عن الانتقام _ لا يحصل إلّا بالصبر على المكاره والشدائد والسكوت في مقام البطش من المقابح والمفاسد، عدّهما أفضل منه؛ لأنّ الأصل أفضل من الفرع .

وقيل: إنّما أورد عليه السلام هذه النصائح في صورة الإخبار ؛ للاهتمام بشأنها .

6 (أيّها الناس، في الإنسان عشر خصال يُظهرها لسانه) .

«لسانه» فاعل ليظهر، أو مبتدأ وخبره «شاهد»، فعلى الأوّل المبتدأ محذوف، وعلى الثاني فاعل «يظهر» ضمير راجع إلى الإنسان.

وعلى التقديرين المقصود أنّ هذه الخصال العشر كلّها تصدر عن اللسان.

ص: 240


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 216
2- في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 93 (ورع)
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1296 (ورع)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 42

(شاهد يُخبر عن الضمير)؛ فليكن ما في الضمير لا يضرّه ولا غيره، ولا يوجب وبالاًولا نكالاً.

قال الجوهري: «الشهادة : خبر قاطع ، تقول منه: شهد الرجل على كذا، وشهده شهوداً، أي حضره» (1).

وأقول : الظاهر أن يراد هنا المعنى الأوّل.

واعلم أنّ الضمير المستتر في «يخبر» راجع إلى الشاهد، وفي قوله: «يفصل» إلى الحاكم على الظاهر، ويمكن عودهما إلى الإنسان بتقدير العائد للموصوف، أي يخبر به ويفصل به .

وكذا قوله: «يأمر» و«ينهى».

وأمّا قوله: «يردّ» و«يدرك» و«يعرف»، فالمستتر فيها للإنسان لا غير، فتدبّر.

(وحاكم يَفصل بين الخطاب) أي يميّز بين الخطاب الحقّ والباطل، والبليغ وغيره.

وقيل: يمكن أن يراد بالفصل تقطيع الحروف، وجعل بعضها خطاباً وبعضها خطاباً آخر واضح الدلالة على المقصود(2).

(وناطق يُرَدّ به الجواب) بعد السؤال عن اُمور الدين والدنيا، ولابدّ أن يكون الجواب على وجه الصواب.

(وشافع يُدرك به الحاجة) من اللّه ومن غيره لنفسه ولغيره، ولابدّ أن تكون مشروعة؛ لأنّ غيرها كفران للنعمة.

(وواصف يُعرف به الأشياء) ذواتها وصفاتها ، تصوّراً وتصديقاً، وتعلّماً وتعليماً.

وقوله: «يعرّف» على صيغة المعلوم من التعريف.

(وآمر) (3) . في بعض النسخ: «وأمير».

(يأمر بالحسن) على صيغة المصدر، أو الصفة المشبّهة، أي ما هو حسن عقلاً ونقلاً في اُمور الدين أو الدنيا.

(وواعظ يَنهى عن القبيح) تحريماً أو تنزيهاً.

(ومُعَزّ) اسم فاعل من التعزية.

ص: 241


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 216
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 494 (شهد)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : «وأمير»

(تُسَكّن به الأحزان) من المصائب والنوائب.

والتعزية تفعلة من العزاء، أي الصبر.

يقال: عزّيته فتعزّى، أي صبّرته فتصبر.

والمراد بها طلب التسلّي عن المصائب بذكر ما يسهّله.

(وحاضر) . في تحف العقول: «وحامد» (1).

(تُجلى به الضَّغائن) .

الضغينة: الحقد ، وهو إمساك العداوة، والتربّص لفرصتها.

وقيل: لعلّ المراد أنّه حاضر دائم الحضور يُجلى به الضغائن عن النفوس، ويدفع به الخصوم، ولا يحتاج إلى عدّة ومدّة بخلاف سائر ما يُجلى به الضغائن من المحاربات والمدافعات.

ويمكن أن يكون المراد رفع ضغينة الخصم بلين الكلام واللطف.

ويحتمل أن يكون المراد بالحاضر القوم والجماعة (2). ، وإطلاقه على اللسان محمولاً على المبالغة. قال في النهاية: «الحاضر : القوم النزول على ماء يقيمون به ، ولا يرحلون عنه»(3). وقال في المغرب: «الحاضر والحاضرة: الذين حضروا الدار التي بها مجتمعهم» انتهى(4).

أقول : لعلّ الأقرب أن يقال: المراد أنّه حاضر يعرف وجوه الكلام يأتي به على وجه يكشف الضغائن ويزيلها عن الصدور.

(ومونق يُلهى به الأسماع) .

المونق: المُعجب، من آنقه إئناقاً، أي أعجبه .

وألهاه عن كذا : أشغله، ووصف اللسان بالإئناق باعتبار ما صدر عنه من الكلام.

وفي بعض النسخ: «تلذّذ به الأسماع».

وفي بعضها: «تلتذّ» .

قال الجوهري: «لذذتُ به لذاذاً ولذاذة: وجدته لذيذاً ، والتذّ به وتلذّذ» (5).

قال بعض الشارحين: هذه الخصال يحتاج إليها الإنسان في بقائه، والغرض من ذكرها وذكر آلاتها الترغيب

ص: 242


1- تحف العقول ، ص 92
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 43
3- النهاية ، ج 1 ، ص 399 (حضر)
4- المغرب ، ص 120 (حضر)
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 570 (لذذ) مع اختلاف يسير

في معرفة قدرها ومُنعمها وشكرها وصرفها في وجوه البرّ، وهي الوجوه التي طلبها المنعم بها (1).

(أيّها الناس، إنّه لا خير في الصمت عن الحُكم) أي الحكمة من القول أو القضاء والحكومة، وعلى التقديرين يكون بالضمّ.

ويحتمل كونه بكسر الحاء وفتح الكاف على أن يكون جمع حكمة.

(كما أنّه لا خير في القول بالجهل) .

قيل: دلّ على أنّ كتمان العلم والحقّ مع القدرة على إظهارهما مثل إفشاء الجهل والباطل في الحرمة، وأمّا بدون القدرة فقد يجب الكتمان كما دلّت عليه الروايات المتكثّرة (2). (واعلموا أيّها الناس إنّه من لم يَملك لسانه يَنْدَم) (3) .

في القاموس: «ندم عليه _ كفرح _ ندماً وندامة وتندم: أسف»(4).

(ومن لا يَعلم يجهل) .

«يعلم» إمّا على صيغة المجهول من التعليم، أو المعلوم من العلم؛ وعلى الأوّل معناه من لم يتعلّم، فهو جاهل؛ لأنّ طريق العلم التعلّم، ويؤيّده أنّ في نسخ تحف العقول: «من لا يتعلّم»(5).

أو المراد من لم يتعلّم من عالم ربّاني فهو جاهل وإن تعلّم من غيره.

وعلى الثاني معناه: من ليس له حقيقة العلم فهو جاهل؛ إذ لا واسطة بينهما، فوجب تحصيله.

وقيل: أو المراد من لم يعلم قدره فهو جاهل؛ لأنّ العلم مستلزم لمعرفته، وانتفاء اللازم

ص: 243


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 216
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 217
3- . في الحاشية: «أي من لم يملك لسانه ، وأجراه في ميدانه ، وتكلّم في كلّ طور من الأسرار والعلوم والمجادلة والمخاصمة والحرج والغيبة والتهمة والكذب والتكذيب والمضحكة والمزاح الكثير ، وكلّ ما لا يعني من غير تفكّر في حسن حاله وقبح مآله، يعزم بالآخرة ؛ لما رآه من الإفساد وذلّ النفس واحتقارها وسفهها واستهزاء الحاضرين ومعاداة السامعين ، ولا ينفعه الندم ، وقد روي : أنّ نجاة المؤمن من حفظ لسانه أو للاعتناء بمضمون هذه النصيحة والعمل بمقتضاه. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 217 (مع اختلاف يسير)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 180 (ندم)
5- تحف العقول ، ص 94

دليل على انتفاء الملزوم.

ويؤيّده قول أمير المؤمنين عليه السلام : «كغى بالمرء جَهلاً أن لا يعرف قدره» (1). انتهى(2).

ولا يخفى بُعد هذا التوجيه.

ويمكن أيضاً قراءة «يعلم» و«يجهل» كلاهما على صيغة المجرّد المعلوم، ويكون المراد بالجهل ما يقابل العقل، أي من لا علم له لا عقل له، بمعنى أنّ انتفاء الأوّل مستلزم لانتفاء الثاني، فهو دليل عليه.

ويحتمل أن يراد بالعلم حينئذٍ العلم الكامل، وبالجهل عن العلم يعني ما يتنزّل عن كمال العلم ويحطّ منه، فكأنّه جهل القوم الانتفاع التامّ به.

ويمكن أن يقرأ «يجهل» على صيغة المجرّد المجهول، ويكون المراد أنّ عدم العلم سبب لخمول الذكر، كما أنّ وجوده سبب لرفعة الذكر وإعلائه .

أو على صيغة المجهول من التجهيل، أي من لا يكون له علم أو كمال ، أو تعلّم ، أو تعليم ، ينسب إلى الجهل ، ويعيش في زمرة الجهّال.

ويحتمل أيضاً قراءة «يعلم» على صيغة المعلوم من التعليم، والمراد أنّ تعليم العلم سبب لوفوره ، كما أنّ ترك التعليم سبب لزواله، واللّه يعلم.

(ومن لا يتحلّم لا يَحْلَم) .

فيه ترغيب في التحلّم لتحصيل الحلم ؛ لأنّ الحلم المكتسب إنّما يحصل به إلى أنيصير ملكة.

وفي القاموس: «الحلم بالكسر: الأناة والعقل، وقد حَلُم _ بالضمّ _ حلماً وتحلّم: تكلّفه» (3).

(ومن لا يَرتدع لا يعقل) أي من لا يكفّ نفسه عمّا لا ينبغي من القبائح لا يعقل أصلاً، أو لا يكمل عقله.

وقيل: أو لا يعقل قبحها وسوء خاتمتها وفسادها؛ إذ لو عقلها لارتدع عنها(4).

ص: 244


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 217
2- دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 97 ؛ الإرشاد ، ج 1 ، ص 231 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 244 ، المجلس 9 ، ح 416 ؛ إرشاد القلوب ، ج 1 ، ص 34
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 99 (حلم) مع التلخيص
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 218

قال الفيروزآبادي: «ردعه كمنعه: كفّه وردّه، فارتدع»(1).

(ومن لا يعقل يُهَن) على البناء للمفعول من الإهانة، وهي الاستخفاف والإذلال، أي من لا يستعمل عقله يُهان ويستحقر ويستهزء؛ لأنّ غير العاقل سفيه مستحقّ لجميع ذلك في النشأتين.

ويحتمل أن يكون «يهن» على صيغة المجرّد من الهوان.

في القاموس: «هان هَوناً _ بالضمّ _ وهَواناً: ذلّ»(2).

(ومن يُهن لا يُوقَّر) ؛ للتضادّ بينهما ، ووجود أحد الضدّين في محلّ يستلزم عدم الآخر.

(ومن لا يُوقّر يَتَوبّخ) .

في بعض النسخ: «لا يتوقّر» بدل «لا يوقّر». وفي بعضها: «ومن يتّق ينج».

والتوبيخ: اللؤم والتأنيب والتهديد. يقال: وبّخته فتوبّخ، وهذه المقدّمات إذا اعتبرت انتاجها ينتج أنّ من لم يرتدع يتوبّخ.

(ومن يكتسب مالاً من غير حقّه) .

الضمير للكسب ، أو للمال، والأخير أولى ؛ ليوافق الضمائر الآتية.

(يصرفه في غير أجره) أي فيما لا يوجر عليه، ولا ثواب بصرفه، وإن أعطاه مسكيناً، وأطعمه جائعاً؛ لأنّ الواجب عليه ردّه إلى صاحبه، وأمّا إنّه يعاقب به، فيعلم من موضع آخر .

وفي القاموس: «الأجر: الجزاء على العمل» (3).

(ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم) أي من لم يترك الدنيا والقبائح باختياره، أو بالنصح، أو بالتفكّر والتنبّه، فيُمدح بتركها عند الخلق والخالق ، يتركها البتّة إمّا بزجز زاجر، أو بالموت وهو مذموم، ولا يُحمد بذا الترك، والعاقل لا يؤثر الذمّ على المدح.

(ومن لم يُعط قاعداً مُنع قائماً) يحتمل وجوهاً: الأوّل : أن يكون الفعلان على صيغة المجهول، ويكون المراد: من لم يعط رزقه زائداً على القوت، أو على الوجه المقدّر حال كونه قاعداً، أي بلا تعب وكدّ في تحصيله مُنع، ولم يُعط حال كونه قائماً طالباً له، أي لم ينفعه السعي والطلب، فالقيام كناية عن السعي والطلب،

ص: 245


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 29 (ردع)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 278 (هون)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 362 (أجر)

والقعود كناية عن تركهما، ويدلّ عليه صريح كثير من الأخبار(1).

أو المراد من لم يُعطه الناس مع قعوده عن السؤال وعدم تعرّضه له لم يعطوه أيضاً إذا سألهم وقام للسؤال عندهم.

الثاني : كونها على صيغة المعلوم، والمراد: من لم يُعط في حال قعوده ، لم يعطوا أيضاً في حال قيامه، وبالعكس ؛ لاشتراك الحالين في علّة المنع ، وهي البخل.

ويحتمل كون قاعداً مفعولاً للإعطاء، وقائماً مفعولاً للمنع، والمعنى: من لم يعط غير سائل ، أي الذي قعد عن السؤال ، منع ولم يُعط أيضاً سائلاً قائما بين يديه ، أو متعرّضاً له، ففيهما تنفير عن سؤال البخيل.

الثالث : كون الأوّل على صيغة المعلوم، والثاني على المجهول، والمراد من لم يعط أهل السؤال والمحتاجين حال كونه قاعداً ، وهم قيام بين يديه يسألونه ، يبتلى بأن يحتاج إلى السؤال عن غيره، فيقوم بين يديه، ويسأله، ولا يعطيه (2).

وفيه احتمال آخر، وهو أن يكون «قاعداً» مفعولاً للإعطاء، و«قائماً» حالاً عن المستتر في «منع»، أي من لم يعط قاعداً زمناً محتاجاً ، أو غير سائل ، ابتلي بسؤال الناس والقيام بين أيديهم مع الحرمان.

الرابع : عكس الثالث، وحاصل المعنى حينئذ: من لم تعطه في حال قعوده وعجزه عن نيل مقصوده ، منعك في حال تمكّنه واقتداره.

(ومن يَغلب بالجور) على غيره (يُغلب) من ذلك الغير ، أو من غيره ؛ إمّا في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما معاً، وإن اُمهل برهة من الزمان فلحكمة أو للاستدراج.

(ومن عاند الحقّ لزمه الوَهن) .

قال اللّه عزّ وجلّ: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (3). وقال في وصف المنافقين: «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» (4).

ص: 246


1- مال إليه الشارح الشهير لنهج البلاغة ابن أبي الحديد في شرحه ، ج 19 ، ص 363
2- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 44 : «وهو عندي أظهر الوجوه»
3- العنكبوت (29) : 41
4- المنافقون(63) : 4

وفي القاموس: «عَنَد عن الطريق عَنوداً: مال ، وخالف الحقّ ، وردّه عارفاً به، والمعاندة: المفارقة ، والمجانبة ، والمعارضة بالخلاف ، كالعناد» (1).

والوَهن: الضعف في العمل.

وقيل: فيه تنبيه على وجوب الاُلفة ، والاتّحاد في الدين ، وعدم تشتّت الآراء ، والتعاند عليه؛ فإنّ ذلك يوجب التفرّق، ويدعوا إلى التحزّب ، ودخول الوهن والضعف عليهم، وكلّ ذلك مناف لمطلوب الشرع ؛ ألا ترى أنّ الملك يحتاج إلى تعاون العساكر وتألّفهم وتظاهرهم حتّى يحصل له القوّة، وينجلي له صورة النصرة(2).

(ومن تفقّه وُقّر)؛ دلّ على أنّ التوقير والتعظيم من لوازم التفقّه في الدين.

قال الفيروزآبادي: «الفِقه بالكسر: العلم بالشيء، والفهم له، وغلب على علم الدين لشرفه، وفقهه كعلمه: فهمه ، كتفقّهه» (3).

(ومن تكبّر) أي عن التفقّه بقرينة المقابلة، أو مطلقاً.

(حُقّر) أي اُذلّ ، أو صُغّر ، أو اُرذل عند اللّه وعند الحقّ ، ويوصل إليه ضدّ ما قصده.

(ومن لا يُحسن لا يُحمد) (4). على البناء للمفعول، أي من لا يحسن إلى الخلق لا يكون محموداً عندهم .

أو على البناء للفاعل، أي الإحسان إلى الغير وترك الإساءة حمد وشكر لنعم اللّه، فمن لم يحسن لم يحمده ولم يشكره.

(أيّها الناس، إنّ المَنيّة قبل الدنيّة) . المنيّة: الموت.

وفي القاموس: «الدنئ : الخسيس الخبيث البطن ، والفرج الماجن، والدقيق الحقير، وقد دنأ _ كمنع وكرم _ دُنوءة ودناءة، والدنيئة: النقيصة» (5). انتهى.

والمراد بالنقيصة الحالة الخسيسة، والخصلة الذميمة، وقد تقلب همزة الدنيئة ياء وتدغم.

ص: 247


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 318 (عند)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 219
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 289 (فقه)
4- .في الحاشية: «أي من لا يحسن إلى الخلائق لا يكون محموداً عندهم، وقد اشتهر أنّ الإنسان عبيد الإحسان، والإحسان وإن كان ثقيلاً إلّا أنّ فيه أثرا جَميلاً ، وأنّ ذا القرنين قال لاُستاده أرسطاطاليس : انصح لي ، فقال : ملكت البلاد بالفرسان ، فاملك القلوب بالإحسان . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 219
5- . القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 15 (دنا)

ثمّ قال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام:

أي ينبغي تحمّل الموت [والمنيّة] قبل أن تنتهي الحال إلى الدنيّة، كما إذا أرادك العدوّ، فتترك الجهاد، وتصير أسيراً له، فالجهاد والموت قبله أفضل من تركه إلى أن يرد عليك الدنيّة (1).

ويقرب منه ما قيل: يعني احتمال الموت قبل احتمال ما يعيبك، وخير منه(2).

وقيل: المراد أنّ المنيّة متقدّم وخير من الدنيّة ، فالمراد بالقبليّة القبليّة بالشرف، وفيه بعد.

ويؤيّد أحد المعنيين ما في نسخ نهج البلاغة: «المنيّة ولا الدنيّة» (3). كما يقولون: النار ولا العار (4).

وقيل: المراد أنّ المنيّة ينبغي أن تكون قبل الموت الاضطراري الذي هو الدنيّة ؛ لقوله عليه السلام : «موتوا قبل أن تموتوا» (5) . أو قرأ بعضهم: «المُنية» بضمّ الميم وتخفيف الياء بمعنى الاُمنيّة،أي ينبغي أن تكون المُنى قبل العجز عن تحصيلها، والأظهر المعنى الأوّل (6). ، واللّه أعلم.

(والتجلّد قبل التبلّد) .

قال الفيروزآبادي: «الجَلَد محرّكة: الشدّة والقوّة، وهو جَلْد ، وجَلُد _ ككرم _ جَلادة، وتجلّد : تكلّفه» (7)..

وقال:التبلّد: ضدّ التجلّد، بلد _ ككرم وفرح _ فهو بَليد وأبلد : التصفيق ، والتحيّر ، والتلهّف ، والسقوط إلى الأرض ، والتسلّط على بلد الغير ، والنزول ببلد ما به أحد، وتقليب الكفّين (8).

أقول: يمكن هنا إرادة كلّ من تلك المعاني، وحاصل الجميع أنّ التجلّد في الاُمور المطلوبة عقلاً ونقلاً، دينيّة أو دنيويّة، أينبغي أن يكون قبل العجز والمغلوبيّة والتحيّر فيها .

(والحساب قبل العقاب) أي محاسبة النفس ومراقبتها في الدنيا ينبغي أن تكون قبل حلول

ص: 248


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 219
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 219
3- .نهج البلاغة ، ص 546 ، الحكمة 396
4- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 45
5- .راجع : بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 317 ؛ وج 69 ، ص 57
6- نقله العلامه المجلسی رحمة الله في مراة العقول ج 25 ص 45
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 283 جلد مع التخلیص
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 279 (بلد)

العقاب في العُقبى وقبل فوات الفُرصة وعدم إمكان التدارك بأن يراقب المكلّف أحوالهوأفعال أعضائه وجوارحه، ويشغل كلّ عضو منها إلى ما هو مطلوب منه، ويمنعه عمّا نهى عنه، فإن صدر منه أحياناً خلاف ما ينبغي تداركه بالتوبة والأداء والقضاء والإبراء ونحوها (1).

(والقبر خير من الفقر) .

لعلّ المراد فقر العلم والدين. روى المصنّف رحمه الله في الاُصول عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: «الفقر الموت الأحمر»، فقلت لأبي عبد اللّه: الفقر من الدينار والدرهم؟! فقال: «لا، ولكن من الدين»(2).

ويحتمل أن يكون المراد الافتقار إلى الناس، أو الفقر القلبي، والإفلاس الحقيقي، ومآل هذا وما ذكره أوّلاً واحد .

أو المراد الفقر المعروف الذي ليس معه صبر ولا ورع.

(وغَضّ البصر خير من كثير من النظر) (3). ؛ لأنّ النظر سهم مسموم من سهام إبليس.

وفي تحف العقول (4). وبعض نسخ الكتاب: «وعمى البصر» ، وهو أظهر.

(والدهر يوم لك ويوم عليك) كناية عن عدم خلوص التعيّش فيه، بل مسرّته مشوبة بالمساءة وفرحه بالهمّ وغناه بالفقر وصحّته بالمرض ، وهكذا .

وفيه ترغيب للاستعداد بالواردات والصبر عليها، وعدم الاهتمام بعزّته، وعدم الاغتمام بذلّته، كما أشار إليه بقوله: (فإذا كان لك فلا تَبطر ، وإذا كان عليك فاصبر)(5).

البَطَر محرّكة: النشاط ، والأَشَر ، وقلّة احتمال النعمة ، والدَّهَش ، والحيرة، أو الطغيان بالنعمة ، وكراهة الشيء من غير أن يستحقّ الكراهة، وفعل الكلّ كفرح.

ص: 249


1- في الحاشية : «فلا ينبغي تأخّر الحساب إلى القيامة ؛ لإمكان ظهور الخيانة عند المحاسبة فيها ، ولا يمكن التدارك حينئذ ، بل ينبغي تقديمه والاشتغال به في الدنيا . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 219 و220
2- الكافي ، ج 2 ، ص 266 ، باب (من دون العنوان) ، ح 2
3- .في الحاشية: «أمر بغضّ البصر وترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو أكثر المفاسد والخطر من إرسال النظر. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 220
4- .تحف العقول ، ص 95
5- في الحاشية: «لأنّ الصبر في مواطن المكاره والشدائد من صفات الأنبياء والأولياء، وهو مع كونه سبباً للمقامات العليّة الدرجات الرفيعة سبب أيضاً لسهولة المحنة ونزول الفرج . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 220

(فبكلاهما تُمتحن) .

في بعض النسخ: «فبكليهما»، وهو الظاهر ؛ يعني فأنت دائماً في الاختبار ، إمّا بأسباب البطر والبغي والاستكبار، أو بأسباب السكينة والاصطبار.

(وفي نسخة: «وكلاهما سيُختبر») .

في بعض النسخ المصحّحة: «ستُختبر» . وفي بعضها: «ستُخَبّر» . وفي بعضها : «سيحسر» (1). من الحسر بمعنى الكشف . وفي بعضها: «استحسر» .

الاستحسار: الإعياء، والاستخبار: سؤال الخبر ، والاستعلام ، والاختبار والتخبّر: العلم بالشيء، والتخبير: الإخبار.

وإفراد الفعل باعتبار لفظ «كلا» إن كان غائباً، وإن كان خطاباً يحتاج إلى إضمار، أي تستخبر بهما.

(أيّها الناس، أعجب ما في الإنسان قلبُه) .

في القاموس: «القلب: الفؤاد، أو أخصّ منه ، والعقل ، ومحض كلّ شيء» (2).

وقال بعض الفضلاء : كلّ ما في الإنسان من الجوارح والأعضاء ، والعروق الساكنة والمتحرّكة ، والعظام الصغيرة والكبيرة ، والأعصاب الغليظة والدقيقة ، والرباطات الدقيقة وغيرها ممّا يشتمل على قليل منها علم التشريح ، أمر عجيب ، ووضع غريب ، يدلّ على قدرة الصانع وحكمته وتدبيره ، بحيث يعجز عن دركه عقول العقلاء، وعن فهمه فحول العلماء.

وأعجب ما فيه قلبه ، وهو الجوهر المجرّد المسمّى بالنفس الناطقة التي خلقت له سائر الجوارح والقوى، ووجه كونه أعجب ما أشار إليه إجمالاً : (وله موادّ من الحكمة) (3).

قال الجوهري: «المادّة: الزيادة المتّصلة» (4).

وكلمة «من» إمّا بيانيّة، أو ابتدائيّة، ولعلّ المراد بموادّ الحكمة الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، أو الملكات الاكتسابيّة، وبالحكمة ما يعمّ العمليّة والنظريّة.

ص: 250


1- .هكذا ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 119 (قلب)
3- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 220
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 537 (مدد)

(وأضداد من خلافها)

الضمير للموادّ، أو للحكمة .

و«من» بيانيّة، أو ابتدائيّة.

ثمّ شرع عليه السلام في شرح الأضداد وتفسيرها إجمالاً بحيث يفهم من شرح موادّ الحكمة أيضاً.

(فإن سَنَح له الرجاء) في القاموس: «سنح لي رأي _ كمنع _ سَنوحاً: عرض» (1).

والرجاء: اليأس، والمراد به هنا إمّا توقّع الثواب والمنافع من اللّه تعالى، أو توقّع المنافع من الدنيا وأهلها، والثاني أنسب بقوله: (أذلّه الطمع) أي الحرص في الرجاء.

قال ابن أبي الحديد: ليست الاُمور التي عدّها عليه السلام شرحاً للكلام المتقدّم، وإن ظنّ قوم أنّه أراد ذلك ؛ أ لا ترى أنّ الاُمور التي عدّها عليه السلام ليس فيها شيء من باب الحكمة وخلافها، بل هو كلام مستأنف إنّما هو بيان أنّ كلّ شيء ممّا يتعلّق بالقلب يلزمه لازم آخر(2). انتهى.

وهو كما ترى، بل الظاهر ما قلناه أوّلاً من كونه تفسيراً وبياناً لموادّ الحكمة.

وقال بعض الأفاضل:يمكن أن يوجّه كلامه عليه السلام بوجهين: أحدهما : أن يكون المراد بموادّ الحكمة العدل والتوسّط في الاُمور التي هو الكمال، وكلّ إفراط وتفريط داخل في الأضداد التي هي من الرذائل الخُلقيّة، وبيّن عليه السلام الأضداد ليعلم أنّ الحكمة هي الوسط بينهما، فإنّ الأشياء إنّما تعرف بأضدادها.

والثاني : يُحمل في كلّ منها أحد المذكورين على ما هو الإكمال، والآخر على الإفراط المذموم : ففي الأوّل الرجاء إنّما وضع في النفس ؛ ليرجو الإنسان من فضله تعالى ما لا يضرّ في دنياه وآخرته، فإذا سنح له رجاء ينجرّ إلى الإفراط، فيطمع ما لا حاجة له إليه في دنياه، وممّن لا ينبغي الطمع منه من المخلوقين العاجزين، فيحصل فيه رذيلة الحرص، وقد يترك الرجاء رأساً، فينتهي إلى اليأس من روح اللّه، فيموت آسفاً على ما فات منه ؛ لفقد رجاء التدارك من فضله تعالى.

ص: 251


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 229 (سنح)
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 18 ، ص 271 (مع اختلاف يسير والتلخيص)

فعلى الأوّل فالرجاء هو القدر الباطل منه، وعلى الثاني المراد الوسط الممدوح، والثاني هنا أظهر(1).

أقول : هذا الكلام واف في إيضاح المرام بحيث لا مزيد عليه، فلنرجع إلى ما كنّا فيه من شرح كلامه عليه السلام .

(وإن هاج به الطمعُ) في الدنيا، وحرّكه إلى الرغبة فيها (أهلكه الحرص) عليها.

قيل: الحرص أن تأخذ نصيبك وتطمع في نصيب غيرك(2).

وقيل: هو عدم الرضا بالواصل ، وصرف العمر في تحصيل غير الحاصل(3).

وأقول: قد يطلق الحرص على ما هو من فعل الجوارح، وعُرّف بأنّه تكلّف لمشاقّ الاُمور في طلب الرزق ونحوه من اُمور الدنيا لعدم الاعتماد على وكيل، وهو بهذا المعنى ضدّ التوكّل .

وقد يطلق على ما هو من فعل القلب، وعُرّف بأنّه الهمّ والحزن على فوت الزائد، وعلى هذا يكون ضدّ القنوع، أي الرضا بالقسم.

(وإن مَلَكه اليأس) أي القنوط وقطع الأمل من الدنيا.

(قتله الأسف) هو بالتحريك: أشدّ الحزن.

(وإن عَرض له الغضب اشتدّ به الغيظ) .

الغضب بالتحريك: ضدّ الرضا، ويطلق على ضدّ الرحمة، ويعرّف حينئذٍ بأنّه الميل إلى إيصال الأذى ، وفيه مسامحة.

والتحقيق أنّه حالة في النفس مقتضية لذلك الميل.

وقد يعرّف بأنّه الحركة نحو الانتقام.

والغيظ: الغضب، أو أشدّه، أو سَورته وأوّله.

وقيل: هو ثمرة الغضب يحصل من احتقانه وغليان النفس منه، وسبب قريب لجريان أحكامه(4).

(وإن اُسعد بالرضى) أي اُعين به.

ص: 252


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 45 و46
2- اُنظر: لسان العرب ، ج 8 ، ص 49 ؛ القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 13 (جشع)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 221
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 221

وفي نهج البلاغة: «إن أسعده الرضا»(1).

وقيل: المراد أنّه إذا اُعين بالرضا، وتهيّأت له مقاصدالدنيا على الوجه المرضي عنده (2).

(نسي التحفّظ) أي الاحتراز عن مخاطرات النفس ومكائد الشيطان، فيقع بذلك في مهاوي العصيان، وفيه ترغيب في التيقّظ وترك الغفلة في تلك الحالة.

ولعلّ المراد أنّه إذا اُعين بالرضا من نفسه لم يتحفّظ عمّا يوجب شينه من قول أو فعل ؛ لاعتماده على نفسه.

ثمّ اعلم أنّ الملائكة المحمودة من الرضا والغضب على التوجيه الأوّل من التوجيهين السابقين الحالة المتوسّطة التي هي عدم الإفراط في الرضا، وعدم التفريط بالغضب ، وهي المسمّاة بالعدل ورعاية الحقّ في الاُمور ، بأنّه لا يدعوه رضاه عن أحد ، ولا سخطه عن آخر إلى الخروج عن الإنصاف والعدل ؛ فإن أسعده الرضا الذي هو مطلوب ، نسي أن يتحفّظ ويربط نفسه على الحقّ، فيطغى رضاه عن أخيه في الدين، أو قرابته وحميمه إلى أن يرتكب خلاف الحقّ لأجله .

وكذا الغضب من خلاف الحقّ داخل في العدل ممدوح، وإفراطه ينتهي إلى الحميّة والعصبيّة.

وعلى الثاني يكون الغرض بيان الرضا والغضب الممدوحين، والمذموم ما يقابلهما، وكذا سائر الفقرات.

(وإن ناله الخوف شغله الحذر) .

الحذر بالكسر وبالتحريك: الاحتراز.

لعلّ المراد: إن أصابه الخوف من مخاوف الدنيا يشغله الحذر من مخاوف الدنيا عن العمل للآخرة.

وحاصله: أنّ الخوف الذي هو ممدوح إنّما هو من مخاوف الآخرة، وهو يستعمله في مخاوف الدنيا، فيشغله عن العمل للآخرة.

وبعبارة اُخرى إن أصابه من الخلق أو من فوات الدنيا خوف شغله الحذر من المخوف

ص: 253


1- نهج البلاغة ، ص 546 ، الحكمة 396
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 221

عن أمر الآخرة، وأمّا خوفه من عقاب اللّه والحذر من موجباته، فهو كماله وقوّته.

وقيل: معنى قوله: «شغله الحذر» : شغله شدّة الخوف عن العمل لرفع ما يخاف منه، فينجرّ إلى اليأس، أو المراد شغله عن الحذر(1). انتهى ؛ فتأمّل.

وفي تحف العقول: «شغله الحزن»(2).

(وإن اتّسع له الأمن) في النفس والمال والجاه (استلبته الغرّة) (3). بتقديم المعجمة، أي الاغترار والغفلة ؛ يقال: اغترّ، أي غفل . واغترّ بالشيء، أي خُدع به، والاسم: الغِرّة بالكسر.

والاستلاب: الاختلاس، يعني أوقعته الغرّة الشيطانيّة في موارد الشهوة النفسانيّة، والانخداع بلذّات الدنيا.

(وفي نسخة: «أخذته العزّة») بتقديم المهملة، أي الغلبة والقوّة والتكبّر .

قال في القاموس: «عزّه كمدّه: غلبه في المعازّة ، والاسم: العزّة بالكسر» (4).

وفيه إيماء إلى قوله تعالى: «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاءِثْمِ» (5). ؛ قال البيضاوي : «أي حملته الأنفة وحميّة الجاهليّة على الإثم الذي يؤمر بإتقانه لجاجا ، من قولك: أخذته بكذا، إذا حملته عليه، وألزمته إيّاه »(6).

(وإن جُدّدت له نعمة أخذته العزّة) .

في بعض النسخ بتقديم المهملة على المعجمة، وفي بعضها بالعكس، وعلى الأوّل المراد العزّة في نفسه، وهي العُجب، أو على الغير وهي الكبر.

(وإن أفاد مالاً) .

يقال : أفاده، أي استفاده ، أو أعطاه ضدّ، والمراد هنا الأوّل.

(أطغاه الغِنى) .

قال الجوهري: «طغا يطغى ويطغو طغياناً، أي جاوز الحدّ، وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغ .

وأطغاه المال، أي جعلوا طاغياً» (7).

ص: 254


1- تحف العقول ، ص 95
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 47
3- .هكذا في النسخة وشرح المازندراني ومرآة العقول . وفي كلتا الطبعتين والوافي : «العزّة» بتقديم العين المهملة
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 182 (عزز)
5- .البقرة(2) : 206
6- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 491
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2412 (طغا)

يعني أنّ الغنى جعله عاصياً بالعجب والتكبّر والتفاخر، قال اللّه تعالى: «كَلّا إِنَّ الْاءِنْسَانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» (1). ، أي رأى نفسه مستغنياً.

(وإن عَضَّته فاقة) أي أوجعته فقر وحاجة . فيه مكنيّة وتخييليّة .

قال الفيروزآبادي:عضضته وعليه _ كسمع ومنع _ عضّاً وعَضيضاً : أمسكته بأسناني ، أو بلساني ، وبصاحبي عضيضاً: لزمته .

والعضيض: العضّ الشديد ، والقرين، وعضّ الزمان والحرب: شدّتهما، أو هما بالظاء ، وعضّ الإنسان بالضاد (2).

وفي بعض النسخ: «عظّته». قال في القاموس: «عظّته الحرب كعضّته، وفلاناً بالأرض : ألزقه بها» (3).

(شغله البلاء) أي المحنة والحزن على ما فات.

(وفي نسخة: «جهده البكاء») أي ثقل عليه وأتعبه وأوقعه في المشقّة؛ لأنّ الفقير الطالب للدنيا المتعلّق قلبه بها إذا فاتته يبكي على فواتها كبكاء الثكلى على أولادها.

قال الجوهري: «الجهد: المشقّة. يقال: جهد دابّته وأجهدها ، إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها» (4).

(وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع) أي كشف مساويه عدم الصبر والاضطراب الدالّ على خفّته وسفاهته.

(وإن أجهده الجوع قعد به الضعف) أي منعه من الحركات والأفعال اللائقة به.

قيل: الغرض منه بعد إظهار عجزه وضعفه ترغيبه في رفع الجزاء برفع الشرط وتناول الغذاء على قدر ما يحتاج إليه في البقاء لأرفع الجزاء مع وجود الشرط كما في النصائح السابقة (5).

(وإن أفرط في الشِّبَع) بأن جاوز حدّه (كظّته البِطنة)؛ أي كربته وجهدته حتّى عجز عن تحمّله وتحليله.

ص: 255


1- .العلق(96) : 6 و7
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 337 (عضض)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 296 (عظظ)
4- الصحاح، ج 2، ص 460 (جهد)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 222

قال في القاموس: «الشبع ، بالفتح وكعنب: ضدّ الجوع . والشِّبع ، بالكسر وكعنب: اسم ما أشبعك» (1). وقال:

الكِظّة بالكسر: البِطنة، وشيء يعتري الإنسان من امتلاء الطعام .

كَظّه الطعام: ملأه حتّى لا يطيق النفس، وكظّه الأمر كِظاظاً وكَظاظة: بهظه ، وكربه ، وجهده(2).

وقال: «البِطنة بالكسر: البَطَر والأشر والكظّة» (3).

(فكلّ تقصير به مُضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد) .

الضمير المجرور في الموضعين راجع إلى القلب، وهذا إشارة إلى كيفيّة تخلّصه من تلك الأضداد وأمثالها .

وبيانه أنّه ينبغي أن يكون بين هذا وذاك، وهو الصراط المستقيم كما مرّ.

وقيل: يحصل له باعتدال القوى العقليّة والشهويّة والغضبيّة ملكة الحكمة والعفّة والشجاعة، وحصلت باشتباك هذه الاُمور ملكة العدالة، ويتأيّد شرفه الذاتي بهذه الكمالات الشريفة، وتمّت خلافته في عالم الأبدان، وينقاد له جميع القوى والحواسّ حتّى ينتهي سيره إلى منزل السعادة الأبديّة(4).

(أيّها الناس [إنّه] من قلّ ذلّ) .

القلّة بالكسر: ضدّ الكسرة، وقلّ الشيء، إذا لم يكثر، ورجل قُلّ بالضمّ: فرد لا أحد له، يعني من قلّ ولم يكن له أنصار وأعوان ذلّ وهان عند الناس.

وفيه ترغيب وحثّ على اتّخاذهم بالإحسان وحسن المعاشرة لئلاّ يتنفّروا عنه .

أو من قلّ عطاؤه أو في الجود والإحسان ذلّ .

أو من قلّ في كلّ ما هو كمال في الدين أو الدنيا ذلّ .

أو من قلّ ماله فيكون إخباراً عن الواقع .

وصحّحه بعض العلماء بالفاء؛ (5).

قال الجوهري: «فلّه فانفلّ، أي كسره فانكسر» (6).

ص: 256


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 43 (شبع)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 398 (كظظ)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 202 (بطن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 222 و223
5- .كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30
6- الصحاح ، ج 5 ، ص 1793 (فلل)

(ومن جاد ساد) أي جلّ قدره عند الناس، وصار سيّدهم ومتولّياً لاُمورهم ومرجعهم ومقتداهم.

(ومن كثر ماله رأس) إمّا بهمز العين من الرئاسة .

يقال: رأس القوم _ كمنع _ رئاسة، أي صار رئيساً، أي سيّداً عزيزاً، فيكون إخباراً عن الواقع، لا ترغيباً على إكثار المال.

أو من الرَوس أو الرَيس. يقال: راس رَوساً، مثل قال قولاً، أي مشى متبخترا ، والسَّيل الغُثاء : احتمله، وفلان : أكل كثيراً .

وراس يَريس رَيساً وريساناً: مشى متبخترا ، والشيء رَيساً: ضبطه وغلبه، والقوم:اعتلى عليهم.

فعلى بعض الاحتمالات يكون إخباراً عن الواقع كالأوّل، وعلى بعضها يكون تنفيراً عن إكثار المال بذكر بعض خصاله المذمومة التابعة له.

(ومن كثر حلمه نَبُل) .

النُّبل بالضمّ: الذكاء والنجابة، نَبُل _ ككرم _ نَبالة ونُبلاً . فيه ترغيب في الحلم بذكربعض منافعه.

(ومن أفكر في ذات اللّه تَزَندق) أي من نظر في كنه ذاته تعالى بالتحديد، أو في صفاتهبما لا يليق كالتوصيف والتشبيه والتجزئة والمقدار وأمثالها، (1). فقد صار زنديقاً منكراً لربوبيّته تعالى.

ويطلق الزنديق على الثنوي، وعلى المنكر للصانع، وعلى كلّ كافر.

قال الفيروزآبادي: «الفِكر بالكسر ويفتح: إعمال النظر في الشيء ، فكر فيه وفكّر وأفكر وتفكّر بمعنى» (2).

وقال:الزنديق بالكسر : من الثنويّة، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن باللّه وبالربوبيّة، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو هو معرّب «زن دين»، أي دين المرأة، وقد تزندق، والاسم: الزَّندقة (3).

ص: 257


1- .في الحاشية: «كالتجسيم ، والغاية ، والنهاية ، وأين هو ، وكيف هو ، ومتى هو ، فقد أنكر ربوبيّته ، وصار كافراً باللّه العظيم. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 223
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 111 (فكر) مع التلخيص
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 242 (زندق) مع اختلاف يسير

(ومن أكثر من شيء عُرف به) . في بعض النسخ: «في شيء».

وفيه ترغيب بإكثار الخير ليعرف به، ويعدّ من أهله.

(ومن كثر مزاحه استُخفّ به) .

في القاموس: «مَزح _ كمنع _ مَزحاً ومُزاحة ومَزاحاً بضمّهما: دعب . ومازحه ممازحة ومِزاحاً بالكسر» (1).

قيل: إكثار المزاح والمطايبة في الأمر الجائز مذموم ؛ لما ذكر من الاستخفاف والاستهزاء في السخريّة، وأمّا أصل المزاح فليس بمنهيّ عنه مع الأصدقاء والأحبّاء، ومزاحه عليه السلام ومزاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم مشهوران، حتّى قال: يا رسول اللّه، إنّك تداعبنا؟ قال: «إنّي أمزح ، ولا أقول إلّا حقّاً» (2).

ولذلك قال العلماء : المنهيّ عنه من المزاح ما يسقط المهابة والوقار، ودلّ على قلّة العقل وخفّته . وأمّا الذي سلم من هذا فهو الذي كان النبي صلى الله عليه و آله يفعله، وكذلك الوصي على الندرة لمصلحة ، وتطيب نفس المخاطب ومؤانسته(3).

(ومن كثر ضِحكه ذهبت هَيبته) .

إكثار الضحك مذموم ؛ لما ذكر من ذهاب المهابة والتوقير في القلوب، وأمّا أصله فلا، لكن بشرط أن لا يبلغ حدّ القهقهة؛ لما رواه المصنّف في الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: «القهقهة من الشيطان» (4).

وروي: «أنّ النبي صلى الله عليه و آله إن ضحك لم يَعْلُ صوتُه (5). »؛ لغلبة ذكر الموت وما بعده، وكان أكثر ضحكه التبسّم (6).

ص: 258


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 249 (مزح)
2- الكامل لابن عدي ، ج 2 ، ص 344 ، ح 476 ؛ ميزان الاعتدال ، ج 1 ، ص 520 ، ح 1942 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 330
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 223 و224
4- الكافي ، ج 2 ، ص 664 ، باب الدعابة والضحك ، ح 10 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 114 ، باب كراهة القهقهة و ... ، ح 15798
5- .نهج البلاغة ، ص 303 ، الخطبة 193 ؛ التمحيص ، ص 72 ؛ مكارم الأخلاق ، ص 477
6- راجع : بحارالأنوار ، ج 64 ، ص 340

(فسد حسب من ليس له أدب) .

قال الجوهري : الحسب أيضاً : ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه دينه، ويقال: ماله.

قال ابن السكّيت: الحسب والكرم يكونان في الرجل، وإن لم يكن له آباء لهم شرف، قال: والشرف والمجد لا يكونان إلّا بالآباء (1).

أقول : فلو اُريد هنا بالحسب الدين أو الشرف الذاتي، ففساده بفقدان الأدب ظاهر ؛ إذ الحسب بهذا المعنى لا يحصل إلّا بالأدب، وإذ ليس فليس، وكذا لو اُريد به شرف الولد باعتبار شرف الآباء .

(إنّ أفضل الفعال صيانة العرض بالمال) .

في النهاية:العرض: موضع المدح والذمّ من الإنسان ، سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره .

وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ، ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب.

وقال ابن قتيبة: عرض الرجل : نفسه وبدنه لا غير (2).

وقال الفيروزآبادي : «قد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة» (3).

وفيه حثّ في ترك المماطلة مع العزماء ، وصرف المال بالإنفاق وصلة الأرحام، وإخراج الحقوق الماليّة الواجبة والمندوبة، وإعطاء الجائر مع الخوف [منه] تحرّزا من اللؤم والضرر وهتك الستر والانتساب بالبخل ونحوها ممّا ينافي صيانة العرض.

(ليس من جالس الجاهل بذي معقول) .

قال الجوهري:

العقل : الحجر والنُهى، ورجل عاقل وعَقول، وقد عقل يعقل عقلاً ومعقولاً أيضاً، وهو مصدر.

وقال سيبويه: هو صفة، وكان يقول: المصدر لا يأتي على وزن مفعول البتّة، ويتأوّل المعقول، فيقول : كأنّه عُقل له شيء، أي حُبس واُيّد وشُدّد _ قال : _ ويستغني بهذا عن المَفعَل الذي يكون مصدراً (4).

ص: 259


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 110 (حسب) مع التلخيص
2- النهاية ، ج 3 ، ص 209 (عرض)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 334 (عرض)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1769 (عقل) مع التلخيص واختلاف يسير

وفي القاموس: «العقل: العلم، أو بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها، عقل يعقل عقلاً ومعقولاً» (1). انتهى .

وأقول : انتفاء العقل أو كماله أو آثاره الدالّة عليه من مجالس الجاهل بلا ضرورة داعية إليه ظاهر ؛ فإنّ الجاهل منتهى غرضه التصرّف في أحوال الدنيا وكيفيّة تحصيلها والتمتّع بها والتكلّم بالفضول، والعالم على عكس ذلك ، فبينهما تضادّ ، والمتضادّان لا يجتمعان في محلّ واحد، وأيضاً المجالسة تقتضي المكالمة، والجاهل لا يقدر أن يتكلّم في المعقولات، والعالم يقدر أن يتكلّم في أبواب الجهالات، فلا محالة يجري مجراه، وذلك يطفئ نور حكمته، ويفسد أمر دنياه وآخرته.

وكأنّه عليه السلام أشار إلى هذا المعنى بقوله: (من جالس الجاهل فليستعدّ لقيل وقال) أي للتكلّم بفضول الكلام ، وما يضيع أوقاته.

قال الفيروزآبادي: «القول في الخير ، والقال والقيل والقالة في الشرّ . أو القول مصدر، والقيل والقال اسمان . والقال الابتداء ، والقيل _ بالكسر _ الجواب» (2). انتهى.

وقيل: هما من قولهم: قيل كذا وقال كذا، وبناؤهما على أنّهما فعلان ماضويان متضمّنان للضمير والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خلوّين من الضمير، وإدخال حرف التعريف عليهما في قوله: «القيل والقال».

وبالجملة أمر عليه السلام بالاستعداد لفضول الكلام وإكثاره مبتدئاً ومجيباً وحكاية أقوال الناس، والبحث عمّا لا يجدي [نفعا] ، بل يوجب ضياع العمر وجهد الكتبة وسواد القلب وصعوبة الحساب في الآخرة (3).

(لن ينجو من الموت غنيّ بماله، ولا فقير لإقلاله) .

الإقلال: قلّة الجِدة ، والفقر ، ورجل مقلّ، أي فقير ؛ أي ورود الموت على الغني والفقير ضروري لا يقدر أن يدفعه الغني بماله ولا الفقير بفقره، وطلب الترحّم منه.

وفيه حثّ على ذكر الموت وانتظاره والاستعداد لما بعده.

ص: 260


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 18 (عقل)
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 42 (قول)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 224

(أيّها الناس ، لو أنّ الموت يُشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريمُ الأبلج واللئيم المَلهوج) .

في القاموس: «شراه يشريه : ملكه بالبيع وباعه، كاشترى فيهما ضدّ» (1).

وقال الجوهري:

البُلوج: الإشراق.

يقال: بلج يَبلج بالضمّ، أي أضاء، وتبلّج فلان إذا ضحك وهشّ ، وصبح أبلج بيّن البَلَج، أي مُشرق مُضي?، والبُلجة: نقاوة ما بين الحاجبين.

يقال: رجل أبلج بيّن البلج ، إذا لم يكن مقروناً .

وفي حديث اُمّ معبد في صفة النبي صلى الله عليه و آله : «أبلج الوجه»، أي مُشرقه، ولم تُرد بلج الحاجب؛ لأنّها تصفه بالقرن (2). انتهى.

وقوله عليه السلام : «الملهوج» كمنصور، اسم مفعول من اللهج بتقدير حرف الجرّ، أي الملهوج به.

قال الجوهري: «اللَهَج بالشيء: الولوع به، وقد لهج به _ بالكسر _ يلهج لهجاً، إذا أغرى به فثابر عليه» (3). .أي واظب وداوم .

فيحتمل كونه بضمّ الميم وفتح اللام والواو وسكون الهاء.

قال الجوهري : «هوج الرجل أمره لهوجة، وهو أن لا يبرمه، وشواء ملهوج إذا لم يُنضج» (4) .

والظاهر المراد بالملهوج هنا الحريص الوَلوع بالدنيا.

وقال بعض العلماء:الكريم الأبلج : هو الذي اشتهر كرمه وظهر .

والمَلهوج هو الحريص، مفعول بمعنى الفاعل كمسعود، ووجه اشترائهما الموت رضاهما به؛ لأنّ الكريم إذا اشتهر توجّه الناس إليه بما عجز عن قدر اشتهاره، وخجل من المنسوب إليه فرضي بالموت.

وأمّا الحريص، فلأنّه لم يبلغ ما حرص عليه، فلا يزال يُتعب نفسه ويزيد حرصه، فيتمنّى بذلك الموت (5).

وقيل: قد رغّب في توقّع الموت، ورجّحه على هذه الحياة بالنسبة إلى كلّ أحد؛ إمّا بالنسبة إلى الكريم، فلتخلّصه من آلام الدنيا ووصوله إلى نعيم الأبد، وإمّا بالنسبة إلى اللئيم

ص: 261


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 347 (شري)
2- . الصحاح ، ج 1 ، ص 300 (بلج) مع التلخيص واختلاف يسير
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 339 (لهج)
4- .الصحاح ، ج 1 ، ص 340 (لهج)
5- الوافي ، ج 26 ، ص 30 (مع اختلاف يسير)

الحريص في الدنيا، فلتخلّصه منها وممّا يوجب زيادة العقوبة في الآخرة، وحمل الاشتراء على معنى البيع باعتبار أنّ الكريم يحبّ البقاء للطاعات، واللئيم يحبّ الدنيا بعيدا جدّاً؛ لأنّ المقام يقتضي حبّ الموت والترغيب فيه (1).

وقال بعض الأعلام : يمكن أن يوجّه هذا الكلام بوجوه:الأوّل : أن يكون المراد أنّه لو كان الموت ممّا يمكن أن يشترى ، لاشتراه الكريم لشدّة حرصه في الكرم وقلّة بضاعته ، كما هو الغالب في أصحاب الكرم، فلا يجد ما يجود به، وهو محزون دائماً لذلك، ويتمنّى الموت ويشتريه إن وجده.

واللئيم يشتريه؛ لأنّه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه، ويرى الناس في نعمة، فيحسدهم عليها، فهو في شدّة لازمة لا ينفكّ عنها بدون الموت، فيتمنّاه.

الثاني : أن يكون المراد أنّه يشتريه الكريم لنفسه ؛ ليتخلّص منه البائع واللئيم؛ لأنّه حريص على جمع جميع الأشياء حتّى الموت.

الثالث : أن يقال: إنّه يشتري الكريم لرفع الموت من بين الخلق، واللئيم ليميت جميعهم ويستبدّ بأموالهم (2).

(أيّها الناس، إنّ للقلوب شواهدَ تُجري الأنفس عن مَدرجَة أهل التفريط) .

لعلّ المراد بالشواهد الأعلام والأدلّة الدالّة على طريق الوسط والعدل من النقل والعقل.

وقوله: «تجري» إمّا على صيغة المعلوم من باب الإفعال، والمستتر فيه راجع إلى الشواهد، والأنفس مفعوله ؛ أو على صيغة المجرّد المعلوم، والأنفس فاعله بتقدير العائد الموصوف، أي تجري الأنفس بها ، و«عن» للبعد والمجاوزة .

قال الجوهري : «المَدرجة: المسلك» (3). ؛ يعني أنّ للقلوب شواهد ممّا يفيض عليها من أنوار حكمته تعالى، أو ممّا جُبلت عليه من معرفة الحقّ وسائر البديهيّات من الوجدانيّات والمشاهدات التي هي اُصول اكتساب النظريّات وموادّها ، تُجري تلك الشواهد الأنفس وتسوقها مجاوزة بها ومبعدة إيّاها عن مسلك أهل التفريط والتقصير في اتّباع الحقّ وأهله

ص: 262


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 225
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 48 و49
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 314 (درج)

إلى مسالك المحقّين ومذاهب المقرّبين التي يُعبّر عنها بالصراط المستقيم.

(وفطنة الفهم للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر) (1) .

الظاهر أنّ «فطنة الفهم» مبتدأ، و«ما يدعو» خبره، وكلمة «ما» موصولة .

أو الجملة معطوفة على معمولي «إنّ» ، أي إنّ فطنة الفهم للمواعظ التي تدعو النفس إلى الحذر عن مخاطرات الآخرة ، لا مجرّد الفهم الخالي عن العمل.

ويحتمل أن تكون «فطنة الفهم» معطوفاً على «شواهد»، وكلمة «ما» مصدريّة ظرفيّة، أي ما دام يدعو النفس إلى الحذر.

والفِطنة بالكسر: الحذق .

والفهم: العلم ومعرفة الشيء بالقلب .

هذا بحسب اللغة، وأمّا في العرف فيطلقان على جودة تهيّؤ الذهن لقبول ما يرد عليه من العلوم والمعارف، فالاضافة على الأوّل لاميّة، وعلى الثاني بيانيّة .

ولو اُريد بالفطنة المعنى العرفي، وبالفهم المعنى اللغوي، أو بالعكس، أو قرئ الفَهِم _ بكسر الهاء _ كانت الاضافة لاميّة أيضاً، واللام في قوله : «للمواعظ» للفهم.

والموعظة: تذكير ما يليّن القلب من النوائب والعقاب.

وقيل: كلّ كلام مشتمل على الأمر بالخيرات والزجر عن المنهيّات(2).

والخطر بتقديم المعجمة والتحريك: الإشراف على الهلاك، وبالتسكين وتقديم المهملة: الحَجر والتحريم.

وفي القاموس: «الحذر بالكسر وتحرّك: الاحتراز»(3).

(وللقلوب خواطر (4). للهوى) .

قال الفيروزآبادي: «الخاطر: الهاجس ، الجمع: خواطر» (5) . وقال: «هجس الشيء في صدره يَهجس: خطر بباله» (6).

ص: 263


1- .في الحاشية: «أي فطنة الذهن وفهمه للمواعظ القرآنيّة والنبويّة ما يدعو النفس إلى الاحتراز عن المخاطرات الداعية إلى الخروج عن منهج السداد والنفور عن سبيل الرشاد . وفيه توبيخ لمن ترك مقتضى فهمه ، وسلك سبيل البغي والفساد. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 226
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 225
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 6 (حذر)
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «خاطر»
5- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خطر) مع اختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 258 (هجس)

وقال: «الهوى بالقصر: العشق ، يكون في الخير والشرّ، وإرادة النفس» (1). انتهى.

ويطلق الهوى في العرف على ميل النفس الأمّارة بالسوء التابعة للقوى الشهويّة والغضبيّة إلى مقتضى طباعها من اللذّات الدنيويّة إلى حدّ الخروج عن الحدود الشرعيّة، وهو أشدّ جاذب للإنسان عن قصد الحقّ، وأقوى ساد له عن سلوك سبيله.

(والعقول تزجر وتَنهى) أي عن خواطر الهوى، أو مطلقاً . والواو للحال، أو للاستئناف.

والزجر: المنع والنهي .

(وفي التجارب علم مُستأنف) أي جديد؛ لأنّ العلوم أكثرها يتجدّد بالتجارب وتكرّر المشاهدة.

يقال: جرّبه تجربة، أي اختبره، ورجل مجرّب: عارف بالاُمور.

وبعض المحقّقين عرّف التجربة بأنّها عبارة عن حكم العقل بأمر على أمر بواسطة مشاهدات متكرّرة معدّة لليقين بسبب انضمام قياس خفيّ إليها، وهو أنّه لو كان هذا اتّفاقيّاً لما كان دائماً ولا أكثريّاً، وهي مركّبة من مقتضى الحسّ والعقل واجتماعهما، وبهما يكمل العقل، ولذلك ورد في الخبر : «إنّ التجارب لقاح العقول» (2) .

وممّا علم به عدم اعتبار الدنيا وزهراتها وعدم وفائها لأهلها (3).

(والاعتبار يَقود إلى الرَّشاد) .

في القاموس: «رشد _ كنصر وفرح _ رُشداً ورَشَداً ورشاداً: اهتدى» (4).

أي إبصار أوضاع الدنيا، والاعتبار بأحوالها الحاضرة والماضية، وبما ورد على الناس بسبب مخالفة الدين وأهله، وجعلها مادّة للتفكّر يقود إلى الاهتداء ورفض الدنيا ولزوم الأعمال الصالحة للآخرة.

(وكفاك أدباً لنفسك ما تَكرهه لغيرك) (5). .في نهج البلاغة: «اجتناب ما تكرهه» (6). ولعلّه هو المراد هنا، أو المعنى : كفاك مؤدّباً

ص: 264


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 404 (هوي)
2- .لم على الخبر في موضع
3- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 226
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (رشد)
5- .في الحاشية: «روي أنّ من حقوق المؤمن أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، وهذا من أعظم الآداب الشرعيّة، بل لا يتمّ إلّا به . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 227 . وانظر : الكافي ، ج 2 ، ص 169 ، باب حقّ المؤمن على أخيه و .. ، ح 2 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 625 ، باب الحقوق ، ح 3214 ؛ تحف العقول ، ص 73
6- .نهج البلاغة ، ص 548 ، الحكمة 412

لنفسك ملاحظة ما تكرهه لغيرك، والتأمّل فيه.

(وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه) أي تفعل به ويتأمّل معه مثل ما تتوقّع منه لنفسك، أو المراد أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

وحقوق المؤمن كثيرة منها إشباع جوعته ، ومواراة عورته ، وتفريج كربته ، وقضاء حاجته ، والسؤال عن حاله عند رؤيته ، والزيارة والدعاء له في غيبته ، والاجتهاد والرغبة في خدمته ، والخلافة في أهله وولده بعد موته ، والإتيان بمرضاته في جميع الأحوال ، والإعانة له بالنفس واللسان والمال ، وغير ذلك .

(لقد خاطر من استغنى برأيه) .

قال الجوهري: «الخطر: الإشراف على الهلاك، [يقال :] خاطر بنفسه» (1).

وفي القاموس: «خاطر بنفسه: أشفاها على خطر هُلك، أو نيل ملك» (2).

وقال في النهاية: «المحدّثون يسمّون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعني أنّهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث، أو ما لم يأت فيه حديث والأثر» (3). انتهى.

وفي الأخبار الآخر: «خاطر بنفسه»، وهو المراد هنا .

أي من استبدّ برأيه في اُمور الدين والدنيا ، ألقى نفسه في الهلكة.

قال بعض الأفاضل:

فيه ردّ على من جوّز استعمال الرأي في باب المعارف والأسرار والأحكام ونصب الإمام، فما ذهب إليه بعض الصوفيّة ومنهم الغزالي في كتاب الكيمياء من أنّه يجوز انكشاف العلوم والبلوغ إلى مرتبة النبوّة بالرياضة والمجاهدة بلا توسّط نبيّ، وأنّ الفرق بينه وبين النبيّ أنّ النبيّ مأمور بالتبليغ دونه؛ لأنّ النبيّ مثلنا في الإنسانيّة ، كما قال: «أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» (4). ، وأنّ العلم بالمحسوسات حجاب بين العبد والربّ باطل؛ لدلالة الروايات الصحيحة على بطلانه، ولأنّ هذا الرجل ينبغي أن يكون نبيّاً صاحب الوحي أمر بالتبليغ أوّلاً، والعلم بالمحسوسات والانتقال منها إلى الصانع وما له من الحكمة والقدرة _ على ما قرّره الشرع _ ليس بحجاب، كيف وقد حثّ عليه _ جلّ شأنه _ في

ص: 265


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 648 (خطر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خطر)
3- .النهاية ، ج 2 ، ص 179 (رأى)
4- .الكهف (18) : 110 ؛ فصّلت (41) : 6

آيات كثيرة منها قوله: «الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» (1). الآية.

ثمّ إنّهم قالوا: وجب الرجوع إلى المرشد، وقد صرّح به الغزاالي في الكتاب المذكور، فإن أرادوا بالمرشد النبيّ ، أو من أخذ الإرشاد منه، فنعم الوفاق ، مع أنّه لا حاجة إلى توسّط النبيّ ، وإن أرادوا غيره فقد ضلّوا وأضلّوا (2).

(والتدبّر قبل العمل؛ فإنّه يُؤمنك من الندم) أي يجب أن يكون التدبّر قبل الشروع في العمل، ليؤمن من الندم بعده.

وهذه كلمة جامعة للنصائح كلّها ؛ إذ العمل شامل للأقوال والأفعال والعقائد مطلقاً، والندامة أعمّ من أسف الدنيا والآخرة.

ونعم ما قيل: المدبّر قبل العمل بسبب ملاحظة ما يترتّب عليه لا يأتي بما يضرّه وما يورث الندامة في الدارين، ويحبس كلّ عضو على ما هو المطلوب منه، ولا يتحقّق ذلك إلّا برعاية قانون الشرع وآدابه(3).

(ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواضع الخطأ) .

في بعض النسخ: «مواقع الخطأ» . قال الجوهري : «الخطأ : نقيض الصواب، وقد يمدّ» (4).

ولعلّ المراد بالآراء الظنون الحاصلة من الاجتهاد والقياس والأحكام العقليّة والشرعيّة، وبوجوهها جهات الاختلاف فيها وتضادّها وتناقضها بالنظر إلى الأشخاص، بل بالنظر إلى شخص واحد؛ فإنّ من استقبل وتصفّح أحوال الناس في الظنون الاجتهاديّة والقياسيّة، قلّ ما يجد اثنين منهم متّفقين على رأي واحد، بل يجد واحداً منهم كثيراً ما يناقض نفسه.

فعلم من هذا الاختلاف والتناقض أنّ ابتناء أحكام الدين على الرأي والقياس من غير رجوع إلى القوانين المستنبطة من أصحاب الوحي ومن يحذو حذوهم باطل، بل ارتكابه كفر وضلال.

والحاصل أنّ نفس اختلاف آراء العقلاء في أمر واحد وعدم اتّفاقهم عليه دليل واضح

ص: 266


1- .آل عمران(3) : 191
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 227 و228
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 228
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 47 (خطأ)

على عدم استقلال العقول في شيء من أحكام الدين إذا لم يكن بديهيّاً أو في حكمه، وأنّ الأخذ والاستبداد بها خطأ محض.

وقيل: معنى قوله عليه السلام : «استقبل وجوه الآراء» أنّه استشار الناس، وأقبل نحو آرائهم وتفكّر فيها، ولا يبادر بالردّ، أو تفكّر في كلّ أمر ليقبل إليه الآراء والأفكار (1).

وقيل: لعلّ المراد : مَن استقبل بالقلب الخالص عن الشبهات وجوه الآراء المختلفة المتفرّقة ومقدّماتها الوهميّة والخياليّة، وعرفها حقّ المعرفة، عرف مواضع الخطأ فيها، كما بيّن في موضعه، مع أنّ مناط الرأي والقياس جمع المتشابهات في الحكم، وتفريق المختلفات فيه، والأمر بالعكس في كثير من المواضع (2).

قال: ويحتمل أن يراد بالوجوه الأدلّة الشرعيّة المنصوبة على موارد الرأي والقياس الدالّة على حكم مخالف لها؛ فإنّ من استقبل إليها وعرفها ، عرف مواقع خطاء تلك الآراء .

وفيه على هذا التقدير زجر عن استعمال الرأي ، وحثّ على الرجوع إليه عليه السلام (3).

(ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول) .

في القاموس: «عدل الحكم تعديلاً: أقامه ، وفلاناً: زكّاه، والميزان: سوّاه» (4) .

والفضل : ضدّ النقص، والجمع: فضول.

والرأي في اللغة: الاعتقاد مطلقاً، سواء كان له مستند شرعي أم لا، وشاع عند المحدّثين إطلاقه على الثاني .

ولعلّ حاصل المعنى: من أمسك عن الفضول من الأقوال والأفعال، وهي ما لا ينفع _ سواء يضرّ، أم لا _ عدّلت عقول أهل العرفان رأيه واعتقاده، وحكمت بعدالته وصوابه واستقامته؛ لأنّ استقامة الظاهر بسبب استقامة الباطن، ووجود المسبّب دليل على وجود السبب.

وقيل: يحتمل أن يكون «عدلت» بالتخفيف بمعنى المعادلة، أي بانفراده يعدل سائر العقول (5).

ص: 267


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 50
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 228
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 228
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 13 (عدل)
5- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30

(ومن حصر (1). شَهوته) .

في بعض النسخ: «حصن شهوته».

(فقد صان قدرَه) .

قال في القاموس: «الحَصر ، كالضرب والنصر : التضييق، والحبس عن السفر وغيره كالإحصار، وللبعير: شدّه بالحصار»(2).

وقال: «حصُن ككرم: منع، فهو حَصين وأحصنه وحصّنه»(3).

(ومن أمسك لسانه أمنه قومُه، ونال حاجته) .

قال في القاموس: الأمن والآمن _ كصاحب _ ضدّ الخوف .

أمن _ كفرح _ أمناً وأماناً والأمانة والأمنة: ضدّ الخيانة، وقد أمنه _ كسمع _ وأمّنه تأميناً وائتمنه واستأمنه (4).

وفيه: «القوم: الجماعة من الرجال والنساء معاً، أو الرجال خاصّة، وتدخل النساء على التبعيّة» (5). انتهى .

ولعلّ المراد أنّ إمساك اللسان عن الشتم والسبّ ونحوهما يقتضي بالخاصّيّة نيل الحاجة من العشيرة وغيرهم، أو من اللّه أيضاً، وأن يكون قومه منه في أمن، أو جعله قومه آمناً من سرّهم، أو أميناً موثوقاً به، وهاتان من فوائد الدنيا، وأمّا فوائد الآخرة فكثيرة .

(وفي تقلّب الأحوال علمُ جواهر الرجال) .

قال في القاموس: «الجَوهر: كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به، ومن الشيء: ما وُضعت عليه جبلّته» (6).

أقول : المراد هنا المعنى الثاني، أي يعلم جواهر الرجال وطبائعهم وجبلّتهم، وكونها محمودة أو مذمومة، كريمة أو لئيمة، بتقلّب أحوالهم الذاتيّة والفقر والغنى مثلاً، أو الإضافيّة

ص: 268


1- .في الحاشية: «الحصار، ككتاب وسحاب: وساد يُرفع مؤخّرها، ويُحشى مقدّمها، كالرحل يلقى على البعير ، ويركب كالمحصرة ، أو هي قتب صغير ، وبعير محصور : عليه ذلك. القاموس». القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حصر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 9 (حصر)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 214 (حصن)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 197 (أمن) مع التلخيص
5- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 168 (قوم) مع التلخيص واختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 395 (جهر)

كالمعاملات والمشاركات ونحوها ؛ فإنّ الجوهر الشريف والطبع اللطيف لا يختلف أعماله، ولا يتبدّل أحواله بتبدّل الأوضاع، بل يكون ثابتاً على ما كان عليه من الطريقة المحمودة ، وإن اشتدّ عليه الدهر وغلبه وأخذ ماله وانعكس حاله (1).

(والأيّام توضح لك السرائر الكامنة) .

قال في القاموس: «كمن له _ كنصر وسمع _ كموناً: استخفى» (2).

وقال بعض الفضلاء: قد شاع عند الفصحاء والبلغاء نسبة ذلك إلى الزمان تجوّزا باعتبار أنّ الزمان من الأسباب المعدّة لظهور الأسرار المستورة التي في علم اللّه تعالى من خير وشرّ، ولذلك قيل: الاُمور مرهونة بأوقاتها .

وقد يتفاوت الأزمنة في الأعداد لقبولها ، ففي بعضها يكون الشرّ أكثر سيّما زمان ضعف الشريعة التي هي سبب نظام العالم والحياة الأبديّة.

وفي بعضها يكون الخير أكثر، وهو الزمان الذي تكون أحوال الخلق منتظمة فيه خصوصاً زمان قوّة الشريعة.

ولعلّ فيه إيماء إلى ما وقع من أمر الخلافة ، وانقلاب أحوال الصحابة ، وسلطنة بني اُميّة وبني عبّاس ، وتغيير قوانين الشرع ، وشيوع الجور والظلم على أهله ، وترجيح المسي?على المحسن ، والدنيّ على الشريف ، والجائر على العادل، أو الأعمّ منها ومن نوائب الدهر .

وفيه ترغيب للمؤمنين في الصبر عليها والرضا بالقضاء (3).

(وليس في البرق الخاطف مُستمتَع لمن يخوض في الظلمة) .

قال الجوهري: «الخَطْف: الاستلاب ، وبرق خاطف لنور الأبصار»(4).

وقال الفيروزآبادي: «أمتع عنه: استغنى، وبماله: تمتّع ، كاستمتع»(5).

وقال: «خاض الماء يخوضه خوضاً: دخله»(6).

أقول : الظاهر أنّ «مستمتع» هنا على صيغة اسم المفعول بمعنى المكان والمصدر،وأن يكون هذا الكلام كالاقتباس من قوله تعالى في بيان حال المنافقين بضرب المثل:

ص: 269


1- وقال المحقّق المازندراني رحمه الله : «فيه ترغيب في البقاء على الطاعات ، والصبر على المصيبات»
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 263 (كمن)
3- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 229
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1352 (خطف) مع التلخيص
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 83 (متع)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 330 (خوض)

«أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ» إلى قوله: «إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (1).

ففيه تعريض على أهل النفاق والشقاق ، وتنفير عن الشكّ والارتياب، وترغيب على لزوم الإخلاص وتطهير القلب عن التردّد والاضطراب.

وقيل: هذا الكلام بيان لما قبله، وما قبله لما قبله، يعني لابدّ من مضيّ أيّام ومهلة حتّى توضح السرائر وتعلم الجواهر(2).

وقيل: هذا تمثيل متضمّن لتشبيه زهرات الدنيا وزينتها وأسبابها الطالعة من مطالعها في سرعة زوالها، وعدم الانتفاع بها، واستعقابها ظلمة شديدة بالبرق الخاطف بالنسبة إلى من يخوض في الليل المظلم، والغرض منه التنفير عنها وعن الركون إليها، وصرف الفكر في تحصيلها ، والحثّ على الآخرة والأعمال الصالحة(3).

وقال بعض الأعلام: لعلّ المراد أنّه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف، بل ينبغيأن تواظب على سماع المواعظ، وتستضي?دائماً بأنوار الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات.

قال: ويحتمل أن يكون المراد: لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمة المعاصي والذنوب (4).

(ومن عُرف بالحكمة لحظته العيونُ بالوقار والهَيبة) (5) .

قال في القاموس: «لحظه _ كمنعه _ وإليه لَحظاً: نظر بمؤخّر عينيه، وهو أشدّ التفاتاً من الشزر» (6).

وفيه: «الوقار كسحاب: الرزانة»(7).

ص: 270


1- البقرة(2) : 19 و20
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 30 و31
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 229
4- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 50
5- .في الحاشية : «يعني المعروف بالحكمة النظريّة والعمليّة، وهي العلم بالقوانين الشرعيّة والعمل بها ، نظرت إليه العيون بالوقار والهيبة منه ؛ لعظمته وهيبته. وفيه ترغيب في تحصيل الحكمة لما فيها من المنافع الدنيويّة ، وأمّا المنافع الاُخرويّة فظاهرة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 230
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 398 (لحظ)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 156 (وقر)

وقال الجوهري: «الهيبة: المهابة، وهي الإجلال والمخافة، وقد هابه يهابه» (1).

والمراد بالحكمة ما يعمّ النظريّة والعمليّة على نهج القوانين الشرعيّة، وبعبارة اُخرى هي خروج النفس إلى كمالها الممكن لها في جانبي العلم والعمل.

(وأشرف الغنى ترك المُنى) (2) .

قال في القاموس: «الغنى _ كإلى _ ضدّ الفقر، وإذا فتح مُدّ» (3).

وقال في المصباح: «مَنَى اللّه الشيء من باب رمى: قدّره، والاسم: المَنى _ كعصى _ تمنّيت كذا»(4).

قيل: مأخوذ من المَنْي، وهو القدر؛ لأنّ صاحبه يقدّر حصوله، والاسم: المُنية والاُمنيّة، وجمع الاُولى: مُنى، مثل غُرفة وغُرَف، وجمع الثانية: الأمانيّ (5).

وفي بعض النسخ المصحّحة: «أترف» بدل «أشرف»، وهو اسم التفضيل من التُرفَة، وهي بالضمّ: النعمة ، والطعام الطيّب ، والشيء الظريف، تخصّ به صاحبك .

وتَرِف ، كفرح: تنعّم.

(والصبر جُنّة من الفاقة) .

قال الجوهري: «الجُنّة بالضمّ: ما استترت به من سلاح، والجنّة: السُترة»(6).

والمراد بالصبر الصبر على الفاقة والحاجة، أو مطلقاً.

وقيل: فيه استعارة حسّيّة كالفقرة الاُولى مرغّبة في ترك المنى والصبر ، حيث شبّه الصبر بالجنّة، ووجه التشبيه أنّ بالصبر يأمن من أصابه سهام الفاقة وثوران الاحتياج إلى ارتكاب المحرّمات المورثة للهلاك والدخول في النار، كما يأمن لابس الجنّة من أذى الضرب والجرح الموجب للهلاك (7).

(والحرص علامة الفقر) يعني فقر القلب.

وقيل: إنّه علامة الفقر في الآخرة ؛ لشغله عنها بالدنيا، أو في الدنيا أيضاً؛ لأنّ الحريص

ص: 271


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 239 (هيب)
2- .في الحاشية: «فيه استعارة حسّيّة مرغبة في ترك المنى حيث شبّهه بالغنى ، وجعله أشرف أفراده باعتبار أنّه يوجب النفع والراحة والنجاة من التعب والهلاك في الدنيا والآخرة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 230
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 371 (غنو)
4- المصباح المنير ، ص 582 (منا) مع اختلاف يسير
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230
6- الصحاح ، ج 5 ، ص 2094 (جنن)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230

والفقير متشاركان في التعب والحزن والهمّ والاضطراب (1).

(والبخل جِلباب المسكنة) .

قال في القاموس: «البخل والبُخول _ بضمّهما ، وكجبل ونجم وعنق _ ضدّ الكرم»(2) .

وقال: «الجلباب كسرداب وسنمّار : القميص ، وثوب واسع للمرأة دون الملحفة، أو ما تغطّى به ثيابها من فوق كالمِلحَفة، أو هو الخِمار»(3).

والمسكنة مَفعلة من الاستكانة، وهي الخضوع والمذلّة.

والمراد أنّ البُخل يلبس البخيل الفقرَ والمذلّة .

وقيل: لعلّ الإضافة من قبيل لجين الماء ، والوجه هو الإحاطة والشمول، والمراد أنّ البخل الحاجز للبخيل عن الإنفاق على نفسه وعياله وعلى أهل الحاجة مسكنة محيطة به في الدنيا والآخرة، كما روي عنه عليه السلام : «عجب للبخيل استعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إيّاه طلب، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء»(4).

(والمودّة قرابة مُستفادة) (5) .

القرابة بالفتح: قرب النسب، وقد يطلق على القريب كالقُرابة _ بالضمّ _ يعني مودّة الناس والتقرّب إليهم (6). قرابة مكتسبة بهذه المودّة، وتصير منشأ لصيرورتهم كالأقارب يُعينونه وينصرونه ويدفعون عنه ويؤنسونه .

(ووَصول مُعدم خير من جاف مُكثر) .

في بعض النسخ: «مقلّ» بدل «معدم» .

ص: 272


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بخل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 47 (جلب)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 230 . وانظر الخبر في: نهج البلاغة ، ص 491 ، الحكمة 126 مع اختلاف يسير
5- .في الحاشية: «ومن ثمّ قال عليه السلام : التودّد نصف العقل؛ لأنّ العقل نصفان: نصف عقل المعاد، ونصف عقل المعاش، والتودّد منه. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 230 . وانظر : الفقيه ، ج 4 ، ص 416 ، ح 5904 ؛ تحف العقول ، ص 221 ؛ كشف الغمّة ، ج 2 ، ص 207
6- كذا قرأناه

الوَصْل : وَصل الشيء بالشيء ، وضدّ الهجران، والوَصل والصلة ، وضدّها الجفاء (1).

والعَدَم ، بالتحريك : الفقر، وأعدم الرجل: افتقر.

والجفاء نقيض الصلة، ويقصّر.

ورجل مُكثر: ذو مال، وأكثر: أتى بكثير . والإقلال: قلّة الجدة. ورجل مُقلّ : فقير .

يعني أنّ الفقير الوَصول إلى الناس بحسن الخلق والمودّة والجود والإحسان _ وإن قلّ _ وإلى الأرحام بصلتها خير من الجافي القاطع الكثير الإعطاء؛ لأنّ الجفاء مُذهب للعطاء .

(والموعظة كَهف لمن وَعاها) (2) .

في القاموس: «الكهف ، كالبيت: المنقور في الجبل ، والملجأ»(3).

وفيه: «وَعاه يعيه : حفظه وجمعه» (4).

(ومن أطلق طرفه كثر أسفه) .

يقال: أطلقت الأسير ، إذا خلّيته.

وفي القاموس:الطَرف: العين، لا يجمع؛ لأنّه في الأصل مصدر، أو اسم جامع للصبر، لا يثنّى ولا يجمع، والطَّرَف محرّكة: الناحية ، والطائفة من الشيء، ومن البدن: اليدان والرجلان والرأس .

ولا يدري أيّ طرفيه أَطول ، أي ذكره ولسانه .

ولا يملك طرفيه ، أي أسته وفمه إذا شرب الدواء أو سكر (5).

وأقول: يمكن هنا إرادة كلّ من تلك المعاني .

(وقد أوجب الدهر شكره على من نال سُؤله) .

قال الفيروزآبادي في الأجوف الواوي: «النَّوال: العطاء، ونلته ونلت له وبه أنوله وبه: أعطيته»(6).

ص: 273


1- كذا قرأناه
2- .في الحاشية : «أي الموعظة _ وهي ما اشتمل عليه الآيات العظيمة والسنّة الكريمة من الوعد والوعيد وضرب الأمثال والتذكير بالقرون الماضية _ كهف منيع وملجأ رفيع لمن وعاها وحفظها وتأثّر قلبه اللطيف وذهنه الشريف بها ؛ فإنّها تدفع عن شهوات النفس. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 231
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 193 (كهف)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وعي)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 167 و168 (طرف) مع التخليص
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 61 (نول)

وقال في اليائي: «نلته أنيله وأناله نَيلاً: أصبته، وأنلته إيّاه وأنلت له»(1).

أقول: إن اُريد هنا المعنى الأوّل ، فالمستتر في «نال» للدهر، وإن اُريد المعنى الثاني فالمستتر فيه للموصول.

وقال الجوهري: «السؤل: ما يسأله الإنسان، وقرئ : «أُوتِيتَ سُؤْلَكَ» (2). بالهمز وبغير الهمز» (3).

قيل: المراد أنّه يجب شكر المنعم سواء كان هو اللّه سبحانه أو غيره (4). وهو كما ترى.

وقيل: هو كناية عن قلّة نيل السؤل في الدهر وندرته ؛ لأنّه غير مترقّبة باعتبار تضييقه على المؤمن، لا لتحقيره وإذلاله، بل لتعظيمه وإجلاله؛ كيلا يشغل بالدنيا عن الآخرة (5).

وقيل: يمكن أن يراد به دهره عليه السلام وما يشابهه في الشدّة والصعوبة، ونسبة الإيجاب وأمثاله إلى الدهر مجاز شايع عند العرب، وإلّا فالفاعل هو اللّه تعالى(6).

(وقلّ ما يُنصفك اللسان من (7) نشر قبيح أو إحسان) .

النَّصَفَة: الاسم من الإنصاف ، أو أنصف، أي عدل، يقال: أنصفه من نفسه.

ولعلّ المراد أنّك إذا مدحت أمراً لا ينصفك اللسان ولا يعدل بك، بل يطري ويتجاوز عن حدّه، وإذا سخطت على أحد تذمّه أكثر ممّا هو فيه ، وأزيد ممّا يستحقّه، أو أنّه في مدح الناس وشكرهم يقصّر ويفرّط، وفي ذمّهم يتجاوز عن الحدّ ويُفرط.

والحاصل أنّ قلّ ما يعدل بك اللسان، ويتّصف بالنصفة عند البيان في نشر القبيح والإحسان والمدح والذمّ، بل هو في الأكثر في حدّ التفريط والإفراط.

وقيل : هذا في المعنى أمر بحفظه (8).

(ومن ضاق خُلُقُه مَلّه أهله) .

المَلالة: الضجر والسآمة ، وفعله من باب علم. يقال: ملّه وملّ منه .

ص: 274


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 62 (نيل)
2- .طه(20) : 36
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1723 (سأل)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 51
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 231
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «في»
7- في الحاشیة عن بعض النسخ: «في»
8- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 231

وفي القاموس: «الخُلق ، بالضمّ وضمّتين : الطبع ، والمروّة ، والدين»(1).

وفيه تنفير عن سوء الخلق، وترغيب في تصفية النفس منه ومن الاُمور المؤدّية إليه بذكر بعض مفاسده الدنيويّة من ملالة أهله منه ونفرتهم عنه ، فكيف غيرهم.

(ومن نال استطال) .

لعلّ المراد: من نال متمنّاه ، وأصاب ملكاً أو مالاً أو علماً أو غيرها من أسباب الشرف يلزمه غالباً الفخر والاستطالة، فحذف المفعول للتعميم .

أو المراد أنّ الجود والكرم يوجبان الفخر والمنّ والاستطالة.

وبعض الشارحين خصّصه بنيل الدنيا، وقال: «أي نال الدنيا، وكثر حطامها لديه ، استطال على الغير ، وطلب العلوّ والترفّع عليه» (2).

وأنت خبير بأنّه لا وجه للتخصيص.

(وقلّ ما تصدقك الاُمنيّة) .

الظاهر أن يكون تصدق من المجرّد.

يقال: صدقني فلان _ كنصر _ إذا قال: لك الصدق، وكان صادقاً في خبره أو في وعده؛ قال اللّه تعالى: «لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا» (3) ، أي أكثر ما تكون اُمنيّتك كاذبة فيما تعدك ، فكأنّها تخبرك أو تعدك بحصولها وهي كاذبة غالباً، ففيه حثّ بتكذيبها وعدم الالتفات إليها.

وقيل: يحتمل أن يكون من التصديق بناء على أنّ في نفسك حصولها، وهي لا تحصل غالباً فلا تصدقك (4).

(والتواضع يَكسوك المَهابة) .

قيل: أي خوفك من اللّه لعظمته، أو خوف الناس منك لشرفك وعظمتك، ولأنّك بالتواضع للّه ولأهله خائف من اللّه، ومن خاف اللّه خاف منه كلّ شيء(5).

(وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق) .

قيل: أي الأرزاق الظاهرة للبدن والباطنة للنفس كالعلوم والمعارف.

والمراد بسعة الأخلاق إظهارها لكلّ أحد، ووجودها في كلّ شخص، وهي سبب لزيادة

ص: 275


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 229 (خلق)
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
3- .الفتح (48) : 27
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232

الرزق إمّا بالخاصّيّة ، أو باعتبار أنّها جاذبة للقلوب إلى التعاون والتناصر(1).

(كم من عاكف على ذنبه في آخر أيّام عمره) .

فيه تحذير عن الإقامة على الذنوب في جميع أوقات العمر، أي ينبغي لكلّ أحد أن يكون محترزاً عن الذنوب في كلّ وقت ؛ لاحتمال أن يكون زمان ارتكاب الذنب آخر عمره .

و«كم» خبريّة اُريد منها الكثرة للإشعار بفساد أكثر الناس وغفلتهم.

(ومن كساه الحياء ثوبه، خفي على الناس عيبه) ؛ لأنّ الحياء يمنع من صدور ما يعاب به، فخفاؤه باعتبار عدمه.

أو المراد خفاء العيوب السابقة على الحياء.

وقيل: الظاهر أنّ نسبة الثوب إلى الحياء مجاز عقلي (2).

(وانحُ القصد من القول؛ فإنّ من تحرّى القصد خفّت عليه المُؤَن) .

قال الجوهري: «النحو: القصد.

يقال: نحوت نحوك، أي قصدت قصدك» .

وقال الفيروزآبادي: «القصد: استعانة الطريق ، والاعتماد ، وضدّ الإفراط كالاقتصاد ، والعدل» (3).

وقال: «تحرّاه: تعمّده، وطلب ما هو أحرى بالاستعمال» (4).

وقال: «المؤونة: القوت»(5).

وقال الجوهري: المؤونة تُهمَز ولا تُهمَز، وهي فَعولة، قال الفرّاء: هي مَفعلة من الأون، وهي الخرج والعدل؛ لأنّه ثقل على الإنسان .

وقال الخليل: لو كان مفعلة، لكان مَئينة مثل مَعيشة، وعند الأخفش يجوز أن تكون مَفعلة (6) انتهى.

يعني: اقصد الوسط العدل من القول ، وجانب التعدّي والإفراط والتفريط ؛ ليخفّ عليك المُؤن؛ فإنّ من قال جوراً أو ادّعى أمراً باطلاً اشتدّ عليه الأمر لعدم إمكان إجرائه أو إثباته.

ص: 276


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 232
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2503 (نحو)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 316 (حري)
5- القاموس المحيط ، ج 3، ص216 (مأن)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2198 (مأن) مع اختلاف يسير

(وفي خلاف النفس رشدُك) .

في القاموس: «رشد _ كنصر وفرح _ رُشداً ورَشَداً ورشاداً: اهتدى»(1).

(من عرف الأيّام لم يغفل عن الاستعداد) .

قيل: أي من عرف صنعها بأهلها من قلب أحوالهم ، وخيبة آمالهم ، وابتلائهم بالموت والآلام ، وتأديبهم بالأمراض والأسقام ، وأخذهم بالعقوبة والانتقام ، مع مشاهدة سرعة فنائها وعدم بقائها، يردّ قلبه من حبّ الدنيا والميل إليها، ولم يغفل عن الاستعداد لأمر الآخرة وما يوجب المقام الرفيع فيها (2).

(ألا وإنّ مع كلّ جُرعة شَرَقاً ، وإنّ في كلّ اُكلة غُصَصاً) .

قال الفيروزآبادي: «الجرعة _ مثلّثة _ من الماء: حسوة منه، أو بالضمّ والفتح: الاسم من جرع الماء ، كسمع ومنع: بلعه، وبالضمّ : ما اجترعت»(3).

وقال: «الأكلة بالفتح: المرّة والواحدة من الأكل، وبالضمّ: اللقمة والقُرصة والطعمة، [الجمع :] كصرد»(4).

وقال الجوهري: «الشَرَق أيضاً : الشجا والغصّة .

وقد شرق بريقه، أي غصّ به»(5).

وفي القاموس: «الغصّة بالضمّ: الشجا ، والجمع: غُصص ، وما اعترض في الحلق فأشرق» (6).

وفيه : «الشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه» (7).

ولعلّ المراد هنا بالجرعة والأكلة أمتعة الدنيا وتمتّعاتها، وبالشرق والغُصص كدر عيشها وكونها مشوباً بالبلاء.

وقيل: شبّه متاع الدنيا بالماء واللقمة؛ إذ عليهما مدار الحياة ، فتشابها ، وأثبت لهم الشرق والغصّة اللذين لا يساغ بهما الشارب والآكل، بل يفضيان إلى هلاكهما ، وأومأ إلى تحقّقهما في المشيّة أيضاً ؛ لتنفير النفس عن قبوله وطلبه وتسكين قلب من تركه.

ص: 277


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (رشد)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 233
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 12 (جرع)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 329 (أكل)
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1501 (شرق)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 310 (غصص)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 347 (شجو)

(لا تُنال نعمة إلّا بزوال اُخرى) .

قال ابن ميثم: «فإنّ نعمها لا تجتمع أشخاصها كلقمة ولقمة ، بل وأنواعها كالأكل والشرب والجماع» (1).

وقال بعض الأفاضل: ظاهر أنّ عادة الدنيا أنّ نعمها متناوبة؛ فإنّ من ليس له مال يكون آمناً صحيحاً غالباً، وإذا حصل له الغنى يكون خائفاً أو مريضاً لا ينتفع بماله، بل كلّ حالة من جهة نعمة ومن جهة بلاء كالمرض، فإنّه نعمة لتكفيره السيّئات، فإذا ورد عليه نعمة الصحّة زالت تلك النعمة الحاصلة بالبلاء (2).

والحاصل أنّه عليه السلام نفّر عن الدنيا بزوال نعمها ولذّاتها ، وعدم بقائها وثباتها ، وتوقّف لاحقها على فوات سابقها؛ إذ كلّ نوع من اللذّة والنعمة فإنّما يتجدّد شخص منها ، والالتذاذ بها بعد زوال مثله كلذّة المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من الملاذّ الجسمانيّة ؛ فإنّ نيلها يستدعي فوات اُختها السابقة، وما كان كذلك لا يعدّ نعمة في الحقيقة ملتذّاً بها، فلابدّ للعاقل اللبيب من صرف عمره في تحصيل النعم الباقية من العلوم والمعارف والحكم الإلهيّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة النافعة في الدار الآخرة.

(ولكلّ (3). رمق قوت) .

القوت: المسكة من الرزق، وهي ما يتمسّك به، وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب.

والرمق بالتحريك: بقيّة الروح والحياة ، وآخر النفس .

أي لكلّ قدر من الحياة قوت مقدّر ثابت قطعاً.

وقيل: تخصيص الرمق بالذكر للتنبيه على أنّ الحياة والقوت متلازمان ، لا يكون أحدهما بدون الآخر ، زجر للطالب عن الاهتمام به ، وصرف العمر في طلبه(4).

وفي بعض النسخ المصحّحة: «لكلّ ذي رمق» ، وهو أظهر.

ص: 278


1- لم نعثر على عين هذه العبارة في شرح الخطبة ، لكن اُنظر مضمونه في شرحه على نهج البلاغة ، ج 5 ، ص 342 و343
2- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 52
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا وكلتا الطبعتين : + «ذي»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234

(ولكلّ حبّة آكل) قدّر اللّه تعالى أن يأكلها ، فإن قدّرها لك تصل إليك بلا تعب، وإن قدّرها لغيرك فلا يجدي كذلك في تحصيلها.

(وأنت قوت الموت) وتموت لا محالة، فلا تصرف عمرك في تحصيل ما لا تأكله ولا تحتاج إليه.

وقيل: شبّه الموت بالسبع في الإفناء والإهلاك، ونبّه بأنّه لا خير في حياة تفنى كفناء الزاد (1).

(اعلموا أيّها الناس ، أنّه من مشى على وجه الأرض فإنّه يَصير إلى بطنها) .

لعلّه كناية عن صيرورته تراباً مثلها.

وقيل: إلّا ما أخرجه الدليل، أو هو كناية عن الهلاك، وهذا مع غاية ظهوره مغفول عنه بالنظر إلى الأكثر ، بحيث لا يتذكّرونه إلّا بالتذكّر والتنبيه والزجر عن الركون إليها والبقاء فيها ، والحثّ على العمل والسعي لما ينفع في بطنها وبعد الخروج منها (2).

(والليل والنهار يتنازعان) (3) .

التنازع: التخاصم والتناول ؛ أي كأنّهما لسرعة انقضائهما وتواليهما يتسارعان ويتجادلان.

(في هَدم الأعمار)، وكلّ منهما يريدان أن يسبق صاحبه فيه.

وقيل: «يتنازعان» من التنزّع، وهو التسرّع، أي يتسارعان، أو يهتمّان من النزعة _ بالفتح والكسر _ وهي الهمّة (4) ، وهو بعيد جدّاً.

(وفي نسخة اُخرى: «يتسارعان») بدل «يتنازعان».

وفي بعض النسخ: «يسارعان» بدل «يتسارعان».

(في هدم الأعمار) .

قيل: فيه مكنيّة وتخييليّة ، وتنبيه للغافلين الذين لا يعلمون إلّا ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الرجوع إلى الآخرة هم غافلون (5).

ص: 279


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «يسارعان»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234

(يا أيّها الناس، كفر النعمة لُؤم) .

اللؤم ، بالضمّ مهموزاً: ضدّ الكرم، واللئيم: دنيّ الأصل ، الشحيح النفس .

واللَّوم ، بالفتح بغير همز: العذل والملامة.

والعبارة تحتملهما، ولعلّ الأوّل أنسب، والحمل للمبالغة .

(وصحبة الجاهل شُؤم) .

الشؤم بالضمّ: ضدّ اليمن، وقد يخفّف الهمزة.

وقيل: فسّر عليه السلام الجاهل في بعض كلامه بأنّه من لا يضع الأشياء مواضعها (1).

وقيل: هو من لا يعرف أحوال الموت وما بعده من سعادة الآخرة وشقاوتها، وإنّما يعرف الدنيا وما فيها، ولا خفاء في أنّ صحبته شؤم مطلقاً، سواء كان جهله مركّباً أو بسيطاً؛ لأنّ طبعه لئيم، وذهنه عقيم، وفعله سقيم، وقوله أليم.

وكلّ ذلك علّة مسرية إلى الجليس، وإن كان ذا عقل شريف، وطبع لطيف، ففي صحبته مضارّ غير معدودة، وفي تركها منافع غير محدودة(2).

(إنّ من الكرم لين الكلام) عند محاورات الناس ومعاملاتهم، وله تأثير تامّ في حسن المعاشرة وميل القلوب.

ولعلّ المراد بالكلام ما يعمّ العبارة والإشارة.

والكرم محرّكة: ضدّ اللؤم.

وقيل: يطلق على الكرامة وسعة الخلق والخير والفضل والشرف والجود والعزّة والصفح والعظمة والتنزّه عن مخالفة الربّ(3).

(ومن العبادة إظهار اللسان) .

في كثير من النسخ: «إظهار» بالظاء المعجمة ، والإضافة حينئذ إلى الفاعل، أو إلى المفعول.

والمراد إظهار ما يصدر عن اللسان من الحمد والشكر والشهادة والإقرار بالذنب والمواعظ والنصائح ولين الكلام، أو الغلبة بالحجّة في إثبات الحقّ وإظهاره، والتكلّم عن عشيرته حيث عجزوا عن الكلام.

ص: 280


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 234
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 234
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 235

ويحتمل أن يقرأ: «اطّهار» بتشديد الطاء المهملة، والإضافة حينئذ إلى الفاعل.

قال الفيروزآبادي: «التطهّر: التنزّه والكفّ عن الإثم، واطّهر ، أصله تطهّر تطهّراً، اُدغمت التاء في الطاء، واجتلبت ألف الوصل» (1). انتهى.

أي تطهّر اللسان وتنزّهه عن الكذب والغيبة والسبّ والفضول من القول .

وأمّا كونه من باب الإفعال بمعنى التطهير، والإضافة إلى المفعول _ كما قيل _ فليس متعارفاً شايعاً في كتب اللغة.

(وإفشاء السلام) مبتدئاً ومجيباً .

والأوّل أفضل على البرّ والفاجر، والوضيع والشريف، والعبد والحرّ، والصغير والكبير، إلّا ما أخرجه الدليل كالشاعر وشارب الخمر (2). مثلاً.

في القاموس: «فشا خبره: انتشر وأفشاه»(3).

(إيّاك والخديعة؛ فإنّها من خُلُق اللئيم) .

في القاموس: «خدعه _ كمنعه _ خدعاً، ويكسر: ختله، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم، والاسم: الخديعة»(4).

وقيل: المراد باللئيم هنا الجاهل باللّه واليوم الآخر المائل إلى الدنيا، وأمّا الكريم فإنّه يستنفك منها ، ويعدّها عيباً جدّاً(5).

(ليس كلّ طالب يُصيب) .

والمراد ترك الحرص في الاُمور الدنيويّة، والتنفير عن طلب حطامها؛ فإنّه ليس كلّ ما يطلب يدرك ؛ إمّا لفقد أسبابها، أو لوجود مانع منها.

ووجه التنفير ظاهر؛ فإنّ غاية الكدّ والتعب في تحصيل الشيء مع عدم الإصابة أمر (6).

ص: 281


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 235
2- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 79 (طهر)
3- في الحاشية: «واليهود والنصارى وغيرهم من أرباب الملل الباطلة ، ولو بدؤوا بالسلام ، فقل : عليك ، أو سلام ، كما دلّت عليه الروايات، وفي بعضها جواز السلام عليهم عند الحاجة إليهم إلّا أنّه لا ينفعهم . صالح» شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 235
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 374 (فشو)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 16 (خدع)
6- .كذا ، والنسخة غير مقروّة هنا

يتنفّر عنها الطبائع ويستكرهها.

(ولا كلّ غائب يؤوب) .

الأوب والإياب: الرجوع، وفعله كصان .

ولعلّ الغرض الترغيب والاهتمام باُمور الآخرة، وانتهاز الفرصة عند التمكّن من تحصيلها .

أو التنفير عن اُمور الدنيا وترك الحرص وتضييع العمر في طلبها، أو هما جميعاً.

والمراد بالغائب ما يقابل الحاضر ، سواء كان حاصلاً فغاب، أو فقد ، أو لم يحصل بعد.

وقيل: هذا الكلام يحتمل وجهين:أحدهما: أنّ ما مضى من عمرك لا يرجع، فاغتنم ما بقي، وتدارك ما فات.

وثانيهما: أنّ الدنيا بعد انصرافها لا ترجع، فاغتنم حضورها، واعمل فيها للآخرة (1).

(لا ترغب فيمن زهد فيك) .

في القاموس: «زهد فيه، كمنع وسمع وكرم: ضدّ رغب، زُهداً وزَهادة، أو الزهادة في الدنيا والزهد في الدين» (2).

وأقول : لعلّ المراد: لا تطلب صحبة من لا يريد صحبتك، ويتنفّر عنك من أهل الدنيا .

ولعلّه بحسب المفهوم دلّ على الرغبة في راغب فيك، ويدلّ عليهم صريحاً قول أمير المؤمنين عليه السلام في موضع آخر: «زُهدك في راغب فيك نُقصان حظّ، ورغبتك في زاهد فيك ذُلّ نفس» (3).

ويحتمل أن يراد ترك الدنيا والفرار منها؛ فإنّها تفرّ عن كلّ من رغب إليها.

(ربّ بعيد هو أقرب من قريب) .

«ربّ» للتكثير.

ولعلّ المراد أنّ كثيراً من الاُمور التييستبعدها الإنسان كالموت والمصائب، بل بعض النعم الدنيويّة والاُخرويّة قريب منه وهو لا يعلم.

وربّ أمر يظنّه قريباً ويستقربه ، ولا يتيسّر له وإن بذل جهده في تحصيله.

وقيل: فيه تنبيه على أنّ البعيد يصير بالإحسان وحسن المعاشرة أقرب من القريب، أو

ص: 282


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 235
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 298 (زهد)
3- نهج البلاغة ، ص 555 ، الحكمة 451

على أنّ الآخرة أقرب من الدنيا، أو على أنّ الميّت أقرب من الحيّ المصاحب ؛ لقرب الحيّ من الميّت باللحاق، وبُعد الميّت من الحيّ بالفراق (1).

(سل عن الرفيق قبل الطريق) .

هذا بعمومه يشمل سلوك كالطريق.

وقيل: هو كناية عن متابعة أهل البيت عليهم السلام في سفر الآخرة (2). ، وأنت خبير بأنّه لا وجه للتخصيص، بل المتبادر الأسفار المتعارفة، وكذا الرفيق، نعم يدخل فيه ما ذكر على سبيل التبعيّة، أو لكونه أحد أفراد العامّ.

(وعن الجار قبل الدار) .

هذا في العموم والتبادر مثل السابق.

(ومن أسرع في المسير أدركه المَقيل) .

في القاموس: «القائلة: نصف النهار، قال قَيلاً وقائلة وقيلولة ومقالاً ومَقيلاً وتقيّل:نام فيه» (3).

ولعلّ المراد تشبيه سرعة السير في أمر الآخرة بسرعته في أمر الدنيا مطلقاً، والوجه إدراك الاستراحة سريعاً.

وقيل: أي من أسرع في السير إلى اللّه ، والتزم مراد اللّه كان له مقيل حسن غداً ، كما هو معلوم في السفر الحسّي (4) .

(استر عورة أخيك كما (5). تعلمها فيك) .

قيل: أي كما تسترها على نفسك، وتبغض من يفشيها ويذيعها عليك.

ولعلّ هتك سرّ أخيك يوجب هتك سرّك (6).

وفي تحف العقول: «لما يعلمه فيك » (7).

قال الجوهري: «العَورة: سوءة الإنسان، وكلّ ما يستحيا منه ، والجمع: عورات»(8).

ص: 283


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 236
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 236
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 42 (قيل)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 236
5- في الحاشية عن بعض النسخ: «لما»
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 54
7- .تحف العقول ، ص 97
8- الصحاح ، ج 2 ، ص 759 (عور)

وبعض الشارحين ضبط باللام، و«تعلمها» بالتاء والياء، وقال: العورة كلّ ما يقبح ذكره ويذمّ به من العيوب الخلقيّة والخلقيّة والعمليّة، فإذا علمتها من أخيك فاسترها منه ؛ لما تعلمها أنت، أو لما يعلمها هو فيك .

قال: ففي الأوّل تنبيه على أنّ من علم عيب نفسه ينبغي أن يشتغل عن عيب غيره.

وفي الثاني على أنّه يعامل معك مثل معاملتك معه، فإن سترها يسترها، وإن أظهرها يظهرها، والإظهار مع ما فيه من المذلّة يوجب ثوران العداوة ، وانقطاع النظام والاُلفة ، وغير ذلك من المفاسد (1).

(اغتفر زَلّة صديقك ليوم يركبك عدوّك) .

اليوم بالتنوين، أو سقوطه بالإضافة.

قال الجوهري: «استغفر اللّه لذنبه: فغفر له ذنبه مغفرة، واغتفر ذنبه، فهو غفور» (2).

وقال في القاموس: «الزَّلّة: الصنيعة ، ويضمّ، والخطيئة والسَقطة، وزللت تزلّ، وزللت _ كمللت _ زَلَلاً محرّكة: زلقت في طين أو منطق، والاسم: الزلّة» (3).

وقال: «ركبه _ كسمعه _ ركوباً ومركباً: علاه» (4).

وقال: «الصديق كأمير: الحبيب، للواحد والجمع والمؤنّث، وهي بهاء»(5).

وقيل: لابدّ لكلّ شخص من صديق في الرخاء ؛ للاُنس بحضوره ، والاستلذاذ بصحبته، وفي الضرّاء للمعاونة والإمداد، فلو وقع منه زلّة عمداً أو خطأ ينبغي الإغماض عنه والاغتفار له، وإلّا فلا يجد صديقاً مرضيّاً من جميع الجهات (6).

(من غضب على من لا يقدر على ضَرّه طال حُزنُه وعذّب نفسُه) (7).

في القاموس: «الضَّرّ، ويضمّ: ضدّ النفع، أو بالفتح مصدر، وبالضمّ : اسم ضرّة، وبه،

ص: 284


1- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 236
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 771 (غفر)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 و390 (زلل)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 75 (ركب)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 252 (صدق)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 246
7- في الحاشية: «نفر عن الغضب عليه بذكر غايتين يتنفّر عنهما الطباع؛ لأنّ الغضب مع عدم القدرة على إمضائه يوجب طول الحزن والخوف وعذاب النفس، ومع ذلك قد ينتهض المغضوب عليه للانتقام ، وهو حزن وعذاب آخر. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 236 و237

وأضرّه، وضارّه»(1).

وفيه: «الحزن ، بالضمّ ويحرّك: الهمّ» (2).

(من خاف ربّه كفّ ظلمه (3). ) عن الناس .

(وفي نسخة: «من خاف ربّه كُفي عذابه») .

«كفي» على البناء للمفعول، وضمير عذابه راجع إلى الربّ .

(ومن لم يَرغ (4). [في] كلامه أظهره فخره) .

الفَخر ويحرّك: التمدّح بالخصال، فخر كمنع، فهو فاخر وفخور، وفخره عليه ، كمنع : فضّله عليه في الفخر، والفاخر: الجيّد من كلّ شيء.

و«لم يرغ» بالغين المعجمة من الروغ، أو من الإراغة.

قال الفيروزآبادي: «راغ الرجل والثعلب وروغا وروغانا : مال وحاد عن الشيء، وأخذتني بالرويغة، أي بالحيلة، من الروغ، وأراغ : أراد وطلب» (5).

وأقول : على الأوّل لعلّ معناه: لم يَمِل في كلامه عمّا هو الحقّ، ولم يتكلّم حيلة ونفاقاً.

وقيل: معناه حينئذ: من لم يمل في كلامه عمّا يوجب حسنه وفصاحته(6).

وعلى الثاني لعلّ معناه: من لم يرد، ولم يطلب في كلامه التمدّح بتحسين الكلام ، أو التملّق واسترضاء الخلق لجلب النفع منهم، وبالجملة ليس غرضه من التكلّم إلّا إظهار ما هو الحقّ ورضى الخالق.

ويحتمل كونه من الرُغاء، أو من الترغية.

قال الجوهري: الرُغاء: صوت ذوات الخفّ .

وقد رَغا البعير يرغو رغاء، إذا ضجّ، وقد رَغّى اللين ترغية، أي أزبد، ومنه قولهم: كلام مُرَغّ، إذا لم يفصح عن معناه(7). انتهى.

فعلى الأوّل قيل: معناه: من خفض صوته في كلامه، ولم يرفعه شديداً حتّى يزجر

ص: 285


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 75 (ضرر)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 213 (حزن)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «كفي عذابه»
4- .ضبطه الشارح رحمه الله بالراء المهملة والغين المعجمة ، كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 31
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 107 (روغ) مع التلخيص
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2359 (رغأ)

السامعين، أو من لان كلامه ولم يغلظ فيه(1).

وعلى الثاني قيل: معناه: من أفصح في كلامه، وجعله بليغاً منتظماً متّسقاً فقد أظهر فخره؛ لأنّ لين الكلام وجودته دليل على فخر المكلّم(2).

وفي كثير من النسخ: «لم يرع» بالعين المهملة ، ولعلّه من قولهم: رَعى أمره لا يُرعى رِعاية، إذا رعاه وحفظه.

والمراد أنّ عدم رعاية أحد في الكلام والتكلّم بما يطابق الحقّ ويليق بالمقام سبب لإظهار الحقّ.

ويحتمل كونه من الرَّوع بمعنى الفزع.

يقال: راع، أي أفزع، كروّع، لازم متعدّ، وفلاناً: أعجبه، والشيء، يروع ويريع رواعاً بالضمّ: رجع، أي لم يخف في كلامه، ولم يخش أحداً إلّا اللّه، أو لم يتكلّم بكلام يوجب خوف أحد ظلماً، أو لم يقل قولاً يتعجّب الناس منه لاستبعاده أو استغرابه من مثل ذلك المتكلّم، أو لم يرجع في كلامه، يعني يكون تكلّمه مسبوقاً بالعلم والذكر والتأمّل والتثبّت، فيحينئذ إذا تكلّم لم يندم بكلامه، ولم يرجع عنه؛ لأنّ ذلك من صفة الجاهل المتسرّع.

ونقل الصدوق رحمه الله في الفقيه بعض ألفاظ هذه الخطبة، وكذا في أماليه هكذا: «ومن لم يرع في كلامه أظهر هجره» (3) بالعين المهملة والهجر ، فيكون لم يدع من الرعاية بحذف المفعول، يعني من لم يحفظ لسانه، أو الأدب في كلامه، وعلى هذا يكون الفخر هاهنا تصحيف الهجر.

وفي القاموس: «الهجر بالضمّ: القبيح من الكلام» (4).

(من لم يعرف الخير من الشرّ فهو بمنزلة البهيمة) .

قال الفيروزآبادي: «الخير: ما يرغب فيه الكلّ كالعقل والعدل مثلاً، الجمع: خيور» (5).

وقال: «الشرّ ويضمّ: نقيض الخير، الجمع: شرور»(6).

ص: 286


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
3- الفقيه ، ج 4 ، ص 406 ، باب من ألفاظ رسول اللّه صلى الله عليه و آله الموجزة ... ، ح 5880 ؛ الأمالي للصدوق ، ص 320 ،المجلس 52 ، ح8
4- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 158 (هجر)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 25 (خير) مع اختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 57 (شرر)

وقال: «البهيمة: كلّ ذات أربع قوائم، ولو في الماء، أو كلّ حيّ لا يميّز» (1). انتهى.

وقيل: الخير والشرّ نفس الأفعال الحسنة والقبيحة، أو ميل الطبع إليهما .

وقيل: الخير مفهوم كلّي يندرج تحته جميع ما أراد اللّه تعالى من العباد، والشرّ ضدّه.

والمعنى : من لم يعرفهما ، ولم يميّز بينهما كالجهلة، أو من لم يعرف الإحسان من الإساءة، فقابله فيه بها، فهو والبهيمة سواء في البهيميّة وعدم العقل وانقطاع حقيقة الإنسانيّة فيه ، وإن كان صورته صورة إنسان (2).

(إنّ من الفساد إضاعة الزاد) .

قال الجوهري: «الزاد: طعام يتّخذ للسفر»(3).

ولعلّ المراد بإضاعته الإسراف فيه، وصرفه في غير مصارفه.

وقيل: المراد زاد الدنيا، أو زاد الآخرة، ففيه على الأوّل ترغيب في حفظ ما يحتاج إليه في البقاء والقيام بوظائف الطاعات .

وعلى الثاني في تحصيل الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة لما بعد الموت(4).

4 (ما أصغرَ المصيبة مع عظم الفاقة غداً) .

لعلّ المراد مع شدّة الاحتياج إلى أجر المصيبة يوم القيامة .

أو معناه كلّ مصيبة من مصائب الدنيا، وإن عظمت ، فهي صغيرة لا قدر له عند مصيبة العقبى، وهي عظم الفقر من الصالحات .

وبالجملة الفاقة الاُخرويّة _ وهي عدم ما يوجب السعادة الأبديّة _ مصيبة عظيمة كمّاً وكيفاً وزماناً، وكلّ مصيبة دنيويّة صغيرة في جنبها، فالاحتراز من الثانية دون الاُولى جهل وضعف يقين.

(هيهات هيهات) .

قال الجوهري : هيهات كلمة تبعيد، والتاء مفتوحة مثل كيف، وأصلها هاء، وناس يكسرونها على كلّ حال بمنزلة نون التثنية.

وقد تبدّل الهاء همزة، فيقال: «أيهات» مثل هَراق وأراق؛ قال الكسائي: ومن كسر التاء

ص: 287


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 82 (بهم)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 481 (زود)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237

وقف عليها بالهاء، فيقول: هيهاه، ومن نصبها وقف بالتاء ، وإن شاء بالهاء.

وقال الأخفش: يجوز في هيهات أن يكون جماعة، فتكون التاء التي فيها تاء الجمع التي للتأنيث (1).

وقيل: معناه هنا: بَعُدَ عملكم بالآخرة وعظمة فاقتها ، وحقارة مصائب الدنيا بالنسبة إليها، أو بعد نسبة هذه المصائب إليها؛ إذ لا نسبة بين سريع الانقطاع وأبديّ البقاء(2).

(وما تناكرتم إلّا لما فيكم من المعاصي والذنوب) .

المعصية: خلاف الطاعة. والذنب: الجرم. والعطف للتفسير . أو يراد بالذنوب الأخلاق الذميمة المتعلّقة بالقلب ، كالحقد والحسد وحبّ الرياسة والمال، وبالمعاصي ما يتعلّق بالجوارح.

قال الجوهري: «التناكر: التجاهل»(3).

وفي القاموس: «تناكر: تجاهل، والقوم: تعادوا، وتناكره: جهله»(4).

ولعلّ المراد بالتناكر هنا الجهل بالحقّ، أو التجاهل به . أو المراد ما ينكر بعضكم بعضاً، ولا يباغضه إلّا لأنّكم تعصون اللّه، وذلك لأنّكم لو كنتم برآء من الذنوب لكنتم جميعاً على مسلك واحد، فتعارفتم عليه، وائتلفتم به؛ إذ لا منازعة في الحقّ والطاعات.

وقيل في شرح هذا الكلام: أي ما تجاهلتم في أمر الدين ، وترك قوانينه ، وطلب ما ينجيكم من فاقة الآخرة إلّا للمعاصي والذنوب المسوّدة لقلوبكم ، المانعة من طلب الآخرة وترك الدنيا، ولو لم يكونا كانت قلوبكم منوّرة، وجوارحكم مطهّرة، ورأيتم الآخرة بعين اليقين، واشتغلتم بأمر الدين (5) . انتهى.

ومآله من التوجيه وما ذكرناه أوّلاً واحد.

(فما أقرب الراحة من التعب) فيها ، أي راحة الآخرة من تعب الدنيا، أي بالعكس، أو كلاهما في الدنيا كما قال تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» (6).

ص: 288


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2258 (هيه)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 837 (نكر)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر)
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 237 و238
6- الشرح (94) : 6

وفيه ترغيب في الصبر، «والصبر مفتاح الفرج» (1) . انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد سرعة تقلّب أحوال الدنيا . أو يراد لا عليكم أن تتعبوا أنفسكم بترك المعاصي في أيّام قلائل سريعة الذهاب لراحة طويلة قريبة منكم؛ فإنّ التعب والشدّة في ترك المعاصي ليسا بشديد إذا أوجب الجنّة وراحتها ، ولذّة المعاصي لا خير فيها إذا أوجبت دخول النار وشدائدها.

(والبؤسَ من (2). النعيم) عطف على الراحة والتعب. قال الفيروزآبادي: «بئس _ كسمع _ بؤساً وبؤوسا وبَئيساً : اشتدّت حاجته» (3).

وقال: «النعيم: الخَفض والدعة والمال، كالنعمة بالكسر»(4).

وهذا كالسابق فيما ذكر من الاحتمال.

(وما شرّ بشرّ بعده الجنّة، وما خير بخير بعده النار) .

الظاهر أنّ المراد بالشرّ شرّ الدنيا وما تستكرهه النفس فيها، وبالخير ما يكون مرغوباً عند النفس من زخارفها وزينتها، وكلاهما في معرض الفناء، فلا يضرّ الأوّل إذا كان بعده الجنّة، ولا ينفع الثاني إذا كان بعده النار.

(وكلّ نعيم دون الجنّة محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية) .

«دون» في الموضعين بمعنى غير أو عند، أي كلّ نعيم غير الجنّة ، أو عندها ، أو بالنسبة إليها .

وكذا في الفقرة الثانية ؛ وذلك لصغر نعيم الدنيا وبلائها ، مع سرعة زوالها وفنائها ، وعظم نعيم الجنّة وألم النار مع دوامها.

(وعند تصحيح الضمائر تُبدو الكبائر) .

في القاموس: «الضمير: السرّ ، وداخل الخاطر ، الجمع: ضمائر» (5) . وكأنّه إشارة إلى عظم رتبة الإخلاص وعزّتها ، وقلّة من يبلغها.

والمراد بالكبائر الاُمور العظام ، والأسرار الخفيّة التي يختصّ بدوّها وظهورها بالأولياء

ص: 289


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «في»
2- .راجع : بحار الأنوار ، ج 68 ، ص 74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 20 ، ص 307
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 199 (بأس)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 181 (نعم)
5- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 76 (ضمر)

الكرام ، كما قال عزّ وجلّ : «وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُؤْقِنِينَ» (1).

وقال صلى الله عليه و آله : «اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنّه ينظر بنور اللّه» (2).

وقال بعض الأفاضل: إذا أراد الإنسان تصحيح ضميره عن النيّات الفاسدة والأخلاق الذميمة تبدو له العيوب الكبيرة العظيمة الكامنة في النفس ، والأخلاق الذميمة الجليلة التي خفيت عليه تحت أستار الغفلات (3).

وقال بعضهم: الضمائر [الاُمور] المستورة مطلقاً، وتصحيحها في يوم القيامة، وذلك «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ» (4). ، وعند ذلك يتميّز الصحيح من السقيم ، والحقّ من الباطل، ويظهر الفرق بينهما ظهوراً تامّاً لا يشتبه على أحد كلّ ما أعدّ له، وأمّا الدنيا دار كُمون قد يدلّس المدلسون ، ويدعون الحقّ ، ويذعن لهم القاصرون _ قال : _ ويمكن أن يراد به تصحيحها بالمحاسبة، وكونها سبباً لظهور الكبائر، والفرار منها ظاهر (5).

(تصفية العمل أشدّ من العمل) أي من نفس العمل، وتصفيته جعله صافياً من النقص والمفسدات الداخلة والخارجة وتخليصه لوجه اللّه غير ملحوظ فيه غيره.

قيل: حتّى الفوز بالثواب والنجاة من العقاب، وهذه مرتبة عليّة لا يرتقى عليها إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم.

(وتخليص النيّة من الفَساد أشدّ على العاملين من طول الجهاد) أي المجاهدة مع الأعداء الظاهرة ، أو الطاعات والعبادات.

والنيّة: القصد ، والوجه الذي فيه . يقال: نوى الشيء يَنويه نيّة، وقد تخفّف.

وقيل: النيّة: القصد إلى إيقاع الفعل المأمور به شرعاً (6).

وهذا وإن كان سهلاً في بادئ

ص: 290


1- الأنعام (6) : 75
2- الكافي ، ج 1 ، ص 218 ، باب أنّ المتوسّمين الذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه هم الأئمّة عليهم السلام ، ح 3 ؛ المحاسن ، ج 1 ، ص131 ، ح 1 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ، ص 173 ، ح 1
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 55
4- .الطارق (86) : 9
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 238
6- راجع : مختلف الشيعة ، ج 4 ، ص 333

النظر ، لكنّه صعب في نفس الأمر؛ إذ النيّة ليست مجرّد القول ، ولا مفهومه الحاصل في الذهن، بل المعتبر فيها حقيقة هو ميل القلب إلى المنوي ميلاً تامّا ، بحيث لا يعتريه ما يوجب فساده بالكلّيّة ، كالرياء والسمعة وقت الفعل وبعده إلى آخر العمر، ولا ما يوجب فساد كماله كالأخلاق الذميمة وآثارها، وتوجّه النفس إلى الغير عند الفعل، فتحقّق هذا الميل موقوف على تطهير القلب عن الرذائل ، وتزيينه بالفضائل ، وتنزيهه عن حبّ الدنيا والميل إليها، ولا يتحصّل ذلك إلّا بمجاهدات نفسانيّة ورياضات بدنيّة في مدّة طويلة، ولا خفاء في أنّ تخليص النيّة عن هذا الفساد أشدّ من طول الجهاد ؛ أمّا أوّلاً فلأنّ مجاهدة النفس والشيطان مجاهدة عدوّ لا يزال مخادعاً ، ولا ينال غرضَه إلّا بالخروج في زيّ الناصحين للأصدقاء، ولا شكّ أنّ جهاد مثل هذا العدوّ أشدّ من جهاد عدوّ مظهر للعداوة.

وأمّا ثانياً فلأنّ جهاد العدوّ الظاهر يقع في العمر مرّة أو مرّتين، لا دائماً ، بخلاف العدوّ الخفي، فلا ريب أنّه أشقّ وأصعب.

وأمّا ثالثاً فلأنّ جهاد العدوّ الظاهر أسهل؛ لأنّ القوى البدنيّة كالغضب والشهوة تثوران عند محاربته طلباً لدفعه، وتصيران تابعين للمجاهد فيما يراه ويأمر ، بخلاف جهاد العدوّ الخفي ؛ فإنّهما تابعان للعدوّ ناصران له.

وأمّا رابعاً فلأنّ مضرّة العدوّ الظاهر دنياويّة فانية، ومضرّة العدوّ الباطن اُخرويّة باقية أشدّ منه (1).

(هيهات) أي بعد ظنّكم بي.

(لو لا التُّقى لكنتُ أدهى العرب) .

في القاموس: «اتّقيت الشيء ، وأتقيته ، وتَقَيْتُه ، أتّقيه تُقًى وتقيّة وتِقاء ، ككساء : حذرته، والاسم: التقوى» (2).

وقال: «الدَهي والدَهاء: النكر ، وجودة الرأي» (3).

وقال: «النكر: الدهاء والفطنة»(4).

ص: 291


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 438 و439
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 401 (وفي)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 329 (دهي)

وأقول: المراد بالدهاء هنا المكر والخديعة ، والحيل الباطلة ، واستعمال الرأي في تحصيل المطالب الدنيويّة والاُمور السياسيّة ، وإن كان مخالفاً للقوانين الشرعيّة.

وقيل: كان هذا الكلام صدر منه هنا كالجواب لما كان يسمعه من أقوال الجاهلين بحاله، ونسبته إلى قلّة التدبّر وسوء الرأي في اُمور الدنيا ، ونسبة غيره إلى جودة الرأي وحسن التدبّر فيها ؛ لما بينهم من المشاركة في هذا العمل، فمن كان فيه أتقن وأكمل كان عندهم أحسن وأفضل، وغفلوا أنّه عليه السلام كان في جميع حركاته على القوانين الشرعيّة ، ورفض ما كان عادتهم من استعمال الدهاء في الاُمور الدنيويّة، فأفاد عليه السلام أنّ تمسّكه بزمام الورع والتقوى منعه من الدهاء، وإلّا فهو أعرف بالدهاء وطرقه وكيفيّة استعماله من غيره، ولم يكن ذلك مختصّاً به عليه السلام ، بل جاهل كلّ قوم يظنّ بعالمهم ذلك؛ لأنّ العالم ملجم بلجام التقوى ، فطَوره في معاملة الدنيا ليس طورهم (1).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة وكان من علماء العامّة: اعلم أنّ قوماً ممّن عرف (2).

حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام زعموا أنّ عمر كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر، وصرّح الرئيس أبو علي سينا بذلك في الشفاء في الحكمة، وكان شيخنا أبو الحسين يميل إلى ذلك، وقد عرّض به في كتاب الغُرر، ثمّ زعم أعداؤه ومبغضوه أنّ معاوية أيضاً كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً .

وقد سبق لنا بحث قديم في هذا الكتاب في بيان حسن سياسة أمير المؤمنين عليه السلام وصحّة تدبيره، ونحن نذكر هنا ما لم نذكره هناك ممّا يليق بهذا الفضل الذي نحن في شرحه:اعلم أنّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلّا إذا كان يعمل برأيه ، وبما يرى فيه صلاح ملكه ، وتمهيد أمره ، وتوطيد قاعدته ، سواء وافق الشريعة أم لم يوافقها، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، فبعيد أن ينتظم أمره ويستوسق حاله. وأمير المؤمنين عليه السلام كان مقيّداً بقيود الشريعة مدفوعاً إلى اتّباعها ، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لا يلتزم بذلك، ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطّاب ، ولا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، ولكنّه كان مجتهداً يعمل بالقياس

ص: 292


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 239
2- .هذا ، وفي المصدر : «ممّن لم يعرف»

والاستحسان والمصالح المرسلة، ويرى تخصيص عمومات النصوص بالآراء ،والاستنباط من اُصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصّ، ويكيد خصمه، ويأمر اُمراءه بالكيد والحيلة، ويؤدّب بالدرّة والسوط من يتغلّب على ظنّه أنّه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين، وقد اجترموا ما استوجبوا به التأديب كلّ ذلك بقوّة اجتهاده وما يؤدّيه إليه نظره.

ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يرى ذلك، وكان يقف مع النصوص والظواهر، ولا يتعدّاها إلى الاجتهاد والأقيسة، ويطبق اُمور الدنيا على اُمور الدين، ويسوق الكلّ مسوقاً واحداً، ولا يضيع ولا يرفع إلّا بالكتاب والنصّ، فاختلف طريقتاهما في الخلافة والسياسة.

وكان عمر مع ذلك شديد الغلظة، وكان علي عليه السلام كثير الحلم والصفح والتجاوز، فازدادت خلافة ذاك قوّة ، وخلافة هذا كبلاً، (1).

ولم يُمَن عمر بما مُني به (2).

علي عليه السلام من فتنة عثمان التي أحوجته إلى مداراة أصحابه وجنده ومقاربتهم ؛ للاضطراب الواقع بطريق الفتنة، ثمّ تلا ذلك فتنة الجمل ، وفتنة الصفّين، ثمّ فتنة النهروان، وكلّ هذه الاُمور مؤثّرة في اضطراب أمر الوالي ، وانحلال معاقد ملكه، ولم يتّفق لعمر شيء من ذلك، فشتّان ما بين الخلافتين فيما يعود إلى انتظام المملكة وصحّة تدبير الخلافة (3).

إلى هاهنا كلام ابن أبي الحديد، نقلناه بطوله ؛ ليعلم الناظر فيه كيف أجرى اللّه الحقّ على لسان أعدائه ليكون حجّة عليهم لأوليائه ؟! والحمد للّه ربّ العالمين.

(أيّها الناس إنّ اللّه _ عزّ وجلّ _ وعد نبيّه محمّداً صلى الله عليه و آله الوسيلة) .

قال الجوهري: «الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الغير، والجمع: الوَسيل والوسائل.

يقال: وَسَلَ فلان إلى ربّه وسيلة، وتوسّل إليه بوسيلة ، إذا تقرّب إليه بعمل» (4).

وفي القاموس: «الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك ، والدرجة ، والقربة» (5). انتهى.

ص: 293


1- .في المصدر : «لينا» وفي الحاشية: «الكَبْل: القيد الضخم ، وفَرو كَبَل بالتحريك، أي قصير . اللسان» . لسان العرب ، ج 11 ، ص 580 و581 (كبل)
2- .في الحاشية : «ومَنَوته ومنيته ، إذا ابتليته الصحاح» . الصحاح ، ج 6 ، ص 2498 (منو)
3- شرح نهج البلاغة ، ج 10 ، ص 212-213
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1841 (وسل)
5- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 64 (وسل)

وقيل: فسّرت الوسيلة بالقرب من اللّه تعالى وبالشفاعة يوم القيامة، وبالمنزل من منازل الجنّة، وهو المراد هنا كما سيصرح به(1).

(ووعدُه الحقّ) .

في القاموس: «الحقّ: ضدّ الباطل ، والأمر المقضي» (2).

«وَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ» (3).

في القاموس: «الخلف _ بالضمّ _ الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل ، كالكذب في الماضي، أو هو أن تعد عدة ولا تنجزها»(4).

(ألا وإنّ الوسيلة على دَرَج الجنّة) .

في بعض النسخ: «درجة».

قال الجوهري: «الدرجة: المرقاة، والجمع: الدَرَج»(5).

(وذِرْوَة ذَوائب الزُّلفة) .

قال الجوهري: «ذرئ الشيء بالضمّ: أعاليه ، الواحدة : ذِروة وذُروة أيضاً بالضمّ، وهي أعلى السنام»(6).

وقال الفيروزآبادي: «الزلفة بالضمّ: القربة والمنزلة» (7).

وقال في المهموز العين: الذُؤابة: الناصية، أو منبتها من الرأس ، وشعر في أعلى ناصية الفرس، ومن العزّ والشرف، و[من] كلّ شيء أعلاه، الجمع: ذوائب، والأصل: ذائب ، ولكنّهم استثقلوا وقوع ألف الجمع بين همزتين (8).

وأقول : المراد بذروة ذوائب الزلفة أعلى أعالي درجات القرب.

وقيل: تشبيه الزلفة بالصورة الحسنة في الرغبة، وإثبات الذوائب لها، وهي الخصلة المجتمعة من الشعر على الرأس مكنيّة وتخييليّة، والذروة بالضمّ والكسر: الأعلى من كلّ شيء، وإضافتها إلى الذوائب بيانيّة، وحملها على الوسيلة من باب التشبيه بالسنام للبعير في

ص: 294


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 314 (درج)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 239
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 221 (حقق)
4- الحجّ (22) : 47
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 136 (خلف)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2345 (ذرو)
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 149 (زلف)
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 67 (ذأب)

العلوّ والارتفاع . والحاصل أنّ الوسيلة هي أعلى درجات القربة والمنزلة (1).

قال: ويحتمل أن يشير بالذوائب إلى تفاوت درجات الزُلفة، وبذُروتها إلى أعلى درجاتها، ووجه المشابهة تدلي درجات القربة من الأعلى إلى الأسفل كتدلّي ذُؤابة الشعر عن الرأس(2).

(ونهاية غاية الاُمنيّة) .

الغاية: النهاية، وتطلق على المَدى والمسافة. فعلى الأوّل الإضافة بيانيّة للمبالغة ، أي منتهى نهايات الأمانيّ التي تنتهي إليها أمانيّ الخلق.

وعلى الثاني لاميّة، أي منتهى مسافتها الطويلة المدى.

وبالجملة المراد بالغاية المسافة الوهميّة لأهل الأماني أو لاُمنيّتهم، والوسيلة غايتها؛ إذ لا منزلة فوقها حتّى تتمنّى .

(لها ألف مرقاة) .

قيل: الظاهر أنّ الضمير عائد إلى الوسيلة، وأنّ مراتبها ودرجاتها حسّيّة في العلوّ، والعقليّة محتملة (3).

وقال الجوهري : «المَرقاة بالفتح: الدرجة، ومن كسرها شبّهها بالآلة التي يُعمل بها، ومن فتح قال: هذا موضع يُفعل فيه، فجعله بفتح الميم» (4)..

(ما بين المرقاة إلى المرقاة حُضر الفرس الجواد مائة عام) من أعوام الدنيا، أو الآخرة .

والأوّل أظهر ؛ بالنظر إلى التعارف والتبادر.

والحُضر بالضمّ: العَدو.

يقال: أحضر الفرس إحضاراً فهو مِحْضير، إذا عَدى.

وفرس جواد : بيّن الجُودة _ بالضمّ _ رائج، أي مُعجب، جديد الفؤاد .

والعام بتخفيف الميم: السَّنة .

والظاهر أنّ التحديد بهذه المسافة حقيقي، والمبالغة غير بعيدة.

(وهو ما بين مرقاة دُرّة) .

هي بالضمّ: اللؤلؤة العظيمة، الجمع: دُرّ ودُرر ودرّات.

ص: 295


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2361 (رقي)

(إلى مرقاة جَوهرة) .

في القاموس: «الجوهر: كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به» (1).

(إلى مرقاة زَبَرجدة) ؛ هي جوهر معروف.

(إلى مرقاة لؤلؤة) .

قال الجوهري: «اللؤلؤة: الدرّة، والجمع: اللؤلوء واللآلئ» (2).

وقيل: لعلّ المراد من الدرّة نوع من اللؤلؤة، ومن اللؤلؤة نوع آخر، وليست الدرّة في رواية ابن سنان ورواية أبي سعيد الخدري في وصف الوسيلة كما ذكرهما الصدوق رحمه الله (3). ، والمراد بالجوهرة نوع آخر غير ما ذكر كالبلّور مثلاً (4). انتهى.

(إلى مرقاة ياقوتة ، إلى مرقاة زُمُرّدة) بالضمّ وتشديد الراء والدال المهملة، ويجيء بالمعجمة أيضاً.

(إلى مرقاة مَرجانة) .

قال البيضاوي: «المَرجان: كبار الدرّ وصغاره»، قال : «وقيل: المرجان: الخزر الأحمر» (5).

(إلى مرقاة كافور) .

في القاموس: «الكافور: نبت طيّب ، نوره كنور الأقحوان ، وطيب معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين» (6).

(إلى مرقاة عنبر ، إلى مرقاة يَلَنجوج) .

في القاموس: «اليَلَنجوج : عود البخور ، نافع للمعدة المسترخية»(7).

(إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فضّة ، إلى مرقاة غَمام) .

في القاموس: «الغمامة: السحابة ، أو البيضاء، الجمع: غمام وغمائم»(8).

ص: 296


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 395 (جهر)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 70 (لألأ)
3- .اُنظر : الأمالي للصدوق ، ص 103 ، المجلس 24 ، ح 4
4- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 56
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 275
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 128 (كفر)
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 205 (لنجج)
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 157 (غمم)

(إلى مرقاة هواء) .

قال الجوهري: «الهواء ممدود: ما بين السماء والأرض، والجمع: الأهوية، وكلّ خال هواء» (1).

(إلى مرقاة نور) .

في القاموس: «النور بالضمّ: الضوء أيّا كان ، أو شعاعه» (2).

قيل: الظاهر أنّ الضمير في قوله : «وهو ما بين المرقاة» راجع إلى «حُضر الفرس» ، وأنّ التدريج من الأسفل إلى الأعلى حتّى يكون مرقاة النور أعلى المراتب، والعكس محتمل.

والدرّة والجوهرة وباقي الأسماء محمولة على ظواهرها؛ إذ لا استبعاد في وجودها بالنظر إلى إرادة الحقّ وقدرته الكاملة، وحملها على أرض الجنّة المشابهة بالمذكورات في الألوان والصورة ، أو المنثورة فيها هذه المذكورات، أو المسمّاة بها محتمل.

وهنا شيء ، وهو أنّ الموعود من المرقاة ألف، والمذكور خمس عشرة، وأنّ حُضر الفرس ما بين المرقاتين.

في نسخة: «مائة عام»، وفي آخر: «ألف عام»، وبين الأمرين تفاوت كثير.

ويمكن دفع الأوّل بأنّ في المذكور اقتصارا ، أو أنّ المذكور أسامي بعض الألف بأن ذكر من كلّ جملة اسم واحدة، وبين كلّ مرقاتين من المعدودة جملة غير معدودة بأسمائها ، مثلاً بين مرقاة دُرّة وجوهرة جملة، وهكذا.

ويمكن دفع الثاني بأنّ الواقع أحدهما معيّناً، وأمّا دفعه بأنّ مائة عام حُضر الفرس بين كلّ مرقاتين من الألف، وألف عام حُضر الفرس بين المرقاتين اللتين بينهما جملة ، فتتقارب النسختان، ويندفع التفاوت الفاحش فبعيد، واللّه يعلم حقيقة الحال.

وكان إضافة المرقاة إلى هذه الثلاثة _ يعني : اليَلَنجوج ، والغمام، والهواء _ باعتبار الاشتمال على الريح المخصوص، واستقرار غمام الرحمة فوقها وارتفاعها، واللّه يعلم حقيقة هذه الأشياء، ونحن من أهل التسليم (3). انتهى.

ص: 297


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2537 (هوي)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 149 (نور)
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240 و241

(قد أنافت) أي أشرفت (على كلّ الجنان).

قال في الصحاح: «ناف الشيء ينوف، أي طال وارتفع» (1).

وفي القاموس: «أناف على الشيء: أشرف» (2).

والضمير المستتر في «أنافت» ، والبارز في قوله: (ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يومئذ قاعد عليها) راجع إلى الوسيلة، أو إلى مرقاة النور ؛ بناء على أنّ التدريج من الأسفل إلى الأعلى.

(مُرتد برَيطتين) .

قال الجوهري: «تردّى وارتدى بمعنى، أي ليس الرداء»(3).

وفي النهاية: «الرَّيطة : كلّ مُلاءة ليست بلفقتين، وكلّ ثوب رقيق ليّن، والجمع: ريط ورياط»(4).

وفي القاموس: «الريطة: كلّ مُلاءة [غير] ذات لفقتين ، كلّها نسج واحد ، وقطعة واحدة، أو كلّ ثوب ليّن رقيق» (5).

وفيه: «لفق الثوب يلفقه : ضمّ شُقّة إلى اُخرى، فخاطهما ، واللفق ، بالكسر: أحد لفقي المُلاءة» (6). انتهى.

والمُلاءة بالضمّ والمدّ: الإزار، والجمع: مُلاء ، بالضمّ والمدّ أيضاً.

وقال بعضهم: الجمع: «مُلا» بالضمّ والقصر، والواحدة ممدودة، والأوّل أثبت.

(رَيطة من رحمة اللّه، ورَيطة من نور اللّه) وقوله: (عليه تاج النبوّة ، وإكليل الرسالة) جملة حاليّة، أو مستأنفة.

وقيل: المراد بتاج النبوّة التاج الذي يكسى لأجل النبوّة، أو هو علامة النبوّة، وكذا اكليل الرسالة(7).

وأقول: يحتمل أن يكون العطف للتفسير. قال الفيروزآبادي: «التاج: الإكليل»(8).

ص: 298


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1436 (نوف)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 203 (نوف)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2355 (ردي)
4- النهاية ، ج 2 ، ص 289 (ريط)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 362 (ريط)
6- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 281 (لفق)
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 56 و57
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 180 (توج)

وقال: «الإكليل ، بالكسر: التاج، وشبه عِصابة تزيّن بالجواهر» (1).

(قد أشرق بنوره الموقفُ) .

قال الجوهري: «أشرقت الشمس، أي أضائت .

وأشرق وجهه، أي ضاء وتلألأ حسناً»(2).

والمراد بالموقف موقف القيامة أو أهله ، أي يفرح ويستبشر ويستضي?بنوره كلّ من آمن به وبوصيّه، ولا استبعاد في كون الوسيلة من أعلى درج الجنّة ، وإشراقه على الموقف.

(وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة) من درج الوسيلة على الظاهر.

(وهي دون درجته) .

ضمير التأنيث للدرجة الرفيعة، والتذكير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل: الظاهر أنّ هذه الدرجة مرقاة هواء(3).

(وعليّ رَيطتان : ريطة من اُرجُوان النور ، وريطة من كافور) .

قال في المصباح: «الاُرجُوان ، بضمّ الهمزة والجيم: اللون الأحمر»(4).

وقال الجوهري:الاُرجُوان: صبغ أحمر شديد الحمرة، ويقال أيضاً: الاُرجوان معرّب، وهو بالفارسيّة: أرغوان، وهو شجر له نور أحمر أحسن ما يكون، وكلّ لون يشبهه فهو اُرجوان (5).

وحاصل الكلام أنّ عليّ ريطتين: إحداهما على لون الاُرجوان، والاُخرى أبيض كالكافور.

(والرسل والأنبياء قد وقفوا) .

في بعض النسخ: «قد وقفا»(6).

(على المَراقي) الباقية على تفاوت درجاتهم.

(وأعلام الأزمنة، وحجج الدهور عن أيماننا) .

قيل: اُريد بهم الأئمّة عليهم السلام ؛ لأنّهم أعلام ظاهرة، وحجج نيّرة في العالم ؛ لدلالة الخلق على ما يتمّ به نظامهم في المعاش والمعاد، وفيه دلالة على تقديمهم على سائر الأنبياء (7).

ص: 299


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1501 (شرق)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 240
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 46 (كلل)
4- مصباح المنير ، ص 222 (رجو)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2353 (رجا) مع التلخيص
6- هكذا ضبطه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242

وقيل: لعلّ أعلام الأزمنة وحجج الدهور كناية عن الأنبياء والأوصياء والعلماء؛ فإنّ كلّاً منهم علم زمانه ، وحجّة دهره. انتهى(1) . ، فتأمّل .

(قد تجلّلتهم حُلل النور والكرامة) .

قال الجوهري: «تجلّله، أي علاه»(2).

وقال: «التكريم والإكرام بمعنى، والاسم منه: الكرامة» (3).

وفي القاموس: «الحُلّة بالضمّ: إزار ورداء ، بُرد أو غيره، ولا تكون حُلّة إلّا من ثوبين ، أو ثوب له بطانة، الجمع: حُلل»(4) .

(ولا يرانا ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل إلّا بُهت بأنوارنا، وعَجب من ضيائنا وجلالتنا) .

قال الجوهري :بهت الرجل ، بالكسر، إذا دَهِش وتحيّر .

وبَهُت _ بالضمّ _ مثله ، وأفصح منها بُهِت، كما قال تعالى: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» (5). ؛ لأنّه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال: باهت ، ولا بَهيت (6).

وقال: «فلان يَجلّ _ بالكسر _ جلالة ، أي عظم قدره، فهو جليل»(7) .

(وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول [ صلى الله عليه و آله ] غَمامة بَسْطَة البصر) .

في بعض النسخ: «بسط البصر».

والجارّ الثاني بدل من الجارّ الأوّل .

وبسطة البصر : مدّه .

وقيل: لعلّ المراد بالغمامة إمّا معناها الحقيقي ، وهي السحابة البيضاء، أو طائفة من الملائكة مجتمعون كاجتماع الغمامة (8).

(يأتي منها)؛ أي من تلك الغمامة (النداء: يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصي).

قيل: أي طيب العيش في هذا اليوم ، أو الجنّة؛ لأنّها يوجب طيب العيش (9).

وقال الفيروزآبادي: «الطوبى : الطيّب ، وجمع الطيبة ، وتأنيث الأطيب ، والحسنى ،

ص: 300


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 33
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1661 (جلل)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2021 (كرم)
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 359 (حلل)
5- البقرة (2) : 258
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 244 (بهت)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1660 (جلل)
8- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242
9- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 242

والخير والخيرة ، وشجرة في الجنّة، أو الجنّة بالهنديّة ، كطيبى» (1).

(وآمن بالنبيّ الاُمّيّ العربي، ومن كفر به فالنار موعده) .

في القاموس: «الاُمّي: من لا يكتب، أو من على خلقة الأمة لم يتعلّم الكتاب، [و] هو باق على جبلّته» (2).

(وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلى الله عليه و آله ظلمة (3). ) .

فيها الاحتمالان المذكوران في الغمامة.

وفي بعض النسخ: «ظُلّة».

قال الجوهري: «الظلّة _ بالضمّ _ كهيئة الصُّفّة ، والظلّة أيضاً: أوّل سحابة تظلّ»(4).

(يأتي منها النداء) .

قال الجوهري: «النداء: الصوت، وقد يضمّ مثل الدعاء والرغاء ، وناداه مناداة ونداء، أي صاح به»(5).

(يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصي، وآمن بالنبيّ الاُمّي، والذي له المُلك الأعلى) .

لعلّ المراد به العزّ والسلطان والعظمة، أو السيادة العظمى والجنّة.

(لا فاز أحد ، ولا نال الرُّوحَ) بالفتح، أي الراحة والرحمة.

(والجنّة إلّا من لقي خالقه بالإخلاص لهما، والاقتداء بنجومهما) أي الأئمّة من أولادهما ، وآثار علومهما ، سمعوا بها ؛ لأنّهم نجوم يهتدي بهم أهل الأرض في ظلمات الجهالة والضلالة .

ويحتمل أن يراد ما يعمّ المقتبسين من أنوارهم من العلماء أيضاً .

(فأيقنوا يا أهل ولاية اللّه) إلى قوله: «عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» (6) .

المراد بأهل الولاية من آمن به ، وبمن أمر بولايته في قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ» (7). الآية .

والكرم محرّكة: ضدّ اللؤم ، والفوز ، والنجاة ؛ والظفر بالخير.

قال الجوهري: «السرير : واحد الأسرّة والسُّرر ، ويعبّر عنه بالملك والنعمة» انتهى (8).

ص: 301


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 98 (طيب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 76 (أمم)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «ظُلّة»
4- الصحاح : ج 5 ، ص 1756 (ظلل)
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2505 (ندا)
6- .الصافّات (37) : 44
7- .المائدة (5) : 55
8- الصحاح ، ج 2 ، ص 682 (سرر) مع التلخيص واختلاف يسير

وفي هذه الفقرة بشارة عظيمة للتابعين لآثارهم بقرب المنزلة والكرامة ، كما أنّ فيما بعدها إنذار وتخويف للمخالفين لهم ببعد المرتبة والإهانة .

وفي بعض النسخ: «بتبييض وجوهكم» .

(ويا أهل الانحراف والصُّدود عن اللّه عزّ ذكره) .

في القاموس: «صدّ عنه صُدوداً: أعرض، وفلاناً عن كذا صدّاً: منعه ، وصرفه» (1) .

وقوله: (وما من رسول سلف) أي مضى وتقدّم.

وقوله: (بالمرسل الوارد من بعده) . في بعض النسخ: «بالرسل».

وقوله: (وموصياً قومه باتّباعه) .

في القاموس: «أوصاه ووصّاه توصية: عهد إليه»(2).

(ومُحَلّيه عند قومه) .

في بعض النسخ: «عند اُمّته». أي ذاكر حليته ، وواصف فضائله. قال الجوهري: «حلية الرجل: صفته، وحلّيت الرجل، أي وصفت حليته»(3).

وفي القاموس: «حلاّ ها تحلية: ألبسها حَلياً ، أو اتّخذه لها ، أو وصفها ونعتها» (4).

(ليعرفوه بصفته) بعد بعثته، أو قبلها أيضاً.

(وليتّبعوه على شريعته) .

قال الجوهري: «الشريعة: ما شرع اللّه لعباده من الدين، وقد شرع لهم يشرَع شرعاً،أي سنّ» (5).

(ولئلاّ (6). يَضلّوا فيه من بعده) أي في رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد بعثته، فالضميران عائدان إليه .

ويحتمل عود الأوّل إليه، والثاني إلى النبيّ الذي أخبر بحليته، لكن يلزم حينئذ تفكيك الضمير.

(فيكون من هلك) بإنكاره (أو ضلّ) بإنكار الشيء ممّا جاء به كالولاية مثلاً (بعد وقوع الإعذار والإنذار) من مخالفته، وعدم اتّباع طريقته.

ص: 302


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 306 (صدد)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وصي)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2319 (حلي) مع التلخيص
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 320 (حلي)
5- الصحاح ، ج 3 ، ص 1236 (شرع)
6- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي : «كيلا»

قال الفيروزآبادي:

عذره يعذره عُذراً وعُذُراً وعُذرى ومعذرة ، وأعذره، والاسم : المعذرة ، مثلّثة الذال .

والعِذرة بالكسر، وأعذر: أبدى عذراً، وأحدث، وثبت له عذر، وقصّر ولم يبالغ، وهو يرى أنّه مبالغ، وبالغ ، كأنّه ضدّ، وكثرت ذنوبه وعيوبه كعذر، ومنه : لن يهلك النّاس حتّى يعذروا من أنفسهم (1).

وقال: «أنذره بالأمر إنذاراً: أعلمه، وحذّره ، وخوّفه وفي إبلاغه»(2).

وأقول: لعلّ المراد بوقوع الإعذار إعذار الأنبياء عليهم السلام ، أي بعد ثبوت حجّتهم وإحداث عذرهم، أو بعد مبالغتهم في التبليغ .

أو إعذار اللّه تعالى الأنبياء وقبول عذرهم ؛لعدم تقصيرهم في تبليغ ما يلزم عليهم، وفي نصح اُممهم .

أو إعذار العصاة ومبالغتهم في التقصير وكثرة ذنوبهم ومخالفتهم.

وقال بعض الشارحين: «يقال: أعذر اللّه إليه، إذا لم يُبق منه موضعاً للاعتذار،فالهمزة للسلب» (3).

أقول : إن ثبت هذا المعنى بالنقل فذاك، وإلّا لم يجز إثبات اللغة بالقياس.

(عن بيّنة وتعيين حجّة) خبر «يكون»، أو حال عن فاعل «هلك» و«ضلّ» ، والخبر الظرف الأوّل .

وكلمة «عن» إمّا للتعليل ، كما قالوا في قوله تعالى: «وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَا عَنْ مَوْعِدَةٍ» (4).

أو مرادفة «بعد» ، كما قيل في قوله عزّ وجلّ: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» (5). ، أي هلك عن بيّنة واضحة وحجّة ظاهرة حتّى لا يتمكّن أن يقول يوم القيامة: إنّي كنت عن هذا من الغافلين.

وقيل: معناه: معرضاً عن بيّنة(6).

(فكانت الاُمم) الماضية (في رجاء من الرسل) أي كانت تلك الاُمم ترجو بعثة رسول آخر بعد مضيّ رسول.

ص: 303


1- القاموس المحيط ، ج 2، ص 86 (عذر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 140 (نذر)
3- شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 243
4- التوبة (9) : 114
5- .المؤمنون (23) : 40
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 58

(وورود من الأنبياء) بعد مضيّ بعضهم.

(ولئن اُصيبت) الاُمم (بفقد نبيّ بعد نبيّ على عظم مصائبهم وفجائعها بهم) .

العظم ، كقفل ، أو كعنب.

قال الفيروزآبادي: «العِظَم ، بكسر العين: خلاف الصغر ، والعُظم _ بالضمّ _ اسم من التعظيم، وهو التكبّر» (1).

والفجيعة: المصيبة، والجمع: فجائع .

(فقد كانت على سعة من الأمل) ؛ لرجائهم بعثة نبيّ آخر، وعدم انقطاع الوحي بالكلّيّة.

(ولا مصيبة عظمت) .

في بعض النسخ: «ولم تك مصيبة عظمت».

(ولا رزيّة جلّت) أي عظمت .

قال الجوهري في باب المهموز: «رزأته رزيئة، أي أصابته مصيبة» (2).

(كالمصيبة برسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ اللّه حسم به الإنذار والإعذار) .

في بعض النسخ: «ختم» بدل «حسم».

قال الجوهري: «حسمته: قطعته»(3).

وقوله: (وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه) كالبيان لحسم الإنذار والإعذار.

وكذا قوله: (وجعله بابه الذي بينه وبين عباده) .

قيل: لأنّه باب جنّته وعلمه وحكمته وأسراره وتوحيده وشريعته ورحمته، ومن أراد أن يصل إلى اللّه وجب عليه أن يتوسّل إليه ، ويتمسّك به، ولفظ الباب مستعار (4).

(ومُهيمنه الذي لا يقبل إلّا به) .

في القاموس:المُهَيْمِن، وتفتح الميم الثانية ، في معنى المؤمن ، من آمن غيره من الخوف، فهو مُؤأمن بهمزتين، قلبت الهمزة الثانية ياء، ثمّ الاُولى حاء، أو بمعنى الآمين، أو المؤتمن، أو الشاهد (5).

(ولا قربة إليه إلّا بطاعته) أي لا قربة لأحد إلى اللّه تعالى، ولا وسيلة يتوسّل بها إليه إلّا بطاعته في جميع أوامره ونواهيه وما جاء به.

ص: 304


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 152 (عظم)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 53 (رزأ)
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1899 (حسم)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 244
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 277 (أمن)

(وقال في محكم كتابه) في سورة النساء: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ» ؛ لأنّه في الحقيقة مبلغ، والآمر هو اللّه تعالى .

«وَمَنْ تَوَلّى» عن طاعة اللّه أو طاعتك .

«فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» (1). حال من الكاف .

أي حفيظاً تحفظ عليهم أعمالهم، وتحاسبهم عليها، إنّما «عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ» (2). ، أو حفيظاً تسأل عن أعمالهم، وتعاقب عليها، بل إنّما «عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ» (3). ، أو حفيظاً تحفظهم عن التولّى والإعراض جبراً.

(فقرن طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته) كما يفهم من منطوق الآية ومفهومها .

قال الجوهري: «قَرَنْت الشيء بالشيء: وصلته، وقُرّنت الاُسارى في الحِبال: شدّد للكثرة، قال تعالى: «مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ» (4). » (5).

(فكان ذلك) أي ما بيّن في هذه الآية من إيجاب طاعته.

(دليلاً على ما فوّض إليه) .

في القاموس: «فوّض إليه الأمر: ردّه إليه» (6).

أي على ما ردّ إليه أمر العباد، وجعله الحاكم فيه، فوجب عليهم الطاعة ، والتسليم لأمره ونهيه ، والانقياد له في جميع ما جاء به، ولا يجوز لهم القول بالرأي في شيء من اُمور الدين ؛ لقوله تعالى: «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (7).

وقيل: فيه زجر لهم عمّا ارتكبوا من أمر الخلافة ونحوه من الاُمور الدينيّة المخالفة للقوانين الشرعيّة(8).

(وشاهداً له على من اتّبعه وعصاه) عطف على «دليلاً» ، والضمائر للرسول.

وقيل: المراد بالشاهد الحجّة والبرهان(9).

ص: 305


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 244
2- .النساء (4) : 80
3- .الرعد (13) : 40
4- .النحل (16) : 82
5- إبراهيم (14) : 49 ؛ الفرقان (25) : 13
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2181 (قرن)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 340 (فوض)
8- الحشر (59) : 7
9- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 59

(وبيّن ذلك) أي وجوب اتّباعه وطاعته.

(في غيره موضع من الكتاب العظيم) أي في مواضع عديدة منه.

(فقال تبارك وتعالى) في سورة آل عمران (في التحريص على اتّباعه) .

في بعض النسخ: «التحريض» بالضاد المعجمة.

قال الجوهري: «التحريض على القتال: الحثّ عليه»(1).

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي» .

قال البيضاوي :المحبّة : ميل النفس إلى الشيء ؛ لكمال اُدرك فيه ، بحيث يحملها على ما يقربها إليه ، والعبد إذا علم أنّ الكمال الحقيقي ليس إلّا للّه، وأنّ كلّ ما يراه كمالاً من نفسه أو غيره فهو من اللّه ، وللّه ، وإلى اللّه ، لم يكن حبّه إلّا للّه وفي اللّه، وذلك يقتضي إرادة طاعته ، والرغبة فيما يقرب به، ولذلك فسّرت المحبّة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمه لاتّباع الرسول في عبادته والحرص على مطاوعته .

«يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» جواب للأمر، أي يرض عنكم، ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عمّا فرّط منكم ، فيقربكم في جوار قدسه ، عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة والمقابلة(2). انتهى.

وقيل: المحبّة ميل القلب إلى ما يوافق ، واللّه تعالى منزّه عن أن يميل ويمال ، فمعنى محبّة العبد ربّه طاعته له، وهي إنّما تحصل باتّباعه صلى الله عليه و آله ، كما أشار إليه بقوله:

(فاتّباعُه صلى الله عليه و آله مَحبّة اللّه) .

ومعنى محبّة اللّه عبده رضاه عنه، وهو سبب لغفران ذنوبه ، وكمال فوزه بالسعادة العظمى ، وكمال نور إيمانه ، ووجوب الجنّة له .

قال:

ويمكن أن يقال: معنى محبّة العبد ربّه هو الميل إليه حقيقة، والذي يتنزّه اللّه سبحانه عنه إنّما هو الميل إليه في الحسّ ؛ لافتقاره بالجهة والمكان، وليست المحبّة الميل بالحسّ بل بالقلب، ولا يمتنع ميل القلب إليه وتعلّقه به، كما يتعلّق به المعرفة، ولما

ص: 306


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1070 (حرض) مع اختلاف يسير
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 27 و28 (مع اختلاف يسير)

كانت محبّته بهذا المعنى أيضاً لا تحصل إلّا بمتابعة النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه وسيلة إليه ، ومبيّن لما يجوز ويمتنع عليه ، وجب على من أراد أن يشرب من رحيق المحبّة أن يتمسّك بعروة متابعة التي لا انفصام لها، ولا يخفى ما في جعل المتابعة واسطة بين محبّة الطرفين من الإيماء إلى أنّه عليه السلام هو المحبوب على الإطلاق (1). انتهى.

(ورضاه غفران الذنوب) .

الظاهر أنّ رضاه مبتدأ، وضميره عائد إلى الرسول، وغفران الذنوب خبره، والحمل على المبالغة.

وما قيل من أنّ رضاه معطوف على محبّة اللّه، وغفران الذنوب عطف بيان له، أو بدل، أي اتّباعه يوجب رضى اللّه الذي هو غفران الذنوب (2). ، فبعده ظاهر.

(وكمال النور) (3).

عطف على غفران الذنوب، وعطفه على محبّة اللّه بعيد .

وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» (4).

، وقوله: «يَوْمَ لَا يُخْزِي اللّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا» (5). الآية.

وقال بعض المفسّرين: «المراد بالنور في الموضعين ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنّة »(6).

وفي قوله عليه السلام : (ووجوب الجنّة) إيماء إلى ذلك أيضاً .

(وفي التولّى عنه) أي عن الرسول صلى الله عليه و آله بإنكار رسالته ، كما سيصرح به .

(والإعراض عنه) .

كان العطف للتفسير، أو المراد الإعراض عنه بإنكار ما جاء به، وأعظمه الولاية.

(مُحادّة اللّه وغضبه وسخطه) .

قال الجوهري: «المحادّة : المخالفة، ومنع ما يجب عليك»(7).

ص: 307


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 244 و245
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآد العقول ، ج 25 ، ص 59
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الفوز»
4- .الحديد (57) : 12
5- .التحريم (66) : 8
6- اُنظر : تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 299
7- الصحاح ، ج 2 ، ص 463 (حدد)

وفي القاموس: «حادّه: غاضبه وعاداه، وداري حديدة داره، ومحادّتها : حدّها كحدّها» (1). انتهى.

والغضب ضدّ الرحمة، وهو الميل إلى إيصال الأذي.

والسخط _ بالضمّ وبالتحريك وبضمّتين _ ضدّ الرضا.

وقيل: الغضب والسخط إذا نسبا إليه تعالى يراد بهما سلب الإكرام والإحسان والعقوبة بالسلاسل والنيران(2).

(والبُعد منه مُسْكن النار) .

الظاهر أنّ «البُعد» مبتدأ، و«مسكن» _ على صيغة اسم الفاعل عن التسكين ، أو الإسكان _ خبره .

قال الجوهري: «سكن الشيء سُكوناً ، وسكّنه غيره تسكيناً، وسكنت داري ، وأسكنتها غيري» (3) .

وقال بعض الشارحين: «أي كلّ واحدة من الاُمور المذكورة مسكنة في النار» (4). ، فتأمّل.

وعلى هذا ضمير «منه» راجع إلى اللّه، أي البعد من رحمته وعدم نيلها أبداً .

وعلى ما قلناه راجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ونسبة الإسكان إلى ما نسب إليه مجاز باعتبار أنّه سبب للدخول فيها.

(وذلك) أيكون البعد منه مسكن النار (قوله) تعالى في سورة الهود: «أَ فَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونِ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» (5).

قال البيضاوي : المراد ببيّنة من ربّه برهان من اللّه يدلّه على الحقّ والصواب فيما يأتيه ويذره .

«وَيَتْلُوهُ» ، أي يتّبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل ، «شاهِدٌ مِنْهُ» ، أي شاهد من اللّه يشهد بصحّته وهو القرآن . «وَمِنْ قَبْلِهِ» ، أي ومن قبل القرآن. «كِتابُ مُوسى» ؛ يعني

ص: 308


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 286 (حدد) مع اختلاف يسير
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 245
3- .الصحاح ، ج 5 . ص 2136 (سكن) مع التلخيص
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 245
5- هود (11) : 17

التوراة ؛ فإنّها أيضاً تتلوه في التصديق، أو البيّنة هو القرآن . «وَيَتْلُوهُ» من التلاوة،والشاهد جبرئيل ، أو لسان الرسول على أنّ الضمير له، أو من التلو ، والشاهد مَلك يحفظه، والضمير في «يتلوه» إمّا ل «مَن» ، أو المبنيّة باعتبار المعنى ، و «مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى» جملة مبتدأة. «إماماً» : كتاباً مؤتمناً به في الدين، «وَرَحْمَةً» على المنزل عليهم . «أُولئِكَ» ، أي من كان على بيّنة . «يُؤْمِنُونَ بِهِ» ؛ أي بالقرآن، «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ» من أهل مكّة ، ومن تحزب معهم على رسول اللّه، «فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» يردها لا محالة (1). وأقول : يظهر منه أنّ الضمير البارز في قوله: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ» راجع إلى القرآن، وظاهر من الخبر أنّه راجع إلى الموصول في قوله: «أَ فَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنَةٍ» ، وأنّ المراد بالموصول رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وفي القاموس : الحِزب بالكسر : الطائفة وجماعة من الناس، والأحزاب جمعه، وجماعة تألّبوا وتظاهروا على حرب النبي صلى الله عليه و آله ، وجند الرجل ، وأصحابه الذين على رأيه، وتحزّبوا : صاروا أحزاباً (2).

(يعني الجُحود به ، والعصيان له) .

الضمير في الموضعين راجع إلى النبي صلى الله عليه و آله ، يعني أنّ الكفر في الآية شامل لكفرالجحود وكفر المخالفة ، ولما أومأ في تضاعيف الفقرات السابقة باستحقاقه الخلافة دون غيره ، أراد أن يصرح به ويستدلّ عليه، فقال : (فإنّ اللّه _ تبارك وتعالى اسمه _ امتحن بي عباده) ، حيث كلّفهم بطاعته ، كما أمرهم بطاعة رسوله.

(وقتل بيدي) .

في كثير من النسخ: «وقتل بي».

(أضداده) جمع ضدّ، وهو المخالف.

(وأفنى بسيفي جُحّاده) جمع جاحد .

وهذا إشارة إلى غاية جهاده واجتهاده في نصرة الدين ، ومصابرته على قتال الكافرين (3).

ص: 309


1- تفسير البيضاوى ، ج 3 ، ص 227 (مع التلخيص واختلاف يسير)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 54 (حزب)
3- قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وكان في قوّة الحرب مشهورا بين العرب والعجم ، ولم يكن يعادله أو يقاربه أحد من الاُمم ، وكان عليه السلام سيفا داميا ، وشجاعا حاميا ، قد تولّى الحرب بنفسه النفيسة ، فخاض غمارها ، واصطلى نارها ، ورفع أوزارها ، وأجرى بالدماء أنهارها ، حتّى قام الدين على ساقه غالبا مسرورا بعد ما كان من صدمات المشركين مغلوبا مقهورا»

(وجعلني زُلفة للمؤمنين) .

الزلفة بالضمّ: القرب والدنوّ ، أي جعلني سبباً ووسيلة لقرب المؤمنين؛ إذ حصل لهم بحبّه وولايته قرب منزلة عند ربّ العالمين.

(وحِياض موت على الجبّارين) .

في كثير من النسخ: «حياض» بالحاء المهملة.

قال الفيروزآبادي: «الحوض معروف، الجمع: حياض وأحواض ، من حاضّ الماء : جمعه، وحَوضا : اتّخذه .

وأنا اُحَوّض لك هذا الأمر، أي أدور حوله» (1).

وقيل: هاهنا كناية عن المعارك لورود الموت ، وكثرة أسبابه فيها، ومنه سمّي الحوض حوضاً؛ لأنّ الماء يسيل إليه ، ويجتمع فيه .

وقرأه بعضهم «حيّاض» بتشديد الياء، وفسّر بالسيال .

وفي نسخة بالخاء المعجمة ، من خاض الماء يَخوضه خَوضاً وخياضاً، أي دخله، ولعلّه أيضاً كناية عن الاشتغال بمحاربتهم ، وتهيئة أسباب موتهم وهلاكهم.

قال الفيروزآبادي: «خاض الماء يخوضه خوضاً وخياضاً: دخله .

والشراب: خلطه .

والغمرات: اقتحمها، وبالسيف: حرّكه في المضروب» (2).

وكلمة «على» للاستيلاء والاستعلاء.

والجبّار: المتكبّر العاتي الذي لا يرى لأحد حقّاً عليه.

والعظيم: القوي والشجاع ، والقتال في غير حقّ، أي جعلني موتاً على الجبّارين.

ولعلّ إدراج لفظ الحياض للدلالة على سهولة ذلك.

وقيل: المراد بالموت إمّا إزهاق النفس بالقتل، أو هلاكها بالمخالفة له عليه السلام ، والحمل على التقديرين للمبالغة (3).

ص: 310


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 329 (حوض) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 230 (خوض)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 245 و246

(وسيفه على المجرمين) .

في القاموس: «جرم فلان: أذنب ، كاجترم ، وإليهم وعليهم جريمة: جنى جناية ، كأجرم» (1).

(وشدّ بي أزر رسوله) .

في القاموس: «الأزر: الإحاطة ، والقوّة ، والضعف ، ضدّ ، والتقوية ، والظَّهر» (2).

(وأكرمني بنصره) .

والضمير لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وكذا قوله: (وشرّفني بعلمه) .

وعوده إلى اللّه في الموضعين لا يناسب السياق.

وفي بعض النسخ: «بعلمه المكنون».

قيل: هو مثل العلم بأسرار القضا والقدر والتوحيد ، وبما كان وما يكون وما هو كائن، وبأحوال القيامة والجنّة والنار ومن فيها ، وأمثال ذلك (3).

(وحَباني بأحكامه) أي أعطاني أحكام دينه؛ يقال: حباه كذا وبكذا، إذا أعطاه .

فقال: (وقد حَشَده المهاجرون والأنصار).

في القاموس: «حَشَد يَحْشِد ويَحْشُد : جمع، والزرع : نبت كلّه . والقوم : خفّوا في التعاون، أو دعوا فأجابوا مُسرعين ، أو اجتمعوا لأمر واحد ، ورجل مَحشود : مطاع يخفون لخدمته»(4). وقال الجوهري: «حشدوا يحشدون _ بالكسر _ حشد ، أي اجتمعوا، وكذلك حشدوا»(5). وقيل: كان هنا حذفاً وإيصالاً، أي حشدوا عنده ، أو معه ، أو له (6). فتأمّل.

(وانغصّت بهم المحافل) .

الانغصاص ، بالغين المعجمة والصاد المهملة: الامتلاء، والتضيّق.

ص: 311


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جرم) . وفي شرح المازندراني : «إطلاق السيف عليه على سبيل التشبيه بالقطع والإهلاك والإفناء»
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 363 (أزر) . والأظهر في المقام : الظَّهر ؛ قال المحقّق المازندراني رحمه الله : «وقد كان عليه السلام ظَهيرا له صلى الله عليه و آله في المعارك كلّها على إبطال العرب حين فشل الصحابة وجبنوا ، حتّى قوّي به ظهره ، واشتدّت به قوّته على الأعداء» . وراجع أيضا : مرآة العقول ، ج 25 ، ص 59
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 249
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 288 (حشد) مع التلخيص
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 465 (حشد) مع التلخيص
6- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 . ص 59

والمحفل ، كمجلس: المجتمع ، من قولهم: حفل الماء واللبن ، إذا اجتمع.

(أيّها الناس، إنّ عليّاً منّي كهارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي) استدراك عمّا يتوهّم من التشبيه .

(فعقل المؤمنون عن اللّه ، نطق الرسول) .

في القاموس: «عقل الشيء: فهمه»(1).

و«عن» متعلّق ب «عقل» على الظاهر، أي فهموا عن ربّهم بوساطة الرسول ، أو بتوفيقه تعالى.

وقيل: يحتمل تعلّقه بالنطق، وهو بعيد(2).

وقوله: (فاقتضى نبوّة) على صيغة المتكلّم ، أو الغائب .

وعلى الثاني المستتر فيه عائد إلى نطق الرسول وكلامه، و«نبوّة» مفعوله، ومعنى الاقتضاء الطلب والاستدعاء.

(ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي) .

في القاموس: «خلفه خلافة كان خليفته، وبقي بعده، واستخلف فلاناً: جعله خليفته»(3).

(كما استخلف موسى هارون _ صلّى اللّه عليهما _ حيث يقول: «أُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» ) أي كن خليفتي فيهم .

«وَأَصْلِحْ» ما يجب أن يصلح في اُمورهم، أو كن مصلحاً.

«وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» (4). أي لا تتّبع من سلك الإفساد، ولا تطع من دعاك إليه.

(وقوله صلى الله عليه و آله ) .

قيل: الظاهر أنّه مبتدأ خبره محذوف، أي في ولايتي، أو نحوه، وأنّ هذه الجملة يفسّرها ما بعدها، وهو قوله: (قائلاً في محفله) إلخ(5).

(حين تكلّمت طائفة) من جملتهم اُسامة بن زيد .

والظرف متعلّق بالقول .

ص: 312


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 18 (عقل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 60
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 137 و138 (خلف) مع التلخيص
4- .الأعراف (7) : 142
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 250

(فقالت: نحن موالي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

قيل: أي ملاك اُموره ومتولّيها بعده، وكلّ من ولّى أمره فهو مولاه ووليّه . أو ملاك اُمور الخلائق القائمون بها بعده، وبالجملة ادّعوا أنّ اُمور الاُمّة والتدبير والتصرّف فيها لهم (1).

(فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجّة الوداع) .

قال الجوهري: «التوديع عند الرحيل، والاسم: الوَداع ، بالفتح»(2).

(ثمّ صار إلى غدير خُمّ) بعد الفراغ من الحجّة.

وغدير خمّ _ بالضمّ وشدّ الميم _ موضع على ثلاثة أميال من الجحفة بين الحرمين، أو «خُمّ» اسم غيضة هناك بها غدير ماء ، وفيها مسجد النبي صلى الله عليه و آله .

(فأمر ، فاُصلح له شبه المنبر) .

في بعض النسخ: «فاصطلح»، وكأنّه تصحيف .

(ثمّ عَلاه) أي صعد فيه.

(وأخذ بعضدي حتّى رُئي بَياض إبطَيه) .

قال الفيروزآبادي: «العضد ، بالفتح وبالضمّ وبالكسر، وككتف وندس وعنق: ما بين المرفق إلى الكتف» (3).

وقال: «الإبط: باطن المنكب ، وتكسر الباء، وقد يؤنّث» (4).

(رافعاً صوتَه قائلاً في محفله) بكسر الفاء، أي مجتمعه.

(من كنت مولاه فعليّ مولاه) .

المراد بالمولى هنا : الأولى بالتصرّف في اُمور الدين والدنيا، وبالجملة هو السيّد المطاع ، الأولى بالنفس والمال ، كما سيجيء الإشارة إليه.

(وأنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ في ذلك اليوم) في سورة المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» .

قال البيضاوي :يعني بالنصر والإظهار على الأديان كلّها، أو بالتنصيص على قواعد العقائد ، والتوقيف

ص: 313


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 250
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1295 (ودع)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 314 (عضد)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 349 (أبط)

على اُصول الشرائع وقوانين الاجتهاد. «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» : بالهداية والتوفيق،أو بإكمال الدين، أو بفتح مكّة وهدم منار الجاهليّة. «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاءِسْلَامَ دِيناً» من بين الأديان ، وهو الدين عند اللّه لا غير(1).

انتهى كلامه .

ومعنى الآية بتفسير أهل البيت: اليوم أكملت لكم دينكم بولاية عليّ عليه السلام ، وأتممت عليكم نعمتي بإكمال الشرائع بإمامته، ورضيت لكم الإسلام ديناً بخلافته، كما أشار إليه بقوله: (فكانت وَلايتي كمال الدين) إلى قوله : (نَحَلَنيه) .

قال الفيروزآبادي: «أنحله ماء: أعطاه، ومالاً : خصّه بشيء منه، كنحله فيهما»(2).

وقال: «منحه ، كمنعه وضربه: أعطاه»(3).

وهو قوله في سورة الأنعام: «حَتّى إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ» .

قال البيضاوي :إلى حكمه وجزائه. «مَوْلاهُمُ» الذي يتولّى أمرهم. «الْحَقِّ» : العدل الذي لا يحكم إلّا بالحقّ . وقرى ء بالنصب على المدح. «أَلا لَهُ الْحُكْمُ» يومئذ لا حكم لغيره فيه. «وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» (4). يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة ، لا يشغله حساب عن حساب (5).

إلى هاهنا كلام البيضاوي.

وقيل: هذه الاُمور وإن كانت للّه تعالى ظاهراً ، لكنّها له عليه السلام باطناً، وهو سبحانه يكلها عليه، ويفوّضها إليه، وإنّما نسبها إلى ذاته المقدّسة؛ لأنّه الآمر، ولأنّ حكمه عليه السلام حكم اللّه تعالى، وكثيراً ما ينسب ما لوليّه إلى ذاته، كما مرّ نظيره في آخر كتاب التوحيد (6).

وقال بعض الأعلام: قوله عليه السلام : (وأنزل اللّه تبارك وتعالى) إلى قوله: «وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ» يحتمل وجهين:الأوّل : أن يكون المراد إنزال الآية السابقة، فالمراد بقوله عليه السلام ، وهو قوله: إنّ المولى الذي

ص: 314


1- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 294
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 55 (نحل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 251 (منح)
4- .الأنعام (6) : 61 و62
5- تفسير البيضاوي، ج 2، ص 417
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 252

أثبت لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله هو بالمعنى الذي أثبته اللّه لنفسه في قوله: «مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» ، أي السيّد المطاع، والأولى بالنفس والمال.

والثاني : أن يكون المراد إنزال الآية اللاحقة بأن يكون «مولاهم» مبتدأ، و«الحقّ» خبره، ويكون المراد بالمولى أمير المؤمنين عليه السلام ، كما ورد في بعض الأخبار في تفسيرها، ويكون في قراءة أهل البيت عليهم السلام «الْحَقُّ» بالرفع .

ثمّ قال: ويمكن توجيهه على القراءة المشهورة التي هي بالجرّ أيضاً بهذا المعنى ، بأن يكون «مولاهم» بدل اشتمال للجلالة ، والردّ إليه تعالى يكون على المجاز، والمعنى : الردّ إلى حججه للحساب، وقد شاع أنّ الملوك ينسبون إلى أنفسهم ما يرتكبه خدمهم، كما ورد في تفسير قوله تعالى: «إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ» (1). أنّهم عليهم السلام قالوا: «إلينا إياب الخلق، وعلينا حسابهم (2). » انتهى(3).

وفي القاموس: «الحقّ : من أسمائه تعالى، أو من صفاته، وضدّ الباطل»(4).

وقيل: هو الثابت الباقي. وقيل: هو بمعنى المحقّ(5).

(فيّ مناقب لو ذكرتُها لعَظُم بها الارتفاع، وطال لها الاستماع) .

في القاموس: «المنقبة: المفخرة»(6).

وقال الجوهري: «المنقبة: ضدّ المثلبة»(7). وقال: «المثالب: العيوب . الواحدة : مثلبة»(8). أقول : الظاهر أنّ قوله: «مناقب» بالرفع على الابتدائيّة، وقوله: «فيّ» _ بتشديد الياء _ خبره. ويمكن قرائتها بتخفيف الياء (9). ، و«مناقب» بالجرّ، ويكون الظرف متعلّقاً بأوّل الكلام، أي قائلاً في محفله ما ذكر في جملة مناقب.

ولعلّ المراد بقوله عليه السلام : «لعظم بها الارتفاع» ظهور عظمة ارتفاعه عليه السلام بذكر تلك المناقب.

ص: 315


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 221 (حقق)
2- .الغاشية (88) : 25
3- الكافي ، ج 8 ، ص 162 ، ح 167 ؛ تفسير الفرات ، ص 551 ، ح 551 ؛ المناقب ، ج 3 ، ص 107
4- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 60 و61
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 61
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 134 (نقب)
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 227 (نقب)
8- الصحاح ، ج 1 ، ص 94 (ثلب)
9- .كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 34 والعلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 60

(ولئن تَقَمَّصَها) أي الخلافة المعلومة من السياق ، كقوله تعالى: «تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(1) .

والتقمّص: لبس القميص ؛ أي جعلاها مشتملة عليهما كالقميص، وفيه مكنيّة وتخييليّة .

(دوني الأشْقَيَان) أي الرجلان ، واللام دليل على قسم محذوف.

و«دون» بمعنى غير، كما قيل في قوله: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» (2).

وقيل: بمعنى التجاوز ، في محلّ النصب على الحال، أي متجاوزين عنّي غير تابعين لي في الخلافة (3). ، فتأمّل.

والشقاء والشقاوة بالفتح: نقيض السعادة ، والشدّة والعسر، وفسّر الأشقى بالكافر.

واعلم أنّ ظاهر هذه الفقرات كون هذه الخطبة بعد انقراض دولة الثلاثة، وهو مناف لما مرّ في أوّل الخبر أنّه عليه السلام خطب بها بعد سبعة أيّام من وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقيل: إنّه محمول على الإخبار بحالهم عمّا يكون (4) . واللّه أعلم بحقيقة الحال.

(ونازعاني فيما ليس لهما بحقّ) من اللّه ولا من رسوله صلى الله عليه و آله .

(وركباها ضلالة ، واعتقداها جهالة) .

الضمير في الموضعين للخلافة، أي ظنّاها أنّها حقّ لهما، أو ملكاها واقتناها وتصلّبها فيها. قال الجوهري: «اعتقد ضيعة ومالاً، أي اقتناها . واعتقد الشيء، أي اشتدّ وصلب، واعتقد كذا بقلبه» (5).

وقيل: «ضلالة» و«جهالة» بالنصب على المفعول له، أو على التميز لنسبة الفعلين. ففيه على الأوّل تنبيه على أنّ ثمرة الفعلين هي الضلالة والخروج عن الدين، والجهالة في أحكامه وتبديلها وتغييرها.

وعلى الثاني على أنّ المتحقّق من الفعلين فيهما هو هذا الفرد، أعني ركوب الضلالة والجهالة دون الآخر، أعني ركوب الحقّ والعلم(6).

ص: 316


1- ص (38) : 32
2- .رواه أبو سعيد الخدري عن الرسول صلى الله عليه و آله . راجع : عوالي اللئالي ، ج 1 ، ص 85 ؛ الناصريّات للشريف المرتضى ، ص 277 ؛ الخلاف للطوسي ، ج 2 ، ص 75
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 252
4- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 62
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 510 (عقد)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253

(فلبئس ما عليه وَرَدا) من غصب الخلافة وركوبها ، واعتقادها ضلالة وجهالة.

(ولبئس ما لأنفسهما مَهّدا) من الوبال ، والنكال ، والعقوبات الاُخرويّة الدائمة.

في القاموس: «مَهَدَه ، كمنعه: بسطه، كمهّده، وكسب ، وعمل، وتمهيد الأرض : تسويته وإصلاحه»(1).

وقيل: في ذمّ العامّ دلالة على غاية فخامة ذلك ، ونهاية فظاعته ، بحيث لا يصل إليه عقول البشر ، ولا يحوم حوله طائر النظر (2).

(يتلاعنان في دُورهما) .

الدور _ بالضمّ _ جمع الدار، وهي محلّ يجمع البناء والعرصة، والمراد هنا نار البرزخونار الخلد.

(ويتبرّأ كلّ واحد منهما من صاحبه يقول) كلّ منهما (لقرينه) الذي كان يضلّه ويغويه.

قال الفيروزآبادي: «القرين: المقارن والمصاحب، والشيطان المقرون للإنسان الذي لا يفارقه» (3).

(إذا التقيا : يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين) .

قيل : أي بعد المشرق من المغرب، فغلب المشرق ، وثنّي كالعمرين، واُضيف البعد إليهما (4).

وقيل: مشرق الصيف ومشرق الشتاء (5).

والحاصل أنّه قال لقرينه: ليتني لم أعرفك في الدنيا، ولم أكن قرينك، وليت كانت بيني وبينك هذه المسافة من البُعد.

(فبئس القرين) أنت في النار.

وقيل: بئس القرين كنت في الدنيا .

وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتّى إِذا جَائَنا قَالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ» (6).

ص: 317


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 339 (مهد)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 259 (قرن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 119 ؛ وج 55 . ص 174 . وراجع أيضا : تفسير مجمع البيان ، ج 9 ، ص 335 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص 335 ؛ تفسير السمعاني ، ج 5 ، ص 326
6- الزخرف (43): 36 _ 38

(فيُجيبه الأشقى) يعني قرينه.

(على رُثُوثة) أي حال كونه على قبح منظر ، وسوء حال ، وتغيّر هيئة بألم النار.

قال الفيروزآبادي: «الرثّ : البالي ، والرثاثة والرثوثة: البذاذة» (1). ، وقال: «بذِذْتَ _ كعلمت _ بذاذة: سائت حالك» (2).

(ليتني لم أتّخذك خليلاً) .

يفهم منه أنّ المراد بقوله تعالى : «فُلَاناً» (3). هذا الأشقى، وأنّه بعمومه شامل له أيضاً.

(لقد أضللتني عن الذكر)؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام كما سيصرح به، أو القرآن، أو ذكر اللّه، أو موعظة الرسول صلى الله عليه و آله .

«بَعْدَ إِذْ جائَنِي» وتمكّنت منه ومن الاقتداء به.

قيل: هذا كلامه عند اللقاء، وأمّا عند مفارقته وتألّمه بشدّة العقوبة وكمال غيظه عن صاحبه، فيقول ما ذكر اللّه في كتابه من باب الغيبة: «يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» (4). الآيات، (5). فتأمّل.

«وَكَانَ الشَّيْطَانُ» ؛ يعني الخليل والقرين المضلّ. وقيل: أو إبليس؛ لأنّه حمله على مخالفته ومخالفة الرسول، أو كلّ من تشيطن من جنّ أو إنس.

«لِلإِنْسَانِ خَذُولاً» ؛ فَعول من الخذلان، أي يُواليه حتّى يؤدّيه إلى الهلاك ، ثمّ يترك ولا ينفعه.

(فأنا الذكر الذي عنه ضَلّ) بعد إذ جاءه (والسبيل الذي عنه مال).

وتمنّى الأخذ به حيث لا ينفعه التمنّى في قوله : «يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» .

(والإيمان الذي به كفر) .

كأنّه على البناء للمفعول، وإشارة إلى قوله تعالى: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْاءِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْاخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (6) .

ص: 318


1- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 167 (رثث)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 351 (بذذ)
3- .الفرقان (25) : 28
4- .الفرقان (25) : 27
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 253 و254
6- .المائدة (5) : 5

وتسميته عليه السلام إيماناً لعدم تحقّقه إلّا بولايته.

(والقرآن الذي إيّاه هَجَر) على صيغة المجهول، ظاهراً إشارة إلى قوله تعالى: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» (1).

قال البيضاوي : متروكاً ، وأعرضوا عنه، أو مجروراً، أو هجروا ولغوا فيه إذا سمعوه، أو زعموا أنّه هجر وأساطير الأوّلين، فيكون أصله مهجوراً عنه، فحذف الجارّ، ويجوز أن يكون بمعنى الهجر كالمجلود والمعقول . انتهى (2).

وقيل: سمّي هجره عليه السلام هجر القرآن؛ لأنّه مترجم القرآن ولسانه، ولأنّ من هجره هجر القرآن ومقتضاه من الأمر بولايته (3).

(والدين الذي به كذّب) كما في قوله تعالى: «أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ» (4). ، ولعلّه عليه السلام ديناً؛ لأنّ تمام الدين بولايته.

(والصراط الذي عنه نَكب) على صيغة المجهول، إشارة إلى قوله تعالى: «وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْاخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» (5).

قال الجوهري : «نكب عن الطريق ينكب نُكوباً : عدل» (6).

(ولئن رَتَعا في الحُطام المُنصرم) .

الحطام ، بالضمّ : النبات اليابس المتكسّر . والانصرام : الانقطاع.

وقيل: استعار الحطام للمال ومتاع الدنيا، ووجه المشابهة قلّة الانتفاع وعدم البقاء وسرعة الزوال والفناء، ووصفه بالانصرام للمبالغة والتأكيد في عدم الاعتماد عليه، وتشبيه الرجلين بالبهائم مكنيّة ، وإثبات الرَّتع لهما تخييليّة ، وذكر الحطام ترشيح .

(والغرور المُنقطِع) .

الغَرور ، بالفتح: الدنيا، سمّيت به لأنّها توجب غرّة أهلها وغفلتهم عن الآخرة . أو بالضمّ ، مصدر غرّه غرّاً وغُروراً وغرّة، أي خدعه ، وأطمعه بالباطل.

ص: 319


1- الفرقان (25) : 30
2- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 215 (مع اختلاف يسير)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 254
4- .الماعون (107) : 1
5- المؤمنون (23) : 74
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 228 (نكب)

قيل: وأمّا الغُرور _ بالضمّ _ وهي الأباطيل ، جمع غارّ، فيأباه تذكير المنقطع (1).

أقول : يمكن على هذا الاحتمال حمل التذكير على اعتبار اللفظ.

(وكانا منه على شَفا حُفرة من النار) .

الشفا : حَرْف كلّ شيء، أي طرفه وشفيره وحدّه، وأشفى عليه: أشرف . وكلمة «من» للابتداء، أو للتعليل، أو بمعنى عند، أي وكانا من الرتع في الحطام، والغرور المقتضي لتركهما دين الحقّ وارتكاب غصب الخلافة على طرف حفرة من نار جهنّم لم يكن حاجز من إدراك ألمها ، والسقوط فيها إلّا الموت.

(لهما على شرّ ورود) .

اللام لجواب القسم المقدّر، وكونها زائدة بعيد (2). ، أي الأشقيان مشرفان على شرّ إتيان ووصول على اللّه يوم القيامة ، وعلى أقبح الوجوه والأحوال.

(في أخيب وُفود) .

قال الجوهري: «خاب الرجل خيبة، إذا لم ينل ما طلب»(3).

والوُفود _ بالضمّ _ مصدر بمعنى القدوم والورود، أو جمع وافد، وهم قوم يجتمعون ويردون البلاد، أو يقصدون السلاطين والاُمراء للزيارة، أو الاسترفاد(4).

(وألعن مَورود) .

قال الجوهري: «اللعن: الطرد ، والإبعاد من الخير .

واللعنة الاسم، الجمع: لعان ولَعَنات ، والرجل لعين وملعون، والمرأة لعين أيضاً، واللعين: الممسوخ»(5).

أي ذانك الأشقيان في أبعد موضع من الخير يردان عليه ، وهو نار جهنّم.

وقيل: أو صديدها نزلهما منزلة الماء على سبيل التهكّم؛ لأنّ الماء يراد لتبريد وتسكين العطش والنار، وصديدها بالضدّ.

يقال: ورد الماء يرده وُروداً ، إذا حضره ليشرب، والوِرد ،

ص: 320


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 254
2- .الأوّل مال إليه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 62 ، والثاني مختار المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 255
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 123 (خيب)
4- قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «المراد هنا الثاني»
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2196 (لعن)

بالكسر: النصيب من الماء الذي يرده الواردون وهو مورود(1).

وقيل: الظاهر أنّ اللعن هنا مشتقّ من المبنيّ للمفعول على خلاف القياس ، كأعذر وأشهر وأعرف، أي يدخلون في قوم مورود عليهم هم أكثر الناس استحقاقاً للعن.

قال: ويحتمل أن يكون مشتقّاً من المبنيّ للفاعل، أي القوم الذين هم يردون عليهم يلعنونهم أشدّ اللعن (2).

(يتصارخان باللعنة) .

أي لعنة كلّ واحد منهما صاحبه. والصُّراخ ، كغراب: الصوت، أو شديده.

(ويتناعقان بالحسرة) على ما فرّطا في جنب اللّه، وقصّرا في حقوقه.

قال الفيروزآبادي : «نعق بغنمه _ كمنع وضرب _ نَعقاً ونَعيقاً: صاح بها، وزجرها، والغُراب : صاح» (3) . وقد شاع في العرف تشبيه الصوت الذي يصدر عند الشدّة والبليّة بصوت البهائم .

(ما لهما من راحة) من شدّة العقوبة.

(ولا عن عذابهما من مَندوحة) أي سَعَة وفسحة من النجاة عن العذاب.

قال الجوهري : «النُّدح بالضمّ: الأرض الواسعة، والمنتدح : المكان الواسع . ولي عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح، أي سعة، يقال: إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب» (4).

وقوله عليه السلام : (إنّ القوم لم يزالوا عُبّاد أصنام ... ) إشارة إلى مسبوغ نعم اللّه عليهم وكفرانهم ؛ فإنّهم كانوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه و آله في الشرك وآثار الجاهليّة، فأخرجهم برحمته منها ، وهداهم إلى الإسلام، وأظهرهم على أهل الأديان، ثمّ ارتدّوا على أدبارهم، ونكصوا على أعقابهم، ورجعوا إلى الجاهليّة الأولى، فبدّلوا نعمة اللّه كفراً، وأحلّوا قومهم دار البوار ، جهنّم يصلونها وبئس القرار.

(وسَدَنة أوثان) أي خدمها ، جمع سادن، وهو خادم الكعبة وبيت الأصنام.

قال الجوهري: «الصنم : واحد الأصنام . يقال: إنّه معرّب شمن ، وهو الوثن» (5). وقال:

ص: 321


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 62
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 255
3- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 286 (نعق)
4- الصحاح ، ج 1 . ص 409 (ندح)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1969 (صنم)

«الوَثَن : الصنم ، والجمع: أوثان» (1).

(يُقيمون لها) أي للأصنام والأوثان (المناسك).

في القاموس:

النسك ، مثلّثة وبضمّتين: العبادة، وكلّ حقّ للّه عزّ وجلّ، وقد نسك _ كنصر وكرم _ وتنسّك نسكاً _ مثلّثة وبضمّتين _ مَنسكاً ونساكة . والنسك ، بالضمّ وبضمّتين، وكسفينة : الذبيحة، وكمجلس ، ومقعد شرعة النسك ، و «أَرِنا مَناسِكَنَا» (2). : متعبّداتنا ، ونفس النسك، وموضع تذبح فيه النسيكة (3).

(وينصبون لها العَتائر) .

قال الجوهري: «العِتر : شاة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم ، كالعَتيرة ، وعتر :ذبح العتيرة» (4).

(ويتّخذون لها القُربان) . في القاموس: «القربان ، بالضمّ : ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى» (5).

(ويجعلون لها البَحيرة والوَصيلة والسائبة والحام) .

قال الفيروزآبادي:البَحر : شقّ الاُذن، ومنه البَحيرة، كانوا إذا نُتجت الناقة أو الشاة عشرة أبطن بحروها ، وتركوها ترعى، وحرّموا لحمها إذا ماتت على نسائهم ، وأكلها الرجال، أو التيخلّيت بلا راع، أو التي إذا نتجت خمسة أبطن، والخامس ذكر نحروه ، فأكله الرجال والنساء، وإن كانت اُنثى بحروا اُذنها، فكان حراماً عليهم لحمها ولبنها وركوبها، فإذا ماتت حلّت للنساء، أو هي ابنة السائبة ، وحكمها حكم اُمّها ، وهي الغزيرة أيضاً، الجمع: بحائر وبُحُر (6).

قال: السائبة: المهملة ، والبعير يُدرك نِتاج نتاجه فيسيّب، أي يترك ولا يركب ، الناقة كانت تسيّب في الجاهليّة لنذر ونحوه ، إذا ولدت عشرة أبطن كلّهنّ اُناث سيّبت ، أو كان ينزع من ظهرها فقارة أو عظماً، وكانت لا تمنع عن ماء ولا كلأ ، ولا تركب (7).

ص: 322


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2212 (وثن)
2- .البقرة (2) : 128
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 321 (نسك)
4- .الصحاح ، ج 2 ، ص 736 (عتر) مع اختلاف يسير
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 114 (قرب)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 367 (بحر)
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 84 (سيب)

وقال:الوَصيلة: الناقة التي وصلت بين عشرة أبطن، ومن الشاء : التي وصلت سبعة أبطن عناقين عناقين، فإن ولدت في السابعة عناقاً وجَدياً.

قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبن الاُمّ إلّا الرجال دون النساء، وتجري مجرى السائبة .

أو الوصيلة خاصّة بالغنم كانت الشاة إذا ولدت الاُنثى، فهي لهم، وإذا ولدت ذكراً جعلوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكراً واُنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، أو هي شاة تلد ذكراً ثمّ اُنثى، فتصل أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها، فإذا ولدت ذكراً قالوا: هذا قربان لآلهتنا (1).

وقال: الحامي: الفحل من الإبل يُضرب الضراب المعدود، أو عشرة أبطن، ثمّ هو حام حُمي ظهره فيترك ولا ينتفع منه بشيء، ولا يمنع من ماء ولا مرعى(2).

(ويستقسمون بالأزلام) .

في القاموس: «الزَّلَم ، محرّكة وكصرد: قدح لا ريش عليه ، وسهام كانوا يستقسمون بها في الجاهليّة» (3).

وقال الجوهري: «القِسم بالكسر: الحظّ والنصيب من الخير، واستقسم، أي طلب القسم بالأزلام» (4).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ» (5). :

أي وحرم عليكم الاستقسام بالأقداح (6). ، وذلك أنّهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح: مكتوب على أحدها: «أمرني ربّي»، وعلى الآخر: «نهاني ربّي»، والثالث: «غفل».

فإن خرج الأمر مضوا على ذلك، وإن خرج النهي تجنبوا عنه، وإن خرج الغفل أجْلوها .

ثانياً فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم [لهم ]بالأزلام.

وقيل: هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة. انتهى(7).

ص: 323


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 65 (وصل)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 320 (حمي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 125 (زلم)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2011 (قسم) مع التلخيص
5- .المائدة (5) : 3
6- .في المصدر : «بالأزلام»
7- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 293 . وفي الحاشية : «قال القاضي البيضاوي : لأنّه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أنّ ذلك طريق إليه ، وافتراء على اللّه إن اُريد بربّي اللّه ، وشرك إن أريد به الصنم . وقال بعض المحقّقين منهم صاحب الكشّاف : لأنّ فيه طلب علم الغيب من غير اللّه ، كاستعلام الخير والشرّ من الكهنة والمنجّمين . وأمّا طلبه منه تعالى ففيه كلام قد أطبقوا على جواز الاستخارة بالقرآن . أقول : من قبيل الاستقسام بالأزلام ما اشتهر اليوم من الاستخارة بديوان بعض الشعراء. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص257

قيل (1). : المراد بالاستقسام هو الميسر والقمار المعروف بينهم ، كانوا يستقسمون الجَزور بالأقداح العشرة على الأنصباء المعلومة ، والسهام العشرة على الترتيب الذي نظمه بعض الشعراء قال:

«الفَذّ والتَّوأم والرقيب والنافس والمُسبُل***والحِلس والمُعلى والسَفيح والمنيج والوَغد»

والثلاثة الأخيرة لا نصيب لها، وكانت على مخرجها قيمة الجزور، ولكلّ واحد من السبعة السابقة نصيب بتزائد واحد على السابق، فالفَذّ له سهم، والتوام له سهمان، وهكذا حتّى كان للمعلى النصيب الأعلى، فمن أخرج واحداً منها أخذ نصيبه.

وجعل الجوهري والفيروزآبادي الحِلس رابعاً، والنافس خامساً، والمُسبُل سادساً ، أو خامساً (2).

(عامهين عن اللّه عزّ ذكره) .

في القاموس: العَمَه محرّكة: التردّد في الضلال، والتحيّر في منازعة أو طريق، أو أن لا يعرف الحجّة .

عمه _ كمنع وفرح _ عَمَهاً فهو عمه وعامه، الجمع: عُمهون ، وعُمّه كركّع (3).

وفي النهاية: «العَمَه في البصيرة كالعمى في البصر» (4). فكما أنّ الأعمى لا يهتدي إلى مقاصده المحسوسة بالبصر لعدمه ، كذلك فاقد البصيرة لا يهتدي إلى مقاصده المعقولة ؛ لاختلال بصيرته.

ص: 324


1- .في النسخة : «يعني قيل»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 257 . وراجع للمزيد : الصحاح ، ج 5 ، ص 1724 ؛ لسان العرب ، ج11 ، ص 322 (سبل) ؛ تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 158
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 288 (عمه)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 304 (عمه)

(جائرين (1). عن الرشاد) .

بالجيم ، والراء المهملة، أي مائلين عن قصد الطريق ومنهج الحقّ، والصواب من الجور وهو الميل عن القصد .

وفي بعض النسخ : «جائزين» بالجيم والزاي المعجمة، أي سالكين طريقاً حال كونهم معرضين عن الرشاد، أو متجاوزين عنه، يقال: جُزت الموضع جوازاً، أي سلكت وسرت فيه.

وفي بعضها: «حائرين» بالحاء والراء المهملتين ، من الحيرة بالشيء وعدم الاهتداء بسبيله، أو من الحَور بمعنى الرجوع.

(ومُهطعين إلى البِعاد) .

قال الجوهري: «أهطع في عَدوه، أي أسرع، وأهطع ، إذا مدّ عنقه، وصوّب رأسه» (2).

وقال: «البُعد: ضدّ القرب، والبَعَد بالتحريك: الهلاك، والأبعد: الخائن» (3).

وقال الفيروزآبادي: «المُهطع ، كمحسن: الساكت المنطق إلى من هتف به» (4).

وقال: «البعد معروف، والموت، والبعد والبعاد: اللعن» (5).

ويمكن إرادة كلّ من تلك المعاني هاهنا، أي مسرعين أو منطلقين إلى البعاد عن رحمة اللّه، أو عن الخير، أو عن سبيل الحقّ، أو إلى الهلاك، أو إلى اللعن، أو إلى الخيانة ؛ لجهلهم بربّهم ونبيّهم ومراشد اُمورهم .

(قد استحوذ عليهم الشيطان) أي استولى عليهم وغلبهم .

قال الجوهري: استحوذ عليهم الشيطان: غلب، وهذا جاء بالواو على أصله، كما جاء استروح واستصوب .

وقال أبو زيد: هذا الباب كلّه يجوز أن يتكلّم به على الأصل، تقول العرب: استصاب واستصوب، واستجاب واستجوب، وهو قياس مطّرد عندهم (6).

(وغَمَرتهم سَوداء الجاهليّة) .

يقال: غمره الماء _ كنصر _ إذا أعلاه وغطّاه.

ص: 325


1- .في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «حائرين»
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1307 (هطع) مع اختلاف يسير
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 448 (بعد)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 99 (هطع)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 278 (بعد)
6- الصحاح ، ج 2 ، ص 563 (حوذ)

والسَوداء تأنيث أسود، من قولهم: هو أسود من فلان، أي أجلّ منه، والمقصود نخوة الجاهليّة وتجبّرها .

أو من السواد، ولعلّ الإضافة حينئذ من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو من قبيل لجين الماء ، وقد شاع تشبيه الجهل والكفر والضلال بالسواد وتوصيفها به.

وقيل: يحتمل أن يكون السوداء كناية عن البدع المظلمة ، أو الملل الباطلة المضلّة مضافة إلى الجاهليّة (1).

وقيل: المراد بالسوداء إمّا الجاهليّة على أن تكون الإضافة بيانيّة، أو الجهالة، أو الخصلة الذميمة على أن تكون الإضافة بتقدير «في»، ووصفها بالسوداء للدلالة على حيرتهم فيها.

ولعلّ المراد أنّهم كانوا غائصين في الجاهليّة ، أو في جهالتها، أو في خصالها الذميمة، وهو كناية عن تصرّفاتهم الباطلة على جهل منهم بما ينبغي لهم من وجوه التصرّفات الصحيحة.

ويمكن أن يكون المراد أنّهم كانوا في شدّة وبليّة، وذلك لأنّ العرب كانت حينئذ في شدائد من ضيق المعاش والنهب والغارات وسفك الدماء (2).

(ورضعوا (3). جهالة) .

قال الجوهري: «رضع الصبي اُمّه يرضعها رضاعاً ، مثل سمع يسمع سماعاً .

وأهل نَجد يقولون: رضع يرضع رَضعاً ، مثال ضرب يضرب ضرباً» (4).

وأقول : بهذا يظهر فساد ما قيل من أنّ تشبيه الجهالة باللبن مكنيّة، ونسبة الرضاع إليها تخييليّة (5). ، بل الصواب أن يقال: تشبيه الجهالة بالاُمّ مكنيّة، ونسبة الرضاع إليها ترشيح أو تخييل.

وفيه تنبيه على أنّهم من أوّل العمر كانوا راغبين في تحصيل لوازم الجهالة.

ص: 326


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج 25 ، ص 65
2- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 258
3- .في الطبعة القديمة وشرح المازندراني ومرآة العقول : «ورضعوها»
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1220 (رضع)
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11، ص 258

(وانتظموها (1). ضلالة) .

ضمير التأنيث راجع إلى الجهالة .

وقال الفيروزآبادي: «نظم اللؤلوء ينظمه نظماً: ألّفه وجمعه في سلك، فانتظم، وانتظمه بالرمح: اختلّ» (2).

وأقول: يفهم منه أن «ضلالة» تميزاً، أو مفعولاً له، أو الضمير مبهم يفسّره ما بعده، أي صادوا ضلالة .

[و] الانتظام لازم متعدّ. ولعلّ المعنى على الأوّل : انتظموا مع الجهالة في سلك من حيث الضلالة ، أو لأجلها . وعلى الثاني لعلّ المراد: انتظموا الجهالة بالضلالة، وخاطوها بها. وفي بعض النسخ: «وانفطموا ضلالة»، وهو أظهر (3). ؛ يقال: فطم الصبي، أي فصله عن الرضاع، فانفطم.

والظاهر أنّ نصب ضلالة حينئذ على التميز، ويحتمل الحذف والإيصال، أي انفطموا من الرضاع مع الضلالة أنّهم رضعوا مع الجهالة.

وبالجملة كانوا في صغرهم وكبرهم مع الجهالة والضلالة، وأنّ الضلالة والجهالة تمكّنتا فيهم حتّى كأنّهما صارتا غذاء لهم بحيث نبت عليه لحمهم، واشتدّ به عظمهم، أو أنّهم جَهَلَة وضُلّال في مفتتح اُمورهم ومختتمها .

والحاصل أنّ مبنى جميع اُمورهم على الجهالة والضلالة.

وقيل: أي انفطموا عن رضاع الجهالة من أجل غذاء الضلالة ، شبّه الضلالة بالطعام بعد الفطام، والمقصود بيان غمرتهم بالجهالة حتّى صار ذلك حاجباً لهم عن قبول الحقّ سابقاً، والرجوع عنه لاحقاً (4). ، انتهى وهو كما ترى.

(فأخرجنا اللّه إليهم رحمة، وأطلعنا عليهم رأفة) .

الرأفة: أشدّ الرحمة، أو الرأفة ضدّ القسوة، والرحمة ضدّ الغضب، وتعرف الرأفة حينئذ

ص: 327


1- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 181 (نظم)
2- في الطبعة القديمة ومرآة العقول : «وانفطموها» . وفي الطبعة الجديدة وأكثر النسخ التي قوبلت فيها : «وانتظموا»
3- .كما ضبطه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 65
4- . قاله المحقّق المازندراني؛ في شرحه، ج 11 ، ص 258 و259

بأنّها تأثّر القلب عن وصول الأذى إلى الغير، والرحمة بأنّها ميل القلب إلى إيصال النفع إلى الغير، وعلى التقديرين نسبتهما إلى جناب القدس باعتبار الغايات لا المبادي.

قال الفيروزآبادي:

طلع الكوكب: ظهر، وأطلعه على الأمر: علّمه، وأطلع فلاناً علينا: أتانا، وأطلعته طِلْعَ أمري ، بالكسر: أبثثته سرّي ، وأطلع إليه معروفاً: أسدى، وفلاناً: أعجله ، وعلى سرّه: أظهره (1).

وقال: «أسدى إليه: أحسن» (2). انتهى.

وعليك تطبيق كلامه عليه السلام بأحد تلك المعاني بالتأمّل، ولا يبعد أن يقرأ: «أطلعنا» بصيغة المتكلّم على بعض الوجوه.

(وأسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه) .

في القاموس: «سفر الصبح يسفر: أضاء وأشرق، كأسفر، والمرأة: كشفت عن وجهها»(3). وقال الجوهري: «اقتبس منه ناراً وعلماً: استفاده»(4).

(وفضلاً لمن اتّبعه، وتأييداً لمن صدّقه) .

يقال: أيّدته تأييداً، أي قوّيته. قال بعض الأفاضل: قوله عليه السلام : «وأسفر بنا» إلخ، أي أظهر بسببنا كاشفاً عن حجب الغيب التي أحاطت بنا نوراً، فقوله: «نوراً» مفعول للأسفار، والمراد أنّه أظهر بكلّ منّا نوراً، والمراد بالنور ذواتهم عليهم السلام على سبيل التجريد من قبيل: لقيت بزيد أسداً، أو علومهم وبركاتهم وآثارهم.

قال: ويحتمل أن يكون المراد بالنور الرسول صلى الله عليه و آله ، وعلى الأخير يحتمل أن يكون الباء للمعيّة، ويحتمل أن يكون للتعدية؛ إذ الغالب أنّ الأسفار يستعمل لازماً بمعنى الإضاءة، فقوله: «نوراً» حال، وإنّما اُفرد للإشعار بأنّهم نور واحد تنزيلاً للجميع منزلة شخص واحد(5).

وقيل: الإسفار: الإضاءة والإشراق، والباء للسببيّة . والمراد بالحجب أغشية الجهالة المنصوبة على قلوب الكافرين، وأغطية الغفلة المضروبة على عقول الغافلين ، حتّى غفلوا

ص: 328


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 59 (طلع)
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 341 (سدي)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 49 (سفر) مع التخليص
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 960 (قبس) مع اختلاف في الألفاظ
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 65

عن الربّ وصفاته، وما ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم . و«نوراً» وما عطف عليه منصوب على التميز، وهو في المعنى فاعل «أسفر» ، كما هو المقرّر في النحو، والمراد به أنّ القرآن أو الشريعة أو العلوم الحقّة؛ أي يبصر بنورها ذو العماية، ويرشد بهداها ذو الغواية.

والمراد بالفضل إمّا الإحسان بهداية القلوب بعد ما كانت غائصة في ظلمات الذنوب، أو العلم والفضيلة، وهي الدرجة الرفيعة في الفضل والكمال، أو النعمة الجسميّة ، ومنه الفواضل وهي الأيادي الجميلة.

والمراد بالتأييد التقوية ، والنصرة في الدين ، والإعانة في طلب اليقين ، من الأيد بمعنى القوّة .

وملخّص المعنى: واللّه يعلم أسفر الحقّ، أي أضاء وأشرق وكشف نوره وفضله وتأييده عن الحجب الظلمانيّة المذكورة بسبب وجودنا، فوجودنا سبب لوصول تلك النعماء الجسميّة من اللّه تعالى إليهم.

قال: ويمكن أن يكون «أسفر» باعتبار أنّه بمعنى أضاء متعدّياً، و«نوراً» مفعوله، والباء للسببيّة، كما مرّ، فإنّ «أضاء» قد يجيء للتعدية أيضاً(1).

(فتبوّؤا العزّ بعد الذلّة) .

قال الجوهري: «المُباءة : منزل القوم في كلّ موضع، وتبوّأت منزلاً، أي نزلته، وبوّأت للرجل منزلاً، وبوّأته منزلاً بمعنى، أي هيّأته ومكّنت له فيه» (2). انتهى.

أي نزلوا وسكنوا واستقرّوا في عزّ الدنيا والآخرة بالهداية ، بعد الذلّة بالغواية والقتل والغارة وأمثالها من أسباب المذلّة.

(والكثرة بعد القلّة) .

في القاموس: «الكثرة ، ويكسر : نقيض القلّة»(3).

وقيل في توجيه كثرتهم بعد قلّتهم: اجتماعهم على دين واحد، حتّى كأنّهم صاروا شخصاً واحداً بخلاف أحوالهم سابقاً،

ص: 329


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كثر)
2- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 259
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 37 (بوأ)

فإنّهم كانوا على مذاهب مختلفة ، وآراء متشتّتة ، ومنازل متباعدة ، حتّى لا يقدر كلّ صنف منهم أن يبيت في بيته ومنزله خوفاً(1).

(وهابتهم القلوب والأبصار) ؛ لما اُعطي النبيّ المختار من الرعب في قلوب الكفّار في الأمصار والأقطار .

(وأذعنت لهم الجَبابرة وطوائفها) . في بعض النسخ: «طواغيتها».

قال الفيروزآبادي: «أذغن [له] : خضع ، وذلّ ، وأقرّ ، وأسرع في الطاعة ، وانقاد»(2).

وقال: «الجبّار: كلّ عات ، كجبّير ، كسكّيت» (3).

أقول : كان الجبابرة جمع جبّير.

وقال: «الطائفة من الشيء: القطعة منه، أو الواحد فصاعداً، أو إلى الألف، أو أقلّها رجلان أو رجل، فيكون بمعنى النفس»(4).

ولعلّ المراد بالجبابرة الملوك، وبطوائفها رعاياها وأهل مملكتها.

وقيل: الظاهر أنّ إضافة الطوائف أو الطواغيت إلى ضمير الجبابرة بتقدير اللام، وأنّ المراد بهم الولاة المنصوبة من قبل الجبابرة(5).

(وصاروا أهلَ نعمة مذكورة) فيما بين الناس على جهة التعظيم ، من الذكر بمعنى الثناء والشرف .

قيل : هذا ناظر إلى الإذعان والانقياد(6).

(وكرامة مَيسورة) أي حصّلت لهم باليسر.

في القاموس: «الميسور: ما يسّر، أو هو مصدر على مفعول» (7).

وفي بعض النسخ: «وكرامة منشورة»، أي المنتثرة الشايعة في الآفاق. وقيل: هذا ناظر إلى الهيبة(8).

(وأمن بعد خوف) من الأعداء.

ص: 330


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 225 (جبر)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 384 (جبر)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 170 (طوف)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه : ج 11 ، ص 260
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 163 (يسر)
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260

وقيل: هذا ناظر إلى العزّ(1).

(وجمع بعد كَوف) (2). أي تفرّق وتقطّع.

قال الفيروزآبادي : «ظلّوا في كوفان : في عصف ، كعصف الريح ، أو اختلاط وشرّ ، أو مكروه ، أو أمر شديد، وكوّفت الأديم: قطّعته»(3).

وقال الجوهري : «تركهم في كوفان ، أي في أمر مستدير، ويقال في عَناء ومشقّة ودوران» (4).

وفي بعض النسخ: «حوب» بدل «كوف». وفي القاموس: «الحوب: الحزن والوحشة»(5).

وقيل: هذه الفقرة ناظر إلى الكثرة(6).

(وأضاءت بنا مفاخر مَعَدّ بن عَدنان) أي ظهر بنا افتخار العرب وتمدّحها (7). بالخصال.

والمفاخر جمع مفخرة، وهي ما يفتخر به، أو جمع فخر على غير قياس.

وقال الجوهري في فصل العين والدال: «معدّ أبو العرب، وهو معدّ بن عدنان، وكان سيبويه يقول: الميم من من نفس الكلمة لقولهم تَمَعْدَد ، لقلّة تَمَفعل في الكلام» انتهى (8)

وقد كانت له مفاخر كثيرة، وقيل: كان بينهم إلى عدنان عشرون بطناً، وقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه اصطفى من العرب معدّاً، واصطفى من معدّ بني النضر بن كنانة، واصطفى هاشماً من بني النضر، واصطفاني من بني هاشم» .(9) .

وفي رواية اُخرى: «إنّ اللّه اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من بني قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» (10)

ص: 331


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «حوب»، كما ضبطه المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 34
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 193 (كوف)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1425 (كوف)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 58 (حوب)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
7- كذا قرأناه . وقال ابن منظور : «تمدّح الرجل بما ليس عنده : تشبّع وافتخر» . لسان العرب ، ج 2 ، ص 590 (مدح)
8- .الصحاح ، ج 2 ، ص 506 (عدد)
9- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج 11، ص 260 . ولاحظ الخبر في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 7، ص63
10- رواه السمعاني في الأنساب ، ج 1 ، ص 26 ، ح 25 عن أبي البركات عبد الوهّاب الأنماطي ، عن أبي الفضل حمد بن أحمد الحدّاد ، عن أبي نعيم ، عن سليمان بن أحمد ، عن أحمد بن عبد الوهّاب ، عن أبي المغيرة ، عن الأوزاعي ، عن شدّاد ، عن واثلة بن الأسقع ، عن الرسول صلى الله عليه و آله

(وأولجناهم بابَ الهدى) أي أدخلناهم فيه؛ إذ بهم خرج الناس من الكفر والحيرة والضلالة، ودخلوا باب الهداية.

(وأدخلناهم دار السلام) .

قال الجوهري: «السلام: السلامة، والاستسلام، واسم من أسماء اللّه تعالى» (1). ؛ أي أدخلناهم دار الإسلام ، أو بيت السلامة والأمن في دار الدنيا، أو المراد بها الجنّة، أي أدخلناه فيما يوجب دخولها.

(وأشملناهم ثوب الإيمان) .

في القاموس: «الشملة بالفتح، كساء دون القطيفة يشتمل به، وأشمله: أعطاها إيّاه» (2).

أي ألبسناهم وأعطيناهم خلعة الإيمان.

وقيل: التركيب من باب لجين الماء، والوجه هو الإحاطة والشمول والزينة(3).

(وفَلَجوا بنا في العالمين) .

قيل: أي غلبوا وظفروا، أو ظهروا ؛ لأنّهم كانوا في خمول الذكر وظلمة الكفر، وبهدايتهم عليهم السلام خرجوا إلى نور الإسلام، واشتهروا وظهروا في الناس(4).

أقول: في كون الفلج بمعنى الظهور خفاء. قال الجوهري: «الفَلج: الظفر والفوز، وقد فلج الرجل على خصمه، يفلج فَلَجاً»(5).

ومثله في القاموس(6).

(وأبدت لهم أيّام الرسول آثار الصالحين) .

في بعض النسخ: «وأثبت لهم».

قال الجوهري: «أبديته، أي أظهرته» .(7) وقيل: الإبداء: الإظهار . و«الأيّام» فاعله، والإسناد

ص: 332


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1951 (سلم) مع التلخيص
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1739 (شمل) مع التخليص
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 260
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 335 (فلج)
6- اُنظر : القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 203 (فلج)
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2278 (بدا)

مجاز، والآثار مفعوله، ولو كان الإبداء بمعنى الظهور أو الابتداء كانت الآثار فاعله، والأيّام ظرفاً له (1). ، فتأمّل.

(من حام مُجاهد) بيان للصالحين، وإشارة إلى بعض أنواع صلاحهم.

قال الجوهري: «حميته حِماية، أي دفعت» (2). ولعلّ المراد بالحامي المجاهد من يَحمي الدين بالجهاد.

وقيل: هو الحامي لنفسه وأصحابه من لحوق العار والضرر والإيذاء، مجاهد في دين الحقّ مع المعاندين والأعداء(3).

(ومُصَلّ قانت ، ومعتكف زاهد) .

قال الجوهري: القنوت: الطاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: «وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ» (4). ، وسمّي القيام في الصلاة قنوتاً، وفي الحديث: «أفضل الصلاة طول القنوت» (5). ، ومنه قنوت الوتر (6).

وقال: «عكفه، أي حبسه ووقفه، ومنه الاعتكاف في المسجد، وهو الاحتباس، وعكف على الشيء، أي أقبل عليه مواظباً»(7).

وقال الفيروزآبادي: القنوت: الطاعة ، والسكوت ، والدعاء ، والقيام إلى الصلاة ، والإمساك عن الكلام، وأقنت : دعا على عدوّه، وأطال القيام في صلاته ، وأداء الحجّ، وأطال الغَزو ، وتواضع للّه تعالى (8).

وقال: «زهد فيه _ كمنع وسمع وكرم _ ضدّ رغب ، زهداً وزَهادة (أو الزهادة في الدنيا والزهد في الدين) وكمنعه : حرزه ، وخرصه» (9).

ص: 333


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 . ص 260 و261
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2319 (حمي) مع اختلاف يسير
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 261
4- .الأحزاب (33) : 35
5- .راجع : الخصال ، ج 2 ، ص 523 ، ح 13 ؛ معاني الأخبار ، ص 332 ، ح 1 ؛ عوالي اللئالي ، ج 1 ، ص 90 ، ح 26
6- الصحاح ، ج 1 ، ص 261 (قنت)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1406 (عكف) مع التلخيص
8- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 155 (قنت)
9- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 298 (زهد) مع التلخيص واختلاف يسير

(يُظهرون الأمانة) .

في القاموس:

الأمانة : ضدّ الخيانة. «وَإِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ» (1). ، أي الفرائض المفروضة، أو النيّة التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الإيمان ، وتأدية جميع الفرائض في الظاهر؛ لأنّ اللّه تعالى ائتمنه عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهره فقد أدّى الأمانة. انتهى (2).

وعرّف بعضهم الأمانة بأنّها حفظ حقوق الخالق والمخلوق.

وقيل: فيه إيماء إلى أنّهم لم يكونوا مستقرّين فيها ، ولا موصوفين بها في نفس الأمر (3).

وعندي في الإيماء نظر.

(ويأتون المثابة) .

قال الجوهري :

المثابة: الموضع الذي يثاب إليه ، أي يرجع إليه مرّة بعد اُخرى، ومنه قوله تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ» (4).

وإنّما قيل للمنزل مثابة؛ لأنّ أهله يتصرّفون في اُمورهم، ثمّ يثوبون إليه (5).

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ» : «أي مرجعاً يثوب إليه أعيان الزوّار وأمثالهم، أو موضع ثواب يثابون بحجّه واعتماره» (6).

وقيل: لعلّ المراد بها هنا بيت الرسول أو بيت اللّه الحرام . ويمكن أن يراد بها ما يورث الثواب من الأعمال الصالحة .(7)

(حتّى إذا دعا اللّه _ عزّ وجلّ _ نبيّه صلى الله عليه و آله ، ورفعه إليه ، لم يك ذلك) .

الظاهر أنّه إشارة إلى ما ذكر من استقامة أحوالهم بحسب الظاهر بعده، أي بعد الرسول، أو بعد رفعه.

ص: 334


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 261
2- الأحزاب (33) : 72
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 197 (أمن)
4- البقرة (2) : 125
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 95 (ثوب)
6- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 398
7- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 261

(إلّا كلمحة من خَفْقَة) (1).

قال الجوهري: «لمحه وألمحه ، إذا أبصره بنظر خفيف، ولمح البرق والنجم لمحا ، أي لمع . تقول: رأيت لمحة البرق»(2).

وقال:

خفقت الراية تخفِق ويخفُق خَفقاً وخَفَقاناً، وكذلك القلب والسراب إذا اضطربا، يقال: خفق البرق خَفقاً ، وخفقت الريح خفقاناً ، وهو حفيفها ، أي دَويّ جَريها ، وخفق الرجل، أي حرّك رأسه وهو ناعس. وفي الحديث: كانت رؤوسهم تخفق خَفقة أو خفقتين. انتهى(3).

وملخّص كلامه عليه السلام المبالغة في سرعة ارتدادهم عن الدين بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(أو وَميض من بَرقة) أي لمعانها وهذا أيضاً كناية عن قلّة الزمان.

قال الفيروزآبادي: «ومض البرقُ يَمض وَمضاً ووَميضاً ووَمَضاناً: لمع خفيفاً، ولم يعترض في نواحي الغَيم، وأومضت المرأة: سارقت النظر، وفلان : أشار إشارة خفيفة»(4).

(إلى أن رجعوا على الأعقاب) (5).

جمع العَقِب ككتف، وهو مؤخّر القوم، والرجوع عليها كناية عن الارتداد من الدين.

(وانتكصوا على الأدبار) .

في القاموس: «نكص على عقبيه: رجع عمّا كان عليه من خير ، خاصّ بالرجوع عن الخير، ووهم الجوهري في إطلاقه ، [أو] في الشرّ نادر» (6).

ص: 335


1- في الحاشية: «الخفقة : تحريك الناعس رأسه . والتاء للوحدة ، والتنكير للتقليل ، واللمحة زمان رؤية واحدة ، وكثيرا ما يعبّر بها عن الزمان القليل جدّا ، ولذلك فسّرها بمقدار زمان النعاس القليل ، وفيه إشارة إلى الغفلة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 261
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 402 (لمح)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1469 (خفق)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 348 (ومض)
5- في الحاشية: «أي فضلوا عن طريق الصواب والرشاد ، وسلكوا طريق الغيّ والفساد، وعدلوا بالخلافة عنه وعن أهل بيته عليهم السلام إلى خلافة أبي الفضيل ، وقد صحّ من طرق العامّة والخاصّة أنّهم لم يشتغلوا بعد رجوعه صلى الله عليه و آله إلى الحقّ بدفنه ، واشتغلوا بنصب الخليفة، وعلّلوا ذلك بأنّه لا يجوز بقاء الاُمّة بعده بلا إمام طرفة عين، ولم يعلموا لجهلهم أنّه يلزمهم ذلك لبقاء الاُمّة عندهم بلا إمام أكثر منها ، ويلزمهم أن يكونوا أعلم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص261 و262
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 320 (نكص)

وفيه: «الدبر بالضمّ وبضمّتين: نقيض القبل، ومن كلّ شيء: عقبه ومؤخّره»(1).

وفي النهاية: «النكوص: الرجوع إلى وراء، وهو القهقرى»(2).

وقيل: فيه تنبيه على أنّ رجوعهم عن الدين على هذا الوجه تموية وتدليس منهم؛ إذ لو أدبروا عنه بالكلّيّة، وتركوه من جميع الوجوه لم يحصل ما هو مطلوب لهم من الرئاسة (3).

(وطلبوا بالأوتار) جمع وَتر _ بالفتح _ بمعنى النقص والحِقد، أي طلبوا تدارك ما نقص منهم بسبب الإسلام من سنن الجاهليّة وآثارها ، وإظهار الحقد الذي كان في قلوبهم بالانتقام من أهل الإسلام سيّما أمير المؤمنين عليه السلام .

أو جمع وِتر بالكسر، وهي (4). الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي، ومنه الموتور، وهو الذي قتل له قتيل، ولم يدرك بدمه.

وقيل: كأنّه إشارة إلى سبب انحرافهم منه عليه السلام ، وهو أنّه جنى من كلّ قوم من العرب جنايات ، وقتل منهم جماعات في الحروب، فصار ذلك سبباً لميلهم عنه، أو إشارة إلى ما وقع بينه وبين معاوية وأصحاب الجمل وأهل النهروان ؛ فإنّ كلّهم نسبوا الجناية إليه من قتل عثمان وغيره ممّا لم يفعله، فيكون حينئذ إخباراً بالغيب؛ لأنّه أخبر بما سيقع، وقد وقع، والإتيان بالماضي للدلالة على تحقّق وقوعه (5).

(وأظهروا الكتائب) جمع كتيبة، وهي الجيش أو الجماعة المستحيزة من الخيل ، أو جماعة الخيل إذا أغارت من المائة إلى الألف .

وقيل: هي القطعة العظيمة من الجيش(6).

ولعلّ المراد أنّهم هيّؤوا الجيوش لمحاربته عليه السلام على الاحتمالين السابقين.

(ورَدَموا الباب) .

في القاموس: «ردم الباب والثلمة يردمه : سدّه كلّه أو ثلثه، أو هو أكثر من السدّ» . (7) أي

ص: 336


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 26 (دبر)
2- النهاية ، ج 5 ، ص 116 (نكص)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
4- .في النسخة : «وهو»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 119 (ردم)

سدّوا باب بيت الرسول، وكأنّه كناية عن منع الناس من الإتيان إلى باب علمه ورجوعهم إلى أهل بيته.

(وفَلّوا الدار) .

الفلّ بالفاء وشدّ اللام: الكسر والثَّلم .

ولعلّ فلّ الدار إشارة إلى ما فعل قُنفذ بأمر الثاني ، ويجيء هذه القصّة في موضعها إن شاء اللّه .

أو كناية عن السعي في تزلزل بنيان أهل البيت عليهم السلام ، والكدّ في خذلانهم .

أو المراد بالدار دار الإسلام والشريعة، وفلّها كناية عن هدم قوانينها ، والغلبة على أهلها قهراً أو عنوة.

وفي بعض النسخ: «قَلوا» ، بالقاف وتخفيف اللام ، وهو البغض، أي أبغضوا أهل الدار ونفسها على احتمال.

(وغيّروا آثار الرسول (1). صلى الله عليه و آله ) .

الأثر بالتحريك: بقيّة الشيء، والخبر . الجمع: آثار واُثور. والمراد هنا سنن الرسول وقوانينه الشرعيّة.

(ورغبوا عن أحكامه) من الحلال والحرام وغيرهما من الأحكام الشرعيّة، وأصل الحكم : القضاء والحكومة .

وقيل في توجيه رغبتهم عنها : إنّ بناء تصرّفاتهم في أمر الدين على القياسات والاجتهادات والاستنباطات المخالفة لمناط الأحكام الشرعيّة، وقد كان المعروف من الأحكام عندهم ما عرفوه بآرائهم وإن كان منكراً في الشريعة، والمنكر منها عندهم ما أنكره طبائعهم وإن كان معروفاً فيها(2).

(وبَعُدوا عن (3). أنواره) .

لعلّ المراد بها الأئمّة المعصومين المتشعّبين من نوره، أو العلوم الدينيّة والأسرار

ص: 337


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «من»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 262
3- .في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «رسول اللّه »

القرآنيّة، وبالجملة رجعوا عن تلك الأنوار إلى ظلمات جهالتهم وضلالتهم التي كانوا عليها.

(واستبدَلوا بمستخلَفه بَديلاً) .

قال الجوهري: «البَديل: البدل، وبدل الشيء: غيره»(1).

وفي القاموس: «بدل الشيء ، محرّكة: الخلف منه»(2).

(اتّخذوه) أي البديل .

وقيل: فيه إيماء إلى أنّ منشأ الاستبدال إنّما هو أهوائهم من غير أن يكون له أصل صحيح، أو سند صريح(3).

(وكانوا ظالمين) في هذا الاستبدال ، واضعين الأشياء في غير مواضعها، وفيه إيماء لطيف إلى أنّهم عبدوا العجل، كما لا يخفى .

(وزعموا أنّ من اختاروا من آل أبي قحافة) .

قال الفيروزآبادي: «آل الرجل: أهله وأتباعه وأولياؤه»(4).

وقال: «أبو قحافة ، بفتح القاف وتخفيف الحاء : عثمان بن عامر ، والد الصدّيق» (5).

(أولى بمقام رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّن اختاره الرسول (6). صلى الله عليه و آله لمقامه) .

قال الجوهري: «فلان أولى بكذا، أي أحرى وأجدر، ويقال: هو الأولى ، وهم الأوالي والأولون ، مثال الأعلى والأعالي والأعلون»(7).

(وأنّ مهاجر آل أبي قُحافة خير من مهاجري الأنصار الربّاني) .

في بعض النسخ: «من المهاجري الأنصاري».

والياء في الأوّل الجمع، وفي الأخيرين للنسبة والجمع ، إن كان علماً كالأنصار لا يردّ في النسبة إلى الواحد، وأراد عليه السلام بالمفضّل عليه في الموضعين نفسه المقدّسة.

ومعنى كونه عليه السلام من مهاجري الأنصار أنّه داخل في طائفة المهاجرين ؛ لهجرته معها، وفي طائفة الأنصار ؛ لنصرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله معهم.

ص: 338


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1622 (بدل)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 333 (بدل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 263
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 331 (آل)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 183 (قحف)
6- .في الطبعة القديمة والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «رسول اللّه »
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2531 (ولي)

وفي نسخة اُخرى: «من مهاجر الأنصاري».

قيل: فالمهاجر إمّا بصيغة اسم الفاعل، أي المهاجر الداخل في الأنصار، أو مصدر بصيغة اسم المفعول في الموضعين، أي مهاجرة من هو داخل في الأنصار.

وقال صاحب النهاية: «الربّاني : منسوب إلى الربّ ، بزيادة الألف والنون للمبالغة» (1).

وقيل: هو من الربّ بمعنى التربية ، كانوا يربّون المتعلّمون بصغار العلوم قبل كبارها، والربّاني : العالم الراسخ في العلم والدين ، والذي يطلب بعلمه وجه اللّه تعالى، وقيل: العالم الفاضل المعلّم (2).

(ناموس هاشم بن عبد مَناف) .

في النهاية: «الناموس: صاحب سرّ الملك .

وقيل: الناموس: صاحب سرّ الخير، والجاسوس: صاحب سرّ الشرّ»(3).

وفي القاموس: «الناموس: صاحب السرّ ، المطّلع على باطن أمرك، أو صاحب سرّ الخير ، وجبرئيل ، والحاذق ، ومن يلطف مدخله» (4).

(ألا وإنّ أوّل شهادة زور) أي كذب وافتراء.

(وقعت في الإسلام شهادتهم أنّ صاحبهم)؛ يعني فلان .

(مُستخلَف رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

يقال: استخلف فلاناً، أي جعله خليفته.

قال بعض الأفاضل الأعلام: «لم أر دعواهم النصّ على فلان في غير هذا الخبر، وهو غريب»(5).

أقول : لعلّ المراد بالاستخلاف هنا كونه مستحقّاً للخلافة بمعنى الإمارة والحكومة والسلطنة، وإضافة «مستخلف» إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأدنى ملابسة.

قال الفيروزآبادي: «الخليفة: السلطان الأعظم» (6).

ص: 339


1- النهاية ، ج 2 ، ص 181 (ربب)
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 263
3- النهاية ، ج 5 ، ص 119 (نمس)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 256 (نمس)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 67
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 138 (خلف)

ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما رووا من أخبارهم الموضوعة في ذلك؛ منها روايتهم عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» (1) .

ومنها أنّه قال: «خير اُمّتي أبو بكر ثمّ عمر» (2).

ومنها أنّه قال: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدّم عليه غيره» (3).

ومنها أنّه قال: «لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربّي ، لاتّخذت أبا بكر خليلاً، لكن هو شريكي في ديني، وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار، وخليفتي في اُمّتي» (4).

ومنها ما رووا عن عمرو بن العاص أنّه قال: قلت (5). لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أيّ الناس أحبّ إليك؟ فقال: «عائشة» ، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» ، قلت: ثمّ من؟ قال: «عمر» (6).

ومنها أنّه قال: «لو كان بعدي نبي، لكان عمر» (7).

ومنها ما يدلّ التزاماً على ذلك ما رووا عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا يجتمع اُمّتي على خطأ» (8).

بعد ادّعائهم الإجماع على خلافة أبي بكر وغيرها من المفتريات والأكاذيب .

إذا عرفت هذا ظهر لك أنّ قول الفاضل المذكور : «لم أر دعواهم» إلخ غريب منه ، نعم ادّعى بعضهم الإجماع على عدم النصّ باستخلاف أحد ، منهم القاضي العضد في مواقفه، ومثل هذا التناقض في كلامهم أكثر من أن يحصى، واللّه الهادي إلى سبيل الرشاد .

(فلمّا كان من أمر سعد بن عُبادة ما كان رجعوا عن ذلك) أي عن ادّعائهم على الاستخلاف.

(وقالوا: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مضى ولم يستخلف) حيث اجتمع طائفة من الأنصار عليه في سقيفة بني ساعدة، وأرادوا أن يأخذوا له البيعة، فحضر الأوّل والثاني مع أتباعهما، وقالوا: إنّه

ص: 340


1- . اُنظر : مسند أحمد ، ج 5 ، ص 382 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 271 ، ح 3734 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 75
2- اُنظر : المواقف للإيجي ، ج 3 ، ص 624 ؛ تمهيد الأوائل ، ص 466 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 30 ، ص 376
3- اُنظر : سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 276 ، ح 3755 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 10 ، ص 109 ؛ المواقف ، ج 3 ، ص 623
4- اُنظر : المواقف ، ج 3 ، ص 624 ؛ منار الهدى ، ص 316
5- .في النسخة : «قال»
6- اُنظر : مسند أحمد ، ج 4 ، ص 203 ؛ صحيح البخاري ، ج 4 ، ص 192 ؛ صحيح مسلم ، ج 7 ، ص 109
7- اُنظر : المستدرك للحاكم ، ج 3 ، ص 85 ؛ مجمع الزوائد ، ج 9 ، ص 68 ؛ فتح الباري ، ج 7 ، ص 41
8- .اُنظر : الحدائق الناظرة ، ج 9 ، ص 370 ؛ الفصول المختارة ، ص 239 ؛ الصراط المستقيم ، ص 125 ؛ المجموع للنووي ، ج 10 ، ص 42

مضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولم يستخلف أحداً، فلابدّ من خليفة لحفظ بيضة الإسلام، وكلّ واحد من الفريقين ادّعى أن يكون الخليفة منهم، وذكر لادّعائه مرغّبات، حتّى علت الأصوات واشتدّت المخاصمة، فبادر الثاني وبعض أهل النفاق إلى بيعة الأوّل ، ونذكره مفصّلاً إن شاء اللّه تعالى .

(فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله الطيّب المبارك) .

هما صفتان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقوله: (أوّل مشهود عليه بالزور في الإسلام) خبر «كان»، وكون الثلاثة إخباراً له بعيد.

والمراد بشهادة الزور هنا شهادتهم بأنّه صلى الله عليه و آله مضى، ولم يستخلف أحداً.

قال الجوهري: «الطيّب: ضدّ الخبيث»(1).

وفي القاموس: «البركة ، محرّكة: النماء والزيادة والسعادة، وبارك على محمّد وآل محمّد: أدم له ما أعطيته من التشريف والكرامة»(2).

(وعن قليل يجدون غِبّ ما يعلمون) .

كلمة «عن» هنا بمعنى «بعد»، كما قيل في قوله تعالى: «عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ» (3).

والغبّ ، بالكسر : عاقبة الشيء.

وفيه وعيد بأنّهم يجدون جزاء أعمالهم عند الموت وبعده.

(وسيجد التالون) أي الذين يتلونهم، ويأتون على عقبهم، أو الذين يتّبعونهم.

(غبّ ما استنّه (4). الأوّلون)، أي جعلوه سنّة، وأخذوا به.

وفي بعض النسخ: «أسّسه» من التأسيس، وهو بيان حدود الدار، ورفع قواعدها ، وبناء أصلها .

(ولئن كانوا في مَندوحة من المَهل) أي في سعة وإمهال من رفق اللّه تعالى بهم، أو من تأخيرهم.

وقيل: أو من تقدّمهم في الدنيا وخيراتها(5).

قال الفيروزآبادي: «المَهل _ ويحرّك _ والمُهلة بالضمّ: السكينة والرفق، ومهّله تمهيلاً:

ص: 341


1- المؤمنون (23) : 40
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 173 (طيب)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 293 (برك)
4- .في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «أسّسه»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 264

أجّله، وأمهله: أنظره» (1).

(وشِفاء من الأجل) .

الشِّفاء _ بالكسر والمدّ _ خلاف المرض والدواء، وبالفتح والقصر: القليل .

قال الجوهري: «ما بقي منه إلّا شفا ، أي قليل» (2) . ولعلّ الثاني أنسب هنا .

والأجل ، محرّكة: غاية الوقت في الموت ومدّة الشيء .

وقيل: لعلّ المراد أنّهم في صحّة الأجسام والأبدان من تمام العمر ، على أن يكون الشفاء بالكسر والمدّ . أو في طرف من غايته ، على أن يكون الشفاء بالفتح والقصر، ولكن رسم الخطّ يابأه . أو في شقاوة منه على أن يكون «شَقاء» بالقاف المفتوحة والمدّ ، كما في بعض النسخ.

(وسعة من المنقَلب) بكسر اللام عبارة عن متاع الدنيا ونعيمها ؛ لأنّه ينقلب على أهلها، ويتبدّل ويزول . أو بفتحها على أن يكون مصدراً، أو اسم مكان، أي من تحوّل أهل الدنيا وانقلابهم فيها، أو من الدنيا وأحوالها وأوضاعها.

وقيل: أي من الانقلاب والرجوع إلى اللّه تعالى بالموت(3).

(واستدراج من الغُرور) .

هو بالفتح : الدنيا ومتاعها، وبالضمّ : مصدر بمعنى الإغفال والخديعة والإطماع في الباطل .

أو جمع غار وهي الأباطيل .

واستدرجه ، أي خدعه وأدناه، واستدراج اللّه تعالى العبد أنّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة، وأنساه الاستغفار، وأن يأخذه قليلاً قليلاً ، ولا يباغته .

(وسكون من الحال) .

أي ما كانوا عليه من الأمن والصحّة ورفاه الخاطر وسعة العيش وكثرة الأنصار والأعوان والأسباب، وسكونها استقرارها لهم ، وعدم تغيّرها عنهم ، وتمتّعهم إلى حين.

(وإدراك من الأمل) أي ما يأملون ويتمنّون من أمتعة الدنيا وزخارفها ولذّاتها من المناكح والمطاعم والملابس وأمثالها.

ص: 342


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 52 (مهل) مع التلخيص
2- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2393 (شفي)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 68

وقوله: (فقد أمهل اللّه ... ) قائم مقام الجزاء المحذوف بقرينة المقام، والتقدير: فليعلموا أنّ اللّه تعالى لم يقصم الجبّارين إلّا بعد إمهال ورخاء.

(شَدّاد بن عاد وثَمود بن عَبوّد) .

قال الجوهري: «عاد: قبيلة ، وهم قوم هود عليه السلام »(1).

وقال: «ثمود: قبيلة من العرب الأوّلي، وهم قوم صالح عليه السلام ، يصرف ولا يصرف»(2).

وفي القاموس: «عَبّود كتنّور: رجل نوّام ، نام في محتطبه سنين» (3).

وصحّحه الشيخ محمّد رحمه الله أيضاً بفتح العين وشدّ الباء .

وفي نسخة بالنون المخفّفة، وكأنّه تصحيف.

وقال البيضاوي: ثمود: قبيلة من العرب سمّوا بأسماء أبيهم الأكبر ثمود بن عامر بن إرم بن سام، وقيل: سمّوا به لقلّة مائهم، من الثَمْد وهو الماء القليل، وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام إلى وادي القرى (4).

(وبَلعم بن بحور) (5).

في بعض النسخ: «بلعم بن باعور». وفي غير نسخ هذا الكتاب: «باعورا». ونقل في مجمع البيان عن أبي حمزة الثمالي أنّ بلعم بن باعور كان رجلاً على دين موسى، وكان في المدينة التي قصدها، وكانوا كفّاراً، وكان عنده اسم اللّه الأعظم، وكان إذا دعا به أجابه(6).

وقيل: هو بلعم بن باعور من بني هاب بن لوط.

وقال البيضاوي: «روي أنّ قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه، فقال: كيف أدعو على من معه الملائكة؟! فألحّوا عليه حتّى دعا عليهم، فبقوا في التيه» (7).

قال الفيروزآبادي: «بلعم كجعفر: الأكول الشديد البَلع، ورجل معروف، أو هو بَلعام» (8). انتهى.

ص: 343


1- الصحاح ، ج 2 ، ص 515 (عود)
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 451 (ثمد)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 311 (عبد)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 35 (مع التلخيص واختلاف يسير)
5- في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «باعور»
6- راجع : تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 311
7- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 73
8- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 81 (بلعم)

وقيل: كان أباه سمّي بالبحور ؛ لكثرة ماله من تَبَحّر في المال، إذا كثر ماله، أو لكثرة حمقه أو كذبه أو فضوله، ومنه الباحر ، وهو الأحمق والمكذاب والفضولي (1).

وفي بعض النسخ: «باحور» بدل «بحور».

وفي القاموس: «الباحور والباحوراء: شدّة الحرّ في تموز»(2).

(وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة) .

سبوغ النعمة: اتّساعها، وإسباغها: إكمالها وإتمامها.

والنعمة بالكسر: اليد ، والضيعة ، والمنّة ، وما أنعم به عليك ، والخفض ، والدعة ، والمال، وجمعها: نِعَم _ كعنب _ وأنعم. والنَعمة _ بالفتح _ اسم من التنعّم، وهو الترفّه.

وقيل: النعمة: كلّ ما يصحّ الانتفاع به، فإن كان من شأنها أن تنالها الحواسّ فظاهرة، وإلّا فباطنة.

أو المراد بالظاهرة كلّ ما يحتاجون إليه في الحياة الدنيويّة، وبالباطنة كلّ ما يحتاجون إليه في الحياة الاُخرويّة ، مثل إنزال الكتب وبعث الأنبياء وتقرير الحجّة.

أو المراد بالظاهرة بعث الرسول، وبالباطنة تكميل العقول (3).

وقيل: النعم الظاهرة ما يعرف، والباطنة ما لا يعرف.

(وأمدّهم بالأموال والأعمار) .

المَدّ: البسط والإمهال، كالإمداد ، والإمداد : تأخير الأجل والإعطاء والإعانة، أو في الشرّ مددته، وفي الخير أمددته.

(وأتتهم الأرض ببركاتها) .

البركة بالتحريك: النماء والزيادة والسعادة، أي جائهم الأرض بعطاياها لهم ومتاعها لهم ولأنعامهم، وهو عبارة عن الخصب والرخاء.

(ليذّكّروا آلاء اللّه) .

في القاموس: «الآلاء: النعم، واحدها: ألي وإلي وألو وألىً وإلىً»(4).

ص: 344


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 265
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 368 (بحر)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 265
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 300 (ألي)

والغرض من ذكر نعمه أو تذّكرها أداء شكره.

(وليعترفوا الإهابة له) .

في بعض النسخ: «وليعرفوا». وفي بعضها: «ثمّ» بدل الواو.

قال الجوهري: «عرفته معرفة وعِرفاناً، وقولهم: ما أعرف لأحد يصرعني ، أي ما اعترف، واعترفت القوم ، إذا سألتهم عن خبر لتعرفه»(1).

وفي القاموس: «اعترف الشيء: عرفه، وذلّ وانقاد»(2).

وقال الجوهري : الهيبة: المهابة، وهي الإجلال والمخافة، ورجل مهيب : يهابه الناس. وفي الحديث: «الإيمان هَيوب» ، أي إنّ صاحبه يهاب المعاصي . وأهاب الراعي بغنمه، أي صاح بها لتقف أو لترجع، وأهاب بالبعير (3).

أقول : لعلّ فاعل الإهابة هو اللّه تعالى أو دعاته، والمعنى ليعرفوا إهابته تعالى، أي كونه جليلاً مهيباً يهابه الناس، ويخافون عذابه . أو ليعرفوا إخافته تعالى عباده بالمعاصي وتحذيرهم عنها ووعيدهم عليها . أو ليعرفوا دعوته تعالى عباده، أو دعوة دعاته إيّاهم بالأوامر والنواهي ليقفوا عند الأوّل، ولا يتجاوزوا عن حدوده، ويرجعوا عن الثاني، ولا يرتكبوه . أو لينقادوا ويستسلموا ذلك، أو المراد ليستخبروا ويتعلّموا مقتضيات الإهابة بإحدي تلك المعاني.

وقيل: أي ليعترفوا بالتعظيم والتوقير له على سبيل الكناية، أو على أن أهاب بمعنى هاب، يقال: هاب الشيء يهابه ، إذا أوقره وعظّمه (4). ، فتأمّل.

(والإنابة إليه) ؛ للخوف من أخذه، والطمع في رفده. قال الجوهري : «أناب إلى اللّه، أي أقبل وتاب» (5).

(ولينتهوا عن الاستكبار) على اللّه وعلى أنبيائه وأوليائه بالمخالفة . يقال: استكبره وأكبره، أي رآه كبيراً ، وعظم عنده ، واستكبره : تطاول عليه .

ص: 345


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1401 و1402 (عرف) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 175 (عرف)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 239 و240 (هيب) مع التلخيص
4- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 266
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 229 (نوب)

وقيل: ذكر الآلاء سبب للانتهاء عنه؛ إذ من ذكر آلائه تعالى على نفسه في بدء وجوده إلى كماله علم أنّه عبد ذليل بين يدي ملك جليل، فيحصل له الذلّ والانكسار وملكة الانتهاء عن الاستكبار.

قال: وممّا ذكرنا ظهر أنّ ترتّبه على قوله: «ليذّكّروا» _ كما يقتضيه «ثمّ» (1). _ أظهر من ترتّبه على سوابق هذا القول كما يقتضيه الواو (2).

(فلمّا بلغوا المدّة، واستتمّوا الاُكلة) .

المراد بالمدّة وقت ارتحالهم عن الدنيا ؛ إمّا بالموت ، أو بنزول العذاب ، أو يراد بالمدّة مدّة إمهالهم ، والبلوغ إليها البلوغ إلى آخرها، والمآل واحد.

والأكلة بالفتح: المرّة الواحدة من الأكل، وبالضمّ: اللقمة والقُرصة والطُّعمة، كذا في القاموس (3). ، ومثله في الصحاح إلّا أنّه قال: الأكلة: المرّة الواحدة حتّى تشبع (4). ، فاعتبر الشبع في الأكلة .

والمراد بها هنا الرزق المقدّر لهم .

(أخذهم اللّه عزّ وجلّ) .

في القاموس: «الأخذ: التناول ، والإيقاع بالشخص ، والعقوبة» (5).

(واصطلمهم) (6). أي استأصلهم .

(فمنهم من حُصب) .

قال البيضاوي في قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً» (7). : «ريحا عاصفا فيها حَصباء ، أو ملكاً رماهم بها كقوم لوط» (8).

ص: 346


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 266
2- في الحاشية: «يعني في قوله: ثمّ ليعترفوا، كما في بعض النسخ. منه»
3- .اُنظر : القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 329 (أكل)
4- .اُنظر : الصحاح ، ج 4 ، ص 1624 (أكل)
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 350 (أخذ)
6- .في الحاشية: «الاصطلام : افتعال من الصلم، وهو القطع المستأصل، وقد أشار _ جلّ شأنه _ إلى جميع ذلك بقوله: «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جائَهُمْ ما كَانُوا يُوعَدُونَ * ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كَانُوا يُمَتَّعُونَ» [الشعراء (26) : 205 _ 207]. صالح» شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 266
7- .العنكبوت (29) : 40
8- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 316

وقال الجوهري: «حصبت الرجل أحصبه _ بالكسر _ أي رميته بالحصباء، والحاصب: الريح الشديدة التي تُثير الحصباء» (1).

(ومنهم من أخذته الصيحة) كأهل مدين وثمود.

قال الجوهري: «الصياح: الصوت، تقول: صاح يَصيح صَيحاً وصَيحة وصياحاً، والصيحة: العذاب، وأصله من الأوّل» (2).

(ومنهم من أحرقته الظُّلّة) .

قال اللّه عزّ وجلّ: «كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبُ أَلَا تَتَّقُونَ» إلى قوله تعالى: «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابَ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (3).

قال البيضاوي: «بأن سلّط اللّه عليهم البحر سبعة أيّام حتّى غلت أنهارهم وأظلّتهم سحابة ، فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا» (4).

وفي بعض النسخ: «الظلمة» بدل «الظلّة».

ولعلّ المراد بها ظلمة الظلّة، وإسناد الإحراق إليها مجاز كالاُولى .

(ومنهم من أودته الرَّجفة) .

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في ثمود _ قوم صالح _ وأصحاب مدين _ قوم شعيب _ : «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» (5).

قال البيضاوي : «الرجفة: الزلزلة الشديدة» (6).

وقيل: صيحة جبرئيل؛ لأنّ القلوب ترجف بها .

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «أودته» من أودى، إذا هلك، وكونه من الأود بمعنى الاعوجاج والانعطاف بعيد.

قال الجوهري: «أودى فلان: هلك» (7).

وفي القاموس: «أودى: هلك، وبه الموت: ذهب» (8).

أقول : يظهر منه أنّ هنا حذفاً وإيصالاً.

ص: 347


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 112 (حصب)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 384 (صيح) مع التلخيص
3- الشعراء (26) : 176 _ 189
4- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 252
5- الأعراف (7) : 78 و91 ؛ العنكبوت (29) : 37
6- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 36
7- الصحاح ، ج 6 . ص 2521 (ودي)
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 399 (ودي)

(ومنهم من أردته الخَسفة) أي أهلكته الخسف والسَّوخ (1). في الأرض كقارون.

قال الجوهري: «رَدي _ بالكسر _ يردى ردىً: هلك، وأرداه غيره» (2).

وفي القاموس: «خسف المكان يَخسف خُسوفاً: ذهب في الأرض، واللّه بفلان الأرض: غيّبه فيها، والخَسفة: ماء غزير» (3).

«وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ» أي ليعاملهم معاملة الظالم، فيعاقبهم بغير جرم؛ إذ ليس ذلك من عادته.

«وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (4). بأن يعرّضوها للعذاب .

(ألا وإنّ لكلّ أجل كتاباً) .

قيل: لكلّ وقت وأحد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم (5).

وقيل: لكلّ أجل مكتوب كتب فيه ذلك الأجل، ولعلّها اللوح المحفوظ (6).

وقيل: هو العلم الإلهي المعبّر عنه بالكتاب المبين (7).

(فإذا بلغ الكتاب أجلَه) .

يحتمل أن يكون «أجله» بالرفع على البدليّة من الكتاب، أي إذا بلغ وتمّ أجل الكتاب . وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون مرفوعاً على الفاعليّة ، والكتاب منصوباً على المفعوليّة، أي إذا بلغ الأجل والعمر الحدّ الذي كتب في الكتاب 8 ، نفيه أنّ الفاعل والمفعول إذا كانا معرفتين، ولم تكن قرينة على التعيين، وجب تقديم الفاعل.

ويمكن أن يراد بالكتاب الذي كتب فيه جميع تقديرات الشخص، ويكون مرفوعاً على الفاعليّة، و«أجله» منصوباً على المفعوليّة، أي إذا استكمل جميع ما قدّر وكتب فيه، وبلغ الأجل الذي هو آخر التقادير ومنتهاها، فحينئذ بلوغُ الكتاب أجلَه كناية عن انتهائه .

ص: 348


1- .الصحاح ، ج 6 ، ص 2355 (ردي)
2- السَّوْخُ في الأرض : الدخول فيها . اُنظر : لسان العرب ، ج 3 ، ص 27
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 133 (خسف) مع التلخيص
4- .التوبة (9) : 70 ؛ العنكبوت (29) : 40
5- راجع : تفسير جوامع الجامع ، ج 2 ، ص 267 ؛ تفسير النسفي ، ج 2 ، ص 221 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 334
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 69
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 267

والظاهر أنّ قوله: (لو كُشف لك عمّا هوى إليه الظالمون) مع جزاؤه الآتي ، وهو قوله: «لهربت إلى اللّه» جزاء «إذا» . قال الجوهري : «هوى _ بالفتح _ يهوي هويّاً ، أي سقط إلى أسفل، وكذلك الهوى في السير ، إذا مضى» (1). ؛ أي لو كشف الحجاب بينك وبين ما سقطوا، أو ساروا إليه من النكال والوبال.

(وآل إليه الأخسرون) أي عمّا رجعوا إليه من سوء العاقبة وشدّه العقوبة.

(لهربتَ إلى اللّه) أي التجأت به.

(ممّا هم عليه مُقيمون) من الكفر والظلم.

وقيل: فيه إحضار للصورة الماضية ؛ للتنبيه على ظهورها ، والتنفير منها (2).

(وإليه صائرون) بعد الموت من عذاب الأبد .

قيل: لما ذكر عليه السلام زمرة من الجاهلين ، وجملة من الجبّارين [الدين] أماتوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الشياطين، أمهلهم اللّه زماناً طويلاً، ثمّ أخذهم أخذاً وَبيلاً ، فصاروا إلى الآخرة وهم خاسرون، تذكرة للعالمين، وتنبيهاً للغافلين، عاد إلى إظهار حاله، وبيان أنّه الإمام للمؤمنين، والخليفة بعد الرسول الأمين (3).

وقال : (ألا وإنّي فيكم أيّها الناس كهارون في آل فرعون) ؛ فإنّه شريك موسى عليه السلام في النبوّة ، إلّا أنّه لا نبيّ بعد نبيّنا صلى الله عليه و آله .

(وكباب حِطّة في بني إسرائيل) إشارة إلى قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» (4).

قال البيضاوي : «القرية: بيت المقدّس» (5).

وقيل : أريحا ، اُمروا به بعد التيه، والباب باب القرية، أو القبّة التي كانوا يصلّون إليها؛ فإنّهم لم يدخلوا بيت المقدّس في حياة موسى عليه السلام .

و «قُولُوا حِطَّةٌ» أي مسألتنا، أو أمرك حطّة، وهي فِعلة من الحَطّ كالجلسة،

ص: 349


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 267
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2538 (هوي)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 267 و268
4- البقرة (2) : 58
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 66

وقرى ء بالنصب على الأصل ، بمعنى حُطّ عنّا ذنوبنا حطّة، أو على أنّه مفعول «قولوا»، أي قولوا هذه الكلمة (1).

وقيل: معناه: أمرنا حِطّة، أي أن نحطّ هذه القرية، ونقيم بها الشيء .

وغرضه عليه السلام من التشبيه أنّه مثل هذا الباب في أنّ من دخله وتمسّك به فقد دخل في الدين ، وكان من أهله مغفوراً خطاياه ، مزيداً أجر حسناته.

ومن تخلّف عنه كان مصداقاً لقوله تعالى: «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ» (2).

(وكسفينة نوح في قوم نوح) إشارة إلى قوله صلى الله عليه و آله : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من تمسّك بها نجا، ومن تخلّف عنها غرق» (3).

(وإنّي النبأ العظيم) .

روى المصنّف رحمه الله بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى: «عَمَّ يَتَسَائَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» (4). قال: «النبأ العظيم: الولاية» (5).

وقال هنا صاحب الطرائف من العامّة :

روى الحافظ محمّد بن مؤمن الشيرازي في كتابه في تفسير قوله تعالى: «عَمَّ يَتَسَائَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» بإسناده إلى السدي يرفعه قال: أقبل صخر بن حرب ، حتّى جلس إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال: يا محمّد، هذا الأمر لنا من بعدك، أم لمن؟ قال صلى الله عليه و آله : «يا صخر، الأمر من بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى عليه السلام ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: «عَمَّ يَتَسَائَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ» ، يعني يسألك أهل مكّة عن خلافة عليّ بن أبي طالب ، «الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» منهم المصدّق بولايته وخلافته، ومنهم المكذّب، قال: «كَلَا» ؛ وهو ردع عليهم . «سَيَعْلَمُونَ» ؛ أي سيعرفون خلافته من بعدك أنّها حقّ ، «ثُمَّ كَلَا سَيَعْلَمُونَ» ؛ أي سيعرفون خلافته وولايته ؛ إذ يسئلون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميّت في شرق ولا غرب، ولا في برّ ولا بحر إلّا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير

ص: 350


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 268
2- البقرة (2) : 59
3- الاحتجاج ، ج 2 ، ص 380 ؛ عيون الأخبار ، ج 2 ، ص 27 ، ح 10 ؛ الأمالي للطوسي ، ص 60 ، المجلس الثاني ، ح 88 ؛ وص 733 ، المجلس 45 ، ح 1532 ؛ بشارة المصطفى ، ص 88 (في كلّها مع اختلاف يسير)
4- .النبأ (78) : 1 و2
5- الكافي ، ج 1 ، ص 418 ، باب فيه نكت و ... ، ح 34 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 24 ، ص 352 ، ح 71

المؤمنين عليه السلام بعد الموت، يقولان له: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ (1). إلى هنا كلام صاحب الطرائف.

(والصدّيق الأكبر) .

قال الجوهري: «الصدّيق مثال الفِسّيق: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدّق قوله بالعمل»(2).

وقيل: وصفه بالأكبر للمبالغة في أنّه لم يصدر منه الخطأ من أوّل العمر إلى آخره (3).

(وعن قليل) أي بعد زمان قليل.

(ستعلمون ما توعدون) .

قال الجوهري : «الوعد مستعمل في الخير والشرّ، وعده خيراً ووعده شرّاً، وإذا أسقطوا الخير والشرّ ، قالوا في الخير : وَعْد وعِدّة، وفي الشرّ : إيعاد ووعيد»(4).

(وهل هي) أي الدنيا ، أو حكومتهم وسلطنتهم فيها، وما يتمتّعون به من زخارفها .

(إلّا كلُعقة الآكل) أي كلعقة لعقها آكل بإصبعه مرّة واحدة.

قال في القاموس: «لعقه _ كسمعه _ لَعقة، ويضمّ: لحسه، واللعقة: المرّة الواحدة، وفي الأرض لعقة من ربيع : قليل من الرطب ، وبالضمّ: ما تأخذه في المِلعقة»(5).

وبالجملة شبّههما عليه السلام في التحقير وقلّة الانتفاع بها وسرعة زوالها وفنائها باللعقة، والمقصود منه التنفير عنهما ، وعن ترك نعيم الجنّة لمثلهما .

(ومَذقة الشارب) أي وهل هي إلّا كشربة شربها شارب.

قال الجوهري: «المذيق: اللبن الممزوج بالماء» (6).

(وخَفقة الوَسنان) .

قال الجوهري: «خفق الرجل، أي حرّك رأسه وهو ناعس، وفي الحديث: كانت رؤوسهم تخفق خَفقة أو خفقتين»(7).

ص: 351


1- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1469 (خفق)
2- الطرائف ، ج 1 ، ص 94 ، ح 133
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1506 (صدق)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 268
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 551 (وعد) مع اختلاف يسير
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 280 (لعق)
7- الصحاح ، ج 4 ، ص 1553 (مذق)

وفي القاموس: «الوَسَن محرّكة: ثقل النوم أو أوّله، أو النعاس . وَسِنَ _ كفرح _ فهو وَسِنٌ ووَسنان»(1).

(ثمّ تُلزمهم المَعَرّات جزاء في الدنيا) .

في بعض النسخ: «تلتزمهم» . وفي بعضها: «خزياً» بدل «جزاء». وفي بعضها: «العثرات» بدل «المعرّات».

وعلى نسخة الأصل يحتمل أن يكون تلزمهم على صيغة المضارع من باب الإفعال، وجزاء معلوله الثاني.

ويحتمل أن يكون على بناء المجرّد، ويكون جزاء مفعولاً له، يقال: لزمت الشيء وبه، وألزمته الشيء فالتزمه، والالتزام: الاختناق.

والمعرّة: الإثم ، والأذى ، والغُرم ، والدية ، والجناية. وخزي _ كرضي _ خزياً ، بالكسر: ذلّ ، وهان ، وافتضح ، ووقع في بليّة وشهرة فذلّ بها .

(ويوم القيامة يُردّون إلى أشدّ العذاب) لأنّ كفرهم وعصيانهم أشدّ.

(وما اللّه بغافل عمّا يعملون) تأكيد للوعيد، وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «فَمَا جَزَآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (2).

وقال بعض الشارحين: «الظاهر أنّ الواو في قوله: «وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ» للحال عن ضمير الجمع، والعطف على «تلزمهم» محتمل»(3).

أقول: صحّة الحاليّة هنا إنّما هي بتقدير مبتدأ، وهو هنا مستغفر عنه، فيتعيّن العطف.

(فما جزاء من تنكّب مَحجّته) .

قال الجوهري: «المحجّة: جادّة الطريق»(4).

وقال: «نكب عن الطريق ينكب نكوباً، أي عدل، وتنكّبه ، أي تجنّبه، وتنكّب القوس ، أي ألقاها على منكبه»(5).

ص: 352


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 228 (نكب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 275 (وسن)
3- البقرة(2) : 85
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 293
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 304 (حجج)

وفي القاموس: «نكب عنه، كنصر وفرح: عدل، كتنكّب»(1).

وقيل في شرح هذا الكلام: أي أعرض عن الطريق المستقيم والواضح(2).

وأقول: لعلّ المعنى الأوّل أنسب بالمقام ؛ لاستغنائه عن ارتكاب الحذف والإيصال، فمعنى تنكّب المحجّة حينئذ عدم سلوكها وعدم الانتفاع بها، فكأنّه تجنّبها واحترز عنها، والضمير إمّا راجع إلى اللّه، أو إلى الموصول، والثاني أنسب بالسياق، وكذا البواقي.

(وأنكر حجّته) .

أصل الحجّة الدليل والبرهان، وقد مرّ في الاُصول رواية المصنّف رحمه الله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حجّة اللّه على العباد النبي صلى الله عليه و آله ، والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه العقل» (3).

(وخالف هداته) من الأنبياء والأوصياء والصلحاء.

(وحاد من نوره) .

يقال: حاد عن الشيء يَحيد ، أي مال عنه وعدل، ويحتمل كونه بتشديد الدال من المحادّة بتضمين معنى الإعراض، قال الجوهري: «المحادّة: المخالفة، ومنع ما يجب عليك» (4).

وفسّر النور في أخبار كثيرة بأمير المؤمنين وسائر الأئمّة عليهم السلام . وقيل: لعلّ المراد بالنور هنا القرآن أو الشريعة؛ إذ هما كالنور في كشف الحجاب عن وجه المطلوب (5).

(واقتحم في ظُلَمه) .

الظاهر أنّه بفتح اللام ، جمع الظلمة لمقابلته بالنور، وكونه بتسكين اللام بعيد.

وفي القاموس: «قحم في الأمر _ كنصر _ قُحوماً: رمى بنفسه فيه فجأة بلا رويّة ، وقحّمته تقحيماً ، فانقحم واقتحم»(6).

(واستبدل بالماء السراب) .

في الصحاح : «السراب : الذي تراه نصف النهار كأنّه ماء» ، (7)وهو هنا كناية عمّا لا حقيقة له.

ص: 353


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 134 (نكب)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 269
3- الكافي ، ج 1 ، ص 25 ، كتاب العقل والجهل ، ح 22
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 463 (حدد)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 269
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 161 (قحم)
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 147 (سرب)

(وبالنعيم العذاب) .

النعيم والنعمة: اليد ، والصنيعة ، والمنّة ، وما أنعم به عليك.

(وبالفوز الشقاء) .

الفوز: النجاة ، والظفر بالخير، وهو مستلزم للسعادة، ولذا قابلها بالشقاء الذي هو نقيضها.

(وبالسرّاء الضرّاء) .

قال الجوهري: «السرّاء: الرخاء، والضرّاء: الشدّة»(1).

وفي القاموس: «السرّاء: المسرّة، والضرّاء: الزمانة والشدّة ، والنقص في الأموال والأنفس»(2).

(وبالسعة الضَّنك) .

في القاموس:

الضَّنك: الضيق في كلّ شيء ، للذكر والاُنثى ، ضنك _ ككرم _ ضَنكاً وضَناكة وضُنوكة : ضاق، وفلان ضناكة فهو ضَنيك: ضعيف في رأيه وجسمه ونفسه وعقله (3).

وقوله عليه السلام : (إلّا جزاء اقترافه) استثناء من قوله: «فما جزاء من تنكّب» . واقترافه: اكتسابه ما ذكر من التنكّب وما عطف عليه.

وفي بعض النسخ: «افتراقه» ، أي قطعه عمّا يجب أن يوصل.

(وسوء خلافه) عطف على «اقترافه» ، أي جزاء مخالفته مع من يجب طاعته.

وقيل: أفاد بالاستثناء ألّا ظلم في ذلك الجزاء (4).

(فليوقنوا بالوعد على حقيقته) .

اليقين: العلم وزوال الشكّ، يقال: يقنت الأمر _ بالكسر _ يَقناً، وأيقنت به، أي صرت منه على يقين، أي فليكونوا على يقين في حقيقة الوعد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه و آله من الثواب.

(وليستيقنوا بما يوعدون) من العقاب (يوم تأتي الصيحة بالحقّ) متعلّق بالوعد والإيعاد.

قال اللّه _ عزّ وجلّ _ في سورة ق : «وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ» (5) . قال البيضاوي: «هي النفخة الثانية» (6).

[و] «بالحقّ» متعلّق بالصيحة،

ص: 354


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 75 (ضرر)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2409 (ضرر)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 311 (ضنك)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 270
5- .ق (50) : 41 و42
6- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 8

والمراد به البعث للجزاء .

«ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ» من القبور، وهو من أسماء يوم القيامة، وقد يقال للعبد .

«إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ» في الدنيا.

«وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ» للجزاء في الآخرة.

«يَوْمَ تَشَقَّقُ» أصله تتشقّق «الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً» مسرعين في الخروج والرجوع إلى اللّه ، والحضور إلى المحشر .

(إلى آخر السورة) وهو قوله: «ذلِكَ حَشْرٌ» أي بعث وجمع «عَلَيْنا يَسِيرٌ» : هَيّن، وتقديم الظرف للاختصاص؛ فإنّ ذلك لا يتيسّر إلّا على العالم القادر لذاته، لا يشغله شأن عن شأن، كما قال : «ما خَلَقَكُمْ وَلا بَعَثَكُمْ إِلّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ» (1) .

«نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ» تسلية لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وتهديد لهم .

«وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ» (2). بمسلّط تقسرهم على الإيمان ، أو تفعل بهم ما تريد، وإنّما أنت داع . «فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ» ؛ فإنّه لا ينتفع به غيره .

قيل: وفي تضمين الآية وعيد لهم بأنّهم سيجدون جزاء عملهم(3).

متن الحديث الخامس (خُطْبَةُ الطَّالُوتِيَّةِ)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ، (4). عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْأَ شْعَرِيُّ، (5). عَنْ (6). عَمْرٍو الْأَ وْزَاعِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، (7). عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ (8). :

ص: 355


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 270
2- .لقمان (31) : 28
3- ق (50) : 41 _ 45
4- .في الحاشية: «الكوفي، يكنّى أبا الحسين صاحب الصبيحي . مصحّح» . وانظر : رجال الطوسي ، ص 442 ، الرقم 6310
5- .في الحاشية: «ابن راشد الزهري ، بيّاع الزطّي ، ثقة» . وانظر : رجال النجاشي ، ص 221 ، الرقم 578 ؛ رجال العلّامة ، ص 238 ، الرقم 23
6- .في الطبعة الجديدة وبحار الأنوار، ج 28، ص 239، ح 27: + «أبي»
7- .في الحاشية: «أبو عبد اللّه الجعفي ، مصري ، ضعيف جدّاً ، زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه ، والأمر ملبّس . مصحّح» . وانظر : رجال النجاشي ، ص 287 ، الرقم 765
8- .في الحاشية: «روى الكشّي عن الفضل بن شاذان أنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام . مصحّح». راجع : رجال الكشّي ، ص 38 ، ح 78

أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام خَطَبَ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ:«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَا هُوَ ، كَانَ حَيّاً بِلَا كَيْفٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَانٌ، وَلَا كَانَ لِكَانِهِ كَيْفٌ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنٌ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ عَلى شَيْءٍ، وَلَا ابْتَدَعَ لِكَانِهِ مَكَاناً، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ شَيْئاً، وَلَا كَانَ ضَعِيفاً قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ شَيْئاً، وَلَا كَانَ مُسْتَوْحِشاً قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ شَيْئاً، وَلَا يُشْبِهُ شَيْئاً، وَلَا كَانَ خِلْواً مِنَ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ، وَلَا يَكُونُ خِلْواً مِنْهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ، كَانَ إِلهاً حَيّاً بِلَا حَيَاةٍ، وَمَالِكاً قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئاً، وَمَالِكاً بَعْدَ إِنْشَائِهِ لِلْكَوْنِ.

وَلَيْسَ يَكُونُ لِلّهِ كَيْفٌ، وَلَا أَيْنٌ، وَلَا حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ، (1). وَلَا شَيْءٌ يُشْبِهُهُ، وَلَا يَهْرَمُ لِطُولِ بَقَائِهِ، وَلَا يَضْعُفُ (2). لِذُعْرَةٍ، وَلَا يَخَافُ كَمَا تَخَافُ خَلِيقَتُهُ مِنْ شَيْءٍ، وَلكِنْ سَمِيعٌ بِغَيْرِ سَمْعٍ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ بَصَرٍ، وَقَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تُدْرِكُهُ حَدَقُ النَّاظِرِينَ، وَلَا يُحِيطُ بِسَمْعِهِ سَمْعُ السَّامِعِينَ، إِذَا أَرَادَ شَيْئاً كَانَ بِلَا مَشُورَةٍ وَلَا مُظَاهَرَةٍ وَلَا مُخَابَرَةٍ.

وَلَا يَسْأَلُ أَحَداً عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ أَرَادَهُ «لا تُدْرِكُهُ الْأَ بْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَ بْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (3).

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، (4). وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (5). أَرْسَلَهُ بِالْهُدى «وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (6). ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَنْهَجَ الدَّلَالَةَ . أَيُّهَا الْأُمَّةُ الَّتِي خُدِعَتْ فَانْخَدَعَتْ، وَعَرَفَتْ خَدِيعَةَ مَنْ خَدَعَهَا ، فَأَصَرَّتْ عَلى مَا عَرَفَتْ، وَاتَّبَعَتْ أَهْوَاءَهَا، وَضَرَبَتْ فِي عَشْوَاءِ غَوَايَتِهَا، (7). وَقَدِ اسْتَبَانَ (8). لَهَا الْحَقُّ فَصَدَّتْ (9). عَنْهُ، وَالطَّرِيقُ الْوَاضِحُ فَتَنَكَّبَتْهُ.

ص: 356


1- .في النسخة: «به» مرمّز ب «خ»، ولم يرد في كلتا الطبعتين
2- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني والوافي : «ولا يصعق»
3- الأنعام (6) : 103
4- .في الحاشية: «قالوا: هذه الكلمة أشرف كلمة منطبقة على جميع مراتب التوحيد. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص239
5- .في الحاشية: «قدّم العبوديّة لتقدّمها في الواقع ، ولتحقّق معنى الترقّي ، ولئلّا يكون ذكرها بلا فائدة» . شرح المازندراني ، ج11 ، ص 239
6- .التوبة (9) : 33 ؛ الفتح (48) : 28
7- .في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «غوائها»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «استنار»
9- .في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول : «فصدعت»

أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوِ اقْتَبَسْتُمُ الْعِلْمَ مِنْ مَعْدِنِهِ، وَشَرِبْتُمُ الْمَاءَ بِعُذُوبَتِهِ، وَادَّخَرْتُمُ الْخَيْرَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَأَخَذْتُمُ الطَّرِيقَ مِنْ (1). وَاضِحِهِ، وَسَلَكْتُمْ مِنَ الْحَقِّ نَهْجَهُ، لَنَهَجَتْ بِكُمُ السُّبُلُ، وَبَدَتْ لَكُمُ الْأَ عْلَامُ ، وَأَضَاءَ لَكُمُ الْاءِسْلَامُ ، فَأَكَلْتُمْ رَغَداً ، وَمَا عَالَ فِيكُمْ عَائِلٌ، وَلَا ظُلِمَ مِنْكُمْ مُسْلِمٌ وَلَا مُعَاهَدٌ، وَلكِنْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الظَّلَامِ ، فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمْ دُنْيَاكُمْ بِرُحْبِهَا، وَسُدَّتْ عَلَيْكُمْ أَبْوَابُ الْعِلْمِ، فَقُلْتُمْ بِأَهْوَائِكُمْ (2). ، وَاخْتَلَفْتُمْ فِي دِينِكُمْ، (3). فَأَفْتَيْتُمْ فِي (4). دِينِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَاتَّبَعْتُمُ الْغُوَاةَ فَأَغْوَتْكُمْ، وَتَرَكْتُمُ الْأَ ئِمَّةَ فَتَرَكُوكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ تَحْكُمُونَ (5). بِأَهْوَائِكُمْ ، إِذَا ذُكِرَ الْأَ مْرُ سَأَلْتُمْ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا أَفْتَوْكُمْ قُلْتُمْ: هُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ وَقَدْ تَرَكْتُمُوهُ، وَنَبَذْتُمُوهُ، وَخَالَفْتُمُوهُ، رُوَيْداً عَمَّا قَلِيلٍ تَحْصُدُونَ جَمِيعَ مَا زَرَعْتُمْ، وَتَجِدُونَ وَخِيمَ مَا اجْتَرَمْتُمْ وَمَا اجْتَلَبْتُمْ (6) .

وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي صَاحِبُكُمْ، وَالَّذِي بِهِ أُمِرْتُمْ وَأَنِّي عَالِمُكُمْ، وَالَّذِي بِعِلْمِهِ نَجَاتُكُمْ وَوَصِيُّ نَبِيِّكُمْ ، وَخِيَرَةُ رَبِّكُمْ ، وَلِسَانُ نُورِكُمْ، وَالْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، فَعَنْ قَلِيلٍ رُوَيْداً يَنْزِلُ بِكُمْ مَا وُعِدْتُمْ، وَمَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، وَسَيَسْأَلُكُمُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ مَعَهُمْ تُحْشَرُونَ، وَإِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ غَداً تَصِيرُونَ.

أَمَا وَاللّهِ، لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ، أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ (7). ، لَضَرَبْتُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتّى تَئُولُوا إِلَى الْحَقِّ، وَتُنِيبُوا لِلصِّدْقِ، فَكَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ، وَآخَذَ بِالرِّفْقِ، اللّهُمَّ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ».

ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ بِصِيرَةٍ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ ثَلاَ ثِينَ شَاةً، فَقَالَ: «وَاللّهِ، لَوْ أَنَّ لِي رِجَالاً يَنْصَحُونَ لِلّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَلِرَسُولِهِ بِعَدَدِ هذِهِ الشِّيَاهِ، لَأَزَلْتُ ابْنَ آكِلَةِ الذِّبَّانِ (8). عَنْ مُلْكِهِ».

ص: 357


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «من الطريق» بدل «الطريق من»
2- .في الحاشية: «هذا من لوازم الجهل مع الاستنكاف عن ظهوره، وهكذا حال الجاهل المستنكف؛ فإنّه إذا سئل عن أمر مبهم أو ورد عليه أمر مشكل أوضحه بأهوائه الفاسدة وبيّنه بآرائه الكاسدة لئلّا يقولوا : إنّه جاهل. صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 278
3- .في الحاشية: «أي الذي اخترعتموه بالأهواء؛ إذ الأهواء مستلزمة للاختلاف قطعاً لتفاوت الأشخاص فيها. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 278
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فاتّقيتم» بدل «فأفتيتم في»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تحكون»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «اجتنيتم»
7- .في الحاشية: عن بعض النسخ والطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي : «أعدادكم»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الذياب»

فَلَمَّا أَمْسى بَايَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ رَجُلاً عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ (1). أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : «اغْدُوا بِنَا إِلى أَحْجَارِ الزَّيْتِ مُحَلِّقِينَ» وَحَلَقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَمَا وَافى مِنَ الْقَوْمِ مُحَلِّقاً إِلَا أَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَجَاءَ سَلْمَانُ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ : «اللّهُمَّ (2). إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي كَمَا اسْتَضْعَفَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَارُونَ، اللّهُمَّ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ، وَمَا يَخْفى عَلَيْكَ شَيْءٌ فِي الْأَ رْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ .

أَمَا وَالْبَيْتِ وَالْمُفْضِي إِلَى الْبَيْتِ [وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْمُزْدَلِفَةِ] وَالْخِفَافِ إِلَى التَّجْمِيرِ، لَوْ لَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، لَأَوْرَدْتُ الْمُخَالِفِينَ خَلِيجَ الْمَنِيَّةِ، وَلَأَرْسَلْتُ عَلَيْهِمْ شَآبِيبَ صَوَاعِقِ الْمَوْتِ، وَعَنْ قَلِيلٍ سَيَعْلَمُونَ».

شرح الحديث

السند ضعيف(3).

قوله: (خطبة الطالوتيّة) سمّيت بها؛ لاشتمالها على ذكر الطالوت وأصحابه.

وقوله: (عن أبي الهَيثم بن التَّيِّهان) .

في القاموس: «التيه، بالكسر: الصلف والكبر.

[تاه فهو] تائه وتيّاه وتَيهان وتيّهان، مشدّدة الياء، وتكسر»(4).

وقوله: (الحمد للّه الّذي لا إله إلّا هو) .

العائد إلى الموصول، أو إلى الموصوف محذوف، والضمير المذكور عائد إلى أحدهما.

وقيل: نسبة الحمد إلى اسم الذات وتعليقه بالتوحيد للدلالة على أنّه يستحقّ الحمد بحسب الذات، وأنّه المتفرّد بالاستحقاق؛ لانحصار العلّة فيه (5).

(كان حيّاً بلا كيف) أي بلا حياة زائدة يتكيّف بها، ولا كيفيّة من الكيفيّات التي تتبع الحياة في المخلوقين ، بل حياته علمه وقدرته، وهما عين ذاته تعالى ؛ أمّا إنّه حيّ فقد اتّفقت

ص: 358


1- .في الطبعة القديمة : + «لهم»
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : _ «اللّهمّ»
3- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 70 : «ضعيف على مصطلح القوم ، لكن بلاغة الكلام وغرابة الاُسلوب والنظام تأبى عن صدوره عن غير الإمام عليه السلام »
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 282 (تيه)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271

الأنبياء والأوصياء والعقلاء على ذلك ، وهذا القدر كاف في التصديق بحياته، ولا يقدح عدم العلم بحقيقتها، كما لا يقدح عدم العلم بحقيقة ذاته في التصديق بوجوده، كذا قيل (1).

ولا يخفى أنّ فيه شائبة دَور أو مصادرة ، بل الأصحّ في هذا أن يقال: ثبت أنّه تعالى عالم قادر؛ لما شاهد من صدور أفعال محكمة مُتقنة، وكلّ عالم قادر فهو حيّ بالضرورة.

واختلفوا في معنى حياته تعالى؛ فإنّها في حقّنا اعتدال المزاج النوعي، ولا يتصوّر ذلك في حقّه تعالى، فقيل: إنّها هي صحّة كونه عالماً قادراً.

وقيل: إنّها صفة توجب صحّة العلم(2).

وقال صاحب العدّة: «الحيّ هو الفعّال المدرك، وهو حيّ بنفسه، ولا يجوز عليه الموت والفناء، ولا يحتاج إلى حياة بها يحيى» (3).

وقال القطب في درّة التاج: «حياته تعالى إدراك الأشياء، وهو لمّا كان عالماً بذاته ومعلوماته كما هي على الوجه الأتمّ الأبلغ كان حيّاً» (4) .

وأمّا إنّه بلا كيف، فقيل: لأنّ الكيفيّات على أقسامها مخلوقة محدثة، والقديم الأزليّ الكامل بالذات يمتنع أن يتّصف بالمحدثات، ولأنّه لو اتّصف بها لكان الواجب بالذات إمّا المجموع، أو الموصوف بدون الصفة، أو بالعكس، والكلّ محال؛ أمّا الأوّل لأنّه يوجب تركيبه وحدوثه وافتقاره إلى الأجزاء وإلى موجدها وإلى المؤلّف والتأليف والصورة، وهو منزّه عن جميع ذلك.

وأمّا الأخيران فلأنّهما يوجبان النقص والافتقار إلى الحالّ والمحلّ والتغيّر من حال إلى حال، وإنّه محال (5).

(ولم يكن له) .

قال بعض الشارحين: «أي ولم يكن الكيف ثابتاً له، والواو إمّا للعطف، أو للتفسير، أو للحال» (6).

(كانٌ ، ولا كان لكانه) أي لكونه ووجوده (كيف) .

«كان» أوّلاً تامّة، أو ناقصة بتقدير الخبر، أي كان موجوداً في الأزل، والواو للحال عن

ص: 359


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 271
3- عدّة الداعي ، ص 302 (مع اختلاف يسير)
4- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271

اسمه، وثانياً ناقصة، و«كيف» بالرفع اسمه، والظرف المقدّم خبره، يعني أنّه كان أزلاً، والحال أنّه ما كان لوجوده كيف؛ لأنّ الكيف حادث ، وإذا كان كذلك، فوجب أن لا يتّصف به أبداً؛ لأنّه أبده كأزله، وأزله كأبده، ولأنّ الكيف إن كان من صفات كماله لزم نقصه في الأزل؛ لعدم اتّصافه به، وإن لم يكن منها كان نقصاً له، فيلزم النقص في الاتّصاف به في الأبد ، والنقص عليه محال.

(ولا كان له أين) أي كان في الأزل، ولا كان له أين؛ لأنّ الأين أيضاً حادث، فيستحيل كونه فيه؛ لمثل ما مرّ.

ويحتمل أن يكون المراد بالفقرتين أنّه كان في الأزل، وما كان له استعداد الاتّصاف بالكيف، ولا استعداد الحصول في الأين حتّى ينقل من الاستعداد إلى الفعل بعد إيجاد الكيف والأين.

إلى هاهنا كلام بعض الشارحين (1). ، ولا يخفى ما فيه من التعسّفات ، والأظهر ما قرّره بعض الأفاضل الأعلام، قال: قوله عليه السلام : «ولم يكن له كان» ، الظاهر أنّ «كان» اسم «لم يكن»؛ لأنّه لمّا قال عليه السلام : «كان»، أوهم العبارة زماناً، فنفى عليه السلام ذلك بأنّه كان بلا زمان، أو لأنّ الكون يتبادر منه الحدوث عرفاً، ويخترع الوهم للكون مبدأ، نفى عليه السلام ذلك بأنّ وجوده تعالى أزليّ لا يمكن أن يقال: حدث في ذلك الزمان، فالمراد ب_ «كان» على التقديرين ما يفهم ويتبادر، أو يتوهّم منه .

قال:

وقوله عليه السلام : «ولا كان لكانه» يحتمل أن يكون المراد: لكونه ، ويكون القلب على لغة أبي الحرث بن كعب، حيث جوّز قلب الواو والياء الساكنتين أيضاً مع انفتاح ما قبلهما ألفاً، أي ليس له وجود زائد يتكيّف به الذات، أو ليس وجوده كوجود الممكنات مقروناً بالكيفيّات، ويؤيّده ما رواه في كتاب التوحيد (2).

في خبر شبيه بصدر هذه الخطبة عن أبي جعفر عليه السلام : «كان لم يزل حيّاً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون، كيف ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لكانه مكاناً».

ص: 360


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 271
2- .راجع : التوحيد للصدوق رحمه الله ، ص 114

ويحتمل أن يكون من الأفعال الناقصة، والمعنى أنّه ليس بزمانيّ، أو ليس وجوده مقروناً بالكيفيّات المتغيّرة الزائده، وإدخال اللام والإضافة بتأويل الجملة مفرداً، أي هذا اللفظ كقولك: لزيدٌ قائم معنى (1).

(ولا كان في شيء) ؛ لا كون الجزء في الكلّ، ولا الجزئي في الكلّي، ولا الحالّ في المحلّ كالصفة في الموصوف، ولا ككون المتمكّن في المكان، ولا الروح في البدن، ولا ما يشبهها، وذلك لأنّ التركيب ينافي الوجوب الذاتي.

ومعنى الحلول في الشيء الحصول فيه على سبيل التبعيّة، وهو عليه تعالى ممتنع؛ لأنّه إن افتقر إلى ذلك المحلّ في وجوده وكماله، لزم الاحتياج المنافي للوجوب الذاتي، وإن لم يفتقر إليه في كماله كان الحلول فيه نقصاً؛ لأنّ ما ليس بكمال فهو نقص يجب تنزيهه تعالى عنه.

ولما نفى الأين عنه تعالى مجملاً أراد أن ينفيه مفصّلاً لئلّا يتوهّم اختصاص النفي بالبعض، فقال: (ولا كان على شيء) لا بالمجاذاة، ولا بالوضع والترتيب، ولا بالاستقرار والاعتماد، كالملك على السرير ، والراكب على الركوب ، والسقف على الجدران ، والهواء على الماء؛ للزوم التشابه بالجسم والجسمانيّات، والاختصاص ببعض الجهات الممتنع عليه تعالى.

هذا والأظهر أن يكون هذا إشارة إلى استحالة المكان العرفي، وقوله: «ولا كان في شيء» إلى استحالة المكان المصطلح عند المتكلّمين والفلاسفة من البعد الموهوم، أو الموجود، أو السطح.

وقوله: (ولا ابتدع لكانه مكاناً) نفي لبعض ما نفى بقوله: «ولا كان على شيء»، فيكون نفياً للخاصّ بعد نفي العام للاهتمام، يعني لم يتّخذ لكونه واستقراره مكاناً كاتّخاذ الملك السرير، ويؤيّده ما مرّ في حديث أبي جعفر عليه السلام من قوله: «ولا ابتدع لمكانه مكاناً» (2). ؛ أي لتمكّنه أو مكانته ومنزلته ورفعة محلّه.

وقيل: قوله: «ولا كان في شيء» إشارة إلى نفي المكان بالمعنى المصطلح عند الفلاسفة مطلقاً، وقوله: «ولا كان على شيء» إشارة إلى نفيه بالمعنى المصطلح عند المتكلّمين، وقوله:

ص: 361


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 71
2- .الكافي ، ج 1 ، ص 88 ، باب الكون والمكان ، ح 3

«ولا ابتدع» إلخ، إشارة إلى نفيه بالمعنى العرفي (1). وهو كما ترى.

وقال بعض الأفاضل: توهّم كلّ شيء في مكان باطل؛ لأنّ المكان شيء، ولا مكان له.

قال: وفي الابتداع إشعار بأنّه لو كان له مكاناً، لكان مكانه مبتدعاً حادثاً، فلم يكن سبحانه قبل حدوثه في مكان، فلا يكون بعده أيضاً فيه؛ لما مرّ (2).

(ولا قوي بعد ما كوّن شيئاً) أي لا يؤثّر تكوين الأشياء في حدوث قوّته تعالى، ولا في ازدياده؛ لأنّه تعالى لا يستعين في قوّته وسلطانه على غيره، بل الغرض منه إظهار ربوبيّته وعلمه وقدرته وحكمة، وإيصال المنافع والجود إلى غيره.

(ولا كان ضعيفاً قبل أن يُكوّن شيئاً) حتّى يكوّنه لجبر ضعفه، وتشديد قدرته.

(ولا كان مستوحشاً) .

الوحشة: الخلوة، والهمّ. يقال: وحّشته ، فاستوحش.

(قبل أن يبتدع شيئاً) حتّى يبتدعه للاستئناس وزوال الوحشة؛ لأنّ الوحشة من توابع المزاج، وعوارض الحيوانات.

(ولا يُشبه شيئاً) (3).

كذا في بعض النسخ المصحّحة. وفي كثير منها ليس قوله: «ولا كان مستوحشاً» قبل «أن يبتدع شيئاً».

(ولا كان خِلواً من المُلك قبل إنشائه، ولا يكون خِلواً منه بعد ذَهابه) .

قال الفيروزآبادي: «الخِلو، بالكسر: الخالي، والفارغ»(4).

وقال: ملكه يملكه ملكاً _ مثلّثة _ وملكة محرّكة: احتواه قادراً على الاستبداد به، وماله ملك _ مثلّثاً _ وبضمّتين: شيء يملكه، وهذا ملك يميني _ مثلّثة _ وأعطاني من ملكه ، مثلّثة : ممّا يقدر عليه، وطال ملكه _ مثلّثة _ وملكته محرّكة: رقّه ، والملك، بالضمّ: معروف، ويؤنث، والعظمة (5).

ص: 362


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول ، ج 25 ، ص 71
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 272
3- في الحاشية: «أي لا في الذات، ولا في الصفات؛ لتنزّهه عن المشابهة بخلقه ؛ إذ الوجوب الذاتي يتأبّى عن المشابهة بما في عالم الإمكان. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 272
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 325 (خلو)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 320 (ملك) مع التلخيص

وقال بعض الأفاضل:

الملك بالضمّ والكسر يكون بمعنى السلطنة والمالكيّة والعظمة، وبمعنى ما يُملك، والضمّ في الأوّل أشهر ، فيحتمل أن يكون المراد عند ذكره وعند إرجاع الضمير إليه معاً هو الأوّل، أي كان سلطاناً عظيماً قبل خلق السلاطين وسلطنتهم وعظمتهم.

ويحتمل أن يكون المراد عند ذكره المعنى الأوّل ، وعند إرجاع الضمير إليه المعنى الثاني على طريقة الاستخدام، وهو أظهر معنى .

ويحتمل أن يكون الضمير راجعاً إلى اللّه تعالى بالإضافة إلى الفاعل، أي قبل إنشائه الأشياء، لكنّه لا يناسب الفقرة الثانية، كما لا يخفى.

والحاصل على التقادير أنّ سلطنته تعالى ليس بخلق الأشياء؛ لغناه عنها، وعدم تقوّيه بها، بل بقدرته على خلقها وخلق أضعاف أضعافها، وهذه القدرة لا تنفكّ عنه تعالى.

وفيه ردّ على القائلين بالقدم، ودلالة هذه الفقرات على الحدوث ظاهرة. انتهى (1).

قال رفيع العلماء رحمه الله:

قوله: «ولا كان خِلواً»، أي خالياً «من المُلك» _ بضمّ الميم _ أي العظمة والسلطنة «قبل إنشائه» ، أي إنشائه شيئاً ؛ لقدرته على إيجاد الأشياء وإبقائها على الوجود وإعدامها بعد الوجود وإبقائها على العدم، وكونه جامعاً في ذاته لا يحتاج إليه فعله، وحاجة المهيّات إليه في الوجود مطلقاً لذواتها، فهو غاية العظمة، وأعلى مراتب السلطنة والغلبة على الأشياء كلّها، «ولا يكون منه» ، أي من الملك «خلواً بعد ذهابه» ، أي ذهاب ما أنشأه، أو إنشائه لما ذكرناه.

انتهى كلامه رفع اللّه مقامه (2).

وقيل: إنّه تعالى لما ليس زمانيّاً ولا زماناً، ولا مكانيّاً ولا مكاناً، ولا امتداد فيه، كانت نسبته إلى ملكه، وهو الموجودات العينيّة قبل إنشائها وحين إنشائها وبعد فنائها نسبة واحدة، لا تقدّم ولا تأخّر فيها، بل كلّها حاضرة عنده لا باعتبار أنّها كانت معه في الأزل، أو تكون معه فيما لا يزال لبطلان ذلك، بل باعتبار أنّه لا يجري فيه زمان وأحكامه، وأنّ نسبته إلى الأزل والأبد والوسط واحدة، فالعقل الصحيح إذا تجرّد عن شبهات الأوهام ولواحق الزمان،

ص: 363


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 71 و72
2- الحاشية على اُصول الكافي لميرزا رفيعا ، ص 296 (مع اختلاف يسير)

ولاحظ أنّه لا امتداد في قدس وجود الحقّ يحكم حكماً جازماً بأنّه لا يخلو من الملك قبل إنشائه وبعد فنائه.

ويمكن أن يراد بالملك سلطنته وتسلّطه على ما سواه، وبضميره المخلوق على سبيل الاستخدام، والمقصود أنّه لا يخلو من السلطنة قبل إنشاء الخلق وبعد ذهابه؛ إذ سلطنته بعلمه وقدرته على الممكنات عند أرباب العصمة عليهم السلام سواء أوجدها أو لا(1).

(كان إلها حيّاً بلا حياة) زائدة على ذاته، بل إطلاق الحياة عليه باعتبار صدور أفعال الأحياء منه تعالى.

قال الجوهري: أله _ بالفتح _ إلهة، أي عبد عبادة، ومنه قولنا: «اللّه» ، وأصله إله على فعال ، بمعنى مفعول؛ لأنّه مألوه، أي معبود، كقولنا: «إمام» ، فِعال بمعنى مفعول؛ لأنّه مؤتمّ به(2).

وفي القاموس: «كلّ ما اتّخذ معبوداً إله عند متّخذه»(3).

(ومالكاً قبل أن ينشئ شيئاً)؛ لما تقدّم من أنّه لا يخلو من الملك قبل إنشائه.

(ومالكاً بعد إنشائه للكون)؛ لما مرّ أيضاً . والجارّ متعلّق بالإنشاء على الظاهر. وقيل: يحتمل تعلّقه ب_ «مالكاً» أيضاً. ففيه على الثاني إشعار بأنّه مالك لوجود كلّ شيء، وبيده أزمّة بقائه وفنائه. وعلى الأوّل إيماء إلى الجعل البسيط بإفاضة الوجود، وأمّا الجعل المركّب فهو مسكوت عنه(4).

وفيه كلام طويل الذيل مذكور في علم الكلام.

وإنّما كرّر ذكر المالك لدفع استبعاد كونه مالكاً قبل وجود المملوك وبعد فنائه .

(وليس يكون للّه كيف ولا أين) .

لعلّ تكرار نفيهما لأنّ العقول الناقصة تتوهّمهما له سبحانه.

(ولا حدّ يعرف) (5).

نفى عنه الحدّ العرفي، وهو المتألّف من أجزاء المهيّة وخواصّها، والحدّ اللغوي، وهو

ص: 364


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 272 و273
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2223 (أله)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 280 (أله)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 273
5- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : + «به»

النهايات المحيطة بالجسم والجسمانيّات؛ لأنّ الأوّل مستلزم للتركيب والتوصيف، والثاني من لواحق الكمّ وتوابعه.

(ولا شيء يشبهه) .

الشبه، بالكسر وبالتحريك وكأمير: المثل، وأشبهه، أي ماثله، والمماثلة بينه تعالى وبين غيره منتفية ؛ لأنّ المماثلة بين الشيئين إمّا في الحقيقة، أو في أجزائها، أو في عوارضها، والأوّل هنا ظاهر البطلان؛ إذ لا مشابهة بين حقيقة الواجب بالذات والممكن، وكذا الأخيران؛ إذ لا جزء لحقيقته تعالى ، ولا عوارض له.

(ولا يَهرم لطول بقائه) .

الهرم، محرّكة: أقصى الكبر، وفعله كفرح، والهرم إنّما يحصل بانفعال المزاج وانكساره وتغيّره بطول البقاء، وهو على اللّه تعالى محال؛ لتنزّهه عن المزاج والانفعال.

(ولا يصعق (1). لذُعرة) . في بعض النسخ: «ولا يضعف لذعرة».

قال الجوهري: «صعق الرجل صَعقة وتَصعاقاً، أي غُشي عليه، وأصعقه غيرَه، وقوله تعالى: «فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» (2). ، أي مات»(3).

وفي القاموس: «الذُّعر، بالضمّ: الخوف، ذُعِر _ كعُني _ فهو مذعور، وبالفتح: التخويف، كالإذعار، والفعل كجعل، وبالتحريك: الدهش، وكصرد : الأمر المخوف»(4).

وأقول: يمكن هنا إرادة كلّ من تلك المعاني للصعقة والذعر. والضمير المجرور راجع إلى اللّه، وإضافة الذعر إليه إضافة المصدر إلى الفاعل، (5). أو إلى المفعول، (6). أو بأدنى ملابسة (7). وبالجملة عروض الغشية أو الموت بسبب الذعر أو غيره من الأسباب عليه تعالى محال؛ لأنّ عروض ذلك وحصوله إنّما هو بالانفعال والمقهوريّة، والحياة الزائدة على الذات، وكلّ ذلك ممتنع في القديم بالذات بالظاهر، وإنّما علّق الصعق بالذعر نظراً إلى الغالب. (ولا يَخاف كما تَخاف خليقَتُه)؛ لما مرّ، والنفي راجع إلى القيد والمقيّد جميعاً.

ص: 365


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «ولا يضعف»
2- . الزمر (39) : 68
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1507 (صعق)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 34 (ذعر)
5- .في الحاشية: «كما في المعنى الأوّل والثالث»
6- .في الحاشية: «كما في المعنى الثاني»
7- في الحاشية: «كما في المعنى الرابع»

وفي القاموس: «الخليقة: الناس، كالخلق، والبهائم»(1).

وقوله: (من شيء) متعلّق بكلّ من الفعلين على سبيل التنازع.

والحاصل أنّ الخوف منتف عنه رأساً، ولا يبعد تعلّق الجارّ بالذعر أيضاً.

وكلمة «من» في قوله: (وقوي بغير قوّة من خلقه) للابتداء ، أو للتبيين، أي قوّة ناشئة من خلقه، أو قوّة هي خلقه.

وكونها للتبعيض بمعنى قوّة هي بعض خلقه محتمل بعيد.

وبالجملة قوّته تعالى ليست مستفادة من غيره، كما في الملوك والسلاطين المجازيّة.

(لا تدركه حَدَق الناظرين) .

في القاموس: «الحدقة، محركّة: سواد العين، الجمع حَدَق وأحداق وحِداق» (2).

وأقول: المراد بالحدق هنا نواظر العيون.

(ولا يُحيط بسمعه سمعُ السامعين) .

في القاموس: السمع: حسّ الاُذن ، والاُذن ، وما وقر فيها من شيء تسمعه ، والذكر المسموع، ويكسر كالسّماع، ويكون للواحد والجمع، الجمع: أسماع وأسمُع. سمع _ كعلم _ سَمعاً، ويكسر، أو بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم، وسَماعاً وسَماعة وسَماعية (3).

وأقول: لعلّ السمع هنا مصدر اُضيف إلى المفعول، والمراد أنّه تعالى ليس من جنس المسموعات، كما أنّه ليس من جنس المبصرات.

ويحتمل كونه بمعنى الاسم، والمراد أنّه لا يحيط بجميع مسموعاته سمع السامعين، أي لا يدركون بحاسّة السمع كلّ ما يدركه بذاته؛ لأنّه تعالى يسمع بذاته ما لا يسمعه حديد السمع من الأصوات الخفيّة جدّاً، كحسيس النملة على الصخرة المَلساء . (إذا أراد شيئاً كان) ذلك الشيء، وحدث على وفق ما أراد من غير امتناع وتوقّف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة.

(بلا مشورة) مع أحد؛ ليعلم بها صلاح أمره وفساده.

ص: 366


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 228 (خلق)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 219 (حدق)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 40 (سمع)

في القاموس: «شوّر إليه: أومأ، كأشار، ويكون بالكفّ والعين والحاجب. وأشار عليه بكذا: أمره، وهي : الشورى . والمشورة : مفعلة لا مفعولة» (1).

وعدّ الجوهري أيضاً المشورة والشُّؤُرة من المصادر(2).

(ولا مُظاهرة) أي معاونة من أحد في أفعاله.

(ولا مُخابرة) .

قال الجوهري : «المخابرة: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض» (3). ولعلّ المراد نفي الاستعانة، فيكون تخصيصاً بعد التعميم، ونفي المشاركة في الخلق والتقدير.

وقيل: يحتمل أن يكون مشتقّاً من الخبر، أو الاختبار (4).

وأقول : يحتمل أيضاً أن يكون مشتقّاً من الخُبُر، بالتحريك، فالمخابرة أن يعطى كلّ منهما الآخر ما عنده من العلم، أو الخبر والاختبار، فيتقوّى بذلك عقل كلّ واحد منهما.

وقيل في شرح هذا الكلام: يعنى أنّه تعالى لم يفوّض أمر ملكه إلى غيره ليعمل فيه، ويكون له تعالى نصيب منه؛ إمّا لعجزه عن العمل فيه، أو لغرض آخر، كما يقوله من زعم أنّه تعالى واحد لا يصدر منه إلّا الواحد، وأنّ الباقي مفوّض إلى العقول العشرة، وأنّ لها نصيباً في خلق عالم الروحانيّات والجسمانيّات (5).

(ولا يسأل أحداً عن شيء من خلقه أراده) .

«من خلقه» و«أراده» نعتان ل «شيء»، أو الأوّل بيان له، والثاني نعت، أي لا يستخبر ولا يستعلم أحداً من شيء تعلّق به إرادته ليخبره بصلاحه وفساده، ويفتح عليه أبواب علمه وحكمته.

«لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ» أي لا يحيط به حاسّة الأنظار.

قال البيضاوي: «الأبصار: جمع البصر، وهي حاسّة النظر، وقد يقال للعين من حيث إنّها محلّها»(6).

ص: 367


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 65 (شور)
2- راجع : الصحاح ، ج 2 ، ص 705 (شور)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 641 (خبر)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 73
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 274
6- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 438

«وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ» أي يحيط علمه بها وبمدركاتها.

وفي بعض الأخبار: إنّ المراد بالأبصار الأوهام والعقول (1). ، وإنّ المعنى لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام، ويلزم منه أن لا يدركه البصر أيضاً، فإنّ كلّ ما يدركه البصر يدركه الوهم _ من غير عكس _ كلّيّ ، ونفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ، فتدلّ على نفي إدراكه مطلقاً .

«وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (2). أي العالم بلطائف الاُمور وخفيّاتها، والخبير بحقائقها وظواهرها وبواطنها، فيدرك ما لا تدركه الأبصار.

قال البيضاوي :

يجوز أن يكون من باب اللفّ، أي لا تدركه الأبصار؛ لأنّه اللطيف، وهو يدرك الأبصار؛ لأنّه الخبير، فيكون «اللطيف» مستعاراً من مقابل الكثيف لما لا يدرك بالحاسّة، ولا ينطبع فيها(3).

وقوله عليه السلام : (أرسله بالهدى) أي متلبّساً به، أو بسببه.

والمراد بالهدى هداية الخلق إلى مراشدهم، أو القرآن، أو سائر المعجزات.

«وَدِينِ الْحَقّ» .قيل: هو دين الإسلام . وفُسّر في بعض الأخبار بولاية علي عليه السلام (4).

«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» .

قال الجوهري: «أظهره، أي أظفره» (5). وفي القاموس: «أظهر عليّ: أعانني، وبه وعليه: غلبه»(6).

وقال البيضاوي:

أي ليغلبه على جنس الدين كلّه بنسخ ما كان حقّاً، وإظهار فساد ما كان باطلاً، أو بتسليط المؤمنين على أهله؛ إذ ما من أهل دين إلّا وقد قهرهم المسلمون، وفيه تأكيد لما وعده من الفتح(7).

وقال بعض الفضلاء:

الضمير في «ليظهره» للدين الحقّ، أي ليعلى دين الإسلام على جميع الأديان بالحجّة

ص: 368


1- .راجع : الكافي ، ج 1 ، ص 98 ، باب في قوله تعالى : «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ...» ، ح 1 _ ح 11
2- .الأنعام (6) : 103
3- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 438 و439
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 275
5- راجع : الصحاح ، ج 2 ، ص 732 (ظهر)
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 82 (ظهر)
7- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 208

والبرهان والغلبة والقهر لها ؛ أو للرسول، أي يجعله غالباً على جميع أهل الأديان ، وقد ورد في أخبارنا أنّه يكون تمام هذا الوعد عند قيام القائم عليه السلام (1).

«وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (2). إظهاره وغلبته.

(فبلّغ الرسالة، وأنهج الدلالة صلى الله عليه و آله ) .

في القاموس: «أنهج: وضح وأوضح»(3).

(أيّها الاُمّة التي خُدعت) من النفس وشياطين الإنس والجنّ.

(فانخدعت) أي فقبلت الخديعة، وانطبعت فيها لاستعدادها لها.

(وعرفت خديعة من خدعها، فأصرّت على ما عرفت) ؛ يعني انخداعهم في حال معرفتهم بالخديعة من حيث إنّها خديعة، ومعرفتهم بالخادع من حيث إنّه خادع، ومع هذا أداموا وقاموا على الانخداع، وذلك من شقاوتهم وخبث جبلّتهم.

(واتّبعت أهواءها، وضربت في عَشواء غَوايتها) . في كثير من النسخ: «غوائها».

قال الفيروزآبادي: «ضرب على يديه: أمسك، وفي الأرض ضرباً وضرباناً: خرج تاجراً، أو غازياً، أو أسرع، أو ذهب، وبنفسه الأرض: أقام، والشيء: خلطه »(4).

وقال: «العشوة، بالضم والكسر: ركوب الأمر على غير بيان، ويثلّث، وبالفتح: الظلمة، كالعشواء، أو ما بين أوّل الليل إلى ربعه»(5).

وقال الجوهري: العشا مقصور، مصدر الأعشى، وهو الذي لا يبصر بالليل، ويبصر بالنهار، والمرأة عشواء ، والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها، فهى تخبط بيديها كلّ شيء، وركب فلان العشواء ، إذا خبط أمره على غير بصيرة، وفلان خابط عشواء (6). وقال: «الغيّ: الضلال، والخيبة، وقد غوي _ بالفتح _ يغوي غَيّاً وغواية، فهو غاوٍ وغوٍ» انتهى(7).

ولعلّ المراد أنّها أقامت، أو ذهبت، أو أسرعت في ظلمة غوايتها، فالإضافة لاميّة،

ص: 369


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 73
2- .التوبة (9) : 33 ؛ الفتح (48) : 28
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 210 (نهج)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 95 (ضرب)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2427 (عشو) مع التلخيص
7- الصحاح ، ج 6 ، ص 2450 (غوي)

أو بيانيّة، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، أو إضافة المشبّه به إلى المشبّه.

ويحتمل أن تكون كلمة «في» بمعنى «على»، ويكون المراد بالعشواء الناقة التي لا ترى أمامها، أي سارت راكبة على عشواء غوايتها، والوجه عدم الإيصال إلى المطلوب .

(وقد استبان) . في بعض النسخ: «استنار».

(لها الحقّ) كولايته وخلافته عليه السلام .

(فصدّت عنه) [أي] أعرضت عن الحقّ ، أو منع الناس وصرفهم عنه.

قال الفيروزآبادي: «صدّ عنه صُدوداً: أعرض، وفلاناً عن كذا صَدّا : منعه وصرفه» (1).

وفي كثير من النسخ: «فصدعت عنه». قال الجوهري: «ما صدعك عن هذا الأمر، أي ما صرفك» (2).

(والطريق الواضح) عطف على الحقّ .

ولعلّ المراد به النصوص الدالّة على خلافته عليه السلام .

(فتنكّبته) أي تجنّبته، ومالت عنه.

(أما والذي فلق الحبّة) أي شقّها، وأخرج أنواع النبات منها.

(وبرأ النسمة) أي خلقها.

والنسمة، بالتحريك: النفس، أو الإنسان.

قيل: والمراد هنا ذوات الأرواح، والتخصيص بهذين لأنّهما عمدة المخلوقات المحسوسة المشاهدة، ويظهر آثار الصنع فيهما أكثر (3).

(لو اقتبستم العلم من معدنه) .

يقال : اقتبس منه ناراً أو علماً، أي استفاده. وعَدَنت البلد: توطّنته، وعدنت الإبل بمكان: لزمته فلم تبرح، ومنه : «جَنَّاتُ عَدْنٍ» (4). ، ومنه سمّي المعدِن، بكسر الدال؛ لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء، ومركز كلّ شيء: معدنه.

ص: 370


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 306 (صدد)
2- الصحاح ، ج 3 . ص 1242 (صدع)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 74
4- .الرعد (13) : 23 ؛ النحل (16) : 31 ؛ ومواضع اُخر

(وشربتم الماء بعُذُوبته) .

العَزب : الماء الطيّب، وقد عَزُب _ ككرم _ عُذوبة، شبّه العلم والإيمان بالماء، والوجه الإحياء؛ فإنّ العلم سبب حياة الأرواح كما أنّ الماء سبب حياة الأشباح، وأطلق المشبّه به على المشبّه استعارة ومرشّحاً بذكر الشرب والعذوبة.

قيل: في هذا الترشيح تنبيه على أنّ النافع من العلم هو الخالص من كدرة الشبهات والقياسات والتخريفات والجهالات (1).

(وادّخرتم الخير (2). من موضعه) .

كلمة «من» للابتداء، أي جعلتم الخير ذخيرة آخذين من موضعه، أو خيراً ناشئاً صادراً من موضعه.

(وأخذتم الطريق من واضحه) أي من موضع بيّن ظاهر منه، وهو الوسط الذي يفضي سالكه إلى المطلوب البتّة .

وفي بعض النسخ: «وأخذتم من الطريق واضحه»، وهو أوضح(3).

(وسلكتم من الحقّ نجهه) .

النهج، بالتسكين: الطريق الواضح.

وقيل: لعلّ المراد به هو عليه السلام ، وبالحقّ كلّ ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله (4).

(لنَهَجت بكم السبل) .

في القاموس :

النهج: الطريق الواضح، ونهج وأنهج: وضح، وأوضح، والطريق: سلكه، واستنهج الطريق: صار نهجاً، كأنهج، وفلان سبيل فلان: سلك مسلكه . انتهى (5).

ص: 371


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 210 (نهج)
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 276
3- في الحاشية: «لعلّ المراد بالخير العقائد الصحيحة ، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة النافعة في الدنيا والآخرة، وكيفيّة التخلّص من أضدادها. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 276
4- في الحاشية: «وفيه تنبيه على خروجهم عنه يمينا وشمالاً ، وإليه أشار عليه السلام في بعض كلامه : اليمين والشمال مضلّة ، والطريق الوسطى هي الجادّة. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 277
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 277

واعلم أنّ في نسخ الكتاب هاهنا اختلافاً كثيراً؛ ففي بعضها: «نهجت بكم السبل لي وضحت لكم أو بسببكم»، أي كنتم هُداة للناس.

وفي بعضها: «انتهجت»، أي اتّضحت، وهذا قريب من الأوّل.

وفي بعضها: «لابتهجت».

وفي بعضها: «ابتهجت»، وهما من البهجة بمعنى السرور، أي صارت سبل الحقّ مسرورة بكم راضية عنكم؛ لأنّكم سلكتموها حقّ سلوكها.

أو المراد ابتهاج أهلها، وحينئذ يراد بالسبل أركان الإسلام وقوانينه، وسبب سرورها ومباهاتها بهم، أنّها صارت حينئذ منصورة مروّجة عزيزة؛ لكثرة أهلها وأنصارها.

(وبدت لكم الأعلام) أي الآثار والأدلّة الداعية إلى دين اللّه.

ولعلّ المراد بها الأئمّة عليهم السلام ، أو القوانين الشرعيّة التي عندهم.

(وأضاء لكم الإسلام) .

الإضاءة لازم متعدّ.

والأوّل أنسب بهذا المقام.

(وأكلتم رغداً) .

نصبه على التميز، أو على الحال، ومفعول الأكل مقدّر، أو نزل منزلة اللازم؛ إذ المقصود بيان كيفيّة الأكل لا المأكول.

في القاموس: «عيشة رَغْد ، ويحرّك: واسعة طيّبة، والفعل كسمع وكرم .

وقوم رَغَد، ونساء رَغَد محرّكتين»(1).

(وما عال فيكم عائل) .

عال يَعيل عَيلاً وعَيلة وعُيولاً: افتقر، فهو عائل.

وعال الفرس يَعيل عَيلاً، إذا تكفَّأ في مِشيته وتمايل، وكذلك الرجل إذا تبختر في مِشيته وتمايل.

فإن اُريد هنا المعنى الثاني يكون المراد نفي تكبّر المسلمين بعضهم على بعض، وتطاولهم، وتبخترهم(2).

ص: 372


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 295 (رغد)
2- في الحاشية : «وذلك لنزول البركة وشمول الرحمة ، ولأنّ الإمام العادل يقسّم بيت المال والحقوق الماليّة الواجبة والمندوبة بينهم على السويّة ، ويعطي كلّ ما يحتاج إليه ، ولا يصنع ما صنع الخلفاء الثلاثة من إعطاء الفاسق والكافر والغني ومنع المؤمن والفقير ، وقد نقلوا أنّ فلان أعطى الحكم بن العاص طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصولاً خارجة عن الحساب ، وكان فقراء المدينة وغيرهم محتاجين إلى قوت ليله . صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 277

(ولا ظُلم منكم مسلم ولا مُعاهَد) بفتح الهاء ، أي من هو في عهد المسلمين وذمّتهم .

و«ظلم» على صيغة المجهول، وكونه معلوماً بعيد.

(ولكن سلكتم سبيل الظلّام ، فأظلمت عليكم دنياكم برُحْبها) .

الظلام: ذهاب النور، وأظلم أي دخل في الظلام. وقوله «دنياكم» فاعل «أظلمت».

الرُّحب ، بالضمّ: السعة. تقول منه: فلان رُحب الصدر، وبالفتح: الواسع. تقول منه: بلد رَحب، وأرض رَحَبة .

(وسُدّت عليكم أبواب العلم) .

المستتر في «سدّت» للدنيا، أو للسبيل؛ فإنّه يذكّر ويؤنّث. ويحتمل كونه على صيغة المجهول، والأبواب قائم مقام فاعله.

(إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر) .

لعلّ المراد بالذكر التذكّر، والعلم بجميع ما يحتاج إليه الناس، وبما كان، وما سيكون، وما هو كائن.

وقيل: الذكر هو القرآن، أو النبيّ. والمراد بالأمر ما يتعلّق بالدين، أو الأعمّ منه.

و«إذا» للشرط في الاستقبال، وقد يستعمل في المضيّ (1).

(فإذا أفتوكم) ؛ يعني أهل الذكر .

قال الفيروزآبادي: «أفتاه في الأمر: أبانه له، والفُتوى، وتفتح : ما أفتى به الفقيه» (2).

(قلتم: هو العلم بعينه) .

الضمير للمُفتى به. أي اعترفتم أنّ ما أفتاكم به أهل الذكر منوط بالعلم الواقعي.

(فكيف وقد تركتموه) . الواو للحال.

(ونبذتموه) أي طرحتموه.

ص: 373


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 278
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 373 (فتي)

(وخالفتموه) .

الضمائر للعلم، أو لأهل الذكر باعتبار اللفظ، أو للعالم.

و«كيف» للتعجّب، كما قيل في قوله تعالى: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً» (1). ؛ أي كيف تنتفعون بهذا الاعتراف والإذعان، وقد تركتم العمل بهذا العلم، أو متابعة قليله، والعالم به، أو تقولون: هذا مع كونه مخالفاً ومناقضاً لأفعالكم.

والحاصل أنّ أهل الذكر كانوا مرجعكم فيما ورد عليكم من المعضلات والمشكلات التي لا تصل إلى العلم بها عقولكم، وأنتم تسألونهم عنه، وهم إذا بيّنوه لكم صدّقتموه، وقلتم: هو العلم الحقّ الذي جاء به الرسول صلى الله عليه و آله بعينه من غير نقص وزيادة، فكيف تسألونهم عنه، وتقولون هذا القول، والحال أنّكم تركتموهم أو علمهم ، وأزلتموهم عن مراتبهم التي رتّبهم اللّه فيها، ونبذتموهم وراء ظهوركم، كأنّكم لا تعرفونهم، وخالفتموهم فيما لهم من الولاية التي بناؤها العلم والحكمة؟! وفيه توبيخ وإنكار عليهم، وتعجّب من حالهم حيث جمعوا بين الضدّين الذين أحدهما من لوازم العقل، والآخر من توابع الجهل.

(رُوَيداً) نصبه على المصدر، أي سيروا سيراً رُويداً. قال الفيروزآبادي:

امش على رُود، بالضمّ، أي مَهل، وتصغيره: رُوَيد، ورويداً: مَهلاً، ورويدك عمرواً: أمهله، وإنّما تدخله الكاف إذا كان بمعنى افعل، وتكون لوجود أربعة : اسم فعل ؛ رويداً عمرواً: أمهله . وصفة ؛ ساروا سيراً رويداً . وحالاً ؛ سار القوم رويداً، اتّصل بالمعرفة فصار حالاً لها . ومصدراً ؛ رويد عمرو بالإضافة (2).

وقال: «المَهل _ ويحرّك _ والمُهلة، بالضمّ: السكينة، والرفق، وأمهله: رفق به» (3). انتهى.

قيل: إنّما أمر به عليه السلام ؛ لأنّ سرعة اليسر في طريق الباطل توجب غاية البعد من الحقّ بخلاف البطوء ؛ فإنّه قد يفضي إلى الشعور والرجوع عن الباطل(4).

(عمّا قليل تَحصدون جميع ما زرعتم) أي بعد زمان قليل تجدون وبال ما صنعتم، وتذوقون نكاله. و«ما» زائدة لتوكيد معنى القلّة، أو نكرة موصوفة .

ص: 374


1- .البقرة (2) : 28
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 296 (رود)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 53 (مهل)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله فى شرحه ، ج 11 ، ص 279

(وتجدون وَخيم ما اجترمتم) .

الوَخامة: الثقل، وعدم استمراء الطعام، وقد وخُم الطعام _ ككرم _ وَخامة ووخومة ووخوماً، وطعام وخيم: غير موافق.

وقيل: قد تكون الوخامة في المعاني؛ يقال: هذا الأمر وخيم العاقبة، أي ثقيل رديّ(1).

وفي القاموس: «جرم فلان: أذنب، كأجرم، واجترم، ولأهله: كسب ، كاجترم»(2).

(وما اجتلبتم) . يقال: اجتلبه، أي ساقه من موضع إلى آخر، فجلب هو، وانجلب.

وفي بعض النسخ: «ما اجتنيتم». قال الجوهري: «جنيت الثمرة أجنيها جنيا ، واجتنيتها بمعنى»(3).

وفي القاموس: «اجتنينا ماء مطر : وردنا وشربناه»(4).

ولعلّ المراد بالاجتلاب أو الاجتناء ولاية أهل الجور كناية، أو استعارة.

وقوله عليه السلام : (لقد علمتم أنّي صاحبكم) أي إمامكم .

وأصل الصحبة : المعاشرة والملازمة.

(والذي به) أي بمتابعته وولايته (اُمرتم).

وقوله: (وخيرة ربّكم) أي مختار ربّكم بعد نبيّه.

في القاموس: «اخترته منهم وعليهم، والاسم: الخيرة، بالكسر، وكعنبة»(5).

(ولسان نوركم) .

قيل: أي قرآنكم وشريعتكم، وهو عليه السلام لسانها؛ لأنّه ينطق بما هو المقصود منها(6).

وقيل: المراد بالنور الرسول، أو الهداية والعلم، أو نور الأنوار تعالى شأنه(7).

(فعن قليل رُويداً ينزل بكم ما وُعدتم) على البناء للمفعول (وما نزل بالاُمم قبلكم) .

الموصول في الموضعين عبارة عن العذاب بسبب المخالفة للدين والكتاب.

(وسيسألكم اللّه) إلى قوله: (تصيرون) ؛ فيه وعد ووعيد.

ص: 375


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 279
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جرم)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2305 (جني)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 314 (جني)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 25 (خير)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 279
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 75 و76

(أما واللّه لو كان لي عدّة أصحاب طالوت) أي الذين لم يشربوا الماء أصلاً، أو اغترفوا غرفة ، وحضروا القتال جالوت(1).

والمشهور أنّهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وهو مرويّ عن الصادق عليه السلام (2).

، فحينئذٍ كلمة «أو» في قوله: (أو عدّة أهل البدر) (3).

بمعنى الواو، وللتفسير.

وقيل: ثلاثة آلاف.

وقيل: ألف (4).

وعدّة أهل بدر على المشهور ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.

وزاد بعضهم أربعة، وبعضهم اثنين.

وقيل: روى نصر بن مزاحم فى كتاب الصفّين أنّه عليه السلام كان يقول: «لو وجدت أربعين ذوي عزم»(5).

والعدّة، بالكسر: الجماعة، وبالضمّ: الاستعداد والاُهبة.

والإضافة في الموضعين على الأوّل بيانيّة، وعلى الثاني لاميّة.

(وهم أعداؤكم) مستعطشون بدمائكم كأصحاب بدر وأصحاب طالوت بالنسبة إلى خصمائهم.

والواو للحال.

وفي بعض النسخ: «وهم أعدادكم».

فلعلّ عدد الحاضرين وقت الخطاب، مثل عدد أصحاب طالوت أو أهل بدر.

وقيل: كأنّه إشارة إلى أنّ مثلهم في العدد موجود فيكم؛ ليكون تحريصاً لهم في الاجتماع إليه.

6 (لضربتكم بالسيف حتّى تئولوا) أي ترجعوا من الباطل (إلى الحقّ) وتثبتوا فيه.

(وتنيبوا للصدق) .

يقال: ناب إلى اللّه، أي أقبل وتاب.

ص: 376


1- إشارة إلى الآيات (247 إلى 251) من سورة البقرة (2)
2- . راجع : تفسير البرهان ، ج 1 ، ص 235 _ 236 ، ح 4 _ 6
3- . في كلتا الطبعتين والمتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «بدر» بدون الألف واللام
4- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 280
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 280 . وقال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 40: «أعداد ، جمع عَديد ، وهو الندّ»

والظاهر أنّ المراد بالصدق ولايته عليه السلام . وفي بعض النسخ: «وتُنبؤوا» على البناء للمفعول، من النبأ وهو الخبر، ولعلّ معناه: تُخبَروا بالصدق وتذعنوا به.

(فكان) ذلك الأوْل والإنابة، أو ضرب السيف لتحصيلها (أرتق للفَتق) .

الفَتق: الشقّ، والرَّتق ضدّه. وقيل: أراد بالفتق هنا شقّ عصا المسلمين، ووقوع المنازعة بينهم في أمر الدين وفي أحكامه المبتنية على العلم واليقين(1).

(وآخذ بالرفق) أي وكان الأخذ بالرفق واللطف للناس أكثر. والأخذ: التناول. والرفق: ضدّ الخرق، وهو اللين والتلطّف، وترك العنف والعجلة.

ووجه التفريع ظاهر؛ فإنّ الإمام إذا كان عادلاً معصوماً، وله أعوان وأنصار يزجرون من خالفه حتّى يؤولوا إلى الحقّ، ويذعنوا بالصدق، لم يقع بينهم شقاق في الدين، ولا منازعة في شيء من أحكامه، ولا جور وعنف وخشونة على أحد، بخلاف ما إذا كان ظالماً جاهلاً؛ فإنّ الظلم والجهل منشأ للفتق ولواحقه من المفاسد ما لا يحصى.

(ثمّ خرج من المسجد فمرّ بِصيرة) بكسر الصاد وسكون الياء المثنّاة التحتانيّة، وهي حظيرة تتّخذ للدوابّ من الحجارة، وأغصان الشجرة، والجمع «صِير» بسكون الياء، و«صِيَر» بفتحها.

(فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال: واللّه لو أنّ لي رجالاً ينصحون للّه ولرسوله بعدد هذه الشياه) أي تكون جميع حركاتهم وسكناتهم للّه وللرسول، وموافقة لقوانين الشريعة، ولا يكون لهم تعلّق بالدنيا وحياتها .

وقوله عليه السلام : «لأزلتُ ابن آكلة الذِّبّان عن مُلكه) .

الذبّان _ بالكسر وتشديد الباء الموحّدة _ جمع الذُّباب بالضمّ، وهو معروف.

وفي بعض النسخ: «الذِّياب» بلفظ المفرد، والمراد به أبوبكر، واسم اُمّه سَلمى بنت صخر بن عامر، وكنيتها اُمّ الخير.

ولعلّ ابن آكلة الذبّان إشارة إلى واقعة اشتهر بها هو، أو اُمّه، أو هو كناية عن دناءة أصله، ورداءة نسبه وحسبه، أو يكون تلقيبه بهذا اللقب للتنفير.

وقيل: لأنّ العرب في مقام ذمّ رجل ينسبونه إلى اُمّه، خصوصاً إذا اشتهرت بلقب خبيث.

ص: 377


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 280

وقال بعض القاصرين: «المراد بابن آكلة الذبّان معاوية؛ فإنّهم كانوا أكلوا في الجاهليّة من كلّ خبيث نالوه»(1).

وأنت خبير بأنّ هذا بمعزل عن التحقيق، بل فرية بلا مرية.

(فلمّا أمسى بايعه ثلاثمائة وستّون رجلاً على الموت) .

قيل : أي على أن لا يضرّوا عند القتال وإن قتلوا (2).

وقوله: «على الموت» أي على أنّهم التزموا الموت في نصرته عليه السلام .

(فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اُغدوا بنا إلى أحجار الزَّيت) .

يقال: غَدا يغدوا غُدوّاً، إذا بكّر . وأحجار الزيت : اسم موضع بالمدينة. كذا في القاموس (3).

(مُحلِّقين) . قيل: أي لابسين للحلقة ، وهي بسكون اللام: السلاح مطلقاً.

وقيل: هي الدُّروع خاصّة. ويحتمل أن يراد بالتحليق إزالة شعر الرأس ، وكأنّه أمرهم به ليكون شعارا لهم ، وليخبرهم بالطاعة والامتثال لأمره (4). انتهى.

قال الجوهري: «الحَلقة، بالتسكين: الدروع، والحلق مصدر قولك: حلق رأسه، وحلّقوا رؤوسهم : شدّد للكثرة» (5).

(وحلق أمير المؤمنين عليه السلام ، فما وافى) أي لم يأت.

(من القوم مُحلِّقاً إلّا أبوذرّ والمقداد وحُذيفة اليَمان وعمّار بن ياسر) والباقون تركوا التحليق، أو لم يحضروا أصلاً.

(وجاء سَلمانُ في آخر القوم) .

لعلّ تأخيره لعذر، أو لمصلحة، ولم يعلم أنّه كان محلّقاً أم لا؟ (اللّهمّ فإنّك تعلم ما نُخفي) إلى قوله: (وألحقني بالصالحين) .

قيل: كان الفاء فصيحة، أي إن فعلوا ذلك؛ فإنّك تعلم، والغرض منه بسط الشكوى إليه

ص: 378


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 40
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 281
3- راجع : القاموس ، ج 2 ، ص 5 (حجر)
4- .القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 281
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1463 و1464 (حلق) مع التلخيص

تعالى لعلمه بما هم فيه من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة، وإعراضهم عن متابعة الوليّ الحقّ، ثمّ الاستعصام به تعالى، والالتجاء إليه من مثل هذه البليّة العظيمة الصادرة من النفوس الشريرة.

وقال الجوهري: «توفّاه اللّه، أي قبض روحه»(1).

(أما والبيت والمُفضي إلى البيت) . في بعض النسخ: «المفضي» بدون الواو.

(وفي نسخة: «والمُزدَلَفة») ؛ أي وربّ المشعر الحرام. (والخِفاف إلى التجمير) .

الواو في قوله: «والبيت» للقسم.

وقيل: المقسم به محذوف، أي وبالبيت، يعني الكعبة (2). قال الجوهري:

الفضاء : الساحة ، وما اتّسع من الأرض، يقال: أفضيت، إذا خرجت إلى الفضاء، وأفضيت إلى فلان: سرّي ، وأفضى بيده إلى الأرض، إذا مسّها بباطن راحته في سجوده . انتهى (3).

قيل: يحتمل أن يكون المراد القسم بمن يدخل الفضاء _ أي الصحراء _ متوجّهاً إلى البيت، أي الحاجّ والمعتمر، أو من يفضي أسراره إلى البيت _ أي إلى ربّه _ ويدعو اللّه عند البيت، أو من يفضي الناس إلى البيت، ويوصلهم إليه، وهو اللّه تعالى ، أو على صيغة المفعول، أي الحاجّ الواصلين إلى البيت، أو على بناء الفاعل أيضاً من الإفضاء بمعنى مسّ الأرض بالراحة أي المسلمين بأحجار البيت، أو من يفضي إلى الأرض بالسجود في أطراف الأرض متوجّها إلى البيت.

وفي النهاية: «لا يفضي اللّه فاك . ومعناه أن لا يجعله فضاء لا سنّ فيه، والفضاء: الخالي الفارغ الواسع من الأرض» (4).

فيحتمل أن يكون من جعل أربعة جوانب فضاء غير معمور إلى البيت ليشقّ على الناس قطعها ، فيكثر ثوابهم، وهو اللّه تعالى(5).

والتجمير: رمي الجمار. والخفاف إمّا جمع الخُفّ، وهو خُفّ الإنسان؛ إذ خفّ البعير

ص: 379


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2526 (وفي)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 282
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2455 (فضا) مع التلخيص
4- النهاية ، ج 3 ، ص 456 (فضا)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 77

يجمع على أخفاف لا خِفاف، نصّ عليه الجوهري ، (1). والمراد أثر الخفاف وأثر أقدام الماشين إلى التجمير؛ إذ يطلق الخفّ على القدم مجازاً.

أو جمع الخفيف، أي السائرين بخفّة وتشوّق إلى التجمير.

وفيه دلالة على جواز الحَلف بشعائر اللّه إن لم يقدّر المقسّم به، وإن قدّر فلا.

وقال الفاضل الإسترآبادي : «المعنى: وربّ الكعبة التي تفضي إلى بيت المعمور؛ لأنّهما متحاذيان، وكأنّ «المفضى» كان في نسخة بدون الواو». ثمّ قال:

وفي كثير من النسخ: الخِفاف، بالخاء المعجمة والفائين بعدها، ولم أقف على معنى يناسب ، ولعلّ صوابه: الحقاف، بالحاء المهلة والقاف والفاء بمعنى الرمال المستطيلة (2). وقوله: (لو لا عهد عَهِده إلى النبيّ الاُمّيّ) (3).

جواب القسم ، أو الجواب قوله: (لأوردت المخالفين)، ولو لا قيد للجواب.

والعهد: الوصيّة، والتقدّم إلى المرء في الشيء، والمراد هنا وصيّته صلى الله عليه و آله بالصبر على ما فعلوا إن لم يجد ناصراً.

(خليج المنيّة) .

الخليج: النهر، ونهر يقتطع من البحر، أو من النهر الأعظم، والحبل . والمنيّة: الموت، والإضافة من قبيل لجين الماء، والوجه أنّ المنيّة يذهب بهم، كما أنّ الخليج يذهب طغيان سيله بما فيه.

وقيل: يحتمل أن يراد بخليج المنيّة النهر الجاري من دمائهم، والإضافة حينئذ لاميّة، وكذا إذا اُريد بالخليج الحبل، أي لأوردتهم بقيد المنيّة(4).

(ولأرسلت عليهم شآبيب صَواعق الموت) .

الشُّؤبوب، بضمّ الشين والباء وسكون الهمزة: الدفعة من المطر، وحدّ كلّ شيء، وشدّة

ص: 380


1- .راجع : الصحاح ، ج 4 ، ص 1353 (خفف)
2- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 307
3- . في الحاشية: «سمّي النبيّ اُمّيّاً، أي المنسوب إلى اُمّ القرى ، وهي مكّة، أو اُمّ الكتاب وهو اللوح المحفوظ لعلمه بما فيه، أو إلى الاُمّ في أصل ولادته، ولم يقرأ ولم يدرس ولم يكتب، وهو من أوصاف كماله لدلالته على أنّ كمالاته التي تعجز عقول البشر عن الإحاطة بها كانت من فيض الحقّ لا من جهة الاكتساب. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 307
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 282 و283

دفعه، وشدّة حرّ الشمس، الجمع: شآبيب.

والصاعقة: الموت، وكلّ عذاب مهلك، وصيحة العذاب، والمِخراق الذي بيد المَلَك سائق السحاب، ولا يأتي على شيء إلّا أحرقه، أو نار تسقط من السماء.

وقيل: استعيرت هنا للصوارم القاطعة التي هي أسباب الموت لجامع الإهلاك، والإضافة إمّا لاميّة، أو لأدنى ملابسة.

والمراد بشآبيبها دفعاتها، وتعاقب حركاتها عليهم (1).

(وعن قليل سيعلمون) وخامة عاقبة ما يعملون.

متن الحديث السادس

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (2). ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ (3).

وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ، قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا بَا مُحَمَّدٍ، مَا هذَا النَّفَسُ الْعَالِي؟».

فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّهِ، كَبِرَ سِنِّي، وَدَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، مَعَ أَنَّنِي لَسْتُ أَدْرِي مَا أَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ آخِرَتِي.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «يَا بَا مُحَمَّدٍ، وَإِنَّكَ لَتَقُولُ هذَا؟!».

قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَكَيْفَ لَا أَقُولُ هذَا؟!

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ اللّهَ تَعَالى يُكْرِمُ الشَّبَابَ مِنْكُمْ، وَيَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟».

قَالَ : قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَكَيْفَ يُكْرِمُ الشَّبَابَ، وَيَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ؟!

فَقَالَ: «يُكْرِمُ اللّهُ الشَّبَابَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي مِنَ الْكُهُولِ أَنْ يُحَاسِبَهُمْ».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هذَا لَنَا خَاصَّةً، أَمْ لأهْلِ التَّوْحِيدِ؟

قَالَ: فَقَالَ: «لَا وَاللّهِ، إِلَا لَكُمْ خَاصَّةً دُونَ الْعَالَمِ».

ص: 381


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 282 و283
2- .في الحاشية: «العدّة الناقلة عن سهل بن زياد هم : عليّ بن محمّد بن علان، ومحمّد بن أبي عبد اللّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 283
3- .في الحاشية: «أبو بصير مشترك بين ليث البختري المرادي، ويحيى بن القاسم المكفوف، وكنيتهما أيضاً أبو محمّد. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 283

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِنَّا قَدْ نُبِزْنَا نَبْزاً (1). انْكَسَرَتْ لَهُ ظُهُورُنَا، وَمَاتَتْ لَهُ أَفْئِدَتُنَا، وَاسْتَحَلَّتْ لَهُ الْوُلاَ ةُ دِمَاءَنَا، فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ لَهُمْ فُقَهَاؤُهُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «الرَّافِضَةُ؟».

قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: «لَا وَاللّهِ، مَا هُمْ سَمَّوْكُمْ، بَلِ (2). اللّهَ سَمَّاكُمْ بِهِ؛ أَ مَا عَلِمْتَ يَا بَا مُحَمَّدٍ أَنَّ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ لَمَّا اسْتَبَانَ لَهُمْ ضَلَالُهُمْ ، فَلَحِقُوا بِمُوسى عليه السلام لَمَّا اسْتَبَانَ لَهُمْ هُدَاهُ، فَسُمُّوا فِي عَسْكَرِ مُوسَى الرَّافِضَةَ؛ لأنَّهُمْ رَفَضُوا فِرْعَوْنَ، وَكَانُوا أَشَدَّ أَهْلِ ذلِكَ الْعَسْكَرِ عِبَادَةً، وَأَشَدَّهُمْ حُبّاً لِمُوسى وَهَارُونَ وَذُرِّيَّتِهِمَا عليهماالسلام، فَأَوْحَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ إِلى مُوسى عليه السلام : أَنْ أَثْبِتْ لَهُمْ هذَا ا لأْمَ فِي التَّوْرَاةِ ؛ فَإِنِّي قَدْ سَمَّيْتُهُمْ بِهِ، وَنَحَلْتُهُمْ إِيَّاهُ، فَأَثْبَتَ مُوسى عليه السلام ا لأْمَ لَهُمْ، ثُمَّ ذَخَرَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَكُمْ هذَا ا لأْمَ، حَتّى نَحَلَكُمُوهُ؟

يَا بَا مُحَمَّدٍ، رَفَضُوا الْخَيْرَ، وَرَفَضْتُمُ الشَّرَّ، افْتَرَقَ النَّاسُ كُلَّ فِرْقَةٍ، وَتَشَعَّبُوا كُلَّ شُعْبَةٍ، فَانْشَعَبْتُمْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه و آله ، وَذَهَبْتُمْ حَيْثُ ذَهَبُوا، وَاخْتَرْتُمْ مَنِ اخْتَارَ اللّهُ لَكُمْ، وَأَرَدْتُمْ مَنْ أَرَادَ اللّهُ، فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا، فَأَنْتُمْ وَاللّهِ الْمَرْحُومُونَ، الْمُتَقَبَّلُ مِنْ مُحْسِنِكُمْ، وَالْمُتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِكُمْ، مَنْ لَمْ يَأْتِ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ حَسَنَةٌ، وَلَمْ يُتَجَاوَزْ لَهُ (3). عَنْ سَيِّئَةٍ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ للّهِِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ مَلَائِكَةً يُسْقِطُونَ الذُّنُوبَ عَنْ ظُهُورِ شِيعَتِنَا، كَمَا يُسْقِطُ (4). الرِّيحُ الْوَرَقَ فِي أَوَانِ سُقُوطِهِ (5). ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [وَيُؤْمِنُونَ بِهِ] وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (6). ، اسْتِغْفَارُهُمْ

ص: 382


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بنبز»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة : «ولكنّ» بدل «بل»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «عنه»
4- .في النسخة: «تسقط»
5- .في الحاشية : «في ذكر الظهر إيماء إلى تشبيه الذنوب بالأثقال والأحمال المحمولة على الظهر ، تشبه المعقول بالمحسوس ؛ لقصد الإيضاح ، وفي صدر الكلام إيماء إلى أنّ طائفة من الملائكة مخصوصون بهذا العمل ، وفي آخره إلى أنّ ذنوب المؤمن غير مستحكمة لضعفها بمضادّة الإيمان بخلاف ذنوب غيره ؛ فإنّها مستحكمة لقوّتها بموادّ من الكفر . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 285
6- .غافر (40) : 7

وَاللّهِ لَكُمْ (1). دُونَ هذَا الْخَلْقِ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (2). ، إِنَّكُمْ وَفَيْتُمْ بِمَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِ مِيثَاقَكُمْ مِنْ وَلَايَتِنَا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تُبَدِّلُوا بِنَا غَيْرَنَا، وَلَوْ لَمْ تَفْعَلُوا ، لَعَيَّرَكُمُ اللّهُ كَمَا عَيَّرَهُمْ حَيْثُ يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: «وَما وَجَدْنا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ» (3). يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» ، (4). وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، «الْأَ خِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَا الْمُتَّقِينَ» (5). ، وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ.

يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَنَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَشِيعَتَنَا وَعَدُوَّنَا فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَ لْبابِ» (6). ، فَنَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ، وَعَدُوُّنَا الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَشِيعَتُنَا هُمْ أُولُوا الْأَ لْبَابِ.

يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، وَاللّهِ مَا اسْتَثْنَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِأَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَاءِ الْأَ نْبِيَاءِ وَلَا أَتْبَاعِهِمْ مَا

ص: 383


1- .في الحاشية : «المراد بكاف الخطاب كلّ من أقرّ بولاية علي عليه السلام ووصايته ، وبهذا الخلق كلّ من أنكرها ، فيشمل كلّ من أنكر وآمن به من هذه الاُمّة ومن الاُمم السابقة ؛ فإنّ ولايته عليه السلام مأخوذة على جميع الخلق ، فمن آمن به فهو مغفور باستغفار الملائكة له ، ومن أنكره فهو محروم منه . صالح» . شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 285
2- .الأحزاب (33) : 23
3- الأعراف (7) : 102
4- .الحجر (15) : 47
5- .الزخرف (43) : 67
6- .الزمر (39) : 9

خَلَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَشِيعَتَهُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللّهُ» (1). ؛ يَعْنِي بِذلِكَ عَلِيّاً عليه السلام وَشِيعَتَهُ. يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ إِذْ يَقُولُ: «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (2). ، وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ. فَهَلْ سَرَرْتُك، يَا بَا مُحَمَّدٍ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» (3). ، وَاللّهِ مَا أَرَادَ بِهذَا إِلَا الْأَ ئِمَّةَ عليهم السلام وَشِيعَتَهُمْ. فَهَلْ سَرَرْتُكَ، يَا بَا مُحَمَّدٍ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (4). ، فَرَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي الآْيَةِ النَّبِيُّونَ، (5). وَنَحْنُ فِي هذَا الْمَوْضِعِ الصِّدِّيقُونَ (6). وَالشُّهَدَاءُ، وَأَنْتُمُ الصَّالِحُونَ. فَتَسَمَّوْا بِالصَّلَاحِ، كَمَا سَمَّاكُمُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَا بَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَقَدْ ذَكَرَكُمُ اللّهُ إِذْ حَكى عَنْ عَدُوِّكُمْ فِي النَّارِ بِقَوْلِهِ: «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَ شْرارِ * أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» (7). ، وَاللّهِ مَا عَنى وَلَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمْ، صِرْتُمْ عِنْدَ أَهْلِ هذَا الْعَالَمِ شِرَارَ النَّاسِ، وَأَنْتُمْ وَاللّهِ فِي الْجَنَّةِ تُحْبَرُونَ، وَفِي النَّارِ تُطْلَبُونَ . يَا بَا مُحَمَّدٍ، فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

قَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، مَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَقُودُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَذْكُرُ (8). أَهْلَهَا بِخَيْرٍ إِلَا وَهِيَ فِينَا وَفِي

ص: 384


1- .الدخان (44) : 41 و42
2- .الزمر (39) : 53
3- .الحجر (15) : 42 ؛ الإسراء (17) : 65
4- .النساء (4) : 69
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «النبيّين»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الصدّيقين»
7- .ص (38) : 62 و63
8- .في كلتا الطبعتين : «ولا تذكر»

شِيعَتِنَا، وَمَا مِنْ آيَةٍ نَزَلَتْ تَذْكُرُ أَهْلَهَا فِيهَا (1). بِشَرٍّ، وَلَا تَسُوقُ إِلَى النَّارِ إِلَا وَهِيَ فِي عَدُوِّنَا وَمَنْ خَالَفَنَا. فَهَلْ سَرَرْتُكَ يَا بَا مُحَمَّدٍ؟».

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.

فَقَالَ: «يَا بَا مُحَمَّدٍ، لَيْسَ عَلى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا، وَسَائِرُ النَّاسِ مِنْ ذلِكَ بُرَآءُ، يَا بَا مُحَمَّدٍ فَهَلْ سَرَرْتُكَ؟».

* وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرى : فَقَالَ: حَسْبِي.

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (وقد حَفَزه النفس) .

الحَفز ، بالحاء المهملة والفاء والزاي: الحثّ، والإعجال، والاجتهاد في المشي والنفس وغيرهما، وفعله كضرب، واحتفز في مشيه: احتثّ، واجتهد.

وقوله: (كبرت (2). سنّي) .

في بعض النسخ: «كبر» بلفظ التذكير. وفي القاموس: «السنّ: مقدار العمر، مؤنّثه في الناس وغيرهم» (3) . والمراد بكبرها : كثرتها.

(ودقّ عَظمي) .

الدقيق: خلاف الغليظ، وقد دقّ الشيء دقّة _ من باب ضرب _ أي صار دقيقاً. وكنّي به عن الوهن والضعف اللازمين لطول العمر.

(واقترب) أي تقارب (أجلي) ودنا.

وقوله عليه السلام : (وإنّك لتقول هذا) إنكار لقول أبي بصير: (مع أنّني لست أدري) .

(قال: جعلت فداك، وكيف لا أقول) ما قلت، مع أنّي لا علم لي بمآل حالي في الآخرة؟! (فقال: يا أبا محمّد، أما علمت) إلى قوله: (أن يحاسبهم) .

في القاموس: «الشباب: الفتا ، وجمع شابّ، كالشبّان» (4). وقال الجوهري: «الشباب جمع

ص: 385


1- .في النسخة: «فيها» مرمّز ب «خ»، ولم يرد في كلتا الطبعتين
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «كبر»
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 236 (سنن)
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 85 (شبب)

شابّ، وكذلك الشبّان» (1).

وقال البيضاوي: الحياء: انقباض النفس عن القبيح مخافة الذمّ، وإذا وصف به الباري كما جاء في الحديث: «إنّ اللّه يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذّبه» (2). ؛ فإنّ المراد الترك اللازم للانقباض، كما أنّ المراد من رحمته وغضبه إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعنييهما (3). وفي القاموس: «الكهل: من وخطه الشيب ورأيت له بجالة ، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعا وثلاثين إلى إحدي وخمسين، الجمع: كهول»(4). انتهى .

وقيل: الكَهل من الرجل: من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين.

وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين.

وقيل: لما لم يكن في كرمه تعالى نقص، لزم من عدم تعذيب الشباب عدم حسابهم ؛ لئلّا يخجلوا، ومن عدم حساب الكهول عدم تعذيبهم، بل عدم حساب الشيوخ وتعذيبهم بالطريق الأولى، فإذا تدخل الشيعة كلّهم بلا تعذيب ولا حساب في الجنّة(5).

(قال: قلت: جعلت فداك، هذا لنا خاصّة) .

في نسخة: «هذان»، أي عدم التعذيب، وعدم المحاسبة.

(أم لأهل التوحيد)؛ يعني ما ذكر مختصّ بالشيعة، أم يكون للمسلمين عموماً؟ (قال: فقال: لا، واللّه إلّا لكم خاصّة) أي لا يكون هذا واللّه، أو لا ليس واللّه هذا إلّا لكم خاصّة.

(دون العالم) بفتح اللام ، أي أهل العالم.

وقيل: إنّما لم يقل: دون أهل التوحيد، كما قال أبو بصير؛ للتنبيه على أنّ غير الشيعة ليسوا من أهل التوحيد، بل هم مشركون(6).

ص: 386


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 151 (شبب)
2- .راجع : الفتح السماوي ، ج 1 ، ص 151 ، ح 44 ؛ تفسير أبي السعود ، ج 1 ، ص 71
3- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 255 (مع التلخيص واختلاف يسير)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 47 (كهل)
5- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 284
6- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 284

أقول: الظاهر أنّ الغرض في ذلك نفي الحكم عن غير الشيعة مطلقاً؛ فإنّ ما اعتبره السائل يوهم الاختصاص ببعض الأغيار.

(قال: قلت: جعلت فداك، وإنّا قد نُبزنا نَبْزا) على صيغة المجهول من النَّبز، وهو الهَمز، ومصدر نبزه يَنبُز: لقّبه، كنبّزه. والنَّبَز، بالتحريك: اللقب.

وقيل: قد كثر استعماله فيما كان ذمّاً، ومنه قوله تعالى: «وَلَا تَنَابَزُوا بِالْألْقَابِ» (1).

(انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلّت له) أي لأجله (الولاة) أي حكّام أهل الجور (دماءنا) .

قال الجوهري: «استحلّ الشيء، أي عدّه حلالاً»(2).

(في حديث رواه لهم فقهاؤهم) أي ذلك الاستحلال لأجل حديث رووه.

(قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : الرافضة؟ قال: قلت: نعم) .

«الرافضة» خبر مبتدأ محذوف. وفي القاموس: «رفضه: تركه، والروافض : كلّ جند تركوا قائدهم، والرافضة: فرقة منه، وفرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي ، ثمّ تركوه ورفضوه»(3).

وإنّما قال أبو بصير ذلك لشدّة قبح هذا اللقب ، لا لشكّه في دينه.

فدفع عليه السلام زعمه بقوله: (واللّه، ما هم سمّوكم) إلى قوله: (ثمّ ذخر اللّه _ عزّ وجلّ _ لكم هذا الاسم حتّى نحلكموه، يا أبا محمّد إنّهم (4).

رفضوا الخير، ورفضتم الشرّ).

وحاصله أنّه عليه السلام بشّره وحسّن هذا اللقب له ولمن كان على دينه، ثمّ أفاد أنّ هذا اللقب عامّ يصدق على الموافق والمخالف؛ أمّا الموافق فلرفضه الباطل، وأمّا المخالف فلرفضه الحقّ، فهو ممدوح للأوّل، ومذموم للثاني.

قال الفيروزآبادي: «ذخره _ كمنعه _ ذُخراً، بالضمّ، واذّخره اختاره، أو اتّخذه»(5).

وقال: «النحل _ بالضمّ _ مصدر نحله: أعطاه. أنحله ماء : أعطاه، ومالاً : خصّه بشيء منه، كنحله فيهما» (6).

ص: 387


1- الحجرات (49) : 11 . والقائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 284
2- الصحاح ، ج 4 ، ص1675 (حلل)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 332 (رفض)
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : _ «إنّهم»
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 34 (ذخر)
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 55 (نحل)

(افترق الناس كلّ فرقة، وتشعّبوا كلّ شُعبة) .

قال الجوهري: «الفُرقة _ بالضمّ _ الاسم من فارقته مفارقة وفِراقاً. والفرقة: طائفة من الناس»(1).

وقال الفيروزآبادي: «التشعّب: التفرّق، والشعبة، بالضمّ: الفُرقة» (2). تقول: شَعَبَتهم المنية ، أي فرّقتهم، والشعبة: الطائفة من الشيء .

ولعلّ المراد بكلّ فرقة وكلّ شعبة غاية كثرتهم في التفرّق وكثرتهم (3). في التشعّب.

وقيل: المراد بها فرقة كثيرة وشعبة كثيرة، وذلك لأنّ الباطل طرق كثيرة، فذهبت إلى كلّ طريق طائفة (4).

(فانشعبتم مع أهل بيت نبيّكم صلى الله عليه و آله ) أي صرتم معهم شعبة واحدة.

(وذهبتم حيث ذهبوا) في النظريّات والعمليّات، واستندتم بأمرهم وقولهم، لا بالرأي والتغنّي والقياس.

وقوله: (فأبشروا ثمّ أبشروا) .

يقال: أبشر، على بناء المعلوم، أي سُرّ بالبشارة.

(وذلك قوله عزّ وجلّ) في سورة المؤمن.

و«ذلك» إشارة إلى قوله: «إنّ للّه ملائكة» إلخ.

«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ» أي حاملي العرش والحافّين حوله، وهم الكرّوبيون _ بتخفيف الياء _ سادة الملائكة.

قيل: الكرّوبيون : أعلى طبقات الملائكة، وأوّلهم وجوداً، وحملهم العرش وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده، وتوسّطهم في نفاذ أمره(5).

«يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ» أي يذكرون اللّه بمجامع الثناء من صفات الجلال والإكرام.

وقيل: أي يسبّحون اللّه ويحمدونه.

ص: 388


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1541 (فرق)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 88 (شعب)
3- .كذا قرأناه
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه اللهفي شرحه ، ج 11 ، ص 285
5- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 84

وقيل: الباء يدلّ على أنّ تسبيحهم بالحمد له، كما تقول: يعظّمونه بالحمد له.

«وَيُؤْمِنُونَ بِهِ» .

قيل: أخبر عنهم بالإيمان؛ إظهاراً لفضله، وتعظيماً لأهله، ومساق الآية لذلك كما صرّح به بقوله: «وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» (1). ، وإشعاراً بأنّ حملة الفرش وسكّان العرش في معرفته سواء ردّا على المجسّمة، واستغفارهم شفاعتهم، وحملهم على التوبة، وإلهامهم ما يوجب المغفرة.

وفيه تنبيه على أنّ المشاركة في الإيمان توجب النُّصح والشفقة، وإن تخالفت الأجناس؛ لأنّها أقوى المناسبات، كما قال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (2). (3).

وقوله عليه السلام : (لقد ذكركم اللّه في كتابه) يحتمل كونه من الذكر والتذكير.

قال الفيروزآبادي: «الذكر، بالكسر: الحفظ للشيء، والشيء يجري على اللسان ، والصيت ، والثناء ، والشرف، وأذكره إيّاه، وذكره» (4).

(فقال) في سورة الأحزاب : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ» .

قال البيضاوي: الموصول عبارة عن الثبات مع الرسول، والمقاتلة لإعلاء الدين، من صدقني، إذا قال لك الصدق؛ فإنّ المعاهد إذا وفى بعهده صدق فيه .

«فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ» : نذره ؛ بأن قاتل حتّى استشهد، كحمزه، ومصعب بن عمير، وأنس بن النضر. والنَّحب: النذر، استعيرت للموت؛ لأنّه كنذر لازم في رقبة كلّ حيوان. «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ» الشهادة «وَما بَدَّلُوا» العهد، ولا غيّروه «تَبْدِيلاً» شيئاً من التبديل. انتهى(5).

قال الجزري: في حديث طلحة: «ممّن قضى نحبه» (6). النحب: النذر، كأنّه ألزم نفسه أن يصدق أعداء

ص: 389


1- .قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 84
2- .غافر (40) : 7 . وفي الحاشية : «إشارة إلى إسقاط الملائكة ذنوب الشيعة، ووجه دلالة الآية أنّ استغفار الملائكة لهم غير مردود ، بل هو سبب له ، ووجود السبب دليل على وجود المسبّب. صالح». شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 285
3- الحجرات (49) : 10
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 35 (ذكر)
5- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 370
6- .لاحظ الخبر في : سنن ابن ماجة ، ج 1 ، ص 46 ، ح 126 ؛ سنن الترمذي ، ج 5 ، ص 29 ؛ المستدرك للحاكم ، ج 2 ، ص416

اللّه في الحرب، فوفى به. وقيل: النحب: الموت، كأنّه ألزم نفسه أن يقاتل حتّى يموت (1).

وقال الجوهري: «النحب: المدّة، والوقت. يقال: قضى فلان نحبه، إذا مات»(2).

وقال عليه السلام في تفسير هذه الآية: (إنّكم وفيتم بما أخذ اللّه عليه ميثاقكم من ولايتنا).

هذا ناظر إلى قوله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ» .

(وإنّكم لم تُبدّلوا بنا غيرنا) .

هذا ناظر إلى قوله: «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (3).

ويفهم منه أن يكون أموات الشيعة ممّن قضى نحبه، وأحياؤهم ممّن ينتظر، ويدلّ عليه صريح بعض الأخبار.

وقيل: الظاهر أنّ الجارّ والمجرور في الآية في المواضع الثلاثة مبتدأ على معنى بعضهم، وما بعده خبره، دون العكس؛ لعدم الفائدة في الإخبار، وإن كان العكس هو المعروف من النحاة، وقد صرّح بذلك الشهيد رحمه الله في هذه الآية وفي قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْاخَرِ» (4). الآية، ولجواز العكس وبيان فائدته مجال من التوجيه (5). ، فتأمّل.

(ولو لم تفعلوا لعيّركم اللّه كما عيّرهم) .

اللام للابتداء، أو موطئة القسم، أي لو لم تفعلوا الوفاء بالعهد، أو لم تكونوا من الذين وفوا بالعهد، وبدّلتم بأولياء اللّه غيرهم كمّا بدّلوا، لدختلم في التعيير كما دخلوا.

(حيث يقول جلّ ذكره) في سورة الأعراف: «وَما وَجَدْنا لأكْثَرِهِمْ» .

قال بعض المفسّرين:

أي لأكثر الناس، أو لأكثر الاُمم المذكورين.

«مِنْ عَهْدٍ» : وفاء عهد؛ فإنّ أكثرهم نقضوا ما عهد اللّه إليهم في الإيمان والتقوى بإنزال الآيات، ونصب الحجج، أو ما عهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة، مثل: «لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» (6). ، كذا قيل(7).

ص: 390


1- النهاية ، ج 5 ، ص 26 (نحب)
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 222 (نحب)
3- الأحزاب (33) : 23
4- .البقرة (2) : 8
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 311
6- .يونس (10) : 22
7- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 3 ، ص 44

وقد ظهر من تفسيره عليه السلام في الآية السابقة أنّ المراد بالعهد أخذ الميثاق بالولاية.

«وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ» (1) .

أي الكاملين في الفسق بترك الولاية، و«وجدنا» بمعنى علمنا؛ لتعديته إلى المفعولين، ودخول «إن» المخفّفة واللام الفارقة ، وذلك لا يسوغ إلّا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيّين «إن» للنفي، واللام بمعنى إلّا .

وقوله: (فقال: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه) في سورة الحجر، فقال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* اُدْخُلُوهَا بِسَلاَ مٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (2).

قال البيضاوي: «إخواناً» حال من ضمير «في جنّات»، أو فاعل «اُدخلوها»، أو الضمير في «آمنين» ، أو الضمير المضاف إليه، والعامل فيها معنى الإضافة، وكذا قوله: «عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» ، ويجوز أن يكونا صفتين لإخواناً، أو حال من ضميره؛ لأنّه بمعنى متصافين ، وأن يكون متقابلين حالاً من المستتر على سرر (3).

(واللّه ما أراد بهذا غيركم) .

الظاهر أنّ «هذا» إشارة إلى «إخواناً». ويحتمل أن يكون إشارة إلى المتّقين، والمآل واحد.

(فقال: يا أبا محمّد، «الْأَ خِلاّءُ» ) أي الأحبّاء، جمع خليل، وهو الصديق المختصّ، أو الصادق، أو من أصفى المودّة وأصحّها .

(يَوْمَئِذٍ) . جمهور المفسّرين على أنّه يوم القيامة، وقال بعضهم: في الدنيا.

«بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» أي يتعادون يومئذ؛ لانقطاع علاقة الخلّة لظهور ما كانوا يتخالّون له سبباً للعذاب.

«إِلاَّ الْمُتَّقِينَ» (4). ؛ فإنّ خلّتهم لما كانت في اللّه، تبقى نافعة أبداً.

قال بعض المفسّرين: «المراد بالمتّقين هنا المؤمنون».

وقال بعضهم: «الذين يتّقون المعاصي»(5).

ص: 391


1- .الأعراف (7) : 102
2- الحجر (15) : 45 _ 47
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 373
4- .الزخرف (43) : 67
5- راجع : تفسير مجمع البيان ، ج 2 ، ص 156 ؛ وج 9 ، 93 ؛ تفسير السمرقندي ، ج 3 ، ص 250 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص342 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 256

وقال عليه السلام : (واللّه ما أراد بهذا غيركم) أي بالمتّقين، والإفراد باعتبار اللفظ.

(فقال عزّ وجلّ) في سورة الزمر: «أَمْ مَنْ هوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» .

قال البيضاوي: نفي لاستواء الفريقين باعتبار القوّة العلميّة بعد نفيه باعتبار القوّة العمليّة على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم.

وقيل: تقرير الأوّل على سبيل التشبيه، أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون(1).

«إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَ لْبابِ» (2). بأمثال هذه البيانات أنّهما ليسا سواء ؛ فإنّ قيمة كلّ امرء ما يحسنه.

وقال الزجّاج: «أي كما لا يستوي العالم والجاهل لا يستوي المطيع والعاصي، ففسّر القانت بالمطيع».

وقيل: الذين يعلمون هم المؤمنون الموقنون، والذين لا يعلمون الكافرون المرتابون.

وقيل: الذين يعلمون ما لهم وعليهم، والذين لا يعلمون ذلك(3).

وقال عليه السلام : (فنحن الذين يعلمون، وعدوّنا الذين لا يعلمون، وشيعتنا هم اُولوا الألباب).

وقوله: (فقال في كتابه وقوله الحقّ) ؛ قال _ عزّ وجلّ _ في سورة الدخان: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً» (4).

أي لا يدفع ولا يمنع وليّ عن وليّ، ولا والد عن ولده، ولا مولود عن والده. وقيل: قرابة عن قرابة. وقيل: ابن العمّ عن ابن العمّ، كما يمنع في الدنيا شيئاً من الإغناء(5).

وقال البيضاوي: « «يَوْمَ لا يُغْنِي» بدل من «يَوْمَ الْفَصْلِ» ، أو صفة ل «ميقاتهم» ، أو ظرف لما دلّ عليه الفصل»(6).

«وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» .

ص: 392


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 60
2- .الزمر (39) : 9
3- راجع في الأقوال : معاني القرآن للنحّاس ، ج 6 ، ص 159 و160 ؛ تفسير النسفي ، ج 4 ، ص 49 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص342 ؛ تفسير السمعاني ، ج 1 ، ص 256
4- الدخان (44) : 40 و41
5- راجع : جامع البيان للطبري ، ج 25 ، ص 167 ؛ تفسير الثعلبي ، ج 8 ، ص 355 ؛ زاد المسير ، ج 7 . ص 118 ؛ تفسير القرطبي ، ج 16 ، ص 148
6- تفسير البيضاوي، ج 5 ، ص 163

قيل: الضمير لمولى الأوّل باعتبار المعنى؛ لأنّه عامّ، أي ليس لهم من ينصرهم من عذاب اللّه بالشفاعة(1).

وقيل: لا ينصرهم الذين كانوا يعبدونهم من دون اللّه(2).

«إِلّا مَنْ رَحِمَ اللّهُ» (3). بالعفو عنه في قبول الشفاعة فيه. ومحلّه الرفع على البدل على الواو، والنصب على الاستثناء.

ويحتمل أن يكون الاستثناء متّصلاً، أي إلّا المؤمنون؛ فإنّه يشفع بعضهم لبعض بإذن اللّه، أو منقطعاً أي لكن من رحمه اللّه فإنّه مغفور له .

(يعنى بذلك) أي بمن رحم اللّه (عليّاً عليه السلام وشيعته).

وقوله: (لقد ذكركم اللّه في كتابه إذ يقول) في سورة الزمر: «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ» .

قال البيضاوي: «أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف في المعاصي.

وإضافة العباد تخصّصه بالمؤمنين على ما هو عرف القرآن»(4).

«لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ» أي لا تيأسوا من مغفرته.

«إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» .

قيل: يغفرها بالعفو عنها جميعها إلّا الشرك.

وقيل: يغفرها بالتوبة منها.

وقيل: يغفر الصغائر باجتناب الكبائر (5).

وقال البيضاوي: أي يغفرها عفواً، ولو بعد تعذيب وتقييد بالتوبة خلاف الظاهر ، ويدلّ على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله: «إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ» (6). الآية.

والتعليل بقوله: «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (7).

وقال: على المبالغة وإفادة الحصر ، والوعد بالرحمة بعد المغفرة، وتقديم ما يستدعي عموم المغفرة ممّا في «عِبَادِي» من الدلالة على الذلّة والاختصاص المقتضيين

ص: 393


1- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 163
2- راجع : التبيان للطوسي ، ج 6 ، ص 416
3- .الدخان (44) : 42
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 71
5- راجع : تفسير القرطبي ، ج 5 ، ص 158 ؛ تفسير الآلوسي ، ج 27 ، ص 63
6- .النساء (4) : 48 و116
7- الزمر (39) : 53

للترحّم واختصاص ضرر الإسراف بأنفسهم، والنهي عن القنوط عن الرحمة فضلاً عن المغفرة وإطلاقها، وتعليله: «إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» ، ووضع اسم «اللّه» موضع الضمير ؛ لدلالته على أنّه المستغني والمنعم على الإطلاق، والتأكيد بالجميع. انتهى(1).

وفسّر عليه السلام العباد الموعودين بالمغفرة، فقال: (واللّه ما أراد بهذا غيركم).

وقوله: (لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال) في سورة الحجر، خطاباً لإبليس: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» (2).

قال البيضاوي: هو تصديق لإبليس فيما استثناه، أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطاناً على من ليس بمخلص من عباده؛ فإنّ منتهى تزيينه التحريض والتدليس، كما قال: «وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي» (3). (4).

وقال عليه السلام : (واللّه ما أراد بهذا)؛ أي بالعباد الذين نفى عنهم سلطان الشيطان.

(إلاّ الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم) .

قيل: نفى سلطانه عن الشيعة بمعنى أنّه لا يمكنه أن يخرجهم من دينهم الحقّ، أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة والتوسّل به تعالى (5).

وقوله: (لقد ذكركم اللّه في كتابه، فقال) في سورة النساء: «وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ» .

قال البيضاوي : هو مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة أكرم الخلائق، وأعظمهم قدراً.

«مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ» بيان للذين ، أو حال منه ، أو من ضميره، قسّمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحثّ كافّة الناس عن أن لا يتأخّروا عنهم، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل، المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل؛ ثمّ الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات، واُخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان، حتّى اطّلعوا

ص: 394


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 71 و72 (مع اختلاف يسير)
2- الحجر (15) : 42 ؛ الإسراء (17) : 65
3- .إبراهيم (14) : 22
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 372
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 81

على الأشياء، وأخبروا عنها على ما هي عليها؛ ثمّ الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة، والجدّ في إظهار الحقّ، حتّى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة اللّه تعالى؛ ثمّ الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته، وأموالهم في مرضاته.

«وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (1). في معنى التعجّب.

و«رفيقاً» نصب على التميز، أو الحال، ولم يجمع؛ لأنّه يقال للواحد والجمع، كالصدّيق، أو لأنّه اُريد: وحسن كلّ واحد منهم رفيقاً(2).

(فرسول اللّه صلى الله عليه و آله في الآية النبيّين) (3). ، والجمع للتعظيم، أو المراد أنّه صلى الله عليه و آله من جملة النبيّين، أو لأنّ التصديق به تصديق بالجميع.

(ونحن في هذا الموضع الصدّيقون والشهداء) .

الصدّيق، كسكّيت: كثير الصدق.

وقيل: دائم التصديق، ويكون الذي يُصدّق قولَه بالعمل. والشهداء: جمع شهيد، وهو الشاهد، أو القتيل في سبيل اللّه، وهم عليهم السلام صدّيقون في أقوالهم وأفعالهم ووفائهم بالعهود، ومصدّقون للأنبياء وبما جاؤوا به، وهم شهداء اللّه على عباده في بلاده، وشهداء بأيدي الأعداء.

(وأنتم الصالحون، فتسمّوا بالصلاح كما سمّاكم اللّه عزّ وجلّ) أي كونوا من أهل الصلاح، وانتسبوا إليه.

قال الجوهري: «سمّيت فلاناً زيداً، وسمّيته بزيد بمعنى، فتسمّى»(4).

وفي القاموس: «فتسمّى بكذا، وبالقوم، وإليهم: انتسب» (5).

(قوله تعالى: «وَقالُوا» ) .

قال بعض المفسّرين: «ضمير الجمع راجع إلى الطاغين» (6).

«ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَ شْرارِ» (7).

يعنون فقراء المسلمين الذين يسترذلونهم في الدنيا، ويسخرون بهم كصهيب وبلال وعمّار.

ص: 395


1- .النساء (4) : 69
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 213 _ 215 (مع التلخيص واختلاف يسير)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «النبيّون»
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2383 (سمو)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 344 (سمو)
6- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 52
7- .ص (38) : 62

«أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا» صفة اُخرى ل «رجالاً» على قراءة «اتّخذناهم» بكسر الهمزة على الخبر، أي كنّا نسخر بهم.

«أَمْ زاغَتْ» أي مالت «عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» (1). ؛ فلا نراهم .

والمعنى: أهم في النار معنا، فزاغت عنهم الأبصار، فلا نراهم، أم ليسوا معنا؟ وقيل: «أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَ بْصارُ» في الدنيا تحقيراً لهم(2).

وقرى ء : «أتّخذناهم» بالاستفهام، وحمل على معنى التسوية، كقوله: «أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» (3).

وقيل: هو توبيخ وإنكار لأنفسهم في سخريّة هؤلاء الرجال، واسترذالهم (4).

وقال البيضاوي: «أم» معادلة ل «مَا لَنا لَا نَرى» ، على أنّ المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم، كأنّهم قالوا: أليسوا هنا، أم زاغت عنهم الأبصار، أو لاتّخذناهم على معنى إنكارهما على أنفسهم، أو منقطعة، والمراد الدلالة على أنّ استهزاؤهم والاستسخار منهم كان لزيغ أبصارهم، وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم. انتهى (5).

والسُّخريّ ، بالضمّ والكسر: اسم من سخر منه وبه، إذا هزءه ، واسترذله .

وقيل: لعلّ صدور هذا القول منهم إمّا لتأسّفهم، أو لكمال دهشتهم من شدّة عقوبتهم، وإلّا فقد علموا أنّ سبب دخولهم في النار ترك دين هؤلاء الرجال. وفيه دلالة على أنّ أهل جهنّم يرون كلّ من دخل فيها (6).

وقوله: (في الجنّة تُحبرون) على بناء المجهول.

والحبر، بالكسر: أثر النعمة، والحسن، وبالفتح: السرور. أحبره: سرّه، والحَبرة بالفتح: السماع في الجنّة، وكلّ نعمة حسنة، والمبالغة فيما وصف بحَبل.

(وفي النار تُطلبون) أي يطلبكم فيها من خالفكم ولا يجدونكم.

ص: 396


1- .ص (38) : 63
2- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 5 ، ص 53
3- البقرة (2) : 6 ؛ يس (36) : 10
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 288
5- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 53 (مع التلخيص واختلاف يسير)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 288 و289

وقوله: (إلّا وهي فينا وفي شيعتنا)؛ قيل: الحصر حقيقيّ؛ لما ثبت من أحاديث أهل البيت عليهم السلام من أنّه لا يدخل الجنّة إلّا شيعتهم، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم، وأيضاً ثبت من طرق العامّة والخاصّة أنّ عليّاً قسيم الجنّة والنار (1).

متن الحديث السابع (حديث أبي عبد اللّه عليه السلام مع المنصور في موكبه)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ (2). وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ جَمِيعاً؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ:

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، وَذُكِرَ هؤُلَاءِ عِنْدَهُ، وَسُوءُ حَالِ الشِّيعَةِ (3). عِنْدَهُمْ، فَقَالَ:

«إِنِّي سِرْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَهُوَ فِي مَوْكِبِهِ، وَهُوَ عَلى فَرَسٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ خَيْلٌ، وَمِنْ خَلْفِهِ خَيْلٌ، وَأَنَا عَلى حِمَارٍ إِلى جَانِبِهِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ، قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْرَحَ بِمَا أَعْطَانَا اللّهُ مِنَ الْقُوَّةِ، وَفَتَحَ لَنَا مِنَ الْعِزِّ، وَلَا تُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِهذَا الْأَ مْرِ مِنَّا وَأَهْلَ بَيْتِكَ، فَتُغْرِيَنَا بِكَ وَبِهِمْ». قَالَ: «فَقُلْتُ: وَمَنْ رَفَعَ هذَا إِلَيْكَ عَنِّي فَقَدْ كَذَبَ، فَقَالَ [لِي] : أَ تَحْلِفُ عَلى مَا تَقُولُ؟»

قَالَ: «فَقُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ سَحَرَةٌ، يَعْنِي يُحِبُّونَ أَنْ يُفْسِدُوا قَلْبَكَ عَلَيَّ، فَلَا تُمَكِّنْهُمْ مِنْ سَمْعِكَ؛ فَإِنَّا إِلَيْكَ أَحْوَجُ مِنْكَ إِلَيْنَا.

فَقَالَ [لِي] : تَذْكُرُ يَوْمَ سَأَلْتُكَ: هَلْ لَنَا مُلْكٌ؟ فَقُلْتَ: نَعَمْ، طَوِيلٌ عَرِيضٌ شَدِيدٌ، فَلَا تَزَالُونَ فِي مُهْلَةٍ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَفُسْحَةٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ، حَتّى تُصِيبُوا مِنَّا دَماً حَرَاماً فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ؟

فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: لَعَلَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَنْ يَكْفِيَكَ، فَإِنِّي لَمْ أَخُصَّكَ بِهذَا، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيثٌ رَوَيْتُهُ، ثُمَّ لَعَلَّ غَيْرَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ [أن] يَتَوَلّى ذلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي .

فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلى مَنْزِلِي، أَتَانِي بَعْضُ مَوَالِينَا، فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَاللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُكَ فِي مَوْكِبِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَأَنْتَ عَلى حِمَارٍ وَهُوَ عَلى فَرَسٍ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَيْكَ يُكَلِّمُكَ كَأَنَّكَ تَحْتَهُ؟! فَقُلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: هذَا حُجَّةُ اللّهِ عَلَى الْخَلْقِ، وَصَاحِبُ هذَا الْأَ مْرِ الَّذِي يُقْتَدى بِهِ، وَهذَا

ص: 397


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 288 و289
2- .لا يخفي أنّ في السند تحويلاً بعطف ثلاث طبقات على مثلها
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «شيعتنا»

الْاخَرُ يَعْمَلُ بِالْجَوْرِ، وَيَقْتُلُ أَوْلَادَ الْأَ نْبِيَاءِ، وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ فِي الْأَ رْضِ بِمَا لَا يُحِبُّ اللّهُ، وَهُوَ فِي مَوْكِبِهِ وَأَنْتَ عَلى حِمَارٍ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذلِكَ شَكٌّ، حَتّى خِفْتُ عَلى دِينِي وَنَفْسِي».

قَالَ: «فَقُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ حَوْلِي وَبَيْنَ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَاحْتَقَرْتَهُ، وَاحْتَقَرْتَ مَا هُوَ فِيهِ.

فَقَالَ: الآْنَ سَكَنَ قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: إِلى مَتى هؤُلَاءِ يَمْلِكُونَ؟ أَوْ مَتَى الرَّاحَةُ مِنْهُمْ؟ فَقُلْتُ: أَ لَيْسَ تَعْلَمُ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةً؟ قَالَ: بَلى ، فَقُلْتُ: هَلْ يَنْفَعُكَ عِلْمُكَ أَنَّ هذَا الْأَ مْرَ إِذَا جَاءَ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ، إِنَّكَ لَوْ تَعْلَمُ حَالَهُمْ عِنْدَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَيْفَ هِيَ كُنْتَ لَهُمْ أَشَدَّ بُغْضاً، وَلَوْ جَهَدْتَ أَوْ جَهَدَ أَهْلُ الْأَ رْضِ أَنْ يُدْخِلُوهُمْ فِي أَشَدِّ مَا (1). هُمْ فِيهِ مِنَ الْاءِثْمِ، لَمْ يَقْدِرُوا، فَلَا يَسْتَفِزَّنَّكَ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ «وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (2) .

أَ لَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنِ انْتَظَرَ أَمْرَنَا، وَصَبَرَ عَلى مَا يَرى مِنَ الْأَ ذى وَالْخَوْفِ هُوَ غَداً فِي زُمْرَتِنَا، فَإِذَا رَأَيْتَ الْحَقَّ قَدْ مَاتَ وَذَهَبَ أَهْلُهُ، وَرَأَيْتَ الْجَوْرَ قَدْ شَمِلَ الْبِلَادَ، وَرَأَيْتَ الْقُرْآنَ قَدْ خَلُقَ وَأُحْدِثَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَوُجِّهَ عَلَى الْأَ هْوَاءِ، وَرَأَيْتَ الدِّينَ قَدِ انْكَفَأَ كَمَا يَنْكَفِئُ الْمَاءُ، وَرَأَيْتَ أَهْلَ الْبَاطِلِ قَدِ اسْتَعْلَوْا عَلى أَهْلِ الْحَقِّ، وَرَأَيْتَ الشَّرَّ ظَاهِراً لَا يُنْهى عَنْهُ وَيُعْذَرُ أَصْحَابُهُ، وَرَأَيْتَ الْفِسْقَ قَدْ ظَهَرَ، وَاكْتَفَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ.

وَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ صَامِتاً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَرَأَيْتَ الْفَاسِقَ يَكْذِبُ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَذِبُهُ وَفِرْيَتُهُ، وَرَأَيْتَ الصَّغِيرَ يَسْتَحْقِرُ (3). الْكَبِيرَ ، وَرَأَيْتَ الْأَ رْحَامَ قَدْ تَقَطَّعَتْ، وَرَأَيْتَ مَنْ يَمْتَدِحُ بِالْفِسْقِ يَضْحَكُ مِنْهُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ.

وَرَأَيْتَ الْغُلَامَ يُعْطِي مَا تُعْطِي الْمَرْأَةُ، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ يَتَزَوَّجْنَ النِّسَاءَ، وَرَأَيْتَ الثَّنَاءَ قَدْ كَثُرَ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ فَلَا يُنْهى وَلَا يُؤْخَذُ عَلى يَدَيْهِ .

وَرَأَيْتَ النَّاظِرَ يَتَعَوَّذُ بِاللّهِ مِمَّا يَرَى الْمُؤْمِنَ فِيهِ مِنَ ا لأْتِهَادِ، وَرَأَيْتَ الْجَارَ يُؤْذِي جَارَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَانِعٌ، وَرَأَيْتَ الْكَافِرَ فَرِحاً لِمَا يَرى فِي الْمُؤْمِنِ مَرِحاً لِمَا يَرى فِي الْأَ رْضِ مِنَ الْفَسَادِ.

ص: 398


1- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : «ممّا»
2- .المنافقون (63) : 8
3- .في الحاشية عن بعض النسخ : «يحقّر»

وَرَأَيْتَ الْخُمُورَ تُشْرَبُ عَلَانِيَةً ، وَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَخَافُ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَأَيْتَ الآْمِرَ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِيلاً، وَرَأَيْتَ الْفَاسِقَ فِيمَا لَا يُحِبُّ اللّهُ قَوِيّاً مَحْمُوداً، وَرَأَيْتَ أَصْحَابَ الْايَاتِ يُحَقَّرُونَ (1). وَيُحْتَقَرُ مَنْ يُحِبُّهُمْ، وَرَأَيْتَ سَبِيلَ الْخَيْرِ مُنْقَطِعاً، وَسَبِيلَ الشَّرِّ مَسْلُوكاً .

وَرَأَيْتَ بَيْتَ اللّهِ قَدْ عُطِّلَ وَيُؤْمَرُ بِتَرْكِهِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُهُ، وَرَأَيْتَ الرِّجَالَ يَتَسَمَّنُونَ لِلرِّجَالِ، وَالنِّسَاءَ لِلنِّسَاءِ.

وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مَعِيشَتُهُ مِنْ دُبُرِهِ، وَمَعِيشَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ فَرْجِهَا، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ يَتَّخِذْنَ الْمَجَالِسَ كَمَا يَتَّخِذُهَا الرِّجَالُ، وَرَأَيْتَ التَّأْنِيثَ فِي وُلْدِ الْعَبَّاسِ قَدْ ظَهَرَ، وَأَظْهَرُوا الْخِضَابَ، وَامْتَشَطُوا كَمَا تَمْتَشِطُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا، وَأَعْطَوُا الرِّجَالَ الْأَ مْوَالَ عَلى فُرُوجِهِمْ، وَتُنُوفِسَ فِي الرَّجُلِ، وَتَغَايَرَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَكَانَ صَاحِبُ الْمَالِ أَعَزَّ مِنَ الْمُؤْمِنِ .

وَكَانَ الرِّبَا ظَاهِراً لَا يُعَيَّرُ، وَكَانَ الزِّنَا تُمْتَدَحُ بِهِ النِّسَاءُ، وَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تُصَانِعُ زَوْجَهَا عَلى نِكَاحِ الرِّجَالِ، وَرَأَيْتَ أَكْثَرَ النَّاسِ وَخَيْرَ بَيْتٍ مَنْ يُسَاعِدُ النِّسَاءَ عَلى فِسْقِهِنَّ، وَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ مَحْزُوناً مُحْتَقَراً ذَلِيلاً، وَرَأَيْتَ الْبِدَعَ وَالزِّنَا قَدْ ظَهَرَ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَعْتَدُّونَ (2). شَهَادَةَ (3). الزُّورِ، وَرَأَيْتَ الْحَرَامَ يُحَلَّلُ، وَرَأَيْتَ الْحَلَالَ يُحَرَّمُ.

وَرَأَيْتَ الدِّينَ بِالرَّأْيِ، وَعُطِّلَ الْكِتَابُ وَأَحْكَامُهُ، وَرَأَيْتَ اللَّيْلَ لَا يُسْتَخْفى بِهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللّهِ، وَرَأَيْتَ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ إِلَا بِقَلْبِهِ، وَرَأَيْتَ الْعَظِيمَ مِنَ الْمَالِ يُنْفَقُ فِي سَخَطِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَأَيْتَ الْوُلَاةَ يُقَرِّبُونَ أَهْلَ الْكُفْرِ، وَيُبَاعِدُونَ أَهْلَ الْخَيْرِ، وَرَأَيْتَ الْوُلَاةَ يَرْتَشُونَ فِي الْحُكْمِ، وَرَأَيْتَ الْوِلَايَةَ قَبَالَةً لِمَنْ زَادَ، (4). وَرَأَيْتَ ذَوَاتِ الْأَ رْحَامِ يُنْكَحْنَ وَيُكْتَفى بِهِنَّ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُقْتَلُ عَلَى التُّهَمَةِ وَعَلَى الظِّنَّةِ، وَيَتَغَايَرُ عَلَى الرَّجُلِ الذَّكَرِ، فَيَبْذُلُ لَهُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ .

وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعَيَّرُ عَلى إِتْيَانِ النِّسَاءِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ امْرَأَتِهِ مِنَ الْفُجُورِ ، يَعْلَمُ ذلِكَ وَيُقِيمُ عَلَيْهِ.

وَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَقْهَرُ زَوْجَهَا، وَتَعْمَلُ مَا لَا يَشْتَهِي، وَتُنْفِقُ عَلى زَوْجِهَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ

ص: 399


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة : «يحتقرون»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يعتمدون _ يقتدون». وفي الوافي : «يشهدون»
3- .هكذا في النسخة وشرح المازندراني . وفي كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت فيهما : «بشاهد»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أراد»

يُكْرِي امْرَأَتَهُ وَجَارِيَتَهُ، وَيَرْضى بِالدَّنِيِّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَرَأَيْتَ الْأَ يْمَانَ بِاللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ كَثِيرَةً عَلَى الزُّورِ، وَرَأَيْتَ الْقِمَارَ قَدْ ظَهَرَ، وَرَأَيْتَ الشَّرَابَ يُبَاعُ ظَاهِراً لَيْسَ لَهُ مَانِعٌ، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ يَبْذُلْنَ أَنْفُسَهُنَّ لأهْلِ الْكُفْرِ، وَرَأَيْتَ الْمَلَاهِيَ قَدْ ظَهَرَتْ يُمَرُّ بِهَا لَا يَمْنَعُهَا أَحَدٌ أَحَداً، وَلَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ عَلى مَنْعِهَا.

وَرَأَيْتَ الشَّرِيفَ يَسْتَذِلُّهُ الَّذِي يُخَافُ سُلْطَانُهُ، وَرَأَيْتَ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ الْوُلَاةِ مَنْ يَمْتَدِحُ بِشَتْمِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَرَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّنَا يُزَوَّرُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَرَأَيْتَ الزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ يُتَنَافَسُ فِيهِ.

وَرَأَيْتَ الْقُرْآنَ قَدْ ثَقُلَ عَلَى النَّاسِ اسْتِمَاعُهُ، وَخَفَّ عَلَى النَّاسِ اسْتِمَاعُ الْبَاطِلِ، وَرَأَيْتَ الْجَارَ يُكْرِمُ الْجَارَ خَوْفاً مِنْ لِسَانِهِ، وَرَأَيْتَ الْحُدُودَ قَدْ عُطِّلَتْ وَعُمِلَ فِيهَا بِالْأَ هْوَاءِ، وَرَأَيْتَ الْمَسَاجِدَ قَدْ زُخْرِفَتْ، وَرَأَيْتَ أَصْدَقَ النَّاسِ عِنْدَ النَّاسِ الْمُفْتَرِيَ الْكَذِبَ.

وَرَأَيْتَ الشَّرَّ قَدْ ظَهَرَ، وَالسَّعْيَ بِالنَّمِيمَةِ، وَرَأَيْتَ الْبَغْيَ قَدْ فَشَا، وَرَأَيْتَ الْغِيبَةَ تُسْتَمْلَحُ، وَيُبَشِّرُ بِهَا النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَرَأَيْتَ طَلَبَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ لِغَيْرِ اللّهِ، وَرَأَيْتَ السُّلْطَانَ يُذِلُّ لِلْكَافِرِ الْمُؤْمِنَ، وَرَأَيْتَ الْخَرَابَ قَدْ أُدِيلَ مِنَ الْعُمْرَانِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مَعِيشَتُهُ مِنْ بَخْسِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَرَأَيْتَ سَفْكَ الدِّمَاءِ يُسْتَخَفُّ بِهَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ بِغَرَضِ (1). الدُّنْيَا، وَيَشْهَرُ نَفْسَهُ بِخُبْثِ اللِّسَانِ لِيُتَّقى، وَتُسْنَدَ إِلَيْهِ الْأُمُورُ.

وَرَأَيْتَ الصَّلَاةَ قَدِ اسْتُخِفَّ بِهَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ عِنْدَهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ لَمْ يُزَكِّهِ مُنْذُ مَلَكَهُ، وَرَأَيْتَ الْمَيِّتَ يُنْشَرُ (2). مِنْ قَبْرِهِ وَيُؤْذى وَتُبَاعُ أَكْفَانُهُ.

وَرَأَيْتَ الْهَرْجَ قَدْ كَثُرَ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُمْسِي نَشْوَانَ وَيُصْبِحُ سَكْرَانَ، لَا يَهْتَمُّ بِمَا النَّاسُ فِيهِ، وَرَأَيْتَ الْبَهَائِمَ تُنْكَحُ، وَرَأَيْتَ الْبَهَائِمَ يَفْرِسُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَخْرُجُ إِلى مُصَلاَّهُ وَيَرْجِعُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ، وَرَأَيْتَ قُلُوبَ النَّاسِ قَدْ قَسَتْ وَجَمَدَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَثَقُلَ الذِّكْرُ عَلَيْهِمْ.

وَرَأَيْتَ السُّحْتَ قَدْ ظَهَرَ يُتَنَافَسُ فِيهِ، وَرَأَيْتَ الْمُصَلِّيَ إِنَّمَا يُصَلِّي لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَرَأَيْتَ الْفَقِيهَ يَتَفَقَّهُ لِغَيْرِ الدِّينِ يَطْلُبُ الدُّنْيَا وَالرِّئَاسَةَ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ مَعَ مَنْ غَلَبَ، وَرَأَيْتَ طَالِبَ الْحَلَالِ يُذَمُّ وَيُعَيَّرُ، وَطَالِبَ الْحَرَامِ يُمْدَحُ وَيُعَظَّمُ.

وَرَأَيْتَ الْحَرَمَيْنِ يُعْمَلُ فِيهِمَا بِمَا لَا يُحِبُّ اللّهُ، لَا يَمْنَعُهُمْ مَانِعٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَمَلِ

ص: 400


1- .في الحاشية عن بعض النسخ : «لغرض» . وفي كلتا الطبعتين : «لعرض»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة : «يُنبش»

الْقَبِيحِ أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ الْمَعَازِفَ ظَاهِرَةً فِي الْحَرَمَيْنِ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ، وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُومُ إِلَيْهِ مَنْ يَنْصَحُهُ فِي نَفْسِهِ، فَيَقُولُ: هذَا عَنْكَ مَوْضُوعٌ.

وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، وَيَقْتَدُونَ بِأَهْلِ الشُّرُورِ، وَرَأَيْتَ مَسْلَكَ الْخَيْرِ وَطَرِيقَهُ خَالِياً لَا يَسْلُكُهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ الْمَيِّتَ يُهْزَأُ بِهِ فَلَا يَفْزَعُ لَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ كُلَّ عَامٍ يَحْدُثُ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ وَالْبِدْعَةِ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ، وَرَأَيْتَ الْخَلْقَ وَالْمَجَالِسَ لَا يُتَابِعُونَ إِلَا الْأَ غْنِيَاءَ، وَرَأَيْتَ الْمُحْتَاجَ يُعْطى عَلَى الضَّحِك بِهِ وَيُرْحَمُ لِغَيْرِ وَجْهِ اللّهِ، وَرَأَيْتَ الْايَاتِ فِي السَّمَاءِ لَا يَفْزَعُ لَهَا أَحَدٌ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَتَسَافَدُونَ كَمَا يَتَسَافَدُ الْبَهَائِمُ، لَا يُنْكِرُ أَحَدٌ مُنْكَراً تَخَوُّفاً مِنَ النَّاسِ .

وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنْفِقُ الْكَثِيرَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّهِ، وَيَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي طَاعَةِ اللّهِ، وَرَأَيْتَ الْعُقُوقَ قَدْ ظَهَرَ، وَاسْتُخِفَّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَكَانَا مِنْ أسْوَءِ النَّاسِ حَالاً عِنْدَ الْوَلَدِ، وَيَفْرَحُ بِأَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِمَا، وَرَأَيْتَ النِّسَاءَ وَقَدْ غَلَبْنَ عَلَى الْمُلْكِ، وَغَلَبْنَ عَلى كُلِّ أَمْرٍ، لَا يُؤْتى إِلَا مَا لَهُنَّ فِيهِ هَوًى.

وَرَأَيْتَ ابْنَ الرَّجُلِ يَفْتَرِي عَلى أَبِيهِ، وَيَدْعُو عَلى وَالِدَيْهِ، وَيَفْرَحُ بِمَوْتِهِمَا، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ إِذَا مَرَّ بِهِ يَوْمٌ وَلَمْ يَكْسِبْ (1).

فِيهِ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ مِنْ فُجُورٍ أَوْ بَخْسِ مِكْيَالٍ أَوْ مِيزَانٍ أَوْ غِشْيَانِ حَرَامٍ أَوْ شُرْبِ مُسْكِرٍ كَئِيباً حَزِيناً، يَحْسَبُ أَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَلَيْهِ وَضِيعَةٌ مِنْ عُمُرِهِ .

وَ (2). رَأَيْتَ السُّلْطَانَ يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ، وَرَأَيْتَ أَمْوَالَ ذَوِي الْقُرْبى تُقْسَمُ فِي الزُّورِ، وَيُتَقَامَرُ بِهَا، وَتُشْرَبُ بِهَا الْخُمُورُ، وَرَأَيْتَ الْخَمْرَ يُتَدَاوى بِهَا، وَتُوصَفُ لِلْمَرِيضِ وَيُسْتَشْفى بِهَا، وَرَأَيْتَ النَّاسَ قَدِ اسْتَوَوْا فِي تَرْكِ الْأَ مْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَرْكِ التَّدَيُّنِ بِهِ، وَرَأَيْتَ رِيَاحَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ النِّفَاقِ قَائِمَةً، وَرِيَاحَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا تَحَرَّكُ؟ وَرَأَيْتَ الْأَ ذَانَ بِالْأَ جْرِ، وَالصَّلَاةَ بِالْأَ جْرِ، وَرَأَيْتَ الْمَسَاجِدَ مُحْتَشِيَةً مِمَّنْ لَا يَخَافُ اللّهَ، مُجْتَمِعُونَ فِيهَا لِلْغِيبَةِ وَأَكْلِ لُحُومِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَيَتَوَاصَفُونَ فِيهَا شَرَابَ الْمُسْكِرِ.

وَرَأَيْتَ السَّكْرَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ، وَلَا يُشَانُ بِالسُّكْرِ، وَإِذَا سَكِرَ أُكْرِمَ وَاتُّقِيَ وَخِيفَ، وَتُرِكَ لَا يُعَاقَبُ وَيُعْذَرُ بِسُكْرِهِ.

وَرَأَيْتَ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ الْيَتَامى يُحَدَّثُ (3). بِصَلَاحِهِ، وَرَأَيْتَ الْقُضَاةَ يَقْضُونَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللّهُ،

ص: 401


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يكتسب»
2- .في النسخة : + «إذا» مرمّز ب «خ»
3- .في كلتا الطبعتين : «يُحمد»

وَرَأَيْتَ الْوُلَاةَ يَأْتَمِنُونَ الْخَوَنَةَ (1). لِلطَّمَعِ، وَرَأَيْتَ الْمِيرَاثَ قَدْ وَضَعَتْهُ الْوُلَاةُ لأهْلِ الْفُسُوقِ (2). وَالْجُرْأَةِ عَلَى اللّهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ، وَيُخَلُّونَهُمْ وَمَا يَشْتَهُونَ.

وَرَأَيْتَ الْمَنَابِرَ يُؤْمَرُ عَلَيْهَا بِالتَّقْوى وَلَا يَعْمَلُ الْقَائِلُ بِمَا يَأْمُرُ، وَرَأَيْتَ الصَّلَاةَ قَدِ اسْتُخِفَّ بِأَوْقَاتِهَا، وَرَأَيْتَ الصَّدَقَةَ بِالشَّفَاعَةِ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللّهِ، وَتُعْطى لِطَلَبِ النَّاسِ.

وَرَأَيْتَ النَّاسَ هَمُّهُمْ بُطُونُهُمْ وَفُرُوجُهُمْ، لَا يُبَالُونَ بِمَا أَكَلُوا وَمَا نَكَحُوا، وَرَأَيْتَ الدُّنْيَا مُقْبِلَةً عَلَيْهِمْ، وَرَأَيْتَ أَعْلَامَ الْحَقِّ قَدْ دَرَسَتْ.

فَكُنْ عَلى حَذَرٍ، وَاطْلُبْ مِنَ (3). اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ النَّجَاةَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي سَخَطِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُهُمْ لأمْرٍ يُرَادُ بِهِمْ، فَكُنْ مُتَرَقِّباً، وَاجْتَهِدْ لِيَرَاكَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فِي خِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ وَكُنْتَ فِيهِمْ عَجَّلْتَ إِلى رَحْمَةِ اللّهِ، وَإِنْ أُخِّرْتَ ابْتُلُوا وَكُنْتَ قَدْ خَرَجْتَ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَأَنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».

شرح الحديث

السند حسن(4).

قوله: (في مَوكبه) .

في القاموس: «وكب يكب وُكوباً ووكباناً: مشى في دَرَجان، ومنه الموكب، وللجماعة رُكباناً، أو مشاة، أو ركاب الإبل للزينة » (5). انتهى .

وقيل : المَوكِبْ، بفتح الميم، وكسر الكاف: جماعةُ رُكّاب يسيرون برفقٍ من غير سرعةٍ؛ لإظهار السكينة والوقار، وهم القوم الركوب على الإبل للزينة والتنزّه ، وكذلك جماعة الفُرسان (6).

ص: 402


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الخانة»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الفسق»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين : «إلى»
4- هذا بناء على المشهور ؛ لوجود إبراهيم بن هاشم القمّي في السند ، الذي لا يوجد في كتب الرجال له توثيقا ولا تضعيفا . ولا يخفى ما فيه من النظر بعد التدبّر في مكانته عند القمّيّين ؛ لكونه أوّل من نشر حديث الكونيّين بقم ، والعصر الذي يعيش فيه ، ورواية الثقات المعروفين عنه . فتأمّل جدّاً
5- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 138 (وكب)
6- قاله المحقّق المازندرانى رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290

وقيل : الموكِب: ضرب من السَّيْر (1).

وقوله: (مع أبي جعفر ) أي الدوانيقي، وهو الثاني من خلفاء بني العبّاس .

والدوانيق: جمع الدانَِق _ بكسر النون وفتحها _ وهو سُدس الدرهم ، ولُقِّبَ به لبُخله .

وفي بعض النسخ: «مع أبي جعفر المنصور» .

(وبين يديه خَيل، ومن خلفه خيل) .

في القاموس: «الخيل : الفُرسان، وجماعة الأفراس، لا واحد له، أو واحده: خائل؛ لأنّه يختال ، والجمع: أخْيال وخيول »(2).

فإن اُريد هنا المعنى الثاني فظاهر، وإن اُريد المعنى الأوّل فبتقدير أصحاب خيل أو ركّابها .

(وأنا على حمار إلى جانبه) .

قيل : كونه عليه السلام على الحمار، لا لأنّه لا يقدر على غيره، بل للتذلّل للّه تعالى في مقابلة تكبّر ذلك الطاغي عليه تعالى (3).

وقوله : (ولا تُخبِر الناس) أي لا تدَّعِ عندهم.

(أنّك أحقّ بهذا الأمر) أي بأمر الخلافة.

(منّا وأهل بيتك) بالنصب، عطف على اسم «أنّ».

(فتُغرينا بك وبهم) من الإغراء، وهو التحريض على الشرّ، أي تهيّجنا على الإيذاء والإضرار بالنسبة إليك وإلى أهلك.

(قال : فقلت : ومن رفع هذا) الأخبار (إليك عنّي فقد كذب) .

قال الجوهري : «رَفَع فُلان على العامل رفيعةً، وهو ما يرفعه من قصّته ويبلغها .

والرفعُ: تقريبك الشيء، ومن ذلك رفعته إلى السلطان، ومصدره : الرُّفعان » (4).

(فقال لي : أ تحلف على ما تقول) من أنّك لم تخبر الناس بذلك، أو أنّ الرافع كاذب، أو الجميع .

ص: 403


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 290
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 373 (خيل)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 1221 (رفع) مع التلخيص

وقيل: عدم الإضرار بعدم الحلف مع طلب الطاغي إنّما هو بلطف اللّه وحفظه وصرف قلبه عنه (1).

(قال : فقلت : إنّ الناس سَحَرة ) .

قال الجزري : «فيه: أنّ من البيان لسحراً. أي منه ما يصرف قلوب السامعين، وإن كان غير حقّ. والسِّحر في كلامهم: صرف الشيء عن وجهه » (2). انتهى .

وقد يُعرَّف السِحر بأنّه ما لطف مأخذه وخفي، وقد يطلق على المكر والحيلة والخديعة (3).

وفي بعض النسخ: «إنّ الناس شجرة بَغْي»، أي ظلمٍ وفساد.

وقيل: شبّههم بالشجرة وبغيهم بالثمرة، فكما أنّ الثمرة تتولّد من الشجرة، كذلك البغي والفساد يتولّد منهم (4).

وقوله : (فلا تمكّنهم من سمعك ) أي لا تصغ إلى قولهم فيما ذكر .

وقوله : (فإنّا إليك أحوج منك إلينا ) تعليل للنهي .

ولعلّ المراد الاحتياج إليه في اُمور الدنيا، وقد وجّه الأحوجيّة بأنّ احتياجه عليه السلام إليه في حفظ دمه ودم شيعته، ورعاية حقوقهم، وترك الجور عليهم ، وهذا أمرٌ متحقّق ثابت .

وأمّا احتياجه إليه عليه السلام فقد كان في الاُمور الدينيّة ، وقد أفسد الدين ولوازمه، فكأنّه لم يكن محتاجاً إليه .

وقوله : (فقلت : نعم طويل) أي بحسب المدّة والزمان .

(عريض ) بحسب الأماكن والبلدان .

(شديد ) بحسب الشوكة والسلطان .

(ولا تزالون في مُهلةٍ من أمركم ، وفُسحةٍ من دنياكم ) .

المُهلة _ بالضمّ _ الاسم من الإمهال، وهو الإنظار .

والفسحة، بالضمّ: السعة (5).

ص: 404


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290
2- .النهاية ، ج 2 ، ص 346 (سحر) مع التلخيص
3- هذا ، وقال المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 457 : «كلّ من هذه المعاني مناسب ؛ لما فسّر به من إفساد القلب»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 290 و291
5- قال المازندراني رحمه الله : «المراد بها السعة في الأموال والبلاد»

(حتّى تصيبوا منّا دماً حراماً في شهرٍ حرام في بلدٍ حرام) .

وحينئذٍ تستحقّون زوال ملككم . والإصابة: الإتيان، والوُجدان، والاحتياج، والوصول . وقيل : لعلّ المراد دم رجل من أولاد الأئمّة عليهم السلام سفكوها عند انقضاء دولتهم .

قال :

ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام هذا الملعون خاصّة ودولته ، والمراد بسفك الدم القتل، ولو بالسمّ مجازاً . والبلد الحرام: مدينة الرسول صلى الله عليه و آله ؛ فإنّ هذا الملعون سمّه _ على ما روي _ في رجب سنة ثمان وأربعين ومائة(1).

وقيل: في شوّال من تلك السنة، ولم يبقَ بعده إلّا قليلاً .

وقال بعض الأفاضل : كأنّه إشارة إلى المقتولين بفخّ في ذي الحجّة الحرام، وفخّ من الحرم بين تنعيم ومكّة (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «يمكن أن يكون المراد ما فعله هارون، قَتلَ في ليلةٍ واحدة كثيراً من السادات» (3).

قيل : ونظير ما نحن فيه من طرق العامّة عن الحسن بن عليّ عليهماالسلام، قال : «إنّ هؤلاء أخافوني، وهم قاتلي، فإذا فعلوا ذلك سلّط اللّه عليهم مَنْ يقتلهم، حتّى يكونوا أذلّ من فَرم الأمَة» (4). يعني خرقة الحيض . وما يجيء عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إنّ اللّه _ عزّ ذكره _ أذِن في هلاك بني اُميّة بعد إحراقهم زيداً بسبعة أيّام »(5).

ويفهم من جميع ذلك أنّه لا يلزم أن يكون الزوال بعد فعلهم ذلك بلا فصل(6).

(فعرفت أنّه قد حفظ الحديث) فيكفّ من إصابة دمائنا خوفاً من زوال ملكه .

(فقلت : لعلّ اللّه _ عزّ وجلّ _ أنّه يَكفيك) من تلك الإصابة .

(فإنّي لم أخصّك بهذا) أي بزوال الملك، مع إصابة الدماء .

ص: 405


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 83
2- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 291
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 291
4- .لم نعثر على الخبر في موضع
5- الكافي ، ج 8 ، ص 161 ، ح 165 ؛ تفسير العيّاشي ، ص 326 ، ح 133 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 46 ، ص 191 ، ح 56
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 291

(وإنّما هو حديث رويته) عن آبائي .

قيل: فيه تبعيد لنفسه عن العلم بالغيب خوفاً منه (1).

(ثمّ لعلّ غيرك من أهل بيتك أن يتولّى ذلك) .

يعني أمر الخلافة، أو إصابة الدماء، ويجري فيه حكم اللّه تعالى بالتغيّر والزوال .

وقوله : (فدخلني من ذلك شكّ) في قسم اللّه تعالى وعدله ؛ لزعمه أنّ تمكين الفاسق الجائر الدنيّ، ومنع العادل الشريف لا يليق بعدله تعالى وحكمته، أو الشكّ في أمر الولاية بأنّ المذلّة تنافيها ، ومنشأ ذلك الشكّ وسوسة الشيطان والجهل بالحكمة .

(حتّى خفت على ديني ونفسي) .

قيل : يعني خفت على ديني بالارتداد والزوال، وعلى نفسي بالعقوبة والنكال (2).

(قال : [فقلت:] لو رأيت) ؛ كأنّ فيه التفات .

وفي بعض النسخ: «قال : فقلت : لو رأيت»، وهو الظاهر .

(من كان حَولي) إلى قوله : (واحتقرت ما هو فيه) .

قيل : لمّا كان منشأ شكّه وتخيّل الجور في القسمة، أو تخيّل الذلّ له عليه السلام ، أشار إلى دفعه، وبيّن أنّ ما أعطاه اللّه خيرٌ ممّا أعطى المنصور (3).

ولعلّ الترديد في قوله : (أو متى الراحة منهم) من الراوي .

وقيل : يحتمل الجمع بأن يكون الأوّل سؤالاً عن عدّة ملكهم، والثاني عن نهايته ، أو عن بداية ظهور الصاحب عليه السلام (4).

(فقلت : أ ليس تعلم أنّ لكلّ شيء مدّة؟ قال : بلى ، فقلت : هل ينفعك علمك) .

قيل : الظاهر أنّ الاستفهام للإنكار ؛ لأنّ العلم بأنّ للجور مدّة، وللراحة مدّة، والعلم بنهاية الاُولى وبداية الثانية ، لا ينفع في زوال الجور، وحصول الراحة قبلهما بالفعل ، وأمّا بعدهما فترتفع الجور، وتحصل الراحة، سواءً علم أم لا ، فلا نفع للعلم بهما ، فلا فائدة

ص: 406


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 291
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292

في السؤال عنهما (1).

(إنّ هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طَرْفَةِ العين) .

«إنَّ» بكسر الهمزة على سبيل الاستئناف . والمراد بهذا الأمر حصول الراحة بظهور المهدي عليه السلام ، أو زوال ملكهم .

ووجه كونه أسرع أنّه لا مانع من إرادته تعالى ، فإذا أراد شيئاً كان كما أراد بلا تراخي زمان ولا مُهلة .

قال الجوهري : «طَرَف بَصَرَهُ يَطرِف طرفاً، إذا أطبق أَحَد جَفْنَيْهِ على الآخر، الواحدة من ذلك : طَرْفة .

يُقال : أسرع من طَرْفَةِ عَيْنٍ »(2).

ثمّ إنّه عليه السلام صرف الكلام إلى ذمّ هؤلاء المخالفين؛ للتنفير عنهم، وإزالة شكّ المرتاب (3).

بالكلّيّة، فقال : (إنّك لو تعلم حالهم عند اللّه عزّ وجلّ، وكيف هي كنت لهم أشدّ بُغضاً) وعداوةً، وذلك لأنّ كلّ ما لهم من الزخارف الفانية الدالّة ظاهراً على حسن حالهم عند من لا بصيرة له بحقائق الأشياء، فهي لهم وبال ونكال وحيّات وعقارب عند أهل البصيرة ، بل عند عامّة الخلائق إذا ظهرت في النشأة الآخرة بما لها من الصور الواقعيّة .

وقوله : (ولو جهدت) إلى قوله : (لم يقدروا) إشارة إلى أنّهم في الإضرار على أنفسهم، وتعريضاً لغضب الربّ وعقوبة الأبد في مرتبة ، لا يقدر عدوٌّ أن يوصله إلى عدوّه، ولو اجتهد في ذلك ولم يبقِ من جهده شيئاً .

وفيه أيضاً تسلية للمخاطب، وحمله على الرضا بالقضاء، وعدم التزلزل ممّا رأى من ظاهر أحوالهم، كما أشار إليه بقوله : (فلا يستفزّنّك الشيطان) .

في القاموس: «استفزّه: استخفّه، وأخرجه من داره، وأزْعَجه» (4).

وفي بعض النسخ: «فلا يغرّنّك» .

(فإنّ العزّة للّه «وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» أي الغَلَبة، والقوّة للّه تعالى، ولمَن أعزّه من رسوله والمؤمنون .

ص: 407


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 292
2- الصحاح ، ج 4 . ص 1395 (طرف)
3- .كذا قرأناه
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 186 (فزز)

«وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ » (1). ؛ لفرط جهلهم وغرورهم .

والحاصل أنّه _ عزّ وجلّ _ لمّا كان مبدء جميع (2) الممكنات المحتاجين إليه من جميع الجهات، فالقوّة والغَلَبة له ولمَن أعزّه ممّن تقرّب إليه بالوسائل المشروعة على تفاوت مراتبهم ، وأمّا المنافقون لجهلهم وشدّة عنادهم وقساوتهم زعموا أنّ العزّة في أسباب الدنيا واعتباراتها، ومن ثمّ تراهم أميل إلى من كانت الدنيا عنده أكثر وأوفر .

وقوله : (هو غداً في زُمرتنا) .

في القاموس: «الزمرة، بالضمّ: الفوج، والجماعة» (3).

وقوله عليه السلام : (فإذا رأيت الحقّ قد مات، وذهب أهله...) شروع في بيان جملة من علامات ظهور دولة الحقّ، ووصول الراحة لأهله .

ولعلّ المراد بالحقّ ما يتعلّق بأمر الدين اُصولاً وفروعاً، وبموته عدم ترويجه واندراسه وإعراض الخلق عنه، وبذهاب أهله فقدُ العالِم به ، أو كونه بحيث لا يؤخذ منه، ولا يُلتفَت إليه .

(ورأيت الجور قد شمل البلاد) .

في القاموس: «شَمِلهم الأمر _ كفرح ونصر _ شَمَلاً وشَمْلاً وشُمولاً: عمّهم» (4).

(ورأيت القرآن قد خَلُق) كناية عن عدم رغبة الخلق بتلاوته، وإعراضهم عن العمل به، وعن الاتّعاظ بمواعظه، والانزجار من زواجره .

قال الفيروزآبادي: «خلق الثوب _ ككرم ونصر وسمع _ خُلوقة وخَلَقاً، محرّكة: بلِيَ» (5).

(واُحدث) على البناء للمفعول (فيه) أي في القرآن، أو في الحقّ. والأوّل أقرب .

(ما ليس فيه) من تحريف ألفاظه، أو تغيير أحكامه . والثاني أنسب بقوله : (ووُجِّه على الأهواء ).

التوجيه الإرسال، وصرف الوجه . والمراد هنا التأويل والتفسير .

ص: 408


1- .المنافقون (63) : 8
2- .في النسخة : «الجمع»
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 40 (زمر)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 403 (شمل)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 228 (خلق)

(ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء ) .

في بعض النسخ: «الإناء» بدل «الماء»، وهو أظهر . يقال : كفأت الإناء _ بهمز اللام _ وأكفأته، إذا كَبَبْته وقلبته، فانكفأ .

ولعلّ المراد بالانكفاء هنا صيرورة الدين، وكونه بحيث بقي اسمه وضاع رسمه وما فيه من الأحكام، كالإناء المقلوب ، ويُراد به الرجوع والتغيّر عن حالته الأصليّة .

قال الفيروزآبادي : «انكفأ: رجع، ولونه: تغيّر» (1).

(ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ) .

لعلّ المراد بأهل الباطل حكّام الجور وسلاطينهم ، وبأهل الحقّ العلماء الراسخون ، وبالاستعلاء استيلاؤهم، وجريان أحكامهم عليهم .

(ورأيت الشرّ ظاهرا) لا يُخفى.

(ولا يُنهى عنه) ؛ إمّا لعدم علمهم بقبح الشرّ والفسوق؛ لغاية جهلهم، أو وجود العالم به مع قدرته، أو عدم اعتنائه بشعائر الدين، وعدم ارتكابه بالنهي عن المنكر .

(ويُعذَر أصحابه) ؛ على بناء المجهول، والضمير للشرّ، أي يعدّون أصحاب الشرّ معذورين فيما هم فيه من الفسق والفساد .

(ورأيت الفسق قد ظهر) .

الفسق، بالكسر: الترك لأمر اللّه ، والعصيان، والخروج عن طريق الحقّ، أو الفجور ، كذا في القاموس(2).

وفيه: «الفجر : الانبعاث في المعاصي، والزنا، وفجر: فسق، وكذب، وكذّب، وعصى، وخالف» (3).

وأقول : لعلّ العطف للتفسير، أو يُراد بالشرّ بعض تلك المعاني، وبالفسق بعض آخر .

(واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء) كناية عن اللواط والسحق .

(ورأيت المؤمن صامتاً لا يُقبل قوله) يعني أنّ صمته لعدم قبول قوله.

ص: 409


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 26 (كفأ)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 276 (فسق)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 107 (فجر)

(ورأيت الفاسق يكذب ولا يردّ عليه كذبه وفِرْيَته) ؛ إمّا لعدم العالم بقبحهما، أو وجوده وعدم اعتنائه بهما، أو عدم قدرته كما ذكرنا آنفاً.

وفي القاموس: «الفرية: الكذب»(1).

وفي الصحاح: «افتراه: اختلقه ، والاسم الفرية»(2).

فالعطف إمّا للتفسير، أو من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ .

(ورأيت الصغير يستحقر الكبير) .

في بعض النسخ: «بالكبير» .

وفي بعضها: «يحقّر الكبير» .

قال الجوهري : «استحقره: استصغره، وحقّره: صغّره» (3).

(ورأيت الأرحام قد تقطّعت) أي تبدّدت، وتفرّقت .

والتقطّع: صيرورة الشيء قِطعة قِطعة ، والتقطّع أيضاً : المخالفة ، فالفعل على الأوّل على صيغة المعلوم، وعلى الثاني على صيغة المجهول .

(ورأيت من يَمتدح بالفسق يَضحَك منه ولا يردّ [عليه] قوله) .

«يمتدح» و«يضحك» على بناء المجهول ، ويحتمل كونهما على بناء المعلوم، والمستتر في الثاني راجعاً إلى «من يمتدح» .

قال الفيروزآبادي : «مدحه _ كمنعه _ مَدْحاً: أحسنَ الثناء عليه، كامتدحه» (4).

(ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة) .

قيل : فيه إشارة إلى فساد المفعول وذمّه، وفي السابق إلى فساد الفاعل وذمّه، فلا تكرار (5).

(ورأيت النساء يتزوّجن النساء) .

قيل : كأنّ المراد به تزويج الخُنثى بالخُنثى، أو بالمرأة ، وإن اُريد بالتزويج المساحقة مع بُعده لزم التكرار (6)..

أقول : يمكن أن يتكلّف فيه، ويحمل على ما حمل عليه الفقرة السابقة .

ص: 410


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 373 (فري)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2454 (فري)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 635 (حقر)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 248 (مدح) مع اختلاف يسير
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295

(ورأيت الثناء قد كثُر) يعني ثناء الناس بعضهم بعضاً لغرضٍ من الأغراض، أو مطلقاً .

قال الجوهري : «أثنى عليه خيراً، والاسم الثناء » (1).

وقيل: الثناء: وصف بمدحٍ، أو ذمٍّ ، وكثيراً ما يخصّ الأوّل .

وقيل : هو من توابع الفساد في القوّة الشهويّة، وميل النفس الأمّارة إلى الدنيا، وغلبتها على القوّة العقليّة الحاكمة بأنّ المستحقّ للثناء إلّا اللّه (2).

وفي بعض النسخ: «البناء» بالباء الموحّدة والنون، وهو بالكسر: المبنيّ، ونقيض الهدم .

ولعلّ المراد بكثرته الزائد على قدر الحاجة كمّا وكيفا .

(ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة اللّه فلا يُنهى ولا يؤخذ على يديه) .

المراد بالنهي [النهي] عن حدّ الإسراف ، وبأخذ يديه حجره من التصرّف في ماله، وإجراء أحكام الفجور عليه إن لم ينَتْهِ بالنهي .

(ورأيت الناطر يتعوّذ باللّه ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد) .

«من» بيان للموصول ، والمراد بالاجتهاد الكدّ والسعي في العلم والعمل في الطاعات والقربات ، وينبغي لمن نظر إليه التأسّي به، فإذا تعوّذ من عمله فقد عدّ الخير شرّاً، وبالعكس ، ذلك في حدّ الكفر باللّه وبما جاء به رسله .

(ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع) أي من يمنعه من إيذاء الجار .

(ورأيت الكافر فرحاً) لما في بعض النسخ (لما يرى في المؤمن) من المشقّة والعناء (مرحاً) لما في بعض النسخ (لما يرى في الأرض من الفساد) .

في القاموس: «الفَرَح، محرّكة: السرور، والبَطَر.

فَرِحَ فهو فَرِحٌ» (3).

وفيه: «مَرحَ، كفَرَحَ: أشِرَ، وبَطِرَ، واختال، ونَشِطَ، وتبختر، وهو مَرِحٌ» (4).

وقال الجوهري : «المَرَحُ: شدّة الفرح والنشاط »(5).

والمقصود شماتة الكفّار لما يرون في المؤمنين من سوء الحال، وتفرقة البال، وتبدّد (6). النظام والأحوال .

ص: 411


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295
2- الصحاح ، ج 6 . ص 2296 (ثني)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 239 (فرح)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 248 (مرح)
5- الصحاح، ج 1 ، ص 404 (مرح)
6- .التبدّد : التفرّق ، والتبديد : التفريق . اُنظر : كتاب العين ، ج 8 ، ص 14 ؛ لسان العرب ، ج 3 ، ص 78 (بدد)

وقيل : المراد بالفساد إمّا الفساد الناشي من الكفر ؛ لكون الحاكم العادل مقهوراً بسبب عدم الناصر له، أو الفساد الناشي من أهل الإسلام. وفيه على التقديرين إشارة إلى ضعف الدين وذمّ المسلمين (1).

(ورأيت الخُمور تُشرب عَلانيّةً، ويجتمع عليها من لا يخاف اللّه عزّ وجلّ) .

في القاموس: «الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عامّ، كالخمرة، وقد يذكّر» (2).

وأقول: شرب الخمر وإن كان حراماً مطلقاً، سرّاً وعلانيّةً، مجتمعاً ومنفرداً، إلّا أنّ الإعلان بها والاجتماع عليها أقبح؛ لما فيها من مهانة الدين، وتحقير حدود اللّه ، وترويج معاصيه .

(ورأيت الآمِرَ بالمعروف ذليلاً) ؛ لردّ أمره، وعدم العمل بمقتضاه .

(ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ اللّه قويّاً محموداً) .

الظاهر أنّ الجارّ متعلّق بالقوّة والحمد، وتعلّقه بالفسق بعيد .

(ورأيت أصحاب الآيات يحتقرون) (3). على البناء للمفعول .

وكذا قوله : (ويُحتقر مَنْ يحبّهم) .

في بعض النسخ: «يُحقّرون»، ولعلّ المراد بهم أهل العلم والحكمة، أو أصحاب الأئمّة؛ فإنّهم عليهم السلام آيات اللّه الكبرى .

وقيل : أصحاب العلامات والمعجزات، أو القرّاء والمفسِّرون .

وفي بعض النسخ: «أصحاب الآثار» ، ولعلّ المراد بهم المحدِّثون (4).

(ورأيت سبيل الخير مُنقطعاً، وسبيل الشرّ مَسلوكاً) .

قيل : الخير كلّ ما طلبه الشارع ، والشرّ كلّ ما أنكره ، وترك سبيل الأوّل، وسلوك سبيل الثاني أعمّ من أن يكون مع العلم والجهل ومع الإقرار والإنكار؛ إذ فيه أيضاً قلب حكم الشارع وأمره (5).

(ورأيت بيت اللّه قد عُطّل ، ويُؤمر بتركه) .

المراد ببيت اللّه الكعبة، وبتعطيله ترك مناسكه مطلقاً، أو على الوجه المقرّر ، ولا يبعد

ص: 412


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 295
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 23 (خمر)
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «يُحقّرون»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 85
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 296

تعميم بيت اللّه بحيث يشمل المساجد أيضاً .

(ورأيت الرجال يتسمّنون للرجال، والنساء للنساء) أي يستعملون الأودية والأغذية للسمن؛ ليتعشّق بهم، ويعمل معهم القبيح .

قال الجوهري : «السمين: خلاف المهزول ، وقد سَمُنَ سَمِنَاً، فهو سمين، وتسمّن مثله» (1).

وقال الجزري: فيه : «يكون في آخر الزمان قوم يتسمّنون» ؛ أي يتكثّرون بما ليس فيهم، ويدّعون ما ليس لهم من الشرف . وقيل : أراد جمعهم الأموال . وقيل : يحبّون التوسّع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن . ومنه الحديث الآخر : «ويظهر فيهم السمن» .

وفيه : «ويلٌ للمسمّنات يوم القيامة من فترة في العظام» ؛ أي اللاتي يستعملن السُّمنة، وهي دواء يتسمّن به النساء» (2).

(ورأيت الرجل معيشته من دبره، ومعيشة المرأة من فرجها) .

قيل : قد أشار هنا إلى خبث بعض الأزمنة من جهة الاكتساب بهذا العمل ، وفي السابق إلى خبثه من جهة هذا العمل، فلا تكرار(3).

وقال الفيروزآبادي: العيش: الحياة، عاش يعيش عَيشاً ومعاشاً ومعيشَةً ، والمعيشة: التي تعيش بها من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة، وما يُعاش به أو فيه(4).

(ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال) .

قيل : ينبغي للنساء أن يسكن أحفظ بيت من بيوتهنّ، ولا يخرجن منه، كما قال تعالى : «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» (5). ؛ فإنّ في خروجهنّ مفاسد كثيرة، خصوصاً إذا اتّخذن المجالس معهنّ، أو مع الرجال؛ فإنّ الصالحات منهنّ قلّ ما تتخلّص من الفساد، فضلاً عن الفاجرات ، ولذلك كان أهل العزّة والصلاح يمنعون الأجنبيّات عن الدخول على نسائهنّ (6).

ص: 413


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 296
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2138 (سمن)
3- النهاية ، ج 2 ، ص 405 (سمن)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 280 (عيش)
5- .الأحزاب (33) : 33
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 296 و297

(ورأيت التأنيث في وُلد العبّاس قد ظهر) .

التأنيث: خلاف التذكير .

وفي القاموس: «أَنَّثت له، وتأنّثت: لِنتَ »(1).

وقيل : المراد به هنا عمل الأمرد والرجل ما تعمله النساء للرجال، وترغيبهم إلى أنفسهنّ ، وقد أشار إلى بعض منه بقوله : (وأظهروا الخضاب) في الأيدي والأرجل لقصد الزينة، وميل الرجال إليهم؛ فإنّ خضاب الشعر مستحبّ ممدوح للرجال لقصد السنّة (2).

وفي بعض الأخبار ما يدلّ على كراهة خضاب اليد للرجال .

وفي القاموس: «الخِضاب، ككتاب: ما يختضب به» (3).

(وامتشطوا) أي رجّلوا الغدائر (كما تمتشط المرأة لزوجها).

في بعض النسخ: «كامتشاط المرأة» .

ولعلّ ذكر ولد العبّاس للتمثيل، أو لغرض آخر، أو لبيان الواقع؛ فإنّ هذا الفعل مذموم مطلقاً، ومن يصنع به فهو مثلهم .

(وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم) .

قيل : أي أعطى ولد العبّاس الناس أموالاً ليطؤوهم ، على أن يكون «أعطوا» مبنيّاً للفاعل، وضمير الجمع راجعاً إلى ولد عبّاس ، والرجال بالنصب مفعوله ؛ أي المراد أنّهم يعطون السلاطين والحكّام الأموال لأجل فروجهم، أو فروج نسائهم للتديّث .

ويمكن أن يقرأ «الرجال» بالرفع، و«أعطوا» على المعلوم، أو المجهول، من قبيل «أكلوني البراغيث» ، والأوّل أظهر (4). انتهى .

ويحتمل أن يكون المراد إعطاء الفاعل المفعول لتمكينه على ما أراد منه .

(وتُنوفِس في الرجل، وتغاير عليه الرجال) .

قيل : الظاهر أنّ «في الرجل» قائم مقام الفاعل، وأنّ ضمير «عليه» راجع إليه، أي رُغِب في الرجل، وهو مرغوبٌ فيه لنوع من الحسن والجمال ، وتغاير عليه الرجال حسداً كما تغاير النساء على ضرّتهنّ عند إرادة الزوج لها .

ص: 414


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 161 (أنث)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 297
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 62 (خضب)
4- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 86

وقال : التغاير من الغيرة، وهي الحميّة والأنفة (1). ، انتهى .

وفي القاموس: «نافس فيه: رَغِبَ على وجه المباراة في الكرم، كتنافس» (2).

وفيه:

غار على امرأته، وهي عليه، تَغارُ غَيْرَةً وغَيْراً وغاراً وغِياراً، فهو غَيْرانٌ، من غِيارى وغَيارى وغَيُورٌ، من غُيُر بضمّتين، وهي غيري من غيارى، وغيور من غير (3).

وأقول : يحتمل أن يكون «تغاير» من المغايرة، بمعنى المعاوضة والمبادلة ؛ يعني يعطي بعضهم بعضاً المالَ لئلّا يُزاحمه في مطلوبه .

ويحتمل أيضاً كونه من المتغاير، بمعنى التباين والتعادي .

(وكان صاحب المال أعزَّ من المؤمن) باعتبار ترجيح المال على الإيمان .

(وكان الربا ظاهراً لا يُعيّر) على صيغة المجهول، من التعيير، وهو اللؤم والتوبيخ.

والمقصود ترك تَعْيير صاحبه (4).

(ورأيت المرأة تُصانع زوجها على نكاح الرجال) .

في القاموس: «المصانعة: الرشوة، والمداراة، والمداهنة» (5).

قيل : لعلّ المراد أنّها تعطيه مالاً ليرضى به على زنائها (6).

وقيل : المراد إمّا المصانعة لترك الرجال، أو للاشتغال بهم لتشتغل هي بالنساء (7).

(ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يُساعِد النساء على فسقهنّ) .

«خير بيت» معطوف على أكثر الناس، والموصول مفعول ثانٍ ل «رأيت» .

والمراد بخيريّة البيت خيريّته بحسب تعارف أهل ذلك الزمان ، والمراد بمساعدتهنّ على الفسق المسامحة معهنّ فيه، أو ترغيبهنّ عليه، أو بإذنهنّ على الخروج والبروز والصحبة مع الرجال، والميل إلى المَلاهي .

(ورأيت المؤمن محزوناً) ؛ لما رأى من كساد الدين وأهله .

ص: 415


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 297
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 86
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 255 (نفس)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 106 (غير)
5- هذا ، وقرأه المحقّق المازندراني رحمه الله : «لا يغيّر» بالغين المعجمة ، ثمّ قال بأنّه هو الأظهر
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 53 (صنع)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 297

(مُحتقَرا) بفتح القاف .

(ذليلاً) ؛ لغلبة أعداء الدين وعزّتهم وشوكتهم .

(ورأيت البدع والزنا قد ظهر) أي فشا وشاع وذاع .

(ورأيت الناس يعتدون) بتخفيف الدال، من الاعتداء ، وهو التجاوز عن الحدّ، والخروج عن الوضع الشرعي ، أو بتشديدها من الاعتداد، وهو الاعتماد .

ويؤيّد الثاني ما وقع في بعض النسخ: «يعتمدون». وفي بعضها: «يقتدون» بالقاف . وفي بعضها: «يشهدون بشهادة الزور» . [و] في بعض النسخ: «بشاهد الزور».

قال الجزري : «الزور: الكذب، والباطل، والتهمة» (1).

(ورأيت الليل لا يُستخفى [به] من الجرأة على اللّه ) .

قيل : يعني يبارزون بالمعاصي نهاراً، لا ينتظرون مجيء الليل؛ ليستخفّوا به ويستتروا (2).

وقيل : أي لا يترك الميل بسبب الجرأة على اللّه بالزنا والقتل والنهب والسرقة ونحوها .

يُقال : استخفى من الشيء، إذا استتر وتوارى عنه بالبُعد والفرار عنه ، والغرض الأصلي من تقدير الليل وخَلْقِه السكون عن الحركات والأفعال الموافقة للقوانين الشرعيّة وغيرها، فكما أنّ من ارتكب الاُولى كان في غاية الحرص في الدنيا، كذلك من ارتكب الثانية كان في نهاية الشقاوة والجرأة على اللّه (3).

(ورأيت الوُلاة يَرتشون في الحكم) أي يأخذون الرشوة لأجل الحكومة والقضاء .

في القاموس: «الرشوة، مثلّثة: الجُعل، ورشاه: أعطاه إيّاها، وارتشى: أخذها» (4).

(ورأيت الولاية قُبالة لمن زاد) . في بعض النسخ: «لمن أراد».

الولاية، بالكسر: الإمارة، والسلطان . وقيل: القبالة، بالفتح: مصدر بمعنى الكفالة والضمان، ثمّ صار إسماً لما يتقبّله العامل من المال (5).

وقال الفيروزآبادي : «القبيل: الكفيل، والعريف، والضامن ، وقد قَبَل به _ كنصر وسمع

ص: 416


1- النهاية ، ج 2 ، ص 318 (زور)
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 458
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 298
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 334 (رشو)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299

وضرب _ قَبالة، وقبّلت العاملَ العَمَل تقبّلاً نادر، والاسم: القَبالة» (1) . انتهى .

وحمل القبالة على الولاية من قبيل حمل السبب على مسبّبه؛ للمبالغة في السببيّة ، وحاصل المعنى أنّهم يزيدون المال، ويأخذون الولايات .

(ورأيت ذوات الأرحام يُنكَحن، ويُكتفى بهنّ) ولا يُراد غيرهنّ من المحلّلات .

الظاهر أنّ النكاح أعمّ من الوطئ والعقد، مع العلم بالتحريم وعدمه وعدم الاعتقاد بالتحريم أصلاً .

(ورأيت الرجل يُقتل على التُّهَمة وعلى الظِّنّة) .

في بعض النسخ: «وعلى المظنّة». في القاموس: «الوَهْم: من خطرات القلب، أو مرجوح طرفي المتردّد فيه ، والتُّهَمة، كهمزة: ما يتّهم عليه»(2) .

وقال الجوهري : «اتّهمت فلاناً بكذا، والاسم: التُّهَمَةُ بالتحريك، وأصل التاء فيه واو»(3) . انتهى .

وقيل : قد تُطلق التهمة على الظنّ أيضاً (4). وفي القاموس: «الظِّنّة، بالكسر: التُّهَمة، ومَظِنّة الشيء، بكسر الظاء: موضع يظنّ فيه وجوده» (5).

(ويتغاير على الرجل الذكر، فيبذل له نفسه وماله) .

الظاهر أنّ «يتغاير» على البناء للفاعل، عطف على «يقتل»، والمستتر فيه راجع إلى «الرجل» ، و«على» تعليليّة.

و«الذكر» بالجرّ صفة الرجل، وضمير «له» راجع إليه، وضمير «نفسه» و«ماله» إلى الرجل المتغاير ، ومعنى التغاير مرَّ آنفاً .

وقال بعض الشارحين : «الذكر» مفعول «يتغاير»، أي ورأيت الرجل يتغاير الذكرَ على رجل، فيبذل لذلك الرجل نفسه وماله ويفديهما له ، والحاصل أنّهما يتغايران عليه، ويريد كلّ واحد انفراده به .

انتهى (6) ؛ فتأمّل .

ص: 417


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 34 (قبل)
2- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 187 (وهم) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2054 (وهم)
4- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 245 (ظنن)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299

(ورأيت الرجل يُعيَّر على إتيان النساء) أي يوبّخ ويُلام على مباشرتهنّ، ويُمدح على إتيان الرجال . و«يعيّر» على صيغة المجهول، وكونه على المعلوم احتمال لكن يحتاج إلى تقدير مفعول ؛ أي يُعيِّر غيرَه .

(ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور) ؛ هو الانبعاث في المعاصي والزنا .

(يعلم ذلك ويُقيم عليه) أي يُصرّ على الأكل من ذلك الكسب مع علمه به .

(ورأيت المرأة تقهر زوجها) أي تغلبه على ما أرادته .

(وتعمل ما لا يشتهى) من الزنا وغيره ممّا ينهى عنه .

(وتنفق على زوجها) ؛ ليرضى على ما تفعله .

(ورأيت الرجل يُكري امرأته وجاريته) .

في القاموس: «الكِروة والكِرا، بكسرهما: اُجرة المستأجر، كاراه مكاراة وكِراء واكتراه، وأكراني دابَّته» (1).

قيل : إن اُريد به إكراء البضع، فهو والرضا به والأكل منه حرام ، وإن اُريد به إكراء العمل فهو من خلاف المروّة الذي لا يرضى به أهل الدين والشرف (2).

(ويرضى بالدنيّ من الطعام والشراب) .

لعلّ دنائته باعتبار كونه من الكسب الحرام، أو الرضا بالدنيّ الحقير منهما للبخل من الزائد .

(ورأيت الأيمان باللّه _ عزّ وجلّ _ كثيرة على الزور) .

الأيمان: جمع اليمين، بمعنى القَسَم، وهو إذا كان كاذباً وإن كان حراماً مطلقاً، إلّا أنّ الإكثار منه أقبح وأشنع .

(ورأيت القمار قد ظهر) .

القِمار _ بالكسر _ والمقامرة: المراهنة المُحرَّمة .

(ورأيت الشراب يُباع ظاهراً ليس له مانع) يمنعه .

والشراب، بالفتح: ما يشرب ، والمراد هنا الأشربة المسكرة والمحرّمة .

(ورأيت النساء) أي المسلمات منهنّ (يَبذلن أنفسهنّ لأهل الكفر) يعني من ليس بمسلم ،

ص: 418


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 382 (كري)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 299 و300

وأمّا المسلم ففيه تفصيل في كتب الفروع .

والبَذل: العطاء، أعمّ من أن يكون بالعقد، أو بغيره بالاُجرة أو بغيرها .

(ورأيت المَلاهي قد ظهرت) .

اللَّهو: اللّعب ، والملاهي: آلاته كالدفّ والزِّمار والطنبور وأمثالها .

وقيل : قد تُطلق الملاهي على أنواع اللّهو (1).

(يُمَرُّ بها) على بناء المجهول، أو المعلوم، وفاعله المارّ المفهوم من السياق، أو «أحد» على سبيل التنازع .

(لا يمنعها أحد أحداً، ولا يجترئ) من الجرأة (أحد على منعها) أي منع تلك الملاهي، والمقصود صاحبها .

(ورأيت الشريف) .

الشرف: العلوّ، والمكان العالي، والمَجْد، وعلوّ الحسب . والمراد بالشريف هنا المؤمن، أو العالم منه، أو الصالح، أو العابد .

(يستذلّه الذي يُخاف سلطانه) .

في القاموس: «استذلّه: رآه ذليلاً» (2) . وفي الصحاح: «أذلّه، واستذلّه بمعنى» (3).

الموصول فاعل «يستذلّه» ، و«يخاف» على بناء المجهول ، و«سلطانه» قائم مقام فاعله ، وضميره للموصول. أو على بناء المعلوم ، والمستتر فيه راجع إلى «الشريف»، و«سلطانه» مفعوله، والضمير المجرور للموصول أيضاً ، وفيه احتمال آخر يظهر لمن تأمّل ، وهو أن يكون «يخاف» على بناء الفاعل ، وفاعله المستتر راجع إلى الموصول ، و«سلطانه» مفعوله ، وضميره راجع إلى «الشريف» .

(ورأيت أقرب الناس) أي أعزّهم وأكرمهم .

(من الولاة) أي حكّام الجور .

(من يمتدح) على صيغة المجهول، أو المعلوم ، وقد سبق مثله .

(بشتمنا أهل البيت) . الشتم: السبّ .

ص: 419


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 300
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 379 (ذلل)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1702 (ذلل)

(ورأيت من يحبّنا يُزوّر) على البناء للمفعول، من التزوير ، وهو تزيين الكذب، أي ينسب إلى الزور ، والكذب، والافتراء .

قال الفيروزآبادي : «زوّر : زيّن الكذب، والشهادة: أبطلها، ونفسه ، وسمّها بالزور» (1).

(ولا تقبل شهادته)، كما هو المتعارف عند أهل الخلاف من ردّ شهادة الرافضة .

(ورأيت الزور) أي الكذب والباطل والتّهمة (من القول يُتَنافس فيه) أي يرغب فيه، ويعتقد به كالفقهاء الأربعة ومقلّديهم؛ فإنّهم يرغبون إلى القول بالرأي والتظنّي والاستحسان والقياس ، وكالجَهَلة من عوام الناس عموماً؛ فإنّ طبائعهم مائلة كلّ الميل إلى نقل الأقوال الكاذبة واستماعها .

(ورأيت القرآن قد ثَقُلَ على الناس استماعه) ؛ لعدم رغبتهم فيه .

(وخفّ على الناس استماع الباطل) ؛ لكمال رغبتهم فيه .

وقيل : من البيّن أنّ كلّ ما تعجز النفس عن إدراكه، فهو ثقيل عليها، وكلّ ما تدركه بسهولة، فهو خفيف عليها، فإذا ذهب العلم والعلماء، وبقي الجهل والجهلاء كان استماع القرآن عليهم ثقيلاً، واستماع الباطل خفيفاً (2).

(ورأيت الجار يكرم الجار خوفاً من لسانه) .

الظاهر أن يُراد بالجار المجاور مطلقاً، فيشمل الجليس والمصاحب أيضاً، وأنّ الذمّ راجع إلى الجار الثاني لا الأوّل ؛ لقبح لسانه .

وقيل : يحتمل رجوعه إلى الجار الأوّل، باعتبار أنّ صدور الإكرام منه بسبب الخوف فقط لا بدونه ، أو إليهما جميعاً (3).

(ورأيت الحدود قد عُطِّلت، وعُمل فيها بالأهواء) .

الحدّ : تمييز الشيء عن الشيء، وبيان منتهى الشيء، وحدود اللّه ما حدّه وشرّعه .

والتعطيل: الإهمال والترك .

(ورأيت المساجد قد زُخرِفت) .

الزَّخْرفَة: النقش بالذهب، أو مطلقاً، كما قيل .

ص: 420


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 42 (زور)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301

وقيل : ظاهر كثير من الأصحاب أنّ تذهيب المساجد مطلقاً، وإن لم يكن بالنقش والتصوير ؛ والنقش مطلقاً، وإن لم يكن بالتذهيب والتصوير ؛ والتصوير مطلقاً، وإن لم يكن بالذهب وصورة حيوانٍ حرام، والاحتياط ظاهر (1).

(ورأيت أصدق الناس [عند الناس] المفتري الكذب) .

الكذب، بالكسر وككتف: مصدر، بمعنى اسم الفاعل، صفة للمفتري، أو مفعوله، والتركيب من قبيل ضارب الرجل .

(ورأيت الشرّ قد ظهر) أي شاع .

وقوله : (والسعي بالنميمة) عطف على الشرّ .

قال الفيروزآبادي : «النمّ: التوريش، والإغراء، ورفع الحديث إشاعة له وإفسادا وتزيين الكلام بالكذب .

نَمّ يَنُمّ ويَنِمُّ، فهو نَمُوم ونمّام، والاسم: النميمة (2).

وقيل : أشار عليه السلام هنا إلى فساد أهل الزمان، باعتبار ظهور الشرّ بينهم، وأشار فيما سبق بقوله : «وإذا رأيت الشرّ ظاهرا» إلى فسادهم باعتبار عدم النهي عنه، فلا تكرار (3).

(ورأيت البغي قد فشا) أي شاع .

والبغي: العلوّ، والعدول عن الحقّ، والاستطالة في المشي، والتجاوز عن الحدود الشرعيّة، والظلم، والخروج عن طاعة الإمام العادل ، ومنه: الفئة الباغية .

(ورأيت الغيبة تُستملح) أي تعدّ مَليحةً حسنةً مرغوبة .

قال الجوهري : اغتابه اغتياباً، إذا وقع فيه، والاسم: الغيبةُ، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فإن كان صدقاً سُمّي غيبة، وإن كان كذباً سمّي بهتاناً .

4 وقال الفيروزآبادي : «غابه: عابه، وذكره بما فيه من السوء، كاغتابه ، والغيبة : فِعلةٌ منه ،

ص: 421


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 183 (نمم) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 196 (غيب)

تكون حَسَنة أو قبيحة» (1).

(ويبشّر بها الناس بعضهم بعضاً) .

«يبشّر» على بناء الفاعل، من التبشير، أو الإبشار، أو البشارة، أو من البشر بالكسر، وهو طلاقة الوجه.

قيل: تبشير الناس بعضهم بعضاً؛ لئلّا يغفل أخوه الفاسق عن هذه الفضيلة (2).

[(أو غشيان حرام)] غشياناً إذا أتاه ، فيكون تعميماً بعد تخصيص؛ لأنّ الحرام يشمل الكذب وغيره ، وإن يراد بالأوّل الذنوب مطلقاً، وبالثاني الزنا من غشي امرأة إذا جامعها، فيكون من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ .

(كئيباً حزينا) .

قال الفيروزآبادي : «الكأب والكأبة والكآبة: الغمّ، وسوء الحال، والانكسار من حزن، كئب _ كسمع _ فهو كَئِبٌ وكَئيبٌ» (3).

(يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وَضيعة من عمره) أي ساقط ، أو خسارة ؛ لزعمه أنّ ثمرة العمر ولذّته هي تلك الخصال الكريهة .

في القاموس: «ضاع يَضيع ضَيْعاً _ ويكسر _ وضَيْعَةً وضياعاً: هلك، وتلف، والشيء: صار مُهمَلاً» (4).

(ورأيت السلطان يحتكر الطعام) أي يحبسه يتربّص به الغَلاء .

(ورأيت أموال ذوي القُربى) من الخمس والأنفال ونحوهما (تُقسم في الزور) ؛ أي في الظلم والباطل والكذب .

(ويُتَقامر بها) .

التقامر: المراهنة المحرّمة، وهو القِمار .

(وتُشرب بها الخُمور) أي تُصرف تلك الأموال في شرب المسكرات .

(ورأيت الخمر يُتداوى بها، وتوصف) نفعها (للمريض، ويُستشفى بها).

هذا صريح في أنّ التداوي بالخمر حرام، وأنّه لا يجوز للمريض الاستشفاء بها، وإن

ص: 422


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 301
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 112 (غيب)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 120 (كأب)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 58 (ضيع)

حكم الطبيب الحاذق بأنّ فيها شفاء مرضه، أو علاجه منحصر فيها، وأنّ التداوي بها لا يجوز شرباً وأكلاً وشمّاً، مفرداً ولا مركّباً ، ويؤيّد هذه الرواية روايات اُخر .

(ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق دائمة) (1).

في بعض النسخ: «قائمة».

يُقال: نفق في الدين، إذا ستر كفره، وأظهر إسلامه ، والعطف للتفسير ، أو يُراد بالأوّل المتبوعين، وبالثاني التابعين، أو بالعكس .

(ورياح أهل الحقّ لا تحرّك) أي لا تتحرّك .

في القاموس: «الريح: معروف، جمعه أرواح ورياح وأرياح، والغلبة، والقوّة، والرحمة، والنصرة، والدولة» (2). انتهى .

وقيل : دوام رياح المنافقين أو قيامها كناية عن انتظار أمرهم، ونفاق نفاقهم ، ونظيره عدم تحرّك رياح أهل الحقّ، فهو كناية عن تشويش أمرهم وكساد حقّهم (3).

وقيل : شبّه الغَلبة والنصرة والقوّة والدولة بالريح، واستعار لفظه، والوجه انتشارها، وسرعة سيرها في الأقطار، ورشّحها بذكر الحركة (4).

(ورأيت الأذان بالأجر، والصلاة بالأجر) أي الصلاة مع الناس، أو بالناس.

والمشهور جواز الارتزاق من بيت المال مع الحاجة وعدم الشرط.

(ورأيت المساجد مُحتشية) ؛ أي ممتلئة ، وأصله من احتشاء الحائض بالكرسف، ففيه إيماء لطيف .

(ممّن لا يخاف اللّه ) .

عرّف بعضهم الخوف بأنّه كيفيّة نفسانيّة مانعة عن ارتكاب القبائح (5).

(مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحقّ) بالغيبة أو بغيرها أيضاً من أنواع الأذى والتوطئة لمقدّماتها .

(ويتواصفون فيها) أي يصف بعضهم لبعض .

(شراب المسكر) بتخفيف الراء؛ والإضافة بيانيّة، أي يذكرون فيها أوصافه وكيفيّته

ص: 423


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 458
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «قائمة»
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 224 (روح)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 307
5- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 308

وفوائده ونشاطه ونحو ذلك من المرغّبات.

أو بتشديدها ، والإضافة لاميّة، أي يصفون شاربه ويمدحونه .

وفي بعض النسخ: «ويتواضعون فيها» ، وكان المقصود أنّهم يتواضعون لشاربي المسكر، أو لأجل تحصيل الشراب من مظانّه، ولعلّه تصحيف .

(ورأيت السَّكران يُصلّي بالناس، وهو لا يعقل ولا يشان بالسُّكر) .

في القاموس: «سَكِر _ كفرح _ سُكراً وسَكْراً وسَكَراً: نقيض صَحا، فهو سَكِرٌ وسَكْران ، والسَّكَر، محرّكة: الخمر، ونبيذ يتّخذ من التمر»(1).

ومعنى قوله عليه السلام : «لا يُشان» لا يُعاب، من الشين، وهو العيب .

وقيل : يحتمل أن يكون من الشأن بالهمزة، بمعنى القصد ؛ أي لا يقصد لأن ينهى عنه (2).

قال الفيروزآبادي : «شَأنَ شأنه: قصد قصده» (3).

أقول : ويحتمل كونه من قولهم: ما شَأنَ شأنَهُ، كمنع، أي ما شَعَرَ به ، أو لم يكترث ولم مال له، فعلى الأوّلين «يشان» على بناء المفعول، وعلى الأخير يحتمل بناء الفاعل أيضاً .

(وإذا سَكِر اُكرِم واتّقُي) على بناء المفعول فيهما .

(وخيف وتُرك لا يُعاقب ويُعذَرُ بسكره) .

«يعذر» بتخفيف الذال، عطف على «لا يعاقب»، أي يقبل عذره .

وفيه توبيخ ولؤم لأهل الدين حيث يكرمونه ويعظّمونه ويتّقون ويخافون منه، ويتركون نهيه وزجره وعقوبته وإقامة الحدّ عليه .

(يحدّث بصلاحه) من التحديث، أي ينقل حديث صلاحه، ويذكر في المحافل .

(ورأيت الوُلاةَ يأتمنون الخَوَنَة للطمع) في بعض النسخ: «الخانة».

في القاموس: «الخَوْن: أن يُؤْتَمَن الإنسان فلا ينصح، خانه خَوناً وخيانة وخانة ومخانة، فهو خائن وخَؤون وخَوّان، الجمع: خانَةٌ وخَوَنَةٌ وخوّان » (4). انتهى .

وقيل : الخائن هو الذي يأخذ من المظلوم، ويعطي الوالي الطامع، ويبيع آخرته

ص: 424


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 50 (سكر)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 90
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 238 (شأن)
4- . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 220 (خون)

بالدنيا لغيره (1).

(ورأيت الميراث قد وضعته الولاة ) أي قرّرته (لأهل الفسوق).

في بعض النسخ: «الفسق» .

(والجرأة على اللّه ) عطف على الفسوق.

والجرأة، مثال الجرعة: الشجاعة ، والمقصود منها في أمثال هذه المواضع التهوّر، وهو الوقوع في الشيء بقلّة مبالاة .

(يأخذون منهم) الرشوة .

(ويخلّونهم وما يشتهون) .

هذه الفقرة بيان لوضع الميراث لأهل الفسوق .

(ورأيت الصدقة بالشفاعة) أي لا يعطون الصدقة إلّا من كان له شفيع، فيعطونها لأجل الشفاعة (لا يُراد بها وجه اللّه ) .

ويحتمل أن يُراد بالشفاعة سؤال الناس وإبرامهم .

وقوله : (وتعطى لطلب الناس) بيان للسابق ، أو يُراد الناس المعروفين منهم، الذين يستحون من ردّ قولهم، ويوجب قبوله التقرّب والإعزاز عندهم .

(ورأيت الناس همّتهم) . في بعض النسخ: «همّهم» .

(بطونهم وفروجهم) .

وبيّن ذلك بقوله : (لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا) أي من حلالٍ أو حرام .

(ورأيت أعلام الحقّ قد درست) .

العَلَم ، محرّكة : العلامة والراية .

وفي القاموس: «درس الرسم دُرُوساً: عفا، ودَرَستْه الريح، لازم متعدٍّ» (2).

وقوله عليه السلام : (فكن على حذر) جواب لقوله : «فإذا رأيت الحقّ قد مات» وما عطف عليه ؛ أي فعند ذلك كُن على حذر من اللّه ، أو من أهل ذلك الزمان ومن أفعالهم وأوضاعهم؛ لئلّا تصير مثلهم .

ص: 425


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 308
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 215 (درس)

(واطلب إلى اللّه _ عزّ وجلّ _ النجاة) من موجبات عقوبته في الدنيا والآخرة .

(واعلم أنّ الناس) أي أهل ذلك الزمان (في سخط اللّه ) بسلوكهم الطرق الموصلة إلى سخطه وغضبه .

(وإنّما يُمهلهم لأمر يُراد بهم) من الرجوع عن المعاصي، أو الاستدراج، أو حكمة اُخرى .

(فكن مترقّباً) .

في بعض النسخ: «مرتقباً» أي منتظراً للفرج، ونزول الرحمة، أو حلول عذاب اللّه بهم ، ولعلّ الثاني أنسب بالسياق .

وقوله : (فإن نزل بهم العذاب) أي الدنيوي (وكنت فيهم) وهلكت معهم، فلا يضرّ بآخرتك ، بل (عجّلت) على صيغة المعلوم من العجل، أو المجهول من التعجيل .

(إلى رحمة اللّه ) وجنّته ونعيمها؛ لأنّه تعالى يجزي هناك كلّاً بعمله .

(وإن اُخّرت ابتلوا) على بناء المفعول أي كانوا مبتلين بعقوبة الدنيا والآخرة .

(وكنت قد خرجت ممّا هم فيه من الجرأة على اللّه ) .

«من» بيان للموصول.

وقوله : (أنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين)؛ قال الجوهري : «قوله تعالى : «إِنَّ رَحْمَةَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ» (1). ، ولم يقل : قريبة؛ لأنّه أراد بالرحمة الإحسان، ولأنّ ما لا يكون تأنيثه حقيقيّاً جاز تذكيره» .

وقال : «المراد : إذا كان القريب في معنى المسافة يذكّر ويُؤنّث، وإذا كان في معنى النسب يؤنّث بلا اختلاف بينهم»(2).

وقال البيضاوي : تذكير قريب؛ لأنّ الرحمة بمعنى الرحم، أو لأنّه صفة محذوف؛ أي أمر قريب، أو على تشبيهه بفعيل الذي بمعنى مفعول، أو الذي هو مصدر كالنقيض، أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره (3).

ص: 426


1- .الأعراف (7) : 56
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 198 (قرب)
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 28

متن الحديث الثامن (حديث موسى عليه السلام )

اشارة

متن الحديث الثامن(حديث موسى عليه السلام )عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسى رَفَعَهُ قَالَ :«إِنَّ مُوسى عليه السلام نَاجَاهُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى، فَقَالَ لَهُ فِي مُنَاجَاتِهِ: يَا مُوسى، لَا يَطُولُ فِي الدُّنْيَا أَمَلُكَ، فَيَقْسُوَ لِذلِكَ قَلْبُكَ، وَقَاسِي الْقَلْبِ مِنِّي بَعِيدٌ.

يَا مُوسى، كُنْ كَمَسَرَّتِي فِيكَ؛ فَإِنَّ مَسَرَّتِي أَنْ أُطَاعَ فَلَا أُعْصى، وَأَمِتْ (1) قَلْبَكَ بِالْخَشْيَةِ، وَكُنْ خَلَقَ الثِّيَابِ، جَدِيدَ الْقَلْبِ، تُخْفى عَلى أَهْلِ الْأَ رْضِ، وَتُعْرَفُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ حِلْسَ الْبُيُوتِ، مِصْبَاحَ اللَّيْلِ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ قُنُوتَ الصَّابِرِينَ، وَصِحْ إِلَيَّ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ صِيَاحَ الْمُذْنِبِ الْهَارِبِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَاسْتَعِنْ بِي عَلى ذلِكَ؛ فَإِنِّي نِعْمَ الْعَوْنُ، وَنِعْمَ الْمُسْتَعَانُ! يَا مُوسى، إِنِّي أَنَا اللّهُ فَوْقَ الْعِبَادِ، وَالْعِبَادُ دُونِي، وَكُلٌّ لِي دَاخِرُونَ، فَاتَّهِمْ نَفْسَكَ عَلى نَفْسِكَ، وَلَا تَأْتَمِنْ وَلَدَكَ عَلى دِينِكَ، إِلَا أَنْ يَكُونَ وَلَدُكَ مِثْلَكَ يُحِبُّ الصَّالِحِينَ.

يَا مُوسَى اغْسِلْ ، وَاغْتَسِلْ، وَاقْتَرِبْ مِنْ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ.

يَا مُوسى، كُنْ إِمَامَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ، وَإِمَامَهُمْ فِيمَا يَتَشَاجَرُونَ، وَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ، فَقَدْ أَنْزَلْتُهُ حُكْماً بَيِّناً، وَبُرْهَاناً نَيِّراً، وَنُوراً يَنْطِقُ بِمَا كَانَ فِي الْأَ وَّلِينَ، وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي الْاخِرِينَ.

أُوصِيكَ يَا مُوسى وَصِيَّةَ الشَّفِيقِ الْمُشْفِقِ بِابْنِ الْبَتُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، صَاحِبِ الْأَ تَانِ وَالْبُرْنُسِ وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ وَالْمِحْرَابِ، وَمِنْ بَعْدِهِ بِصَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَ حْمَرِ، الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ، فَمَثَلُهُ فِي كِتَابِكَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُهَيْمِنٌ عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ رَاكِعٌ سَاجِدٌ، رَاغِبٌ رَاهِبٌ، إِخْوَانُهُ الْمَسَاكِينُ، وَأَنْصَارُهُ قَوْمٌ آخَرُونَ، وَيَكُونُ فِي زَمَانِهِ أَزْلٌ وَزِلْزَالٌ، وَقَتْلٌ وَقِلَّةٌ مِنَ الْمَالِ، اسْمُهُ أَحْمَدُ، مُحَمَّدٌ الْأَ مِينُ مِنَ الْبَاقِينَ، مِنْ ثُلَّةِ الْأَ وَّلِينَ الْمَاضِينَ، يُؤْمِنُ بِالْكُتُبِ كُلِّهَا، وَيُصَدِّقُ جَمِيعَ الْمُرْسَلِينَ، وَيَشْهَدُ بِالْاءِخْلَاصِ لِجَمِيعِ النَّبِيِّينَ، أُمَّتُهُ مَرْحُومَةٌ مُبَارَكَةٌ، مَا بَقُوا فِي الدِّينِ عَلى حَقَائِقِهِ ، لَهُمْ سَاعَاتٌ مُوَقَّتَاتٌ، يُؤَدُّونَ فِيهَا الصَّلَوَاتِ أَدَاءَ الْعَبْدِ إِلى سَيِّدِهِ نَافِلَتَهُ، فَبِهِ فَصَدِّقْ، وَمِنْهَاجَهُ فَاتَّبِعْ؛ فَإِنَّهُ أَخُوكَ .

يَا مُوسى، إِنَّهُ أُمِّيٌّ، وَهُوَ عَبْدٌ صِدْقٌ، يُبَارَكُ لَهُ فِيمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَيُبَارَكُ عَلَيْهِ، كَذلِكَ كَانَ فِي

ص: 427


1- .في النسخة: «فأمت»

عِلْمِي، وَكَذلِكَ خَلَقْتُهُ ، بِهِ أَفْتَحُ السَّاعَةَ، وَبِأُمَّتِهِ أَخْتِمُ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا، فَمُرْ ظَلَمَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يَدْرُسُوا اسْمَهُ، وَلَا يَخْذُلُوهُ، وَإِنَّهُمْ لَفَاعِلُونَ، وَحُبُّهُ لِي حَسَنَةٌ، فَأَنَا مَعَهُ، وَأَنَا مِنْ حِزْبِهِ، وَهُوَ مِنْ حِزْبِي، وَحِزْبُهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَمَّتْ كَلِمَاتِي، لَأُظْهِرَنَّ دِينَهُ عَلَى الْأَ دْيَانِ كُلِّهَا، وَلَأُعْبَدَنَّ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَلَأُنْزِلَنَّ عَلَيْهِ قُرْآناً فُرْقَاناً، شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنْ نَفْثِ الشَّيْطَانِ.

فَصَلِّ عَلَيْهِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ؛ فَإِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتِي.

يَا مُوسى، أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا إِلهُكَ، لَا تَسْتَذِلَّ الْحَقِيرَ الْفَقِيرَ، وَلَا تَغْبِطِ الْغَنِيَّ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، وَكُنْ عِنْدَ ذِكْرِي خَاشِعاً، وَعِنْدَ تِلَاوَتِهِ بِرَحْمَتِي طَامِعاً، وَأَسْمِعْنِي لَذَاذَةَ التَّوْرَاةِ بِصَوْتٍ خَاشِعٍ حَزِينٍ، اطْمَئِنَّ عِنْدَ ذِكْرِي، وَذَكِّرْ بِي مَنْ يَطْمَئِنُّ إِلَيَّ، وَاعْبُدْنِي، وَلَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَتَحَرَّ مَسَرَّتِي، إِنِّي أَنَا السَّيِّدُ الْكَبِيرُ، إِنِّي خَلَقْتُكَ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، مِنْ طِينَةٍ أَخْرَجْتُهَا مِنْ أَرْضٍ ذَلِيلَةٍ مَمْشُوجَةٍ، فَكَانَتْ بَشَراً فَأَنَا صَانِعُهَا خَلْقاً، فَتَبَارَكَ وَجْهِي، وَتَقَدَّسَ صَنِيعِي، لَيْسَ كَمِثْلِي شَيْءٌ، وَأَنَا الْحَيُّ الدَّائِمُ الَّذِي لَا أَزُولُ.

يَا مُوسى، كُنْ إِذَا دَعَوْتَنِي خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلاً، عَفِّرْ وَجْهَكَ لِي فِي التُّرَابِ، (1). وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ، وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْقِيَامِ، وَنَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِلٍ، وَاحْيَ بِتَوْرَاتِي أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَعَلِّمِ الْجُهَّالَ مَحَامِدِي، وَذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَنِعْمَتِي، وَقُلْ لَهُمْ لَا يَتَمَادَوْنَ فِي غَيِّ مَا هُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ أَخْذِي أَلِيمٌ شَدِيدٌ.

يَا مُوسى، إِذَا (2). انْقَطَعَ حَبْلُكَ مِنِّي لَمْ يَتَّصِلْ بِحَبْلِ غَيْرِي، فَاعْبُدْنِي، وَقُمْ بَيْنَ يَدَيَّ مَقَامَ الْعَبْدِ الْحَقِيرِ الْفَقِيرِ (3). ، ذُمَّ نَفْسَكَ، فَهِيَ أَوْلى بِالذَّمِّ، وَلَا تَتَطَاوَلْ بِكِتَابِي عَلى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَفى بِهذَا وَاعِظاً لِقَلْبِكَ وَمُنِيراً، وَهُوَ كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ وَتَعَالى.

يَا مُوسى، مَتى مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، فَإِنِّي سَأَغْفِرُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنْكَ السَّمَاءُ تُسَبِّحُ لِي وَجَلاً، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ مَخَافَتِي مُشْفِقُونَ، وَالْأَ رْضُ تُسَبِّحُ لِي طَمَعاً، وَكُلُّ الْخَلْقِ يُسَبِّحُونَ لِي دَاخِرِينَ (4).

ثُمَّ عَلَيْكَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةِ ؛ فَإِنَّهَا مِنِّي بِمَكَانٍ، وَلَهَا عِنْدِي عَهْدٌ وَثِيقٌ، وَأَلْحِقْ بِهَا مَا هُوَ مِنْهَا زَكَاةَ الْقُرْبَانِ مِنْ طَيِّبِ الْمَالِ وَالطَّعَامِ؛ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ إِلَا الطَّيِّبَ يُرَادُ بِهِ وَجْهِي، وَاقْرُنْ مَعَ ذلِكَ صِلَةَ

ص: 428


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بالتراب»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «إن»
3- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها : - «الفقير»
4- في النسخة: «داخرين»

الْأَ رْحَامِ؛ فَإِنِّي أَنَا اللّهُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وَالرَّحِمُ أَنَا خَلَقْتُهَا فَضْلاً مِنْ رَحْمَتِي لِيَتَعَاطَفَ بِهَا الْعِبَادُ، وَلَهَا عِنْدِي سُلْطَانٌ فِي مَعَادِ الآْخِرَةِ، وَأَنَا قَاطِعُ مَنْ قَطَعَهَا، وَوَاصِلُ مَنْ وَصَلَهَا، وَكَذلِكَ أَفْعَلُ بِمَنْ (1). ضَيَّعَ أَمْرِي.

يَا مُوسى، أَكْرِمِ السَّائِلَ إِذَا أَتَاكَ بِرَدٍّ جَمِيلٍ، أَوْ إِعْطَاءٍ يَسِيرٍ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ مَنْ لَيْسَ بِإِنْسٍ وَلَا جَانٍّ، مَلَائِكَةُ الرَّحْمنِ يَبْلُونَكَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِيمَا أَوْلَيْتُكَ، وَكَيْفَ مُوَاسَاتُكَ فِيمَا خَوَّلْتُكَ؟! وَاخْشَعْ لِي بِالتَّضَرُّعِ، وَاهْتِفْ [لِي] بِوَلْوَلَةِ الْكِتَابِ، وَاعْلَمْ أَنِّي أَدْعُوكَ دُعَاءَ السَّيِّدِ مَمْلُوكَهُ لِيَبْلُغَ بِهِ شَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَذلِكَ مِنْ فَضْلِي عَلَيْكَ وَعَلى آبَائِكَ الْأَ وَّلِينَ.

يَا مُوسى، لَا تَنْسَنِي عَلى كُلِّ حَالٍ، وَلَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ؛ فَإِنَّ نِسْيَانِي يُقْسِي الْقُلُوبَ، (2).

وَمَعَ كَثْرَةِ الْمَالِ كَثْرَةُ الذُّنُوبِ، الْأَ رْضُ مُطِيعَةٌ، وَالسَّمَاءُ مُطِيعَةٌ، وَالْبِحَارُ مُطِيعَةٌ، وَعِصْيَانِي شَقَاءُ الثَّقَلَيْنِ، وَأَنَا الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، رَحْمَانُ كُلِّ زَمَانٍ آتِي بِالشِّدَّةِ بَعْدَ الرَّخَاءِ، وَبِالرَّخَاءِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَبِالْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ، وَمُلْكِي دَائِمٌ قَائِمٌ لَا يَزُولُ، وَلَا يَخْفى عَلَيَّ شَيْءٌ فِي الْأَ رْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيَّ مَا مِنِّي مُبْتَدَؤُهُ؟! وَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَمُّكَ فِيمَا عِنْدِي وَإِلَيَّ تَرْجِعُ لَا مَحَالَةَ؟! يَا مُوسَى اجْعَلْنِي حِرْزَكَ، وَضَعْ عِنْدِي كَنْزَكَ مِنَ الصَّالِحَاتِ، وَخَفْنِي وَلَا تَخَفْ غَيْرِى،¨ إِلَيَّ الْمَصِيرُ.

يَا مُوسَى ارْحَمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ فِي الْخَلْقِ، وَلَا تَحْسُدْ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ؛ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ.

يَا مُوسى، إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ تَوَاضَعَا فِي مَنْزِلَةٍ لِيَنَالَا بِهَا مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي، فَقَرَّبَا قُرْبَاناً، وَلَا أَقْبَلُ إِلَا مِنَ الْمُتَّقِينَ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَكَيْفَ تَثِقُ بِالصَّاحِبِ بَعْدَ الْأَ خِ وَالْوَزِيرِ؟! يَا مُوسى، ضَعِ الْكِبْرَ، وَدَعِ الْفَخْرَ، وَاذْكُرْ أَنَّكَ سَاكِنُ الْقَبْرِ، فَلْيَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ.

يَا مُوسى، عَجِّلِ التَّوْبَةَ، وَأَخِّرِ الذَّنْبَ، وَتَأَنَّ فِي الْمَكْثِ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَا تَرْجُ غَيْرِي، اتَّخِذْنِي جُنَّةً لِلشَّدَائِدِ، وَحِصْناً لِمُلِمَّاتِ الْأُمُورِ.

يَا مُوسى، كَيْفَ تَخْشَعُ لِي خَلِيقَةٌ لَا تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا؟! وَكَيْفَ تَعْرِفُ فَضْلِي عَلَيْهَا وَهِيَ لَا تَنْظُرُ فِيهِ؟! وَكَيْفَ تَنْظُرُ فِيهِ وَهِيَ لَا تُؤْمِنُ بِهِ؟! وَكَيْفَ تُؤْمِنُ بِهِ وَهِيَ لَا تَرْجُو ثَوَاباً؟! وَكَيْفَ تَرْجُو

ص: 429


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لمن»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «القلب»

ثَوَاباً وَهِيَ قَدْ قَنِعَتْ بِالدُّنْيَا، وَاتَّخَذَتْهَا مَأْوًى، وَرَكَنَتْ إِلَيْهَا رُكُونَ الظَّالِمِينَ؟!

يَا مُوسى، نَافِسْ فِي الْخَيْرِ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كَاسْمِهِ، وَدَعِ الشَّرَّ لِكُلِّ مَفْتُونٍ.

يَا مُوسَى اجْعَلْ لِسَانَكَ [مِنْ] وَرَاءِ قَلْبِكَ تَسْلَمْ، وَأَكْثِرْ ذِكْرِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَغْنَمْ، وَلَا تَتَّبِعِ الْخَطَايَا فَتَنْدَمَ؛ فَإِنَّ الْخَطَايَا مَوْعِدُهَا النَّارُ.

يَا مُوسى، أَطِبِ الْكَلَامَ لأهْلِ التَّرْكِ لِلذُّنُوبِ، وَكُنْ لَهُمْ جَلِيساً، وَاتَّخِذْهُمْ لِغَيْبِكَ إِخْوَاناً، وَجِدَّ مَعَهُمْ يَجِدُّونَ مَعَكَ.

يَا مُوسَى الْمَوْتُ يَأْتِيكَ (1) لَا مَحَالَةَ، فَتَزَوَّدْ زَادَ مَنْ هُوَ عَلى مَا يَتَزَوَّدُ وَارِدٌ عَلَى الْيَقِينِ (2).

يَا مُوسى ، مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهِي فَكَثِيرٌ قَلِيلُهُ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرِي فَقَلِيلٌ كَثِيرُهُ، وَإِنَّ أَصْلَحَ أَيَّامِكَ الَّذِي هُوَ أَمَامَكَ فَانْظُرْ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَأَعِدَّ لَهُ الْجَوَابَ؛ فَإِنَّكَ مَوْقُوفٌ (3).

وَمَسْئُولٌ، وَخُذْ مَوْعِظَتَكَ مِنَ الدَّهْرِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ الدَّهْرَ طَوِيلُهُ قَصِيرٌ، وَقَصِيرُهُ طَوِيلٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَانٍ، فَاعْمَلْ كَأَنَّكَ تَرى ثَوَابَ عَمَلِكَ؛ لِكَيْ يَكُونَ أَطْمَعَ لَكَ فِي الآْخِرَةِ لَا مَحَالَةَ ؛ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا وَلّى مِنْهَا، وَكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلى بَصِيرَةٍ وَمِثَالٍ، فَكُنْ مُرْتَاداً لِنَفْسِكَ .

يَا ابْنَ عِمْرَانَ، لَعَلَّكَ تَفُوزُ غَداً يَوْمَ السُّؤَالِ، فَهُنَالِك يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ.

يَا مُوسى، أَلْقِ كَفَّيْكَ ذُلاًّ بَيْنَ يَدَيَّ كَفِعْلِ الْعَبْدِ الْمُسْتَصْرِخِ إِلى سَيِّدِهِ؛ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ رُحِمْتَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الْقَادِرِينَ.

يَا مُوسى، سَلْنِي مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي؛ فَإِنَّهُمَا بِيَدِي لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَانْظُرْ حِينَ تَسْأَلُنِي كَيْفَ رَغْبَتَكَ فِيمَا عِنْدِي لِكُلِّ عَامِلٍ جَزَاءٌ، وَقَدْ يُجْزَى الْكَفُورُ بِمَا سَعى.

يَا مُوسى، طِبْ نَفْساً عَنِ الدُّنْيَا، وَانْطَوِ عَنْهَا؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ، وَلَسْتَ لَهَا مَا لَكَ وَلِدَارِ الظَّالِمِينَ إِلَا لِعَامِلٍ فِيهَا بِالْخَيْرِ؛ فَإِنَّهَا لَهُ نِعْمَ الدَّارُ.

يَا مُوسى، مَا آمُرُكَ بِهِ فَاسْمَعْ، وَمَهْمَا أَرَاهُ فَاصْنَعْ، خُذْ حَقَائِقَ التَّوْرَاةِ [إِلى صَدْرِكَ] وَتَيَقَّظْ بِهَا فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا تُمَكِّنْ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِنْ صَدْرِكَ فَيَجْعَلُونَهُ وَكْراً كَوَكْرِ الطَّيْرِ.

يَا مُوسى، أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا فِتَنٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَكُلٌّ مُزَيَّنٌ لَهُ مَا هُوَ فِيهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ زُيِّنَتْ لَهُ

ص: 430


1- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي والبحار ، ج 77 ، ص 36 : «لاقيك»
2- في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها : - «على اليقين»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: + «به»

الآْخِرَةُ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا يَفْتُرُ، قَدْ حَالَتْ شَهْوَتُهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَذَّةِ الْعَيْشِ، فَأَدْلَجَتْهُ بِالْأَ سْحَارِ كَفِعْلِ الرَّاكِبِ السَّائِقِ إِلى غَايَتِهِ، يَظَلُّ كَئِيباً، وَيُمْسِي حَزِيناً، فَطُوبى لَهُ لَوْ قَدْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ذَا يُعَايِنُ مِنَ السُّرُورِ؟!

يَا مُوسَى الدُّنْيَا نُطْفَةٌ لَيْسَتْ بِثَوَابٍ لِلْمُؤْمِنِ، وَلَا نَقِمَةٍ مِنْ فَاجِرٍ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ (1). لِمَنْ بَاعَ ثَوَابَ مَعَادِهِ بِلَعْقَةٍ لَمْ تَبْقَ، وَبِلَعْسَةٍ (2). لَمْ تَدُمْ، فَكَذلِكَ فَلْتَكُنْ (3). كَمَا أَمَرْتُكَ، وَكُلُّ أَمْرِي رَشَادٌ .

يَا مُوسى، إِذَا رَأَيْتَ الْغِنى مُقْبِلاً، فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ لِي عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلاً، فَقُلْ: مَرْحَباً بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ، وَلَا تَكُنْ جَبَّاراً ظَلُوماً، وَلَا تَكُنْ لِلظَّالِمِينَ قَرِيناً.

يَا مُوسى، مَا عُمُرٌ وَإِنْ طَالَ يُذَمُّ (4). آخِرُهُ، وَمَا ضَرَّكَ مَا زُوِيَ عَنْك إِذَا حُمِدَتْ مَغَبَّتُهُ.

يَا مُوسى، صَرَخَ الْكِتَابُ إِلَيْكَ صُرَاخاً بِمَا أَنْتَ إِلَيْهِ صَائِرٌ، فَكَيْفَ تَرْقُدُ عَلى هذَا الْعُيُونُ؟! أَمْ كَيْفَ يَجِدُ قَوْمٌ لَذَّةَ الْعَيْشِ لَوْ لَا التَّمَادِي فِي الْغَفْلَةِ، وَا لأِّبَاعُ لِلشِّقْوَةِ، وَالتَّتَابُعُ لِلشَّهْوَةِ، وَمِنْ دُونِ هذَا يَجْزَعُ (5). الصِّدِّيقُونَ.

يَا مُوسى، مُرْ عِبَادِي يَدْعُونِي عَلى مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يُقِرُّوا لِي (6). أَنِّي أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، مُجِيبُ (7). الْمُضْطَرِّينَ، وَأَكْشِفُ السُّوءَ، وَأُبَدِّلُ الزَّمَانَ، وَآتِي بِالرَّخَاءِ، وَأَشْكُرُ الْيَسِيرَ، وَأُثِيبُ الْكَثِيرَ، وَأُغْنِي الْفَقِيرَ، وَأَنَا الدَّائِمُ الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ، فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْكَ، وَانْضَوى (8).

إِلَيْكَ مِنَ الْخَاطِئِينَ، فَقُلْ: أَهْلاً وَسَهْلاً يَا رَحْبَ الْفِنَاءِ بِفِنَاءِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَكُنْ لَهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَلَا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنَا أَعْطَيْتُكَ فَضْلَهُ، وَقُلْ لَهُمْ: فَلْيَسْأَلُونِي مِنْ فَضْلِي وَرَحْمَتِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ غَيْرِي، وَأَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

طُوبى لَكَ يَا مُوسى كَهْفُ الْخَاطِئِينَ، وَجَلِيسُ الْمُضْطَرِّينَ، وَمُسْتَغْفِرٌ لِلْمُذْنِبِينَ، إِنَّكَ مِنِّي بِالْمَكَانِ الرَّضِيِّ، فَادْعُنِي بِالْقَلْبِ النَّقِيِّ، (9).

وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ، وَكُنْ كَمَا أَمَرْتُكَ، أَطِعْ أَمْرِي، وَلَا تَسْتَطِلْ عَلى عِبَادِي بِمَا لَيْسَ مِنْكَ مُبْتَدَاهُ، وَتَقَرَّبْ إِلَيَّ؛ فَإِنِّي مِنْك قَرِيبٌ، فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلْكَ مَا يُؤْذِيكَ

ص: 431


1- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين : «الطويل»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وبلغة». وفي الطبعة الجديدة : «وبلعقة» . وفي بعض نسخ الكافي والوافي : «وبلعة» بالعين المهملة . وفي بعض النسخ وشرح المازندراني : «ويلعقه»
3- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة : «وكذلك فكن» بدل «فكذلك فلتكن»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يدوم»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «يفزع»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بي»
7- .في النسخة: + «دعوة» مرمّز ب «خ»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وانطوى»
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «التقيّ»

ثِقَلُهُ وَلَا حَمْلُهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُكَ أَنْ تَدْعُوَنِي فَأُجِيبَكَ، وَأَنْ تَسْأَلَنِي فَأُعْطِيَكَ، وَأَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَيَّ بِمَا مِنِّي أَخَذْتَ تَأْوِيلَهُ، وَعَلَيَّ تَمَامُ تَنْزِيلِهِ. يَا مُوسَى انْظُرْ إِلَى الْأَ رْضِ؛ فَإِنَّهَا عَنْ قَرِيبٍ قَبْرُكَ، وَارْفَعْ عَيْنَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَإِنَّ فَوْقَكَ فِيهَا مَلِكاً عَظِيماً، وَابْكِ عَلى نَفْسِك مَا دُمْتَ (1).

فِي الدُّنْيَا، وَتَخَوَّفِ الْعَطَبَ وَالْمَهَالِكَ، وَلَا تَغُرَّنَّكَ زِينَةُ الدُّنْيَا وَزَهْرَتُهَا، وَلَا تَرْضَ بِالظُّلْمِ، وَلَا تَكُنْ ظَالِماً؛ فَإِنِّي لِلظَّالِمِ رَصِيدٌ حَتّى أُدِيلَ مِنْهُ الْمَظْلُومَ.

يَا مُوسى، إِنَّ الْحَسَنَةَ عَشَرَةُ أَضْعَافٍ، وَمِنَ السَّيِّئَةِ الْوَاحِدَةِ الْهَلَاكُ، لَا تُشْرِكْ بِي، لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُشْرِكَ بِي، قَارِبْ، وَسَدِّدْ، وَادْعُ دُعَاءَ الطَّامِعِ الرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدِي، النَّادِمِ عَلى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ؛ فَإِنَّ سَوَادَ اللَّيْلِ يَمْحُوهُ النَّهَارُ، وَكَذلِكَ السَّيِّئَةُ تَمْحُوهَا الْحَسَنَةُ، وَعَشْوَةُ اللَّيْلِ تَأْتِي عَلى ضَوْءِ النَّهَارِ، وَكذلِكَ السَّيِّئَةُ تَأْتِي عَلَى الْحَسَنَةِ الْجَلِيلَةِ، فَتُسَوِّدُهَا».

شرح الحديث

السند مجهول.

قوله : (ناجاه اللّه ) أي سارّه .

(يا موسى، لا يطوّل) بفتح الواو، من التطويل.

وفي بعض النسخ: «لا تطوّل» بالتاء وكسر الواو، وهو أظهر .

(في الدنيا أملك، فيقسوا لذلك قلبك) .

قال الفيروزآبادي : «الأمل، كجبل ونجم وشبر: الرجاء» (2) .

وقال : «قسا قلبه قسواً وقساوةً وقساءً: غلظ، وصلب» (3).

(يا موسى، كُن كمسرّتي فيك) .

قال الجوهري : «السرور: خلاف الحزن ، وسرّه مَسرّة، فَسُرَّ هو» (4).

وكان المعنى كُن على حال أكون مسروراً بها، وكما اُريد منك فكأنّك تكون مسرّتي، ونسبة المسرّة وأمثالها إليه سبحانه باعتبار الغايات ، والحاصل أنّه تعالى أمره أن يكون ملزوماً لفعل الطاعة وترك المعصية ، كما أنّ المسرّة بالنسبة إليه تعالى ملزومة لهما، لكن اُريد

ص: 432


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ما كنت»
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 330 (أمل)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 378 (قسو)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 682 (سرر) مع اختلاف يسير

هنا لازمها، وهو الإكرام والإنعام .

ويحتمل أن يكون من باب التمثيل .

وفي بعض النسخ: «لمسرّتي» باللام، وهو أظهر ، وسيجيء مثله في حديث عيسى عليه السلام .

وفي قوله تعالى : (فإنّ مسرّتي أن اُطاع فلا اُعصى) إشارة إلى ما ذكرناه من عدم إرادة المعنى الحقيقي من المسرّة بالنسبة إلى جناب قدسه تعالى وتقدّس .

(وأمت قلبك بالخشية) .

القلب: الفؤاد ، ولعلّ إماتته إزالة أمانيه ومشتهياته الحاصلة من وساوس الشيطان ودواعي النفس الأمّارة إلى الفساد والطغيان ، وإماتته من هذه الجهة توجب له حياةً أبديّة بخلوص الإيمان والطاعة.

والمراد بالخشية الخوف الحاصل له من ملاحظة عظمة الربّ وقهّاريّته ، ومهانة نفسه وذلّه وهوانه، وعدم استطاعته بالفرار والخروج عن ملكه تعالى وسلطانه، وتلك الملاحظة على جهة الإيقان والإتقان أشدّ جاذب إلى سلوك سبيل الطاعة والهرب من المعصية؛ فإنّ الخائف من شيء هارب منه إلى ضدّه .

(وكُنْ خَلَق الثياب) .

قال الجوهري : «مِلحَفةٌ خَلَقٌ ؛ أي بال ، يستوي فيه المذكّر والمؤنّث؛ لأنّه في الأصل مصدر الأخْلَق، وهو الأملس» (1).

وفي القاموس: «خلق الثوب _ كنصر وسمع وكرم _ خُلُوقة وخَلَقاً، محرّكة: بَلِيَ ، والخَلَقُ محرّكة: البالي، للمذكّر والمؤنّث، الجمع خُلقان» (2).

والإضافة فيه من قبيل جرد قطيفة، وإخلاق ثياب.

وكذا في قوله : (جديد القلب) ؛ بتطهيره عن الرذائل، وتزيينه بالفضائل، والانتباه عن نومة الغافلين الذين يجعلون ثيابهم جديدة نفيسة، وقلوبهم بالية كثيفة .

(تُخفى على أهل الأرض) .

الظاهر أنّه على بناء المجرّد المعلوم، أو المزيد المجهول ، حال عن اسم «كُن»، وأنّه ناظر إلى كونه خلق الثياب .

ص: 433


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1472 (خلق)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 228 (خلق) مع التلخيص

وقوله: (وتُعرف في أهل السماء) ناظر إلى كونه جديد القلب .

(حِلس البيوت) بالكسر وبالتحريك خبر آخر لقوله: «كُن» .

قال الجوهري : «الحِلس: كساء رقيق يكون تحت البرذعة ، وأحلاس البيوت: ما يبسط تحت حُرّ الثياب ، وفي الحديث : كُن حلس بيتك ، [أى] لا تبرح» (1).

وفي القاموس: «الحُرّ، بالضمّ: خيار كلّ شيء» (2).

وفي بعض النسخ: «جليس البيوت» .

وحاصل المعنى على النسختين أنّه تعالى أمره بملازمة بيته، وعدم الخروج منه لغير الضرورة، ومنافع العزلة عن أهل الدنيا والراغبين إليها أكثر من أن تحصى .

(مصباح الليل) أي كُن كالمصباح في ليلك، بأن تقوم فيه، وتنوّره بنور عبادتك ، والإضافة بتقدير «في» أو اللام.

(واقنت بين يديّ قنوت الصابرين) .

القنوت: الطاعة، والخشوع، والدعاء ، والصلاة، والعبادة، والقيام إلى الصلاة، وفعل الكلّ كنصر.

وتقييده بقنوت الصابرين _ يعني على تحمّل المشاقّ في العبادة، وتخليص النيّة _ لكونه أعلى مراتب القنوت .

(وصح إليّ ...) .

الصياح : الصوت ؛ يُقال : صاح يصيح صَيحاً وصَيحةً وصِياحاً ، والمراد هنا رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة والبكاء .

(واستعن بي على ذلك) أي على العدوّ، أو على الهرب منه .

(فإنّي نِعْمَ العون، ونِعْمَ المستعان) .

في القاموس: «العَون: الظَّهير» (3) .

(يا موسى، إنّي أنا اللّه ) .

قيل : هذا الحكم وإن كان معلوماً لكلّ عاقل، لا مجال للإنكار فيه إلّا أنّ العباد لمّا قصّروا في رعاية حقوقه تعالى، صاروا كأنّهم منكرون له، فلذلك وقع فيه التأكيد والحصر (4).

ص: 434


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 919 (حلس)
2- القاموس المحيط، ج 2، ص 7 (حرر)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 250 (عون)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312

(فوق العباد) فوقيّة بالشرف ، والاستعلاء ، والاستيلاء ، والقدرة ، والعزّة .

(والعبادة دوني) فيما ذكر. و«دون» بالضمّ: نقيض فوق .

(وكلٌّ لي داخرون) .

يُقال : دخر _ كمنع وفرح _ دخوراً ودخراً: صغر، وذلّ .

وقيل : ليس الغرض من هذا الخبر إفادة الحكم ولا لازمه ، بل الحثّ على طاعته، وامتثال أوامره ونواهيه ومواعظه (1).

(فاتّهم نفسك على نفسك) .

يُقال : اتّهمه، كافتعله، إذا أدخل عليه التُّهَمَة ، وهي كهُمزَةٍ: ما يتّهم عليه ؛ أي لا تكشف سرّك عند نفسك ، واكتمه عنها فضلاً عن غيرك، ففيه من المبالغة ما لا يخفى .

وقيل : الفرق بين الفاعل والمفعولين بالاعتبار والحيثيّة.

قال : ولهذا الكلام احتمال آخر بعيد، وهو أن يُراد بالنفس الثانية المطمئنّة، وبالاُولى الأمّارة، وهي محلّ التهمة؛ لأنّها كثيراً ما ترى أنّ الشرّ خير وبالعكس ، وتحكم على عبادتها بأنّها مقبولة قطعاً، وأنّها واقعة على حدّ الكمال الموصل إلى المطلوب ، وهذا الوهم مبدأ للعُجب بالعبادة، والتقاصر عن الأزياد، والخروج عن التقصير، وغير ذلك من المفاسد(2) . انتهى .

والحاصل : أنّ الإنسان كثيراً ما يختدع من نفسه، بأن لا يرى مساويه، بل يراها محاسن، ويكمن فيه كثير من الأخلاق الذميمة، وهو غافل عنها .

(ولا تأتمن (3) ولدك على دينك) .

هذا تمثيل لكمال القُرب والشفقة، وإلّا فغيره أيضاً كذلك، وترغيب للتقيّة على وجه المبالغة .

(إلّا أن يكون وَلدك مثلك يحبّ الصالحين) .

قيل: دلّ هذا على جواز إظهار الدين للقابلين له والصالحين، وهو كذلك؛ ليبقى في الآخرين ، والروايات الدالّة عليه بل على وجوبه كثيرة (4).

ص: 435


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولا تأمن»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312

(يا موسى، اغسل ، واغتسل، واقترب من عبادي الصالحين) .

الاقتراب: التقارب .

قال الجوهري : «غسلت الشيء غَسلاً _ بالفتح _ والاسم: الغُسل بالضمّ، واغتسلت بالماء» (1).

وقال الفيروزآبادي : «اغتَسَلَ بالطيب، كقولك : نضح بالطيب ، والغِسلة بالكسر: الطيب، وما يُغسل به الرأس من خَطميّ ونحوه» (2).

وأقول : لعلّ المراد بالغَسْل هنا تطهير ما ينفصل عن البدن ويغايره كالثياب والأواني مثلاً ، وبالاغتسال تطهير البدن من الأحداث والأغباش .

أو المراد بالأوّل التطهير من الأحداث مطلقاً، وبالثاني التطهير من الأخباث .

أو اُريد بالأوّل ما يتعلّق بالتطهير كائناً ما كان، وبالثاني ما يتعلّق بالتنظيف .

ويحتمل أن يكون الاغتسال تأكيد للغسل، أي اغسل ثوبك وبدنك وبالغ فيه .

وقيل : كأنّه تعالى أمره بغسل الباطن من الرذائل والعيوب، وغسل الظاهر من الأخباث والذنوب، أو بالوضوء من الأصغر والغسل من الأكبر ، أو بالجميع(3) .

وفي بعض النسخ: «صلِّ» بدل «اغتسل» ، وهو أظهر .

(يا موسى، كُن إمامهم في صلاتهم) في فعلها ، والمواظبة عليها، وتعليم أحكامها .

ويحتمل أن يراد الجماعة فيها .

(وإمامهم فيما يتشاجرون) .

التشاجر: التنازع، والتقاطع، والتطاعن، والتخالف في أمر الدين والدنيا .

(واحكم بينهم بما أنزلت عليك) (4).

قيل : الظاهر أنّ وجوب الحكم بما أنزل اللّه غير مختصّ بالنبيّ والوصيّ، وأنّ من حكم

ص: 436


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1781 (غسل) مع التلخيص
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 24 (غسل) مع اختلاف يسير
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 312
4- في الوافي ، ج 26 ، ص 127 : «ممّا أنزلت عليك» ، وقال في شرحه : «يعني التوراة الذي اُنزل عليه باللغة العبرانيّة على الألواح الزبرجديّة»

بالاجتهاد والرأي بغير ما أنزل اللّه فهو من الفاسقين، كما دلّ عليه القرآن المبين ، والتخصيص لابدّ له من مخصّص إلّا أن يدّعى أنّ الحكم الاجتهادي المخالف أيضا ممّا أنزله اللّه تعالى، وهو كما ترى؛ لأنّه أيضاً يحتاج إلى دليل (1).

(فقد أنزلته حُكما بيّنا) .

قال الجوهري : «بان الشيء بياناً: اتّضح ، فهو بيّن» (2).

(وبرهاناً نيّراً): حجّة ظاهرة مضيئة لا يشاهد فيها من الأحكام ونحوها .

(ونوراً ينطق بما كان في الأوّلين، وبما هو كائن في الآخرين) .

النور: الضوء، أصلاً كان أو شعاعه ، وعرّفوه بأنّه هو الظاهر بنفسه المُظهر لغيره .

قيل : شبّهه بالنور، واستعار له لفظه استعارة تحقيقيّة باعتبار الاهتداء به في سلوك سبيل الحقّ إلى المطالب الحقيقيّة والأسرار اليقينيّة، وشبّه دلالته على ما كان فيه بنُطق الناطق، واستعار له لفظة «ينطق» استعارة تبعيّة، والمراد بالأوّلين الموجودون في عصره، وبالآخرين الذين يوجدون بعده إلى قيام شريعته، أو من لدن آدم عليه السلام إلى آخر الدهر (3).

(اُوصيك يا موسى وصيّة الشفيق المشفق) .

قال الفيروزآبادي : «أوصاه، ووصّاه توصيةً: عَهِدَ إليه ، والاسم: الوصاة والوصاية والوصيّة، ويوصيكم اللّه ، أي يفرض عليكم» (4).

وقال: «الشفق، محرّكة: الشفقة، والرأفة، وحرص الناصح على صلاح المنصوح، وهو شفيق وشَفِق »(5).

أقول : لعلّ التكرير للمبالغة ، أو يراد بالأوّل الشفيق عليك، وبالثاني المشفق على الناس .

(بابن البتول عيسى بن مريم) .

قال الجوهري : «بتلتُ الشيء إبتله بتلاً، إذا أبنته من غيره ، والبتول من النساء: العذراء المنقطعة من الأزواج ، ويقال : هي المنقطعة إلى اللّه عن الدنيا» 6 انتهى .

ص: 437


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 313
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2083 (بين)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 400 (وصي)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 250 (شفق) مع التلخيص
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1630 (بتل)

وقيل : سمّيت فاطمة عليهاالسلام بتولاً لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً ونسباً .

وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى اللّه تعالى (1).

(صاحب الأتان والبُرنس) .

وفي القاموس: «الأتان، بالفتح: الحمارة الاُنثى خاصّة ، والأتانة : قليلة» (2).

وقال الجوهري : «الاتان: الحمارة، ولا تقل: أتانة»(3).

وقال : «البُرْنُس: قلنسوة طويلة كان النُّسّاك يلبسونها في صدر الإسلام» (4).

وفي القاموس: «البرنس: قلنسوة طويلة، أو كلّ ثوب رأسه منه ، دَرّاعة كان أو جُبّة أو ممطَراً» (5).

(والزيت والزيتون والمحراب) .

وفي القاموس: «الزيت: دهنٌ، والزيتون: شجرته، أو ثمرتها أيضاً ، أو مسجد دمشق ، أو جبال الشام» (6).

ولعلّ كونه عليه السلام صاحب الزيت والزيتون أنّه كان يأكلهما ، أو لأنّهما نزلتا له في المائدة من السماء .

وقيل : يحتمل أن يراد بالزيتون مسجد دمشق، أو جبال الشام، أي أعطاه اللّه بلاد الشام؛ وبالزيت الدهن الذي روي أنّه كان في بني إسرائيل، وكان غليانها من علامات النبوّة (7).

وقيل : كأنّه كان يدّهن بالأوّل، ويأكل الثاني، كما سيجيء في حديث نادر في وصف عليّ عليه السلام .

وكونه صاحب المحراب؛ لملازمته عليه السلام له، وكثرة اشتغاله فيه للصلاة والعبادة (8).

وقيل : يحتمل أن يراد به محراب المسجد الأقصى (9).

(ومِن بعده) بكسر الميم، والظرف حال عمّا بعده، والواو عطف على ابن البتول؛ أو

ص: 438


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 . ص 313
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 194 (أتن) مع اختلاف يسير
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 2067 (أتن)
4- الصحاح ، ج 3 ، ص 908 (برنس)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 200 (برنس)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 148 (زيت) مع التلخيص واختلاف يسير
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 92
8- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 313
9- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 313

بفتحها، والموصول مع صلته عطف على ابن البتول ، وقوله : (بصاحب الجمل الأحمر) بدل منه، والمراد به نبيّنا محمّد صلى الله عليه و آله ، وكون الواو بمعنى «مع» بعيد.

(الطيّب) هو ضدّ الخبيث .

وقال الجزري : «الطيّب، أكثر ما يرد بمعنى الحلال» (1). ، وأطاب : ولد بنين طيّبين، وتزوّج حلالاً .

وقيل : لعلّ المراد به الطيّب في الولادة من جهة الآباء والاُمّهات، لم يدنّسهم أنجاس الجاهليّة مثل الكفر والسفاح وغيرهما(2) .

(الطاهر) من العيوب الخَلقيّة والخُلقيّة .

(المطهّر) من الذنوب الظاهرة والباطنة ، أو الطيّب من الذنوب، والطاهر من كلّ دنسٍ وخلق سيّئ ، والمطهّر من الجهل وكلّ شين وعيب .

(فَمَثَله في كتابك) يعني صورته .

والمثل ، محرّكة : الحديث والصفة ، أي صورته وصفته، أو شرفه وفضله ، أو حديثه ومكانته .

وقيل : الظاهر أنّ الفاء بمعنى الواو، وتقدير الشرط محتمل، أي إن شئت وصفَه فوصفه (3).

(أنّه مؤمن) أي مصدّق بحقيقة الإيمان، والتصديق بجميع الأنبياء والكتب، أو مؤمن يؤمن الناس في الدنيا من شرّه، ولا يؤذيهم، أو من الخزي والوبال ، وفي الآخرة من العذاب والنكال .

وعلى الثاني يكون من الأمن والأمان ، وقيل : أو نفاع ، وإطلاق المؤمن عليه من باب التشبيه وكإطلاقه على النهر الفائض على وجه الأرض، فيسقي الحرث والزرع، ويحيي الأرض بعد موتها، وهو صلى الله عليه و آله يحيي قلوب المؤمنين بعد موتها بما جاء به من عند ربّ العالمين . انتهى(4) ، فتأمّل .

(مهيمنٌ على الكتب) السماويّة (كلّها).

قال صاحب العدّة : المهيمن، هو الشهيد، وفي قوله تعالى : «مُصَدِّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنا

ص: 439


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314
2- .النهاية ، ج 3 ، ص 148 (طيب)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314

عَلَيْهِ»(1) . ؛ أي الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قولٍ وفعلٍ(2).

وقيل: المهيمن: الأمين(3). وقيل: الرقيب على كلّ شيء والحافظ له . وقيل : إنّه اسم من أسماء اللّه _ عزّ وجلّ _ في الكتب (4).

وقال الفيروزآبادي : المُهيمن _ بفتح الميم الثانية _ في معنى المؤمن، من آمن غيره من الخوف ، وهو مؤأمن بهمزتين قلبت الهمزة الثانية ياء ، ثمّ الاُولى هاء ، أو بمعنى الأمين أو المؤتمن أو الشاهد (5).

(راكع ساجد) .

لعلّه تنبيه على أنّه صلى الله عليه و آله جامع بين الركوع والسجود في صلاته، لا كأهل الكتابين؛ فإنّهما إنّما يأتيان بالسجود فقط.

(راغب) فيما عند اللّه من المقامات الرفيعة، والمثوبات العظيمة .

(راهب) ممّا لديه من الأنكال والجحيم، ومن التقصير في أداء حقوق العبوديّة .

(إخوانه المساكين) ؛ كأنّهم المتهجّدون.

ويحتمل الأعمّ ، والأوّل أنسب بقوله : (وأنصاره قوم آخرون).

قيل : أي من غير عشيرته وقبيلته(6).

(ويكون في زمانه أزل وزلازل) (7). في بعض النسخ: «وزلزال» .

(وقتل وقلّة من المال) .

الأزْل، بالفتح: الضيق، والشدّة، والجَدب ، وفعله كضرب . والأزل أيضاً: الحبس ؛ يُقال : أزلوا مالهم يأزلونه ، إذا حبسوه عن المرعى من خوف .

وقال الجوهري : «زلزل اللّه الأرض زلزلة وزلزالاً _ بالكسر _ فتزلزلت هي، والزلزال _ بالفتح _ الاسم، والزلازل: الشدائد» (8).

ص: 440


1- المائدة (5) : 48
2- عدّة الداعي ، ص 305 ، ذيل ح 38
3- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 127
4- اُنظر : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 314
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 277 (أمن)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314
7- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «وزلزال»
8- الصحاح ، ج 4 ، ص 1717 (زلزل)

وقال الفيروزآبادي : «زلزله زلزلة وزلزالاً، مثلثّة: حرّكه، والزلازل: البلايا» (1). ، انتهى .

والمراد بالقتل الجهاد، أو الأعمّ، وبزمانه زمان حياته، أو وقت بعثته .

(اسمه أحمد محمّد الأمين من الباقين) .

قيل: الظاهر أنّ «أمين» صفة لمحمّد، وأنّ «من» متعلّق به ، وأنّ المراد بالباقين خلائق آخر الزمان، وهم الاُمّة المدعوّة، والأمين منهم في أمرهم وأمر الخلائق هو صلى الله عليه و آله ، ولذلك جعله رسولاً إليهم (2).

وقوله : (من ثُلّة الأوّلين الماضين) صفة ثانية لمحمّد ، و«من» للتبعيض ، والثُلّة، بالضمّ: الجماعة من الناس، وإضافتها إلى الأوّلين بيانيّة .

والمراد بهم الأنبياء والرُّسُل ؛ يعني أنّه صلى الله عليه و آله من سلالة الأنبياء وطينتهم وبقيّتهم .

وقوله : (ويشهد بإخلاص لجميع النبيّين) ؛ لعلّ التنوين للتعظيم .

وفي بعض النسخ: «بالإخلاص»، وهو أظهر .

(اُمّته مرحومة مباركة) .

قيل : أي يبارك ويزاد عليهم العلم والرحمة (3).

وقيل : معنى كونها مباركة أنّها ثابتة على الحقّ، قائمة بأمره، أو ذوو بركة ويُمنٍ وخير، والمراد باُمّته اُمّته المجيبة بجميع ما جاء به (4).

(ما بقوا في الدين على حقائقه) .

قيل : لعلّ المراد بالحقائق اُصول الدين وأركانه التي بها يتحقّق ويقوم، أو تصديقاته اليقينيّة المتعلّقة بما جاء به الرسول، لو شكّ أحد في شيء منه أو أنكره لم يكن من الاُمّة المذكورة .

انتهى (5).

ولا يبعد أن يراد بحقائق الدين ما يقابل المجازات، ويكون احترازاً عن النفاق .

ص: 441


1- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 389 (زلزل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 314 و315
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 93
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315

(لهم ساعات مُوقّتات) .

في بعض النسخ: «موقوتات»، أي ساعات وأوقات مبنيّات، أو محدودات معيّنات .

قال الفيروزآبادي : «الوقت: تحديد الأوقات، كالتوقيت، و «كِتَاباً مَوْقُوتاً» (1).

، أي مفروضاً في الأوقات »(2).

وقال : «الساعة: جزء من أجزاء الجديدين ، والوقت الحاضر» (3).

(يؤدّون فيها) أي في تلك الساعات .

(الصلوات أداء العبد إلى سيّده نافلته) .

قال في القاموس: «أدّاه تأدية: قضاه وأوصله ، والاسم: الأداء»(4).

وقال: «النافلة: الغنيمة، والعطيّة، وما تفعله ممّا لم يجب» (5).

لعلّ المراد بالنافلة هنا فوائده ومكتسباته ، وضمير «نافلته» راجع إلى العبد ، ويحتمل إرجاعه إلى السيّد، فتدبّر.

وفي بعض النسخ: «نافلة».

قيل : أي يؤدّون الصلاة زائدة على ما وجب عليهم ، وفيه بعدٌ.

ولعلّ مفاد هذه النسخة مفاد الاُولى .

(فبه فصدّق) .

قيل : الظاهر أنّ «به» متعلّق بما بعده ، وأنّ التقديم لقصد الحصر أو الاهتمام، وأنّ إحدى الفائين زائدة، أو متعلّق بفعل مقدّر ؛ أي فصدق به ، حذف لوجود الحصر(6) .

(ومنهاجه فاتّبع) .

في بعض النسخ: «ومناهجه»، وهو جمع منهاج .

قال الجوهري : «النَّهج: الطريق الواضح، وكذلك المَنهج والمِنهاج» (7).

وقيل : لعلّ المراد باتّباع منهاجه سلوك سبيله في الانقطاع إلى اللّه تعالى، والتوسّل به في المهمّات كلّها، أو التصديق بحقيقة شريعته وصدق طريقته (8).

ص: 442


1- النساء (4) : 103
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 160 (وقت)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 42 (سوع)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 298 (أدي)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 59 (نفل)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 346 (نهج)
8- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 315

(فإنّه أخوك) في الرسالة ، وهو تعليل للتصديق والاتّباع ، وتحريض عليهما ، وتحريك للشفقة به .

(يا موسى، إنّه اُمّيّ) منسوب إلى الاُمّ لا يقرأ الكتاب ، ولم يدرس ، وهو باق على جبلّته ، ومن لا يكتب.

وقيل: منسوب إلى اُمّ القرى، وهي مكّة (1).

(وهو عبد صدق) .

قال الفيروزآبادي : الصدق _ بالكسر والفتح _ ضدّ الكذب، أو بالفتح : مصدر، وبالكسر : اسم صَدَقَ في الحديث، والصدق، بالكسر: الشدّة، ومنه رجل صدق وصديق صدق مضافين، «وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ» (2). : أنزلناهم منزلاً صالحاً . انتهى (3).

ويحتمل أن يُراد هنا المعنى الأوّل؛ لصدق أقواله وأفعاله ، أو الثاني؛ لشدّته وصلابته في اُمور الدين ، أو الثالث؛ لصلاحه واستقامته في العلم والعمل .

(يُبارك له فيما وضع يده عليه) .

البركة، محرّكة: النماء، والزيادة، والسعادة ، وبارك اللّه لك وفيك وعليك، باركك، وبارك على محمّد وآل محمّد: أدِمْ له ما أعطيته من التشريف والكرامة.

وهي من معجزاته صلى الله عليه و آله ، وقد وقعت في مواضع حيث وضع يده على ماء، أو لبن، أو طعام قليل، وأروى وأشبع بها خلقاً كثيراً ، أو مال قليل فأعطى منه خلقاً كثيراً، أو على مكان ضيّق فاتّسع أضعاف ممّا كان .

(ويبارك عليه) .

قيل : أي يدام له ما أعطى من ذلك وغيره من التشريف والكرامة والفخر والعزّ (4).

(كذلك كان في علمي، وكذلك خلقته) .

قيل : أي مثل الوصف المذكور الذي عرفته كان في علمي الأزليّ، ومثل الوصف المذكور خلقته، أي قدّرته وأوجدته لوجوب المطابقة بين العلم والمعلوم .

ص: 443


1- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 315 ؛ والوافي ، ج 26 ، ص 128
2- .يونس (10) : 93
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 252 (صدق)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 316

وفيه تنبيه على أنّ اتّصافه بما ذكر أمر موهبيّ (1).

(به أفتح الساعة) .

في بعض النسخ: «أفتتح»، والباء للملابسة . ولعلّ الغرض اتّصال اُمّته ودولته ودينه وشريعته بقيام الساعة ، أو كناية عن حشره أوّلاً ؛ أي هو أوّل من ينشقّ عنه القبر، ويقوم به القيامة .

(وباُمّته أختم مفاتيح الدنيا) .

في القاموس: «ختمه يختمه ختماً وختاماً: طبعه، والشيء ختماً: بلغ آخره» (2).

قيل : مفاتيح الدنيا ما يفتح بها على صاحبها شيء من قتال، أو عبادة، أو تعلّم . والمراد أنّ هذه المفاتيح تنتهي بانقضاء اُمّته، كأنّها وُضِعت في كيس وختم عليها .

ويحتمل أن يكون الختم كناية عن التمام والكمال؛ فإنّ الشيء بعد الكمال يختم عليه .

ويمكن أن يكون المراد أنّ ما فتح لغيرهم يختم بهم (3).

وقيل : يعني بهم اُفني الدنيا وأطويها (4).

(فمُر ظَلَمة بني إسرائيل أن لا يَدرسوا اسمه) أي لا يمحوه من التوراة .

يُقال : درس الرَّسم _ وكنصر _ دروساً، أي عفا، ودرسته الريح، لازم متعدّ .

(ولا يخذلوه) .

يُقال : خذله _ كنصره _ خذلاناً، إذا ترك عونه ونصرته .

ونقل الجوهري عن الأصمعي : «إذا تخلّف الظبيّ عن القطيع، قيل: خَذل»(5).

فإن كان المراد هنا المعنى الأوّل، فالنهي عن ترك نصرته إذا أدركوا زمانه ، أو قبله أيضاً بترك إظهار فضله وشرفه ومحبّته بالقلب، وتوطين النفس على عونه ، وإن اُريد المعنى الثاني فعلى الحذف والإيصال ، وحاصله يرجع إلى الأوّل .

(وإنّهم لفاعلون) ما نهوا عنه من دَرْس اسمه وخذلانه .

(وحبّه لي) أي خالصاً لوجهي .

ص: 444


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 316
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 102 (ختم)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 94
4- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
5- الصحاح ، ج 4 ، ص 1683 (خذل)

(حسنة) أي مثوبة حسنة عن الصحّة أو الكذب ، وتوفيق الخير في الدنيا، والثواب والدعاء في العقبى .

وبعض العلماء ضبط هذه الفقرة هكذا : «وحَسبهُ لي حسبة» ، وقال : معناه كفايته بي كفاية .

(فأنا معه) بالعلم والعصمة .

(وأنا من حزبه) .

حزب الرجل: أصحابه ؛ يعني من أنصاره وأعوانه .

وقيل : أصل الحزب القوم، يجتمعون لأمر حزبهم ، أي نزل بهم واشتدّ عليهم (1).

وقال الفيروزآبادي : «الحزب، بالكسر: الطائفة ، وجند الرجل وأصحابه الذين على رأيه» (2).

(وهو من حزبي) : من أعوان ديني، وأنصار أهله .

(وحزبهم الغالبون) على الأعداء بالحجّة .

ولعلّ ضمير الجمع راجع إلى أولياء اللّه ، وأعوان محمّد وأصحابه المفهومين عن السياق .

وقيل : هو راجع إلى محمّد صلى الله عليه و آله ، والجمع للتعظيم ، أو له وللّه تعالى، أو لهما وللأوصياء أيضاً (3).

وقال بعض الأفاضل : الصواب: «وحزبي الغالبون»، ولعلّه من قلم النسّاخ (4).

(فتمّت كلماتي) أي بلغت الغاية، أو أبرمت وأحكمت أخباري وأحكامي ومواعيدي ، أو تقديراتي .

والظاهر أنّ قوله : (لأظهرنّ دينه) بيان لتماميّة الكلمات .

وفي بعض النسخ : «لأظهر»، أي لأغلبنّ دينه (على الأديان كلّها) بنسخ ما كان حقّاً، وإظهار فساد ما كان باطلاً ، أو بتسليط المؤمنين على أهلها في دولة الحقّ.

ص: 445


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 316
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
3- قاله البيضاوي في تفسيره ، ج 2 ، ص 340
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 54 (حزب)

(ولاُعبَدنَّ في كلّ (1). مكان)

هذا نظير قوله تعالى : «وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للّهِ» (2). ؛ وذلك لمجيء الحقّ بظهور صاحب الأمر، وارتفاع أعلامه، وزهوق الباطل ودروس آثاره وأعوانه .

(ولاُنزلنّ عليه قرآناً فرقاناً) أي فارقاً بين الحقّ والباطل، أو مفرّقاً في النزول منجّماً .

قال الجوهري : «فرّقت بين الشيئين أفرقُ فرقاً وفُرقاناً ، وقوله تعالى : «وَقُرْآنا فَرَقْنَاهُ» (3). ، مَن خفّف قال : بيّنّاه، من فَرَقَ يفرق» (4).

وقال : «قرأت الكتاب قِراءةً وقُرآناً ، ومنه سُمّي القرآن . وقال أبو عبيدة : سمّي القرآن؛ لأنّه يجمع السُّوَر فيضمّها» (5).

(شفاء لما في الصدور من نَفث الشيطان) .

الشفاء، بالكسر: الدواء. و«من» بيان للموصول .

قال الجوهري : «النَّفث شبيه بالنفخ، وهو أقلّ من التَّفل، وقد نفث الراقي ينفِث وينفُث» (6). انتهى .

والمراد به هنا ما يخرج القلب عن استقامته واعتداله، كمرض الجهل والكفر والشكّ والنفاق الحاصل من وسوسة الشيطان ، جعله بمنزلة الداء ، والقرآن بمنزلة الدواء .

(فصلِّ عليه يابن عمران؛ فإنّي اُصلّي عليه وملائكتي) أي فاعْتَنِ بإظهار فضله وشرفه، وتعظيم شأنه؛ فإنّي أعتني بذلك آناً فآناً دائماً .

(يا موسى، أنت عبدي، وأنا إلهك) أي معبودك بالحقّ .

قيل: الغرض من هذا الإخبار تحريكه إلى الإتيان بحقيقة العبوديّة، ورعاية حقوق الاُلوهيّة، والانقطاع عن الغير (7).

(لا تستذلّ الحقير الفقير) .

الحقير: الصغير الذليل، والفقير: ضدّ الغنيّ، والمكسور فقار الظهر .

ص: 446


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «بكلّ»
2- .الأنفال (8) : 39
3- .الإسراء (17) : 106
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1540 (فرق)
5- الصحاح ، ج 1 ، ص 65 (قرأ)
6- .الصحاح ، ج 1 ، ص 295 (نفث)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 317

وقيل : يمكن أن يُراد بالحقير من ليس له أعوان وأنصار، وبالفقير من ليس له أموال وأسباب ، واستذلاله يتحقّق بترك حقوق الإخوة ، وهي كثيرة كما مرّ في الاُصول (1).

وفي بعض النسخ: «الخفير» بدل «الحقير». قال الفيروزآبادي : «خفر إجارة ومنهم، والخفير: المُجارُ والمُجير» (2).

(ولا تَغبط الغنيّ بشيء يسير) .

في القاموس : الغبطة، بالكسر: حسن الحال، والمسرّة، وقد اغتبط، والحسد، كالغِبط، وقد غبطه، كضربه وسمعه: وتمنّى نعمة على أن لا تتحوّل عن صاحبها (3).

وأقول : «الغنى» يحتمل أن يكون على صيغة المصدر، وأن يكون على صيغة فَعيل، فعلى الأوّل معناه لا تكن مسروراً مستبشراً بما حصل لك من متاع الدنيا وإن كان يسيراً، أو لكونه يسيراً في نفسه وإن كان فقيراً لكونه منشأ للمفاسد مع انقطاعه وزواله ، أو لكونه يسيراً بالنسبة إلى المثوبات الاُخرويّة .

وعلى الثاني معناه: لا تحسد أو لا تتمنّ مثل ما في يد الغنيّ من متاع الدنيا؛ فإنّه شيءٌ يسير بذاته، وبالنسبة إلى ما ادّخر لك في الجنّة .

(وكن عند ذكري) أي عند قراءة التوراة، أو مطلقاً .

(خاشعاً) أي خاضعاً، أو متواضعاً .

(وعند تلاوته) أي تلاوة الذِّكر الذي هو التوراة .

وهذا قرينة لإرادتها من الذكر، وإرجاع الضمير إلى التوراة المعلومة بقرينة المقام بعيد .

(برحمتي طامعاً) .

الظاهر أنّ الجارّ متعلّقاً بما بعده، والتقديم للحصر .

(وأسمعني لَذاذة التوراة) أي صوتها اللذيذة، أو التذاذك بها .

واللذّة: نقيض الألم ، تقول : لذَّ بالشيء ولذّهُ لذاذةً ولَذاذاً ، أي وجده لذيذاً .

وإضافة اللذاذة إلى التوراة إضافة المصدر إلى المفعول .

ص: 447


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 317
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 22 (خفر)
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 375 (غبط)

وقيل : هي في الأصل للأكل والشرب، وشاع استعمالها في كلّ ما يلتذّ به من الصوت والكلام وغيرهما (1).

(بصوت خاشع حزين) .

يحتمل كون «صوت» بالتنوين، أو سقوطه الإضافة .

والخشوع في الصوت والبصر: السكون، والتذلّل.

والحُزن: الهمّ، وتحزّن عليه: توجّع، وهو يقرأ بالتحزين ، أي يرقّق صوته .

وقيل : لو كان المراد بالحزن خلاف السرور، كان اتّصاف الصوت به مجازاً؛ لاتّصاف صاحبه به بقراءة ما يوجب حزنه من أحوال الحشر والنشر والثواب والعقاب وغيرها ممّا يتحيّر فيه اُولوا الألباب، أو كناية عن البكاء (2).

(اطمئنّ به عند ذكري) .

قال الجوهري : «اطمأنّ الرجل اطمئناناً وطمأنينة ؛ أي سكن، وهو مُطمئنّ إلى كذا، وذاك مُطمأنٌّ [إليه]» (3) انتهى .

والاطمئنان عند ذكره تعالى إمّا للاستئناس والاعتماد عليه والرجاء منه، أو لذكر رحمته بعد القلق والاضطراب من خشيته، أو لذكر دلائله الدالّة على وجوده ووحدانيّته ، أو لكلامه المُنزل على رسله ، أو لسكون القلب عمّا يزعجه من الشكوك والشبهات ، أو دواعي الشهوات .

وقال بعض المحقّقين : كلّ قلب صحيح طالب للحقّ يطمئنّ عند ذكره تعالى، ويسكن إليه، ويستقرّ فيه، ويتخلّص من الاضطراب؛ لوصوله إلى مطلوبه ، فإذا لم يذكره، أو ذكره ولم يحصل له الاطمئنان، كان سقيماً متّصفاً بالنفاق غير دافع عنه علائق الإمكان وغواشي الأبدان الموجبة للاضطراب، ولكلّ واحد من الاطمئنان والاضطراب مقامات متفاوتة، ودرجات متباعدة، وأسباب متكثّرة (4).

(وذكّر بي من يطمئن إليَّ)! أي علّم، وعِظْ مَن يتذكّر ويطمئنّ قلبه إلى للّه ؛ فإنّه لا ينتفع به غيره .

ص: 448


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 318
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 318
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2158 (طمن)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 318

وفي بعض النسخ: «وذكرني» بالنون، وكأنّه على صيغة المجرّد المعلوم من باب الإخبار، أو المزيد من باب القلب ، أو من قبيل الكناية ، والظاهر أنّه تصحيف .

(وتَحَرّ مسرّتي) أي اجتهد في تحصيل ما يوجبها .

في القاموس: «تحرّاه: تعمّده، وطلب ما هو أحرى بالاستعمال، وبالمكان : تمكث» (1).

وفي الصحاح: «فلان يتحرّى الأمر ، أي يتوخّاه، ويقصده »(2).

ويفهم من إضافة المصدر طلب جميع أنواع المسرّة، وهو إنّما يتحقّق بضبط جميع الحركات والسكنات، وحصره في ما يوجب رضاه .

ثمّ إنّه تعالى رغّب فيما ذكر بذكر أمرين مقتضيين للامتثال به : أحدهما : كمال قوّته تعالى، واستحقاقه للذِّكر .

وثانيهما: كمال ضعف المخاطب، واحتياجه إليه .

فأشار إلى الأوّل على سبيل المبالغة والتأكيد والحصر بقوله : (إنّي أنا السيّد الكبير) لا بعظم الجثّة، بل بالاستعلاء على الغير، والاستغناء في الصفات الكماليّة، والرفعة والشرف والعظمة .

قال صاحب العدّة : السيّد معناه : المَلِك ، ويُقال لملِك القوم وعظيمهم: سيّد، وقد سادهم ، وقيل لقيس بن عاصم : بِمَ سُدْتَ قومك؟ قال : ببذل النَّدى، وكفّ الأذى، ونصر المولى .

وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «عليٌّ سيّد العرب» ، فقالت عائشة : يا رسول اللّه ، ألستَ سيّد العرب؟ فقال : «أنا سيّد ولد آدم، وعليّ سيّد العرب» ، فقالت : يا رسول اللّه ، وما السيّد؟ قال : «مَن افترضت طاعته، كما افترضت طاعتي» (3).

فعلى هذا الحديث السيّد هو الملك الواجب الإطاعة . انتهى (4).

وقال الجوهري : «ساد قومه يسودهم سيادةً وسُؤدداً وسيدودة فهو سيّد» ، ثمّ قال : «تقدير سيّد: فَعِيل ، وقال أهل البصرة : تقديره فَيْعِلٌ» انتهى (5).

وأشار إلى الثاني بقوله : (إنّي خلقتك من نطفة من ماء مَهين) ؛ الثاني بدل من الأوّل، أو بيان للنطفة .

ص: 449


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 316 (حري)
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2311 (حري)
3- الأمالى للصدوق ، ص 94 ، ح 71 ؛ التوحيد ، ص 207 ؛ معاني الأخبار ، ص 103 ، ح 1 ؛ روضة الواعظين ، ص 101
4- عدّة الداعي ، ص 305
5- الصحاح ، ج 2 ، ص 490 (سود) مع التلخيص

قال الجوهري : «النُّطفة: الماء الصافي، قلَّ أو كثُر ، والجمع: النِّطاف .

والنُّطفة: ماء الرجل ، والجمع: النُّطَف» (1).

وفي القاموس: «المهين: الحقير، والضعيف، والقليل» (2).

(من طينة) . كلمة «من» ابتدائيّة .

(أخرجتها من أرض ذليلة) .

الجملة صفة «طينة» ، و«ذليلة» صفة «أرض» أو «طينة» ، و«من» ابتدائيّة ، والذُّلّ، بالضمّ: الهوان ، والحقارة . ذلّ يَذِلّ، فهو ذليل .

وقوله : (ممشوجة) صفة اُخرى ل «طينة» . قال الفيروزآبادي : «مشج: خلط ، و «نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ» (3). : مختلطة بماء المرأة ودمها» (4). انتهى .

وقيل : المراد بالطينة خلق اللّه تعالى منه آدم عليه السلام (5) .

ومحصّل المعنى ما ذكره بعض الأفاضل:

إنّي خلقتك من نطفة، وأصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الأرض، وهو آدم عليه السلام ، وأخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على أنواع مختلفة، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : «أنّ اللّه تعالى بعث جبرئيل عليه السلام ، وأمره أن يأتيه من أديم الأرض _ أي وجهها _ بأربع طينات : طينة بيضاء، وطينة سمراء، وطينة غبراء، وطينة سوداء، وذلك من سهلها وحزنها» (6). ، الخبر .

وفي خبر ابن سلام عن النبيّ صلى الله عليه و آله : أنّه سأله عن آدم: لِمَ سمّي آدم؟ قال : «لأنّه خُلِقَ من طين الأرض وأديمها» ، قال : فآدم خلق من الطين كلّه، أو من طين واحد؟ قال : «بل من الطين كلّه، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضاً، وكانوا على صورة واحدة» . قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : «التراب فيه أبيض، وفيه أخضر، وفيه أشقر ، وفيه أغبر، وفيه أحمر، وفيه أزرق، وفيه عذب، وفيه ملح، وفيه خَشِن، وفيه ليّن، وفيه أصهب، فلذلك صار الناس فيهم ليّن، وفيهم خشن، وفيهم أبيض، وفيهم أصفر،

ص: 450


1- الصحاح ، ج 4 . ص 1434 (نطف)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 277 (أمن) مع التلخيص
3- .الإنسان (76) : 2
4- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 207 (مشج)
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 319
6- .علل الشرائع ، ج 1 ، ص 1 ، ح 1

وأحمر، وأصهب، وأسود، [و هو] على ألوان التراب» ، تمام الخبر (1).

ويحتمل أن يكون المراد التراب الذي يذر على النطفة في الرحم، كما روي في الأخبار (2).

(فكانت) تلك النطفة والطينة، أو الممشوجة (بشراً) مستوياً (فأنا صانعها خلقاً) نصب على التمييز ، ويحتمل الحال ، ولعلّ التنوين للتعظيم ، وهذا تأكيد للسابق .

ويحتمل أن يُراد : أنّي خالق تلك النطفة ، وصانعها كما خلقتك وصنعتك، فيكون تأسيساً .

(فتبارك وجهي) أي تنزّه ذاتي عن النقائص .

قال الفيروزآبادي : «تبارك اللّه : تقدّس، وتنزّه، صفة خاصّة باللّه » (3).

(وتقدّس صَنيعي) عن العيب والشين . والتقدّس: التطهّر . ويقال : صنع إليه معروفاً _ كمنع _ صُنعاً بالضمّ، وصنع به صنيعاً قبيحاً: فعله، والشيء صنعاً، بالفتح والضمّ: عمله .

(وأنا الحيّ الدائم الذي لا أزول) .

قد تقدّم في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام معنى الحياة .

وقيل في وصف الدوام بعدم الزوال والفناء : دفع لتوهّم حمله على المجاز، وهو الزمان الكثير ، وهو حثّ على الطاعة والانقياد له ؛ لأنّ المطيع إذا علم أنّه أبديّ لا يخاف فوات مقصوده من الطاعة أبداً، وهو مدرك إليها (4).

(يا موسى، كن إذا دعوتني خائفاً مُشفقاً وَجِلاً) .

الثلاثة متقاربة المعاني في اللغة . وقيل : لعلّ الخوف بملاحظة عظمته وغناه عن الخلق ، والإشفاق بملاحظة التقصير في الدعاء والثناء ورعاية حقوقه تعالى ، والوجل من صدّ النفس الأمّارة سبيله وقطع نفثات الشيطان طريقه أو من ردّ الدعاء؛ لعدم كونه على الوجه اللائق(5) .

(عفّر وجهك لي في التراب) .

في القاموس: «العَفَر، محرّكة: ظاهر التراب، ويسكن ، وعفره في التراب يعفره وعَفّره،

ص: 451


1- علل الشرائع ، ج 2 ، ص 471 ، ح 33
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 95
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 293 (برك)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 319
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 319

فانعفر وتعفّر: مرّغه فيه، أو دسّه، وضرب به الأرض» (1).

وقال بعض الشارحين : أكثر جزاء الشرط يتحقّق بعده، ويترتّب عليه، وقد يتحقّق في حال تحقّقه ومعه، كقولك : إذا جئتني فالبس ثيابك واركب فرسك ، فالظاهر هنا هو الثاني، مع احتمال الأوّل (2).

(واسجد لي بمكارم بدنك) ؛ كأنّه بيان لسابقه .

وقيل : هو أعمّ من السابق؛ لأنّه يشمل غير الوجه أيضاً (3)..

(وناجني حين تناجيني بخشية من قَلب وَجِل) .

الباء للملابسة، و«من» للابتداء .

وقيل : الظاهر أنّ الباء للمصاحبة ؛ أي مع خشية ، أو الظرف حال من الفاعل، أي متلبّساً بها (4)..

(وأحي بتوراتي أيّام الحياة) .

يحتمل أن يكون «إحْي» على صيغة الأمر من المجرّد الثلاثي ؛ أي حصّل الحياة الحقيقيّة المعنويّة التي هي العلم واليقين بالتوراة ؛ يعني بقرائتها والعمل بمودَعها ، أو كُن ملازماً لها ما دمت حيّاً .

ويحتمل أن يكون من باب الإفعال؛ أي اجعل أيّام حياتك حيّاً بتلاوتها وإجراء أحكامها ، فالأيّام حينئذٍ مفعول الإحياء مجازاً، أو ظرف له والمفعول محذوف وهو الدين، أو القلب .

(وَعَلِّم الجهّال محامدي) .

المحامد: جمع الحمد على غير قياس ؛ أي علّمهم وجوب حمدي، أو طريق الإتيان به وآدابه وأركانه وشرائطه .

وقيل : هي ما يستحقّ أن يُحمد ويثنى عليه من الفضائل، وهي الصفات الذاتيّة ، وأمّا

ص: 452


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 92 (عفر)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320

الفواضل الواصلة إلى الغير ، فأشار إليها بقوله : (وذكرهم آلائي ونعمتي) (1).

في بعض النسخ: «نِعَمي» بلفظ الجمع، والعطف للتفسير ، أو يراد بأحدهما النعماء الظاهرة ، وبالاُخرى الباطنة .

وقيل : وجه تخصيص التعليم بالمحامد، والتذكير بالآلاء أنّ المحامد يعني الصفات الذاتيّة إنّما تعلم بالشرع ، وأمّا الآلاء فقد تعرف بالعقل والشرع مذكّر (2).

(وقل لهم لا يتمادون في حيّ ما هم فيه؛ فإنَّ أخذي أليمٌ شديد) .

التمادي: البُعد في الضلال، وأصله من المَدى وهو الغاية .

والغَيّ، بالفتح: الضلال، والخيبة، والكلام نهي في صورة الخبر ، والمراد ب «ما هم فيه» : الجهالة والمعصية وسائر الخِصال الذميمة، وهي مستلزمة للغيّ والضلال ، فالإضافة لاميّة من قبيل إضافة المسبّب إلى السبب .

ولعلّ تخصيص التمادي بالنهي دون الدخول؛ لبيان أنّ الدخول في الغيّ ينجرّ لا محالة إلى التمادي فيه غالباً، فهو نهي عن مطلق الدخول كناية ، والأظهر أن يُراد به كونه الإقلاع والإنزجار عمّا هم فيه من الغيّ ، وعدم تماديهم فيه .

والأخذ: العذاب ، ومعنى كونه أليماً شديداً : وجيعاً غير مرجوّ الخلاص منه، وهو مبالغة في التهديد والتحذير .

(يا موسى، إذا انقطع حَبلك منّي لم يتّصل بحبل غيري) .

في بعض النسخ: «إنْ» بدل «إذا» .

والحَبْل: الرباط، والرَّسَن، والعهد، والذمّة، والأمان .

قيل : المراد: إن انقطع قوّتك ووصلتك لم ينفعك التوصّل والتقوّي بغيري (3).

وقيل : استعار الحبل لما يوجب القُرب منه والوصول إليه ، والوجه أنّه سبب لنجاة مَن تمسّك به من وهدة الهوي إلى الدرجات العلى كالحبل ، ورشّح بذكر الانقطاع، وأشار بمضمون الشرط إلى أنّ حبله الموجب للقُرب منه ما كان له خاصّةً ، فأمّا إذا انقطع بقصد

ص: 453


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 96

غيره أيضاً أو غيره وحده فهو حبل غيره، لا حبله، ولا ما اتّصل به حبله، فليس سبباً للوصول إليه ، فلذلك فرّع عليه طلب العبادة الخالصة بقوله : (فاعبدني) لا غيري ؛ لا بالاشتراك، ولا بالانفراد (1).

(وقم بين يديّ مقام العبد الفقير) (2).

في بعض النسخ: «الحقير» . قال الجوهري :

المَقام والمُقام فقد يكون كلّ واحدٍ منهما بمعنى الإقامة ، وقد يكون بمعنى موضع القيام؛ لأنّك إذا جعلته مِن قام يَقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يُقيم فمضموم ؛ لأنّ الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم ، وقوله تعالى : «لَا مَقَامَ لَكُمْ» (3). ؛ أي لا موضِعَ لكم ، وقرئ: «لا مُقام لكم» بالضمّ ؛ أي لا إقامة لكم . انتهى (4).

وبهذا يظهر لك فساد ما قيل: إنّ المُقام _ بضمّ الميم _ مصدر ميمي، وفتحها على أنّه اسم مكان، بعيد (5).

(ذمّ نفسك) على ما صدر منها ممّا لا ينبغي (فهي أولى بالذمّ) ممّن يستحقّ الذمّ كالشيطان؛ فإنّه لا حجّة له في دعوته، إنّما يدعوك بالأماني الكاذبة الموهومة ، فتتبعه نفسك الأمّارة بالسوء ؛ أ لا ترى إلى قوله: «فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» (6). الآية .

وفيه ترغيب على عدم الاغترار بغرور النفس الأمّارة، وجعلها مؤتمرة مقهورة للنفس اللوّامة .

(ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل) .

التطاول: الامتداد والارتفاع ، والظاهر أنّ المراد بالكتاب التوراة ؛ أي لا تترفّع عليهم بالعلم بكتابي أو بتعظيمه؛ فإنّ ذلك وإن كان موجباً لعلوّ الدرجة ورفع المنزلة، لكن الاستطالة والترفّع به يؤدّي إلى سقوطها وانحطاطها .

(فكفى بهذا واعظاً لقلبك) .

الظاهر أنّ هذا إشارة إلى جميع ما ذكر من المواعظ والحِكَم . وقيل : إشارة إلى الكتاب ،

ص: 454


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 320 و321
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «الحقير الفقير»
3- .الأحزاب (33) : 13
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2017 (قوم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 321
6- .إبراهيم (14): 22

وكونه كافياً في الوعظ (1) ؛ لاشتماله على النصائح والمواعظ .

(ومنيراً) أي ذا نور وضياء بنفسه، أو منوّراً ومُظهراً لغيره .

وفي وصف المشار إليه بالإنارة تشبيه له بالسِّراج باعتبار ما يقتبس منه من العلوم النافعة والحِكَم البالغة .

(وهو كلام ربّ العالمين) .

الضمير للمشار إليه ، والجملة حاليّة .

ويحتمل الاستئناف على أن تكون بمنزلة التعليل للسابق ؛ لأنّ وصف ربوبيّته يقتضي أن يكون كلامه المنزل لإصلاح المربوبين، مشتملاً على جميع ما يحتاجون إليه، كافياً لوعظ قلوبهم، وتنوير صدورهم .

(يا موسى، متى ما دعوتني) لمهمّاتك كلّها، أو لغفران ذنوبك.

(ورجوتني) لها .

وعلى الأوّل حذف مفعول الفعلين للدلالة على التعميم ؛ ففيه وعد للداعي والراجي بعد حصول مرجوّه ومطلوبه بغفران ذنوبه ، والثاني أنسب بقوله : (فإنّي سأغفر لك على ما كان منك) أي ما صدر منك من التقصير.

وإنّما قلنا: إنّ الثاني أنسب به؛ لأنّ الظاهر أنّ «متى» شرطيّة، وكلمة «ما» زائدة، والجملة المصدّرة بالفاء جزائيّة ، فتدبّر .

(السماء تُسبّح لي) .

قيل: أي تنقاد، أو تذلّ (2). ، وأصل التسبيح: التنزيه .

(وَجَلاً) بالتحريك، أي خوفاً من عظمتي وجلالي ، أو المراد أهل السماء .

وقوله : (والملائكة) مبتدأ ، و(من مخافتي مشفقون) خبره، والجارّ متعلّق بما بعده . يُقال : خاف يخاف خوفاً ومخافةً، إذا فزع ، والخواف أيضاً: القَتْل . قيل : ومنه: فإذا جاء الخوف ويجيء، بمعنى العلم . قيل : ومنه قوله تعالى : «وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزا» (3). ، وقوله : «فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفا»(4).

ص: 455


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 96
2- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 96
3- .النساء (4) : 128
4- .البقرة (2) : 182

ويحتمل أن يُراد بالمخافة هنا الأمر المخوف المحذّر منه ، وبالإشفاق الحذر والاحتراز له من عذابي حَذرون، أو يكون بتقدير المضاف إليه ؛ أي من مخافة عذابي خائفون ، أو يكون المخافة بأحد المعنيين الأخيرين ؛ أي من قَتْلي، أو من علمهم بعظمتي وجبروتي مشفقون .

وقال بعض المحقّقين : لعلّ المراد أنّهم من أجل مشاهدة العظمة والمهابة ، أو من أجل الخوف الحاصل لهم من مشاهدتهما مشفقون من نزول العذاب عليهم، أو من زوال كمالاتهم المحتاجة إليها ، أو من سقوط منزلتهم لديه ، والفرق بين الوجهين أنّ مشاهدة العظمة سببٌ للإشفاق في الأوّل، والخوف الحاصل منها سببٌ له في الثاني ، وفي الأوّل تجوّز باعتبار أنّه اُريد بالمخافة _ وهي الخوف من مشاهدة العظمة _ نفس تلك المشاهدة مجازاً ، وبه فُسّر قوله تعالى في وصف الملائكة : «هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» (1). (2).

(والأرض تسبّح لي طمعاً) أي حرصاً منها في رحمتي . يُقال : طمع فيه وبه _ كفرح _ طمعاً بالتحريك ، أي حرص عليه. والطمع أيضاً : رزق الجند، أو إطماعهم أوقات قبضهم أرزاقهم .

(وكلّ الخلق يسبّحون لي داخرين) (3). أي خاشعين متذلّلين .

الدخور: الصغار، والذلّ . قيل : التسبيح هنا محمول على القدر المشترك بين النطق بالتنزيه المطلق والدلالة عليه؛ لإسناده إلى ما يتصوّر منه النطق، وإلى ما لا يتصوّر منه، أو عليهما على مذهب مَن جوّز إطلاق اللفظ على معنييه .

وفي نسبة التسبيح إلى جميع المخلوقين تحريك للناس أجمعين إليه ؛ لما أعطاهم من قلب صحيح، ولسان فصيح، وزيادة الإحسان والإنعام، وهي توجب زيادة التسبيح والتقديس والإجلال (4).

(ثمّ عليك بالصلاة الصلاة) .

يُقال : عليك زيداً وبزيد ؛ أي إلزَمْهُ ، وتكرير الصلاة للتأكيد، أو للاهتمام والتعظيم .

ص: 456


1- .المؤمنون (23) : 57
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 322
3- .في كلتا الطبعتين : «داخرون»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 322 و323

(فإنّها منّي بمكان) .

التنوين للتعظيم ؛ أي مكان شريف رفيع . وقيل : المكان هنا بمعنى المكانة والمنزلة (1).

(ولها عندي عهدٌ وثيق) .

العهد: الأمان، واليمين، والموثق، والذمّة، والحفاظ، والوصيّة .

وقيل : لعلّ المراد به أنّ من حفظها وحفظ حرمتها وفعلها في أوقاتها، وراعى حدودها، جعله من عباده المقرّبين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنّ مَن ضيّعها وضيّع حقوقها ضيّعهُ اللّه تعالى وجعله من الأخسرين (2).

(وألحق) من الإلحاق، على صيغة الأمر، أو المتكلّم. وكونه ماضياً مجهولاً بعيد.

(بها ما هو منها) أي من جملة الصلاة، أو من متمّماتها ؛ لأنّ قبول الصلاة مشروط بالزكاة، فكأنّها جزء منها ومن جملتها ، أو المراد ما هو قريب منها .

وروي أنّ مانع الزكاة وقفت صلاته حتّى يزكّي (3).

(زكاة القُربان) بيان للموصول، أو بَدَل عنه .

والقُربان: إمّا مصدر بمعنى القُرب، أو ما يتقرّب به إلى اللّه ، والإضافة على الأوّل لاميّة، وعلى الثاني بيانيّة (4).

(من طيّب المال والطعام) .

الطيّب: خلاف الخبيث ؛ أي من الحلال، أو من خيار المال وأفضله ، لا من رديئه ومعيوبه .

(فإنّي لا أقبل إلّا الطيّب يُراد به وجهي) .

جملة «يُراد» حال عن الطيّب ، ويستفاد منه أنّ القبول مشروط بأمرين : قصد القربة، وإخراج الطيّب .

(واقرن مع ذلك صلة الأرحام) .

القِران والقَرن: الجمع ، والوصل ، وفعله كنصر وضرب ، وذلك إشارة إلى الصلاة والزكاة ،

ص: 457


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 96
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 323
3- راجع : الكافي ، ج 3 ، ص 505 ، باب منع الزكاة ، ح 12 ؛ الفقيه ، ج 2 ، ص 12 ، باب ما جاء في مانع الزكاة ، ح 1594 ؛ التهذيب ، ج 4 ، ص 112 ، باب من الزيادات في الزكاة ، ح 330
4- قال المازندراني رحمه الله : «وحمله على ما كان معروفا في سالف الزمان بعيد»

ويحتمل التعميم فيما ذكر.

و«صلة الأرحام» بالنصب، مفعول «اقرن» .

قال الجوهري : «الرَّحِم: رَحِم الاُنثى، وهي مؤنّثة. والرَّحم أيضاً : القرابة، والرَّحِم مثله» (1)..

وفي القاموس: «الرحم، بالكسر وككتف: بيت منبت الولد ووعاؤه، والقرابة، أو أصلها وأسبابها، الجمع: أرحام» (2). انتهى .

وقال بعض العلماء :

المراد بالرحم قرابة الرحم من جهة طرفيه آبائه وإن علوا ، وأبنائه وإن سفلوا، وما يتّصل بالطرفين من العمّة والعمّات والخالة والخالات والإخوة وأولادهم ، والظاهر لا خلاف في وجوب صلتها في الجملة ؛ لدلالة ظاهر الآيات والروايات على العقوبة بتركها وذمّ تاركها ، ولها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض، وأدناها السلام والكلام وترك المهاجرة (3).

قيل : وتختلف أيضاً باختلاف القدرة عليها، والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب، ومنها ما يستحبّ، ومن وصل بعض الصِّلة ولا يبلغ أقصاها هل هو واصل أو قاطع؟! فيه تأمّل

(فإنّي أنا اللّه الرحمن الرحيم) .

قيل : أشار بالجلالة إلى ذاته المقدّسة الملحوظة معها الاُلوهيّة المقتضية لانقياد كلّ شيء له فيما يريد ويكره للترغيب فيه ، وبالرحمان الرحيم إلى اتّصافه بالرحمة الكاملة التي وسعت كلّ شيء .

ثمّ أشار إلى أنّه خلق الرحم من رحمته للتوالد والتناسل فضلاً على العباد وإحساناً إليهم؛ ليتعاطف بعضهم بعضاً، ولم يخلق كلّ واحد من التراب كما خلق آدم عليه السلام منه ؛ لأنّ الأوّل أقوى وأدخل في التعاطف ، فلابدّ من اتّصاف الرحم بالرحمة، لئلّا ينقطع نظامهم، ولا يفوت الغرض من خلقها ، فقال : (والرحم أنا خلقتها فضلاً من رحمتي ليتعاطف بها العباد)(4).

الظاهر أنّ الرحم _ ككتف _ مبتدأ ، وجملة «أنا خلقتها» خبر، وكون الرحم _ بالفتح _ بمعنى الرحمة يأباه تأنيث الضمير العائد إليه .

ص: 458


1- .الصحاح ، ج 5 ، ص 1929 (رحم) مع اختلاف يسير
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 118 (رحم)
3- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 323
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 323

(ولها عندي سلطان في معاد الآخرة) .

لعلّ المراد أنّ للرحم عندي حجّة وبرهان مقبولة، وسلطنة في قبول شفاعتها، وهي طلب الوصل منه تعالى لمَن وصلها، وطلب القطع لمن قطعها .

وقد ورد في الأخبار : «أنّ الرحم معلّقة يوم القيامة بالعرش تقول: اللّهُمَّ صِل مَن وصلني، واقطع مَن قطعني» (1).

(وأنا قاطع مَن قطعها، وواصل مَن وصلها) .

قيل : لعلّ المراد بوصله تعالى مَنْ وصلها رحمته لهم، وعطفه عليهم بنعمِهِ الدائمة الباقية، أو وصلُهم بأهل ملكوته والرفيق الأعلى، أو قربه منهم وشرح صدورهم لمشاهدة عظمته، أو جميع أنواع الإكرام والإفضال (2).

(وكذلك أفعل بمن (3). ضيّع أمري) أي كلّ أمر من الأوامر التكليفي والاُمور التكويني؛ فإنّ من ضيّع الغرض من التكليف والغاية من التكوين بالعصيان استوجب القطع والحرمان ، وحاصل المعنى أنّي أجعل لأمري سلطاناً في المعاد، واُضيّع مَن ضيّعه .

وقوله : (بردٍّ جميل، أو إعطاء يسير) أي بأن تعطيه وإن كان قليلاً ، وقد روي : «لا تستحي من إعطاء القليل؛ فإنّ الحرمان أقلّ منه» (4).

وقيل : أي إعطاء فيه يُسر وسهولة لا يكون فيه منّ ولا أذًى ، أو المراد أعطه القليل إن لم تقدر على الكثير، فيكون اقتصارا على الفردين الأخفيين من الإكرام ليدُلّ على الأجلى بالطريق الأولى (5).

وقوله : (كيف مُواساتك فيما خَوّلتك) .

قال الجزري : «المواساة: المشاركة، والمساهمة في الرزق والمعاش »(6).

وقال : «التخويل: التمليك» (7).

ص: 459


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
2- الكافي ، ج 2 ، ص 151 ، باب صلة الرحم ، ح 10. وعنه في بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 117 ، ح 79
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 324
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «لمن»
5- نهج البلاغة ، ج 4 ، ص 15 ، الكلمة 67 ؛ روضة الواعظين ، ص 384 ؛ عيون الحكم والمواعظ ، ص 528 ؛ مشكاة الأنوار ، ص 408
6- النهاية ، ج 1 ، ص 50 (أسأ)
7- النهاية ، ج 2 ، ص 88 (خول)

(واخشع لي بالتضرّع) .

الباء للمصاحبة، أو للملابسة، والظرف حال عن الفاعل .

ويحتمل أن يراد بالخشوع سكون القلب والجوارح، واشتغال كلّ منهما بما طلب منه، وعدم التسرّع إلى خلافه ، وبالتضرّع إظهار الذلّ والمسكنة إليه تعالى باللِّسان .

(واهتف [لي] بولولة الكتاب) .

في النهاية: «الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة ، وقيل : هي حكاية صوت النائحة» (1).

وفي القاموس: «الكتاب: ما يكتب فيه، والتوراة، والصحيفة ، والكُتّاب، كرمّان: الكاتبون، والمكتب، كمقعد: موضع التعليم» (2).

وقال الجوهري : «الكتاب والمكتَب واحد» انتهى (3).

وقيل : لعلّه اُشير بالولولة إلى ما في التوارة من الويل (4).

(واعلم أنّي أدعوك) في الدنيا إلى ما فيه صلاحك، أو في الآخرة إلى الحساب والثواب، أو فيهما (دعاء السيّد مملوكه) الذي يريد أن يكرمه .

(ليبلغ به شرف المنازل) العالية .

والضمير المجرور راجع إلى الدعاء إن قرئ «لتبلغ» على صيغة الخطاب، وإلى المملوك إن قرئ على صيغة الغيبة.

والباء على الأوّل للسببيّة، وعلى الثاني للتعدية .

وفيه ترغيب له على قبول دعائه تعالى، وإجابة ندائه .

وقوله : (وذلك من فضلي) إشارة إلى الدعاء مع الغاية المترتّبة عليه .

وقوله : (الأرض مطيعة، والسماء مطيعة، والبحار مطيعة) أي لا يصدر منها المخالفة والعصيان أصلاً .

وأراد بطاعتها استسلامها في كلّ ما هو الغرض الأصلي من إيجادها، بخلاف الثقلين؛ فإنّهم يعصون اللّه في كثير ممّا أراد منهم، كما أشار إليه بقوله : (وعصياني شقاء الثقلين) أي الجنّ والإنس .

ص: 460


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 128
2- النهاية ، ج 5 ، ص 226 (ولول)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 121 (كتب)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 209 (كتب)

والشقاء، بالفتح، ويكسر، وبالمدّ، ويقصّر: الشدّة، والعسر، وخلاف السعادة .

وقيل : السرّ فيه أنّ بواعث الطاعة والمعصية موجودة فيهم، وموانع الاُولى قويّة، فلذلك صاروا معركة للمجاهدة الكبرى ، وابتلوا بالمعصية العمياء؛ فإن نجوا من هذه البليّات صاروا من أشرف المخلوقات (1).

(أنا الرحمن الرحيم، رحمان كلّ زمان) تحريك وتحريص على الرجوع إليه في المهمّات كلّها، لا إلى غيره.

وقس عليه قوله : (آتي بالشدّة بعد الرخاء، وبالرخاء بعد الشدّة، وبالملوك بعد الملوك).

الرخاء، بالفتح: سعة العيش ، وهذا من آثار رحمته تعالى؛ إذ لولا الشدّة بعد الرخاء حصلت الغفلة والاغترار ، ولو لا الرخاء بعد الشدّة حصل اليأس والقنوط ، ولو لا موت الملوك ادّعوا الاُلوهيّة، ولا يبالون بالظلم كائناً ما كان .

(وملكي قائم دائم) .

ملكه تعالى، بالضمّ: سلطنته، وكمال اقتداره على الممكنات، وهو ثابت له تعالى قبل وجود الأشياء وبعد فنائها ، والمراد بقيامه عدم عروض الاضطراب والتغيّر فيه بوجه .

وقيل : هذا غير مستفاد من دوامه؛ إذ دوام الشيء لا ينافي وقوع التغيّر فيه في الجملة (2).

وقوله : (لا يزول) ؛ إمّا حال عن الدائم والقائم على التنازع، أو خبر ثالث للملك ، والنكتة في العدول إلى الفعل إفادة الاستمرار بلا انقطاع وزوال .

(وكيف يَخفى عليّ ما منّي مبتدؤه) ؛ إذ يحكم العقل بديهيّة أنّ كلّ خالق شيء عالم به وبخواصّه وآثاره وأحكامه وتنزيله، وأنّ ما ذهب إليه الفلاسفة من أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول بعيد .

(وكيف لا يكون همّك فيما عندي) من الدرجات الرفيعة، والمثوبات الاُخرويّة .

(وإليّ ترجع لا محالة) .

الواو للحال . وفي القاموس: «لا محالة، بالفتح: لابدّ» (3).

ص: 461


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 326
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 326
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 363 (حول)

(يا موسى، اجعلني حرزك) .

الحرز، بالكسر: الموضع الحصين، والعوذة .

قيل : أي اجعلني ملجأك الدافع عنك البليّات بالدعاء والتوسّل قبل نزولها وبعده (1).

(وضع عندي كنزك من الصالحات) .

الكنز: المال المدفون، والذهب، والفضّة، وما يحوز به المال، وكلّ شيء غَمْرتَهُ في وعاء أو أرض فقد كنزته .

والصالح: ضدّ الفاسد . و«من» بيان للكنز ، والمراد بالصالحات الأعمال الصحيحة على قانون الشرع، أو ما يعمّ العقائد الحقّة .

(وخفني، ولا تخف غيري، إليّ المصير) .

الخوف من عقوبة اللّه تعالى يقتضي الفرار من أسبابها ؛ لأنّ الخائف من الشيء يفرّ منه وممّا يُفضي إليه .

(يا موسى، ارحم من هو أسفل منك) بالإحسان والتلطّف ، والإرشاد إلى مصالحه الدينيّة والدنيويّة ، وعدم التكبّر والاستطالة .

(في الخلق) .

الخلق، بالفتح: الفِطرة، والخِلقة ، وبالضمّ وبضمّتين: السجيّة، والطبع، والمروّة، والدين .

(ولا تحسد من هو فوقك) في المال والكمال .

(فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ؛ تنبيه للمعقول بالمحسوس بقصد الإيضاح .

(يا موسى، إنّ ابني آدم): هابيل وقابيل (تواضعا) .

قيل: هو من المواضعة، وهي المواقفة . يُقال : واضعته في الأمر، إذا واقفته فيه على شيء، لا من التواضع بمعنى التخاشع والتذلّل؛ لعدم تحقّق هذا المعنى في أحدهما وهو قابيل (2).

أقول : الظاهر أنّ المراد بتواضعهما تذلّلهما ظاهراً حيث امتثلا بالأمر بتقريب القربان ، وهذا القدر كاف في التواضع ، وأمّا التواضع بمعنى المواضعة فلم أرَ أحداً ينقله سوى هذا القائل .

ص: 462


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 327
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 327

(في منزلة) . قيل : أي في عبادة واحدة، وهي تقريب القربان، وكانا بحسب الظاهر في درجة ومنزلة واحدة (1).

وقيل : لعلّ المراد بها منزلة الكرامة والشرف والقرب (2).

(ليَنالا بها) أي بتلك المنزلة (من فضلي ورحمتي، فقرّبا قُرباناً).

روي أنّه كان قربان هابيل كَبْشاً من أفضل أفراد غنمه، فقبل بنزول النار فأكلها له ، وقربان هابيل من أخسّ أفراد زرعته فلم يتقبّل (3) .

والمراد بالقربان هنا ما يتقرّب به إلى اللّه تعالى من الذبيحة وغيرها ، وهو في الأصل مصدر ، ولذلك لم يثنّ مع أنّ المراد منه اثنان .

وقيل: تقديره: فقرّب كلّ واحدٍ منهما قرباناً، فلا يحتاج إلى التثنية (4).

(ولا أقبل إلّا من المتّقين) .

فعدم قبول قربان قابيل لتركه التقوى .

(فكان من شأنهما ما قد علمت) من قتل أحدهما الآخر حسداً عليه.

(فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ) أي بعد عدم وثوقك بالأخ، وظهور الخيانة منه كما عرفت .

(والوزير) عطف على الأخ، أو على الصاحب. والوزير وزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه ؛ أي لم تكن تثق بالأخ مع كمال قربه منك، وحمل الثقل عنك ، فكيف تثق بغيره؟! وفيه مبالغة في الحزم؛ لكثرة أهل الحسد .

وقال بعض الأفاضل في شرح هذا الكلام :

قوله : «فكيف تثق بالصاحب»؛ يعني إذا قتل أحد الأخوين الآخر حسداً له بسبب قبول قربانه، فكيف يجوز الوثوق بالصاحب لمن حصل له الاطّلاع على ذلك ، ولمّا كان هذا الكلام مُوهِماً للنهي عن وثوقه على هارون أيضاً ؛ استدرك ذلك بقوله : «بعد الأخ والوزير» ؛ يعني أنّ هارون عليه السلام صالح لأن تثق به وذلك؛ لأنّه كان نبيّاً مرسلاً . انتهى (5).

ولا يخفى عليك بعد هذا التوجيه غاية البُعد .

ص: 463


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 98
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 328
3- .راجع : تفسير العيّاشي ، ص 309، ح 78 . وعنه في بحار الأنوار ، ج 23 ، ص 63 ، ح 3
4- راجع : شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 328
5- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 129

(يا موسى، ضَع الكِبر، ودَع الفخر) .

قيل : الكِبر رذيلة تحت الفجور مقابل التواضع، وهو أن يعتقد الإنسان أنّه أعظم من الغير، بأن يرى لنفسه مرتبة من الكمال والمال والنسب والحسب وللغير مرتبة ، ثمّ يعتقد أنّ مرتبته فوق مرتبة ذلك الغير، ويوجب ذلك تعظّماً وركوناً إلى ما اعتقد من كماله وشرفه على الغير، ولو حصل لها هذه الاُمور مع قطع النظر عن الغير كان ذلك عُجباً .

والفخر: التمدّح بالخصال، وإظهار السرور بالفضائل ونحوها، والركون إليها لا من جهة إضافتها إلى اللّه تعالى باعتبار أنّها منه ومن جلائل نعمه عليه ، وأمّا لو ذكرها ونسبها إليه تعالى لإظهار شكره فليس ذلك بفخر، ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «أنا سيّد أولاد آدم ولا فخر» (1). (2).

(واذكر أنّك ساكن القبر) في الحال على الظاهر، ووجه الظهور التبادر، وما قيل: إنّ اسم الفاعل في الاستقبال مجاز (3). ، وإرادة الاستقبال ممكن .

وفيه إيماء إلى قوله عليه السلام : «موتوا قبل أن تموتوا» (4).

(فليمنعك ذلك) المذكور من ترك الكبر وما عطف عليه .

(من الشهوات) النفسانيّة . وأصل الشهوة محبّة الشيء والرغبة فيه .

(يا موسى، عجّل التوبة، وأخّر الذّنب) .

تعجيل التوبة _ وهو المسارعة إليها، أو عدم التسويف بها _ واجب فوريّ ، ومن لوازم الإيمان ، كما يفهم من كثير من الأخبار على أنّه إزالة سواد الذنب قبل صيرورته مَلَكة للنفس في كمال السهولة، مع إمكان بغتة الموت قبلها ، وهو موجب للحسرة والندامة، وتأخير الذنب وعدم المبادرة إليه أيضاً من شرائط كمال الإيمان ، فلعلّ اللّه يحول بينك وبينه بلطفه وتوفيقه، ولا يبعد أن يراد بتأخيره عدم ارتكابه أصلاً.

(وتأنّ في المكث بين يديّ في الصلاة) .

التأنّي: التثبّت، والترفّق، والتأخّر، والتنظّر . والمكث مثلّثاً ويحرّك: اللبث، وفعله كنصر

ص: 464


1- .لم نعثر على الخبر في موضع
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 329
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 329
4- .راجع : بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 317 ؛ وج 69 ، ص 57 ؛ تحفة الأحوذي ، ج 6 ، ص 515 ؛ كشف الخفاء للعجلوني ، ج2 ، ص 291 ، ح 2669

وكرم، والمراد بالتأنّي في المكث فيها السكينة والوقار وعدم التسرّع والاستعجال والتأمّل والإتقان في فعلها.

(ولا ترجُ غيري) إلى قوله: (لمُلمّات الاُمور) .

الجُنّة، بالضمّ: ما استترت به من سلاح، والجنّة أيضاً: السترة . والحصن بالكسر: كلّ موضع حصين لا يبلغ إلى جوفه. والاُمور المهمّة: النازلة من نوازل الدنيا وشدائد الثقيلة، واتّخاذه تعالى جُنّة للشدائد عبارة عن التوجّه إليه عند نزولها وظهور علاماتها، أو قبله أيضاً. وفيه حثّ على التوسّل إليه تعالى بالدعاء والتضرّع ونحوهما في جميع الأحوال.

(يا موسى، كيف تخشع) بالتخفيف، أو بالتشديد.

(لي خليقة لا تعرف) تلك الخليقة.

(فضلي عليها) أي على نفسها.

قال الفيروزآبادي: «الخشوع: الخضوع، أو هو في البدن، والخشوع في الصوت والبصر، والسكون، والتذلّل. وتخشّع: تضرّع»(1).

قال الجوهري: «التخشّع: تكلّف الخشوع»(2).

والمراد بالخليقة : الناس، وبالفضل : النعمة والإحسان.

وقيل: نعم اللّه ظاهرة وباطنة، والباطنة ما يكمل به كلّ شخص، ويتمّ مائيّته كالقوى والجوارح والأعضاء، والظاهرة منها ما يتوقّف عليه كمال نفسه الناطقة من الأخلاق والأعمال والأوامر والنواهي وإرسال الرسل وإنزال الكتب وغيرها ممّا نطق به لسان الشرع.

إذا عرفت هذا، فنقول: تخشّع الناس وتذلّلهم للّه تعالى متوقّف على التصديق بفضله عليهم بالضرورة؛ إذ لا يتخشّع أحد لمن لا فضل له عليه، ولا حاجة له إليه، ولهذا نفى التخشّع عمّن لم يكن له هذه المعرفة والتصديق، ثمّ إنّ هذا التصديق متوقّف على تصوّر المحكوم به، وهو الفضل، وهذا التصوّر متوقّف على الإيمان بالفضل والإقرار بوجوده، وهذا الإقرار متوقّف على الرجاء بالثواب اللازم للفضل، وهذا الرجاء متوقّف على رفض

ص: 465


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 18 (خشع)
2- الصحاح ، ج 3 ، ص 1204 (خشع)

الدنيا وعدم اتّخاذها دار استيطان، فأشار إلى الأوّل وهو توقّف هذا التصديق على تصوّر المحكوم به بقوله: (كيف تعرف) أي الخليقة (فضلي عليها) وتصدّق به (وهي لا تنظر فيه) أي في الفضل، ولا تتصوّره؛ لانتفاء التصديق بانتفاء التصوّر.

وأشار إلى الثاني بقوله: «تنظر فيه»، أي في الفضل وتتصوّره .

(وهي لا تؤمن به) أي لا تقرّ، ولا تذعن بوجوده.

وأشار إلى الثالث بقوله: (وكيف تؤمن به، وهي لا ترجو ثواباً)؛ لأنّ الأقرار بوجود الفضل الذي من جملته الشرع يستلزم الرجاء بالثواب الموعود فيه، وانتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم.

وأشار إلى الرابع بقوله: (وكيف ترجو ثواباً، وهي قد قنعت بالدنيا) وغفلت عن الآخرة (واتّخذتها مأوى) أي مكان استقرار ودار استيطان (1).

(وركنت إليها رُكون الظالمين) .

قال الجوهري: ركن إليه يركن، وحكى أبو زيد: ركِن إليه _ بالكسر _ رُكوناً فيهما، أي مال إليه وسكن. وأمّا ما حكى أبو عمرو: رَكَن يركن ، بالفتح فيهما، فإنّما هو على الجمع بين اللغتين(2). انتهى.

وقيل في توجيه توقّف رجاء الثواب بعدم القناعة بالدنيا: إنّ الرجاء بالثواب يستلزم التمسّك بأسبابه، والعمل للآخرة، وعدم القناعة بالدنيا والركون إليها، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم.

ويظهر من هذه المقدّمات أنّ القانع بالدنيا الغافل عن الآخرة مسلوب عنه جميع ما تقدّم؛ لأنّ انتفاء الموقوف عليه والأسباب مستلزم لانتفاء الموقوف والمسبّبات، وليس للدنيا وأهلها ذمّ أبلغ من هذا(3).

(يا موسى، نافس في الخير أهله) .

المنافسة في الشيء: الرغبة فيه على وجه المباراة ، والمبالغة في الكرم.

ص: 466


1- القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 330 و331
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 2126 (ركن)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 331

(فإنّ الخير كاسمه) .

الخير: ما يُرغب فيه الكلّ، كالعدل والفضل مثلاً.

وقيل: هو اسم جامع لكلّ ما هو وسيلة للقرب منه تعالى، ولابدّ من الرغبة فيه والاجتهاد في طلبه؛ لأنّه حسن خيرة من اللّه تعالى كاسمه من بين الأسماء، والواضع لاحظ كمال المناسبة بينهما (1).

أو قال بعض الأعلام: المراد أنّ الخير لمّا دلّ بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضليّة، وما يطلق عليه في العرف والشرع من الأعمال الحسنة ، هي خير الأعمال، فالخير كاسمه، أي إطلاق هذا الاسم على تلك الاُمور على الاستحقاق، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي، أو المراد فالخير لمّا كان كلّ أحد يستحسنه إذا سمعه ، فهو حسن واقعا ، وحُسنه حُسن واقعي.

قال: والحاصل أنّ ما يحكم به عقول جماعة الناس في ذلك مطابق للواقع، ويحتمل أن يكون المراد باسمه ذكره بين الناس ، أي إنّ الخير ينفع في الآخرة كما يصير سبباً لرفعة الذكر في الدنيا(2).

(ودَع الشرّ لكلّ مفتون) بالدنيا وشرورها.

(يا موسى، اجعل لسانك من وراء قلبك تَسلم) ؛ يعني إذا أردت التكلّم بشيء كانيا ما كان ، فابدأ أوّلاً باستعمال القلب والعقل والتفكّر والتأمّل فيه وملاحظة نفعه وضرّه ، فإن وجدته نافعا فتكلّم به ، فيكون استعمال اللسان بعد استعمال القلب ووراءه.

ويحتمل أن يكون المراد النهي عن النطق بما لا يعتقدها بالقلب.

(وأكثر ذكري في الليل والنهار تَغنم) .

الغَنيمة والغُنم، بالضمّ وبالفتح والتحريك: الفيء، والفوز بالشيء بلا مشقّة ، وفعله كعلم، والمراد هنا ما يعمّ غُنم الدنيا بصلاح الحلال ورفاه البال، وغُنم الآخرة بالعبادة وحسن المآل، وفيه حذف ما يُغنم به.

(ولا تتّبع الخطايا فتندم) .

«لا تتّبع» من المجرّد، أو من الاتّباع بتشديد التاء على احتمال. يقال: تبعه _ كفرح _ تَبَعا

ص: 467


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 331
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج 25، ص 99

وتَباعا : مشى خلفه، ومرّ به فمضى معه، واتّبعتهم إذا كانوا سبقوك فلحقتهم، وأتبعتهم غيري .

والخطيئة: الذنب، أو ما يتعمّد منه، كالخِطاء _ بالكسر _ والخَطاء: ما لم يتعمّد.

والجمع: الخطايا، واتّباعها: ارتكابها، والندامة بها تكون وقت الموت وبعده عند معاينة ثمراتها.

(فإنّ الخطايا موعدها النار) أي موعد صاحبها على طريق الكناية.

وقوله: (أطب الكلام...) من الإطابة، وهي التكلّم بالكلام الطيّب، أي بشّرهم بما يعملون .

(واتّخذهم لغيبك إخواناً) أي اتّخذهم إخواناً ليحفظوك في غيبتك بأن لا يذكروك فيها بسوء، ويدفعوا عنك الغيبة، ويكونوا ناصحين لك عند ما تغيب عنهم .

وقيل: يحتمل أن يراد بالغيب القيامة لغيبتها عن الحسّ (1) . وقيل: أي يدعون لك في ظهر الغيب، أو يحملون ثقل نفسك وعيالك عند غيبتك فيهم (2).

وفي بعض النسخ: «لعيبك» بالمهملة، أي لستره، أو عفوه، أو إصلاحه.

و«إخواناً» نصب على البدليّة من ضمير الجمع، أو على الحاليّة عنه.

(وجدّ معهم) يعني في حوائجهم .

وقوله: «يجدّون معك» حال عن الضمير المجرور، أي حال كونهم.

(يجدّون معك) في حوائجك.

ويحتمل أن يراد بالجدّ في الموضعين بذل الوسع في الطاقة في الطاعات أو الاجتهاد، والسعي في الاُمور مطلقاً.

والمراد بالزاد في قوله: (فتزوّد زادَ ...) ما ينفع في الآخرة من الورع والتقوى، والمراد بالورود عدم الارتياب فيه وتيقّنه .

وقوله: (فكثير قليله) إمّا بدولة ثوابه ودوامه، أو لمضاعفة ثوابه بالأضعاف التي لا يحصيها غيره تعالى، أو لتنميته سبحانه بيده وتربيته، وهكذا نظيره «عظيماً» و«قليله كثير» .

وقوله: (وما اُريد به غيري) يعني الانفراد ، أو الاشتراك .

(فقليل كثيره) .

قيل: لعلّ المقصود من الفقرتين صريحا نفي القلّة في الأوّل والكثرة في الثاني، وضمنا

ص: 468


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 100
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 332

حصر الصحّة والقبول في الأوّل، ونفيهما عن الثاني بناء على مقدّمة ضروريّة ومقدّمة شرعيّة؛ أمّا الاُولى فهي أنّ كلّ ما لزم من وجوده عدمه، أو وجود ضدّه المستلزم لعدمه كان محالاً، وعلى هذا كانت القلّة في الأوّل والكثرة في الثاني محالان ؛ إذ لزم من فرض الاُولى ضدّها وهو الكثرة، ومن فرض الثانية ضدّها وهو القلّة ، فلا توجد القلّة في الأوّل ، والكثرة في الثاني .

وأمّا الثانية فلأنّ العمل الواحد الصحيح المقبول كثير، فسلب الكثرة عن الأعمال المتعدّدة إنّما هو لعدم صحّتها وقبولها (1).

(وإنّ أصلح أيّامك الذي هو أمامك) وهو يوم القيامة، أو يوم الخروج من الدنيا، وكونه أصلح بالنظر إلى حال المؤمن ظاهر؛ فإنّه يوم تشرّفه بالكرامة، ودخوله دار المقامة.

وأمّا بالنظر إلى سائر الناس فأصلحيّته باعتبار كونه أهمّ وأحرى لأن يجتهد في إصلاحه والعمل له، كما أشار إليه بقوله: (فانظر أيّ يوم هو).

فيه تهويل وتعظيم لشذوذ ذلك اليوم وصعوبته، وامتيازه فيها عن سائر الأيّام.

وكذا في قوله: (فأعدّ [له] الجواب).

ثمّ علّل ذلك بقوله: (فإنّك موقوف به) (2).

الضمير للجواب، أي متلبّساً به، أو لأجله، أو بسببه ، أو لليوم. والباء للظرفيّة، ولفظة «به» ليست في كثير من النسخ.

(ومسئول) عن عملك وصنيعك مطلقاً.

وقيل: أمره بإعداد الجواب أمر بضبطه جميع حركاته النفسانيّة والبدنيّة ومكاسب المال ومصارفه ووزنه بميزان الشرع بإسقاط الزائد وإتمام الناقص؛ فإنّه إذا فعل ذلك في أيّام عمره، وسئل يوم القيامة عمّا صنع، كان جوابه النافع حاضراً، وإن كان خلاف ذلك كان جوابه صَعبا ، والخروج عن عهدة الجواب مشكلاً(3).

(وخذ موعظتك من الدهر وأهله) .

الدهر: الزمان الطويل.

وقيل: لعلّ المراد من الدهر هنا عمر كلّ شخص، وهو يذهب مع

ص: 469


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 332
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : _ «به»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333

أهله، ويبقى عليه ما اكتسبوا من خير أو شرّ، ثمّ علّل الأخذ أو الموعظة بقوله: (فإنّ الدهر طويله قصير)؛ لسرعة انقضائه (1).

(وقصيره طويل)؛ لإمكان تحصيل السعادات العظيمة الكثيرة الأبديّة في القليل منه .

وقيل: لطول الأمل فيه(2).

وقيل: لعلّ المراد أنّ طويله قصير في نفس الأمر لسرعة زواله، ولأنّه الذي أنت فيه، وقصيره طويل باعتبار طول الحساب والجزاء، ولا يخفى لطف هذه الفقرة لإيهام حمل الشيء على ضدّه ظاهراً مع إفادة معنى لطيف، والمقصود منها الترغيب على العمل للآخرة ، ورفض الركون إلى الدنيا وعيشها(3).

(وكلّ شيء فان) استئناف لبيان سابقه؛ فإنّ من علم وتيقّن فناء كلّ شيء من الدهر لم يلتفت إليه أصلاً.

وقيل: هما مرفوعان على الابتداء والخبر، معطوفان على محلّ اسم «إنّ» وخبرها، كما في قولك: إنّ زيداً قائم وعمرو قاعد ، أو الأوّل منصوب والثاني مرفوع عطفاً على لفظ اسم «إنّ» وخبرها(4).

وقوله: (فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك...) تفريع على ما ذكر من أخذ الموعظة، وفناء كلّ شيء؛ فإنّ العلم بذلك يقتضي الكدّ والاجتهاد في العمل الذي يرى بعين البصيرة ثوابه، ويتيقّن بحصوله، وهو العمل الخالص من شوب الرياء والسمعة، وتلك الرويّة ملزوم لتعلّق الطمع في الآخرة قطعاً.

(فإنّ ما بقي من الدنيا كما وَلّى منها) .

يقال: ولّى تولية، إذا أدبر.

قيل: كأنّه تعليل لقوله: «وكلّ شيء فان»، وإشارة إلى أنّ الدهر يجري بالباقين كجَريه بالماضين، ويذهب دهر الباقين معهم كما ذهب دهر الماضين معهم، ويكون آخره كأوّله؛ إذ اُموره وأطواره متشابهة، وأفعاله وآثاره متناسبة، وطبيعته التي يعامل الناس بها قديماً وحديثاً متعاضدة يتبع بعضها بعضاً، وفيه تنبيه للسامعين ليتذكّروا أنّهم أمثال الماضين، وأنّهم لاحقون بهم، وتحريك لهم على العمل لما بعد الموت والاستعداد له(5).

ص: 470


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 129
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 333

(وكلّ عامل يعمل على بصيرة ومثال) (1).

المثال : المقدار ، وصفة الشيء ، وقيل : أي كلّ من يعمل ما هو حقّ العمل إنّما يكون عمله على بصيرة ويقين وعلم بكيفيّة العمل وحقيّته وما يعمل له ، وعلى مثال يتمثّله في الذهن من الثمرة المقصودة لعمله ، أو على مثال من سبقه من العالمين والمقرّبين .

قال : ويحتمل أن يكون المراد بالعامل أعمّ ممّن يعمل الحقّ أو باطل ، فقوله : «على بصيرة» المراد به أعمّ ممّا هو باليقين أو الجهل المركّب ، والمراد بالمثال أعمّ من المضيّ على سبيل أهل الحقّ ، وطريق أهل الضلال .

ويحتمل أن يكون الواو في قوله: «ومثال» بمعنى «أو» ، أي كلّ عامل إمّا يعمل على بصيرة في الحقّ ، أو على مثال من سبق على وجه الضلال ، فاختر لنفسك أيّهما أحرى وأولى(2).

(فكن مُرتاداً لنفسك) .

الارتياد: الطلب، والمراد به هنا طلب العمل على وجه التفكّر في أوّله وآخره ، وحسنه وقبحه ، ومورده ومأخذه، ولما كان العمل هو النافع أمره بطلبه ، كما أشار إليه بقوله: (لعلّك تفوز غداً يوم السؤال) ، وأمّا غيره من سائر الأعمال فلا ينفع يوم السؤال، بل يصير موجباً لمزيد الوبال والنكال.

(فهنالك يَخسر المبطلون) .

الخُسر والخسران: النقص ، والغبن في التجارة .

والمبطلون : الذين يبطلون أعمالهم بترك شرائطها، أو فعل ما يبطلها ، أو الذين يعملون بآرائهم وأهوائهم لا يدينون إلّا بدين أسلافهم وآبائهم.

(ألق كفّيك) .

قيل: أي في السجود على الأرض، أو عند القيام بمعنى إرسالها (3).

ص: 471


1- في الحاشية : «هذا الكلام لضرورة أنّ كلّ عامل يتوجّه ذهنه إلى عمل معلوم ، ومثال متمثّل في خياله ، سواء كان ذلك العمل مستندا إلى وحي ربّانيّ ، أو اختراع نفسانيّ ، أو إلهام شيطاني . صالح «شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 333»
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 100 و101
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 . ص 101

وقيل: كأنّه أمره برفع اليدين إلى السماء في القنوت والدعاء ، أو بالسجود [له] والتضرّع فيه عند ورود الحاجة (1).

والذلّ بالضمّ : الهوان ، وبالضمّ والكسر : ضدّ الصعوبة .

وقوله: (رحمت) على صيغة الغائب المجهول، أو المتكلّم المعلوم.

وقوله: (سلني من فضلي.

.

.

) .

الفضل: ضدّ النقص، ويطلق غالباً على النعم الدنيويّة ، والرحمة على المثوبات الاُخرويّة.

وقيل: المسئول إمّا الفضل والرحمة، أو بعضهما على أن تكون «من» زائدة، أو للتبعيض، أو المفعول محذوف، وهو خير الدنيا والآخرة على أن تكون للتعليل، والمقصود حثّه على صرف وجه السؤال إليه ، وفراغه عن الغير ، والاشتغال بالتضرّع بين يديه؛ فإنّه مالك الفضل والرحمة يهيّئ له أسباب مسؤوله ومغلوبه (2) .

وقوله: (كيف رغبتك فيما عندي) أي كيف رجاؤك وشوقك إلى ما تطلبه.

وهذا الكلام تقوية للرجاء ، وترغيب في حسن الظنّ به في إعطاء مسئوله ومرغوبه.

وفي بعض الروايات: «والذي لا إله إلّا هو، ما اُعطي مؤمن إلّا بحُسن ظنّه» (3).

(لكلّ عامل جزاء) في الدارين، أو في إحداهما .

وفيه زيادة ترغيب فيما ذكر.

(وقد يُجزى الكفور بما سعى)؛ إمّا في هذه النشأة، أو في النشأة الاُخرى، بتخفيف ما عليه من العذاب، فلا ينبغي أن ييأس الكفور من رحمته، فكيف بالشكور؟! (يا موسى، طب نفسك عن الدنيا) أي معرضاً عنها ، أو بالإعراض عنها .

(وانطو عنها) .

في القاموس: «طوى الصحيفة يطويها فانطوى، وكشحه عنّي : أعرض مهاجراً»(4).

ص: 472


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 334
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 334
3- راجع : الكافي ، ج 2 ، ص 71 ، باب حسن الظنّ باللّه ، ح 2 ؛ فقه الرضا عليه السلام ، ص 360 ؛ الاختصاص ، ص 227 ؛ أعلام الدين ، ص 255 و455
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 358 (طوي)

ولما كان طيب النفس والسرور بالإعراض عن الدنيا والانطواء عنها غاية الزهد فيها، أمره عليه السلام بهما، وعلّل الأمرين بقوله: (فإنّها ليست لك ولستَ لها)؛ فإنّها باعتبار ما فيها من الزهرات واللذّات يليق بالفاسقين، وليس فيها نصيب لأهل أعلى علّيّين.

(ما لك ولدار الظالمين) ؛ يعني الدنيا، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم وأهليهم بالغرور بها والركون إليها، وفيه تحذير عنها على سبيل الإنكار والتوبيخ في الاشتغال بشهواتها.

ثمّ أشار إلى أنّها ليست مذمومة من جميع الوجوه بقوله: (إلّا لعامل فيها بالخير ؛ فإنّها له نعم الدار)، فهي ممدوحة بهذا الاعتبار، والظاهر أنّ هذا الاستثناء منقطع.

وقيل: يمكن صرفه إلى الاتّصال بأن يكون المراد بالظالم العامل بالظلم، فهو من حيث هو مع قطع النظر عن تقييده بالظلم يصدق على العامل (1) . فليتأمّل.

وقوله: (فاسمع) أي سماع انقياد بحمل نفسك على الامتثال.

(ومَهما أراه فاصنع) .

الضمير للموصول، والرؤية بمعنى العلم ، والمفعول الثاني محذوف؛ أي مهما أرى الذي آمرك به خيراً لك فاصنع ، وكون الرؤية بمعني الإبصار محتمل بعيد.

وقال بعض الأعلام في شرح هذا الكلام: أي اصنعه بمشهد منّي عالماً بأنّي أراك.

قال: ونظيره قول نبيّنا صلى الله عليه و آله : «الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»(2).

وقيل: أي بكلّ وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه؛ يعنى افعل الأوامر في أوقاتها التي أمرتك بأدائها فيها.

أو المراد: افعلها في كلّ وقت؛ فإنّي أراه في كلّ حين.(3).

(خذ حقائق التوراة) لعلّها الاُمور الحقيقيّة الواقعيّة المخزونة فيها.

وقيل: أي المعاني الأوّليّة وما فوقها، والأسرار الإلهيّة والنصائح والمواعظ الربّانيّة المذكورة فيها .(4)

ص: 473


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 335
2- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 129
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 101
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 335

(وتيقّظ بها) أي اُترك النوم بقراءة التوراة والعمل بأحكامها، أو المراد: كن متيّقظاً متنبّهاً متذكّرا بحقائقها.

(في ساعات الليل والنهار) أي في جميع الأوقات.

(ولا تمكّن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وَكْرا كوَكر الطير) .

التمكين والإمكان بمعنى، وأبناء الدنيا: المائلون إليها، والمفتونون بزخارفها، والمنتسبون إليها، كانتساب الابن إلى أبيه.

والوَكر، بالفتح: عشّ الطائر، وإن لم يكن فيه.

وقال بعض الأفاضل:

أي لا تُخطرهم ببالك، ولا تشغل قلبك بالتفكّر فيهم وفيما هم فيه من نعم الدنيا؛ فإنّه إذا أعتدت ذلك، ومكّنت الشيطان من نفسك فيه، يصير صدرك وكراً لذكرهم، ولا يمكنك إخراج حُبّ أطوارهم من صدرك، فيصير ذلك سبباً لرغبتك إلى دنياهم، فتصير إلى مأواهم.

ويحتمل أن يكون المراد عدم الإصغاء إلى كلام المفتونين بالدنيا الذاكرين لها، فيجعلون الصدور وكرا لكلامهم الذي يوجب الافتنان بالدنيا (1).

والحاصل أنّه تعالى نهاه عن تمكينه إيّاهم من صدوره وميل قلبه إليهم؛ لئلاّ يتصرّفوا فيه، ولا يلازموه كملازمة الطائر وكره، فينجرّ إلى تولّد حبّ الدنيا منهم.

(يا موسى، أبناء الدنيا وأهلها) الراغبون إليها (فتن) بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، والتنوين للتعظيم.

ويحتمل كونه على صيغة الماضي المجهول.

(بعضهم لبعض، فكلّ) بالتنوين عوضاً عن المضاف إليها، أي كلّهم.

(مزيّن له ما هو فيه) من شهوات الدنيا وزخارفها زيّنها له الشيطان .

وهذا الكلام كالتأكيد لسابقه، وتنبيه على ترك مجالستهم ومخالطتهم؛ لأنّهم زينة الدنيا لمن انتسب بهم، وجلس إليهم، وذلك منشأ للفتن.

(والمؤمن من زُيّنت له الآخرة) أي صارت له مزيّنة، أو زيّنها اللّه تعالى له، وبيّن أوصافها

ص: 474


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 102

ونعيمها في كتبه وبألسِنَة رسله.

(فهو ينظر إليها ما يَفتر) .

كلمة «ما» نافية، والفتور: السكون بعد المدّة، واللين بعد الشدّة، والضعف، وفعله كنصر. والمراد بالنظر البصيرة القلبيّة، والإدراك العقليّة.

(قد حالت شهوتها بينه وبين لذّة العيش) أي صارت لذّة الآخرة حائلاً بينه وبين لذّة عيش الدنيا؛ لأنّ ملاحظة فضل الآخرة على الدنيا والعلم بتفاوت ما بينهما يبعثه على العمل للآخرة ونيل مشتهياتها، ورفض لذّات عيش الدنيا.

(فأدلجته بالأسحار) .

الدَّلج _ محرّكة _ والدلجة بالضمّ والفتح: السير في أوّل الليل، وقد أَدْلَجُوا بالتخفيف، بأن ساروا في آخره ، فادّلجوا بالتشديد، نصّ عليه أهل اللغة.

وظاهر العبارة هنا استعماله متعدّيا بمعنى التيسير بالليل، والمعروف في كتب اللغة استعماله؛ لأنّها كما عرفت، ولعلّه هنا على الحذف والإيصال، أي أدلجت به أو معه وباعتبار تضمين معنى التصيير ، أي صيّرته شهوة الآخرة مدلجاً سائرا في آخر الليل مشتغلا بالعبادة ؛ لعلمه بأنّ تلك الشهوة لا تنال إلّا به .

(كفعل الراكب السابق (1). ) بالباء الموحّدة.

(إلى غايته) أي خطره ومقصده؛ يعني كالراكب الذي يسابِق قرنه إلى الغاية التي يتسابقان إليها، وأصل الغاية المدى والنهاية .

وما قيل من أنّ المراد بها هنا الجنّة والفوز بالكرامة والقرب والوصال والحبّ أو الموت (2). ، فساده يظهر بأدنى تأمّل.

وبالجملة شبّه سير ذلك المؤمن بسير الراكب السابق إلى غايته لعلمه بأنّها لا تنال إلّا به.

وقيل: يمكن أن يكون المشبّه به سير الراكب المسافر، والوجه هو الوصول إلى المطلوب والراحة والنجاة من الشدائد(3).

ص: 475


1- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 102
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله وكلتا الطبعتين : «السائق»
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 336

(يظلّ كَئيبا) إلى قوله : (من السرور) .

في المصباح : «ظلّ يظلّ ، كذا يظلّ ظُلولاً ، إذا فعله نهاراً» (1). قال الخليل: «لا تقول العرب: ظلّ إلّا لعمل يكون بالنهار»(2).

وفي القاموس: «الكآب والكأبة والكآبة: الغمّ، وسوء الحال، والانكسار من حزن، كئب _ كسمع _ فهو كئيب وكئِب» (3). انتهى.

والمعنى أنّه يكون في نهاره مغموماً، وفي ليله محزوناً لطلب الآخرة ، ولما فاته من أسباب الوصول إليها، وللغربة والخوف من التقصير وسوء الخاتمة، ولكن لو كشف الغطاء حتّى يشاهد ويعاين ما اُعدّ له في الآخرة لحصل له من السرور ما لا يُعدّ ولا يحصى.

وقوله: (الدنيا نطفة...) أي أنّها شيء قليل لا تصلح نعمتها لحقارتها أن تكون ثواباً للمؤمن، ولا بلاؤها وشدّتها لقلّتها وانقطاعها أن تكون عقوبة وانتقاماً من فاجر .

والنطفة بالضمّ: ماء الرجل، والماء الصافي قلّ أو كثر، وقليل ماء يبقى من دَلو أو قربة.

قيل: هو من أعزب العبارات وأعجبها، وأفصح الكنايات من الماء القليل(4).

وفي القاموس: «النقمة ، بالكسر والفتح وكفرحة: المكافأة بالعقوبة» (5).

(فالويل الطويل) (6). في بعض النسخ: «الدائم» بدل «الطويل».

(لمن باع ثوابه مَعاده بلَعقة لم تَبق) .

في بعض النسخ: «بلُقَطَة»، وهي ما يؤخذ من المال المظروح. وفي بعضها: «بلُعبة»، وهي بالضمّ: التمثال، وما يلعب به من الشطرنج ونحوه، استعير لأمتعة الدنيا لعدم الانتفاع بها، أو لكونها كلّ يوم في يد أحَد.

قال الفيروزآبادي: «لعقه _ كسمعه _ لَعقة، ويضمّ : لحسه ، واللعقة: المرّة الواحدة، وبالضمّ: ما تأخذه في المِلعَقة» (7).

شبّه بها حطام الدنيا في القلّة والخسّة والحقارة، واُريد ببيع ثواب المعاد بها تبديل ما

ص: 476


1- المصباح المنير، ص 386 (ظلل)
2- كتاب العين ، ج 8 ، ص 149 (ظلل) مع اختلاف يسير
3- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 120 (كأب)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 337
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 183 (نقم)
6- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «الدائم»
7- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 280 (لعق)

يوجبه من الزهد والورع ونحوهما بها، وهذا التبديل يوجب الويل، وهو حلول الشرّ والفضيحة والتفجّع والعذاب، أو هو واد في جهنّم، أو بئر فيها.

(وبَلعة (1). لم تَدُم) . في بعض النسخ: «وبلَعسة».

قال الفيروزآبادي: «بَلِعه كسمعه : ابتلعه» (2). وقال: «اللَّعس، كالمنع: العضّ» (3).

والمراد هنا ما يقطعه بأسنانه من شيء مأكول مرّة واحدة.

(وكذلك) (4).

الواو إمّا للاستئناف، أو للحال؛ أي والحال أنّ الدنيا والآخرة وأهلها كما وصفت لك، ليس إلّا (فكن (5). كما أمرتك) ممّا فيه صلاحك من طيب النفس عن الدنيا والإنطواء عنها ونحوهما ممّا ذكر.

(وكلّ أمري رَشاد) .

فيه ترغيب في أخذ ما ذكر، أي كلّ أمر من أوامري سبيل رشاد واهتداء يوصلك إلى ما فيه نجاتك في الدارين، وأصل الرشاد مصدر، يقال: رشد _ كنصر وفرح _ رُشدا ورَشَدا ورَشاداً، إذا اهتدى، فحمله على الأمر مبالغة، أو اُريد به ما يُرشد ويهتدى به .

(إذا رأيت الغنى مقبلاً ...) .

الغنى ، كإلى ؛ ضدّ الفقر، يعني إذا أقبل إليك الغنى واليسار من زخارف الدنيا، فقل: هذا عقوبة ذنب وجُرم صدر منّي، قد عجّلت لي في هذه النشأة استدراجا وإغفالاً عن النشأة الآخرة، وحمل الذنب على الغنى مبالغة في سببيّتها واستتباعها لذنوب كثيرة مثل الكبر والفخر والاستطاله ومنع الحقوق الواجبة.

وقوله: (مرحباً بشعار الصالحين) نصبه على المفعول به، أي آتيت أو صادفت سعة أو مكاناً واسعاً، من الرُّحب بالضمّ، وهو السعة، والباء للإلصاق.

وقيل: للمصاحبة، أو للسببيّة(6).

والشِّعار، بالكسر، ويفتح: العلامة، وما تحت الدثار من اللباس، وجمعه: أشعرة وشُعُر .

وفيه مبالغة في كمال لزومه والتصاقه بالصالحين، حتّى إنّه علامة بها يتميّز الصالح من الطالح.

ص: 477


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 337
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «وبِلَعْسَة»
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 7 (بلع)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 249 (لعس)
5- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «فكذلك»
6- في المتن الذي نقله الشارح رحمه اللهسابقا : «فلتكن»

(ولا تكن جبّارا ظلوماً) .

الجبّار: كلّ عات متمرّد، والقتال في غير حقّ، والمتكبّر الذي لا يرى لأحد عليه حقّا.

والظلوم: فَعول من الظلم، وهو النقص : وضع الشيء في غير موضعه.

(ولا تكن للظالمين قريناً) أي مقارنا مصاحبا ؛ لأنّ صحبتهم تميت القلب، وتميل إلى الظلم والرضا به.

(يا موسى، ما عمر وإن طال يُذَمّ آخره) .

كلمة «ما» استفهاميّة، أيّ شيء عمر يذمّ آخره وإن طال. أو نافية بتقدير الخبر؛ أي ليس عمر ويذمّ آخره بعمر وإن طال.

وفيه على التقديرين ترغيب على رعاية حسن الخاتمة، وتحصيل ما يوجبه في كلّ وقت من أوقات العمر؛ لأنّه يحتمل أن يكون آخره.

وفي بعض النسخ: «يدوم» بدل «يذمّ»؛ أي لا يوجد عمر يدوم ولا ينقطع آخره وإن طال، فكلمة «ما» نافية.

وفي بعضها: «ما يذمّ» بزيادة «ما»، فيحتمل كون كلمة «ما» في الموضعين نافية؛ أي لا يوجد عمر لا يذمّ آخره بالفناء والانقطاع وإن طال.

ويحتمل كونها استفهاميّة في الأوّل، نافية في الثاني؛ أي أيّ عمر لا يذمّ آخره بما ذكر؟! ويحتمل كونها نافية في الأوّل، موصولة أو خبريّة في الثاني؛ أي ليس بعمر ولا يحسب منه العمر الذي يذمّ آخره بالتضييع أو بالزوال وإن طال.

(وما ضرّك ما زُوي عنك إذ حُمدت مَغَبّته) أي ما ضرّك ما قبض منك، واُخذ أو نقص من المال والعمر وغيرهما إذا كانت عاقبته محمودة. يقال: زواه عنه، إذا نحّاه وقبضه. والمَغَبّة، بفتح الغين المعجمة وتشديد الباء الموحّدة: عاقبة الشيء، كالغِبّ بالكسر .

(يا موسى، صرخ الكتاب) بكسر الكاف، أي التوراة، أو كتاب الأعمال. أو بضمّها وتشديد التاء، أي الحفظة.

(إليك صُراخا بما أنت إليه صائر) بعد الموت من أحوال البرزخ والقيامة وأهوالهما ، ودرجات المطيعين ، ودركات العاصين.

ص: 478

وقيل: فيه استعارة مكنيّة وتخييليّة بتشبيه دلالة الكتاب بنطق الناطق وصراخه، واستعاره الفعل له (1).

وفي القاموس: «الصَّرخة: الصيحة الشديدة، وكغراب: الصوت، أو شديده» (2).

وفي بعض النسخ: «صرّح» و«صراحا» بالحاء المهملة. قال الجوهري: «صرّح فلان بما في نفسه، أي أظهره، وشتمت فلاناً مصارحة وصراحا، أي مواجهة، والاسم: الصُّراح، بالضمّ»(3).

(فكيف تَرْقُد) بضمّ القاف، أي تنام على هذا، أي على ما ذكر من صراخ الكتاب بمصير الأمر وعاقبته.

وقوله: (العيون) بالرفع، فاعل «ترقد»، والاستفهام للتعجّب، أو للتوبيخ بترك التيقّظ ، ورفض الطاعة في ساعات الليل.

(أم كيف يجد قوم لذّة العيش) في الدنيا (وكيف يرضى بها لو لا التمادي في الغفلة) عمّا ذكر من صراخ الكتاب ومآل الأمر. والتمادي: التباعد في الغيّ والضلال.

(والاتّباع للشقوة، والتتابع للشهوة) .

قال بعض العلماء:

هذه الاُمور الثلاثة أسباب لنوم العين ووجدان لذّة العيش؛ لأنّها حجب ظلمانيّة مضروبة على الجوهر القدسي، مانعة له عن رؤية أحوال الآخرة، ولو قد كشفت تلك الحجب عنه لرآها بعين اليقين، وعلم أنّه من أين جاء، ولِمَ جاء، وإلى ما يصير.

واستعمل جميع الجوارح فيما يحتاج إليه بعد العود، فلا ينام ، ولا يجد لذّة العيش شوقا إلى درجات الآخرة ومثوباتها، وخوفاً من دركاتها وعقوباتها(4).

(ومن دون هذا) .

قيل: أي من عند تمادي الخلق في الغفلة(5).

(يجزع (6) الصدّيقون)؛ لمشاهدتهم مخالفة الربّ، وصعوبتها عليهم.

ص: 479


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 338
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 263 (صرخ)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 382 (صرح) مع التلخيص واختلاف يسير
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 338
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 338
6- في الحاشية عن بعض النسخ: «يفزع»

أو من غير التمادي في الغفلة يجزع الصدّيقون من التقصير؛ لعلمهم بأنّه تعالى مستحقّ للعبادة لذاته، وإن لم تكن الجنّة والنار.

وقيل: معنى قوله: «من دون هذا» أقلّ من هذا التذكار الذي صرّح وصاح به الكتاب، يكفي لجزع الصدّيقين، أي الكاملين في تصديق الأنبياء(1).

وقوله: (يدعوني على ما كان) أي لأيّ أمر كان، جليل أو حقير ، مغفرة ذنب أو دفع بلاء أو قضاء حاجة.

ولما كان الاجتهاد في الدعاء وحسن الظنّ باللّه تعالى أمرا مطلوبا، ولا يتحقّق إلّا بأن يُقرّ الداعي له تعالى بأوصاف مقتضية لهما باعثة عليهما، أشار إليها بقوله: (بعد أن يُقرّوا لي أنّي أرحم الراحمين)؛ إذ لو لا الإقرار به لكان الداعي غافلاً عنه، أو حاكماً بالتساوي، أو مرجّحاً رحمة الغير، أو منكراً لرحمته تعالى، والكلّ ينافي الاجتهاد وحسن الظنّ باللّه .

(مُجيب المضطرّين)؛ إذ لو لا الإقرار به، لجوّز أن لا يجيبه؛ لعدم المنافاة بين السلب والإيجاب الجزئيّين، وهذا يوجب الفتور فيما ذكر.

(وأكشف السوء)؛ إذ لو لا الإقرار به، لجوّز أن لا يكشف سوءه، وهو أيضا ينافي ما ذكر.

(واُبدّل الزمان، وآتي بالرخاء)؛ إذ لم يقرّ بأنّ تبديل الزمان من الرخاء إلى الشدّة وبالعكس، وإتيان الرخاء منه تعالى، لجوّز أن يكون ذلك من غيره، فهذا الغير أولى بالرجوع إليه، وهو أيضا مناف لما ذكر.

وكذا الأوصاف الآتية.

(وأشكر اليسير) . لعلّ المراد: أقبل القليل من العمل .

(واُثيب الكثير) عن العمل .

والكثير إمّا صفة لمصدر محذوف، أي اُثيب الثواب الكثير، أو مفعول «اُثيب» بحذف الموصوف، أي اُثيب العمل الكثير، والمراد إثابة صاحبه.

وقوله: (وانضوى إليك)؛ أي آوى ، وانضمّ إليك.

قال الجزري: «فيه: ضوى إليه المسلمون. أي مالوا. يقال: ضَوى إليه ضَيّاً وضُوياً

ص: 480


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 103 و104

وانضوى إليه»(1).

وفي الفائق: «ضوى إليه وأضواه: آواه، فانضوى»(2).

(من الخاطئين) بيان للموصول، ولعلّ ميله إليه عليه السلام للاعتذار وطلب الاستغفار والاعتراف بالذنب، ويحتمل الأعمّ.

(فقل: أهلاً وسهلاً).

هذا كلام تقوله العرب في مقام التعظيم والتكريم، أي صادفت أهلاً لا اُجانب وعذبا ، أو آتيت مكانا مأمولاً معمورا، لا خراباً، ووطّأت سهلاً من البلاد لا حزنا .

(بأرحب الفناء) (3). أي أوسطه.

(بفناء ربّ العالمين) .

الرُّحب، بالضمّ: السعة، وبالفتح: الواسع. والفِناء، بالكسر: ما امتدّ من جوانب الدار، وما اتّسع من أمامها.

والظاهر أنّ الظرف الأوّل متعلّق بمحذوف، مثل آتيت، والثاني بدل من الأوّل، أو الأوّل متعلّق ب «أهلاً وسهلاً» ، والثّاني متعلق ب «أرحب» .

وقيل : وصف اللاجي بأنّه أوسع الفناء بفناء ربّ بالعالمين من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ؛ لقصد الإيضاح والدلالة على تعظيمه وتوقيره؛ فإنّ قولنا: فلان أوسع المكان في باب السلطان، يدلّ على ذلك(4).

وفي بعض النسخ: «يا رحب الفناء» بصيغة النداء، أي يا من فناؤه الذي نُزل به رحب، فقوله: «بفناء» متعلّق بمقدر، أي نزلت به، أو متعلّق بالرحب، ويؤيّد هذه النسخة ما في تحف العقول: «يا رحب الفناء نزلت بفناء ربّ العالمين»(5).

وفي قوله: (طوبى لك يا موسى) إلى قوله: (مستغفر للمذنبين) حثّ وترغيب للعلماء والرؤساء على التزام تلك الأوصاف حيث صرّحه عليه السلام بها.

ص: 481


1- النهاية ، ج 3 ، ص 105 (ضوأ)
2- الفائق في غريب الحديث، ج 2، ص 293
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقا : «يا رحبَ الفناء»
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 339
5- تحف العقول ، ص 495

وفي كتاب تحف العقول هكذا: «وأنا ذو الفضل العظيم، كهف الخاطئين»، وليس فيه قوله: «طوبي لك» بعد قوله: «العظيم»، فيكون «كهف الخاطئين» إلى آخر الأوصاف وصفاً له تعالى، ومن ثمّ قيل: تقدير الكلام هنا أيضا: «أنا كهف الخاطئين»، لكن في بعض نسخ الكتاب بعد قوله: «كهف الخاطئين»: «وأخو المذنبين»، فحينئذ يتعيّن كون تلك الأوصاف لموسى عليه السلام كما قلناه أوّلاً.

(إنّك منّي بالمكان الرضيّ) فَعيل بمعنى مفعول.

وقيل: المراد بالمكان مكان النبوّة والرسالة ، والقرب ، والسعادة ، ورئاسة الدارين(1).

(فادعُني بالقلب النقيّ) بالنون، أي الخالص من الشكوك والشُّبَه، أو عن الرذائل كلّها.

وفي بعض النسخ: «التقي» بالتاء الفوقانيّة.

(واللسان الصادق)؛ هو ضدّ الكاذب. وقيل: الموافق للقلب، أو مع حضوره وفراغه عن الغير؛ إذ لو كان قلب طالب الحاجة منه غافلاً عنه ومشغولاً بالغير، عدّ كاذبا بل مستهزئا (2).

(ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مُبتداه)، بل مبتداه وإنشاؤه منه تعالى تطوّلاً على عباده، بلا سبق استحقاق ، وقد مرّ مثله .

(وتقرّب إليّ) بالصالحات ورفع الحاجات.

قال الجوهري: «تقرّب إلى اللّه بشيء، أي طلب به القربة عنده»(3).

(فإنّي منك قريب) .

الظاهر يكون الفاء للتعليل؛ لأنّ قربه سبحانه من عباده مع استغنائه عنهم يقتضي تقرّبهم منه تعالى، مع كمال احتياجهم إليه.

وقيل: تقديم الظرف لقصد تعظيم المخاطب، ولئلاّ يقع الفصل بينه وبين اللّه تعالى، وإن كان لفظ القرب؛ لأنّه مشعر بالانفصال في الجملة.(4).

(فإنّي لم أسألك) أي لم اُكلّفك (ما يؤذيك ثِقَلُه ولا حمله) كأنّه تعليل آخر للأمر بالتقرّب، أو للدعاء والعمل المستفاد من الأمر بالتقرّب.

ص: 482


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 199 (قرب)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340

وقيل: الظاهر أنّ العطف للتأكيد والتفسير، وأنّ فيه حملاً وثقلاً في الجملة، إلّا أنّه لا يؤذيه لكثرة نفعه، كما أشار إليه بقوله: (إنّما سألتك أن تدعوني...)، وفيه ترغيب في الدعاء والسؤال، وفي الإتيان بالفاء التعقيبيّة المقتضية عدمَ التراخي دلالة على وقوع الإجابة سريعا(1).

(وأن تتقّرب إليّ بما منّي أخذتَ تأويله، وعليّ تمام تنزيله) .

يقال: أوّل الكلام تأويلاً وتأوّله، إذا دبّره وقدّره ونشره، والتأويل: تفسير ما يؤول إليه الشيء، وفي عرف الفقهاء اللفظ المفيد المرجوح الظاهر ، وكان المراد بالتنزيل المفرد ، وهو اللفظ المفيد الذي لا يحتمل غير معناه.

ولا يبعد أن يراد بالتنزيل اللفظ، وبالتأويل المعنى.

وقيل: لعلّ الموصول عبارة عن الكتاب، وما فيه من العلوم والأسرار والأحكام، وكلّ ذلك أسباب التقرّب إليه تعالى، والمراد بتأويله بيان باطنه وباطن باطنه ولازمه ولازم لازمه وهكذا؛ إذ للكتب الإلهيّة ظهور معلومة ، وبطون مكنونة تُعلَم بتعليم ربّاني وتأويل إلهيّ، وبتمام تنزيله تنزيل كلّ ما يحتاج إليه الاُمّة من أمر الدنيا والدين(2).

وقوله: (فإنّ فوقك فيها ملكا عظيما)؛ يحتمل أن يقرأ: «مَلِكا» بكسر اللام، وهو اللّه سبحانه، ونسبته إلى السماء؛ لأنّ ثوابه وجنّته وتقديراته وعجائب صنعه فيها.

وإن يقرأ بضمّ الميم وسكون اللام، وهو السلطان والعظمة.

وقيل: لعلّ المراد به ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي أراه خليله عليه السلام ليكون من المؤقنين، أو الجنّة وهي موجودة الآن في السماء عند أهل الحقّ، أي ملك السماء ملك عظيم يستدلّ بها على عظمة صانعها، أو أنّه ملك ينبغي أن يكون غاية الهمّة مصروفا إلى تحصيله، والغرض منه التنفير عن الدنيا، والحثّ على العبادة، وإظهار عظمته تعالى(3).

وقوله: (وتخوف العَطَب والمهالك).

يقال: تخوّف عليه شيئاً، أي خافه.

والعَطَب، بالتحريك: الهلاك، وهو الموت، والضياع.

وقيل: إنّما أمر بالتخوّف منهما؛ لأنّ الإنسان ما دام في الدنيا التي هي دار البليّة

ص: 483


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 340
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 341

والامتحان، وإن كان في غاية التقوى ونهاية الكمال ليس بآمن من انقلاب الحال وانعكاس المآل واتّباع أهواء النفس ومخاطرات الشيطان، ولذلك اجتهد العقلاء والصلحاء في طلب حسن العاقبة(1).

(ولا تغرّنّك زينة الدنيا وزَهرتها) .

الغرور: المخادعة والإغفال. وزهرة الدنيا، بالفتح وبالتحريك: بهجتها ونضارتها وحسنها. وأصل الزَّهرة: النبات ونَوره .

وقوله: (فإنّي للظالم رَصيد) أي منتظر لجزائه، ومترقّب لأخذه بغتة، يقال: رَصَد يرصُد بالضمّ، أي ترقّب، ورصد السبع، إذا رقّب الوثوب على صيده.

(حتّى اُديل منه المظلوم) أي جعل الدولة والغلبة للمظلوم على الظالم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما.

قال الجوهري: «أدالنا اللّه من عدوّنا، من الدولة ، والإدالة: الغلبة. يقال: اللّهمّ أدلني على فلان، وأنصرني عليه»(2).

(يا موسى، إنّ الحسنة) أي ثوابها (عشرة أضعاف).

قال الجوهري: «ضعف الشيء: مثله، وأضعافه: أمثاله»(3).

وفي القاموس:

ضعف الشيء، بالكسر: مثله، وضعفاه: مثلاه، أو الضعف: المثل إلى ما زاد.

ويقال: لك ضعفه، يريدون مثليه وثلاثة أمثاله؛ لأنّه زيادة غير محصورة(4).

(ومن السيّئة الواحدة الهلاك) .

فيه تنفير عن الإساءة، ووعيد عظيم للمسي?.

وقيل: المراد أنّ اللّه تعالى يعطي للحسنة عشره أضعافها، ويجازي بالسيّئة مثلها، ومع ذلك أكثر الناس يهلكون بفعل السيّئات، بأن يزيد سيّئاتهم على عشرة أمثال حسناتهم، كما ورد في الخبر: «ويل لمن غلب عليه آحاده أعشاره» (5). (6).

ص: 484


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 341
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1700 (دول)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1390 (ضعف)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 165 (ضعف)
5- .راجع : تفسير الرازي ، ج 14 ، ص 9
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 105

وقوله: (قارب ، وسَدّد) .

يقال: قارب في الأمر، إذا ترك الغلوّ وقصد السُّداد. وسدّد سديداً، أي قصده (1) ووفّقه للسداد، أي الصواب من القول والعمل.

قال الجزري: «فيه: سدّدوا وقاربوا . أي اقتصدوا في الاُمور كلّها، واتركوا الغلوّ فيها والتقصير. يقال: قارب فلان في اُموره، إذا اقتصد»(2).

وقال في السين مع الدال: «فيه: قاربوا وسدّدوا . أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة، وهو القصد في الأمر ، والعدل فيه»(3).

(وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي) من جميل المثوبات، وجزيل الكرامات.

والطمع في الأصل: الحرص، والمراد هنا الرجاء والتوقّع للمغفرة ، ودفع المضارّ ، وجلب المنافع الدنيويّة والاُخرويّة.

في القاموس: «رغب فيه _ كسمع _ رغبا، ويضمّ ، ورغبةً: أراده، وإليه رغبا محرّكةً، ورَغبى: ويضمّ: ابتهل، أو هو الضراعة والمسألة»(4).

(النادم على ما قدّمت يداه) من المعاصي.

(فإنّ سواد الليل يَمحوه النهار) .

السواد: لون معروف، ويكنّى به عن الظلمة.

(وكذلك السيّئة تَمحوها الحسنة) .

قيل: لأنّ السيّئة رَين القلب وجلاؤه، كما قال عزّوجلّ: «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ» (5). (6).

وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس؛ لقصد الإيضاح.

(وعَشوة الليل تأتي على ضَوء النهار) .

في القاموس: «العشوة، بالفتح: الظلمات، وما بين أوّل الليل إلى ربعه، أو من المغرب إلى العتمة، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر»(7).

ص: 485


1- .كذا قرأناه
2- النهاية ، ج 4 ، ص 33 (قرب)
3- النهاية ، ج 2 ، ص 352 (سدد)
4- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 74 (رغب)
5- .هود (11) : 114
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 342
7- راجع : القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)

(وكذلك السيّئة تأتي على الحسنة الجليلة) أي العظيمة . والجليل: ضدّ الحقير .

(فتُسوّدها) أي تكدّرها وتمحوها .

قيل: فيه دلالة على الإحباط (1).

وفيه نظر بأن يكفي في التسويد والتكدير مجرّد تأخير الوصول إلى صاحبه، أو نقص كماله .

متن الحديث التاسع

اشارة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ؛ وَحُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيِّ جَمِيعاً؛ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ:

قَرَأْتُ جَوَاباً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام إِلى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ:

«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ قَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إِلى مَا يُحِبُّ، وَيَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَيَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ فَإِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللّهُ».

شرح الحديث

السند مقطوع مجهول.

قوله: (أمّا بعد) أي بعد الحمد والصلاة، وكأنّ عدم ذكرهما أوّلاً لكونهما معلومين بحسب المقام، أو أنّه عليه السلام ذكرهما في الجواب أوّلاً ولم يتعرّض المصنّف لذكرهما اختصاراً؛ لعدم تعلّق الغرض به هاهنا.

وقوله: (ممّن يخاف على العباد من ذنوبهم) .

«يخاف» على بناء المعلوم، أي يعلم قبح ذنوب العباد، ويحكم بكونهم في معرض الوبال والنكال(2).

(ويأمن العقوبة من ذنبه) أي يغفل عن ذنب نفسه وما يترتّب عليه من العقوبة، كما قال عزّ

ص: 486


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 342
2- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 106 : «ويمكن أن يقرأ على البناء للمفعول؛ أي له ذنوب يخاف على الناس العقوبة بذنوبه، وهو آمن، لكن يأبى منه إفراد الضمائر في الفقرة الثانية»

من قائل: «أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» (1).

وقوله: (لا يُخدع عن جنّته) أي لا يمكن دخولها بالخدعة، بل بالإيمان والطاعة.

والحاصل أنّه سبحانه ليس بجاهل ولا غافل عمّا يعمل العباد من الطاعة والمعصية، فيعاقب المطيع المستحقّ للجنّة والثواب، ويثيب العاصي المستوجب للحرمان والعقاب، كما هو شأن الجهلة من الناس، بل هو عالم بما يعمل العاملون، وأيّ مَجرى يَجرون، وإلى أيّ منقلب ينقلبون، فينزّل كلّ أحد منزلته اللائق به.

متن الحديث العاشر

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَيْثَمِ بْنِ أَشْيَمَ، (2). عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مُسْتَبْشِرٌ يَضْحَكُ سُرُوراً، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: أَضْحَكَ اللّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، وَزَادَكَ سُرُوراً.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَلَا لَيْلَةٍ إِلَا وَلِيَ فِيهِمَا (3). تُحْفَةٌ مِنَ اللّهِ، أَلَا وَإِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضى، إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي، فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضى، وَلَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ، أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ سَيِّدُ الْوَصِيِّينَ، وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سِبْطَاكَ سَيِّدَا الْأَسْبَاطِ، وَحَمْزَةُ عَمُّكَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَجَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ، وَمِنْكُمُ (4). الْقَائِمُ يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ اللّهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ».

ص: 487


1- البقرة (2) : 44
2- .يحتمل أن يكون «أشيم» تصحيفاً أو سهواً من ناحية النسّاخ؛ لأنّ «عيثم بن أشيم» مجهول. ولا يبعد أن يكون الصواب: «عيثم بن أسلم» الذي أورده البرقي في رجاله، وروى عنه محمّد بن سليمان الديلمي. ويؤيّد هذا ما تقدّم في نفس الكافي، ج1، ص278، ح3؛ وج3، ص397، ح2 من رواية محمّد بن سليمان الديلمي عن عيثم بن أسلم النجاشي، فتأمّل
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فيها»
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وفيكم»

شرح الحديث

السند ضعيف.

قوله: (ذاتَ يوم)؛ قيل: لفظة «ذات» في مثل «ذات يوم» مقحمة. وقيل: بمعنى النفس(1).

وقال الجوهري: «هي من ظروف الزمان التي لا تتمكّن»(2).

وقوله: (أضحك اللّه سِنّك) .

السنّ، بالكسر: الضرس، وتعليق الضحك إليه باعتبار ظهوره منه، أو بتضمين مثل معنى الكشف.

وقوله: (تحفة من اللّه) .

في القاموس: «التحفة، بالضمّ وكهمزة: البرّ، واللطف، والطرفة. وقد أتحفته تُحفة»(3).

وغرضه من هذا الكلام التحديث بنعمة ربّه وإظهار الشكر.

وقوله: (ولا يخلق مثلهم فيمن بقي ...)؛ قيل: لعلّ المراد بمن بقي سوى سائر الأئمّة عليهم السلام مع أنّهم لما كانوا متشعّبين من أنوار هؤلاء المذكورين، وأنّهم من نور واحد، فكأنّهم مذكورون معهم.

وتخصيص القائم عليه السلام بالذكر لخفائه، وكثرة الاختلاف والتفاوت فيه.

وقيل: المراد الموجودون في ذلك الزمان، واُسقطت من الرواية فاطمة عليهاالسلام(4).

وقوله: (ومنكم القائم) كلام مستأنف.

وأقول: كلّ ذي فضل يشير بفضيلة (5) لا توجد تلك الفضيلة بعينها في غيره، فهو أفضل منه فيها، وليس يلزم منه فضله على ذلك الغير من سائر الجهات أيضاً، فاختصاص رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكونه سيّد النبيّين، واختصاص عليّ عليه السلام بكونه سيّد الوصيّين، والحسنين بكونهما سيّدي الأسباط، وحمزة بكونه سيّد شهداء اُحد، وجعفر بطيرانه مع الملائكة في الجنّة، والقايم عليه السلام بصلاة عيسى بن مريم عليه السلام خلفه يستلزم الحكم بتفضيلهم على غيرهم في تلك

ص: 488


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 343
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2552 (ذا)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 120 (تحف)
4- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 107
5- .كذا قرأناه

الفضائل فقط، لكن بعضها يستلزم التفضيل على الغير عموماً وعلى الإطلاق، كما في الأوّلين، وبعضها لا يستلزم ذلك كما في البواقي ، فحينئذٍ يصدق على كلّ ذي فضل منهم أنّه لم يخلق مثله في تلك الفضيلة الخاصّة به فيمن مضى ، ولا يُخلق مثله فيها فيمن بقي، وإلّا لزم عدم اختصاصه بتلك الفضيلة .

وهذا خلف، فافهم .

وقوله: (سيّد الأسباط)؛ أي أسباط الأنبياء.

والسِّبط، بالكسر: ولد الولد، ويندرج في هذا الحكم سائر الأئمّة عليهم السلام .

وقوله : (سيّد الشهداء)؛ كأنّ المراد بهم شهداء اُحد، أو شهداء عصره، أو الحكم إضافيّ ، وإلّا فسيّد الشهداء على الإطلاق حسين بن عليّ عليهماالسلام .

متن الحديث الحادي عشر

اشارة

متن الحديث الحادي عشر (1).

سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، (2) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ الْمِصْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:قُلْتُ لَهُ: قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» ؟ (3).

[قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَنْطِقْ، وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلكِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله هُوَ النَّاطِقُ بِالْكِتَابِ، قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هذَا كِتَابُنَا يُنْطَقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ] قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّا لَا نَقْرَؤُهَا هكَذَا، فَقَالَ: «هكَذَا وَاللّهِ نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَلكِنَّهُ فِيمَا (4). حُرِّفَ مِنْ كِتَابِ اللّهِ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (محمّد بن سليمان الديلمي المصري) .

كذا في نسخ الكتاب ، وفي رجال الشيخ: «البصري» بالباء الموحّدة ، (5).

وذكر ابن داود: «محمّد بن سليمان النصري» بالنون، وعدّه مغايراً للديلمي (6).

ص: 489


1- .في الحاشية: «في نطق الكتاب»
2- .لا يخفى أنّ السند معلّق على سابقه، ويروي عن سهل العدّة المذكورة فيه
3- .الجاثية (45) : 29
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ممّا»
5- .اُنظر: رجال الطوسي ، ص 343 ، الرقم 5109
6- اُنظر: رجال ابن داود ، ص 505 ، الرقم 438

وقوله تعالى : «هذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» ؛ حمل النطق على الدلالة مجاز باعتبار ظهور المقصود.

ولعلّ الظاهر أنّه عليه السلام قرأ «يُنطَق» على البناء للمفعول، أو التحريف في «كتابنا» ، والمُنزَل: «كَتّابنا» بفتح الكاف وتشديد التاء على صيغة المبالغة، وهو العالم الذي بلغ علمه حدّ الكمال ، والمراد به رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأوصياء بعده واحداً بعد واحد ، واحتمال ضمّ الكاف لا يناسب قوله: «ينطق» على صيغة المفرد .

وقيل : التحريف في «عليكم»، والمنزل: «عَليّكُم» بتشديد الياء المضمومة، (1).

واللّه تعالى يعلم .

متن الحديث الثاني عشر

اشاره

جَمَاعَةٌ، عَنْ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَالشَّمْسِ وَضُحاها» ، قَالَ: «الشَّمْسُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، بِهِ أَوْضَحَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ».

قَالَ: قُلْتُ: «وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها» ؟

قَالَ: «ذَاك أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، تَلَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَنَفَثَهُ بِالْعِلْمِ نَفْثاً».

قَالَ: قُلْتُ: «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» ؟ (2).

قَالَ: «ذَاكَ (3) أَئِمَّةُ الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دُونَ آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، وَجَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ الرَّسُولِ أَوْلى بِهِ مِنْهُمْ، فَغَشُوا دِينَ اللّهِ بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، فَحَكَى اللّهُ فِعْلَهُمْ فَقَالَ: «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» ».

قَالَ: فَقُلْتُ: (4) «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» ؟ قَالَ: «ذَاكَ (5) الْاءِمَامُ مِنْ ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ عليهاالسلام يُسْأَلُ عَنْ دِينِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَيُجَلِّيهِ لِمَنْ سَأَلَهُ، فَحَكَى اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ قَوْلَهُ، فَقَالَ: «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» ».

ص: 490


1- . قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 108
2- . الشمس (91): 1 _ 4
3- .في الحاشية عن بعض النسخ وتفسير القمّي، ج2، ص424: «ذلك»
4- .في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «قلت» بدون الفاء
5- في كلتا الطبعتين وأكثر النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: «ذلك»

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عن أبي محمّد).

كذا في كثير من النسخ، والظاهر أنّه أبو بصير؛ لأنّه روى عليّ بن إبراهيم أيضاً هذا الخبر عن أبيه عن سليمان الديلمي عن أبي بصير (1).

وقوله عليه السلام : (الشمس رسول اللّه صلى الله عليه و آله )؛ استعير الشمس له صلى الله عليه و آله ، والوجه الإضاءة والإنارة وإيضاح الدِّين، كما أشار إليه بقوله : (به أوضح اللّه _ عزّ وجلّ _ للناس دينهم) .

قيل : وعلى هذا يكون قوله : «وَضُحَاهَا» أي ضوئها أو غاية ارتفاعها، عبارة عن دينه وعلمه، وارتفاع ملّته، وانتفاع الناس بهدايته (2).

وقوله : (ذلك (3) أمير المؤمنين عليه السلام ) ؛ استعير القمر له عليه السلام ، والوجه أنّ علمه مستفاد من نور علم النبيّ صلى الله عليه و آله ، كما أنّ نور القمر مستفاد من نور الشمس، كما أشار إليه بقوله : (تلا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) ؛ أي تبعه في الطلوع، أو في الاستدارة وكمال النور.

(ونفثه بالعلم نفثاً) أي أسرّه إليه، وألقاه في صدره . والنَّفث، كالنفخ، وفعله كنصر وضرب.

والضمير المستتر عائد إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، والبارز إلى أمير المؤمنين عليه السلام .

(قال : قلت : «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها» قال : ذاك أئمّة الجور) .

قال بعض الأعلام :

قيل : الضمير راجع إلى الشمس . وقيل : إلى الآفاق، أو الأرض المعلومتين بقرينة المقام .

ولما كانت الشمس على هذا التأويل كناية عن الرسول صلى الله عليه و آله ، والليل عن أئمّة الجور، فعلى الأوّل المراد أنّهم ستروا بظلمة جهلهم وجورهم ضوء شمس الرسالة ودينها وعلمها ، وعلى الأخيرين المقصود أنّه اُظلمت الآفاق أو الأرض بسواد جهلهم وظلمهم . قال : ولعلّ القَسَم هنا محمول على التهكّم (4).

(استبدّوا بالأمر) أي تفرّدوا بأمر الرئاسة والخلافة غصباً وظلماً .

ص: 491


1- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 424
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 108
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ذاك»
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 109

وقوله تعالى : «وَالنَّهارِ إِذا جَلاّها» .

قيل : الضمير هنا أيضاً عائد إلى الشمس؛ فإنّها تتجلّى إذا انبسط النهار ، أو إلى الظلمة ، أو إلى الدنيا ، أو إلى الأرض ، وإن لم يجر ذكرها للعلم بها بقرينة المقام (1).

وفي تفسيره عليه السلام النهار بالإمام إيماء إلى الأوّل، ويحتمل على هذا التفسير إرجاعه إلى الضحى، كما يشعر به قوله عليه السلام : (يُسأَل عن دين رسول اللّه فيُجلّيه) أي يكشفه ويوضحه، ويبيّنه على ما يقتضيه المقام .

متن الحديث الثالث عشر

اشارة

سَهْلٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

قُلْتُ: «هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ» ؟ قَالَ: «يَغْشَاهُمُ الْقَائِمُ بِالسَّيْفِ». قَالَ: قُلْتُ: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ» ؟ قَالَ: «خَاضِعَةٌ لَا تُطِيقُ ا لأْتِنَاعَ». قَالَ: قُلْتُ: «عامِلَةٌ» ؟ قَالَ: «عَمِلَتْ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ». قَالَ: قُلْتُ: «ناصِبَةٌ» ؟ قَالَ: «نَصَبَتْ غَيْرَ وُلَاةِ الْأَمْرِ». قَالَ: قُلْتُ: «تَصْلى ناراً حامِيَةً» ؟ (2). قَالَ: «تَصْلى نَارَ الْحَرْبِ فِي الدُّنْيَا عَلى عَهْدِ الْقَائِمِ، وَفِي الْاخِرَةِ نَارَ جَهَنَّمَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله تعالى : «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» . قال البيضاوي : «أي الداهية التي تغشى الناس بشدائدها؛ يعني يوم القيامة، أو النار، من قوله : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمْ النَّارُ» (3). » (4).

وقال الجوهري : «الغاشية: القيامة؛ لأنّها تغشى بإفزاعها . وغشّيت الشيء تغشية، إذا غطّيته . وغشيت الرجل بالسوط: ضربته. وغَشيه غشياناً، أي جاءه» (5).

(قال : يغشاهم القائم بالسيف) .

شبّه القائم عليه السلام بالداهية؛ لأنّه بلاءٌ على أعدائه، يغشاهم بالشدائد من القتل والنهب

ص: 492


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 109
2- .الغاشية (88): 1 _ 4
3- .إبراهيم (14): 50
4- اُنظر: تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 483
5- الصحاح ، ج 6 ، ص 2446 و2447 (غشا)

والأسر . وقيل : أو بالنار؛ لأنّه عليه السلام يحرقهم بالسيف القاطع، ويهلكهم كالنار (1).

وقوله : (لا تُطيق الامتناع) إلى قوله : (نصبت غير وُلاة الأمر) ؛ تفسيره عليه السلام ظاهر .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ» :

ذليلة. «عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ» ؛ تعمل ما تتعب فيه كجرّ السلاسل، وخوضها في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط في تلالها ووهادها ، أو عملت (2)

ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذٍ. «تَصْلى نَاراً» تدخلها. وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر: «تصلى» من أصلاه اللّه . وقرئ «تُصلّ» بالتشديد للمبالغة. «حَامِيَةٌ» : متناهية في الحرّ . انتهى (3).

وقوله : (قال: تصلى نارَ الحرب) .

الضمير المستتر في «تصلى» راجع إلى الوجوه، أي تدخلها، فتهلك بنار السيف والسنان كدخول الحطب في النار وإحراقه .

وقيل: في تشبيه الحرب بالنار الحامية إشارة إلى كمال شوكة الصاحب عليه السلام ، ونهاية قدرته على محاربة الأعداء (4).

متن الحديث الرابع عشر

اشاره

متن الحديث الرابع عشر (5).

سَهْلٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:

قُلْتُ لأبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : قَوْلُهُ تَبَارَك وَتَعَالى: «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ؟ (6). قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، مَا تَقُولُ فِي هذِهِ الْايَةِ؟».

قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَزْعُمُونَ وَيَحْلِفُونَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَنَّ اللّهَ لَا يَبْعَثُ الْمَوْتى.

قَالَ: فَقَالَ: «تَبّاً لِمَنْ قَالَ هذَا، سَلْهُمْ هَلْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ، أَمْ (7).

بِاللاَّتِ وَالْعُزّى؟» قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَوْجِدْنِيهِ.

ص: 493


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 346
2- .في المصدر: «ما عملت» بدل «أوعملت»
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 483
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 347
5- .في الحاشية: «في بعث الموتى»
6- .النحل (16): 38
7- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أو»

قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، لَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا بَعَثَ اللّهُ إِلَيْهِ قَوْماً مِنْ شِيعَتِنَا قِبَاعُ سُيُوفِهِمْ عَلى عَوَاتِقِهِمْ، فَيَبْلُغُ ذلِكَ قَوْماً مِنْ شِيعَتِنَا لَمْ يَمُوتُوا، فَيَقُولُونَ: بُعِثَ فُلاَ نٌ وَفُلاَ نٌ وَفُلاَ نٌ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَهُمْ مَعَ الْقَائِمِ، فَيَبْلُغُ ذلِكَ قَوْماً مِنْ عَدُوِّنَا، فَيَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ، مَا أَكْذَبَكُمْ هذِهِ دَوْلَتُكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: فِيهَا الْكَذِبَ، لَا وَاللّهِ مَا عَاشَ هؤُلَاءِ وَلَا يَعِيشُونَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ: «فَحَكَى اللّهُ قَوْلَهُمْ فَقَالَ: «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ» ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله تعالى في سورة النحل : «وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ» . قال البيضاوي :

جهد الإيمان: أغلظها، وهو في الأصل مصدر، ونصبه على الحال على تقدير «وأقسموا باللّه » يجتهدون جهد أيمانهم، فحذف الفعل، واُقيم المصدر مقامه، ولذلك ساغ كونها معرفة، أو على المصدر؛ لأنّه بمعنى أقسموا(1).

«بَلى» يبعثهم «وَعْداً» مصدر مؤكّد لنفسه، وهو ما دلَّ عليه «بلى»؛ فإنّ «يبعث» موعد من اللّه عليه انجازه؛ لامتناع الخلف في وعده، أو لأنّ البعث مقتضى حكمته «حَقّاً» صفة اُخرى للوعد .

«وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ» أنّهم يبعثون؛ إمّا لعدم علمهم بأنّه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها ، وإمّا لقصور نظرهم بالمألوف، فيتوهّمون امتناعه .

وقوله : (تبّاً لمن قال هذا)؛ الجملة دعائيّة، أو خبريّة، و«هذا» إشارة إلى ما ذكر الراوي من التفسير .

وقيل: ينبغي حمله في مثل أبي بصير على التوبيخ، (2) وهو كما ترى .

قال الجوهري : «التباب: الخسران، والهلاك ، وتقول: تبّاً لفلان، تنصبه على المصدر بإضمار فعل، أي ألزمه اللّه هلاكاً وخسراناً» (3).

(سلهم) . الضمير للمفسّرين المفهومين من سوق الكلام ، أو أهل العلم والمعرفة بأحوال المشركين .

ص: 494


1- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 335
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 347
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 90 (تبب)

(هل كان المشركون يحلفون باللّه ، أم باللَات والعُزّى) ؛ فإنّه معلوم لكلّ من تتبّع أحوالهم وأطوارهم أنّهم لا يحلفون به تعالى، بل بهما .

وقوله : (فأوجدنيه) أي بيّن لي ما هو مراد اللّه من الآية ، وأظفرني به. يُقال : أوجده اللّه مطلوبه، أي أظفره به .

وقوله : (بعث اللّه إليه قوماً من شيعتنا) ؛ الظاهر أنّهم هم المبعوثون من قبورهم .

(قِباعُ سيوفهم على عَواتقهم) .

قَبيعة السيف، كسفينة: ما على طرف مقبضه من فضّةٍ أو حديد، وجمعه: قِباع، بالكسر، كصيحة وصياح. والعاتق: موضع الرداء من المنكب .

(فيبلغ ذلك) الخبر (قوماً من شيعتنا لم يموتوا) بعدُ (فيقولون) أي المخبرون، أو الشيعة بعد سماع هذا الخبر (بُعث فلان وفلان)؛ كناية عن القوم المبعثين (1).

من الشيعة المذكورين في قوله عليه السلام : «بعث اللّه إليه قوماً من شيعتنا» .

وقوله: (ما أكذبكم)؛ نسبوا الكذب إلى الشيعة في القول المذكور متعجّبين منه؛ لزعمهم بطلان الرجعة، أو لعدم احتياج تلك الدولة القاهرة إلى معاونة الموتى ، والأقرب الأوّل .

وقوله : (لا واللّه ما عاش هؤلاء) تأكيد لإنكارهم ما ذكر، وترويج للكذب الشيعة ، و«هؤلاء» إشارة إلى الذين أخبرت الشيعة برجعتهم.

في القاموس: «العيش: الحياة، عاش يعيش عيشاً» (2).

متن الحديث الخامس عشر

اشاره

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ بَدْرِ بْنِ الْخَلِيلِ الْأَ سَدِيِّ، قَالَ:

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» ، (3). قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ، وَبَعَثَ إِلى بَنِي أُمَيَّةَ بِالشَّامِ، هَرَبُوا (4). إِلَى الرُّومِ، فَيَقُولُ لَهُمُ الرُّومُ: لَا نُدْخِلَنَّكُمْ (5). حَتّى تَتَنَصَّرُوا (6). ، فَيُعَلِّقُونَ فِي

ص: 495


1- .في النسخة: «المبعثون» وهو سهو
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 280 (عيش)
3- .الأنبياء (21): 12 و13
4- .في الطبعة القديمة: «فهربوا»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لا ندخلكم»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تنصّروا»

أَعْنَاقِهِمُ الصُّلْبَانَ، فَيُدْخِلُونَهُمْ (1) ، فَإِذَا نَزَلَ بِحَضْرَتِهِمْ أَصْحَابُ الْقَائِمِ طَلَبُوا الْأَ مَانَ وَالصُّلْحَ، فَيَقُولُ أَصْحَابُ الْقَائِمِ: لَا نَفْعَلُ حَتّى تَدْفَعُوا إِلَيْنَا مَنْ قِبَلَكُمْ مِنَّا».

قَالَ: «فَيَدْفَعُونَهُمْ إِلَيْهِمْ، فَذلِكَ قَوْلُهُ: «لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» » قَالَ: «يَسْأَلُهُمُ الْكُنُوزَ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا».

قَالَ: «فَيَقُولُونَ: «يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ * فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ» (2). بِالسَّيْفِ».

وهو سعيد بن عبد الملك الاُموي صاحب نهر سعيد بالرحبة(3).

شرح الحديث

السند مجهول .

قوله تعالى في سورة الأنبياء : «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا» .

قال البيضاوي :

أي فلمّا أدركوا شدّه عذابنا إدراك المشاهد المحسوس «إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ» : يهربون مسرعين راكضين دوابّهم، أو مشبّهين به من فرط إسراعهم .

«لَا تَرْكُضُوا» على إرادة القول، أي قيل لهم استهزاء: لا تركضوا؛ إمّا بلسان الحال، أو المقال، والقائل ملك، أو من ثَمَّ من المؤمنين .

«وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» من النِّعم والتلذّذ . والإتراف: إبطار النعمة . «وَمَسَاكِنِكُمْ» التي كانت لكم . «لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ» غداً عن أعمالكم، أو تعذّبون؛ فإنّ السؤال من مقدّمات العذاب ، أو تُقصدون في السؤال (4). والتشاور في المهام والنوازل ، «قَالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ» لما رأوا العذاب، ولم يروا وجه النجاة، فلذلك لم ينفعهم.

«فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ» : فما زالت (5) يردّدون ذلك، وإنّما سمّاه دعوى؛ لأنّ المُوَلْول كأنّه يدعوا الوَيْلَ ويقول: يا ويل تعال ، فهذا أو أنّك وكلّ من «تِلْكَ» و «دَعْواهُمْ»يحتمل الاسميّة والخبريّة ، «حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً» مثل الحصيد، وهو النبت

ص: 496


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ويدخلونهم»
2- .الأنبياء (21): 14 و15
3- في كلتا الطبعتين وجميع النسخ التي قوبلت في الطبعة الجديدة: - «وهو سعيد بن عبد الملك الاُموي صاحب نهر سعيد بالرحبة»
4- .في المصدر: «للسؤال»
5- .في المصدر: «فما زالوا»

المحصود، ولذلك لم يجمع. «خامِدِينَ» ميّتين من خمدت النار، وهو مع «حصيداً» بمنزلة المفعول الثاني، كقولك : جعلته حلواً حامضاً؛ إذ المعنى: وجعلناهم جامعين؛ لمماثلة الحصيد والخمود، أو صفة له، أو حال من ضميره . انتهى (1) وقال في القاموس: «البأس: العذاب، والشدّة في الحرب »(2) وقال : «الركض: تحريك الرجل، ومنه : «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ» ، (3) والدفع، واستحثاث الفرس للعَدْو، والهرب، ومنه : «إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ» ، والعَدْوُ» (4).

وقال:

التُّرفّه، بالضمّ: النعمة، والطعام الطيّب، والشيء الظريف، وكمُكرَم: المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع ، والمتنعّم الواسع في ملاذّ الدنيا وشهواتها الذي لا يمنع من تنعّمه (5). وقوله : (بَعَثَ) على البناء للفاعل، أو المفعول .

وفي القاموس: «الروم، بالضمّ: جيل من ولد الروم بن عيصو »(6).

والتنصّر: الدخول في دين النصارى . والتعليق والإعلاق: جعل الشيء علاقة . والصُّلبان، بالضمّ: جمع صليب، كرغفان ورغيف .

وحضرة الرجل، مثلّثة ومحرّكة: قربه، وفناؤه. والكنوز: الأموال التي كنزوها ودفنوها في الأرض .

وقوله : (وهو أعلم بها) .

أي والحال أنّه عليه السلام أعلم بتلك الكنوز، لكن يسألهم ليكون أشدّ عليهم .

والحصيد: الزرع المحصود بالمِنْجَل، وإطلاقه عليهم من باب الاستعارة . ويُقال: خمدت النار تخمُدُ خموداً: سكن لهبها، ولم يطفأ جمرها، وخمدت الحمّى: سكن فورانُها، وخمد المريض: اُغمي عليه، أو مات .

والظاهر أنّ قوله : (وهو سعيد بن عبد الملك) إلى آخره، كان حاشية على قوله : (سعد الخير) ، وبياناً له. وكان قوله : «سعيد» تصحيفاً، أو كان اسمه: سعيداً، وسعد الخير لقبه ، فاشتبه

ص: 497


1- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 84 و 85
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 199 (بأس)
3- ص (38): 42
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 332 (ركض)
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 120 (ترف) مع زيادة
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 123 (روم)

على النسّاخ، وأدخلوه في المتن كما ستطّلع عليه فيما نذكره من كتاب الاختصاص ، وعلى تقدير كونه جزء الخبر فالظاهر أنّ الضمير راجع إلى الهارب من أهل الشام، وهو رئيس الهاربين.

والاُمويّ، بضمّ الهمزة وفتح الميم، وربّما فتحوا الهمزة أيضاً: منسوب إلى اُميّة قبيلة من قريش، بحذف [التاء و] الياء الزائدة، وقُلبت الأخيرة واواً كراهة اجتماع أربع ياءات ، ومنهم من يقول : اُميّيّ بأربع ياءات.

وفي القاموس:

الرُّحبة، بالضمّ : ماءة بأجأ، وبئر في ذي ذروان من أرض مكّة، وقرية حذّاء القادسيّة، وواد قرب صنعاء، وناحية بين المدينة والشام ، وبالفتح: رحبة مالك بن طَوق على الفرات ، وقرية بدمشق، ومحلّة بالكوفة، وموضع ببغداد، وواد وموضع بالبادية، وقرية باليمامة، وصحراء بها أيضاً فيها مياه وقرى (1).

متن الحديث السادس عشر (رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ؛ وَالْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ:

كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى سَعْدٍ الْخَيْرِ:

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللّهِ؛ فَإِنَّ فِيهَا السَّلَامَةَ مِنَ التَّلَفِ، وَالْغَنِيمَةَ فِي الْمُنْقَلَبِ، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يَقِي بِالتَّقْوى عَنِ الْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ، وَيُجْلِي بِالتَّقْوى عَنْهُ عَمَاهُ وَجَهْلَهُ، وَبِالتَّقْوى نَجَا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ، وَصَالِحٌ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّاعِقَةِ؛ وَبِالتَّقْوى فَازَ الصَّابِرُونَ، وَنَجَتْ تِلْكَ الْعُصَبُ مِنَ الْمَهَالِكِ، وَلَهُمْ إِخْوَانٌ عَلى تِلْكَ الطَّرِيقَةِ، يَلْتَمِسُونَ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ، نَبَذُوا طُغْيَانَهُمْ مِنَ الْاءِيرَادِ (2) بِالشَّهَوَاتِ، لِمَا بَلَغَهُمْ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْمَثُلَاتِ، حَمِدُوا رَبَّهُمْ

ص: 498


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 72 (رحب) مع التلخيص
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الالتذاذ»

عَلى مَا رَزَقَهُمْ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ، وَذَمُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلى مَا فَرَّطُوا وَهُمْ أَهْلُ الذَّمِّ.

وَعَلِمُوا أَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ الْحَلِيمَ الْعَلِيمَ، إِنَّمَا غَضَبُهُ عَلى مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ رِضَاهُ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ عَطَاهُ، وَإِنَّمَا يُضِلُّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ هُدَاهُ، ثُمَّ أَمْكَنَ أَهْلَ السَّيِّئَاتِ مِنَ التَّوْبَةِ بِتَبْدِيلِ الْحَسَنَاتِ، دَعَا عِبَادَهُ فِي الْكِتَابِ إِلى ذلِكَ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَلَمْ يَمْنَعْ دُعَاءَ عِبَادِهِ، فَلَعَنَ اللّهُ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ، وَكَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، فَسَبَقَتْ قَبْلَ الْغَضَبِ، فَتَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً، فَلَيْسَ يَبْتَدِئُ الْعِبَادَ بِالْغَضَبِ قَبْلَ أَنْ يُغْضِبُوهُ، وَذلِكَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعِلْمِ التَّقْوى، وَكُلُّ أُمَّةٍ قَدْ رَفَعَ اللّهُ عَنْهُمْ عِلْمَ الْكِتَابِ حِينَ نَبَذُوهُ، وَوَلَاهُمْ عَدُوَّهُمْ حِينَ تَوَلَّوْهُ، وَكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ أَقَامُوا حُرُوفَهُ، وَحَرَّفُوا حُدُودَهُ، فَهُمْ يَرْوُونَهُ، وَلَا يَرْعَوْنَهُ، وَالْجُهَّالُ يُعْجِبُهُمْ حِفْظُهُمْ لِلرِّوَايَةِ، وَالْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُهُمْ لِلرِّعَايَةِ، وَكَانَ مِنْ نَبْذِهِمُ الْكِتَابَ أَنْ وَلَّوْهُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَأَوْرَدُوهُمُ الْهَوى، وَأَصْدَرُوهُمْ إِلَى الرَّدى، وَغَيَّرُوا عُرَى الدِّينِ، ثُمَّ وَرَّثُوهُ فِي السَّفَهِ وَالصِّبَا.

فَالْأُمَّةُ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ بَعْدَ أَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَعَلَيْهِ يُرَدُّونَ، فَبِئْسَ (1) لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً وَلَايَةُ النَّاسِ بَعْدَ وَلَايَةِ اللّهِ، وَثَوَابُ النَّاسِ بَعْدَ ثَوَابِ اللّهِ، وَرِضَا النَّاسِ بَعْدَ رِضَا اللّهِ، فَأَصْبَحَتِ الْأُمَّةُ لِذلِكَ، (2). وَفِيهِمُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ، عَلى تِلْكَ الضَّلَالَةِ مُعْجَبُونَ مَفْتُونُونَ، (3). فَعِبَادَتُهُمْ فِتْنَةٌ لَهُمْ وَلِمَنِ اقْتَدى بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ فِي الرُّسُلِ ذِكْرى لِلْعَابِدِينَ، إِنَّ نَبِيّاً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ يَسْتَكْمِلُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ يَعْصِي اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ فِي الْبَابِ الْوَاحِدِ، فَيَخْرُجَ (4). بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُنْبَذُ بِهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، ثُمَّ لَا يُنَجِّيهِ إِلَا ا لأْتِرَافُ وَالتَّوْبَةُ.

فَاعْرِفْ أَشْبَاهَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ سَارُوا بِكِتْمَانِ الْكِتَابِ وَتَحْرِيفِهِ، «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» ، (5). ثُمَّ اعْرِفْ أَشْبَاهَهُمْ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ أَقَامُوا حُرُوفَ الْكِتَابِ، وَحَرَّفُوا حُدُودَهُ، فَهُمْ مَعَ السَّادَةِ وَالْكُبُرَّةِ، فَإِذَا تَفَرَّقَتْ قَادَةُ الْأَهْوَاءِ كَانُوا مَعَ أَكْثَرِهِمْ دُنْيَا، وَذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، لَا يَزَالُونَ كَذلِكَ فِي طَبَعٍ وَطَمَعٍ، لَا يَزَالُ يُسْمَعُ صَوْتُ إِبْلِيسَ عَلى أَلْسِنَتِهِمْ بِبَاطِلٍ كَثِيرٍ، يَصْبِرُ مِنْهُمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَ ذى وَالتَّعْنِيفِ، وَيَعِيبُونَ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّكْلِيفِ.

ص: 499


1- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني: «بئس» بدون الفاء
2- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة القديمة: «كذلك»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «مفتنون»
4- .في الطبعة القديمة: «فخرج»
5- .البقرة (2): 16

وَالْعُلَمَاءُ فِي أَنْفُسِهِمْ خَانَةٌ إِنْ كَتَمُوا النَّصِيحَةَ، إِنْ رَأَوْا تَائِهاً ضَالًا لَا يَهْدُونَهُ، أَوْ مَيِّتاً لَا يُحْيُونَهُ، فَبِئْسَ مَا يَصْنَعُونَ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ فِي الْكِتَابِ أَنْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَبِمَا أُمِرُوا بِهِ، وَأَنْ يَنْهَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ، وَأَنْ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، وَلاَ يَتَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَالْعُلَمَاءُ مِنَ الْجُهَّالِ فِي جَهْدٍ وَجِهَادٍ، إِنْ وَعَظَتْ قَالُوا: طَبَعَتْ، (1). وَإِنْ عَلَّمُوا الْحَقَّ الَّذِي تَرَكُوا قَالُوا: خَالَفَتْ، وَإِنِ اعْتَزَلُوهُمْ قَالُوا: فَارَقَتْ، وَإِنْ قَالُوا: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلى مَا تُحَدِّثُونَ، قَالُوا: نَافَقَتْ، وَإِنْ أَطَاعُوهُمْ قَالُوا: عَصَتِ (2). اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ فَهَلَكَ جُهَّالٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ، أُمِّيُّونَ فِيمَا يَتْلُونَ، يُصَدِّقُونَ بِالْكِتَابِ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، وَيُكَذِّبُونَ بِهِ عِنْدَ التَّحْرِيفِ، فَلَا يُنْكِرُونَ أُولئِكَ أَشْبَاهُ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، قَادَةٌ فِي الْهَوى، سَادَةٌ فِي الرَّدى، وَآخَرُونَ مِنْهُمْ جُلُوسٌ بَيْنَ الضَّلَالَةِ وَالْهُدى، لَا يَعْرِفُونَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْأُخْرى، يَقُولُونَ مَا كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ هذَا، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ، وَصَدَّقُوا تَرْكَهُمْ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا مِنْ نَهَارِهَا، لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ بِدْعَةٌ، وَلَمْ يُبَدَّلْ فِيهِمْ سُنَّةٌ، لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ، وَلَا اخْتِلَافَ، فَلَمَّا غَشِيَ النَّاسَ ظُلْمَةُ خَطَايَاهُمْ صَارُوا إِمَامَيْنِ: دَاعٍ إِلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى، وَدَاعٍ إِلَى النَّارِ، فَعِنْدَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيْطَانُ، فَعَلَا صَوْتُهُ عَلى لِسَانِ أَوْلِيَائِهِ، وَكَثُرَ خَيْلُهُ وَرَجْلُهُ، وَشَارَكَ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ مَنْ أَشْرَكَهُ، فَعُمِلَ بِالْبِدْعَةِ، وَتُرِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَنَطَقَ أَوْلِيَاءُ اللّهِ بِالْحُجَّةِ، وَأَخَذُوا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، فَتَفَرَّقَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ أَهْلُ الْحَقِّ وَأَهْلُ الْبَاطِلِ، وَتَخَاذَلَ (3). وَتَهَاوَنَ (4). أَهْلُ الْهَوى، (5). وَتَعَاوَنَ أَهْلُ الضَّلَالَةِ حَتّى كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَعَ فُلَانٍ وَأَشْبَاهِهِ.

فَاعْرِفْ هذَا الصِّنْفَ وَصِنْفٌ آخَرُ، فَأَبْصِرْهُمْ رَأْيَ الْعَيْنِ نُجَبَاءُ، وَالْزَمْهُمْ حَتّى تَرِدَ أَهْلَكَ؛ فَإِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ».

إِلى هَاهُنَا رِوَايَةُ الْحُسَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى زِيَادَةٌ: «لَهُمْ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ بَلَاءٌ، فَلَا تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُمْ عَسْفٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْفِ وَخَسْفٌ وَدُونَهُمْ بَلَايَا تَنْقَضِي، ثُمَّ تَصِيرُ إِلى رَخَاءٍ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إِخْوَانَ الثِّقَةِ ذَخَائِرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَوْ لَا أَنْ تَذْهَبَ بِكَ الظُّنُونُ عَنِّي، لَجَلَّيْتُ لَكَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ غَطَّيْتُهَا، وَلَنَشَرْتُ لَكَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَقِّ كَتَمْتُهَا، وَلكِنِّي أَتَّقِيكَ،

ص: 500


1- .في الحاشية عن بعض النسخ وكلتا الطبعتين: «طغت». وفي حاشية اُخرى: «طغيت»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: «عصيت»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وتخاون». وفي بعض نسخ الكافي: «وتجادل». وفي بعضها: «وتخادل»
4- .في كلتا الطبعتين: «وتهادن»
5- .في الطبعة القديمة: «الهدى»

وَأَسْتَبْقِيكَ، وَلَيْسَ الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَتَّقِي أَحَداً فِي مَكَانِ التَّقْوى، وَالْحِلْمُ لِبَاسُ الْعَالِمِ، فَلَا تَعْرَيَنَّ مِنْهُ، وَالسَّلَامُ».

شرح الحديث

السند الأوّل صحيح على قول، لكن فيه كلام ستعرفه. والسند الثاني مجهول مرسل.

قوله: (رسالة أبي جعفر عليه السلام إلى سعد الخير) .

الإرسال: الإطلاق، والتوجيه، والاسم: الرسالة بالكسر والفتح . قال بعض الشارحين: سعد الصاحب لأبي جعفر عليه السلام كثير، ولم أعرف أحداً منهم بهذا اللقب(1).

أقول: روى المفيد رحمه الله في كتاب الاختصاص بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال : دخل سعد بن عبد الملك _ وكان أبو جعفر عليه السلام يسمّيه سعد الخير، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان _ على أبي جعفر عليه السلام ، فبينا ينشج كما تنشج النساء ، فقال له أبو جعفر : «ما يبكيك يا سعد ؟» قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة المعلونة في القرآن ، فقال له : «لستَ منهم، أنت اُمويّ منّا أهل البيت؛ أما سمعت قول اللّه _ عزّ وجلّ _ يحكي عن إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» ؟! (2). » انتهى (3).

ويظهر منه أنّ أبا جعفر في هذا السند الآتي أبو جعفر الأوّل عليه السلام ، ففي السند إرسال؛ لأنّ الشيخ عدّ في رجاله حمزة بن بزيع من أصحاب الرضا عليه السلام .

قوله : (كتب أبو جعفر عليه السلام ) الأنسب «قالا» بلفظ التثنية، وإن كان للإفراد أيضاً وجه.

والظاهر أنّ لفظة «في» في قوله : (فإنّ فيها السلامة من التلف) للظرفيّة، ويحتمل السببيّة .

والتلف: الهلاك، والفناء، وهو إمّا بالآفات، أو بالخصومات، أو بدواعي الشهوات وما يترتّب عليها من الوبال والنكال .

(والغنيمة في المنقلب) .

الغنيمة: الفوز بالشيء بلا مشقّة ، والمراد هنا الفوز بنجاة الدنيا والآخرة، والفلاح من عقوباتها، والوصول إلى مقام القُرب والسعادة .

ص: 501


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 349
2- .إبراهيم (14): 36
3- الاختصاص ، ص 85

و«المنقلب» بفتح اللام للمصدر والمكان .

وقوله عليه السلام : (إنّ اللّه عزّ وجلّ يقي ...) تعليل لمضمون الفقرتين وتأكيدهما . وفي بعض النسخ: «نفى» بالنون والفاء، بدل «يقي» .

وقوله : (ما عزب عنه عقله) أي غاب، وبعُد عن إدراكه عقله من خزي الدنيا وآفاتها وعقوبات الآخرة ومهلكاتها، كما يفهم من الفقرات الآتية .

قال الجوهري : «عزب عنّي فلان يَعزُب، ويَعْزِب، أي بعُد، وغاب» (1).

(ويُجلي بالتقوى عنه عماه وجهله) .

العطف للتفسير . قال في القاموس: «جلى فلاناً الأمر: كشفه، كجلّاه، وجلّى عنه»(2). وقال: «العمى أيضاً: ذهاب بصر القلب» (3).

(وبالتقوى نجا نوح ومن معه ...) .

قيل : فيه دلالة على أنّ التقوى _ وإن لم يكن في نهاية الكمال _ حرز من التلف والهلاك؛ ضرورة أنّ تقوى قوم نوح وقوم صالح لم يكن في مرتبة تقواهما، بل على أنّ التقوى هي تصديق الرسول ومتابعته في جميع ما جاء به ، فالشيعة مشتركون في أصل التقوى وإن اختلفوا في درجاتها (4).

قال الفيروزآبادي : «الصاعقة: الموت، وكلّ عذاب مهلك ، وصيحة العذاب، والمخراق الذي بيد الملَك سائق السحاب، ولا يأتي على شيء إلّا أحرقه، أو نار تسقط من السماء» (5).

(وبالتقوى فاز الصابرون) أي الذين صبروا على المصيبات ومشقّة الطاعات . يُقال : فاز منه، أي نجا؛ وفاز به، أي ظفر ؛ فعلى الأوّل المراد فوزهم من المهالك الدنيويّة والعقوبات الاُخرويّة ، وعلى الثاني ظفرهم بالخيرات الدنيويّة والمثوبات الاُخرويّة .

(ونجت تلك العصب من المهالك) .

في القاموس: «العَصَب، محرّكة: خيار القوم وأشرافهم» (6).

ويحتمل أن يقرأ «عُصب» كغُرف، جمع العُصبة، بمعنى الجماعة ، ولعلّ المراد بهم نوح

ص: 502


1- الصحاح ، ج 1 ، ص 181 (عزب)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 313 (جلي)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 366 (عمي)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 350
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 253 (صعق)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 104 (عصب)

وصالح ومن معهما وأضرابهم، والذين صبروا على المحن والشدائد .

(ولهم) أي للجماعة المذكورة (إخوان) في هذا الزمان، أو في هذه الاُمّة .

(على تلك الطريقة) أي طريقة التقوى وما يترتّب عليها .

(يلتمسون تلك الفضيلة) أي فضيلة التقوى وثمراتها، فيكون كالتأكيد لسابقه ، أو يحمل الأوّل على الاُولى ، والثاني على الثانية .

وقيل : لعلّ المراد بالإخوان أرباب الإيقان من أصحاب الرسول وأمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم السلام ومن تبعهم إلى يوم الدِّين (1).

(نبذوا طغيانهم من الإيراد) .

في بعض النسخ: «من الالتذاذ» ، وعلى التقديرين لفظة «من» بيانيّة، أو ابتدائيّة؛ أي الطغيان الناشئ عنه .

(بالشهوات) . لعلّ المراد إيراد الأنفس على المهالك بسبب الشهوات زيادة عن قدر الضرورة .

قال الجوهري : «نبذه ينبذه: ألقاه من يده ، ونبّذ مبالغة» (2).

وقال : «طغا يطغي ويطغو طغياناً؛ أي جاوز الحقّ، وكلّ مجاوزٍ حدّه في العصيان طاغ، وطغى يطغى مثله» (3).

(لما بلغهم في الكتاب) أي في القرآن، أو الأعمّ منه .

(من المَثُلات) أي العقوبات الواردة على أهل الطغيان والعدوان .

قال الجوهري : «المَثلة، بفتح الميم وضمّ الثاء: العقوبة، والجمع: المَثُلات» (4).

(حمدوا ربّهم على ما رزقهم) من التقوى، والتوفيق للخيرات، والعصمة من اللذّات والشهوات، أو مطلقاً .

(وهو أهل الحمد) أي حقيق به بحسب الذات، وبما أنعمهم من التقوى والقُدَر على الخيرات .

وقوله : (وهم أهل الذمّ)؛ لأنّهم وإن بذلوا وسعهم في عبادة معبودهم لم يخرجوا عن مرتبة التقصير، وما عبدوه حقّ عبادته .

ص: 503


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 350
2- راجع: الصحاح ، ج 2 ، ص 571 (نبذ)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2412 (طغا)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1816 (مثل)

وقال بعض الشارحين :

ينبغي أن يعلم أنّ بناء الرشاد والتقوى على ثلاثة اُمور :

الأوّل : قبول الهادي وهدايته، وهو النبيّ والوصيّ عليهماالسلام .

الثاني : قبول ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله من الأوامر والنواهي وغيرهما، والتصديق بها .

الثالث : قبول ما أراد بالأوامر، والنهي من العمل بالطاعات وترك المنهيّات، والامتثال به .

فأشار إلى الثالث بقوله : (وعلموا أنّ اللّه _ تبارك وتعالى _ الحليم العليم) .

قال: في ذكر هذين الوصفين ترغيب في قبول ما يلقى إليهم ؛ أمّا العلم فظاهر، وأمّا الحلم فلأنّ أخذ الحليم شديد كما اشتهر : «اتّقوا من غضب الحليم» .

وقوله : (رضاه) ؛ أي ما يوجب رضاه .

وأشار إلى الثاني بقوله : (وإنّما يمنع) ؛ أي الرحمة والعطاء (من لم يقبل منه عطاه)، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله من دينه الحقّ؛ لأنّه عطيّة منه تعالى على عباده، متضمّن لمصالحهم .

أقول : لا وجه لتخصيص العطاء بما ذكر .

قال : وأشار إلى الأوّل بقوله : (وإنّما يُضلّ (1).

من لم يقبل منه هداه) ؛ لأنّ من لم يقبل الهادي إلى الطريق وأعرض عن هدايته، ضلّ عنه (2).

(ثمّ أمكن أهل السيّئات) .

قال الجوهري : «مكّنه اللّه من الشيء وأمكنه [منه] بمعنى» (3).

(من التوبة) أي الرجوع من السيّئات والندم عليها .

(بتبديل) سيّئاتهم (الحسنات) .

الظاهر أنّ الباء للتعليل، وفاعل «التبديل» أهل التوبة، أو اللّه سبحانه؛ أي جعل أهل السيّئات قادرين على التوبة متمكِّنين منها ؛ لأن يبدّلوا أو يبدّل اللّه بها سيّئاتهم حسنات، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ» (4).

وقيل : التبديل بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، أو بأن

ص: 504


1- .في الحاشية: «من الضلالة، أو من الإضلال؛ أي ضاع وهلك، أو يضلّ اللّه ويخذل . منه»
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 351
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2205 (مكن)
4- الفرقان (25): 70

يبدّل ملَكَة المعصية في النفس بملَكَة الطاعة (1).

وقيل : بأن يوفّقه لأضداد ما سلف منه، أو بأن يثبت له مكان كلّ سيّئة حسنة ، وفي بعض أخبارنا ما يدلّ على الأخير(2).

وقيل : أصل التوبة الخالصة، والعفو عن السيّئة بعدها، والثواب بها، وستره عليه حسنات مبدّلة من السيّئات (3).

(دعا عباده في الكتاب) العزيز (إلى ذلك) التوبة (بصوت رفيع لم ينقطع) أبد الدهر، في مواضع عديدة منها قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحا» (4).

(ولم يمنع دعاء عباده) من القبول، بل وعدهم الإجابة في قوله : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» ، (5) أو لم يمنعهم من الدعاء ، ولعلّ الثاني أظهر .

وقيل : الصوت الرفيع الغير المنقطع كناية عن شهرة القرآن وتواتره وبلوغه كلّ أحد إلى يوم القيامة ، وعدم منع الدعاء عبارة عن بقاء حكمه وبقاء أهله الداعين إليه، (6) وفيه بُعد لا يخفى .

(فلعن اللّه الذين يكتمون ما أنزل اللّه ) .

قيل : لعلّ المراد بهم المجبّرة المنكرون لما تقدّم (7).

وقيل : أشار به إلى أعداء الداعين إلى اللّه ؛ فإنّهم يكتمون فضلهم، ويحوّلون بينهم وبين دعائهم إلى اللّه ظاهراً من دون خوف (8).

(وكتب على نفسه الرحمة) (9) ؛ أي ألزمها عليها، أو فرضها، أو قدّرها .

(فسبقت قبل الغضب) .

الضمير المستتر للرحمة؛ يعني أنّها وصلت قبل وصوله إلى الخلق من حيث الوقوع،

ص: 505


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 114
2- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 114
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 351
4- التحريم (66): 8
5- غافر(40): 60
6- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 92
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 114
8- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 93
9- قال المحقّق المازندراني رحمه الله: «وهي تستعمل تارة في الرقّة المجرّدة عن الإحسان، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرقّة، وهو المراد هنا؛ لأنّ اللّه الملك المتعال لا يوصف برقّة الطبع والانفعال»

أو سبقت إليه تعالى من حيث الصدور؛ فإنّ بداية وجود الخلق وكمالاته اللاحقة به من غير سبق استحقاق، وأنّ نزول غضبه تعالى على العُصاة وعقوبته لهم بعد سلبهم قابليّة الرحمة عن أنفسهم سوء صنيعهم .

(فتمّت صدقاً وعدلاً) أي كلمة كتابة سبق الرحمة الغضب والوعد بها وتقديرها، أو تمّت هذه الكلمة كما في قوله تعالى : «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً» (1). قال البيضاوي : «أي بلغت الغاية أحكامه ومواعيده «صِدْقاً» في الأخبار والمواعيد «وَعَدْلاً» في الأقضية والأحكام» .

قال : «ونصبهما يحتمل الخبر، والحال، والمفعول له» (2).

وقيل : لعلّ المراد هنا بتماميّة صدق الرحمة، وعدلها وقوعها موقعها على وجه الصواب؛ إذ لا يتصوّر الخطأ من رحمته تعالى بخلاف رحمة الإنسان بعضهم بعضاً (3).

ثمّ إنّه عليه السلام أراد أن يشير بكيفيّة سبق الرحمة على الغضب، فقال : (فليس يبتدئ العباد) بالنصب على أنّه مفعول «يبتدئ»، وفاعله المستتر راجع إلى اللّه .

(بالغضب قبل أن يُغضبوه) من الإغضاب؛ أي يفعلوا ما يوجب غضبه وعقابه ، وهذا بخلاف ابتدائهم بالرحمة كما مرّ.

(وذلك) العلم المذكور، يعني العلم بإيجاب غضبه على من لم يقبل منه رضاه، إلى آخره (من علم اليقين).

إضافة العلم إلى اليقين من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ؛ يعني أنّ ذلك كلّه من العلوم اليقينيّة التي لا ريب فيها .

(وعلم التقوى) أي وذلك من العلم الذي يتّقى به من عذاب اللّه ؛ إذ من أنكره وجهل به فهو كافر مستحقّ لعذابه ، أو علم يبعث النفس على التقوى ، أو علم هو من ثمرة التقوى ونتيجته التي لا تحصل إلّا في المطيع الخالص عن كدر شبهات الأوهام .

والظاهر أنّ قوله : (وكلّ اُمّة) مبتدأ ، وقوله : (قد رفع اللّه عنهم علم الكتاب) نعت له .

وقوله : (حين نبذوه) ؛ أي طرحوه وراء ظهورهم، ظرف مستتر خبره . وقيل : «كلّ اُمّة»

ص: 506


1- الأنعام(6): 116
2- تفسير البيضاوي ، ج 2 ، ص 445
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 352

مبتدأ، وجملة «قد رفع» خبره، و«حين» ظرف للرفع . وقيل : للمبتدأ أيضاً ، فتأمّل (1).

والمراد بعلم الكتاب العلم بأحكامه ومواعظه وزواجره، وعامّه وخاصّه، ومحكمه ومتشابهه، ونحوها .

(وولّاهم عدوّهم) أي جعل واليهم عدوّهم الديني الذي أخبر اللّه تعالى عنه في كتابه بقوله : «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا» ، (2).

وقوله : «كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا» ؛ (3).

يُقال : ولّاه، أي جعله والياً، وهذا الجعل إنّما يكون بالتخلية بينهم وبين مشتهيات أنفسهم، وسلب اللطف والتوفيق عنهم .

(حتّى تولّوه) . الضمير المنصوب للعدوّ ؛ أي اتّخذوه والياً أو وليّاً لهم .

وقيل : أي تولّوا الكتاب، وأدبروا عنه، وأعرضوا عن علمه (4).

يُقال : تولّى، أي أدبر، وعنه: أي أعرض، أو نأى ، فتأمّل .

وقوله : (أقاموا حروفه) أي كلماته وما يتبعها من الإعراب والبناء، ومحسّنات القراءة وتصحيحها، وحفظها من التحريف والتصحيف .

(وحرّفوا حدوده) أي أحكامه بأن أوّلوها بآرائهم، وجعلوا حلاله حراماً وبالعكس ، وسيأتي بيان جملة من هذا التحريم .

(فهم يَروونه) بضبط حروفه وألفاظه .

(ولا يرعونه) .

في القاموس: «راعى الأمر: حفظه، كرعاه» ؛(5)

يعني أنّهم لا يحفظون حدوده وأحكامه، فمثله «كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً» (6). بل أقبح منه؛ لأنّه لا يحرّف ما حمله .

(والجهّال) .

الظاهر أنّ المراد بهم النابذون للكتاب، فيكون من باب الإظهار في موضع الإضمار للتصريح بجهلهم .

ص: 507


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 352
2- .البقرة(2): 166
3- .الأعراف(7): 38
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 352
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 335 (رعي)
6- . الجمعة(62): 5

(يُعجبهم حفظهم للرواية)؛ لظنّهم انحصار العلم به، ولا يبالون بتركهم للرعاية .

(والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية) .

لعلّ المراد بالحزن بترك الرعاية شدّة الاهتمام فيها .

وقيل : الحزن بتركها على ما ينبغي، فكم من فرق بين الجاهل والعالم ، حيث إنّ الجاهل مع كمال جهله وقصوره في العلم والعمل يعجبه ما ليس بعلم ولا عمل في الواقع ، والعالم مع كمال علمه وعمله وروايته ودرايته ورعايته محزون خوفاً من التقصير فيها (1).

(وكان من نبذهم الكتاب أن ولّوا (2). ) أي جعلوا والي الكتاب والقيّم عليه والحاكم به .

(الذين لا يعلمون) أي معالم الدين، على حذف المفعول، أو ليس لهم حقيقة العلم على إجرائه مجرى اللازم .

وفي بعض النسخ: «ولّوه» بالضمير، وهو راجع إلى الكتاب، أو أمر الدين ، أو الخلافة المفهومين من السياق ، وبالجملة جعلوا توليته إلى الجهّال، وجعلوهم ولاة ورؤساء على أنفسهم يتّبعونهم في الفتاوى وغيرها ، وأعرضوا عن أهل الذِّكر والعلم، ونبذوا قوله تعالى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (3).

وراء ظهورهم؛ لأنّهم لا يعلمون .

(فأوردوهم الهوى) أي أحضر هؤلاء الجهّال تابعيهم إلى ما يحكم به أهواؤهم النفسانيّة من العقائد الفاسدة والأعمال الكاسدة .

ولعلّ الهوى إرادة النفس، وشاع استعماله في ميل النفس إلى مشتهياتها المخرجة عن الحدود الشرعيّة بل العقليّة أيضاً .

(وأصدروهم إلى الرَّدى) يُقال : صدر عن الشيء يُصدُر صَدراً، إذا رجع. وأصدره، أي أرجعه .

والرَّدى: الهلاك، وأصلها السقوط والكسر، يقال: رَدى في البئر _ كرمى _ إذا سقط فيها .

(وغيّروا عُرى الدِّين) .

العُرى، بالضمّ: جمع العروة، وهي من الدلو والكوز: المقبض، ومن الثوب: اُخت زرة .

ص: 508


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 353
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ولّوه» مع الضمير
3- .الزمر(39): 9

والمراد هنا ما يتمسّك به من اُمور الدين التي هي أركانه وقوانينه، شبّهت بالعرى لأنّ المستمسك بها متسمسك بالدين، فتشبّهت به .

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ هؤلاء المضلّين لم يكتفوا بالإيراد إلى الهوى وما عطف عليه في حال حياتهم، بل ورّثوه من بعدهم من أضرابهم، وجعلوه أصلاً وقانوناً لهم ، فقال : (ثمّ ورّثوه) أي الدين، أو الكتاب .

(في السفه والصِّبا) .

«السَّفَه» محرّكة: ضدّ الحلم، أو خفّته، أو نقيضه، أو الجهل ، وأصله الخفّة، والحركة .

و«الصِّبا» بالكسر والقصر، أو بالفتح والمدّ، من الصَّبْوة، وهي الميل إلى جهل الفتوّة . يُقال : صَبي _ كرضي _ صبىً بالكسر، أي فَعَل فِعل الصبيّ ، وصبا إليه _ كغذا _ صَبْواً وصباء بالفتح، أي حنّ قلبه إليه، واشتاق .

وقيل : كلمة «في» للتأكيد، كما في قوله تعالى : «ارْكَبُوا فِيهَا» ، (1). أو متعلّق بالتوريث بتضمين معنى الجعل أو الوضع (2).

وقيل : الظرف في موضع الحال، أي ورّثوه في حال السفه والصبا (3).

(فالاُمّة يصدرون) بضمّ الدال، أي يرجعون (عن أمر الناس) .

قال بعض الشارحين :

المراد بالاُمّة التابعة، وبالناس المخالفون ؛ أي يرجعون عن أمرهم مع كدرة مشربهم .

(بعد أمر اللّه تبارك وتعالى) بولاية أمير المؤمنين عليه السلام (وعليه يردّون) ؛ من الردّ، أي على اللّه يردّون أمره، ولا يأخذون أمر الناس ، والظاهر أنّ الواو للحال ، انتهى كلامه (4).

وقال بعض الأفاضل : معنى قوله : «أمر اللّه » بعد الاطّلاع عليه، أو بعد صدور أمره تعالى أو تركه . وقال : والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول . انتهى (5).

ويظهر منه أنّ «يَرِدُون» من الورود .

ص: 509


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 353
2- هود(11): 41
3- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 116
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 354
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 116

وأقول أيضاً من السياق: أنّ المراد بالاُمّة الاُمّة العاصية ، وبالناس أهل الحقّ والعدل ، و«يردّون» من الردّ؛ أي الاُمّة الضالّة يرجعون عن أمر اللّه بمتابعته بعد رجوعهم عن أمر اللّه وحكمه، ويردّون على اللّه أمره وحكمه، ولا يقبلونه .

قال الفيروزآبادي : «ردّ عليه: لم يقبله وخطّأه» (1).

ويؤيّد ما ذكرناه قوله : «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً» (2) من باب وضع الظاهر موضع الضمير؛ للتصريح بظلمهم، ووضعهم الباطل موضع الحقّ .

قال بعض المفسّرين في قوله تعالى : «بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً» : أي بدلاً من اللّه إبليس وذرّيّته(3).

فجعلوا المخصوص بالذمّ شياطين الجنّ ، وقال عليه السلام : (المخصوص بالذمّ).

(ولاية الناس) أي الولاية التي اختاروها لأنفسهم بنَصب الجاهل.

(بعد ولاية اللّه ) التي اختارها لهم من ولاية وليّ الأمر ، والظاهر أنّ إضافة الولاية في الأوّل إلى المفعول ، وفي الثاني إلى الفاعل .

(وثواب الناس) عطف على «ولاية الناس» ؛ أي أجرهم ورضاهم، وما في أيديهم من متاع الدنيا .

(بعد ثواب اللّه ) أي بعد تركهم ثوابه، يعني عطاءه وجزاءه، أو بعد إعراضهم عنه ، وأصل الثواب: الجزاء .

(ورضا الناس بعد رضا اللّه ) .

الرضا: ضدّ السخط .

قال الجوهري : «رضيت عنه رِضاً، مقصورٌ، مصدر محض، والاسم: الرضاء، ممدود» (4).

(فأصبحت الاُمّة) . اللام للعهد، أي صارت الاُمّة العاصية الضالّة المضلّة.

(لذلك)، إشارة إلى صفاتهم الذميمة السابقة من نبذهم الكتاب وتغيير حدوده ونحوهما .

والظاهر أنّ الظرف خبر «أصبحت» ، والباء للاختصاص . وفي بعض النسخ: «كذلك» وهو أظهر .

ص: 510


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 294 (ردد)
2- .الكهف(18): 50
3- راجع: جامع البيان، ج15، ص326؛ تفسير البغوي ، ج 3 ، ص 167 ؛ تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 504
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2357 (رضا)

(وفيهم المجتهدون) أي المسارعون (في العبادة).

العبادة: الطاعة ، وإنّما سمّي أعمالهم الفاسدة عبادة باعتبار التشاكل الاسمي عرفاً، أو التشابه الصوري ظاهراً، أي بالنظر إلى معتقدهم .

(على تلك الضلالة) أي حال كونهم ثابتين عليها غير مفارقين عنها .

وقيل: فيه تنبيه على أنّ عبادتهم واجتهادهم فيها لا ينفعهم، كعبادة اليهود والنصارى (1).

(مُعجَبون) بفتح الجيم. قال الجوهري : «أعجبني هذا الشيء لحسنه ، وقد اُعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَب برأيه وبنفسه ، والاسم: العُجب، بالضمّ»؛ (2).

يعني أنّهم يُعْجَبون بعملهم بتزيين الشيطان إيّاه ليزداد حسرتهم يوم القيامة حين يرونه هباءً منثوراً .

(مفتونون)؛ لافتتان الشيطان لهم، وإضلال بعضهم بعضاً بالحثّ عليه . قال الجوهري : «فُتِنَ، فهو مفتون، إذا أصابته فتنة، فذهب ماله أو عقله، وكذلك إذا اختُبِرَ ، قال اللّه تعالى : «وَفَتَنَّاكَ فُتُونا» (3). » .

وفي القاموس:

الفتنة، بالكسر: الخبرة ، وإعجابك بالشيء، والضلال، والإثم، والكفر، والفضيحة، والعذاب، والإضلال، والمحنة . وفتنه: أوقعه في الفتنة، كفتّنه، وأفتنه، فهو مُفتن ومفتون، ووقع فيها، لازم متعدٍّ (4).

وقوله : (فعبادتهم فتنة لهم) .

قيل : أي محنة وبليّة ابتلوا بها مع مشقّة شديدة، أو سبب لزيادة ميلهم عن الحقّ إلى الباطل، من فتن المالُ الناسَ _ من باب ضرب _ فُتوناً: استمالهم إلى مفاسده (5).

وقال : (ذكر (6). للعابدين) . في بعض النسخ: «ذكرى» .

قال الفيروزآبادي : «الذكر، بالكسر: الحفظ للشيء، وتذكّره، واُذكره إيّاه وذكّره، والاسم: الذكرى ، وقوله تعالى : «وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» 7 اسم للتذكير ، «وَذِكْرى لِاُوْلِي

ص: 511


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 354
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 177 (عجب)
3- . طه(20): 40
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 255 (فتن)
5- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ذكرى»
6- .الأعراف(7): 2؛ هود(11): 120

الْأَلْبَابِ» (1). : عِبرة لهم» (2).

وقوله : (ثمّ يعصي اللّه ) أي يترك الأولى والأفضل ، وإطلاق العصيان عليه مجاز؛ لكونه بالنسبة إلى درجة كمالهم بمنزلة العصيان.

(فيخرج به من الجنّة) كآدم عليه السلام (ويُنبذُ به) أي يُلقى (في بطن الحوت) كيونس عليه السلام (3) . ولعلّ عصيانه غضبه على قومه، وخروجه من بينهم، وإباقه منهم بغير إذن ربّه .

(ثمّ لا يُنَجّيه إلّا الاعتراف والتوبة) كقول آدم عليه السلام : «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا» ، (4) وكقول يونس عليه السلام : «لَا إِلهَ إِلَا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ» (5).

وقيل : فيه حثّ بليغ لأرباب الذنوب على الاستغفار والتوبة والاعتراف بالتقصير، وتحذير شديد لأصحاب المعاصي في العقائد والأعمال من غير بنائهما على علم ويقين؛ فإنّ من تصوّر ما جرى على آدم ويونس عليهماالسلام بالزلّة الواحدة والمعصية الصغيرة التي هي خلاف الاُولى بالنسبة إلى الأنبياء، يكون على وَجَل شديد من المعاصي العظيمة، سيّما إذا تعاقبت وتكاثرت، ويحكم بأنّها سبب تامّ للمنع عن دخول الجنّة، فكيف يطمع دخولها مع بقائه على المعاصي، وعدم تداركه بالتوبة ؟! (6).

(فاعرف أشباه الأحبار والرهبان) أي الذين يتشبّهون بعلماء الاُمم السابقة وزهّادهم وعبّادهم صورةً، وليسوا منهم، بل ماتوا ضالّين مضلّين، أو أشباه الأحبار والرهبان الذين ذمّهم اللّه في كتابه حيث أظهروا البدع، وسعوا في تشييد قوانينها، وكتموا الكتاب والسنّة، واجتهدوا في تخريب أحكامها ومبانيها، وفسّروا الكتاب بآرائهم، وأوّلوه بأهوائهم، وشروا الدُّنيا بالآخرة، وأكلوا السحت وأموال الناس بالباطل، وصدّوهم عن سبيل اللّه .

(الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه) صفة للأحبار والرهبان؛ أي بإخفاء ما في التوراة والإنجيل من الأحكام التي لا تهوى أنفسهم ، ونعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 512


1- .ص(38): 43؛ غافر(40): 54
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 35 (ذكر)
3- .في الحاشية: «قال الفاضل الكاشي : أشار بالنبيّ من الأنبياء عليهم السلام إلى يونس، على نبيّنا وعليه السلام. ثمّ قال : وأمّا إطلاقه الجنّة على الدنيا فلعلّ الوجه فيه أنّها بالإضافة إلى بطن الحوت جنّة من أكل منه ، فتأمّل ». الوافي ، ج 26 ، ص 93
4- .الأعراف(7): 23
5- الأنبياء(21): 87
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 354 و355

والظاهر أنّ «ساروا» من السَّير، وكونه من «السَّور» بمعنى الحملة والوثوب بعيد. وكذا ما قيل: إنّه من السيرة _ بالكسر _ بمعنى السنّة والطريقة والهيئة؛ لأنّ اشتقاق الفعل منها غير معروف .

«فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» أي بطل بسبب التحريف والكتمان الموجبين لكفرهم جميع أعمالهم واجتهاداتهم، فلا ربح لهم فيها في الآخرة .

قال البيضاوي في قوله تعالى : «أُوْلئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ» : (1).

إنّه ترشيح للمجاز لمّا استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم. والتجارة: طلب الربح بالبيع والشراء . والربح: الفضل على رأس المال ، وإسناده إلى التجارة _ وهو لأربابها _ على الاتّساع لتلبّسها بالفاعل، أو لمشابهتها إيّاه من حيث إنّها سبب الربح والخسران .

«وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» لطرق التجارة ؛ فإنّ المقصود منها سلامة رأس المال والربح ، وهؤلاء قد أضاعوا الطَّلَبتين؛ لأنّ رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف، فلمّا اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم، واختلّ عقلهم، ولم يبق لهم رأس مال يتوسّلون به إلى درك الحقّ ونيل الكمال ، فبقوا خاسرين، آيسين من الربح، فاقدين للأصل (2).

ولمّا وصف عليه السلام الأحبار والرهبان المتشبّهين بهم ، شرع في وصف أشباههم من هذه الاُمّة، فقال : (ثمّ اعرف أشباههم) أي أشباه الأحبار والرهبان من هذه الاُمّة .

وقوله : (الذين أقاموا ...) خبر مبتدأ محذوف .

وقوله : (فهم مع السادة والكبرة) .

السادة: جمع سيّد .

قال الجوهري في (سَ وَدَ): «تقديره: فعلة، بالتحريك» (3).

وقال الفيروزآبادي : «هو كُبرهم _ بالضمّ _ وكِبرتُهم، بالكسر: أكبرُهُم، أو أقعدهم بالنسبة» (4).

ص: 513


1- .البقرة(2): 16
2- تفسير البيضاوي ، ج 1 ، ص 183 _ 185 (مع تلخيص)
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 490 (سود)
4- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 124 (كبر)

وقال : «قَعيد النسب، وأقعدُ: قريب الآباء من الجدّ الأكبر» (1). انتهى . أي هم مع أهل السيادة والغلبة والدولة والسلطنة، يعني سلاطين الجور وأعوانهم يدورون معهم حيث داروا، وينقادون لهم فيما أرادوا طمعاً فيما بأيديهم .

وفي بعض النسخ : «والكثرة» بالثاء المثلّثة، وهي بالفتح، وقد يكسر: ضدّ القلّة .

(فإذا تفرّقت وتشعّبت قادة الأهواء) .

القادَة: جمع القائدة . وقادة الأهواء المنهمكون في الآراء والأهواء النفسانيّة القائدون لمَنْ تأسّى بهم إليها .

(كانوا مع أكثرهم دُنيا) نصب على التمييز، والحاصل أنّهم أعرضوا عن الحقّ وأهله مطلقاً، وكانوا مع الباطل وأهله، فإذا تعدّدت أهاليه وتكثّرت سلاطينه وعظماؤه مالوا إلى من هو أكثر مالاً وأعزّ نفراً ؛ لأنّ مطلوبهم عنده أكثر وحصوله منه أوفر .

(وذلك) إشارة إلى ما ذكر من متابعتهم الأهواء، وكونهم مع الدنيا وأهلها .

(مبلغهم من العلم) أي ما بلغوه بسبب علمهم ؛ أي ليس لعلمهم ثمرة سوى هذه، أو لم يحصل لهم سوى ذلك من العلم ، والظاهر أنّه إشارة إلى قوله تعالى : «فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ» (2).

قال بعض المفسّرين : «ذلك؛ أي أمر الدنيا، أو كونها شهيّة مبلغهم من العلم، لا يتجاوزه علمهم» ، قال : «والجملة اعتراض مقرّر لقصور همّتهم بالدنيا» (3).

(لا يزالون كذلك في طبع) بسكون الباء، أو بتحريكها (وطمع) أي حرص في الدنيا وزخارفها .

وفي القاموس: «طبع عليه، كمنع: ختم. والطِّبعُ، بالكسر: الصدأ والدَّنَس ، ويحرّك. أو بالتحريك: الوسخ الشديد من الصدأ، والشين، والعيب» (4).

فلو اُريد من الطبع الختم فليس على حقيقته، بل جعل قلوبهم بحيث لا يفهم شيئاً من الحقّ، ولا يدخل فيها أصلاً ، ولو اُريد منه الوسخ والدنس فالمراد به العقائد الخبيثة، والضمائر الكثيفة، والأعمال القبيحة، والأطوار الشنيعة .

ص: 514


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 328 (قعد)
2- النجم(53): 29 و30
3- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 258
4- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 58 (طبع)

(لا يزال يُسمع) على البناء للمفعول .

(صوتُ إبليس على ألسنتهم بباطل كثير) .

الباء للتلبّس، أو للسببيّة، وجعل صوتهم صوت إبليس ؛ لأنّه حصل من وسوسة ونفخة في صدورهم ، فكأنّ حصائد ألسنتهم عين صوته لكماله في السببيّة .

وقيل: في اختيار «على» دون «من» تنبيه على استيلائه عليهم، وكونهم مقهورين لحكمه (1).

(يصبر منهم العلماء) أي علماء العدل والحقّ ، وضمير الجمع للأشباه .

(على الأذى والتعنيف) أي على إضرارهم وتشديدهم إيصال المكروه إليهم.

وأصل الأذى: المكروه . والتعنيف: التقريع، وهو اللؤم الشديد . وقيل: المبالغة في الغلظة والشدّة (2).

وفي بعض النسخ: «التعسّف» . قال الفيروزآبادي : «عسف عن الطريق: مالَ، وعدل، كاعتسف، وتعسّف، أو خبطه على غير هداية، والسلطانُ: ظلم، وفلاناً: استخدمه»(3) .

(ويعيبون على العلماء بالتكليف) أي بسبب أنّ علماء العدل يكلّفونهم بقوانين الشرع، ورفض البدع والأهواء المضلّة، أو بتكليفهم الخلق، ودعوتهم إلى الحقّ .

(والعلماء في أنفسهم) أي في حدّ ذاتهم . (خانة): جمع خائن، وأصله فعلة بالتحريك .

وفي القاموس: «الخَون: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، خانه خوناً وخيانةً فهو خائن، الجمع: خانَةٌ، وخَوَنَةٌ، وخُوّانٌ» (4).

(إن كتموا النصيحة) أي الهداية والإرشاد إلى ما فيه خير الدارين وصلاح النشأتين .

(إن رأوا تائهاً ضالّاً لا يهدونه) .

التّيه: الضلال ، وتاه في الأرض، أي ذهب متحيّراً، فهو تائه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يحتمل أن يكون جزاء هذا الشرط قوله : (فبئس ما يصنعون)، ويكون الجملة الشرطيّة تأكيداً للجملة السابقة وبياناً لها ، ولذا ترك العاطف، أو يكون بياناً لكتمان النصيحة وتفسيراً له، ويكون قوله : «فبئس ما يصنعون» جزاء شرط محذوف؛

ص: 515


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 356
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 356
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 175 (عسف)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 220 (خون)

أي إن فعلوا ذلك (فبئس ما يصنعون).

وعلى التقديرين تعود الضمائر المرفوعة في «رأوا» وما بعده إلى العلماء .

ويحتمل أن يكون «إن رأوا» استئناف كلام لبيان حال الأحبار والرهبان ، وقوله : «لا يهدونه» جزاء الشرط ، وقوله : «فبئس» تفريعاً عليه ، ويكون ضمير الفاعل في «رأوا» وما بعده عائداً إلى الأحبار والرهبان أو أشباههم ؛ أي إنّهم يعيبون على العلماء تكليفهم إلى الحقّ لكونه خلاف طريقهم؛ فإنّهم إن رأوا تائهاً لا يهدونه بالجملة هداية التائه المتحيّر في أمره والضالّ الآخذ على غير الطريق مطلقاً واجبة على العلماء مع عدم المانع، وتلك الهداية من جملة الأمانات التي تركها خيانة .

(أو ميّتاً لا يُحيونه).

لعلّ المراد بالميّت هنا الجاهل المسترشد، أو الواقع في غمرة المعصية، وبإحيائه إرشاده وتعليمه وتخليصه.

وقيل : لعلّ المراد بالميّت من لم يستكمل نفسه بالكمالات العقليّة من العلوم والأخلاق والآداب الشرعيّة ، ولم يعمل بها، ولم يزهد في الدنيا (1).

(فبئس ما يصنعون) أي العلماء بالخيانة وترك النصيحة، أو الأحبار والرهبان أو أشباههم بإيذاء العلماء وتعنيفهم .

وقوله : (لأنّ اللّه تبارك وتعالى) تعليل لقوله : «والعلماء في أنفسهم خانة» إلى آخره .

(أخذ عليهم الميثاق في الكتاب) ؛ يعني القرآن .

(أن يأمروا بالمعروف وبما اُمروا به) على البناء للمفعول .

(وأن ينهوا عمّا نُهوا عنه) بضمّ النون .

قال اللّه عزّ وجلّ : «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ» الآية (2).

(وأن يتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان) .

في قوله تعالى : «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (3). فسّر البرّ

ص: 516


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 356
2- آل عمران(3): 104
3- .المائدة(5): 2

والتقوى بالعفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى، والإثم بالذنب والخمر والقمار وكلّ ما لا يحلّ من العمل، والعدوان بالظلم .

(فالعلماء) العدل (من الجهّال) أي أشباه الأحبار، أو أتباعهم الجهلة أيضاً، ومن تعنيفهم وإيذائهم وعدم قبولهم الحقّ (في جهد) ومشقّة .

قال الجوهري : «الجَهد والجُهد: الطاقة . قال الفرّاء : الجُهد، بالضمّ: الطاقة، وبالفتح: المشقّة »(1).

(وجهاد) أي مجاهدة، وسعي، واهتمام معهم في تطويعهم إلى الحقّ، وصرف قلوبهم عن الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة .

ثمّ بيّن عليه السلام معنى الجهد والجهاد معهم وثمرتها بقوله : (إن وَعَظَتْ) العلماء أحداً من تلك الجهّال (قالوا: طبعَتْ) أي دنست وخبثت تلك العلماء ، والتأنيث باعتبار الجماعة .

أو المراد: طبعت قلوبهم، فإن اُريد بالطبع هنا الختم فيحتمل كون «طبعت» على بناء المجهول، جملة دعائيّة .

قال الجوهري : الطبع: الختم، وهو التأثير في الطين ونحوه ، وطبعتُ على الكتاب، أي ختمت.

والطبع، بالتحريك: الدنس، تقول منه: طبع الرجل بالكسر، وطبع السيف، أي علاه الصدأ(2).

قالوا ذلك لعدم موافقته بطبائعهم الكثيفة، وزعمهم بطلانه .

وفي بعض النسخ: «طغت» بغين المعجمة، أي جاوزوا الحدّ في ذلك، وبالغوا أكثر ممّا ينبغي .

وفي بعضها: «طغيت» . قال الجوهري : «طغى يطغى ويطغو، أي جاوز الحدّ، وكلّ مجاوز حدّه في العصيان طاغ، وطغى يطغى مثله» (3).

(وإن علّموا الحقّ الذي تركوا، قالوا: خالفت) أي خالفت مشايخنا وأكابرنا، أو عامّة الناس؛ لشيوع الباطل بينهم وزعمهم حقّيّة بطلانهم .

ويحتمل أن يكون «خالفت» من قولهم: هو خالفة أهل بيته وخالفهم، أي غير نصيب لا خير فيه، أومن الخالفة والخالف بمعنى الأحمق .

ص: 517


1- الصحاح ، ج 6 ، ص 2412 (طغا)
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 460 (جهد) مع التلخيص
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1252 (طبع)

(وإن اعتزلوهم) أي تنحّوا عنهم، ولم تعاشروهم، أو عن سيرتهم وطريقتهم .

(قالوا : فارقت) أهل السنّة والجماعة .

وقوله : (على ما تُحدّثون) يعني من الأسلاف والأوائل من مزخرفات الأكاذيب .

(قالوا : نافقت) من النفاق في الدين، وهو ستر الكفر وإظهار الإيمان ، قالوا ذلك لزعمهم أنّ خلاف ما هم عليه وعدم أخذه مسلّمة فيمن أظهر الإسلام نفاق .

وقيل : هو من النفوق، أي ماتت وهلكت؛ لزعمهم أنّ مطلوبهم من ضروريّات الدِّين، حتّى أنّ طالب البرهان عليه هالك (1).

يُقال : نَفَقت الدابّة نُفوقاً، أي ماتت .

وقيل : أي أظهرت خلافنا، ولم تعتقد لحقّيّة ما نحن عليه (2).

(وإن أطاعوهم قالوا) على سبيل الإلزام والإسكات (عصت اللّه عزّ وجلّ).

في بعض النسخ: «عصيت» بصيغة الخطاب، وكأنّ المراد أنّهم يقولون: عصيت اللّه بزعمك حيث سلكت مسلكاً لم تعتقده، وحكمت ببطلانه، كما هو معروف من دأب مخالفينا، يشنّعون علينا وعلى أئمّتنا بالتقيّة .

وقال بعض الأفاضل : «ليس في بعض النسخ المصحّحة «قالوا» ، والظاهر أنّه زيد من النسّاخ ، والمعنى أنّه لا يمكنهم إطاعة هؤلاء؛ لأنّها معصية اللّه تعالى » (3). انتهى .

والحاصل : أنّ أحوال الجهّال مشوّشة منكّرة بحيث لا يمكن للعالم حسن السلوك معهم أصلاً .

(فهلك جُهّال). التنوين للتحقير، أو للتعظيم، أو للتكثير .

(فيما لا يعلمون). لعلّ المراد أنّهم جهّال فيما لا يصل إليه علمهم من فساد عقيدتهم، أو عملهم وسيرتهم، فليس لهم علم بجهلهم ، وهذا هو الجهل المركّب المُهلِك .

وقيل : لعلّ المراد أنّ الطاعنين في العلماء جهّال فيما لا يبلغ علمهم إليه ممّا عمله العلماء، ومع ذلك يعيبون عليهم (4).

ص: 518


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 357
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 118
3- .قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 118 و119
4- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 94

(اُمّيّون). أي أنّهم جهّال كالاُمّيّين .

(فيما يتلون) من الكتاب، لا يعرفون حقيقته، ولا يفهمون معناه .

في القاموس: «الاُمّي: من لا يكتب، أو من على خلقة الاُمّ لم يتعلّم الكتاب، وهو باقٍ على جبلّته، والغبيّ الجِلف القليل الكلام» (1).

(يصدّقون بالكتاب) أي بألفاظه وعباراته .

(عند التعريف) أي عند تعريفهم وتعليمهم للخلق حروفه وكلماته .

(ويكذّبون به عند التحريف) أي تحريف معانيه، وصرفها إلى غير المراد منه؛ إذ تحريف معناه تكذيب لما هو المقصود منه .

(فلا يُنكرون) على بناء الفاعل، أو المفعول من الإنكار. ويحتمل كونه من التنكير، أي لا يستقبحون ذلك، بل يستحسنونه، أو لا يعلمون أنّه جهل، بل يزعمون أنّه حقّ .

قال الفيروزآبادي : النكرُ والنكارة: الدَّهاء، والفطنة. والنكر، بالضمّ وبضمّتين: المنكر، كالنَّكراء، والأمر الشديد. نَكِر فلان الأمر _ كفرح _ نكَرَاً ونُكُراً ونكوراً ونكيراً، وأنكره: جهله، والمنكر: ضدّ المعروف (2).

قال بعض الأفاضل : قوله : «يصدّقون» و«يكذّبون» من باب التفعيل على البناء للفاعل . وقوله : «فلا ينكرون» على البناء للمفعول ؛ أي لا ينكر تكذيبهم عليهم أحد ، ويحتمل العكس بأن يكون الأوّلان على البناء للمفعول ، والثالث على البناء للفاعل؛ أي لا يمكنهم إنكار ذلك؛ لظهور تحريفهم، وعلى الاحتمال الأوّل يمكن أن يقرأ الفعلان بالتخفيف أيضاً، والأوّل أظهر . انتهى (3).

(اُولئك أشباه الأحبار والرهبان) الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه .

وقوله : (قادة في الهوى، سادة في الردى) خبر «اُولئك» ، و«أشباه الأحبار» صفته، أو بدله، وكونه خبراً أيضاً بعيد؛ يعني أنّهم قائدون لمن تبعهم إلى الأهواء النفسانيّة والآراء الشيطانيّة،

ص: 519


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 76 (أمم)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 148 (نكر) مع التلخيص
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 119

فيوردونهم في المهلكات والوهدات الدنيويّة والاُخرويّة .

(وآخرون منهم) أي من الجهّال .

(جلوس بين الضلالة والهدى) إشارة إلى قسم ثالث منهم غير المتبوعين والتابعين، وهم المتردّدون بين الباطل وأهله وبين الحقّ وأهله .

(لا يعرفون إحدى الطائفتين) ؛ يعني أهل الضلالة وأهل الهدى .

(من الاُخرى) ولا يميّزون بينهما، فهم من «مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلَاءِ وَلَا إِلى هؤُلَاءِ» (1).

(يقولون ما كان الناس) في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعهده (يعرفون هذا) أي الاختلاف الذي حدث بين الاُمّة في اُمور الدين (ولا يَدرون ما هو) ؛ لأنّه لم يكن فيهم .

قيل : الظاهر أنّه عطف على «يقولون»؛ أي ولا يدري الآخرون الجالسون ما هذا الاختلاف، ولا أيّ شيء سببه ، والعطف على «يعرفون» محتمل (2).

وأقول : أنت خبير بأنّ الحال على عكس ما قال .

(وصَدَّقوا) ؛ يعني أنّهم صادقون في هذا القول الذي هو نفى الاختلاف بين الاُمّة في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله .

قيل: هذا الصنف هو الصنف الثالث فيما روي من أنّ عليّاً عليه السلام باب اللّه ، من دخل فيه فهو مؤمن، ومَن خرج عنه فهو كافر، ومن لم يدخل فيه ولم يخرج عنه فهو مستضعف في مشيّة اللّه تعالى (3).

وقال بعض الأفاضل الأعلام : قوله عليه السلام : «يقولون ما كان الناس يعرفون هذا» إلى آخره ، يحتمل وجوهاً : الأوّل : أن يكون «هذا» إشارة إلى الاختلاف الذي حدث بين الاُمّة ؛ أي لم يكن هذا الاختلاف بين الاُمّة في زمن الرسول صلى الله عليه و آله ، وما كان الناس يدرونه، وإنّما حدث هذا بعده، فيعرفون أنّ هذا الاختلاف ليس بحقّ، لكن لا يعرفون الحقّ من بينهما، فتحيّروا، فيكون قوله : «وصدقوا» بالتخفيف من كلامه عليه السلام غير محكيّ عنهم، بل تصديقاً لهم فيما قالوا من أنّ الاختلاف مبتدع . ويحتمل أن يكون «ولا يدرون» أيضاً

ص: 520


1- النساء(4): 143
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358

من كلامه عليه السلام ؛ أي لا يدرون هؤلاء المتحيّرون الحقّ ما هو بين هذا الاختلاف الذي اعترفوا بكونه مبتدعاً .

الثاني : أن يكون «هذا» إشارة إلى ما ابتدعه المخالفون كخلافة الأوّل مثلاً ؛ أي يقولون: لم يحدث هذه الاُمور في عهد (1)

الرسول، وإنّما ابتدعت بعده، وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يقرأ «صدقوا» بالتخفيف كما مرّ، وبالتشديد أيضاً ، وعلى الثاني فقوله : «تركهم» إمّا مصدر مفعول للتصديق، أي صدّقوا أنّ الرسول تركهم على الأمر الواضح ، وإمّا فعلٌ، أي مع اعترافهم بكون هذه الاُمور بدعة صدّقوا بها تصديقاً مشوباً بالشكّ، فيكون قوله: «تركهم» كلامه عليه السلام للردّ عليهم .

الثالث : أن يكون «هذا» إشارة إلى مذهب أهل الحقّ، أي سبب عدم إطاعتهم الحقّ هو أنّهم يقولون: إنّ الناس في الزمن السابق كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي، ولا يدرون حقّيّته، فنحن تبعٌ لهم كما قال الكفّار : «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ» ، (2) و«صدقوا» بالتشديد، و«تركهم» على صيغة المصدر، فهذا ردّ عليهم بأنّهم يصدّقون بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوضح لهم السبيل، وأقام لهم الخليفة ، ومع ذلك يتّبعون أسلافهم في الضلالة، أو بيان لأحد طرفي شكّهم وأحد سببي تحيّرهم .

الرابع : أن يكون «هذا» إشارة إلى خليفتهم الباطل، وبدعهم الفاسدة، ويكون الكلام مسوقاً على الاستفهام الإنكاري ؛ أي إنّ الناس هل كانوا لا يعرفون حقّيّة هذه الخليفة، وكانوا ينصبونه ، وقوله عليه السلام : «وصدقوا» يكون ردّاً عليهم ، انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه (3).

وأقول : الظاهر أنّ قوله عليه السلام : (تركهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ) بصيغة الفعل من باب الاستئناف، إشارة إلى علّة صدقهم، وإلى سبب الاختلاف بعده صلى الله عليه و آله ، وضمير الجمع للاُمّة؛ أي تركهم حين وفاته، أو في حال حياته مطلقاً .

(على البيضاء) أي على الملّة، أو الشريعة، أو السنّة، أو الطريقة البيضاء البيّنة الواضحة.

(ليلها) متميّزاً (من نهارها) أي باطلها من حقّها .

وقيل : مجهولها أو جاهلها من معلومها ، أو عالمها (4) وقيل : يحتمل أن يُراد بالنهار ظاهر

ص: 521


1- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 94
2- في الحاشية: «عصر»
3- الزخرف(43): 23
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 119 و120

الملّة، وبالليل باطنها؛ لخفائه بالنسبة إلى الظاهر بحيث لا يهتدي إليه أحد (1).

(لم يظهر فيهم بدعة) .

قيل : هي ما لم يكن في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان مخالفاً لما جاء به .

(ولم يُبدَّل فيهم سُنّة) . هي ما يقابل البدعة .

وقيل : يمكن أن يُراد بالبدعة ولاية الجور ، وبالسنّة ولاية الحقّ (2).

(لا خلاف عندهم) في عدم ظهور البدعة وعدم جوازها .

(ولا اختلاف) عندهم في عدم جواز تبدّل السنّة .

وقيل : أي لا خلاف عندهم حينئذٍ في السنّة، ولا اختلاف في الولاية والإمامة، بل كانوا كلّهم على سنّة واحدة وولاية واحدة _ هي ولاية عليّ عليه السلام _ طوعاً أو كرهاً، أو غير مظهرين لخلافه (3).

(فلمّا غشي الناس) بعد أن قبض رسول اللّه (ظلمة خطاياهم) ؛ يُقال: غشيه _ كرضيه _ غشياناً بالكسر، إذا جاءه، وغشّيته تغشية، إذا غطّيته . قيل : شبّه الخطايا بالليل، واُثبت لها الظلمة مكنيّة وتخييليّة، أو شبّهها بالظلمة، والتركيب من باب لجين الماء، ووجه التشبيه هو تحيّر الناس فيها، وعدم اهتدائهم إلى المقصود (4).

وقوله : (داع إلى اللّه ) أي إلى دينه، وإلى ما يوجب الوصول إلى رحمته، وذلك الداعي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام .

(وداع إلى النار) أي إلى أسباب دخولها، وهو أمير الكافرين : الأوُّل وصاحباه .

(فعند ذلك) الاختلاف (نطق الشيطان) بلسان أوليائه في الناس، كما يصرّح به (فعلا صوته) كناية عن غاية كدّه واجتهاده في النطق .

(على لسان أوليائه) من الإنس، أو من الجنّ أيضاً؛ إذ اُريد باللسان والنطق ما يعمّ الوسوسة والتخيّلات الشيطانيّة وتزيين الباطل في قلوبهم .

ص: 522


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 358

(وكثر خيله ورَجْله) أي أعوانه القويّة والضعيفة، وأصحاب الشوكة والقدرة على الشيطنة وأعمال النكراء والجربزة في وضع القوانين الباطلة.

والضعفاء التَّبَعة لهم في ذلك .

قال الجوهري : «الخيل: الفُرسان، ومنه قوله تعالى : «وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ» (1)

أي بفرسانك ورجالتك» (2).

وقال : «الراجل: خلاف الفارس ، والجمع: رجَلْ مثل صاحب وصَحْب، ورجّالة ورُجّال» (3).

وقال البيضاوي : «الرَّجل، بالكسر والضمّ، لغتان في الرَّجْل بالسكون» (4).

(وشارك) الشيطان (في المال) بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام، والتصرّف فيها على ما لا ينبغي .

(والولد) بالحثّ على التوصّل به بالسبب المحرّم كالزنى، وجعل مال الإمام مهور النساء وقيّم السراري بالنسبة إلى المخالف، وبتسمية الولد بعبد العزّى وأمثال ذلك .

(من أشركه) مفعول «شارك»؛ أي جعله شريكاً فيهما باتّباعه وعدم الاستعاذة منه .

(فعُمِلَ بالبدعة) الضمير المستتر عائد إلى الموصول .

وقوله : (وتُرك الكتاب والسنّة) ؛ إمّا على صيغة الفعل عطف على «عمل»، أو على صيغة المصدر عطف على «البدعة»، ولا شكّ في أنّ العمل بالبدعة موجب لترك الكتاب والسنّة ، وقد روي: «ما اُحدثت بدعة إلّا تُركت بها سنّة» (5).

(ونطق أولياء اللّه ) من الأوصياء ومن تبعهم (بالحجّة) أي بالدليل والبرهان الدالّ على الحقّ .

(وأخذوا بالكتاب) أي بأحكام القرآن (والحكمة) فسّرت بالشريعة، أو معالم الدين من المنقول والمعقول .

(فتفرّق) وامتاز (من ذلك اليوم) الذي ظهر فيه إمامان : (أهل الحقّ) بالنطق بالبرهان والحجّة،

ص: 523


1- .الإسراء(17): 64
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1691 (خيل)
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1705 (رجل)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 456
5- نهج البلاغة ، ص 202 ، الكلام 145 . وعنه في وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 175، ح 21280

والأخذ بالكتاب والسنّة (وأهل الباطل) بالشبهات الشيطانيّة والتسويلات النفسانيّة .

(وتخاذل وتهاون أهل الهدى) .

«أهل الهدى» فاعل الفعلين على التنازع .

قال الفيروزآبادي : «خذله: ترك نصرته ، وتخاذلت رجلاه: ضعفتا ، والقوم: تدابروا» (1).

وقال الجوهري : «تخاذلوا، أي خذل بعضهم بعضاً» (2). وقال : «تهاون به: استحقره» (3).

وقيل : المراد أنّه أهل الهدى تخاذلوا وتهاونوا وتركوا النصرة والتعاون بينهم ، ولو لا ذلك لما غلب أهل الضلالة عليهم، وفيه نوع شكاية من التابعين لعليّ عليه السلام بعدم نصرتهم له، كما مرّ مثله عنه عليه السلام في الخطبة الطالوتيّة (4).

وفي بعض النسخ: «تخادن»، بالدال المهملة والنون. والتخادن: اتّخاذ الخِدن _ بالكسر _ وهو الصديق، والصاحب، ومنه قوله تعالى : «وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» (5) .

وفي بعضها : «تخاون» بالواو من الخون، وهو أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح .

وفي بعضها: «تهادن» من الهُدنة بالضمّ، وهو المصالحة .

وفي بعضها: «أهل الهوى» بالواو . وعليك بتطبيق النسخ بعضها مع بعض برعاية التناسب بينها .

والظاهر أنّ «الجماعة» في قوله : (حتّى كانت الجماعة) مرفوع، على أنّه اسم «كانت»، أو فاعله. وقيل : منصوب على الخبريّة، واسم «كانت» الضمير المستتر الراجع إلى أهل الضلالة .

والمراد ب «فلان» في قوله : (مع فلان وأشباهه) الأوّل، وأشباهه أضرابه من لصوص الخلافة .

(فاعرف هذا الصنف) من أهل الجهالة والضلالة بأعيانهم وصفاتهم الذميمة الخارجة عن طور العقل والشرع .

ص: 524


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 367 (خذل) مع التلخيص
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1683 (خذل)
3- الصحاح ، ج 6 ، ص 2218 (هون)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 359
5- .النساء(4): 25

(وصنف آخر) وهم أهل الهدى (فأبصرهم رأي العين) أي رؤية ظاهرة معاينة .

(تُحيا) (1).

على صيغة المعلوم من الحياة، أو المجهول من الإحياء .

وفي بعض النسخ: «نجباء» على زنة شرفاء، جمع نجيب، وهو صفة اُخرى للصنف، أو حال من الضمير المنصوب .

(والزمهم) أي لا تفارقهم.

(حتّى ترد) بعد الموت، أو يوم القيامة .

(أهلك): أهل الجنّة والسعادة من الأنبياء والأولياء .

ويحتمل أن يُراد بأهل الإمام الحقّ كناية، والورود عليه أعمّ من الورود والوصول إليه في الدنيا والآخرة .

وقيل : يمكن أن يكون «تردّ» بتشديد الدال، أي حتّى تردّ أهلك عن صنف أهل الضلالة إلى أهل الحقّ ، قال : وهذا أنسب بقوله : (فإنّ الخاسرين ...)، (2). وكأنّه عليه السلام أشار بذلك إلى تفسير خسران أهليهم في الآية، بأنّ المراد به خسران مرافقة هؤلاء في القيامة، وفي الجنّة، وخسران شفاعتهم .

قال الجوهري : «خسر في البيع خُسراً وخُسراناً، وخَسِرة وأخسره: نقصه» (3). وقال البيضاوي : «الخاسرون هم الكاملون في الخسران، الذين خسروا أنفسهم بالضلال وأهليهم بالإضلال يوم القيامة» (4). حين يدخلون النار بدل الجنّة؛ لأنّهم جمعوا وجوه الخسران . وقيل : وخسروا أهليهم؛ لأنّهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم ، وإن كانوا من أهل الجنّة فقد ذهبوا عنهم ذهاباً لا رجوع بعده .

وقوله : (ألا ذلك هو الخسران المبين) مبالغة في خسرانهم لما فيه من الاستئناف، والتصدير ب «ألا»، وتوسيط الفعل، وتعريف الخسران، ووصفه بالمبين .

(إلى هاهنا رواية الحسين) ابن محمّد الأشعري ، ورواية محمّد بن يحيى أيضاً؛ فإنّ لفظ الزيادة في قوله : (وفي رواية محمّد بن يحيى زيادة) يشعر بذلك، وتلك الزيادة قوله : (لهم علمٌ بالطريق) ؛ الضمير لصنف آخر، وهم أهل الحقّ ، والتنوين للتعظيم، أو للتكثير، أو لهما معاً ؛ أي لهم علم كامل بطريق الحقّ .

ص: 525


1- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «نجباء»
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 360
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 645 (خسر) مع اختلاف يسير
4- .تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 107

(فإن كان دونهم) أي عندهم (بلاء) أي ابتلاء وامتحان للخلق من مظلوميّتهم ومغلوبيّتهم .

(فلا تنظر إليه (1). ) أي إلى ذلك البلاء .

في بعض النسخ: «ينظر» بالياء. وفي بعضها: «إليهم» بدل «إليه»، والمآل واحد ؛ يعني لا تجعل ذلك دليلاً على عدم حقّيّتهم؛ فإنّ ذلك علامة كونهم أولياء اللّه ؛ لأنّ البلاء موكّل بالأولياء، وعمّا قليل ينصرم بلاياهم، وتنقلب حالهم إلى الرخاء في دار البقاء، بل في هذه النشأة الدنيا أيضاً عند ظهور دولة الحقّ .

(فإن كان دونهم) أي عندهم (عَسْف) أي ظلم وجور . وأصل العسف: الأخذ على غير الطريق .

(وخَسف) . قال الجوهري : «الخَسف: النقصان، وبات فلان الخَسف، أي جائعاً ، ويُقال : سامَهُ الخَسْف، وسامَهُ خَسْفاً وخُسْفاً أيضاً بالضمّ، أي ولّاه ذُلّاً ، ويُقال : كلّفه المشقّة والذلّ» (2). انتهى .

وقيل : هو كناية عن الخُمول وعدم الذكر (3).

وقوله : (تنقضي) جزاء الشرط، ولم ينجزم لكون الشرط ماضياً؛ فإنّك تقول: إن جاء زيد يقوم عمرو، ويقم عمرو . قال ابن مالك :

«وبعد ماض رفعك الجزاء حسن***ورفعه بعد مضارع وهن» (4).

(ثمّ تَصير) تلك البلايا (إلى رخاء) وسعة في الآخرة، بل في الدنيا أيضاً كما مرّ. وفي ذلك ترغيب في ملازمتهم ومتابعتهم، وعدم مفارقتهم أصلاً .

وقوله : (إخوان الثقة) أي الموثوق بهم وبإخوتهم . وقيل : هم المتحابّون المتديّنون المتابعون له عليه السلام في الأقوال والأعمال (5).

(ذخائر بعضهم لبعض) .

الذخيرة ممّا يتّخذ أو يختار لنوائب الدهر ، فالمراد هنا نفع بعضهم بعضاً في الشدائد والنوازل والتعاون والتناصر والتباذل .

ص: 526


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 360
2- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «إليهم»
3- الصحاح ، ج 4 ، ص 1350 (خسف)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 121
5- راجع: شرح ابن عقيل على الألفية ، ج 2 ، ص 373

(ولو لا أن تذهب بك الظنون عنّي) .

قيل: أي إلى اعتقاد الرسالة، أو الاُلوهيّة، (1).

ولا يخفى بُعده .

وقيل : أي يصير ظنّك السيّئ بي سبباً لانحرافك عنّي، وعدم إصغائك إلى قولي بعد ذلك، وكأنّه عليه السلام كان يعلم أنّه لا يقبل صريح الحقّ دفعة، فأراد أن يقرّ به من الحقّ شيئاً فشيئاً لئلّا ينفّر عن الحقّ وأهله (2).

وأقول : لعلّ المراد ذهاب وهمه إلى جواز ترك التقيّة، وإباحة الإذاعة بعد سماع تلك الاُمور التي أخفاها عليه السلام .

(لجلّيت لك) أي لأظهرت لك كاشفاً (عن أشياء من الحقّ) ؛ بيان للأشياء .

(غطّيتها) لها (ولنشرت) أي بسطت .

(لك أشياء من الحقّ كتمتها) .

«من» بيان للأشياء، وجملة «كتمتها» صفة لها .

(ولكنّي أتّقيك) أي أكون منك على تقيّة خوفاً من نفسي ومنك .

(وأستبقيك) أي أطلب بقاءك وحياتك ؛ يُقال : بَقي بقاء، وهو ضدّ فني فناء، وأبقاه وبقاه واستبقاه بمعنى، واستبقاه: استحياه .

وقيل: معناه: أستبقيك على الحقّ كيلا تزلّ عنه (3).

(وليس الحليم الذي لا يتّقي أحداً) .

«الحليم» بالرفع اسم «ليس»، والموصول مع صلته خبره.

والحِلم، بالكسر: العقل، والأناة، أي التثبّت في الاُمور والتأنّي فيها .

(في مكان التقوى) أي في محلّ التقيّة .

وقوله : (فلا تَعرَيَنَّ) . يُقال : عري من ثوبه _ كرضي _ عُرياً بالضمّ، فهو عار وعريان.

والحاصل أنّه عليه السلام أمره بالحلم والتثبّت في الاُمور بتدقيق النظر في مبدئها ومنتهاها، وحسنها وقبحها، وما يترتّب عليها من المصالح والمفاسد، وعدم التسرّع إلى إذاعة الأسرار إلّا لأهلها، وشبّهه باللباس في الزينة والصيانة ودفع الضرر.

ص: 527


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 361
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 122
3- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 361

متن الحديث السابع عشر (رسالة أيضاً منه عليه السلام إليه)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ:كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام إِلى سَعْدٍ الْخَيْرِ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ مَعْرِفَةَ مَا لَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وَطَاعَةَ مَنْ رِضَا اللّهِ رِضَاهُ، فَقَبِلْتَ (1) مِنْ ذلِكَ لِنَفْسِكَ مَا كَانَتْ نَفْسُكَ مُرْتَهَنَةً، لَوْ تَرَكْتَهُ تَعْجَبُ أَنَّ رِضَا اللّهِ وَطَاعَتَهُ وَنَصِيحَتَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا تُوجَدُ، وَلَا تُعْرَفُ إِلَا فِي عِبَادٍ غُرَبَاءَ أَخْلَاءً مِنَ النَّاسِ قَدِ اتَّخَذَهُمُ النَّاسُ سِخْرِيّاً لِمَا يَرْمُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، وَكَانَ يُقَالُ: لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً حَتّى يَكُونَ أَبْغَضَ إِلَى النَّاسِ مِنْ جِيفَةِ الْحِمَارِ، وَلَوْ لَا أَنْ يُصِيبَكَ مِنَ الْبَلَاءِ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنَا، فَتَجْعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ، وَأُعِيذُكَ بِاللّهِ وَإِيَّانَا مِنْ ذلِكَ، لَقَرُبْتَ عَلى بُعْدِ مَنْزِلَتِكَ.

وَاعْلَمْ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ أَنَّهُ لَا تُنَالُ (2). مَحَبَّةُ اللّهِ إِلَا بِبُغْضِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَلَايَتُهُ إِلَا بِمُعَادَاتِهِمْ، وَفَوْتُ ذلِكَ قَلِيلٌ يَسِيرٌ لِدَرْكِ ذلِكَ مِنَ اللّهِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

يَا أَخِي، إِنَّ اللّهَ _ عَزَّ وَجَلَّ _ جَعَلَ فِي كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى الْهُدى، وَيَصْبِرُونَ مَعَهُمْ عَلَى الْأَذى، يُجِيبُونَ دَاعِيَ اللّهِ، وَيَدْعُونَ إِلَى اللّهِ، فَأَبْصِرْهُمْ _ رَحِمَكَ اللّهُ _ فَإِنَّهُمْ فِي مَنْزِلَةٍ رَفِيعَةٍ، وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَضِيعَةٌ إِنَّهُمْ يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللّهِ الْمَوْتى، وَيُبَصِّرُونَ (3).

بِنُورِ اللّهِ مِنَ الْعَمى، كَمْ مِنْ قَتِيلٍ لإِبْلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ تَائِهٍ ضَالٍّ قَدْ هَدَوْهُ، يَبْذُلُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَ هَلَكَةِ الْعِبَادِ، مَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى الْعِبَادِ، وَأَقْبَحَ آثَارَ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ».

شرح الحديث

السند صحيح على قول.

قيل: كان منشأ كتابة هذه الرسالة أنّ سعداً كتب إليه عليه السلام كتاباً مشتملاً على ذكر الولاية وطاعة أهلها، وخفاء الحقّ وقلّة أهله، وظهور الباطل وكثرة أهله، وشكى إليه من ذلك،

ص: 528


1- .في الطبعة القديمة وشرح المازندراني: «فقلت»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «أن لا تنال _ أنّك لا تنال». وفي بعض نسخ الكافي: «أنّا لا ننال»
3- .في الطبعة القديمة: «و يبصّرنّ»

فكتب عليه السلام إليه تسلية له ورفعاً لاستبعاده وشكايته(1).

قوله: (تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه)؛ كأنّ المراد به أمر الولاية، ويحتمل الأعمّ.

وقيل: يستفاد من هذا الكلام أنّ سعداً كتب إليه، وذكر في كتابه أنّه عرف كذا، وأنّه قبل منه لنفسه كذا، وأنّه تعجّب من كذا بأن يكون إلى قوله: «من جيفة الحمار» من كلام سعد.

قال: ويحتمل أن يكون «تعجّب» من كلام الإمام عليه السلام (2).

(وطاعة من رضا اللّه رضاه) .

المراد بالموصول إمام العدل، و«رضى» بصيغة الفعل، و«رضاه» مفعوله، أو بصيغة المصدر المضاف إلى الفاعل، و«رضاه» خبره، وعلى التقديرين المراد أنّ رضاه _ تعالى تقدّس _ منوط برضاه.

(فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مُرتهنة) .

في القاموس: «الرهن: ما وضع عندك لينوب مناب ما اُخذ منك، وكلّ ما احتبس به.

وارتهن منه: أخذه» (3). انتهى.

وقيل: «مرتهنة» بفتح الهاء، أي مرهونة، والأنفس مرهونة عند اللّه بما للّه عليها من الحقوق، فإذا عمل ما يجب عليه، وترك ما نهى عنه، فقد فكّ رهانها، وإلّا فيؤخذ منها بتعذيبها، كما أنّ صاحب الدين يأخذ من الرهن حقّه، كما قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَا أَصْحَابَ الْيَمِينِ» ؛ (4) فإنّهم فكّوا رهانها. وقرأ بعض الشارحين: «فقلت» من القول، وقال: «قلت» على صيغة الخطاب، والتكلّم محتمل، و«من» للتعليل، و«ذلك» إشارة إلى ترك الاُمّة ولاية الحقّ وقلّة أهلها، وهو إمّا مذكور في كتاب سعد، أو مفهوم من سياقه، والموصول عبارة عمّا خطر في نفسه، وهو التأسّف والتألّم، والتأمّل في سرّ ذلك وسببه، حتّى صارت نفسه مرتهنة به لا تتخلّص إلّا بزواله . انتهى كلامه وهو كما ترى (5)

(لو تركته تَعجب) . «لو» للتمنّي، أو للشرط ، والجملة خبر ثان ل «كانت»، أو حال من

ص: 529


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 361
2- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 96
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 230 (رهن)
4- .المدّثّر(74): 38 و39
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362 . وانظر أيضاً: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 123 .)

النفس ، والفعلان على صيغة المؤنّث الغائبة، والمستتر فيها راجع إلى النفس ، والضمير البارز للموصول ، ويحتمل كون أحدهما على صيغة المؤنّث، والآخر على صيغة المخاطب، أو كلاهما على صيغة الخطاب .

و«تعجب» إمّا من التعجّب بحذف إحدى التاءين، أو من العجيب وهو الأمر الذي يتعجّب منه ، فكأنّه كان تعجّب في نفسه، أو أظهر تعجّبه في رسالته . أو من العجب _ محرّكة _ وهو إنكار ما يرد عليك ، ولعلّ وجه كونه مورداً للتعجّب رسوخه في النفس بحيث يعسر إزالته .

وقال بعض الشارحين في شرح هذا الكلام : «أي لو تركت ما خطر في نفسك تعجب وتسرّ منه؛ لأنّ ذلك الخاطر يوجب الحزن الشديد للمؤمن بلا منفعة، وكلّ ما كان كذلك فتركه أولى وأعجب» انتهى (1).

وفي بعض النسخ: «فعجب» قيل : معناه كون رضا اللّه وطاعته منحصرة في هؤلاء القوم الذين يستحقرهم الناس محلّ للتعجّب، يستبعده الناس وتأبى عنه أوهامهم وعقولهم الفاسدة التي ألِفَتْ بالدنيا وزينتها (2).

وفي بعضها: «بعُجبٍ» بضمّ العين، بمعنى الزهو والكِبر، وكأنّه متعلّق بالترك ؛ أي إن تركته بسبب الإعجاب بالنفس والتكبّر عن قبول الحقّ وطاعة أهله .

وقوله : (أنّ رضا اللّه وطاعته ...) إشارة إلى قلّة أهل الحقّ، وكونهم مستضعفين عند الناس؛ لميل أكثرهم إلى الباطل .

وقوله : (ونصيحته) مضاف إلى الفاعل، أو المفعول؛ أي نصيحة اللّه لخلقه بدعائه إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة ، أو نصيحتهم للّه بالإيمان به، وإطاعة من أمر بإطاعته، والقيام بوظائف طاعته وشكر نعمته .

ويحتمل أن يُراد بنصيحة اللّه ما يعمّ نصيحة عامّة الناس بمعرفة حقوقهم، وإرشادهم إلى مراشدهم ومصالحهم ، والنصيحة اسم من النُّصح _ بالضمّ _ وهو الخلوص وعدم الغشّ .

(لا تُقبل ولا توجد ولا تعرف) .

النشر على ترتيب اللفّ، أو مشوّش، أو الكلّ لكلّ واحد .

ص: 530


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 123

(إلّا في عباد غرباء) ؛ جمع غريب، وهو من فارق بلده .

وقيل : من فارق أهله، أو فارقوه ، فكلّ مؤمن لم يجد مؤمناً في منزل الإيمان وفارقه الناس ومالوا إلى الكفر والعصيان، فهو غريب في دار الغربة، وهي الدنيا؛ لأنّه من أهل أعلى علّيّين، وهم عليهم السلام كانوا كذلك لمفارقة الناس عنهم، وخروجهم عن مسكن الإسلام وموطن الإيمان، ونقلهم من رياض الجنان إلى دار الهموم والأحزان .

(أخلاء من الناس) .

الأخلاء: جمع الخِلو _ بالكسر _ كالأطفال والطفل، وهو الفارغ، أو البريء، أو المنفرد؛ أي هم أخلاء منفردون، أو بُرآء من معاشرة عامّة الناس ومخالطتهم إلّا لضرورة ، وعن أخلاقهم وأطوارهم المذمومة الباطلة .

وقيل : الأخلاء: جمع خليّ، كالأشراف جمع «شريف» ، والمراد به الفارغ من الناس والمعتزل من شرارهم (1).

(قد اتّخذهم الناس سِخريّاً) أي هزواً، ويسخرون منهم؛ لأنّهم يعدّون معروفهم منكراً، أو يقهرونهم، ويكلّفونهم ممّا لا يطيقون ، ولم يجمع السخريّ لكونه في الأصل مصدراً أو اسم مصدر .

قال الفيروزآبادي : «سخر منه وبه _ كفرح _ سخْراً: اُهزئ، كاستسخر، والاسم: السُّخريّة والسُّخريّ، ويكسر، وسخره _ كمنعه _ سخريّاً، بالكسر ويضمّ: كلّفه ما لا يريد، وقهره» (2).

وقال البيضاوي :

السخريّ _ بالضمّ والكسر _ مصدر سخر، زيدت فيهما ياء النسبة للمبالغة ، وعند الكوفيّين المكسور بمعنى الهزء، والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبوديّة (3).

(لما يَرمونهم به من المنكرات) أي لأجل ما يقذفهم الناس، ويتّهمونهم به من المنكرات التي هم بُرآء منها، أو لزعمهم أنّ ما فعلوا من الخيرات وعملوا من الصالحات منكرات .

وقيل : يحتمل حمل المنكر على الاُمور الشاقّة الشديدة من الأقوال وغيرها (4). وقيل :

ص: 531


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 46 (سخر)
3- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 170
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 362

يحتمل أن يكون ضمير الفاعل راجعاً إلى العباد المحقّين، أي إنّما يتّخذ الناس هؤلاء العباد سخريّاً؛ لأنّهم ينسبونهم إلى المنكرات، أي يبيّنون أنّ ما هم عليه من العقائد والأعمال منكر مبتدع، وينهونهم عنه(1).

(وكان يُقال) ؛ كان قائله رسول اللّه صلى الله عليه و آله أو أحد من الأئمّة عليهم السلام ، وهذا ردّ للعجب والاستبعاد ممّا ذكر: (لا يكون المؤمن مؤمناً) كامل الإيمان (حتّى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار) ، ووجه ذلك بأنّ المؤمن قليل، والجاهل كثير؛ لقلّة العلم وغلبة الجهل ، وبين العلم والجهل والعالم والجاهل تضادّ وتعاند ، فالجاهلون المذمومون بلسان الكتاب والرسول يذمّون المؤمن العالم، ويبغضونه لترويج جهلهم وإخفاء فضله وشرفه، وكلّ من علمه أكثر وأتمّ كان بغضه في قلوبهم أكمل وأعظم .

(ولو لا أن يصيبك البلاء) .

لعلّ المراد به الفتنة والبليّة الواردة من قبل الناس، وأذاهم وتحقيرهم واستهزاؤهم .

ويحتمل ما يعمّ ذلك والوارد من قبل اللّه ، والأوّل أنسب بقوله : (فتجعل فتنة الناس كعذاب اللّه ) ؛ الفاء فصيحة أو عاطفة ، والجملة معطوفة على «يصيبك»، وهو تضمين لمضمون الآية ؛ أعني قوله تعالى : «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ» (2).

قال بعض المفسّرين : أي فإذا اُوذي بأن عذّبه الكفرة على الإيمان، «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ» ، أي ما يصيبهم من أذيّتهم في الصرف عن الإيمان «كَعَذَابِ اللّهِ» في الصرف عن الكفر . انتهى (3).

والحاصل : أنّه يختار عذاب اللّه بالرجوع عن الحقّ والإيمان ليتخلّص من عذابهم وإضرارهم .

وقوله : (واُعيذك باللّه وإيّانا من ذلك) جملة معترضة دعائيّة، وذلك إشارة إلى الجعل المذكور .

وقوله : (لَقَرُبَت على بُعد منزلتك) جواب «لولا»، وهي لامتناع الثاني _ أعني قرب المنزلة _ لوجود الأوّل، أعني مجموع إصابة البلاء، وجعل فتنة الناس كعذاب اللّه ، لا كلّ واحد منهما،

ص: 532


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 123
2- العنكبوت(29): 10
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 25 ، ص 124

وإلّا لم يستقم المعنى ، فيستفاد من مضمون الشرطيّة أنّ إصابة البلاء بالنسبة إلى المؤمن الراسخ الإيمان الخائف من عذاب اللّه _ لا من فتنة الناس وأذاهم _ سبب وموجب تامّ لقرب المنزلة .

والظاهر أنّ قوله : «لقربت» بتخفيف الراء على صيغة الخطاب، أي لدنوت بما اُلقي إليك من الحقّ، وبقبوله مع غاية بُعدك عنه .

وقيل : يحتمل أن يكون بتشديد الراء على صيغة المتكلّم المعلوم، أي لجعلتك قريباً من الحقّ مع غاية بُعدك عنه، أو على صيغة المخاطب المجهول، أو بتخفيف الراء على صيغة المتكلّم ؛ أي لقربت إليك ببيان الحقّ والتصريح به (1).

وقوله : (أنّه لا تُنال محبّة اللّه ) ؛ في بعض النسخ: «إنّك لا تنال» ، وفي بعضها: «أن لا تنال» .

(إلّا ببغض كثير من الناس) .

البغض، بالضمّ: ضدّ المحبّة، وإنّما يكونان بالقلب .

(ولا ولايتَهُ إلّا بمعاداتهم) .

الولاية، بالفتح: إظهار المحبّة والصداقة ، والمعاداة خلافه ، والظاهر أنّ إضافة البغض والمعاداة إلى المفعول ، ويحتمل بعيداً إضافتهما إلى الفاعل .

(وفوت ذلك قليلٌ يسير) .

كأنّ «ذلك» إشارة إلى حبّ الناس وولايتهم المفهومين ضمناً .

وقيل : إشارة إلى بُغض الناس ومعاداتهم، أي ما يفوتك بسبب معاداة الناس قليل حقير بالنظر إلى ما تدركه من المنافع الاُخرويّة (2).

وقيل : أي زوال بغضهم وعداوتهم بسبب محبّتهم لنيل الدنيا، أو السبق والتبادر إليهما، من قولهم: فاتني فلان بكذا، أي سبقني به (3).

(لدرك ذلك) أي المحبّة والولاية (من اللّه ).

واللام تعليل للفوت، أو للقلّة والحقارة . وفي القاموس: «الدَرَك، محرّكة: اللِّحاق ،

ص: 533


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 124
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 124
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 363

وأدركه: لحقه» (1). وقيل : «ذلك» إشارة إلى المنافع والثواب الاُخرويّة المعلومة بقرينة المقام، أو يكون إشارة إلى ما اُشير به أوّلاً بتقدير مضاف، أي عوضه وجزاء تركه (2).

(لقوم يعلمون) أي العلم بكنه تلك الحقارة ، وذلك الشرف مختصّ بالعالمين بدناءة الدنيا وخساسة أهلها، وجودة الآخرة وشرافة أهلها .

وقوله : (في كلّ من الرسل) أي في اُمّة كلّ من الرسل، أو لأجل كلّ منهم على أن يكون «في» للتعليل .

(بقايا من أهل العلم) .

هم أوصياء الرسل ومن يحذو حذوهم من العلماء ، وهذه سُنّة جرت من اللّه في الأوّلين والآخرين، وبعد ورود النقل المتواتر بذلك يقتضيه العقل الصحيح أيضاً؛ إذ فرض انتفاء الحاجة إلى الأوصياء الذين هم حفظة شرائع الأنبياء في كلّ عصر لزم انتفاء الحاجة إلى الرسل أيضاً؛ لاشتراك علّة الحاجة، وبيان ظاهرة للمنصف الطالب للحقّ والرشاد ، الناكب عن طريق الجدل والعناد (يدعون) تلك البقايا (من ضلّ) بعد الرسل عن سبيلهم (إلى الهدى) وهو دينهم الحقّ .

(ويصبرون معهم) أي مع الرسل، أو مع الاُمّة تبعهم، أو ضلّ عنهم وخالفهم .

(على الأذى) الذي وصل إليهم من الجهّال .

(يجيبون) تلك البقايا .

(داعي اللّه ) وهو الرسول ، وإجابته: إطاعته فيما جاء به .

(ويدعون) الناس (إلى اللّه ): إلى دينه وأحكامه .

وقوله : (فأبصرهم) من الإبصار، وهو الرؤية ؛ أي اُنظر إليهم ببصرك وبصيرتك، واُعرفهم بأعيانهم، وميّزهم عن أغيارهم .

وقوله : (وضيعة) أي حالة وضيعة، وهي المرتبة الدنيّة بحسب الدنيا، أو خسران ونقصان باعتبار مقهوريّتهم وتخلّف الخلق عنهم وعدم الاهتمام بشأنهم .

ص: 534


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 124
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 301 (درك)

قال الجوهري : الوضيعة: واحدة الوضائع، وهي أثقال القوم .

يُقال : وُضِع الرجل في تجارته على ما لم يسمّ فاعله، أي خَسِر.

ووَضُعَ الرجل، بالضمّ، أي صار وضيعاً ، ووضع منه فلان، أي حطّ من درجته (1).

(إنّهم يُحيون بكتاب اللّه الموتى) .

الإحياء كناية عن الإرشاد والتعليم ، والموتى عن الجهّال الذين ماتت قلوبهم بالجهل ، وإرادة الإحياء والموت بمعنى المتعارف بعيد .

(ويبصّرون بنور اللّه من العمى) .

في القاموس: «بصّره تبصيراً: عرّفه وأوضحه» ، (2) ولعلّ تعديته ب «من» بتضمين مثل معنى الكشف والتبصير .

والمراد بالنور العلم، وبالعمى الجهل والشبهة مجازاً ، وهذه الفقرة كالتفسير لسابقها؛ أي يبيّنون ويوضحون للناس معالم دينهم بما أعطاهم اللّه من العلم مبعّداً إيّاهم من عمى الجهل .

وما قيل _ من كون «يبصرون» من الإبصار ، والمراد أنّهم يُبصِرون بنور العلم الذي لا يضلّ من اهتدى به صراط الحقّ ودينه من ظلمات الجهالات والشبهات التي أحدثها الجاهلون في الشريعة _ ، (3) فمحتمل بعيد .

(كم من قتيل لإبليس قد أحيوه) .

«كم» خبريّة لبيان الكثرة ، وكذا في قوله : (وكم من تائه ضالّ قد هَدوه).

وقال الجوهري : «تاه في الأرض، أي ذهب متحيّراً» (4). وفي القاموس: «التّيه، بالكسر: الضلال . تاه يتيه تيهاً، ويكسر» (5).

وقيل : المراد بقتيل إبليس المنكرُ للرسول، وبالتائه المنكرُ للولاية والمستضعف (6).

(يبذلون دماءهم دون هَلَكة العباد) أي يجودون بها عند إشراف العباد على الهلاك،

ص: 535


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1299 و1300 (سخر)
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 374 (بصر)
3- . قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 364
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2229 (تيه)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 282 (تيه)
6- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 364

ويجعلونها وقايةً لهم لئلّا يهلكوا شفقةً لهم وترجيحاً لنجاتهم . يُقال : بذله، كنصره وضربه، إذا أعطاه وجاد به . والهَلَكة، محرّكة: الهلاك .

(ما أحسن أثرهم على العباد) .

أثر الشيء، محرّكة: بقيّته، وما يحصل منه؛ أي ما أحسن ما يصل منهم إلى العباد من الرحمة والإرشاد والهداية والإعانة .

(وأقبح آثار العباد عليهم) من المخالفة والإصرار على الإضرار .

متن الحديث الثامن عشر

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، [عَنْ أَبِيهِ] عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «إِنَّ فِيك شَبَهاً مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَلَوْ لَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلاً لَا تَمُرُّ بِمَلاَءٍ مِنَ النَّاسِ إِلَا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذلِكَ الْبَرَكَةَ».

قَالَ: فَغَضِبَ الْأَعْرَابِيَّانِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَعِدَّةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ، فَقَالُوا: مَا رَضِيَ أَنْ يَضْرِبَ لأْنِ عَمِّهِ مَثَلاً إِلَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ!

فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: «وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ * وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ» ؛ يَعْنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ «مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» ، (1). قَالَ: فَغَضِبَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو الْفِهْرِيُّ فَقَالَ: «اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ يَتَوَارَثُونَ هِرَقْلاً بَعْدَ هِرَقْلٍ «فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ» ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ مَقَالَةَ الْحَارِثِ، وَنَزَلَتْ هذِهِ الْايَةُ: «وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (2).

ثُمَّ قَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ عَمْرٍو إِمَّا تُبْتَ وَإِمَّا رَحَلْتَ»، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، بَلْ تَجْعَلُ لِسَائِرِ قُرَيْشٍ شَيْئاً مِمَّا

ص: 536


1- .الزخرف(43): 57 _ 60
2- الأنفال(8): 32 و33

فِي يَدَيْكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ بَنُو هَاشِمٍ بِمَكْرُمَةِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «لَيْسَ ذلِكَ إِلَيَّ، ذلِكَ إِلَى اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى».

فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَلْبِي مَا يُتَابِعُنِي عَلَى التَّوْبَةِ، وَلكِنْ أَرْحَلُ عَنْكَ، فَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ، فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا صَارَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَتَتْهُ جَنْدَلَةٌ، فَرَضَّتْ (1). هَامَتَهُ، ثُمَّ أَتَى الْوَحْيُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقَالَ: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ» بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ (2). «لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» (3). مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ.

قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا لَا نَقْرَؤُهَا هكَذَا، فَقَالَ: «هكَذَا وَاللّهِ نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ (4). عَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وَهكَذَا هُوَ وَاللّهِ مُثْبَتٌ فِي مُصْحَفِ فَاطِمَةَ عليه السلام ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: انْطَلِقُوا إِلى صَاحِبِكُمْ، فَقَدْ أَتَاهُ مَا اسْتَفْتَحَ بِهِ، قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ» (5). ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عن أبي بصير) .

الظاهر أنّ مثل أبي بصير لا يروي إلّا عن المعصوم، وأنّه الصادق عليه السلام .

وقوله : (إنّ فيك شبهاً من عيسى بن مريم) ؛ يعني في زهده وورعه وعبادته، وافتراق الناس فيه ثلاث فرق .

والشبه _ بالكسر وبالتحريك _ : المثل والمماثلة .

وقوله : (بملأ من الناس). في القاموس: «الملأ، كجَبَل: الأشراف والجماعة» (6).

وقوله : (الأعرابيّان) أي الأوّل والثاني ، شبّههما بالأعرابي لأنّهما لم يهاجرا إلى الإسلام، وكانا على كفرهما، وكان إسلامهما نفاقاً ، وهجرتهما شقاقاً ، فهما داخلان في قوله تعالى : «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرا وَنِفَاقا» (7).

(فأنزل اللّه على نبيّه) في سورة الزخرف : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً» .

ص: 537


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فرضخت». وفي بعض نسخ الكافي: «فوضعت»
2- .في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: _ «بولاية عليّ»
3- .المعارج(70): 1 و2
4- .في الحاشية عن بعض النسخ: «هكذا واللّه أنزل اللّه بها جبرائيل»
5- .إبراهيم(14): 15
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 28 (ملأ)
7- التوبة(9): 97

قال البيضاوي : أي ضربه ابن الزبعرى لمّا جادل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قوله تعالى : «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ» (1). أو غيره، بأن قال: النصارى أهل كتاب، وهم يعبدون عيسى، ويزعمون أنّه ابن اللّه ، والملائكة أولى بذلك، أو على قوله : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا» ، (2). أو أنّ محمّداً يريد أن نعبده كما عُبِدَ المسيح .

«إِذَا قَوْمُكَ» : قريش «مِنْهُ» : من هذا المثل .

«يَصِدُّونَ» : يضجّون فَرَحاً؛ لظنّهم أنّ الرسول صار مُلزَماً . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضمّ من الصدود (3). ؛ أي يصدّون عن الحقّ ويعرضون عنه . وقيل : هما لغتان نحو يعكِفُ ويعكُف .

«وَقَالُوا أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ» أي آلهتنا خيرٌ عندك أم عيسى ، فإن يكن في النار فلتكن آلهتنا معه ، أو آلهتنا الملائكة خيرٌ أم عيسى، فإذا جاز أن يُعبد ويكون ابن اللّه كانت آلهتنا أولى بذلك، أو آلهتنا خيرٌ أم محمّد، فنعبده ونَدَع آلهتنا .

«مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً» ما ضربوا هذا المثل إلّا لأجل الجدل والخصومة، لا لتمييز الحقّ من الباطل .

«بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» شِداد الخصومة، حِراص على اللجاج .

«إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ» بالنبوّة «وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» : أمراً عجيباً، كالمثل السائر لبني إسرائيل، وهو كالجواب المُزيح لتلك الشبهة .

«وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ» : لَولّدْنا منكم يا رجال كما ولّدنا عيسى من غير أب، أو لجعلنا بدلكم .

«مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» : ملائكة يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أنّ حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة، فإنّه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك، وأنّ الملائكة مثلكم من حيث إنّها ذوات ممكنة، يحتمل خلقها توليداً كما جاز خلقها إبداعاً، فمن أين لهم استحقاق الاُلوهيّة (4).

والانتساب إلى اللّه سبحانه ، «وإنّه» : وإنّ عيسى «لَعِلْمٌ

ص: 538


1- .الأنبياء(21): 98
2- .الزخرف(43): 45
3- .في الحاشية: «صدَّ عنه يصدّ صدوداً: أعرض. وصدّه عن الأمر صدّاً: منعه، وصرفه عنه، وصدَّ يَصَدّ ويَصِدّ صديداً: ضجّ . الصحاح». الصحاح، ج2، ص495 (صدد)
4- .في المصدر: «العبوديّة»

لِلسَّاعَةِ» ؛ لأنّ حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دونها ، أو لأنّ إحياء الموتى يدلّ على قدرة اللّه تعالى، «وَاتَّبِعُونِ» : واتّبعوا هداي، أو شرعي، أو رسولي .

وقيل : هو قول الرسول اُمِرَ أن يقول: «هذَا» الذي أدعوكم إليه «صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» (1). لا يضلّ سالكه . انتهى (2).

وأقول : على تفسيره عليه السلام ضارب المثل ومبيّنه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لا ابن الزبعرى أو غيره ، والضمير في قوله تعالى : «هو» راجع إلى عليّ عليه السلام ، وإرجاعه على هذا التفسير إلى محمّد صلى الله عليه و آله لا يخلو عن تكلّف، وفيه إشعار بكون الأعرابيّين باقيين على كفرهم الأصلي ، وكذا الضمير في قوله : «إِنْ هُوَ إِلَا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا» ، والمراد بالإنعام هي الإمامة والخلافة وما يتبعهما من الكمالات المختصّة فيه عليه السلام .

«وَجَعَلْنَاهُ» ؛ يعني عليّاً عليه السلام «مَثَلاً» : أمرا عجيباً غريباً «لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» ؛ قيل : أي شبيهاً ببني إسرائيل، وهو عيسى عليه السلام ، ولا يبعد أن يراد بهم قريش؛ لكونهم من بني إسماعيل، فتأمّل ، أو بني إسرائيل زمانه عليه السلام .

وقوله : «وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ» أي من بني هاشم «مَلَائِكَةً» ؛ قيل : أي أئمّة كالملائكة في التقدّس والطهارة والعصمة .

«فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ» أي يكونون خلفاء في الأرض .

ولعلّ كلمة «لو» استعمل على هذا التفسير مقام «إذا»؛ أي متى تعلّقت مشيّتنا وأردنا نجعل في الأرض منهم خلفاء ، انتهى (3).

وقيل : أي يخلفونكم في الأرض، وإذا قدرنا على ذلك فكيف لا نقدر على أن نجعل واحداً من البشر في الفضل والكمال بحيث يستحقّ خلافتكم؟! وبذلك أبطل إنكارهم لفضله عليه السلام (4).

وأقول : يؤيّد هذا التفسير الذي ذكره عليه السلام ما رواه عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن أبي الأعزّ، عن سلمان الفارسي، قال : بينما رسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس في أصحابه إذ قال : «إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى ابن

ص: 539


1- .الزخرف(43): 57 _ 61
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 150 و151 (مع التلخيص)
3- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 127
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 365

مريم» ، فخرج بعض من كان جالساً مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليكون هو الداخلَ، فدخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال الرجل لبعض أصحابه : أما رضي (1) محمّدٌ أن فضّل عليّاً علينا حتّى يشبهه بعيسى ابن مريم ، واللّه لآلهتنا التي كنّا نعبدها في الجاهليّة أفضل منه ، فأنزل اللّه في ذلك المجلس : «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يضجّون» ، فحرّفوها «يَصِدُّونَ» ، وقالوا : «أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ» إِنْ عليٌّ إلّا عبدٌ «أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» ؛ فمحي اسمه عن هذا الموضع. ثمّ ذكر اللّه خطر أمير المؤمنين عليه السلام فقال : «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِي هذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» ؛ يعني أمير المؤمنين (2).

قال : (فغضب الحارث بن عمرو الفهري) .

في القاموس: «الفهر، بالكسر: قبيلة من قريش» (3).

(فقال : اللُّهمَّ ...) .

نسب عليه السلام هذا القول إلى الحارث وحده؛ لأنّه القائل به حقيقة، ونسب _ جلّ شأنه _ إليه وشركائه في التهكّم والتكذيب والإصرار على الإنكار حيث قال : «وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ» باعتبار رضائهم بصدور الفعل عنه، والراضي بالفعل فاعل مجازاً ، ولفظ «هذا» في قوله : «إِنْ كَانَ هذَا هُوَ الْحَقُّ» إشارة إلى ما ذكر من فضل عليّ عليه السلام الدالّ على تقدّمه على الغير، واستحقاقه للخلافة واستبداده بها ، ولذلك قال على سبيل البيان والتوضيح : (أنّ بني هاشم ...) .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال : «وَإِذْ قَالُوا اللّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ» الآية : روي أنّه لمّا قال النضر : «إِنْ هذَا إِلاّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ، قال له النبيّ صلى الله عليه و آله : «ويلك إنّه كلام اللّه » ، فقال ذلك ، والمعنى: إن كان القرآن حقّاً منزلاً فأمطر الحجارة علينا عقوبة على إنكاره، أو ائتنا بعذاب سواه ، والمراد منها التهكّم وإظهار اليقين والجزم التامّ على كونه باطلاً ، وقرئ «الحقُّ» بالرفع على أنّ هو مبتدأ غير فصل (4).

ص: 540


1- .في المصدر: «يرضى»
2- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 285 و286، ح 16. وعنه في بحار الأنوار ، ج 9 ، ص 236، ح 131
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 112 (فهر)
4- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 105

وقوله : (يتوارثون هِرَقْلاً بعد هِرَقْل) أي يتوارث بعضهم بعضاً توارث هرقل بعد هرقل، أي مَلكاً بعد ملك، حذف المفعول المطلق واُقيم المضاف إليه مقامه .

قال الفيروزآبادي : «هِرَقل، كسبحل وزبرج: ملك الروم، أوّل من ضرب الدنانير، وأوّل من أحدث البيعة» (1).

انتهى .

وقيل : كأنّه عبّر عنهم هكذا كفراً وعناداً وإظهاراً لبطلانهم (2).

وقوله : (مقالة الحارث) بالنصب على أنّه مفعول «أنزل»؛ أي فأخبر اللّه رسوله بمقالة الحارث .

(ونزلت هذه الآية) لبيان تلك المقالة : «وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» الآية .

قيل : المراد ترك عذاب الاستيصال ببركته صلى الله عليه و آله ، فلا ينافي ورود هذا العذاب عليه ، ويحتمل أن يكون المراد بأوّل الآية نفي عذاب الاستيصال ، وبقوله : «وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» نفي العذاب الوارد على الأشخاص ، فلذا أمره _ صلوات اللّه عليه _ بالتوبة لرفعه ، فلمّا لم يتب نزل عليه (3).

وقال بعض المفسّرين : هذه الآية بيان لما كان الموجب لإمهالهم والتوقّف في إجابة دعائهم ، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنّ تعذيبهم عذاب استيصال، والنبيّ بين أظهرهم خارج عن عادته غير مستقيم في قضائه ، والمراد باستغفارهم إمّا استغفار من بقي فيهم من المؤمنين، أو قولهم: «اللّهمّ اغفر» ، أو فرضه على معنى لو استغفروا لم يعذّبوا كقوله : «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (4). (5).

(ثمّ قال له : يا عمرو) .

لعلّه قد يسمّى باسم أبيه أيضاً . وفي بعض النسخ: «با عمرو» بالباء الموحّدة، فلعلّه منادى بحذف حرف النداء . وفي بعضها: «يا با عمرو» .

ص: 541


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 68 (هرقل)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 127
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 128
4- .هود(11): 117
5- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 105 (مع اختلاف يسير)

(إمّا تبت وإمّا رَحَلْت) .

في القاموس: «رحل، كمنع: انتقل» (1).

وقال الجوهري : «رحَلت البعيرَ، أرحله رَحلاً، إذا شددت على ظهره الرَّحل. ويقال : رحَلْتُ له نفسي، إذا صبرت على أذاه ، ورحل فلان وارتحل وترحّل بمعنى» (2).

وقوله : (لسائر قريش) ؛ كأنّه أراد به نفسه الملعونة .

(شيئاً ممّا في يديك) من الملك والخلافة، أو العزّ والكرامة .

وقوله : (فقد ذهب بنو هاشم) تعليل المذكور .

(بمَكرمة العرب والعجم) أي بجميع المكارم والمناقب والمفاخر .

قال الفيروزآبادي : «الكرم، محرّكة: ضدّ اللؤم. كرم _ بضمّ الراء _ كرامةً وكَرَماً، فهو كريم وكريمة، ومكرم ومَكرَمة. وأرض مكرمة: كريمة طيّبة» (3).

وقوله : (بظهر المدينة) أي خارجها .

والظهر في الأصل، خلاف البطن: ما غلظ من الأرض وارتفع ، ولعلّ نزول العذاب عليه هناك لخروجه عن موضع الأمان .

(أتته جَنْدَلَة فرضّت هامته) .

في بعض النسخ: «فرضخت» ، والرضخ، بالخاء المعجمة والمهملة: كسر الحصى والنوى . والجندل، كجعفر، ويجوز كسر الدال: الحجارة، واحده جَنْدلة . والرضّ: الكسر، والدقّ. والهامة، بتخفيف الميم: رأس كلّ شيء .

(ثمّ أتى الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ) .

الوحي في الأصل: الكتاب، والكتابة، والرسالة، والإشارة، والإلهام، والكلام الخفيّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك، والمناسب بقوله : (فقال) أن يراد به جبرئيل عليه السلام .

«سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»

قال البيضاوي : أي دعا داعٍ به بمعنى استدعاه ، ولذلك عدّي الفعل بالباء، والسائل نضر بن الحارث؛

ص: 542


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 383 (رحل)
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1707 (رحل)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 170 (كرم)

فإنّه قال : «إِنْ كَانَ هذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ» ، أو أبو جهل؛ فإنّه قال : «فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ» ، (1). سأله استهزاء، أو الرسول صلى الله عليه و آله استعجل بعذابهم(2).

ومضيّ الفعل لتحقّق وقوعه إمّا في الدنيا _ وهو قتل بدر _ أو في الآخرة وهو عذاب النار للكافرين، صفة اُخرى لعذاب، أو صلة ل «واقع»، وإن صحّ أنّ السؤال كان عمّن يقع به العذاب كان جواباً ، والباء على تضمين «سأل» معنى اهتمّ .

«لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنْ اللّهِ» : من جهته لتعلّق إرادته .

«ذِي الْمَعَارِجِ» (3). : ذي المصاعد، وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيّب والعمل الصالح، أو يترقّى فيها المؤمنون في سلوكهم، أو في دار ثوابهم ، أو مراتب الملائكة ، أو السماوات؛ فإنّ الملائكة يعرجون فيها .

وقوله : (إنّا لا نقرأها هكذا ...) يدلّ على أنّ في متن الحديث سقط من النسّاخ؛ روى المصنّف في الاُصول عن عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ _ بولاية عليّ _ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ» » ، ثمّ قال : «هكذا واللّه نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه و آله » (4).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «قوله : هكذا واللّه نزل ... ، إشارة إلى قوله : إنّ بني هاشم يتوارثون هرقلاً بعد هِرقل» (5). انتهى .

ويمكن حمل قوله : (فقد أتاه ما استفتح به) على التهكّم، أو على الافتتاح والاستنصار بالنظر إلى عقيدة السائل .

وقوله تعالى : «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» ؛ (6). الاستفتاح: الاستنصار والافتتاح ، ويظهر من هذا الخبر أنّ المراد به استفتاح العذاب .

قال بعض المفسّرين : «أي سألوا من اللّه الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين

ص: 543


1- .الشعراء(26): 187
2- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 386
3- .المعارج(70): 1 _ 3
4- الكافي، ج 1 ، ص 422، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 47
5- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 367
6- .إبراهيم(14): 15

أعدائهم من الفتاحة (1). ، كقوله : «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ» (2). » (3).

«وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» أي ففتح لهم، فأفلح المؤمنون، وخاب كلّ عاتٍ متكبِّر على اللّه معاند للحقّ، فلم يفلح .

متن الحديث التاسع عشر

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ:عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ» ، (4). قَالَ: «ذَاك (5). وَاللّهِ حِينَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ».

شرح الحديث

السند صحيح .

قوله تعالى في سورة الروم : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» ؛ قال البيضاوي :

كالقحط، (6). والموتان، وكثرة الحرق، والغرق، ومحق البركات، وكثرة المضارّ، أو الضلالة، والظلم . وقيل: المراد بالبحر قرى السواحل .

«بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ» بشؤم معاصيهم، أو بكسبهم إيّاه .

وقيل : ظهر الفساد في البرّ بقتل قابيل أخاه ، وفي البحر بأنّ جُلَنْدَا كان يأخذ كلّ سفينة غصباً . انتهى (7).

ونقل عن البَغَوي أنّه قال :

أراد بالبرّ البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية . وقال عِكرمة : «تسمّي المصر بحراً». وقال عطيّة : «البرّ: ظهر الأرض، والبحر هو البحر المعروف، وقلّة المطر كما تؤثر في البرّ تؤثر في البحر، فتخلوا أجواف الأصداف؛ لأنّ الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر، ويفتح فاه، فما وقع [في] فيه من المطر صار لؤلؤاً» .

ص: 544


1- .«الفُتاحة» بضمّ الفاء : الحكومة والحُكم . اُنظر : لسان العرب ، ج 2 ، ص 538 (فتح)
2- .الأعراف(7): 89
3- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 342
4- .الروم(30): 41
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ذلك»
6- .في المصدر: «كالجدب»
7- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 338

وقال ابن عبّاس ومجاهد وضحّاك : «كانت الأرض خضرة مونقة، لا يأتي الرجل شجرة إلّا وجد عليها ثمرة، وكان ماء البحر عذباً، وكان لا يقصد الأسد البقر ولا الغنم ، فلمّا قتل قابيل هابيل اقشعرّت الأرض، وشاكت الأشجار، وصار ماء البحر ملحاً، وقصد الحيوان بعضها بعضاً» (1).

(وقال عليه السلام : ذاك واللّه ) أي ظهور الفساد (حين قالت الأنصار : منّا أمير، ومنكم أمير) .

وقال بعض الأفاضل : لعلّ المراد غصب الخلافة ، أو قول هذه الكلمة القبيحة، وتركهم خليفة الرسول، وصار ترك خليفة الحقّ سبباً للضلال الساري في البرّ والبحر ؛ أي المحيط بجميع العالم، وبسبب عدم استيلاء أهل الحقّ والعدل فشى الجور في البراري والبحار بالظلم والغصب والنهب، وبسبب استيلاء أهل الباطل مُنعت بركات السماء والأرض عن العباد، كما قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «وبنا يفتح اللّه ، وبنا يختم اللّه ، وبنا يمحو ما يشاء، وبنا يثبت، وبنا يدفع الزمان الكلب، وبنا ينزل الغيث، فلا يغرّنّكم باللّه الغرور ، وما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه اللّه عزّ وجلّ، ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتّى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلّا على النبات، وعلى رأسها زينتها لا يهيّجها سبع ولا تخافه» (2). انتهى (3).

ثمّ اعلم أنّ جملة القول في تلك الواقعة ما روي أنّه لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اجتمعت الصحابة في سقيفة بني النجّار، فخطبهم سعد بن عبادة وأغراهم بطلب الإمامة، وكان يريدها لنفسه.

فبلغ الخبر الأوّل والثاني، فجاءا مُسرعَين، فتكلّم الأوّل، فقال للأنصار : ألم تعلموا أنّا معاشر المسلمين أوّل الناس إسلاماً، ونحن عشيرة رسول اللّه ، وأنتم الأنصار الذين وزراؤه، وإخواننا في كتاب اللّه ، وأحقّ الناس بقضاء اللّه والتسليم لما ساق اللّه إلى إخوانكم، فدعاهم إلى بيعة أبي عبيدة أو الثاني ، فقالا : ما ينبغي لأحدٍ من الناس أن يكون فوقك .

ص: 545


1- تفسير البغوي ، ج 3 ، ص 485 (مع اختلاف يسير)
2- .الخصال ، ج 2 ، ص 626، ضمن الحديث 10. وعنه في بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 104، ح1
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 130

فقالت الأنصار : نحن أصحاب الدار والإيمان، لم يُعبد اللّه علانية إلّا عندنا وفي بلادنا، ولا عُرِفَ الإيمان إلّا من أسيافنا، ولا جُمعت الصلاة إلّا في مساجدنا ، فنحن أولى بهذا الأمر، فإن أبيتم فمنّا أمير ومنكم أمير .

فقال فلان : هيهات هيهات، لا يجتمع سيفان في غمد، وإنّ العرب لا ترضى بأن تؤمركم لهذا الأمر _ إلى أن قال : _ واللّه لا يردّ عليّ أحد إلّا حطّمت أنفه بسيفي هذا ، فقام بشر بن سعد الخزرجي، وكان يحسُد سعداً أن يصل إليه هذا الأمر ، وقال : إنّ محمّداً رجلٌ من قريش، وقومه أحقّ بميراث أمره، فلا تنازعوهم معشر الأنصار .

فقام الأوّل فقال : هذا عمر وأبو عبيدة، بايعوا أيّهما شئتم ، فقالا : لا يتولّى هذا الأمر غيرك ، وأنت أحقّ به ، أبسط يدك، فبسط يده، فبايعاه، وبايعه بشر والأوس كلّها، وحُمِل سعد وهو مريض، فاُدخل منزله .

وقيل: إنّه بقي ممتنعاً من البيعة حتّى مات (1).

متن الحديث العشرين

اشارة

وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُيَسِّرٍ، (2). عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:قُلْتُ: قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» ؟ (3). قَالَ: فَقَالَ: «يَا مُيَسِّرُ، إِنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ فَاسِدَةً، فَأَصْلَحَهَا اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ بِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ: «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» ».

شرح الحديث

السند صحيح، إن كان «محمّد بن عليّ» ابن محبوب ، وضعيف إن كان أبا سمينة (4).

ص: 546


1- راجع: الاحتجاج ، ج 1 ، ص 71؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 2 ، ص 37؛ بحار الأنوار ، ج 28 ، ص181 (وفيه عن الاحتجاج) ؛ شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 367 و368
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «مبشّر»
3- .الأعراف(7): 56 و85
4- وفي كلا الاحتمالين ما لا يخفى على المتأمّل جيّداً؛ أمّا الأوّل مردود لأنّ ابن محبوب لا يروي عن ابن مسكان، بل هو في طبقة مشايخ الكليني رحمه الله كمحمّد بن يحيى. وأمّا الثاني بأنّ رواية أبي سمينة عن ابن مسكان، أو رواية محمّد بن يحيى عنه في غاية البعد إنصافاً. والمحتمل الأنسب في المقام أنّ السند صُحّف فيه «محمّد، عن عليّ» بما ترى، كما يؤيّده بعض نسخ الكافي، والسند حينئذٍ معلّق على سابقه بتلخيص واضح، والضمير في «عنه» راجع إلى محمّد بن يحيى

قوله تعالى : «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها» ؛ قال بعض المفسّرين : «الإفساد بالكفر والمعاصي، والإصلاح ببعث الأنبياء وشرع الأحكام» (1).

وقوله : (إنّ الأرض كانت فاسدة) ؛ يعني بالشرك والكفر وشيوع الظلم والجور .

وقوله : (فقال : «وَلا تُفْسِدُوا ...» )؛ التفريع إشارة إلى مثل ما مرّ في الخبر السابق، فلا تغفل .

متن الحديث الواحد والعشرين (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ، (2) عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ:خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوى، وَطُولُ الْأَمَلِ؛ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْاخِرَةَ.

أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً، وَإِنَّ الْاخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْاخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ، وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ، وَإِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٍ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ، يَتَوَلّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً.

أَلَا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلاَ فٌ، وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يُخَفْ عَلى ذِي حِجًى، لكِنَّهُ يُؤْخَذُ

ص: 547


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 28
2- في الطبعة الجديدة وبعض النسخ النادرة للكافي وفي بحار الأنوار، ج34، ص172 أيضاً (نقلاً عن الكافي): «إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عيّاش» بدل «عثمان». وبهذا الإسناد أيضاً وردت قطعة من الخبر في الكافي، ج1، ص539، ح1، وتكرّرت هذا الطريق في مواضع اُخرى من الكافي. وأمّا الطريق المذكور في المتن مختلّ؛ إذ لم يعهد رواية إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي.

مِنْ هذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ، فَيَجْتَمِعَانِ، (1). فَيُخَلَّلَانِ (2). مَعاً، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلى أَوْلِيَائِهِ، وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللّهِ (3). الْحُسْنى، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ (4). فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا، وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً، فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ: قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ، وَقَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَراً، ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ، وَكَمَا تَدُقُّ الرَّحى بِثِفَالِهَا، وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللّهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الْاخِرَةِ».

ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ: «قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ، نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ، مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ، وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلى تَرْكِهَا، وَحَوَّلْتُهَا إِلى مَوَاضِعِهَا، وَإِلى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتّى أَبْقى وَحْدِي، أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام ، فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَرُدِدَتْ فَدَكٌ إِلى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام ، وَرَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله كَمَا كَانَ، وَأَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لأقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَلَمْ تُنْفَذْ، وَرَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلى وَرَثَتِهِ، وَهَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَرَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا، وَنَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَرَدَدْتُهُنَّ إِلى أَزْوَاجِهِنَّ، وَاسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَحْكَامِ، وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ، وَرَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ، وَمَحَوْتُ دَوَاوِينَ الْعَطَايَا، وَأَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ، وَلَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَأَلْقَيْتُ الْمَسَاحَةَ، وَسَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ، وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا أَنْزَلَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَفَرَضَهُ، وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَسَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ، وَفَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ، وَحَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَحَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ، وَأَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ، وَأَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَخْرَجَهُ،

ص: 548


1- .في الطبعة القديمة: - «فيجتمعان»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «فيجيئان _ فيجلّيان». وفي كلتا الطبعتين: «فيجلّلان»
3- .في حاشية النسخة عن بعض النسخ: «منّا»
4- .في حاشية النسخة عن بعض النسخ: «ألبستكم _ لبستم _ ألبستم»

وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَدْخَلَهُ، وَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلى حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى الطَّلَاقِ عَلَى السُّنَّةِ، وَأَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلى أَصْنَافِهَا وَحُدُودِهَا، وَرَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ إِلى مَوَاقِيتِهَا وَشَرَائِعِهَا وَمَوَاضِعِهَا، وَرَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلى مَوَاضِعِهِمْ، وَرَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ إِلى كِتَابِ اللّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي، وَاللّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَا فِي فَرِيضَةٍ، وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ، فَتَنَادى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي: يَا أَهْلَ الْاءِسْلَامِ، غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً، وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي مَا لَقِيتُ مِنْ هذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ، وَأَعْطَيْتُ مِنْ ذلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» ، (1). فَنَحْنُ وَاللّهِ عَنى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللّهُ بِنَفْسِهِ وَبِرَسُولِهِ صلى الله عليه و آله ، فَقَالَ تَعَالى: «فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» فِينَا خَاصَّةً «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَ غْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ» فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ «إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» (2). لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا، وَغِنًى أَغْنَانَا اللّهُ بِهِ، وَوَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً، أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه و آله وَأَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، فَكَذَّبُوا اللّهَ، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ، وَجَحَدُوا كِتَابَ اللّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا، وَمَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللّهُ لَنَا مَا لَقِيَ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه و آله ، وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلى مَنْ ظَلَمَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ».

شرح الحديث

السند مختلف فيه بسليم بن قيس ، والظاهر أنّ في السند إرسال؛ إذ لم يعهد رواية إبراهيم بن عثمان _ وهو أبو أيّوب الخزّاز _ عن سُليم، وقد تكرّر في أسانيد هذا الكتاب وغيره رواية إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم ، والخبر حينئدٍ ضعيف على المشهور بأبان (3).

ص: 549


1- .الأنفال(8): 41
2- .الحشر(59): 7
3- قال العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 131 : «لكن عندي معتبر؛ لوجوه ذكرها محمّد بن سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره»

وقوله : (إنّ أخوفَ) اسم تفضيل للمفعول كأعذر وأشهر (ما أخاف عليكم خلّتان) بفتح الخاء، أي خصلتان.

قيل: هما أعظم مهالك الإنسان، فلذلك كان الخوف منهما أشدّ وأزيد، ولما كان عليه السلام والمتولّي لإصلاح حال الخلق في اُمور معاشهم ومعادهم، وكان صلاحهم منوطاً بهمّته العالية نسب الخوف عليهم إلى نفسه (1).

(اتّباع الهوى). هو في الأصل العشق، وإرادة النفس ، وقد شاع استعماله في ميل النفس ورغبتها في مستلذّاتها المتعلّقة بالدنيا .

(وطول الأمل) .

في القاموس: «الأمل، كجبل ونجم وشبر: الرجاء»، (2). وشاع استعماله في تمنّى ما لا ينبغي ويضرّ بالآخرة وتذكّر الموت والتهيّئ لأسبابه .

(أمّا اتّباع الهوى فيصدّ) بضمّ الصاد، أي يصرف ويمنع (عن الحقّ) ؛ وهو ظاهر .

وقوله : (فيُنسي الآخرة) يحتمل كونه إفعالاً من النسأ بهمز اللام، وهو التأخير، أي يؤخّر أمر الآخرة والعمل لها .

قال الجوهري : «نَسَأتُ الشيء نَسْئاً: أخّرته ، وكذلك أنسأته»؛ (3). أو من النسيان بالكسر، وهو خلاف الذكر والحفظ .

وقوله : (قد ترحّلت مُدبِرة) . الترحّل: الانتقال ، والإدبار: ضدّ الإقبال .

وتحقيق ذلك ما أفاده بعض الشارحين من أنّه إشارة إلى تقضّي الأحوال الحاضرة بالنسبة إلى كلّ شخص من صحّةٍ وشباب وجاهٍ ومالٍ وكلّ ما يكون سبباً لصلاح حاله؛ فإنّ كلّ ذلك أجزاء الدُّنيا لدنوّها منه ، ولما كانت هذه الاُمور أبداً في التغيّر والتقضّي المقتضي لمفارقته لها وبُعدها عنه شيئاً فشيئاً، لا جرم حسن إطلاق اسم الترحّل والإدبار على تقضّيها وبُعدها استعارة تشبيهاً لها بالحيوان في إدبارها ، والغرض هو الحثّ على ترك الركون إليها والعكوف عليها وصرف العمر فيها (4).

ص: 550


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 368
2- .القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 330 (أمل)
3- .الصحاح ، ج 1 ، ص 76 (نسأ)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 369

(وإنّ الآخرة قد ترحّلت مُقبِلة) .

بعد التنبيه على سرعة فناء الدنيا وإدبارها نبّه على سرعة لحوق الآخرة وإقبالها ، ولما كانت الآخرة عبارة عن الدار الجامعة لأحوال كلّ شخص من سعادة أو شقاوة أو ألم أو راحة، وكان تقضّي العمر والدنيا موجباً لقرب الموت يوماً فيوماً، والوصول إلى تلك الدار والورود على ما فيها من خيرٍ أو شرٍّ، حسن إطلاق الترحّل والإقبال عليها مجازاً ، والحال أنّ المنقضية من الأحوال يُطلق عليها اسم الإدبار، وما يتوقّع منها يطلق عليه اسم الإقبال .

(ولكلّ واحدةٍ) منهما (بنون).

أطلق اسم الابن للخلق بالنسبة إليهما، واسم الأب لهما استعارة، ووجّهت بأنّ الإبن لما كان من شأنه الميل إلى الأب إمّا بالطبع أو بتصوّر النفع، وكان الخلق منهم من يريد الدنيا لما يتوهّم من لذّة وخير فيها ، ومنهم من يريد الآخرة لما ذكر، ويميل كلّ منهما إلى مراده، شبّههم بالابن، واستعار لفظه لهم والأب لهما بتلك المشابهة .

(فكونوا من أبناء الآخرة ...) حثّ وترغيب على الإعراض عن الدنيا وحطامها لفنائها، والإقبال على الآخرة ومثوباتها وما يتوصّل به إليها لبقائها ودوامها .

(فإنّ اليوم) ؛ يعني مدّة الحياة في الدنيا (عملٌ ولا حساب) أي يوم عملٍ، أو وقت عملٍ، و«اليوم» اسم «إنّ» و«عمل» خبره .

وقيل: يحتمل أن يكون اسم «إنّ» ضمير الشأن، و«اليوم عملٌ» مبتدأ وخبر، (1).

أو الجملة خبر «إنّ»، وقس عليه قوله : (وإنّ غداً) أي بعد الموت (حسابٌ ولا عمل) .

قال الجوهري : «حَسَبْتُهُ أَحسبُه _ بالضمّ _ حَسْباً وحساباً وحُسباناً وحسابة، إذا عددته» (2).

(إنّما بدءُ وقوع الفتن) .

البَدْء، بالفتح: مصدر قولك: بدأت بالشيء بَدْءاً، أي ابتدأت به، وبدأت الشيء: فعلته، ابتداءً .

ويحتمل أن يقرأ بالواو من قولهم : «بدأ الأمرُ بُدوّاً» مثل قعد قعوداً ؛ أي ظهر . فعلى الأوّل إضافة المصدر إلى المفعول ، وعلى الثاني إلى الفاعل .

ص: 551


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 369
2- الصحاح ، ج 1 ، ص 109 (حسب)

والفتن: جمع الفتنة ، والمراد بها هنا الضلال، أو الإضلال، أو الكفر، أو الامتحان والاختبار من اللّه مع خروج الممتحنين إلى الكفر .

والأفعال الثلاثة في قوله : (من أهواء تُتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم اللّه ) على البناء للمفعول ، والضمير المجرور للأحكام أو للأهواء أيضاً .

وقوله : «يخالف» صفة اُخرى للأحكام ، والمراد بتلك الأحكام المسائل الفقهيّة لأهل الخلاف، أو قواعدهم في نصب الإمام وشروطه ، ومعنى ابتداعها استحداثها بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولما كان الغرض الأصلي من إرسال الرسل وإنزال الكتب وتقدير الشرائع نظام وجود الخلق، وانتظام اُمورهم في المعاش والمعاد، كان كلّ هوى متّبع، وحكم مبتدع خارج عن حكم اللّه منشأ لوقوع الفتن، وتبدّد النظام والانتظام .

وقوله : (يتولّى فيها رجال رجالاً) ؛ جملة حاليّة، إشارة إلى سبب اشتهار الفتن وانتشارها . يقال : تولّاه ، أي اتّخذه وليّاً ، والأمر: تقلّده، أي تودّده، أو جعل والياً طائفة طائفة، أو تقلّد طائفة أمر طائفة، وأعانه في الأهواء المتّبعة والأحكام المبتدعة .

ثمّ أشار إلى أنّ أسباب تلك الأهواء الفاسدة وموادّ تلك الأحكام الباطلة مزج المقدّمات الحقّة الواقعيّة بالمقدّمات المموّهة الشيطانيّة بقوله : (إنّ الحقّ) أي ما يجب التصديق به .

(لو خَلَصَ) كنصر، أي كان خالصاً عن مزج الباطل، أو من الخفاء، كقولنا: الواحد نصف الاثنين .

(لم يكن اختلاف) بين الناس ؛ أمّا على الأوّل فلأنّ المقدّمات المستعملة المسلّمة عند أهل الباطل لو كانت حقّاً، كانت النتيجة أيضاً حقّاً، فلا يكون بينهم وبين أهل [الحقّ ]اختلاف، فوقوع الاختلاف يدلّ على عدم الخلوص . وأمّا على الثاني فعدم الاختلاف ظاهر، فلم تكن ضلالة، ولا في التصديق به ثواب .

(ولو أنّ الباطل) أي ما يجب الكفر والجحود به .

(خلص) ممّا ذكر من الاحتمالين (لم يُخْفَ) بطلانه (على ذي حجًى) .

الحِجى، كإلى: العقل، والفطنة، وعدم خفاء بطلانه على الأوّل؛ لأنّ مقدّمات الشبهة إذا كانت باطلة برأسها، ولم تكن مثوبة بالحقّ أصلاً، حكم العاقل الفطن ببطلانه جزماً . وأمّا على الثاني فظاهر، ولمّا خفي وجه البطلان على عدم الخلوص .

ص: 552

واعلم أنّ ما ذكر من الشرطيّتين المتّصلتين بمنزلة قياسين استثنائيّين .

وقوله : (لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ...) بمنزلة النتيجة .

وقوله : (فيُخلّلان) من التخليل، وهو إدخال شيء في خلال شيء آخر .

وفي بعض النسخ: «فيجيئان» . وفي بعضها: «فيُجلّلان» بالجيم، أي يُلبسان ويُستَران من تجليل الفرس، وهو أن تُلبسه الجُلّ .

وفي بعضها: «فيجليان» ؛ قال الفيروزآبادي : «جلا فلاناً الأمر: كشفه عنه، كجلّاهُ» (1).

وقال : «ضَغَث الحديث، كمنع: خلطه، والضِّغث بالكسر: قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس» (2).

(فهنالك) أي ففي ذلك المكان الذي هو مكان مزج الحقّ والباطل .

(يستولي الشيطان على أوليائه).

يُقال : استولى على الأمر ، أي بلغ الغاية ، واستيلاؤه عليهم بتمويه الشبهات والآراء الباطلة بحيث يلتبس عليهم تميّز الحقّ من الباطل .

(ونجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى) أي سبقت في مشيّته تعالى وعلمه وإرادته الأزلي ، وهذا إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُوْلئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ» ؛ (3).

أي عن جهنّم . والحسنى: تأنيث الأحسن ؛ أي الخصلة الحُسنى وهي السعادة، أو التوفيق للطاعة واتّباع كتاب اللّه بترك الأهواء ، أو المنزلة الحُسنى وهي الجنّة، أو البشرى بها، أو المثوبة الحسنى، أو العاقبة الحُسنى .

وبالجملة هم الذين أخذت العناية الأزليّة بأيديهم في ظلم الشبهات، ووفّقتهم للاهتداء بالأئمّة الهُداة، والاستعلام عنهم فيما عرض لهم من المعضلات .

وفي بعض النسخ : «منّا» بدل «من اللّه » ، فلعلّ المراد مقول فيهم، أي قال اللّه في حقّهم ذلك .

وقيل : غرضه عليه السلام من هذه الخطبة هو الشكاية عن الاُمّة بتركهم الإمام الهادي الفارق بين الحقّ والباطل، وتمسّكهم بعقولهم الناقصة وأهوائهم الفاسدة، فصار ذلك سبباً لعدولهم عن القوانين الشرعيّة، وضمّوا إليها متخيّلات أوهامهم، فحملوها على غير وجوهها كأهل

ص: 553


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 313 (جلو)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 169 (ضغث)
3- .الأنبياء(21): 101

الخلاف ؛ فإنّهم ضمّوا حقّاً _ وهو أنّه لابدّ لهذه الاُمّة من إمام _ إلى باطل _ وهو النبيّ صلى الله عليه و آله _ لم ينصّ به، فاخترعوا لأنفسهم إماماً ، وكذلك غيرهم من أرباب الملل الفاسدة (1).

وقوله : (إذا لبِسَتْكُم فتنة) .

في بعض النسخ: «ألبستكم» على صيغة المعلوم، أو المجهول . وفي بعضها: «لبستم» . وفي بعضها: «اُلبِستم» على البناء للمفعول من باب الإفعال ، ولعلّه أظهر .

ومفاد الجميع أنّه إذا أحاطت بكم المحنة والبليّة الداعية إلى الضلال عن الحقّ وسلوك سبيل الباطل (يربو فيها الصغير) ؛ الضمير للفتنة ، أي ينمو ويرتفع، من قولهم: ربا رُبُوّاً _ كعُلُوّاً _ ورَباءً، إذا زاد ونما، وهو نظير قوله تعالى : «يَوْما يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبا» ؛ (2). باعتبار شدّة هولها من باب التمثيل ، وأصله أنّ الهموم تسرّع بالشيب ويضعف القوى ، أو كناية عن كثرة امتداد زمانها . وقيل : يحتمل أن يكون «يربو» بمعنى يموت، من قولهم : ربا فلان، إذا انتفخ من فزع (3).

(ويهرم فيها الكبير) . الضمير للفتنة . والهَرَم محرّكة: أقصى الكِبَر، هَرم _ كفرح _ فهو هَرِمٌ ، وذلك لطول زمانها أيضاً ، أو لشدّتها وكثرة المشقّة فيها، وتشتّت أحوال الخلق وتبدّد نظامهم .

(يجري الناس عليها) . الظاهر أنّه من الجَري، أي يذهبون إليها، ويقيمون عليها، ويُصرّون بها . ويحتمل كونه من التجرئة على بناء المفعول، أو الفاعل ؛ أي يُجرَّئ الناسُ بعضهم بعضاً .

قال الجوهري : «الجرأة، كالجرعة: الشجاعة ، والجَرئُ: المِقدام ؛ تقول : جرأتك على فلان حتّى اجترأتَ عليه» (4). (ويتّخذونها سنّة) أي سيرة وطريقة وقوانين شرعيّة .

(فإذا غُيّر منها) أي من تلك الفتن والبدع والسنّة (شيء) من القواعد الكلّية، أو الاُمور الجزئيّة .

ص: 554


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 371
2- .المزّمّل(73): 17
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 372
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 40 (جرأ) مع التلخيص

(قيل: قد غُيّرت السنّة) أي سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقائله المبتدعة .

(وقد أتى الناس منكراً). يحتمل كونه من كلامه عليه السلام لبيان أنّ ما ارتكبوه منكر ، ويحتمل أن يكون من مقول قولهم: «قالوا ذلك»؛ لزعمهم أنّ الحقّ منكر، وبدعهم المنكرة حقّ، فيكون إشارة إلى جهلهم المركّب .

(ثمّ تشتدّ البليّة) كما في عصر بني اُميّة وأشباههم . قال الجوهري : «البليّة والبَلوى والبلاء واحد» (1).

(وتُسبى الذرّيّة) على البناء للمفعول . والذرّيّة، بالضمّ _ وقد يكسر _ وتشديد الراء والياء: ولد الرجل .

(وتدقّهم الفتنة) . الدقّ: الكسر، والهشم، وفعله كمدّ .

(وكما تدقّ الرَّحى بثفالها) بالفاء . قال الجزري :

وفي حديث عليّ عليه السلام : «تدقّهم الفتن دقّ الرحا بثفالها» . الثفال، بالكسر: جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمّى الحجر الأسفل ثفالاً ، والمعنى: أنّها تدقّهم دقّ الرحا للحبّ إذا كانت مثفلة ، ولا تثفل إلّا عند الطحن (2).

وفي القاموس:

الثفال، ككتاب: ما وقيت به الرحا من الأرض، كالثفل بالضمّ، وقد ثَفَلها . وقول زهير : بثفالها ؛ أي على ثفالها، أو مع ثفالها، أي حال كونها طاحنة؛ لأنّهم يثفلونها إذا طحنت ، وكغراب وكتاب: الحجر الأسفل من الرحى ، وثفله: نثره بمرّة واحدة . انتهى (3).

وبهذا يظهر فساد ما قيل من أنّ الباء في قوله : «بثفالها» زائدة للمبالغة (4). وفي بعض النسخ : «بثقالها» بالقاف . قيل : لعلّ المراد مع ثقالها، أي إذا كانت معها ما يثقلها من الحبوب، فيكون أيضاً كناية عن كونها طاحنة . وفي القاموس: «الثِّقَل، كعنب: ضدّ الخفّة ؛ ثقل _ ككرم _ فهو ثقيل وثقال، كسحاب وعذاب» (5).

وقوله: (ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة) أي يجعلونها وسيلة لطلب الدنيا.

ص: 555


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 372
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2284 (بلا)
3- النهاية ، ج 1 ، ص 215 (ثفل)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 342 (ثفل) مع اختلاف يسير
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 342 (ثفل)

وفي قوله عليه السلام : (لو حملت الناس ...) دلالة على جواز ارتكاب أقلّ القبيحين عند التعارض، ودفع الأفسد بالفاسد .

وقوله : (أو قليل من شيعتي) أي أو أن يبقى معي قليل منهم .

وقوله : (لو أمرت بمقام إبراهيم) أي بردّه .

وروي أنّ مقام إبراهيم كان متّصلاً بجدار البيت عند الباب، ثمّ حوّل في الجاهليّة إلى الموضع المعروف الآن ، ثمّ أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بردّه إلى موضعه الأصلي، ثمّ ردّه عمر إلى الموضع الذي كان عليه في الجاهليّة .

(ورددت فدك إلى ورَثَة فاطمة عليهاالسلام) . في القاموس: «فدك، محرّكة: قرية بخيبر» (1).

وقيل : دلَّ هذا على أنّه عليه السلام لم يردّ فَدك في خلافته؛ لإفضائه إلى الفساد والتفرقة، فلا يرد ما أورده بعض العامّة من أنّ أخذ فدك لو لم يكن حقّاً لردّه في خلافته (2).

(ورددت صاع رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما كان) .

الصاع: الذي يُكال به، ويدور عليه الأحكام أربعة أمداد ، وأمّا صاع النبيّ صلى الله عليه و آله فخمسة أمداد على ما ذكره الصدوق ورواه الشيخ رحمهما اللّه (3).

(وأمضيت قطائع) إلى قوله : (ولم تُنفذ) .

الإقطاع: الإعطاء ، والقطيعة: طائفة من أرض الخراج، وجمعها: قطائع .

والمراد هنا أرض أو دار أقطعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لبعض الصحابة ليعمروها ويسكنوها، أو ملّكهم إيّاها ، والأخير أظهر .

والإمضاء والإنفاذ: القضاء وإجراء الحكم ، وجملة «لم تُمض» صفة لقطائع، أو لأقوام ، والعطف للتفسير ، أو يُراد بالإمضاء أصل الحكم ، وبالإنفاذ التسليم والتمكين .

(ورددت دار جعفر عليه السلام ) ؛ يعني جعفر بن أبي طالب .

(إلى ورثته، وهدمتها من المسجد) ؛ لعلّه المسجد الحرام ، والهدم نقيض البناء، والتهديم مثله، شدّد للكثرة، وتعديته ب «من» بتضمين مثل معنى الإفراز ، وكانت تلك الدار غُصِبت في زمن عثمان، ولمّا زادوا في المسجد اُدخلت فيه .

ص: 556


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 315 (فدك)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 373
3- راجع: الفقيه ، ج 1 ، ص 34، ح 69؛ وج2، ص 35، ذيل 1631؛ التهذيب ، ج 1 ، ص 135، ح 65

(ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ ...) ؛ كالمطلّقات بغير سنّة أو شاهد، أو المعقودات بعقدٍ فاسد، وما أشبه ذلك.

والاستقبال: ضدّ الاستدبار، والباء للتعدية ، والمقصود استئناف الحكم في الفروج، والأحكام المتعلّقة بذلك مطابقاً لكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله .

(وسبيتُ ذَراري بني تغلب) .

تغلب، بكسر اللام: أبو حيّ، وهو تغلب بن وائل ، وروي عن الرضا عليه السلام أنّه قال : «إنَّ بني تغلب من نصارى العرب، أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية، وسألوا الثاني أن يعفيهم عن الجزية، ويؤدّون الزكاة مضاعفة، فخشي أن يلحقوا بالروم، فصالحهم على أن صرف ذلك منهم عن رؤوسهم، وضاعف عليهم الصدقة، فرضوا بذلك» (1).

وقال محُيي السنّة من العامّة :

روي أنّ عمر بن الخطّاب رام نصارى العرب على الجزية، فقالوا: نحن عرب، لا نؤدّي ما يؤدّي العجم، ولكن خُذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض _ يعنون الصدقة _ فقال عمر : هذا فرض اللّه على المسلمين ، قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم على أن ضعّف عليهم الصدقة (2).

أقول : يظهر من هذا أنّهم ليسوا بأهل ذمّة، ولا يجري أحكام الذمّة عليهم، فيحلّ سَبْي ذَراريهم .

(ورددت ما قُسم من أرض خيبر) ؛ لأنّها فُتحت عَنوةً، فلا يجوز تملّكها لأحد خاصّة .

(ومحوت دَواوين العطايا) أي الدفاتر التي كتبت فيها العطايا من بيت مال المسلمين، وبُنيت على التفضيل بينهم والجور في القسمة .

قال الفيروزآبادي : «الديوان، ويفتح: مجتمع الصحف، والكتاب يُكتب فيه أهل الجيش وأهل العطيّة، وأوّل من وضعه عمر ، والجمع: دواوين ودياوين» (3).

وقال الجوهري : «الديوان أصله دوّان، فعوّض من إحدى الواوين ياء؛ لأنّه يجمع على دواوين، ولو كانت الياء أصليّة لقالوا: دياوين» (4).

ص: 557


1- راجع: بحار الأنوار ، ج 31 ، ص 34؛ مرآة العقول ، ج 25 ، ص 134
2- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 134
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 224 (دون)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 2115 (دون)

(ولم أجعلها دولة بين الأغنياء) ؛ بأن تختصّ بهم دون الفقراء ، أو فضّلوا عليهم . قال في النهاية: «الدولة، بالضمّ: ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم» (1).

(وألقيتُ المساحة) .

«المساحة» بالكسر: مصدر قولك: مسحت الأرض مِساحةً ، وقيل : هو اسم لما يقدّر به الجريب (2).

وقيل : هذا إشارة إلى ما عدّه الخاصّة والعامّة من بِدع الثاني أنّه قال : ينبغي أن تجعل مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الأملاك، فبعث إلى البُلدان من مسح على أهلها، فألزمهم الخراج، فأخذ من العراق وما يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كلّ جريب درهماً واحداً، وقفيزاً من أصناف الحبوب ، وأخذ من مصر ونواحيها ديناراً وإردباً عن مساحة جريب، كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندريّة .

وقد روى مُحي السنّة وغيره من علماء العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مدّها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها» (3). والإردب لأهل مصر أربعة وستّون منّاً ، وفسّره أكثرهم بأنّه قد محا ذلك شريعة الإسلام، وكان أوّل بلد مسحه عمر بلد الكوفة (4).

(وسوّيت بين المناكح) ؛ لعلّ المراد بالتسوية تزويج الشريف والوضيع، كما روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله زوّج بنت عمّه مقداداً .

وقال بعض الشارحين : أي سوّيت بين النساء في النفقة والكسوة والقسمة والعطيّة من بيت المال ، (5).

ولا يخفى بُعده، بل عدم استقامته .

(وأنفذت) أي أجريت وأمضيت (خمس الرسول) الذي منعوه من أقاربه، وأعطوه أقاربهم ، وكأنّ المراد بالخمس تمامه، وإضافته إلى الرسول إمّا لأنّ الخمس بأجمعه مختصّ به، وصرفه إلى سائر مصارفه من باب الصلة والعطيّة وكونهم عياله، كما يفهم من بعض الأخبار ،

ص: 558


1- النهاية ، ج 2 ، ص 140 (دول)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 373 . وانظر: بحار الأنوار ، ج 34 ، ص 178
3- صحيح مسلم ، ج 8 ، ص 175؛ السنن الكبرى ، ج 9 ، ص 137؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 2 ، ص 210
4- راجع: بحار الأنوار ، ج 34 ، ص 178؛ مرآة العقول ، ج 25 ، ص 135
5- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 374

أو لكونه صلى الله عليه و آله متولّياً لصرفه إلى مصارفه . ويحتمل أن يكون المراد خمس الخمس أو سدسه .

(كما أنزل اللّه _ عزّ وجلّ _ وفرضه) في قوله : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ» (1). الآية .

(وحددتُ على النبيذ) أي على شربه .

الحدّ: المنع ، يُقال : حَدَدتُ الرجل، أي أقمت عليه الحدّ؛ لأنّه يمنعه من المعاودة . وأصل النبذ: الطرح ، والنبيذ ما نبذ من عصير ونحوه .

(وأمرتُ بإحلال المتعتين) : متعة النساء، ومتعة الحجّ، اللذين منعهما الثاني ؛ فإنّه صعد المنبر وقال : أيُّها الناس، ثلاث كُنَّ في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا اُنهي عنهنّ، واُحرّمهنّ، واُعاقب عليهنّ، وهي: متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحيَّ على خير العمل .

(وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات) ؛ لا أربعاً كما فعله المخالفون .

(وألزمتُ الناس الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم) .

ظاهره وجوب الجهر فيها مطلقاً ، والحمل على تأكيد الاستحباب محتمل .

(وأخرجت من اُدخل ...) ؛ لعلّ المراد إخراج مَن دُفن عند قبر النبيّ صلى الله عليه و آله بغير إذنه، وإدخال قبر فاطمة عليهاالسلامعنده ؛ إمّا برفع الحائل بين قبريهما، أو بإخراج جسدها المطهّرة ودفنها عنده ، أو المراد إدخال من كان ملازماً لمسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كعمّار وأشباهه، وإخراج مَن أخرجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله كحكم بن العاص وأولاده، وكانوا طريده صلى الله عليه و آله وأعداؤه، فأدخلهم عثمان حين ولّي، فزوّج إحدى بنتيه مروان بن الحكم واُخراهما الحارث بن الحكم .

وقيل : يمكن أن يكون تأكيداً لما مرّ من فتح الأبواب وسدّها (2).

(وحملت الناس على حكم القرآن) أي العمل بأحكامه، وحفظ ألفاظه ومعانيه من التحريف .

(وعلى الطلاق على السنّة) ؛ وهو ما يقابل الطلاق على البدعة، كالطلاق الثلاث في مجلسٍ واحد مثلاً .

(وأخذت الصدقات) مطلقاً (على أصنافها) أي أقسامها وأنواعها (وحدودها) المقرّرة في الشرع من شرائطها وأحكامها .

ص: 559


1- .الأنفال(8): 41
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 136

وقال بعض الشارحين :

المراد بها صدقات الرسول صلى الله عليه و آله ، ثمّ نقل عن أبي عبداللّه الآبي _ وهو من أعاظم علماء العامّة _ أنّه قال في كتاب إكمال الإكمال :

صدقات النبيّ صلى الله عليه و آله التي كان ملكها ثلاثة أوجه: [الأوّل:] الهبة، كالسبع الحوائط بأرض بني النضير التي أوصى له بها مخيريق اليهودي حين أسلم يوم اُحد ، وكالذي أعطاه الأنصار من أرضهم منه موضع سوق المدينة .

الثاني ما كان ملكه بالفيء، كأرض بني النضير حين أجلاهم عنها، وحملوا من أموالهم ما حملت الإبل إلّا السلاح تركوها مع الأرض، فكان له صلى الله عليه و آله خاصّة ؛ لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكنصف أرض فدك الذي صالح عليها أهلها من يهود ، وكثلث وادي القرى الذي صالح أهله عليه، فكان له ثلثهُ ولهم ثلثاه ، وكحصن الرضيح وحصن الإسلام من حصون خيبر أخذهما صلحاً على أن أجلى من فيها عنها .

الثالث : سهمه من خمس خيبر حين افتتحها عنوة، وصار في ذلك الخمس حِصنُ الكتيبيّة كلّها.

فهذه الأشياء كانت له خاصّة ، ومع ذلك لم يستأثر بشيءٍ منها، بل كان يصرفها في مصالح المسلمين بعد إخراج ما يحتاج إليه عياله ، ويدلّ على أنّها كانت ملكه إقطاعُه الزبير منها؛ إذ لا يقطع ملك غيره، وأجمع العلماء على أنّها صدقات محرّمة الملك ، ثمّ ما كان منها بالمدينة من أموال بني النضير دفعه عمر لعبّاس وعليّ على أن يعملا فيه، ويصرفا في مصالح بني هاشم ، وأمّا ما عدا ذلك فأمسكه عمر لنوائب المسلمين كما أمسك كلّها قبله أبو بكر؛ لأنّه كان يرى أنّه الخليفة، وأنّه القائم مقام النبيّ صلى الله عليه و آله ، فلم ير إخراج ذلك عن نظره، وكان يصرفه في مصالح قرابته وغيرهم . انتهى (1).

أقول : الظاهر أنّ المراد بالصدقة ما يعمّ الزكاة والهبة والعطيّة والوقف والوصيّة، كما أشرنا إليه ويشعر به الجمع المحلّى باللام .

وقوله : (مواقيتها وشرائعها ومواضعها) ؛ لعلّ المراد بمواقيتها أوقاتها وأزمنة إيقاعها ، وبالشرائع شرائطها وكيفيّاتها وأحكامها ، وبالمواضع أمكنة إيقاعها .

قال الجوهري : «الميقات: الوقت المضروب للفعل، والموضع» ، (2). وقال : «الشريعة: ما

ص: 560


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 375 . ولم نعثر عليه في الإكمال
2- .الصحاح ، ج 1 ، ص 270 (وقت)

شرع اللّه لعباده من الدِّين، وقد شَرَع لهم يشرع شرعاً، أي سنَّ» (1).

(ورددت أهل نجران إلى مواضعهم) ؛ قيل : كانوا أهل ذمّة، وهم أخرجوهم عن مواضعهم (2).

قال الفيروزآبادي : «نَجران، بلا لام: موضع باليمن، فُتح سنة عشر، وموضع بالبحرين، وموضع بحوران قرب دمشق، وموضع بين الكوفة وواسط» (3).

وقال الجزري : «نجران: موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن» (4).

(ورددت سبايا فارس ...) ؛ إمّا لأنّها لم تقسم على العدل، بل أخذها بعضهم زائداً عن سهمه ، وإمّا لأنّها من حقّه عليه السلام ؛ فإنّها غنائم اُخذت من دار الحرب بغير إذنه عليه السلام .

وفي القاموس: «فارس: الفُرس، أو بلادهم» (5).

(إذاً لتفرّقوا عنّي) جواب لقوله سابقاً : «أرأيت» إلى آخره ، ويفهم منه أنّ أكثر جنده وأصحابه كانوا من المخالفين ، وحكي أنّهم بايعوه على أن لا يغيّر من سنّة العمرين شيئاً ، ويدلّ عليه أيضاً الفقرات الآتية ؛ ألا ترى أنّه عليه السلام كيف أكّد مضمون الشرطيّة بقوله : (واللّه لقد أمرت الناس ...) ، وحاصله : أنّ إنكار أدنى شيء من بدع خلفائهم صار سبباً لهيجان الفتنة والمفسدة ، حتّى أنّه عليه السلام اضطرّ إلى تقريره بحاله كما كان ، فكيف إنكار أكثرها أو جميعها ؟! وقوله : (اجتماعهم في النوافل بدعة) ؛ الظاهر أنّ البدعة فعلها بالجماعة كصلاة التراويح في شهر رمضان ، ويؤيّده قولهم : (ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً) .

وقيل : يحتمل أن يكون النهي عن صلاة الضحى؛ إمّا عن إيقاعها، أو فعلها، أو عن الجماعة فيها، أو كليهما . فتأمّل (6).

وقوله عليه السلام : (أن يثوروا في ناحية جانب عسكري) ؛ «يثوروا» من الثوران، أو من التثوير .

قال الفيروزآبادي : «الثور: الهيجان، والوثب، والسطوع، ونهوض القطا والجراد، كالثؤور والثَّوران، وأثاره وثوّره غيره» (7).

وقال : «الناحية: الجانب» (8). وقال : «العَسْكر: الجمع، والكثير من كلّ شيء، فارسيّ» (9).

ص: 561


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1236 (شرع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 375
3- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 138 (نجر)
4- النهاية ، ج 5 ، ص 21 (نجر)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 236 (فرس)
6- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
7- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 383 (ثور) مع التلخيص
8- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 394 (نحي)
9- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 89 (عسكر)

وأقول : الظاهر أنّ إضافة الناحية إلى الجانب بيانيّة، ويمكن حملها على اللاميّة بنوع من التقريب، وإضافة الجانب إلى العسكر لاميّة، أو يكون «جانب» بالتنوين، وعسكر بتقدير الرفع من قبيل: أكلوني البراغيث .

ويحتمل أن يقرأ «ناحية» بالتنوين، والجانب بالرفع والإضافة .

وكلمة «ما» في قوله : (ما لقيت من هذه الاُمّة) إمّا للتعجّب على كون الكلام استئنافاً وتعجّباً من كثرة ما لقي منهم من الأذى ، أو للاستفهام الإنكاري .

وقال الفاضل الإسترآبادي : «إنّها تعليل ل «خفت»، ولامه محذوفة، والتقدير: لما لقيت»(1) .

وقيل : يحتمل كونها مفعولاً ل «يثوروا» على تقدير كونه من التثوير، أو تكون استئنافاً _ كما قلناه أوّلاً _ والمفعول محذوف، والتقدير: أن يثوروا فتنةً .

وقوله : (من الفرقة) هي بالضمّ اسم من قولك : فارقته مفارقة وفراقاً .

وقوله : (وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى) رجوع إلى الكلام السابق على أن يكون معطوفاً على قوله : «ورددت سبايا فارس» .

وقيل : استئناف عطف على المبتدعات المفصّلة سابقاً .

وقيل : الظاهر أنّه عطف على «لقيت»، وأنّ «ذلك» إشارة إلى الخمس وما يجب فيه الخمس بقرينة المقام (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي : «ذلك، إشارة إلى غنيمة كانت حاضرة في ذلك الوقت»(3).

(الذي قال اللّه عزّ وجلّ) في سورة الأنفال : «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» (4).

قيل : إنّما اقتصر عليه السلام على بعض الآية؛ لأنّ مقصوده بالذات هو الإشارة إلى أنّ الإيمان يقتضي تسليم الخمس إلى ذي القربى، وأنّ المانع منه ليس بمؤمن (5) .

وقال البيضاوي : «إِنْ كُنتُمْ» متعلّق بمحذوف دلّ عليه ، و «وَاعْلَمُوا» ؛ أي إن كنتم آمنتم باللّه ، فاعلموا أنّه

ص: 562


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376
4- الأنفال(8): 41
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 376

جعل الخمس لهؤلاء، فسلمّوه إليهم، واقتنعوا بالأخماس الأربعة؛ فإنّ العلم العملي إذا اُمر به لم يُرد منه العلم المجرّد؛ لأنّه مقصود بالعرض، والمقصود بالذات هو العمل.

«وَمَا أَنْزَلْنَا» من الآيات والملائكة والنصر «عَلى عَبْدِنَا» محمّد صلى الله عليه و آله «يَوْمَ الْفُرْقَانِ» : يوم بدر، فرّق فيه بين الحقّ والباطل «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» ؛ أي المسلمون والكفّار . انتهى (1).

قوله عليه السلام : (فنحن واللّه عنى بذي القربى ...) ردّ على العامّة حيث ذهب بعضهم إلى أنّ ذوي القربى بنو هاشم وبنو عبد المطّلب مطلقاً، وبعضهم إلى أنّهم بنو هاشم لا غير ، وبعضهم إلى أنّهم قريش، الغني والفقير فيه سواء . وقيل : لفقرائهم فقط ، وقال بعضهم : الخمس كلّه لهم . وقال أبو حنيفة : سقط سهم اللّه وسهم رسوله وسهم جميع ذي القربى بوفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويصرف كلّه إلى الثلاثة الباقية .

وقال مالك : الرأي فيه يفوّض إلى الإمام كائناً من كان، يصرفه إلى من شاء . ومنهم من قال : يصرف سهم اللّه إلى الكعبة، والباقي يقسّم على خمسة .

وقال بعضهم : سهم اللّه لبيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين، كما فعله الشيخان (2).

(فقال تعالى) في سورة الحشر : «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (3).

قال البيضاوي :

المراد ب «مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ» ما أعاده عليه، بمعنى صيّره له، أو ردّه عليه؛ فإنّه كان حقيقاً بأن يكون له، لأنّه تعالى خلق الناس لعبادته، وخلق ما خلق لهم ليتوسّلوا به إلى طاعته، فهو جدير بأن يكون للمطيعين .

وقوله تعالى : «كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» ؛ أي الفيء الذي حقّه أن يكون للفقراء ، والدولة ما يتداوله الأغنياء، ويدور بينهم كما كان في الجاهليّة «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ» ؛ أي وما أعطاكم من الفيء، أو من الأمر «فَخُذُوهُ» ؛ لأنّه حلال لكم، أو فتمسّكوا به؛ لأنّه واجب الطاعة .

ص: 563


1- تفسير البيضاوي ، ج 3 ، ص 109 و110
2- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 377 و378
3- الحشر(59): 7

«وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ» عن أخذه منه، أو عن إتيانه «فَانْتَهُوا» عنه، «وَاتَّقُوا اللّهَ» في مخالفة رسوله «إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» لمن خالفه . انتهى (1).

وقوله عليه السلام : (فينا خاصّة) متعلّق ب «قال»، أو بمقدّر؛ أي نزل فينا، أو قرّر الخمس فينا ، والظاهر أنّ قوله : (رحمة منه لنا) مفعول له لمتعلّق الجارّ، أعني قوله: «فينا» .

(وغنى أغنانا اللّه به) عطف على «رحمة»؛ أي وليُغنينا بالخمس والفيء عن الحاجة وعن أوساخ أيدي الناس .

وقال بعض الشارحين :

الرحمة قد تُطلق على الرقّة المجرّدة عن الإحسان، وعلى الرقّة المقترنة معه، وعلى الإحسان المجرّد والإفضال ؛ وهو المراد هنا ، وليس المراد بالغنى المعنى المعروف عند الناس ، بل المراد به الكفاف، وهو سهم ذي القربى من الخمس ، هذا إن جعل «رحمة» وما عطف عليه مفعولاً له لقوله : «عنى بذي القربى» ، أو لقوله : «قرننا» كما هو الظاهر . وأمّا إن جعل مفعولاً له لشديد العقاب، فالمراد به العقل والعلم والعمل والمنزلة الرفيعة التي هي كمال النفس وغناها، وهم أغنى الأغنياء بهذه المعاني، وقد أغناهم اللّه تعالى بها عن غيرهم (2). انتهى كلامه، فتأمّل فيه .

(ووصّى به) أي بذلك الإغناء، أو بإعطاء الفيء والخمس المفهوم من السياق ، وكلمة «ما» في قوله : (ما لقي أهل بيت) نافية ، وفي قوله : (ما لقينا) موصولة .

متن الحديث الثاني والعشرين (خُطْبَةٌ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُحَمَّدِيِّ، عَنْ أَبِي رَوْحٍ فَرَجِ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، [عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ] عليه السلام ، قَالَ:«خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، وَصَلّى عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللّهَ _ تَبَارَكَ وَتَعَالى _ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ إِلَا مِنْ بَعْدِ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ، وَلَمْ يَجْبُرْ كَسْرَ عَظْمٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَا بَعْدَ أَزْلٍ وَبَلَاءٍ، أَيُّهَا النَّاسُ فِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَطَبٍ وَاسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ

ص: 564


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 319 (مع اختلاف)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 377

خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ، وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ، وَلَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ، وَلَا كُلُّ ذِي نَاظِرِ عَيْنٍ بِبَصِيرٍ.

عِبَادَ اللّهِ، أَحْسِنُوا فِيمَا يَعْنِيكُمُ النَّظَرُ فِيهِ، ثُمَّ انْظُرُوا إِلى عَرَصَاتِ مَنْ قَدْ أَقَادَهُ اللّهُ بِعِلْمِهِ (1). كَانُوا عَلى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أَهْلَ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، ثُمَّ انْظُرُوا بِمَا خَتَمَ اللّهُ لَهُمْ بَعْدَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلِمَنْ صَبَرَ مِنْكُمُ الْعَاقِبَةُ (2). فِي الْجِنَانِ (3). وَاللّهِ مُخَلَّدُونَ، وَلِلّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ، فَيَا عَجَباً وَمَا لِي لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا، لَا يَقْتَفُونَ (4). أَثَرَ نَبِيٍّ، وَلَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ، وَلَا يَعْفُونَ عَنْ عَيْبٍ؛ الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا، وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا، وَكُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ آخِذٌ مِنْهَا فِيمَا يَرى بِعُرًى وَثِيقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ، فَلَا يَزَالُونَ بِجَوْرٍ، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَا خَطَأً، لَا يَنَالُونَ تَقَرُّباً، وَلَنْ يَزْدَادُوا إِلَا بُعْداً مِنَ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أُنْسُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَتَصْدِيقُ (5). بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كُلُّ ذلِكَ وَحْشَةً مِمَّا وَرَّثَ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ صلى الله عليه و آله ، وَنُفُوراً مِمَّا أَدّى إِلَيْهِمْ مِنْ أَخْبَارِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَهْلُ حَسَرَاتٍ، (6). وَكُهُوفُ (7). شُبُهَاتٍ (8). ، وَأَهْلُ عَشَوَاتٍ وَضَلَالَةٍ وَرِيبَةٍ، مَنْ وَكَلَهُ اللّهُ إِلى نَفْسِهِ وَرَأْيِهِ فَهُوَ مَأْمُونٌ عِنْدَ مَنْ يَجْهَلُهُ، غَيْرُ الْمُتَّهَمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ.

فَمَا أَشْبَهَ هؤُلَاءِ بِأَنْعَامٍ قَدْ غَابَ عَنْهَا رِعَاؤُهَا، وَوَا أَسَفى مِنْ فَعَلَاتِ شِيعَتِي (9). مِنْ بَعْدِ قُرْبِ مَوَدَّتِهَا الْيَوْمَ، كَيْفَ يَسْتَذِلُّ بَعْدِي بَعْضُهَا بَعْضاً؟ وَكَيْفَ يَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً؟ الْمُتَشَتِّتَةِ غَداً عَنِ الْأَصْلِ النَّازِلَةِ بِالْفَرْعِ الْمُؤَمِّلَةِ الْفَتْحَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ آخِذٌ مِنْهُ بِغُصْنٍ، أَيْنَمَا مَالَ الْغُصْنُ مَالَ مَعَهُ، مَعَ أَنَّ اللّهَ _ وَلَهُ الْحَمْدُ _ سَيَجْمَعُ هؤُلَاءِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا يَجْمَعُ قَزَعَ الْخَرِيفِ، يُؤَلِّفُ اللّهُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ (10). كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ سَيْلَ الْعَرِمِ حَيْثُ بَعَثَ (11). عَلَيْهِ قَارَةً، فَلَمْ يَثْبُتْ (12). عَلَيْهِ أَكَمَةٌ، وَلَمْ يَرُدَّ

ص: 565


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «بعمله»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «العافية»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «الجنّات»
4- .في كلتا الطبعتين: «ولا يقتصّون»
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ويصدق»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ: «خسران»
7- .في الحاشية عن بعض النسخ والطبعة الجديدة: «وكفوف». وفي الطبعة القديمة: - «كهوف»
8- .في الحاشية عن بعض النسخ: «وكفر وشهوات»
9- .في الحاشية عن بعض النسخ: «شيعتنا»
10- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني: «مستشارهم»
11- .في الحاشية عن بعض النسخ: «نقب». وفي الوافي: «ثقب»
12- .في الحاشية عن بعض النسخ: «تثبت»

سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ يُذَعْذِعُهُمُ اللّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَةٍ، ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ، وَيُمَكِّنُ بِهِمْ قَوْماً فِي دِيَارِ قَوْمٍ (1). تَشْرِيداً لِبَنِي أُمَيَّةَ، وَلِكَيْلَا يَغْتَصِبُوا مَا غَصَبُوا، يُضَعْضِعُ اللّهُ بِهِمْ رُكْناً، وَيَنْقُضُ بِهِمْ طَيَّ (2). الْجَنَادِلِ مِنْ إِرَمَ، وَيَمْلَأُ مِنْهُمْ بُطْنَانَ الزَّيْتُونِ.

فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَيَكُونَنَّ ذلِكَ، وَكَأَنِّي أَسْمَعُ صَهِيلَ خَيْلِهِمْ وَطَمْطَمَةَ رِجَالِهِمْ، وَايْمُ اللّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّمْكِينِ فِي الْبِلَادِ، كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ ضَالًا، وَإِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ يُفْضِي مِنْهُمْ مَنْ دَرَجَ، وَيَتُوبُ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلى مَنْ تَابَ، وَلَعَلَّ اللّهَ يَجْمَعُ شِيعَتِي بَعْدَ التَّشَتُّتِ لِشَرِّ يَوْمٍ لِهؤُلَاءِ، وَلَيْسَ لأحَدٍ عَلَى اللّهِ _ عَزَّ ذِكْرُهُ _ الْخِيَرَةُ، بَلْ لِلّهِ الْخِيَرَةُ وَالْأَمْرُ جَمِيعاً.

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْمُنْتَحِلِينَ لِلْاءِمَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ مُرِّ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ، لَمْ يَتَشَجَّعْ (3). عَلَيْكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ، وَعَلى هَضْمِ الطَّاعَةِ، وَإِزْوَائِهَا عَنْ أَهْلِهَا، لكِنْ تِهْتُمْ كَمَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلى عَهْدِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (4). عليه السلام ، وَلَعَمْرِي لَيُضَاعَفَنَّ عَلَيْكُمُ التَّيْهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافَ مَا تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدِ اسْتَكْمَلْتُمْ مِنْ بَعْدِي مُدَّةَ سُلْطَانِ بَنِي أُمَيَّةَ لَقَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى سُلْطَانِ (5).

الدَّاعِي إِلَى الضَّلَالَةِ، وَأَحْيَيْتُمُ الْبَاطِلَ، وَخَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَلَعَمْرِي أَنْ لَوْ قَدْ ذَابَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ لَدَنَا التَّمْحِيصُ لِلْجَزَاءِ، وَقَرُبَ الْوَعْدُ، وَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ، وَبَدَا لَكُمُ النَّجْمُ ذُو الذَّنَبِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَلَاحَ لَكُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ فَرَاجِعُوا التَّوْبَةَ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمْ طَالِعَ الْمَشْرِقِ سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ (6). الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله ، فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ، وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ وَالتَّعَسُّفِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ، وَلَا يُبَعِّدُ اللّهُ إِلَا مَنْ أَبى وَظَلَمَ وَاعْتَسَفَ، وَأَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» »(7).

ص: 566


1- .في الحاشية عن بعض النسخ: «و يمكن من قوم لديار قوم _ ويمكن لقوم في ديار قوم»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «على»
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ولم يتخشّع». وفي بعض نسخ الكافي: «لم يتجشّع»
4- .في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول: - «بن عمران»
5- .في الطبعة القديمة: «السلطان»
6- .في الحاشية عن بعض النسخ ومرآة العقول: «منهاج»
7- الشعراء(26): 227

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (لم يقصم) إلى قوله : (ورخاء) . قيل : خوّف عليه السلام من اشتدّ عناده وامتدّ فساده، ورغّب في الدنيا، ونسي الآخرة، واغترّ بماله، وابتهج بحاله، واستبدّ في الدين برأيه بذكر أحوال الجبّارين الذين كانوا معرضين عن دين اللّه تعالى، فمهّلهم من باب الاستدراج، فكانوا في نعمة ورخاء، ثمّ قصمهم وأخذهم (1).

وقال الفيروزآبادي : «قصمه يقصمه: كسره وأبانه، أو كسره، وإن لم يُبن» (2). وقال : «مهّله تمهيلاً، أي أجّله» ، (3). وقال : «الرخاء، بالفتح: سعه العيش» (4).

(ولم يجبر كسر عَظم من الاُمم إلّا بعد أزل وبلاء) .

الجبر: خلاف الكسر، وفعله كنصر. وجبر العظم والفقير جبراً: أحسن إليه، أو أغناه بعد فقر. والأزل، بالفتح والسكون: الضيق، والشدّة، وبالكسر: الداهية (5).

وقيل : قوله عليه السلام : (أيّها الناس ...) إبداء لمضمون قوله : «ولم يجبر» من باب التأكيد .

(في دون ما استقبلتم) أي عنده، أو في أقلّه .

(من عطب) ؛ هو الشان والحال والأمر، عَظُم أو صغر . وفي بعض النسخ: «من عتب»، وهو بالتحريك: الشدّة، والأمر الكدّ، وبالتسكين: الموجِدة .

قيل: هذا إشارة إلى ما كانوا فيه بعد ظهور الإسلام من الحرب مثل حرب بدر واُحد

ص: 567


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 378
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 165 (قصم)
3- .القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 52 (مهل)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 333 (رخو)
5- قال المازندراني رحمه الله: «جبر العظم المكسور كناية عن قوّتهم بعد ضعفهم، يظهر ذلك لمن نظر في أتباع الأنبياء أوّل الأمر؛ فإنّهم كانوا في غاية الضعف والشدّة، ثمّ حصّلت لهم القوّة بالاتّحاد والصبر والتناصر والتعاون، وفيه ترغيب في الصبر على النوازل، وتنبيه على أنّ اليسر مقرون بالعسر، كما قال تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً»، وعلى وجوب الاتّحاد في الدين وعدم تشتّت الآراء وتفرّق الذهن فيه لقلّة أهله؛ فإنّ الحقّ يعلو بالآخرة مع أنّ التشتّت يوجب الوهن والضعف والعجز، وكلّ ذلك ضدّ مطلوب الشارع». ثمّ قال: «ويحتمل أن يراد بالجبّارين المخالفون، وبقوله: لم يجبر، شيعته وأنصاره، فنبّه بالأوّل على أنّ اُولئك الجبّارين وإن طالت مدّتهم وقويت شوكتهم، فهم من إمهال اللّه لهم ليستعدّوا به الهلاك، وبالثاني على أنّكم وإن ضعفتم وابتليتم فذلك من عادة اللّه فيمن يريد أن ينصره، وينصركم بظهور دولتنا القاهرة»

والأحزاب من الأهوال والوهن والضعف، راجعين إلى صاحب الوحي، صابرين على أذى المشركين، ثابتين في الدين، فأيّدهم اللّه بنصره، وأزال عنهم وهنهم، وجبر عظمهم .

(واستدبرتم من خَطْب) .

قال :

وهو إشارة إلى ما كانوا فيه من الأهوال والوهن والشدّة في مبدأ الإسلام، مع قلّتهم وكثرة عدوّهم ، فلمّا اتّحدوا ولم يختلفوا، وصبروا ورجعوا إلى الرسول صلى الله عليه و آله ، أيّدهم اللّه تعالى، وقوّاهم، وجبر عظمهم بمن أسلم ودخل في الدين .

ويحتمل أن يكون الخطب المستقبل والمستدبر واحداً، وهو جميع ما استقبلوه، ورأوه من أوّل الإسلام، واستدبروه إلى أوان قبضه صلى الله عليه و آله ، وإعادة الخطب يؤيّد الأوّل، وحذف الموصول في المعطوف يؤيّد الثاني .

(معتبر) أي في دون ذلك اعتبار لمن اعتبر؛ فإنّكم من ذلك الاعتبار تعلمون أنّه يجب عليكم بعده الاتّحاد في الدين والتعاون والتناصر ومقاساة مرارة الصبر والرجوع إلى أعلمكم في الفروع والاُصول، والاجتماع عليه وعدم التفرّق عنه، ليرد عليكم نصر اللّه ورحمته . انتهى (1).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول صلى الله عليه و آله من استيلاء الكفرة أوّلاً، وغلبة الحقّ وأهله ثانياً، وانقضاء دولة الظالمين ونصر اللّه رسوله على الكافرين ، والمراد بما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول صلى الله عليه و آله من الفتن، واستبداد أهل الجهالة والضلالة باُمور المسلمين بلا نصر من رسول ربّ العالمين، وكثرة خطأهم في أحكام الدين، ثمّ انقضاء دولتهم، وما وقع بعد ذلك من الحروب والفتن، كلّ ذاك محل للاعتبار لمن عقل وفهم وميّز الحقّ عن الباطل؛ فإنّ زمان الرسول صلى الله عليه و آله وغزواته ومصالحته ومهادنته مع المشركين كانت منطبقة على أحوال أمير المؤمنين عليه السلام من وفاة الرسول إلى شهادته عليه السلام .

ويحتمل أن يكون المراد بما يستقبل [وما يستدبر] شيئاً واحداً؛ فإنّ ما يستقبل قبل وروده يستدبر بعد مضيّه ، والمراد التفكّر في انقلاب أحوال الدنيا وسرعة زوالها وكثرة الفتن فيها ، فيحثّ هذا التفكّر العاقل اللَّبيب على ترك الأغراض الدنيويّة، والسعي لما يوجب حصول السعادات الاُخرويّة .

ص: 568


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 379

ويحتمل على بُعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة وعذاب الآخرة ومثوباتها، وبما استدبروه ما مضى من أيّام عمرهم وما ظهر لهم من آثار فناء الدنيا وحقارتها وقلّة بقائها (1).

(وما كلّ ذي قلب بلبيب) .

القلب: الفؤاد، وقد يطلق على العقل . واللُّبّ، بالضمّ: العقل، وخالص كلّ شيء ، واللبيب: العاقل ؛ أي ليس كلّ ذي فؤاد أو غيره عاقل كامل العقل بحيث يدرك حقائق المعقولات ودقائقها، بل عقل أكثر الناس تابع للوهم والخيال، ومشوب المعارضات الوهميّة بحيث لا يرتقي من حضيض النقص إلى أوج الكمال .

(ولا كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ذي ناظر عين ببصير) أي ليس كلّ من له آلة السمع يسمع الحقّ ويفهمه ويجيبه ويؤثّر فيه ويعمل به ، ولا كلّ من له آلة البصر يبصر الحقّ ويعتبر بما يرى وينتفع بما يشاهد بها.

وليس لفظ «عين» في بعض نسخ الكتاب، ولا في النهج (2).

وقوله : (فيما يَعنيكم) أي يهمّكم وينفعكم . في القاموس: «عناه الأمرُ يَعنيه ويَعنوه عَناية وعِناية: أهمّه» (3).

والظاهر أنّ قوله : (النظر فيه) بدل اشتمال لقوله : «فيما يعنيكم» ، ويحتمل كونه فاعلاً لقوله : «يعنيكم» بتقدير النظر قبل الظرف أيضاً ، واحتمال قراءة «يُعينكم» من الإعانة بعيدٌ .

وفي بعض النسخ: «يغنيكم» بالغين المعجمة من الإغناء ، وعلى النسختين فيه ترغيب في النظر والتأمّل فيما ينفع في أمر الدين والدنيا .

(ثمّ انظروا إلى عرصات مَنْ أقاده اللّه ) .

في القاموس: «العرصة: كلّ بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع: عراص وعرصات» ، (4). والظاهر أنّ المراد بها هنا الأراضي والبنيان الميّتة والخربة، أو ما فيه آثارهم مطلقاً .

ص: 569


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 138 و139
2- اُنظر: نهج البلاغة ، ص 121، الخطبة88
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 367 (عني)
4- .القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 307 (عرص)

والإقادة، من القَود وهو بالتحريك: القصاص .

وفي القاموس: «أقادَ القاتِلَ بالقتيل: قتله به»(1).

وقيل : إنّما سمّى إهلاكه قِصاص؛ لأنّه أمات دين اللّه ، فاستحقّ بذلك القصاص .

ويحتمل كونه من القَود نقيض السوق (2).

في القاموس: «أقادهُ خَيلاً: أعطاه ليقودها» (3).

وقيل : لعلّ المراد حينئذٍ بمن أقاده اللّه من مكّنه اللّه من الملك بأن خلّى بينه وبين اختياره، ولم يمسك يده عمّا أراده (4). وقيل : معناه: جعله اللّه قائداً لمن تبعه(5) .

وقوله : (بعلمه) بالعين المهملة في أكثر النسخ؛ أي بما يقتضيه علمه وحكمته من عدم إجبارهم على الطاعة أو المعصية، أو بما يعلمه من استحقاقهم للعقوبة كمّاً وكيفاً . وفي بعضها بالمعجمة . قال الفيروزآبادي : «غَلِم _ كفرح _ غَلْماً وغُلمَةً _ بالضمّ _ واغتلم، أي غُلِب شهوة»(6) . فحينئذٍ يحتمل أن يقرأ: «بِغَلْمِهِ» بالفتح ، والضمير الراجع إلى الموصول، أو بغُلمةٍ بالضمّ والتاء، أي أقاده بالشهوات النفسانيّة .

وفي بعضها: «بعمله» بتقديم الميم .

(كانوا على سُنّة) .

ضمير الجمع للموصول باعتبار المعنى، وإفراده في السابق باعتبار اللفظ ؛ أي على طريقة وحالة شبيهة ومأخوذة (من آل فرعون) من الظلم والكفر والطغيان، أو من سعة النعمة ورفاهيّة العيش ، ويؤيّد الأخير قوله : (أهل جنّات وعيون وزروع ومقام كريم) ؛ يحتمل بياناً للسنّة، أو بدلاً عنها، أو خبراً ل «كانوا»، أو حالاً من «آل فرعون» ، فعلى الأوّل مرفوع على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، وعلى الثاني مجرور ، وعلى الآخرين منصوب .

قال البيضاوي : «المقام الكريم: المنازل الحسنة، والمجالس البهيّة» . (7) وقال في موضع

ص: 570


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 330 (قتل)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 379
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 330 (قود)
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 139
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 379
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 157 (غلم)
7- تفسير البيضاوي ، ج 4 ، ص 240

آخر : «هو محافل مزيّنة ومنازل حسنة» (1).

ولفظة «ثمّ» في قوله : (ثمّ انظروا) للتراخي؛ يعني انظروا أوّلاً في بداية حالهم في الدنيا، ثمّ في نهايتها وخاتمتها، حتّى تعتبروا منه، ولا تركنوا إلى الدنيا .

وما قيل من أنّ لفظة «ثمّ» هنا لمجرّد التفاوت في المرتبة؛ لأنّ العذاب الاُخروي أقوى وأشدّ من الدنيوي، (2). ففيه نظر .

والباء في قوله : (بما ختم اللّه لهم) بمعنى «في»، أو «إلى»، أو زائدة، أو صلة للختم قدّم عليه؛ أي انظروا أيّ شيء جعل اللّه خاتمة أحوالهم في الدنيا .

(بعد النضرة والسرور) . «النضرة»: الحُسن، والرونق، والنعمة، والعيش، والغنى. والسرور: الفرح الحاصل منها .

(والأمر والنهي) أي وبعد كونهم آمرين والناهين فيما بين الناس، وجريان حكمهم عليهم، أو بعد كونهم مأمورين بأوامر اللّه منهيّين بنواهيه وعدم انقيادهم .

(ولِمَن صبر منكم) على البأساء والضرّاء والنوائب في مشاقّ التكاليف الشرعيّة (العاقبة في الجنان) أي حُسن العاقبة فيها.

وعاقبة كلّ شيء: آخره .

وقوله : (مخلّدون) خبر مبتدأ محذوف؛ أي أنتم أو هم مخلّدون فيها .

والجملة مبنيّة مؤكّدة للجملة السابقة، أو استئنافيّة كأنّه سئل عن عاقبتهم في الجنان، فقال: هم مخلّدون فيها .

(وللّه عاقبة الاُمور) .

قيل : أي الاُمور الخيريّة يؤتيها من يشاء بفضله، ويمنعها مَن يشاء بعدله . أو المراد [أنّ ]له عاقبة الاُمور بالنسبة إلى كلّ أحد إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً (3).

وقيل : معنى كون عاقبة الاُمور للّه أنّ مرجعها إلى حكمه، أو عاقبة الملك والدولة والعزّ للّه ، ولمن طلب رضاه، كما هو الأنسب بالمقام (4).

(فيا عجباً) ؛ يحتمل كونه من قبيل «يا رجلاً له بصر، خُذ بيدي»؛ أي يا عجباً أقبِل وتعال ، فهذه من الأحوال التي من حقّها أن تحضر فيها .

ص: 571


1- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 161
2- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 140

ويحتمل كونه منصوباً على المصدر بحذف المنادي؛ أي يا قوم عجبت عجباً، بالتنوين .

وقيل : إنّه بغير تنوين، وأصله: يا عجبي، قلب الياء ألفاً، وفي الوقف قيل: يا عجباه (1) .

(وما لي لا أعجب) مع حصول موجبات العجب وكثرتها وقوّتها، وهي ترك هذه الفرق ما ينبغي فعله وبالعكس، كما أشار إليه بقوله : (من خطأ هذه الفِرق) ، وكلمة «ما» استفهاميّة للتعجّب من ترك التعجّب .

(على اختلاف حججها في دينها) .

أصل الحجّة الغلبة، ثمّ استعمل في البرهان .

قيل : المراد بالحجج المذاهب والطرق، أو الدلائل على مذاهبهم الباطلة، أو على الحقّ مع عدولهم عنها (2). وقيل : المراد باختلاف الحجج هنا اختلاف قصورها أو تردّدها أو سننها وطرقها، أو دلائلها الباطلة في اُصول دينها وفروعه، وإنّما سمّيت مفتريات أوهامهم ومخترعات أفهامهم حججاً على سبيل التهكّم(3) .

وقوله : «في دينها» متعلّق بالحجج، أو بالاختلاف، أو بهما، أو صفة، أو حال عن الحجج .

(لا يقتفون أثر نبيّ) .

في بعض النسخ: «لا يقتصّون» من الاقتصاص . يُقال : قصّ أثره واقتصّ، إذا تتبّعه ، وهذا تفصيل لخطأ هذا الفرق، كما أشرنا إليه إجمالاً .

قال بعض العلماء :

هذا نصّ في المنع عن الاجتهاد في الأحكام الشرعيّة، واستنباطها من المتشابهات بالرأي وترك النصوص .

(ولا يقتدون بعمل وصيّ) مطلقاً. وقيل : أراد به نفسه قطعاً لعذرهم ؛ فإنّ الاختلاف في الدين قد يعرض عن ضرورة، وهي عدم وجود الهادي بينهم ، فأمّا إذا كان موجوداً فلا عذر لهم على الاختلاف، ولا يجوز لهم القيام عليه (4).

(ولا يؤمنون بغيب) أي بما هو غائب عن الحسّ من الإيمان باللّه واليوم الآخر ، أو بما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله ، هذا إن جعل الباء صلة للإيمان، وإن جعل الظرف حالاً عن ضمير الجمع،

ص: 572


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 140
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 140
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 380

أي لا يؤمنون في حال الغيبة والخفاء، كما هو شأن المنافقين .

(ولا يَعفون عن عيب) من العفّة، أو من العفو . يُقال : عفّ _ كفرَّ _ عَفّاً وعَفافاً وعَفافةً _ بفتحهنّ _ وعِفّةً بالكسر، إذا كفّ عمّا لا يحلّ ولا يجمل . والعيب: الوصمة والعار ، ولعلّ المراد به هنا زلّات إخوانهم .

وفي النهج بعد قوله : «عن عيب» زيادة، وهي: «يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات» (1).

(المعروف فيهم...)؛ يعني أنّ المعروف والمنكر عندهم ما يميل إليه طباعهم ويستحسنهم وإن كان منكراً في الشرع، وما يتنفّر عنه طباعهم ويستقبحه وإن كان معروفاً في الشرع .

(وكلّ امرئ منهم إمام نفسه) .

في نسخ النهج هكذا: «مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه» .

(آخذ منها فيما يرى) ؛ أي يتعلّق به رأي . و«آخذ» بصيغة اسم الفاعل، أو الفعل الماضي، والمستتر فيه وفي «يرى» راجع إلى «كلّ»، والبارز إلى الحجج ، وعلى ما في النهج يمكن عوده إلى «المعضلات» و«المبهمات» .

وقوله : (بعُرًى وثيقات) متعلّق ب «آخذ»، أو حال عن فاعله؛ يعني يتوهّم أنّه تمسّك بدلائل محكمة وبراهين قاطعة فيما يدّعيه من المموّهات، كأنّها عنده عرى وثيقة لا يخطأ المتمسّك بها .

(وأسباب محكمات) عطف على «عرى وثيقات» للبيان والتفسير . وقيل : الأسباب المحكمات بزعمهم من يتوسّلون به من أئمّة الجور . وقيل : هي بزعمهم نصوص جليّة لا اشتباه فيها (2).

(فلا يزالون بجور) أي متلبّسين بميل وانحراف عن قصد السبيل .

(ولن يزدادوا إلّا خطأً) ؛ لأنّ بناء قواعدهم على الجور والظلم، واتّباع النفس والشيطان .

(لا ينالون تقرّباً) عند اللّه _ عزّ وجلّ _ بتحصيل أسبابه؛ لأنّه إنّما يحصل باتّباع الإمام الحقّ والعدل، وهم بمعزل عنه .

ص: 573


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 381
2- اُنظر: نهج البلاغة ، ج 121 ، الخطبة 88

(ولن يزدادوا إلّا بُعداً من اللّه ) ؛ لخطأهم في عقائدهم وأعمالهم ، والظرف متعلّق بالبُعد والتقرّب على التنازع .

(اُنس بعضهم ببعض) .

الاُنس، بالضمّ وبالتحريك: ضدّ الوحشة ، وقد آنس به، مثلّثة النون. والظاهر أنّه هنا على صيغة المصدر ليوافق الفقرة التالية ، أعني قوله : (وتصديق بعضهم لبعض) .

في بعض النسخ: «وتصدق»، على صيغة الفعل أو المصدر، أي يعطي بعضهم صدقته لبعض، وكأنّه تصحيف .

وبالجملة ذلك الاُنس والتصديق لتحقّق الرابطة الجنسيّة والتوافق في المذهب والطريق .

(كلّ ذلك) إشارة إلى خطأ تلك الفرق بتفاصيله .

(وحشة) أي يفعلون ذلك لأجل استيحاشهم وعدم استئناسهم .

(ممّا ورّث النبيّ الاُمّي صلى الله عليه و آله ) من العلوم والحكم لأهل بيته الطاهرين .

(ونفوراً) أي تباعداً وشَروداً (ممّا أدّى) النبيّ صلى الله عليه و آله ، وأوصل (إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض) أي خالقهما ومبدعهما .

(أهل حسرات) خبر مبتدأ محذوف، أي هم أهل تلهّف بعد الموت لما صنعوه من الأباطيل . وفي بعض النسخ : «أهل خسران» .

(وكهوف شبهات) عطف على «أهل»، جمع «كهف»، وهو كالبيت المقفور في الجبل ، والملجأ؛ يعني تأدّى إليهم الشبهات لإقبالهم عليها، وافتتانهم بها، وعدم تفتيشهم عن وجه الحقّ والصواب، وعدم رجوعهم فيها إلى أهل العلم واُولي الألباب .

وفي بعض النسخ: «كفر وشبهات»؛ أي أهل كفر. وفي بعضها: «كفوف شبهات» . قال الفيروزآبادي :

الكفّ: اليد، الجمع أكفّ وكفوفٌ. وكفّت الناقة كفوفاً: كبرت، فقصرت أسنانها حتّى تكاد تذهب، فهو كاف وكفوف. والثوب كفّاً: خاط حاشيته، وهو الخياطة الثانية بعد الشلّ. والإناء: ملأه مُفرطاً. انتهى (1).

ص: 574


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 190 (كفف)

ويمكن أن يكون الكاف للتشبيه، ويراد بفوُف بالضمّ الأصل والمادّة .

قال الجوهري : «الفوف: الجهة البيضاء في باطن النواة التي تنبت منها النخلة» (1).

(وأهل عَشَوات) .

في القاموس: «العشوة، بالضمّ والكسر: ركوب الأمر على غير بيان ، ويثلّث، وبالفتح: الظلمة» (2).

(وضلالة وريبة) .

في القاموس: «الريبة، بالكسر: الظِّنَّة، والتهمة» (3). وقال الجوهري : «الريب: الشكّ، والريب: ما رابك من أمر، والاسم: الرِّيبة بالكسر، وهي التهمة والشكّ» (4).

(مَن وكلَه اللّه ) أي سلّمه وتركه (إلى نفسه ورأيه) بسلب اللطف والتوفيق عنه؛ لإعراضه عن الحقّ وأهله .

وقوله : (فهو مأمون عند من يجهله) خبر الموصول .

وقوله : (غير المتّهم عند من لا يعرفه) إمّا بالرفع خبر آخر للضمير، أو بالنصب على الحاليّة، والضمير المنصوب في الموضعين راجع إلى الموصول الأوّل .

والغرض بيان أنّ حسن الظنّ به من عوامّ الناس إنّما هو لجهالتهم بضلالته ، وأمّا العالم بحاله؛ فإنّه يعلم وجوه اختلاله .

قيل : يحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمّة من قد ذمّهم سابقاً لا أنفسهم (5). وقيل : يحتمل عود الضمير المنصوب في الموضعين إلى اللّه ؛ لأنّ من عرف اللّه علم أنّ ذلك الرجل متّهم بالخيانة والفساد في الدين غير مأمون فيه؛ لعلمه بوجوب الرجوع إلى من نصب اللّه لإقامة دينه؛ فإنّه هو المأمون دون غيره .

(فما أشبه هؤلاء) المضلّين الذين وكلهم اللّه إلى أنفسهم وآرائهم ، أو المراد تابعيهم، والثاني أنسب بقوله : (بأنعام قد غاب عنها رعاؤها) .

الراعي: كلّ من ولي أمر قوم ، وجمعه: رُعاة _ مثل قاض وقُضاة _ ورعُيان، مثل شابّ

ص: 575


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1412 (فوف)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 362 (عشو)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 77 (ريب)
4- الصحاح ، ج 1 ، ص 141 (ريب)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 142

وشبّان؛ ورعاء مثل جائع وجياع .

ووجه تشبيههم بالأنعام الحيرة والضلالة، وكونهم في معرض التلف والهلاك، وعدم الاهتداء إلى المصالح .

(ووا أسفى) ؛ بالألف للندبة، وأصله: أسفي، قُلبت الياء ألفاً . والأسف بالتحريك: أشدّ الحزن .

(من فَعَلات شيعتي) أي تبعني اليوم ظاهراً . قال الفيروزآبادي :

شيعة الرجل، بالكسر: أتباعه وأنصاره، والفرقة على حدة ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكّر والمؤنّث، وقد غلب هذا الاسم على كلّ من يتوالى عليّاً وأهل بيته حتّى صار اسماً لهم خاصّاً، الجمع: أشياع، وشيع، كعِنَبٍ (1).

(من بَعْدِ قُرب مودّتها اليوم) ظرف للقرب، والضمير للشيعة.

ثمّ بيّن عليه السلام فعلاتها بقوله : (كيف يستذلّ ...) . قال بعض الشارحين :

ألحقَ الأسف بنفسه المقدّسة بسبب ما شاهده بعلم اليقين من الأحوال المنكرة اللاحقة بالشيعة بعده عليه السلام في دولة بني اُميّة وبني عبّاس من استذلال بعضهم بعضاً، وقتل بعضهم بعضاً بالمباشرة والتسبيب، وخروجهم على هؤلاء الكفرة بلا راع مفترض الطاعة، وهلاكهم بأيديهم ، وغير ذلك من المكاره الواردة عليهم (2).

(المشتّتة غداً عن الأصل) وصف للشيعة ، والظاهر أنّ المراد بالأصل الإمام المعصوم، وبالغد ما بعد زمان التكلّم من الأوقات؛ أي هم الذين يتفرّقون عن أئمّة الحقّ، ولا ينصرونهم .

(النازلة بالفرع) .

الفرع: خلاف الأصل ، ولعلّ المراد به غير الإمام الحقّ ممّن يدّعي الإمامة، وليس بذاك، كمختار وأبي مسلم وأضرابهما ، فالمراد أنّهم يتشتّتون عن أصولهم، ويتشبّثون بالفروع التي لا تنفعهم بل تضرّهم .

(المؤمّلة الفتح) أي الواجبة لظهور دولة الحقّ .

(من غير جهته) أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح؛ لأنّه إنّما يكون بيد

ص: 576


1- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 47 (شيع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 382

صاحب الأمر عليه السلام ، ومن خرج قبل ظهوره صار مغلوباً أو مقتولاً، أو لم يتمكّن في أمره تمكّناً تامّاً ، أو المراد أنّه كان استفتاحهم من غير الجهة التي اُمروا به منها؛ فإنّ خروجهم كان بغير إذن إمام عصرهم .

(كلّ حزب) أي طائفة (منهم آخذ) على صيغة اسم الفاعل، أو الفعل .

(منه) أي من ذلك الفرع ، ولفظة «منه» ليست في كثير من النسخ .

(بغُصن) .

في القاموس: «الغُصن، بالضمّ: ما تشعّب عن ساق الشجر دقاقها وغِلاظها، الجمع: غُصون وأغصان وغُصُن» (1). والمراد به هنا كلّ مدّع منهم، ويكون إشارة إلى تفرّقهم بفرق مختلفة كلّ منهم يدّعي اتّباع إمام .

(أينما مالَ الغُصن مال معه) .

قيل : هذا تشبيه تمثيلي لقصد الإيضاح ، والوجه في المشبّه به حسّيّ ، وفي المشبّه عقليّ، أو مركّب منه ومن حسّيّ ، وهذا من أحسن التشبيهات في إفادة لزوم المتابعة؛ إذ كما أنّ حركة الورق إلى جهات حركة الغصن بتحريك الريح أو غيره تابعة لازمة غير منفكّة، كذلك حركة كلّ حزب إلى جهات حركة إمامه في الاُمور العقليّة والعمليّة (2).

وقوله عليه السلام : (مع أنّ اللّه ...) إشارة إلى انقراض دولة بني اُميّة، وتبدّد نظامهم بخروج أبي مسلم وأهل خراسان عليهم .

وقوله : (وله الحمد) جملة معترضة .

(سيجمع هؤلاء) الأحزاب المتشتّتة من الشيعة بمعنى الأعمّ .

(لشرّ يوم لبني اُميّة) ، وهو يوم زوال ملكهم ودولتهم .

(كما يجمع قَزَع الخريف) . في بعض نسخ الكتاب وفي النهج: «كما تجتمع» (3).

قال الفيروزآبادي : «القَزَع، محرّكة: قطع من السحاب، الواحدة بهاء» (4). وقال الجزري: في حديث الاستسقاء : «وما في السماء قزعَةٌ»؛ أي قطعة من الغيم، ومنه حديث عليّ عليه السلام : «فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف»؛ أي قطع [السحاب] المتفرّقة.

ص: 577


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 253 (غصن)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 383
3- نهج البلاغة ، ص 240 ، الخطبة 166
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 68 (قزع)

وإنّما خصّ الخريف لأنّه أوّل الشتاء، والسحاب فيه يكون متفرّقاً غير متراكم ولا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك (1).

(يؤلّف اللّه بينهم) أي بين هؤلاء، فيتواقف قلوبهم .

وقال بعض الأفاضل : نسبة هذا التأليف إليه تعالى مع أنّه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيهاً لعدم منعهم عن ذلك، وتمكينهم من أسبابه، وتركهم واختيارهم بتأليفهم، وحثّهم عليه، ومثل هذا كثير في الآيات والأخبار (2).

أقول : قد مرّ في كتب التوحيد من الاُصول ما يوضح من فساد هذا التوجيه، وأنّ تلك النسبة وأمثالها على سبيل الحقيقة لا المجاز .

(ثمّ يجعلهم رُكاماً كركام السحاب). قال الجوهري : «ركم الشيء يركمه، إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض ، والركام بالضمّ: الرمل المتراكم ، وكذلك السحاب وما أشبهه» (3).

(ثمّ يفتح لهم أبواباً يسيلون من مستشارهم) . أي موضع مشورتهم، وهو موضع الاجتماع لتحقيق الصواب في الآراء، مَفعَلة من الإشارة .

وفي بعض النسخ: «مستثارهم» بالثاء المثلّثة، أي موضع ثورانهم وهيجانهم ووثبهم ونهوضهم .

قيل : استعار الأبواب للطرق، ورشّح بذكر الفتح مع ما فيه من الإيماء إلى أنّ حدّ ملك بني اُميّة كأنّها كان عليها سور لشدّة قوّتهم من منع دخول العدوّ فيه (4).

وقيل : فتح الأبواب كناية عمّا هيّئ لهم من أسبابهم، وما سنح لهم من تدبيراتهم المصيبة، ومن اجتماعهم وعدم تخاذلهم (5).

وقال الفاضل الإسترآبادي :

اُريد أنّ الشيعة بعد اجتماعهم على أبي مسلم يتفرّقون إلى البلاد من محلّ ثورانهم لقمع اُمراء بني اُميّة من البلاد، وفيه استعارة تبعيّة حيث شبّه سيرهم في البلاد بالسيل الجاري

ص: 578


1- النهاية ، ج 4 ، ص 59 (قزع)
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 143
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1936 (ركم)
4- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 143

إلى المنحدر في السرعة والازدحام والتخريب وعدم احتمال الرجوع ، واستعار له لفظ الفعل (1).

(كسيل الجَنَّتَيْنِ سيل العَرم) . شبّه عليه السلام تسلّط هذا الجيش على بني اُميّة بسوء أعمالهم بما سلّط اللّه على أهل سبأ بعد إتمام الغمّة عليهم؛ لكفرانهم وطغيانهم. وإضافة السيل إلى الجنّتين بتقدير «في»، أو لأدنى ملابسة .

والظاهر أنّ قوله : «سيل العرم» بدل من «سيل الجنّتين» أو صفة ، ويحتمل كونه خبراً لمبتدأ محذوف، أي هو سيل العرم المذكور في القرآن الكريم ، والعرم، بفتح العين وكسر الراء المثنّاة: جمع بلا واحد ، وقيل: واحدهُ عرِمَة كفرحة ، وفي الآية الكريمة فسّر بالسدّ والمطر الشديد والصعب والوادي الذي جاء السيل من قبله ، والجُرذ الذكر، وإضافة السيل إليه لأنّه نقب السدّ، فجرى السيل فخرّب البلدة والجنّات التي تحته .

(حيث بعث عليه فأرة) .

«بعث» على صيغة المعلوم ، والمستتر فيه عائد إلى اللّه ، و«فأرة» مفعوله . في بعض النسخ: «نقب» بالنون والقاف المشدّدة أو المخفّفة والباء الموحّدة ، وحينئذٍ يكون «فأرة» مرفوعاً بالفاعليّة.

و«حيث» للتعليل، والضمير المجرور للعرم إن اُريد به السدّ ، أو [إلى] السيل بحذف المضاف، أي على سدّه . وقيل : كلمة «على» حينئذٍ تعليليّة، والفأرة بالهمز: معروفة، وقد يترك همزتها تخفيفاً .

(فلم يثبت عليه أكمة) .

في القاموس: الأكمَة، محرّكة: التلّ من القُفّ من حجارة واحدة، أو هي دون الجبال، أو الموضع يكون فيها أشدّ ارتفاعاً ممّا حوله، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجراً، الجمع: أكم، محرّكة وبضمّتين (2).

ووجه عدم ثباتها عليه أنّه قلعها لكمال شدّتها وقوّتها ، والغرض من بيان شدّة السيل

ص: 579


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 75 (أكم)

المشبّه به بأنّه أحاط بالجبال، وذهب بالتلال، ولم يمنعه شيء أصلاً .

(ولم يردُّ سَننه رَصّ طَود) .

في القاموس: «سنن الطريق، مثلّثة وبضمّتين: نهجه وجهته» (1).

والرصّ؛ في بعض النسخ بالصاد المهملة، وهو الصنم، وإلزاق الشيء بعضه ببعض . وفي بعضها بالضاد المعجمة، وهو الدقّ والحكّ . وفي بعضها: «الرسّ» بالسين المهملة، وهو الدفن، والثبوت، ومنه الرسيس، وهو الشيء الثابت.

والبارز في «سننه» راجع [إلى السيل]، أو إلى اللّه .

في القاموس: «الطَّود: الجبل، أو عظيمهُ» (2). وقيل: في اعتبار هذه الأوصاف في المشبّه به دلالة على اعتبارها في المشبّه، وهو كذلك لأنّ الشيعة وغيرهم بعد اجتماعهم على أبي مسلم ساروا من محلّهم إلى اُمراء بني اُميّة، وهم مع كثرة عدّتهم وشدّتهم لم يقدروا على ردّهم حتّى جرى عليهم قضاء اللّه تعالى بالاستيصال (3).

وقوله : (يدغدغهم (4) اللّه في بطون أودية) إشارة إلى وصفهم بما يناسب السيل بعد وصفهم به ، و«يدغدغهم» في بعض النسخ بالذائين المعجمتين والعينين المهملتين؛ يُقال: ذعذع المالَ وغيره، إذا بدّده وفرّقه، أي يفرّقهم اللّه في السيل والأطراف متوجّهين إلى البلاد .

وفي بعضها بالدالين المهملتين والغينين المعجمتين، من الدغدغة وهي تحريك الريح الشجرة، أو كلّ تحريك شديد، أي يحرّكهم في كمال الصولة وغاية الشدّة في طرقهم المسلوكة إلى أوطان بني اُميّة ومنازلهم، وسمّاها بطون الأودية لتشبيههم بالسيل وسهولة جريهم فيها ، والجملة حال عن فاعل «يسيلون» .

(ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض).

في القاموس: «سَلَك المكان سَلْكاً وسُلوكاً، وسَلَكهُ غيره، وفيه، وأسلكه إيّاه، وفيه وعليه: أدخله فيه» (5).

والينابيع: جمع الينبوع، وهو عين الماء، أو الجدول الكثير الماء ، وهذه الفقرة مقتبسة من

ص: 580


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 237 (سنن)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 310 (طود)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
4- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «يذعذعهم»
5- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 307 (سلك)

قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ» (1) الآية .

وقال البيضاوي : « «فَسَلَكَهُ» : فأدخله ، «يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ» ، هي عيون وبحار كائنة فيها، أو مياه نابعات فيها؛ إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع، فنصبها على المصدر، (2) أو الحال» (3).

وقال ابن أبي الحديد في شرح كلامه عليه السلام :

أي كما أنّ اللّه تعالى يُنزل الماء من السماء، فيستكنّ في أعماق الأرض، ثمّ يظهره ينابيع إلى ظاهرها، كذلك هؤلاء [القوم ]يفرّقهم اللّه في بطون الأودية وغوامض الأغوار، ثمّ يظهرهم بعد الاختفاء (4).

وقال بعض الفضلاء :

الأظهر أنّه بيان لاستيلائهم على البلاد، وتفرّقهم فيها، وظهورهم في كلّ البلاد، وتيسير أعوانهم من سائر العباد، فكما أنّ مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار ، فكذلك أثر هؤلاء يظهر في كلّ البلاد، وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار، وكلّ ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه (5).

(يأخذ بهم) أي يأخذ اللّه بهؤلاء المتشتّتة المجتمعة (من قوم) أي من بني اُميّة .

(حقوق قوم) مظلومين، وهم أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم ، والمراد بأخذ الحقوق الانتقام من أعدائهم، وإن لم يصل إليهم جميع حقوقهم .

(ويمكِّن بهم): بهؤلاء المجتمعة لاستيصال بني اُميّة .

(قوماً في ديار قوم) .

الظاهر أنّ القوم الأوّل بنو عبّاس، والثاني بنو اُميّة . وقيل : أي يمكّنهم في ديار بني اُميّة بناءً على أنّ نصب «قوماً» من باب التجريد للمبالغة في كثرتهم حتّى أنّهم بلغوا فيها حدّاً يصلح أن ينتزع منهم مثلهم، كما قالوا في مثل: «لقيت بزيد أسداً» (6).

وفي بعض النسخ: «ويمكّن من قوم لديار قوم»، ولعلّ كلمة «من» للصلة، أو للتبعيض، أو زائدة .

ص: 581


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 384
2- الزمر(39): 21
3- في المصدر: «الظرف»
4- تفسير البيضاوي ، ج 5 ، ص 63
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 9 ، ص 284
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 145

وفي النهج: «ويمكّن لقوم في ديار قوم» ، ومآل الجميع واحد .

(تشريداً لبني اُميّة) .

الظاهر أنّه مفعول له لقوله: «سيجمع»، وكونه تعليلاً ل «يمكّن» أو لهما على سبيل التنازع بعيد .

قال الجوهري : «التشريد: الطرد، ومنه: «فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» ، (1) أي فرّق وبدّد جمعهم» (2)

(ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا) .

الغصب: أخذ الشيء ظلماً ، والاغتصاب مثله ، ولعلّ المراد أنّ الغرض من تمكين هؤلاء أو جمعهم إنّما هو تشريد بني اُميّة، ودفع ظلمهم من غصب حقوق آل محمّد عليهم السلام وشيعتهم .

(يُضعضع اللّه بهم) أي بهؤلاء .

(ركناً) . لعلّ المراد به الركن العظيم، الذي هو أساس دولة بني اُميّة ، والتنوين للتعظيم .

قال الجوهري : «ضَعْضَعَهُ، أي هَدَمَهُ حتّى الأرض. وتضعضعت أركانه، أي اتّضعت، وضعضعه الدهر فتضعضع، أي خضع وذلّ» (3).

(وينقض بهم طيّ الجنادل من إرم) .

في بعض النسخ: «على» بدل «طيّ» .

قال الجوهري : «الجَنْدَل: الحجارة، والجَنَدِل بفتح النون وكسر الدال: الموضع فيه حجارة» (4).

وقال: «الإرَمُ: حجارة تنصب عَلماً في المفازة، والجمع: آرام، واُرُوم» (5).

وفي القاموس:

اُرَّم، كركّع: الحجارة، والحصى. والآرام: أعلام، أو خاصّ بعاد، الواحد: إرَم، كعنب وكتف، وكعنب وسحاب: والد عادٍ الاُولى، أو الأخيرة، أو اسم بلدتهم، أو اُمّهم، أو قبيلتهم ، و «إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ» : (6) دمشق، أو الإسكندريّة، أو موضع بفارس . انتهى (7) أي ينقض اللّه بهم، ويكسر البنيان والأعلام التي طويت وبنيت على الأحجار من بلاد إرم ، والظاهر أنّ المراد بها هنا دمشق والشام؛ إذ مقرّهم تلك البلاد في غالب الأوقات .

ص: 582


1- .الأنفال(8): 57
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 494 (شرد)
3- الصحاح ، ج 3 ، ص 1250 (ضعضع)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1654 (جندل)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1859 (أرم)
6- .الفجر(89): 7
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 74 (أرم)

وقال بعض الشارحين :

إرم، كعنب: دمشق ، وأيضاً أحجار يرفع بعضها على بعض علماً للطريق ونحوه؛ كلمة «من» على الأوّل متعلّقة ب «ينقض»، أي ينقض من دمشق طيّ الأحجار أو الأحجار المطويّة ، وعلى الثاني متعلّقة به، أو بالطيّ، والنقض على التقديرين كناية عن تخريب الآثار والديار (1).

(ويملأ منهم بُطنان الزيتون) .

بطنان الشيء، بفتح الباء: وسطه، وبضمّها: جمع بطن، وهو خلاف الظهر، والمطمئنّ من الأرض، والغامض منها .

والزيتون: جبال الشام، أو مسجد دمشق . وعلى أيّ تقدير المراد أوساط الشام ودواخله ، والغرض من هذه الفقرة وسابقها بيان استيلاء هؤلاء المجتمعين لاستيصال بني اُميّة، وغلبتهم عليهم في وسط ديارهم، والظفر بهم في بحبوحة قرارهم، وأنّه لا ينفعهم بناء، ولا حصن للتحرّز عنهم .

(فو الذي فلق الحبّة) فأخرج منها أنواع النبات (وبرأ النسمة) أي خلق أصناف ذوي الحياة .

قال الفيروزآبادي : «النسمة، محرّكة: نفس الروح، وأيضاً الإنسان» (2).

وقوله : (ليكوننّ ذلك) ؛ بفتح اللام جواب القسم، و«ذلك» إشارة إلى جميع ما أخبر به سابقاً .

(وكأنّي أسمع صَهيل خيلهم) .

في القاموس: «الصَّهيل، كأمير: صوت الفرس» (3).

(وطمطمة رجالهم) .

قال الجزري: «في صفة قريش: ليس فيهم طُمْطمانية حِمْيَر؛ شبّه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم ؛ يُقال: رجل أعجم طمطميّ» (4).

وقال الجوهري : «رجل طمطم _ بالكسر _ أي في لسانه عجمة لا يفصح ، وطُمطُماني _ بالضمّ _ مثله» (5).

وأقول : إنّما سُمّي عليه السلام تكلّمهم طمطمة لكون لغات أكثرهم عجميّة منكرة عند العرب،

ص: 583


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 385
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 180 (سنم)
3- اُنظر: القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 4 (صهل)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 139 (طمطم)
5- الصحاح ، ج 5 ، ص 1976 (طمطم)

سيما لغات أهل خراسان . وقيل : نزل عليه السلام علمه بالصَّهيل والطمطمة بمنزلة سماعهما، أو جعل زمانهما المستقبل حاضراً فأخبر بسماعهما (1).

ولا يبعد أن يقرأ «رُجّال» بضمّ الراء وتشديد الجيم، وهو جمع راجل، خلاف الفارس .

(وايمُ اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم) من الدولة والسلطنة . قال الجوهري :

أَيمُنُ اللّه ، اسم وضع للقسم، هكذا أيضاً [بضمّ] الميم والنون، وألفه ألف وصل عند أكثر النحويّين، ولو لم يجئ في الأسماء ألف الوصل مفتوحة غيرها إلّا هذا، وربّما حذفوا منه النون، فقالوا: أيم اللّه ، وإيمُ اللّه أيضاً بكسر الهمزة (2).

وقال : «ذاب الشيء يذوب ذوباً وذَوَباناً: نقيض جمد» (3).

(بعد العلوّ والتمكين) أي علوّ بني اُميّة وتمكينهم .

(في البلاد) . فيه إيماء إلى كمال قوّة أعدائهم .

(كما تذوب الألية على النار) .

قال الجوهري : «الألية، بالفتح: ألية الشاة، ولا تقل: إليَة ولا لِيَة»(4).

وقد شبّه عليه السلام ذهاب ما في أيديهم بذوبان الألية في النار ، ويفهم منه تشبيه عدوّهم بالنار .

(من مات منهم) أي من بني اُميّة .

(مات ضالّاً) خارجاً عن سبيل الحقّ .

(وإلى اللّه يُفضي) ؛ على بناء الفاعل، والجارّ متعلّق بما بعده .

الإفضاء: الوصول والبلوغ . وفي بعض النسخ: «يقضي» بالقاف، وهو من القضاء بمعنى الحكم، أو المحاكمة، أو بمعنى الفراغ كما في قولهم : «قضيت حاجتي» ، وبمعنى الأداء كما في قولك : «قضيتُ ديني» ، أو بمعنى الإنهاء والإبلاغ، كما قيل في قوله تعالى : «وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ» (5) أي أنهيناه إليه وأبلغناه ، ويُقال : قضى فلان، أي مات ومضي والفعل في بعض هذه التقادير على بناء المعلوم، وفي بعضها على بناء المجهول، وعليك بالتأمّل الصادق .

ص: 584


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 385
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2222 (أيم)
3- الصحاح ، ج 1 ، ص 129 (ذوب)
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2271 (ألا)
5- .الحجر(15): 66

(منهم من درج) .

الموصول فاعل «يفضي»، و«منهم» حال عن فاعل «درج» . قال الفيروزآبادي : «درج القوم: انقرضوا . وفلان: لم يخلف نسلاً» (1).

وحاصل المعنى: من مات منهم مات ضالّاً، ومن انقرض منهم ووصل إلى عذاب اللّه فأمره إلى اللّه يعذّبه كيف يشاء . وقيل : هو من إخباره عليه السلام بالغيب؛ لأنّ بني اُميّة مع كثرتهم ليس لهم الآن نسل مشهور (2).

ويحتمل كونه من الدَّرَجان ؛ في القاموس: «دَرَج دَرُوجاً ودَرَجاناً: مشى . وفلان: مضى لسبيله». أي من يبقى منهم ويمشي على وجه الأرض، فأمره أيضاً ينتهي إلى الموت والفناء، واللّه يقضي فيه بما شاء، والإتيان بلفظ الماضي للدلالة على تحقّق وقوعه .

(ويتوب اللّه _ عزّ وجلّ _ على من تاب) منهم ومن غيرهم؛ أي يقبل ولا يؤاخذه بقبائح آبائه وقبيلته وعشيرته .

وقوله: (لعلّ اللّه _ عزّ وجلّ _ يجمع شيعتي ...) ؛ إمّا تأكيد للسابق، أو إشارة إلى اجتماع الشيعة عند ظهور صاحب الأمر عليه السلام .

وقوله : (وليس لأحد على اللّه _ عزّ ذكره _ الخيرة ...) إشارة إلى قوله تعالى : «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3) .

«الخِيَرَة» بالكسر وكعنبة: اسم من الاختيار والتخيّر . وقيل : معنى قوله عليه السلام : «وليس لأحد» إلى آخره، أنّه ليس لأحد أن يشير بأمر على اللّه أنّ هذا خير ينبغي أن يفعله، بل له أن يختار من الاُمور ما يشاء بعلمه، وله الأمر يأمر بما يشاء في جميع الأشياء (4).

أقول : يستفاد من بعض الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار أنّ المراد بنفي الخيرة نفي الاختيار عن الرعيّة في تعيين الإمام، وسائر ما يتعلّق بأمر الدين، فلا يجوز لهم اختيار مَنْ شاؤوا ولا تحليل ما شاؤوا ولا تحريمه .

ص: 585


1- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 187 (درج)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 386
3- القصص(28): 68
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 147

(أيّها الناس، إنّ المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير) .

يقال : انتحل فلان شعر غيره ، وقول غيره، إذا ادّعاه لنفسه. و«من» بيان للمنتحلين ، والمقصود النهي عن تصديق كلّ مدّع قبل ظهور الحقّ وتبيّنه .

(ولو لم تتخاذلوا عن مُرّ الحقّ) .

يُقال : تخاذل القوم، إذا خذل بعضهم بعضاً، وترك عونه ونصرته ، وتخاذلوا، أي تدابروا، وتخاذَلَتْ رجلاهُ، أي ضعُفتا.

وإضافة المرّ إلى «الحقّ» بيانيّة ؛ أي الحقّ الذي هو مرّ، أو لاميّة؛ أي خالص الحقّ؛ فإنّه مرّ واتّباعه صعب .

وفي النهج: «عن نصر الحقّ» .

(ولم تَهنوا) أي لم تضعفوا .

(عن توهين الباطل) أي تضعيفه وتحقيره .

(لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم) أي منكم ، والتشجّع: تكلّف الشجاعة، وهي شدّة القلب عند البأس .

وفي بعض النسخ: «لم يتخشّع» من التخشّع، وهو تكلّف الخشوع، وكأنّه تصحيف . وفي النهج: «لم يطمع فيكم» .

وقوله : «عليكم» متعلّق بقوله: (لم يقْوَ) .

(وعلى هضم الطاعة) أي كسرها . قال الجوهري : «هضمتُ الشيء، أي كسرته ، يُقال : هضمه حقّه، إذا ظلمه وكسر حقّه، وهضمت لك طائفة من حقّي، أي تركته» (1).

(وإزوائها عن أهلها) . الضمير للطاعة .

في القاموس: «زواه زيّاً وزويّاً: نحّاه، والشيء: جمعه وقبضه» (2).

والظاهر أنّ المراد بالطاعة طاعة الإمام ، وإزوائها صدّ الناس ومنعهم منها، أو غصبها من أهلها .

(لكن تِهتم) ؛ على زنة «بِعتم» من التّيه، وهو التحيّر ؛ أي تحيّرتم عن أمركم، وضللتم بعد نبيّكم .

ص: 586


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 2059 (هضم)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 339 (زوي)

(كما تاهَتْ بنو إسرائيل) وتحيّروا .

(على عهد موسى عليه السلام ) ، وعبدوا العجل، ولم يتّبعوا أمر خليفته هارون عليه السلام .

وقيل : أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة يتيهون ويتحيّرون في الأرض، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم وتركهم الجهاد (1).

وقوله عليه السلام : (ولعمري) قسم ببقائه وحياته لترويج مضمون الخبر وتحقيق ثبوته، وإشارة إلى أنّ الضلالة في هذه الاُمّة أكثر من ضلالة بني إسرائيل، كما قال : (ليضاعفنّ عليكم ...).

المضاعفة إمّا بحسب الشدّة، أو المدّة؛ فإنّ حيرة بني إسرائيل في دينهم أربعون يوماً أو أقلّ، وفي التيه أربعون سنة بخلاف تحيّر هذه الاُمّة في دينهم؛ فإنّه مستمرّ إلى الآن .

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ لهذه الاُمّة بليّة وفتنة اُخرى بعد ما ذكر من فتنة بني اُميّة بقوله : (ولعمري أن لو قد استكملتم) أي أتممتم .

(من بعدي [مدّة] سلطان بني اُميّة) أي مدّة غلبتهم وشوكتهم، وهي إحدى وتسعون سنة .

(لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة) ؛ هو عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس، الملقّب بالسفّاح، وكنيته أبو العبّاس أوّل خلفاء بني العبّاس ، ومدّة سلطنتهم خمسمائة وثلاثة وعشرون سنة وشهران وثلاثة وعشرون يوماً .

(وأحييتم الباطل) بترويجه وتشهيره مرّة اُخرى . وفي بعض النسخ: «وأجبتم» من الإجابة .

(وخلّفتم الحقّ) إلى قوله عليه السلام : (من أبناء الحرب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ) .

قيل : اُريد بالحقّ الإمام المنصوب من قبله تعالى ومتابعته، أو دينه أيضاً، والظاهر أنّ «من» في الموضعين بيان للأدنى والأبعد، أو حال عنهما ، وأنّ المراد بالأدنى ذاته المقدّسة وأولاده المطهّرة؛ يعني الأدنين إلى الرسول صلى الله عليه و آله نسباً، الناصرين له في غزوة بدر، وهي أعزّ غزوات الإسلام ، وبالأبعد عمّه العبّاس وولده ؛ لأنّه عليه السلام أقرب إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله من حيث الإيمان به والنصرة له في المواطن كلّها سيّما في غزوة بدر من عبّاس، وهو من أبناء الحرب لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان من اُسرائها(2).

أو اُريد بأبناء الحرب ما يعمّ المعاوية وأتباعه وأضرابه من بني اُميّة وبني مروان أيضاً؛

ص: 587


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 148
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387

فإنّ خطابه عليه السلام للاُمّة مطلقاً . والمعنى: قطعتموني، وتركتم الأئمّة من ذرّيّتي، ووصلتم أبناء الحرب وأولادهم، وأقررتم بخلافتهم وخلافة أتباعهم الفسقة . والظاهر أنّ إطلاق «أبناء الحرب» عليهم من قبيل الاستعارة، كما ذكرنا سابقاً في أبناء الدنيا .

(ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم) أي لو ذهب وانقطع ملك بني العبّاس، واحترق بما أوقده هلاكو من نار الحرب .

(لَدنا التمحيص للجزاء) .

قيل : أي لقرب ابتلاء هؤلاء بغيرهم من أرباب الملل الباطلة كلّهم؛ لجزائهم بما كانوا يعملون (1).

وقيل : دنوّ التمحيص قرب قيام القائم عليه السلام ، أي يُبتلى الناس، ويختبرون بقيامه عليه السلام ليجزي الكافرين، ويعذّبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم ، ويمكن أن يكون المراد قرب تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة، إن خيراً فخيراً، وإن شرّاً فشرّاً (2).

(وقرب الوعد) أي وعد الفرج بظهور المهدي عليه السلام .

(وانقضت المدّة) أي قرب انقضاء مدّة أهل الباطل .

وقيل : المدّة المقرّرة لغيبته عليه السلام ؛ يعني أكثرها أو بعضها ، وقد أخبر عليه السلام بأنّه لابدّ من وقوع هذه الاُمور قبل ظهور المهدي عليه السلام ، ثمّ أخبر بقرب زمان ظهوره بناءً على أنّ كلّ ما هو آتٍ فهو قريب، ولم يقل: إنّ ظهوره مقارن لانقضاء هذه الاُمور، بل له علامات اُخر كما سيأتي في الأخبار المتفرّقة (3).

(وبدا لكم النجم ذو الذنب) ؛ كأنّ المراد به الصاحب عليه السلام ، وتعبيره بالنجم لاهتداء الخلق به، ووصفه بذي الذنب لامتداد زمان دولته، أو كثرة أعوانه وأنصاره وأتباعه ، أو لأنّه بلاءٌ على أعدائه وهم يتشأمّون به ، وكذا ما سيأتي من قوله : «القمر المنير» و«طالع المشرق» .

وقيل : بدؤ النجم ذي الذنب على اُمّة اُخرى لظهوره عليه السلام . وقيل : يحتمل أن يكون إشارة

ص: 588


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 149
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387

إلى ذات ذنب ظهرت (1) في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجريّة ، والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع وتغيب معه لا تفارقه، ثمّ بعد مدّة ظهر أنّ لها حركة خاصّة بطيئة فيما بين المغرب والشمال، وكانت يصغر جرمها، ويضعف ضوؤها بالتدريج حتّى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريباً، وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة قدر رمح ، لكن قوله عليه السلام : (من قبل المشرق) يأبى عنه إلّا بتكلّف.

وقد ظهر في عصرنا سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة فيما بين القبلة والمشرق، ومكث أشهراً، ثمّ غاب، ثمّ ظهر أوّل الليل في جانب المشرق، وقد ضعف، ثمّ بعد أيّام انمحى، وكانت له حركة على التوالي لا على نظام معلوم ، وتطبيق ما في الخبر يحتاج إلى تكلّف آخر أيضاً (2).

وقيل : يحتمل بعيداً أن يُراد بهذا النجم الأجل، أو الوقت المضروب، فيكون إشارة إلى خروج الدجّال، أو يأجوج ومأجوج وأتباعهما (3).

(ولاح) أي بدا وتلألأ .

(لكم القمر المنير) . لعلّ المراد به ظهوره عليه السلام ، كما أشرنا إليه سابقاً . وقيل : يحتمل أن يكون المراد ظهور قمر آخر، أو شيء يشبه بالقمر (4).

وقيل : يمكن أن يُراد به نزول عيسى عليه السلام (5). (فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة)؛ لتضييق وقتها. والمراجعة: المعاودة.

ولعلّ المراد بقوله عليه السلام : (طالع المشرق) القائم عليه السلام كما مرّ، وشبّهه بالشمس أو بالقمر باعتبار النور والظهور والاستيلاء على أطراف الآفاق، ورفع حجب ظلم الجهالات ، واستعار له لفظ الطالع ورشّحه بذكر المشرق ، ويحتمل أن يكون المراد بالمشرق مكّة؛ إذ هي شرقيّة بالنسبة إلى المدينة .

وقال الفاضل الإسترآبادي :

يحتمل أن يكون المراد به المهدي عليه السلام الموعود . لا يقال: طلوعه من مكّة، وهي وسط

ص: 589


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
3- في النسخة: «ظهر»، وهو سهو
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 149 و150
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 150

الأرض، لأنّا نقول: اجتماع العساكر الكثيرة على المهدي عليه السلام وتوجّهه إلى فتح البلاد إنّما يكون من الكوفة، وهي شرق الحرمين وكثير من بلاد الإسلام (1).

وقوله : (سلك بكم مناهج الرسول صلى الله عليه و آله ) جواب «إن اتّبعتم»، والباء للتعدية . وفي بعض النسخ : «منهاج» كما في النهج .

(فتداويتم من العمى والصمم والبكم) أي يشفي اللّه تعالى ببركته عليه السلام إيّاكم من تلك الأمراض، ويفيض بمتابعته عليكم نور الحقّ واليقين، ويبثّه على جوارحكم، فتبصرون الحقّ، وتسمعونه بسمع القبول، وتنطقون به، وتروّجونه .

قال الفيروزآبادي : «الصمم، محرّكة: انسداد الاُذن، وثقل السمع» (2). وقال : «البكم، محرّكة: الخرس» (3).

(وكُفيتم مؤونة الطلب والتعسّف) عطف على الطلب، أو على المؤونة، و«كفيتم» على بناء المجهول، والمراد بالتعسّف التحيّر والكدّ والاجتهاد في تحصيل المعاش ؛ وذلك لنزول بركات السماء، وخروج دفائن الأرض، وظهور كنوزها، فيعطى كلّ أحد ما يكفيه، ولا يحتاج معه إلى الطلب .

قال في القاموس: «عسف عن الطريق: مال، وعدل، كتعسّف، أو خبطه على غير هداية . والسلطان: ظلم. وفلاناً: استخدمه» (4).

وقيل : التعسّف هنا الظلم؛ أي لا يحتاجون في زمانه عليه السلام إلى طلب الرزق والظلم على الناس لأخذ أموالهم .

(ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق) .

«الفادح»: الأمر المُثقل الصعب ، وفوادح الدهر: خطوبه . والثِّقل، بالكسر: واحد الأثقال، وهي الأحمال الثقيلة والذنوب ، فوصفه بالفادح من قبيل: ليلٌ أليَلُ، يعني طرحتم عن أعناقكم أثقال مظالم العباد وديونهم، أو طاعة أهل الجور وظلمهم واستخدامهم أو نوائب الدهر مطلقاً .

ص: 590


1- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 387
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 140 (صمم)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 81 (بكم)
4- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 175 (عسف) مع التلخيص

(ولا يبعد اللّه ) من رحمته في ذلك الزمان، أو مطلقاً .

(إلّا من أبى) عن طاعة اللّه تعالى، أو طاعة القائم عليه السلام (وظلم) على نفسه بالمعصية، أو على غيره، أو على إمامه بالمخالفة .

(واعتسف) أي أخذ بغير الطريق .

(وأخذ ما ليس له) من أمر الولاية وسائر الحقوق .

وهذا الكلام يحتمل الخبر والدعاء .

«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا» ؛ مطلقاً، خصوصاً على الأنبياء والأوصياء .

«أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» (1). عند انقلابهم ورجوعهم إلى اللّه عزّ وجلّ، وفيه وعيد عظيم لأهل الظلم .

وقيل : احتمال أنّهم سيعلمون بعده عليه السلام سوء منقلبهم في دولة بني اُميّة وغيرهم من القتل والنهب والذلّ والصغار بعيد (2).

متن الحديث الثالث والعشرين (خُطْبَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام )

اشارة

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ وَيَعْقُوبَ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام :«أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَمَّا بُويِعَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي عَلَا فَاسْتَعْلى، وَدَنَا فَتَعَالى، وَارْتَفَعَ فَوْقَ كُلِّ مَنْظَرٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (3) خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَحُجَّةُ اللّهِ عَلَى الْعَالَمِينَ، مُصَدِّقاً لِلرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفاً رَحِيماً، فَصَلَّى اللّهُ وَمَلَائِكَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ.

أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ الْبَغْيَ يَقُودُ أَصْحَابَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَغى عَلَى اللّهِ _ جَلَّ ذِكْرُهُ _ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ، وَأَوَّلَ قَتِيلٍ قَتَلَهُ اللّهُ عَنَاقُ، وَكَانَ مَجْلِسُهَا جَرِيباً [ مِنَ الْأَرْضِ ]فِي جَرِيبٍ، وَكَانَ لَهَا عِشْرُونَ إِصْبَعاً فِي كُلِّ إِصْبَعٍ ظُفُرَانِ مِثْلُ الْمِنْجَلَيْنِ، فَسَلَّطَ اللّهُ _ عَزَّ وَجَلَّ _ عَلَيْهَا أَسَداً كَالْفِيلِ، وَذِئْباً

ص: 591


1- .الشعراء(26): 227
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 388
3- .في الحاشية عن بعض النسخ: «ورسول اللّه»

كَالْبَعِيرِ، وَنَسْراً مِثْلَ الْبَغْلِ، فَقَتَلُوهَا، وَقَدْ قَتَلَ اللّهُ الْجَبَابِرَةَ عَلى أَفْضَلِ أَحْوَالِهِمْ، وَآمَنِ مَا كَانُوا، وَأَمَاتَ هَامَانَ، وَأَهْلَكَ فِرْعَوْنَ، وَقَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ، أَلَا وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله ، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَةَ الْقِدْرِ حَتّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ، وَأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ (1)

كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَابِقُونَ (2) كَانُوا سَبَقُوا، وَاللّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلَا كَذَبْتُ كَذِبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْمِ.

أَلَا وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا، فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ؛ أَلَا وَإِنَّ التَّقْوى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَهَا، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُهَا، وَوَجَدُوا رِيحَهَا وَطِيبَهَا، وَقِيلَ لَهُمْ: «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» (3)

أَلَا وَقَدْ سَبَقَنِي إِلى هذَا الْأَمْرِ مَنْ لَمْ أُشْرِكْهُ فِيهِ، وَمَنْ لَمْ أَهَبْهُ لَهُ، وَمَنْ لَيْسَتْ لَهُ مِنْهُ ثَوِيَّةٌ (4) إِلَا بِنَبِيٍّ يُبْعَثُ، أَلَا وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أَشْرَفَ مِنْهُ، «عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» (5) حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ؛ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ، وَلَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ أَنَّكُمْ سُعَدَاءُ (6) ، وَمَا عَلَيَّ إِلَا الْجُهْدُ، وَإِنِّي لاَ?خْشى أَنْ تَكُونُوا عَلى فَتْرَةٍ مِلْتُمْ عَنِّي مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِ (7) الرَّأْيِ، وَلَوْ أَشَاءُ لَقُلْتُ: عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَفَ سَبَقَ فِيهِ الرَّجُلَانِ، وَقَامَ الثَّالِثُ كَالْغُرَابِ هَمُّهُ (8) بَطْنُهُ، وَيْلَهُ لَوْ قُصَّ جَنَاحَاهُ وَقُطِعَ رَأْسُهُ كَانَ خَيْراً لَهُ، شُغِلَ عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارُ أَمَامَهُ، ثَلَاثَةٌ وَاثْنَانِ، خَمْسَةٌ لَيْسَ لَهُمْ سَادِسٌ، مَلَكٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ، وَنَبِيٌّ أَخَذَ اللّهُ بِضَبْعَيْهِ، وَسَاعٍ مُجْتَهِدٌ، وَطَالِبٌ يَرْجُو، وَمُقَصِّرٌ فِي النَّارِ، الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الْوُسْطى هِيَ الْجَادَّةُ، عَلَيْهَا بَاقِي 9 الْكِتَابُ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرى، إِنَّ اللّهَ أَدَّبَ هذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالسَّوْطِ، وَلَيْسَ لأحَدٍ عِنْدَ الْاءِمَامِ فِيهِمَا هَوَادَةٌ، فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، مَنْ أَبْدى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ».

ص: 592


1- في الحاشية عن بعض النسخ: «سبّاقون»
2- الحجر(15): 46
3- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها والوافي ومرآة العقول: «نَوبة». وفي الطبعة القديمة: «توبة»
4- التوبة(9): 109
5- .في الحاشية عن بعض النسخ: «لسعداء»
6- في الطبعتين وبعض نسخ الكافي: «محمودي»
7- في الحاشية عن بعض النسخ: «همّته»
8- في الحاشية عن بعض النسخ: «باغي _ ما في». وفي الطبعة القديمة: «يأتي»

شرح الحديث

السند حسن .

قوله : (علا فاستعلى) (1). في القاموس: «علاه واستعلاه ؛ صعِد» (2) ويظهر من كلام غيره من أرباب اللغة أنّهما مترادفان .

وقيل : الاستعلاء مبالغة في العلوّ، أي علا عن كلّ شيء بالرتبة والشرف، فاستعلى عن التشبّه بصفات المخلوقات ، أو أن يكون شيء فوقه، أو أن يصل إلى كنه ذاته العقول ، أو معناه أنّه تعالى كان له العلوّ بحسب الذات والصفات، فأراد أن يظهره بإيجاد المكوّنات، أو طلب وأمر أن يقرّ العباد بعلوّ شأنه وسموّ مكانه، ويعبدوه ويتواضعوا له . وعلى الأخيرين يكون الاستفعال للطلب الإرادي والتكليفي (3).

(ودنا فتعالى) .

الدنوّ: القرب ، والتعالي: الارتفاع ؛ أي قرب من كلّ شيء بالعلم والقدرة، فتعالى عن القرب المكاني وسائر وجوه مشابهة الإمكاني؛ إذ لا يمكن للمكاني الدنوّ من كلّ شيء، وهذا الدنوّ عين علوّه وارتفاعه، فليس دنوّه منافياً لعلوّه، بل مؤكّد له ومؤيّد إيّاه .

والتفريع يُشعر بأنّ هذا الدنوّ سبب لتعاليه عمّا ذكر؛ لاستحالة أن يكون المشابه بالخلق، والمتحيّز في الحيّز قريباً من كلّ شيء في آنٍ واحد . وقيل : يحتمل في الفقرتين أن يكون الفاء بمعنى الواو ؛ أي علا وكثر علاؤه، ودنا فتعالى (4) أن يكون دنوّه كدنوّ المخلوقين (5)

(وارتفع فوق كلّ منظر) .

المنظر: مصدر ميميّ بمعنى النظر، أو الموقع المرتفع، أو ما ينظر إليه .

قيل : المراد أنّه تعالى ارتفع عن كلّ محلّ يمكن أن ينظر إليه، أي ليس بمرئي ولا مكاني، أو ارتفع عن كلّ نظر، فلا يمكن لبصر الخلق النظر إليه ، أو ارتفع عن محالّ النظر والفكر، فلا يحصل في وهم ولا خيال ولا عقل .

ص: 593


1- في الحاشية: «العلوّ: بلند شدن وغالب گشتن وبزرگوار شدن وبه زور پيروز شدن. الاستعلاء: مثل العلوّ. تاج اللغة»
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 365 (علو)
3- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 151
4- في الحاشية عن بعض النسخ: «و تعالى»
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 151

ويحتمل معنى دقيقاً بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه الكون عليه والتمكّن فيه مجازاً ؛ أي ظهر لك في كلّ ما نظرت إليه بقدرته وصنعه وحكمته(1).

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه تعالى ارتفع فوق كلّ سبب، والسبب منظر مجازاً؛ إذ السبب ينظر إليه (2).

وقوله : (خاتم النبيّين) أي آخرهم .

قال الجوهري : «الخاتم، بفتح التاء وكسرها بمعنى» (3).

وقوله : (فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النار) . الضمير راجع إلى «البغي» .

في القاموس: «بَغَى عليه يَبغي بَغياً: علا، وظلم، وعدل عن الحقّ، وكذب، واستطال، وفي مشيه: اختال، وأسرع» (4).

(وإنّ أوّل من بغى على اللّه _ جلّ ذكره _ عَناق بنت آدم) .

«عناق» بالفتح، وكأنّها كانت قبل قابيل. أو يراد بالغيّ الزنا .

(وأوّل قتيل قتله اللّه ) أي أهلكه بالعذاب (عَناق)؛ لفجورها أو ظلمها .

(وكان مجلسها جريباً في جريب) .

في بعض النسخ: «جريباً من الأرض» . وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : «وكان مجلسها في الأرض موضع جريب» (5). وفي المغرب : «الجريب من الأرض: ستّون ذراعاً» (6).

(وكان لها عشرون إصبعاً) .

قيل : الظاهر أنّ هذه الأصابع ليديها لا لمجموع يديها ورجليها، كما هو المعروف من نوع الإنسان ، وإن كان محتملاً (7).

وفي معارج النبوّة : «كان طول كلّ إصبع ثلاثة أذرع، وعرضه ذراعين بذراع أزيد من ذراع عامّة الخلائق بقبضه ، والقبضة أربع أصابع» (8).

ص: 594


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 151 و152
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 389
3- الصحاح ، ج 5 ، ص 1908 (ختم)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 304 (بغي)
5- تفسير القمّي ، ج 2 ، ص 134
6- المغرب ، ص 78 (جرب)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 389
8- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 389

(في كلّ إصبع ظُفُران مثل المنجلين) ؛ أحدهما في الظاهر، والآخر في الباطن، أو كلاهما في الظاهر أحدهما فوق الآخر .

والظفر، بالضمّ وبضمّتين، وبالكسر شاذّ: يكون للإنسان وغيره . والمِنْجَل بالكسر: حديدة يحصد بها الزرع .

وقوله: (ونسراً مثل البغل). في القاموس: «النسر: طائر؛ لأنّه ينتسر الشيء ويقتلعه» (1).

وقيل : طائر معروف له قوّة في الصيد، لا مخلب له، وإنّما له ظفر كظفر الدجاجة .

(وقد قتل اللّه الجبابرة) جمع جبّار ، وهو كلّ عاتٍ ، والقتّال في غير حقّ، والمتكبّر الذي لا يرى لأحدٍ عليه حقّاً .

(على أفضل أحوالهم، وآمن ما كانوا) عليه من القوّة والقدرة والرفاهيّة والنعمة وطيب العيش والشوكة والغلبة والمال والخدم، ولم ينفعهم شيء من ذلك، ولم يدفع عنهم العذاب .

(وأمات هامان، وأهلك فرعون) .

كأنّه عليه السلام أراد بالأوّل الأوّل، وبالثاني من يليه بقرينة قوله بعدهما : (وقد قتل عثمان) . «قتل» على بناء المعلوم، وبناء المجهول احتمال بعيد ، وإنّما قتلهم وأهلكهم لبغيهم في الدين وفسادهم في أمر إمام المسلمين وشيعته المؤمنين .

(ألا وإنّ بليّتكم) أي اختباركم وامتحانكم . والبليّة الاسم من الابتلاء .

(قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله ) .

في القاموس: «الهيئة، ويكسر: حال الشيء وكيفيّته» ؛ (2) يعني أنّ حالهم عند قيامه عليه السلام بالخلافة الظاهريّة، أو بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله مطلقاً، كما كان الناس عليه حال بعثته صلى الله عليه و آله في كونهم في الضلالة والبليّة والشبهة الشيطانيّة يلقاها على الأذهان القابلة لوسوسته واختلاف الآراء والأهواء .

وقيل : فيه تنبيه على أنّهم ارتدّوا بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولم يكونوا من أهل الدين والتقوى (3).

أقول : لا شكّ في ارتداد أكثرهم، ولكن في التنبيه نظر.

ص: 595


1- راجع: القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 141 (نسر)
2- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 35 (هيأ)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 390

(والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة) .

قيل : هذا إشارة إلى أنّهم كما عادت بليّتهم بعد النبيّ صلى الله عليه و آله كذلك تعود بعده (1) فتأمّل .

قال الفيروزآبادي : «البلبلة والبلابل: اختلاط الألسنة، وتفريق الآراء، وشدّة الهمّ والوساوس» (2).

وقال بعض الشارحين : البلبلة : «البليّة أيضاً ؛ أي لتخلّطُنّ اختلاطاً في ألسنتكم، أو لتفرّقنّ افتراقاً في آرائكم، أو لتُبتَلُنَّ ببليّةٍ شديدة، وتحرّكن بالشدائد» (3).

وقال ابن ميثم : «هي إشارة إلى ما يُوقع بهم بنو اُميّة وأضرابهم من اُمراء الجور من الفتن المزعجة والبلايا المتراكمة، وخلط بعضهم ببعض، وخفض أكابرهم، ورفع أراذلهم »(4)..

هذا كلامه، وأنت خبير بأنّ هذا التخصيص لا مخصّص له، فالصواب تعميم الامتحان والاختبار بحيث يشمل الفتن كائناً ما كان من اختلاف الأحوال واختلاط الأوضاع .

(ولتُغربلُنَّ غَربلةً) .

في القاموس: «غَرْبَلَهُ: نَخَلَهُ، وقطعه. والقوم: قتلهم، والغِربال بالكسر: ما يُنخل به» (5). قيل : الظاهر أنّها هنا مأخوذة من الغِربال، ويجوز أن تكون من قولهم: «غَربلتُ اللحم، أي قطعته» ، فعلى الأوّل الظاهر أنّ المراد تمييز جيّدهم من رديّهم، ومؤمنهم من منافقهم، وصالحهم من طالحهم بالفتن التي تعرض لهم ، كما أنّ في الغربال يتميّز اللبّ من النخالة . وقيل : المراد خلطهم؛ لأنّ غربلة الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض(6) .

وعلى الثاني لعلّ المراد تفريقهم وقطع بعضهم من بعض . وقال ابن ميثم : «هو كناية عن التقاط آحادهم، وقصدهم بالقتل والأذى، كما فعلوا بكثير من الصحابة والتابعين» (7). انتهى .

فعلى هذا شبّه عليه السلام ذلك بغربلة الدقيق، واستعار له لفظها .

ص: 596


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 390
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 337 (بلبل) مع التلخيص
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 390
4- راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج 1 ، ص 296 _ 300
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 24 (غربل)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 153
7- راجع: شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ص 297 و298

(ولتُساطنّ سَوطة القِدْر) .

قال الجوهري : «السَّوط: خلط الشيء بعضه ببعض» (1). وقال الجزري : «ساط القدر بالمسوَط، وهو خشبة يحرّك بها ما فيها ليختلط . ومنه حديث عليّ عليه السلام : لتُساطنّ سوط القِدر» (2).

وقوله : (حتّى يعود أسفلكم أعلاكم ...) كناية عن التمييز التامّ، وكشف السرائر، وظهور مكنونات الضمائر .

ويحتمل أن يكون كناية عن التزلزل والاضطراب الشديد المزعج . وقيل : يعني يصير كفّاركم مؤمنين وفجّاركم متّقين وبالعكس ، أو ذليلكم عزيزاً وعزيزكم ذليلاً ، موافقاً لبعض الاحتمالات السابقة (3).

(وليسبقنّ سابقون ...) إشارة إلى بعض نتائج تقلّب الأوضاع والأطوار، وتغيّر الأحوال .

والقصور عن الشيء: العجز عنه، وفعله كنصر ، ويُقال : قصر عن الأمر قصوراً؛ أي انتهى، وكذا التقصير. والتقصير في الأمر: التواني فيه .

وفي بعض النسخ: «سبّاقون» بدل «سابقون» في الموضعين .

وقال بعض الأفاضل الأعلام في شرح هذا الكلام :

إنّ المراد بالسبّاقين الذين كان من حقّهم السبق (كانوا قصّروا) أي تأخّروا ظلماً ، (وليقصّرنّ سبّاقون) (4). أي الذين لم يكن من حقّهم السبق (كانوا سبقوا) أي تقدّموا ظلماً وزوراً (5). انتهى .

ويحتمل أن يكون المراد بالمقصّرين الذين يسبقون قوماً قصّروا في نصرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أعانوا أمير المؤمنين صلى الله عليه و آله ، أو قوماً لهم سابقة في الإسلام قصّروا في نصرته عليه السلام وطاعته أوّلاً حين قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ أطاعوه ونصروه ، وبالسابقين الذين يقصّرون قوماً أطاعوه في أوّل الأمر ثمّ قصّروا في طاعته وخذلوه وانحرفوا عنه كطلحة وزبير وأشباههما .

ص: 597


1- الصحاح ، ج 3 ، ص 1135 (سوط)
2- النهاية ، ج 2 ، ص 421 (سوط)
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 153 و154
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «سابقون»
5- .قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 44

وقيل : أراد بالأوّل كلّ من هداه اللّه إلى طاعته وامتثال أوامره ونواهيه بعد تقصيره في ذلك ، وبالثاني من كان في مبدأ الأمر مشمراً في سبيل اللّه مجتهداً في طاعته، ثمّ جذبه هواه إلى غير ما كان عليه، فاستبدل بسبقه في الدين تغييراً وانحرافاً (1).

(واللّه ما كتمتُ وشمة) هي بالشين المعجمة: الكلمة .

ويُقال أيضاً: ما أصابتنا العامّ وَشمة، أي قطرة مطر؛ أي ما أخفيت كلمة الحقّ ممّا أنبأني به رسول اللّه صلى الله عليه و آله بخصوص هذه الواقعة، أو ممّا اُمرتُ بإخباره مطلقاً .

وقيل : يمكن قراءة «كتمت» على البناء للمفعول، أي لم يكتم عنّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئاً(2).

وهو بعيد .

قد مرّ هذه الخطبة في كتاب الحجّة، (3). وفيها: «وَسْمة» بالسين المهملة ، أي ما كتمت علامة تدلّ على الحقّ . وقيل : لا يخفى حينئذٍ لطف ضمّ الكتم مع الوسمة؛ إذ الكتم بالتحريك: نبت يخلط بالوسمة، والحنّاء ويُختضب به (4).

(ولا كَذَبْتُ كِذبةً) ؛ التاء للوحدة، والتنكير للتحقير .

(ولقد نُبّئتُ بهذا المقام) أي مقام الخلافة .

(وهذا اليوم) أي يوم بيعة الناس واجتماعهم عليه .

وقيل : يعني أنبأني الرسول صلى الله عليه و آله بهذه البيعة وبنقض هؤلاء بيعتي (5).

ثمّ إنّه عليه السلام نصحهم، وحذّرهم من الخطايا، ونفّرهم عنها، ورغّبهم على الطاعة والتقوى بقوله : (ألا وإنّ الخطايا) ؛ جمع خطيئة، وهي الذنب، أو ما تعمّد منه، كالخِطأ بالكسر.

والخَطأ: ما لم يتعمّد.

(خيل) أي كخيل، بحذف أداة التشبيه وحمل المشبّه به على المشبّه مبالغة .

وقوله : (شُمُسٌ ...) ترشيح للتشبيه . قال الجزري : «شُمُس: جمع شَمُوس، وهو النفور من

ص: 598


1- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 390 و391
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 154
3- .راجع: الكافي ، ج 1 ، ص 369، باب التمحيص والامتحان، ح 1
4- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 154
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 154

الدواب الذي لا يستقرّ لشغبه وحدّته» (1).

وفي القاموس: «شَمَس الفرسُ شُموساً وشِماساً: منع ظهره، فهو شامِسٌ من شُمْسٍ وشُمُس»(2). وفيه: «اللجام، ككتاب: للدابّة، فارسيّ معرّب، الجمع ككتب» (3).

(فتقحّمت بهم في النار) .

في النهاية: «تقحّمت به دابّته، إذا ندّت به فلم يضبط رأسها، وربّما طوحت به في أهوية . وتقحّم الإنسان الأمر العظيم، إذا رمى نفسه فيه بلا رؤية وتثبّت» (4). انتهى .

فالباء في قوله عليه السلام : «بهم» على الأوّل للتعدية، وعلى الثاني للمصاحبة .

(ألا وإنّ التقوى) إلى قوله : (فأوردتهم الجنّة) .

قال الفيروزآبادي : «مطا في السير: جدّ وأسرع ، والمطيّة: الدابّة تمطو في سيرها، الجمع: مطايا» (5). وقال : «الذلّ، بالضمّ والكسر: ضدّ الصعوبة . ذلَّ يذلّ ذلّاً فهو ذَلول، الجمع: ذُلَل وأذِلّة» (6). وقال : «زمّه فانزمّ: شدّه، وككتاب: ما يزمّ به، الجمع: أزِمّة» (7).

وقوله عليه السلام : «اعطوا» على بناء المجهول؛ أي أعطاهم من أركبهم أزمّتها . وقيل : يحتمل أن يقرأ على صيغة المعلوم ؛ أي أعطى الراكب أزمّة المطايا إليها، فهي لكونها ذُلُلاً لا تخرج عن الطريق المستقيم إلى أن توصل ركّابها إلى المقصد (8).

وقوله : «بِسَلَامٍ» أي سالمين من العذاب، ومسلّماً عليكم.

«آمِنِينَ» من الآفة والزوال .

ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى أنّ من سبقه في الخلافة لا يستحقّه بوجه من الوجوه، بل هو ظالم غاصب، فقال : (ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر) أي أمر الخلافة .

(من لم اُشركه فيه) أي في هذا الأمر .

(ومن لم أهبه له) أي لم أهَبَ له هذا الأمر، أو جُرم غصبه؛ فإنّه كان حقّه عليه السلام من اللّه ومن رسوله .

ص: 599


1- النهاية ، ج 2 ، ص 501 (شمس)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 224 (شمس)
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 174 (لجم)
4- النهاية ، ج 4 ، ص 18 (قحم)
5- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 391 (مطو) مع التلخيص
6- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 379 (ذلل)
7- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 126 (زمم)
8- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 155

(ومن ليست له منه) أي من هذا الأمر .

(ثويّة) . في القاموس: «ثوي المكان وبه يثوي ثواءً وثُويّاً بالضمّ: أطال الإقامة به، أو نزل ، والثوى، كغنى: البيت المهيّأ للضيف ، والثوية، كغنية: مأوى الإبل عازبةً، أو حول البيوت» (1). وفي بعض النسخ: «نَوبة» بالنون والباء الموحّدة . وفي بعضها : «ثوبة» بالثاء المثلّثة والباء الموحّدة وتاء التأنيث. وفي بعضها بالضمير .

قال الفيروزآبادي : «النوبة: الفُرصة، والدولة، والجماعة من الناس، وواحدة النُّوب ، يُقال : جاءت نوبتك »(2). وقال : «ثاب ثوباً وثؤوباً: رجع» (3).

(إلّا بنبيّ يبعث) .

في بعض النسخ: «إلّا نبيّ» بدون الباء .

(ألا ولا نبيّ بعد محمّد صلى الله عليه و آله ) . لعلّ محصّل المعنى على تلك النسخ أنّه ليس له منزل ومقام، أو ثوبة وفرصة ودولة من هذا الأمر ، أو رجوع عليه، إلّا بإخبار نبيّ يُبعث، فيخبر عن اللّه أنّ له حصّة ونصيب في الخلافة، أو إلّا على فرض محال ، وهو بعث نبيّ وظهور دين وشروع جديد بعد نبيّنا، والموقوف على المحال محال.

وعلى النسخة الأخيرة يمكن أن يكون المراد ثوب هذا الأمر ولباسه، لكنّه لا يناسب تأنيث الفعل إلّا بتكليف .

وفي كثير من النسخ المصحّحة: «توبة» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة والباء الموحّدة ، ولعلّ المراد أنّه لا يعلم قبول توبة هذا الغاصب الضالّ المُضِلّ إلّا بإخبار نبيّ يُبعث، فيخبره بقبول توبته، أو يأتي بملّة جديدة فيصدقه هذا الغاصب ودخل في ملّته، فيحبّ ذلك ما قبله .

والفاضل الإسترآبادي نقل النسخة الاُولى والثالثة وقال : «لم أجدهما مناسباً للمقام، وصوابه: ومن لَبِس ثوبهُ _ ثوب الإمامة _ ممّن سبقني أشرف على شفا جرف هارٍ» (4). ، انتهى .

(أشرف منه) . يُقال : أشرف على الشيء، أي اطّلع عليه من فوق. وكلمة «من» تعليليّة، والضمير لهذا الأمر، وكونها للابتداء محتمل .

ص: 600


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 310 (ثوي)
2- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 135 (نوب)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 42 (ثأب)
4- .نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397

«عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» (1).

قال الجوهري : «شَفا كلّ شيء: حرفه ، قال تعالى : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا حُفْرَةٍ» (2). وقال :

«الجُرْف والجُرُف، مثل عُسْر وعُسُر: ما تجرّفته السؤول، وأكلته من الأرض، ومنه قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ» » (3) وقال:

هار الجُرُف يَهُور هَوراً وهُؤُوراً فهو هائر ، ويقال أيضاً : جُرفٌ هار، خفضوه في موضع الرفع، وأرادوا هائر، وهو مقلوب من الثاني إلى الرباعي، كما قلبوا: «شائك السلاح» إلى: «شاكي السلاح».

وهوّر، فتهوّر، وانهار، أي انعدم (4).

وفي القاموس: «الهار: الضعيف الساقط من شدّة الزمان» (5) انتهى .

والضمير في «انهار» راجع إلى «شفا جرف» أو إلى الإشراف ، والباء للتعدية، أو للمصاحبة ، والضمير المجرور راجع إلى الموصول في قوله : «من لم أشركه» ، وكذا المستتر في «أشرف» .

والحاصل أنّه بنى فعله هذا على قاعدة هي أضعف القواعد وأرخاها، فأدّى به لضعفه وقلّة استمساكه إلى السقوط في نار جهنّم .

وفيه تشبيه معقول بمحسوس تنبيهاً على أنّ هذا الغاصب في صدد الوقوع في النار لحظة فلحظة، ثمّ مصيره إليها البتّة .

هذا ، واعلم أنّ جملة «أشرف» يحتمل كونها حاليّة بتقدير «قد»، وكونها استئنافيّة كأنّ سائلاً سأل عن مآل حال ذلك الغاصب فأجاب بها .

(حقّ وباطل) ؛ لعلّه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير ما ذكر من الطريقين: طريق التقوى، وطريق الخطأ؛ أحدهما حقّ وهو التقوى، والآخر باطل وهو الخطأ .

وقيل : هو مبتدأ بتقدير الخبر ؛ يعني في الدنيا، أو هنا، أو بين الناس حقّ وباطل ، (6) (ولكلّ) منهما (أهل) .

ص: 601


1- التوبة(9): 109
2- الصحاح ، ج 6 ، ص 2293 (شفي)
3- .الصحاح ، ج 4 ، ص 1336 (جرف)
4- الصحاح ، ج 2 ، ص 856 (هور)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 162 (هور)
6- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 156

وقوله عليه السلام : (فلئن أمر الباطل فلقديماً (1) ما فُعِلَ) ؛ شِبْهُ اعتذار لقلّة أهل الحقّ وكثرة أهل الباطل .

قال الفيروزآبادي : «أمر _ كفرح _ أمراً وأمرةً: كَثر، وتمَّ. الأمر: اشتدّ . والرجل: كثُرت ماشيته. وآمره اللّه وأمَرَهُ لُغيّة، أي كثر نسلهُ وماشيته» (2).

وأقول : ينبغي قراءة «أمر» على اللغة الاُولى على بناء الفاعل ، وعلى الثانية على بناء المفعول .

وقال بعض العلماء : لا يبعد أن يكون «أمّر» بتشديد الميم على البناء للمفعول، من التأمير؛ أي صار أميراً ، انتهى .

وفي القاموس: «التأمير: تولية الإمارة» (3). فتأمّل .

وقوله : «قديماً» منصوب على الظرفيّة على ما في بعض النسخ ، و«ما» زائدة لتأكيد معنى القدم، والعامل في الظرف قوله: «فعل» على صيغة المجهول، والمستتر فيه عائداً إلى الباطل ، والمراد أنّ كثرة الباطل في هذا الوقت بل في جميع الأوقات والأزمان ليست بديعة حتّى تستغرب، أو يستدلّ بها على حقّيّته .

وقرأ بعضهم: «فعل» على صيغة المعلوم، وقال : أي فَعَل الباطل، ذلك نسب الفعل إلى الباطل مجازاً (4).

(ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعلّ) . اللام الثانية موطئة للقسم، وربّ للتعليل، أو للتكثير؛ أي فو اللّه كثيراً ما أو أحياناً يكون الحقّ كذلك ، ولعلّه يعود كثيراً بعد قلّته وعزيزاً بعد ذلّته وغالباً بعد مغلوبيّته، بنصر اللّه وتأييده، فلا ينبغي أن يؤيس من الحقّ في أوان فتوره وضعفه، أو يستدلّ بقلّته على بطلانه ، وفي هذا الترجّي وَعْد بقوّة الحقّ وكثرته .

وبعض العلماء ضبط: «ولئن قُبِلَ الحقّ» ، وقال في شرحه : «أي ولعلّه يُقْبلَ ويغلب بنصر اللّه وتأييده» (5).

ثمّ استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زوالها على سبيل التضجّر بقوله : (ولقلّما أدبر شيء

ص: 602


1- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 44
2- في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «لقديماً» بدون الفاء
3- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 365 (أمر)
4- راجع: القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 366 (أمر)
5- اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 156

فأقبل) ؛ استُبعد عادةً رجوع الحقّ إلى الكثرة والقوّة بعد القلّة والضعف ، ولكنّه لم يستبعد بالنظر إلى فضل اللّه ولطفه وقدرته .

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنّه لا يرجع عن قريب، بل يكون ذلك في زمن القائم عليه السلام .

وقيل : فيه تنبيه على لزوم الحقّ كيلا يضمحلّ بتخاذلهم عنه، فلا يمكنهم تداركه (1).

وكلمة «ما» مصدريّة، أو موصولة، ويكون ذكر الشيء من باب الإظهار في موضع الإضمار؛ للدلالة على التعميم .

(ولئن رُدَّ عليكم أمركم) أي لئن رجع وعاد إليكم اليوم أمركم؛ أي الحقّ الذي كنتم عليه في زمن حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

(أنّكم سعداء) عند اللّه ؛ أي يكون ذلك علامة سعادتكم .

(وما عليَّ إلّا الجهد) في رجوع أمركم إليكم وإصلاح حالكم ، والحاصل: إن ساعدني الوقت، وتمكّنت من أن أحكُم فيكم بأمر اللّه وحكمه، وعادت إليكم من الأيّام والسيرة ما يماثل أيّام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيرته فهو من مساعدة سعادتكم، وكان فيه كالسابق استبعاد لرجوع دولة قوم بعد زوالها .

قال الجوهري :

الجَهْد والجُهد: الطاقة. قال الفرّاء : الجُهد، بالضمّ: الطاقة، والجَهْد _ بالفتح _ من قولك : أجهد جَهدك في هذا الأمر؛ أي أبلغ غايتك ، لا يُقال : أجَهَد جُهدك، والجَهد: المشقّة (2).

(وإنّي لأخشى أن تكونوا على فترة) .

الفترة، بالفتح: ما بين النبيَّين من الزمان . وقيل : إذا اُطلقت يراد بها ما بين عيسى عليه السلام ونبيّنا صلى الله عليه و آله ، (3) والمراد بها هنا الجاهليّة إطلاقاً لاسم الظرف على المضروف، أي أخشى أن لا أتمكّن من إجراء حكم اللّه وسنّة نبيّه فيكم، فتكونوا في الجاهليّة كالاُمم الذين من قبلكم في زمن الفترة لا يظهر فيهم الحقّ، ويشتبه عليهم الاُمور .

ثمّ أشار عليه السلام إلى سبب تلك الخشية بقوله : (مِلتُم عنّي ميلة ...) أي صدر منكم الميل عنّي

ص: 603


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 393
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 460 (جهد)
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 393

في أوّل الأمر ؛ يعني تقديم الثلاثة عليه، وتخصيصها بتقديم الثالث عليه وقت الشورى لا وجه له .

(ولو أشاء لقلت) أي لبيّنت بطلان الثلاثة وتخطئتهم، وذكر معايبهم ممّا يقتضي عدم استحقاقهم للخلافة ، ولكنّي لم أقل ذلك؛ لأنّ المصلحة لا يقتضيه .

(عفا اللّه عمّا سلف) ؛ كأنّها جملة دعائيّة لمن تاب منهم ، ويحتمل الخبريّة .

وقيل : هذا إشارة إلى مسامحته لهم بما سبق منهم، وعدم إظهار فضائحهم؛ إذ العادة جارية على أن يقول الإنسان ذلك فيما يتسامح به غيره من الذنوب (1).

(سبق فيه) أي في الأمر (الرجلان) ؛ يعني الأوّل والثاني (وقام الثالث) بأمر الخلافة (كالغراب همّه) . في بعض النسخ: «همّته» (بطنه) .

وقيل : يعني في الحرص والشَّره ؛ فإنّ الغراب يقع على كلّ شيء يمكنه من الجيفة والثمرة والحبّة لغاية حرصه ، وفي المثل : «أحرص من الغراب» ، و«قد كان أكولاً متوسّعاً في الأكل مثل الغراب» ؛ ووجه التشبيه أنّ الغراب كما لا همَّ له بشيء أكثر من الأكل، ولذلك كان أكبر الطيور لطلب الغذاء، كذلك لم يكن أكبر همّه إلّا الترفّه والتوسّع في المطعم والمشرب وسائر مصالح البدن دون ملاحظة اُمور المسلمين ومراعاة مصالحهم .

(ويله لو قُصّ جناحاه) .

«ويل» كلمة وَبْخٍ وعذاب، ويستعمل بالإضافة فيُقال : ويله، وويلَك، وويلي، فينصب وجوباً بتقدير الناصب؛ أي ألزم اللّه ويلَه .

والقصّ: جزّ الشعر والريش، وهو هنا كناية عن التمثيل به، أو عن منعه، ورفع استيلائه، وقبض يده عن التصرّف في أموال المسلمين وفروجهم ودمائهم، وعدم حصول أسباب الدنيا ودواعي الإمارة والحكومة .

(وقُطِع رأسه) ؛ كأنّه كناية عن قطع ما هو بمنزلة رأسه من أمر الخلافة ؛ يعني خلعه عنه ، والمراد قتله قبل أن يرتكب مثل هذا الأمر الخطير الذي لا نصيب له فيه ولا حقّ .

(كان خيراً له) . وهذا ظاهر؛ إذ الأوّل يوجب المشقّة الدنيويّة، والثاني زوال الحياة

ص: 604


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 393

المستعارة، وهما خيرٌ له ممّا لحقته بسبب غصب الخلافة وادّعاه ما ليس له من العذاب والنكال الاُخرويّة وسلب الحياة الروحانيّة الأبديّة .

(شُغِلَ عن الجنّة) على البناء للمفعول؛ أي ترك ما يوجب دخولها، وأقبل على الدنيا وزخارفها (والنار أمامه) أي والحال أنّه مقبل عليها، ولابدّ له من المصير إليها بحيث يكاد يدخلها .

وقيل : معناه أنّ من كانت الجنّة والنار أمامه، فقد جُعِل له بهما شغل يكفيه عن كلّ ما عداه، فيجب عليه أن لا يشتغل إلّا به ، فأشار بذلك الشغل إلى ما يكون وسيلة إلى الفوز بالجنّة والنجاة من النار .

انتهى (1).

وكان هذا القائل جعل كلمة «عن» للتعليل، والواو للعطف؛ أي شغل لأجل الجنّة والنار، وهما أمامه. أو جعل الواو للحال ؛ أي والحال أنّ النار أمامه، فهو مشغول لأجلها أيضاً ، ولا يخفى عليك ما فيه من التكلّف .

وقوله : (ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف؛ أي هم، أو المكلّفون .

(واثنان) عطف عليه، و(خمسة) ؛ خبر آخر .

وقوله : (ليس لهم سادس) صفة لخمسة ، والحاصل أنّ أحوال عباد اللّه المكلّفين تدور على خمسة، وتنحصر فيها، وإنّما لم يقل أوّلاً: خمسة؛ لأنّ الثلاثة من أهل العصمة وأهل النجاة جزماً، فلم يخلّطهم بالاثنين الذين هما من الرعيّة، فمنهم شقيّ وسعيد .

(مَلَكٌ يطير بجناحيه) أي أحدهما ملك أعطاه اللّه جناحين يطير بهما كسائر الطيور ، والظاهر أنّ المراد بالطيّران والجناح معناهما المتبادر؛ إذ لا صارف عنه، ويؤيّده ظاهر كثير من الآيات والروايات وإجماع أهل الحقّ حيث ذهبوا إلى أنّ الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة، يطيرون حيث أمرهم اللّه صعوداً ونزولاً .

وقيل : المراد بطيرانهم سيرهم في عالم الملك ودرجات الكمال بقدرتهم التي خلقها اللّه فيهم، فهو استعارة تبعيّة مرشّحة(2).

والثاني : (نبيّ أخذ اللّه بضَبعيه) . وفي رواية: «بيديه» . قال الجزري : «الضَّبع، بسكون الباء:

ص: 605


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 394 . وانظر: الوافي ، ج 26 ، ص 45
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 394

وسط العضد ، وقيل : هو ما تحت الإبط»(1).

وأخذه كناية إمّا عن عصمته وتطهيره من أدناس الكفر وأرجاس الذنب، أو رفع قدره بين الناس ، أو عن تقريبه؛ كأنّه أخذ بيديه وقرّبه إليه ، أو عن تقويته وتحليته بالكمالات الصوريّة والمعنويّة .

والثالث : (وساع) أي الذي يسعى في ترويج الدين وتزييف شبهات المبطلين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولعلّ المراد به الأوصياء عليهم السلام وأتباعهم الخلّص أيضاً .

(مجتهد) في طاعة اللّه عزّ وجلّ، وطلب ما هو أحرى .

(وطالب يرجوا) ؛ أي الرابع: عباد يعبد اللّه ، ويرجو من اللّه ثواب الآخرة، ورحمة ربّه مع صحّة إيمانه ، وإنّما خصّصنا الطالب الراجي بالعابد الصحيح الإيمان؛ لأنّ رجاء شيء من غير السعي في تحصيل موجباته وأسباب حصوله سفه وحمق ، ولفظ الطالب أيضاً يشعر به .

وقيل : أي (طالب) للحقّ مطلقاً، أو حقّ النبوّة والولاية، وهو الشيعة (يرجو) من اللّه الرحمة والمغفرة والجنّة، وإن كان بطيئاً في العمل (2).

والخامس : (مقصّر في النار) جزماً، وهو الكافر، أو الضالّ الذي ترك طلب الحقّ ومات في ضلالته .

(اليمين والشمال مَضَلّة ...) .

هذا مثل لبيان أنّ السالك للطريق الوسطى من غير إفراط وتفريط ناج، والعادل عنها إلى أحد الطرفين مُعرَّض للخطر ، و«مضلّة» على صيغة اسم الفاعل ، والتأنيث باعتبار تأنيث المبتدأ سماعاً؛ أي تضلّ من سلكها عن الرشاد. أو على صيغة اسم المكان ؛ أي موضع ضلال عنه .

ويحتمل أن يُراد باليمين ما يكون العدول عن الطريق الوسطى بالطاعات المبتدعة، أو المشوبة بالرياء، وبالشمال ما يكون ذلك بالمعاصي .

(والطريق الوسطى هي الجادّة) أي معظم الطريق الموصل إلى رحمة اللّه ومرضاته .

و«الوسطى» تأنيث الأوسط، وهو الأعدل والأفضل .

(عليها) أي على هذه الجادّة .

ص: 606


1- النهاية ، ج 3 ، ص 73 (منبع)
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 394

(باقي الكتاب) أي الأحكام والاُمور الباقية في الكتاب إلى آخر الدهر ، أي الكتاب الباقي ، فالإضافة إمّا بتقدير «في»، أو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف .

وقيل : لعلّ المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس (1). وفي بعض النسخ : «ما في الكتاب» . وفي بعضها : «يأتي الكتاب» أي على تلك الجادّة باقي كتاب اللّه ، وحثّ الناس على سلوكها . وفي بعضها: «باغي الكتاب» أي طالبه .

(وآثار النبوّة) . الآثار _ جمع الأثر بالتحريك _ وهو بقيّة الشيء ، والخبر. والمراد هنا ما جاء به النبيّ صلى الله عليه و آله من عند اللّه .

(هلك من ادّعى) ما ليس أهلاً له مطلقاً، أو من ادّعى الإمامة والخلافة بغير استحقاق؛ لأنّ أكثر كلامه عليه السلام في هذه الخطبة في ذلك .

(وخاب) أي خسر، ولم ينل مطلوبه .

(من افترى) أي كذب واختلق . والجملة إمّا دعائيّة، أو خبريّة .

(إنّ اللّه أدّب هذه الاُمّة بالسيف والسوط) في الحدود والقصاص، أو في الجهاد أيضاً ؛ وذلك لعلمه بعدم انتظام حالهم إلّا بهما . أو في رواية: «إنّ اللّه داوى هذه الاُمّة بدواءين: السوط، والسيف» (2).

(وليس لأحد عند الإمام فيهما) أي في السيف والسوط .

(هَوادة) . قال الجوهري : «الهوادة : الصلح، والميل» (3). وقال الجزري: «فيه: لا تأخذه في اللّه هوادة؛ أي لا يسكن عند وجوب حدود اللّه ، ولا يحابى فيها أحداً .

والهوادة: السكون، والرخصة، والمحاباة» (4). انتهى .

وفيه وعيد وتهديد لهم بالقتل، وإجراء الحدود مع تحقّق موجبهما، وإقناط لهم من الميل والدفع بالشفاعة والقرابة ونحوهما .

(فاستتروا في بيوتكم) .

قيل : أمر بلزوم البيوت للفرار من المنافرات والمفاخرات والمشاجرات (5). وقيل : هذا

ص: 607


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 158
2- الإرشاد ، ج 1 ، ص 239؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 275
3- الصحاح ، ج 2 ، ص 558 (هود)
4- .النهاية ، ج 5 ، ص 281 (هود)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 395

نهي لهم عن العصبيّة والاجتماع لها والتحزّب والتشاجر، فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلّموا في قتله .

وقال الفاضل الإسترآبادي : «أمر بالتوبة عمّا يوجب الحدّ قبل ثبوته عند الإمام والاستتار بها» (1).

(وأصلحوا ذات بينكم) .

قيل : خصومة بينكم . وقيل : نفس بينكم . والمعنى: أصلحوا بينكم (2). وفي القاموس: «ذات بينكم، أي حقيقة وصلكم. أو ذات البين: الحال التي بها يجتمع المسلمون» (3).

(والتوبة من ورائكم) . قال ابن ميثم : هذا تنبيه للعُصاة على الرجوع إلى التوبة عن الجَري في ميدان المعصية، واقتفاء أثر الشيطان. وكونها وراء؛ لأنّ الجواذب الإلهيّة إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتّى أعرض عنها، والتفت بوجه نفسه إلى ما كان مُعرضاً عنه من الندم على المعصية، والتوجّه إلى القبلة الحقيقيّة؛ فإنّه يصدق عليه إذَن أنّ التوبة وراءه؛ أي وراء عقليّاً، وهو أولى من قول مَن قال من المفسّرين: إنّ «وراءكم» بمعنى أمامكم (4).

(من أبدى صفحته للحقّ) .

الإبداء: الإظهار ، وصفحةُ كلّ شيء: جانبه . وفي النهاية: «صفح كلّ شيء: وجهه وناحيته» (5). وإبداء الصفحة كناية عن المكاشفة للحقّ والمخاصمة له .

(هلك) في الدنيا والآخرة .

وقيل : هي كلمة جارية مجرى المثل(6). أو من أبدى صفحته لنصرة الحقّ، وإظهاره على الوجه المأمور به في مقابلة كلّ باطل، أو ردَّ عن الجهّال جهلهم يكون في كلّ وقت في معرض الهلاك بأيديهم وألسنتهم؛ إذ لا يعدم منهم من يوصل إليه المكروه، ويسعى في أذاه (7).

والمراد بالهلاك مقاساة المشاقّ والمفاسد والمضارّ من الجهّال ، ويؤيّده ما في نسخ نهج البلاغة: «هلك عند جهلة الناس»، أو المراد إبداء الوجه للخصوم، ومعارضتهم في كلّ

ص: 608


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 395
2- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 395
3- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 409 (ذو)
4- شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج 1 ، ص 308 و309
5- النهاية ، ج 3 ، ص 34 (صفح)
6- قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي ، ج 26 ، ص 46
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 395

موضع لإظهار الحقّ من غير تقيّة ورعاية مصلحة يكون مذموماً ، فالهلاك بالمعنى الذي ذكرناه أوّلاً ، ويؤيّد هذا قوله عليه السلام : (استتروا في بيوتكم) .

قال ابن أبي الحديد : «هذه الخطبة من جلائل خطبه عليه السلام ومن مشهوراتها، قد رواها الناس كلّهم» ، ثمّ قال : «وفيها زيادات حذفها الرضيّ رحمه الله؛ إمّا اختصاراً، أو خوفاً من إيحاش السامعين» ، (1).

ثمّ ذكر تلك الزيادات وهي أواخر ما ذكر هاهنا، وتكلّف في شرح بعضها، ثمّ نقل عن شيخه أبي عثمان وأبي عبيدة أنّه زاد فيها رواية جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام : «ألا إنّ أبرار عترتي وأطائب اُرومتي أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً ، ألا وإنّا أهل بيت من علم اللّه علّمنا، وبحكم اللّه حكمنا ، ومن قول صادق سَمِعنا، فإن تتّبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم اللّه بأيدينا ؛ معنا راية الحقّ، مَن تبعها لحق، ومَن تأخّر عنها غرق ؛ ألا وبأيدينا (2). يدرك تِرَةُ كلّ مؤمن، وبنا يُخلع ربقة الذلّ عن أعناقكم، وبنا فتح لا بكم، وبنا يختم لا بكم» (3). وفي القاموس: «الاُرومة، ويضمّ: الأصل» (4). ولعلّ المراد هنا القبيلة والعشيرة . والتّرة: الظلم، والنقص، والعيب، والدية، والانتقام .

متن الحديث الرابع والعشرين (حديث عليّ بن الحسين عليهماالسلام فضّل فيه رجالاً بخصال لفظاً، وأمرهم بها معنى)

اشارة

مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَطِيَّةَ، (5). عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، قَالَ:كَانَ يَقُولُ:

«إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ أَحْسَنُكُمْ عَمَلاً، وَإِنَّ أَعْظَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ عَمَلاً أَعْظَمُكُمْ

ص: 609


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 274
2- .في المصادر: «وبنا» بدل «وبأيدينا»
3- الإرشاد ، ج 1 ، ص 239 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ، ص 276 ؛ بحار الأنوار ، ج 32 ، ص 10، ح 3 (فيه عن الإرشاد) ؛ وج 51، ص 131 (فيه عن ابن أبي الحديد)
4- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 74 (أرم)
5- .في الطبعة الجديدة وبعض نسخ الكافي والفقيه: «مالك بن عطيّة»، والظاهر أنّه هو الصواب، و«هلال بن عطيّة» تصحيف؛ لعدم ذكره في شيء من الأسناد وكتب الرجال. وأمّا رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة بتوسّط مالك بن عطيّة قد تكرّرت في عدّة من الأسناد. راجع: الفهرست للطوسي ، ص 470، الرقم 753؛ معجم رجال الحديث للخوئي ، ج 14 ، ص 375

فِيمَا عِنْدَ اللّهِ رَغْبَةً، وَإِنَّ أَنْجَاكُمْ مِنْ عَذَابِ اللّهِ أَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لِلّهِ، وَإِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنَ اللّهِ أَوْسَعُكُمْ خُلُقاً، وَإِنَّ أَرْضَاكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَسْبَغُكُمْ عَلى عِيَالِهِ، وَإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَلَى اللّهِ أَتْقَاكُمْ لِلّهِ».

شرح الحديث

السند مجهول .

وفي الفقيه : «مالك بن عطيّة»، فصحيح .

قوله : (وإنّ أعظمكم) أي أكثركم (عملاً) . وقيل : أي أحسنكم إطلاقاً للمسبّب على السبب؛ لأنّ حسن العمل سبب لعظمته، فكما ازداد ازدادت (1).

(أعظمكم فيما عند اللّه رغبةً) أي علامة عظم الرغبة وكثرة الرجاء كثرة العمل، ويكذب من يدّعي الرجاء ولا يعمل؛ فإنّ عظمة الرغبة فيما عند اللّه من الثواب والأجر يوجب المبالغة في عظمة العمل وتكثيره وتحسينه .

وقوله : (أسبغكم) أي أوسعكم .

(على عياله) في المطعم والمشرب والملبس والمسكن _ كمّاً وكيفاً _ مع التمكّن وعدم التبذير والتجاوز عن الحدود الشرعيّة .

(إنّ أكرمكم على اللّه أتقاكم) ؛ فإنّ التقوى بها يكمل النفوس، ويتفاضل الأشخاص، فمن أراد كرامةً وشرفاً فليلتمس منها . وتعدية «أكرم» ب «على» بتضمين مثل معنى الورود .

متن الحديث الخامس والعشرين

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ الصَّيْقَلِ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ الْمَحَامِلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ:

«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُطْرَفُ (2) فِيهِ الْفَاجِرُ، وَيُقَرَّبُ فِيهِ الْمَاجِنُ، وَيُضَعَّفُ فِيهِ الْمُنْصِفُ».

قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَتى ذَاك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: «إِذَا اتُّخِذَتِ الْأَمَانَةُ مَغْنَماً، وَالزَّكَاةُ مَغْرَماً،

ص: 610


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 396
2- .في كلتا الطبعتين: «يظرف» بالظاء المعجمة

وَالْعِبَادَةُ اسْتِطَالَةً، وَالصِّلَةُ مَنّاً».

قَالَ: فَقِيلَ: مَتى ذلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: «إِذَا تَسَلَّطْنَ النِّسَاءُ، وَسُلِّطْنَ الاْءِمَاءُ، وَأُمِّرَ الصِّبْيَانُ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (يطرف فيه الفاجر) بالطاء المهملة . قال الجوهري : «الطارفُ والطريف من المال: المستحدَثُ، وهو خلاف التالد والتليد ، والاسم: الطرفة بالضمّ. وأطرفَ فلان، إذا جاء بطرفة» (1).

وفي القاموس: «أطرف فلاناً: أعطاه ما لم يعطه أحداً قبله» (2) انتهى . والفاجر هو المنبعث في المعاصي .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يحتمل أن يكون «يطرف» بفتح الياء وضمّ الراء؛ أي يكون الفاجر في ذلك الزمان طرفة حسناً عند الناس . أو على البناء للمفعول من باب الإفعال، وكونه على بناء الفاعل منه محتمل بضرب من التوجيه .

وعلى التقديرين يكون من الطريف، وهو الأمر المستحدث المستطرف الذي يعدّه الناس حسناً؛ لأنّهم راغبون إلى المستحدثات، ويميل طبائعهم إليها .

وقيل : معنى «يطرف» يدّعي طريفاً ؛ أي شريفاً كريماً ، وينسب إليه الطرافة .

وفي بعض نسخ الكتاب وأكثر نسخ النهج: «يظرف» بالظاء المعجمة . قال الفيروزآبادي : الظَّرف: الكياسة. ظَرُف _ ككرم _ ظرفْاً وظرافة، قليلة، فهو ظريف، أو الظرف إنّما هو في اللسان، أو حُسنُ الوجه والهيئة، أو يكون في الوجه واللِّسان، أو البزاعة أو الحذق ، وأظرف: وَلَد بنين ظرفاء (3).

(ويُقرّب) بتشديد الراء، وتخفيفها احتمال (فيه الماجن).

في القاموس: «مَجَن مُجوناً: صلب وغلظ ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولاً وفعلاً،

ص: 611


1- الصحاح ، ج 4 ، ص 1394 (طرف)
2- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 168 (طرف)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 170 (ظرف) مع التلخيص

كأنّه صلب الوجه» (1).

وفي بعض النسخ: «الماحل» . قال الجوهري : «المحَلْ: المكر والكيد . يُقال : مَحَل به، إذا سعى به إلى السلطان، فهو ماحل ومَحُول» (2).

(ويُضعّف فيه المنصف) .

الضعف، بالضمّ والفتح: خلاف القوّة، وقد ضعف _ ككرم _ فهو ضعيف. وأضعفهُ وغيره. وضعّفه السير، أي أضعفه، والتضعيف أيضاً أن تنسبهُ إلى الضعف .

قال ابن ميثم : أي إذا رأوا إنساناً عنده ورع، وإنصاف في معاملة الناس عدّوهُ ضعيفاً، ونسبوه إلى الوهن والرخاوة، أو يستصغرون عقله، ويعدّونه ضعيف العقل، كأنّه تارك حقّ ينبغي له أن يأخذه (3).

(قال) ؛ يعني أبو عبداللّه عليه السلام (فقيل له : متى ذاك (4). يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا تسلّطن النساء) .

«تسلّطن» على صيغة الماضي من باب التفعّل، جمع فيه بين الضمير والاسم الظاهر من قبيل: «أكلوني البراغيث» .

وما قيل صالح من أنّ «تسلّطن» بحذف إحدى التائين من مضارع التفعّل ففساده أظهر من أن يُخفى (5).

(وسُلِّطن الإماء) . في بعض النسخ: «وتسلّطن الإماء» .

في القاموس: «السلط والسليط: الشديد، واللِّسان الطويل . وقد سَلُط _ ككرم _ سَلاطَةً وسلوطَةً، بالضمّ. والتسليط: التغليب، وإطلاق القهر والقدرة» (6).

وقال الجوهري : «امرأة سليطة: صخّابة . والسلاطة: القهر ، وقد سلّطه فتسلّط عليه» . انتهى (7).

قيل : ومنه السلطان، وهو الوالي. (8) و«سلّطن» يحتمل أن يكون من المجرّد أو المزيد فيه .

ص: 612


1- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 270 (مجن)
2- الصحاح ، ج 5 ، ص 1817 (محل)
3- اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 18 ، ص 260
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «ذلك»
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397
6- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 365 (سلط) مع التلخيص
7- الصحاح ، ج 3 ، ص 1133 (سلط) مع التلخيص
8- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397

والمراد بتسليطهنّ غلبتهنّ على الرِّجال، وسلطتهنّ عليهم، أو دخولهم تحت حكمهنّ سلاطين كنّ أو لا .

وقيل : يمكن أن يكون المراد بتسليط الإماء تسليطهنّ على الحرائر (1).

(واُمّر الصبيان) .

قال الجوهري : «التأمير: تولية الإمارة» (2). وفي القاموس: «أمر علينا _ مثلّثة _ إذا ولّى ، والاسم: الإمرة بالكسر» (3).

وفي بعض النسخ: «قال : فقيل له : متى ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا اتّخذت الأمانة مغنماً، والزكاة مَغرماً، والعبادة استطالة، والصِّلة منّاً ، فقال : متى ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : إذا تسلّطن النساء » إلى آخره .

المَغْنَم والغنيمة: الفيء، والفوز بالشيء بلا مشقّة ؛ يعني أنّهم يتّخذون مال الأمانة بمنزلة خالص أموالهم .

وقوله : (والزكاة مَغرماً) أي كأنّها غرامة يَغْرَمها . قال الجوهري : «الغرامة: ما يلزم أداؤه، وكذلك المَغْرَم والغُرم.

وقد غَرِم الرجل الدية» (4).

وقوله : (والعبادة استطالة): ترفّعاً على الناس. يُقال : استطال، إذا امتدّ، وارتفع، وتفضّل، وتطاول .

وقوله : (والصِّلة مَنّاً) أي يمنّون بها على من وصلوها، أو على اللّه تعالى .

وقيل : المنّة: تذكير المنعِم للمنعَم عليه بنعمته، والتطاول عليه بها (5).

متن الحديث السادس والعشرين

اشاره

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَقَبِيِّ رَفَعَهُ قَالَ:خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، فَحَمِدَ اللّهَ، وَأَثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً، وَلَا أَمَةً، وَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ، وَلكِنَّ اللّهَ خَوَّلَ بَعْضَكُمْ بَعْضاً، فَمَنْ كَانَ لَهُ بَلَاءٌ فَصَبَرَ فِي الْخَيْرِ فَلَا يَمُنَّ بِهِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ أَلَا وَقَدْ حَضَرَ شَيْءٌ وَنَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ».

ص: 613


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 397
2- الصحاح ، ج 2 ، ص 582 (أمر)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 365 (أمر)
4- الصحاح ، ج 5 ، ص 1996 (غرم)
5- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 398

فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ: مَا أَرَادَ بِهذَا غَيْرَكُمَا، قَالَ: فَأَعْطى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، وَأَعْطى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، وَجَاءَ بَعْدُ غُلَامٌ أَسْوَدُ، فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هذَا غُلاَ مٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ، تَجْعَلُنِي وَإِيَّاهُ سَوَاءً؟! فَقَالَ: «إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللّهِ، فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله عليه السلام : (إنّ آدم لم يلد عبداً ...) تمهيد للزوم التسوية في القسمة بين الشريف والوضيع، وقطع لطمع من رجا التفضيل فيها .

(ولكنّ اللّه خوّل) ؛ أي ملّك .

(بعضكم بعضاً) ؛ تفضّلاً للحِكَم والمصالح التي لا يعلمها إلّا هو . قال الجزري :

في حديث العبيد: [هم] إخوانكم ، وخوّلكم، جعلهم اللّه تحت أيديكم . الخَول: حشم الرجل وأتباعه، واحدهم: خائل، وقد يكون واحداً، ويقع على العبد والأمَة، وهو مأخوذ من التخويل: التمليك . وقيل : من الرعاية (1).

(فمن كان له بلاء) أي مال ونعمة .

(فصبر في الخير) أي في ذلك المال وحسن الحال، بأن لا يطغيه النعمة، ولا توجب كفرانه، ولا يترفّع ولا يستطيل بها على غيره .

(فلا يمنّ به) أي بذلك الصبر (على اللّه عزّ وجلّ) ؛ بل اللّه يمُنُّ عليه، حيث وفّقه له، ويعطيه أجره في الآخرة .

والحاصل أنّه لا ينبغي للإنسان أن يتفضّل على غيره بسبب المال والأعمال والشرف والكمال، فيطلب الفضل في القسم التي حكم اللّه فيها بالتسوية بين الشريف والوضيع، كما حكم بالتكافؤ في الدماء ، بل ينبغي أن يرضى بقسم اللّه .

وفي بعض النسخ : «فصيّر» بدل «فصبر»، أي جعله في مصارف الخير ، فحينئذٍ ينبغي إرجاع ضمير «به» إلى التصيّر.

ص: 614


1- النهاية ، ج 2 ، ص 88 (خول)

في بعضها: «الحين» بدل «الخير»، وهو بالفتح: الهلاك، وكأنّ المراد حينئذٍ الصبر على الاُمور الخطيرة والشدائد العظيمة في سبيل اللّه ، كالجهاد وإيذاء الأعادي ، ومنها التسوية في القسمة .

وقال بعض الشارحين : «المراد بالبلاء المحنة والاختبار ، ومعنى قوله: «فصبر في الخير» الصبر عليه ثابتاً في الخير، بأن يرضى ولا يشكو» (1). فتأمّل .

وقوله عليه السلام : (بين الأسود والأحمر) أي بين العرب والعجم، أو بين الناس كافّة .

وقوله : (فقال مروان ...) هو مروان بن الحكم بن العاص صهر عثمان ، ولعلّ غرضه _ لعنه اللّه _ بهذا القول ترغيبهما على مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام وإنكار حكمه .

وقوله : (أعتقته بالأمس) ؛ يحتمل الخطاب والتكلّم ، والثاني أظهر .

وقوله عليه السلام : (فلم أجد لوُلد إسماعيل على وُلد إسحاق فضلاً) ؛ قيل : لعلّ العبد كان من بني إسرائيل كما هو الأغلب فيهم .

قال : ويحتمل أن يكون المراد عدم الفضل في القسمة لا مطلقاً ، مع أنّه لا استبعاد في أن لا يكون بينهما فضل مطلقاً إلّا بالفضائل (2).

وقال الفاضل الإسترآبادي :

يعني مع أنّ النبيّ والأئمّة عليهم السلام وبني هاشم وقريش من ولد إسماعيل ، والهود من ولد إسحاق، إذا كانوا مسلمين سواء في الغنائم وشبهها بمقتضى كتاب اللّه ، فثبت المساواة بين غيرهما من باب الاُولويّة (3).

متن الحديث السابع والعشرين (حديث النبيّ صلى الله عليه و آله حين عرضت عليه الخيل)

اشارة

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ جَمِيعاً، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ،

ص: 615


1- .قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 398
2- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 162
3- نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 398 و399

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ:«خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِعَرْضِ (1). الْخَيْلِ، فَمَرَّ بِقَبْرِ أَبِي أُحَيْحَةَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَعَنَ اللّهُ صَاحِبَ هذَا الْقَبْرِ، فَوَ اللّهِ إِنْ كَانَ لَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ، وَيُكَذِّبُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقَالَ خَالِدٌ ابْنُهُ: بَلْ لَعَنَ اللّهُ أَبَا قُحَافَةَ، فَوَ اللّهِ مَا كَانَ يُقْرِي الضَّيْفَ، وَلَا يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ، فَلَعَنَ اللّهُ أَهْوَنَهُمَا عَلَى الْعَشِيرَةِ فَقْداً.

فَأَلْقى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خِطَامَ رَاحِلَتِهِ عَلى غَارِبِهَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَنْتُمْ تَنَاوَلْتُمُ الْمُشْرِكِينَ، فَعُمُّوا، وَلَا تَخُصُّوا، فَيَغْضَبَ وُلْدُهُ.

ثُمَّ وَقَفَ، فَعُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ، فَمَرَّ بِهِ فَرَسٌ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: (2) إِنَّ مِنْ أَمْرِ هذَا الْفَرَسِ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ذَرْنَا، فَأَنَا أَعْلَمُ بِالْخَيْلِ مِنْكَ. فَقَالَ عُيَيْنَةُ: وَأَنَا أَعْلَمُ بِالرِّجَالِ مِنْكَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى ظَهَرَ الدَّمُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ: فَأَيُّ الرِّجَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: رِجَالٌ يَكُونُونَ بِنَجْدٍ، يَضَعُونَ سُيُوفَهُمْ عَلى عَوَاتِقِهِمْ، وَرِمَاحَهُمْ عَلى كَوَاثِبِ خَيْلِهِمْ، ثُمَّ يَضْرِبُونَ بِهَا قُدُماً قُدُماً.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : كَذَبْتَ، بَلْ رِجَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ أَفْضَلُ الْاءِيمَانُ يَمَانِيٌّ، (3) وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ، وَلَوْ لَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ الْجَفَاءُ وَالْقَسْوَةُ فِي الْفَدَّادِينَ أَصْحَابِ الْوَبَرِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّمْسِ، وَمَذْحِجُ أَكْثَرُ قَبِيلٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَحَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ _ وَرَوى بَعْضُهُمْ: خَيْرٌ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ _ وَبَجِيلَةُ خَيْرٌ مِنْ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَإِنْ يَهْلِكْ لِحْيَانُ فَلَا أُبَالِي.

ثُمَّ قَالَ: لَعَنَ اللّهُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ: جَمَداً، وَمَخْوَساً، وَمَشْرَحاً، (4) وَأَبْضَعَةَ، وَأُخْتَهُمُ الْعَمَّرَدَةَ، لَعَنَ اللّهُ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، وَمَنْ يُوَالِي غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَمَنِ ادَّعى نَسَباً لَا يُعْرَفُ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً فِي الْاءِسْلَامِ، أَوْ آوى مُحْدِثاً، وَمَنْ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، أَوْ ضَرَبَ غَيْرَ ضَارِبِهِ، وَمَنْ لَعَنَ أَبَوَيْهِ.

فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَ يُوجَدُ رَجُلٌ يَلْعَنُ أَبَوَيْهِ؟! فَقَالَ: نَعَمْ، يَلْعَنُ آبَاءَ الرِّجَالِ وَأُمَّهَاتِهِمْ،

ص: 616


1- .في الحاشية عن بعض النسخ وشرح المازندراني: «يعرض»
2- .في الحاشية عن بعض النسخ: «حصين»
3- في الحاشية عن بعض النسخ: «يمان»
4- في الطبعة الجديدة ومعظم النسخ التي قوبلت فيها: «ومَسوحاً»

فَيَلْعَنُونَ أَبَوَيْهِ، لَعَنَ اللّهُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعَضَلاً وَلِحْيَانَ، وَالْمُجْذَمِينَ مِنْ أَسَدٍ، وَغَطَفَانَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَشَهْبَلاً (1). ذَا الْأَسْنَانِ، وَابْنَيْ مَلِيكَةَ بْنِ جَزِيمٍ، وَمَرْوَانَ، وَهَوْذَةَ، وَهَوْنَةَ».

شرح الحديث

السند ضعيف .

قوله : (عليّ بن إبراهيم) و(محمّد بن يحيى) معطوفان على أبي عليّ الأشعري .

وقوله : (عرضت عليه الخيل). في الصحاح: «الخَيل: الفُرسان، والخَيل: الخُيول» (2).

وقوله : (لعرض الخيل) . يُقال : عَرَض له كذا عَرْضاً، أي أظهره له .

وقوله : (فمرّ بقبر أبي اُحيحة) ؛ بالحائين المهملتين . قال الفيروزآبادي : «اُحَيحة، مصغّراً: ابن جُلّاح» (3).

وقوله (ابنه)؛ يعني ابن أبي اُحيحة .

وقوله : (أبا قحافة) بالضمّ، كنية والد أبي بكر، واسمه عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة بن كعب ، و«مرّة» من أجداد النبيّ صلى الله عليه و آله .

(ما كان يُقري الضيف) .

قال الجوهري : «قَرَيْت الضيف قرىً _ مثال قليته قِلىً _ وقَراءً: أحسنت إليه، إذا كسرت القاف مقصور» (4) انتهى . وذكر غيره: «أقريت الضيف» أيضاً .

وقوله : (أهونهما على العشيرة فَقْداً) نصب على التمييز . قال الفيروزآبادي : «عشيرة الرجل: بنو أبيه الأدنون، أو قبيلته» (5). وقال : «فَقده فَقْداً وفقداناً وفقوداً: عَدِمَهُ، فهو فقيد ومفقود» انتهى (6).

وقيل : عشيرة الرجل من يعاشرهم ويعاشرونه من العشرة، وهو الصحبة ، ولعلّ المراد أنّ عَدَمه وموته أهون وأسهل على عشيرته، ولا يبالون بموته؛ لأنّهم لا ينتفعون به في حال حياته (7).

ص: 617


1- .في الحاشية عن بعض النسخ والوافي: «وسهيلاً». وفي بعض نسخ الكافي: «وشهيلاً»
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1691 (خيل)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 214 (أحح)
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2461 (قرا)
5- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 90 (عشر)
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 323 (فقد)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 399

(فألقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله خِطام راحلته على غاربها) .

قال في القاموس: «الخِطام، ككتاب: كلّ ما وضع في أنف البعير ليقتاد به، الجمع ككُتب» (1). وقال : «الغارب: الكاهل، أو ما بين السنام والعنق» (2).

وقال الجزري : «الغارب: مقدّم السنان» (3) ولعلّه صلى الله عليه و آله ألقاه غضباً من قولهما أو قول أحدهما، أو ليسير راحلته بطيئاً .

وقوله : (إذا [أنتم] تناولتم المشركين فعُمّوا ...) . التناول: الأخذ ، وعمّ الشيء عموماً، أي شَمِلَ الجماعة . يُقال : عمّهم بالعطيّة، يعني إذا أخذتم وشرعتم في لعن المشركين وسبّهم، فالعنوهم عموماً، ولا تقولوا: لعن اللّه فلان؛ لما ذكر من العلّة .

قيل: مثله روي عنه صلى الله عليه و آله ، قال : «لا تسبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء» (4).

والحاصل : أنّه عليه السلام نهى عن سبّ الميّت المشرك بخصوصه؛ لأنّه يؤذي قريبه الحيّ من المؤمنين بتألّم قلبه؛ إمّا لغضاضة تلحقه في نسبه وحسبه، أو لألم يتجدّد له من أجله (5).

وقوله : (فقال عُيينة بن حصن) ؛ بالكسر . وفي بعض النسخ: «حُصين» ، وكأنّه عيينة الفزاري من رؤساء المشركين، وكان أمير غطفان يوم الأحزاب .

وقوله : (إنّ من أمر هذا الفرس) أي حاله وشأنه .

(كيت وكيت) .

في القاموس: «كَيت كيتَ، ويكسر آخرهما، أي كذا وكذا، والتاء فيهما هاء في الأصل» (6).

وقوله : (فأيّ الرجال أفضل) ؛ لعلّ غرضه صلى الله عليه و آله من هذا السؤال إظهار جهله، وتنبيهه على الخطأ فيمن يعتقد أنّه أفضل .

وقوله : (رجال يكونون بنجد) أي فيها. وقيل: أهلها يومئذٍ كانوا مضر وربيعة، وكانوا مشركين، ووصفهم ابن حصن بالشجاعة (7).

(يضعون سيوفهم على عواتقهم) .

ص: 618


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 399
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 108 (خطم)
3- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 111 (غرب)
4- النهاية ، ج 3 ، ص 350 (غرب)
5- الدعوات ، ص 278، ح 804؛ جامع الأخبار ، ص 160
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 156 (كيت)
7- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 400

قال الجوهري : «العاتق: موضع الرداء من المنكب» (1).

(ورماحهم على كواثب خيلهم) .

في النهاية: «الكواثب: جمع كاثبة، وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج» (2).

وقوله : (قدماً قدماً). في القاموس:

القَدَم، محرّكة: السابقة في الأمر ، والقدم، بالضمّ وبضمّتين: الشجاع ، وبضمّتين: المضيّ أمام أمام. وهو يمشي القُدم: إذا مضى في الحرب . ومضى قُدماً، بضمّ الدال: لم يُعرّج ولم ينثن ، (3). انتهى .

أقول : نصب «قدماً» على بعض التقادير بالمفعوليّة، أو الحاليّة، وعلى بعضها على التميز، فتدبّر .

وقوله : (الإيمان يمانيّ) . في بعض النسخ: «يمان» بدون الياء .

(والحكمة يمانيّة) .

قال الجزري: «فيه: الإيمان يمان، والحكمة يمانيّة. إنّما قال ذلك لأنّ الإيمان بدأ من مكّة، وهي من تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا يُقال: الكعبة اليمانيّة»(4)

وقيل : إنّه قال هذا القول للأنصار؛ لأنّهم يمانون، وهم نصروا الإيمان والمؤمنون، وآووهم، فنسب الإيمان إليهم .

وقال الجوهري : «اليمن: بلاد العرب ، والنسبة إليهم يمنيّ، ويمان مخفّفة، والألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان .

قال سيبويه : وبعضهم يقول: يمانيّ بالتشديد» انتهى (5).

وقيل : إنّه عليه السلام قال هذا وهو بتبوك، ومكّة بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وأراد مكّة . ويؤيّده قوله : (ولو لا الهجرة لكنت امرءاً من أهل اليمن) ؛ فإنّه كالصريح في أنّ المراد باليمن مكّة (6).

وقال محيي السنّة : «هذا ثناء على أهل اليمن؛ لإسراعهم إلى الإيمان، وحُسن قبولهم» (7).

ص: 619


1- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 400
2- الصحاح ، ج 4 ، ص 1521 (عتق)
3- .النهاية ، ج 4 ، ص 152 (كثب)
4- في الحاشية: «أي لم ينعطف. منه». وانظر: القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 162 (قدم) .)
5- النهاية ، ج 5 ، ص 300 (يمن)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2219 (يمن)
7- نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 163 . والمراد من محيي السنّة أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي (ت . 51 ق) ، صاحب التفسير ، من محدّثي العامّة

وقيل : لعلّ المراد لو لا أنّ المدينة كانت أوّلاً دار هجرتي، واخترتها بأمر اللّه ، لاتّخذت اليمن وطناً . أو المراد أنّه لو لا أنّ الهجرة أشرف، لعددت نفسي من الأنصار . ويؤيّد الأخير ما رواه الطبرسي في مجمع البيان في قصّة حنين أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «فو الذي نفسي بيده، لو أنّ الناس سلكوا شعباً، وسلكت الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار، ولو لا الهجرة لكنتُ امرءاً من الأنصار» (1).

و«الحكمة» في اللغة: الإتقان، والعدل، والعلم، والقرآن، والشريعة، ومعالم الدين من المنقول والمعقول . وقيل : العلم المصحوب بإنارة البصيرة وتهذيب (2). وقيل : تحقيق العلم، وإتقان العمل (3).

(الجفاء والقَسوة في الفَدّادين) .

«الجفاء» بالمدّ، وقد يقصر: خلاف البرّ، ونقيض الصلة، وعرّفوه بأنّه كيفيّة في النفس تمنع من إيصال النفع إليها وإلى غيرها . و«القَسْوة» والقساوة والقَساء، بالفتح في الجميع: غلظ القلب وشدّته ، وعرّفوها بأنّها كيفيّة تمنع القلب من قبوله للخير والموعظة، وأعظم أسبابها المعاصي .

قال الجزري:

فيه : «إنّ الجفا والقسوة في الفدّادين». الفدّادون، بالتشديد: الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، واحدهم: فدّاد. يُقال : فدّ الرجل يفدّ فديداً، إذا اشتدّ صوته (4).

وقيل : هم المكثرون من الإبل ، وقيل : هم الجمّالون والبقّارون والحمّالون والرعيان . وقيل : إنّما هو الفدادين مخفّفاً، واحدها: فدّان مشدّداً، وهو البقر الذي يحرث بها، وأهلها أهل جفاء وقسوة. انتهى (5).

والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (أصحاب الوَبَر) بدل من «الفدّادين»، فيفهم منه أنّ المراد به المكثرون من الإبل، فيدلّ على القول الثاني من الأقوال التي ذكرها الجزري .

ص: 620


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 163 و164 . ولاحظ: مجمع البيان ، ج 5 ، ص 19
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 401
3- راجع: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164
4- النهاية ، ج 3 ، ص 419 (فدد)
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164

والوَبر، بفتح الواو وكسر الباء الموحّدة: الإبل الكثير الوبر، وبفتحها: ما للإبل كالصوف للغنم والشعر للمعز .

وقيل : المراد بأصحاب الوبر أهل البواري؛ لأنّهم يتّخذون بيوتهم من الوبر(1) .

وقوله : (ربيعة ومُضَر) ؛ إمّا بدل من «أصحاب الوبر»، أو من «الفدّادين» ؛ والأوّل أظهر .

و«ربيعة» بفتح الراء وكسر الباء، ومُضر _ كزُفر _ إخوان من أبناء نزار بن معدّ بن عدنان، وأولادهما قبيلتان معروفتان في كثرة العدد وشدّة العناد لرسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وقيل : كانا يسكنان بنجد، وهي شرقي المدينة وتبوك، كما أشار إليه بقوله : (من حيث يطلع قرن الشمس) أي من جانب المشرق، وعنى به نجد(2) . أو قيل : المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس ؛ أي في شرقي المدينة (3).

قال الجوهري : «القَرْن للثور ولغيره ، والقَرْن: جانب الرأس ، وقرن الشمس: أعلاها، وأوّل ما يبدو منها في الطلوع»(4) .

(ومَذحج) مبتدأ ، وقوله : (أكثر قبيل(5) . ) _ أي جماعة أو فرق _ خبره .

وقوله : (يدخلون الجنّة) صفة «قبيل» . قال في القاموس: «مَذْحج، كمجلس: أكمة ولدت مالكاً وطيئاً اُمّهما عندها، فسمّوا مذحجاً» (6).

وقال الجوهري : «مَذحج، مثال مسجد ؛ أبو قبيلة من اليمن . قال سيبويه : الميم من نفس الكلمة»(7) .

(وحضرموت خيرٌ من عامر بن صعصعة) .

قال الفيروزآبادي : «حَضْرَموتٍ، ويضمّ الميم: بلد وقبيلة ، ويقال : هذا حضرموت،

ص: 621


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164
2- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 401
3- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 164
4- الصحاح ، ج 6 ، ص 2180 (قرن) مع التلخيص
5- في الحاشية: «القبيل: الجماعة من الثلاثة فصاعداً من أقوام شتّى، وقد يكون من نجر واحد ، وربّما كانوا بني أب واحد . الجمع كعنق. وبهاء: واحد قبائل الرأس للقطع المشعوب بعضها إلى بعض، ومنه قبائل العرب، واحدهم: قبيلة، وهم بنو أب واحد» . القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 35 (قبل)
6- .القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 190 (ذحج)
7- الصحاح ، ج 1 ، ص 340 (ذحج)

ويُضاف فيُقال : هذا حَضرموت بضمّ الراء، وإن شئت لا تنوّن الثاني» (1).

وقال: «عامر: اسم، وقد يُسمّى به الحيّ» (2).

وقال : «صعصعةُ بن معاوية: أبو قبيلة من هوازن» (3).

(وروى بعضهم: خيرٌ من الحارث بن معاوية) بدل «عامر بن صعصعة» .

(وبَجيلة) كسقيفة، حيّ باليمن .

(خيرٌ من رِعْل) بكسر الراء وإسكان العين .

(وذَكوان) بفتح الذال المعجمة وإسكان الكاف . قال الجوهري : «هما قبيلتان من سُلَيم» (4).

ونقل بعضهم أنّهم هم الذين قتلوا أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بئر معاوية، وكان الأصحاب أربعون رجلاً على ما في السِّير، وسبعون رجلاً على ما في كتاب مسلم ، ولم يَنج منهم إلّا عمرو بن اُميّة الضميري، فجاء وأخبره صلى الله عليه و آله ، وقد أخبره جبرئيل، فتوجّع بقتلهم، وأقام شهراً يدعو على قاتليهم في صلاة الغداة (5).

(وإن يهلك لحيان فلا اُبالي) .

«لحيان» بالكسر: أبو قبيلة، وهو لحيان بن هذيل بن مدركة .

(ثمّ قال : لعن اللّه الملوك الأربعة: جَمَداً) بفتح الجيم وسكون الميم، أو فتحها .

(ومِخوَساً ومِشرحاً) ؛ كلاهما كمنبر .

(وأبضعة) مثال أرنبة بالضاد المعجمة. وقيل : بالصاد المهملة .

(واُختهم) أي أخاهم ، والتأنيث باعتبار القبيلة .

(العمرّدة) بالعين المهملة والميم المفتوحتين، والراء المشدّدة المفتوحة .

قال في القاموس: «جمد بن معدي كرب من ملوك كندة ، أو هو بالتحريك» (6). وقال:

مخوس _ كمنبر _ ومشرح وجَمد وأبضعة: بنو معدي كرب، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولعن اُختهم العمرّدة، وفدوا مع الأشعث ، فأسلموا، ثمّ ارتدّوا، فقُتلوا يوم النُّجير، فقالت نائحتهم : يا عين أبكي لي للملوك الأربعة (7).

ص: 622


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 10 (حضر)
2- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 96 (عمر)
3- القاموس المحيط ، ج 3 ، ص 50 (صعصع)
4- الصحاح ، ج 4 ، ص 1710 (رعل)
5- راجع: شرح المازندراني ، ج 11 ، ص 401 و402
6- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 285 (جمد)
7- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 212 (خوس)

وقال: «النجير، كزُبير: حصنٌ قرب حضرموت» (1).

(لعن اللّه المُحلِّل والمُحَلَّل له) .

لعلّ المراد تحليل المحرّمات الشرعيّة مطلقاً . قال الجزري :

وفيه: «لعن اللّه المحلِّل والمُحلَّل له» . وفي رواية: «[المُحلّ و] المُحِلّ له» . وفي حديث بعض الصحابة: «لا اُوتي بحالٍّ ولا محلّل إلّا رجمتها . جعل الزمخشري هذا الأخير حديثاً لا أثراً، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات: حَلَّلتُ، وأحْلَلتُ، وحَلَلْتُ ؛ فعلى الاُولى جاء الأوّل يُقال: حلّل فهو مُحلِّل ومُحلَّلٌ والمُحلّ له ، وعلى الثانية جاء الثاني تقول : أَحَلَّ فهو مُحِلّ ومُحَلّ له ، وعلى الثالثة جاء الثالث تقول : حَلَلْتُ فأنا حالّ وهو محلول له .

وقيل : أراد بقوله : «لا اُوتي بحالّ»؛ [أي] بذي إحلال، مثل قولهم : «ريح لاقِح»؛ أي ذات إلقاح ، والمعنى في الجميع هو أن يطلّق الرجل امرأته ثلاثاً، فيتزوّجها رجلٌ آخر على شريطة أن يطلّقها بعد وطئها لتحلّ لزوجها الأوّل .

وقيل : سمّي محلِّلاً لقصده إلى التحليل، كما يسمّى مشترياً لقصده إلى الشراء (2).

وقال بعض الأفاضل :

قال الطيبي في شرح المشكاة : «إنّما لعن لأنّه هَتْكُ مروّة، وقلّة حميّة، وخِسّةُ نَفْسٍ، وهو بالنسبة إلى المحلَّل له ظاهر ، وأمّا المحلِّل فإنّه كالتيس يُعير نفسه بالوطئ لغرض الغير» (3).

ثمّ قال الفاضل المذكور :

ذهب أكثر العامّة إلى بطلان النكاح حينئذٍ، ولذا فسّروا التحليل بقصد التحليل ، ولا يبعد القول بالبطلان على اُصول أصحابنا أيضاً .

ثمّ اعلم أنّه يمكن حمل هذا الكلام على معنى آخر غير ما ذكر، وهو أنّه صلى الله عليه و آله لعن من يحلّل النسيئ في الأشهر الحرم، أو نقول: إنّه صلى الله عليه و آله لعن الملوك الأربعة والذي تبعه هؤلاء الملوك ودانوا بحكمه في تحليل النسيء، وهو جنادة بن عوف الكناني .

قال الزمخشري : «كان الجنادة بن عوف الكناني مطاعاً في الجاهليّة، وكان يقوم في الموسم فيقول بأعلى صوته: إنّ آلهتكم قد أحلّت لكم المُحرَّم فأحلُّوه، ثمّ يقوم في

ص: 623


1- القاموس المحيط ، ج 2 ، ص 139 (نجر)
2- النهاية ، ج 1 ، ص 431 (حلل)
3- نقله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 166

القابل فيقول: إنّ آلهتكم قد حرّمت عليكم المحرّم فحرّموه» (1).

ومثله في تفسير عليّ بن إبراهيم بعبارة اُخرى قال : «كان رجل من كنانة يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلّلين [من ]طيّ وخَثْعَم في شهر المحرّم، وأنسأته وحرّمت بدَلَه صَفَر ، فإذا كان العام المقبل يقول: قد أحللت صفر وأنسأته، وحرّمت بدله شهر المحرّم (2).

(ومن يوالى غير مواليه) .

فسّره أكثر العامّة بالانتساب إلى غير من انتسب إليه مطلقاً من ذي نسب أو معتق، وخصّه بعضهم بولاء العتق فقط، وهو هاهنا أنسب لعطف «من ادّعى نسباً» عليه .

وقيل : لعلّ المراد بالمولى هنا المنعَم عليه، وهو المعتَق بفتح التاء، وكان ولاؤه لمن أعتقه يرثه هو، وهو كالنسب فلا يزول بالإزالة، ولا يجوز بيعه وهبته واشتراطه للغير ونَفْيُه، كما لا يجوز ذلك في النسب، وكانت العرب تبيعه وتهبه ، فلعن عليه السلام عليهم .

قال : ويحتمل أن يُراد به المنعِم، وهو هو صلى الله عليه و آله وأوصياؤه الطاهرون ، فلعن كلّ من يوالي غيرهم (3).

(ومن ادّعى نسباً لا يعرف) على البناء للفاعل، أو للمفعول .

والنسب بالتحريك، والنسبة بالكسر والضمّ: القرابة، أو في الآباء خاصّة ، والمراد هنا الأوّل ؛ يعني يدّعي قرابة من ليس بقريب له .

روى المصنّف بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كفر باللّه من تبرّأ من نسب وإن دقّ» (4).

(والمتشبّهين من الرجال بالنساء ...) بأن يلبس الثياب المختصّة بهنّ، أو يتزيّن بزينتهنّ وبالعكس ، والمشهور بين الأصحاب الحرمة فيهما .

(ومن أحدث حدثاً في الإسلام) .

قيل : أي بدعة، أو أمراً منكراً .

وفي بعض الأخبار تفسّر الحدث بالقتل ، والمحدث في

ص: 624


1- الكشّاف ، ج 2 ، ص 270
2- مرآة العقول ، ج 25 ، ص 166 . وانظر: تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 290
3- قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج 11 ، ص 402
4- الكافي ، ج 2 ، ص 350، باب الانتفاء، ح 1 و2

قوله : (أو آوى مُحدِثاً) بالقاتل (1).

وقال بعض العامّة : «المراد بالحدث حدث في الدين، وبالمحدث من يأتي بفساد في الأرض» (2).

وفي النهاية:

في حديث المدينة: «من أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً» . الحدث: الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا بمعروف في السنّة ، والمُحدث يروي بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول ، فمعنى الكسر من نصر جانياً وآواه وأجاره من خصمه، وحالَ بينه وبين أن يقتصّ منه ، والفتح هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه؛ فإنّه إذا رضي بالبدعة وأقرَّ فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه (3).

(ومن قتل غير قاتله) .

الضمير البارز والمستكنّ للموصول ، ولعلّ المراد أنّه قتل غير مريد قتله، أو غير قاتل من هو وليّ دمه، فكأنّه قتله نفسه .

(أو ضرب غير ضاربه) أي غير من صدر منه الضرب بالنسبة إليه . وقيل : أو غير مريد ضربه ، (4). وفيه نظر .

(ومن لعن أبويه) إلى قوله : (فيلعنون أبويه) . قيل : لعن النبيّ صلى الله عليه و آله هنا الأوّل؛ فإنّه تسبّب إلى اللعن لأبيه، كما مرّ (5).

أقول : لا وجه للتخصيص، وليس في العبارة إشعار به، بل الظاهر العموم .

وقوله : (عَضَلاً) . في القاموس: «العَضَل، بالتحريك: ابن الهُون بن خزيمة أبو قبيلة» (6).

(والمجذمين من أسد) .

قيل : لعلّ المراد المنسوبين إلى جذيمة ، ولعلّ أسداً وغَطْفان كلتيهما منسوبتان إليها(7).

ص: 625


1- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167
2- راجع: الديباج على مسلم ، ج 5 ، ص 45
3- النهاية ، ج 1 ، ص 351 (حدث)
4- .اُنظر: مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167
5- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167
6- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 17 (عضل)
7- قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج 25 ، ص 167

قال الجوهري : «جَذيمة: قبيلة من عبد القيس، يُنسب إليهم جَذَميّ بالتحريك، وكذلك إلى جَذِيمة أسد. ورجل مجذامة، أي سريع القطع للمودّة» (1).

وفي القاموس:

جَذَمه يجذِمه ويجذُمُهُ وجذّمه: قعطه، ورجل مجذام ومجذامة: قاطع للاُمور فَيْصل. والأجذم: المقطوع اليد، والذاهب الأنامل. جَذِمت يده _ كفرح _ وجذمتها وأجذمتها. وأجذم السير: أسرع، والفرس: اشتدّ عَدوه. وعن الشيء: أقلع. وعليه: عزم. والجُذام، كغراب: علّة، جذم _ كعني _ فهو مجذوم ومجذّم وأجذَمُ . انتهى (2).

وعليك بالتأمّل الوافي في تطبيق عبارة الحديث على كلّ من تلك المعاني .

(وغطفان) بالتحريك: حيّ من قيس .

(وشهبلاً) بالشين المعجمة والباء الموحّدة . وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة التحتانيّة كأمير أو زبير. وفي بعضها: «سهيلاً» كزبير، بالسين المهملة والياء المثنّاة التحتانيّة، وكأنّه سهيل بن عمرو الذي علّمه المشركون في صلح الحديبيّة، ويجيء قصّته في موضعه إن شاء اللّه تعالى ، و(ذا الأسنان) لقبه، وكأنّه لُقِّب به لطول أسنانه .

(وابني مَليكة بن جريم) (3). بالجيم والراء المهملة. وفي بعض النسخ بالزاء المعجمة. وفي بعضها: «حريم» بالمهملتين.

(وهونة وهوذة) (4). بالذال المعجمة. وفي بعض النسخ بالمهملة. وهما اسمان لرجلين، أو قبيلتين . في القاموس: «الهوذة: القطاة، الجمع: هُوَذ، ورجل معروف» (5). وفي الصحاح: «الهون، بالضمّ: الهَوان. وهُون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُضَر: أخو كنانة وأسد» (6).

ص: 626


1- الصحاح ، ج 5 ، ص 1884 (جذم)
2- القاموس المحيط ، ج 4 ، ص 88 (جذم) مع اختلاف يسير وتلخيص
3- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «جزيم»
4- .في المتن الذي نقله الشارح رحمه الله سابقاً: «وهوذة وهونة»
5- القاموس المحيط ، ج 1 ، ص 361 (هوذ)
6- الصحاح ، ج 6 ، ص 2218 (هون)

فهرس المطالب

الصورة

ص: 627

الصورة

ص: 628

الصورة

ص: 629

الصورة

ص: 630

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.