سرشناسه : محمدي ري شهري، محمد، 1325-
عنوان و نام پديدآور : موسوعه العقائد الاسلاميه/محمد الريشهري ؛ بمساعده رضا برنجكار ؛ التحقيق مركز بحوث دار الحديث.
مشخصات نشر : قم: موسسه علمي فرهنگي دارالحديث، سازمان چاپ و نشر، 1384.
مشخصات ظاهري : 5 ج.
فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 85
شابك : (دوره):964-7489-99-4 ؛ (ج.1)964-7489-94-3 ؛ (ج.2)964-7489-95-1 ؛ (ج.3)964-7489-96-X ؛ (ج.4)964-7489-97-8 ؛ (ج.5)964-7489-98-6
يادداشت : چاپ دوم
يادداشت : چاپ اول: 1383.
يادداشت : جلد اول كتاب باهمكاري رضا برنجكار و عبدالهادي مسعودي ميباشد.
يادداشت : كتابنامه.
مندرجات : ج 1و 2. المعرفه .--ج 3 و 4 و 5. معرفة الله.
موضوع : اسلام -- عقايد -- احاديث.
موضوع : احاديث شيعه -- قرن 14.
شناسه افزوده : برنجكار، رضا، 1342-
شناسه افزوده : مسعودي، عبدالهادي، 1343-
شناسه افزوده : دارالحديث
شناسه افزوده : دارالحديث
رده بندي كنگره : BP211/5/م334م8
رده بندي ديويي : 297/4172
شماره كتابشناسي ملي : 1028220
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
تمهيدالعدل : هو أحد صفات فعل اللّه تعالى، وله مكانة خاصّة في البحوث العقيدية، تبلغ أهمّية هذه الصفة الإلهية حدّا بحيث إنّ أتباع أهل البيت عليهم السلام يعدّونها أحد الاُصول العقيدية الخمسة للإسلام. (1) نظرا إلى أهمّية العدل الإلهي، فإنّ السؤال الأوّل الّذي يتبادر إلى الأذهان قبل طرح المواضيع المتعلّقة به هو: لماذا لم تنسب هذه الصفة في القرآن الى اللّه سبحانه ، وإنما نُفي الظلم عن اللّه _ تعالى _ إحدى وأربعين مرّةً بدلاً من وصفه بالعدل؟ بعبارة اُخرى، لماذا لم يرد في القرآن الكريم في بيان العدل الإلهي: إن اللّه عادل، بل ورد إن اللّه ليس بظالم؟ يمكن القول إجابةً على هذا السؤال : إنّه نظرا إلى أنّ المصائب والشرور الّتي يُبتلى بها الإنسان في العالم ، تثير في أذهان الكثير من الناس شبهة الظلم، فإنّ نفي الظلم عن اللّه _ تعالى _ أقرب إلى البلاغة وأبلغ في إزالة شبهة المخاطَب من إثبات العدل له . احتمل البعض أنّ عدم استخدام كلمة «العدل» فيما يتعلّق بذات الخالق المنزّهة
.
ص: 8
سببه أنّ العدل يدلّ أحيانا على مفهوم الشرك . (1) فلم يرد اللّه أن يستعمل هذا اللفظ المشترك فيما يتعلّق بذاته المقدّسة. (2)
بيان «العدل» و «الظلم»أوّلاً : الظلم لغةً واصطلاحاتعني كلمة «الظلم» لغةً : «وضع الشيء في غير موضعه الخاصّ به» أو «تجاوز الحدّ» أو «الانحراف عن الاعتدال» ، حيث يصرّح ابن منظور في هذا المجال قائلاً: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه... وأصل الظلم: الجور ومجاوزة الحدّ... والظلم: الميل عن القصد ... . (3) ويصرّح الراغب أيضا في هذا الصدد: والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء : وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به، إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه... والظلم يقال في مجاوزة الحقّ . (4) يبدو أنّ أكثر معاني الظلم شمولية هو : «وضع الشيء في غير موضعه» ، أمّا المعاني الاُخرى فتعود عند التأمّل إلى هذا المعنى.
ثانيا : العدل لغةً واصطلاحاالعدل : هو المعنى المقابل للظلم ، بناءً على ذلك، فإنّ أكثر معاني العدل شمولية هو «وضع الشيء في موضعه الخاصّ به» أيضا، وقد وردت الإشارة إلى هذا المعنى الشامل في رواية عن الإمام عليّ عليه السلام :
.
ص: 9
العَدلُ يَضَعُ الاُمورَ مَواضِعَها . (1) وعندما تستقرّ الاُمور في كلّ مجال في موضعها الخاصّ بها، يظهر الاستواء والاعتدال ويزول الاعوجاج والانحراف ، لذلك فقد فسّر أهل اللغة «العدل» ب «الاستواء» ، وهكذا تعود سائر معاني العدل إلى هذا المعنى الشامل أيضا.
ثالثا : الظلم والعدل في الكتاب والسنّةتُظهر الدراسات أنّ الكتاب والسنّة استعملا كلمتي «الظلم» و«العدل» بمعنيهما الشاملين ، وبتعبير أوضح فإنّ لكلّ ظاهرة في نظام الخلق موضعا وحدّا وقانونا خاصّا ، فإن استقرّت في موضعها الخاصّ بها فهو عدل ، وإن لم تستقرّ في ذلك الموضع تحقّق الظلم ، لذلك جاء في الحديث النبويّ : بِالعَدلِ قامَت السَّماواتُ وَالأَرضُ . (2) كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : العَدلُ أَساسٌ بِهِ قَوامُ العالَمِ . (3) على هذا يمكن القول إنّ العدل هو رعاية قانون نظام الوجود ، والظلم هو مخالفة هذا القانون .
رابعا : أنواع الظلم في القرآناستُعمل الظلم في القرآن الكريم بمعنى الظلم العقيدي أحيانا ، وبمعنى الظلم الفردي تارةً ، والظلم الاجتماعي تارةً اُخرى.
1 . الظلم العقيدييعني الظلم العقيدي عدم رعاية مواضع الاُمور في العقيدة ومخالفة قانون الوجود
.
ص: 10
فيها . فالشخص الّذي يعتقد بشيء ليست له حقيقة ، فإنّه في الواقع لم يراع موضعه الحقيقي من الناحية العقيدية ، ونظرا إلى أنّ العقيدة هي أساس العمل ، فإنّ هذا الظلم هو أخطر أنواع الظلم ، لذلك فإنّ القرآن الكريم يعتبر الشرك ظلما عظيما : «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُ_لْمٌ عَظِيمٌ» . (1)
2 . الظلم الفرديالظلم الفردي هو عدم رعاية المواضع الحقيقية للاُمور فيما يتعلّق بحقوق الشخص نفسه ، فالشخص الّذي يرتكب ما يسبّب الضرر لجسمه أو روحه، فإنّه يخالف في الحقيقة قانون نظام الخلق فيما يتعلّق بنفسه ويتجاوز حقوقه الفطرية والطبيعية ويظلم نفسه. وقد جاء في قصّة آدم وحواء أنّهما عندما تناولا من الشجرة الّتي نُهيا عنها والتفتا إلى أنّ ذلك كان في ضررهما ، قالا طالبين العذر والتوبة من اللّه تعالى : «رَبَّنَا ظَ_لَمْنَا أَنفُسَنَا» . (2)
3 . الظلم الاجتماعيالظلم الاجتماعي هو عدم رعاية الموضع الحقيقي لحقوق الناس ومخالفة القوانين الّتي تؤدّي إلى تأمين الحاجات الحقيقية للمجتمع ، فالشخص الّذي يعتدي على حقّ شخصٍ آخر، فإنّه يكون بذلك قد أهمل موضعه الحقيقي، وخالف قانون نظام المجتمع ، لذلك فإنّه يكون قد ارتكب ظلما اجتماعيا: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ الْيَتَ_مَى ظُ_لْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا» . (3) فيجب إعطاء مال اليتيم إلى اليتيم نفسه، فإن اُعطي إلى شخصٍ آخر بغير حقّ ، فإنّه لا
.
ص: 11
يكون بذلك قد استقرّ في موضعه الحقيقي ، فيتحقّق مفهوم الظلم الاجتماعي.
خامسا: مراتب العدالة البشريةلكلمة «العدل» في النصوص الإسلامية استخدامات مختلفة بشأن الإنسان، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار مفهومها الشامل، فإنّها تمثّل إشارة إلى مراتب العدالة البشرية، وهذه المراتب هي:
1 . العدالة العقيديةإنّ الشخص الّذي أبعد عن نفسه المعتقدات الوهمية وجعل معتقداته مطابقة للواقع ، هو عادل من الناحية العقيدية، أي أنّه راعى مواضع الاُمور في العقيدة ، على هذا الأساس فإنّ الموحّد عادل عقيدي ، والمشرك ظالم عقيدي، وكلّما كانت معتقدات الإنسان متطابقة مع الواقع أكثر سما إلى مراتب أعلى من هذه العدالة .
2 . العدالة العمليةالمراد من العدالة العملية ، الميزة الّتي تمثّل من الناحية الفقهية أدنى شروط الإمامة في صلاة الجماعة ، وهذه المرتبة من العدالة هي حصيلة تبلور العدل العقيدي في عمل الإنسان ، ويشير الحديث النبويّ التالي إلى هذه المرتبة من العدالة: مَن عامَلَ النَّاسَ فَلَم يَظلِمهُم، وَحَدَّثَهُم فَلَم يَكذِبهُم ، وَوَعَدَهُم فَلَم يُخلِفهُم، فَهوَ مِمَّن كَمَلَت مُرُوءَتُهُ ، وَظَهَرَت عَدالَتُهُ . (1)
3 . العدالة الأخلاقيةإنّ العدالة الأخلاقية هي حصيلة تطبيق العدالة العقيدية والعملية في الحياة، وتصير العدالة في هذه المرحلة صفة ثابتة وملكة راسخة في الإنسان. ويشير الحديث النبوي التالي إلى العدل الأخلاقي:
.
ص: 12
ما كَرِهتَهُ لِنَفسِكَ فَاكرَه لِغيرِكَ ، وما أَحبَبتَهُ لِنَفسِكَ فَأَحبِبهُ لأَِخيكَ، تَكُن عادِلاً في حُكمِكَ ، مُقسِطا في عَدلِكَ . (1)
4 . العدالة العرفانيةيُراد من العدل العرفاني، العدالة الّتي تقع في أعلى مراتب العدل العقيدي والعملي والأخلاقي، ونتيجتها أن يحصل للإنسان المعرفة الشهودية، وقد وردت الإشارة إلى هذه المرتبة في نهج البلاغة : إِنَّ مِن أَحَبِّ عِبادِ اللّهِ إلَيهِ عَبدا أَعانَهُ عَلى نَفسِهِ ... قَد أَبصَرَ طَريقَهُ ، وَسَلَكَ سَبيلَهُ ، وَعَرَفَ مَنارَهُ وَقَطَعَ غِمارَهُ... فَهوَ مِنَ اليَقينِ عَلى مِثلِ ضَوءِ الشَّمسِ...فَهوَ مِن مَعادِنِ دينِهِ وَأَوتادِ أَرضِهِ ، قَد أَلزَمَ نَفسَهُ العَدلَ فَكانَ أَوّل عَدلِهِ نَفيُ الهَوى عَن نَفسِهِ . (2) ممّا يجدر ذكره أنّ العدل العرفاني له مراتب متعدّدة أيضا ، أعلاها مرتبة العصمة، فالمعصوم هو الّذي بلغ في المعرفة واليقين مبلغا يجعله عند حدود العدالة تماما في العقيدة والأخلاق والعمل وتصونه عن أيِّ نوعٍ من الخطأ، ويبدو أنّ الرواية السابقة تشير إلى هذه المرتبة.
سادسا : تعريف العدل الإلهيالتعريف الأوّل : إذا أخذنا بعين الاعتبار المفهوم اللغوي للعدل واستخدام هذا المفهوم في الكتاب والسنّة، فإنّ العدل الإلهي يعني أنّ جميع أفعال اللّه _ تعالى _ تقوم على أفضل نظام، فكلّ ظاهرة تحدث بدقّة فائقة وفي الوقت المطلوب ، وتستقرّ في محلّها المناسب ، ولا يوجد أيّ انحراف واعوجاج في عمل الخالق.
.
ص: 13
استنادا إلى هذه الرؤية، فقد اعتبر عدد من المتكلّمين الكبار للإماميه والمعتزلة«العدل» أشمل صفة فعلية جمالية إلهية ، حيث تشمل جميع الصفات الثبوتية. يقول السيّد المرتضى رحمه الله في هذا المجال : الكلام في العدل، كلام في تنزيه اللّه سبحانه وتعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب . (1) وكتب الشيخ الطوسي رحمه الله بعبارات أوضح قائلاً : الكلام في العدل، كلام في أنّ أفعال اللّه كلّها حسنة وليس فيها قبيح ، وكما أنّه ليس فيها قبيح فليس يجوز عليه أيضا الإخلال بالواجب ، فإذا نزّهته عن الأمرين فقد وصفته بما يليق به . (2) وقال القاضي عبد الجبّار المعتزلي بعد أن فسّر العدل بأنّه : «إعطاء حقّ الغير، واستيفاء الحقّ منه» : ونحن إذا وصفنا القديم تعالى بأنّه عدل حكيم، فالمراد به أنّه لا يفعل القبيح أو لا يختاره ولا يخلّ بما هو واجب عليه، وأنّ أفعاله كلّها حسنة. وقد خالفنا في ذلك المجبّرة وأضافت إلى اللّه تعالى كلّ قبيح . (3) استنادا إلى هذا التعريف ، سيشمل العدل والظلم بمعنيهما العامّين ، جميع صفات الأفعال الإلهية، سواء صفات الجمال أم الجلال ، ولا يُصنّف في عرض الصفات الاُخرى ، لذلك فإنّ الفضل الإلهي ينضوي في إطار عدله بالمفهوم العامّ ، بمعنى أنّ اللّه _ تعالى _ لا يشمل بفضله أحدا اعتباطا، فالأشخاص الّذين يتمتّعون بالصلاحية اللّازمة هم المشمولون بفضل اللّه ، هذه من أهمّ خصوصيات العدل الإلهي وأبرزها .
.
ص: 14
التعريف الثاني : التعريف الآخر الّذي قُدّم عن العدل الإلهي هو: «رعاية الحقوق وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه» ، وهو في مقابل الظلم بمعنى التعدّي على حقوق الآخرين. يصرّح الشيخ المفيد مبيّنا العدل الإلهي: هو الجزاء على العمل بقدر المستحقّ عليه، والظلم هو منع الحقوق ، واللّه تعالى عدل كريم جواد متفضّل رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضّل بعد ذلك بزيادةٍ من عنده . (1) ومن البديهي أنّ التعريف السابق عامّ وهذا التعريف خاصّ ، وفي الحقيقة فإنّ هذا المعنى مصداق من مصاديق العدل بالمفهوم السابق ، وبالطبع فإنّ المعنى الثاني هو المقصود بشكلٍ رئيسي في مباحث العدل الإلهي . وعلى أساس هذا التعريف، ينضوي العدل في عرض سائر صفات اللّه تعالى ، وسيكون فضل اللّه منفصلاً عن عدله. ولذلك فإنّ النصوص الّتي تفصّل آثار العدل الإلهي عن آثار فضله (2) تشير إلى هذا المعنى .
سابعا : العدل الإلهي من وجهة نظر الأشاعرةإنّ الحسن والقبح ذاتيان من وجهة نظر الإمامية والمعتزلة ، والعقل قادر على تشخصيهما والتمييز بينهما. فالعقل يعتبر العدل حسنا والظلم قبيحا ، والساحة الإلهيّة المقدّسة منزّهة عن ارتكاب الفعل القبيح. وفي قبال ذلك يقول متكلمو الأشاعرة : إنّ الحسن والقبح اعتباريان ، والعقل غير قادر
.
ص: 15
على تشخيصهما وإنما يتمّ تشخيصهما عن طريق الشرع . يفسّر الفخر الرازي العدالة الإلهية قائلاً : أمّا المشايخ فقالوا : العدل هو الّذي له أن يفعل ما يريد، وحكمه ماضٍ في العبيد . (1) وكتب عبد القاهر البغدادي قائلاً: اختلف أصحابنا في تحديد العدل من طريق المعنى: فمنهم من قال : هو ما للفاعل أن يفعله... ومنهم من قال: العدل من أفعالنا ما وافق أمر اللّه عز و جل به ، والجور ما وافق نهيه . (2) وقال الشهرستاني أيضا في هذا المجال : وأمّا العدل فعلى مذهب أهل السنّة أنّ اللّه تعالى عدل في أفعاله، بمعنى أنّه متصرّف في مُلكه ومِلكه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فالعدل وضع الشيء موضعه، وهو التصرّف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم، والظلم بضدّة، فلا يتصوّر منه جور في الحكم وظلم في التصرّف . (3) على هذا الأساس، فإنّ صفة العدل تُنْتَزع من أفعال اللّه _ تعالى _ وأوامره ونواهيه، ولا يستطيع العقل أن يقضي بشيءٍ معيّنٍ بشأن أفعال اللّه تعالى ، بعبارة اُخرى : كل ما يفعله اللّه فهو عدل وإن كان في نظر العقل ظلما وعلى سبيل المثال فليس من المستقبح على اللّه أن يكلّف الناس بما لا يطيقون، كما ليس هناك مانع من أن يلقي جميع الأنبياء والصالحين في جهنّم ويدخل كلّ معارضيهم في الجنّة! وأمّا إذا اعتبرنا الحسن والقبح ذاتيّين وكان العقل قادرا على التمييز بينهما ، فإنّ اللّه _ تعالى _ لا يقوم بالعمل الّذي يعتبره العقل قبيحا ، مثل التكليف بما لا يُطاق
.
ص: 16
وإجبار الناس على المعصية ومعاقبتهم عليها . وأمّا الاستدلال بأنّ العالم مُلك اللّه وأنّه يستطيع أن يتصرّف فيه بما يشاء، فلا يزيل قبح هذا النوع من الأفعال. ممّا يجدر ذكره أنّنا نرى أنّ رأي الأشاعرة في تعريف العدل الإلهي له أساس سياسي قبل أن يقوم على دعامة دينية وكلامية، وسوف نوضّح ذلك مستقبلاً. (1)
ثامنا : العدل الإلهي من منظار الفلاسفةرغم أنّ الفلاسفة لا ينكرون الحسن والقبح العقليّين ، إلّا أنّهم يرون أنّ العقل لا يمكن أن يكون معيار تقويم أفعال اللّه تعالى . يقول الاُستاذ الشهيد المطهري في هذا المجال: لا ينكر الحكماء الإلهيّون الحسن والقبح العقليّين ويرفضون رأي الأشاعرة، ولكنّهم يرون أنّ نطاق هذه المفاهيم هو نطاق الحياة البشرية لا غير. فمفاهيم الحسن والقبح باعتبارها مقاييس ومعايير ليس لها _ من وجهة نظر الحكماء الإلهيّين _ مجال في ساحة الكبرياء الإلهيّة ، فلا يمكن تفسير أفعال ذات البارئ بهذه المعايير والمقاييس البشرية البحتة. ففي نظر الحكماء أنّ اللّه عادل ، ولكن لا لأنّ العدالة حسنة ، والمشيئة الإلهيّة تقوم على القيام بالأفعال الحسنة لا السيئة ، واللّه ليس بظالم ولا يرتكب الظلم ، ولكن لا لأنّ الظلم قبيح وأنّ اللّه لا يريد القيام بعملٍ قبيح . (2) على هذا الأساس المتمثّل في أنّ العقل ليس له حقّ تقويم الأفعال الإلهيّة ، فإنّ للفلاسفة تعريفا جديدا لعدالة اللّه ، وهو : رعاية الاستحقاقات في إفاضة الوجود وعدم الامتناع عن الإفاضة والرحمة بما يتمتّع بإمكان الوجود، أو كمال الوجود... فالعدل الإلهي في نظام التكوين حسب هذا الرأي، يعني أنّ كلّ موجود ينال الدرجة الّتي يستحقّها
.
ص: 17
ويمتلك إمكانيتها من الوجود وكمال الوجود. والظلم يعني منع الفيض وإمساك الجود عن الوجود الّذي يستحقّه . فصفة العدل من وجهة نظر الحكماء الإلهيّين ، تُثَبّت كصفة كمال للذات الأحدية وكما يليق بذات الربّ ، بالمعنى المذكور ، وصفة الظلم الّتي هي نقص والّتي تُسلَب منه هي أيضا بالمعني الّذي أشرنا إليه! . (1) استنادا إلى هذا التعريف، فإنّ العدل الإلهي لا يُعتبر من الناحية العقلية صفة على علاقة بالقيم ؛ لأنّ العقل لا يحقّ له التدخّل في شأن اللّه . وهكذا، فإنّ الفلاسفة لا يعتبرون الحُسن والقبح العقليّين جاريين فيما يتعلّق باللّه وهم يتّفقون مع الأشاعرة في تفسير العدل الإلهي. وهذا الرأي لا يمكن الأخذ به للأسباب التالية: أ _ يمثّل الحسن والقبح قانونا وقاعدة عقلية ، والقانون العقلي لا يقبل التخصيص. ولذلك فإنّ القول بأنّ مفاهيم الحُسن والقبح لا مجال لها في ساحة كبرياء اللّه كمقياس ومعيار ليس صحيحا ؛ لأنّ هذا القول يعني أنّ العقل يعتبر _ على سبيل المثال _ التكليف بما لا يُطاق قبيحا، ولكنّه لا يمكن أن يعتبره قبيحا إذا ما قام اللّه _ تعالى _ بمثل هذا العمل. ب _ إنّ جميع الآيات والأحاديث الّتي تنزّه الساحة الإلهية المقدّسة عن الظلم وتثبت صفة العدالة له ، تؤيّد عدم قبول قانون الحُسن والقبح العقليّين للتخصيص. ج _ إنّ العدل الإلهي هو في الحقيقة أساس العدالة الاجتماعية، ورأي الفلاسفه _ الموافق لرأي الأشاعرة _ ناقض لهذا الأساس في الحقيقة، وهذا الرأي ما هو إلّا تجريد للعدل الإلهي من الجدوى في الساحة السياسية والاجتماعية .
.
ص: 18
تاسعا : الأدلّة على عدالة اللّهلقد تمّ الاستناد في هذه المجموعه إلى ثلاثه أدلّة عقلية ودليل نقليلإثبات العدالة الإلهية:
1 . قبح الظلمإنّ الدليل الأوّل على عدالة اللّه _ تعالى _ هو قبح الظلم عقلاً ، وقبحه بديهي للجميع ، وبحسب الاصطلاح فإنّ قبح الظلم كحسن العدل من «المستقلّات العقلية»، ولذلك فإنّ من المحال على اللّه _ تعالى _ الّذي هو الكمال المطلق، أن يرتكب الفعل القبيح، والآيات الّتي تنفي الظلم عن اللّه _ تعالى _ تشير إلى هذا الدليل أيضا.
2 . تلازم الظلم والحاجةيمكننا من خلال التحليل الدقيق والواضح أن نتوصّل إلى أنّ الظلم إمّا أن يكون سببه الجهل أو جلب المنفعة أو الخوف، أو مزيجا من كلّ ذلك، وجذره الأعمق هو الحاجة، لذلك فإنّ من المستحيل أن ترتكبه الذات الغنية، كما جاء في الدعاء المروي عن أهل البيت عليهم السلام : قَد عَلِمتُ _ يا إِلهي _ أَنَّهُ لَيسَ في حُكمِكَ ظُلمٌ ، ولا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وإنّما يَعجَلُ مَن يَخافُ الفَوتَ ، وَيحتاجُ إِلَى الظُلمِ الضَّعيفُ ، وَقَد تَعالَيتَ يا إلهي عَن ذِلكَ . (1)
3 . التلازم بين العدل والحكمةتستوجب حكمة اللّه _ تعالى _ أن يضع كلّ شيء في موضعه ، وهذا هو تعريف العدل بمفهومه العام، وعلى هذا فإنّ حكمة اللّه جزء لا يتجزّأ من عدالته، كما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الدعاء:
.
ص: 19
أَنتَ العَدلُ الَّذي لا يَظلِمَ ، وَأنتَ الحَكيمُ الَّذي لا يَجورُ . (1)
4 . شهود العدل الإلهيبالإضافة إلى الأدلّة العقلية السابقة، فإنّ الملائكة والعلماء الحقيقيّين هم أيضا شهود على العدل الإلهي، حيث تمّ إثبات هذه الشهادة عن طريق الوحي والنقل المعتبر: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (2)
عاشرا : مقتضى العدل الإلهيالعدل الإلهي _ بالتعريف الّذي قدّمناه _ يستوجب أن تؤثّر إرادة الإنسان في مصيره، ولذلك فإنّ مسائل مثل: الجبر والاختيار، القضاء والقدر، المصائب والشرور، والسعادة والشقاء ترتبط ارتباطا وثيقا بالعدل الإلهي ، ولذلك فسنبحث بالتفصيل في إطار البحث في عدالة اللّه _ تعالى _ المباحث المتعلّقة بالمسائل الّتي سبقت الإشارة إليها.
.
ص: 20
. .
ص: 21
القسم الأوّل : التعرّف على عدل اللّهالفصل الأوّل: معنى العدلالفصل الثّاني : ما يضادّ الإيمان بالعدل الإلهيّالفصل الثّالث : البرهان على عدلهالفصل الرّابِعُ : العدل من اصول الدّينالفصل الخامِسُ : العدل في الآخرة
.
ص: 22
. .
ص: 23
الفصل الأوّل: معنى العدل1 / 1مَعناهُ العامُّالإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ جُنودِ العَقلِ _: العَدلُ وضِدُّهُ الجَورُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَورُ مُضادُّ العَدلِ . (2)
1 / 2مَعنى عَدلِ اللّهِأ _ لَيسَ في أفعالِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنَ الظُّلمِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَ_عِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا» . (3)
.
ص: 24
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1)
«قُلْ مَتَ_عُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْاخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْ_لَمُونَ فَتِيلاً» . (2)
«وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّ__لِحَ_تِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْ_لَمُونَ نَقِيرًا» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا عَظيما لا يوصَفُ ، يا عَدلاً لا يَحيفُ (4) . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ اللّهِ تَعالى _: اللّهُمَّ إنَّكَ حَيٌّ لاتَموتُ... وعادِلٌ لا تَحيفُ ، وغَنِيٌّ لا تَفتَقِرُ. (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في غَديرِ خُمٍّ _: أشهَدُ بِأَنَّهُ اللّهُ ... العَدلُ الَّذي لا يَجورُ . (7)
صحيح مسلم :عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه و آله فيما رَوى عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى أنَّهُ قالَ : يا عِبادي ، إنّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلى نَفسي ، وجَعَلتُهُ بَينَكُم مُحَرَّما ، فَلا تَظالَموا . (8)
.
ص: 25
كفاية الأثر عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري :دَخَلَ جُندَبُ بنُ جُنادَةَ اليَهودِيُّ مِن خَيبَرَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أخبِرني عَمّا لَيسَ للّهِِ وعَمّا لَيسَ عِندَ اللّهِ وعَمّا لا يَعلَمُهُ اللّهُ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أمّا ما لَيسَ للّهِِ فَلَيسَ للّهِِ شَريكٌ ، وأمّا ما لَيسَ عِندَ اللّهِ فَلَيسَ عِندَ اللّهِ ظُلمٌ لِلعِبادِ ، وأمّا ما لا يَعلَمُهُ اللّهُ فَذلِكَ قَولُكُم يا مَعشَرَ اليَهودِ : إنَّهُ «عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ» (1) وَاللّهُ لا يَعلَمُ لَهُ وَلَدا . فَقالَ جُندَبٌ : أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّكَ رَسولُ اللّهِ حَقّا . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في حَمدِ اللّهِ وَالثَّناءِ عَلَيهِ _: الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا تُدرِكُهُ الشَّواهِدُ ... الَّذي صَدَقَ في ميعادِهِ ، وَارتَفَعَ عَن ظُلمِ عِبادِهِ ، وقامَ بِالقِسطِ (3) في خَلقِهِ ، وعَدَلَ عَلَيهِم في حُكمِهِ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لا تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ ، فَإِنَّكَ إن تَفعَل بي ما أنَا أهلُهُ تُعَذِّبني ولَم تَظلِمني ، أصبَحتُ أتَّقي عَدلَكَ ولا أخافُ جَورَكَ ، فَيا مَن هُوَ عَدلٌ لا يَجورُ ارحَمني . (5)
.
ص: 26
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: الحَمدُ للّهِِ ... الدّائِمِ الَّذي لا يَزولُ ، وَالعَدلِ الَّذي لا يَجورُ ، وَالصّافِحِ (1) عَنِ الكَبائِرِ بِفَضلِهِ ، وَالمُعَذِّبِ مَن عَذَّبَ بِعَدلِهِ ، لَم يَخَفِ الفَوتَ فَحَلُمَ . . . . (2)
عنه عليه السلام :ألا وَإنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثائِرا ، وَلِكُلِّ حَقٍّ طالِبا ، وَإنَّ الثّائِرَ في دِمائِنا كَالحاكِمِ في حَقِّ نَفسِهِ ، وهَوَ اللّهُ الَّذي لا يُعجِزُهُ مَن طَلَبَ ، وَلا يَفوتُهُ مَن هَرَبَ . (3)
الإمام الحسين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: عَلِمتُ يَقينا غَيرَ ذي شَكٍّ أنَّكَ سائِلي عَن عَظائِمِ الاُمورِ ، وأنَّكَ الحَكَمُ العَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وعَدلُكَ مُهلِكي ، ومِن كُلِّ عَدلِكَ مَهرَبي ، فَإِن تُعَذِّبني فَبِذُنوبي يا مَولايَ بَعدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وإن تَعفُ عَنّي فَبِحِلمِكَ وجودِكَ وكَرَمِكَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ في صِفَةِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: هُوَ نورٌ لَيسَ فيهِ ظُلمَةٌ ، وصِدقٌ لَيسَ فيهِ كَذِبٌ ، وعَدلٌ لَيسَ فيهِ جَورٌ ، وحَقٌّ لَيسَ فيهِ باطِلٌ ، كَذلِكَ لَم يَزَل ولا يَزالُ أبَدَ الآبِدينَ ، وكَذلِكَ كانَ إذ لَم يَكُن أرضٌ ولا سَماءٌ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَعالى ... العالِمُ الَّذي لا يَجهَلُ ، وَالعَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وَالجَوادُ الَّذي لا يَبخَلُ . (6)
.
ص: 27
البلد الأمين_ في دُعاءِ إدريسَ عليه السلام _: يا نَقِيُّ مِن كُلِّ جَورٍ لَم يَرضَهُ ، ولَم يُخالِطهُ فِعالُهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عَدلٌ لا يَجورُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام_ من دُعائِهِ لِسَعَةِ الرِّزقِ _: سُبحانَكَ اللّهُمَّ ... صَمَدٌ (3) لا يَطعَمُ ... وجَبّارٌ لا يَظلِمُ . (4)
ب _ القِيامُ بِالقِسطِالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (5)
«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَ_تِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :بِالعَدلِ قامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ . (7)
.
ص: 28
الإمام عليّ عليه السلام :العَدلُ أساسٌ بِهِ قِوامُ العالَمِ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى بِقِسطِهِ وعَدلِهِ جَعَلَ الرَّوحَ (2) وَالفَرَحَ فِي الرِّضا وَاليَقينِ ، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ فِي السَّخَطِ (3) . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعاءِ اليَومِ الرّابِعِ مِنَ الشَّهرِ _: اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ... كَمَّلتَ وبَلَّغتَ رِسالَتَكَ ، وتَقَدَّستَ بِالوَعيدِ ، وأخَذتَ الحُجَّةَ عَلَى العِبادِ ، فَأَتمَمتَ نورَكَ ، وتَمَّت كَلِماتُكَ صِدقا وعَدلاً . اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ولَكَ النِّعمَةُ ولَكَ المَنُّ (5) ، تَكشِفُ الضُّرَّ ، وتُعطِي اليُسرَ ، وتَقضِي الحَقَّ ، وتَعدِلُ بِالقِسطِ . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الخافِضِ الرّافِعِ ... الَّذي جَعَلَ المَوتَ بَينَ خَلقِهِ عَدلاً ، وأنعَمَ بِالحَياةِ عَلَيهِم فَضلاً ، فَأَحيا وأماتَ ، وقَدَّرَ الأَقواتَ (7) ، أحكَمَها بِعِلمِهِ تَقديرا ، وأتقَنَها بِحِكمَتِهِ تَدبيراً . (8)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ جَلَّ شَأنُهُ ، وتَقَدَّسَت أسماؤُهُ ، خَلَقَ خَلقَهُ فَأَلزَمَهُم عِبادَتَهُ ، وكَلَّفَهُم طاعَتَهُ ، وقَسَّمَ بَينَهُم مَعائِشَهُم ، ووَضَعَهُم فِي الدُّنيا بِحَيثُ وَضَعَهُم ، ووَصَفَهُم فِي
.
ص: 29
الدّينِ بِحَيثُ وَصَفَهُم ، وهُوَ في ذلِكَ غَنِيٌّ عَنهُم ، لا تَنفَعُهُ طاعَةُ مَن أطاعَهُ ولا تَضُرُّهُ مَعصِيَةُ مَن عَصاهُ مِنهُم ، لكِنَّهُ تَعالى عَلِمَ قُصورَهُم عَمّا يَصلُحُ عَلَيهِ شُؤونُهُم ، ويَستَقيمُ بِهِ أودُهُم (1) في عاجِلِهِم وآجِلِهِم ، فَأَدَّبَهُم (2) بِإِذنِهِ في أمرِهِ ونَهيِهِ ، فَأَمَرَهُم تَخييرا وكَلَّفَهُم يَسيرا ، وأماز (3) سُبحانَهُ بِعَدلِ حُكمِهِ وحِكمَتِهِ بَينَ الموجِفِ (4) مِن أنامِهِ إلى مَرضاتِهِ ومَحَبَّتِهِ ، وبَينَ المُبطِئِ عَنها وَالمُستَظهِرِ عَلى نِعمَتِهِ مِنهُم بِمَعصِيَتِهِ . فَذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّ_ئاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَ مَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» (5) . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ بَعدَ صَلاةِ اللَّيلِ _: إلهي وسَيِّدي ، هَدَأَتِ العُيونُ ، وغارَتِ النُّجومُ ، وسَكَنَتِ الحَرَكاتُ مِنَ الطَّيرِ فِي الوُكورِ ، وَالحيتانِ فِي البُحورِ ، وأنتَ العَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وَالقِسطُ الَّذي لا تَميلُ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَن قَومِ صالِحٍ عليه السلام : هَل كانَ فيهِم عالِمٌ بِهِ _: اللّهُ أعدَلُ مِن أن يَترُكَ الأَرضَ بِلا عالِمٍ . (8)
.
ص: 30
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ إلهُ مَن فِي السَّماءِ ، وإلهُ مَن فِي الأَرضِ ، وعَدلٌ فيهِما . (1)
عنه عليه السلام :يا اللّهُ الماجِدُ الكَريمُ ، العَفُوُّ الَّذي وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ عَدلُهُ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ الاُمورَ ... كُلَّها بِيَدِ اللّهِ ... كَتَبَ المَوتَ عَلى جَميعِ خَلقِهِ ، وجَعَلَهُم اُسوَةً فيهِ ، عَدلاً مِنهُ عَلَيهِم عَزيزا ، وقُدرَةً مِنهُ عَلَيهِم ، لا مَدفَعَ لِأَحَدٍ مِنهُ . (3)
ج _ الأَمرُ بِالقِسطِالكتاب«قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» . (4)
«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَ_تِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَ_بَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَ_فِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ» . (5)
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ وَ إِيتَاىءِ ذِى الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَ الْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» . (6)
«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّ مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَ لِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ
.
ص: 31
اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ سُب_حانَهُ أمَ_رَ بِالعَدلِ وَالإِح_سانِ ، ونَه_ى عَنِ الفَحشاءِ (2) وَالظُّلمِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّما أمَرَ اللّهُ تَعالى بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وإيتاءِ ذِي القُربى _ يَعني مَوَدَّةَ ذَوِي القُربى وَابتِغاءَ طاعَتِهِم _ ويَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ . (4)
راجع : ص 46 (معنى عدل الإنسان / العدل العملي) .
د _ أعدَلُ العادِلينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا أحكَمَ الحاكِمينَ ، يا أعدَلَ العادِلينَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ لَهُ لِلوِقايَةِ مِنَ المَحذوراتِ : _سُبحانَهُ مِن مُتَعَطِّفٍ ما أعدَلَهُ ، وسُبحانَهُ مِن عادِلٍ ما أتقَنَهُ ، وسُبحانَهُ مِن مُتقِنٍ ما أحكَمَهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعاءٍ لَهُ في يَومِ الجُمُعَةِ لِلأَمانِ مِن كُلِّ مَكروهٍ _: يا مَنِ العَدلُ أمرُهُ ،
.
ص: 32
وَالصِّدقُ وَعدُهُ ، يا مَحمودا في أفعالِهِ فَلا تَبلُغُ الأَوهامُ كُنهَ جَلالِهِ في مُلكِهِ وعِزِّهِ ، يا كَريمَ العَفوِ ، أنتَ الَّذي مَلَأَ كُلَّ شَيءٍ عَدلُهُ وفَضلُهُ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُمَّ ارزُقنا خَوفَ عِقابِ الوَعيدِ ، وشَوقَ ثَوابِ المَوعودِ ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ ما نَدعوكَ بِهِ ، وكَآبَةَ ما نَستَجيرُكَ مِنهُ ، وَاجعَلنا عِندَكَ مِنَ التَّوّابينَ الَّذينَ أوجَبتَ لَهُم مَحَبَّتَكَ ، وقَبِلتَ مِنهُم مُراجَعَةَ طاعَتِكَ ، يا أعدَلَ العادِلينَ . (2)
عنه عليه السلام :إلهي ، إن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ بِالعَفوِ ؟ وإن عَذَّبتَني فَمَن أعدَلُ مِنكَ فِي الحُكمِ ؟ (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ _: مُلكُكَ كَثيرٌ ، وعَدلُكَ قَديمٌ ، وعَطاؤُكَ جَزيلٌ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ بَعدَ صَلاةِ الحاجَةِ لَيلَةَ السَّبتِ _: يا أكرَمَ الأَكرَمينَ ، ويا أعدَلَ الفاصِلينَ (5) . (6)
.
ص: 33
الإمام الهادي عليه السلام_ في زِيارَةِ صاحِبِ الأَمرِ عليه السلام _: اللّهُمَّ ألبِسهُ حُلَلَ الإِنعامِ ، وتَوِّجهُ تاجَ الإِكرامِ ، وَارفَعهُ إلى أعلى مَرتَبَةٍ ومَقامٍ ، حَتّى يَلحَقَ نَبِيَّكَ عَلَيهِ وآلِهِ السَّلامُ ، وَاحكُم لَهُ اللّهُمَّ عَلى ظالِميهِ ، إنَّكَ العَدلُ فيما تَقضيهِ . اللّهُمَّ وصَلِّ عَلَى الطّاهِرَةِ البَتولِ ... حَتّى لا يَبقى لَها وَلِيٌّ ساخِطٌ لِسَخَطِها إلّا وهُوَ راضٍ ، إنّك أعَزُّ مَن أجارَ المَظلومينَ ، وأعدَلُ قاضٍ . (1)
ه _ العَدلُ فِي القَضاءِ وَالحُكمِالكتاب«وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَ وُضِعَ الْكِتَ_بُ وَ جِى ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ هُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (2)
«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (3)
«وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» . (4)
«وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» . (5)
«وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن هُوَ قاضٍ بِلا حَيفٍ . (7)
.
ص: 34
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ ، وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أمَتِكَ ، ناصِيَتي (1) بِيَدِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن خُطبَتِهِ في غَديرِ خُمٍّ _: اُطيعُ واُبادِرُ إلى كُلِّ ما يَرضاهُ ، وأستَسلِمُ لِقَضائِهِ رَغبَةً في طاعَتِهِ ، وخَوفا مِن عُقوبَتِهِ ، لِأَنَّهُ اللّهُ الَّذي لا يُؤمَنُ مَكرُهُ (3) ، ولا يُخافُ جَورُهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ اليَومِ الثّالِثِ مِنَ الشَّهرِ _: حُكمُهُ عَدلٌ ، وهُوَ لِلحَمدِ أهلٌ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءٍ لَهُ _: وَعدُكَ صادِقٌ ، وقَولُكَ حَقٌّ ، وحُكمُكَ عَدلٌ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لَمّا رَأى يونُسُ عليه السلام أنَّ قَومَهُ لا يُجيبونَهُ ولا يُؤمِنونَ ، ضَجِرَ وعَرَفَ مِن نَفسِهِ قِلَّةَ الصَّبرِ ، فَشَكا ذلِكَ إلى رَبِّهِ ، وكانَ فيما شَكا (7) أن قالَ : يا رَبِّ ، إنَّكَ بَعَثتَني إلى قَومي ، ولي ثَلاثونَ سَنَةً ، فَلَبِثتُ فيهِم أدعوهُم إلَى الإِيمانِ بِكَ ، وَالتَّصديقِ بِرِسالاتي ، واُخَوِّفُهُم عَذابَكَ ونَقِمَتَكَ ثَلاثا وثَلاثينَ سَنَةً ، فَكَذَّبوني ولَم يُؤمِنوا بي ،
.
ص: 35
وجَحَدوا نُبُوَّتي وَاستَخَفّوا بِرِسالاتي ، وقَد تَواعَدوني وخِفتُ أن يَقتُلوني ، فَأَنزِل عَلَيهِم عَذابَكَ ، فَإِنَّهُم قَومٌ لا يُؤمنونَ . قالَ : فَأَوحَى اللّهُ إلى يونُسَ : إنَّ فيهِمُ الحَملَ ، وَالجَنينَ وَالطِّفلَ ، وَالشَّيخَ الكَبيرَ ، وَالمَرأَةَ الضَّعيفَةَ ، وَالمُستَضعَفَ المَهينَ (1) ، وأنَا الحَكَمُ العَدلُ ، سَبَقَت رَحمَتي غَضَبي ، لا اُعَذِّبُ الصِّغارَ بِذُنوبِ الكِبارِ مِن قَومِكَ ، وهُم _ يا يونُسُ _ عِبادي وخَلقي ، وبَرِيَّتي في بِلادي ، وفي عَيلَتي ، اُحِبُّ أن أتَأَنّاهُم ، وأرفُقَ بِهِم ، وأنتَظِرُ تَوبَتَهُم . (2)
الكافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه :أتى جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : إنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إذا أرَدتَ أن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي ، فَارفَع يَدَيكَ إلَيَّ وقُل : ... اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمدا أبَدا ، أنتَ حَسَنُ البَلاءِ (3) ، جَليلُ الثَّناءِ ، سابِغُ النَّعماءِ ، عَدلُ القَضاءِ ، جَزيلُ العَطاءِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ ... الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا ، وعَدَلَ في كُلِّ ما قَضى . (5)
عنه عليه السلام :الحَقُّ أجمَلُ الأَشياءِ فِي التَّواصُفِ ، وأوسَعُها فِي التَّناصُفِ ، لا يَجري لِأَحَدٍ إلّا جَرى عَلَيهِ ، ولا يَجري عَلَيهِ إلّا جَرى لَهُ ، ولَو كانَ لِأَحَدٍ أن يَجرِيَ ذلِكَ لَهُ ولا يَجرِيَ عَلَيهِ ، لَكانَ ذلِكَ للّهِِ عز و جل خالِصا دونَ خَلقِهِ ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولِعَدلِهِ في كُلِّ ما جَرَت عَلَيهِ ضُروبُ (6) قَضائِهِ ، ولكِن جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى العِبادِ أن يُطيعوهُ ،
.
ص: 36
وجَعَلَ كَفّارَتَهُم عَلَيهِ بِحُسنِ الثَّوابِ تَفَضُّلاً مِنهُ ، وتَطَوُّلاً بِكَرَمِهِ ، وتَوَسُّعا بِما هُوَ مِنَ المَزيدِ لَهُ أهلاً . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ، وَالحَمدُ ثَناؤُكَ ، وَالحَسَنُ بَلاؤُكَ ، وَالعَدلُ قَضاؤُكَ ، وَالأَرضُ في قَبضَتِكَ ... ولَكَ العَرشُ واسِعا ، ولَكَ الحَمدُ دائِما ولَكَ الحَمدُ قادِرا ، ولَكَ الحَمدُ عادِلاً . (2)
عنه عليه السلام_ فيما سَأَلوهُ عليه السلام عَنِ المُتَشابِهِ فِي القَضاءِ _: هُوَ عَشَرَةُ أوجُهٍ مُختَلِفَةُ المَعنى ... ومِنهُ قَضاءُ حُكمٍ وفَصلٍ ... وأمّا قَضاءُ الحُكمِ فَقَولُهُ تَعالى : «قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَ__لَمِينَ» (3) أي حُكِمَ بَينَهُم ، وقَولُهُ تَعالى : «وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (4) . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ لَهُ _: سُبحانَ اللّهِ الَّذي ... لا يَجورُ في حُكمِهِ إذا قَضى . (6)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي لا تُدرِكُهُ الشَّواهِدُ . . . الَّذي صَدَقَ في ميعادِهِ ، وَارتَفَعَ عَن ظُلمِ عِبادِهِ ، وقامَ بِالقِسطِ في خَلقِهِ ، وعَدَلَ عَلَيهِم في حُكمِهِ . (7)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: حُكمُهُ عَدلٌ ... وهُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ . جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ،
.
ص: 37
سَميعُ الدُّعاءِ ، عَدلُ القَضاءِ . (1)
عنه عليه السلام :عُبِدَ فَشَكَرَ ، وحَكَمَ فَعَدَلَ ، وتَكَرَّمَ وتَفَضَّلَ ... ذلِكَ قَولٌ فَصلٌ ، وحُكمٌ عَدلٌ . (2)
عنه عليه السلام :إلهي إن كانَ قَد دَنا أجَلي ، ولَم يُقَرِّبني مِنكَ عَمَلي ، فَقَد جَعَلتُ الاِعتِرافَ بِالذَّنبِ إلَيكَ وَسائِلَ عِلَلي ، فَإِن عَفَوتَ فَمَن أولى مِنكَ بِذلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَمَن أعدَلُ مِنكَ فِي الحُكمِ هُنالِكَ ... . إلهي إن عَفَوتَ فَبِفَضلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ ، فَيا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، ولا يُخافُ إلّا عَدلُهُ ، صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ ، وَامنُن عَلَينا بِفَضلِكَ ، ولا تَستَقصِ عَلَينا في عَدلِكَ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في مُناجاتِهِ _: سَيِّدي ... وعِزَّتِكَ لَقَد أحبَبتُكَ مَحَبَّةً استَقَرَّت في قَلبي حَلاوَتُها ، وأنِسَت نَفسي بِبِشارَتِها ، ومُحالٌ في عَدلِ أقضِيَتِكَ أن تَسُدَّ أسبابَ رَحمَتِكَ عَن مُعتَقِدي مَحَبَّتِكَ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: . . . فَإِنّي عَبدُكَ وفي قَبضَتِكَ ، ناصِيَتي بِيَدِكَ ، لا أمرَ لي مَعَ أمرِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ ، ولا قُوَّةَ لي عَلَى الخُروجِ مِن سُلطانِكَ ، ولا أستَطيعُ مُجاوَزَةَ قُدرَتِكَ ، ولا أستَميلُ هَواكَ ، ولا أبلُغُ رِضاكَ ، ولا أنالُ ما عِندَكَ إلّا بِطاعَتِكَ ، وبِفَضلِ رَحمَتِكَ . (5)
.
ص: 38
عنه عليه السلام :أنتَ الَّذي أرَدتَ فَكانَ حَتما ما أرَدتَ ، وقَضَيتَ فَكانَ عَدلاً ما قَضَيتَ ، وحَكَمتَ فَكانَ نِصفا (1) ما حَكَمتَ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ لِلعيدَينِ وَالجُمُعَةِ _: الوَيلُ الدّائِمُ لِمَن جَنَحَ (3) عَنكَ ، وَالخَيبَةُ الخاذِلَةُ لِمَن خابَ مِنكَ ، وَالشَّقاءُ الأَشقى لِمَنِ اغتَرَّ بِكَ ، ما أكثَرَ تَصَرُّفَهُ في عَذابِكَ ، وما أطوَلَ تَرَدُّدَهُ في عِقابِكَ ، وما أبعَدَ غايَتَهُ مِنَ الفَرَجِ ، وما أقنَطَهُ (4) مِن سُهولَةِ المَخرَجِ . عَدلاً مِن قَضائِكَ لا تَجورُ فيهِ ، وإنصافا مِن حُكمِكَ لا تَحيفُ عَلَيهِ ، فَقَد ظاهَرتَ الحُجَجَ ، وأبلَيتَ الأَعذارَ ، وقَد تَقَدَّمتَ بِالوَعيدِ ، وتَلَطَّفتَ فِي التَّرغيبِ ، وضَرَبتَ الأَمثالَ ، وأطَلتَ الإِمهالَ ، وأخَّرتَ وأنتَ مُستَطيعٌ لِلمُعاجَلَةِ ، وتَأَنَّيتَ (5) وأنتَ مَليءٌ بِالمُبادَرَةِ . لَم تَكُن أناتُكَ عَجزا ، ولا إمهالُكَ وَهنا (6) ، ولا إمساكُكَ غَفلَةً ، ولَا انتِظارُكَ مُداراةً ، بَل لِتَكونَ حُجَّتُكَ أبلَغَ ، وكَرَمُكَ أكمَلَ ، وإحسانُكَ أوفى ، ونِعمَتُكَ أتَمَّ ، كُلُّ ذلِكَ كانَ ولَم تَزَل وهُوَ كائِنٌ ولا تَزالُ ، حُجَّتُكَ أجَلُّ مِن أن توصَفَ بِكُلِّها . (7)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ عَرَفَةَ _: أنتَ الَّذي ... قَضَيتَ فَكانَ عَدلاً ما قَضَيتَ ، وحَكَمتَ فَكانَ نِصفا ما حَكَمتَ . (8)
.
ص: 39
عنه عليه السلام_ فِي المُناجاةِ الإِنجيلِيَّةِ _: أحمَدُهُ جاهِرا بِحَمدِهِ ، شاكِرا لِرِفدِهِ ، (1) حَمدَ مُوَفَّقٍ لِرُشدِهِ ، واثِقٍ بِعَدلِهِ ... أدرَكتَ فَاقتَدَرتَ ، وحَكَمتَ فَعَدَلتَ ، وأنعَمتَ فَأَفضَلتَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهمَّ ... أنتَ إلهُنا ومَولانا ، حَسَنٌ فينا حُكمُكَ ، وعَدلٌ فينا قَضاؤُكَ ، اقضِ لَنَا الخَيرَ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ ... تُعطي مَن تَشاءُ بِلا مَنٍّ ، وتَقضي ما تَشاءُ بِلا ظُلمٍ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: يا مَن يَغفِرُ ظُلمَنا وحَوبَنا (5) وجُرأَتَنا ، وهُوَ لا يَجورُ عَلَينا في قَضِيَّتِهِ . (6)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: أسأَلُكَ ... أن تَقضِيَ حاجَتي ، وأن تُيَسِّرَ لي عُسرَها ، وتَكفِيَني مُهِمَّها ؛ فَإِن فَعَلتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وإن لَم تَفعَل فَلَكَ الحَمدُ ، غَيرَ جائِرٍ في حُكمِكَ ، ولامُتَّهَمٍ في قَضائِكَ ، ولا حائِفٍ في عَدلِكَ . (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ وَابنُ عَبدِكَ وَابنُ أمَتِكَ ، ناصِيَتي بِيَدِكَ ، عَدلٌ فِيَّ حُكمُكَ ، ماضٍ فِيَّ قَضاؤُكَ . (8)
.
ص: 40
الإمام الرضا عليه السلام_ في وَصفِ رَبِّهِ عز و جل _: لا يُمَثَّلُ بِخَليقَتِهِ ، ولا يَجورُ في قَضِيَّتِهِ . (1)
الإمام الجواد_ في زِيارَةِ أبيهِ الإِمامِ الرِّضا عليهماالسلام _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ يا اللّهُ ... العادِلُ في بَرِيَّتِهِ ، العالِمُ في قَضِيَّتِهِ ، الكَريمُ في تَأخيرِ عُقوبَتِهِ ... فَكَم مِن سَيِّئَةٍ أخفاها حِلمُكَ حَتّى دَخِلَت ، وحَسَنَةٍ ضاعَفَها فَضلُكَ حَتّى عَظُمَت عَلَيها مُجازاتُكَ ، جَلَلتَ أن يُخافَ مِنكَ إلَا العَدلُ ، وأن يُرجى مِنكَ إلَا الإِحسانُ وَالفَضلُ ، فَامنُن عَلَيَّ بِما أوجَبَهُ فَضلُكَ ، ولا تَخذُلني بِما يَحكُمُ بِهِ عَدلُكَ . (2)
الإمام الهادي عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في قُنوتِهِ _: أنتَ الخالِقُ بِغَيرِ تَكَلُّفٍ ، وَالقاضي بِغَيرِ تَحَيُّفٍ . (3)
و _ العَدلُ فِي العَطاءِمصباح المتهجّد_ في دُعاءٍ ذكَرَهُ بَعدَ صَلاةِ عَلِيٍّ عليه السلام _: اللّهُمَّ إنّي اُشهِدُكَ وكَفى بِكَ شَهيدا ، وأشهَدُ أنَّكَ أنتَ اللّهُ رَبّي ... وأشهَدُ أنَّ قَولَكَ حَقٌّ ، وأنَّ قَضاءَكَ حَقٌّ ، وأنَّ عطاءَكَ عَدلٌ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :قَدَّرَ الأَرزاقَ فَكَثَّرَها وقَلَّلَها ، وقَسَّمَها عَلَى الضّيقِ وَالسَّعَةِ ، فَعَدَلَ فيها لِيَبتَلِيَ مَن أرادَ بِمَيسورِها ومَعسورِها ، ولِيَختَبِرَ بِذلِكَ الشُّكرَ وَالصَّبرَ مِن غَنِيِّها وفَقيرِها . (5)
.
ص: 41
عنه عليه السلام :إنَّ طَلَبَ العِلمِ أوجَبُ عَلَيكُم مِن طَلَبِ المالِ ، إنَّ المالَ مَقسومٌ مَضمونٌ لَكُم ، قَد قَسَّمَهُ عادِلٌ بَينَكُم وضَمِنَهُ ، وسَيَفي لَكُم . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ المَعروفِ بِدُعاءِ اليَمانِيِّ _: اِبتَدَأتَني بِالنِّعَمِ فَضلاً وطَولاً (2) ، وأمَرتَني بِالشُّكرِ حَقّا وعَدلاً ، ووَعَدتَني عَلَيهِ أضعافا ومَزيدا ، وأعطَيتَني مِن رِزقِكَ اعتِبارا وفَضلاً. (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ رِضىً بِحُكمِ اللّهِ ، شَهِدتُ أنَّ اللّهَ قَسَمَ مَعايِشَ عِبادِهِ بِالعَدلِ ، وأخَذَ عَلى جَميعِ خَلقِهِ بِالفَضلِ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ولا تَفتِنّي بِما أعطَيتَهُم ، ولا تَفتِنهُم بِما مَنَعتَني ، فَأَحسُدَ خَلقَكَ ، وأغمَطَ (4) حُكمَكَ . اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وطَيِّب بِقَضائِكَ نَفسي ، ووَسِّع بِمَواقِعِ حُكمِكَ صَدري ، وهَب لِيَ الثِّقَةَ لِاُقِرَّ مَعَها بِأَنَّ قَضاءَكَ لَم يَجرِ إلّا بِالخِيَرَةِ . (5)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ عَرَفَةَ _: قَدَّرتَ الاُمورَ بِعِلمِكَ ، وقَسَّمتَ الأَرزاقَ بِعَدلِكَ ، ونَفَذَ في كُلِّ شَيءٍ عِلمُكَ ، وحارَتِ الأَبصارُ دونَكَ ... فَلَم يُقايِس شَيئا بِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ، ولَم يَستَعِن عَلى خَلقِهِ بِغَيرِهِ . ثُمَّ أمضَى الاُمورَ عَلى قَضائِهِ وأجَّلَها إلى أجَلٍ مُسَمّىً ، قَضى فيها بِعَدلِهِ ، وعَدَلَ
.
ص: 42
فيها بِفَضلِهِ ، وفَصَلَ فيها بِحُكمِهِ ، وحَكَمَ فيها بِعَدلِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ الجُمُعَةِ _: قَنِّعني يا إلهي بِما رَزَقتَني ، وما رَزَقتَني مِن رِزقٍ فَأَرِني فيهِ عَدلاً حَتّى أرى قَليلَهُ كَثيرا ، وأبذُلَهُ فيكَ بَذلاً . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ... وَارزُقني مُواساةَ مَن قَتَّرتَ (3) عَلَيهِ مِن رِزقِكَ بِما وَسَّعتَ عَلَيَّ مِن فَضلِكَ ، ونَشَرتَ عَلَيَّ مِن عَدلِكَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في يَومِ عَرَفَةَ _: اِفتَح عَلَيَّ أبوابَ رَحمَتِكَ ، ورَضِّني بِعادِلِ قِسَمِكَ . (5)
عنه عليه السلام_ لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: اُنظُرِ الآنَ إلى ذَواتِ الأَربَعِ ، كَيفَ تَراها تَتبَعُ اُمَّهاتِها مُستَقِلَّةً بِأَنفُسِها ... وكَذلِكَ تَرى كَثيرا مِنَ الطَّيرِ كَمِثلِ الدَّجاجِ وَالدُّرّاجِ (6) وَالقَبَجِ (7) تَدرُجُ وتَلقُطُ حينَ يَنقابُ عَنهَا البَيضُ . فَأَمّا ما كانَ مِنها ضَعيفا لا نُهوضَ فيهِ ، كَمِثلِ فِراخِ الحَمامِ وَاليَمامِ (8) وَالحُمَّرِ (9) ، فَقَد جُعِلَ فِي الاُمَّهاتِ فَضلُ عَطفٍ عَلَيها ، فَصارَت تَمُجُّ الطَّعامَ في أفواهِها بَعدَما توعيهِ حَواصِلُها ، فَلا تَزالُ تَغذوها حَتّى
.
ص: 43
تَستَقِلَّ بِأَنفُسِها ، ولِذلِكَ لَم تُرزَقِ الحَمامُ فِراخا كَثيرَةً مِثلَما تُرزَقُ الدَّجاجُ ؛ لِتَقوَى الاُمُّ عَلى تَربِيَةِ فِراخِها فَلا تَفسُدَ ولا تَموتَ ، فَكُلٌّ اُعطِيَ بِقِسطٍ مِن تَدبيرِ الحَكيمِ اللَّطيفِ الخَبيرِ . (1)
الكافي عن معتّب :دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ بِشرٍ الوَشّاءُ عَلى أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، يَسأَ لُهُ أن يُكَلِّمَ شِهابا أن يُخَفِّفَ عَنهُ حَتّى يَنقَضِيَ المَوسِمُ ، وكانَ لَهُ عَلَيهِ ألفُ دينارٍ ، فَأَرسَلَ [الصّادِقُ عليه السلام ] إلَيهِ فَأَتاهُ فَقالَ لَهُ : قَد عَرَفتَ حالَ مُحَمَّدٍ وَانقِطاعَهُ إلَينا ، وقَد ذَكَرَ أنَّ لَكَ عَلَيهِ ألفَ دينارٍ ، لَم تَذهَب في بَطنٍ ولا فَرجٍ ، وإنَّما ذَهَبَت دَينا عَلَى الرِّجالِ ووَضائِعَ وَضِعَها ، وأنَا اُحِبُّ أن تَجعَلَهُ في حِلٍّ . فَقالَ[ عليه السلام ] : لَعَلَّكَ مِمَّن يَزعُمُ أنَّهُ يُقبَضُ مِن حَسَناتِهِ فَتُعطاها ، فَقالَ : كَذلِكَ في أيدينا . فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : اللّهُ أكرَمُ وأعدَلُ مِن أن يَتَقَرَّبَ إلَيهِ عَبدُهُ ، فَيَقومَ فِي اللَّيلَةِ القَرَّةِ (2) أو يَصومَ فِي اليَومِ الحارِّ أو يَطوفَ بِهذَا البَيتِ ثُمَّ يَسلُبَهُ ذلِكَ فَيُعطاهُ ، ولكِن ، للّهِِ فَضلٌ كَثيرٌ يُكافِئُ المُؤمِنَ ، فَقالَ : فَهُوَ في حِلٍّ . (3)
الكافي عن الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ لَم يَترُك شَيئا مِن صُنوفِ الأَموالِ إلّا وقَدَقسَمَهُ ، وأعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّهُ ، الخاصَّةَ وَالعامَّةَ ، وَالفُقَراءَ وَالمَساكينَ ، وكُلَّ صِنفٍ مِن صُنوفِ النّاسِ ، فَقالَ : لَو عُدِلَ فِي النّاسِ لَاستَغنَوا .
.
ص: 44
ثُمَّ قالَ : إنَّ العَدلَ أحلى مِنَ العَسَلِ ، ولا يَعدِلُ إلّا مَن يُحسِنُ العَدلَ . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إلَيهِ ، في قِصَّةِ ذَبحِ بَني إسرائيلَ البَقَرَةَ وإحياءِ اللّهِ شَخصا مَقتولاً بَعدَ أن ضَرَبوهُ بِبَعضها بِأَمرِهِ تَعالى _: ... فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ : يا موسى إنَّهُ كانَ لِهذَا الفَتَى المَنشورِ (2) بَعدَ القَتلِ سِتّونَ سَنَةً ، وقَد وَهَبتُ لَهُ بِمَسأَلَتِهِ وتَوسُّلِهِ بِمُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبينَ سَبعينَ سَنَةً ، تَمامَ مِئَةٍ وثَلاثينَ سَنَةً ، صَحيحَةٌ حَواسُّهُ ، ثابِتٌ فيها جَنانُهُ (3) ، قَوِيَّةٌ فيها شَهَواتُهُ ، يَتَمَتَّعُ بِحَلالِ هذِهِ الدُّنيا ويَعيشُ ، ولا يُفارِقُها ولا تُفارِقُهُ ، فَإِذا حانَ حينُهُ حانَ حينُها وماتا جَميعاً معا فَصارا إلى جِناني ، وكانا زَوجَينِ فيها ناعِمَينِ . ولَو سَأَلَني _ يا موسى _ هذَا الشَّقِيُّ _ القاتِلُ _ بِمِثلِ ما تَوَسَّلَ بِهِ هذَا الفَتى عَلى صِحَّةِ اعتِقادِهِ أن أعصِمَهُ مِنَ الحَسَدِ ، واُقنِعَهُ بِما رَزَقتُهُ _ وذلِكَ هُوَ المُلكُ العَظيمُ _ لَفَعَلتُ . ولَو سَأَلَني بِذلِكَ مَعَ التَّوبَةِ مِن صُنعِهِ ألّا أفضَحَهُ لَما فَضَحتُهُ ، ولَصَرَفتُ هؤُلاءِ عَنِ اقتِراحِ إبانَةِ القاتِلِ ، ولَأَغنَيتُ هذَا الفَتى مِن غَيرِ هذَا الوَجهِ بِقَدرِ هذَا المالِ اُوجِدُهُ (4) . ولَو سَأَلَني بَعدَمَا افتَضَحَ وتابَ إلَيَّ وتَوَسَّلَ بِمِثلِ وَسيلَةِ هذَا الفَتى ، أن اُنسِيَ النّاسَ فِعلَهُ بَعدَما ألطُفُ لِأَولِيائِهِ فَيَعفونَهُ عَنِ القِصاصِ لَفَعَلتُ ، فَكانَ لا يُعَيِّرُهُ بِفِعلِهِ أحَدٌ ، ولا يَذكُرُهُ فيِهم ذاكِرٌ ، ولكِن ، ذلِكَ فَضلٌ اُوتيهِ مَن أشاءُ ، وأنَا ذُو الفَضلِ العَظيمِ ، وأعدِلُ بِالمَنعِ عَلى مَن أشاءُ ، وأنَا العَزيزُ الحَكيمُ . (5)
راجع : ص 51 (ما يضادّ الإيمان بالعدل الإلهي) . ص 69 (العدل في الآخرة) .
.
ص: 45
1 / 3مَعنى عَدلِ الإِنسانِأ _ العَدلُ الاِعتِقادِيُّالكتاب«وَ الْكَ_فِرُونَ هُمُ الظَّ__لِمُونَ» . (1)
«وَ إِذْ قَالَ لُقْمَ_نُ لِابْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يَ_بُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُ_لْمٌ عَظِيمٌ» . (2)
«وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُ_لْمًا وَ عُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَ_قِبَةُ الْمُفْسِدِينَ» . (3)
راجع : البقرة : 51 ، 54 ، 59 ، 92 ، 145 ، 150 ، 165 ، 193 ، 258 وآل عمران : 86 ، 94 ، 128 ، 151 ، 153 ، 192 والمائدة : 72 والأعراف : 103 والأنفال : 54 والزخرف : 39 وهود : 101 والنساء : 75 والمائدة : 51 والأنعام : 21 ، 33 ، 45 ، 47 ، 58 ، 68 ، 93 ، 129 ، 131 ، 135 ، 144 ، 157 ، 160 ويونس : 13 ، 17 ، هود : 18 ، 37 والإسراء : 59 والكهف : 15 ، 57 ، 59 والتوبة : 109 والحشر : 17 ، والنمل : 43 و 44 ، والأحقاف : 10 والعنكبوت : 49 ، 68 والزمر : 32 والصفّ : 7 والسجدة : 22 والحج : 25 .
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» (4) _: العَدلُ شَهادَةُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» _: العَدلُ شَهادَةُ الإِخلاصِ ،
.
ص: 46
وأنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ . (1)
ب _ العَدلُ العَمَلِيُّالكتاب«يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّ مِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَ لِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عامَلَ النّاسَ فَلَم يَظلِمهُم ، وحَدَّثَهُم فَلَم يَكذِبهُم ، ووَعَدَهُم فَلَم يُخلِفهُم، فَهُوَ مِمَّن كَمَلَت مُرُوءَتُهُ، وظَهَرَت عَدالَتُهُ، ووَجَبَت اُخُوَّتُهُ، وحَرُمَت غيبَتُهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَدلَ ميزانُ اللّهِ تَعالى فِي الأَرضِ ، فَمَن أخَذَهُ قادَهُ إلَى الجَنَّةِ ، ومَن تَرَكَهُ ساقَهُ إلَى النّارِ . (4)
حلية الأولياء عن أبي تميمة :سَأَلتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله عَن أبوابِ القِسطِ ، فَقالَ : إنصافُ النّاسِ مِن نَفسِكَ ، وبَذلُ السَّلامِ لِلعالَمِ (5) ، وذِكرُ اللّهِ تَعالى فِي الغِنى وَالفاقَةِ ، حَتّى لا تُبالِيَ ذُمِمتَ فِي اللّهِ أو حُمِدتَ . (6)
.
ص: 47
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ العَدلَ ميزانُ اللّهِ سُبحانَهُ الَّذي وَضَعَهُ فِي الخَلقِ ونَصَبَهُ لِاءِقامَةِ الحَقِّ ، فَلا تُخالِفهُ في ميزانِهِ ، ولا تُعارِضهُ في سُلطانِهِ . (1)
عنه عليه السلام :جَعَلَ اللّهُ _ سُبحانَهُ _ العَدلَ قِواما (2) لِلأَنامِ ، وتَنزيها مِنَ (3) المَظالِمِ وَالآثامِ ، وتَسنِيَةً (4) لِلإِسلامِ . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاءِحْسَ_نِ» (6) _: العَدلُ : الإِنصافُ ، وَالإِحسانُ : التَّفَضُّلُ . (7)
عنه عليه السلام :العَدلُ أنَّكَ إذا ظَلَمتَ أنصَفتَ ، وَالفَضلُ أنَّكَ إذا قَدَرتَ عَفَوتَ . (8)
عنه عليه السلام :العَدلُ إنصافٌ . (9)
عنه عليه السلام :إنَّ مِنَ العَدلِ أن تُنصِفَ فِي الحُكمِ ، وتَجتَنِبَ الظُّلمَ . (10)
عنه عليه السلام :العَدلُ خَيرُ الحُكمِ .
عنه عليه السلام :فِي العَدلِ الإِحسانُ . (11)
عنه عليه السلام :أعدَلُ الخَلقِ أقضاهُم بِالحَقِّ . (12)
.
ص: 48
عنه عليه السلام :مَن طابَقَ سِرُّهُ عَلانِيَتَهُ ، ووافَقَ فِعلُهُ مَقالَتَهُ ، فَهُوَ الَّذي أدَّى الأَمانَةَ ، وتَحَقَّقَت عَدالَتُهُ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :لا حِرصَ كَالمُنافَسَةِ فِي الدَّرَجاتِ ، ولا عَدلَ كَالإِنصافِ ، ولا تَعَدِّيَ كَالجَورِ ، ولا جَورَ كَمُوافَقَةِ الهَوى . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ سُئِلَ عن صِفَةِ العَدلِ مِنَ الرَّجُلِ ، فَقالَ _: إذا غَضَّ (3) طَرفَهُ عَنِ المَحارِمِ ، ولِسانَهُ عَنِ المَآثِمِ ، وكَفَّهُ عَنِ المَظالِمِ . (4)
راجع : ص 30 (معنى عدل اللّه / الأمر بالقسط) .
ج _ العَدلُ الأَخلاقِيُّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، ما كَرِهتَهُ لِنَفسِكَ فَاكرَه لِغَيرِكَ ، وما أحبَبتَهُ لِنَفسِكَ فَأَحبِبهُ لِأَخيكَ ؛ تَكُن عادِلاً في حُكمِكَ ، مُقسِطا (5) في عَدلِكَ ، مُحَبّا (6) في أهلِ السَّماءِ ، مَودودا في صُدورِ أهلِ الأَرضِ . (7)
الإمام عليّ عليه السلام :أكرَمُ الأَخلاقِ السَّخاءُ ، وأعَمُّها نَفعا العَدلُ . (8)
عنه عليه السلام :العَدلُ أفضَلُ سَجِيَّةٍ (9) . (10)
.
ص: 49
ص: 50
. .
ص: 51
الفصل الثّاني : ما يضادّ الإيمان بالعدل الإلهيّ2 / 1نِسبَةُ ذُنوبِ العِبادِ إلَى اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عَرَفَ اللّهَ مَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ ، ولا وَصَفَهُ بِالعَدلِ مَن نَسَبَ إلَيهِ ذُنوبَ عِبادِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ التَّوحيدِ وَالعَدلِ _: العَدلُ أن لا تَتَّهِمَهُ . (2)
أعلام الدين :قالَ الصّادِقُ عليه السلام لِهِشامِ بنِ الحَكَمِ : ألا اُعطيكَ جُملَةً فِي العَدلِ وَالتَّوحيدِ ؟ قالَ : بَلى جُعِلتُ فِداكَ . قالَ : مِنَ العَدلِ ألّا تَتَّهِمَهُ ، ومِنَ التَّوحيدِ ألّا تَتَوَهَّمَهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التَّوحيدِ وَالعَدلِ _: أمَّا العَدلُ فَأَلّا تَنسُبَ إلى خالِقِكَ ما لامَكَ عَلَيهِ . (4)
.
ص: 52
2 / 2الاِعتِقادُ بِالجَبرِالإمام عليّ عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ ، ولا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ ، ولكِن قولوا : الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ ، وَالشَّرُّ بِخِذلانِ اللّهِ ، وكُلٌّ سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ . (1)
الكافي عن يونس عن عدّة عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قالَ لَهُ رَجُلٌ : جُعِلتُ فِداكَ ، أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَهُم عَلَى المَعاصي ثُمَّ يُعَذِّبَهُم عَلَيها . فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، فَفَوَّضَ اللّهُ إلَى العِبادِ ؟ قالَ : فَقالَ : لَو فَوَّضَ إلَيهِم لَم يَحصُرهُم بِالأَمرِ وَالنَّهيِ . فَقالَ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ فَبَينَهُما مَنزِلَةٌ ؟ قالَ : فَقالَ : نَعَم ، أوسَعُ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ . (2)
الكافي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ فَقُلتُ : اللّهُ فَوَّضَ الأَمرَ إلَى العِبادِ؟ قالَ : اللّهُ أعَزُّ مِن ذلِكَ . قُلتُ : فَجَبَرَهُم عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : اللّهُ أعدَلُ وأحكَمُ مِن ذلِكَ . (3)
.
ص: 53
الإمام الهادي عليه السلام_ في بَيانِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ وَالأَمرِ بَينَ الأَمرَينِ _: أمَّا الجَبرُ الَّذي يَلزَمُ مَن دانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ أجبَرَ العِبادَ عَلَى المَعاصي ، وعاقَبَهُم عَلَيها ، ومَن قالَ بِهذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ وكَذَّبَهُ ، ورَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْ_لِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (1) ، وقَولَهُ : «ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (2) ، وقَولَهُ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» (3) ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في ذِكرِ هذا . فَمَن زَعَم أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعاصيفَقَد أحالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ ، وقَد ظَلَّمَهُ في عُقوبَتِهِ، ومَن ظَلَّمَ اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتابَهُ ، ومَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِماعِ (4) الاُمَّةِ . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام_ وقَد سُئِلَ : مِمَّنِ المَعصِيَةُ ؟ _: إنَّ المَعصِيَةَ لابُدَّ مِن أن تَكونَ مِنَ العَبدِ أو مِن خالِقِهِ أو مِنهُما جَميعا ؛ فَإِن كانَت مِنَ اللّهِ تَعالى فَهُوَ أعدَلُ وأنصَفُ مِن أن يَظلِمَ عَبدَهُ ويَأخُذَهُ بِما لَم يَفعَلهُ ... . (6)
الطرائف :رُوِيَ أنَّ الفَضلَ بنَ سَهلٍ سَأَلَ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليه السلام بَينَ يَدَيِ المَأمونِ ، فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ، الخَلقُ مَجبورونَ ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ خَلقَهُ ثُمَّ يُعَذِّبَهُم . (7)
راجع : ص 237 (الفصل الثامن : دور القضاء والقدر في أفعال الإنسان) .
.
ص: 54
2 / 3القَولُ بِالتَّكليفِ فَوقَ الطّاقَةِالكتاب«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» . (1)
«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» . (2)
الحديثعيون أخبار الرِّضا عليه السلام عن إبراهيم بن أبي محمود :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام ... قُلتُ : فَهَل يُكَلِّفُ [اللّهُ] عِبادَهُ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : كَيفَ يَفعَلُ ذلِكَ وهُوَ يَقولُ : «وَ مَا رَبُّكَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (3) ؟! (4)
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُ أكرَمُ مِن أن يُكَلِّفَ النّاسَ ما لا يُطيقونَ ، وَاللّهُ أعَزُّ مِن أن يَكونَ في سُلطانِهِ ما لا يُريدُ . (5)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن العبّاس :سَمِعتُ الرِّضا عليه السلام وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ : أيُكَلِّفُ اللّهُ العِبادَ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : هُوَ أعدَلُ مِن ذلِكَ . (6)
راجع : ص 245 ح 6079 ، ص 248 ح 6085 ، ص 249 ح 6086 ، ص 297 ح 6136 و 6137 .
.
ص: 55
الفصل الثّالث : البرهان على عدله3 / 1قُبحُ الظُّلمِالكتاب«وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْ_لِمَهُمْ وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1)
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (2)
«وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُ_لْمًا لِّلْعِبَادِ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الظُّلمُ ألأَمُ الرَّذائِلِ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ القُبحَ فِي الظُّلمِ ، بِقَدرِ الحُسنِ فِي العَدلِ . (5)
.
ص: 56
الكافي عن الحسن بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أوَّلَ الاُمورِ ومَبدَأَها وقُوَّتَها وعِمارَتَها _ الَّتي لا يُنتَفَعُ بِشَيءٍ إلّا بِهِ _ العَقلُ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ زينَةً لِخَلقِهِ ونورا لَهُم ، فَبِالعَقلِ عَرَفَ العِبادُ خالِقَهُم ، وأنَّهُم مَخلوقونَ ، وأنَّهُ المُدَبِّرُ لَهُم ، وأنَّهُمُ المُدَبَّرونَ ، وأنَّهُ الباقي وهُمُ الفانونَ ، وَاستَدَلّوا بِعُقولِهِم عَلى ما رَأَوا مِن خَلقِهِ ؛ مِن سَمائِهِ وأرضِهِ ، وشَمسِهِ وقَمَرِهِ ، ولَيلِهِ ونَهارِهِ ، وبِأَنَّ لَهُ ولَهُم خالِقا ومُدَبِّرا لَم يَزَل ولا يَزولُ ، وعَرَفوا بِهِ الحَسَنَ مِنَ القَبيحِ . (1)
3 / 2المُلازَمَةُ بَينَ العَدلِ وَالحِكمَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في وَصفِ اللّهِ تَعالى _: اللّهُمَّ إنَّكَ حَيٌّ لا تَموتُ ... وكَبيرٌ لا تُغادِرُ ، وحَكيمٌ لا تَجورُ ، ووَكيلٌ لا تَحيفُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن دُعائِهِ في يَومِ الأَحزابِ _: أنتَ العَدلُ الَّذي لا يَظلِمُ ، وأنتَ الحَكيمُ الَّذي لا يَجورُ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ العَدلِ وَالجودِ أيُّهُما أفضَلُ ؟ _: العَدلُ يَضَعُ الاُمورَ مَواضِعَها ، وَالجودُ يُخرِجُها مِن جِهَتِها . وَالعَدلُ سائِسٌ عامٌّ ، وَالجودُ عارِضٌ خاصٌّ . فَالعَدلُ أشرَفُهُما وأفضَلُهُما . (4)
.
ص: 57
3 / 3المُلازَمَةُ بَينَ الظُّلمِ وَالحاجَةِالإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: قَد عَلِمتُ _ يا إلهي _ أنَّهُ لَيسَ في حُكمِكَ ظُلمٌ ، ولا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وإنَّما يَعجَلُ مَن يَخافُ الفَوتَ ، ويَحتاجُ إلَى الظُّلمِ الضَّعيفُ ، وقَد تَعالَيتَ يا إلهي عَن ذلِكَ . (1)
3 / 4شُهَداءُ اللّهِ عَلى عَدلِهِالكتاب«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَا بِالْقِسْطِ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في تَعظيمِ اللّهِ جَلَّ وعَلا _: أشهَدُ أنَّهُ عَدلٌ عَدَلَ ، وحَكَمٌ فَصَلَ . (3)
عنه عليه السلام :سُبحانَكَ اللّهُمَّ لا إلهَ إلّا أنتَ وبِحَمدِكَ ، وما أحكَمَكَ وأعدَلَكَ وأرأَفَكَ وأرحَمَكَ وأبصَرَكَ ! (4)
.
ص: 58
الإمام زين العابدين عليه السلام :أنتُم مَعاشِرَ الشّيعَةِ العُلَماءُ لِعِلمِنا ، تالونَ لَنا ، مَقرونونَ بِنا ، وبِمَلائِكَةِ اللّهِ المُقَرَّبينَ ، شُهَداءُ للّهِِ بِتَوحيدِهِ وعَدلِهِ وكَرَمِهِ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: إنّي أشهَدُ أنَّكَ أنتَ اللّهُ الَّذي لا إلهَ إلّا أنتَ ، قائِمٌ بِالقِسطِ ، عَدلٌ فِي الحُكمِ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الشُّكرِ _: ... بَل مَلَكتَ _ يا إلهي _ أمرَهُم قَبلَ أن يَملِكوا عِبادَتَكَ ، وأعدَدتَ ثَوابَهُم قَبلَ أن يُفيضوا في طاعَتِكَ ، وذلِكَ أنَّ سُنَّتَكَ الإِفضالُ ، وعادَتَكَ الإِحسانُ ، وسَبيلَكَ العَفوُ ، فَكُلُّ البَرِيَّةِ مُعتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيرُ ظالِمٍ لِمَن عاقَبتَ ، وشاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلى مَن عافَيتَ ، وكُلٌّ مُقِرٌّ عَلى نَفسِهِ بِالتَّقصيرِ عَمَّا استَوجَبتَ . (3)
.
ص: 59
الفصل الرّابِعُ : العدل من اصول الدّينمعاني الأخبار عن أبي أحمد السمرقندي بإسناده رفعه إلى الإمام الصادق عليه السلام :أنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقالَ لَهُ : إنَّ أساسَ الدّينِ التَّوحيدُ وَالعَدلُ ، وعِلمُهُ كَثيرٌ ، ولابُدَّ لِعاقِلٍ مِنهُ ، فَاذكُر ما يَسهُلُ الوُقوفُ عَلَيهِ ويَتَهَيَّأُ حِفظُهُ . فَقالَ عليه السلام : أمَّا التَّوحيدُ ، فَأَن لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّكَ ما جازَ عَلَيكَ ، وأمَّا العَدلُ ، فَأَن لا تَنسُبَ إلى خالِقِكَ ما لامَكَ عَلَيهِ . (1)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: اِلزَم ما أجمَعَ عَلَيهِ أهلُ الصَّفاءِوَالتُّقى مِن اُصولِ الدّينِ ، وحَقائِقِ اليَقينِ وَالرِّضا وَالتَّسليمِ ، ولا تَدخُل فِي اختِلافِ الخَلقِ ومَقالاتِهِم فَتَصعُبَ عَلَيكَ ، وقَد أجمَعَتِ الاُمَّةُ المُختارَةُ بِأَنَّ اللّهَ تَعالى واحِدٌ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وأنَّهُ عَدلٌ في حُكمِهِ ، يَفعَلُ ما يَشاءُ ويَحكُمُ ما يُريدُ ، ولا يُقالُ لَهُ في شَيءٍ مِن صُنعِهِ : لِمَ ؟ ولا كانَ ولا يَكونُ شَيءٌ إلّا بِمَشِيَّتِهِ ، وأنَّهُ قادِرٌ عَلى ما
.
ص: 61
تحليل حول اعتبار العدل الإلهي من اصول الدينيَعتبر أهلُ البيت عليهم السلام عدل اللّه جزءا من اُصول الدين ، ومن أجل بيان هذه العقيدة من الضروري أن نطرح بعض المسائل على بساط البحث:
1 . الفرق بين اُصول الدين واُصول المذهبالدين عبارة عن برنامج لتكامل الإنسان، واُصول الدين هي القواعد الّتي تشكّل أساسه ، بحيث إنّ برنامج تكامل الإنسان لا يمكن أن يصل إلى النتيجة المطلوبة بانهيار أيّ واحدٍ منها . والمذهب هو تلقٍّ خاصٍّ عن الدين، واُصول المذهب هي أركانه الأساسية . على هذا، فإنّ مِن الممكن أن تكون اُصول كلّ دينٍ مختلفة في نظر مذاهبه المختلفة .
2 . اُصول الدين الإسلامييُعدّ التوحيد والنبوّة والمعاد اُصولاً للدين الإسلامي ، بمعنى أنّ من ينكر أيّا من هذه الاُصول الثلاثة ، فإنّه خارج عن جماعة المسلمين ولا تجري عليه أحكام الإسلام . إنّ ما يستحقّ البحث في هذا المجال ، هو سبب انحصار اُصول الدين في هذه الثلاثة . والحقيقة أن ليس هناك دليل من القرآن والسنّة على انحصار اُصول الدين في
.
ص: 62
الاُصول الثلاثة المذكورة ، وما يرى القرآن الكريم الإيمان به ضروريا هو : وحدانية اللّه ، الغيب ، المعاد ، الملائكة ، الكتب السماوية ، رسالة الأنبياء والاعتقاد بما اُنزل على الأنبياء من جانب اللّه . (1) وقد بيّنت الأحاديث الإسلامية بشكلٍ مفصّل ما نزل على النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله ممّا يُعتبر الاعتقاد به ضروريّا ، وعُدّ البعض منه دعائم للإسلام وأركانا له . (2) إلّا أنّه ليس في المصادر الروائية حديث يحصر اُصول الإسلام في هذه الاُصول الثلاثة . وقد يتُصوّر أنّ سبب انحصار اُصول الدين في الاُصول الثلاثة المذكورة ، هو رجوع جميع الاُمور _ التّي يعتبر الإسلام الاعتقاد بها ضروريّا _ إلى هذه الاُصول الثلاثة ؛ لأنّ الاعتقاد بالصفة الثبوتية والسلبية للّه _ تعالى _ يعود إلى أصل التوحيد . ويتلخّص الاعتقاد بالملائكة والكتب السماوية والرسالات التّي جاء بها الأنبياء من جانب اللّه في أصل النبوّة . والاعتقاد بالاُمور المرتبطة بعالَمِ ما بعد الموت مثل عالم البرزخ والحساب والشفاعة والجنّة والنار ، يرجع إلى الأصل الثالث وهو المعاد . وبعبارة اُخرى : من المحتمل أن يكون سبب انحصار اُصول الدين في الثلاثة المذكورة هو أنها تمثّل مصدر جميع العقائد الإسلامية . ولكن يتّضح لنا من خلال شيء من التأمّل أنّ السبب المذكور ليس هو السبب الحقيقي ؛ إذ لو كان كذلك لوجب القول إنّ اُصول الدين اثنان : التوحيد والنبوّة ؛ ذلك لأنّ الاعتقاد بالمعاد يندرج هو أيضا في الاعتقاد بالنبوّة . ولذلك يرى الكثير من الفقهاء أنّ خصوص مُنكر التوحيد والنبوّة هو المحكوم بالكفر ، وفي غير هذين الأصلين إذا كان ما تمّ إنكاره من ضروريات الإسلام بحيث يستتبع إنكار النبوّة ،
.
ص: 63
وكان منكره عامدا ذلك ، فإنّه يكون محكوما بالكفر ، أمّا إذا لم يكن من ضروريات الإسلام أو لم يكن المنكر متعمّدا لذلك ، فلا يكون محكوما بالكفر . (1) بل يمكن القول من خلال تحليل أكثر دقّة : إنّ جميع العقائد الإسلامية ترجع إلى أصل التوحيد ، ولذلك كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «قولوا لا إِلهَ إلَا اللّهُ تُفلِحوا» . (2)
3 . المعيار في تعيين اُصول الدينيبدو أنّ المعيار الّذي يمكن تقديمه لتعيين اُصول الإسلام العقيدية هي : أهمّيتها ودورها الأساسي في منظومة العقائد الإسلامية ، العقائد الّتي من شأنها البلوغ بالإنسان إلى التكامل الدنيوي والاُخروي ، وتنظيم المجتمع التوحيدي . وبعبارة اُخرى أنّنا نرى عند دراسة برامج الإسلام _ الضامنة لسعادة الإنسان _ بعض الاُمور لها دور أساسي ، ولذلك فقد عبّر عنها في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ب «دعائم الإسلام» . (3) بناءً على ذلك ، اعتُبر الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة والمعاد من اُصول الدين الإسلامي ؛ لأنّ دورها أكثر قيمة من سائر الدعائم الّتي يقوم عليها هذا الدين ، فضلاً عن مرجعيتها بالنسبة إلى سائر العقائد ، في حين أنّ عددا من الاُمور العقيدية مثل الاعتقاد بالمعراج والملائكة والشفاعة ، لا تتمتّع بمثل هذه الأهمّية رغم وجوب الاعتقاد بها .
4 . سبب اعتبار العدل من اُصول الديناستنادا إلى المعيار الّذي سبقت الإشارة إليه في تعيين اُصول الدين ، فإنّ أتباع
.
ص: 64
مذهب أهل البيت عليهم السلام يعتبرون العدل الإلهي من اُصول الإسلام إلى جانب إمامة أهل البيت عليهم السلام . وسبب ذلك أنّ جميع المفكّرين والمصلحين الّذين يفكّرون في إنقاذ المجتمع الإنساني وسعادته وتكامله ، ليس لهم في الحقيقة تطلّع ومثل أعلى غير «العدل» و «الإمامة» ، وفلسفة النظرة التوحيدية للعالم ما هي إلّا تحقيق العدالة وتربية اُناس يحتذون بالأئمّة وإمامة الصالحين . وسوف نبيّن سبب اعتبار «الإمامة» أصلاً بعد بيان «النبوّة» في هذه الموسوعة بشكلٍ مفصّل إن شاء اللّه . وأمّا أسباب اعتبار العدل الإلهي أصلاً على أساس المعيار المذكور فهي :
أ _ الأهمّية العقيديةيكفي في بيان أهميّة الاعتقاد بالعدل الإلهي أنّ الكثير من العقائد الإسلاميه تنضوي تحته ، وأمّا إذا لم نؤمن بهذا الأصل فلن يكون بالإمكان إثبات الكثير من التعاليم الاعتقادية ، مثل : النبوّة ، والمعاد ، والحساب ، والجنّة ، والنار ، كما سنتحدّث عن ذلك بشكلٍ مفصّل فيما يأتي . يقول السيّد المرتضى في هذا المجال : فمن أراد الإجمال اقتصر على أصلين : التوحيد والعدل . فالنبوّة والإمامة الّتي هي واجبة عندنا ومن كبار الاُصول ، وهما داخلتان في أبواب العدل . (1)
ب _ الأهميّة السياسية _ الاجتماعيةلا تقلّ الأهميّة السياسية _ الاجتماعية للعدل الإلهي عن أهميّته العقيدية ؛ لأنّ العدل الإلهي يمثّل في الحقيقة البنية التحتية للعدالة الاجتماعية . وفي زمن بني اُميّة قام جملة من حكّامهم الجائرين _ الّذين كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء اللّه ورسوله
.
ص: 65
من جهة ، وكانوا جائرين إلى أبعد الحدود من جهةٍ اُخرى _ بتحريف مفهوم العدل الإلهي لتبرير مظالمهم . وتظهر الدراسات التاريخية أنهّم من خلال مخطّطٍ خبيثٍ ومدروس كان قد وضعه عدد من أشباه العلماء ، طرحوا مسألة القضاء والقدر الإلهيّين ، وبذلك سعوا لتصوير أنّ كلّ ما يحدث في العالم _ ومنه حكمهم الظالم _ إنّما يقع بتقدير اللّه ورضاه . وعلى هذا الأساس ، فإنّ على الناس أن يرضوا بحكم الظالمين ! وتفادياً للشبهة الّتي تقول إنّ مثل هذا القضاء والقدر والجبر يستلزم الظلم ، أنكروا الحُسن والقبح العقليين ، وقالوا : إنّ كلّ ما يفعله اللّه هو عين العدل ، بناءً على ذلك ، فإنّ حكومة الظلمة وممارسات الخلفاء الجائرة باعتبارها في قضاء اللّه وقدره فهي من العدل ولا يحقّ لأحدٍ الاعتراض عليها . وهذا التفسير للعدل الإلهي هو في الحقيقة نفي للعدل الإلهي ؛ ذلك لأنّه ينظر إلى الأعمال الّتي هي ظلم من منظار العقل بعين العدل . (1) وهنا يتّضح الترابط الوثيق بين العدل الإلهي والمسائل التالية : القضاء والقدر ، الجبر والاختيار ، الحسن والقبح العقليين ، والسعادة والشقاء ، كما يتّضح كيفية استغلال هذه المسائل الكلامية سياسيا في التاريخ الإسلامي . يقول الاُستاذ الشهيد المطهري رضى الله عنه في هذا المجال : يُظهر التاريخ أنّ مسألة القضاء والقدر كانت في عهد بني اُميّة مستمسكا قاطعا ودامغا للحكّام الاُمويّين ، فقد كانوا يؤيّدون بشدّة مذهب الجبر ، وكانوا يقتلون أنصار الاختيار والحرّية ؛ باعتبارهم يعارضون عقيدة دينية ، أو يلقونهم في السجن ، حتّى اشتهر هذا القول : الجبر والتشبيه اُمويّان ، والعدل والتوحيد علويّان .
.
ص: 66
ومن أقدم الّذين طرحوا مسألة اختيار الإنسان وحرّيته في العهد الاُمويودافعوا عن هذه العقيدة ، رجل من أهل العراق يُدعى معبد الجهني ، وآخر من أهل الشام عُرف باسم غيلان الدمشقي . وكان هذان الرجلان يُعرفان بالصدق والاستقامة والإيمان . فخرج معبد مع ابن الأشعث وقُتل على يد الحجّاج ، كما قُطعت أطراف غيلان بأمر هشام بن عبدالملك ، ثمّ قُتل شنقا وذلك بعد أن بلغت عقائده وأقواله مسامع هشام . جاء في كتاب تاريخ علم الكلام لشبلي نعمان : رغم أنّ جميع العوامل والأسباب كانت مهّيأة للاختلافات بين العقائد ، ولكنّها كانت منذ البدء نتيجة طبيعة سياسة أنظمة الحكم ومقتضياتها ، ولمّا كان القتل وسفك الدماء شائعين في عهد الاُمويّين ، فقد كانت النفوس مستعدّة للثورة بطبيعة الحال ، ولكنّ أنصار نظام الحكم كانوا يتذرّعون بالتقدير كلمّا نطق أحد بكلمة شكوى ، فكانوا يسكتونه بأنّ ما يحدث هو مقدّر ومرضي من قبل اللّه ، ولا يصحّ الاعتراض عليه بأيِّ حالٍ من الأحوال (آمنّا بالقدر خيره وشرّه) . وقد عاش معبد الجهني في عهد الحجّاج ، وكان من التابعين ، وكان شجاعا وصادقا للغاية ، واتّفق ذات يوم أن سأل اُستاذه الحسن البصري : ما مدى صحّة مسألة القضاء والقدر الّتي يطرحها بنو اُميّة؟ فقال : هم أعداء اللّه ، وهم كاذبون . (1) وطرَحَ أتباعُ أهل البيت عليهم السلام في مقابل هذا التحريف وهذه المؤامرة الخطيرة الّتي كانت تهدّد فلسفة رسالة الأنبياء وأساس الإسلام ، العدلَ الإلهي بمعناه الصحيح إلى جانب التوحيد ، باعتباره أحد اُصول الدين ، بمعنى أنّ إنكار العدل في الحقيقة إنكار للإسلام ، وأنّ الإسلام دون العدالة يعادل الإسلام دون الإسلام نفسه .
.
ص: 67
وعلى هذا الأساس ، فقد رأى أتباع أهل البيت عليهم السلام أنّ أهميّة العدل الإلهي تساوي أهميّة التوحيد ، واعتبروهما أساس الدين ، حتّى أنّ شخصا سأل الإمام الصادق عليه السلام : إنّ أساس الدين التوحيدُ والعدلُ ، وعِلمُهُ كثير ، ولابدّ لعاقلٍ منه ، فاذكُر ما يَسهُلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأ حِفُظُه . فأجاب الإمام عليه السلام مقرّرا كلام السائل : أَمَّا التَّوحيدُ ، فَأَن لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّكَ ما جازَ عَلَيكَ ، وَأمَّا العَدلُ فَأَن لا تَنسُبَ إِلى خالِقِكَ ما لامَك عَلَيهِ . (1) إنّ هذا الكلام يعني أنّ الموحّد هو الشخص الّذي لا يجوّز على خالقه ما يجوّزه على نفسه باعتباره مخلوقا ، فالمخلوق حادث ، ولكنّ الخالق لا يمكن أن يكون حادثاً ، والمخلوق محتاج ، ولكنّ الخالق لا يمكن أن يكون محتاجا ، وهكذا . كما يعني الاعتقاد بالعدل الإلهي أن لا تنسب إليه القيام بالأفعال السيّئة الّتي يُلام الإنسان على فعلها ، وأن لا تعتبره ظالما ، وأن لا تبرّر أفعاله بشكل بحيث يعتبره العقل ظالما . بعبارةٍ اُخرى ، فقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام لهشام بن الحكم العدل الإلهي بقوله : «مِنَ العَدلِ ألّا تَتَّهِمَهُ ، وَمِنَ التَّوحيدِ ألّا تَتَوَهَّمَهُ» . (2) أي أنّ الّذي يتّهم اللّه بإجبار الإنسان على القيام بالأعمال القبيحة من خلال تفسيره الخاطئ للقضاء والقدر ، فإنّه في الحقيقة لا يعتبره عادلاً ، حتّى وإن استدلّ على كلامه . وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة (فرقة من أهل السنّة) كانت تتّفق في العقيدة مع الإمامية بشأن الحُسن والقبح العقليين والعدل الإلهي ، وقد كان اختلافهم مع الأشاعرة في هذا المجال بحيث سُمّي الإمامية والمعتزلة ب «العدلية» أو «أصحاب العدل والتوحيد» . (3)
.
ص: 68
. .
ص: 69
الفصل الخامِسُ : العدل في الآخرة5 / 1العَدلُ ميزانُ الأَعمالِ يَومَ القِيامَةِالكتاب«وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ» . (1)
«وَ نَضَعُ الْمَوَ زِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَ_مَةِ فَلَا تُظْ_لَمُ نَفْسٌ شَيْ_ئا وَ إِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ كَفَى بِنَا حَ_سِبِينَ» . (2)
الحديثالاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : ... أوَ لَيسَ توزَنُ الأَعمالُ ؟ قالَ عليه السلام : لا ، إنَّ الأَعمالَ لَيسَت بِأَجسامٍ ، وإنَّما هِيَ صِفَةُ ما عَمِلوا ، وإنَّما يَحتاجُ إلى وَزنِ الشَّيءِ مَن جَهِلَ عَدَدَ الأَشياءِ ، ولا يَعرِفُ ثِقلَها وخِفَّتَها ، وإنَّ اللّهَ لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ .
.
ص: 70
قالَ : فَما مَعنَى الميزانِ ؟ قالَ عليه السلام : العَدلُ . (1)
5 / 2العَدلُ في جَزاءِ الحَسَناتِالكتاب«إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَ عَذَابٌ أَلِيم بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ» . (2)
«إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً» . (3)
«إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» . (4)
«إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» . (5)
« وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » . (6)
راجع : البقرة:143، 272، 279، 281 وآل عمران : 25، 57، 161، 171، 195 والأنفال: 60 ويونس: 4 ومريم : 60 وطه : 112 والنحل : 111 .
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ في ذِكرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: اللّهُمَّ اقسِم لَهُ مَقسَما مِن عَدلِكَ ، وَاجزِهِ مُضَعَّفاتِ (7) الخَيرِ مِن فَضلِكَ . (8)
.
ص: 71
الإمام الباقر عليه السلام_ بَعدَ ذِكرِهِ عليه السلام قَولَهُ تَعالى : «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُم» (1) _: لَيسَت تَشهَدُ الجَوارِحُ (2) عَلى مُؤمِنٍ ، إنَّما تَشهَدُ عَلى مَن حَقَّت عَلَيهِ كَلِمَةُ العَذابِ ، فَأَمَّا المُؤمِنُ فَيُعطى كِتابَهُ بِيَمينِهِ ، قالَ اللّهُ عز و جل : «فَمَنْ (3) أُوتِىَ كِتَ_بَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَ_بَهُمْ وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» (4) . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ التَّوبَةَ مُطَهِّرَةٌ مِن دَنَسِ الخَطيئَةِ ، قالَ عز و جل : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» إلى قَولِهِ عز و جل : «لَا تُظْ_لَمُونَ» (6) فَهذا ما دَعَا اللّهُ إلَيهِ عِبادَهُ مِنَ التَّوبَةِ ، ووَعَدَ عَلَيها مِن ثَوابِهِ ، فَمَن خالَفَ ما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِنَ التَّوبَةِ سَخِطَ اللّهُ عَلَيهِ ، وكانَتِ النّارُ أولى بِهِ وأحَقَّ . (7)
تفسير القمّي_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً» _: الجِلدَةُ الَّتي في ظَهرِ النَّواةِ . (8)
5 / 3العَدلُ في جَزاءِ السَّيِّئاتِالكتاب«الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . (9)
.
ص: 72
«مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (1)
«ذَ لِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُ_لْمٍ وَأَهْلُهَا غَ_فِلُونَ» . (2)
راجع : غافر : 31 والنحل : 33 ، 118 والزخرف : 76 والكهف : 49 وهود : 101 و 117 والتوبة : 70 والعنكبوت : 40 والروم : 9 .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن وَعدُهُ صِدقٌ ، يا مَن عَفوُهُ فَضلٌ ، يا مَن عَذابُهُ عَدلٌ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في دُعاءِ الجَوشَنِ الكَبيرِ _: يا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، يا مَن لا يُسأَلُ إلّا عَفوُهُ ، يا مَن لا يُنظَرُ إلّا بِرُّهُ (4) ، يا مَن لا يُخافُ إلّا عَدلُهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أصابَ فِي الدُّنيا ذَنبا فَعوقِبَ بِهِ ، فَاللّهُ أعدَلُ مِن أن يُثَنِّيَ عُقوبَتَهُ عَلى عَبدِهِ ، ومَن أذنَبَ ذَنبا فِي الدُّنيا فَسَتَرَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، فَاللّهُ أكرَمُ مِن أن يَعودَ في شَيءٍ قَد عَفا عَنهُ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّهُ لَم يُصِبِ امرُؤٌ مِنكُم في هذِهِ الدُّنيا حَبرَةً (7) إلّا أورَثَتهُ عَبرَةً ، ولا يُصبِحُ فيها في جَناحِ أمنٍ إلّا وهُوَ يَخافُ فيها نُزولَ جائِحَةٍ، أو تَغَيُّرَ نِعمَةٍ، أو
.
ص: 73
زَوالَ عافِيَةٍ ؛ مَعَ أنَّ المَوتَ مِن وَراءِ ذلِكَ ، وهَولَ المُطَّلَعِ (1) ، وَالوُقوفَ بَينَ يَدَيِ الحَكَمِ العَدلِ ، تُجزى كُلُّ نَفسٍ بِما عَمِلَت «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» (2) ، فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ ، وسارِعوا إلى رِضوانِ اللّهِ وَالعَمَلِ بِطاعَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيهِ بِكُلِّ ما فيهِ الرِّضا . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ في تَحميدِ اللّهِ عز و جل _: ... حَتّى إذا بَلَغَ أقصى أثَرِهِ ، وَاستَوعَبَ حِسابَ عُمُرِهِ ، قَبَضَهُ إلى ما نَدَبَهُ إلَيهِ مِن مَوفورِ ثَوابِهِ ، أو مَحذورِ عِقابِهِ «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» عَدلاً مِنهُ ، تَقَدَّسَت أسماؤُهُ ، وتَظاهَرَت آلاؤُهُ (4) ، «لَا يُسْ_ئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْ_ئلُونَ» (5) . (6)
عنه عليه السلام_ مِن دُعاءٍ لَهُ فِي اللُّجوءِ إلَى اللّهِ تَعالى _: اللّهُمَّ إن تَشَأ تَعفُ عَنّا فَبِفَضلِكَ ، وإن تَشَأ تُعَذِّبنا فَبِعَدلِكَ ، فَسَهِّل لَنا عَفوَكَ بِمَنِّكَ ، وأجِرنا مِن عَذابِكَ بِتَجاوُزِكَ ؛ فَإِنَّهُ لا طاقَةَ لَنا بِعَدلِكَ ، ولا نَجاةَ لِأَحَدٍ مِنّا دونَ عَفوِكَ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ مُديرِ الأَدوارِ ومُعيدِ الأَكوارِ ، طَبَقا عَن طَبَقٍ (8) ، وعالَما بَعدَ
.
ص: 74
عالَمٍ «لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَ__ئواْ بِمَا عَمِلُواْ وَ يَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى» عَدلاً مِنهُ تَقَدَّسَت أسماؤُهُ وجَلَّت آلاؤُهُ ، لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئ وَ لكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ ، يَشهَدُ بِذلِكَ قَولُهُ جَلَّ قُدسُهُ : «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (1) في نَظائِرَ لَها في كِتابِهِ الَّذي فيهِ تِبيانُ كُلِّ شَيءٍ ، و «لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (2) ، ولِذلِكَ قالَ سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وآلِهِ : إنَّما هِيَ أعمالُكُم تُرَدُّ إلَيكُم . (3)
عنه عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» (4) _: اللّهُ أجَلُّ وأعدَلُ وأعظَمُ مِن أن يَكونَ لِعَبدِهِ عُذرٌ لا يَدَعُهُ يَعتَذِرُ بِهِ ، ولكِنَّهُ فُلِجَ (5) فَلَم يَكُن لَهُ عُذرٌ . (6)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إلَيهِ _: نَظَرَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيٌّ عليه السلام إلى رَجُلٍ فَرَأى أثَرَ الخَوفِ عَلَيهِ ، فَقالَ : ما بالُكَ ؟ قالَ : إنّي أخافُ اللّهَ ، قالَ : يا عَبدَ اللّهِ ، خَف ذُنوبَكَ ، وخَف عَدلَ اللّهِ عَلَيكَ في مَظالِمِ عِبادِهِ ، وأطِعهُ فيما كَلَّفَكَ ولا تَعصِهِ فيما يُصلِحُكَ ، ثُمَّ لا تَخَفِ اللّهَ بَعدَ ذلِكَ فَإِنَّهُ لا يَظلِمُ أحَدا ، ولا يُعَذِّبُهُ فَوقَ استِحقاقِهِ أبَدا ، إلّا أن تَخافَ سوءَ العاقِبَةِ بِأَن تَغَيَّرَ أو تَبَدَّلَ ، فَإِن أرَدتَ أن يُؤمِنَكَ اللّهُ سوءَ العاقِبَةِ ، فَاعلَم أنَّ ما تَأتيهِ مِن خَيرٍ فَبِفَضلِ اللّهِ وتَوفيقِهِ ، وما تَأتيهِ مِن شَرٍّ فَبِإِمهالِ اللّهِ وإنظارِهِ إيّاكَ وحِلمِهِ عَنكَ . (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في أسحارِ شَهرِ رَمَضانَ _: إذا رَأَيتُ _ مَولايَ _
.
ص: 75
ذُنوبي فَزِعتُ ، وإذا رَأَيتُ كَرَمَكَ طَمِعتُ ، فَإِن عَفَوتَ فَخَيرُ راحِمٍ ، وإن عَذَّبتَ فَغَيرُ ظالِمٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إلهي ، إن غَفَرتَ فَبِفَضلِكَ ، وإن عَذَّبتَ فَبِعَدلِكَ ، فَيا مَن لا يُرجى إلّا فَضلُهُ ، ولا يُخافُ إلّا عَدلُهُ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَامنُن عَلَيَّ بِفَضلِكَ ، ولا تَستَقصِ (2) عَلَيَّ عَدلَكَ . (3)
الإمام الحسين عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: وأنَّكَ الحَكَمُ العَدلُ الَّذي لا يَجورُ ، وعَدلُكَ مُهلِكي ، ومِن كُلِّ عَدلِكَ مَهرَبي ، فَإِن تُعَذِّبني فَبِذُنوبي يا مَولايَ بَعدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ ، وإن تَعفُ عَنّي فَبِحِلمِكَ وجودِكَ وكَرَمِكَ . لا إلهَ إلّا أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظّالِمينَ . (4)
عنه عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ ، ولا رَبَّ لَنا غَيرُكَ ، نافِذٌ فينا حُكمُكَ ، مُحيطٌ بِنا عِلمُكَ ، عَدلٌ فينا قَضاؤُكَ ، اقضِ لَنَا الخَيرَ وَاجعَلنا مِن أهلِ الخَيرِ . اللّهُمَّ أوجِب لَنا بِجودِكَ عَظيمَ الأَجرِ . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعاءِ عَرَفَةَ _: إلهي ، وَصَفتَ نَفسَكَ بِاللُّطفِ وَالرَّأفَةِ لي قَبلَ وُجودِ ضَعفي ، أفَتَمنَعُني مِنهُما بَعدَ وُجودِ ضَعفي ؟ إلهي ، إن ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنّي فَبِفَضلِكَ ولَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ ، وإن ظَهَرَتِ المَساوِئُ مِنّي فَبِعَدلِكَ ولَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ ، إلهي ، كَيفَ تَكِلُني (6)
.
ص: 76
وقَد تَوَكَّلتَ لي ... . إلهي ، مَن كانَت مَحاسِنُهُ مَساوِيَ فَكَيفَ لا تَكونُ مَساويهِ مَساوِيَ ؟ ومَن كانَت حَقايِقُهُ دَعاوِيَ فَكَيفَ لا تَكونُ دَعاويهِ دَعاوِيَ ؟! إلهي ، حُكمُكَ النّافِذُ ، ومَشِيَّتُكَ القاهِرَةُ ، لَم يَترُكا لِذي مَقالٍ مَقالاً ، ولا لِذي حالٍ حالاً ، إلهي ، كَم مِن طاعَةٍ بَنَيتُها وحالَةٍ شَيَّدتُها ، هَدَمَ اعتِمادي عَلَيها عَدلُكَ ، بَل أقالَني (1) مِنها فَضلُكَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اللّهُ ... يَنتَقِمُ مِنَ الظّالِمِ بِما هُوَ عادِلٌ بِحُكمِهِ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ في وَداعِ شَهرِ رَمَضانَ _: يا مَن لا يُكافِئُ عَبدَهُ عَلَى السَّواءِ ، مِنَّتُكَ ابتِداءٌ ، وعَفوُكَ تَفَضُّلٌ ، وعُقوبَتُكَ عَدلٌ ، وقَضاؤُكَ خِيَرَةٌ ، إن أعطَيتَ لَم تَشُب (4) عَطاءَكَ بِمَنٍّ ، وإن مَنَعتَ لَم يَكُن مَنعُكَ تَعَدِّيا ، تَشكُرُ مَن شَكَرَكَ وأنتَ ألهَمتَهُ شُكرَكَ . (5)
عنه عليه السلام :مَن أكرَمُ _ يا إلهي _ مِنكَ ؟ ومَن أشقى مِمَّن هَلَكَ عَلَيكَ ؟! 6
.
ص: 77
لا ! مَن ؟ فَتَبارَكتَ أن توصَفَ إلّا بِالإِحسانِ ، وكَرُمتَ أن يُخافَ مِنكَ إلَا العَدلُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَمّا يَجوزُ وعَمّا لا يَجوزُ مِنَ النِّيَّةِ _: إنَّ النِّيّاتِ قَد تَجوزُ في مَوضِعٍ ولا تَجوزُ في آخَرَ ، فَأَمّا ما تَجوزُ فيهِ : فَإِذا كانَ مَظلوما فَما حَلَفَ بِهِ ونَوَى اليَمينَ فَعَلى نِيَّتِهِ ، وأمّا إذا كانَ ظالِما فَاليَمينُ عَلى نِيَّةِ المَظلومِ . ثُمَّ قالَ : ولَو كانَتِ النِّيّاتُ مِن أهلِ الفِسقِ يُؤخَذُ بِها أهلُها ، إذا لَاُخِذَ كلُّ مَن نَوَى الزِّنا بِالزِّنا ، وكُلُّ مَن نَوَى السَّرِقَةَ بِالسَّرِقَةِ ، وكُلُّ مَن نَوَى القَتلَ بِالقَتلِ ، ولكِنَّ اللّهَ عَدلٌ حَكيمٌ ، لَيسَ الجَورُ مِن شَأنِهِ ، ولكِنَّهُ يُثيبُ عَلى نِيّاتِ الخَيرِ أهلَها ، وإضمارهِم عَلَيها ، ولا يُؤاخِذُ أهلَ الفُسوقِ حَتّى يَفعَلوا . (2)
5 / 4الحَثُّ عَلى ذِكرِ الوُقوفِ بَينَ يَدَي أعدَلِ الحاكِمينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي التَّخويفِ مِنَ القِيامَةِ وَالحِسابِ _: اُذكُروا وُقوفَكُم بَينَ يَدَيِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ؛ فَإِنَّهُ الحَكَمُ العَدلُ ، وَاستَعِدُّوا لِجَوابِهِ إذا سَأَلَكُم . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :اُذكُر عِندَ الظُّلمِ عَدلَ اللّهِ فيكَ ، وعِندَ القُدرَةِ قُدرَةَ اللّهِ عَلَيكَ . (4)
عنه عليه السلام :كُلُّ ذي قُدرَةٍ فَمَقدورٌ للّهِِ ، وكُلُّ ظالِمٍ فَلا مَحيصَ لَهُ مِن عَدلِ اللّهِ . (5)
.
ص: 78
5 / 5شِدَّةُ يَومِ العَدلِ عَلَى الظّالِمِالكتاب«وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَ__لَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً» . (1)
«إِنَّ الظَّ__لِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . (2)
«وَ مَن يَظْ_لِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا» . (3)
«وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» . (4)
«إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّ__لِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَ إِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَ سَاءَتْ مُرْتَفَقًا» . (5)
«رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّ__لِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ» . (6)
«يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّ__لِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» . (7)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ رَبُّكُم : وعِزَّتي وجَلالي ، لَأَنتَقِمَنَّ مِنَ الظّالِمِ في عاجِلِهِ وآجِلِهِ ،
.
ص: 79
ولَأَنتَقِمَنَّ مِمَّن رَأى مَظلوما فَقَدَرَ أن يَنصُرَهُ فَلَم يَفعَل . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِن أعظَمِ النّاسِ عَذابا يَومَ القِيامَةِ ، مَن أشرَكَهُ اللّهُ في سُلطانِهِ فَجارَ في حُكمِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اِتَّقُوا الظُّلمَ ؛ فَإِنَّهُ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :شَرُّ الزّادِ إلَى المَعادِ ، احتِقابُ (4) ظُلمِ العِبادِ . (5)
عنه عليه السلام :يَومُ العَدلِ عَلَى الظّالِمِ ، أشَدُّ مِن يَومِ الجَورِ عَلَى المَظلومِ . (6)
عنه عليه السلام_ في بَيانِ أنواعِ الظُّلمِ _: أمَّا الظُّلمُ الَّذي لا يُترَكُ فَظُلمُ العِبادِ بَعضِهِم بَعضا . القِصاصُ هُناكَ شَديدٌ ، لَيسَ هُوَ جَرحاً بِالمُدى ، ولا ضَربا بِالسِّياطِ ، وَلكِنَّهُ ما يُستَصغَرُ ذلِكَ مَعَهُ . (7)
.
ص: 80
عنه عليه السلام :ظالِمُ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ مَنكوبٌ (1) بِظُلمِهِ ، مُعَذَّبٌ مَحروبٌ (2) . (3)
عنه عليه السلام :مَن ضَرَبَ رَجُلاً سَوطا ظُلما ، ضَرَبَهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى بِسَوطٍ مِن نارٍ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ أشَدَّ النّاسِ يَومَ القِيامَةِ حَسرَةً ، مَن وَصَفَ عَدلاً وأتى جَورا . (5)
.
ص: 81
القسم الثّاني : العدل ، والقضاء والقدرالفصل الأوّل : معنى القضاء والقدرالفصل الثّاني : علم القضاء والقدرالفصل الثّالِثُ : خصائص القضاء والقدرالفصل الرّابِعُ : أصناف القضاء والقدر وأحكامهماالفصل الخامِسُ : البداء في القضاء والقدرالفصل السّادِسُ : دور القضاء والقدر في الخلقةالفصل السّابِعُ : دور القضاء والقدر في المصائب والشّرورالفصل الثّامن : دور القضاء والقدر في أفعال الإنسانالفصل التّاسِعُ : دور القضاء والقدر في السَّعادة والشَّقاوةالفصل العاشِرُ : دور الإنسان في القضاء والقدرالفصل الحادي عَشَرَ : الإيمان بالقضاء والقدرالفصل الثّاني عَشَرَ : الرِّضا بالقضاء والقدر
.
ص: 82
. .
ص: 83
تحليل حول القضاء والقدر وعلاقتهما بالعدل الإلهيتُعدّ مسألة «القضاء والقدر» الّتي يعبّر عنها أحيانا ب «المصير» و«القسمة» أيضا ، من المسائل الكلامية والفلسفية المهمّة ، وتتمتّع هذه المسألة بأهميّة ومكانة رفيعتين في معارف القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام أيضا ، بل إنّ الرواية المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام تفيد بأنّ من خصوصيات القرآن أنّه تضمّن علم القضاء والقدر ، والمعارف المتعلّقة بهذه المسألة المهمّة . والّذي لا يحيط علما بهذا العلم القرآني هو في الحقيقة ليس عالما ، لا بالقرآن ولا بأهله! (1) والمعارف الّتي يمكن التوصّل إليها ببركة القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام فيما يتعلّق بعلم القضاء والقدر هي : معنى القضاء والقدر ، خصائصهما وأقسامهما ، دور البَداء في القضاء والقدر ، دور القضاء والقدر في الخلق ، دور القضاء والقدر في المصائب والشرور ، دور القضاء والقدر في أفعال الإنسان ، دور القضاء والقدر في السعادة والشقاء ، دور الإنسان في القضاء والقدر . وقد ارتبطت هذه المسائل بلحمة المعارف القرآنية بنحو ، بحيث لا يمكن من دونها فهم هذا الكتاب السماوي بشكلٍ صحيح ، والمعرفة الصحيحة لهذه المسائل تهيّئ الأرضية للإيمان بالقضاء والقدر والرضا بهما وبلوغ قمّة الكمالات الإنسانية .
.
ص: 84
الارتباط بين القضاء والقدر والعدل الإلهيترتبط مسألة القضاء والقدر بالعدل الإلهي من زاويتين : الاُولى : من ناحية دور التقدير في المصائب والشرور . والاُخرى من حيث دوره في أفعال الإنسان . وبما أنّ هاتين المسألتين ترتبطان بشكلٍ ما بغالبية المسائل المتعلّقة بالقضاء والقدر ، فإنّ موضوع القضاء والقدر يتمّ بحثه في ذيل موضوع العدل الإلهي . سنورد فيما يلي إيضاحا مختصرا حول بعض المعارف المرتبطة بالقضاء والقدر :
أوّلاً : القضاء والقدر لغةًالقضاء من مادّة «ق ض ي» بمعنى تثبيت عملٍ ما ووضعه في جهة فلسفته الوجودية . يذكر ابن فارس في هذا المجال : القاف والضاد والحرف المعتلّ أصل صحيح يدلّ على إحكام الأمر وإتقانه وإنفاذه لجهته ، قال اللّه تعالى : «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَ_وَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ» (1) أي أحكم خلقهنّ ... . والقضاء : الحكم ، قال اللّه سبحانه في ذكر من قال : «فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ» (2) أي : اِصنع واحكم ، ولذلك سُمّي القاضي قاضيا ؛ لأنّه يحكم الأحكام ويُنفذها ... . (3) و«القَدَر» من مادّة «قدر» : بمعنى حدّ الشيء وقياسه وجوهره ونهايته ، والتقدير بمعنى تعيين المقدار والحدّ منه ، يقول ابن فارس في بيان هذه المادّة : القاف والدّال والراء أصل صحيح يدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته ، فالقَدْر: مبلغ كلّ شيء ، يقال : قدره كذا ، أي مبلغه ، وكذلك القَدَر ...
.
ص: 85
والقَدْر : قضاء اللّه تعالى الأشياء على مبالغها ونهاياتها الّتي أرادها لها ، وهو القَدَر أيضا . (1)
ثانيا : القضاء والقدر في الكتاب والسنّةللقضاء والقدر استعمالات عديدة في الكتاب والسنّة ، ويفيد ما روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّ كلمة القضاء استُخدمت في القرآن في عشرة معان . (2) لكنّ المراد من القدَر في هذا البحث : هندسة الأشياء وقياساتها . والمراد من القضاء هو الحكم بتحقّقها . بعبارة اُخرى : لكلّ ظاهرة مقدّمات لتحقّقها ، والقضاء والقدر مقدّمتان مهمّتان وأساسيتان لها ؛ إحداهما قياسها ، والاُخرى الأمر بتحقّقها . وقد جاء في رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام في بيان المقدّمة الاُولى : هوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطُّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . (3) وجاء في رواية اُخرى : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وَعَرضِهِ . (4) ونقل في رواية اُخرى عن الإمام الرضا عليه السلام : هوَ وَضعُ الحُدودِ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَقاءِ وَالفَناءِ . (5) هكذا فإنّ اللّه _ تعالى _ يعيّن قبل القيام بأيّ عمل وقبل إيجاد كلّ ظاهرة ، نطاقها
.
ص: 86
الوجودي أوّلاً من كلّ جهة ، ويطلق على هذا النطاق «القَدَر» وعلى هذا العمل «التقدير» . ويأتي بعد «التقدير» دور المقدّمة الثانية وهي «القضاء» ، حيث نُقل عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير هذه المقدّمة قوله : القَضاءُ : هوَ الإِبرامُ وَإِقامَةُ العَينِ . (1) وفي هذه المرحلة يحقّق اللّه في الخارج ما قدّره . وبعبارة اُخرى فإنّ الوجود العيني لكلّ ظاهرة هو في الحقيقة تثبيت وجودها التقديري . وعلى هذا ، فإنّ القَدَر مقدّم على القضاء ، وإذا ما قُدّم «القضاءُ» في القول والكتابة ، فالسبب في ذلك السهولة في استخدامهما .
ثالثا : النهي عن البحث عن سرّ القَدَرالملاحظة الّتي تستحقّ الاهتمام في معرفة علم القضاء والقدر هي أنّ هذا العلم يبلغ من الأهميّة بحيث إنّه ارتبط ارتباطا وثيقا بعلم القرآن من جهة ، ومن جهة اُخرى فقد ورد النهي الشديد عن البحث عن سرّ القدر . (2) ويمكننا أن نجمع بين هذه الروايات بالقول : إنّ السعي لتحصيل علم القضاء والقدر مطلوب ، ولكنّ السعي لمعرفة سرّ القضاء والقدر ممنوع . إنّ الإحاطة علما بمعنى القضاء والقدر وأقسامهما ودورهما في الخلق والشرور وأفعال الإنسان والسعادة والشقاء واُمور من هذا القبيل ، هي علم القضاء والقدر الّذي ليس مطلوبا وحسب ، بل إنّه ضروري . وأمّا محاولة معرفة لماذا قدّر اللّه _ تعالى _ مثل هذا التقدير في هذا المجال فيما حكم بتقدير آخر في ذلك المجال ، فإنّها بحث عن سرّ القضاء والقدر الّذي ليس هو غير مطلوب وحسب،بل إنّه ممنوع.
.
ص: 87
وحكمة هذا المنع هي : أوّلاً : إنّ التوصّل إليها ليس ممكنا عادةً ، كما حدث لموسى عليه السلام خلال مرافقته للعبد الصالح ، حيث لم يستطع أن يدرك سرّ خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار ، ولذلك فقد اعترض عليه ، ولكنّه أدرك بعد إيضاحه أنّ الحقّ معه . (1) ولذلك فقد وردت الإشارة إلى هذه الحكمة في الروايات : «القَدَرُ سِرُّ اللّهِ ، فَلا تَتَكَلَّفوا عِلمَهُ» . (2) والتكلّف يعني الوقوع في المشقّة . والمراد هنا أنّ سرّ القدر يمثّل مسألة اقتضت الحكمة الإلهيّة خفاءها ، لذلك يجب على الإنسان أن لا يوقع نفسه في المشقّة للتوصّل إليها ؛ لأنّ التوفيق سوف لا يحالفه . وإنّ تعبيرات مثل «طريق مظلم» و«بحر عميق» عن سرّ القدر ، هي إشارة إلى عدم إمكان توصّل الإنسان إلى هذا السرّ . ثانيا : إنّ تكامل الإنسان هو في ظلّ طاعته المطلقة للّه _ تعالى _ وتسليمه له دون أيّ قيدٍ وشرط ، والرضا بقضائه ، وهذا الهدف يتنافى مع معرفة سرّ القدر . ثالثا : إنّ معرفة سرّ القدر ليس فاقداً للفائدة فحسب ، بل قد يكون ضارّا للكثير من الأشخاص ، كأن يعرف أنّ سبب مصيبته كونه ابن زنا مثلاً . رابعا : بما أنّ الإنسان لا يستطيع في نظام الخلق أن يصل إلى سرّ القدر ، فإنّ نتيجة السعي للحصول عليه سوف لا تكون سوى الحيرة والضلال أحيانا . (3)
رابعا : الخصائص المهمّة للقضاء والقدررغم أنّ سرّ القدر خافٍ على الإنسان ، إلّا أنّ للمقدّرات الإلهيّة خمس خصائص مهمّة من الضروري معرفتها :
.
ص: 88
1 . إنّ القضاء والقدر هما فعلان من الأفعال الإلهيّة ، ومخلوقان من مخلوقاته ، وظاهرتان من ظواهر العالم يرتبط تغييرهما الكيفي والكمّي بالإرادة الإلهيّة . (1) 2 . جميع المقدّرات الإلهيّة حسنة ، وليس في نظام الخلق قضاء وقدر قبيح . (2) 3 . جميع المقدّرات الإلهيّة حكيمة ، ولا يوجد أيّ فعل غير حكيم في الأفعال الإلهيّة . (3) 4 . جميع المقدّرات الإلهيّة تقوم على العدل ، ولا يوجد أيّ ظلمٍ في نظام الخلق بحيث يُنسب إليه . (4) 5 . جميع المقدّرات الإلهيّة في حياة أهل الإيمان تؤول لصالحهم في النهاية حتّى وإن بدت في الظاهر مضرّة لهم . (5) وسوف نوضّح هذه الخصائص خلال المباحث التالية .
خامسا : أقسام القضاء والقدريُقسّم القضاء والقدر من الناحية التشريعية والتكوينية ، القطعية وغير القطعية ، إلى عدّة أقسام :
1 . القضاء والقدر التشريعيانيعني القدر التشريعي : أنّ اللّه _ تعالى _ قد قدّر أفعال الإنسان الاختيارية ، وقسّمها على أساس مصالحها ومفاسدها إلى واجبة ، مستحبّة ، محرّمة مكروهة ومباحة ، كما عيّن مقدار ثوابها . والقضاء التشريعي : هو أنّ اللّه أصدر أمر تنفيذ القدر التشريعي ، كما نُقل عن
.
ص: 89
الإمام عليّ عليه السلام في تفسير القضاء والقدر : الأَمرُ بِالطاعَةِ وَالنَّهيُ عَنِ المَعصيَةِ ... وَالوَعدُ وَالوعيدُ ، والتَّرغيبُ والتَّرهيبُ ، كُلُّ ذلِكَ قَضاءُ اللّهِ في أَفعالِنا ، وَقَدَرُهُ لأَِعمالِنا . (1) وجاء أيضا عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير القضاء : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَسَتحِقّونَهُ عَلى أَفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (2)
2 . القضاء والقدر التكوينيانالقضاء والقدر التكوينيان على نوعين : أحدهما : القضاء والقدر التكوينيان في خلق الموجودات ، ويعنيان تقديرها وإيجادها . والآخر : القضاء والقدر التكوينيان فيما يتعلّق بأفعال الإنسان . ويعني التقدير التكويني بالنسبة إلى أفعال الإنسان أنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على اختيارها والقيام بها بمقدار محدود معيّن ، وفيما يُراد من القضاء التكويني الأمر التكويني الإلهي بتنفيذ هذه التحديدات . جدير بالذكر أنّ القدرة المحدودة الّتي مُنحت للإنسان لا تمنع مالكية اللّه وسلطته على أفعال الإنسان ، ولذلك فإنّ القضاء والقدر التكويني لا يستوجبان الجبر ولا التفويض ، وسوف نستعرض هذا الموضوع بالتفصيل . (3)
3 . القضاء والقدر المحتومان والموقوفانالقضاء والقدر المحتومان غير قابلين للتغيير ، ولكنّ القضاء والقدر الموقوفين
.
ص: 90
يتوقّفان على بعض الشروط ، ولا يتحقّقان إلّا في حالة تحقّقها ، وسوف ندرس هذا الموضوع بالتفصيل وكذلك دور «البداء» في القضاء والقدر (1) ، ودور القضاء والقدر في ظهور الشرور (2) ، وفي أفعال الإنسان (3) ، وفي سعادته وشقائه . (4)
سادسا : معنى الإيمان بالقضاء والقدريتّضح معنى الإيمان بالقضاء والقدر استنادا إلى المباحث السابقة . وباختصار : فإنّ الإيمان بالقضاء والقدر هو الاعتراف بالشيء مع العلم بأنّ جميع ما في العالم _ سواء ما تعلّق منها بالإنسان أم بغيره _ هي بالقضاء والقدر الإلهيين ، وأنّ مقدّرات الإنسان لا تستوجب الجبر ولا التفويض . وعلى هذا ، فإنّ ما جاء في بعض الروايات من أنّه : لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُؤمِنَ بِالقدر خَيرِهِ وَشرَِّهِ ، حَتّى يَعلَمَ أَنَّ ما أَصابَهُ لَم يَكُن ليُخطِئَهُ وَما أَخطَأَهُ لَم يَكُن ليُصيبَهُ . (5) هو في الحقيقة بيان لأحد المصاديق البارزة للإيمان بالقضاء والقدر ؛ ذلك لأنّ الّذي يؤمن بالتقدير الإلهي يعلم بوضوح أنّ ما يحدث في حياته أو لا يحدث ، حسنا كان أم سيّئا ، قبيحا أم جميلاً ، هو على أساس التقدير الإلهي .
سابعا : أهميّة الإيمان بالقضاء والقدربما أنّ الإيمان بالتقدير الإلهي يُلازم في الحقيقة إنكار أيّ دور لغير اللّه سبحانه في تدبير عالم الوجود ، فقد اعتُبر أحد الأركان الأصلية للتوحيد ، كما جاء في
.
ص: 91
الحديث النبويّ : الإِيمانُ بِالقَدَرِ نِظامُ التَّوحيد . (1) وقد ورد التأكيد في أحاديث كثيرة أنّ الإنسان سوف يُحرم من بركات الإيمان الحقيقي ما لم يُؤمن بالتقدير الإلهي ، بل وُصِفَ مَن يدّعي الإسلام ثمّ ينكر القَدَر بأنّه كافر ومجوسي وملعون . (2) ولكنّ الملاحظة المهمّة هي أنّنا يجب أن نلتفت إلى أنّ الإيمان بالتقدير لا يتنافى مع التدبير والتخطيط والسعي من أجل حياةٍ أفضل وحسب ، بل إنّ التدبير والسعي هما نوع من التقدير ، كما يصرّح بذلك القرآن : «وَ أَن لَّيْسَ لِلْاءِنسَ_نِ إِلَا مَا سَعَى» . (3) وهذا يعني أنّ الإنسان في نظام الخلق وعلى أساس التقدير الإلهي ، لن ينتفع إلّا من تدبيره وسعيه ، على هذا الأساس فإنّ الدواء والدعاء والتمسّك بالأسباب الاُخرى يُعدّ مفيدا للإنسان ، كما جاء في الحديث النبويّ : الدَّواءُ مِنَ القَدَرِ ، وَقَد يَنفَعُ بِإِذنِ اللّه . (4) استنادا إلى ذلك فإن كانت هناك روايات تدلّ في الظاهر على التنافي مع التدبير والتقدير ، فإنّ المراد منها شيء آخر بالتأكيد . (5)
ثامنا : آثار الرضا بالقضاء والقدريعتبر الرضا بالقضاء الإلهي من التعاليم الإسلامية المهمّة ، بمعنى أنّ الإنسان
.
ص: 92
المسلم يجب أن يرضى بما يحدث له ممّا هو خارج عن اختياره بعد السعي للوصول إلى الحياة المطلوبة . وهناك الكثير من الأحاديث حثّت المسلمين على تحصيل هذه الخصلة كي يتمتّعوا بآثارها وبركاتها ، عن طريق تقوية عواملها وإزالة موانعها . وللرضا بالقضاء والقدر الإلهيّين بركات غزيرة في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية ، الدنيوية والاُخروية . فالرضا بالقدر ، يحرّر الإنسان من مرض الحرص والحسد ويجلب الغنى المعنوي . ويؤدّي الرضا بالقضاء أن لا يخشى الإنسان إلّا اللّه _ سبحانه _ وأن يؤدّي بشجاعة وشهامة مسؤولياته الاجتماعية . والرضا بالقضاء يمنح الإنسان القدرة على مقاومة أنواع الابتلاءات الدنيوية ، ويحول دون البلايا الاُخروية . والرضا بالقضاء يخرج الهمّ من القلب ، ويجلب الفرح والسرور ، ويوجد الهدوء والسكينة ، ويهيّئ للإنسان أفضل حياة وأجملها ، كما جاء في رواية عن الإمام عليّ عليه السلام : إِنَّ أَهنأَ النَّاسِ عَيشا ، مَن كان بِما قَسَمَ اللّه لَهُ راضيا . (1) وباختصار : فإنّ الرضا بالقضاء ، هو أهمّ عوامل تكامل الإنسان (2) ، وأسمى مرتبة للكمالات الانسانية ، وهي في الحقيقة مقام الانسان الكامل . (3)
.
ص: 93
الفصل الأوّل : معنى القضاء والقدرالإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ مَعنَى القَضاءِ وتَفسيرِهِ _: هُوَ عَشَرَةُ أوجُهٍ مُختَلِفَةُ المَعنى ، فَمِنهُ قَضاءُ فَراغٍ ، وقَضاءُ عَهدٍ ، ومِنهُ قَضاءُ إعلامٍ ، ومِنهُ قَضاءُ فِعلٍ ، ومِنهُ قَضاءُ إيجابٍ ، ومِنهُ قَضاءُ كِتابٍ ، ومِنهُ قَضاءُ إتمامٍ ، ومِنهُ قَضاءُ حُكمٍ وفَصلٍ ، ومِنهُ قَضاءُ خَلقٍ ، ومِنهُ قَضاءُ نُزولِ المَوتِ . أمّا تَفسيرُ قَضاءِ الفَراغِ مِنَ الشَّيءِ ، فَهُوَ قَولُهُ تَعالى : «وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِىَ وَ لَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم » (1) مَعنى «فَلَمَّا قُضِىَ» أي فَلَمّا فَرَغَ ، وكَقَولِهِ : «فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَ_سِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ» (2) . أمّا قَضاءُ العَهدِ ، فَقَولُهُ تَعالى : «وَ قَضَى رَبُّكَ أَلَا تَعْبُدُواْ إِلَا إِيَّاهُ» (3) أي عَهِدَ ، ومِثلُهُ في سورَةِ القَصَصِ : «وَ مَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ (4) إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ» (5) أي عَهِدنا إلَيهِ .
.
ص: 94
أمّا قَضاءُ الإِعلامِ ، فَهُوَ قَولُهُ تَعالى : «وَ قَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَ لِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَ_ؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ» (1) وقَولُهُ سُبحانَهُ : «وَ قَضَيْنَا إِلَى بَنِى إِسْرَ ءِيلَ فِى الْكِتَ_بِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ» (2) أي أعلَمناهُم فِي التَّوراةِ ما هُم عامِلونَ . أمّا قَضاءُ الفِعلِ ، فَقَولُهُ تَعالى في سورَةِ طه : «فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ» (3) أيِ افعَل ما أنتَ فاعِلٌ ، ومِنهُ في سورَةِ الأَنفالِ : «لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» (4) أي يَفعَلُ ما كانَ في عِلمِهِ السّابِقِ ، ومِثلُ هذا فِي القُرآنِ كَثيرٌ . أمّا قَضاءُ الإِيجابِ لِلعَذابِ ، كَقَولِهِ تَعالى في سورَةِ إبراهيمَ عليه السلام : «وَ قَالَ الشَّيْطَ_نُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ» (5) أي لَمّا وَجَبَ العَذابُ ، ومِثلُهُ في سورَةِ يوسُفَ عليه السلام : «قُضِىَ الْأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ» (6) مَعناهُ أي وَجَبَ الأَمرُ الَّذي عَنهُ تَساءَلانِ . أمّا قَضاءُ الكِتابِ وَالحَتمِ ، فَقَولُهُ تَعالى في قِصَّةِ مَريَمَ : «وَ كَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا» (7) أي مَعلوما . وأمّا قَضاءُ الإِتمامِ ، فَقَولُهُ تَعالى في سورَةِ القَصَصِ : «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ» (8) أي فَلَمّا أتَمَّ شَرطَهُ الَّذي شارَطَهُ عَلَيهِ ، وكَقَولِ موسى عليه السلام : «أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَ نَ عَلَىَّ» (9) مَعناهُ إذا أتمَمتُ .
.
ص: 95
وأمّا قَضاءُ الحُكمِ ، فَقَولُهُ تَعالى : «قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّالْعَ__لَمِينَ» (1) أي حُكِمَ بَينَهُم ، وقَولُهُ تَعالى : «وَ اللَّهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَىْ ءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمِ» (2) وقَولُهُ سُبحانَهُ : «[إِنِ الْحُكْمُ إِلَا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ] (3) وَهُوَ خَيْرُ الْفَ_صِلِينَ» (4) وقَولُهُ تَعالى في سورَةِ يونُسَ : «وَ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ» (5) . وأمّا قَضاءُ الخَلقِ ، فَقَولُهُ سُبحانَهُ «فَقَضَاهُنَ سَبْعَ سَمَ_وَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ» (6) أي خَلَقَهُنَّ. وأمّا قَضاءُ إنزالِ المَوتِ فَكَقَولِ أهلِ النّارِ في سورَةِ الزُّخرُفِ : «وَ نَادَوْاْ يَ_مَ__لِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّ_كِثُونَ» (7) أي لِيُنزِل عَلَينَا المَوتَ ، ومِثلُهُ : «لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا» (8) أي لا يُنزَلُ عَلَيهِمُ المَوتُ فَيَستَريحوا ، ومِثلُهُ في قِصَّةِ سُلَيمانَ بنِ داوُودَ : «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَادَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَادَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ» (9) يَعني تَعالى : لَمّا أنزَلنا عَلَيهِ المَوتَ . (10)
المحاسن عن محمّد بن إسحاق :قالَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام لِيونُسَ مَولى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ : ...
.
ص: 96
لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، ثُمَّ قالَ : أتَدري مَا المَشيئَةُ ؟ فَقالَ : لا ، فَقالَ : هَمُّهُ بِالشَّيءِ . أوَ تَدري ما أرادَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : إتمامُهُ عَلَى المَشيئَةِ . فَقالَ : أوَ تَدري ما قَدَّرَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هُوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ إذا شاءَ شَيئا أرادَهُ ، وإذا أرادَهُ قَدَّرَهُ ، وإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإذا قَضاهُ أمضاهُ . (1)
الكافي عن عليّ بن إبراهيم الهاشمي :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام يَقولُ : لا يَكونُ شَيءٌ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، قُلتُ : ما مَعنى شاءَ ؟ قالَ : ابتِداءُ الفِعلِ ، قُلتُ : ما مَعنى قَدَّرَ ؟ قالَ : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ . قُلتُ : ما مَعنى قَضى ؟ قالَ : إذا قَضى أمضاهُ ، فَذلِكَ الَّذي لا مَرَدَّ لَهُ . (2)
الكافي عن يونس بن عبدالرحمن :قالَ لي أبُو الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : يا يُونسُ ، لا تَقُل بِقَولِ القَدَرِيَّةِ ، فَإِنَّ القَدَرِيَّةَ لَم يَقولوا بِقَولِ أهلِ الجَنَّةِ ، ولا بِقَولِ أهلِ النّارِ ، ولا بِقَولِ إبليسَ! فَإِنَّ أهلَ الجَنَّةِ قالوا : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَ_ذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (3) ، وقالَ أهلُ النّارِ : «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ» (4) ، وقالَ إبليسُ : «رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى» (5) . فَقُلتُ : وَاللّهِ ما أقولُ بِقَولِهِم ، ولكِنّي أقولُ : لا يَكونُ إلّا بِما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى .
.
ص: 97
فَقالَ : يا يونُسُ ، لَيسَ هكَذا ، لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى ، يا يونُسُ ، تَعلَمُ مَا المَشيئَةُ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هِيَ الذِّكرُ الأَوَّلُ . فَتَعلَمُ مَا الإِرادَةُ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هِيَ العَزيمَةُ عَلى ما يَشاءُ . فَتَعلَمُ مَا القَدَرُ ؟ قُلتُ : لا . قالَ : هِيَ الهَندَسَةُ ووَضعُ الحُدودِ مِنَ البَقاءِ والفَناءِ . قالَ : ثُمَّ قالَ : والقَضاءُ هُوَ الإِبرامُ وإقامَةُ العَينِ . قالَ : فَاستَأذَنتُهُ أن اُقَبِّلَ رَأسَهُ ، وقُلتُ : فَتَحتَ لي شَيئا كُنتُ عَنهُ في غَفلَةٍ . (1)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي :قالَ [الرِّضا عليه السلام ] : ما مِن فِعلٍ يَفعَلُهُ العِبادُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ إلّا وللّهِِ فيهِ قَضاءٌ ، قُلتُ : ما مَعنى هذَا القَضاءِ ؟ قالَ : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَستَحِقّونَهُ عَلى أفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في جَوابِ الرَّجُلِ الَّذي قالَ : فَمَا القَضاءُ وَالقَدَرُ الَّذي ذَكَرتَهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ _: الأَمرُ بِالطّاعَةِ وَالنَّهيُ عَنِ المَعصِيَةِ ، وَالتَّمكينُ مِن فِعلِ الحَسَنَةِ وتَركِ المَعصِيَةِ ، وَالمَعونَةُ عَلَى القُربَةِ إلَيهِ ، وَالخِذلانُ لِمَن عَصاهُ ، وَالوَعدُ وَالوَعيدُ ، وَالتَّرغيبُ وَالتَّرهيبُ ، كُلُّ ذلِكَ قَضاءُ اللّهِ في أفعالِنا ، وقَدَرُهُ لِأَعمالِنا ، وأمّا غَيرُ ذلِكَ فَلا تَظُنَّهُ ، فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحبِطٌ لِلأَعمالِ . (3)
الكافي عن معلّى بن محمّد عن العالم عليه السلام_ وقَد سُئِلَ : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ _: اللّهُ يَفعَلُ
.
ص: 98
ما يَشاءُ ، فَبِالعِلمِ عَلِمَ الأَشياءَ قَبلَ كَونِها ، وبِالمَشيئَةِ عَرَفَ صِفاتِها وحُدودَها ، وأنشَأَها قَبلَ إظهارِها ، وبِالإِرادَةِ مَيَّزَ أنفُسَها في ألوانِها وصِفاتِها ، وبِالتَّقديرِ قَدَّرَ أقواتَها وعَرَّفَ أوَّلَها وآخِرَها ، وبِالقَضاءِ أبانَ لِلنّاسِ أماكِنَها ودَلَّهُم عَلَيها ، وبِالإِمضاءِ شَرَحَ عِلَلَها وأبانَ أمرَها ، وذلِكَ تَقديرُ العَزيزِ العَليمِ . (1)
راجع : ص 83 (تحليل حول القضاء والقدر وعلاقتهما بالعدل الإلهي) .
.
ص: 99
الفصل الثّاني : علم القضاء والقدر2 / 1أهَمِّيَّةُ عِلمِ القَدَرِالإمام الصادق عليه السلام_ في بَيانِ أصنافِ آياتِ القُرآنِ _: اِعلَموا _ رَحِمَكُمُ اللّهُ _ أنَّهُ مَن لَم يَعرِف مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل النّاسِخَ وَالمَنسوخَ ... وما فيهِ مِن عِلمِ القَضاءِ وَالقَدَرِ ... فَلَيسَ بِعالِمٍ بِالقُرآنِ ، ولا هُوَ مِن أهلِهِ . (1)
2 / 2القَدَرُ سِرٌّ مِن أسرارِ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :ألا إنَّ القَدَرَ سِرٌّ مِن سِرِّ اللّهِ ، وسِترٌ مِن سِترِ اللّهِ ، وحِرزٌ (2) مِن حِرزِ اللّهِ ، مَرفوعٌ في حِجابِ اللّهِ ، مَطوِيٌّ عَن خَلقِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام_ في تَوبيخِهِ لِلمُبتَدِعينَ ونَهيِهِم عَنِ التَّكَلُّمِ فيما لا يَعنيهِم _: إنَّ أعلَمَ النّاسِ
.
ص: 100
بِالقَدَرِ أسكَتُهُم عَنهُ ، وإنَّ أجهَلَ النّاسِ بِالقَدَرِ أنطَقُهُم فيهِ . (1)
تفسير الصنعاني عن صخر بن جويرية :لَمّا بَعَثَ اللّهُ موسى إلى فِرعَونَ قالَ : «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى» إلى قَولِهِ تَعالى «وَ أَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى» (2) ولَن يَفعَلَ . فَقالَ موسى : يا رَبِّ وكَيفَ أذهَبُ إلَيهِ وقَد عَلِمتَ أنَّهُ لَن يَفعَلَ ؟ فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ أنِ امضِ كَما اُمِرتَ بِهِ ، فَإِنَّ فِي السَّماءِ اثنَي عَشَرَ ألفَ مَلَكٍ يَطلُبونَ عِلمَ القَدَرِ فَلَم يَبلُغوهُ ولَم يُدرِكوهُ . (3)
2 / 3النَّهيُ عَنِ التَّكَلُّفِ في عِلمِ القَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :القَدَرُ سِرُّ اللّهِ عز و جل ، فَلا تَتَكَلَّفوا عِلمَهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَكَلَّموا فِي القَدَرِ ؛ فَإِنَّهُ سِرُّ اللّهِ ، فَلا تُفشوا للّهِِ سِرَّهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إيّاكُم وَالكَلامَ فِي القَدَرِ ، فَإِنَّهُ أبو جادِ (6) الزَّندِقَةِ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَكَلَّمَ في شَيءٍ مِنَ القَدَرِ سُئِلَ عَنهُ يَومَ القِيامَةِ ، ومَن لَم يَتَكَلَّم فيهِ لَم يُسأَل
.
ص: 101
عَنهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :عَزيمَةٌ مِنّي عَلى اُمَّتي ألّا يَتَكَلَّموا فِي القَدَرِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :عَزَمتُ عَلى اُمَّتي ألّا يَتَكَلَّموا فِي القَدَرِ ، ولا يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ إلّا أشرارُ اُمّتي في آخِرِ الزَّمانِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ عِندَما سُئِلَ عَنِ القَدَرِ _: طَريقٌ مُظلِمٌ فَلا تَسلُكوهُ ، وبَحرٌ عَميقٌ فَلا تَلِجوهُ (4) ، وسِرُّ اللّهِ فَلا تَتَكَلَّفوهُ . (5)
التوحيد عن عَنترة الشّيباني عن أبيه :جاءَ رَجُلٌ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ عليه السلام : بَحرٌ عَميقٌ فَلا تَلِجهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ عليه السلام : طَريقٌ مُظلِمٌ فَلا تَسلُكهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ عليه السلام : سِرُّ اللّهِ فَلا تَكَلَّفهُ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ القَدَرِ _: سِرٌّ عَظيمٌ فَلا تَكشِفهُ . (7)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر عن الإمام عليّ عليه السلام ، قال :قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِمَّن كانَ
.
ص: 102
شَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ . قالَ : سِرُّ اللّهِ فَلا تَتَكَلَّفهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرنا عَنِ القَدَرِ . قالَ : أمّا إذ أبَيتَ ، فَإِنَّهُ أمرٌ بَينَ أمرَينِ ، لا جَبرَ ولا تَفويضَ . (1)
تاريخ دمشق عن الحارث :جاءَ رَجُلٌ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : طَريقٌ مُظلِمٌ لا تَسلُكهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : بَحرٌ عَميقٌ لا تَلِجهُ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : سِرُّ اللّهِ قَد خَفِيَ عَلَيكَ فَلا تُفشِهِ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرني عَنِ القَدَرِ . قالَ : أيُّهَا السّائِلُ ، إنَّ اللّهَ خالِقُكَ لِما شاءَ أو لِما شِئتَ ؟ قالَ : بَل لِما شاءَ . قالَ : فَيَستَعمِلُكَ كَما شاءَ أو كَما شِئتَ ؟ قالَ : بَل كَما شاءَ . قالَ : فَيَبعَثُكَ يَومَ القِيامَةِ كَما شاءَ أو كَما شِئتَ ؟ قالَ : بَل كَما شاءَ .
.
ص: 103
قالَ : أيُّهَا السّائِلُ ، ألَستَ تَسأَلُ رَبَّكَ العافِيَةَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَمِن أيِّ شَيءٍ تَسأَلُهُ العافِيَةَ ، أمِنَ البَلاءِ الَّذي ابتَلاكَ بِهِ ؟ [أم مِنَ البَلاءِ الَّذي ابتَلاكَ بِهِ] (1) غَيرُهُ ؟ قالَ : مِنَ البَلاءِ الَّذِي ابتَلاني بِهِ . قالَ : أيُّهَا السّائِلُ ، تَقولُ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِمَن ؟ قالَ : إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . قالَ : فَتَعلَمُ ما تَفسيرُها ؟ قالَ : تُعَلِّمُني مِمّا عَلَّمَكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ : إنَّ تَفسيرَها : لا تَقدِرُ عَلى طاعَةِ اللّهِ ، ولا تَكونُ لَهُ (2) قُوَّةٌ في مَعصِيَةٍ فِي الأَمرَينِ جَميعا إلّا بِاللّهِ ، أيُّهَا السّائِلُ ألَكَ مَعَ اللّهِ مَشيئَةٌ ، أو فَوقَ اللّهِ مَشيئَةٌ ، أو دونَ اللّهِ مَشيئَةٌ ؟ فَإِن قُلتَ : إنَّ لَكَ دونَ اللّهِ مَشيئَةً فَقَدِ اكتَفَيتَ بِها من مَشيئَةِ اللّهِ ، وإن زَعَمتَ أنَّ لَكَ فَوقَ اللّهِ مَشيئَةً فَقَدِ ادَّعَيتَ أنَّ قُوَّتَكَ ومَشيئَتَكَ غالِبَتانِ عَلى قُوَّةِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ ، وإن زَعَمتَ أنَّ لَكَ مَعَ اللّهِ مَشيئَةً فَقَدِ ادَّعَيتَ مَعَ اللّهِ شِركا في مَشيئَتِهِ . أيُّهَا السّائِلُ ، إنَّ اللّهَ يَشُجُّ ويُداوي فَمِنهُ الدّاءُ ومِنهُ الدَّواءُ ، أعَقَلتَ عَنِ اللّهِ أمرَهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : الآنَ أسلَمَ أخوكُم فَقوموا فَصافِحوهُ . (3)
.
ص: 104
2 / 4التَّحذيرُ مِنَ النَّظَرِ فِي القَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَثَلُ النّاظِرِ فِي القَدَرِ كَالنّاظِرِ في عَينِ الشَّمسِ ، كُلَّمَا اشتَدَّ نَظَرُهُ فيها ذَهَبَ بَصَرُهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :النّاظِرُ فِي القَدَرِ كَالنّاظِرِ في عَينِ الشَّمسِ ، كُلَّمَا ازدادَ نَظَرا ازدادَ حَيرَةً . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِتَّقُوا القَدَرَ ؛ فَإِنَّهُ شُعبَةٌ مِنَ النَّصرانِيَّةِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اُخِّرَ الكَلامُ فِي القَدَرِ ، لِشِرارِ اُمَّتي في آخِرِ الزَّمانِ . (4)
.
ص: 105
بحث حول سرّ القضاء والقدرأورد العلامة المجلسي في بحار الأنوار قول الصدوق رضوان اللّه تعالى عليه : «اعتقادنا في القضاء والقدر قول الصادق عليه السلام لِزُرارَةَ حينَ سألَهُ فقالَ : ما تقولُ في القَضاءِ والقَدَرِ ؟ قالَ : أقولُ : إنَّ اللّهَ تعالى إذا جَمَعَ العِبادَ يَومَ القِيامَةِ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ، ولَم يَسأَلهُم عَمّا قَضى عَلَيهِم . والكلامُ في القَدَر مَنهيٌّ عَنهُ كما قالَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام لرجُلٍ قد سألَهُ عنِ القَدَرِ : فقالَ : بَحرٌ عَميقٌ فلا تَلِجْهُ ، ثمّ سألَهُ ثانيَةً فقالَ : طَريقٌ مُظلِمٌ فلا تَسلُكْهُ ، ثُمّ سألَهُ ثالثَةً فقالَ : سِرُّ اللّهِ فلا تَتَكَلَّفْهُ . وقالَ أميرُ المؤمنين عليه السلام في القَدَر : ألا إنَّ القَدَرَ سِرٌّ مِن سِرِّ اللّهِ ، وسِترٌ مِن سِترِ اللّهِ ، وحِرزٌ مِن حِرزِ اللّهِ ، مَرفوعٌ في حِجابِ اللّهِ ، مَطوِيٌّ عَن خَلقِ اللّهِ ، مَختومٌ بخاتَمِ اللّهِ ، سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ ، وَضَعَ اللّهُ عَنِ العِبادِ عِلمَهُ ، ورَفَعَهُ فَوقَ شَهاداتِهِم ، لِأَ نَّهُم لا يَنالونَهُ بِحَقيقَتِهِ الرَّبّانِيَّةِ ، ولا بِقُدرَتِهِ الصَّمَدانِيَّةِ ، ولا بِعَظَمَتِهِ النّورانِيَّةِ ، ولا بِعِزَّتِهِ الوَحدانِيَّةِ ، لِأَ نّهُ بَحرٌ زاخِرٌ مَوّاجٌ ، خالِصٌ للّهِِ تعالى ، عُمقُهُ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ ، عَرضُهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، أسوَدُ كَاللَّيلِ الدّامِسِ ، كَثيرُ الحَيّاتِ وَالحيتانِ ، يَعلو مَرَّةً ويَسفُلُ اُخرى ، في قَعرِهِ شَمسٌ تُضيءُ ، لا يَنبَغي أن يَطَّلِعَ إلَيها إلَا الواحِدُ الفَردُ ، فَمَن تَطَلَّعَ علَيها فَقَد ضادَّ اللّهَ في حُكمِهِ ، ونازَعَهُ في سُلطانِهِ، وكَشَفَ عَن سِرِّهِ وسَترِهِ، وباءَ بغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ، ومَأواهُ جَهنّمُ، وبئسَ المَصيرُ .
.
ص: 106
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام عَدَلَ من عندِ حائطٍ مائلٍ إلى مكانٍ آخرَ ، فقيلَ لَهُ : يا أميرَ المؤمنينَ ، تَفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ؟ ! فقالَ عليه السلام : أفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ إلى قَدَرِ اللّهِ . وسئلَ الصّادقُ عليه السلام عنِ الرُّقى : هَل تَدفَعُ مِن القَدَرِ شَيئا ؟ فقالَ : «هِي مِن القَدَرِ» (1) . أقول : قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح هذا الكلام : «عمل أبو جعفر رحمه الله في هذا الباب على أحاديث شواذّ لها وجوه يعرفها العلماء متى صحّت وثبت إسنادها ، ولم يقل فيه قولاً محصّلاً ، وقد كان ينبغي له لمّا لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه . والقضاء معروف في اللغة ، وعليه شواهد من القرآن ، فالقضاء على أربعة أضرب : أحدها الخَلق ، والثاني الأمر ، والثالث الإعلام ، والرابع القضاء بالحُكم . فأمّا شاهد الأوّل فقوله تعالى : «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» ، (2) وأمّا الثاني فقوله تعالى : «وقَضى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلَا إيّاه» ، (3) وأمّا الثالث فقوله تعالى : «وقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ» ، (4) وأمّا الرابع فقوله : «واللّهُ يَقْضِي بالحَقِّ» (5) يعني يفصل بالحكم بالحقّ بين الخلق ، وقوله : «وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ» (6) وقد قيل : إنّ للقضاء معنى خامسا وهو الفَراغ من الأمر ، واستشهد على ذلك بقول يوسف عليه السلام : «قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَستَفْتِيانِ» (7) يعني فُرِغ منه ، وهذا يرجع إلى معنَى الخلق . وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المُجبّرة : إنّ اللّه تعالى قضى بالمعصية على خلقه ؛ لأ نّه لا يخلو إمّا أن يكونوا يريدون به أنّ اللّه خلق العصيان
.
ص: 107
في خلقه ، فكان يجب أن يقولوا : قضى في خلقه بالعصيان ، ولا يقولوا قضى عليهم ، لأنّ الخلق فيهم لا عليهم ، مع أنّ اللّه تعالى قد أكذَبَ من زعم أ نّه خلقَ المعاصي بقوله سبحانه : «الّذي أحْسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ» (1) كما مرّ . ولا وجه لقولهم : قضى بالمعاصي على معنى أمرَ بها ؛ لأ نّه تعالى قد أكذَبَ مدّعي ذلك بقوله : «إنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بالفَحْشاءِ أتقولونَ علَى اللّهِ ما لا تَعلَمونَ» . (2) ولا معنى لقول من زعم أ نّه قضى بالمعاصي على معنى أ نّه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أ نّهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ، ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل علَى التفصيل . ولا وجه لقولهم : إنّه قضى بالذنوب على معنى أ نّه حكَمَ بها بين العباد ، لأنّ أحكام اللّه تعالى حقّ ، والمعاصي منهم ، ولا لذلك فائدة ، وهو لغو باتّفاق ، فبطل قول من زعم أنّ اللّه تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح . والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الّذي بيّناه أنّ للّه تعالى في خلقه قضاء وقدرا ، وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما ، ويكون المراد بذلك أ نّه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها ، وفي أفعالهم القبيحة بالنّهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له ، والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقّه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأنّ ذلك كلّه واقع موقعه ، وموضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلاً . فإذا فسّر القضاء في أفعال اللّه تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه ، وثبتت الحجّة به ، ووضح القول فيه لذوي العقول ، ولم يلحقه فساد ولا اختلال . فأمّا الأخبار الّتي رواها في النهي عن الكلام في القضاء والقدر فهي تحتمل
.
ص: 108
وجهين : أحدهما : أن يكون النهي خاصّا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلّهم عن الدين ولا يصلحهم إلّا الإمساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عامّا لكافّة المكلّفين ، وقد يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون ، فدبّر الأئمّة عليهم السلام أشياعهم في الدِّين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه . والوجه الآخر : أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق اللّه تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به وتعبّد ، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والأمر محظورا ، لأنّ اللّه تعالى سترها من أكثر خلقه ، ألا ترى أ نّه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللاً مفصّلات ، فيقول : لِمَ خَلَق كذا وكذا ؟ حتّى يعدّ المخلوقات كلّها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا وتعبّد بكذا ونهى عن كذا ؟ إذ تعبّده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ، ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل ما خلق وأمر به وتعبّد ، وإن كان قد أعلم في الجملة أ نّه لم يخلق الخلق عبثا ، وإنّما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودلّ على ذلك بالعقل والسّمع ، فقال سبحانه : «وما خَلَقْنا السَّماءَ والأَرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ» (1) وقال : «أفَحَسِبْتُم أ نّما خَلَقناكُم عَبَثا» (2) وقال : «إنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ» (3) يعني بحقّ ووضعناه في موضعه ، وقال : «وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلّا لِيَعبُدونِ» (4) وقال فيما تعبّد : «لَن يَنالَ اللّهَ لُحُومُها ولا دِماؤها ولكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم» . (5)
.
ص: 109
وقد يصحّ أن يكون اللّه تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه بأ نَّه يؤمن عند خلقه كفّار ، أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء ، وذلك يغيّب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللّه تعالى إنّما صنعه لأغراض حكميّة ، ولم يصنعه عبثا ، وكذلك يجوز أن يكون تعبّدنا بالصلاة لأ نّها تقرّبنا من طاعته وتبعّدنا عن معصيته ، وتكون العبادة بها لطفا لكافّة المتعبّدين بها أو لبعضهم . فلمّا خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنّا ولم يقع دليل علَى التفصيل فيها _ وإن كان العلم بأ نَّها حكمة في الجملة _ كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنّما هو عن طلب علل لها مفصَّلة فلم يكن نهيا عن الكلام في معنَى القضاء والقدر. هذا إن سلمت الأخبار الّتي رواها أبو جعفر رحمه اللّه ، فأمّا إن بطلت أو اختلّ سندها فقد سقط عنّا عهدة الكلام فيها . والحديث الّذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى ، والمعنى فيه ظاهر ليس به علَى العقلاء خفاء ، وهو مؤيّد للقول بالعدل ، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبداللّه عليه السلام من قوله : إذا حَشَرَ اللّهُ تعالى الخَلائقَ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ولم يَسألْهم عَمّا قَضى علَيهِم . وقد نطق القرآن بأنّ الخلق مسؤولون عن أعمالهم» . (1)
راجع : ص 86 (النهي عن البحث عن سرّ القدر) .
.
ص: 110
. .
ص: 111
الفصل الثّالِثُ : خصائص القضاء والقدر3 / 1الخِلقَةُالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ القَضاءَ وَالقَدَرَ خَلقانِ مِن خَلقِ اللّهِ ، وَاللّهُ يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ . (1)
3 / 2الحُسنُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ فِي الدُّعاءِ _: هُوَ العَزيزُ الغَفورُ ، جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ، سَميعُ الدُّعاءِ ، حَسَنُ القَضاءِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي المَحذوراتِ _: اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى حُسنِ قَضائِكَ ، وبِما صَرَفتَ عَنّي مِن بَلائِكَ ، فَلا تَجعَل حَظّي مِن رَحمَتِكَ ما عَجَّلتَ لي
.
ص: 112
مِن عافِيَتِكَ ، فَأَكونَ قَد شَقيتُ بِما أحبَبتُ وسَعِدَ غَيري بِما كَرِهتُ . (1)
3 / 3الحِكمَةُالإمام عليّ عليه السلام_ مِن خُطبَتِهِ المَعروفَةِ بِ (خُطبَةِ الأَشباحِ) _: قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحكَمَ تَقديرَهُ . (2)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: سُبحانَكَ ما أعظَمَ شَأنَكَ ، وأعلى مَكانَكَ ، وأنطَقَ بِالصِّدقِ بُرهانَكَ ، وأنفَذَ أمرَكَ ، وأحسَنَ تَقديرَكَ ، سَمَكتَ (3) السَّماءَ فَرَفَعتَها ، ومَهَّدتَ الأَرضَ فَفَرَشتَها ، وأخرَجتَ مِنها ماءً ثَجّاجا (4) ، ونَباتا رَجراجا (5) ، فَسَبَّحَكَ نَباتُها ، وجَرَت بِأَمرِك مِياهُها ، وقاما عَلى مُستَقَرِّ المَشِيَّةِ كَما أمَرتَهُما . (6)
عنه عليه السلام_ في عَظَمَةِ اللّهِ سُبحانَهُ _: أمرُهُ قَضاءٌ وحِكمَةٌ ، ورِضاهُ أمانٌ ورَحمَةٌ ، يَقضي بِعِلمٍ ويَعفو بِحِلمٍ . (7)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ عِلمِ اللّهِ وقُدرَتِهِ _: لَم يَؤُدهُ (8) خَلقُ مَا ابتَدَأَ ، ولا تَدبيرُ ما ذَرَأَ ، ولا وَقَفَ بِهِ عَجزٌ عَمّا خَلَقَ ، ولا وَلَجَت عَلَيهِ شُبهَةٌ فيما قَضى وقَدَّرَ ، بَل قَضاءٌ مُتقَنٌ ،
.
ص: 113
وعِلمٌ مُحكَمٌ ، وأمرٌ مُبرَمٌ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ بَني إسرائيلَ أتَوا موسى عليه السلام ، فَسَأَلوهُ أن يَسأَلَ اللّهَ عز و جل أن يُمطِرَ السَّماءَ عَلَيهِم إذا أرادوا ، ويَحبِسَها إذا أرادوا ، فَسَأَلَ اللّهَ عز و جل ذلِكَ لَهُم . فَقالَ اللّهُ عز و جل : ذلِكَ لَهُم يا موسى ، فَأَخبَرَهُم موسى فَحَرَثوا ولَم يَترُكوا شَيئا إلّا زَرَعوهُ ، ثُمَّ استَنزَلُوا المَطَرَ عَلى إرادَتِهِم ، وحَبَسوهُ عَلى إرادَتِهِم ، فَصارَت زُروعُهُم كَأَنَّهَا الجِبالُ وَالآجامُ (2) ، ثُمَّ حَصَدوا وداسوا وذَرّوا فَلَم يَجِدوا شَيئا ! فَضَجّوا إلى موسى عليه السلام وقالوا : إنَّما سَأَلناكَ أن تَسأَلَ اللّهَ أن يُمطِرَ السَّماءَ عَلَينا إذا أرَدنا فَأَجابَنا ، ثُمَّ صَيَّرَها عَلَينا ضَرَرا ! فَقالَ : يا رَبِّ إنَّ بَني إسرائيلَ ضَجّوا مِمّا صَنَعتَ بِهِم ، فَقالَ : ومِمَّ ذاكَ يا موسى ؟ قالَ : سَأَلوني أن أسأَلَكَ أن تُمطِرَ السَّماءَ إذا أرادوا وتَحبِسَها إذا أرادوا فَأَجَبتَهُم ثُمَّ صَيَّرتَها عَلَيهِم ضَرَرا ! فَقالَ : يا موسى ، أنَا كُنتُ المُقَدِّرَ لِبَني إسرائيلَ فَلَم يَرضَوا بِتَقديري ، فَأَجَبتُهُم إلى إرادَتِهِم فَكانَ ما رَأَيتَ . (3)
3 / 4العَدلُالكافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه قال :أتى جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ :
.
ص: 114
إنَّ رَبَّكَ يَقولُ لَكَ : إذا أرَدتَ أن تَعبُدَني يَوما ولَيلَةً حَقَّ عِبادَتي فَارفَع يَدَيكَ إلَيَّ وقُل : ... اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمدا أبَدا ، أنتَ حَسَنُ البَلاءِ ، جَليلُ الثَّناءِ ، سابِغُ (1) النَّعماءِ ، عَدلُ القَضاءِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَحميدِ اللّهِ سُبحانَهُ _: الَّذي عَظُمَ حِلمُهُ فَعَفا ، وعَدَلَ في كُلِّ ما قَضى . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: جَميلُ الثَّناءِ ، حَسَنُ البَلاءِ ، سَميعُ الدُّعاءِ ، عَدلُ القَضاءِ ، يَخلُقُ كَيفَ يَشاءُ ، ويَفعَلُ ما يَشاءُ . (4)
عنه عليه السلام :لا يَجري [أيِ الحَقُّ] لِأَحَدٍ إلّا جَرى عَلَيهِ ، ولا يَجري عَلَيهِ إلّا جَرى لَهُ ، ولَو كانَ لِأَحَدٍ أن يَجرِيَ ذلِكَ لَهُ ولا يَجرِيَ عَلَيهِ لَكانَ ذلِكَ للّهِِ عز و جل خالِصا دونَ خَلقِهِ ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولِعَدلِهِ في كُلِّ ما جَرَت عَلَيهِ ضُروبُ قَضائِهِ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: لا أمرَ لي مَعَ أمرِكَ ، ماضٍ فِيَّ حُكمُكَ ، عَدلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ ، ولا قُوَّةَ لي عَلَى الخُروجِ مِن سُلطانِكَ . (6)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: ... عَدلاً مِن قَضائِكَ لا تَجورُ فيهِ ، وإنصافا مِن حُكمِكَ
.
ص: 115
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي حَلَلتُ بِساحَتِكَ لِمَعرِفَتي بِوَحدانِيَّتِكَ . . . فَأَسأَلُكَ ... أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن تَقضِيَ لى حاجَتي ، وتُيَسِّرَ لي عَسيرَها ، وتَفتَحَ لي قُفلَها ، وتَكفِيَني هَمَّها ، فَإِن فَعَلتَ فَلَكَ الحَمدُ ، وإن لَم تَفعَل فَلَكَ الحَمدُ ، غَيرَ جائِرٍ في حُكمِكَ ، ولا مُتَّهَمٍ في قَضائِكَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: قَضَى اللّهُ أمرا وجَفَّ القَلَم وفيما قَضى رَبُّنا ما ظَلَم فَفِي الأَمرِ ما خانَ لَمّا قَضى وفِي الحُكمِ ما جارَ لَمّا حَكَم بَدا أوَّلاً خَلقَ أرزاقِنا فَقَد كانَ أرواحُنا فِي العَدَم (4)
راجع : ص 111 (الفصل الثالث : خصائص القضاء والقدر) .
3 / 5الخِيَرَةُ لِلمُؤمِنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :في كُلِّ قَضاءِ اللّهِ عز و جل خِيَرَةٌ لِلمُؤمِنِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :اِختِيارُ اللّهِ لِلعَبدِ ما يَسوؤُهُ ، خَيرٌ مِنِ اختِيارِهِ لِنَفسِهِ ما يَسُرُّهُ . (6)
.
ص: 116
عنه صلى الله عليه و آله :عَجَبا لِلمُؤمِنِ لا يَقضِي اللّهُ عَلَيهِ قَضاءً إلّا كانَ خَيرا لَهُ ، سَرَّهُ أو ساءَهُ ، إنِ ابتَلاهُ كانَ كَفَّارَةً لِذَنبِهِ ، وإن أعطاهُ وأكرَمَهُ كانَ قَد حَباهُ (1) . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :عَجِبتُ لِلمُؤمِنِ ، إنَّ اللّهَ لَم يَقضِ قَضاءً إلّا كانَ خَيرا لَهُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :عَجَبا لِأَمرِ المُؤمِنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ ، ولَيسَ ذاكَ لِأَحَدٍ إلّا لِلمُؤمِنِ ، إن أصابَتهُ سَرّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيرا لَهُ ، وإن أصابَتهُ ضَرّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيرا لَهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ كُلٌّ لَهُ فيهِ خَيرٌ ، ولَيسَ ذاكَ لِأَحَدٍ إلّا لِلمُؤمِنِ ، إن أصابَهُ سَرّاءُ فَشَكَرَ اللّهَ فَلَهُ أجرٌ ، وإن أصابَهُ ضَرّاءُ فَصَبَرَ فَلَهُ أجرٌ ، فَكُلُّ قَضاءِ اللّهِ لِلمُسلِمينَ خَيرٌ . (5)
المعجم الكبير عن صهيب :صَلَّيتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إحدى صَلاتَيِ العِشاءِ ، فَلَمَّا انصَرَفَ أقبَلَ إلَينا بِوَجهِهِ ضاحِكا فَقالَ : ألا تَسأَلُونِّي مِمَّ ضَحِكتُ ؟ قالوا : اللّهُ ورَسولُهُ أعلَمُ . قالَ : عَجِبتُ مِن قَضاءِ اللّهِ لِلعَبدِ المُسلِمِ ، إنَّ كُلَّ ما قَضَى اللّهُ لَهُ خَيرٌ ، ولَيسَ أحَدٌ
.
ص: 117
كُلُّ قَضاءِ اللّهِ لَهُ خَيرٌ ، إلَا العَبدُ المُسلِمُ . (1)
مسند ابن حنبل عن صهيب :بَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قاعِدٌ مَعَ أصحابِهِ إذ ضَحِكَ فَقالَ : ألا تَسأَلُونِّي مِمَّ أضحَكُ ؟ قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، ومِمَّ تَضحَكُ ؟ قالَ : عَجِبتُ لِأَمرِ المُؤمِنِ ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ ، إن أصابَهُ ما يُحِبُّ ، حَمِدَ اللّهَ وكانَ لَهُ خَيرٌ ، وإن أصابَهُ ما يَكرَهُ ، فَصَبَرَ كانَ لَهُ خَيرٌ ، ولَيسَ كلُّ أحَدٍ أمرُهُ كُلُّهُ لَهُ خَيرٌ ، إلَا المُؤمِنُ . (2)
التوحيد عن عبد اللّه بن مسعود :بَينَما نَحنُ عِندَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ تَبَسَّمَ ، فَقُلتُ لَهُ : ما لَكَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : عَجِبتُ مِنَ المُؤمِنِ وجَزَعِهِ مِنَ السُّقمِ (3) ، ولَو يَعلَمُ ما لَهُ فِي السُّقمِ مِنَ الثَّوابِ ، لَأَحَبَّ أن لا يَزالَ سَقيما حَتّى يَلقى رَبَّهُ عز و جل . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :ضَحِكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذاتَ يَومٍ حَتّى بَدَت نَواجِذُهُ (5) ، ثُمَّ قالَ : ألا تَسأَلُونّي مِمَّ ضَحِكتُ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : عَجِبتُ لِلمَرءِ المُسلِمِ ، أنَّهُ لَيسَ مِن قَضاءٍ يَقضيهِ اللّهُ عز و جل إلّا كانَ خَيرا لَهُ في عاقِبَةِ أمرِهِ . (6)
.
ص: 118
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ بِخَيرٍ عَلى كُلِّ حالٍ ، تُنزَعُ نَفسُهُ مِن بَينِ جَنبَيهِ وهُوَ يَحمَدُ اللّهَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَبدَ المُؤمِنَ لَيَطلُبُ الإِمارَةَ وَالتِّجارَةَ ، حَتّى إذا أشرَفَ مِن ذلِكَ عَلى ما كانَ يَهوى ، بَعَثَ اللّهُ مَلَكا وقالَ لَهُ : عُق (2) عَبدي وصُدَّهُ عَن أمرٍ لَوِ استَمكَنَ مِنهُ أدخَلَهُ النّارَ . فَيُقبِلُ المَلَكُ فَيَصُدُّهُ بِلُطفِ اللّهِ فَيُصبِحُ وهُوَ يَقولُ : لَقَد دُهيتُ ومَن دَهاني فَعَلَ اللّهُ بِهِ . وقالَ: ما يَدري أنَّ اللّهَ النّاظِرُ لَهُ في ذلِكَ ، ولَو ظَفِرَ بِهِ أدخَلَهُ النّارَ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : إنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ عِبادا لا يَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم إلّا بِالغِنى وَالسَّعَةِ وَالصِّحَّةِ فِي البَدَنِ ، فَأَبلوهُم (4) بِالغِنى وَالسَّعَةِ وصِحَّةِ البَدَنِ ، فَيَصلُحُ عَلَيهِم أمرُ دينِهِم . وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَعِبادا لا يَصلُحُ لَهُم أمرُ دينِهِم ، إلّا بِالفاقَةِ وَالمَسكَنَةِ وَالسُّقمِ في أبدانِهِم ، فَأَبلوهُم بِالفاقَةِ وَالمَسكَنَةِ وَالسُّقمِ ، فَيَصلُحُ عَلَيهِم أمرُ دينِهِم . (5)
عنه صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام :قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : مَن أهانَ وَلِيّا لي فَقَد بارَزَني بِالمُحارَبَةِ ، وما تَرَدَّدتُ في شَيءٍ أنَا فاعِلُهُ ، مِثلِ ما تَرَدَّدتُ في قَبضِ نَفسِ
.
ص: 119
المُؤمِنِ ، يَكرَهُ المَوتَ وأكرَهُ مَساءَتَهُ ، ولابُدَّ لَهُ مِنهُ . وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبدي بِمِثلِ أداءِ مَا افتَرَضتُ عَلَيهِ ، ولا يَزالُ عَبدي يَتَنَفَّلُ (1) لي حَتّى اُحِبَّهُ ، ومَتى أحبَبتُهُ كُنتُ لَهُ سَمعا وبَصَرا ويَدا ومُؤَيِّدا ، إن دَعاني أجَبتُهُ ، وإن سَأَلَني أعطَيتُهُ . وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن يُريدُ البابَ مِنَ العِبادَةِ فَأَكُفُّهُ عَنهُ ، لِئَلّا يَدخُلَهُ عُجبٌ فَيُفسِدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالفَقرِ ولَو أغنَيتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالغَناءِ ولَو أفقَرتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالسُّقمِ ولَو صَحَّحتُ جِسمَهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، وإنَّ مِن عِبادِيَ المُؤمِنينَ لَمَن لا يَصلُحُ إيمانُهُ إلّا بِالصِّحَّةِ ولَو أسقَمتُهُ لَأَفسَدَهُ ذلِكَ ، إنّي اُدَبِّرُ عِبادي لِعِلمي بِقُلوبِهِم ، فَإِنّي عَليمٌ خَبيرٌ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: عَفوُكَ تَفَضُّلٌ ، وعُقوبَتُكَ عَدلٌ ، وقَضاؤُكَ خِيَرَةٌ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :ما اُبالي أصبَحتُ فَقيرا أو مَريضا أو غَنِيّا ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : لا أفعَلُ بِالمُؤمِنِ إلّا ما هُوَ خَيرٌ لَهُ . (4)
.
ص: 120
الإمام الصادق عليه السلام :ما قَضَى اللّهُ لِمُؤمِنٍ قَضاءً فَرَضِيَ بِهِ ، إلّا جَعَلَ اللّهُ لَهُ الخِيَرَةَ فيما يَقضي . (1)
عنه عليه السلام :قالَ اللّهُ عز و جل : عَبدِيَ المُؤمِنُ لا أصرِفُهُ في شَيءٍ إلّا جَعَلتُهُ خَيرا لَهُ ، فَليَرضَ بِقَضائي ، وَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، أكتُبهُ _ يا مُحَمَّدُ _ مِنَ الصِّدّيقينَ عِندي . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ المُؤمِنَ لَو أصبَحَ لَهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ ، كانَ ذلِكَ خَيرا لَهُ ، ولَو أصبَحَ مُقَطَّعا أعضاؤُهُ ، كانَ ذلِكَ خَيرا لَهُ . (3)
عنه عليه السلام :ما سَدَّ اللّهُ عز و جل عَلى مُؤمِنٍ بابَ رِزقٍ ، إلّا فَتَحَ اللّهُ لَهُ ما هُوَ خَيرٌ مِنهُ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ فيما أوحَى اللّهُ عز و جل إلى موسَى بنِ عِمرانَ عليه السلام : يا موسَى بنَ عِمرانَ ، ما خَلَقتُ خَلقا أحَبَّ إلَيَّ مِن عَبدِيَ المُؤمِنِ ، فَإِنّي إنَّما أبتَليهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، واُعافيهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأزوي (5) عَنهُ ما هُوَ شَرٌّ لَهُ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأنَا أعلَمُ بِما يَصلُحُ عَلَيهِ عَبدي ، فَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، وَليَرضَ بِقَضائي ، أكتُبهُ فِي الصِّدّيقينَ عِندي ، إذا عَمِلَ بِرِضائي وأطاعَ أمري . (6)
.
ص: 121
عنه عليه السلام :عَجِبتُ لِلمَرءِ المُسلِمِ لا يَقضِي اللّهُ عز و جل لَهُ قَضاءً إلّا كانَ خَيرا لَهُ ، وإن قُرِّضَ بِالمَقاريضِ كانَ خَيرا لَهُ ، وإن مَلَكَ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها كانَ خَيرا لَهُ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :المُؤمِنُ بِعُرضِ (2) كُلِّ خَيرٍ ، لَو قُطِّعَ أنمَلَةً أنمَلَةً (3) ، كانَ خَيرا لَهُ ، ولَو وُلِّيَ شَرقَها وغَربَها ، كانَ خَيرا لَهُ . (4)
حلية الأولياء عن خزيمة بن محمّد العابد :مَرَّ نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ بِرَجُلٍ قَد نَبَذَهُ أهلُهُ مِنَ البَلاءِ ، فَقالَ : يا رَبِّ ، هذا عَبدُكَ لَو نَقَلتَهُ مِن حالِهِ . فَأَوحَى اللّهُ تَعالى إلَيهِ : أن سَلهُ أيُحِبُّ أن أنقُلَهُ؟ قالَ : يا هذا ، ما تُحِبُّ أن يَنقُلَكَ مِن حالِكَ هذِهِ إلى غَيرِها؟ فَقالَ الرَّجُلُ : أتَخَيَّرُ عَلَى اللّهِ؟ ذلِكَ إلَيهِ . (5)
.
ص: 122
. .
ص: 123
الفصل الرّابِعُ : أصناف القضاء والقدر وأحكامهما4 / 1القَضاءُ المَوقوفُ وَالمَحتومُالكتاب«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (1)
«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَ_نًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَ وَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَ_مَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :... أمرُ اللّهِ يَجري إلى قَضائِهِ ، وقَضاؤُهُ يَجري إلى قَدَرِهِ ، ولِكُلِّ قَضاءٍ قَدَرٌ ولِكُلِّ قَدَرٍ أجَلٌ ، ولِكُلِّ أجَلٍ كِتابٌ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (3)
.
ص: 124
تفسير القمّي :قَولُهُ : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» قالَ : قالوا قَد فَرَغَ اللّهُ مِنَ الأَمرِ ، لا يُحدِثُ اللّهُ غَيرَ ما قَد قَدَّرَهُ فِي التَّقديرِ الأَوَّلِ ، فَرَدَّ اللّهُ عَلَيهِم فَقالَ : بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ ؛ أي يُقَدِّمُ ويُؤَخِّرُ ويَزيدُ ويَنقُصُ ، ولَهُ البَداءُ وَالمَشِيَّةُ . (1)
الكافي عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام جالِسا بِالكوفَةِ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن صِفّينَ ، إذ أقبَلَ شَيخٌ فَجَثا بَينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن مَسيرِنا إلى أهلِ الشّامِ ، أبِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ؟ فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أجَل يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً (2) ، ولا هَبَطتُم بَطنَ وادٍ ، إلّا بِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ . فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ! فَقالَ لَهُ : مَه يا شَيخُ! فَوَاللّهِ لَقَد عَظَّمَ اللّهُ الأَجرَ في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفي مُنصَرَفِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن حالاتِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ . فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : وكَيفَ لَم نَكُن في شَيءٍ مِن حالاتِنا مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ وكانَ بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ مَسيرُنا ومُنقَلَبُنا ومُنصَرَفُنا؟! فَقالَ لَهُ : وتَظُنُّ أنَّهُ كانَ قَضاءً حَتما وقَدَرا لازِما؟ إنَّهُ لَو كانَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ، وَالأَمرُ وَالنَّهيُ ، وَالزَّجرُ مِنَ اللّهِ ، وسَقَطَ مَعنَى الوَعدِ وَالوَعيدِ ، فَلَم تَكُن لائِمَةٌ لِلمُذنِبِ ولا مَحمَدَةٌ لِلمُحسِنِ ، ولَكانَ المُذنِبُ أولى بِالإِحسانِ مِنَ المُحسِنِ ،
.
ص: 125
ولَكانَ المُحسِنُ أولى بِالعُقوبَةِ مِنَ المُذنِبِ ، تِلكَ مَقالَةُ إخوانِ عَبَدَةِ الأَوثانِ ، وخُصَماءِ الرَّحمنِ ، وحِزبِ الشَّيطانِ ، وقَدَرِيَّةِ هذِهِ الاُمَّةِ ومَجوسِها . إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى كَلَّفَ تَخييرا ، ونَهى تَحذيرا ، وأعطى عَلَى القَليلِ كَثيرا ، ولَم يُعصَ مَغلوبا ، ولَم يُطَع مُكرِها ، ولَم يُمَلِّك مُفَوِّضا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً ، ولَم يَبعَثِ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ عَبَثا «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» (1) . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :مِنَ الاُمورِ اُمورٌ مَوقوفَةٌ عِندَ اللّهِ ، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنها ما يَشاءُ . (3)
الكافي عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام_ وقَد سُئِلَ عَن لَيلَةِ القَدرِ _: تَنَزَّلُ فيهَا المَلائِكَةُ وَالكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ في أمرِ السَّنَةِ وما يُصيبُ العِبادَ ، وأمرُهُ عِندَهُ] عز و جل[ مَوقوفٌ لَهُ وفيهِ المَشيئَةُ ، فَيُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويَمحو ويُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :مِن الاُمورِ اُمورٌ مَحتومَةٌ كائِنَةٌ لا مَحالَةَ ، ومِنَ الاُمورِ اُمورٌ مَوقوفَةٌ
.
ص: 126
عِندَ اللّهِ ، يُقَدِّمُ فيها ما يَشاءُ ويَمحو ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ مِنها ما يَشاءُ ، لَم يُطلِع عَلى ذلِكَ أحَدا _ يَعنِي المَوقوفَةَ _ فَأَمّا ما جاءَت بِهِ الرُّسُلُ فَهِيَ كائِنَةٌ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا نَبِيَّهُ ولا مَلائِكَتَهُ . (1)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» (2) _: إنَّ عِندَ اللّهِ كُتُبا مَوقوتَةً (3) يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، فَإِذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ ، أنزَلَ اللّهُ فيها كُلَّ شَيءٍ يَكونُ إلى لَيلَةٍ مِثلِها ، فَذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» إذا أنزَلَهُ وكَتَبَهُ كُتّابُ السَّماواتِ وهُوَ الَّذي لا يُؤَخِّرُهُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل أخبَرَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِما كانَ مُنذُ كانَتِ الدُّنيا ، وبِما يَكونُ إلَى انقِضاءِ الدُّنيا ، وأخبَرَهُ بِالمَحتومِ مِن ذلِكَ ، وَاستَثنى عَلَيهِ فيما سِواهُ . (5)
الغيبة عن عبد اللّه بن سنان :سَمِعتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام _ وذَكَرَ البَداءَ للّهِِ _ فَقالَ : فَما أخرَجَ اللّهُ إلَى المَلائِكَةِ ، وأخرَجَهُ المَلائِكَةُ إلَى الرُّسُلِ ، فَأَخرَجَهُ الرُّسُلُ إلَى الآدَمِيّينَ ، فَلَيسَ فيهِ بَداءٌ وإنَّ مِنَ المَحتومِ أنَّ ابني هذا هُوَ القائِمُ (6) . (7)
راجع : ص 89 (القضاء والقدر المحتومان والموقوفان) .
.
ص: 127
كلام فيما يظهر منه نفي القضاء الموقوفتدلّ أحاديث الباب السابق بوضوح على أنّ القضاء الإلهي ومقدّراته على نوعين: القضاء المحتوم الّذي لا يمكن تغييره ، والقضاء غير المحتوم الّذي من الممكن أن يتغيّر ؛ ولكن هناك إزاء هذه الأحاديث، روايات أُخرى تدلّ في الظاهر على نفي القضاء الموقوف وغير المحتوم ، ونتيجتها انحصار القضاء في القضاء المحتوم . طوائف هذه الأحاديث : يمكن تقسيم هذه الأحاديث إلى عدّة مجاميع : المجموعة الاُولى : الأحاديث الّتي تؤكّد أنّ قلم التقدير الإلهي قد عيّن كلّ ما يحدث حتّى القيامة وأنّ هذه الكتابة قد جفّت ، وهو إشارة إلى أنّ المقدّرات الإلهيّة محددة وغير قابلة للتغيير حتّى القيامة، وتسمّى هذه الطائفة من الروايات بأحاديث «جفّ القلم»، مثل مارواه ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، أنّه قال له : إذا سَأَلتَ فَسَلِ اللّهَ ، وَإذا استَعَنتَ فَاستَعِن بِاللّهِ ، فَقَد جَفَّ القَلَمُ بِما هُوَ كان (إلى) يَومِ القِيامَةِ ، فَلَو جَهَدَ الخَلائِقُ أن يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللّهُ لَكَ لَم يَقدِرُوا عَلى ذلِكَ ، وَلَو جَهَدَ الخَلائِقُ أن يَضُرّوكَ بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللّهُ عَلَيكَ لَم يَقدِروا عَلى ذلِكَ . (1)
.
ص: 128
كما نقل عن أبي هريرة أنّه قال: قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ إنّي رَجُلٌ شابٌّ ، وأَنَا أَخَافُ عَلى نَفسِي العَنَتَ ، ولا أَجِدُ ما أَتَزَوَّجُ بِهِ النّساءَ ، فَسَكَتَ عَنّي ، ثُمَّ قُلتُ مِثلَ ذلِكَ ، فَسَكَتَ عَنّي ، ثُمَّ قُلتُ مِثلَ ذلِكَ ، فَسَكَتَ عَنّي ، ثُمَّ قُلتُ مِثلَ ذلِكَ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا أَبا هُرَيرَةَ ، جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنتَ لاقٍ ، فَاختَصِ عَلَى ذلِكَ أَو ذَر . (1) وروي عن عبداللّه بن عمر ، أنه قال : سَمِعتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقُولُ : إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ خَلقَهُ في ظُلمَةٍ ، فَأَلقى عَلَيهِم مِن نورِهِ ، فَمَن أَصابَهُ مِن ذلِكَ النُّورِ اهتَدى ، ومَن أخطَأَهُ ضَلَّ ، فَلِذلِكَ أقولُ : جَفَّ القَلَمُ عَلى عِلمِ اللّهِ . (2) ونقل عن سراقة بن مالك أنّه قال : قلت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : أَنَعمَلُ عَلى ما قَد جَفَّ بِهِ القَلَمُ وجَرَت بِهِ المَقاديرُ أو لِأَمرٍ مُستَقبَلٍ ؟ قالَ : يا سُراقَةُ ، اِعمَل لِما جَفَّ بِهِ القَلَمُ وَجَرَت بِهِ المَقاديرُ ، فَإِنَّ كُلًا مُيَسَّرٌ . (3) كما جاء في كتاب علل الشرائع: هبط جبرئيل عليه السلام على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... قال : . . . يا مُحَمَّدُ ، وَيلٌ لِوُلدِكَ مِن وُلدِ العَبّاسِ . فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلَى العَبّاسِ فَقالَ : يا عَمُّ ، وَيلٌ لِوُلدي مِن وُلدِكَ ! فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ أفَأَجُبُّ نَفسي ؟ قالَ : جَفَّ القَلَمُ بِمَا فِيهِ . (4) المجموعة الثانية : الأحاديث الّتي تدلّ على أنّ عددا من الناس خُلقوا للجنّة
.
ص: 129
وخُلق عدد آخر منهم للنار ، وكلّ واحد منهم لايمكنه فعل إلّا ما خُلق له ، بمعنى أنّ أصحاب الجنّة لا يوفّقون إلّا للقيام بالأعمال الّتي تقودهم إلى الجنّة ، فيما يوفّق أصحاب النار للأعمال الّتي تجعلهم يستحقّون نار جهنّم ، كما يروي عمران بن حصين ذلك قائلاً : قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أعُلِمَ أهلُ الجَنَّةِ مِن أهلِ النَارِ؟ قالَ : فَقالَ : نَعَم ، قالَ : قيلَ : فَفيمَ يَعمَلُ العامِلونَ؟ قالَ : كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . (1) ونقل في سنن أبي داوود عن عبداللّه بن عمر ، أنّ رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا رَسولَ اللّهِ فيما نَعمَلُ؟ أفي شَيءٍ قَد خَلا أو مَضى ، أو في شَيءٍ يُستَأنَفُ الآنَ؟ قالَ : في شَيءٍ قَد خَلا وَمَضى . قالَ الرَجُلُ أو بَعضُ القَومِ : فَفيمَ العَمَلُ؟ قالَ : إنَّ أهلَ الجَنَّةِ يُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الجَنَّةِ ، وَإنَّ أَهلَ النّارِ يُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ النّارِ» . (2) وروى صحيح البخاريّ عن أبي عبدالرحمن السلمي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله في جَنازَةٍ ، فَأَخَذَ شَيئا فَجَعَلَ يَنكُتُ بِهِ الأَرضَ ، فَقالَ : ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلّا وَقَد كُتِبَ مَقعَدُهُ مِنَ النّارِ وَمَقعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ . قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، أفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتابنا ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ : اِعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ ، أمّا مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهلِ السَّعادَةِ ، وأمّا مَن كانَ مِن أهلِ الشَّقاوَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهلِ الشَّقاوَةِ . ثُمَّ قَرَأَ : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَ اتَّقَى * وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» (3) . (4) المجموعة الثالثة : الأحاديث الّتي تعتبر في الظاهر سعادة البشر وشقاءهم أمرا مقدّرا ومفروغا منه ، ومع ذلك فإنّها توصي بالعمل مستدلّةً بأنّ الذين هم أهل
.
ص: 130
السعادة يوفّقون للأعمال الّتي توصلهم إلى سعادتهم المقدّرة ، وأمّا أهل الشقاء فإنّهم يوفّقون للأعمال الّتي تنتهي بهم إلى مصيرهم المشؤوم ، مثل ما نقل عن عمر بن الخطّاب من أنّه قال للنّبيّ صلى الله عليه و آله : يا رسولَ اللّهِ ، أرَأَيتَ ما نَعمَلُ فيهِ أمرٌ مُبتَدَعٌ أو مُبتَدَأٌ أو أمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ؟ قالَ : أَمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ ، فَاعمَل يَابنَ الخَطّابِ ، فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ ، فَأَمّا مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلسَّعادَةِ ، وَمَن كانَ مِن أهلِ الشَّقاءِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلشَّقاءِ . (1) المجموعة الرابعة : الأحاديث الّتي تقول : إنّ لكلّ إنسان مقدّرات خاصّة من الناحية المادّية ، وإنّ مقدارا معيّنا من الإمكانيات المادّية قد خلق له ، وسوف يصل إليه بالإجمال والاعتدال في طلب الرزق ، وإنّ الحرص والسعي الزائدين عن الحدّ سوف لايزيدان منه شيئا ، مِثل ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من أنّه قال : أَجمِلُوا في طَلَبِ الدُّنيا فَإِنَّ كُلًا مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ مِنها . (2) المجموعة الخامسة : الأحاديث الّتي تقول : إنّ اللّه فرغ من تقدير أعمال جميع البشر وآجالهم وآثارهم ومضاجعهم ورزقهم ، ولذلك فإنّ أحدا لا يمكنه أن يخرج من دائرة المقدّرات الإلهيّة ، مثل ماروي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : فَرَغَ اللّهُ إلى كُلِّ عَبدٍ مِن خَمسٍ : مِن عَمَلِهِ وَأجَلِهِ وَأثَرِهِ وَمَضجَعِهِ وَرِزقِهِ ، لا يَتَعَدّاهُنَّ عَبدٌ . (3) ملاحظات لفهم الأحاديث المذكورة لبيان هذه الأحاديث ، من الضروريّ الالتفات إلى ثلاث ملاحظات :
.
ص: 131
1 . التعارض مع القرآن والأحاديث القطعيَّة الصدورإنّه إذا كان المراد من هذه الأحاديث إلغاء حرّية الإنسان في تعيين مصيره وعاقبته ، وسلب الإرادة والمشيئة الإلهية في تغيير مصير الإنسان والعالَم ، فإنّ هذه الأحاديث الآحاد لا تعارض الأحاديث المتواترة والسنّة القطعيّة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فحسب ، بل إنّها تتعارض مع صريح القرآن الكريم ، بل ومع فلسفة بعثة الأنبياء، وبناءً على ذلك فإنّها مردودة ولا يمكن قبولها على فرض صحّة أسانيدها .
2 . عدم تعارض علم اللّه عز و جل مع إرادته وحرية الإنسانمن الممكن أن تكون هذه الروايات كناية عن العلم الأزلي للّه تعالى بالاُمور المذكورة ، حيث وردت الإشارة في بعضها إلى هذا الموضوع ، بمعنى أنّ جميع الحوادث الّتي ستقع للإنسان والعالم يعلمها اللّه تعالى ، فهو يعلم نصيب كلّ إنسان من هذه الدنيا، ومِمَّن سوف يتزوّج ، وما هو الموقع الّذي سيتمتّع به من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة ، ومن سيكون ظالما ومن سيكون مظلوما ومن سيكون سعيدا، ومن سيكون شقيّا ، ومن سيدخل الجنّة ، ومن سيدخل النار، وباختصار : فإنّ اللّه _ تعالى _ يعلم المصير الدنيوي والاُخروي لجميع الناس، ولكنّ الملاحظة المهمّة والدقيقة هي أنّ علم اللّه ، ليس علّة للمعلوم ، بل هو تابع له ، لا متبوع له كما ظنّ الأشاعرة وأتباعهم . بناءً على ذلك ، فإنّ العلم الأزلي للّه _ تعالى _ لا يتعارض ؛ لا مع إرادته ومشيئته ، ولا مع إرادة الإنسان واختياره في تعيين مصيره. بعبارة اُخرى : فإنّ المراد من الأحاديث المذكورة ، أنّ اللّه _ تعالى _ يعلم كيف سيعيّن الإنسان باختياره مصيره في الدنيا والآخرة ، فهل سيكون شقيّا، أم سعيدا؟ وهل سيكون من أهل الجنّة ، أو من أهل النار؟ حيث ذكر هذا المعنى بوضوح في بعض الأحاديث ، فقد روى الشيخ الصدوق عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
.
ص: 132
سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ وَمَضَى القَدَرُ ، بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (1) على هذا فإنّ جفاف قلم التقدير لا يسلب الإنسان حرّيته وحسب ، بل إنّه يمنحه الحرّية ، لأنّ كتابته الّتي هي غير قابلة للتغيير هي حرّية الإنسان في اختيار طريق السعادة ، أو الشقاء. نعم ، هناك قلم آخر إذا جفّ فإنّ الحرّية ستسلب من الإنسان ، ألا وهو قلم التكليف ، كما جاء في الحديث النبويّ في وصف الموت المفاجئ للأشخاص الشرّيرين : أما رَأَيتُمُ المَأخوذينَ عَلَى العِزَّةِ وَالمُزعَجينَ بَعدَ الطُمَأنينَةِ ، الَّذينَ أقاموا عَلَى الشُبُهاتِ وَجَنَحوا إلَى الشَّهَواتِ ، حَتّى أتَتهُم رُسُلُ رَبِّهِم ، فَلا ما كانوا أمَّلوا أدرَكوا ، ولا إلى ما فاتَهُم رَجَعُوا ، قَدِموا عَلى ما عَمِلوا ، ونَدِمُوا عَلى ما خَلَّفوا ، وَلَن يُغنِي النَّدَمُ وَقَد جَفَّ القَلَمُ . فَرَحِمَ اللّهُ امرَءا قَدَّمَ خَيرَا وَأنفَقَ قَصدا وَقالَ صِدقَا ، وَمَلَكَ دَواعي شَهوَتِهِ وَلَم تَملِكهُ ، وَعَصى أمرَ نَفسِهِ فَلَم تَملِكهُ . (2)
3 . نطاق حرّية الإنسان في دائرة التقدير الإلهيالملاحظة الثالثة : إنّ حرّية الإنسان ليست مطلقة في تعيين مصيره الدنيوي والاُخروي ، بل هي في دائرة القضاء والقدر الإلهيين ، لأنّ لكلّ إنسان استعدادا خاصّا على أساس التقدير الحكيم للحقّ جلّ وعلا ، حيث لا يستطيع أن يتمتّع بحرّيته وسعيه ، إلّا في نطاق مقدراته واستعداداته ، لا أنّ كلّ شخص بإمكانه أن
.
ص: 133
يصل إلى المركز الّذي يتطلّع إليه من الناحية الماديّة أو المعنويّة ، وما جاء في الأحاديث السابقة من أنّه : «كلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ» يشير إلى هذه الملاحظة . نعم كلّ شيء في نظام الخلق يمتلك الاستعداد لهدف خاصّ على أساس التقدير الحكيم للحقّ تعالى ، وهذا الهدف يمكن توظيفه في ذلك النطاق ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : قَدَّرَ ما خَلَقَ فَأَحكَمَ تَقديرَهُ ، وَدَبَّرَهُ فَأَلطَفَ تَدبيرَهُ ، وَوَجَّهَهُ لِوِجهَتِهِ فَلَم يَتَعَدَّ حُدودَ مَنزِلَتِهِ ، وَلَم يَقصُر دونَ الاِنتِهاءِ إلى غايَتِهِ ، وَلَم يَستَصعِب إذ أُمِرَ بِالمُضِيِّ عَلى إرادَتِهِ . (1) يقول ابن أبي الحديد في تفسير تلك العبارات : يقول عليه السلام إنَّه تعالى قدَّر الأشياء الّتي خلقها ، فخلقها محكمةً على حسب ما قدّر ، وألطف تدبيرها ، أي جعله لطيفا ، وأمضى الاُمور إلى غايتها وحدودها المقدَّرة لها ، فهيّأ الصقرة للإصطياد ، والخيل للرُّكوب والطراد ، والسَّيف للقطع ، والقلم للكتابة ، والفلك للدوران ، ونحو ذلك ، وفي هذا إشارة إلى قول النبيِّ صلى الله عليه و آله : «كلّ ميسَّر لما خلق له» ، فلم تتعدّ هذه المخلوقات حدود منزلتها الَّتي جعلت غايتها . (2) إنّ الإنسان لا يمكنه _ كسائر المخلوقات _ أن يخرج من نطاق المقدّرات الإلهيّة ، والفرق الوحيد بين الإنسان وسائر المخلوقات هو أنّه حرّ في تعيين مصيره في نطاق المقدّرات الإلهيّة ، وإنّ نظام الخلق سوف يوفّر له أداة الوصول إلى المصير الّذي يختاره مهما كان هذا المصير: «كُلاًّ نُّمِدُّ هَ_ؤُلَاءِ وَ هَ_ؤُلَاءِ مِنْ عَطَ_اءِ رَبِّكَ وَ مَا كَانَ عَطَ_اءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» (3) .
.
ص: 134
4 / 2الأَجَلُ المَوقوفُ وَالمُسَمّىالكتاب«هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ» . (1)
«هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخًا وَ مِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (2)
الحديثالكافي عن حمران عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» ، قالَ : هُما أجَلانِ : أجَلٌ مَحتومٌ وأجَلٌ مَوقوفٌ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» _: هُما أجَلانِ : أجَلٌ مَوقوفٌ يَصنَعُ اللّهُ ما يَشاءُ ، وأجَلٌ مَحتومٌ . (4)
عنه عليه السلام_ أيضا _: أمَّا الأَجَلُ الَّذي غَيرُ مُسَمّىً عِندَهُ فَهُوَ أجَلٌ مَوقوفٌ ، يُقَدِّمُ فيهِ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ فيهِ ما يَشاءُ ، وأمَّا الأَجَلُ المُسمّى فَهُوَ الَّذي يُسَمّى في لَيلَةِ القَدرِ . (5)
عنه عليه السلام_ أيضا _: المُسَمّى ما سُمِّيَ لِمَلَكِ المَوتِ في تِلكَ اللَّيلَةِ ، وهُوَ الَّذي قالَ اللّهُ : «إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» (6) وهُوَ الَّذي سُمِّيَ لِمَلَكِ المَوتِ في لَيلَةِ القَدرِ ، وَالآخَرُ لَهُ فيهِ المَشِيَّةُ إن شاءَ قَدَّمَهُ وإن شاءَ أخَّرَهُ . (7)
.
ص: 135
عنه عليه السلام_ أيضا _: الأَجَلُ الَّذي غَيرُ مُسَمّىً مَوقوفٌ ، يُقَدِّمُ مِنهُ ما شاءَ ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما شاءَ . وأمَّا الأَجَلُ المُسَمّى فَهُوَ الَّذي يُنزَلُ مِمّا يُريدُ أن يَكونَ مِن لَيلَةِ القَدرِ ، إلى مِثلِها مِن قابِلٍ . قالَ : فَذلِكَ قَولُ اللّهِ «إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» . (1)
عنه عليه السلام_ أيضا _: الأَجَلُ الأَوَّلُ ، هُوَ ما نَبَذَهُ إلَى المَلائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَالأَنبِياءِ ، وَالأَجَلُ المُسَمّى عِندَهُ ، هُوَ الَّذي سَتَرَهُ اللّهُ عَنِ الخَلائِقِ . 2
عنه عليه السلام_ أيضا _: الأَجَلُ المَقضِيُّ هُوَ المَحتومُ الَّذي قَضاهُ اللّهُ وحَتَمَهُ ، وَالمُسَمّى هُوَ الَّذي فيهِ البَداءُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، وَالمَحتومُ لَيسَ فيهِ تَقديمٌ ولا تَأخيرٌ . (2)
.
ص: 136
. .
ص: 137
بحث حول أقسام الأجلوردت الإشارة في الآية الثانية من سورة الأنعام إلى نوعين من الأجل: الأجل المطلق، والأجل المسمّى: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ» . (1) و«الأجل» لغةً يعني «حلول الوقت» و«المدّة الزمنية للشيء» ، ولكن يبدو أنّ المراد منه في هذه الآية نهاية عمر الإنسان، ويتّضح بقرينة التقابل بين الأجل المطلق والأجل المُسمّى أنّ المقصود من الأجل في التعبير الأوّل يغاير ما ورد في التعبير الثاني. بعبارة أوضح ، فإنّ الأجل على نوعين: الأجل المبهم، والأجل المعيّن لدى اللّه تعالى ، فالأجل المعيّن هو الأجل المحتوم الّذي لا يقبل التغيير ، ولذلك قيّده القرآن بقوله: «عنده» ، ومن البديهي أنّ الشيء الّذي هو عند اللّه ، لا يقبل التغيير ، كما يقول: «مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَ مَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ» (2) . على هذا الأساس ندرك بوضوح من الآية موضوع البحث أنّ الأجل المُطلق الّذي سُمّي في الروايات بالأجل الموقوف ، قابل للتغيير والزيادة والنقصان، والأجل المُسمّى غير قابل للتغيير. إنّ الروايات الّتي لاحظناها تؤيّد هذا الاستنباط من الآية، ولكنّ هناك رواية رويت عن الإمام الصادق عليه السلام وردت في تفسير القمّي تخالف ظاهر الآية وكذلك
.
ص: 138
تفسير الروايات السابقة لها، وهذا هو نصّها : الأَجَلُ المَقضيُ هوَ المَحتومُ الَّذي قَضاهُ اللّهُ وَحَتَمَهُ ، وَالمُسَمّى هُوَ الَّذي فيهِ البَداءُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ وَيؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، وَالمَحتومُ لَيسَ فيهِ تَقديمٌ وَلا تأخيرٌ . (1) ويبدو _ استنادا إلى ما ذُكر _ أنّ ظاهر هذه الرواية لا يمكن قبوله ، ولكن مع ذلك قال العلّامة المجلسي قدس سره في الجمع بين هذه الرواية والروايات السابقة : ظاهر بعض الأخبار كون الأوّل محتوما والثاني موقوفا، وبعضها بالعكس ، ويمكن الجمع بأنّ المعنى أنّه تعالى قضى أجلاً أخبر به أنبياءه وحُججه عليهم السلام ، وأخبر بأنّه محتوم فلا يتطرّق إليه التغيير، وعنده أجل مُسمّى أخبر بخلافه غير محتوم ، فهو الّذي إذا أخبر بذلك المسمّى يحصل منه البَداء، فلذا قال تعالى: «عنده» أي لم يطلع عليه أحدا بعد، وإنّما يُطلق عليه المُسمّى لأنّه بعد الإخبار يكون مُسمّى ، فما لم يُسمّ فهو موقوف ، ومنه يكون البداء فيما أخبر لا على وجه الحتم . ويحتمل أن يكون المراد بالمُسمّى ما سُمّي ووصف بأنّه محتوم ، فالمعنى : قضى أجلاً محتوما، أي أخبر بكونه محتوما ، وأجلاً آخر وصف بكونه محتوما عنده ولم يخبر الخلق بكونه محتوما ، فيظهر منه أنّه أخبر بشيء لا على وجه الحتم فهو غير المسمّى ، لا الأجل الّذي ذُكر أوّلاً. وحاصل الوجهين مع قربهما أنّ الأجلين كليهما محتومان ، أخبر بأحدهما ولم يخبر بالآخر، ويظهر من الآية أجل آخر غير الأجلين وهو الموقوف ، ويمكن أن يكون الأجل الأوّل عامّا فيرتكب تكلّف في خبر ابن مسكان بأنّه قد يكون محتوما، وظاهر أكثر الأخبار أنّ الأوّل موقوف والمسمّى محتوم . (2)
.
ص: 139
4 / 3لا مَفَرَّ مِنَ القَضاءِ المَحتومِالكتاب«وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ» . (1)
«وَلَ_كِن لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :وَالَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَو جَهَدَتِ الاُمَّةُ لِتَنفَعَكَ ما نَفَعَتكَ ، إلّا شَيئا قَد كَتَبَهُ اللّهُ لَكَ . (3)
حلية الأولياء عن أنس :خَدَمتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشرَ سِنينَ ، فَما أرسَلَني في حاجَةٍ قَطُّ فَلَم تُهَيَّأ ، إلّا قالَ : لَو قُضِيَ كانَ _ أو قُدِّرَ كانَ _ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا قَضَى اللّهُ لِعَبدٍ أن يَموتَ بِأَرضٍ ، جَعَلَ لَهُ إلَيها حاجَةً . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ عز و جل إنفاذَ قَضائِهِ وقَدَرِهِ ، سَلَبَ ذَوِي العُقولِ عُقولَهُم حَتّى يَنفَذَ فيهِم قَضاؤُه وقَدَرُهُ ، فَإِذا مَضى أمرُهُ رَدَّ إلَيهِم عُقولَهُم ، ووَقَعَتِ النَّدامَةُ . (6)
.
ص: 140
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ إمضاءَ أمرٍ ، نَزَعَ عُقولَ الرِّجالِ حَتّى يُمضِيَ أمرَهُ ، فَإِذا أمضاهُ رَدَّ إلَيهِم عُقولَهُم ووَقَعَتِ النَّدامَةُ . (1)
الغيبة عن ابن عبّاس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِأَبي : يا عَبّاسُ ، وَيلٌ لِذُرِّيَّتي مِن وُلدِكَ ، ووَيلٌ لِوُلدِكَ مِن وُلدي ، فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أفَلا أجتَنِبُ النِّساءَ ، أو قالَ : أفَلا أجُبُّ (2) نَفسي؟ قالَ : إنَّ عِلمَ اللّهِ عز و جل قَد مَضى ، وَالاُمورُ بِيَدِهِ ، وإنَّ الأَمرَ سَيَكونُ في وُلدي . (3)
تاريخ دمشق عن محمّد السعدي :إنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنصارِ أتى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : إنّي اُريدُ أن أتَزَوَّجَ امرَأَةً ، فَادعُ لي ... فَقالَ [رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] : لَو دَعا لَكَ إسرافيلُ وجَبرَئيلُ وميكائيلُ وحَمَلَةُ العَرشِ وأنَا فيهِم ، ما تَزَوَّجتَ إلَا المَرأَةَ الَّتي كُتِبَت لَكَ (4) . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا جاءَ القَضاءُ ، ضاقَ الفَضاءُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :لَن يَنفَعَ حَذَرٌ مِن قَدَرٍ . (7)
.
ص: 141
الإمام عليّ عليه السلام_ لِميثَمٍ التَّمّارِ _: يا ميثَمُ ، لا حَذَرَ مِن قَدَرٍ . يا ميثَمُ ، إذا جاءَ القَضاءُ فَلا مَفَرَّ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ في خُطبَةِ النِّكاحِ _: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ اللّهَ أبرَمَ (2) الاُمورَ وأمضاها عَلى مَقاديرِها ، فَهِيَ غَيرُ مُتَناهِيَةٍ عَن مَجاريها دونَ بُلوغِ غاياتِها فيما قَدَّرَ وقَضى مِن ذلِكَ ، وقَد كانَ فيما قَدَّرَ وقَضى مِن أمرِهِ المَحتومِ ، وقَضاياهُ المُبرَمَةِ ، ما قَد تَشَعَّبَت بِهِ الأَخلافُ (3) ، وجَرَت بِهِ الأَسبابُ ، وقَضى مِن تَناهِي القَضايا بِنا وبِكُم إلى حُضورِ هذَا المَجلِسِ الَّذي خَصَّنَا اللّهُ وإيّاكُم ، لِلَّذي كانَ مِن تَذَكُّرِنا آلاءَهُ ، وحُسنَ بَلائِهِ ، وتَظاهُرَ نَعمائِهِ ، فَنَسأَلُ اللّهَ لَنا ولَكُم بَرَكَةَ ما جَمَعَنا وإيّاكُم عَلَيهِ ، وساقَنا وإيّاكُم إلَيهِ . (4)
عنه عليه السلام :إذا حَلَّ القَدَرُ ، بَطَلَ الحَذَرُ . (5)
عنه عليه السلام :لا يَرُدُّ أمرَكَ ، مَن سَخِطَ قَضاءَكَ . (6)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ أمرٍ عاقِبَةٌ ، سَوفَ يَأتيكَ ما قُدِّرَ لَكَ . (7)
عنه عليه السلام :لَن يَسبِقَكَ إلى رِزقِكَ طالِبٌ ، ولَن يَغلِبَكَ عَلَيهِ غالِبٌ ، ولَن يُبطِئَ عَنكَ ما قَد
.
ص: 142
قُدِّرَ لَكَ . (1)
عنه عليه السلام :إذا حَلَّتِ المَقاديرُ ، بَطَلَتِ التَّدابيرُ . (2)
عنه عليه السلام :المَقاديرُ لا تُدفَعُ بِالقُوَّةِ وَالمُغالَبَةِ . (3)
عنه عليه السلام :الاُمورُ بِالتَّقديرِ ، ولَيسَت بِالتَّدبيرِ . (4)
عنه عليه السلام :إذا كانَ القَدَرُ لا يُرَدُّ ، فَالاِحتراسُ باطِلٌ . (5)
عنه عليه السلام :القَدَرُ يَغلِبُ الحَذَرَ . (6)
عنه عليه السلام :نُزولُ القَدَرِ يَسبِقُ الحَذَرَ . (7)
عنه عليه السلام :مِحَنُ القَدَرِ تَسبِقُ الحَذَرَ . (8)
عنه عليه السلام :نُزولُ القَدَرِ يُعمِي البَصَرَ . (9)
عنه عليه السلام :المَقاديرُ تَجري بِخِلافِ التَّقديرِ وَالتَّدبيرِ . (10)
.
ص: 143
عنه عليه السلام :إذا حَلَّ بِأَحَدِكُمُ المَقدورُ ، بَطَلَ التَّدبيرُ . (1)
عنه عليه السلام :ألا وإنَّ القَدَرَ السّابِقَ قَد وَقَعَ ، وَالقَضاءَ الماضِيَ قَد تَوَرَّدَ (2) . (3)
عنه عليه السلام :يَغلِبُ المِقدارُ عَلَى التَّقديرِ ، حَتّى تَكونَ الآفَةُ فِي التَّدبيرِ! (4)
عنه عليه السلام :تَذِلُّ الاُمورُ لِلمَقاديرِ ، حَتّى يَكونَ الحَتفُ فِي التَّدبيرِ! (5)
عنه عليه السلام :يَغلِبُ المِقدارُ عَلَى التَّقديرِ ، حَتّى يَكونَ الحَتفُ فِي التَّدبيرِ! (6)
عنه عليه السلام :تَذِلُّ الاُمورُ لِلمَقدورِ ، حَتّى تَصيرَ الآفَةُ فِي التَّدبيرِ! (7)
عنه عليه السلام :يَجرِي القَضاءُ بِالمَقاديرِ ، عَلى خِلافِ الاِختِيارِ وَالتَّدبيرِ . (8)
عنه عليه السلام :كُلُّ شَيءٍ فيهِ حيلَةٌ إلَا القَضاءَ . (9)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: إذا جَرَتِ المَقاديرُ بِالمَكارِهِ ، سَبَقَتِ الآفَةُ إلَى العَقلِ فَحَيَّرَتهُ ، واُطلِقَتِ الأَلسُنُ بِما فيهِ تَلَفُ الأَنفُسِ . (10)
عنه عليه السلام :وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَاءِزالَةُ الجِبالِ مِن مَكانِها أهوَنُ مِن إزالَةِ مُلكٍ
.
ص: 144
مُؤَجَّلٍ ، فَإِذَا اختَلَفوا [أي بَني اُمَيَّةَ] بَينَهُم ، فَوَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ ، لَو كادَتهُمُ (1) الضِّباعُ لَغَلَبَتهُم . (2)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ عَبدٍ حَفَظَةٌ يَحفَظونَهُ ؛ لا يَخِرُّ عَلَيهِ حائِطٌ ، أو يَتَرَدّى في بِئرٍ ، أو تُصيبُهُ دابَّةٌ ، حَتّى إذا جاءَ القَدَرُ الَّذي قُدِّرَ لَهُ ، خَلَّت عَنهُ الحَفَظَةُ ، فَأَصابَهُ ما شاءَ اللّهُ أن يُصيبَهُ . (3)
تاريخ دمشق عن قتادة :إنَّ آخِرَ لَيلَةٍ أتَت عَلى عَلِيٍّ عليه السلام جَعَلَ لا يَستَقِرُّ ، فَارتابَ (4) بِهِ أهلُهُ ، فَجَعَلَ يَدُسُّ بَعضُهُم إلى بَعضٍ حَتَّى اجتَمَعوا فَناشَدوهُ . فَقالَ : إنَّهُ لَيسَ مِن عَبدٍ إلّا ومَعَهُ مَلَكانِ يَدفَعانِ عَنهُ ما لَم يُقَدَّر _ أو قالَ : ما لَم يَأتِ القَدَرُ _ ، فَإِذا أتَى القَدَرُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَ القَدَرِ . قالَ : وخَرَجَ إلَى المَسجِدِ _ يَعني : فَقُتِلَ _ . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ يَومَ عَرَفَةَ _: سُبحانَكَ! قَولُكَ حُكمٌ ، وقَضاؤُكَ حَتمٌ ، وإرادَتُكَ عَزمٌ . سُبحانَكَ! لا رادَّ لِمَشِيَّتِكَ ، ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ . (6)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: ... ولَيسَ يَستَطيعُ مَن كَرِهَ قَضاءَكَ أن يَرُدَّ أمرَكَ . (7)
عنه عليه السلام_ من دُعائِهِ فِي المُهِمّاتِ _: وقَد نَزَلَ بي يا رَبِّ ما قَد تَكَأَّدَني (8) ثِقلُهُ ،
.
ص: 145
وألَمَّ بي ما قَد بَهَظَني (1) حَملُهُ ، وبِقُدرَتِكَ أورَدتَهُ عَلَيَّ ، وبِسُلطانِكَ وَجَّهتَهُ إلَيَّ ، فَلا مُصدِرَ لِما أورَدتَ ، ولا صارِفَ لِما وَجَّهتَ ، ولا فاتِحَ لِما أغلَقتَ ، ولا مُغلِقَ لِما فَتَحتَ ، ولا مُيَسِّرَ لِما عَسَّرتَ ، ولا ناصِرَ لِمَن خَذَلتَ . (2)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ عِندَ الصَّباحِ وَالمَساءِ _: أصبَحنا في قَبضَتِكَ ، يَحوينا مُلكُكَ وسُلطانُكَ ، وتَضُمُّنا مَشِيَّتُكَ ، ونَتَصَرَّفُ عَن أمرِكَ ، ونَتَقَلَّبُ في تَدبيرِكَ ، لَيسَ لَنا مِنَ الأَمرِ إلّا ما قَضَيتَ ، ولا مِنَ الخَيرِ إلّا ما أعطَيتَ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي التَّحميدِ للّهِِ عز و جل _: اِبتَدَعَ بِقُدرَتِهِ الخَلقَ ابتِداعا ، وَاختَرَعَهُم عَلى مَشِيَّتِهِ اختِراعا ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِم طَريقَ إرادَتِهِ ، وبَعَثَهُم في سَبيلِ مَحَبَّتِهِ ، لا يَملِكونَ تَأخيرا عَمّا قَدَّمَهُم إلَيهِ ، ولا يَستَطيعونَ تَقَدُّما إلى ما أخَّرَهُم عَنهُ . وجَعَلَ لِكُلِّ روحٍ مِنهُم قوتا مَعلوما مَقسوما مِن رِزقِهِ ، لا يَنقُصُ مَن زادَهُ ناقِصٌ ، ولا يَزيدُ مَن نَقَصَ مِنهُم زائِدٌ . ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ فِي الحَياةِ أجَلاً مَوقوتا ، ونَصَبَ لَهُ أمَدا مَحدودا ، يَتَخَطَّأُ إلَيهِ بِأَيّامِ عُمُرِهِ ، ويَرهَقُهُ (4) بِأَعوامِ دَهرِهِ . (5)
مجمع البيان :رَوَى العَيّاشِيُّ بِالإِسنادِ ، قال : قالَ أبو حَنيفَةَ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : كَيفَ تَفَقَّدَ سُلَيمانُ الهُدهُدَ مِن بَينِ الطَّيرِ ؟ (6)
.
ص: 146
قالَ : لِأَنَّ الهُدهُدَ يَرَى الماءَ في بَطنِ الأَرضِ كَما يَرى أحَدُكُمُ الدُّهنَ فِي القارورَةِ . فَنَظَرَ أبو حَنيفَةَ إلى أصحابِهِ وضَحِكَ . قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : ما يُضحِكُكَ؟ قالَ : ظَفِرتُ بِكَ ، جُعِلتُ فِداكَ! قالَ : وكَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : الَّذي يَرَى الماءَ في بَطنِ الأَرضِ لا يَرَى الفَخَّ (1) فِي التُّرابِ حَتّى يَأخُذَ بِعُنُقِهِ ؟! قالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : يا نُعمانُ ، أما عَلِمتَ أنَّهُ إذا نَزَلَ القَدَرُ أغشَى البَصَرَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ يَقولُ : قَرِّبوا عَلى أنفُسِكُمُ البَعيدَ ، وهَوِّنوا عَلَيهَا الشَّديدَ ، وَاعلَموا أنَّ عَبدا وإن ضَعُفَت حيلَتُهُ وَوَهَنَت مَكيدَتُهُ ، إنَّهُ لَن يُنقَصَ مِمّا قَدَّرَ اللّهُ لَهُ ، وإن قَوِيَ في شِدَّةِ الحيلَةِ ، وقُوَّةِ المَكيدَةِ ، إنَّهُ لَن يُزادَ عَلى ما قَدَّرَ اللّهُ لَهُ . (3)
الإمام العسكريّ عليه السلام :المَقاديرُ الغالِبَةُ لا تُدفَعُ بِالمُغالَبَةِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام : أيَّ يَومَيَّ مِنَ المَوتِ أفِرّْ أيَومَ لَم يُقدَر أم يَومَ قُدِرْ يَومَ ما قُدِّرَ لا أخشَى الرَّدى وإذا قُدِّرَ لَم يُغنِ الحَذَرْ (5)
راجع : ص 215 (خلقة العالم والتقدير) و ص 217 (خلقة الإنسان والتقدير) .
.
ص: 147
عنه عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: ما لي عَلى فَوتِ فائِتٍ أسَفُ ولا تَراني عَلَيهِ ألتَهِفُ (1) ما قَدَّرَ اللّهُ لي فَلَيسَ لَهُ عَنّي إلى مَن سِوايَ مُنصَرَفُ فَالحَمدُ للّهِِ لا شَريكَ لَهُ ما لِيَ قوتٌ (2) وهِمَّتِي الشَّرَفُ أنَا راضٍ بِالعُسرِ وَاليَسارِ فَما تَدخُلُني ذِلَّةٌ ولا صَلَفُ (3)(4)
.
ص: 148
. .
ص: 149
الفصل الخامِسُ : البداء في القضاء والقدر5 / 1حَقيقَةُ البَداءِ وأقسامُهُأ _ بَسطُ القُدرَةِالكتاب«وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . (1)
راجع : الرحمن : 29 ، النساء : 133 ، الأنعام : 133 ، إبراهيم : 19 ، فاطر : 16 ، الشورى : 24 و 33 ، الإسراء : 54 .
الحديثالإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» _: لَم يَعنوا أنَّهُ هكَذا ، ولكِنَّهُم قالوا : قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ ، فَلا يَزيدُ ولا يَنقُصُ ، فَقالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ تَكذيبا لِقَولِهِم : «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ»
.
ص: 150
ألَم تَسمَعِ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (1)
تفسير العيّاشي عن يعقوب بن شعيب :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ : «قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ» ، قال : فَقالَ لي : كَذا _ وقالَ بِيَدِهِ (2) إلى عُنُقِهِ _ ولكِنَّهُ قالَ : قَد فَرَغَ مِنَ الأَشياءِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» _: يَعنونَ أنَّهُ قَد فَرَغَ مِمّا هُوَ كائِنٌ ، لُعِنوا بِما قالوا ! قالَ اللّهُ عز و جل : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» (4) . (5)
ب _ المَحوُ وَالإِثباتُالكتاب«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (6)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» _: يَمحو مِنَ الأَجَلِ ما يَشاءُ ، ويَزيدُ فيهِ ما يَشاءُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله _ في قَولِهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ» _ : يَمحو مِنَ الرِّزقِ ويَزيدُ فيهِ ،
.
ص: 151
ويَمحو مِنَ الأَجَلِ ويَزيدُ فيهِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ» _: وهَل يُمحى إلّا ما كانَ ثابِتا؟ وهَل يُثبَتُ إلّا ما لَم يَكُن ؟ (2)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام يَقولُ : لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ لَحَدَّثتُكُم بِما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَقُلتُ لَهُ : أيَّةُ آيَةٍ ؟ قالَ : قَولُ اللّهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أهبَطَ إلَى الأَرضِ ظُلَلاً (4) مِنَ المَلائِكَةِ عَلى آدَمَ ، وهُوَ بِوادٍ يُقالُ لَهُ الرَّوحاءُ ، وهُوَ وادٍ بَينَ الطّائِفِ ومَكَّةَ ، قالَ : فَمَسَحَ عَلى ظَهرِ آدَمَ ثُمَّ صَرَخَ بِذُرِّيَّتِهِ (5) وهُم ذَرٌّ (6) ، قالَ : فَخَرَجوا كَما يَخرُجُ النَّملُ مِن كورِها ، فَاجتَمَعوا عَلى شَفيرِ الوادي ، فَقالَ اللّهُ لِادَمَ عليه السلام : اُنظُر ماذا تَرى ؟ فَقالَ آدَمُ : ذَرّا كَثيرا عَلى شَفيرِ الوادي ،
.
ص: 152
فَقالَ اللّهُ : يا آدَمُ ، هؤُلاءِ ذُرِّيَّتُكَ أخرَجتُهُم مِن ظَهرِكَ لِاخُذَ عَلَيهِمُ الميثاقَ لي بِالرُّبوبِيَّةِ ، ولِمُحَمَّدٍ بِالنُّبُوَّةِ ، كَما أخَذتُ عَلَيهِم فِي السَّماءِ . قالَ آدَمُ : يا رَبِّ ، وكَيفَ وَسِعَتهُم ظَهري ؟ قالَ اللّهُ : يا آدَمُ بِلُطفِ صُنعي ، ونافِذِ قُدرَتي ، قالَ آدَمُ : يا رَبِّ ، فَما تُريدُ مِنهُم فِي الميثاقِ ؟ قالَ اللّهُ : ألّا يُشرِكوا بي شَيئاً ، قالَ آدَمُ : فَمَن أطاعَكَ مِنهُم _ يا رَبِّ _ فَما جَزاؤُهُ ؟ قالَ اللّهُ : اُسكِنُهُ جَنَّتي ، قالَ آدَمُ : فَمَن عَصاكَ فَما جَزاؤُهُ ؟ قالَ : اُسكِنُهُ ناري ، قالَ آدَمُ : يا رَبِّ ، لَقَد عَدَلتَ فيهِم ، ولَيَعصِيَنَّكَ أكثَرُهُم إن لَم تَعصِمهُم . قالَ أبو جَعفَرٍ : ثُمَّ عَرَضَ اللّهُ عَلى آدَمَ أسماءَ الأَنبِياءِ وأعمارَهُم ، قالَ : فَمَرَّ آدَمُ بِاسمِ داوُودَ النَّبِيِّ عليه السلام ،فَإِذا عُمُرُهُ أربَعونَ سَنَةً ، فَقالَ : يا رَبِّ ، ما أقَلَّ عُمُرَ داوُودَوأكثَرَ عُمُري!! يا رَبِّ ، إن أنَا زِدتُ داوُودَ مِن عُمُري ثَلاثينَ سَنَةً ، أيُنفَذُ ذلِكَ لَهُ ؟ قالَ : نَعَم يا آدَمُ ، قالَ : فَإِنّي قَد زِدتُهُ مِن عُمُري ثَلاثينَ سَنَةً ، فَأَنفِذ ذلِكَ لَهُ ، وأثبِتها لَهُ عِندَكَ ، وَاطَّرِحها مِن عُمُري ! قالَ : فَأَثبَتَ اللّهُ لِداوُودَ مِن عُمُرِهِ ثَلاثينَ سَنَةً ، ولَم يَكُن لَهُ عِندَ اللّهِ مُثبَتاً ، ومَحا مِن عُمُرِ آدَمَ ثَلاثينَ سَنَةً وكانَت لَهُ عِندَ اللّهِ مُثبَتا . فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : فَذلِكَ قَولُ اللّهِ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» قالَ : فَمَحَا اللّهُ ما كانَ عِندَهُ مُثبَتاً لِادَمَ ، وأثبَتَ لِداوُودَ ما لَم يَكُن عِندَهُ مُثبَتاً . قالَ : فَلَمّا دَنا عُمُرُ آدَمَ ، هَبَطَ عَلَيهِ مَلَكُ المَوتِ عليه السلام لِيَقبِضَ روحَهُ ، فَقالَ لَهُ آدَمُ عليه السلام : يا مَلَكَ المَوتِ قَد بَقِيَ مِن عُمُري ثَلاثونَ! فَقالَ لَهُ مَلَكُ المَوتِ : ألَم تَجعَلها لِابنِكَ داوُودَ النَّبِيِّ ، وَاطَّرَحتَها مِن عُمُرِكَ حَيثُ عَرَضَ اللّهُ عَلَيكَ أسماءَ الأَنبِياءِ مِن ذُرِّيَّتِكَ ، وعَرَضَ عَلَيكَ أعمارَهُم ، وأنتَ يَومَئِذٍ بِوادِي الرَّوحاءِ ؟ فَقالَ آدَمُ : يا مَلَكَ المَوتِ ، ما أذكُرُ هذا ، فَقالَ لَهُ مَلَكُ المَوتِ : يا آدَمُ ، لا تَجهَل ! ألَم تَسأَلِ اللّهَ أن يُثبِتَها
.
ص: 153
لِداوُودَ ويَمحُوَها مِن عُمُرِكَ فَأَثبَتَها لِداوُودَ فِي الزَّبورِ ومَحاها مِن عُمُرِكَ مِنَ الذِّكرِ ؟ قالَ : فَقالَ آدَمُ : فَأَحضِرِ الكِتابَ حَتّى أعلَمَ ذلِكَ . قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : وكانَ آدَمُ صادِقاً لَم يَذكُر ، قالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : فَمِن ذلِكَ اليَومِ أمَرَ اللّهُ العِبادَ أن يَكتُبوا بَينَهُم إذا تَدايَنوا وتَعامَلوا إلى أجَلٍ مُسَمّىً ، لِنِسيانِ آدَمَ وجُحودِهِ ما جَعَلَ عَلى نَفسِهِ . (1)
الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام_ لاِبي حَمزَةَ الثُّمالِيِّ _: يا أبا حَمزَةَ ، إن حَدَّثناكَ بِأَمرٍ أنَّهُ يَجيءُ مِن هاهُنا فَجاءَ مِن هاهُنا ، فَإِنَّ اللّهَ يَصنَعُ ما يَشاءُ ، وإن حَدَّثناكَ اليَومَ بِحَديثٍ وحَدَّثناكَ غَدا بِخِلافِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ . (2)
تفسير العيّاشي عن حمران :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» ، فَقالَ : يا حُمرانُ ، إنَّهُ إذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ ، ونَزَلَتِ المَلائِكَةُ الكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونُ ما يُقضى في تِلكَ السَّنَةِ مِن أمرٍ ، فَإِذا أرادَ اللّهُ أن يُقَدِّمَ شَيئا أو يُؤَخِّرَهُ ، أو يَنقُصَ مِنهُ أو يَزيدَ ، أمَرَ المَلَكَ فَمَحا ما يَشاءُ ثُمَّ أثبَتَ الَّذي أرادَ . قالَ : فَقُلتُ لَهُ عِندَ ذلِكَ : فَكُلُّ شَيءٍ يَكونُ فَهُوَ عِندَ اللّهِ في كِتابٍ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : فَيَكونُ كَذا وكَذا ثُمَّ كَذا وكَذا حَتّى يَنتَهِيَ إلى آخِرِهِ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : فَأَيُّ شَيءٍ يَكونُ بِيَدِهِ بَعدَهُ ؟ قالَ : سُبحانَ اللّهِ ، ثُمَّ يُحدِثُ اللّهُ أيضا ما شاءَ ، تَبارَكَ وتَعالى . (3)
.
ص: 154
الإمام الرضا عليه السلام :قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ قَبلَهُ ، ومُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ، وجَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عليهم السلام : كَيفَ لَنا بِالحَديثِ مَعَ هذِهِ الآيَةِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» ؟! (1)
ج _ الزِّيادَةُ وَالنُّقصانُالإمام الكاظم عليه السلام_ في دُعائِهِ بَعدَ صَلاةِ العَصرِ _: أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، إلَيكَ زِيادَةُ الأَشياءِ ونُقصانُها ، أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ ، خَلَقتَ خَلقَكَ بِغَيرِ مَعونَةٍ مِن غَيرِكَ ، ولا حاجَةٍ إلَيهِم ، أنتَ اللّهُ لا إلهَ الّا أنتَ ، مِنكَ المَشِيَّةُ ، وإلَيكَ البَداءُ (2) . (3)
تفسير القمي :قَولُهُ : «قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» قالَ : قالوا : قَد فَرَغَ اللّهُ مِنَ الأَمرِ ، لا يُحدِثُ اللّهُ غَيرَ ما قَد قَدَّرَهُ فِي التَّقديرِ الأَوَّلِ ، فَرَدَّ اللّهُ عَلَيهِم فَقالَ : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» أي يُقَدِّمُ ويُؤَخِّرُ ، ويَزيدُ ويَنقُصُ ، ولَهُ البَداءُ وَالمَشِيَّةُ . (4)
راجع : فاطر : 1 .
د _ التَّقديمُ وَالتَّأخيرُالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ لَم يَدَع شَيئا كانَ أو يَكونُ إلّا كَتَبَهُ في كِتابٍ ، فَهُوَ مَوضوعٌ بَينَ يَدَيهِ يَنظُرُ إلَيهِ ، فَما شاءَ مِنهُ قَدَّمَ ، وما شاءَ مِنهُ أخَّرَ ، وما شاءَ مِنهُ مَحا ، وما شاءَ مِنهُ
.
ص: 155
كانَ ، وما لَم يَشَأ لَم يَكُن . (1)
تفسير القمّي عن عبد اللّه بن مسكان عن الإمام الصادق عليه السلام :إذا كانَت لَيلَةُ القَدرِ نَزَلَتِ المَلائِكَةُ وَالرّوحُ وَالكَتَبَةُ إلى سَماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ مِن قَضاءِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى في تِلكَ السَّنَةِ ، فَإِذا أرادَ اللّهُ أن يُقَدِّمَ أو يُؤَخِّرَ أو يَنقُصَ شَيئا أو يَزيدَهُ أمَرَ اللّهُ أن يَمحوَ ما يَشاءُ ، ثُمَّ أثبَتَ الَّذي أرادَ . قُلتُ : وكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِمِقدارٍ مُثبَتٍ في كِتابِهِ ؟ قالَ : نَعَم ، قُلتُ : فَأَيُّ شَيءٍ يَكونُ بَعدَهُ ؟ قالَ : سُبحانَ اللّهِ ، ثُمَّ يُحدِثُ اللّهُ أيضا ما يَشاءُ ، تَبارَكَ اللّهُ وتَعالى . (2)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ فِي التَّفسيرِ المَنسوبِ إلَيهِ ، في قَولِهِ تَعالى : «مَ__لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» (3) _: أي قادِرٌ عَلى إقامَةِ يَومِ الدّينِ ، وهُوَ يَومُ الحِسابِ ، قادِرٌ عَلى تَقديمِهِ عَلى وَقتِهِ ، وتَأخيرِهِ بَعدَ وَقتِهِ ، وهُوَ المالِكُ أيضا في يَومِ الدّينِ . (4)
تفسير القمّي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (5) _: «فِيهَا يُفْرَقُ» في لَيلَةِ القَدرِ «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يُقَدِّرُ اللّهُ كُلَّ أمرٍ مِنَ الحَقِّ ومِنَ الباطِلِ ، وما يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ ، ولَهُ فيهِ البَداءُ وَالمَشيئَةُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَلايا وَالأَعراضِ وَالأَمراضِ ويَزيدُ فيها ما يَشاءُ ، ويَنقُصُ ما يَشاءُ ، ويُلقيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ويُلقيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَى الأَئِمَّةِ عليهم السلام ، حَتّى يَنتَهِيَ ذلِكَ إلى صاحِبِ الزَّمانِ عليه السلام ، ويَشتَرِطُ لَهُ ما فيهِ البَداءَ وَالمَشيئَةَ ، وَالتَّقديمَ وَالتَّأخيرَ . قالَ : حَدَّثَني بِذلِكَ أبي ، عَنِ ابنِ أبي عُمَيرٍ ، عَن عَبدِ اللّهِ بنِ مُسكانَ ، عَن أبي جَعفَرٍ وأبي عَبدِ اللّه وأبِي الحَسَنِ عليهم السلام . (6)
.
ص: 156
. .
ص: 157
دراسة حول البداءيعتبر البداء أحد التعاليم الإسلاميّة المهمّة ، وللاعتقاد به دور مؤثّر في معرفة اللّه ومعرفة النبيّ ومعرفة الإمام ومعرفة الإنسان، حيث تدلّ عليه بوضوح آيات القرآن الكريم والأحاديث المنقولة في كتب الفريقين ، لذا فقد أيّدت جميع الفرق والمذاهب الإسلاميّة مفهومه ، من الناحية العملية ، نعم عمد البعض إلى إنكار البداء ؛ لأنّهم لم يدركوا معناه بشكل صحيح بزعم أنّه يتعارض مع علم اللّه الذاتي والأزلي . ولكنّ جميع فرق المسلمين تمدّ أيديها بالدعاء على أرض الواقع ولا تطلب من اللّه قضاء حاجاتها فحسب، بل وترجوه أن يغيّر عاقبتها ، وهذا السلوك إنّما يمثّل في الحقيقة اعتقادا بمفهوم البداء ، ذلك لأنّه لا يمكن أن نطلب ذلك من اللّه ، إلّا من خلال الاعتقاد بإمكان تغيير الوضع الحالي، وهو ما يمثّل مفهوم البداء . سوف نبحث في هذه الدراسة بعد التطرّق إلى مفهوم البداء، هذه العقيدة من منظار الكتاب والسنّة والعقل، ثمّ نجيب على إشكالات المنكرين له ، وفي الختام سوف نعمد إلى بيان فلسفته .
مفهوم البداءكلمة البداء مشتقّة من مادّة «بدو» بمعنى الظهور ، وتستعمل بمعنيين هما الظهور بعد الخفاء وظهور الرأي الجديد ، حيث ذكر الفيروز آبادي والجوهري وابن فارس على
.
ص: 158
التوالي : بدا، بدوا، وبدوّا: ظهر. وبدا له في الأمر بدوا وبداء وبداة: نشأ فيه رأي . (1) بدا له في هذا الأمر بداء، أي نشأ له فيه رأي . (2) تقول : بدا لي في هذا الأمر بداء، أي تغيّر رأيي عمّا كان عليه . (3) والمعنى الثاني للبداء (أي ظهور الرأي الجديد) يمكن أن يكون هو أيضا على صورتين : ظهور رأي على خلاف الرأي السابق (أو التغير في الرأي) ، وظهور رأي دون أن تكون له خليفة في رأي آخر . وهكذا يستخدم البداء في اللغة العربية في ثلاثة مواضع: 1 . ظهور شيء بعد خفائه . 2 . ظهور رأي خلافا للرأي السابق، أو تغيير الرأي. 3 . ظهور رأي دون أن تكون له خليفة مسبقة . والآن علينا أن نتعرّف على المعنى الّذي استخدم فيه البداء في الكتاب والسنّة فيما يتعلّق باللّه تعالى.
البداء في الكتاب والسنةزعم الكثير من الذين أبدوا آراءهم حول البداء أو أنكروه، أنّ البداء بالمعنى الأوّل هو المستخدم فيما يتعلّق باللّه ، وبالتالي فقد عمدوا إلى الاستدلال على هذا المعنى أو ردّه ، ولكنّ البداء استخدم في الكتاب والسنّة بالمعنيين الأخيرين فيما يتعلّق باللّه _ تعالى _ ، أمّا المعنى الثالث فلا خلاف فيه ، وإنما الّذي خضع للبحث واختُلِف بشأنه هو المعنى الثاني منها .
.
ص: 159
وقد لاحظنا في بحث القضاء والقدر ، أنّ اللّه جعل تحت اختيار البشر إمكانيّات وثروات مثل القدرة والرزق والعمر والبقاء بشكل محدود ، وهذه المحدوديّة هي التقدير الإلهي ، ومن جهة اُخرى فإنّ التقدير الإلهي على قسمين : محتوم (أو غير قابل للتغيير) ، وغير محتوم (أو قابل للتغيير) ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام : مِنَ الاُمُورِ اُمُورٌ مَحتُومَةٌ كائِنَةٌ لا مَحالَةَ ، وَمِنَ الاُمُورِ اُمُورٌ مُوقُوفَةٌ عِندَ اللّهِ ، يُقَدِّمُ فِيها مَا يَشاءُ وَيَمحُو مَا يَشاءُ وَيُثبِت مِنها ما يَشاءُ . (1) فعلى هذا الأساس يكون عبارة عن التغيير في التقدير غير المحتوم عن طريق تقديم التقديرات وتأخيرها، أو محو تقدير وإثبات تقدير آخر ، كما جاء في القرآن الكريم : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . (2) وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذا الآية الكريمة: هَل يُمحى إلاّ ما كَانَ ثابِتا؟ وَهَل يُثبَتُ إلّا ما لَم يَكُن؟ (3)
نماذج من البداء في القرآنذكر القرآن الكريم بعض المواضع المهمّة الّتي حدث فيها البداء ، ومنها البداء في عذاب قوم يونس: «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ» . (4) وروي عن الإمام الباقر عليه السلام بيان كيفية البداء كالتالي:
.
ص: 160
إنَّ يونُسَ لَمّا آذاهُ قَومُهُ دَعَا اللّهَ عَلَيهِم ، فَأَصبَحوا أوَّلَ يَومٍ ووُجوهُهُم مُصفَرَّةٌ وأصبَحُوا اليَومَ الثّانِيَ ووُجوهُهُم سودٌ ، قالَ : وكانَ اللّهُ واعَدَهُم أن يَأتِيَهُمُ العَذابُ ، فَأَتاهُمُ العَذابُ حَتّى نالوهُ بِرِماحِهِم ؛ فَفَرَّقوا بَينَ النِّساءِ وأولادِهِنَّ ، وَالبَقَرِ وأولادِها ، ولَبِسُوا المُسوحَ وَالصّوفَ ، ووَضَعُوا الحِبالَ في أعناقِهِم ، وَالرَّمادَ عَلى رُؤوسِهِم ، وضَجُّوا ضَجَّةً واحِدَةً إلى رَبِّهِم ؛ وقالوا : آمَنّا بِإِلهِ يونُسَ ؛ قالَ : فَصَرَفَ اللّهُ عَنهُمُ العَذابَ . (1) النموذج الثاني للبداء هو البداء الحاصل في مواعدة موسى: «وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلِةً وَقَالَ مُوسَى لأَِخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» . (2) وروي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية قوله : كانَ فِي العِلمِ وَالتَّقديرِ ثَلاثينَ لَيلَةً ، ثُمَّ بَدا للّهِِ فَزادَ عَشرا ، فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ لِلأَوَّلِ وَالآخِرِ أربَعينَ لَيلَةً . (3) ومن نماذج البداء ، البداء في دخول الأرض المقدّسة : «يَاقَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ» . (4) روي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير الآية: كَتَبَها لَهُم ثُمَّ مَحاها ، ثُمَّ كَتَبَها لِأَبنائِهِم فَدَخَلوها ، وَاللّهُ يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ
.
ص: 161
وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (1) وروي عنه أيضا: كانَ في عِلمِهِ أنَّهُم سَيَعصونَ ويَتيهونَ أربَعينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَدخُلونَها بَعدَ تَحريمِهِ إيّاها عَلَيهِم . (2) يصرّح الإمام الصادق عليه السلام في الحديثين السابقين : إنّ البداء كان في كتاب التقديرات ، لا في علم اللّه الذاتي ، وذلك لأنّ كلّاً من التقدير السابق، وكذلك ذنب بني إسرائيل وكذلك التغيير في التقدير السابق وإثبات التقدير الجديد، كلّ ذلك كان في علم اللّه الذاتي والأزلي . ومن جملة البداء، البداء في ذبح إسماعيل. (3)
نماذج من البداء في روايات أهل السنّةنشير هنا إلى نماذج من طرح مسألة البداء في الأحاديث الّتي جاءت في مصادر أهل السنّة كي يتّضح لنا أنّ هذه المسألة لا تقتصر على روايات أتباع أهل البيت عليه السلام :
1 . البداء في زيادة الرزق ونقصانه والأجل والمحبّةروي في مصادر أهل السنة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تفسير الآية: «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ» : يَمحُو مِنَ الرِّزقِ ويَزيدُ فيهِ ، ويَمحو مِنَ الأَجَلِ ويَزيدُ فيهِ . (4) كما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ صلة الرحم تؤدّي إلى زيادة الثروة والمحبّة في الأهل
.
ص: 162
وتأخير الأجل : صِلَةُ القَرابَةِ مَثراةٌ فِي المالِ ، مَحَبَّةٌ فِي الأَهلِ ، مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (1)
2 . البداء في الشقاء والسعادةوروي أيضا عن النبيّ صلى الله عليه و آله في تفسيره لتلك الآية: الصَّدَقَةُ وَاصطِناعُ المَعروفِ وصِلَةُ الرَّحِمِ وبِرُّ الوالِدَينِ ، يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، ويَزيدُ مِنَ العُمُرِ ، ويَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (2)
3 . البداء في مطلق القضاء والقدرورد في الأحاديث الكثيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله تأكيدُ دور الدعاء في تغيير العاقبة المقدّرة للإنسان ، ومنها الأحاديث التالية: الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ ، وللّهِِ في خَلقِهِ قَضاءانِ : قَضاءٌ ماضٍ ، وقَضاءٌ مُحدَثٌ . (3) لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَا الدُّعاءُ . (4) لا يَرُدُّ القَضاءَ إلَا الدُّعاءُ . (5) الدُّعاءُ جُندٌ مِن أجنادِ اللّهِ تَعالى مُجَنَّدٌ ، يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَ أن يُبرَمَ . (6) يا بُنَيَّ ، أكثِر مِنَ الدُّعاءِ ، فَإِنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ المُبرَمَ . (7)
.
ص: 163
لا يُغني حَذَرٌ مِن قَدَرٍ ، وَالدُّعاءُ يَنفَعُ مِمّا نَزَلَ ومِمّا لَم يَنزِل . (1) صِلَةُ القَرابَةِ مَثراةٌ فِي المالِ ، مَحَبَّةٌ فِي الأَهلِ ، مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (2) كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ يَدفَعُ الأَمرَ المُبرَمَ . (3) وأمثال هذه الروايات كثيرة للغاية في مصادر أهل السنّة، على هذا فإنّ منكري البداء لابدّ وأن ينكروا جميع هذه الأحاديث.
البداء من منظار الوجدان والعقليدرك كلّ إنسان من خلال الرجوع إلى ضميره أنّ وضعه الحالي من الممكن أن يكون بشكل آخر ، على سبيل المثال : فإن كان فقيرا فمن الممكن أن يكون غنيّا ، وإن كان سقيما فمن الممكن أن يكون سليما وهكذا ، لذلك فإنّه يطلب من اللّه في أدعيته أن يغنيه ويعافيه ، وهذا التغيير في التقدير ماهو في الحقيقة إلّا البداء. من جهة اُخرى فإنّ العقل يثبت جميع الكمالات للّه سبحانه ، ومن جملة الكمالات القدرة المطلقة ، واستنادا إلى القدرة المطلقة، فإنّ اللّه بإمكانه أن يغيّر هذا التقدير حتّى بعد تعيين التقدير الخاص ؛ كفقر زيد أو مرض عمرو مثلاً ، فهو قادر على أن يغني ويعافي زيدا وعمرا ، وإنّ ما نقوله من أنّ اللّه لا يعود بإمكانه أن يغيّر التقدير بعد إبرامه، هو تحديد لقدرة اللّه وسلب لكمال من كمالاته وهذا ما يخالف صريح حكم العقل .
.
ص: 164
عدم تعارض البداء والعلم الأزليالإشكال الأهمّ لمنكري البداء هو أنّه لا يتلاءم مع علم اللّه المطلق والذاتي ، يقول الغفّاري حول استناد الشيعة إلى الآية: «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» : كلامهم هذا باطل ؛ لأنّ المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته من غير أن يكون له بداء في شيء، وكيف يتوهّم له البداء وعنده أمُّ الكتاب وله في الأزل العلم المحيط؟ وقد بيّن اللّه تعالى في آخر الآية إنّ كلّ ما يكون منه من محو وإثبات وتغيير واقع بمشيئة ومسطور عنده في اُمِّ الكتاب . (1) يجب أن نقول في الجواب : إنّ المقصود من البداء هو : «المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته» وإنّ ما تقولونه من أنّ : «المحو والإثبات بعلمه وقدرته وإرادته من غير أن يكون له بداء في شيء» هو جمع للنقيضين ؛ لأنّ معناه أنّ «للّه البداء من غير أن يكون له بداء في شيء». ومفروض كلام الغفاري أنّ مرجع البداء فيما يتعلّق باللّه هو الجهل ، لذلك يقول : «كيف يتوهّم له البداء وعنده اُمّ الكتاب وله في الأزل العلم المحيط» . في حين أنّ هذا الفرض خاطئ ومخالف لنصوص أحاديث الإماميّة الّتي نقلناها سابقا ، والتي تصرّح بأنّ البداء يصدر من العلم الإلهي المكنون المخزون ، وأنّ هذا العلم حاكم على جميع البداءات . وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال: إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (2) ونقل في حديث آخر عنه عليه السلام :
.
ص: 165
كُلُّ أمرٍ يُريدُهُ اللّهُ فَهُوَ في عِلمِهِ قَبلَ أن يَصنَعَهُ ، ولَيسَ شَيءٌ يَبدو لَهُ إلّا وقَد كانَ في عِلمِهِ ، إنَّ اللّهَ لا يَبدو لَهُ مِن جَهلٍ . (1) ويرى الدهلوي أنّ أحد معاني البداء، هو البداء في العلم، ويسمّيه البداء في الإخبار. حيث يقول: يظهر من مجموع روايات الشيعة أنّ للبداء ثلاث معان : (1) البداء في العلم وهو أن يظهر له خلاف ما علم ... . (2) ويزعم هو وعلماء أهل السنّة الآخرون أنّه عندما يدور الحديث عن البداء في الإخبار، أو البداء في العلم، فإنّ المراد منه البداء في علم اللّه الذاتي والأزلي ، وسبب هذا الاشتباه هو أنّهم لا يفرّقون بين العلم الذاتي والعلم الفعلي ، مع أنّ علم اللّه الذاتي والأزلي، هو علم مطلق يشمل جميع ما حدث في العالم وسوف يحدث، ومن جملته البداءات والتغييرات الّتي سوف تحدث في التقديرات ، وأمّا العلم الفعلي فهو الكتاب الّذي تثبت فيه تلك التقديرات ، ويمكن أن يقال : إنّ العرش، والكرسي، واُمّ الكتاب وكتاب المحو والإثبات كلّ ذلك هو من جملة العلوم الفعليّة، أو كتب علم اللّه ، وقد سجّل في بعض هذه الكتب، _ مثل اُمّ الكتاب _ كلّ شيء حتّى ما يحصل فيه البداء. وأمّا في كتاب المحو والإثبات فلم يسجّل إلّا بعض التقديرات ، والبداء يقع في هذا الكتاب فعلى سبيل المثال إذا كان المقدّر لشخص ما أن يكون فقيراً ففي كتاب المحو والإثبات يسجّل له دوام الفقر ، لكن بعد دعائه يغيّر اللّه سبحانه هذا التقدير فيثبته غنياً في لوح المحو والإثبات في حين أنّ كلا التقديرين موجودان في لوح اُمّ الكتاب وبطريق أولى هما موجودان في علم اللّه الذاتي الأزلي ، ولم يحدث أيّ تغيير في علم اللّه الذاتي ، سوف نذكر حكمة هذه التغييرات عند البحث عن حكمة البداء.
.
ص: 166
على هذا فإنّ من يرى أن البداء في العلم ملازم لجهل اللّه سبحانه ، قد خلط بين العلم الذاتي والعلم الفعلي ، ولم يدرك معنى العلم الفعلي . إنّ ما يراه البعض من أنّ الجهل ملازم للبداء فيما يتعلّق باللّه ، له سبب آخر أيضا وهو قياس اللّه بالإنسان، وهو الّذي يجب اجتنابه بشدة في المباحث العقائديّة ، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله : إنَّهُ مَن يَصِفُ رَبَّهُ بِالقِياسِ لا يزالُ الدَّهرَ فِي الالتِباس . (1) وعندما يحدث البداء للبشر في أمر ما ونصل إلى رأي جديد ، فإنّ هذا الرأي الجديد يحصل لنا في الغالب إثر ظهور علم واطّلاع جديدين ، ويرى معارضو البداء أنّ هذه الحالة نفسها تجري أيضا فيما يتعلّق باللّه ، قال الغفاري : جاء في القاموس : «بدا بدواً وبدّواً : ظهر . وبدا له في الأمر بدواً وبداءً وبداة : نشأ له فيه رأي» . فالبداء في اللغة له معنيان : الأوّل الظهور بعد الخفاء ، والثاني : نشأة الرأي الجديد . وهذا يستلزم الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على اللّه تعالى . (2) وهذا التفسير للبداء إنما هو على أساس قياس الخالق بالمخلوق ، ولكنّ اتباع أهل البيت عليهم السلام لا يرون له قيمة ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ يَبدو لَهُ في شَيءٍ لَم يَعلَمهُ أمسِ فَابرَؤُوا مِنهُ . (3) كما روي عن منصور بن حازم قال : سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل يَكونُ اليَومَ شَيءٌ لَم يَكُن في عِلمِ اللّهِ بِالأَمسِ ؟ قالَ : لا ، مَن قالَ هذا فَأَخزاهُ اللّهُ ، قُلتُ : أرَأَيتَ ما كانَ وما هُوَ كائِنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ألَيسَ في عِلمِ اللّهِ ؟ قالَ : بَلى ، قَبلَ أن يَخلُقَ الخَلقَ . (4)
.
ص: 167
على هذا فإنّ مصدر البداء فيما يتعلق باللّه سبحانه ليس هو الجهل حسب عقيدة الإماميّة ، وإذا ما اعتقد أحد بمثل هذا البداء الّذي هو نفس البداء الحاصل للبشر ، فإنّ هذا الاعتقاد إنكار لعلم اللّه المطلق ، وهو اعتقاد باطل ويخالف ضروريّات العقائد الإسلاميّة ، ولا يمكن أن نجد بين علماء الإماميّة من ينسب إلى اللّه البداء الناجم عن الجهل.
آثار الاعتقاد بالبداءجدير بالذكر أنّ لمبدأ البداء آثاراً مهمّة في المجالات العقيديّة البارزة ؛ وهي : معرفة اللّه ، معرفة النبيّ ، معرفة الإمام ، ومعرفة الإنسان.
أ _ معرفة اللّهيتمثّل أهمّ آثار القول بالبداء في إثبات القدرة والحريّة المطلقتين للّه ، ذلك لأنّه ما لم يحدث الفعل الخاص في الخارج ، فإنّ من الممكن أن يغيّر اللّه التقدير وأن لا يقع ذلك الفعل ، حتّى إذا تعلّقت المشيئة والتقدير والقضاء الإلهي بتلك الحادثة ، على هذا فإنّ أيّ شيء _ حتّى القضاء والقدر _ لا يمكنه أن يحدّ من قدرة اللّه ومالكيته ويغلّ يده ، عن التغيير ، قال تعالى : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . (1) وليس مراد اليهود من قولهم : «يد اللّه مغلولة» أنّ للّه يدا وأنّ يداه مغلولتان بحبل مثلاً، بل إنّهم كانوا يعتقدون بأنّ اللّه «قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص» فقال اللّه جلّ جلاله تكذيبا لقولهم: «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ» . (2)
.
ص: 168
وهكذا فإنّ الاعتقاد بالبداء الّذي هو الاعتقاد ببسط يد اللّه في التقديرات، هو ردّ على اعتقاد اليهود بأنّ يد اللّه مغلولة ، وإنّ الذين ينكرون البداء بمعناه الصحيح، إنّما هم في صفّ اليهود ، ومن الطريف أن نعلم أنّ بعض منكري البداء يتّهمون الشيعة بتوافقهم مع اليهود في البداء ، في حين أنّ معارضي البداء يتّفقون مع اليهود استنادا إلى الآية المتقدمة . يبدو لنا أنّ أحد أسباب إنكار من قبل أهل السنّة هو وجود جملة من الأحاديث في مصادرهم المعتبرة تدلّ على أنّ اللّه قد فرغ من القضاء والقدر ، وتنفي كلّ تغيير فيهما ، سنجعل هذه الأحاديث في معرض البحث والتّقويم في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى .
ب . معرفة النبيّ والإمام (علم النبوّة والإمامة)بلغت أهمّية البداء في معرفة النبي حدّا ، بحيث روي عن الإمام الرضا عليه السلام : ما بَعَثَ اللّهُ نَبِيَّا قَطُّ إلّا بِتَحرِيمِ الخَمرِ وأن يُقِرَّ لَهُ بِالبَداءِ . (1) فالإعتقاد بإمكانيّة البداء وقابلية التغيير في التقديرات يمنح النبي الاعتقاد ، بقدرة اللّه المطلقة وبسط يده ، حيث يُفهمه أنّ هذه التقديرات قابلة للتغيير رغم أنّه عالم بتقديرات العالم يفضل اللّه ، وأنّ اللّه وحده هو الّذي يتمتّع بالعلم المطلق ، وبالتالي فإنّ النبيّ لا يستند إلى علمه ، بل يعتبر نفسه مرتبطا باللّه في جميع اُموره . وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال : إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (2) بناءً على ذلك، فإنّ العلم الّذي لا يقبل التغيير هو علم اللّه المكنون المخزون
.
ص: 169
الّذي لا يعلمه إلّا اللّه ، وإنّ علم الملائكة والأنبياء والأئمّة المعصومين بالمستقبل قابل للبداء ، لذلك فإنّهم لا يعتمدون على علمهم ولا يخبرون عن المستقبل بشكل مطلق، إلّا في المواضع الّتي أخبر اللّه عن عدم وقوع البداء فيها كظهور المنجي الموعود وإقامة الإمام المهدي(عج) الحكومة العالمية ، لذلك يروي لنا الإمام الباقر عليه السلام عن الإمام السجّاد عليه السلام قوله : لَولا آيَةٌ في كِتابِ اللّهِ لَحَدَّثتُكُم بِما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فَقُلتُ لَهُ : أيَّةُ آيَةٍ ؟ قالَ : قَولُ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . (1) ومن بين الإتهامات الموجّهة ضدّ الشيعة هي أنّهم وضعوا حكم البداء كي يبرّروا به أخبار أئمّتهم ووعودهم الّتي لم تتحقّق ، يقول الغفاري : لو سقطت عقيدة البداء لانتقض دين الاثني عشرية من أصله ؛ لأنّ أخبارهم و وعودهم الّتي لم يتحقّق منها شيء تنفي عنهم صفة الإمامة . (2) إنّ الإجابة على هذا الإشكال واضحة بالنظر إلى المباحث السابقة، ذلك لأنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لا يخبرون عن التقديرات القابلة للبداء بشكل مطلق أبداً . بعبارة اُخرى : إن كانت أخبارهم عن المستقبل مطلقة ولم تقترن بأيّ قيد ، فإنّ هذا الموضوع سيحدث قطعا ، وإن اقترنت هذه الأخبار بقيود مثل : «وللّه فيه المشيئة» فإنّ هناك إمكانيّة البداء في هذه الاُمور . وقد ورد في الأحاديث أيضا أنّ اللّه لا يكذّب نبيّه ، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام : فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ . (3) وخلافا لما يروّج له الغفاري من أنّه لم يتحقّق من إخبار الأئمّة عليهم السلام شيء ، بل
.
ص: 170
يجب القول إنّ جميع إخباراتهم قد تحققت ، وإنّه لا يوجد خبر مطلق عنهم ثبت كذبه. ولو أنّ الغفاري كان قد طالع كتب الحديث الشيعية وكان صادقا بعض الشيء، لوجد أخبارا عديدة وقعت كلّها بشكل عيني. وقد نقل العلّامة الحلّي في كتاب كشف اليقين خمسة عشر خبرا غيبيا عن أمير المؤمنين عليه السلام وقعت كلّها بحذافيرها : «ومن ذلك : قوله لطلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة: لا وَاللّهِ ، ما تُريدانِ العُمرَةَ، إنَّما تُريدانِ البَصرَةَ، وإنَّ اللّهَ تَعالى سَيَرُدُّ كَيدَهُما، ويُظفِرُني بِهِما . وكان الأمر كما قال . ومن ذلك قوله عليه السلام وقد جلس لأخذ البيعة: يَأتيكُم مِن قِبَلِ الكوفَةِ ألفُ رَجُلٍ، لا يَزيدونَ واحِدا ولا يَنقُصونَ واحِدا، يُبايعونّي عَلَى المَوتِ . قال ابن عبّاس : فجزعت لذلك، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليهم، ولم أزل مهموما، فجعلت أحصيهم، فاستوفيت تسعمئة وتسع وتسعين رجلاً ، ثمّ انقطع مجيء القوم، فبينا أنا مفكّر في ذلك، إذ رأيت شخصا قد أقبل، فإذا هو اُويس القرني تمام العدد». (1) كما نقلنا في «موسوعة الإمام عليّ عليه السلام » عدداً من نبوءات أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يثبت خلاف شيء منها . وكان على الغفاري أن ينقل بعض النماذج التي ثبت كذبها ؛ لإثبات دعواه . نعم قد نقل خبرا قال فيه : «ففي رواية طويلة في تفسير القمّي تخبر عن نهاية دولة بني العبّاس». (2)
.
ص: 171
ولكنّنا عندما نراجع تفسير القمّي نجده يقول: «قلت: جعلت فداك فمتى يكون ذلك، قال؟ أما إنّه لم يوقّت لنا فيه وقت». (1) وممّا يجدر ذكره أنّه على الرغم من أنّ التاريخ الدقيق لنهاية دولة بني العبّاس لم يتمّ تعيينه في أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، ولكنّ الأحاديث المنقولة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أخبرت عن وضع هذه الحكومة والسلطان الّذي يطيح بها ، على أساس هذه الأحاديث كتب والد العلّامة الحلّي رسالة إلى هولاكو قبل فتح بغدادوأنقذ بذلك أرواح أهالي الحلّة . (2)
ج _ معرفة الإنسانإذا نفينا البداء واعتقدنا بأن اللّه قد فرغ من القضاء والقدر فلن لا يبقى هناك دافع إلى أن يغيّر الإنسان وضعه الحالي عن طريق أفعال الخير والعبادات والصلاة ؛ ذلك لأنّ كلّ ما قدّر سوف يقع بعينه ولن يحدث أيّ تغيير في القضاء والقدر. ولا ريب في أنّ الأمل بالمستقبل وروح المثابرة والسعي هما رهن الأمل في تغيير الوضع الحالي وإمكان تحسينه. من جهة اُخرى فإن كان من المقرّر ألّا يغيّر اللّه التقديرات، فلماذا نطلب منه أن يصلح أوضاعنا من خلال الدعاء والتضرّع إليه ، والاعتماد عليه والالتجاء لحضرته؟ على هذا فإنّ الاعتقاد بالبداء يزوّد الإنسان من جهة بروح الأمل والمثابرة، ويعزّز فيه من جهة اُخرى روح الدعاء والتوبة والتضرّع والتوكّل على الحقّ تعالى . هكذا يتّضح دور الاعتقاد بالبداء في حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة ؛ ذلك لأنّ
.
ص: 172
المفاهيم ، مثل : الأمل والسعي والدعاء والتوجّه والتوكّل هي التي تكوّن الحياة المعنويّة للإنسان وعلى أساسها تقوم الحياة المادية له .
أسباب البداءكلّ عمل _ سواء كان إيجابيّا أم سلبيّا _ يمكن أن يؤدّي إلى تغيير القضاء والقدر أو البداء ، وقد وردت الإشارة في الكتاب والسنّة إلى بعض الأعمال الحسنة والسيّئة الّتي تؤدّي إلى البداء ، وقد ورد من بين هذه العوامل تأكيد الدّعاءِ ، والصدقة ، وصلة الأرحام أكثر من الأعمال الاُخرى . وقد صرّح النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله فيما روي عنه بأنّ الدعاء يرد القضاء حتّى وإن اُبرم إبراما: الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاء وَقَد اُبرِمَ إبراما . (1) كما روي عنه صلى الله عليه و آله حول دور الصدقة في دفع ميتة السوء: إنَّ الصَّدَقَةَ تَدفَعُ ميتَةَ السَّوءِ عَنِ الإِنسانِ . (2) وأكّد صلى الله عليه و آله أنّ صلة الرحم تؤدّي إلى تأخير الأجل وزيادة الرزق: مَن سَرَّهُ النَّساءُ في الأجَلِ ، وَالزِّيادَةُ في الرِّزقِ ، فَليَصِل رَحِمَهُ . (3) وتوجد في ذيل عنوان «أسباب حسن البداء» أحاديث كثيرة طرحت بالإضافة إلى العوامل الثلاث المذكورة عوامل اُخرى ، مثل : طاعة اللّه ، الاستغفار، عدل السلطان، زيارة الحسين عليه السلام ، برّ الوالدين ، واصطناع المعروف.
.
ص: 173
5 / 2مُسايَرَةُ العِلمِ وَالبَداءِالإمام الباقر عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عِندَ اللّهِ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ يُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ ما يَشاءُ . (1)
عنه عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : عِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أحَدٌ ، يُحدِثُ فيهِ ما يَشاءُ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ للّهِِ تَعالى عِلما خاصّا وعِلما عامّا ، فَأَمَّا العِلمُ الخاصُّ فَالعِلمُ الَّذي لَم يُطلِع عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ وأنبِياءَهُ المُرسَلينَ ، وأمّا عِلمُهُ العامُّ فَإِنَّهُ عِلمُهُ الَّذي أطلَعَ علَيَهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ ، وأنبِياءَهُ المُرسَلينَ ، وقَد وَقَعَ إلَينا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . (3)
الكافي عن سدير الصيرفي :سَمِعتُ حُمرانَ بنَ أعيَنَ يَسأَلُ أبا جَعفَرٍ عليه السلام ... : أرَأَيتَ قَولَهُ جَلَّ ذِكرُهُ : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا» ؟ (4) فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : «إِلَا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ» (5) وكانَ _ وَاللّهِ _ مُحَمَّدٌ مِمَّنِ ارتَضاهُ .
.
ص: 174
وأمّا قَولُهُ : «عَ__لِمُ الْغَيْبِ» فَإِنَّ اللّهَ عز و جل عالِمٌ بِما غابَ عَن خَلقِهِ فيما يُقَدِّرُ مِن شَيءٍ ويَقضيهِ في عِلمِهِ ، قَبلَ أن يَخلُقَهُ وقَبلَ أن يُفضِيَهُ إلَى المَلائِكَةِ ، فَذلِكَ _ يا حُمرانُ _ عِلمٌ مَوقوفٌ عِندَهُ ، إلَيهِ فيهِ المَشيئَةُ ، فَيَقضيهِ إذا أرادَ ، ويَبدو لَهُ فيهِ فَلا يُمضيهِ ، فَأَمَّا العِلمُ الَّذي يُقَدِّرُهُ اللّهُ عز و جل فَيَقضيهِ ويُمضيهِ ، فَهُوَ العِلمُ الَّذِي انتَهى إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ إلَينا . (1)
الكافي عن منصور بن حازم :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل يَكونُ اليَومَ شَيءٌ لَم يَكُن في عِلمِ اللّهِ بِالأَمسِ ؟ قالَ : لا ، مَن قالَ هذا فَأَخزاهُ اللّهُ . قُلتُ : أرَأَيتَ ما كانَ وما هُوَ كائِنٌ إلى يَومِ القِيامَةِ ، ألَيسَ في عِلمِ اللّهِ ؟ قالَ : بَلى ، قَبلَ أن يَخلُقَ الخَلقَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ للّهِِ تَبارَكَ وتَعالى عِلمَينِ : عِلما أظهَرَ عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ وأنبِياءَهُ ورُسُلَهُ ، فَما أظهَرَ عَلَيهِ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَقَد عَلِمناهُ ، وعِلما استَأثَرَ بِهِ ، فَإِذا بَدا للّهِِ في شَيءٍ مِنهُ أعلَمَنا ذلِكَ ، وعَرَضَ عَلَى الأَئِمَّةِ الَّذين كانوا مِن قَبلِنا . (3)
عنه عليه السلام :إنّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ مَكنونٌ مَخزونٌ لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ وأنبِياءَهُ فَنَحنُ نَعلَمُهُ . (4)
بصائر الدرجات عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» (5) أرادَ أن يُعَذِّبَ أهلَ الأَرضِ ، ثُمَّ بَدا للّهِِ
.
ص: 175
فَنَزَلَتِ الرَّحمَةُ فَقالَ : «وَذَكِّرْ» يا مُحَمَّدُ «فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» . (1) فَرَجَعتُ مِن قابِلٍ فَقُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ ، إنّي حَدَّثتُ أصحابَنا فَقالوا : بَدا للّهِِ ما لَم يَكُن في عِلمِهِ ؟! قالَ : فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنَّ للّهِِ عِلمَينِ : عِلمٌ عِندَهُ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ نَبَذَهُ إلى مَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ . فَما نَبَذَهُ إلى مَلائِكَتِهِ فَقَدِ انتَهى إلَينا . (2)
تفسير العياشي عن ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، ويَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ ما يَشاءُ ، وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . وقالَ : فَكُلُّ (3) أمرٍ يُريدُهُ اللّهُ فَهُوَ في عِلمِهِ قَبلَ أن يَصنَعَهُ ، ولَيسَ شَيءٌ يَبدو لَهُ إلّا وقَد كانَ في عِلمِهِ ، إنَّ اللّهَ لا يَبدو لَهُ مِن جَهلٍ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ العَرشِ وَالكُرسِيِّ _: ... هُما فِي الغَيبِ مَقرونانِ ، لِأَنَّ الكُرسِيَّ هُوَ البابُ الظّاهِرُ مِنَ الغَيبِ ، الَّذي مِنهُ مَطلَعُ البَدعِ ، ومِنهُ الأَشياءُ كُلُّها . وَالعَرشُ هُوَ البابُ الباطِنُ الَّذي يوجَدُ فيهِ عِلمُ الكَيفِ وَالكَونِ ، وَالقَدرِ وَالحَدِّ وَالأَينِ ، وَالمَشِيَّةِ وصِفَةِ الإِرادَةِ ، وعِلمُ الأَلفاظِ وَالحَرَكاتِ وَالتَّركِ ، وعِلمُ العَودِ وَالبَدءِ ، فَهُما فِي العِلمِ بابانِ مَقرونانِ ؛ لِأَنَّ مُلكَ العَرشِ سِوى مُلكِ الكُرسِيِّ ، وعِلمَهُ أغيَبُ مِن عِلمِ الكُرسِيِّ ، فَمِن ذلِكَ قالَ : «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» أي صِفَتُهُ أعظَمُ مِن صِفَةِ الكُرسِيِّ ، وهُما في ذلِكَ مَقرونانِ ، قُلتُ : _ جُعِلتُ فِداكَ _ فَلِمَ صارَ فِي الفَضلِ
.
ص: 176
جارَ الكُرسِيِّ ؟ قالَ : إنَّهُ صارَ جارَهُ لِأَنَّ عِلمَ الكَيفوفِيَّةِ (1) فيهِ ، وفيهِ الظّاهِرُ مِن أبوابِ البَداءِ ، وأينِيَّتِها ، وحَدِّ رَتقِها وفَتقِها . (2)
الغيبة عن أبي هاشم الجعفري :سَأَلَ مُحَمَّدُ بنُ صالِحٍ الأَرمَنِيُّ أبا مُحَمَّدٍ العَسكَرِيَّ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (3) . فَقالَ أبو مُحَمَّدٍ عليه السلام : وهَل يَمحو إلّا ما كانَ ، ويُثبِتُ إلّا ما لَم يَكُن ؟ فَقُلتُ في نَفسي : هذا خِلافُ ما يَقولُ هِشامُ بنُ الحَكَمِ (4) : إنَّهُ لا يَعلَمُ الشَّيءَ حَتّى يَكونَ . فَنَظَرَ إلَيَّ أبو مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقالَ : تَعالَى الجَبّارُ العالِمُ بِالأَشياءِ قَبلَ كَونِها . (5)
علل الشرايع عن سماعة :أنَّهُ سَمِعَهُ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : ما رَدَّ اللّهُ العَذابَ عَن قَومٍ قَد أظَلَّهُم (6) إلّا قَومِ يونُسَ . فَقُلتُ : أكانَ قَد أظَلَّهُم؟ فَقالَ : نَعَم ، حَتّى نالوهُ بِأَكُفِّهِم . قُلتُ : فَكَيفَ كانَ ذلِكَ ؟ قالَ : كانَ فِي العِلمِ المُثبَتِ عِندَ اللّهِ عز و جل ، الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أحَدٌ أنَّهُ سَيَصرِفُهُ عَنهُم . (7)
.
ص: 177
5 / 3ما يَظهَرُ مِنهُ إمكانُ البَداءِ فِي القَضاءِ المَحتومِالإمام عليّ عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَدفَعُ الأَمرَ المُبرَمَ . (1)
الكافي عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام_ وقَد سُئِلَ عَن لَيلَةِ القَدرِ _: تَنَزَّلُ فيهَا المَلائِكَةُ وَالكَتَبَةُ إلَى السَّماءِ الدُّنيا ، فَيَكتُبونَ ما يَكونُ في أمرِ السَّنَةِ وما يُصيبُ العِبادَ ، وأمرُهُ عِندَهُ مَوقوفٌ لَهُ وفيهِ المَشيئَةُ ؛ فَيُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويَمحو ويُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام_ وقَد ذُكِرَ قَولُهُ تَعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» _: يُقَدَّرُ في لَيلَةِ القَدرِ كُلُّ شَيءٍ يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ ، إلى مِثلِها مِن قابِلٍ ؛ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ ، أو طاعَةٍ أو مَعصِيَةٍ ، أو مَولودٍ أو أجَلٍ أو رِزقٍ ، فَما قُدِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقُضِيَ فَهُوَ المَحتومُ ، وللّهِِ عز و جل فيهِ المَشيئَةُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ التَّقديرُ ، وفي لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ القَضاءُ ، وفي لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ إبرامُ ما يَكونُ فِي السَّنَةِ إلى مِثلِها ، [و ]للّهِِ _ جَلَّ ثَناؤُهُ _ [أن] (4) يَفعَلَ ما يَشاءُ في خَلقِهِ . (5)
الكافي عن معلّى بن محمّد :سُئِلَ العالِمُ عليه السلام : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ قالَ : عَلِمَ وشاءَ ، وأرادَ
.
ص: 178
وقَدَّرَ ، وقَضى وأمضى ، فَأَمضى ما قَضى ، وقَضى ما قَدَّرَ ، وقَدَّرَ ما أرادَ ، فَبِعِلمِهِ كانَتِ المَشيئَةُ ، وبِمَشيئَتِهِ كانَتِ الإِرادَةُ ، وبِإِرادَتِهِ كانَ التَّقديرُ ، وبِتَقديرِهِ كانَ القَضاءُ ، وبِقَضائِهِ كانَ الإِمضاءُ ، وَالعِلمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى المَشيئَةِ ، وَالمَشيئَةُ ثانِيَةٌ ، وَالإِرادَةُ ثالِثَةٌ ، وَالتَّقديرُ واقِعٌ عَلَى القَضاءِ بِالإِمضاءِ . فَلِلّهِ تَبارَكَ وتَعالَى البَداءُ فيما عَلِمَ مَتى شاءَ ، وفيما أرادَ لِتَقديرِ الأَشياءِ ، فَإِذا وَقَعَ القَضاءُ بِالإِمضاءِ فَلا بَداءَ ، فَالعِلمُ فِي المَعلومِ قَبلَ كَونِهِ ، وَالمَشيئَةُ فِي المُنشَأِ قَبلَ عَينِهِ ، وَالإِرادَةُ فِي المُرادِ قَبلَ قِيامِهِ ، وَالتَّقديرُ لِهذِهِ المَعلوماتِ قَبلَ تَفصيلِها وتَوصيلِها عِيانا ووَقتا ، وَالقَضاءُ بِالإِمضاءِ هُوَ المُبرَمُ مِنَ المَفعولاتِ ذَواتِ الأَجسامِ المُدرَكاتِ بِالحَواسِّ ، مِن ذوي لَونٍ وريحٍ ، ووَزنٍ وكَيلٍ ، وما دَبَّ ودَرَجَ ؛ مِن إنسٍ وجِنٍّ ، وطَيرٍ وسِباعٍ ، وغَيرِ ذلِكَ مِمّا يُدرَكُ بِالحَواسِّ . فَلِلّهِ تَبارَكَ وتَعالى فيهِ البَداءُ مِمّا لا عَينَ لَهُ ، فَإِذا وَقَعَ العَينُ المَفهومُ المُدرَكُ (1) فَلا بَداءَ . (2)
الغيبة عن داوود بن القاسم الجعفري :كُنّا عِندَ أبي جَعفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الرِّضا عليهماالسلام ، فَجَرى ذِكرُ السُّفيانِيِّ وما جاءَ فِي الرِّوايَةِ مِن أنَّ أمرَهُ مِنَ المَحتومِ ، فَقُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : هَل يَبدو للّهِِ فِي المَحتومِ ؟ قالَ : نَعَم ، قُلنا لَهُ : فَنَخافُ أن يَبدُوَ للّهِِ فِي القائِمِ ، فَقالَ : إنَّ القائِمَ مِنَ الميعادِ ، وَاللّهُ لا يُخلِفُ الميعادَ . 3
.
ص: 179
تفسير القمّي_ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» (1) _: «فِيهَا يُفْرَقُ» في لَيلَةِ القَدرِ «كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يُقَدِّرُ اللّهُ كُلَّ أمرٍ مِنَ الحَقِّ ومِنَ الباطِلِ ، وما يَكونُ في تِلكَ السَّنَةِ ، ولَهُ فيهِ البَداءُ وَالمَشيئَةُ ، يُقَدِّمُ ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ ، وَالبَلايا وَالأَعراضِ وَالأَمراضِ ، ويَزيدُ فيها ما يَشاءُ ، ويَنقُصُ ما يَشاءُ ، ويُلقيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، ويُلقيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام إلَى الأَئِمَّةِ عليهم السلام ،حَتّى يَنتَهِيَ ذلِكَ إلى صاحِبِ الزَّمانِ عليه السلام ، ويَشتَرِطُ لَهُ فيهِ البَداءَ وَالمَشيئَةَ ، وَالتَّقديمَ وَالتَّأخيرَ . قالَ: حَدَّثَني بِذلِكَ أبي عَنِ ابنِ أبي عُمَيرٍ عَن عَبدِاللّهِ بنِ مُسكانَ عن أبي جَعفَرٍوأبي عَبدِاللّهِ وأبِي الحَسَنِ عليهم السلام . (2)
الاُصول الستّة عشر عن سليمان الطلحي :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : أخبِرني عَمّا أخبَرَت بِهِ الرُّسُلُ عَن رَبِّها ، وأنهَت ذلِكَ إلى قَومِها ، أيَكونُ للّهِِ البَداءُ ؟ قالَ : أما إنّي لا أقولُ لَكَ إنَّهُ يَفعَلُ ، ولكِن ، إن شاءَ فَعَلَ . (3)
5 / 4ما يَظهَرُ مِنهُ عَدَمُ البَداءِ فِي القَضاءِ المَحتومِالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ عِندَ اللّهِ كُتُبا مَرقومَةً يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، فَإِذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ أنزَلَ اللّهُ فيها كُلَّ شَيءٍ يَكونُ إلى لَيلَةٍ مِثلِها ، فَذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ
.
ص: 180
نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا» (1) إذا أنزَلَهُ وكَتَبَهُ كُتّابُ السَّماواتِ ، وهُوَ الَّذي لا يُؤَخِّرُهُ . (2)
الكافي عن اسحاق بن عمّار :(3) : سَمِعتُهُ عليه السلام يَقولُ، وناسٌ يَسأَلونَهُ يَقولونَ : الأَرزاقُ تُقسَمُ لَيلَةَ النِّصفِ مِن شَعبانَ ؟ قَالَ : فَقالَ عليه السلام : لا وَاللّهِ ، ما ذاكَ إلّا في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وإحدى وعِشرينَ ، وثَلاثٍ وعِشرينَ ، فَإِنَّ في لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ يَلتَقِي الجَمعانِ ، وفي لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ ، وفي لَيلَةِ ثَلاثٍ وعِشرينَ يُمضى ما أرادَ اللّهُ عز و جل مِن ذلِكَ ، وهِيَ لَيلَةُ القَدرِ الَّتي قالَ اللّهُ عز و جل : « خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ» . (4) قالَ : قُلتُ : ما مَعنى قَولِهِ : يَلتَقِي الجَمعانِ ؟ قالَ : يَجمَعُ اللّهُ فيها ما أرادَ مِن تَقديمِهِ وتَأخيرِهِ ، وإرادَتِهِ وقَضائِهِ . قالَ : قُلتُ : فَما مَعنى يُمضيهِ في ثَلاثٍ وعِشرينَ ؟ قالَ : إنَّهُ يَفرُقُهُ في لَيلَةِ إحدى وعِشرينَ ويَكونُ لَهُ فيهِ البَداءُ ، فَإِذا كانَت لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ أمضاهُ ، فَيَكونُ مِنَ المَحتومِ الَّذي لا يَبدو لَهُ فيهِ تَبارَكَ وتَعالى . (5)
علل الشرايع عن عليّ بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام :مَن لَم يُكتَب لَهُ فِي اللَّيلَةِ الَّتي يُفرَقُ فيها كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ لَم يَحُجَّ تِلكَ السَّنَةَ ، وهِيَ لَيلَةُ ثَلاثٍ وعِشرينَ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، لِأَنَّ فيها يُكتَبُ وَفدُ الحاجِّ ، وفيها يُكتَبُ الأَرزاقُ وَالآجالُ ، وما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ .
.
ص: 181
قالَ : قُلتُ : فَمَن لَم يُكتَب في لَيلَةِ القَدرِ لَم يَستَطِعِ الحَجَّ ؟ فَقالَ : لا ، قُلتُ : كَيفَ يَكونُ هذا ؟ قالَ : لَستُ في خُصومَتِكُم مِن شَيءٍ ، هكَذَا الأَمرُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (2) _: إنَّ ذلِكَ الكِتابَ كِتابٌ يَمحُو اللّهُ فيهِ ما يَشاءُ ويُثبِتُ ، فَمِن ذلِكَ الَّذي يَرُدُّ الدُّعاءُ القَضاءَ ، وذلِكَ الدُّعاءُ مَكتوبٌ عَلَيهِ : «الَّذي يُرَدُّ بِهِ القَضاءُ» حَتّى إذا صارَ إلى اُمِّ الكِتابِ لَم يُغنِ الدُّعاءُ فيهِ شَيئا . (3)
التوحيد عن الحسن بن محمّد النوفلي_ فيما سَأَلَ سُلَيمانُ المَروَزِيُّ الإِمامَ الرِّضا عليه السلام _: قالَ سُلَيمانُ : ألا تُخبِرُني عَن «إِنَّ_ا أَنزَلْنَ_هُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (4) في أيِّ شَيءٍ اُنزِلَت ؟ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللّهُ عز و جل فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ مِن حَياةٍ أو مَوتٍ ، أو خَيرٍ أو شَرٍّ ، أو رِزقٍ ، فَما قَدَّرَهُ مِن تِلكَ اللَّيلَةِ فَهُوَ مِنَ المَحتومِ . قالَ سُلَيمانُ : الآنَ قَد فَهِمتُ _ جُعِلتُ فِداكَ _ فَزِدني ، قالَ عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، إنَّ مِنَ الاُمورِ اُمورا مَوقوفَةً عِندَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ . (5)
.
ص: 182
بحث حول إمكانية البداء في القضاء المحتوم أو عدم إمكانيتهتوجد _ كما لا حظنا في البابين السابقين _ مجموعتان من الروايات حول إمكانية البداء في القضاء المحتوم والمبرم ، تدلّ المجموعة الاُولى : على أنّ القضاء المحتوم له قابلية البداء كالقضاء غير المحتوم ، وتقول المجموعة الثانية : إنّ القضاء المحتوم ليسَ قابلاً للبداء ، فكيف يمكن الجمع بين الأحاديث المذكورة؟ نقول : إنّ بالإمكان الجمع بين الأحاديث المذكورة على نحوين : 1 . إنّ الأحاديث الدالّة على أنّ القضاء المحتوم يتمتّع بإمكانية البداء ، كالقضاء غير المحتوم ، يراد بها الإمكان الذاتي . والأحاديث الّتي تصرّح بأنّ البداء لا يحدث في القضاء المحتوم ، يراد بها مقام الوقوع . بعبارة اُخرى : فإنّ أحاديث المجموعة الثانية تدلّ على أنّه على الرغم من أنّ يد اللّه _ تعالى _ ليست مغلولة في تغيير القضاء المحتوم ، وأنّه يستطيع الحيلولة دون وقوعه ما لم يقع ذلك الأمر ، أو أن يقوم بتغييره ، ولكنّه لا يقوم بمثل هذا العمل في القضاء المحتوم من الناحية العملية . 2 . هو الجمع الأوّل نفسه مع هذا الاختلاف ، وهو أنّ المجموعة الثانية من الأحاديث تقصد سنّة اللّه _ تعالى _ في معظم الحالات ؛ بمعنى أنّ ما تمّ تقديره في
.
ص: 183
ليلة القدر لا يتغيّر من الناحية العملية في أغلب الحالات ، ولكن من الممكن أن يتغير في حالات خاصّة ؛ كأن يكون هذا التغيير بواسطة الدعاء في عرفات . وإذا قيل : إنّ مفاد الأحاديث السابقة لا يقبل مثل هذا الجمع ، كما أنّ الأحاديث المتعلّقة بإجابة الدعاء في تغيير القضاء المبرم والمحتوم تأبى هذا الجمع أيضاً . قلنا : إذا اضطررنا إلى قبول التعارض واعتقدنا بأنّ المراد من كلا المجموعتين هو مقام الإمكان وعدم الإمكان الذاتي للبداء ، فيجب القول دون تردّد : إنّ أحاديث المجموعة الاُولى _ أي الأحاديث الّتي تقول : إنّ القضاء المحتوم يتمتّع هو أيضا بإمكانية التغيير بمشيئة اللّه تعالى _ هي مقدّمة على الاُخرى ، ذلك لأنّها مضافاً لملاءمتها مع العقل . بخلاف السند والدلالة مع كثرتها عدداً وانسجامها مع آيات البداء وأحاديثه ، مضافاً لملاءمتها مع العقل . بخلاف مدلول أحاديث المجموعة الثانية إذا كان المراد منها عدم الإمكان الذاتي للبداء ، فإنّ ذلك خلاف للعقل ، فكما إنّ اللّه قادر ومختار في إيجاد مقدّرات الوجود وإثباتها ، فإنّه قادر وحرّ أيضا في محوها وإلغائها ، وإنكار البداء في تحقّق الظواهر يعني إنكار القدرة والإرادة الإلهيّتين .
.
ص: 184
البداء في القضاء والقدر5 / 5إنَّ اللّهَ لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا رُسُلَهُ فِي البَداءِالإمام الباقر عليه السلام :العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عِندَ اللّهِ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ ، وعِلمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ سَيَكونُ ، لا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ولا مَلائِكَتَهُ ولا رُسُلَهُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ : العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللّهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ يَكونُ ولا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ، ولا مَلائِكَتَهُ ، ولا رُسُلَهُ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل أوحى إلى نَبِيٍّ مِن أنبِيائِهِ : أن أخبِر فُلانَ المَلِكَ أنّي مُتَوَفّيهِ إلى كَذا وكَذا ، فَأَتاهُ ذلِكَ النَّبِيُّ فَأَخبَرَهُ ، فَدَعَا اللّهَ المَلِكُ وهُوَ عَلى سَريرِهِ حَتّى سَقَطَ مِنَ السَّريرِ ، فَقالَ : يا رَبِّ أجِّلني حَتّى يَشِبَّ طِفلي وأقضِيَ أمري ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلى ذلِكَ النَّبِيِّ أنِ ائتِ فُلانَ المَلِكَ ، فَأَعلِمهُ أنّي قَد أنسَيتُ في أجَلِهِ وزِدتُ في عُمُرِهِ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَقالَ ذلِكَ النَّبِيُّ : يا رَبِّ إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي لَم أكذِب قَطُّ ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : إنَّما أنتَ عَبدٌ مَأمورٌ فَأَبلِغهُ ذلِكَ ، وَاللّهُ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ . (3)
.
ص: 185
الإمام الباقر عليه السلام :بَينا داوُودُ عليه السلام جالِسٌ وعِندَهُ شابٌّ رَثُّ (1) الهَيئَةِ يُكثِرُ الجُلوسَ عِندَهُ ، ويُطيلُ الصَّمتَ ، إذ أتاهُ مَلَكُ المَوتِ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، وأحَدَّ مَلَكُ المَوتِ النَّظَرَ إلَى الشّابِّ ، فَقالَ داوُودُ عليه السلام : نَظَرتَ إلى هذا ، فَقالَ : نَعَم ، إنّي اُمِرتُ بِقَبضِ روحِهِ إلى سَبعَةِ أيّامٍ في هذَا المَوضِعِ ، فَرَحِمَهُ داوُودُ فَقالَ : يا شابُّ ، هَل لَكَ امرَأَةٌ ؟ قالَ : لا ، وما تَزَوَّجتُ قَطُّ . قالَ داوُودُ : فَأتِ فُلانا _ رَجُلاً كانَ عَظيمَ القَدرِ في بَني إسرائيلَ _ فَقُل لَهُ : إنَّ داوُودُ يَأمُرُكَ أن تُزَوِّجَنِي ابنَتَكَ وتُدخِلَها اللَّيلَةَ عَلَيَّ ، وخُذ مِنَ النَّفَقَةِ ما تَحتاجُ إلَيهِ ، وكُن عِندَها ، فَإِذا مَضَت سَبعَةُ أيّامٍ فَوافِني في هذَا المَوضِعِ . فَمَضَى الشّابُّ بِرِسالَةِ داوُودُ عليه السلام فَزَوَّجَهُ الرَّجُلُ ابنَتَهُ وأدخَلَها عَلَيهِ ، وأقامَ عِندَها سَبعَةَ أيّامٍ ، ثُمَّ وافى داوُودُ يَومَ الثّامِنِ فَقالَ لَهُ داوُودُ : يا شابُّ كَيفَ رَأَيتَ ما كُنتَ فيهِ ؟ قالَ : ما كُنتُ في نِعمَةٍ ولا سُرورٍ قَطُّ أعظَمَ مِمّا كُنتُ فيهِ ، قالَ داوُودُ : اِجلِس فَجَلَسَ داوُودُ يَنتَظِرُ أن تُقبَضَ روحُهُ ، فَلَمّا طالَ قالَ : اِنصَرِف إلى مَنزِلِكَ فَكُن مَعَ أهلِكَ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّامِنُ فَوافِني هاهُنا ، فَمَضَى الشّابُ ، ثُمَّ وافاهُ اليَومَ الثّامِنَ وجَلَسَ عِندَهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ اُسبوعا آخَرَ ، ثُمَّ أتاهُ وجَلَسَ فَجاءَ مَلَكُ المَوتِ إلى داوُودُ ، فَقالَ داوُودُ] صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ] : ألَستَ حَدَّثتَني بِأَنَّكَ اُمِرتَ بِقَبضِ روحِ هذَا الشّابِّ إلى سَبعَةِ أيّامٍ فَقَد مَضَت ثَمانِيَةٌ وثَمانِيَةٌ ! قالَ : يا داوُودُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى رَحِمَهُ بِرَحمَتِكَ لَهُ ، فَأَخَّرَ في أجَلِهِ ثَلاثينَ سَنَةً . (2)
.
ص: 186
5 / 6أسبابُ حُسنِ البَداءِأ _ طاعَةُ اللّهِ«قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلَا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَ_نٍ مُّبِينٍ» . (1)
«قَالَ يَ_قَوْمِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» . (2)
ب _ الاِستِغفارُالكتاب«وَ أَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَ_عًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِى فَضْلٍ فَضْلَهُ وَ إِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ» . (3)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام_ فِي استِغفارِهِ فِي السَّحَرِ _: اللّهُمَّ وأستَغفِرُكَ لِكُلِّ ذَنبٍ يُدنِي الآجالَ ، ويَقطَعُ الآمالَ . (4)
.
ص: 187
ج _ الدُّعاءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ ، وللّهِِ في خَلقِهِ قَضاءانِ : قَضاءٌ ماضٍ ، وقَضاءٌ مُحدَثٌ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَا الدُّعاءُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَرُدُّ القَضاءَ إلَا الدُّعاءُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :الدُّعاءُ جُندٌ مِن أجنادِ اللّهِ تَعالى مُجَنَّدٌ ، يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَ أن يُبرَمَ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :يا بُنَيَّ ، أكثِر مِنَ الدُّعاءِ ، فَإِنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ المُبرَمَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُغني حَذَرٌ مِن قَدَرٍ ، وَالدُّعاءُ يَنفَعُ مِمّا نَزَلَ ومِمّا لَم يَنزِل . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ المُبرَمَ ، فَاتَّخِذوهُ عُدَّةً . (7)
عنه عليه السلام_ في نِهايَةِ كِتابِهِ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: أستَودِعُ اللّهَ دينَكَ ودُنياكَ ، وأسأَلُهُ خَيرَ القَضاءِ لَكَ فِي العاجِلَةِ وَالآجِلَةِ ، وَالدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَالسَّلامُ . (8)
.
ص: 188
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ اصرِف عَنِّي الأَزلَ (1) وَاللَأواءَ (2) ، وَالبَلوى وسوءَ القَضاءِ ، وشَماتَةَ الأَعداءِ ، ومَنظَرَ السَّوءِ في نَفسي ومالي . (3)
الإمام زين العابدين والإمام الباقر عليهماالسلام :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ الَّذي اُبرِمَ إبراما . (4)
الكافي عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال:قالَ لي : ألا أدُلُّكَ عَلى شَيءٍ لَم يَستَثنِ فيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قُلتُ : بَلى . قالَ : الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ وقَد اُبرِمَ إبراما _ وضَمَّ أصابِعَهُ _ . (5)
الكافي عن حمّاد بن عثمان :سَمِعتُهُ (6) يَقولُ : إنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ ، يَنقُضُهُ كَما يُنقَضُ السِّلكُ وقَد اُبرِمَ إبراما . (7)
الإمام الصادق عليه السلام :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَما اُبرِمَ إبراما ، فَأَكثِر مِنَ الدُّعاءِ فَإِنَّهُ مِفتاحُ كُلِّ رَحمَةٍ ، ونَجاحُ كُلِّ حاجَةٍ ، ولا يُنالُ ما عِندَ اللّهِ عز و جل إلّا بِالدُّعاءِ وإنَّهُ لَيسَ بابٌ يُكثَرُ قَرعُهُ ، إلّا يوشِكُ أن يُفتَحَ لِصاحِبِهِ . (8)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل لَيَدفَعُ بِالدُّعاءِ الأَمرَ الَّذي عَلِمَهُ أن يُدعى لَهُ فَيَستَجيبُ ، ولَولا ما وُفِّقَ العَبدُ مِن ذلِكَ الدُّعاءِ ، لَأَصابَهُ مِنهُ ما يَجُثُّهُ مِن جَديدِ الأَرضِ . (9)
.
ص: 189
عنه عليه السلام :إنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ القَضاءَ وقَد نَزَلَ مِنَ السَّماءِ ، وقَد اُبرِمَ إبراما . (1)
الكافي عن عمر بن يزيد :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام يَقولُ : إنَّ الدُّعاءَ يَرُدُّ ما قَد قُدِّرَ وما لَم يُقَدَّر . قُلتُ : وما قَد قُدِّرَ عَرَفتُهُ ، فَما لَم يُقَدَّر ؟ قالَ : حَتّى لا يَكونَ . (2)
الإمام الهادي عليه السلام_ في قُنوتِهِ _: اللّهُمَّ أسعِدنا بِالشُّكرِ ، وَامنَحنَا النَّصرَ ، وأعِذنا مِن سوءِ البَداءِ وَالعاقِبَةِ وَالخَترِ (3) . (4)
د _ صِلَةُ الأَرحامِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِلَةُ القَرابَةِ مَثراةٌ فِي المالِ ، مَحَبَّةٌ فِي الأَهلِ ، مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ النَّساءُ فِي الأَجَلِ ، وَالزِّيادَةُ فِي الرِّزقِ ، فَليَصِل رَحِمَهُ . (6)
تفسير العيّاشي عن الحسين بن زيد بن عليّ عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهماالسلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ المَرءَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ وما بَقِيَ مِن عُمُرِهِ إلّا ثَلاثُ سِنينَ ، فَيَمُدُّهَا اللّهُ إلى ثَلاثٍ وثَلاثينَ سَنَةً ، وإنَّ المَرءَ لَيَقطَعُ رَحِمَهُ وقَد بَقِيَ مِن عُمُرِهِ ثَلاثٌ وثَلاثونَ سَنَةً ، فَيَقصُرُهَا اللّهُ إلى ثَلاثِ سِنينَ أو أدنى .
.
ص: 190
قالَ الحُسَينُ [بن زيد] : وكانَ جَعفَرٌ عليه السلام يَتلو هذِهِ الآيَةَ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (1) . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ كانَ يَقولُ _: إنَّ أفضَلَ ما يَتَوَسَّلُ بِهِ المُتَوَسِّلونَ الإِيمانُ بِاللّهِ ورَسولِهِ ... وصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّها مَثراةٌ فِي المالِ ، ومَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ . (3)
عنه عليه السلام :صِلَةُ الأَرحامِ تُثمِرُ الأَموالَ ، وتُنسِئُ فِي الآجالِ . (4)
عنه عليه السلام :صِلَةُ الرَّحِمِ تُوَسِّعُ الآجالَ ، وتُنَمِّي الأَموالَ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :صِلَةُ الأَرحامِ تُزَكِّي الأَعمالَ ، وتُنَمِّي الأَموالَ ، وتَدفَعُ البَلوى ، وتُيَسِّرُ الحِسابَ ، وتُنسِئُ فِي الأَجَلِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :صِلوا أرحامَكُم ، فَفي صِلَتِها مَنسَأَةٌ فِي الأَجَلِ ، وزِيادَةٌ فِي العَدَدِ . (7)
ه _ الصَّدَقَةُالإمام عليّ عليه السلام :بِالصَّدَقَةِ تُفسَحُ الآجالُ . (8)
.
ص: 191
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ عيسى روحَ اللّهِ مَرَّ بِقَومٍ مُجَلِّبينَ (1) فَقالَ : ما لِهؤُلاءِ ؟ قيلَ : يا روحَ اللّهِ ، إنَّ فُلانَةَ بِنتَ فُلانٍ تُهدى إلى فُلانِ بنِ فُلانٍ في لَيلَتِها هذِهِ . قالَ : يُجَلِّبونَ اليَومَ ويَبكونَ غَدا ، فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : ولِمَ يا رَسولَ اللّهِ ؟ قالَ : لِأَنَّ صاحِبَتَهُم مَيِّتَةٌ في لَيلَتِها هذِهِ ! فَقالَ القائِلونَ بِمَقالَتِهِ : صَدَقَ اللّهُ وصَدَقَ رَسولُهُ ، وقالَ أهلُ النِّفاقِ : ما أقرَبَ غَدا . فَلَمّا أصبَحوا جاؤوا فَوَجَدوها عَلى حالِها لَم يَحدُث بِها شَيءٌ . فَقالوا : يا روحَ اللّهِ إنَّ الَّتي أخبَرتَنا أمسِ أنَّها مَيِّتَةٌ لَم تَمُت ! فَقالَ عيسى عليه السلام : يَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ، فَاذهَبوا بِنا إلَيها . فَذَهَبوا يَتَسابَقونَ حَتّى قَرَعُوا البابَ ، فَخَرَجَ زَوجُها فَقالَ لَهُ عيسى عليه السلام : اِستَأذِن لي عَلى صاحِبَتِكَ ، قالَ : فَدَخَلَ عَلَيها فَأَخبَرَها أنَّ روحَ اللّهِ وكَلِمَتَهُ بِالبابِ مَعَ عِدَّةٍ ، قالَ : فَتَخَدَّرَت ، فَدَخَلَ عَلَيها فَقالَ لَها : ما صَنَعتِ لَيلَتَكِ هذِهِ ؟ قالَت : لَم أصنَع شَيئا إلّا وقَد كُنتُ أصنَعُهُ فيما مَضى ، إنَّهُ كانَ يَعتَرينا سائِلٌ في كُلِّ لَيلَةِ جُمُعَةٍ فَنُنيلُهُ ما يَقوتُهُ إلى مِثلِها ، وإنَّهُ جاءَني في لَيلَتي هذِهِ وأنَا مَشغولَةٌ بِأَمري وأهلي في مَشاغِلَ (2) فَهَتَفَ فَلَم يُجِبهُ أحَدٌ ، ثُمَّ هَتَفَ فَلَم يُجَب ، حَتّى هَتَفَ مِرارا ، فَلَمّا سَمِعتُ مَقالَتَهُ قُمتُ مُتَنَكِّرَةً حَتّى أنَلتُهُ كَما كُنّا نُنيلُهُ . فَقالَ لَها : تَنَحَّي عَن مَجلِسِكِ ، فَإِذا تَحتَ ثِيابِها أفعى مِثلُ جِذعَةٍ عاضٌّ عَلى ذَنَبِهِ ! فَقالَ عليه السلام : بِما صَنَعتِ صُرِفَ عَنكِ هذا . (3)
عنه عليه السلام :مَرَّ يَهودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : السّامُ عَلَيكَ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : عَلَيكَ ،
.
ص: 192
فَقالَ أصحابُهُ : إنَّما سَلَّمَ عَلَيكَ بِالمَوتِ ، قالَ : المَوتُ عَلَيكَ . قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وكَذلِكَ رَدَدتُ . ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ هذَا اليَهودِيَّ يَعَضُّهُ أسوَدُ في قَفاهُ فَيَقتُلُهُ . قالَ : فَذَهَبَ اليَهودِيُّ فَاحتَطَبَ حَطَبا كَثيرا فَاحتَمَلَهُ ثُمَّ لَم يَلبَث أنِ انصَرَفَ . فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ضَعهُ ، فَوَضَعَ الحَطَبَ فَإِذا أسوَدُ في جَوفِ الحَطَبِ عاضٌّ عَلى عودٍ ، فَقالَ : يا يَهودِيُّ ، ما عَمِلتَ اليَومَ ؟ قالَ : ما عَمِلتُ عَمَلاً إلّا حَطَبي هذَا ، احتَمَلتُهُ فَجِئتُ بِهِ ، وكانَ مَعي كَعكَتانِ ، فَأَكَلتُ واحِدَةً وتَصَدَّقتُ بِواحِدَةٍ عَلى مِسكينٍ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : بِها دَفَعَ اللّهُ عَنهُ . وقالَ : إنَّ الصَّدَقَةَ تَدفَعُ ميتَةَ السَّوءِ عَنِ الإِنسانِ . (1)
الإمام العسكريّ عليه السلام_ في الدُّعاءِ _: يا مَن يَرُدُّ بِأَلطَفِ الصَّدَقَةِ وَالدُّعاءِ ، عَن أعنانِ السَّماءِ ، ما حُتِمَ واُبرِمَ مِن سوءِ القَضاءِ . (2)
و _ الرِّضا بِالقَضاءِالإمام الصادق عليه السلام :كانَ في بَني إسرائيلَ نَبِيٌّ وَعَدَهُ اللّهُ ... النُّصرَةَ إلى خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَأَخبَرَ بِذلِكَ النَّبِيُّ قَومَهُ فَقالوا : ما شاءَ اللّهُ ، فَعَجَّلَهُ اللّهُ لَهُم في خَمسَ عَشرَةَ لَيلَةً . (3)
راجع : ص 339 (الرضا بالقضاء والقدر) .
.
ص: 193
ز _ عَدلُ السُّلطانِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِمَن جَعَلَ لَهُ سُلطانا أجَلاً ومُدَّةً مِن لَيالٍ وأيّامٍ وسِنينَ وشُهورٍ ، فَإِن عَدَلوا فِي النّاسِ أمَرَ اللّهُ عز و جل صاحِبَ الفَلَكِ (1) أن يُبطِئَ بِإِدارَتِهِ فَطالَت أيّامُهُم ولَياليهِم وسِنينُهُم وشُهورُهُم ، وإن جاروا فِي النّاسِ ولَم يَعدِلوا أمَرَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى صاحِبَ الفَلَكِ فَأَسرَعَ بِإِدارَتِهِ فَقَصُرَت لَياليهِم وأيّامُهُم وسِنينُهُم وشُهورُهُم ، وقَد وَفى عز و جل لَهُم بِعَدَدِ اللَّيالي وَالشُّهورِ . (2)
ح _ زِيارَةُ الحُسَينِ عليه السلامالإمام الباقر عليه السلام :مُروا شيعَتَنا بِزِيارَةِ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام ؛ فَإِنَّ إتيانَهُ يَزيدُ فِي الرِّزقِ ، ويَمُدُّ فِي العُمُرِ ، ويَدفَعُ مَدافِعَ السَّوءِ (3) ، وإتيانَهُ مُفتَرَضٌ عَلى كُلِّ مُؤمِنٍ يُقِرُّ لَهُ بِالإِمامَةِ مِنَ اللّهِ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ الحُسَينَ صاحِبَ كَربَلاءَ قُتِلَ مَظلوما مَكروبا عَطشانا لَهفانا ، وحَقٌّ عَلَى اللّهِ عز و جل (5) أن لا يَأتِيَهُ لَهفانٌ ولا مَكروبٌ ولا مُذنِبٌ ولا مَغمومٌ ولا عَطشانُ ولا ذو عاهَةٍ ثُمَّ دَعا عِندَهُ وتَقَرَّبَ بِالحُسَينِ عليه السلام إلَى اللّهِ عز و جل ، إلّا نَفَّسَ اللّهُ كُربَتَهُ
.
ص: 194
وأعطاهُ مَسأَلَتَهُ وغَفَرَ ذَنبَهُ ومَدَّ في عُمُرِهِ وبَسَطَ في رِزقِهِ، فَاعتَبِروا يا اُولِيالأَبصارِ. (1)
كامل الزيارات عن عبد الملك الخثعمي عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قالَ لي : يا عَبدَ المَلِكِ ، لا تَدَع زِيارَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ومُر أصحابَكَ بِذلِكَ ؛ يَمُدُّ اللّهُ في عُمُرِكَ ، ويَزيدُ اللّهُ في رِزقِكَ ، ويُحييكَ اللّهُ سَعيدا ولا تَموتُ إلّا سَعيدا ويَكتُبُكَ سَعيدا . (2)
تهذيب الأحكام عن منصور بن حازم :(3) ، قال : سَمِعتُهُ (4) يَقولُ : مَن أتى عَلَيهِ حَولٌ لَم يَأتِ قَبرَ الحُسَينِ عليه السلام نَقَصَ اللّهُ مِن عُمُرِهِ حَولاً . ولَو قُلتُ : إنَّ أحَدَكُم يَموتُ قَبلَ أجَلِهِ بِثَلاثينَ سَنَةً لَكُنتُ صادِقا ؛ وذلِكَ أنَّكُم تَترُكونَ زِيارَتَهُ . فَلا تَدَعوها ، يَمُدُّ اللّهُ في أعمارِكُم ، ويَزيدُ في أرزاقِكُم ، وإذا تَرَكتُم زِيارَتَهُ نَقَصَ اللّهُ مِن أعمارِكُم وأرزاقِكُم ، فَتَنافَسوا في زِيارَتِهِ ولا تَدَعوا ذلِكَ ؛ فَإِنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليه السلام شاهِدٌ لَكُم عِندَ اللّهِ تَعالى وعِندَ رَسولِهِ وعِندَ عَلِيٍّ وعِندَ فاطِمَةَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أجمَعينَ . (5)
ط _ تِلكَ الأَسبابِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (6) _:
.
ص: 195
الصَّدَقَةُ وَاصطِناعُ المَعروفِ وصِلَةُ الرَّحِمِ وبِرُّ الوالِدَينِ ، يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، ويَزيدُ مِنَ العُمُرِ ، ويَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (1)
الأمالي عن الأوزاعي :دَخَلتُ المَدينَةَ مَدينَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلمقالَ : فَقُلتُ : مَن هاهُنا مِنَ الفُقَهاءِ ؟ فَقالوا : مُحَمَّدُ بنُ المُنكَدِرِ ، ومُحَمَّدُ بنُ المُبَشِّرِ ، ومُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ _ يَعنِي ابنَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم السلام _ فَقُلتُ في نَفسي : لَيسَ مِن هؤُلاءِ أحَقُّ أن يُبدَأَ بِهِ مِنِ ابنِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَتَيتُهُ وقُلتُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، أخبِرني عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . فَقالَ : أخبَرَني أبي عَن جَدّي عَن عَلِيٍّ عليه السلام ، أنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لَاُبَشِّرَنَّكَ يا عَلِيُّ بِها ، تُبَشِّرُ اُمَّتي مِن بَعدي ، وهِيَ : الصَّدَقَةُ عَلى وَجهِها ، وبِرُّ الوالِدَينِ ، وَاصطِناعُ المَعروفِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، تُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، وتَزيدُ فِي العُمُرِ ، وتَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :بِرُّ الوالِدَينِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، يَزيدانِ فِي الأَجَلِ . (3)
5 / 7ما يوجِبُ سوءَ البَداءِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» . (4)
.
ص: 196
«ذَ لِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» . (1)
«وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّهُ عز و جل : ... ما مِن أهلِ قَريَةٍ ، ولا أهلِ بَيتٍ ، ولا رَجُلٍ بِبادِيَةٍ (3) ، كانوا عَلى ما أحبَبتُ مِن طاعَتي ، ثُمَّ تَحَوَّلوا عَنها إلى ما كَرِهتُ مِن مَعصِيَتي ، إلّا تَحَوَّلتُ لَهُم عَمّا يُحِبّونَ مِن رَحمَتي إلى ما يَكرَهونَ مِن غَضَبي . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا جارَ الحاكِمُ قَلَّ المَطَرُ ، وإذا غُرِّرَ (5) بِأَهلِ الذِّمَّةِ ظَهَرَ عَلَيهِم عَدُوُّهُم ، وإذا ظَهَرَتِ الفَواحِشُ كانَتِ الرَّجفَةُ ، وإذا قَلَّ الأَمرُ بِالمَعروفِ استُبيحَ الحَريمُ ، وإنَّما هُوَ التَّبديلُ ، ثُمَّ التَّدبيرُ ، ثُمَّ التَّدميرُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا ظَهَرَ الزِّنا كَثُرَ مَوتُ الفَجأَةِ ، وإذا طُفِّفَ المِكيالُ أخَذَهُمُ اللّهُ بِالسِّنينَ وَالنَّقصِ ، وإذا مَنَعُوا الزَّكاةَ مَنَعَتِ الأَرضُ بَرَكَتَها مِنَ الزَّرعِ وَالثِّمارِ وَالمَعادِنِ ، وإذا
.
ص: 197
جاروا فِي الأَحكامِ تَعاوَنوا عَلَى الظُّلمِ وَالعُدوانِ ، وإذا نَقَضُوا العُهودَ سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم ، وإذا قَطَعُوا الأَرحامَ جُعِلَتِ الأَموالُ في أيدِي الأَشرارِ ، وإذا لَم يَأمُروا بِمَعروفٍ ، ولَم يَنهَوا عَن مُنكَرٍ ، ولَم يَتَّبِعُوا الأَخيارَ مِن أهلِ بَيتي ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم شِرارَهُم فَيَدعو خِيارُهُم فَلا يُستَجابُ لَهُم . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :خَمسٌ إذا أدرَكتُموهُنَّ فَتَعَوَّذوا بِاللّهِ عز و جل مِنهُنَّ : لَم تَظهَرِ الفاحِشَةُ في قَومٍ قَطُّ حَتّى يُعلِنوها إلّا ظَهَرَ فيهِمُ الطّاعونُ وَالأَوجاعُ الَّتي لَم تَكُن في أسلافِهِمُ الَّذينَ مَضَوا ، ولَم يَنقُصُوا المِكيالَ وَالميزانَ إلّا اُخِذوا بِالسِّنينَ وشِدَّةِ المَؤونَةِ وجَورِ السُّلطانِ ، ولم يَمنَعُوا الزَّكاةَ إلّا مُنِعُوا القَطرَ مِن السَّماءِ ، ولَولَا البَهائِمُ لَم يُمطَروا ، ولَم يَنقُضوا عَهدَ اللّهِ عز و جل وعَهدَ رَسولِهِ إلّا سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم ، فَأَخَذوا بَعضَ ما في أيديهِم ، ولَم يَحكُموا بِغَيرِ ما أنزَلَ اللّهُ إلّا جَعَلَ بَأسَهُم بَينَهُم . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَت فيكُم خَمسٌ رُميتُم بِخَمسٍ : إذا أكَلتُمُ الرِّبا رُميتُم بِالخَسفِ ، وإذا ظَهَرَ فيكُمُ الزِّنا اُخِذتُم بِالمَوتِ ، وإذا جارَتِ الحُكّامُ ماتَتِ البَهائِمُ ، وإذا ظُلِمَ أهلُ المِلَّةِ (3) ذَهَبَتِ الدَّولَةُ ، وإذا تَرَكتُمُ السُّنَّةَ ظَهَرَتِ البِدعَةُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :... إذا جارَتِ الوُلاةُ قَحَطَتِ السَّماءُ ، وإذا مُنِعَتِ الزَّكاةُ هَلَكَتِ المَواشي ، وإذا
.
ص: 198
ظَهَرَ الزِّنا ظَهَرَ الفَقرُ وَالمَسكَنَةُ ، وإذا اُخفِرَتِ (1) الذِّمَّةُ اُديلَ (2) الكُفّارُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ما نَقَضَ قَومٌ عَهدَهُم إلّا سُلِّطَ عَلَيهِم عَدُوُّهُم ، وما جارَ قَومٌ إلّا كَثُرَ القَتلُ بَينَهُم ، وما مَنَعَ قَومٌ الزَّكاةَ إلّا حُبِسَ القَطرُ عَنهُم ، ولا ظَهَرَت فيهِمُ الفاحِشَةُ إلّا فَشا فيهِمُ المَوتُ ، وما يُخسِرُ قَومٌ المِكيالَ وَالميزانَ إلّا اُخِذوا بِالسِّنينَ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أبغَضَ المُسلِمونَ عُلَماءَهُم ، وأظهَروا عِمارَةَ أسواقِهِم ، وتَناكَحوا عَلى جَمعِ الدَّراهِمِ ، رَماهُمُ اللّهُ عز و جل بِأَربَعِ خِصالٍ : بِالقَحطِ مِنَ الزَّمانِ ، وَالجَورِ مِنَ السُّلطانِ ، وَالخِيانَةِ مِن وُلاةِ الأَحكامِ ، وَالصَّولَةِ مِنَ العَدُوِّ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا ظُلِمَ أهلُ الذِّمَّةِ كانَتِ الدَّولَةُ دَولَةَ العَدُوِّ ، وإذا كَثُرَ الزِّنا كَثُرَ السِّباءُ ، وإذا كَثُرَ اللّوطِيَّةُ رَفَعَ اللّهُ عز و جل يَدَهُ عَنِ الخَلقِ ، فَلا يُبالي في أيِّ وادٍ هَلَكوا . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا تَبايَعتُم بِالعينَةِ (7) ، وأخَذتُم أذنابَ البَقَرِ ، ورَضيتُم بِالزَّرعِ ، وتَرَكتُمُ الجِهادَ ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيكُم ذُلّاً لا يَنزِعُهُ ، حَتّى تَرجِعوا إلى دينِكُم . (8)
.
ص: 199
الإمام عليّ عليه السلام :إذا فَشَى الزِّنا ظَهَرَ مَوتُ الفُجاءَةِ ، وإذا جارَ الحاكِمُ قَحَطَ المَطَرُ . (1)
الإمام الحسن عليه السلام_ في دُعائِهِ إذا أحزَنَهُ أمرٌ _: يا كهيعص ، يا نورُ يا قُدّوسُ ، يا خَبيرُ يا اللّهُ ، يا رَحمنُ _ رَدَّدَها ثَلاثا _ اغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُحِلُّ النِّقَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَهتِكُ العِصَمَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُنزِلُ البَلاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُديلُ الأَعداءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَقطَعُ الرَّجاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُمسِكُ غَيثَ السَّماءِ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تُظلِمُ الهَواءَ ، وَاغفِر لِيَ الذُّنوبَ الَّتي تَكشِفُ الغِطاءَ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الذُّنوبُ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ : البَغيُ عَلَى النّاسِ ، وَالزَّوالُ عَنِ العادَةِ فِي الخَيرِ وَاصطِناعِ المَعروفِ ، وكُفرانُ النِّعَمِ ، وتَركُ الشُّكرِ . قالَ اللّهُ عز و جل : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» . وَالذُّنوبُ الَّتي تورِثُ النَّدَمَ : قَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ . قالَ اللّهُ تَعالى : «وَ لَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ» (3) ، وقالَ عز و جل في قِصَّةِ قابيلَ حينَ قَتَلَ أخاهُ هابيلَ فَعَجَزَ عَن دَفنِهِ ، فَسَوَّلَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أخيهِ فَقَتَلَهُ «فَأَصْبَحَ مِنَ النَّ_دِمِينَ» (4) ، وتَركُ صِلَةِ القَرابَةِ حَتّى يَستَغنوا ، وتَركُ الصَّلاةِ حَتّى يَخرُجَ وَقتُها ، وتَركُ الوَصِيَّةِ ورَدِّ المَظالِمِ ، ومَنعُ الزَّكاةِ حَتّى يَحضُرَ المَوتُ ويَنغَلِقَ اللِّسانُ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُنزِلُ النِّقَمَ : عِصيانُ العارِفِ بِالبَغيِ وَالتَّطاوُلُ عَلَى النّاسِ
.
ص: 200
وَالاِستِهزاءُ بِهِم وَالسُّخرِيَّةُ مِنهُم . وَالذُّنوبُ الَّتي تَدفَعُ القِسَمَ : إظهارُ الاِفتِقارِ ، وَالنَّومُ عَنِ العَتَمَةِ ، (1) وعَن صَلاةِ الغَداةِ ، وَاستِحقارُ النِّعَمِ ، وشَكوَى المَعبودِ عز و جل . وَالذُّنوبُ الَّتي تَهتِكُ العِصَمَ : شُربُ الخَمرِ ، وَاللَّعِبُ بِالقِمارِ ، وتَعاطي ما يُضحِكُ النّاسَ مِنَ اللَّغوِ وَالمِزاحِ ، وذِكرُ عُيوبِ النّاسِ ، ومُجالَسَةُ أهلِ الرَّيبِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُنزِلُ البَلاءَ : تَركُ إغاثَةِ المَلهوفِ ، وتَركُ مُعاوَنَةِ المَظلومِ ، وتَضييعُ الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُديلُ الأَعداءَ : المُجاهَرَةُ بِالظُّلمِ ، وإعلانُ الفُجورِ ، وإباحَةُ المَحظورِ ، وعِصيانُ الأَخيارِ ، وَالاِنطِباعُ لِلأَشرارِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ : قَطيعَةُ الرَّحِمِ ، وَاليَمينُ الفاجِرَةُ ، وَالأَقوالُ الكاذِبَةُ ، وَالزِّنا ، وسَدُّ طُرُقِ المُسلِمينَ ، وَادِّعاءُ الإِمامَةِ بِغَيرِ حَقٍّ . وَالذُّنوبُ الَّتي تَقطَعُ الرَّجاءَ : اليَأسُ مِن رَوحِ اللّهِ ، وَالقُنوطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، وَالثِّقَةُ بِغَيرِ اللّهِ ، وَالتَّكذيبُ بِوَعدِ اللّهِ عز و جل . وَالذُّنوبُ الَّتي تُظلِمُ الهَواءَ : السِّحرُ ، وَالكِهانَةُ ، وَالإِيمانُ بِالنُّجومِ ، وَالتَّكذيبُ بِالقَدَرِ ، وعُقوقُ الوالِدَينِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تَكشِفُ الغِطاءَ : الاِستِدانَةُ بغَِيرِ نِيَّةِ الأَداءِ ، وَالإِسرافُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الباطِلِ ، وَالبُخلُ عَلَى الأَهلِ وَالوَلَدِ وذَوِي الأَرحامِ ، وسوءُ الخُلُقِ ، وقِلَّةُ الصَّبرِ ،
.
ص: 201
وَاستِعمالُ الضَّجَرِ وَالكَسَلِ ، وَالاِستِهانَةُ بِأَهلِ الدّينِ . وَالذُّنوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاءَ : سوءُ النِّيَّةِ ، وخُبثُ السَّريرَةِ ، وَالنِّفاقُ مَعَ الإِخوانِ ، وتَركُ التَّصديقِ بِاِلإِجابَةِ ، وتَأخيرُ الصَّلَواتِ المَفروضاتِ حَتّى تَذهَبَ أوقاتُها ، وتَركُ التَّقَرُّبِ إلَى اللّهِ عز و جل بِالبِرِّ وَالصَّدَقَةِ ، وَاستِعمالُ البَذاءِ وَالفُحشِ فِي القَولِ . وَالذُّنوبُ الَّتي تَحبِسُ غَيثَ السَّماءِ : جَورُ الحُكّامِ فِي القَضاءِ ، وشَهادَةُ الزّورِ ، وكِتمانُ الشَّهادَةِ ، ومَنعُ الزَّكاةِ وَالقَرضِ وَالماعونِ ، وقَساوَةُ القُلوبِ عَلى أهلِ الفَقرِ وَالفاقَةِ ، وظُلمُ اليَتيمِ وَالأَرمَلَةِ ، وَانتِهارُ السّائِلِ ورَدُّهُ بِاللَّيلِ . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :ما مِن سَنَةٍ أقَلُّ مَطَرا مِن سَنَةٍ ، ولكِنَّ اللّهَ يَضَعُهُ حَيثُ يَشاءُ ، إنَّ اللّهَ عز و جل إذا عَمِلَ قَومٌ بَالمَعاصي صَرَفَ عَنهُم ما كانَ قَدَّرَ لَهُم مِنَ المَطَرِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :حَياةُ دَوابِّ البَحرِ بِالمَطَرِ ، فَإِذا كُفَّ المَطَرُ ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ ، وذلِكَ إذا كَثُرَتِ الذُّنوبُ وَالمَعاصي . (3)
عنه عليه السلام :إذا فَشا أربَعَةٌ ظَهَرَت أربَعَةٌ : إذا فَشَا الزِّنا ظَهَرَتِ الزَّلزَلَةُ ، وإذا فَشَا الجَورُ فِي الحُكمِ احتُبِسَ القَطرُ ، وإذا خُفِرَتِ الذِّمَّةُ اُديلَ لِأَهلِ الشِّركِ مِن أهلِ الإِسلامِ ، وإذا مُنِعَتِ الزَّكاةُ ظَهَرَتِ الحاجَةُ . (4)
.
ص: 202
الإمام الرضا عليه السلام :إذا كَذَبَ الوُلاةُ حُبِسَ المَطَرُ ، وإذا جارَ السُّلطانُ هانَتِ الدَّولَةُ ، وإذا حُبِسَتِ الزَّكاةُ ماتَتِ المَواشي . (1)
الغيبة عن أبي حمزة :قُلتُ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام : إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ : إلَى السَّبعينَ بَلاءٌ ، وكانَ يَقولُ : «بَعدَ البَلاءِ رَخاءٌ» وقَد مَضَتِ السَّبعونَ ولَم نَرَ رَخاءً . فَقالَ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : يا ثابِتُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى كانَ وَقَّتَ هذَا الأَمرَ فِي السَّبعينَ ، فَلَمّا قُتِلَ الحُسينُ عليه السلام ، اشتَدَّ غَضَبُ اللّهِ عَلى أهلِ الأَرضِ ، فَأَخَّرَهُ إلى أربَعينَ ومِئَةِ سَنَةٍ ، فَحَدَّثناكُم فَأَذَعتُمُ الحَديثَ ، وكَشَفتُم قِناعَ السِّرِّ ، فَأَخَّرَهُ اللّهُ ولَم يَجعَل لَهُ بَعدَ ذلِكَ عِندَنا وَقتا و «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (2) . (3)
الغيبة عن أبي بصير :قُلتُ لَهُ : ألِهذَا الأَمرِ أمَدٌ نُريحُ إلَيهِ أبدانَنا ، ونَنتَهي إلَيهِ ؟ قالَ : بَلى ، ولكِنَّكُم أذَعتُم فَزادَ اللّهُ فيهِ . (4)
5 / 8مَوارِدُ البَداءِ فِي القُرآنِأ _ البَداءُ في عَذابِ قَومِ يونُسَالكتاب«فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَ_نُهَا إِلَا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى
.
ص: 203
الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ مَتَّعْنَ_هُمْ إِلَى حِينٍ» . (1)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ يونُسَ لَمّا آذاهُ قَومُهُ دَعَا اللّهَ عَلَيهِم ، فَأَصبَحوا أوَّلَ يَومٍ ووُجوهُهُم مُصفَرَّةٌ (2) وأصبَحُوا اليَومَ الثّانِيَ ووُجوهُهُم سودٌ قالَ : وكانَ اللّهُ واعَدَهُم أن يَأتِيَهُمُ العَذابُ ، فَأَتاهُمُ العَذابُ حَتّى نالوهُ بِرِماحِهِم ؛ فَفَرَّقوا بَينَ النِّساءِ وأولادِهِنَّ ، وَالبَقَرِ وأولادِها ، ولَبِسُوا المُسوحَ وَالصّوفَ ، ووَضَعُوا الحِبالَ في أعناقِهِم ، وَالرَّمادَ عَلى رُؤوسِهِم ، وضَجُّوا ضَجَّةً واحِدَةً إلى رَبِّهِم ؛ وقالوا : آمَنّا بِإِلهِ يونُسَ ؛ قالَ : فَصَرَفَ اللّهُ عَنهُمُ العَذابَ . (3)
تفسير العيّاشي عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا أظَلَّ قَومَ يونُسَ العَذابُ ، دَعَوُا اللّهَ فَصَرَفَهُ عَنهُم ، قُلتُ : كَيفَ ذلِكَ ؟ قالَ : كانَ فِي العِلمِ أنَّهُ يَصرِفُهُ عَنهُم . (4)
علل الشرايع عن أبي بصير :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : لِأَيِّ عِلَّةٍ صَرَفَ اللّهُ عز و جل العَذابَ عَن قَومِ يونُسَ وقَد أظَلَّهُم ، ولَم يَفعَل كَذلِكَ بِغَيرِهِم مِنَ الاُمَمِ ؟ فَقالَ : لِأَنَّهُ كانَ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أنَّهُ سَيَصرِفُهُ عَنهُم ، لِتَوبَتِهِم وإنَّما تَرَكَ إخبارَ يونُسَ بِذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عز و جل أرادَ أن يُفَرِّغَهُ لِعِبادَتِهِ في بَطنِ الحوتِ ، فَيَستَوجِبَ بِذلِكَ ثَوابَهُ وكَرامَتَهُ . (5)
علل الشرايع عن سماعة :أنَّهُ سَمِعَهُ عليه السلام وهُوَ يَقولُ : ما رَدَّ اللّهُ العَذابَ عَن قَومٍ قَد أظَلَّهُم إلّا قَومَ يونُسَ ، فَقُلتُ : أكانَ قَد أظَلَّهُم ؟ فَقالَ : نَعَم ، حَتّى نالوهُ بِأَكُفِّهِم ، قُلتُ : فَكَيفَ
.
ص: 204
كانَ ذلِكَ ؟ قالَ : كانَ فِي العِلمِ المُثبَتِ عِندَ اللّهِ عز و جل الَّذي لَم يَطَّلِع عَلَيهِ أحَدٌ أنَّهُ سَيَصرِفُهُ عَنهُم . (1)
ب _ البَداءُ في مُواعَدَةِ موسىالكتاب«وَوَ عَدْنَا مُوسَى ثَلَ_ثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَ_هَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَ_تُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلِةً وَقَالَ مُوسَى لأَِخِيهِ هَ_رُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ» . (2)
«وَ إِذْ وَ عَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَ أَنتُمْ ظَ__لِمُونَ» . (3)
الحديثالإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ إِذْ وَ عَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» _: كانَ فِي العِلمِ وَالتَّقديرِ ثَلاثينَ لَيلَةً ، ثُمَّ بَدا للّهِِ فَزادَ عَشرا ، فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ لِلأَوَّلِ وَالآخِرِ أربَعينَ لَيلَةً . (4)
ج _ البَداءُ في دُخولِ الأَرضِ المُقَدَّسَةِالكتاب«يَ_قَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَ_سِرِينَ» . (5)
.
ص: 205
الحديثالإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام_ في قَولِهِ تَعالى : «يَ_قَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» _: كَتَبَها لَهُم ثُمَّ مَحاها . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِ اللّهِ : «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» _: كَتَبَها لَهُم ثُمَّ مَحاها ، ثُمَّ كَتَبَها لِأَبنائِهِم فَدَخَلوها ، وَاللّهُ يَمحو ما يَشاءُ ويُثبِتُ وعِندَهُ اُمُّ الكِتابِ . (2)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» _: كانَ في عِلمِهِ أنَّهُم سَيَعصونَ ويَتيهونَ أربَعينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَدخُلونَها بَعدَ تَحريمِهِ إيّاها عَلَيهِم . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ بَني إسرائيلَ قالَ لَهُم : «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ» فَلَم يَدخُلوها ، حَتّى حَرَّمَها عَلَيهِم وعَلى أبنائِهِم ، وإنَّما دَخَلَها أبناءُ الأَبناءِ . (4)
د _ البَداءُ في ذَبحِ إسماعيلَالكتاب«فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَ_بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَ_أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّ_بِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَ نَ_دَيْنَ_هُ أَن يَ_إِبْرَ هِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا إِنَّا كَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَ_ذَا لَهُوَ الْبَلَ_ؤُاْ الْمُبِينُ *
.
ص: 206
وَ فَدَيْنَ_هُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» . (1)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :ما بَدا للّهِِ بَداءٌ كَما بَدا لَهُ في إسماعيلَ أبي ؛ إذا أمَرَ أباهُ إبراهيمَ بِذَبحِهِ ، ثُمَّ فَداهُ بِذِبحٍ (2) عَظيمٍ . (3)
ه _ في مَوارِدَ اُخرىالإمام عليّ عليه السلام _ فيما نُسِبَ إلَيهِ في بَيانِ أصنافِ آياتِ القُرآنِ وأنواعِها _ :وأمّا مَن أنكَرَ البَداءَ ، فَقَد قالَ اللّهُ في كِتابِهِ : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» (4) وذلِكَ أنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أراد أن يُهلِكَ الأَرضَ في ذلِكَ الوَقتِ ، ثُمَّ تَدارَكَهُم بِرَحمَتِهِ فَبَدا لَهُ في هَلاكِهِم وأنزَلَ عَلى رَسولِهِ «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» (5) . ومِثلُهُ قَولُهُ تَعالى : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» (6) ثُمَّ بَدا لَهُ «وَمَا لَهُمْ أَلَا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» (7) . وكَقَولِهِ : «إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَ_بِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ» (8) ثُمَّ بَدا لَهُ تَعالى ، فَقالَ : «الْ_ئ_نَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ
.
ص: 207
أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّ_بِرِينَ» (1) . وهكَذا يَجرِي الأَمرُ ما فِي النّاسِخِ وَالمَنسوخِ ، وهُوَ يَدُلُّ عَلى تَصحيحِ البَداءِ . وقَولُهُ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (2) فَهَل يَمحو إلّا ما كانَ ، وهَل يُثبِتُ إلّا ما لَم يَكُن ، ومِثلُ هذا كَثيرٌ في كِتابِ اللّهِ عز و جل . (3)
تفسير العيّاشي عن محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ «مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا» (4) _: النّاسِخُ ما حُوِّلَ ، وما يُنسيها : مِثلُ الغَيبِ الَّذي لَم يَكُن بَعدُ ، كَقَولِهِ «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . قالَ : فَيَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ ، ويُحَوِّلُ ما يَشاءُ ، مِثلُ قَومِ يونُسَ إذا بَدا لَهُ فَرَحِمَهُم ، ومِثلُ قَولِهِ «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» قالَ أدرَكَتهُم رَحمَتُهُ . (5)
5 / 9اِحتِجاجاتٌ فِي البَداءِالإمام العسكريّ عليه السلام :جاءَ قَومٌ مِنَ اليَهودِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالوا : يا مُحَمَّدُ ، هذِهِ القِبلَةُ بَيتُ المَقدِسِ قَد صَلَّيتَ إلَيها أربَعَ عَشرَةَ سَنَةً ثُمَّ تَرَكتَهَا الآنَ ، أفَحَقّا كانَ ما كُنتَ عَلَيهِ فَقَد تَرَكتَهُ إلى باطِلٍ ، فَإِنَّما يُخالِفُ الحَقَّ الباطِلُ ، أو باطِلاً كانَ ذلِكَ فَقَد كُنتَ
.
ص: 208
عَلَيهِ طولَ هذِهِ المُدَّةِ ؟ فَما يُؤمِنُنا أن تَكونَ الآنَ عَلى باطِلٍ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : بَل ذلِكَ كانَ حَقّا وهذا حَقٌّ ، يَقولُ اللّهُ : «قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِى مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ» (1) إذا عَرَفَ صَلاحَكُم يا أيُّهَا العِبادُ فِي استِقبالِ المَشرِقِ أمَرَكُم بِهِ ، وإذا عَرَفَ صَلاحَكُم فِي استِقبالِ المَغرِبِ أمَرَكُم بِهِ ، وإن عَرَفَ صَلاحَكُم في غَيرِهِما أمَرَكُم بِهِ ، فَلا تُنكِروا تَدبيرَ اللّهِ تَعالى في عِبادِهِ ، وقَصدَهُ إلى مَصالِحِكُم . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : لَقَد تَرَكتُمُ العَمَلَ يَومَ السَّبتِ ثُمَّ عَمِلتُم بَعدَهُ سائِرَ الأَيّامِ ، ثُمَّ تَرَكتُموهُ فِي السَّبتِ ثُمَّ عَمِلتُم بَعدَهُ ، أفَتَرَكتُمُ الحَقَّ إلى باطِلٍ أوِ الباطِلَ إلى حَقٍّ ؟ أوِ الباطِلَ إلى باطِلٍ أوِ الحَقَّ إلى حَقٍّ ؟ قولوا كَيفَ شِئتُم فَهُوَ قَولُ مُحَمَّدٍ وجَوابُهُ لَكُم . قالوا : بَل تَركُ العَمَلِ فِي السَّبتِ حَقٌّ وَالعَمَلُ بَعدَهُ حَقٌّ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَكَذلِكَ قِبلَةُ بَيتِ المَقدِسِ في وَقتِهِ حَقٌّ ، ثُمَّ قِبلَةُ الكَعبَةِ في وَقتِهِ حَقٌّ . فَقالوا لَهُ : يا مُحَمَّدُ ، أفَبَدا لِرَبِّكَ فيما كانَ أمَرَكَ بِهِ بِزَعمِكَ مِنَ الصَّلاةِ إلى بَيتِ المَقدِسِ حَتّى نَقَلَكَ إلَى الكَعبَةِ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما بَدا لَهُ عَن ذلِكَ ، فَإِنَّهُ العالِمُ بِالعَواقِبِ وَالقادِرُ عَلَى المَصالِحِ ، لا يَستَدرِكُ عَلى نَفسِهِ غَلَطا ، ولا يَستَحدِثُ رَأياً بِخِلافِ المُتَقَدِّمِ جَلَّ عَن ذلِكَ ، ولا يَقَعُ عَلَيهِ أيضا مانِعٌ يَمنَعُهُ مِن مُرادِهِ ، ولَيسَ يَبدو إلّا لِمَن كانَ هذا وَصفَهُ ، وهُوَ عز و جل يَتَعالى عَن هذِهِ الصِّفاتِ عُلُوّا كَبيرا . ثُمَّ قالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أيُّهَا اليَهودُ ، أخبِروني عَنِ اللّهِ ألَيسَ يُمرِضُ ثُمَّ يُصِحُّ ، ويُصِحُّ ثُمَّ يُمرِضُ ، أبَدا لَهُ في ذلِكَ ، ألَيسَ يُحيي ويُميتُ ؟ [ألَيسَ يَأتي بِاللَّيلِ في أثَرِ
.
ص: 209
النَّهارِ ، وَالنَّهارِ في أثَرِ اللَّيلِ] أبَدا لَهُ في كُلِّ واحِدٍ مِن ذلِكَ ؟ قالوا : لا ، قالَ : فَكَذلِكَ اللّهُ تَعَبَّدَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدا بِالصَّلاةِ إلَى الكَعبَةِ بَعدَ أن كانَ تَعَبَّدَهُ بِالصَّلاةِ الى بَيتِ المَقدِسِ ، وما بَدا لَهُ فِي الأَوَّلِ . ثُمَّ قالَ : ألَيسَ اللّهُ يَأتي بِالشِّتاءِ في أثَرِ الصَّيفِ ، وَالصَّيفِ في أثَرِ الشِّتاءِ ؟ أبَدا لَهُ في كُلِّ واحِدٍ مِن ذلِكَ ؟ قالوا : لا ، قالَ : فَكَذلِكَ لَم يَبدُ لَهُ فِي القِبلَةِ . قالَ : ثُمَّ قالَ : ألَيسَ قَد ألزَمَكُم فِي الشِّتاءِ أن تَحتَرِزوا مِنَ البَردِ بِالثِّيابِ الغَليظَةِ ، وألزَمَكُم فِي الصَّيفِ أن تَحتَرِزوا مِنَ الحَرِّ ، أفَبَدا لَهُ فِي الصَّيفِ حَتّى أمَرَكُم بِخِلافِ ما كانَ أمَرَكُم بِهِ فِي الشِّتاءِ ؟ قالوا : لا ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَكَذلِكُمُ اللّهُ تَعَبَّدَكُم في وَقتٍ لِصَلاحٍ يَعلَمُهُ بِشَيءٍ ، ثُمَّ تَعَبَّدَكُم في وَقتٍ آخَرَ لِصَلاحٍ آخَرَ يَعلَمُهُ بِشَيءٍ آخَرَ ، فَإِذا أطَعتُمُ اللّهَ فِي الحالَينِ استَحقَقتُم ثَوابَهُ ، وأنزَلَ اللّهُ تَعالى «وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ» (1) أي إذا تَوَجَّهتُم بِأَمرِهِ ، فَثَمَّ الوَجهُ الَّذي تَقصِدونَ مِنهُ اللّهَ ، وتَأمَلونَ ثَوابَهُ . (2)
التوحيد عن الحسن بن محمّد النّوفلي :قَدِمَ سُلَيمانُ المَروَزِيُّ مُتَكَلِّمُ خُراسانَ عَلَى المَأمونِ ، فَأَكرَمَهُ ووَصَلَهُ ثُمَّ قالَ لَهُ : إنَّ ابنَ عَمّي عَلِيَّ بنَ موسى قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الحِجازِ وهُوَ يُحِبُّ الكَلامَ وأصحابُهُ ، فَلا عَلَيكَ أن تَصيرَ إلَينا يَومَ التَّروِيَةِ لِمُناظَرَتِهِ . فَقالَ سُلَيمانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي أكرَهُ أن أسأَلَ مِثلَهُ في مَجلِسِكَ في جَماعَةٍ مِن بَني هاشِمٍ ، فَيَنتَقِصَ عِندَ القَومِ إذا كَلَّمَني ، ولا يَجوزُ الاِستِقصاءُ عَلَيهِ .
.
ص: 210
قالَ المَأمونُ : إنَّما وَجَّهتُ إلَيكَ لِمَعرِفَتي بِقُوَّتِكَ ، ولَيسَ مُرادي إلّا أن تَقطَعَهُ عَن حُجَّةٍ واحِدَةٍ فَقَط . فَقالَ سُلَيمانُ : حَسبُكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، اجمَع بَيني وبَينَهُ وخَلِّني وإيّاهُ وألزِم . فَوَجَّهَ المَأمونُ إلَى الرِّضا عليه السلام فَقالَ : إنَّهُ قَدِمَ عَلَينا رَجُلٌ مِن أهلِ مَروَ ، وهُوَ واحِدُ خُراسانَ مِن أصحابِ الكَلامِ ، فَإِن خَفَّ عَلَيكَ أن تَتَجَشَّمَ المَصيرَ إلَينا فَعَلتَ . فَنَهَضَ عليه السلام لِلوُضوءِ وقالَ لَنا : تَقَدَّموني _ وعِمرانُ الصّابِئُ مَعَنا _ فَصِرنا إلَى البابِ ، فَأَخَذَ ياسِرٌ وخالِدٌ بِيَدي فَأَدخَلاني عَلَى المَأمونِ ، فَلَمّا سَلَّمتُ ، قالَ : أينَ أخي أبُو الحَسَنِ أبقاهُ اللّهُ ؟ قُلتُ : خَلَّفتُهُ يَلبَسُ ثِيابَهُ وأمَرَنا أن نَتَقَدَّمَ ، ثُمَّ قُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ عِمرانَ مَولاكَ مَعي وهُوَ بِالبابِ ، فَقالَ : مَن عِمرانُ ؟ قُلتُ : الصّابِئُ الَّذي أسلَمَ عَلى يَدَيكَ ، قالَ : فَليَدخُل ، فَدَخَلَ فَرَحَّبَ بِهِ المَأمونُ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا عِمرانُ ، لَم تَمُت حَتّى صِرتَ مِن بَني هاشِمٍ ؟ قالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي شَرَّفَني بِكُم يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ لَهُ المَأمونُ : يا عِمرانُ ، هذا سُلَيمانُ المَروَزِيُّ مُتَكَلِّمُ خُراسانَ ، قالَ عِمرانُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ . إنَّهُ يَزعُمُ أنَّهُ واحِدُ خُراسانَ فِي النَّظَرِ ويُنكِرُ البَداءَ ، قالَ : فَلِمَ لا تُناظِرُهُ ؟ قالَ عِمرانُ : ذلِكَ إلَيهِ ، فَدَخَلَ الرِّضا عليه السلام فَقالَ : في أيِّ شَيءٍ كُنتُم ؟ قالَ عِمرانُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، هذا سُلَيمانُ المَروَزِيُّ ، فَقالَ سُلَيمانُ : أتَرضى بِأَبِي الحَسَنِ وبِقَولِهِ فيهِ ؟ قالَ عِمرانُ : قَد رَضيتُ بِقَولِ أبِي الحَسَنِ فِي البَداءِ ، عَلى أن يَأتِيَني فيهِ بِحُجَّةٍ أحتَجُّ بِها عَلى نُظَرائي مِن أهلِ النَّظَرِ . قالَ المَأمونُ : يا أبَا الحَسَنِ ما تَقولُ فيما تَشاجَرا فيهِ ؟ قالَ : وما أنكَرتَ مِنَ البَداءِ يا سُلَيمانُ ، وَاللّهُ عز و جل يَقولُ : «أَوَ لَا يَذْكُرُ الْاءِنسَ_نُ أَنَّا خَلَقْنَ_هُ مِن قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ
.
ص: 211
شَيْ_ئا» (1) ويَقولُ عز و جل : «وَ هُوَ الَّذِى يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ» (2) ويَقولُ : «بَدِيعُ السَّمَ_وَ تِ وَ الْأَرْضِ» (3) ويَقولُ عز و جل : «يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ» (4) ويَقولُ : «وَ بَدَأَ خَلْقَ الْاءِنسَ_نِ مِن طِينٍ» (5) ويَقولُ عز و جل : «وَ ءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ» (6) ويَقولُ عز و جل : «مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَا فِى كِتَ_بٍ» (7) . قالَ سُلَيمانُ : هَل رَوَيتَ فيهِ شَيئا عَن آبائِكَ ؟ قالَ : نَعَم ، رَوَيتُ عَن أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام أنَّهُ قالَ : إنّ للّهِِ عز و جل عِلمَينِ : عِلما مَخزونا مَكنونا لا يَعلَمُهُ إلّا هُوَ ، مِن ذلِكَ يَكونُ البَداءُ ، وعِلما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَالعُلَماءُ مِن أهلِ بَيتِ نَبِيِّهِ يَعلَمونَهُ . قالَ سُلَيمانُ : اُحِبُّ أن تَنزِعَهُ لي مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل ، قالَ عليه السلام : قَولُ اللّهِ عز و جل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ» (8) أرادَ هَلاكَهُم ثُمَّ بَدا للّهِِ فَقالَ : «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» . (9) قالَ سُلَيمانُ : زِدني جُعِلتُ فِداكَ ، قالَ الرِّضا عليه السلام : لَقَد أخبَرَني أبي عَن آبائِهِ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إنَّ اللّهَ عز و جل أوحى إلى نَبِيٍّ مِن أنبِيائِهِ أن أخبِر فُلانَ المَلِكَ أنّي مُتَوَفّيهِ إلى كَذا وكَذا ، فَأَتاهُ ذلِكَ النَّبِيُّ فَأَخبَرَهُ ، فَدَعَا اللّهُ المَلِكَ وهُوَ عَلى سَريرِهِ حَتّى سَقَطَ مِنَ السَّريرِ ، فَقالَ : يا رَبِّ ، أجِّلني حَتّى يَشِبَّ طِفلي وأقضِيَ أمري ،
.
ص: 212
فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلى ذلِكَ النَّبِيِّ أنِ ائتِ فُلانَ المَلِكَ فَأَعلِمهُ أنّي قَد أنسَيتُ في أجَلِهِ ، وزِدتُ في عُمُرِهِ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَقالَ ذلِكَ النَّبِيُّ : يا رَبِّ ، إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي لَم أكذِب قَطُّ ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : إنَّما أنتَ عَبدٌ مَأمورٌ فَأَبلِغهُ ذلِكَ ، وَاللّهُ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ . ثُمَّ التَفَتَ إلى سُلَيمانَ فَقالَ : أحسَبُكَ ضاهَيتَ اليَهودَ في هذَا البابِ ، قالَ : أعوذُ بِاللّهِ مِن ذلِكَ ، وما قالَتِ اليَهودُ ؟ قالَ : قالَت : «يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» يَعنونَ أنَّ اللّهَ قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ ، فَلَيسَ يُحدِثُ شَيئا ، فَقالَ اللّهُ عز و جل : «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ» (1) ، ولَقَد سَمِعتُ قَوما سَأَلوا أبي موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام عَنِ البَداءِ فَقالَ : وما يُنكِرُ النّاسُ مِنَ البَداءِ وأن يَقِفَ اللّهُ قَوما يُرجيهِم لِأَمرِهِ ؟ قالَ سُلَيمانُ : ألا تُخبِرُني عَن «إِنَّ_ا أَنزَلْنَ_هُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (2) ، في أيِّ شَيءٍ اُنزِلَت ؟ قالَ الرِّضا عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللّهُ عز و جل فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ ، مِن حَياةٍ أو مَوتٍ أو خَيرٍ أو شَرٍّ أو رِزقٍ ، فَما قَدَّرَهُ مِن تِلكَ اللَّيلَةِ فَهُوَ مِنَ المَحتومِ . قالَ سُلَيمانُ : الآنَ قَد فَهِمتُ جُعِلتُ فِداكَ ، فَزِدني ، قالَ عليه السلام : يا سُلَيمانُ ، إنَّ مِنَ الاُمورِ اُمورا مَوقوفَةً عِندَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ يا سُلَيمانُ إنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَقولُ : العِلمُ عِلمانِ : فَعِلمٌ عَلَّمَهُ اللّهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ ، فَما عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ ورُسُلَهُ فَإِنَّهُ يَكونُ ولا يُكَذِّبُ نَفسَهُ ، ولا مَلائِكَتَهُ ، ولا رُسُلَهُ ، وعِلمٌ عِندَهُ مَخزونٌ لَم يُطلِع عَلَيهِ أحَدا مِن خَلقِهِ (3) ، يُقَدِّمُ مِنهُ ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ مِنهُ ما
.
ص: 213
يَشاءُ ، ويَمحو ما يَشاءُ ، ويُثبِتُ ما يَشاءُ . قالَ سُلَيمانُ لِلمَأمونِ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، لا اُنكِرُ بَعدَ يَومي هذَا البَداءَ ، ولا اُكَذِّبُ بِهِ إن شاءَ اللّهُ . (1)
.
ص: 214
. .
ص: 215
الفصل السّادِسُ : دور القضاء والقدر في الخلقة6 / 1خِلقَةُ العالَمِ وَالتَّقديرُالكتاب«إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (1)
«وَ كُلُّ شَىْ ءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ» . (2)
«وَ خَلَقَ كُلَّ شَىْ ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا» . (3)
«وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا» . (4)
«إِنَّ اللَّهَ بَ__لِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْ ءٍ قَدْرًا» . (5)
«وَ إِن مِّن شَىْ ءٍ إِلَا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلَا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ» . (6)
.
ص: 216
«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى * وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى» . (1)
«وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الاُمورُ كُلُّها خَيرُها وشَرُّها مِنَ اللّهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :قَدَّرَ اللّهُ المَقاديرَ قَبلَ أن يَخلُقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل قَدَّرَ المَقاديرَ ودَبَّرَ التَّدابيرَ قَبلَ أن يَخلُقَ آدَمَ بِأَلفَي عامٍ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَحميدِ اللّهِ سُبحانَهُ _: أحمَدُهُ إلى نَفسِهِ كَمَا استَحمَدَ إلى خَلقِهِ ، وجَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرا ، ولِكُلِّ قَدرٍ أجَلاً ، ولِكُلِّ أجَلٍ كِتابا . (6)
عنه عليه السلام :بِتَقديرِ أقسامِ اللّهِ لِلعِبادِ قامَ وَزنُ العالَمِ ، وتَمَّت هذِهَ الدُّنيا لِأَهلِها . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: مَقاديرُ الاُمورِ كُلُّها إلَيكَ لا يَقضي فيها غَيرُكَ ، ولا يَتِمُّ مِنها شَيءٌ دونَكَ . (8)
.
ص: 217
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ ، بِيَدِكَ مَقاديرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ المَوتِ وَالحَياةِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ الخِذلانِ وَالنَّصرِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ الغِنى وَالفَقرِ ، وبِيَدِكَ مَقاديرُ الخَيرِ وَالشَّرِّ . (1)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: تَقَوَّيتَ في سُلطانِكَ ، وغَلَبَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَضاؤُكَ ، ومَلَكَ كُلَّ شَيءٍ أمرُكَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ الاُمورَ كُلَّها بِيَدِ اللّهِ عز و جل ، يُمضيها ويُقَدِّرُها بِقُدرَتِهِ فيها . (3)
6 / 2خِلقَةُ الإِنسانِ وَالتَّقديرُالكتاب«وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَ لَا تَضَعُ إِلَا بِعِلْمِهِ وَ مَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَا فِى كِتَ_بٍ» . (4)
«قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا» . (5)
الحديثالإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام_ في قَولِهِ : «وَ كُلَّ إِنسَ_نٍ أَلْزَمْنَ_هُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ» (6) _: قَدَرَهُ الَّذي قُدِّرَ عَلَيهِ . (7)
.
ص: 218
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كُلُّ شَيءٍ بِقَدَرٍ ، حَتَّى العَجزِ وَالكَيسِ (1) _ أوِ الكَيسِ وَالعَجزِ _ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :خَلَقَ اللّهُ كُلَّ نَفسٍ وكَتَبَ حَياتَها ورِزقَها ومَصائِبَها . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :خَلَقَ اللّهُ الخَلقَ فَكَتَبَ آجالَهُم وأعمالَهُم وأرزاقَهُم . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ فِي الشّاةِ المَسمومَةِ الَّتي أكَلَ مِنها _: ما أصابَني شَيءٌ مِنها إلّا وهُوَ مَكتوبٌ عَلَيَّ وآدَمُ في طينَتِهِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يَدخُلُ المَلَكُ عَلَى النُّطفَةِ بَعدَما تَستَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَربَعينَ أو خَمسٍ وأربَعينَ لَيلَةً ، فَيَقولُ : يا رَبِّ أشَقِيٌّ أو سَعيدٌ فَيُكتَبانِ ، فَيَقولُ : أي رَبِّ أذَكَرٌ أو اُنثى ؟ فَيُكتَبانِ ، ويُكتَبُ عَمَلُهُ وأثَرُهُ ، وأجَلُهُ ورِزقُهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ أن يَخلُقَ نَسَمَةً (7) ، قالَ مَلَكُ الأَرحامِ مُعرِضا : يا رَبِّ ، أذَكَرٌ أم اُنثى ؟ فَيَقضِي اللّهُ أمرَهُ . ثُمَّ يَقولُ : يا رَبِّ أشَقِيٌّ أم سَعيدٌ ؟ فَيَقضِي اللّهُ أمرَهُ .
.
ص: 219
ثُمَّ يَكتُبُ بَينَ عَينَيهِ ما هُوَ لاقٍ حَتّى النَّكبَةَ (1) يُنكَبُها . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ ، ومَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وتَصديقِ الرُّسُلِ ، وبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وكَفَرَ ، وبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :قُسِّمَت اُمورُ النّاسِ إلى خَمسَةٍ وعِشرينَ قِسما : خَمسَةٌ بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ ، وخَمسَةٌ بِالاِجتِهادِ ، وخَمسَةٌ بِالعادَةِ ، وخَمسَةٌ بِالجَوهَرِ ، وخَمسَةٌ بِالوِراثَةِ . فَأَمَّا الَّتي بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ : فَالعُمُرُ وَالرِّزقُ وَالأَجَلُ وَالوَلَدُ وَالسُّلطانُ . وأمَّا الَّتي بِالاِجتِهادِ : فَالعِلمُ وَالكِتابَةُ وَالفُروسِيَّةُ وَالجَنَّةُ وَالنّارُ . وأمَّا الَّتي بِالعادَةِ : فَالأَكلُ وَالنَّومُ وَالمَشيُ وَالنِّكاحُ وَالتَّغَوُّطُ . وأمَّا الَّتي بِالجَوهَرِ : فَالمُروءَةُ وَالأَمانَةُ وَالسَّخاءُ وَالصِّدقُ وَالتَّواصُلُ . وأمَّا الَّتي بِالوِراثَةِ : فَالشِّكلُ وَالجِسمُ وَالهَيئَةُ وَالذِّهنُ وَالخُلُقُ . (4)
الكافي عن الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا عليه السلام :قال أبو جعفر عليه السلام : ... إذا كَمَلَ أربَعَةُ أشهُرٍ بَعَثَ اللّهُ مَلَكَينِ خَلّاقَينِ ، فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما تَخلُقُ ، ذَكَرا أو اُنثى ؟ فَيُؤمَرانِ .
.
ص: 220
فَيَقولانِ : يا رَبِّ شَقِيّا أو سَعيدا ؟ فَيُؤمَرانِ . فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما أجَلُهُ وما رِزقُهُ ؟ وكُلُّ شَيءٍ مِن حالِهِ وعَدَّدَ مِن ذلِكَ أشياءَ ، ويَكتُبانِ الميثاقَ (1) بَينَ عَينَيهِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا أرادَ أن يَخلُقَ النُّطفَةَ الَّتي مِمّا أخَذَ عَلَيهَا الميثاقَ في صُلبِ آدَمَ أو ما يَبدو لَهُ فيهِ ويَجعَلَها فِي الرَّحِمِ ، حَرَّكَ الرَّجُلَ لِلجِماعِ ... ثُمَّ يوحِي اللّهُ إلَى المَلَكَينِ : اُكتُبا عَلَيهِ قَضائي وقَدَري ونافِذَ أمري ، وَاشتَرِطا لِيَ البَداءَ فيما تَكتُبانِ . فَيَقولانِ : يا رَبِّ ما نَكتُبُ ؟ فَيوحِي اللّهُ إلَيهِما أنِ ارفَعا رُؤوسَكُما إلى رَأسِ اُمِّهِ ، فَيَرفَعانِ رُؤوسَهُما فَإِذَا اللَّوحُ (3) يَقرَعُ جَبهَةَ اُمِّهِ ، فَيَنظُرانِ فيهِ فَيَجِدانِ فِي اللَّوحِ صورَتَهُ وزينَتَهُ وأجَلَهُ وميثاقَهُ شَقيّا أو سَعيدا وجَميعَ شَأنِهِ . قالَ : فَيُملي أحَدُهُما عَلى صاحِبِهِ ، فَيَكتُبانِ جَميعَ ما فِي اللَّوحِ ، ويَشتَرِطانِ البَداءَ فيما يَكتُبانِ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام :ثَمانِيَةُ أشياءَ لا تَكونُ إلّا بِقَضاءِ اللّهِ وقَدَرِهِ : النَّومُ ، وَاليَقَظَةُ ، وَالقُوَّةُ ، وَالضَّعفُ ، وَالصِّحَّةُ ، وَالمَرَضُ ، وَالمَوتُ ، وَالحَياةُ . (5)
راجع : ص 127 (كلام فيما يظهر منه نفي القضاء الموقوف) .
.
ص: 221
6 / 3مَوقِعُ القَضاءِ وَالقَدَرِ فِي الخِلقَةِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ شَيئا قَدَّرَهُ ، فَإِذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، فَإِذا قَضاهُ أمضاهُ . (1)
عنه عليه السلام :لا يَكونُ شَيءٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ إلّا بِهذِهِ الخِصالِ السَّبعِ : بِمَشيئَةٍ ، وإرادَةٍ ، وقَدَرٍ ، وقَضاءٍ ، وإذنٍ ، وكِتابٍ ، وأجَلٍ ، فَمَن زَعَمَ أنَّهُ يَقدِرُ عَلى نَقضِ واحِدَةٍ مِنهُنَّ فَقَد كَفَرَ . (2)
الإمام الكاظم عليه السلام :لا يَكونُ شَيءٌ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرضِ إلّا بِسَبعٍ : بِقَضاءٍ ، وقَدَرٍ ، وإرادَةٍ ، ومَشيئَةٍ ، وكِتابٍ ، وأجَلٍ ، وإذنٍ ، فَمَن زَعَمَ غَيرَ هذا فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، أو رَدَّ عَلَى اللّهِ عز و جل . (3)
الكافي عن معلّى بن محمّد :سُئِلَ العالِمُ عليه السلام : كَيفَ عِلمُ اللّهِ ؟ قالَ : عَلِمَ ، وشاءَ ، وأرادَ ، وقَدَّرَ ، وقَضى وأمضى ، فَأَمضى ما قَضى ، وقَضى ما قَدَّرَ ، وقَدَّرَ ما أرادَ ، فَبِعِلمِهِ كانَتِ المَشيئَةُ ، وبِمَشيئَتِهِ كانَتِ الإِرادَةُ ، وبِإِرادَتِهِ كانَ التَّقديرُ ، وبِتَقديرِهِ كانَ القَضاءُ ، وبِقَضائِهِ كانَ الإِمضاءُ ، وَالعِلمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى المَشيئَةِ ، وَالمَشيئَةُ ثانِيَةٌ ، وَالإِرادَةُ ثالِثَةٌ ، وَالتَّقديرُ واقِعٌ عَلَى القَضاءِ بِالإِمضاءِ . (4)
.
ص: 222
المحاسن عن محمّد بن إسحاق :قالَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام لِيونُسَ مَولى عَلِيِّ بنِ يَقطينٍ : يا يونُسُ لا تَتَكَلَّم بِالقَدَرِ ، قالَ : إنّي لا أتَكَلَّمُ بِالقَدَرِ ، ولكِنّي أقولُ : لا يَكونُ إلّا ما أرادَ اللّهُ وشاءَ وقَضى وقَدَّرَ . فَقالَ : لَيسَ هكَذا أقولُ ، ولكِنّي أقولُ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . ثُمَّ قالَ : أتَدري مَا المَشيئَةُ ؟ فَقالَ : لا ، فَقالَ : هَمُّهُ بِالشَّيءِ . أوَ تَدري ما أرادَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : إتمامُهُ عَلَى المَشيئَةِ . فَقالَ : أوَ تَدري ما قَدَّرَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هُوَ الهَندَسَةُ مِنَ الطّولِ وَالعَرضِ وَالبَقاءِ . ثُمَّ قالَ : إنَّ اللّهَ إذا شاءَ شَيئا أرادَهُ ، وإذا أرادَهُ قَدَّرَهُ ، وإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإذا قَضاهُ أمضاهُ . (1)
المحاسن عن يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :قُلتُ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقضى ؟ فَقالَ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . قُلتُ : فَما مَعنى شاءَ ؟ قالَ : اِبتِداءُ الفِعلِ . قُلتُ : فَما مَعنى أرادَ ؟ قالَ : الثُّبوتُ عَلَيهِ . قُلتُ : فَما مَعنى قَدَّرَ ؟ قالَ : تَقديرُ الشَّيءِ مِن طولِهِ وعَرضِهِ . قُلتُ : فَما مَعنى قَضى ؟ قالَ : إذا قَضاهُ أمضاهُ ، فَذلِكَ الَّذي لا مَرَدَّ لَهُ . (2)
.
ص: 223
تفسير القمّي عن يونس عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :... أقولُ : لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وقضى وقَدَّرَ ، فَقالَ عليه السلام : لَيسَ هكَذا يا يونُسُ ، ولكِن لا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى . أتَدرى مَا المَشيئَةُ يا يونُسُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : هُوَ الذِّكرُ الأَوَّلُ . أتَدري مَا الإِرادَةُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : العَزيمَةُ عَلَى ما شاءَ اللّهُ . وتَدري مَا التَّقديرُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : هُوَ وَضعُ الحُدودِ مِنَ الآجالِ وَالأَرزاقِ وَالبَقاءِ وَالفَناءِ . وتَدري مَا القَضاءُ ؟ قُلتُ : لا ، قالَ : هُوَ إقامَةُ العَينِ ، ولا يَكونُ إلّا ما شاءَ اللّهُ فِي (1) الذِّكرِ الأَوَّلِ . (2)
راجع : ص 93 (معنى القضاء والقدر) .
.
ص: 224
. .
ص: 225
الفصل السّابِعُ : دور القضاء والقدر في المصائب والشّرور7 / 1تَقديرُ الخَيرِ وَالشَّرِّالكتاب« وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَ_ؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا » . (1)
« مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ » . (2)
« مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَيُفتَحُ عَلى اُمَّتي بابٌ مِنَ القَدَرِ في آخِرِ الزَّمانِ لا يَسُدُّهُ شَيءٌ ، يَكفيكُم مِنهُ أن تَلقَوهُ بِهذِهِ الآيَةِ : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ» الآيَةَ . (4)
.
ص: 226
عنه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا سَهمَ لَهُم فِي الإِسلامِ : المُرجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ . قيلَ : ومَا المُرجِئَةُ ؟ قالَ : الَّذينَ يَقولونَ : الإِيمانُ قَولٌ بِلا عَمَلٍ . قيلَ : فَمَا القَدَرِيَّةُ ؟ قالَ : الَّذينَ يَقولونَ : لَم يُقَدَّرِ الشَّرُّ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ تَعالى يَأمُرُ بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ بِغَيرِ مَشيئَةِ اللّهِ فَقَد أخرَجَ اللّهَ مِن سُلطانِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ افتَرَضَ عَلَيكُم فَرائِضَ فَلا تُضَيِّعوها ، وحَدَّ لَكُم حُدودا فَلا تَعتَدوها ، ونَهاكُم عَن أشياءَ فَلا تَنتَهِكوها ، وسَكَتَ عَن أشياءَ مِن غَيرِ نِسيانٍ فَلا تَكَلَّفوها رَحمَةً مِن رَبِّكُم فَاقبَلوها ، الاُمورُ كُلُّها بِيَدِ اللّهِ مِن عِندِ اللّهِ مَصدَرُها ، وإلَيهِ مَرجِعُها ، لَيسَ لِلعِبادِ فيها تَفويضٌ ولا مَشيئَةٌ . (3)
المعجم الكبير عن رافع بن خديج :أَنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يَكونُ قَومٌ مِن اُمَّتي يَكفُرونَ بِاللّهِ وبِالقُرآنِ وهُم لا يَشعُرونَ ، كَما كَفَرَتِ اليَهودُ وَالنَّصارى . قالَ : قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ يا رَسولَ اللّهِ ، وكَيفَ ذاكَ ؟ قالَ : يُقِرّونَ بِبَعضِ القَدَرِ ويَكفُرونَ بِبَعضِهِ ، قالَ : قُلتُ : ثُمَّ ما يَقولونَ ؟ قالَ : يَقولونَ الخَيرُ مِنَ اللّهِ وَالشَّرُّ مِن إبليسَ ، فَيُقرؤونَ (4) عَلى ذلِكَ كِتابَ اللّهِ
.
ص: 227
ويَكفُرونَ بِالقُرآنِ بَعدَ الإِيمانِ وَالمَعرِفَةِ ، فَما يَلقى اُمَّتي مِنهُم مِنَ العَداوَةِ وَالبَغضاءِ وَالجِدالِ ، اُولئِكَ زَنادِقَةُ هذِهِ الاُمَّةِ في زَمانِهِم . (1)
الإمام الحسن عليه السلام :مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ أنَّ اللّهَ يَعلَمُهُ فَقَد كَفَرَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :الخَيرُ وَالشَّرُّ كُلُّهُ مِنَ اللّهِ . (3)
المحاسن عن أبي بصير :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن شَيءٍ مِنَ الاِستِطاعَةِ . فَقالَ : يا أبامُحَمَّدٍ ، الخَيرُ وَالشَّرُّ حُلوُهُ ومُرُّهُ وصَغيرُهُ وكَبيرُهُ مِنَ اللّهِ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ لِسُلَيمانَ المَروَزِيِّ _: يا سُلَيمانُ ، لَيلَةُ القَدرِ يُقَدِّرُ اللّهُ عز و جل فيها ما يَكونُ مِنَ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ ، مِن حَياةٍ أو مَوتٍ أو خَيرٍ أو شَرٍّ أو رِزقٍ . (5)
راجع : العنوان الآتي (خلقة الخير والشرّ) ، وص 330 (وجوب الإيمان بالقدر) ، وص 331 (تحريم التكذيب بالقدر) .
7 / 2خِلقَةُ الخَيرِ وَالشَّرِّالإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَقولُ : أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وهُما خَلقانِ مِن
.
ص: 228
خَلقي . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ مِمّا أوحَى اللّهُ إلى موسى عليه السلام وأنزَلَ عَلَيهِ فِي التَّوراةِ : أنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خَلَقتُ الخَلقَ وخَلَقتُ الخَيرَ وأجرَيتُهُ عَلى يَدَي مَن اُحِبُّ ، فَطوبى لِمَن أجرَيتُهُ عَلى يَدَيهِ . وأنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خَلَقتُ الخَلقَ وخَلَقتُ الشَّرَّ 2 وأجرَيتُهُ عَلى يَدَي مَن اُريدُهُ ، فَوَيلٌ لِمَن أجرَيتُهُ عَلى يَدَيهِ . (2)
عنه عليه السلام :أنتَ اللّهُ (الَّذي) لا إلهَ إلّا أنتَ ، خالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، أنتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنتَ خالِقُ
.
ص: 229
الجَنَّةِ وَالنّارِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ مُناظَرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مَعَ أهلِ الأَديانِ _: ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلَى الثَّنَوِيَّةِ الَّذينَ قالوا : النّورُ وَالظُّلمَةُ هُمَا المُدَبِّرانِ ، فَقالَ : وأنتُم فَمَا الَّذي دَعاكُم إلى ما قُلتُموهُ مِن هذا ؟ فَقالوا : لِأَنّا قَد وَجَدنَا العالَمَ صِنفَينِ : خَيرا وشَرّا ، ووَجَدنَا الخَيرَ ضِدّا لِلشَّرِّ ، فَأَنكَرنا أن يَكونَ فاعِلٌ واحِدٌ يَفعَلُ الشَّيءَ وضِدَّهُ ، بَل لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما فاعِلٌ ، ألا تَرى أنَّ الثَّلجَ مُحالٌ أن يَسخُنَ ، كَما أنَّ النّارَ مُحالٌ أن تَبرُدَ ، فَأَثبَتنا لِذلِكَ صانِعَينِ قَديمَينِ : ظُلمَةً ونورا . فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أفَلَستُم قَد وَجَدتُم سَوادا وبَياضا ، وحُمرَةً وصُفرَةً ، وخُضرَةً وزُرقَةً ؟ وكُلُّ واحِدَةٍ ضِدٌّ لِسائِرِها لِاستِحالَةِ اجتِماعِ اثنَينِ مِنها في مَحَلٍّ واحِدٍ ، كَما كانَ الحَرُّ وَالبَردُ ضِدَّينِ لِاستِحالَةِ اجتِماعِهِما في مَحَلٍّ واحِدٍ ، قالوا : نَعَم . قالَ : فَهَلّا أثبَتُّم بِعَدَدِ كُلِّ لَونٍ صانِعا قَديما لِيَكونَ فاعِلُ كُلِّ ضِدٍّ مِن هذِهِ الأَلوانِ غَيرَ فاعِلِ الضِّدِّ الآخَرِ ، قالَ : فَسَكَتوا . ثُمَّ قالَ : كَيفَ اختَلَطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ ، وهذا مِن طَبعِهِ الصُّعودُ ، وهذِهِ مِن طَبعِهَا النُّزولُ ؟ أرَأَيتُم لَو أنَّ رَجُلاً أخَذَ شَرقا يَمشي إلَيهِ وَالآخَرَ غَربا أكانَ يَجوزُ عِندَكُم أن يَلتَقِيا ما داما سائِرَينِ عَلى وُجوهِهِما ؟ قالوا : لا . قالَ : فَوَجَبَ ألّا يَختَلِطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ لِذَهابِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في غَيرِ جِهَةِ الآخَرِ ، فَكَيفَ حَدَثَ هذَا العالَمُ مِنِ امتِزاجِ ما هُوَ مُحالٌ أن يَمتَزِجَ ؟ بَل هُما مُدَبَّرانِ
.
ص: 230
جَميعا مَخلوقانِ ، فَقالوا : سَنَنظُرُ في اُمورِنا . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إذا أصبَحتَ فَقُل : اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما خَلَقتَ وذَرَأتَ وبَرَأتَ في بِلادِكَ وعِبادِكَ ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ بِجَلالِكَ وجَمالِكَ وحِلمِكَ وكَرَمِكَ كَذا وكَذا . (2)
راجع : ص 225 (تقدير الخير والشر) ، وص 330 (وجوب الايمان بالقدر) ، وص 331 (تحريم التكذيب بالقدر) .
7 / 3خَلْقُ الخَيرِ قَبلَ الشَّرِّرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ عز و جل : يا آدَمُ أنَا اللّهُ الكَريمُ ، خَلَقتُ الخَيرَ قَبلَ الشَّرِّ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل ... خَلَقَ الرَّحمَةَ قَبلَ الغَضَبِ ، وخَلَقَ الخَيرَ قَبلَ الشَّرِّ ، وخَلَقَ الأَرضَ قَبلَ السَّماءِ ، وخَلَقَ الحَياةَ قَبلَ المَوتِ ، وخَلَقَ الشَّمسَ قَبلَ القَمَرِ ، وخَلَقَ النّورَ قَبلَ الظُّلمَةِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَيرَ يَومَ الأَحَدِ ، وما كانَ لِيَخلُقَ الشَّرَّ قَبلَ الخَيرِ . (5)
.
ص: 231
7 / 4الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ وَالشَّرُّ بِخِذلانِهِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ ، ولا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ ، ولكِن قولوا : الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ وَالشَّرُّ بِخِذلانِ اللّهِ ، وكُلٌّ سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ . (1)
7 / 5الخَيرُ مِنَ اللّهِ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيهِالكتاب« مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَ_كَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا » . (2)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ أنتَ المَلِكُ الحَقُّ لا إلهَ إلّا أنتَ ... الخَيرُ في يَدَيكَ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيكَ . (3)
عنه عليه السلام :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالفَحشاءِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ إلَيهِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ . (4)
.
ص: 232
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : . . . فَالعَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ؟ قالَ عليه السلام : العَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ بِهِ أمَرَهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ عَنهُ نَهاهُ . قالَ : ألَيسَ فَعَلَهُ بِالآلَةِ الَّتي رَكَّبَها فيهِ ؟ قالَ عليه السلام : نَعَم ، ولكِن بِالآلَةِ الَّتي عَمِلَ بِهَا الخَيرَ قَدَرَ عَلَى الشَّرِّ الَّذي نَهاهُ عَنهُ . قالَ : فَإِلَى العَبدِ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ؟ قالَ عليه السلام : ما نَهاهُ اللّهُ عَن شَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يُطيقُ تَركَهُ ، ولا أمَرَهُ بِشَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يَستَطيعُ فِعلَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيسَ مِن صِفَتِهِ الجَورُ وَالعَبَثُ وَالظُّلمُ وتَكليفُ العِبادِ ما لا يُطيقونَ . (1)
.
ص: 233
كلام حول دور القضاء والقدر في المصائب والشّرورإنّ الآيات والأحاديث الواردة في هذا الفصل تشير إلى عدد من الملاحظات البالغة الأهميّة في معرفة مبدأ الخير والشرّ في نظام الخلق ، ودور القضاء والقدر في ظهور المصائب والشرور ، وهذه الملاحظات هي كالتالي :
1 . الخير والشرّ مخلوقان ومقدّران من اللّههذا القول يعني أنّ جميع الظواهر _ سواءً الحوادث الطبيعيّة أم غير الطبيعيّة _ تقع في دائرة الخلق والتقدير الإلهيين ، وإذا لم يرد اللّه _ تعالى _ أن تكون الظاهرة خيرا كانت أم شرّا فسوف لا تتحقّق ، وحتّى الأعمال الّتي يقوم بها الإنسان بإرادته واختياره ، فإنّها ليست بمستثناة من هذا القانون العام ، رغم أنّ اللّه _ تعالى _ نهى من الناحية التشريعيّة عن الأعمال القبيحة ، وتشير الآية الكريمة : «قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ» (1) إلى هذا المعنى ، ويسمّى الاعتقاد بهذه الحقيقة التوحيد الأفعالي . على هذا الأساس فقد عُدّ الثنويّون الذين يفرّقون بين خالق الشرور وخالق الخيرات مشركين ، واعتُبر القدرّيون الذين يرون أنّ الشرور خارج نطاق التقدير الإلهي كافرين .
.
ص: 234
2 . خلق الشرّ وتقديره تبعيتشير أحاديث الباب الثاني من الفصل السابع من هذا القسم والدالّة على تقديم خلق الخير على خلق الشرّ ، إلى أنّ الشرّ على الرغم من أنّه ليس له خالق مستقل عن خالق الخير ، والّذي هو الذات الأحديّة المقدّسة ، إلّا أنّ خلق الشرّ وتقديره لا أصالة لهما ، بل إنّهما تبع للخير ، لذلك فقد خلق الشرّ بعد الخير وعلى إثره . بعبارة اُخرى : إنّ هدف الخالق ليس شيئا سوى الخير ، إلّا أنّ خلق الخير في عالم المادّة يستتبع طبعا بعض الشرور ، على سبيل المثال : فإنّ خلق الأرض خيرٌ ، ولكنّ للأرض خصوصيّات معيّنة قد تنتج منها الزلازل أحيانا على هذا ، فالزلازل ظاهرة وآية إلهيّة كما أن الأرض آية إلهية ، إلّا أنّ الهدف الرئيس والأوّل للخالق ، لم يكن خلق الزلزال ، بل إنّ هذه الظاهرة تتحقّق بعد خلق الأرض وتبعا لها (1) . رغم أنّ للزلازل حكم كثيرة من الإبتلاء والامتحان وذكر اللّه وتكامل البشر . كما أنّ خلق الإنسان خير أيضا ، ولكنّه يجب أن يتمتّع بالإرادة والحرّية ، كي يصل إلى الغاية الّتي خلق من أجلها وهي الخلافة الإلهيّة ، والكائن المتمتّع بالإرادة بإمكانه أن يسيء استغلال حرّيته ، ويستبب في الشرّ ويجرّ المجتمع إلى الفساد . (2) والهدف من الخلق لم يكن خلق الشرّ والفساد ، بل وجدت هذه الظاهرة بعد خلق كائن حرّ يدعى الإنسان وتبعا له .
3 . دور الإنسان في ظهور الشرورالملاحظة الثالثة الّتي تستحقّ الاهتمام فيما يتعلّق ببيان الارتباط بين القضاء والقدر ، وبين المصائب والشرور ، هي دور الإنسان في هذا المجال .
.
ص: 235
إنّ التقدير الإلهي فيما يتعلّق بالشرور الّتي تظهر على يد الإنسان نفسه ، هو خذلانه ، وهو إيكاله إلى نفسه ، فقد يستحقّ الإنسان التوفيق أحيانا وقد يستحقّ الخذلان أحيانا اُخرى ، وعندما يستحقّ الخذلان فإنّ اللّه يكله إلى نفسه ، فيقوم بإيجاد الشرّ بإرادته واختياره دون إجبار على ذلك ، على هذا الأساس فإنّ ما يصدر من الإنسان من خير إنّما هو التوفيق الإلهيّ وهو منسوب إلى اللّه ، وما يصدر منه من شرّ فهو منسوب إليه ، ذلك لأنّه قام به بإرادته وخلافا لإرادة اللّه التشريعيّة ، فنحن نقرأ في الدعاء : «الخَيرُ في يَدَيكَ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيكَ» (1) ، وسوف نسلّط أضواء أكثر على هذا الموضوع في الفصل القادم .
.
ص: 236
. .
ص: 237
الفصل الثّامن : دور القضاء والقدر في أفعال الإنسان8 / 1تَقديرُ الأَفعالِالكتاب«وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» . (1)
«وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» . (2)
«وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَ__لَمِينَ» . (3)
الحديثالإمام الصادق عليه السلام :أفعالُ العِبادِ مَخلوقَةٌ خَلقَ تَقديرٍ لا خَلقَ تَكوينٍ ، وَاللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ ، ولا يَقولُ بِالجَبرِ ولا بِالتَّفويضِ . (4)
.
ص: 238
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن حمدان بن سليمان :كَتَبتُ إلَى الرِّضا عليه السلام أسأَلُهُ عَن أفعالِ العِبادِ أمَخلوقَةٌ أم غَيرُ مَخلوقَةٍ ؟ فَكَتَبَ عليه السلام : أفعالُ العِبادِ مُقَدَّرَةٌ في عِلمِ اللّهِ قَبلَ خَلقِ العِبادِ بِأَلفَي عامٍ . (1)
معاني الأخبار عن عبد السلام بن صالح الهروي :سَمِعتُ أبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليهماالسلام يَقولُ : أفعالُ العِبادِ مَخلوقَةٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ وما مَعنى «مَخلوقَةٌ» ؟ قالَ : مُقَدَّرَةٌ . (2)
التوحيد عن الزهري :قالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليهماالسلام : جَعَلَنِيَ اللّهُ فِداكَ ، أبِقَدَرٍ يُصيبُ النّاسَ ما أصابَهُم أم بِعَمَلٍ ؟ فَقالَ عليه السلام : إنَّ القَدَرَ وَالعَمَلَ بِمَنزِلَةِ الرّوحِ وَالجَسَدِ ، فَالرّوحُ بِغَيرِ جَسَدٍ لا تَحِسُّ ، وَالجَسَدُ بِغَيرِ روحٍ صورَةٌ لا حَراكَ بِها ، فَإِذَا اجتَمَعا قَوِيا وصَلُحا ، كَذلِكَ العَمَلُ وَالقَدَرُ ، فَلَو لَم يَكُنِ القَدَرُ واقِعا عَلَى العَمَلِ لَم يُعرَفِ الخالِقُ مِنَ المَخلوقِ ، وكانَ القَدَرُ شَيئا لا يُحَسُّ ، ولَو لَم يَكُنِ العَمَلُ بِمُوافَقَةٍ مِنَ القَدَرِ لَم يَمضِ ولَم يَتِمَّ ، ولكِنَّهُما بِاجتِماعِهِما قَوِيا ، وللّهِِ فيهِ العَونُ لِعِبادِهِ الصّالِحينَ . (3)
راجع : ص 111 (خصائص القضاء والقدر / الخلقة) .
8 / 2تَقديرُ الفَرائِضِ وَالفَضائِلِ وَالمَعاصيالكتاب«وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ
.
ص: 239
مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَ_ؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا» . (1)
«مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَ_كَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ ومَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وتَصديقِ الرُّسُلِ وبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى وبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وكَفَرَ وبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . _ ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ : عَنِ اللّهِ أروي حَديثي ، إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقولُ : يَابنَ آدَمَ بِمَشيئَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تَشاءُ لِنَفسِكَ ما تَشاءُ ، وبِإِرادَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تُريدُ لِنَفسِكَ ما تُريدُ ، وبِفَضلِ نِعمَتي عَلَيكَ قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، وبِعِصمَتي وعَوني وعافِيَتي أدَّيتَ إلَيَّ فَرائِضي ، فَأَنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، فَالخَيرُ مِنّي إلَيكَ بِما أولَيتُ بَداءٌ (3) ، وَالشَّرُّ مِنّي إلَيكَ بِما جَنَيتَ جَزاءٌ ، وبِإِحساني إلَيكَ قَوِيتَ عَلى طاعَتي ، وبِسوءِ ظَنِّكَ بي قَنَطتَ مِن رَحمَتي ، فَلِيَ الحَمدُ وَالحُجَّةُ عَلَيكَ بِالبَيانِ ، ولِيَ السَّبيلُ عَلَيكَ بِالعِصيانِ ، ولَكَ جَزاءُ الخَيرِ عِندي بِالإِحسانِ ، لَم أدَع تَحذيرَكَ ، ولَم آخُذكَ عِندَ عِزَّتِكَ ، ولَم اُكَلِّفكَ فَوقَ طاقَتِكَ ، ولَم أحمِلكَ
.
ص: 240
مِنَ الأَمانَةِ إلّا ما أقرَرتَ بِهِ عَلى نَفسِكَ ، رَضيتُ لِنَفسي مِنكَ ما رَضيتَ لِنَفسِكَ مِنّي . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَأمُرُ بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ بِغَيرِ مَشيئَةِ اللّهِ فَقَد أخرَجَ اللّهَ مِن سُلطانِهِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ المَعاصِيَ بِغَيرِ قُوَّةِ اللّهِ فَقَد كَذَبَ عَلَى اللّهِ ، ومَن كَذَبَ عَلَى اللّهِ أدخَلَهُ اللّهُ النّارَ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الأَعمالُ ثَلاثَةٌ : فَرائِضُ وفَضائِلُ ومَعاصي : فَأَمَّا (3) الفَرائِضُ فَبِأَمرِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ وبِرِضاهُ وبِعِلمِهِ وقَدَرِهِ ، يَعمَلُهَا العَبدُ فَيَنجو مِنَ اللّهِ بِها . وأمَّا الفَضائِلُ فَلَيسَ بِأَمرِ اللّهِ ، لكِن بِمَشيئَتِهِ وبِرِضاهُ وبِعِلمِهِ وبِقَدَرِهِ ، يَعمَلُهَا العَبدُ فَيُثابُ عَلَيها . وأمَّا المَعاصي فَلَيسَ بِأَمرِ اللّهِ ولا بِمَشيئَتِهِ ولا بِرِضاهُ ، لكِن بِعِلمِهِ وبِقَدَرِهِ يُقَدِّرُها لِوَقتِها ، فَيَفعَلُهَا العَبدُ بِاختِيارِهِ فَيُعاقِبُهُ اللّهُ عَلَيها ؛ لِأَنَّهُ قَد نَهاهُ عَنها فَلَم يَنتَهِ . (4)
عنه عليه السلام :الأَعمالُ عَلى ثَلاثَةِ أحوالٍ : فَرائِضَ وفَضائِلَ ومَعاصِيَ ، وأمَّا الفَرائِضُ فَبِأَمرِ
.
ص: 241
اللّهِ عز و جل ، وبِرِضَا اللّهِ وقَضاءِ اللّهِ وتَقديرِهِ ومَشيئَتِهِ وعِلمِهِ . وأمَّا الفَضائِلُ فَلَيسَت بِأَمرِ اللّهِ ، ولكِن بِرِضَا اللّهِ وبِقَضاءِ اللّهِ وبِقَدَرِ اللّهِ وبِمَشيئَتِهِ وبِعِلمِهِ . وأمَّا المَعاصي فَلَيسَت بِأَمرِ اللّهِ ، ولكِن بِقَضاءِ اللّهِ وبِقَدَرِ اللّهِ وبِمَشيئَتِهِ وبِعِلمِهِ ، ثُمَّ يُعاقِبُ عَلَيها . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام إذا ناجى رَبَّهُ قالَ : اللّهُمَّ يا رَبِّ قَويتُ عَلى مَعاصيكَ بِنِعمَتِكَ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ فِي التَّوراةِ مَكتوبا : يا موسى ، إنّي خَلَقتُكَ وَاصطَفَيتُكَ وقَوَّيتُكَ وأمَرتُكَ بِطاعَتي ونَهَيتُكَ عَن مَعصِيَتي ، فَإِن أطَعتَني أعَنتُكَ عَلى طاعَتي ، وإن عَصَيتَني لَم اُعِنكَ عَلى مَعصِيَتي ، يا موسى ولِيَ المِنَّةُ عَلَيكَ في طاعَتِكَ لي ، ولِيَ الحُجَّةُ عَلَيكَ في مَعصِيَتِكَ لي . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :كَما أنَّ بادِيَ النِّعَمِ مِنَ اللّهِ عز و جل وقَد نَحَلَكُموهُ (4) ، فَكَذلِكَ الشَّرُّ مِن أنفُسِكُم وإن جَرى بِهِ قَدَرُهُ . (5)
.
ص: 242
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ قَوِيَ عَلَيهِ بَدَني بِعافِيَتِكَ، أو نالَتهُ قُدرَتي بِفَضلِ نِعمَتِكَ،أو بَسَطتُ إلَيهِ يَدي بِسابِغِ (1) رِزقِكَ، أوِ اتَّكَلتُ عِندَ خَوفي مِنهُ عَلى أناتِكَ (2) ، أو وَثِقتُ فيهِ بِحَولِكَ ، أو عَوَّلتُ فيهِ عَلى كَريمِ عَفوِكَ . اللّهُمَّ إنّي أستَغفِرُكَ مِن كُلِّ ذَنبٍ خُنتُ فيهِ أمانَتي ، أو نَحَّستُ بِفِعلِهِ نَفسي ، أوِ احتَطَبتُ بِهِ عَلى بَدَني ، أو قَدَّمتُ فيهِ لَذَّتي ، أو آثَرتُ فيهِ شَهَواتي ، أو سَعَيتُ فيهِ لِغَيري ، أوِ استَغوَيتُ فيهِ مَن تَبِعَني ، أو غَلَبتُ عَلَيهِ بِفَضلِ حيلَتي ، أوِ احتَلتُ عَلَيكَ فيهِ مَولايَ فَلَم تَغلِبني عَلى فِعلي ، إذ كُنتَ كارِها لِمَعصِيَتي ، لكِن سَبَقَ عِلمُكَ في فِعلي فَحَلُمتَ عَنّي، لَم تُدخِلني يا رَبِّ فيهِ جَبرا ، ولَم تَحمِلني عَلَيهِ قَهرا ، ولَم تَظلِمني فيهِ شَيئا . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ فَعَلِمَ ما هُم إلَيهِ صائِرونَ فَأَمَرَهُم ونَهاهُم ، فَما أمَرَهُم بِهِ مِن شَيءٍ فَقَد جَعَلَ لَهُمُ السَّبيلَ إلَى الأَخذِ بِهِ ، وما نَهاهُم عَنهُ مِن شَيءٍ فَقَد جَعَلَ لَهُمُ السَّبيلَ إلى تَركِهِ ، ولا يَكونونَ آخِذينَ ولا تارِكينَ إلّا بِإِذنِهِ ، وما جَبَرَ اللّهُ أحَدا مِن خَلقِهِ عَلى مَعصِيَتِهِ ، بَلِ اختَبَرَهُم بِالبَلوى ، وكَما قالَ : «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (4) . (5)
.
ص: 243
الكافي عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر :قُلتُ لِأَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : إنَّ بَعضَ أصحابِنا يَقولُ بِالجَبرِ ، وبَعضَهُم يَقولُ بِالاِستِطاعَةِ . قالَ : فَقالَ لي : اُكتُب بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، قالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ : قالَ اللّهُ عز و جل : يَابنَ آدَمَ بِمَشيئَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تَشاءُ ، وبِقُوَّتي أدَّيتَ إلَيَّ فَرائِضي ، وبِنِعمَتي قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، جَعَلتُكَ سَميعا بَصيرا ، ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ ، وذلِكَ أنّي أولى بِحَسَناتِكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، وذلِكَ أنّي لا اُسأَلُ عَمّا أفعَلُ وهُم يُسأَلونَ قَد نَظَمتُ لَكَ كُلَّ شَيءٍ تُريدُ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :قالَ اللّهُ : يَابنَ آدَمَ ، أنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، عَمِلتَ المَعاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتي جَعَلتُها فيكَ . (2)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر عن الإمام عليّ عليه السلام ، قال :قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِمَّن كانَ شَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ فَقالَ عليه السلام : ... فَإِنَّهُ أمرٌ بَينَ أمرَينِ لا جَبرَ ولا تَفويضَ . (3)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ موسَى الرِّضا بِمَروَ ، فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، رُوِيَ لَنا عَنِ الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ
.
ص: 244
مُحَمَّدٍ عليه السلام قالَ : إنَّهُ لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، بَل أمرٌ بَينَ أمرَينِ ، فَما مَعناهُ ؟ قالَ : مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَفعَلُ أفعالَنا ، ثُمَّ يُعَذِّبُنا عَلَيها فَقَد قالَ بِالجَبرِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عز و جل فَوَّضَ أمرَ الخَلقِ وَالرِّزقِ إلى حُجَجِهِ عليهم السلام ، فَقَد قالَ بِالتَّفويضِ ، وَالقائِلُ بِالجَبرِ كافِرٌ وَالقائِلُ بِالتَّفويضِ مُشرِكٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ فَما أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؟ فَقالَ : وُجودُ السَّبيلِ إلى إتيانِ ما اُمِروا بِهِ وتَركِ ما نُهوا عَنهُ . فَقُلتُ لَهُ : فَهَل للّهِِ عز و جل مَشيئَةٌ وإرادَةٌ في ذلِكَ ؟ فَقالَ : فَأَمَّا الطّاعاتُ فَإِرادَةُ اللّهِ ومَشيئَتُهُ فيهَا الأَمرُ بِها وَالرِّضا لَها وَالمُعاوَنَةُ عَلَيها ، وإرادَتُهُ ومَشيئَتُهُ فِي المَعاصي النَّهيُ عَنها وَالسَّخَطُ لَها وَالخِذلانُ عَلَيها . قُلتُ : فَهَل للّهِِ فيهَا القَضاءُ ؟ قالَ : نَعَم ما مِن فِعلٍ يَفعَلُهُ العِبادُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ إلّا وللّهِِ فيهِ قَضاءٌ . قُلتُ : ما مَعنى هذَا القَضاءِ ؟ قالَ : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَستَحِقّونَهُ عَلى أفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :إنّا لا نَقولُ جَبرا ولا تَفويضا . (2)
.
ص: 245
عنه عليه السلام :لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، بَل أمرٌ بَينَ أمرَينِ . (1)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ الجَبرِ وَالقَدَرِ _: لا جَبرَ ولا قَدَرَ ، ولكِن مَنزِلَةٌ بَينَهُما فيهَا الحَقُّ ، الَّتي (2) بَينَهُما لا يَعلَمُها إلَا العالِمُ ، أو مَن عَلَّمَها إيّاهُ العالِمُ . (3)
الكافي عن أبي طالب القمّي عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : لا . قُلتُ : فَفَوَّضَ إلَيهِمُ الأَمرَ ؟ قالَ : لا . قُلتُ : فَماذا ؟ قالَ : لُطفٌ مِن رَبِّكَ بَينَ ذلِكَ . (4)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن العبّاس :سَمِعتُ الرِّضا عليه السلام وقَد سَأَلَهُ رَجُلٌ : أيُكَلِّفُ اللّهُ العِبادَ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : هُوَ أعدَلُ مِن ذلِكَ . قالَ : أفَيَقدِرونَ عَلى كُلِّ ما أرادوهُ ؟ قالَ : هُم أعجَزُ مِن ذلِكَ . (5)
8 / 3مَعنَى الأَمرِ بَينَ الأَمرَينِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لا يُطاعُ جَبرا ولا يُعصى مَغلوبا ولَم يُهمِلِ العِبادَ مِنَ المَملَكَةِ ،
.
ص: 246
ولكِنَّهُ القادِرُ عَلى ما أقدَرَهُم عَلَيهِ ، وَالمالِكُ لِما مَلَّكَهُم إيّاهُ ، فَإِنَّ العِبادَ إنِ ائتَمَروا بِطاعَةِ اللّهِ لَم يَكُن مِنها مانِعٌ ولا عَنها صادٌّ ، وإن عَمِلوا بِمَعصِيَتِهِ فَشاءَ أن يَحولَ بَينَهُم وبَينَها فَعَلَ ، ولَيسَ مَن إن شاءَ أن يَحولَ بَينَهُ وبَينَ شَيءٍ (فَعَلَ) ، ولَم يَفعَلهُ ، فَأَتاهُ الَّذي فَعَلَهُ ، كانَ هُوَ الَّذي أدخَلَهُ فيهِ (1) . (2)
الإرشاد عن الحسن بن أبي الحسن البصري :جاءَ رَجُلٌ إلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ لَهُ : ... فَمَا القَضاءُ وَالقَدَرُ الَّذي ذَكَرتَهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : الأَمرُ بِالطّاعَةِ وَالنَّهيُ عَنِ المَعصِيَةِ ، وَالتَّمكينُ مِن فِعلِ الحَسَنَةِ وتَركِ السَّيِّئَةِ ، وَالمَعونَةُ عَلَى القُربَةِ إلَيهِ ، وَالخِذلانُ لِمَن عَصاهُ ، وَالوَعدُ وَالوَعيدُ ، وَالتَّرغيبُ وَالتَّرهيبُ ، كُلُّ ذلِكَ قَضاءُ اللّهِ في أفعالِنا ، وقَدَرُهُ لِأَعمالِنا ، فَأَمّا غَيرُ ذلِكَ فَلا تَظُنَّهُ ، فَإِنَّ الظَّنَّ لَهُ مُحبِطٌ (3) لِلأَعمالِ . فَقالَ الرَّجُلُ : فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللّهُ عَنكَ . (4)
تحف العقول :كَتَبَ الحَسَنُ بنُ أبِي الحَسَنِ البَصرِيُّ إلى أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّكُم مَعشَرَ بَني هاشِمٍ الفُلكُ الجارِيَةُ فِي اللُّجَجِ الغامِرَةِ والأَعلامُ النَّيِّرَةُ الشّاهِرَةُ ، أو كَسَفينَةِ نوحٍ عليه السلام الَّتي نَزَلَهَا المُؤمِنونَ ونَجا فيهَا المُسلِمونَ ، كَتَبتُ إلَيكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ عِندَ اختِلافِنا فِي القَدَرِ وحَيرَتِنا فِي الاِستِطاعَةِ ، فَأَخبِرنا بِالَّذي عَلَيهِ رَأيُكَ ورَأيُ آبائِكَ عليهم السلام ، فَإِنَّ مِن عِلمِ اللّهِ عِلمَكُم ، وأنتُم شُهَداءُ عَلَى النّاسِ وَاللّهُ
.
ص: 247
الشّاهِدُ عَلَيكُم ، «ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (1) . فَأَجابَهُ الحَسَنُ عليه السلام : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، وَصَلَ إلَيَّ كِتابُكَ ، ولَولا ما ذَكَرتَهُ مِن حَيرَتِكَ وحَيرَةِ مَن مَضى قِبَلَكَ إذاً ما أخبَرتُكَ ، أمّا بَعدُ ، فَمَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ أنَّ اللّهَ يَعلَمُهُ فَقَد كَفَرَ ، ومَن أحالَ المَعاصِيَ عَلَى اللّهِ فَقَد فَجَرَ ، إنَّ اللّهَ لَم يُطَع مُكرِها ولَم يُعصَ مَغلوبا ولَم يُهمِلِ العِبادَ سُدىً مِنَ المَملَكَةِ ، بَل هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم وَالقادِرُ عَلى ما عَلَيهِ أقدَرَهُم ، بَل أمَرَهُم تَخييرا ونَهاهُم تَحذيرا ، فَإِنِ ائتَمَروا بِالطّاعَةِ لَم يَجِدوا عَنها صادّا ، وإنِ انتَهَوا إلى مَعصِيَةٍ فَشاءَ أن يَمُنَّ عَلَيهِم بِأَن يَحولَ بَينَهُم وبَينَها فَعَلَ ، وإن لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ الَّذي حَمَلَهُم عَلَيها جَبرا ولا اُلزِموها كَرها ، بَل مَنَّ عَلَيهِم بِأَن بَصَّرَهُم وعَرَّفَهُم وحَذَّرَهُم وأمَرَهُم ونَهاهُم ، لا جَبلاً (2) لَهُم عَلى ما أمَرَهُم بِهِ فَيَكونوا كَالمَلائِكَةِ ، ولا جَبرا لَهُم عَلى ما نَهاهُم عَنهُ ، وللّهِِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، فَلَو شاءَ لَهَداكُم أجمَعينَ ، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :كَتَبَ الحَسَنُ بنُ أبِي الحَسَنِ البَصرِيُّ ، إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، يَسأَلُهُ عَنِ القَدَرِ ، فَكَتَبَ إلَيهِ : اِتَّبِع ما شَرَحتُ لَكَ فِي القَدَرِ ، مِمّا اُفضِيَ إلَينا _ أهلَ البَيتِ _ فَإِنَّهُ مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ فَقَد كَفَرَ ، ومَن حَمَلَ المَعاصِيَ عَلَى اللّهِ عز و جل فَقَد فَجَرَ وَافتَرى عَلَى اللّهِ افتِراءً عَظيما ، إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُطاعُ بِإِكراهٍ ، ولا يُعصى بِغَلَبَةٍ ، ولا يُهمِلُ العِبادَ فِي الهَلَكَةِ ، ولكِنَّهُ المالِكُ
.
ص: 248
لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ لِما عَلَيهِ أقدَرَهُم ، فَإِنِ ائتَمَروا بِالطّاعَةِ لَم يَكُن لَهُم صادّا عَنها مُبَطِّئا ، وإنِ ائتَمَروا بِالمَعصِيَةِ فَشاءَ أن يَمُنَّ عَلَيهِم فَيَحولَ بَينَهُم وبَينَ مَا ائتَمَروا بِهِ فَعَلَ وإن لَم يَفعَل فَلَيسَ هُوَ حَمَلَهُم عَلَيها قَسرا ، ولا كَلَّفَهُم جَبرا ، بَل بِتَمكينهِ (1) إيّاهُم بَعدَ إعذارِهِ وإنذارِهِ لَهُم ، وَاحتِجاجِهِ عَلَيهِم طَوَّقَهُم ومَكَّنَهُم وجَعَلَ لَهُمُ السَّبيلَ إلى أخذِ ما إلَيهِ دَعاهُم ، وتَركِ ما عَنهُ نَهاهُم ، جَعَلَهُم مُستَطيعينَ لِأَخذِ ما أمَرَهُم بِهِ مِن شَيءٍ غَيرِ آخِذيهِ ، ولِتَركِ ما نَهاهُم عَنهُ مِن شَيءٍ غَيرِ تارِكيهِ ، وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ عِبادَهُ أقوِياءَ لِما أمَرَهُم بِهِ ، يَنالونَ بِتِلكَ القُوَّةِ ، ونَهاهُم عَنهُ ، وجَعَلَ العُذرَ لِمَن لَم يَجعَل لَهُ السَّبَبَ جَهدا مُتَقَبَّلاً . (2)
الكافي عن محمّد بن يحيى عمّن حدّثه ، عن الإمام الصادق عليه السلام :لا جَبرَ ولا تَفويضَ ولكِن أمرٌ بَينَ أمرَينِ . قالَ : قُلتُ : وما أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؟ قالَ : مَثَلُ ذلِكَ رَجُلٌ رَأَيتَهُ عَلى مَعصِيَةٍ فَنَهَيتَهُ فَلَم يَنتَهِ فَتَرَكتَهُ فَفَعَلَ تِلكَ المَعصِيَةَ ، فَلَيسَ حَيثُ لَم يَقبَل مِنكَ فَتَرَكتَهُ كُنتَ أنتَ الَّذي أمَرتَهُ بِالمَعصِيَةِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :النّاسُ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل أجبَرَ النّاسَ عَلَى المَعاصي فَهذا قَد ظَلَّمَ اللّهَ عز و جل في حُكمِهِ فَهُوَ كافِرٌ . ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ مُفَوَّضٌ إلَيهمِ فَهذا قَد وَهَّنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ كافِرٌ . ورَجُلٌ يَقولُ : إنَّ اللّهَ عز و جل كَلَّفَ العِبادَ ما يُطيقونَ ولَم يُكَلِّفهُم ما لا يُطيقونَ ، فَإِذا
.
ص: 249
أحسَنَ حَمِدَ اللّهَ ، وإذا أساءَ استَغفَرَ اللّهَ فَهذا مُسلِمٌ بالِغٌ ، وَاللّهُ المُوَفِّقُ . (1)
الكافي عن حمزة بن حمران :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ فَلَم يُجِبني ، فَدَخَلتُ عَلَيهِ دَخلَةً اُخرى ، فَقُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، إنَّهُ قَد وَقَعَ في قَلبي مِنها شَيءٌ لا يُخرِجُهُ إلّا شَيءٌ أسمَعُهُ مِنكَ . قالَ : فَإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ ما كانَ في قَلبِكَ . قُلتُ : أصلَحَكَ اللّهُ ، إنّي أقولُ : إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يُكَلِّفِ العِبادَ ما لا يَستَطيعونَ ولَم يُكَلِّفهُم إلّا ما يُطيقونَ ، وإنَّهُم لا يَصنَعونَ شَيئا مِن ذلِكَ إلّا بِإِرادَةِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ وقَضائِهِ وقَدَرِهِ . قالَ : فَقالَ : هذا دينُ اللّهِ الَّذي أنَا عَلَيهِ وآبائي ، أو كَما قالَ . (2)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن بريد بن عمير بن معاوية الشامي :دَخَلتُ عَلى عَلِيِّ بنِ موسَى الرِّضا بِمَروَ ، فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، رُوِيَ لَنا عَنِ الصّادِقِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عليهماالسلام قالَ : إنَّهُ لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، بَل أمرٌ بَينَ أمرَينِ ، فَما مَعناهُ ؟ قالَ : مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَفعَلُ أفعالَنا ثُمَّ يُعَذِّبُنا عَلَيها ، فَقَد قالَ : بِالجَبرِ ، ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ عز و جل فَوَّضَ أمرَ الخَلقِ وَالرِّزقِ إلى حُجَجِهِ عليهم السلام ، فَقَد قالَ بِالتَّفويضِ ، وَالقائِلُ بِالجَبرِ كافِرٌ وَالقائِلُ بِالتَّفويضِ مُشرِكٌ . فَقُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ فَما أمرٌ بَينَ أمرَينِ .
.
ص: 250
فَقالَ : وُجودُ السَّبيلِ إلى إتيانِ ما اُمِروا بِهِ ، وتَركِ ما نُهوا عَنهُ . فَقُلتُ لَهُ : فَهَل للّهِِ عز و جل مَشيئَةٌ وإرادَةٌ في ذلِكَ ؟ فَقالَ : فَأَمَّا الطّاعاتُ فَإِرادَةُ اللّهِ ومَشيئَتُهُ فيهَا الأَمرُ بِها وَالرِّضا لَها وَالمُعاوَنَةُ عَلَيها ، وإرادَتُهُ ومَشيئَتُهُ فِي المَعاصِي النَّهيُ عَنها وَالسَّخَطُ لَها وَالخِذلانُ عَلَيها . قُلتُ : فَهَل للّهِِ فيهَا القَضاءُ ؟ قالَ : نَعَم ، ما مِن فِعلٍ يَفعَلُهُ العِبادُ مِن خَيرٍ أو شَرٍّ إلّا وللّهِِ فيهِ قَضاءٌ . قُلتُ : ما مَعنى هذَا القَضاءِ ؟ قالَ : الحُكمُ عَلَيهِم بِما يَستَحِقّونَهُ عَلى أفعالِهِم مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (1)
التوحيد عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :ذُكِرَ عِندَهُ الجَبرُ وَالتَّفويضُ ، فَقالَ : ألا اُعطيكُم في هذا أصلاً لا تَختَلِفونَ فيهِ ولا تُخاصِمونَ عَلَيهِ أحَداً إلّا كَسَرتُموهُ ؟ قُلنا : إن رَأَيتَ ذلِكَ . فَقالَ : إنَّ اللّهَ عز و جل لَم يُطَع بِإِكراهٍ ، ولَم يُعصَ بِغَلَبَةٍ ولَم يُهمِلِ العِبادَ في مُلكِهِ ، هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَهُم ، وَالقادِرُ عَلى ما أقدَرَهُم عَلَيهِ ، فَإِنِ ائتَمَرَ العِبادُ بِطاعَتِهِ لَم يَكُنِ اللّهُ عَنها صادّا ولا مِنها مانِعا ، وإنِ ائتَمَروا بِمَعصِيَتِهِ فَشاءَ أن يَحولَ بَينَهُم وبَينَ ذلِكَ
.
ص: 251
فَعَلَ ، وإن لَم يَحُل وفَعَلوهُ فَلَيسَ هُوَ الَّذي أدخَلَهُم فيهِ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : مَن يَضبِطُ حُدودَ هذَا الكَلامِ فَقَد خَصَمَ مَن خالَفَهُ . (1)
الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام :سَأَلتُ العالِمَ عليه السلام : أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن ذلِكَ . فَقُلتُ لَهُ : فَفَوَّضَ إلَيهِم ؟ فَقالَ : هُوَ أعَزُّ مِن ذلِكَ . فَقُلتُ لَهُ : فَتَصِفُ لَنَا المَنزِلَةَ بَينَ المَنزِلَتَينِ ؟ فَقالَ : الجَبرُ هُوَ الكَرهُ ، فَاللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يُكرِه عَلى مَعصِيَتِهِ ، وإنَّمَا الجَبرُ أن يُجبَرَ الرَّجُلُ عَلى ما يَكرَهُ وعَلى ما لا يَشتَهي ، كَالرَّجُلِ يُغلَبُ عَلى أن يُضرَبَ أو يُقطَعَ يَدُهُ ، أو يُؤخَذَ مالُهُ ، أو يُغضَبَ (2) عَلى حُرمَتِهِ ، أو مَن كانَت لَهُ قُوَّةٌ ومَنَعَةٌ فَقُهِرَ ، وأمّا مَن أتى إلى أمرٍ طائِعا مُحِبّا لَهُ يُعطي عَلَيهِ مالَهُ لِيَنالَ شَهوَتَهُ فَلَيسَ ذلِكَ بِجَبرٍ ، إنَّمَا الجَبرُ مَن أكرَهَهُ عَلَيهِ ، أو أغضَبه حَتّى فَعَلَ ما لا يُريدُ ولا يَشتَهيهِ ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يَجعَل لَهُ هَوىً ولا شَهوَةً ولا مَحَبَّةً ولا مَشيئَةً إلّا فيما عَلِمَ أنَّهُ كانَ مِنهُم ، وإنَّما يُجزَونَ (3) في عِلمِهِ وقَضائِهِ وقَدَرِهِ عَلَى الَّذي في عِلمِهِ وكِتابِهِ السّابِقِ فيهِم قَبلَ خَلقِهِم ، وَالَّذي عَلِمَ أنَّهُ غَيرُ كائِنٍ مِنهُم هُوَ الَّذي لَم يَجعَل لَهُم فيهِ
.
ص: 252
شَهوَةً ولا إرادَةً . (1)
الإمام الهادي عليه السلام_ مِن رِسالَةٍ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلى أهلِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ وإثباتِ العَدلِ وَالمَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ _: إنّا نَبدَأُ مِن ذلِكَ بِقَولِ الصّادِقِ عليه السلام : «لا جَبرَ ولا تَفويضَ ، ولكِن مَنزِلَةٌ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وهِيَ صِحَّةُ الخِلقَةِ ، وتَخلِيَةُ السَّربِ (2) ، وَالمُهلَةُ فِي الوَقتِ ، وَالزّادُ مِثلُ الرّاحِلَةِ ، وَالسَّبَبُ المُهَيِّجُ لِلفاعِلِ عَلى فِعلِهِ» ، فَهذِهِ خَمسَةُ أشياءَ جَمَعَ بِهِ الصّادِقُ عليه السلام جَوامِعَ الفَضلِ ، فَإِذا نَقَصَ العَبدُ مِنها خَلَّةً كانَ العَمَلُ عَنهُ مَطروحا بِحَسَبِهِ . فَأَخبَرَ الصّادِقُ عليه السلام بِأَصلِ ما يَجِبُ عَلَى النّاسِ مِن طَلَبِ مَعرِفَتِهِ ونَطَقَ الكِتابُ بِتَصديقِهِ فَشَهِدَ بِذلِكَ مُحكَماتُ آياتِ رَسولِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه و آله وآلَهُ عليهم السلام لا يَعدونَ شَيئا مِن قَولِهِ وأقاويلُهُم حُدودُ القُرآنِ ، فَإِذا وَرَدَت حَقائِقُ الأَخبارِ وَالتُمِسَت شَواهِدُها مِنَ التَّنزيلِ ، فَوُجِدَ لَها مُوافِقا وعَلَيها دَليلاً كانَ الاِقتِداءُ بِها فَرضا لا يَتَعَدّاهُ إلّا أهلُ العِنادِ ... . ولَمَّا التَمَسنا تَحقيقَ ما قالَهُ الصّادِقُ عليه السلام مِنَ المَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ وإنكارِهِ الجَبرَ وَالتَّفويضَ ، وَجَدنَا الكِتابَ قَد شَهِدَ لَهُ وصَدَّقَ مَقالَتَهُ في هذا ، وخَبَرٌ عَنهُ أيضا مُوافِقٌ لِهذا ، أنَّ الصّادِقَ عليه السلام سُئِلَ هَل أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : هُوَ أعدَلُ مِن ذلِكَ . فَقيلَ لَهُ : فَهَل فَوَّضَ إلَيهِم ؟ فَقالَ عليه السلام : هُوَ أعَزُّ وأقهَرُ لَهُم مِن ذلِكَ . ورُوِيَ عَنهُ أنَّهُ قالَ : النّاسُ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ مُفَوَّضٌ إلَيهِ فَقَد وَهَّنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ هالِكٌ ، ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ جَلَّ وعَزَّ أجبَرَ
.
ص: 253
العِبادَ عَلَى المَعاصي وكَلَّفَهُم ما لا يُطيقونَ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ فَهُوَ هالِكٌ ، ورَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ كَلَّفَ العِبادَ ما يُطيقونَ ولَم يُكَلِّفهُم ما لا يُطيقونَ ؛ فَإِذا أحسَنَ حَمِدَ اللّهَ وإذا أساءَ استَغفَرَ اللّهَ فَهذا مُسلِمٌ بالِغٌ ، فَأَخبَرَ عليه السلام أنَّ مَن تَقَلَّدَ الجَبرَ وَالتَّفويضَ ودانَ بِهِما فَهُوَ عَلى خِلافِ الحَقِّ ، فَقَد شَرَحتُ الجَبرَ الَّذي مَن دانَ بِهِ يَلزَمُهُ الخَطَأُ ، وأنَّ الَّذي يَتَقَلَّدُ التَّفويضَ يَلزَمُهُ الباطِلُ ، فَصارَتِ المَنزِلَةُ بَينَ المَنزِلَتَينِ بَينَهُما . ثُمَّ قالَ عليه السلام : وأضرِبُ لِكُلِّ بابٍ مِن هذِهِ الأَبوابِ مَثَلاً يُقَرِّبُ المَعنى لِلطّالِبِ ويُسَهِّلُ لَهُ البَحثَ عَن شَرحِهِ ، تَشهَدُ بِهِ مُحكَماتُ آياتِ الكِتابِ وتَحَقَّقَ تَصديقُهُ عِندَ ذَوِي الأَلبابِ ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ وَالعِصمَةُ . فَأَمَّا الجَبرُ الَّذي يَلزَمُ مَن دانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ أجبَرَ العِبادَ عَلَى المَعاصي وعاقَبَهُم عَلَيها ، ومَن قالَ بِهذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ وكَذَّبَهُ ورَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْ_لِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (1) ، وقَولَهُ : «ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (2) ، وقَولَهُ : «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْ_لِمُ النَّاسَ شَيْ_ئا وَ لَ_كِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» (3) ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في ذِكرِ هذا . فَمَن زَعَمَ أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعاصي فَقَد أحالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ وقَد ظَلَّمَهُ في عُقوبَتِهِ . ومَن ظَلَّمَ اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتابَهُ . ومَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِماعِ الاُمَّةِ . ومَثَلُ ذلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا مَملوكا لا يَملِكُ نَفسَهُ ولا يَملِكُ عَرَضا (4) مِن عَرَضِ الدُّنيا ، ويَعلَمُ مَولاهُ ذلِكَ مِنهُ فَأَمَرَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالمَصيرِ إلَى السّوقِ لِحاجَةٍ
.
ص: 254
يَأتيهِ بِها ولَم يُمَلِّكهُ ثَمَنَ ما يَأتيهِ بِهِ مِن حاجَتِهِ ، وعَلِمَ المالِكُ أنَّ عَلَى الحاجَةِ رَقيبا لا يَطمَعُ أحَدٌ في أخذِها مِنهُ إلّا بِما يَرضى بِهِ مِنَ الثَّمَنِ ، وقَد وَصَفَ مالِكُ هذَا العَبدِ نَفسَهُ بِالعَدلِ وَالنَّصَفَةِ (1) وإظهارِ الحِكمَةِ ونَفيِ الجَورِ ، وأوعَدَ عَبدَهُ إن لَم يَأتِهِ بِحاجَتِهِ أن يُعاقِبَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالرَّقيبِ الَّذي عَلى حاجَتِهِ أنَّهُ سَيَمنَعُهُ ، وعَلِمَ أنَّ المَملوكَ لا يَملِكُ ثَمَنَها ولَم يُمَلِّكهُ ذلِكَ . فَلَمّا صارَ العَبدُ إلَى السّوقِ وجاءَ لِيَأخُذَ حاجَتَهُ الَّتي بَعَثَهُ المَولى لَها ، وَجَدَ عَلَيها مانِعا يَمنَعُ مِنها إلّا بِشِراءٍ ولَيسَ يَملِكُ العَبدُ ثَمَنَها ، فَانصَرَفَ إلى مَولاهُ خائِبا بِغَيرِ قَضاءِ حاجَتِهِ ، فَاغتاظَ مَولاهُ مِن ذلِكَ وعاقَبَهُ عَلَيهِ . ألَيسَ يَجِبُ في عَدلِهِ وحُكمِهِ ألّا يُعاقِبَهُ وهُوَ يَعلَمُ أنَّ عَبدَهُ لا يَملِكُ عَرَضا مِن عُروضِ الدُّنيا ولَم يُمَلِّكهُ ثَمنَ حاجَتِهِ ، فَإِن عاقَبَهُ عاقَبَهُ ظالِما مُتَعَدِّيا عَلَيهِ مُبطِلاً لِما وَصَفَ مِن عَدلِهِ وحِكمَتِهِ ونَصَفَتِهِ ، وإن لَم يُعاقِبهُ كَذَّبَ نَفسَهُ في وَعيدِهِ إيّاهُ حينَ أوعَدَهُ بِالكَذِبِ وَالظُّلمِ اللَّذَينِ يَنفِيانِ العَدلَ وَالحِكمَةَ ، تَعالى عَمّا يَقولونَ عُلُوّا كَبيرا . فَمَن دانَ (2) بِالجَبرِ أو بِما يَدعو إلَى الجَبرِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ ونَسَبَهُ إلَى الجَورِ وَالعُدوانِ ، إذ أوجَبَ عَلى مَن أجبَرَ[هُ] العُقوبَةَ . ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ أجبَرَ العِبادَ فَقَد أوجَبَ عَلى قِياسِ قَولِهِ إنَّ اللّهَ يَدفَعُ عَنهُمُ العُقوبَةَ . ومَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ يَدفَعُ عَن أهلِ المَعاصِي العَذابَ فَقَد كَذَّبَ اللّهَ في وَعيدِهِ ، حَيثُ يَقولُ : «بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَ_طَتْ بِهِ خَطِيئتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَ_بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَ__لِدُونَ» (3) ، وقَولَهُ : «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَ لَ
.
ص: 255
الْيَتَ_مَى ظُ_لْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا» (1) ، وقَولَهُ : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِ_ئايَ_تِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَ_هُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا» (2) ، مَعَ آيٍ كَثيرَةٍ في هذَا الفَنِّ مِمَّن كَذَّبَ وَعيدَ اللّهِ ويَلزَمُهُ في تَكذيبِهِ آيَةً مِن كِتابِ اللّهِ الكُفرُ ، وهُوَ مِمَّن قالَ اللّهُ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَ_بِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَ لِكَ مِنكُمْ إِلَا خِزْىٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَ_فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (3) . بَل نَقولُ : إنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ جازَى العِبادَ عَلى أعمالِهِم ويُعاقِبُهُم عَلى أفعالِهِم بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَهُم إيّاها ، فَأَمَرَهُم ونَهاهُم بِذلِكَ ونَطَقَ كِتابهُ : «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» (4) ، وقالَ جَلَّ ذِكرُهُ : «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» (5) ، وقالَ : «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ» (6) . فَهذِهِ آياتٌ مُحكَماتٌ تَنفِي الجَبرَ ومَن دانَ بِهِ . ومِثلُها فِي القُرآنِ كَثيرٌ ، اختَصَرنا ذلِكَ لِئَلّا يَطولَ الكِتابُ وبِاللّهِ التَّوفيقُ . وأمَّا التَّفويضُ الَّذي أبطَلَهُ الصّادِقُ عليه السلام ، وأخطَأَ مَن دانَ بِهِ وتَقَلَّدَهُ فَهُوَ قَولُ القائِلِ : إنَّ اللّهَ جَلَّ ذِكرُهُ فَوَّضَ إلَى العِبادِ اختِيارَ أمرِهِ ونَهيِهِ وأهمَلَهُم . وفي هذا كَلامٌ دَقيقٌ
.
ص: 256
لِمَن يَذهَبُ إلى تَحريرِهِ ودِقَّتِهِ . وإلى هذا ذَهَبَتِ الأَئِمَّةُ المُهتَدِيَةُ مِن عِترَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّهُم قالوا : لَو فَوَّضَ إلَيهِم عَلى جِهَةِ الإِهمالِ ، لَكانَ لازِما لَهُ رِضا مَا اختاروهُ وَاستَوجَبوا مِنهُ الثَّوابَ ، ولَم يَكُن عَلَيهِم فيما جَنَوهُ العِقابُ إذا كانَ الإِهمالُ واقِعا . وتَنصَرِفُ هذِهِ المَقالَةُ عَلى مَعنَيَينِ : إمّا أن يَكونَ العِبادُ تَظاهَروا عَلَيهِ فَأَلزَموهُ قَبولَ اختِيارِهِم بِآرائِهِم ضَرورَةً كَرِهَ ذلِكَ أم أحَبَّ فَقَد لَزِمَهُ الوَهنُ، (1) أو يَكونَ _ جَلَّ وعَزَّ _ عَجَزَ عَن تَعَبُّدِهِم بِالأَمرِ وَالنَّهيِ عَلى إرادَتِهِ كَرِهوا أو أحَبّوا ، فَفَوَّضَ أمرَهُ ونَهيَهُ إلَيهِم وأجراهُما عَلى مَحَبَّتِهِم إذ عَجَزَ عَن تَعَبُّدِهِم بِإِرادَتِهِ ، فَجَعَلَ الاِختِيارَ إلَيهِم فِي الكُفرِ وَالإِيمانِ . ومَثَلُ ذلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا ابتاعَهُ لِيَخدِمَهُ ويَعرِفَ لَهُ فَضلَ وِلايَتِهِ ويَقِفَ عِندَ أمرِهِ ونَهيِهِ ، وَادَّعى مالِكُ العَبدِ أنَّهُ قاهِرٌ عَزيزٌ حَكيمٌ ، فَأَمَرَ عَبدَهُ ونَهاهُ ووَعَدَهُ عَلَى اتِّباعِ أمرِهِ عَظيمَ الثَّوابِ وأوعَدَهُ عَلى مَعصِيَتِهِ أليمَ العِقابِ ، فَخالَفَ العَبدُ إرادَةَ مالِكِهِ ولَم يَقِف عِندَ أمرِهِ ونَهيِهِ ، فَأَيُّ أمرٍ أمَرَهُ أو أيُّ نَهيٍ نَهاهُ عَنهُ لَم يَأتِهِ عَلى إرادَةِ المَولى ، بَل كانَ العَبدُ يَتَّبِعُ إرادَةَ نَفسِهِ وَاتِّباعَ هَواهُ ، ولا يُطيقُ المَولى أن يَرُدَّهُ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ ونَهيِهِ وَالوُقوفِ عَلى إرادَتِهِ ، فَفَوَّضَ اختِيارَ أمرِهِ ونَهيِهِ إلَيهِ ورَضِيَ مِنهُ بِكُلِّ ما فَعَلَهُ عَلى إرادَةِ العَبدِ لا عَلى إرادَةِ المالِكِ ، وبَعَثَهُ في بَعضِ حَوائِجِهِ وسَمّى لَهُ الحاجَةَ ، فَخالَفَ عَلى مَولاهُ وقَصَدَ لِاءِرادَةِ نَفسِهِ واتَّبَعَ هَواهُ ، فَلَمّا رَجَعَ إلى مَولاهُ نَظَرَ إلى ما أتاهُ بِهِ فَإِذا هُوَ خِلافُ ما أمَرَهُ بِهِ ، فَقالَ لَهُ : لِمَ أتَيتَني بِخِلافِ ما أمَرتُكَ ؟ فَقالَ العَبدُ : اِتَّكَلتُ عَلى تَفويضِكَ الأَمرَ إلَيَّ فَاتَّبَعتُ هَوايَ وإرادَتي ؛ لِأَنَّ المُفَوَّضَ
.
ص: 257
إلَيهِ غَيرُ مَحظورٍ (1) عَلَيهِ فَاستَحالَ التَّفويضُ . أوَ لَيسَ يَجِبُ عَلى هذَا السَّبَبِ إمّا أن يَكونَ المالِكُ لِلعَبدِ قادِرا يَأمُرُ عَبدَهُ بِاتِّباعِ أمرِهِ ونَهيِهِ عَلى إرادَتِهِ لا عَلى إرادَةِ العَبدِ ، ويُمَلِّكُهُ مِنَ الطّاقَةِ بِقَدرِ ما يَأمُرُهُ بِهِ ويَنهاهُ عَنهُ ، فَإِذا أمَرَهُ بِأَمرٍ ونَهاهُ عَن نَهيٍ عَرَّفَهُ الثَّوابَ وَالعِقابَ عَلَيهِما . وحَذَّرَهُ ورَغَّبَهُ بِصِفَةِ ثَوابِهِ وعِقابِهِ لِيَعرِفَ العَبدُ قُدرَةَ مَولاهُ بِما مَلَّكَهُ مِنَ الطّاقَةِ لِأَمرِهِ ونَهيِهِ وتَرغيبِهِ وتَرهيبِهِ ، فَيَكونَ عَدلُهُ وإنصافُهُ شامِلاً لَهُ وحُجَّتُهُ واضِحَةً عَلَيهِ لِلإِعذارِ وَالإِنذارِ . فَإِذَا اتَّبَعَ العَبدُ أمرَ مَولاهُ جازاهُ وإذا لَم يَزدَجِر عَن نَهيِهِ عاقَبَهُ ، أو يَكونُ عاجِزا غَيرَ قادِرٍ فَفَوَّضَ أمرَهُ إلَيهِ أحسَنَ أم أساءَ ، أطاعَ أم عَصى ، عاجِزٌ عَن عُقوبَتِهِ ورَدِّهِ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ . وفي إثباتِ العَجزِ نَفيُ القُدرَةِ وَالتَّأَلُّهِ وإبطالُ الأَمرِ وَالنَّهيِ وَالثَّوابِ وَالعِقابِ ومُخالَفَةُ الكِتابِ ، إذ يَقولُ : «وَ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَ إِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ» (2) ، وقَولُهُ عز و جل : «اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» (3) ، وقَولُهُ : «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَ مَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ» (4) ، وقَولُهُ : «وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْ_ئا» (5) ، وقَولُهُ : « أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ » (6) .
.
ص: 258
فَمَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ تَعالى فَوَّضَ أمرَهُ ونَهيَهُ إلى عِبادِهِ فَقَد أثبَتَ عَلَيهِ العَجزَ وأوجَبَ عَلَيهِ قَبولَ كُلِّ ما عَمِلوا مِن خَيرٍ وشَرٍّ وأبطَلَ أمرَ اللّهِ ونَهيَهُ ووَعدَهُ ووَعيدَهُ ، لِعِلَّةِ ما زَعَمَ أنَّ اللّهَ فَوَّضَها إلَيهِ ؛ لِأَنَّ المُفَوَّضَ إلَيهِ يَعمَلُ بِمَشيئَتِهِ ، فَإِن شاءَ الكُفرَ أوِ الإِيمانَ كانَ غَيرَ مَردودٍ عَلَيهِ ولا مَحظورٍ ، فَمَن دانَ بِالتَّفويضِ عَلى هذَا المَعنى فَقَد أبطَلَ جَميعَ ما ذَكَرنا مِن وَعدِهِ ووَعيدِهِ وأمرِهِ ونَهيِهِ وهُوَ مِن أهلِ هذِهِ الآيَةِ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَ_بِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَ لِكَ مِنكُمْ إِلَا خِزْىٌ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَ_فِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (1) ، تَعالَى اللّهُ عَمّا يَدينُ بِهِ أهلُ التَّفويضِ عُلُوّا كَبيرا . لكِن نَقولُ : إنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ خَلَقَ الخَلقَ بِقُدرَتِهِ ومَلَّكَهُمُ استِطاعَةً تَعَبَّدَهُم بِها ، فَأَمَرَهُم ونَهاهُم بِما أرادَ فَقَبِلَ مِنهُمُ اتِّباعَ أمرِهِ ورَضِيَ بِذلِكَ لَهُم . ونَهاهُم عَن مَعصِيَتِهِ وذَمَّ مَن عَصاهُ وعاقَبَهُ عَلَيها وللّهِِ الخِيَرَةُ فِي الأَمرِ وَالنَّهيِ ، يَختارُ ما يُريدُ ويَأمُرُ بِهِ ويَنهى عَمّا يَكرَهُ ويُعاقِبُ عَلَيهِ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَها عِبادَهُ لِاتِّباعِ أمرِهِ وَاجتِنابِ مَعاصيهِ ؛ لِأَنَّهُ ظاهِرُ العَدلِ وَالنَّصَفَةِ وَالحِكمَةِ البالِغَةِ ، بالِغُ الحُجَّةَ بِالإِعذارِ وَالإِنذارِ ، وإلَيهِ الصَّفوَةُ يَصطَفي مِن عِبادِهِ مَن يَشاءُ لِتَبليغِ رِسالَتِهِ وَاحتِجاجِهِ عَلى عِبادِهِ ، اصطَفى مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وبَعَثَهُ بِرِسالاتِهِ إلى خَلقِهِ ، فَقالَ مَن قالَ مِن كُفّارِ قَومِهِ حَسَدا وَاستِكبارا : «لَوْلَا نُزِّلَ هَ_ذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» (2) ، يَعني بِذلِكَ اُمَيَّةَ بنَ أبِي الصَّلتِ وأبا مَسعودٍ الثَّقَفِيَّ ، فَأَبطَلَ اللّهُ اختِيارَهُم ولَم يُجِز لَهُم آراءَهُم ، حَيثُ يَقولُ : «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم
.
ص: 259
مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَ_تٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (1) . ولِذلِكَ اختارَ مِنَ الاُمورِ ما أحَبَّ ونَهى عَمّا كَرِهَ ، فَمَن أطاعَهُ أثابَهُ ومَن عَصاهُ عاقَبَهُ ، ولَو فَوَّضَ اختِيارَ أمرِهِ إلى عِبادِهِ لَأَجازَ لِقُرَيشٍ اختِيارَ اُمَيَّةَ بنِ أبِي الصَّلتِ وأبي مَسعودٍ الثَّقَفِيِّ ، إذ كانا عِندَهُم أفضَلَ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . فَلَمّا أدَّبَ اللّهُ المُؤمِنينَ بِقَولِهِ : «وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» (2) ، فَلَم يُجِز لَهُمُ الاِختِيارَ بِأَهوائِهِم ولَم يَقبَل مِنهُم إلَا اتِّباعَ أمرِهِ وَاجتِنابَ نَهيِهِ عَلى يَدَي مَنِ اصطَفاهُ ، فَمَن أطاعَهُ رَشَدَ ومَن عَصاهُ ضَلَّ وغَوى ولَزِمَتهُ الحُجَّةُ بِما مَلَّكَهُ مِنَ الاِستِطاعَةِ لِاتِّباعِ أمرِهِ وَاجتِنابِ نَهيِهِ ، فَمِن أجلِ ذلِكَ حَرَمَهُ ثَوابَهُ وأنزَلَ بِهِ عِقابَهُ . وهذَا القَولُ بَينَ القَولَينِ لَيسَ بِجَبرٍ ولا تَفويضٍ ، وبِذلِكَ أخبَرَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ عَبايَةَ بنَ رِبعِيٍّ الأَسَدِيَّ حينَ سَأَلَهُ عَنِ الاِستِطاعَةِ الَّتي بِها يَقومُ ويَقعُدُ ويَفعَلُ فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : سَأَلتَ عَنِ الاِستِطاعَةِ تَملِكُها مِن دونِ اللّهِ أو مَعَ اللّهِ ، فَسَكَتَ عَبايَةُ ، فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : قُل يا عَبايَةُ . قالَ : وما أقولُ ؟ ... قالَ عليه السلام : تَقولُ : إنَّكَ تَملِكُها بِاللّهِ الَّذي يَملِكُها مِن دونِكَ ، فَإِن يُمَلِّكها إيّاكَ كانَ ذلِكَ مِن عَطائِهِ ، وإن يَسلُبكَها كانَ ذلِكَ مِن بَلائِهِ ، هُوَ المالِكُ لِما مَلَّكَكَ وَالقادِرُ عَلى
.
ص: 260
ما عَلَيهِ أقدَرَكَ ، أما سَمِعتَ النّاسَ يَسأَلونَ الحَولَ وَالقُوَّةَ حينَ يَقولونَ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . قالَ عَبايَةُ : وما تَأويلُها يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ عليه السلام : لا حَولَ عَنِ مَعاصِي اللّهِ إلّا بِعِصمَةِ اللّهِ ولا قُوَّةَ لَنا عَلى طاعَةِ اللّهِ إلّا بِعَونِ اللّهِ ، قالَ : فَوَثَبَ عَبايَةُ فَقَبَّلَ يَدَيهِ ورِجلَيهِ . ورُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حينَ أتاهُ نَجدَةُ يَسأَلُهُ عَن مَعرِفَةِ اللّهِ ، قالَ : يا أميرَالمُؤمِنينَ بِماذا عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قالَ عليه السلام : بِالتَّمييزِ الَّذي خَوَّلَني وَالعَقلِ الَّذي دَلَّني . قالَ : أفَمَجبولٌ أنتَ عَلَيهِ ؟ قالَ : لَو كُنتُ مَجبولاً ما كُنتُ مَحمودا عَلى إحسانٍ ولا مَذموما عَلى إساءَةٍ ، وكانَ المُحسِنُ أولى بِاللّائِمَةِ مِنَ المُسيءِ ، فَعَلِمتُ أنَّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ وما دونَهُ حَدَثٌ حائِلٌ زائِلٌ ، ولَيسَ القَديمُ الباقي كَالحَدَثِ الزّائِلِ . قالَ نَجدَةُ : أجِدُكَ أصبَحتَ حَكيما يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ قالَ : أصبَحتُ مُخَيَّرا ، فَإِن أتَيتُ السَّيِّئَةَ بِمَكانِ الحَسَنَةِ فَأَنَا المُعاقَبُ عَلَيها . ورُوِيَ عَن أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام أنَّهُ قالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ بَعدَ انصِرافِهِ مِنَ الشّامِ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن خُروجِنا إلَى الشّامِ بِقَضاءٍ وقَدَرٍ ؟ قالَ عليه السلام : نَعَم يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً (1) ولا هَبَطتُم وادِيا إلّا بِقَضاءٍ وقَدَرٍ مِنَ اللّهِ .
.
ص: 261
فَقالَ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ عليه السلام : مَه يا شَيخُ ، فَإِنَّ اللّهَ قَد عَظَّمَ أجرَكُم في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفِي انصِرافِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن اُمورِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ ، لَعَلَّكَ ظَنَنتَ أنَّهُ قَضاءٌ حَتمٌ وقَدَرٌ لازِمٌ ، لَو كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ولَسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعيدُ ، ولَما اُلزِمَتِ الأَشياءُ أهلَها عَلَى الحَقائِقِ ؛ ذلِكَ مَقالَةُ عَبَدَةِ الأَوثانِ وأولِياءِ الشَّيطانِ ، إنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ أمَرَ تَخييرا ونَهى تَحذيرا ولَم يُطَع مُكرِها ولَم يُعصَ مَغلوبا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً «ذَ لِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ» . فَقامَ الشَّيخُ فَقَبَّلَ رَأسَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وأنشَأَ يَقولُ : أنتَ الإِمامُ الَّذي نَرجو بِطاعَتِهِ يَومَ النَّجاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفرانا أوضَحتَ مِن دينِنا ما كانَ مُلتَبِسا جَزاكَ رَبُّكَ عَنّا فيهِ رِضوانا فَلَيسَ مَعذِرَةٌ في فِعلِ فاحِشَةٍ قَد كُنتُ راكِبَها ظُلما وعِصيانا فَقَد دَلَّ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عَلى مُوافَقَةِ الكِتابِ ونَفيِ الجَبرِ وَالتَّفويضِ اللَّذَينِ يُلزِمانِ مَن دانَ بِهِما وتَقَلَّدَهُمَا الباطِلَ وَالكُفرَ وتَكذيبَ الكِتابِ ونَعوذُ بِاللّهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالكُفرِ ، ولَسنا نَدينُ بِجَبرٍ ولا تَفويضٍ ، لكِنّا نَقولُ بِمَنزِلَةٍ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وهُوَ الاِمتِحانُ وَالاِختِبارُ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَنَا اللّهُ وتَعَبَّدَنا بِها عَلى ما شَهِدَ بِهِ الكِتابُ ، ودانَ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَبرارُ مِن آلِ الرَّسولِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم .
.
ص: 262
ومَثَلُ الاِختِبارِ بِالاِستِطاعَةِ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدا ومَلَكَ مالاً كَثيرا أحَبَّ أن يَختَبِرَ عَبدَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِما يَؤولُ إلَيهِ ، فَمَلَّكَهُ مِن مالِهِ بَعضَ ما أحَبَّ ووَقَفَهُ عَلى اُمورٍ عَرَّفَهَا العَبدَ ، فَأَمَرَهُ أن يَصرِفَ ذلِكَ المالَ فيها ونَهاهُ عَن أسبابٍ لَم يُحِبَّها وتَقَدَّمَ إلَيهِ أن يَجتَنِبَها ولا يُنفِقَ مِن مالِهِ فيها ، وَالمالُ يُتَصَرَّفُ في أيِّ الوَجهَينِ ، فَصَرفُ المالَ أحَدُهُما فِي اتِّباعِ أمرِ المَولى ورِضاهُ ، وَالآخَرُ صَرفُهُ فِي اتِّباعِ نَهيِهِ وسَخَطِهِ . وأسكَنَهُ دارَ اختِبارٍ أعلَمَهُ أنَّهُ غَيرُ دائِمٍ لَهُ السُّكنى فِي الدّارِ ، وأنَّ لَهُ دارا غَيرَها وهُوَ مُخرِجُهُ إلَيها فيها ثَوابٌ وعِقابٌ دائِمانِ . فَإِن أنفَذَ العَبدُ المالَ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ فِي الوَجهِ الَّذي أمَرَهُ بِهِ جَعَلَ لَهُ ذلِكَ الثَّوابَ الدّائِمَ في تِلكَ الدّارِ الَّتي أعلَمَهُ أنَّهُ مُخرِجُهُ إلَيها ، وإن أنفَقَ المالَ فِي الوَجهِ الَّذي نَهاهُ عَن إنفاقِهِ فيهِ جَعَلَ لَهُ ذلِكَ العِقابَ الدّائِمَ في دارِ الخُلودِ . وقَد حَدَّ المَولى في ذلِكَ حَدّا مَعروفا وهُوَ المَسكَنُ الَّذي أسكَنَهُ فِي الدّارِ الاُولى ، فَإِذا بَلَغَ الحَدَّ استَبدَلَ المَولى بِالمالِ وبِالعَبدِ عَلى أنَّهُ لَم يَزَل مالِكا لِلمالِ وَالعَبدِ فِي الأَوقاتِ كُلِّها ، إلّا أنَّهُ وَعَدَ ألّا يَسلُبَهُ ذلِكَ المالَ ما كانَ في تِلكَ الدّارِ الاُولى إلى أن يَستَتِمَّ سُكناهُ فيها ، فَوَفى لَهُ ؛ لِأَنَّ مِن صِفاتِ المَولى العَدلَ وَالوَفاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكمَةَ ، أوَ لَيسَ يَجِبُ إن كانَ ذلِكَ العَبدُ صَرَفَ ذلِكَ المالَ فِي الوَجهِ المَأمورِ بِهِ أن يَفِيَ لَهُ بِما وَعَدَهُ مِنَ الثَّوابِ ، وتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِأَنِ استَعمَلَهُ في دارٍ فانِيَةٍ وأثابَهُ عَلى طاعَتِهِ فيها نَعيما في دارٍ باقِيَةٍ دائِمَةٍ . وإن صَرَفَ العَبدُ المالَ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ أيّامَ سُكناهُ تِلكَ الدّارَ الاُولى فِي الوَجهِ المَنهِيِّ عَنهُ وخالَفَ أمرَ مَولاهُ ، كَذلِكَ تَجِبُ عَلَيهِ العُقوبَةُ الدّائِمَةُ الَّتي حَذَّرَهُ إيّاها ،
.
ص: 263
غَيرَ ظالِمٍ لَهُ لِما تَقَدَّمَ إلَيهِ وأعلَمَهُ وعَرَّفَهُ وأوجَبَ لَهُ الوَفاءَ بِوَعدِهِ ووَعيدِهِ ، بِذلِكَ يوصَفُ القادِرُ القاهِرُ . وأمَّا المَولى فَهُوَ اللّهُ جَلَّ وعَزَّ ، وأمَّا العَبدُ فَهُوَ ابنُ آدَمَ المَخلوقُ ، وَالمالُ قُدرَةُ اللّهِ الواسِعَةُ ، ومِحنَتُهُ إظهارُهُ الحِكمَةَ وَالقُدرَةَ ، وَالدّارُ الفانِيَةُ هِيَ الدُّنيا وبَعضُ المالِ الَّذي مَلَّكَهُ مَولاهُ هُوَ الاِستِطاعَةُ الَّتي مَلَّكَ ابنَ آدَمَ . وَالاُمورُ الَّتي أمَرَ اللّهُ بِصَرفِ المالِ إلَيها هُوَ الاِستِطاعَةُ لِاتِّباعِ الأَنبِياءِ وَالإِقرارِ بِما أورَدوهُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وعَزَّ ، وَاجتِنابُ الأَسبابِ الَّتي نَهى عَنها هِيَ طُرُقُ إبليسَ . وأمّا وَعدُهُ فَالنَّعيمُ الدّائِمُ وهِيَ الجَنَّةُ . وأمَّا الدّارُ الفانِيَةُ فَهِيَ الدُّنيا ، وأمَّا الدّارُ الاُخرى فَهِيَ الدّارُ الباقِيَةُ وهِيَ الآخِرَةُ . وَالقَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفويضِ هُوَ الاِختِبارُ وَالاِمتِحانُ وَالبَلوى بِالاِستِطاعَةِ الَّتي مَلَّكَ العَبدَ . وشَرحُها فِي الخَمسَةِ الأَمثالِ الَّتي ذَكَرَهَا الصّادِقُ عليه السلام (1) أنَّها جَمَعَت جَوامِعَ الفَضلِ ، وأنَا مُفَسِّرُها بِشَواهِدَ مِنَ القُرآنِ وَالبَيانِ إن شاءَ اللّهُ . أمّا قَولُ الصّادِقِ عليه السلام ، فَإِنَّ مَعناهُ كَمالُ الخَلقِ لِلإِنسانِ ، وكَمالُ الحَواسِّ وثَباتُ العَقلِ وَالتَّمييزِ وإطلاقُ اللِّسانِ بِالنُّطقِ ؛ وذلِكَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَ_هُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَ_هُم مِّنَ الطَّيِّبَ_تِ وَ فَضَّلْنَ_هُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» (2) ، فَقَد أخبَرَ عز و جل عَن تَفضيلِهِ بَني آدَمَ عَلى سائِرِ خَلقِهِ مِنَ البَهائِمِ وَالسِّباعِ ودَوابِّ البَحرِ وَالطَّيرِ وكُلِّ ذي حَرَكَةٍ تُدرِكُهُ حَواسُّ بَني آدَمَ بِتَمييزِ العَقلِ وَالنُّطقِ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَ_نَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (3) . وقَولُهُ : «يَ_أَيُّهَا الْاءِنسَ_نُ مَا
.
ص: 264
غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ» (1) ، وفي آياتٍ كَثيرَةٍ . فَأَوَّلُ نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الإِنسانِ صِحَّةُ عَقلِهِ وتَفضيلُهُ عَلى كَثيرٍ مِن خَلقِهِ بِكَمالِ العَقلِ وتَمييزِ البَيانِ ، وذلِكَ أنَّ كُلَّ ذي حَرَكَةٍ عَلى بَسيطِ الأَرضِ هُوَ قائِمٌ بِنَفسِهِ بِحَواسِّهِ مُستَكمِلٌ في ذاتِهِ ، فَفَضَّلَ بَني آدَمَ بِالنُّطقِ الَّذي لَيسَ في غَيرِهِ مِنَ الخَلقِ المُدرِكِ بِالحَواسَّ ، فَمِن أجلِ النُّطقِ مَلَّكَ اللّهُ ابنَ آدَمَ غَيرَهُ مِنَ الخَلقِ ، حَتّى صارَ آمِرا ناهِيا وغَيرُهُ مُسَخَّرٌ لَهُ ، كَما قالَ اللّهُ : «كَذَ لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ» (2) ، وقالَ : «وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّاوَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا» (3) ، وقالَ : «وَ الْأَنْعَ_مَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَ_فِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ * وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَ__لِغِيهِ إِلَا بِشِقِّ الْأَنفُسِ» (4) . فَمِن أجلِ ذلِكَ دَعَا اللّهُ الإِنسانَ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ وإلى طاعَتِهِ ، بِتَفضيلِهِ إيّاهُ بِاستِواءِ الخَلقِ وكَمالِ النُّطقِ وَالمَعرِفَةِ بَعدَ أن مَلَّكَهُمُ استِطاعَةَ ما كانَ تَعَبَّدَهُم بِهِ ، بِقَولِهِ : «فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُواْ وَ أَطِيعُواْ» ، (5) وقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا» (6) ، وقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا مَا ءَاتَاهَا» (7) ، وفي آياتٍ كَثيرَةٍ . فَإِذا سَلَبَ مِنَ العَبدِ حاسَّةً مِن حَواسِّهِ رَفَعَ العَمَلَ عَنهُ بِحاسَّتِهِ ، كَقَولِهِ : «لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ» (8) الآيَةَ .
.
ص: 265
فَقَد رَفَعَ عَن كُلِّ مَن كانَ بِهذِهِ الصِّفَةِ الجِهادَ وجَميعَ الأَعمالِ الَّتي لا يَقومُ بِها ، وكَذلِكَ أوجَبَ عَلى ذِي اليَسارِ الحَجَّ وَالزَّكاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنِ استِطاعَةِ ذلِكَ ولَم يوجِب عَلَى الفَقيرِ الزَّكاةَ وَالحَجَّ ؛ قَولُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً» (1) ، وقَولُهُ فِي الظِّهارِ : «وَ الَّذِينَ يُظَ_هِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» إلى قَولِهِ : «فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» (2) . كُلُّ ذلِكَ دَليلٌ عَلى أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَم يُكَلِّف عِبادَهُ إلّا ما مَلَّكَهُمُ استِطاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ ونَهاهُم عَن مِثلِ ذلِكَ ، فَهذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ . وأمّا قَولُهُ : تَخلِيَةُ السَّربِ فَهُوَ الَّذي لَيسَ عَلَيهِ رَقيبٌ يَحظُرُ عَلَيهِ ويَمنَعُهُ العَمَلَ بِما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وذلِكَ قَولُهُ فيمَنِ استُضعِفَ وحُظِرَ عَلَيهِ العَمَلُ فَلَم يَجِد حيلَةً ولا يَهتَدي سَبيلاً ، كَما قالَ اللّهُ تَعالى : «إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً» (3) ، فَأَخبَرَ أنَّ المُستَضعَفَ لَم يُخَلَّ سَربُهُ ولَيسَ عَلَيهِ مِنَ القَولِ شَيءٌ إذا كانَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِالإِيمانِ . وأمَّا المُهلَةُ فِي الوَقتِ فَهُوَ العُمُرُ الَّذي يُمَتَّعُ الإِنسانُ مِن حَدِّ ما تَجِبُ عَلَيهِ المَعرِفَةُ إلى أجَلِ الوَقتِ ، وذلِكَ مِن وَقتِ تَمييزِهِ وبُلوغِ الحُلُمِ إلى أن يَأتِيَهُ أجَلُهُ . فَمَن ماتَ عَلى طَلَبِ الحَقِّ ولَم يُدرِك كَمالَهُ فَهُوَ عَلى خَيرٍ ؛ وذلِكَ قَولُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (4) الآيَةَ ، وإن كانَ لَم يَعمَل بِكَمالِ شَرائِعِهِ
.
ص: 266
لِعِلَّةِ ما لَم يُمهِلهُ فِي الوَقتِ إلَى استِتمامِ أمرِهِ . وقَد حَظَرَ عَلَى البالِغِ ما لَم يَحظُر عَلَى الطِّفلِ إذا لَم يَبلُغِ الحُلُمَ في قَولِهِ : «وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَ_تِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَ_رِهِنَّ» (1) الآيَةَ ، فَلَم يَجعَل عَلَيهِنَّ حَرَجا في إبداءِ الزّينَةِ لِلطِّفلِ ، وكَذلِكَ لا تَجري عَلَيهِ الأَحكامُ . وأمّا قَولُهُ : الزّادُ . فَمَعناهُ الجِدَةُ (2) وَالبُلغَةُ (3) الَّتي يَستَعينُ بِهَا العَبدُ عَلى ما أمَرَهُ اللّهُ بِهِ . وذلِكَ قَولُهُ : «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ» (4) الآيَةَ ، ألاتَرى أنَّهُ قَبِلَ عُذرَ مَن لَم يَجِد ما يُنفِقُ ، وألزَمَ الحُجَّةَ كُلَّ مَن أمكَنَتهُ البُلغَةُ وَالرّاحِلَةُ لِلحَجِّ وَالجِهادِ وأشباهِ ذلِكَ ، وكَذلِكَ قَبِلَ عُذرَ الفُقَراءِ وأوجَبَ لَهُم حَقّا في مالِ الأَغنِياءِ بِقَولِهِ : «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَ_هُمْ لَا يَسْ_ئلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» (5) ، فَأَمَرَ بِإِعفائِهِم ولَم يُكَلِّفهُمُ الإِعدادَ لِما لا يَستَطيعونَ ولا يَملِكونَ . وأمّا قَولُهُ فِي السَّبَبِ المُهَيِّجِ : فَهُوَ النِّيَّةُ الَّتي هِيَ داعِيَةُ الإِنسانِ إلى جَميعِ الأَفعالِ وحاسَّتُهَا القَلبُ ، فَمَن فَعَلَ فِعلاً وكانَ بِدينٍ لَم يَعقِد قَلبُهُ عَلى ذلِكَ لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ عَمَلاً إلّا بِصِدقِ النِّيَّةِ ، ولِذلِكَ أخبَرَ عَنِ المُنافِقينَ بِقَولِهِ : «يَقُولُونَ بِأَفْوَ هِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ» (6) ، ثُمَّ أنزَلَ عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله تَوبيخا لِلمُؤمِنينَ : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ» (7) الآيَةَ ، فَإِذا قالَ الرَّجُلُ قَولاً وَاعتَقَدَ
.
ص: 267
في قَولِهِ دَعَتهُ النِّيَّةُ إلى تَصديقِ القَولِ بِإِظهارِ الفِعلِ ، وإذا لَم يَعتَقِدِ القَولَ لَم تَتَبَيَّن حَقيقَتُهُ . وقَد أجازَ اللّهُ صِدقَ النِّيَّةِ وإن كانَ الفِعلُ غَيرَ مُوافِقٍ لَها لِعِلَّةِ مانِعٍ يَمنَعُ إظهارَ الفِعلِ في قَولِهِ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْاءِيمَ_نِ» (1) ، وقَولِهِ : «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَ_نِكُمْ» (2) ، فَدَلَّ القُرآنُ وأخبارُ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله أنَّ القَلبَ مالِكٌ لِجَميعِ الحَواسِّ يُصَحِّحُ أفعالَها ولا يُبطِلُ ما يُصَحِّحُ القَلبُ شَيءٌ . فَهذا شَرحُ جَميعِ الخَمسَةِ الأَمثالِ الَّتي ذَكَرَهَا الصّادِقُ عليه السلام أنَّها تَجمَعُ المَنزِلَةَ بَينَ المَنزِلَتَينِ وهُمَا الجَبرُ وَالتَّفويضُ ، فَإِذَا اجتَمَعَ فِي الإِنسانِ كَمالُ هذِهِ الخَمسَةِ الأَمثالِ وَجَبَ عَلَيهِ العَمَلُ كَمُلاً لِما أمَرَ اللّهُ عز و جل بِهِ ورَسُولُهُ ، وإذا نَقَصَ العَبدُ مِنها خَلَّةً كانَ العَمَلُ عَنها مَطروحا بِحَسَبِ ذلِكَ . (3)
.
ص: 268
. .
ص: 269
تحليل حول الجبر والتفويض والأمر بين الأمرينلقد شَغلَ موضوع الجبر والتفويض ذهن الإنسان منذ القدم ، فإذا ألقينا نظرة على الفلسفة في العصور القديمة ، فسوف نرى أنّ الرواقيّين كانوا يعتقدون بالجبر، (1) والأبيقوريّين بالتفويض، (2) وذلك في القرن الرابع قبل الميلاد . وما يزال البحث في هذا الموضوع متواصلاً في العصر الحديث أيضا ، فهناك يقف من جانب ديكارت الّذي يؤمن بالتفويض، (3) ويطالعنا في الجانب الآخر إسبينوزا الّذي كان جبريّا . (4) إنّ القرآن الكريم ينقل عن مشركي مكّة أنّهم كانوا يستغلّون نظريّة الجبر لتبرير شركهم ، حيث كانوا يقولون : «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءَابَاؤُنَا» . (5) وتدلّ الروايات التاريخيّة على أنّ الاعتقاد بالجبر ، أو على الأقلّ التساؤل حول هذا الموضوع كان مطروحا في صدر الإسلام بشكلّ جدّي . (6)
.
ص: 270
ومن أجل تسليط الضوء على هذه المسألة ، فقد درسنا هذا الموضوع في ثلاثة أقسام ، هي : «نظريّة الجبر» ، «نظريّة التفويض» ، و «نظريّة الأمر بين الأمرين» .
أولاً : نظريّة الجبرإنّ الجبر يقف في مقابل الاختيار والحرّية ، فالإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك القدرة والاختيار والحريّة ؛ فالإنسان القادر المختار هو الّذي يتمتّع بقوّة إرادة واختيار في أداء عملٍ معيّنٍ وإنجازه ، كذلك القدرة على تركه . يذكر العلّامة الحلّي في تعريف القدرة : القدرة صفة تقتضي صحّة الفعل من الفاعل لا إيجابه ؛ فإنّ القادر هو الّذي يصحّ منه الفعل والترك معا . (1) على هذا فإنّ الإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك مثل هذه القدرة والاختيار . على سبيل المثال : فإذا ما اُوثق إنسان وصُبَّ الخَمرُ في فمه قسراً فإنّ هذا الشخص قد شرب الخمر ، ولكنّه ليس مختارا من الناحية العمليّة في القيام بهذا العمل ؛ ذلك لأنّه لم يكن قادراً على ترك هذا الفعل . إنّ أنصار نظريّة الجبر يرونَ أنّ الإنسان لا يمتلك الاختيار في أيّ عَملٍ ، وليس حرّا في ذلك ، بمعنى أنّه لا يمكننا أن نجد عملاً يكون فعله وتركه ممكنين للإنسان .
أنصار «الجبر» في العلوم المختلفةلنظريّة الجبر أنصار في العلوم المختلفة ، ففي كلّ علم يلاحظ فيها منشأ خاصّ . ففي علم الاجتماع يُطرح الجبر الاجتماعي الناجم عن العلاقات الاجتماعيّة المتحكّمة بالإنسان . ويُطرح في علم النفس الجبر النفسيّ الناجم عن الوضع الجسميّ والروحيّ للفرد . وفي الفلسفة ترى طائفة أنّ الجبر العلّي المعلولي (السببي
.
ص: 271
المسبّبي) هو مصدر الجبر. ويطرح علماء الكلام الجبر باعتباره صادرا من اللّه وإرادته وبسبب قضائه وقدره . والّذي يهمّنا في هذا البحث هو الجبر المطروح في علم الكلام ، رغم أنّنا سنشير إلى ردّ أنواع الجبر الاُخرى بعد إثبات بطلان هذا النوع من الجبر . يصرّح الشهرستاني حول الجبر المطروح في علم الكلام وأقسامه قائلاً : الجبر هو نفي الفعل حقيقةً عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى . والجبرية أصناف : فالجبريّة الخالصة هي الّتي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً ، والجبريّة المتوسّطة هي الّتي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلاً . (1) ويعدّ المرجئة الجبريّة بزعامة جهم بن صفوان (2) ، أوّل فرقة ذكرت في كتب المذاهب والفرق الإسلاميّة باسم الجبريّة ، وتُسمّى بالجهميّة أيضا ، وهم الجبريّة الخالصة . (3) ويصف الشهرستاني عقيدة جهم قائلاً : إنّ الإنسان لا يقدر على شيء ولا يُوصف بالاستطاعة ، وإنّما هو مجبور في أفعاله ، لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار . وإنّما يخلق اللّه تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتُنسب إليه الأفعال مجازا كما تُنسب إلى الجمادات ، كما يُقال : أثمرت الشجرة ، وجرى الماء ، وتحرّك
.
ص: 272
الحجر ، وطلعت الشمس وغربت ، وتغيّمت السماء وأمطرت ، واهتزّت الأرض وأنبتت ، إلى غير ذلك ، والثواب والعقاب جبر كما أنّ الأفعال كلّها جبر . قال : وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضا كان جبرا . (1) يمثّل أهل الحديث أحد التيّارات العقيديّة المهمّة في الإسلام ، وهم لا يعتبرون أنفسهم من أهل الجبر ، ولكنّ كلامهم يستلزم الجبر . يذكر أحمد بن حنبل في رسالته الاعتقادية : واللّه عز و جل قضى قضاءه على عباده ، لا يجاوزون قضاءه بل كلّهم صائرون إلى ما خلقهم له ، واقعون فيما قدّر عليهم لا محالة ، وهو عدل منه عز و جل . والزنى ، والسرقة ، وشرب الخمر ، وقتل النفس ، وأكل المال الحرام ، والشرك باللّه عز و جل ، والذنوب والمعاصي كلّها بقضاءٍ وقدرٍ من اللّه عز و جل ، من غير أن يكون لأحدٍ من الخلق على اللّه حجّة ، بل للّه عز و جل الحجّة البالغة على خلقه «لَا يُسْ_ئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْ_ئلُونَ» ... ومن زعم أنّ اللّه عز و جل شاء لعباده الّذين عصوا الخير والطاعة ، وأنّ العباد شاؤوا لأنفسهم الشرّ والمعصية يعملون على مشيئتهم ، فقد زعم أنّ مشيئة العباد أغلب من مشيئة اللّه عز و جل . فأيّ افتراء على اللّه أكبر من هذا؟ . (2) إنّ الأشاعرة يُعدّون المصداق البارز للجبريّة المتوسّطة ، رغم أنّهم لا يعتبرون أنفسهم جبريّين . ويؤمن الأشعري بعموميّة القضاء والقدر الجبريّين في الأفعال ، ويرى أنّ كلّ الأشياء _ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة _ مخلوقة من قبل اللّه سبحانه . يقول أبو الحسن الأشعري (المؤسس لنظرية الاشاعره) : لافاعل له على حقيقته إلّا اللّه تعالى . (3)
.
ص: 273
وقد طرح نظريّة «الكسب» من أجل أن يتفادى الجبر وينسب دورا ما للإنسان ، فهو يرى أنّ القدرة القديمة هي وحدها المؤثّرة في الخلق وإيجاد الفعل ، وهذه القدرة للّه . وأمّا الإنسان فهو يتمتّع بالقدرة الحادثة ، وأثر هذه القدرة هو الإحساس بالحريّة والاختيار ، لا القيام بالفعل . والمراد من «الكسب» هو اقتران إيجاد الفعل في الإنسان مع إيجاد القدرة الحادثة فيه ، ولكن بما أنّ كلّاً من الفعل والقدرة الحادثتين يصدران من قِبل اللّه ، فإنّ «الكسب» أيضا سيكون مخلوقا من قبل اللّه عز و جل ، كما يقول الأشعريّ : إن قال قائل لِمَ زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة للّه تعالى ؟ قيل له : قلنا ذلك لأنّ اللّه تعالى قال : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» (1) . (2) بناءً على ذلك، فإنّ الأشعريّ يعتبر الإنسان ممتلكا للقدرة الحادثة ، ولكنّ هذه القدرة ليس لها أثر في إيجاد الفعل ، وهو نفس نظريّة الجبريّة المتوسّطة . والسبب في أنّ الأشعريّ ينسب الكسب إلى الإنسان ، هو أنّ الفعل والقدرة الحادثة يحدثان في الإنسان ، كما يقال للشيء الّذي حلّت فيه الحركة : متحرّك . (3)
أدلّة نظرية الجبر ونقدهالقد تمسّك أنصار نظريّة الجبر بدليلين ، سنقوم فيما يلي بطرحهما ونقدهما بشكلٍ إجمالي:
1 . التمسّك بالقضاء والقدريُعدّ القضاء والقدر الإلهييّن أهمّ أدلّة المتكلّمين من أهل الجبر . وقد لاحظنا ما قاله أحمد بن حنبل الّذي يعتبر اختيار الإنسان متنافيا مع القضاء والقدر الإلهيّين ،
.
ص: 274
فهو يرى أنّ اللّه إذا قدّر فعلاً للإنسان مثل شرب الخمر ، فإن كان الإنسان حرّا في ترك شرب الخمر ، وتركه فهذا يعني أنّ اللّه مغلوب والإنسان غالب .
نقد الدليل الأوّل لأنصار الجبريجب القول إجابةً على هذا الدليل : إنّ القضاء والقدر في أفعال الإنسان الاختياريّة لا يعنيان إجبار الناس على أعمال خاصّة ، بل إنّ التقدير الإلهيّ في هذا المجال يعني أنّ اللّه حدّد قدرة الإنسان ومنحه القدرة بمقدارٍ معيّن ، ويعني القضاء الإلهي أنّ اللّه حكم بهذا التحديد وأوجده ، كما أنّ استخدام هذه القدرة المحدودة مشروط بإذن اللّه . على هذا فإذا ارتكب الإنسان المعصية ، فإنّ هذا لا يعني أنّ اللّه أصبح مغلوبا ؛ ذلك لأنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على المعصية ، ولم يمنعه من صدور المعصية من الناحية التكوينيّة عند ارتكابها ، رغم أنّه أعلن للناس من الناحية التشريعيّة وعن طريق رسله أنّه لا يرضى بارتكاب المعاصي من الناحية التشريعيّة .
2 . التمسّك بالتوحيد الأفعاليالدليل الآخر لأنصار الجبر ومن جملتهم الأشعريّ هو : التوحيد الأفعالي ، حيث يعدّ اللّه بموجبه فاعل جميع الأفعال . ويستدلّ في هذا المجال بالآية : «وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ مَا تَعْمَلُونَ» ، واعتبر أنّ المراد من «ما تعملون» جميع أفعال الناس .
نقد الدليل الثاني لأنصار الجبريجب القول فيما يتعلّق بالتوحيد الأفعالي : إنّ هذا التوحيد إذا كان يعني القيام بجميع الأفعال _ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة وذنوبه _ من قبل اللّه _ تعالى _ فإنّ ذلك لا يعني إلّا الجبر نفسه ، وهو غير صحيح ، والمعنى الصحيح للتوحيد الأفعالي هو أنّ قدرة القيام بجميع الأفعال هي من جانب اللّه ، فحتّى عندما يقوم الإنسان بالفعل الاختياريّ ، فإنّه في الحقيقة قد اكتسب القدرة على هذا الفعل من اللّه . والآية
.
ص: 275
المذكورة خطاب لعبدة الأوثان ، والمراد من «ما تعملون» هو الأصنام لا أفعال الناس .
أدلّة بطلان الجبربالإضافة إلى أنّ دليل أنصار الجبر لا يكفي لاثبات هذا الادّعاء ، ولا يوجد في الحقيقة دليل يثبت هذه النظريّة ، فإنّ هناك عدّة أدّلة تثبت بطلان هذه النظريّة :
1 . العلم الحضوري بالحريّة في الأفعالإنّ أوضح دليل لردّ نظريّة الجبر ، هو الوجدان والعلم الحضوريّ للإنسان بنفسه وأفعاله . فإذا ما عاد الإنسان إلى نفسه وتوجّه إلى أفعاله ، فإنّه سيدرك أنّه إذا أراد القيام بعملٍ فإنّ بإمكانه أن لا يريد القيام به ، كما أنّه إذا لم يرد القيام بعملٍ ما ولم يفعله ، أنّه كان بإمكانه أن يريد ذلك العمل ويقوم به . ومعنى الاختيار هو هذه الحرّية في الفعل والترك ، والعلم الحضوري هو أقوى علم للإنسان وأكثره قيمة . على هذا الأساس يثبت بطلان نظريّة الجبر الخالص ؛ ذلك لأنّ للإنسان علما حضوريّا ووجدانيّا بقدرته . كما تبطل نظريّة الجبر المتوسّط أيضاً ؛ لأنّ الإنسان له علم حضوريّ بتأثير قدرته على عمله الاختياريّ . إنّ هذا البرهان كما يبطل الجبر الكلاميّ ، فإنّه يبطل الجبر الاجتماعيّ والنفسيّ والفلسفيّ أيضا ، فرغم أنّ تركيبة المجتمع والجسم والنفس تؤثّر على أفعال الإنسان ، وأنّ هذا التأثير كبير بشكلٍ خارق للعادة في بعض الحالات ، ولكنّ الإنسان يدرك بعلمه الحضوريّ أنّ تأثير العوامل المذكورة ليس هو العلّة التامّة للقيام بها ، بل إنّه يستطيع اختيار طريق آخر رغم المقتضيات النفسيّة والاجتماعيّة . بعبارةٍ اُخرى ، إنّ المقتضيات الروحيّة والاجتماعيّة من الممكن أن تعقّد عمليّة الاختيار لفعلٍ معيّن ، إلّا أنّ اختيار العمل الصعب ليس محالاً ، فبمقدور الإنسان أن يختاره ، والواقع العمليّ يشهد على صحّة هذا الادّعاء ، فنحن نلاحظ أنّ بعض
.
ص: 276
الأشخاص يختارون الطريق الصحيح في الحياة رغم فساد الوسط الاُسريّ والاجتماعيّ الّذي يعيشون فيه . في حين نرى على العكس من ذلك أنّ بعض الأشخاص الّذين تربّوا في ظلّ اُسر صالحة وفي محيط نزيه ، يختارون طريق الفساد والضياع . وأما العلّية الفلسفيّة فليست سوى مجموعة العوامل المؤثّرة في أفعال الإنسان ، وهذه العوامل لا تؤدّي أبدا إلى سلب الإرادة من الإنسان . بعبارةٍ اُخرى ، فإنّ العلّية الفلسفيّة لا تتحقّق أبدا بشأن أفعال الإنسان .
2 . عدم جواز إسناد القبح والظلم إلى اللّهإنّ الدليل الآخر على بطلان نظريّة الجبر : هو أنّها تستلزم إسناد الأفعال القبيحة والظلم إلى اللّه ، فإذا اعتبرنا اللّه هو الفاعل لجميع الأفعال ومن جملتها أفعال الإنسان القبيحة ، فسوف ننسب هذه الأفعال إلى اللّه . ومن جهة اُخرى فإنّ إجبار الناس على الذنب ومعاقبتهم على ارتكابه ظلم واضح ، في حين أنّ من المحال عقليّا أن يرتكب اللّه الظلم والأفعال القبيحة . وبسبب هذا الترابط بين نظريّة الجبر والعدل الإلهي ، طَرَح متكلّمو الإماميّة موضوع الجبر والاختيار في ذيل موضوع العدل الإلهيّ ، أو الأفعال الإلهيّة ، ومن خلال ردّ نظريّة الجبر ينفون الظلم والأفعال القبيحة عن اللّه _ تعالى _ . (1) إنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ كلّ إنسان يجازى حسب ما كسبه ، ولا يُظلم أحد في ظلّ النظام الإلهيّ : «مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ» . (2)
.
ص: 277
«الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُ_لْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» . (1) ولا شكّ في أنّ الإنسان إذا كان مجبورا في ارتكاب الأفعال القبيحة ، فإنّ أعماله سوف لا تكون ممّا كسبه ، وفي هذه الحالة سيكون عقابه ظلما . وقد استعرضنا في الفصل الثامن بشكلٍ مفصّل مسألة الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين من منظار الكتاب والسنّة ، وأكّدنا منافاة نظريّة الجبر للعدالة الإلهيّة ، كما نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام : لا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ . (2) ويروى أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ عَبدا عَلى فِعلٍ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيهِ . (3)
3 . ردّ نفي الحسن والقبح العقليين والتعاليم الدينيةإنّ نظريّة الجبر كما تنفي العدل الإلهيّ كذلك تنفي فلسفة النبوّة والإمامة والمعاد وجميع التعاليم الدينيّة والحسن والقبح العقلييّن ؛ ذلك لأنّ الإنسان المجبور سيكون كالحيوانات والجمادات ، ولا يمكن الحديث عن المسؤوليّة والتكليف والشريعة والمعاد والتعاليم الدينيّة الاُخرى فيما يتعلّق بهذه الموجودات . على هذا فإنّ الأدلّة الّتي تثبّتها التعاليم المذكورة كلّها أدلّة على ردّ نظريّة الجبر أيضا .
ثانيا : نظريّة التفويضالتفويض في اللغة يعني : إيكال أمرٍ إلى آخر وتسليمه إليه ، وله معانٍ عديدة في الأحاديث وعلم الكلام . هنا نشير أوّلاً إلى هذه المعاني ، ثمّ نبيّن المعنى الذي هو موضوع البحث في مسألة الجبر والاختيار .
.
ص: 278
معاني التفويضلكلمة التفويض استعمالات مختلفة في الكتاب والسنّة واصطلاح العلماء ، مثل : 1 . التفويض الأخلاقيّ ، أي أن يوكل الإنسان اُمور اللّه إلى اللّه ويتوكّل عليه في أعماله . 2 . التفويض التشريعيّ أو الإباحيّ ، بمعنى أنّ اللّه لم يقرّر تكليفا على الإنسان وأنّه أوكل التشريع إليه . 3 . تفويض بعض الاُمور الدينيّة من جانب اللّه إلى الأنبياء أو أوصيائهم . 4 . التفويض التكوينيّ ، بمعنى إيكال الخلق أو تدبير شؤون المخلوقات إلى الأنبياء أو أوصيائهم . 5 . تفويض تفسير عدد من صفات اللّه عز و جل _ مثل الصفات الخبريّة (1) _ إليه . وممّا يجدر ذكره أنّ أيّا من المعاني المذكورة صحّة وبطلاناً لا يعنينا هنا بالبحث والدراسة . 6 . التفويض في مقابل الجبر ، أي إيكال أفعال الإنسان بشكلٍ مطلق إليه . استنادا إلى هذه النظريّة فعلى الرغم من أنّ الإنسان اكتسب في نطاق الأفعال المفوّضة إليه أصل القدرة على إنجاز الاُمور من اللّه سبحانه ، ولكنّه بعد اكتساب هذه القدرة يمتلك هو نفسه الاستقلاليّة في أفعاله ، وتحقّق هذه الأفعال لا يعتمد على إذن اللّه التكوينيّ ، بل إنّ اللّه فاقد للقدرة والاستطاعة بالنسبة إلى هذه الأفعال . وقد نُسبت هذه النظريّة في تاريخ علم الكلام والفرق والمذاهب إلى فريقين : الفريق الأوّل : القدريّون الأوائل وعلى رأسهم معبد الجهنيّ وغيلان الدمشقيّ ،
.
ص: 279
لكنّ الوثائق التاريخيّة والحديثيّة لا تثبت كون هذا الفريق من المفوّضة ، وإنّما نسبت إليهم عقيدة التفويض ونفي القضاء والقدر الإلهيّين في كتب الفرق والمذاهب . (1) ولا يمكننا أن نصدر حكما قطعيّا في هذا المجال ؛ نظرا إلى أنّ كتب هؤلاء المتكلّمين لم تصلنا . ويتمثّل الفريق الثاني في المعتزلة ، وهذا الفريق لا يعتبر نفسه هو أيضا من المفوّضة أو القدريّة . ويرى متكلّمو الإماميّة عادةً أنّ المعتزلة يؤيّدون الاختيار ويوافقون الإماميّة في الرأي ، (2) إلّا أنّ بعض عقائد المعتزلة يستلزم التفويض . وقد خصّص القاضي عبدالجبار المعتزليّ فصلاً مستقلّاً مسهبا من كتاب المغني تحت عنوان «في استحالة مقدور لقادرين أو لقدرتين» ، وأقام أدلّة عديدة على هذه النظريّة ، ونقل عن اُستاذيه أبي علي الجبائيّ وأبي هاشم الجبائيّ بعض ما يؤيّد هذه النظريّة . استنادا إلى هذه النظريّة فإنّ اللّه ليست له القدرة على أفعال الإنسان ذلك ؛ لأنّ الإنسان قادر على أفعاله الاختياريّة ، بناءً على ذلك فإن كان اللّه قادرا أيضا على هذه الأفعال ، فسيكون ثمَّةَ قادران على مقدورٍ واحدٍ وهو محال . إنّ هذه النظريّة تستلزم عجز اللّه _ جلّ وعلا _ وضعفه والحدّ من سلطته ؛ لأنّ مقتضاها هو أنّ اللّه ليست له سلطة على أفعال الناس الاختياريّة وعاجز عن أن يقف أمام صدور فعل من الإنسان ، في حين أنّ المحدوديّة والعجز والضعف من خصوصيّات المخلوق ولا يمكن نسبة هذه الصفات إلى الخالق . روي عن الإمام الباقر عليه السلام فيما يتعلّق ببطلان نظريّة التفويض إلى جانب بطلان
.
ص: 280
الجبر قوله : لَم يُفَوِّض الأَمرَ إِلى خَلقِهِ وَهنا مِنهُ وَضَعفا ، وَلا أَجبَرَهُم عَلى مَعاصيهِ ظُلما . (1) ونُقل أنّ رجلاً قدريّا دخل الشام وعجز الناس عن مناظرته ، فطلب عبدالملك بن مروان من والي المدينة أن يبعث الإمام الباقر عليه السلام لمناظرته ، فأرسل الإمام ابنه الإمام الصادق عليه السلام للمناظرة . فقال القدريّ للإمام عليه السلام : سل عمّا شئت . فقال الإمام : اقرأ سورَةَ الحَمدِ . فأخذ الرجل بقراءة سورة الحمد حتّى بلغ قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» ، فقال له الإمام : قِف! مَن تَستَعينُ وَما حاجَتُكَ إِلى المَعونَةِ ، إِن كانَ الأَمرُ إِلَيكَ؟! فعجز القدريّ عن الجواب وبهت ، ولاذ بالسكوت . (2) وممّا يجدر ذكره أنّ المعتزلة يعتقدون باختيار الإنسان على أساس نفس الأدلّة السابقة الّتي طُرحت لردّ نظريّة الجبر ، ولكن اتّضح أنّ قولهم بالاختيار انتهى إلى التفويض ، وأمّا نظريّة «الأمر بين الأمرين» الّتي سنذكرها فيما يلي ، فإنّها تدحض التفويض في نفس الوقت الّذي تثبت فيه الاختيار .
ثالثاً : نظريّة لا جبر ولا تفويضاعتبر أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ النظريّة الصحيحة هي القول بمنزلة بين الجبر والتفويض ، في معرض ردّهم على نظريّة الجبر من جهة ونظريّة التفويض ، أو القدر من جهةٍ اُخرى . فنُقل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : لا جَبرَ وَلا قَدَرَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَهُما . (3)
.
ص: 281
على أساس هذه النظريّة فإنّ الناس ليسوا مجبورين ؛ ذلك لأنّهم يمتلكون القدرة والاختيار ، ومن جهةٍ اُخرى فإنّ الأعمال لم تُفوّض إليهم بشكلٍ مطلق ؛ لأنّ اللّه قادر أيضا على مقدورات الناس ، بل إنّ مالكيّة الإنسان في طول مالكيّة اللّه ، واللّه أكثر مالكيّة وقدرة ، لذلك فإنّ بإمكانه متى شاء أن يمنع الإنسان من استخدام القدرة ، أو يمنع تأثيرها في مجالٍ معيّنٍ ، أو أن يسلب من الإنسان أصل القدرة . فقد جاء في الأحاديث : هُوَ ... القادِرُ عَلى ما أَقدَرَهُم عَلَيهِ . (1) هكذا فإنّ خلاصة البحوث والدراسات الّتي أجريناها استنادا إلى نظريّة «لا جبر ولا تفويض» هي : إنّ الإنسان حرّ مختار من جهة ، وهو أمر بديهيّ ووجدانيّ ، على هذا الأساس فإنّ العدل الإلهيّ ونبوّة الأنبياء والمعاد والتكليف اُمور معقولة منطقيّة . ومن جهةٍ اُخرى فإنّ نطاق القدرة والسلطة الإلهيّة لا يصبح محدودا . على هذا الأساس فإنّ أدلّة بطلان نظريّة الجبر والتفويض ، هي أيضا أدلّة إثبات «لا جبر ولا تفويض» .
.
ص: 282
8 / 4مَعنَى الاِستِطاعَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن جَعَلَ الاِستِطاعَةَ إلى نَفسِهِ فَقَد كَفَرَ . (1)
تاريخ دمشق عن عبد اللّه بن جعفر عن الإمام عليّ عليه السلام :أنَّهُ خَطَبَ الناسَ يوما ... فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِمَّن كانَ شَهِدَ مَعَهُ الجَمَلَ ، فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ فَقالَ : بَحرٌ عَميقٌ فَلا تَلِجهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ قالَ : بَيتٌ مُظلِمٌ فَلا تَدخُلهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ قالَ : سِرُّ اللّهِ فَلا تَتَكَلَّفهُ ، قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَنِ القَدَرِ ؟ قالَ : أمّا إذ أبَيتَ ، فَإِنَّهُ أمرٌ بَينَ أمرَينِ ؛ لا جَبرَ ولا تَفويضَ . قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ فُلانا يَقولُ بِالاِستِطاعَةِ وهُوَ حاضِرُكَ ، فَقالَ : عَلَيَّ بِهِ ، فَأَقاموهُ... . قالَ : قُل : أملِكُها بِاللّهِ الَّذي إن شاءَ مَلَّكَنيها . (2)
الكافي عن عليّ بن أسباط :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ ، فَقالَ : يَستَطيعُ العَبدُ بَعدَ أربَعِ خِصالٍ : أن يَكونَ مُخَلَّى السَّربِ ، صَحيحَ الجِسمِ ، سَليمَ الجَوارِحِ ، لَهُ سَبَبٌ وارِدٌ مِنَ اللّهِ عز و جل ، قالَ : قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، فَسِّر لي هذا . قالَ : أن يَكونَ العَبدُ مُخَلَّى السَّربِ ، صَحيحَ الجِسمِ ، سَليمَ الجَوارِحِ ، يُريدُ أن يَزنِيَ فَلا يَجِدُ امرَأَةً ثُمَّ يَجِدُها ، فَإِمّا أن يَعصِمَ نَفسَهُ فَيَمتَنِعَ كَمَا امتَنَعَ يوسُفُ عليه السلام ، أو
.
ص: 283
يُخَلِّيَ بَينَهُ وبَينَ إرادَتِهِ فَيَزنِيَ فَيُسَمّى زانِيا ، ولَم يُطِعِ اللّهَ بِإِكراهٍ ولَم يَعصِهِ بِغَلَبَةٍ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الاِستِطاعَةُ قَبلَ الفِعلِ ، لَم يَأمُرِ اللّهُ عز و جل بِقَبضٍ ولا بَسطٍ إلّا وَالعَبدُ لِذلِكَ مُستَطيعٌ . (2)
عنه عليه السلام :ما كَلَّفَ اللّهُ العِبادَ كُلفَةَ فِعلٍ ولا نَهاهُم عَن شَيءٍ حَتّى جَعَلَ لَهُمُ الاِستِطاعَةَ ، ثُمَّ أمَرَهُم ونَهاهُم فَلا يَكونُ العَبدُ آخِذا ولا تارِكا إلّا بِاستِطاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ قَبلَ الأَمرِ وَالنَّهيِ ، وقَبلَ الأَخذِ وَالتَّركِ ، وقَبلَ القَبضِ وَالبَسطِ . (3)
عنه عليه السلام :لا يَكونُ العَبدُ فاعِلاً ولا مُتَحَرِّكا إلّا وَالاِستِطاعَةُ مَعَهُ مِنَ اللّهِ عز و جل ، وإنَّما وَقَعَ التَّكليفُ مِنَ اللّهِ بَعدَ الاِستِطاعَةِ ، فَلا يَكونُ مُكَلَّفا لِلفِعلِ إلّا مُستَطيعا . (4)
عنه عليه السلام :لا يَكونُ مِنَ العَبدِ قَبضٌ ولا بَسطٌ إلّا بِاستِطاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِلقَبضِ وَالبَسطِ . (5)
التوحيد عن عوف بن عبد اللّه الأزدي عن عمّه :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ ، فَقالَ : وقَد فَعَلوا ؟ (6) فَقُلتُ : نَعَم ، زَعَموا أنَّها لا تَكونُ إلّا عِندَ الفِعلِ وإرادَةٍ في حالِ الفِعلِ لا قَبلَهُ . فَقالَ : أشرَكَ القَومُ . (7)
.
ص: 284
الكافي عن صالح النيليّ :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام : هَل لِلعِبادِ مِنَ الاِستِطاعَةِ شَيءٌ ؟ قالَ : فَقالَ لي : إذا فَعَلُوا الفِعلَ كانوا مُستَطيعينَ بِالاِستِطاعَةِ الَّتي جَعَلَهَا اللّهُ فيهِم . قالَ : قُلتُ وما هِيَ ؟ قالَ : الآلَةُ مِثلُ الزّاني إذا زَنى كانَ مُستَطيعا لِلزِّنا حينَ زَنى ، ولَو أنَّهُ تَرَكَ الزِّنا ولَم يَزنِ كانَ مُستَطيعا لِتَركِهِ إذا تَرَكَ . قالَ : ثُمَّ قالَ : لَيسَ لَهُ مِنَ الاِستِطاعَةِ قَبلَ الفِعلِ قَليلٌ ولا كَثيرٌ ، ولكِن مَعَ الفِعلِ وَالتَّركِ كانَ مُستَطيعا . قُلتُ : فَعَلى ماذا يُعَذِّبُهُ ؟ قالَ : بِالحُجَّةِ البالِغَةِ وَالآلَةِ الَّتي رَكَّبَ فيهِم ، إنَّ اللّهَ لَم يُجبِر أحَدا عَلى مَعصِيَتِهِ . (1)
الكافي عن رجل من أهل البصرة :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَنِ الاِستِطاعَةِ فَقالَ ... : إنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقا فَجَعَلَ فيهِم آلَةَ الاِستِطاعَةِ ثُمَّ لَم يُفَوِّض إلَيهِم ، فَهُم مُستَطيعونَ لِلفِعلِ وَقتَ الفِعلِ مَعَ الفِعلِ إذا فَعَلوا ذلِكَ الفِعلَ ، فَإِذا لَم يَفعَلوهُ في مُلكِهِ لَم يَكونوا مُستَطيعينَ أن يَفعَلوا فِعلاً لَم يَفعَلوهُ ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل أعَزُّ مِن أن يُضادَّهُ في مُلكِهِ أحَدٌ . قالَ البَصرِيُّ ، فَالنّاسُ مَجبورونَ ؟ قالَ : لَو كانوا مَجبورينَ كانوا مَعذورينَ . قالَ : فَفَوَّضَ إلَيهِم ؟ قالَ : لا . قالَ : فَما هُم ؟
.
ص: 285
قالَ : عَلِمَ مِنهُم فِعلاً فَجَعَلَ فيهِم آلَةَ الفِعلِ ، فَإِذا فَعَلوا كانوا مَعَ الفِعلِ مُستَطيعينَ . (1)
راجع : ص 269 (تحليل حول الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين) .
8 / 5ما يَدُلُّ عَلى بُطلانِ القَولِ بِالجَبرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عَرَفَ اللّهَ مَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ ، ولا وَصَفَهُ بِالعَدلِ مَن نَسَبَ إلَيهِ ذُنوبَ عِبادِهِ . (2)
الإمام علي عليه السلام :يَابنَ آدَمَ ، أتَظُنُّ أنَّ الَّذي نَهاكَ دَهاكَ! وإنَّما دَهاكَ أسفَلُكَ وأعلاكَ وَاللّهُ بَريءٌ مِن ذلِكَ . (3)
عنه عليه السلام :كُلُّ مَا استَغفَرتَ اللّهَ تَعالى مِنهُ فَهُوَ مِنكَ ؛ وَكُلُّ ما حَمِدتَ اللّهَ تَعالى فَهُوَ مِنهُ . (4)
نزهة الناظر :جَمَعَ الحَجّاجُ بنُ يوسُفَ أهلَ العِلمِ وسَأَلَهُم عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ ، فَقالَ أحَدُهُم : سَمِعتُ أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام يَقولُ : يَابنَ آدَمَ ، مَن وَسَّعَ لَكَ الطَّريقَ لَم يَأخُذ عَلَيكَ المَضيقَ . (5) وقالَ آخَرُ : سَمِعتُهُ يَقولُ : إذا كانَتِ الخَطيئَةُ عَلَى الخاطِئِ حَتما كانَ القِصاصُ فِي القَضِيَّةِ ظُلما .
.
ص: 286
وقالَ آخَرُ : سَمِعتُهُ يَقولُ : ما كانَ مِن خَيرٍ فَبِأَمرِ اللّهِ وبِعِلمِهِ ، وما كانَ مِن شَرٍّ فَبِعِلمِ اللّهِ لا بِأَمرِهِ . فَقالَ الحَجّاجُ : أ كُلُّ هذا مِن قَولِ أبي تُرابٍ ؟ لَقَدِ اغتَرَفوها مِن عَينٍ صافِيَةٍ ! (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ ، ولا تَقولوا : أجبَرَهُم عَلَى المَعاصي فَتُظَلِّموهُ ، ولكِن قولوا : الخَيرُ بِتَوفيقِ اللّهِ ، وَالشَّرُّ بِخِذلانِ اللّهِ ، وكُلٌّ سابِقٌ في عِلمِ اللّهِ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: جَلَّ اللّهُ أن يُريدَ الفَحشاءَ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: لا تَحمِلوا ذُنوبَكُم وخَطاياكُم عَلَى اللّهِ ، وتَذَروا أنفُسَكُم وَالشَّيطانَ . (4)
عنه عليه السلام :كُن مُؤاخِذا نَفسَكَ ، مُغالِبا سوءَ طَبعِكَ ، وإيّاكَ أن تَحمِلَ ذُنوبَكَ عَلى رَبِّكَ . (5)
الكافي عن سهل بن زياد وإسحاق بن محمّد وغيرهما رفعوه ، قال :كانَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام جالِسا بِالكوفَةِ بَعدَ مُنصَرَفِهِ مِن صِفّينَ ، إذ أقبَلَ شَيخٌ فَجَثا بَينَ يَدَيهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا عَن مَسيرِنا إلى أهلِ الشّامِ أبِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ ؟ فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : أجَل يا شَيخُ ، ما عَلَوتُم تَلعَةً (6) ولا هَبَطتُم بَطنَ وادٍ إلّا بِقَضاءٍ مِنَ اللّهِ وقَدَرٍ .
.
ص: 287
فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُ عَنائي يا أميرَ المُؤمِنينَ . فَقالَ لَهُ : مَه يا شَيخُ ! فَوَاللّهِ لَقَد عَظَّمَ اللّهُ الأَجرَ في مَسيرِكُم وأنتُم سائِرونَ ، وفي مَقامِكُم وأنتُم مُقيمونَ ، وفي مُنصَرَفِكُم وأنتُم مُنصَرِفونَ ، ولَم تَكونوا في شَيءٍ مِن حالاتِكُم مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ . فَقالَ لَهُ الشَّيخُ : وكَيفَ لَم نَكُن في شَيءٍ مِن حالاتِنا مُكرَهينَ ولا إلَيهِ مُضطَرّينَ ، وكانَ بِالقَضاءِ وَالقَدَرِ مَسيرُنا ومُنقَلَبُنا ومُنصَرَفُنا ؟ فَقالَ لَهُ : وتَظُنُّ أنَّهُ كانَ قَضاءً حَتما وقَدَرا لازِماً ؟ إنَّهُ لَو كانَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ وَالأَمرُ وَالنَّهيُ وَالزَّجرُ مِنَ اللّهِ ، وسَقَطَ مَعنَى الوَعدِ وَالوَعيدِ (1) ، فَلَم تَكُن لائِمَةٌ لِلمُذنِبِ ولا مَحمَدَةٌ لِلمُحسِنِ ، ولَكانَ المُذنِبُ أولى بِالإِحسانِ مِنَ المُحسِنِ ، ولَكانَ المُحسِنُ أولى بِالعُقوبَةِ مِنَ المُذنِبِ ، تِلكَ مَقالَةُ إخوانِ عَبَدَةِ الأَوثانِ وخُصَماءِ الرَّحمنِ وحِزبِ الشَّيطانِ وقَدَرَيِّةِ هذِهِ الاُمَّةِ ومَجوسِها. إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ كَلَّفَ تَخييرا ونَهى تَحذيرا ، وأعطى عَلَى القَليلِ كَثيرا ، ولَم يُعصَ مَغلوبا ولَم يُطَع مُكرِها ولَم يُمَلِّك مُفَوِّضا ، ولَم يَخلُقِ السَّماواتِ وَالأَرضَ وما بَينَهُما باطِلاً ، ولَم يَبعَثِ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ عَبَثا . ذلِكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا فَوَيلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ ، فَأَنشَأَ الشَّيخُ يَقولُ : أنتَ الإِمامُ الَّذي نَرجو بِطاعَتِهِ يَومَ النَّجاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفراناً أوضَحتَ مِن أمرِنا ما كانَ مُلتَبِسا (2) جَزاكَ رَبُّكَ بِالإِحسانِ إحسانا (3)
.
ص: 288
الكافي عن يونس بن عبد الرحمن عن غير واحد عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام :إنَّ اللّهَ أرحَمُ بِخَلقِهِ مِن أن يُجبِرَ خَلقَهُ عَلَى الذُّنوبِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُم عَلَيها ، وَاللّهُ أعَزُّ مِن أن يُريدَ أمرا فَلا يَكونَ . قالَ : فَسُئِلا عليهماالسلام : هَل بَينَ الجَبرِ وَالقَدَرِ مَنزِلَةٌ ثالِثَةٌ ؟ قالا : نَعَم ، أوسَعُ مِمّا بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ . (1)
الإمام الكاظم عليه السلام :إن كانَتِ المَعصِيَةُ مِنَ اللّهِ فَمِنهُ وَقَعَ الفِعلُ ، فَهُوَ أكرَمُ مِن أن يُؤاخِذَ عَبدَهُ بِما لا دَخلَ لَهُ فيهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: مَا استَطَعتَ أن تَلومَ العَبدَ عَلَيِه فَهُوَ مِنهُ ، وما لَم تَستَطِع أن تَلومَ العَبدَ عَلَيهِ فَهُوَ مِنَ فِعلِ اللّهِ . يَقولُ اللّهُ تَعالى لِلعَبدِ : لِمَ عَصَيتَ ؟ لِمَ فَسَقتَ ؟ لِمَ شَرِبتَ الخَمرَ ؟ لِمَ زَنَيتَ ؟ فَهذا فِعلُ العَبدِ ، ولا يَقولُ لَهُ : لِمَ مَرِضتَ ؟ لِمَ عَلَوتَ ؟ لِمَ قَصُرتَ ؟ لِمَ ابيَضَضتَ ؟ لِمَ اسوَدَدتَ ؟ لِأَنَّهُ مِن فِعلِ اللّهِ تَعالى . (3)
.
ص: 289
الطرائف :رَوى كَثيرٌ مِنَ المُسلِمينَ عَنِ الإِمامِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليه السلام أنَّهُ قالَ يَوما لِبَعضِ المُجَبِّرَةِ : هَل يَكونُ أحَدٌ أقبَلَ لِلعُذرِ الصَّحيحِ مِنَ اللّهِ ؟ فَقالَ : لا . فَقالَ لَهُ : فَما تَقولُ فيمَن قالَ : ما أقدِرُ ، وهُوَ لا يَقدِرُ ؛ أيَكونُ مَعذورا أم لا ؟ فَقالَ المُجَبِّرُ : يَكونُ مَعذورا . قالَ لَهُ : فَإِذا كانَ اللّهُ يَعلَمُ مِن عِبادِهِ أنَّهُم ما قَدَروا عَلى طاعَتِهِ ، وقالَ لِسانُ حالِهِم أو مَقالِهِم للّهِِ يَومَ القِيامَةِ : يا رَبِّ ما قَدَرنا عَلى طاعَتِكَ لِأَنَّكَ مَنَعتَنا مِنها ، أما يَكونُ قَولُهُم وعُذرُهُم صَحيحا عَلى قَولِ المُجَبِّرَةِ ؟ قالَ : بَلى وَاللّهِ . قالَ : فَيَجِبُ عَلى قَولِكَ أنَّ اللّهَ يَقبَلُ هذَا العُذرَ الصَّحيحَ ولا يُؤاخِذُ أحَدا أبَدا ، وهذا خِلافُ قَولِ أهلِ المِلَلِ كُلِّهِم . فَتابَ المُجَبِّرُ مِن قَولِهِ بِالجَبرِ فِي الحالِ . (1)
التوحيد عن محمّد بن عجلان :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَوَّضَ اللّهُ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ فَقالَ : اللّهُ أكرَمُ مِن أن يُفَوِّضَ إلَيهِم . قُلتُ : فَأَجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلى أفعالِهِم ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ عَبدا عَلى فِعلٍ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَيهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النّاسَ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل أجبَرَ النّاسَ عَلَى المَعاصي ، فَهذا قَد ظَلَّمَ اللّهَ في حُكمِهِ فَهُوَ كافِرٌ... . (3)
.
ص: 290
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ أرحَمُ بِعبِادِهِ مِن أن يُجبِرَهُم عَلَى المَعاصي ثُمَّ يُعاقِبَهُم عَلَيها ، وهُوَ أيضا أجَلُّ وأعَزُّ وأرفَعُ وأجدَرُ وأعلَمُ مِن أن يُريدَ أمرا فَيَكونُ فِي استِطاعَةِ العِبادِ غَيرُهُ عَلى مَعنَى الكُرهِ وَالغَلَبَةِ ، بَل سَبَقَ عِلمُهُ في خَلقِهِ ، ونَفَذَ تَقديرُهُ في بَرِيَّتِهِ وقَضاهُ في عِبادِهِ قَبلَ أن يَخلُقَهُم كَيفَ يَخلُقُهُم . وعَلِمَ ما هُم عامِلونَ وإلى ما هُم صائِرونَ ، وعَلِمَ مَن أطاعَهُ مِمَّن عَصاهُ . فَخَلَقَهُم عَلى ذلِكَ لِيُثيبَهُم عَلَى الطّاعَةِ ويُعاقِبَهُم عَلَى المَعصِيَةِ ، ولَيسَ يُعاقِبُ عز و جل عَلى عِلمِهِ ولا قَضائِهِ ولا قَدَرِهِ ، بَل يُعاقِبُ عَلَى المَعاصي ويُثيبُ عَلَى الطّاعَةِ ... . (1)
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : ... فَأَخبِرني عَنِ اللّهِ عز و جل كَيفَ لَم يَخلُقِ الخَلقَ كُلَّهُم مُطيعينَ مُوَحِّدينَ وكانَ عَلى ذلِكَ قادِرا ؟ قالَ عليه السلام : لَو خَلَقَهُم مُطيعينَ لَم يَكُن لَهُم ثَوابٌ ، لِأَنَّ الطّاعَةَ إذا ما كانَت فِعلَهُم لَم تَكُن جَنَّةٌ ولا نارٌ ، ولكِن خَلَقَ خَلقَهُ فَأَمَرَهُم بِطاعَتِهِ ونَهاهُم عَن مَعصِيَتِهِ ، وَاحتَجَّ عَلَيهِم بِرُسُلِهِ ، وقَطَعَ عُذرَهُم بِكُتُبِهِ ، لِيَكونوا هُمُ الَّذينَ يُطيعونَ ويَعصونَ ، ويَستَوجِبونَ بِطاعَتِهِم لَهُ الثَّوابَ وبِمَعصِيَتِهِم إيّاهُ العِقابَ . قالَ : فَالعَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ ؟ قالَ : العَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ بِهِ أمَرَهُ ، وَالعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّهُ عَنهُ نَهاهُ . قالَ : ألَيسَ فِعلُهُ بِالآلَةِ الَّتي رَكَّبَها فيهِ ؟
.
ص: 291
قالَ : نَعَم ، ولكِن بِالآلَةِ الَّتي عَمِلَ بِهَا الخَيرَ ، قَدَرَ عَلَى الشَّرِّ الَّذي نَهاهُ عَنهُ . قالَ : فَإِلَى العَبدِ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ؟ قالَ : ما نَهاهُ اللّهُ عَن شَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يُطيقُ تَركَهُ ، ولا أمَرَهُ بِشَيءٍ إلّا وقَد عَلِمَ أنَّهُ يَستَطيعُ فِعلَهُ ، لِأَنَّهُ لَيسَ مِن صِفَتِهِ الجَورُ وَالعَبَثُ وَالظُّلمُ وتَكليفُ العِبادِ ما لا يُطيقونَ . قالَ : فَمَن خَلَقَهُ اللّهُ كافِرا ، أيَستَطيعُ الإِيمانَ ولَهُ عَلَيهِ بِتَركِهِ الإِيمانَ حُجَّةٌ ؟ قالَ عليه السلام : إنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقَهُ جَميعا مُسلِمينَ ، أمَرَهُم ونَهاهُم ، وَالكُفرُ اسمٌ يَلحَقُ الفِعلَ حينَ يَفعَلُهُ العَبدُ ، ولَم يَخلُقِ اللّهُ العَبدَ حينَ خَلَقَهُ كافِرا ، إنَّه إنَّما كَفَرَ مِن بَعدِ أن بَلَغَ وَقتا لَزِمَتهُ الحُجَّةُ مِنَ اللّهِ ، فَعَرَضَ عَلَيهِ الحَقَّ فَجَحَدَهُ ، فَبِإِنكارِهِ الحَقَّ صارَ كافِرا . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :خَرَجَ أبو حَنيفَةَ ذاتَ يَومٍ مِن عِندِ الصّادِقِ عليه السلام ، فَاستَقبَلَهُ موسَى بنُ جعَفَرٍ عليه السلام فَقالَ لَهُ : يا غُلامُ مِمَّنِ المَعصِيَةُ ؟ قالَ : لا تَخلو مِن ثَلاثٍ : إمّا أن تَكونَ مِنَ اللّهِ عز و جل ولَيسَت مِنهُ ، فَلا يَنبَغي لِلكَريمِ أن يُعَذِّبَ عَبدَهُ بِما لا يَكتَسِبُهُ . وإمّا أن تَكونَ مِنَ اللّهِ عز و جل ومِنَ العَبدِ ولَيسَ كَذلِكَ ، فَلا يَنبَغي لِلشَّريكِ القَوِيِّ أن يَظلِمَ الشَّريكَ الضَّعيفَ .
.
ص: 292
وإمّا أن تَكونَ مِنَ العَبدِ وهِيَ مِنهُ ، فَإِن عاقَبَهُ اللّهُ فَبِذَنبِهِ ، وإن عَفا عَنهُ فَبِكَرَمِهِ وجودِهِ . (1)
الكافي عن أبي طالب القمّي عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :قُلتُ : أجبَرَ اللّهُ العِبادَ عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : لا . قُلتُ : فَفَوَّضَ إلَيهِمُ الأَمرَ ؟ قالَ : لا . قالَ : قُلتُ : فَماذا ؟ قالَ : لُطفٌ مَن رَبِّكَ بَينَ ذلِكَ . (2)
الكافي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ ، فَقُلتُ : اللّهُ فَوَّضَ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ قالَ : اللّهُ أعَزُّ مِن ذلِكَ . قُلتُ : فَجَبَرَهُم عَلَى المَعاصي ؟ قالَ : اللّهُ أعدَلُ وأحكَمُ مِن ذلِكَ . قالَ : ثُمَّ قالَ : قالَ اللّهُ : يَابنَ آدَمَ أنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، عَمِلتَ المَعاصِيَ بِقُوَّتِيَ الَّتي جَعَلتُها فيكَ . (3)
عيون أخبار الرضا عليه السلام عن إبراهيم بن أبي محمود :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : ... عَنِ
.
ص: 293
اللّهِ عز و جل هَل يُجبِرُ عِبادَهُ عَلَى المَعاصي ؟ فَقالَ : بَل يُخَيِّرُهُم ويُمهِلُهُم حَتّى يَتوبوا . قُلتُ : فَهَل يُكَلِّفُ عِبادَهُ ما لا يُطيقونَ ؟ فَقالَ : كَيفَ يَفعَلُ ذلِكَ ، وهُوَ يَقولُ : «وَ مَا رَبُّكَ بِظَ_لَّ_مٍ لِّلْعَبِيدِ» (1) ؟! (2)
8 / 6وَضعُ الأَخبارِ فِي التَّشبيهِ وَالجَبرِالتوحيد عن الحسين بن خالد عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :قُلتُ لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، إنَّ النّاسَ يَنسُبونَنا إلَى القَولِ بِالتَّشبيهِ وَالجَبرِ لِما رُوِيَ مِنَ الأَخبارِ في ذلِكَ عَن آبائِكَ الأَئِمَّةِ عليهم السلام . فَقالَ : يَابنَ خالِدٍ ، أخبِرني عَنِ الأَخبارِ الَّتي رُوِيَت عَن آبائِي الأَئِمَّةِ عليهم السلام فِي التَّشبيهِ وَالجَبرِ أكثَرُ أمِ الأَخبارُ الَّتي رُوِيَت عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في ذلِكَ ؟! فَقُلتُ : بَل ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله في ذلِكَ أكثَرُ . قالَ : فَليَقولوا : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَقولُ بِالتَّشبيهِ وَالجَبرِ إذا . فَقُلتُ لَهُ : إنَّهُم يَقولونَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَقُل مِن ذلِكَ شَيئا وإنَّما رُوِيَ عَلَيهِ . قالَ : فَليَقولوا في آبائي عليهم السلام : إنَّهُم لَم يَقولوا مِن ذلِكَ شَيئا وإنَّما رُوِيَ عَلَيهِم .
.
ص: 294
ثُمَّ قالَ عليه السلام : مَن قالَ بِالتَّشبيهِ وَالجَبرِ فَهُوَ كافِرٌ مُشرِكٌ ونَحنُ مِنهُ بُرَآءُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ . يَابنَ خالِدٍ ، إنَّما وَضَعَ الأَخبارَ عَنّا فِي التَّشبيهِ وَالجَبرِ الغُلاةُ الَّذينَ صَغَّروا عَظَمَةَ اللّهِ ، فَمَن أحَبَّهُم فَقَد أبغَضَنا ومَن أبغَضَهُم فَقَد أحَبَّنا ، ومَن والاهُم فَقَد عادانا ومَن عاداهم فَقَد والانا ، ومَن وَصَلَهُم فَقَد قَطَعَنا ومَن قَطَعَهُم فَقَد وَصَلَنا ، ومَن جَفاهُم فَقَد بَرَّنا ومَن بَرَّهُم فَقَد جَفانا ، ومَن أكرَمَهُم فَقَد أهانَنا ومَن أهانَهُم فَقَد أكرَمَنا ، ومَن قَبِلَهُم فَقَد رَدَّنا ومَن رَدَّهُم فَقَد قَبِلَنا ، ومَن أحسَنَ إلَيهِم فَقَد أساءَ إلَينا ومَن أساءَ إلَيهِم فَقَد أحسَنَ إلَينا ، ومَن صَدَّقَهُم فَقَد كَذَّبَنا ومَن كَذَّبَهُم فَقَد صَدَّقَنا ، ومَن أعطاهُم فَقَد حَرَمَنا ومَن حَرَمَهُم فَقَد أعطانا . يَابنَ خالِدٍ ، مَن كانَ مِن شيعَتِنا فَلا يَتَّخِذَنَّ مِنهُم وَلِيّا ولا نَصيرا . (1)
8 / 7ما يَدُلُّ عَلى بُطلانِ القَولِ بِالتَّفويضِالإمام عليّ عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ ، وقد سُئِلَ عَنِ القَدَرِ _: عَزَّ عَن أن يَكونَ لَهُ فِي المُلكِ إلّا ما يَشاءُ . (2)
عنه عليه السلام_ وقَد سُئِلَ عَنِ القَضاءِ وَالقَدَرِ _: لا تَقولوا : وَكَلَهُمُ اللّهُ إلى أنفُسِهِم فَتُوَهِّنوهُ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النّاسَ فِي القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أوجُهٍ : ... ورُجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ
.
ص: 295
مُفَوَّضٌ إلَيهِم ، فَهذا قَد أوهَنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ كافِرٌ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُ أعَزَّ مِن أن يَكونَ في سُلطانِهِ ما لا يُريدُ . (2)
عنه عليه السلام_ وقَد سَأَلَهُ سائِلٌ : هَل أمرُهُم مُفَوَّضٌ إلَيهِم ؟ _: اللّهُ أعَزُّ مِن أن يُجَوِّزَ في مُلكِهِ ما لا يُريدُ . (3)
تفسير القمّي :سُئِلَ الصّادِقُ عليه السلام : أفَوَّضَ اللّهُ إلَى العِبادِ أمرا ؟ فَقالَ : اللّهُ أجَلُّ وأعظَمُ مِن ذلِكَ . (4)
التوحيد عن محمّد بن عجلان :قُلتُ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : فَوَّضَ اللّهُ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ فَقالَ : اللّهُ أكرَمُ مِن أن يُفَوِّضَ إلَيهِم . (5)
الكافي عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن الإمام الرضا عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ ، فَقُلتُ : اللّهُ فَوَّضَ الأَمرَ إلَى العِبادِ ؟ قالَ : اللّهُ أعَزُّ مِن ذلِكَ . (6)
الطرائف :رُوِيَ أنَّ الفَضلَ بنَ سَهلٍ سَأَلَ عَلِيَّ بنَ موسَى الرِّضا عليه السلام بَينَ يَدَيِ المَأمونِ ، فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ الخَلقُ مَجبورونَ ؟ فَقالَ : اللّهُ أعدَلُ مِن أن يُجبِرَ خَلقَهُ ثُمَّ يُعَذِّبَهُم .
.
ص: 296
قالَ : فَمُطلَقونَ ؟ قالَ : اللّهُ أحكَمُ مِن أن يُهمِلَ عَبدَهُ ويَكِلَهُ إلى نَفسِهِ . (1)
8 / 8ذَمُّ القائِلينَ بِالجَبرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَمسَةٌ لا تَطفَأُ نيرانُهُم ولا تَموتُ أبدانُهُم : رَجُلٌ أشرَكَ ، ورَجُلٌ عَقَّ (2) والِدَيهِ ، ورَجُلٌ سَعى بِأَخيهِ إلَى السُّلطانِ فَقَتَلَهُ ، ورَجُلٌ قَتَلَ نَفسا بِغَيرِ نَفسٍ ، ورَجُلٌ أذنَبَ وحَمَلَ ذَنبَهُ عَلَى اللّهِ عز و جل . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يَعمَلونَ المَعاصِيَ ، ويَقولونَ : إنَّ اللّهَ تَعالى قَد قَدَّرَها عَلَيهِم ، الرّادُّ عَلَيهِم كَالشّاهِرِ سَيفَهُ في سَبيلِ اللّهِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ أهلَ الجَبرِيَّةِ مِن بَعدِ موسى قاتَلوا أهلَ النُّبُوَّةِ فَظَهَروا عَلَيهِم فَقَتَلوهُم زَمانا طَويلاً ، ثُمَّ إنَّ اللّهَ بَعَثَ فِتيَةً فَهاجَروا إلى غَبَرِ (5) آبائِهِم فَقاتَلَهُم (6) فَقَتَلوهُم . (7)
الطرائف عن محمّد بن عليّ المكّي بإسناده :إنَّ رَجُلاً قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أخبِرني بِأَعجَبِ شَيءٍ رَأَيتَ ؟ قالَ : رَأَيتُ قَوما يَنكِحونَ اُمَّهاتِهِم وبَناتِهِم وأخَواتِهِم ، فَإِذا قيلَ لَهُم : لِمَ تَفعَلونَ
.
ص: 297
ذلِكَ ؟ قالوا : قَضاهُ اللّهُ تَعالى عَلَينا وقَدَّرَهُ! فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : سَيَكونُ في اُمَّتي أقوامٌ يَقولونَ مِثلَ مَقالَتِهِم ، اُولئِكَ مَجوسُ اُمَّتي . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :مَن زَعَمَ أنَّ اللّهَ تَعالى يُجبِرُ عِبادَهُ عَلَى المَعاصي أو يُكَلِّفُهُم ما لا يُطيقونَ فَلا تَأكُلوا ذَبيحَتَهُ ، ولا تَقبَلوا شَهادَتَهُ ، ولا تُصَلّوا وَراءَهُ ، ولا تُعطوهُ مِنَ الزَّكاةِ شَيئا . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :مَن قالَ بِالجَبرِ ، فَلا تُعطوهُ مِنَ الزَّكاةِ ، ولا تَقبَلوا لَهُ شَهادَةً ، إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لا يُكَلِّفُ نَفسا إلّا وُسعَها ، ولا يُحَمِّلُها فَوقَ طاقَتِها ، ولا تَكسِبُ كُلُّ نَفسٍ إلّا عَلَيها ، ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ اُخرى . (3)
8 / 9ذَمُّ القائِلينَ بِالتَّفويضِالإمام الصادق عليه السلام :إنَّ النّاسَ في القَدَرِ عَلى ثَلاثَةِ أَوجُهٍ : ... و رَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ الأَمرَ مُفَوَّضٌ إلَيهِم ، فَهذا قَد أوهَنَ اللّهَ في سُلطانِهِ فَهُوَ كافِرٌ . (4)
.
ص: 298
الإمام الرضا عليه السلام :القائِلُ بِالتَّفويضِ مُشرِكٌ . (1)
8 / 10ذَمُّ القَدَرِيَّةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لَيسَ لَهُما فِي الإِسلامِ نَصيبٌ : المُرجِئَةُ (2) ، وَالقَدَرِيَّةُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا تَنالُهُم شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ : المُرجِئَةُ ، وَالقَدَرِيَّةُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا يَرِدانِ عَلَيَّ الحَوضَ ولا يَدخُلانِ الجَنَّةَ : القَدَرِيَّهُ وَالمُرجِئَةُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، خُصَماءُ الرَّحمنِ وشُهَداءُ الزّورِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، إن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا
.
ص: 299
تَشهَدوهُم . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسٌ ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ القَدَرِيَّةُ ، فَإِن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم ، وإن لَقيتُموهُم في طَريقٍ فَأَلجِئوهُم إلى ضيقِهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تُجالِسوا أهلَ القَدَرِ ولا تُفاتِحوهُم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لُعِنَتِ القَدَرِيَّةُ عَلى لِسانِ سَبعينَ نَبِيّا . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ : ألا لِيَقُم خُصَماءُ اللّهِ ، ألا وهُمُ القَدَرِيَّةُ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ ولَا ابتَدَعتُ ، ما نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ إلّا فِي القَدَرِيَّةِ خاصَّةً : «إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَ_لٍ وَ سُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» (6) ألا إنَّهُم مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، فَإِن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوا جَنائِزَهُم ، سُبحانَ اللّهِ عَمّا يَقولونَ
.
ص: 300
عُلُوّا كَبيرا . (1)
صحيح مسلم عن أبي هريرة :جاءَ مُشرِكو قُرَيشٍ يُخاصِمونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فِي القَدَرِ ، فَنَزَلَت : «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسٌ ، ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ الَّذينَ يَقولونَ بِالقَدَرِ (3) . (4)
عنه عليه السلام :ما غَلا أحَدٌ في القَدَر إلّا خَرَجَ مِنَ الإِيمانِ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :مَا اللَّيلُ بِاللَّيلِ ولَا النَّهارُ بِالنَّهارِ أشبَهُ مِنَ المُرجِئَةِ بِاليَهودِيَّةِ ، ولا مِنَ القَدَرِيَّةِ بِالنَّصرانِيَّةِ . (6)
تفسير العيّاشي عن الحسن بن محمّد الجمّال عن بعض أصحابنا :بَعَثَ عَبدُ المَلِكِ بنُ مَروانَ إلى عامِلِ المَدينَةِ أن وَجِّه إلَيَّ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ ولا تُهَيِّجهُ ولا تُرَوِّعهُ ، وَاقضِ لَهُ حَوائِجَهُ . وقَد كانَ وَرَدَ عَلى عَبدِ المَلِكِ رَجُلٌ مِنَ القَدَرِيَّهِ فَحَضَرَ جَميعُ مَن كانَ بِالشّامِ فَأَعياهُم جَميعا ، فَقالَ : ما لِهذا إلّا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ،
.
ص: 301
فَكَتَبَ إلى صاحِبِ المَدينَةِ أن يَحمِلَ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ إلَيهِ ، فَأَتاهُ صاحِبُ المَدينَةِ بِكِتابِهِ . فَقالَ لَهُ أبو جَعفَرٍ عليه السلام : إنّي شَيخٌ كَبيرٌ لا أقوى عَلَى الخُروجِ ، وهذا جَعفَرٌ ابني يَقومُ مَقامي . فَوَجَّهَهُ إلَيهِ ، فَلَمّا قَدِمَ عَلَى الاُمَوِيِّ ازدَراهُ لِصِغَرِهِ وكَرِهَ أن يَجمَعَ بَينَهُ وبَينَ القَدَرِيِّ مَخافَةَ أن يَغلِبَهُ ، وتَسامَعَ النّاسُ بِالشّامِ بِقُدومِ جَعفَرٍ لِمُخاصَمَةِ القَدَرِيِّ ، فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ اجتَمَعَ النّاسُ بِخُصومَتِهِما . فَقالَ الاُمَوِيُّ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إنَّهُ قَد أعيانا أمرُ هذَا القَدَرِيِّ ، وإنَّما كَتَبتُ إلَيكَ لِأَجمَعَ بَينَكَ وبَينَهُ ، فَإِنَّهُ لَم يَدَع عِندَنا أحَدا إلّا خَصَمَهُ . فَقالَ : إنَّ اللّهَ يَكفيناهُ . قالَ : فَلَمَّا اجتَمَعوا ، قالَ القَدَرِيُّ لِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : سَل عَمّا شِئتَ . فَقالَ لَهُ : اِقرَأ سورَةَ الحَمدِ ، قالَ : فَقَرَأَها ، وقالَ الاُمَوِيُّ _ وأنَا مَعَهُ _ : ما في سورَةِ الحَمدِ غُلِبْنا (1) ! إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ! قالَ : فَجَعَلَ القَدَرِيُّ يَقرَأُ سورَةَ الحَمدِ حَتّى بَلَغَ قَولَ اللّهِ _ تَبارَكَ وتَعالى _ : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» . فَقالَ لَهُ جَعفَرٌ عليه السلام : قِف! مَن تَستَعينُ وما حاجَتُكَ إلَى المَعونَةِ ؟ إنَّ الأَمرَ إلَيكَ ! «فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّ__لِمِينَ» (2) . (3)
.
ص: 302
8 / 11مَعنَى القَدَرِيَّةِأ _ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ القَدَرِيَّةَ هُمُ المُفَوِّضَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ الَّذينَ يَقولونَ : الخَيرُ وَالشَّرُّ بِأَيدينا ؛ لَيسَ لَهُم في شَفاعَتي نَصيبٌ ، ولا أنَا مِنهُم ولا هُم مِنّي . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسٌ ، ومَجوسُ اُمَّتِي الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، إن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسا ، ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ (3) الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، ويَزعُمونَ أنَّ المَشيئَةَ وَالقُدرَةَ إلَيهِم ولَهُم . (4)
رجال الكشّي عن ابن عبّاس :إنَّ خَليلي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ... أمَرَني أن أبرَأَ مِن خَمسَةٍ ...
.
ص: 303
مِنَ القَدَرِيَّةِ وهُمُ الَّذينَ ضاهُوا النَّصارى في دينِهِم فَقالوا : لا قَدَرَ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّهُ سَيَكونُ في اُمَّتي أقوامٌ يُكَذِّبونَ بِالقَدَرِ . (2)
سبل الهدى والرشاد عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا سَهمَ لَهُم فِي الإِسلامِ : المُرجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ . قيلَ : ومَا المُرجِئَةُ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : الَّذين يَقولونَ : الإِيمانُ قَولٌ ولا عَمَلٌ (3) . قيلَ : فَمَا القَدَرِيَّةُ ؟ قالَ صلى الله عليه و آله : الَّذينَ يَقولونَ : لَم يُقَدَّرِ الشَّرُّ . (4)
جامع الأحاديث عن أبي اُمامة :أشهَدُ بِاللّهِ لَسَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت فِي القَدَرِيَّةِ : « إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَ_لٍ وَ سُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَعَنَ اللّهُ القَدَرِيَّةَ وقَد فَعَلَ ، لَعَنَ اللّهُ القَدَرِيَّةَ وقَد فَعَلَ ، لَعَنَ اللّهُ القَدَرِيَّةَ وقَد فَعَلَ . ما قالوا كَما قالَ اللّهُ ، ولا قالوا كَما قالَتِ المَلائِكَةُ ، ولا قالوا كَما قالَتِ الأَنبِياءُ ولا قالوا كَما قالَت أهلُ الجَنَّةِ ، ولا قالوا كَما قالَت أهلُ النّارِ ، ولا قالوا كَما قالَ الشَّيطانُ .
.
ص: 304
قالَ اللّهُ : «وَ مَا تَشَاءُونَ إِلَا أَن يَشَاءَ اللَّهُ» (1) وقالَتِ المَلائِكَةُ : «لَا عِلْمَ لَنَا إِلَا مَا عَلَّمْتَنَا» (2) وقالَتِ الأَنبِياءُ في قِصَّةِ نوحٍ : «وَ لَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ» (3) وقالَت أهلُ الجَنَّةِ : «وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» (4) وقالَت أهلُ النّارِ : «رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا» (5) وقالَ الشَّيطانُ : «رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى» (6) . (7)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» (8) _: إنَّ القَدَرِيَّةَ يَحتَجّونَ بِأَوَّلِها ، ولَيسَ كَما يَقولونَ ، ألا تَرى أنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَقولُ : «وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» وقالَ نوحٌ عليه السلام : «وَ لَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ» قالَ : الأَمرُ إلَى اللّهِ يَهدي مَن يَشاءُ . (9)
الإمام الباقر عليه السلام_ في قَولِهِ تَعالى : «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَ__لَةُ» (10) _: خَلَقَهُم حينَ خَلَقَهُم مُؤمِنا وكافِرا وشَقِيّا وسَعيدا وكَذلِكَ يَعودونَ يَومَ القِيامَةِ مُهتَدِيا وضالّاً يَقولُ : «إِنَّهُمُ اتَّخَذُواْ الشَّيَ_طِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ
.
ص: 305
أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ» (1) وهُمُ القَدَرِيَّةُ الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، ويَزعُمونَ أنَّهُم قادِرونَ عَلَى الهُدى وَالضَّلالَةِ ، وذلِكَ إلَيهِم إن شاؤُوا اهتَدَوا وإن شاؤوا ضَلّوا ، وهُم مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ، وكَذَبَ أعداءُ اللّهِ، المَشيئَةُ وَالقُدرَةُ للّهِِ «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» مَن خَلَقَهُ اللّهُ شَقِيّا يَومَ خَلَقَهُ كَذلِكَ يَعودُ إلَيهِ شَقِيّا ، ومَن خَلَقَهُ سَعيدا يَومَ خَلَقَهُ كَذلِكَ يَعودُ إلَيهِ سَعيدا . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : الشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطنِ اُمِّهِ ، وَالسَّعيدُ مَن سَعِدَ في بَطنِ اُمِّهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :يا وَيحَ (3) هذِهِ القَدَرِيَّةِ ! إنَّما يَقرَؤونَ هذِهِ الآيَةَ : «إِلَا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَ_هَا مِنَ الْغَ_بِرِينَ» (4) وَيحَهُم مَن قَدَّرَها إلَا اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى . (5)
عنه عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ تَعالى : «وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَ_نَ إِلَا قَلِيلاً» (6) _: إنَّكَ لَتَسأَلُ عَن كَلامِ القَدَرِ (7) وما هُوَ مِن ديني ولا دينِ آبائي ، ولا وَجَدتُ أحَدا مِن أهلِ بَيتي يَقولُ بِهِ . (8)
عنه عليه السلام :إنَّ القَدَرِيَّةَ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، وهُمُ الَّذينَ أرادوا أن يَصِفُوا اللّهَ بِعَدلِهِ فَأَخرَجوهُ مِن سُلطانِهِ ، وفيهِم نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْمَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَىْ ءٍ خَلَقْنَ_هُ بِقَدَرٍ» . (9)
.
ص: 306
الإمام الكاظم عليه السلام :مَساكينُ القَدَرِيَّةُ ، أرادوا أن يَصِفُوا اللّهَ عز و جل بِعَدلِهِ فَأَخرَجوهُ مِن قُدرَتِهِ وسُلطانِهِ . (1)
ب _ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ القَدَرِيَّةَ هُمُ الجَبرِيَّةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ حينَ قالَ : لُعِنَتِ القَدَرِيَّةُ عَلى لِسانِ سَبعينَ نَبِيّا ، فَقيلَ لَهُ : ومَنِ القَدَرِيَّهُ يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَقالَ : _قَومٌ يَزعُمونَ أنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَدَّرَ عَلَيهِمُ المَعاصِيَ وعَذَّبَهُم عَلَيها . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يَعمَلونَ المَعاصِيَ ، ويَقولونَ : إنَّ اللّهَ تَعالى قَد قَدَّرَها عَلَيهِم ، الرّادُّ عَلَيهِم كَالشّاهِرِ سَيفَهُ في سَبيلِ اللّهِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام_ في جَوابِ رَجُلٍ شامِيٍّ _: لَعَلَّكَ أرَدتَ قَضاءً لازِما وقَدَرا حَتما ، لَو كانَ ذلِكَ كَذلِكَ لَبَطَلَ الثَّوابُ وَالعِقابُ ، وسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعيدُ ، وَالأَمرُ مِنَ اللّهِ وَالنَّهيُ ، وما كانَت تَأتي مِنَ اللّهِ لائِمَةٌ لِمُذنِبٍ ، ولا مَحمَدَةٌ لِمُحسِنٍ ، ولا كانَ المُحسِنُ أولى بِثَوابِ الإِحسانِ مِنَ المُذنِبِ ، ولَا المُذنِبُ أولى بِعُقوبَةِ الذَّنبِ مِنَ المُحسِنِ ، تِلكَ مَقالَةُ إخوانِ عَبَدَةِ الأَوثانِ ، وجُنودِ الشَّيطانِ ، وخُصَماءِ الرَّحمنِ ، وشُهَداءِ الزّورِ وَالبُهتانِ ، وأهلِ العَمى وَالطغُّيانِ ، هُم قَدَرِيَّةُ هذِهِ الاُمَّةِ ومَجوسُها . (4)
أعلام الدين :رُوِيَ أنَّ طاووسَ اليَمانِيَّ دَخَلَ عَلى جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ عليه السلام ، وكانَ يَعلَمُ أنَّهُ يَقولُ بِالقَدَرِ ، فَقالَ لَهُ : يا طاووسُ ، مَن أقبَلُ لِلعُذرِ مِنَ اللّهِ مِمَّنِ اعتَذَرَ وهُوَ
.
ص: 307
صادِقٌ فِي اعتِذارِهِ ؟ فَقالَ : لا أحَدَ أقبَلُ لِلعُذرِ مِنهُ . فَقالَ لَهُ : مَن أصدَقُ مِمَّن قالَ : لا أقدِرُ وهُوَ لا يَقدِرُ ؟ فَقالَ طاووسُ : لا أحَدَ أصدَقُ مِنهُ . فَقالَ لَهُ الصّادِقُ عليه السلام : يا طاووسُ ، فَما بالُ مَن هُوَ أقبَلُ لِلعُذرِ ، لا يَقبَلُ عُذرَ مَن قالَ : لا أقدِرُ ، وهُوَ لا يَقدِرُ ؟ فَقامَ طاووسُ وهُوَ يَقولُ : لَيسَ بَيني وبَينَ الحَقِّ عَداوَةٌ ، وَاللّهُ أعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسالاتِهِ ، فَقَد قَبِلتُ نَصيحَتَكَ . (1)
راجع : ص 52 (الاعتقاد بالجبر) .
.
ص: 308
. .
ص: 309
الفصل التّاسِعُ : دور القضاء والقدر في السَّعادة والشَّقاوة9 / 1السَّعيدُ سَعيدٌ في بَطنِ اُمِّهِ وكَذلِكَ الشَّقِيُّالكتاب«وَ بَرَّا بِوَ لِدَتِى وَ لَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :السَّعيدُ مَن سَعِدَ في بَطنِ اُمِّهِ ، وَالشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطنِ اُمِّهِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ النُّطفَةَ إذَا استَقَرَّت فِي الرَّحِمِ فَمَضى لَها أربَعونَ يَوما ... جاءَ مَلَكُ الرَّحِمِ فَصَوَّرَ عَظمَهُ ولَحمَهُ ودَمَهُ وشَعرَهُ وبَشَرَهُ وسَمعَهُ وبَصَرَهُ ، فَيَقولُ : يا رَبِّ أذَكَرٌ أم اُنثى ؟ يا رَبِّ أشَقِيٌّ أم سَعيدٌ ؟ فَيَقضِي اللّهُ عز و جل ما شاءَ ويَكتُبُ ، ثُمَّ يَقولُ : أي رَبِّ أيُّ شَيءٍ رِزقُهُ ؟ فَيَقضِي اللّهُ ما شاءَ ، فَيَكتُبُ ، ثُمَّ يُطوى بِالصَّحيفَةِ فَلا تُنشَرُ
.
ص: 310
إلى يَومِ القِيامَةِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :فَرَغَ اللّهُ إلى كُلِّ عَبدٍ مِن خَمسٍ : مِن أجَلِهِ ورِزقِهِ وأثَرِهِ وشَقِيٌّ أم سَعيدٌ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام_ في تَفسيرِ عِلمِ الغَيبِ _: يَعلَمُ اللّهُ سُبحانَهُ ما فِي الأَرحامِ مِن ذَكَرٍ أو اُنثى ، وقَبيحٍ أو جَميلٍ ، وسَخِيٍّ أو بَخيلٍ ، وشَقِيٍّ أو سَعيدٍ ، ومَن يَكونُ فِي النّارِ حَطَبا أو فِي الجِنانِ لِلنَّبِيّينَ مُرافِقا . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ داحِيَ المَدحُوّاتِ (4) ، وداعِمَ المَسموكاتِ ، وجابِلَ القُلوبِ عَلى فِطرَتِها ، شَقِيِّها وسَعيدِها ... . (5)
الإمام زين العابدين عليه السلام _ في دُعائِهِ _ :لَيتَ شِعري أَ لِلشَقاءِ وَلَدَتني اُمّي أم لِلعَناءِ رَبَّتني؟ فَلَيتَها لَم تَلُدني وَلَم تَرَبَّني وَلَيتَني عَلِمتُ أمِن أهلِ السَّعادَةِ جَعَلتَني ؟ وبِقُربِكَ وجِوارِكَ خَصَصتَني ؟ فَتَقِرَّ بِذلِكَ عَيني وتَطمَئِنَّ لَهُ نَفسي . (6)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ خَتَمتَ لَهُ بِها ، ومَن كانَ مِن أهلِ
.
ص: 311
الشَّقاوَةِ خَذَلتَهُ لَها . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَمّا خَلَقَ الخَلقَ مِن طينٍ أفاضَ بِها كَإِفاضَةِ القِداحِ (2) ، فَأَخرَجَ المُسلِمَ فَجَعَلَهُ سَعيدا ، وجَعَلَ الكافِرَ شَقِيّا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّعادَةَ وَالشَّقاءَ قَبلَ أن يَخلُقَ خَلقهُ ، فَمَن خَلَقَهُ اللّهُ سَعيدا لَم يُبغِضهُ أبَدا ، وإن عَمِلَ شَرّا أبغَضَ عَمَلَهُ ولَم يُبغِضهُ ، وإن كانَ شَقِيّا لَم يُحِبَّهُ أبَدا ، وإن عَمِلَ صالِحا أحَبَّ عَمَلَهُ وأبغَضَهُ لِما يَصيرُ إلَيهِ ، فَإِذا أحَبَّ اللّهُ شَيئا لَم يُبغِضهُ أبَدا ، وإذا أبغَضَ شَيئا لَم يُحِبَّهُ أبَدا (4) . (5)
عنه عليه السلام :يُسلَكُ بِالسَّعيدِ في طَريقِ الأَشقِياءِ حَتّى يَقولَ النّاسُ : ما أشبَهَهُ بِهِم ، بَل هُوَ مِنهُم ثُمَّ يَتَدارَكُهُ السَّعادَةُ ، وقَد يُسلَكُ بِالشَّقِيِّ طَريقَ السُّعَداءِ حَتّى يَقولَ النّاسُ : ما أشبَهَهُ بِهِم بَل هُوَ مِنهُم ثُمَّ يَتَدارَكُهُ الشَّقاءُ ، إنَّ مَن كَتَبَهُ اللّهُ سَعيدا وإن لَم يَبقَ مِنَ الدُّنيا إلّا فُواقَ (6) ناقَةٍ خَتَمَ لَهُ بِالسَّعادَةِ . (7)
.
ص: 312
9 / 2مَعنى سَعادَةِ المَولودِ وشَقاوَتِهِ قَبلَ وِلادَتِهِالتوحيد عن محمّد بن أبي عمير :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ موسَى بنَ جَعفَرٍ عليه السلام عَن مَعنى قَولِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «الشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطنِ اُمِّهِ ، وَالسَّعيدُ مَن سَعِدَ في بَطنِ اُمِّهِ» ، فَقالَ : الشَّقِيُّ مَن عَلِمَ اللّهُ وهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أنَّهُ سَيَعمَلُ أعمالَ الأَشقِياءِ ، وَالسَّعيدُ مَن عَلِمَ اللّهُ وهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أنَّهُ سَيَعمَلُ أعمالَ السُّعَداءِ . قُلتُ لَهُ : فَما مَعنى قَولِهِ صلى الله عليه و آله : اِعمَلوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . فَقال : إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ الجِنَّ وَالإِنسَ لِيَعبُدوهُ ولَم يَخلُقهُم لِيَعصوهُ ، وذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْاءِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ» (1) فَيَسَّرَ كُلّاً لِما خُلِقَ لَهُ ، فَالوَيلُ (2) لِمَنِ استَحَبَّ العَمى عَلَى الهُدى . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :كُنّا في جِنازَةٍ في بَقيعِ الغَرقَدِ (4) ، فَأَتانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَقَعَدَ وقَعَدنا حَولَهُ ومَعَهُ مِخصَرَةٌ (5) فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنكُتُ بِمِخصَرَتِهِ ، ثُمَّ قالَ : ما مِنكُم مِن أحَدٍ _ ما مِن نَفسٍ مَنفوسَةٍ _ إلّا كُتِبَ مَكانُها مِنَ الجَنَّةِ وَالنّارِ ، وإلّا قَد كُتِبَ شَقِيَّةً أو سَعيدَةً . فَقالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، أفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتابِنا ونَدَعُ العَمَلَ ، فَمَن كانَ مِنّا مِن
.
ص: 313
أهلِ السَّعادَةِ فَسَيَصيرُ إلى عَمَلِ أهلِ السَّعادَةِ ، وأمّا مَن كانَ مِنّا مِن أهلِ الشَّقاوَةِ فَسَيَصيرُ إلى عَمَلِ أهلِ الشَّقاوَةِ . قالَ : أمّا أهلُ السَّعادَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ السَّعادَةِ ، وأمّا أهلُ الشَّقاوَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ الشَّقاوَةِ ، ثُمَّ قَرَأَ : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَ اتَّقَى * وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» (1) . (2)
سنن الترمذي عن عمر بن الخطّاب :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ» (3) سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا نَبِيَّ اللّهِ فَعلى ما نَعمَلُ ؟ عَلى شَيءٍ قَد فُرِغَ مِنهُ أو عَلى شَيءٍ لَم يُفرَغ مِنهُ ؟ قالَ : بَل عَلى شَيءٍ قَد فُرِغَ مِنهُ وجَرَت بِهِ الأَقلامُ يا عُمَرُ ، ولكِن كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ . (4)
المعجم الكبير عن ابن عبّاس_ في قَولِهِ : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ» _: إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَحرِصُ أن يُؤمِنَ جَميعُ النّاسِ ويُتابِعوهُ عَلَى الهُدى ، فَأَخبَرَهُ اللّهُ أنَّهُ لا يُؤمِنُ إلّا مَن سَبَقَ لَهُ مِنَ السَّعادَةِ فِي الذِّكرِ الأَوَّلِ ، ولا يَضِلُّ إلّا مَن سَبَقَ لَهُ مِنَ الشَّقاءِ فِي الذِّكرِ الأَوَّلِ ، ثُمَّ قالَ عز و جل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «لَعَلَّكَ بَ_خِعٌ نَّفْسَكَ أَلَا يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ» (5) يَقولُ : «إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَ_لَّتْ أَعْنَ_قُهُمْ
.
ص: 314
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَنقُلُ العَبدَ مِنَ الشَّقاءِ إلَى السَّعادَةِ ولا يَنقُلُهُ مِنَ السَّعادَةِ إلَى الشَّقاءِ . (3)
عنه عليه السلام_ لَمّا سُئِلَ : فَمَا السَّعادَةُ ومَا الشَّقاوَةُ ؟ _: السَّعادَةُ سَبَبُ خَيرٍ تَمَسَّكَ بِهِ السَّعيدُ فَيَجُرُّهُ إلَى النَّجاةِ ، وَالشَّقاوَةُ سَبَبُ خِذلانٍ تَمَسَّكَ بِهِ الشَّقِيُّ فَيَجُرُّهُ إلَى الهَلَكَةِ ، وكُلٌّ بِعِلمِ اللّهِ (4) . (5)
الكافي عن أبي بصير :كُنتُ بَينَ يَدَي أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام جالِسا وقَد سَأَلَهُ سائِلٌ فَقالَ : جُعِلتُ فِداكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، مِن أينَ لَحِقَ الشَّقاءُ أهلَ المَعصِيَةِ حَتّى حَكَمَ اللّهُ لَهُم في عِلمِهِ بِالعَذابِ عَلى عَمَلِهِم ؟ فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : أيُّهَا السّائِلُ ، حُكمُ اللّهِ عز و جل لا يَقومُ لَهُ أحَدٌ مِن خَلقِهِ بِحَقِّهِ ، فَلَمّا حَكَمَ بِذلِكَ وَهَبَ لِأَهلِ مَحَبَّتِهِ القُوَّةَ عَلى مَعرِفَتِهِ ، ووَضَعَ عَنهُم ثِقَلَ العَمَلِ بِحَقيقَةِ ما هُم أهلُهُ ، ووَهَبَ لِأَهلِ المَعصِيَةِ القُوَّةَ عَلى مَعصِيَتِهِم لِسَبقِ عِلمِهِ فيهِم ، ومَنَعَهُم إطاقَةَ القَبولِ مِنهُ ، فَوافَقوا ما سَبَقَ لَهُم في عِلمِهِ ولَم يَقدِروا أن
.
ص: 315
يَأتوا حالاً تُنجيهِم مِن عَذابِهِ ؛ لِأَنَّ عِلمَهُ أولى بِحَقيقَةِ التَّصديقِ ، وهُوَ مَعنى شاءَ ما شاءَ وهُوَ سِرُّهُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا ذَا المَنِّ لا مَنَّ عَلَيكَ ، يا ذَا الطَّولِ (2) لا إلهَ إلّا أنتَ ، ظَهرَ اللّاجينَ ومَأمَنَ الخائِفينَ ، وجارَ المُستَجيرينَ ، إن كانَ عِندَكَ في اُمِّ الكِتابِ أنّي شَقِيٌّ أو مَحرومٌ أو مُقَتَّرٌ عَلَيَّ رِزقي ، فَامحُ مِن اُمِّ الكِتابِ شَقائي وحِرماني وإقتارَ رِزقي ، وَاكتُبني عِندَكَ سَعيدا مُوَفَّقا لِلخَيرِ ، مُوَسَّعا عَلَيَّ رِزقُكَ ، فَإِنَّكَ قُلتَ في كِتابِكَ المُنزَلِ عَلى نَبِيِّكَ المُرسَلِ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» (3) . (4)
التوحيد عن عبد اللّه بن سلام :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : أخبِرني أيُعَذِّبُ اللّهُ عز و جل خَلقا بِلا حُجَّةٍ ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : مَعاذَ اللّهِ . قُلتُ : فَأَولادُ المُشرِكينَ فِي الجَنَّةِ أم فِي النّارِ ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أولى بِهِم ، إنَّهُ إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ وجَمَعَ اللّهُ عز و جل الخَلائِقَ لِفَصلِ القَضاءِ يَأتي بِأَولادِ المُشرِكينَ ، فَيَقولُ لَهُم : عَبيدي وإمائي مَن رَبُّكُم وما دينُكُم وما أعمالُكُم ؟
.
ص: 316
قالَ : فَيَقولونَ : اللّهُمَّ رَبَّنا أنتَ خَلَقتَنا ولَم نَخلُق شَيئا ، وأنتَ أمَتَّنا ولَم نُمِت شَيئا ، ولَم تَجعَل لَنا ألسِنَةً نَنطِقُ بها ولا أسماعا نَسمَعُ بِها ولا كِتابا نَقرَؤُهُ ولا رَسولاً فَنَتَّبِعَهُ ، ولا عِلمَ لَنا إلّا ما عَلَّمتَنا . قالَ : فَيَقولُ لَهُم عز و جل : عَبيدي وإمائي إن أمَرتُكُم بِأَمرٍ أتَفعَلوهُ ؟ فَيَقولونَ : السَّمعُ وَالطّاعَةُ لَكَ يا رَبَّنا . قالَ : فَيَأمُرُ اللّهُ عز و جل نارا يُقالُ لَهَا الفَلَقُ أشَدُّ شَيءٍ في جَهَنَّمَ عَذابا ، فَتَخرُجُ مِن مَكانِها سَوداءَ مُظلِمَةً بِالسَّلاسِلِ وَالأَغلالِ ، فَيَأمُرُهَا اللّهُ عز و جل أن تَنفُخَ في وُجوهِ الخَلائِقِ نَفخَةً ، فَتَنفُخُ ، فَمِن شِدَّةِ نَفخَتِها تَنقَطِعُ السَّماءُ وتَنطَمِسُ النُّجومُ وتَجمُدُ البِحارُ وتَزولُ الجِبالُ وتُظلِمُ الأَبصارُ وتَضَعُ الحَوامِلُ حَملَها ، ويَشيبُ الوِلدانُ مِن هَولِها يَومَ القِيامَةِ ، ثُمَّ يَأمُرُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أطفالَ المُشرِكينَ أن يُلقوا أنفُسَهُم في تِلكَ النّارِ ، فَمَن سَبَقَ لَهُ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أن يَكونَ سَعيدا ألقى نَفسَهُ فيها ، فَكانَت عَلَيهِ بَردا وسَلاما كَما كانَت عَلى إبراهيمَ عليه السلام ، ومَن سَبَقَ لَهُ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أن يَكونَ شَقِيّا امتَنَعَ فَلَم يُلقِ نَفسَهُ فِي النّارِ ، فَيَأمُرُ اللّهُ _ تَبارَكَ وتَعالى _ النّارَ فَتَلتَقِطُهُ لِتَركِهِ أمرَ اللّهِ وَ امتِناعِهِ مِنَ الدُّخولِ فيها ، فَيَكونُ تَبَعا لِابائِهِ في جَهَنَّمَ وذلِكَ قَولُهُ عز و جل : «فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَ_اءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» (1) . (2)
.
ص: 317
الكافي عن سهل بن زياد عن غير واحد رفعوه :إنَّهُ سُئِلَ عَنِ الأَطفالِ فَقالَ عليه السلام : إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ جَمَعَهُمُ اللّهُ وأجَّجَ لَهُم نارا وأمَرَهُم أن يَطرَحوا أنفُسَهُم فيها ، فَمَن كانَ في عِلمِ اللّهِ عز و جل أنَّهُ سَعيدٌ رَمى بِنَفسِهِ وكانَت عَلَيهِ بَردا وسَلاما ، ومَن كانَ في عِلمِهِ أنَّهُ شَقِيٌّ امتَنَعَ فَيَأمُرُ اللّهُ بِهِم إلَى النّارِ ، فَيَقولونَ : يا رَبَّنا ، تَأمُرُ بِنا إلَى النّارِ ولَم تُجرِ عَلَينَا القَلمَ ؟ فَيَقولُ الجَبّارُ : قَد أمَرتُكُم مُشافَهَةً فَلَم تُطيعوني ، فَكَيفَ ولَو أرسَلتُ رُسُلي بِالغَيبِ إلَيكُم . (1)
كتاب سليم بن قيس عن سليم :قُلتُ لِابنِ عَبّاسٍ : أخبِرني بِأَعظَمِ ما سَمِعتُم مِن عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ما هُوَ ؟ قالَ سُلَيمٌ : فَأَتاني بِشَيءٍ قَد كُنتُ سَمِعتُهُ أنَا مِن عَلِيٍّ عليه السلام . قالَ عليه السلام : دَعاني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وفي يَدِهِ كِتابٌ فَقالَ : يا عَلِيُّ دونَكَ هذَا الكِتابَ ، فَقُلتُ : يا نَبِيَّ اللّهِ وما هذَا الكِتابُ ؟ قالَ : كِتابٌ كَتَبَهُ اللّهُ ، فيهِ تَسمِيَةُ أهلِ السَّعادَةِ وأهلِ الشَّقاوَةِ مِن اُمَّتي إلى يَومِ القِيامَةِ ، أمَرَني رَبّي أن أدفَعَهُ إلَيكَ . (2)
.
ص: 318
. .
ص: 319
دراسةٌ حول السّعادة والشّقاء في بطن الاُمّيدلّ ظاهر هذا الحديث على أنّ السعادة والشقاء مقارنان للإنسان من حين ولادته، وأنّ سعادة البشر و شقاءهم محدّدان قبل أن يولدوا. فكلّ من كان سعيدا في بطن اُمّه سوف تقترن حياته بالسعادة بعد ولادته ، وإذا ما كُتب عليه أن يكون شقيّا في بطن اُمّه، فإنّه سيكون تعيسا بعد ولادته أيضا. وعلى هذا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل يدلّ هذا الحديث على كون الناس مجبورين في سلوك طريق السعادة والشقاء؟ قبل الإجابة على هذا السؤال من الضروري الالتفات إلى هذه الملاحظة : وهي أنّ الاعتقاد بالجبر _ كما أوضحنا بشكلٍ مفصّل فيما مضى _ يعني إنكار العلم الحضوريّ للإنسان باختياره وحرّيته ، كما يعني نسبة الظلم والفعل القبيح إلى اللّه تعالى ، وكذلك فإنّ الدين والشريعة والقيم الأخلاقيّة ستكون فاقدة للقيمة في حالة كون أفعال الإنسان إجباريّة. على أساس هذا المبدأ المسلّم به الّذي لا يقبل الشكّ، فإنّ القضاء والقدر الإلهيّين _ ومن جملتهما تقدير سعادة الإنسان أو شقائه لا مناص من تفسيرهما بشكلٍ بحيث لا يؤدّي إلى كون الإنسان مجبورا في اختيار طريق الحياة. يمكن القول مع أخذ هذه الملاحظة بنظر الاعتبار بأنّ الحديث المذكور يشير إلى أحد المعاني التالية :
.
ص: 320
1 . العلم الإلهي بسعادة البشر وشقائهم قبل ولادتهملا شكّ في أنّ اللّه يعلم بمصير جميع البشر قبل ولادتهم، ولكنّ من الواضح أنّ علم اللّه الأزليّ ليس سبب صدور أفعال الإنسان. بعبارةٍ اُخرى : فإنّ اللّه _ سبحانه _ يعلم الطريق الّذي يختاره كلّ إنسان بإرادته واختياره، على هذا فإنّ الإنسان ليس مجبرا على اختيار طريق الخير أو الشرّ . وقد روي هذا التفسير للحديث المذكور بحذافيره عن الإمام الكاظم عليه السلام : الشَّقيُّ مَن عَلِمَ اللّهُ وَهوَ في بَطنِ اُمِّهِ أَنَّهُ سَيَعمَلُ أَعمالَ الأَشقياءِ ، وَالسَّعيدُ مَن عَلِمَ اللّهُ وَهُوَ في بَطنِ اُمِّهِ أَنَّهُ سَيَعمَلُ أَعمال السُّعداء . (1) بعبارةٍ أوضح : إن كان معنى الحديث المذكور أنّ اللّه _ جلّ وعلا _ خلق عددا من الناس سعداء ومؤمنين بالفطرة، وخلق عددا آخر أشقياء كافرين، لكان الناس مجبرين على سلوك طريق السعادة أو الشقاء . ولكنّ الأمر ليس كذلك ، فخالق العالم لم يخلق أيّ إنسان شقيّا وكافرا، بل خلق الجميع موحّدين بالفطرة ، وقد جاء ذلك في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ اللّهَ خَلَقَ خَلقَهُ جَميعا مُسلِمينَ ، أَمَرَهُم وَنَهاهُم ، وَالكُفرُ اسمٌ يَلحَقُ الفِعلَ حينَ يِفعَلُهُ العَبدُ ، وَلَم يَخلُقِ اللّهُ العَبدَ حينَ خَلقَهُ كافِرا، إِنَّهُ إِنَّما كَفَرَ مِن بَعدِ أَن بَلَغَ وَقتا لَزِمَتهُ الحُجَّةُ مِنَ اللّهِ ، فَعَرَضَ عَلَيهِ الحَقَّ فَجَحَدَهُ ، فَبِإِنكارِهِ الحَقَّ صارَ كافِرا . (2)
2 . تقدير السعادة للمؤمن والشقاء للكافرإنّ المعنى الآخر للحديث المذكور:هو أنّ اللّه عز و جل قدّر السعادة فيبطون الاُمّهات للأبناء الّذين يعلم أنّهم يختارون في المستقبل الطريق الصحيح في الحياة ويؤمنون به، فيما
.
ص: 321
قدّر في بطون الاُمّهات الشقاء للأبناء الّذين يعلم أنّهم سيختارون في المستقبل الطريق الخاطئ ويكفرون به، وقد روي هذا المعنى في حديثٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سَبَقَ العِلمُ وَجَفَّ القَلَمُ ، وَمَضَى القَدَرُ بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوَلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ ، وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (1) بناءً على ذلك ، فعلى الرغم من أنّ السعادة والشقاء يُقدّران من قبل اللّه ، إلّا أنّ السعادة والشقاء يعينان الإنسان على أساس الإيمان والكفر اللّذين هما عملان اختياريّان للإنسان .
3 . دور اختيار الإنسان في عالم الذرّ في سعادته وشقائهإنّ المعنى الثالث الّذي قُدّم للحديث المذكور ، هو أنّ اختيار الإنسان في عالم الذرّ الّذي كان قبل العالم الحالي، يؤثّر في تكوين سجيّته، وذلك وفقا لعدد من الروايات، بمعنى أنّ الأشخاص الّذين اختاروا في ذلك العالم الطريق الصحيح، فإنّ سجيّتهم في هذا العالم تميل أيضا إلى اختيار الطريق الصحيح الّذي يؤدّي إلى سعادتهم، وأمّا اُولئك الّذين اختاروا الطريق المعوجّ ، فإنّهم يميلون بطبيعتهم إلى الأعمال القبيحة الّتي تستوجب شقاءهم . ولكنّ اُولئك الّذين يميلون إلى الشرّ ، بإمكانهم أن يختاروا الطريق الصحيح ، واُولئك الّذين يميلون إلى الخير من الممكن أن يختاروا الطريق المنحرف، دون أن يكون هناك جبر أي في البين .
حصيلة البحثيبدو أنّ معنى الحديث المذكور هو المعنى الأوّل الّذي ورد في حديث الإمام الكاظم عليه السلام ، والتفسير الثاني يعود أيضا إلى المعنى الأوّل أيضاً ، وأمّا التفسير الثالث،
.
ص: 322
فإنّ انطباقه على الحديث «السَّعيدُ سَعيدٌ في بَطنِ اُمِّهِ ...» مشكل، فضلاً عن أنّه يقوم على وجود عالم الذرّ ، وهو بحاجة إلى البحث والدراسة. وممّا يجدر ذكره أنّ الروايات الاُخرى الّتي وردت في الباب السابق يمكن أن يُستند إليها في تفسير هذا الحديث وتبيينه، رغم أنّها لم تشر إلى معناه.
.
ص: 323
الفصل العاشِرُ : دور الإنسان في القضاء والقدر10 / 1دَورُ العَمَلِ في مَصيرِ الإِنسانِالكتاب«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَما تَكونونَ يُوَلّى _ أو يُؤَمَّرُ (2) _ عَلَيكُم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ بِقَومٍ سوءا جَعَلَ أمرَهُم إلى مُترَفيهِم . (4)
الإرشاد :كَتَبَ [عَلِيٌّ] عليه السلام بِالفَتحِ إلى أهلِ الكوفَةِ [بَعدَ حَربِ الجَمَلِ] : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى أهلِ الكوفَةِ : سَلامٌ عَلَيكُم فَإِنّي أحمَدُ إلَيكُمُ اللّهَ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أمّا بَعدُ : فَإِنَّ اللّهَ حَكَمٌ عَدلٌ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا
.
ص: 324
ما بِأَنفُسِهِم ، وإذا أرادَ اللّهُ بِقَومٍ سوءا فَلا مَرَدَّ لَهُ وما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ أهلِ الصَّبرِ وَالمُقاوَمَةِ مِنَ المُؤمِنينَ _: لَم يَمُنُّوا عَلى اللّهِ بِالصَّبرِ ، وَلَم يَستَعظِموا بَذلَ أنفُسِهِم في الحَقِّ ، حَتّى إذا وافَقَ وارِدُ القَضاءِ انقِطاعَ مُدَّةِ البَلاءِ ، حَمَلوا بَصائِرَهُم عَلى أسيافِهِم ، ودانوا لِرَبِّهِم بِأَمرِ واعِظِهِم . (2)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ فِي استِبطاءِ مَن قَعَدَ عَن نُصرَتِهِ _: ما أظُنُّ هؤُلاءِ القَومَ _ يَعني أهلَ الشّامِ _ إلّا ظاهِرينَ عَلَيكُم ... أرى اُمورَهُم قَد عَلَت ونيرانَكُم قَد خَبَت ، وأراهُم جادّينَ وأراكُم وانينَ (3) ، وأراهُم مُجتَمِعينَ وأراكُم مُتَفَرِّقينَ ، وأراهُم لِصاحِبِهِم مُطيعينَ وأراكُم لي عاصينَ . (4)
عنه عليه السلام :وَاللّهِ لَقَد خَشيتُ أن يُدالَ هؤُلاءِ القَومُ عَلَيكُم بِصَلاحِهِم في أرضِهِم وفَسادِكُم في أرضِكُم ، وبِأَدائِهِمُ الأَمانَةَ وخِيانَتِكُم ، وبِطَواعِيَتِهِم إمامَهُم ومَعصِيَتِكُم لَهُ ، وَاجتِماعِهِم عَلى باطِلِهِم وتَفَرُّقِكُم عَلى حَقِّكُم . (5)
عنه عليه السلام_ في خُطبَتِهِ بَعدَ فَراغِهِ مِن أمرِ الخَوارِجِ _: إنَّ اللّهَ قَد أحسَنَ نَصرَكُم ، فَتَوَجَّهوا مِن فَورِكُم هذا إلى عَدُوِّكُم مِن أهلِ الشّامِ ... «يَ_قَوْمِ ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَ_سِرِينَ» (6) . (7)
.
ص: 325
الإمام الصادق عليه السلام :مَن يَموتُ بِالذُّنوبِ أكثَرُ مِمَّن يَموتُ بِالآجالِ ، ومَن يَعيشُ بِالإِحسانِ أكثَرُ مِمَّن يَعيشُ بِالأَعمارِ . (1)
10 / 2دَورُ الجِهادِ في حُسنِ القَضاءِالإمام عليّ عليه السلام_ في صِفَةِ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله _: فَلَمّا رَأَى اللّهُ صِدقَنا أنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكَبتَ (2) وأنزَلَ عَلَينَا النَّصرَ ، حَتَّى استَقَرَّ الإِسلامُ مُلقِيا جِرانَهُ (3) ومُتَبَوِّئا أوطانَهُ . (4)
عنه عليه السلام_ مِن كَلامِهِ يَومَ صِفّينَ _: لَقَد كانَ الرَّجُلُ مِنّا وَالآخَرُ مِن عَدُوِّنا يَتَصاوَلانِ تَصاوُلَ الفَحلَينِ ، يَتَخالَسانِ أنفُسَهُما أيُّهُما يَسقي صاحِبَهُ كَأسَ المَنونِ ، فَمَرَّةً لَنا مِن عَدُوِّنا ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنّا ، فَلَمّا رَآنَا اللّهُ صُبُرا صُدُقا أنزَلَ اللّهُ بِعَدُوِّنَا الكَبتَ ، وأنزَلَ عَلَينَا النَّصرَ . (5)
نهج السعادة عن الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الإِخبارِ عَمّا يَقَعُ بَعدَهُ _: ألا وإنَّهُ لا يَزالُ البَلاءُ بِكُم مِن بَعدي حَتّى يَكونَ المُحِبُّ لي وَالمُتَّبِعُ أذَلَّ في أهلِ زَمانِهِ مِن فَرخِ الأَمَةِ ! قالوا : ولِمَ ذلِكَ ؟
.
ص: 326
قالَ : ذلِكَ بِما كَسَبَت أيديكُم ، بِرِضاكُم بِالدَّنِيَّةِ فِي الدّينِ ، فَلَو أنَّ أحَدَكُم إذا ظَهَرَ الجَورُ مِن أئِمَّةِ الجَورِ باعَ نَفسَهُ مِن رَبِّهِ وأخَذَ حَقَّهُ مِنَ الجِهادِ لَقامَ دينُ اللّهِ ... . (1)
10 / 3دَورُ الأَعمالِ السَّيِّئَةِ في سوءِ القَضاءِالإمام عليّ عليه السلام_ لَمّا خَرَجَ إلى صِفّينَ ومَرَّ بِخَرائِبِ المَدائِنِ _: إنَّ هؤُلاءِ القَومَ كانوا وارِثينَ فَأَصبَحوا مَوروثينَ ، وإنَّ هؤُلاءِ القَومَ استَحَلُّوا الحُرُمَ فَحَلَّت بِهِمُ النِّقَمُ ، فَلا تَستَحِلُّوا الحُرُمَ فَتَحِلَّ بِكُمُ النِّقَمُ . (2)
الكافي عن أبي حمزة الثمالي :قالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام في خُطبَتِهِ : أعوذُ بِاللّهِ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ . فَقامَ إلَيهِ عَبدُ اللّهِ بنُ الكَوّاءِ اليَشكُرِيُّ (3) فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أوَ تَكونُ ذُنوبٌ تُعَجِّلُ الفَناءَ ؟ فَقالَ : نَعَم وَيلَكَ ، قَطيعَةُ الرَّحِمِ ، إنَّ أهلَ البَيتِ لَيَجتَمِعونَ ويَتَواسَونَ وهُم فَجَرَةٌ فَيَرزُقُهُمُ اللّهُ ، وإنَّ أهلَ البَيتِ لَيَتَفَرَّقونَ ويَقطَعُ بَعضُهُم بَعضا فَيَحرِمُهُمُ اللّهُ وهُم أتقِياءُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ أبي عليه السلام يَقولُ : نَعوذُ بِاللّهِ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تُعَجِّلُ الفَناءَ وتُقَرِّبُ الآجالَ وتُخلِي الدِّيارَ ، وهِيَ قَطيعَةُ الرَّحِمِ وَالعُقوقُ وتَركُ البِرِّ . (5)
.
ص: 327
الكافي عن حذيفة بن منصور عن الإمام الصادق عليه السلام :اِتَّقُوا الحالِقَةَ فَإِنَّها تُميتُ الرِّجالَ ، قُلتُ : ومَا الحالِقَةُ ؟ قالَ : قَطيعَةُ الرَّحِمِ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :كَما أنَّ بادِئَ النِّعَمِ مِنَ اللّهِ عز و جل وقَد نَحَلَكُموهُ ، فَكَذلِكَ الشَّرُّ مِن أنفُسِكُم وإن جَرى بِهِ قَدَرُهُ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ هذَا الأَمرَ لايَدَّعيهِ غَيرُ صاحِبِهِ إلّا تَبَّرَ (3) اللّهُ عُمُرَهُ . (4)
.
ص: 328
. .
ص: 329
الفصل الحادي عَشَرَ : الإيمان بالقضاء والقدر11 / 1مَعنَى الإِيمانِ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَو كانَ لَكَ جَبَلُ اُحُدٍ ذَهَبا أنفَقتَهُ في سَبيلِ اللّهِ ما قَبِلَهُ اللّهُ مِنكَ حَتّى تُؤمِنَ بِالقَدَرِ ، وتَعلَمَ أنّ ما أصابَكَ لَم يَكُن لِيُخطِئَكَ وأنَّ ما أخطَأَكَ لَم يَكُن لِيُصيبَكَ ، وأنَّكَ إن مِتَّ عَلى غَيرِ هذا دَخَلتَ النّارَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ ، حَتّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ ، وأنَّ ما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ أحَدَكُم لَن يَخلُصَ الإيمانُ إلى قَلبِهِ ، حَتّى يَستَيقِنَ يَقينا غَيرَ ظَنٍّ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ وما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ ، ويُقِرَّ بِالقَدَرِ كُلِّهِ . (3)
.
ص: 330
11 / 2وُجوبُ الإِيمانِ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ بِالقَدَرِ نِظامُ التَّوحيدِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ القَدَرَ نِظامُ التَّوحيدِ ، فَمَن وَحَّدَ اللّهَ وآمَنَ بِالقَدَرِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ وحُلوِهِ ومُرِّهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يُؤمِنُ عَبدٌ حَتّى يُؤمِنَ بِأَربَعَةٍ : حَتّى يَشهَدَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنّي رَسولُ اللّهِ بَعَثَني بِالحَقِّ ، وحَتّى يُؤمِنَ بِالبَعثِ بَعدَ المَوتِ ، وحَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ وقَد سُئِلَ عَنِ الإِيمانِ _: أن تُؤمِنَ بِاللّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، وَالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لايَجِدُ حَلاوَةَ الإِيمانِ حَتّى يُؤمِنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ حُلوِهِ ومُرِّهِ . (6)
.
ص: 331
عنه صلى الله عليه و آله :ما بَلَغَ عَبدٌ حَقيقَةَ الإِيمانِ حَتّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ ، وما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَتَّقِي اللّهَ عَبدٌ حَقَّ تُقاتِهِ ، حَتّى يَعلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ ، وما أخطَأَهُ لَم يَكُن لِيُصيبَهُ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ حينَما ذُكِرَ عِندَهُ القَدَرُ وكَلامُ الاِستِطاعَةِ _: هذا كَلامٌ خَبيثٌ ، أنَا عَلى دينِ آبائي لا أرجِعُ عَنهُ ، القَدَرُ حُلوُهُ ومُرُّهُ مِنَ اللّهِ ، وَالخَيرُ وَالشَّرُّ كُلُّهُ مِنَ اللّهِ . (3)
11 / 3تَحريمُ التَّكذيبِ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ فَأَنَا مِنهُ بَريءٌ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن كَذَّبَ بِالقَدَرِ ، فَقَد كَفَرَ بِما جِئتُ بِهِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :قالَ رَبُّ العِزَّةِ جَلَّ جَلالُهُ : مَن آمَنَ بي ولَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ فَليَلتَمِس رَبّا غَيري . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يُكَذِّبونَ بِالقَدَرِ ، ألا اُولئِكَ مَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ ، فَإِن
.
ص: 332
مَرِضوا فَلا تَعودوا (1) ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مَجوسَ هذِهِ الاُمَّةِ المُكَذِّبونَ بِأَقدارِ اللّهِ ، إن مَرِضوا فَلا تَعودوهُم ، وإن ماتوا فَلا تَشهَدوهُم ، وإن لَقيتُموهُم فَلا تُسَلِّموا عَلَيهِم . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثَةٌ لا يُقبَلُ مِنهُم يَومَ القِيامَةِ صَرفٌ ولا عَدلٌ (4) : عاقٌّ ، ومَنّانٌ (5) ، ومُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :أربَعَةٌ لا يَنظُرُ اللّهُ إلَيهِم يَومَ القِيامَةِ : عاقٌّ ، ومَنّانٌ ، ومُكَذِّبٌ بِالقَدَرِ ، ومُدمِنُ خَمرٍ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :سِتَّةٌ لَعَنَهُمُ اللّهُ وكُلُّ نَبِيٍّ مُجابٍ : الزّائِدُ في كِتابِ اللّهِ ، وَالمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللّهِ ، وَالتّارِكُ لِسُنَّتي ، وَالمُستَحِلُّ مِن عِترَتي ما حَرَّمَ اللّهُ ، وَالمُتَسَلِّطُ بِالجَبَروتِ لِيُذِلَّ مَن أعَزَّهُ اللّهُ ويُعِزَّ مَن أذَلَّهُ اللّهُ ، وَالمُستَأثِرُ بِفَيءِ المُسلِمينَ المُستَحِلُّ لَهُ . (8)
.
ص: 333
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اُمَّتي لا تَزالُ مُستَمكِنَةً مِن دينِها ما لَم يُكَذِّبوا بِالقَدَرِ ، فَإِذا كَذَّبوا بِالقَدَرِ فَعِندَ ذلِكَ هَلاكُهُم . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما هَلَكَت اُمَّةٌ قَطُّ حَتّى تُشرِكَ بِاللّهِ ، وما أشرَكَت اُمَّةٌ بِاللّهِ حَتّى يَكونَ أوَّلُ شِركِهَا التَّكذيبَ بِالقَدَرِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ما هَلَكَت اُمَّةٌ قَطُّ إلّا بِالشِّركِ بِاللّهِ عز و جل ، وما أشرَكَت اُمَّةٌ حَتّى يَكونَ بُدُوُّ شِركِهَا التَّكذيبَ بِالقَدَرِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :أخافُ عَلى اُمَّتي مِن بَعدي خَصلَتَينِ : تَكذيبا بِالقَدَرِ ، وتَصديقا بِالنُّجومِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ أخافُ عَلى اُمَّتي : الاِستِسقاءُ بِالأَنواءِ (5) ، وحَيفُ (6) السُّلطانِ ، وتَكذيبٌ بِالقَدَرِ . (7)
الإمام عليّ عليه السلام :لَيسَ مِنّا مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ . (8)
.
ص: 334
الإمام الحسن عليه السلام :مَن لَم يُؤمِن بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ ، فَقَد فَجَر . (1)
الإمام الباقر عليه السلام :يُحشَرُ المُكَذِّبونَ بِقَدَرِ اللّهِ مِن قُبورِهِم قَد مُسِخوا قِرَدَةً وخَنازيرَ . (2)
11 / 4ما لا يُنافِي الإِيمانَ بِالقَدَرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الدَّواءُ مِنَ القَدَرِ ، وقَد يَنفَعُ بِإِذنِ اللّهِ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله _ وقيلَ لَهُ : يا رَسولَ اللّهِ رُقىً (4) يُستَشفى بِها ، هَل تَرُدُّ مِن قَدَرِ اللّهِ ؟ فَقالَ _ : إنَّها مِن قَدَرِ اللّهِ . (5)
سنن الترمذي عن أبي خزامة عن أبيه :سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أرَأَيتَ رُقىً نَستَرقيها ودَواءً نَتَداوَى بِهِ وتُقاةً نَتَّقيها ، هَل تَرُدُّ مِن قَدَرِ اللّهِ شَيئا ؟ قالَ : هِيَ مِن قَدَرِ اللّهِ . (6)
التوحيد عن الأصبغ بن نباتة :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عَدَلَ مِن عِندِ حائِطٍ مائِلٍ إلى حائِطٍ آخَرَ ، فَقيلَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ أتَفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ ؟
.
ص: 335
فَقالَ : أفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ إلى قَدَرِ اللّهِ عز و جل . (1)
التوحيد عن عليّ بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال :سَأَلتُهُ عَنِ الرُّقى أتَدفَعُ مِنَ القَدَرِ شَيئا ؟ فَقالَ : هِيَ مِنَ القَدَرِ . (2)
11 / 5ما يوهِمُ تَنافِيَ الإِيمانِ بِالقَدَرِ وَالتَّدبيرِالإمام عليّ عليه السلام :رُبَّ حَياةٍ سَبَبُهَا التَّعَرُّضُ لِلمَوتِ ، ورُبَّ ميتَةٍ سَبَبُهَا طَلَبُ الحَياةِ . (3)
الكافي عن زيد الشحّام عن الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أميرَ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ جَلَسَ إلى حائِطٍ مائِلٍ يَقضي بَينَ النّاسِ ، فَقالَ بَعضُهُم : لا تَقعُد تَحتَ هذَا الحائِطِ فَإِنَّهُ مُعوِرٌ . فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ : حَرَسَ امرَءاً أجَلُهُ . فَلَمّا قامَ سَقَطَ الحائِطُ . قالَ : وكانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام مِمّا يَفعَلُ هذا وأشباهَهُ ، وهذَا اليَقينُ . (4)
الكافي عن سعيد بن قيس الهمداني :نَظَرتُ يَوما فِي الحَربِ إلى رَجُلٍ عَلَيهِ ثَوبانِ ، فَحَرَّكتُ فَرَسي فَإِذا هُوَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ في مِثلِ هذَا المَوضِعِ ؟ فَقالَ : نَعَم يا سَعيدَ بنَ قَيسٍ ، إنَّهُ لَيسَ مِن عَبدٍ إلّا ولَهُ مِنَ اللّهِ حافِظٌ وواقِيَةٌ ، مَعَهُ مَلَكانِ يَحفَظانِهِ مِن أن يَسقُطَ مِن رَأسِ جَبَلٍ أو يَقَعَ في بِئرٍ ، فَإِذا نَزَلَ
.
ص: 336
القَضاءُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَ كُلِّ شَيءٍ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ مَعَ كُلِّ إنسانٍ مَلَكَينِ يَحفَظانِهِ ، فَإِذا جاءَ القَدَرُ خَلَّيا بَينَهُ وبَينَهُ . (2)
.
ص: 337
توضيح حول ما يدل في الظاهر على التنافي بين التقدير والتدبيريبدو من خلال النظرة الأوّليّة إلى أحاديث هذا الباب أنّ الإيمان بالتقدير يتنافى مع التخطيط والتدبير للحياة ، ولكن يتّضح عبر التأمّل في هذا الموضوع أنّ هذا التنافي ظاهريّ . وقد جاء توضيح هذا الموضوع في الحديث الأوّل : رُبَّ حياةٍ سَبَبُها التَّعَرُّضُ لِلَموتِ ، وَرُبَّ مَنيَّةٍ سَبَبُها طَلَبُ الحياةِ . (1) وهذا الحديث يُسلّط الضوء على حقيقة هي أنّ التدبير ليس مفيدا دائما ، بل إنّه قد يتمخّض عن نتيجة عكسيّة . بناءً على ذلك ، فإنّ المؤمن يجب أن لا يعتمد على الأسباب اعتمادا كاملاً ، بل يجب أن يضمن مستقبله من خلال التدبير إلى جانب الإستعانة باللّه _ تعالى _ والتوكّل عليه . في الحقيقة فإنّ هذا الحديث يريد بيان حقيقة هي أنّ التوكّل متمّم ومكمّل للتدبير ، فما أكثر ما لا يتمخّض التدبير عن النتيجة المرجوّة ، أو قد يعطي نتيجة عكسيّة . إنّ الحديث الثاني (2) من الباب يدلّ على أنّ الإمام عليّا عليه السلام كان جالسا إلى جوار جدارٍ مائلٍ وآيل إلى السقوط وهو منشغل في القضاء ، وعندما طُلب منه أن يقوم من مكانه لم يعر أهمّية وواصل عمله ، مستدّلاً بأنّ «الأجل» يحرس الإنسان ، ثمّ
.
ص: 338
انهدم الجدار بعد نهوضه . إلى جانب ذلك روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً في حادثة مشابهة ، أنّه نهض من جوار الجدار الّذي كان من المحتمل أن يسقط ، وعندما قال له أصحابه معترضين : يا أميرالمؤمنين ، أتفرّ من قضاء اللّه ؟ قال عليه السلام : «أَفِرُّ مِن قَضاءِ اللّهِ إلى قَدَرِ اللّه » (1) . وهذا يعني أنّ إصابة الشخص الّذي يجلس تحت جدار مائل هي قضاء إلهي ، كما أنّ عدم إصابة الشخص الهارب منه هو تقديره ، ولكن أيّا منهما ليس قضاءً حتميّا ، وعلى الإنسان أن ينتقل من قضاءٍ إلى آخر حفاظا على حياته . بناءً على ذلك ، فعلى فرض صحّة الرواية الّتي تدلّ على ما يخالف هذا الحديث ، يجب القول إنّه عليه السلام لم يفعل شيئا للحفاظ على حياته _ مثل ما جاء في الحديث الثالث (2) من الباب من أنّ الإمام عليه السلام دخل ميدان القتال دون درع وبثوبين فقط _ ؛ لأنّه كان يعلم أنه لا يصيبه ضرر لهذا لم يأت بما يحافظ به على حياته . أمّا الحديث الرابع (3) الّذي يدلّ على وجود ملكين مكلّفين بالحفاظ على حياة الإنسان حتّى يدركه التقدير الإلهي ، فيبدو أنّ المراد من التقدير فيه هو التقدير الحتميّ ، الذي لا ينفع معه أيّ سعي وتدبير ، وليس المقصود منه التقديرات المعلّقة والموقوفة والقابلة للبداء الّتي يستطيع الإنسان أن يغيّر مصيره عبر التدبير والتوكّل والدعاء . وبما أنّ الإنسان لا يحيط علما بمقدّراته القطعيّة وغير القطعيّة ، فإنّ عليه دوما أن يحول دون المشاكل المحتملة في الحياة من خلال السعي والتدبير إلى جانب الاستعانة باللّه ويصنع مصيرا أفضل لنفسه .
.
ص: 339
الفصل الثّاني عَشَرَ : الرِّضا بالقضاء والقدر12 / 1الحَثُّ عَلَى الرِّضا بِالقَضاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ رِضاهُ بِما قَضَى اللّهُ لَهُ ، ومِن شَقاوَةِ ابنِ آدَمَ تَركُهُ استِخارَةَ اللّهِ ، ومِن شَقاوَةِ ابنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِما قَضَى اللّهُ لَهُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ رِضاهُ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ . (2)
معاني الأخبار عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه رفعه :جاءَ جَبرَئيلُ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ أرسَلَني إلَيكَ بِهَدِيَّةٍ لَم يُعطِها أحَدا قَبلَكَ . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُلتُ : وما هِيَ ؟ قالَ : الصَّبرُ وأحسَنُ مِنهُ . قُلتُ : وما هُوَ ؟ قالَ : الرِّضا . (3)
.
ص: 340
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ناجى داوودُ رَبَّهُ ، فَقالَ : إلهي لِكُلِّ مَلِكٍ خِزانَةٌ ، فَأَينَ خِزانَتُكَ ؟ فَقالَ جَلَّ جَلالُهُ : لي خِزانَةٌ أعظَمُ مِنَ العَرشِ ، وأوسَعُ مِنَ الكُرسِيِّ ، وأطيَبُ مِنَ الجَنَّةِ ، وأزيَنُ مِنَ المَلَكوتِ ... لَها أربَعَةُ أبوابٍ : العِلمُ وَالحِلمُ وَالصَّبرُ وَالرِّضا ؛ ألا وهِيَ القَلبُ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ في عَشَرَةٍ : المَعرِفَةِ وَالطّاعَةِ ، وَالعِلمِ وَالعَمَلِ ، وَالوَرَعِ وَالاِجتِهادِ ، وَالصَّبرِ وَاليَقينِ ، وَالرِّضا وَالتَّسليمِ ؛ فَأَيَّها فَقَدَ صاحِبُهُ بَطَلَ نِظامُهُ . (2)
شعب الإيمان عن عبادة بن الصلت :قالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ أيُّ العَمَلِ أفضَلُ ؟ قالَ : الصَّبرُ وَالسَّماحَةُ . قالَ : اُريدُ أفضَلَ مِن ذلِكَ . قالَ : لا تَتَّهِمِ اللّهَ في شَيءٍ مِن قَضائِهِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :كُن أبَدا راضِيا بِما يَأتي بِهِ القَدَرُ . (4)
عنه عليه السلام :مِن أفضَلِ الإِيمانِ الرِّضا بِما يَأتي بِهِ القَدَرُ . (5)
عنه عليه السلام :الإِيمانُ أربَعَةُ أركانٍ : الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ ، وتَفويضُ الأَمرِ إلَى اللّهِ ، وَالتَّسليمُ لِأَمرِ اللّهِ . (6)
.
ص: 341
عنه عليه السلام :طوبى لِمَن ذَكَرَ المَعادَ ، وعَمِلَ لِلحِسابِ ، وقَنِعَ بِالكَفافِ ، ورَضِيَ عَنِ اللّهِ . (1)
عنه عليه السلام :نِعمَ القَرينُ الرِّضا . (2)
عنه عليه السلام :إنَّكَ لَن تَحمِلَ إلَى الآخِرَةِ عَمَلاً أنفَعَ لَكَ مِنَ : الصَّبرِ وَالرِّضا ، وَالخَوفِ وَالرِّجاءِ . (3)
عنه عليه السلام :غايَةُ الدّينِ الرِّضا . (4)
عنه عليه السلام :الدّينُ شَجَرَةٌ أصلُهَا التَّسليمُ وَالرِّضا . (5)
الإمام الكاظم عليه السلام :رَفَعَ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَومٌ في بَعضِ غَزَواتِهِ ، فَقالَ : مَنِ القَومُ ؟ فَقالوا : مُؤمِنونَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : وما بَلَغَ مِن إيمانِكُم ؟ قالوا : الصَّبرُ عِندَ البَلاءِ ، وَالشُّكرُ عِندَ الرَّخاءِ ، وَالرِّضا بِالقَضاءِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : حُلَماءُ عُلَماءُ ، كادوا مِنَ الفِقهِ أن يَكونوا أنبِياءَ إن كُنتُم كَما تَصِفونَ ، فَلا تَبنوا ما لا تَسكُنونَ ، ولا تَجمَعوا ما لا تَأكُلونَ ، وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذي إلَيهِ تُرجَعونَ . (6)
.
ص: 342
الإمام عليّ عليه السلام :ما قَضَى اللّهُ سُبحانَهُ عَلى عَبدٍ قَضاءً فَرَضِيَ بِهِ ، إلّا كانَتِ الخِيَرَةُ لَهُ فيهِ . (1)
عنه عليه السلام :أغضِ (2) عَلَى القَذى وَالأَلَمِ ، تَرضَ أبَدا . (3)
عنه عليه السلام :ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ فَقَد رُزِقَ خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ؛ هُنَّ : الرِّضا بِالقَضاءِ وَالصَّبرُ عَلَى البَلاءِ ، وَالشُّكرُ فِي الرَّخاءِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الصَّبرُ وَالرِّضا عَنِ اللّهِ رَأسُ طاعَةِ اللّهِ ، ومَن صَبَرَ ورَضِيَ عَنِ اللّهِ فيما قَضى عَلَيهِ فيما أحَبَّ أو كَرِهَ ، لَم يَقضِ اللّهُ عز و جل لَهُ فيما أحَبَّ أو كَرِهَ إلّا ما هُوَ خَيرٌ لَهُ . (5)
الكافي عن هاشم بن البريد :إنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ عليه السلام عَنِ الزُّهدِ فَقالَ : عَشَرَةُ أشياءَ فَأَعلى دَرَجَةِ الزُّهدِ أدنى دَرَجَةِ الوَرَعِ وأعلى دَرَجَةِ الوَرَعِ أدنى دَرَجَةِ اليَقينِ وأعلى دَرَجَةِ اليَقينِ أدنى دَرَجَةِ الرِّضا . ألا وإنَّ الزُّهدَ في آيَةٍ مِن كِتابِ اللّهِ عز و جل : «لِكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ» (6) . (7)
الإمام الباقر عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ أتى عَلَيهِ القَضاءُ وعَظَّمَ اللّهُ أجرَهُ ، ومَن سَخِطَ
.
ص: 343
القَضاءَ مَضى عَلَيهِ القَضاءُ وأحبَطَ اللّهُ أجرَهُ . (1)
عنه عليه السلام :العَبدُ بَينَ ثَلاثَةٍ : بَلاءٍ وقَضاءٍ ونِعمَةٍ ، فَعَلَيهِ فِي البَلاءِ مِنَ اللّهِ الصَّبرُ فَريضَةً وعَلَيهِ فِي القَضاءِ مِنَ اللّهِ التَّسليمُ فَريضَةً ، وعَلَيهِ فِي النِّعمَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل الشُّكرُ فَريضَةً . (2)
الإمام الصادق عليه السلام_ في ذِكرِ ما فَرَضَ اللّهُ عَلَى الجَوارِحِ مِنَ الإِيمانِ _: أمّا ما فَرَضَ عَلَى القَلبِ مِنَ الإِيمانِ ، فَالإِقرارُ وَالمَعرِفَةُ وَالعَقدُ وَالرِّضا . (3)
الكافي عن علاء بن كامل :كُنتُ جالِسا عِندَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَصَرَخَت صارِخَةٌ مِنَ الدّارِ ، فَقامَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ثُمَّ جَلَسَ فَاستَرجَعَ (4) ، وعادَ في حَديثِهِ حَتّى فَرَغَ مِنهُ ، ثُمَّ قالَ : إنّا لَنُحِبُّ أن نُعافى في أنفُسِنا وأولادِنا وأموالِنا ، فَإِذا وَقَعَ القَضاءُ فَلَيسَ لنا أن نُحِبَّ ما لَم يُحِبَّ اللّهُ لَنا . (5)
الكافي عن أحمد بن عمر :دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام أنَا وحُسَينُ بنُ ثُوَيرِ بنِ أبي فاخِتَةَ ، فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ، إنّا كُنّا في سَعَةٍ مِنَ الرِّزقِ وغَضارَةٍ (6) مِنَ العَيشِ ، فَتَغَيَّرَتِ الحالُ بَعضَ التَّغييرِ ، فَادعُ اللّهَ عز و جل أن يَرُدَّ ذلِكَ إلَينا .
.
ص: 344
فَقالَ : أيَّ شَيءٍ تُريدونَ تَكونونَ مُلوكا ؟ أيَسُرُّكَ أن تَكونَ مِثلَ طاهِرٍ وهَرثَمَةَ (1) ، وأنَّكَ عَلى خِلافِ ما أنتَ عَلَيهِ ؟ قُلتُ : لا وَاللّهِ ما يَسُرُّني أنَّ لِيَ الدُّنيا بِما فيها ذَهَبا وفِضَّةً وأنّي عَلى خِلافِ ما أنَا عَلَيهِ . قالَ : فَقالَ : فَمَن أيسَرَ مِنكُم فَليَشكُرِ اللّهَ ، إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (2) وقالَ سُبحانَهُ وتَعالى : «اعْمَلُواْ ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ» (3) وأحسِنُوا الظَّنَّ بِاللّهِ فَإِنَّ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام كانَ يَقولُ : مَن حَسُنَ ظَنُّهُ بِاللّهِ كانَ اللّهُ عِندَ ظَنِّهِ بِهِ ، ومَن رَضِيَ بِالقَليلِ مِنَ الرِّزقِ قَبِلَ اللّهُ مِنهُ اليَسيرَ مِنَ العَمَلِ ، ومَن رَضِيَ بِاليَسيرِ مِنَ الحَلالِ خَفَّت مَؤُونَتُهُ وتَنَعَّمَ أهلُهُ ، وبَصَّرَهُ اللّهُ داءَ الدُّنيا ودَواءَها ، وأخرَجَهُ مِنها سالِما إلى دارِ السَّلامِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ فِي الدّيوانِ المَنسوبِ إلَيهِ _: اِصبِر عَلَى الدَّهرِ لا تَغضَب عَلى أحَدٍ فَلا تَرى غَيرَ ما فِي اللَّوحِ مَحفوظُ ولا تُقيمَنَّ بِدارٍ لَا انتِفاعَ بِها فَالأَرضُ واسِعَةٌ وَالرِّزقُ مَبسوطُ (5)
.
ص: 345
12 / 2التَّحذيرُ مِن عَدَمِ الرِّضا بِالقَضاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ : مَن لَم يَرضَ بِقَضائي ولَم يُؤمِن بِقَدَري ، فَليَلتَمِس إلها غَيري . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ يَقولُ : وعِزَّتي وجَلالي ، ما خَلَقتُ مِن خَلقي خَلقا أحَبَّ إلَيَّ مِن عَبدِيَ المُؤمِنِ ، ولِذلِكَ سَمَّيتُهُ بِاسمي مُؤمِنا ، لَأَحرِمُهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وهِيَ خِيَرَةٌ لَهُ مِنّي ، وإنّي لَاُمَلِّكُهُ ما بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وهِيَ خِيَرَةٌ لَهُ مِنّي ، فَليَرضَ بِقَضائي ، وَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، أكتُبهُ يا مُحَمَّدُ مِنَ الصِّدّيقينَ عِندي . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِمّا أوصى بِهِ عَلِيّا عليه السلام _: يا عَلِيُّ شَرُّ النّاسِ مَنِ اتَّهَمَ اللّهَ في قَضائِهِ . (3)
مسند ابن حنبل عن عبادة بن الصامت :إنَّ رَجُلاً أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : يا نَبِيَّ اللّهِ ، أيُّ العَمَلِ أفضَلُ ؟ قالَ : الإِيمانُ بِاللّهِ ، وتَصديقٌ بِهِ ، وجِهادٌ في سَبيلِهِ . قالَ : اُريدُ أهوَنَ مِن ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : السَّماحَةُ وَالصَّبرُ .
.
ص: 346
قالَ : اُريدُ أهوَنَ مِن ذلِكَ يا رَسولَ اللّهِ . قال : لاتَتَّهِمِ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ في شَيءٍ قَضى لَكَ بِهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :إن كُنتَ غَيرَ قانِعٍ بِقَضائِهِ وقَدَرِهِ ، فَاطلُب رَبّا سِواهُ . (2)
عنه عليه السلام :أشَدُّ النّاسِ عَذابا يَومَ القِيامَةِ ، المُتَسَخِّطُ لِقَضاءِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام :ألا فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن طاعَةِ ساداتِكُم وكُبَرائِكُم ، الَّذينَ تَكَبَّروا عَن حَسَبِهِم ، وتَرَفَّعوا فَوقَ نَسَبِهِم ، وألقَوُا الهَجينَةَ (4) عَلى رَبِّهِم ، وجاحَدُوا (5) اللّهَ عَلى ما صَنَعَ بِهِم ، مُكابَرَةً لِقَضائِهِ ، ومُغالَبَةً لِالائِهِ . (6)
عنه عليه السلام :مَن أصبَحَ عَلَى الدُّنيا حَزينا ، فَقَد أصبَحَ لِقَضاءِ اللّهِ ساخِطا . (7)
عنه عليه السلام :مَن لَم يَرضَ بِالقَضاءِ دَخَلَ الكُفرُ دينَهُ . (8)
عنه عليه السلام :لا تَتَوَلَّ أهلَ السَّخَطِ ، ولا تُسخِط أهلَ الرِّضا . (9)
الإمام الكاظم عليه السلام :حَدَّثَني أبي أنَّ موسَى بنَ عِمرانَ قالَ : يا رَبِّ أيُّ عِبادِكَ شَرٌّ ؟ قالَ: الَّذي يَتَّهِمُني .
.
ص: 347
قالَ : يا رَبِّ ، وفي عِبادِكَ مَن يَتَّهِمُكَ ؟ قالَ : نَعَم الَّذي يَستَجيرُني ، ثُمَّ لا يَرضى بِقَضائي ! (1)
12 / 3مَبادِئُ الرِّضا بِالقَضاءِأ _ العَقلُالإمام عليّ عليه السلام :حَدُّ العَقلِ النَّظَرُ فِي العَواقِبِ ، وَالرِّضا بِما يَجري بِهِ القَضاءُ . (2)
عنه عليه السلام :كُلَّمَا ازدادَ عَقلُ الرَّجُلِ ، قَوِيَ إيمانُهُ بِالقَدَرِ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :يَنبَغي لِمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ ألّا يَستَبطِئَهُ في رِزقِهِ ، ولا يَتَّهِمَهُ في قَضائِهِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ما أعجَبَ هذَا الإِنسانَ مَسرورٌ بِدَركِ ما لَم يَكُن لِيَفوتَهُ ، مَحزونٌ عَلى فَوتِ ما لَم يَكُن لِيُدرِكَهُ ، ولَو أنَّهُ فَكَّرَ لَأَبصَرَ وعَلِمَ أنَّهُ مُدَبَّرٌ ، وأنَّ الرِّزقَ عَلَيهِ مُقَدَّرٌ ، ولَاقتَصَرَ عَلى ما تَيَسَّرَ ، ولَم يَتَعَرَّض لِما تَعَسَّرَ . (5)
.
ص: 348
ب _ اليَقينُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَمّا أهبَطَ اللّهُ آدَمَ إلَى الأَرضِ قامَ وِجاهَ (1) الكَعبَةِ فَصَلّى رَكعَتَينِ ، فَأَلهَمَهُ اللّهُ هذَا الدُّعاءَ : . . . اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ إيمانا يُباشِرُ قَلبي ، ويَقينا صادِقا حَتّى أعلَمَ أنَّهُ لا يُصيبُني إلّا ما كَتَبتَ لي ، ورِضا بِما قَسَمتَ لي . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا ثَمَرَةُ اليَقينِ . (3)
عنه عليه السلام :أصلُ الرِّضا حُسنُ الثِّقَةِ بِاللّهِ . (4)
عنه عليه السلام :بِالرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ يُستَدَلُّ عَلى حُسنِ اليَقينِ . (5)
عنه عليه السلام :مَن قَوِيَ دينُهُ أيقَنَ بِالجَزاءِ ورَضِيَ بِمَواقِعِ القَضاءِ . (6)
عنه عليه السلام :إن عَقَدتَ إيمانَكَ فَارضَ بِالمَقضِيِّ عَلَيكَ ولَكَ ، ولا تَرجُ أحَدا إلَا اللّهَ ، وَانتَظِر ما أتاكَ بِهِ القَدَرُ . (7)
عنه عليه السلام :كَيفَ يَرضى بِالقَضاءِ مَن لَم يَصدُق يَقينُهُ ؟! (8)
عنه عليه السلام_ في صِفَةِ أولِياءِ اللّهِ سُبحانَهُ _: إن أوحَشَتهُمُ الغُربَةُ آنَسَهُم ذِكرُكَ ، وإن صُبَّت عَلَيهِمُ المَصائِبُ لَجَؤوا إلَى الاِستِجارَةِ بِكَ ، عِلما بِأَنَّ أزِمَّةَ (9) الاُمورِ بِيَدِكَ ، ومَصادِرَها
.
ص: 349
عَن قَضائِكَ . (1)
الإمام الحسن عليه السلام :مَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسنِ الاِختِيارِ مِنَ اللّهِ لَهُ ، لَم يَتَمَنَّ أنَّهُ في غَيرِ الحالِ الَّتِي اختارَهَا اللّهُ لَهُ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :الرِّضا بِمَكروهِ القَضاءِ أرفَعُ دَرَجاتِ اليَقينِ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :أحَقُّ خَلقِ اللّهِ أن يُسَلِّمَ لِما قَضَى اللّهُ عز و جل ، مَن عَرَفَ اللّهَ عز و جل . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ أعلَمَ النّاسِ بِاللّهِ ، أرضاهُم بِقَضاءِ اللّهِ عز و جل . (5)
عنه عليه السلام :لَقِيَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ فَقالَ : يا عَبدَ اللّهِ ، كَيفَ يَكونُ المُؤمِنُ مُؤمِنا وهُوَ يَسخَطُ قِسمَهُ ، ويُحَقِّرُ مَنزِلَتَهُ ، وَالحاكِمُ عَلَيهِ اللّهُ ؟! (6)
عنه عليه السلام :اِعلَموا أنَّهُ لَن يُؤمِنَ عَبدٌ مِن عَبيدِهِ حَتّى يَرضى عَنِ اللّهِ فيما صَنَعَ اللّهُ إلَيهِ ، وصَنَعَ بِهِ عَلى ما أحَبَّ وكَرِهَ ، ولَن يَصنَعَ اللّهُ بِمَن صَبَرَ ورَضِيَ عَنِ اللّهِ إلّا ما هُوَ أهلُهُ ، وهُوَ خَيرٌ لَهُ مِمّا أحَبَّ وكَرِهَ . (7)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ إيمانا تُباشِرُ بِهِ قَلبي ، ويَقينا صادِقا حَتّى يَذهَبَ بِالشَّكِّ عَنّي ، حَتّى أعلَمَ أنَّهُ لَن يُصيبَني إلّا ما كَتَبتَ لي ، وَالرِّضا بِما قَسَمتَ لي ، اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ
.
ص: 350
نَفسا طَيِّبَةً تُؤمِنُ بِلِقائِكَ ، وتَقنَعُ بِعَطائِكَ ، وتَرضى بِقَضائِكَ ... . (1)
الكافي عن يونس :سَأَلتُ أبَا الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام : ... فَأَيُّ شَيءٍ اليَقينُ ؟ قالَ : التَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ ، وَالتَّسليمُ للّهِِ ، وَالرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، وَالتَّفويُض إلَى اللّهِ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :بَينا موسى _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ يَمشي عَلى ساحِلِ البَحرِ ، إذ جاءَ صَيّادٌ فَخَرَّ لِلشَّمسِ ساجِدا وتَكَلَّمَ بِالشِّركِ ، ثُمَّ ألقى شَبَكَتَهُ فَأَخرَجَها مَملُوَّةً ، ثُمَّ عادَ فَأَخرَجَ مِثلَ ذلِكَ حَتَّى اكتَفى ، ثُمَّ مَضى فَجاءَ آخَرُ فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى وحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ ألقى شَبَكَتَهُ فَلَم يَخرُج لَهُ شَيءٌ ، ثُمَّ أعادَ فَخَرَجَت إلَيهِ سَمَكَةٌ صَغيرَةٌ فَحَمِدَ اللّهَ وَانصَرَفَ . فَقالَ موسى : يا رَبِّ ؛ جاءَ عَبدُكَ الكافِرُ فَأَلقى شَبَكَتَهُ ثَلاثا فَخَرَجَت لَهُ مَملُوَّةً ، ثُمَّ جاءَ عَبدُكَ المُؤمِنُ فَتَوَضَّأَ فَأَسبَغَ الوُضوءَ ، ثُمَّ صَلّى وحَمِدَكَ ودَعاكَ ، ثُمَّ ألقى شَبَكَتَهُ ثَلاثا فَخَرَجَت لَهُ سَمَكَةٌ صَغيرَةٌ فَحَمِدَكَ وَانصَرَفَ ! فَأَوحَى اللّهُ إلَيهِ يا موسى اُنظُر عَن يَمينِكَ ، فَنَظَرَ موسى فَكُشِفَ لَهُ الغِطاءُ عَمّا أعَدَّ اللّهُ لِعَبدِهِ المُؤمِنِ ، ثُمَّ قيلَ : يا موسى ! ، اُنظُر عَن يَسارِكَ ، فَنَظَرَ فَكُشِفَ لَهُ الغِطاءُ عَمّا أعَدَّ اللّهُ لِعَبدِهِ الكافِرِ . ثُمَّ قالَ : يا موسى ، ما ضَرَّ هذا ما صَنَعتُ بِهِ ، وما نَفَعَ هذا ما أعطَيتُهُ . فَقالَ موسى : يا رَبِّ حَقٌّ لِمَن عَرَفَكَ أن يَرضى بِما صَنَعتَ . (3)
.
ص: 351
ج _ الدُّعاءُالإمام عليّ عليه السلام :أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله إنَّ نَفسي لا تَشبَعُ ولا تَقنَعُ . فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قُلِ : اللّهُمَّ رَضِّني بِقَضائِكَ ، وصَبِّرني عَلى بَلائِكَ ، وبارِك لي في أقدارِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ شَيءٍ أخَّرتَهُ ، ولا تَأخيرَ شَيءٍ عَجَّلتَهُ . (1)
عنه عليه السلام :جَلَستُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا أبا حَسَنٍ إنَّما أحَبُّ إلَيكَ خَمسُمِئَةِ شاةٍ ورُعاتُها أهَبُها لَكَ ، أو خَمسُ كَلِماتٍ اُعَلِّمُكَهُنَّ تَدعو بِهِنَّ ؟ فَقُلتُ لَهُ : بِأَبي أنتَ واُمّي ، أمّا مَن يُريدُ الدُّنيا فَيُريدُ خَمسَمِئَةِ شاةٍ ورُعاتَها ، وأمّا مَن يُريدُ الآخِرَةَ فَيُريدُ خَمسَ كَلِماتٍ ، قالَ : فَأَيَّهُما تُريدُ ؟ قُلتُ : الخَمسَ كَلِماتٍ . قالَ : فَقُلِ : اللّهُمَّ اغفِرلي ذَنبي ، وطَيِّب لي كَسبي ، ووَسِّع لي في خُلُقي ، ومَتِّعني بِما قَسَمتَ لي ، ولا تَذهَب بِنَفسي إلى شَيءٍ قَد صَرَفتَهُ عَنّي . (2)
عنه عليه السلام_ في دُعاءٍ عَلَّمَهُ لِكُمَيلِ بنِ زِيادٍ النَّخَعِيِّ _: اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ سُؤالَ خاضِعٍ مُتَذَلِّلٍ خاشِعٍ ، أن تُسامِحَني وتَرحَمَني وتَجعَلَني بِقِسمِكَ راضِيا قانِعا ، وفي جَميعِ الأَحوالِ مُتَواضِعا . (3)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ ... وأسأَلُكَ أن تَرزُقَني شُكرَ نِعمَتِكَ ، وصَبرا عَلى بَلِيَّتِكَ ،
.
ص: 352
ورِضىً بِقَدَرِكَ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ إذا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ _: اللّهُمَّ ... وأسأَلُكَ الرِّضا بِالقَضاءِ . (2)
الإمام زين العابدين عليه السلام :كانَ أميرُ المُؤمِنينَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ يَقولُ : اللّهُمَّ مُنَّ عَلَيَّ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيكَ ، وَالتَّفويضِ إلَيكَ ، وَالرِّضا بِقَدَرِكَ ، وَالتَّسليمِ لِأَمرِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما أخَّرتَ ولا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ ، يا رَبَّ العالَمينَ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وطَيِّب بِقَضائِكَ نَفسي ، ووَسِّع بِمَواقِعِ حُكمِكَ صَدري ، وهَب لِيَ الثِّقَةَ لِأُقِرَّ مَعَها بِأَنَّ قَضاءَكَ لَم يَجرِ إلّا بِالخِيَرَةِ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ووَفِّقني لِقَبولِ ما قَضَيتَ لي وعَلَيَّ ، ورَضِّني بِما أخَذتَ لي ومِنّي . (5)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ عِندَ المَرَضِ _: اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وحَبِّب إلَيَّ ما رَضيتَ لي ، ويَسِّر لي ما أحلَلتَ بي . (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وَارزُقنِي الحَقَّ عِندَ تَقصيري فِي الشُّكرِ لَكَ
.
ص: 353
بِما أنعَمتَ عَلَيَّ فِي اليُسرِ وَالعُسرِ وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ ، حَتّى أتَعَرَّفَ مِن نَفسي رَوحَ الرِّضا وطُمَأنينَةَ النَّفسِ مِنّي بِما يَجِبُ لَكَ ، فيما يَحدُثُ في حالِ الخَوفِ وَالأَمنِ وَالرِّضا وَالسُّخطِ وَالضَّرِّ وَالنَّفعِ . (1)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الاِستِخارَةِ _: اللّهُمَّ إنّي أستَخيرُكَ بِعِلمِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍوآلِهِ، وَاقضِ لي بِالخِيَرَةِ وألهِمنا مَعرِفَةَ الاِختِيارِ، وَاجعَل ذلِكَ ذَريعَةً إلَى الرِّضا بِما قَضَيتَ لَنا وَالتَّسليمِ لِما حَكَمتَ فأَزِح عَنّا رَيبَ الاِرتِيابِ، وأيِّدنا بِيَقينِ المُخلِصينَ. ولا تَسُمنا عَجزَ المَعرِفَةِ عَمّا تَخَيَّرتَ فَنَغمِطَ قَدرَكَ، ونَكرَهَ مَوضِعَ رِضاكَ، ونَجنَحَ إلَى الَّتي هِيَ أبعَدُ مِن حُسنِ العاقِبَةِ، وأقرَبُ إلى ضِدِّ العافِيَةِ . حَبِّب إلَينا ما نَكرَهُ مِن قَضائِكَ ، وسَهِّل عَلَينا ما نَستَصعِبُ مِن حُكمِكَ ، وألهِمنَا الاِنقِيادَ لِما أورَدتَ عَلَينا مِن مَشِيَّتِكَ حَتّى لا نُحِبَّ تَأخيرَ ما عَجَّلتَ ولا تَعجيلَ ما أخَّرتَ ولا نَكرَهَ ما أحبَبتَ ولا نَتَخَيَّرَ ما كَرِهتَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :زارَ زَينُ العابِدينَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام قَبرَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ووَقَفَ عَلَى القَبرِ فَبَكى ، ثُمَّ قالَ : ... اللّهُمَّ فَاجعَل نَفسي مُطمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، راضِيَةً بِقَضائِكَ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ رَضِّني بِقَضائِكَ وبارِك لي في قَدَرِكَ ، حَتّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما
.
ص: 354
أخَّرتَ ولا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اللّهُمَّ لابُدَّ مِن أمرِكَ ، ولابُدَّ مِن قَدَرِكَ ، ولابُدَّ مِن قَضائِكَ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِكَ ، اللّهُمَّ فَما قَضَيتَ عَلَينا مِن قَضاءٍ وقَدَّرتَ عَلَينا مِن قَدَرٍ فَأَعطِنا مَعَهُ صَبرا يَقهَرُهُ ويَدمَغُهُ ، وَاجعَلهُ لَنا صاعِدا في رِضوانِكَ ، يَنمي في حَسَناتِنا وتَفضيلِنا وسُؤدَدِنا وشَرَفِنا ومَجدِنا ونَعمائِنا وكَرامَتِنا فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، ولا تَنقُصهُ مِن حَسَناتِنا ... . (2)
د _ فَضلُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا أرادَ اللّهُ عز و جل بِعَبدٍ خَيرا أرضاهُ بِما قَسَمَ لَهُ وبارَكَ لَهُ فيهِ ، وإذا لَم يُرِد بِهِ خَيرا لَم يُرضِهِ بِما قَسَمَ لَهُ ولَم يُبارِك لَهُ فيهِ . (3)
12 / 4مَوانِعُ الرِّضا بِالقَضاءِالإمام عليّ عليه السلام :كَيفَ يَقدِرُ عَلى إعمالِ الرِّضا ، القَلبُ المُتَوَلِّهُ (4) بِالدُّنيا ؟! (5)
.
ص: 355
عنه عليه السلام :مَن كَثُرَ مُناهُ قَلَّ رِضاهُ . (1)
عنه عليه السلام :الشَّرِهُ (2) لا يَرضى . (3)
عنه عليه السلام :لَن يُلقَى الشَّرِهُ راضِيا . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :سَمِعتُ أبي مُحَمَّدا الباقِرَ عليه السلام يَقولُ : تَعَلُّقُ القَلبِ بِالمَوجودِ شِركٌ ، وبِالمَفقودِ كُفرٌ ، وهُما خارِجانِ عَن سُنَّةِ الرِّضا ، وأعجَبُ مِمَّن يَدَّعِي العُبودِيَّةَ للّهِِ ، كَيفَ يُنازِعُهُ في مَقدوراتِهِ ؟ حاشَا الرّاضينَ العارِفينَ عَن ذلِكَ . (5)
12 / 5آثارُ الرِّضا بِالقَضاءِأ _ التَّقَرُّبُ إلَى اللّهِ ورِضوانُهُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أوحَى اللّهُ تَعالى إلى موسى عليه السلام : إنَّكَ لَن تَتَقَرَّبَ إلَيَّ بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِنَ الرِّضا بِقَضائي ، ولَن تَعمَلَ عَمَلاً أحبَطَ لِحَسَناتِكَ مِنَ الكِبرِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن رَضِيَ عَنِ اللّهِ ، رَضِيَ اللّهُ عَنهُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَيَرضى عَنِ العَبدِ أن يَأكُلَ الأَكلَةَ فَيَحمَدَهُ عَلَيها ، أو يَشرَبَ الشَّربَةَ
.
ص: 356
فَيَحمَدَهُ عَلَيها . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :تَحَرَّ رِضَا اللّهِ بِرِضاكَ بِقَدَرِهِ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن صَبَرتُم عَلَى البَلاءِ ، وشَكَرتُم فِي الرَّخاءِ ، ورَضيتُم بِالقَضاءِ ، كانَ لَكُم مِنَ اللّهِ سُبحانَهُ الرِّضا . (3)
عنه عليه السلام :عَلامَةُ رِضَا اللّهِ سُبحانَهُ عَنِ العَبدِ ، رِضاهُ بِما قَضى بِهِ سُبحانَهُ لَهُ وعَلَيهِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ فيما ناجَى اللّهُ بِهِ موسَى بنَ عِمرانَ عليه السلام : أن يا موسى ، ما خَلَقتُ خَلقا هُوَ أحَبُّ إلَيَّ مِن عَبدِيَ المُؤمِنِ ، وإنّي إنَّما أبتَليهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأزوي عَنهُ ما يَشتَهيهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، واُعطيهِ لِما هُوَ خَيرٌ لَهُ ، وأنَا أعلَمُ بِما يَصلُحُ عَبدي فَليَصبِر عَلى بَلائي ، وَليَشكُر نَعمائي ، وَليَرضَ بِقَضائي ، أكتُبهُ فِي الصِّدّيقينَ عِندي إذا عَمِلَ بِما يُرضيني ، وأطاعَ أمري . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ بِاليَسيرِ مِنَ الرِّزقِ ، رَضِيَ اللّهُ مِنهُ بِاليَسيرِ مِنَ العَمَلِ . (6)
.
ص: 357
كنز الفوائد :قالَ لُقمانُ الحَكيمُ لِابنِهِ في وَصِيَّتِهِ : يا بُنَيَّ ، أحُثُّكَ عَلى سِتِّ خِصالٍ ، لَيسَ مِنها خَصلَةٌ ، إلّا وهِيَ تُقَرِّبُكَ إلى رِضوانِ اللّهِ عز و جل ، وتُباعِدُكَ مِن سَخَطِهِ : الاُولى : أن تَعبُدَ اللّهَ ولا تُشرِكَ بِهِ شَيئا . وَالثّانِيَةُ : الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ فيما أحبَبتَ وكَرِهتَ . وَالثّالِثَةُ : أن تُحِبَّ فِي اللّهِ وتُبغِضَ فِي اللّهِ . وَالرّابِعَةُ : تُحِبُّ لِلنّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفسِكَ ، وتَكرَهُ لَهُم ما تَكرَهُ لِنَفسِكَ . وَالخامِسَةُ : تَكظِمُ الغَيظَ ، وتُحسِنُ إلى مَن أساءَ إلَيكَ . وَالسّادِسَةُ : تَركُ الهَوى ، ومُخالَفَةُ الرَّدى . (1)
ب _ ذَهابُ الحُزنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الإِيمانُ بِالقَدَرِ يُذهِبُ الهَمَّ وَالحَزَنَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل بِحِكمَتِهِ وفَضلِهِ ، جَعَلَ الرَّوحَ وَالفَرَحَ فِي اليَقينِ وَالرِّضا ، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا يَنفِي الحُزنَ . (4)
.
ص: 358
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :كانَ تَحتَ الجِدارِ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ : «وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا» (1) لَوحٌ مِن ذَهَبٍ ، مَكتوبٌ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، عَجَبا لِمَن أيقَنَ بِالمَوتِ كَيفَ يَفرَحُ ، وعَجَبا لِمَن أيقَنَ بِالقَدَرِ كَيفَ يَحزَنُ ، وعَجَبا لِمَن أيقَنَ بِزَوالِ الدُّنيا وتَقَلُّبِها بِأَهلِها كَيفَ يَطمَئِنُّ قَلبُهُ إلَيها ، لا إلهَ إلَا اللّهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِقِسمِ اللّهِ ، لَم يَحزَن عَلى ما فاتَهُ . (3)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ ، لَم يَحزَن عَلى ما في يَدِ غَيرِهِ . (4)
عنه عليه السلام :مَن أيقَنَ بِالقَدَرِ لَم يَكتَرِث بِما نابَهُ . (5)
عنه عليه السلام :نِعمَ الطّارِدُ لِلهَمِّ ، الرِّضا بِالقَضاءِ . (6)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ بِرِزقِ اللّهِ ، لَم يَحزَن عَلى ما فاتَهُ . (7)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: إذَا انقادَ القَلبُ لِمَورِدِ قَضاءِ اللّهِ بِشَرطِ الرِّضا عَنهُ ، كَيفَ لا يَنفَتِحُ القَلبُ بِالسُّرورِ وَالرَّوحِ وَالرّاحَةِ ؟ (8)
ج _ طيبُ العَيشِمسند ابن حنبل عن أبي العلاء بن الشخير :حَدَّثَني أحَدُ بَني سُلَيمٍ ، ولا أحسَبُهُ إلّا قَد
.
ص: 359
رَأى رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ يَبتَلي عَبدَهُ بِما أعطاهُ ، فَمَن رَضِيَ بِما قَسَمَ اللّهُ عز و جل لَهُ بارَكَ اللّهُ لَهُ فيهِ ووَسَّعَهُ ، ومَن لَم يَرضَ لَم يُبارِك لَهُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ طابَ عَيشُهُ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ أهنَأَ النّاسِ عَيشا مَن كانَ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ راضِيا . (3)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن رَضيتُم بِالقَضاءِ ، طابَت عيشَتُكُم وفُزتُم بِالغَناءِ . (4)
د _ الرّاحَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في بَيانِ ما كانَ في صَحيفَةِ موسى عليه السلام _: فيها : عَجِبتُ ... لِمَن يُؤمِنُ بِالقَدَرِ كَيفَ يَنصَبُ (5) ؟ (6)
عنه صلى الله عليه و آله :الدُّنيا دُوَلٌ ، فَما كانَ لَكَ مِنها أتاكَ عَلى ضَعفِكَ ، وما كانَ مِنها عَلَيكَ لَم تَدفَعهُ بِقُوَّتِكَ ، ومَنِ انقَطَعَ رَجاؤُهُ مِمّا فاتَ استَراحَ بَدَنُهُ ، ومَن رَضِيَ بِما رَزَقَهُ اللّهُ قَرَّت عَينُهُ . (7)
.
ص: 360
الإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِقِسمِهِ استَراحَ . (1)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ استَراحَ . (2)
عنه عليه السلام :مَن رَضِيَ مِنَ اللّهِ عز و جل بِما قَسَمَ لَهُ ، استَراحَ بَدَنُهُ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مَن رَضِيَ بِما قُسِمَ لَهُ ، استَراحَ قَلبُهُ وبَدَنُهُ (4) . (5)
عنه عليه السلام :كُلُّ راضٍ مُستَريحٌ . (6)
عنه عليه السلام :اِرضَ تَستَرِح . (7)
عنه عليه السلام :الرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ ، يُهَوِّنُ عَظيمَ الرَّزايا . (8)
عنه عليه السلام :مَن حَسُنَ رِضاهُ بِالقَضاءِ ، حَسُنَ صَبرُهُ عَلَى البَلاءِ . (9)
عنه عليه السلام :اِختَرتُ مِنَ التَّوراةِ اثنتَي عَشرَةَ آيَةً فَنَقَلتُها إلَى العَرَبِيَّةِ ، وأنَا أنظُرُ إلَيها في كُلِّ يَومٍ ثَلاثَ مَرّاتٍ : ... الثّانِيَةَ عَشَرَ : يَابنَ آدَمَ ، إن رَضيتَ بِما قَسَمتُ لَكَ أرَحتَ قَلبَكَ وبَدَنَكَ وأنتَ مَحمودٌ ، وإن لَم تَرضَ بِما قَسَمتُ لَكَ سَلَّطتُ عَلَيكَ الدُّنيا تَركُضُ فيها كَرَكضِ الوَحشِ فِي البَرِّيَّةِ ، ولا تَنالُ إلّا ما قَدَّرتُ لَكَ وأنتَ مَذمومٌ . (10)
.
ص: 361
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ الرَّوحَ وَالرّاحَةَ فِي اليَقينِ وَالرِّضا ، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ . (1)
راجع : ص 357 ح 6336 .
ه _ الغِنىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِرضَ بِقَسمِ اللّهِ ، تَكُن مِن أغنَى النّاسِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن رَضِيَ بِقَسمِ اللّهِ كانَ غَنِيّا . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا غَناءٌ ، وَالسَّخَطُ عَناءٌ . (4)
عنه عليه السلام :ثَمَرَةُ الرِّضا الغَناءُ . (5)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ _: يا بُنَيَّ ... لا مالَ أذهَبُ لِلفاقَةِ مِنَ الرِّضا بِالقوتِ . (6)
عنه عليه السلام :لا يُذهِبُ الفاقَةَ مِثلُ الرِّضا وَالقُنوعِ . (7)
عنه عليه السلام :نالَ الغِنى مَن رَضِيَ بِالقَضاءِ . (8)
.
ص: 362
عنه عليه السلام :اِلزَمِ الرِّضا ، يَلزَمكَ الغَناءُ وَالكَرامَةُ . (1)
عنه عليه السلام :كُلُّ الغِنى فِي القَناعَةِ وَالرِّضا . (2)
عنه عليه السلام :كَفى بِالسَّخَطِ عَناءً ، كَفى بِالرِّضا غِنىً . (3)
عنه عليه السلام :أغنَى النّاسِ الرّاضي بِقَسمِ اللّهِ . (4)
عنه عليه السلام :الفَقيرُ الرّاضي ناجٍ مِن حَبائِلِ إبليسَ ، وَالغَنِيٌّ واقِعٌ في حَبائِلِهِ . (5)
عنه عليه السلام :مُلوكُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، الفُقَراءُ الرّاضونَ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :ما ناصَحَ (7) اللّهَ عَبدٌ في نَفسِهِ فَأَعطَى الحَقَّ مِنها وأخَذَ الحَقَّ لَها ، إلّا اُعطِيَ خَصلَتَينِ : رِزقا مِنَ اللّهِ يَسَعُهُ ، ورِضىً عَنِ اللّهِ يُنجيهِ . (8)
عنه عليه السلام :لَيسَ مَعَ الشِّدَّةِ غِنىً ، ولا مَعَ الرِّضا فاقَةٌ . (9)
و _ العِفافُالإمام عليّ عليه السلام :الرِّضا بِالكَفافِ يُؤَدّي إلَى العَفافِ . (10)
.
ص: 363
ز _ الشَّجاعَةُالكافي عن صفوان الجمّال :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَ_مَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا» (1) فَقالَ : أما إنَّهُ ما كانَ ذَهَبا ولا فِضَّةً وإنَّما كانَ أربَعَ كَلِماتٍ : ... مَن أيقَنَ بِالقَدَرِ لَم يَخشَ إلَا اللّهَ . (2)
ح _ دَفعُ الحَسَدِالإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِحالِهِ لَم يَعتَوِرهُ (3) الحَسَدُ . (4)
ط _ دَفعُ البَلاءِالإمام عليّ عليه السلام :ما دَفَعَ اللّهُ سُبحانَهُ عَنِ المُؤمِنِ شَيئا مِن بَلاءِ الدُّنيا وعَذابِ الآخِرَةِ ، إلّا بِرِضاهُ بِقَضائِهِ وحُسنِ صَبرِهِ عَلى بَلائِهِ . (5)
ي _ قُوَّةُ اليَقينِالإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالمَقدورِ قَوِيَ يَقينُهُ . (6)
ك _ الاِستِخفافُ بِالغِيَرِالإمام عليّ عليه السلام :مَن رَضِيَ بِالقَدَرِ استَخَفَّ بِالغِيَرِ (7) . (8)
.
ص: 364
ل _ إجابَةُ الدّعاءِالإمام الصادق عليه السلام :لَقِيَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام عَبدَ اللّهِ بنَ جَعفَرٍ فَقالَ : ... أنَا الضّامِنُ لِمَن لَم يَهجُس في قَلبِهِ إلَا الرِّضا ، أن يَدعُوَ اللّهَ فَيُستَجابَ لَهُ . (1)
12 / 6سيرَةُ أهلِ البَيتِ فِي الرِّضا بقضاء اللّهالإمام الصادق عليه السلام :لَم يَكُن رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِشَيءٍ قَد مَضى : لَو كانَ غَيرُهُ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :رَضينا عَنِ اللّهِ قَضاءَهُ وسَلَّمنا للّهِِ أمرَهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في ذَمِّ العاصينَ مِن أصحابِهِ _: أحمَدُ اللّهَ عَلى ما قَضى مِن أمرٍ ، وقَدَّرَ مِن فِعلٍ ، وعَلَى ابتِلائي بِكُم . (4)
تاريخ دمشق :قيلَ لِلحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام : إنَّ أبا ذَرٍّ يَقولُ : الفَقرُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الغِنى ، وَالسُّقمُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ . فَقالَ : رَحِمَ اللّهُ أبا ذَرٍّ ! أمّا أنَا أقولُ : فَمَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسنِ اختِيارِ اللّهِ لَهُ لَم يَتَمَنَّ أنَّهُ في غَيرِ الحالَةِ الَّتِي اختارَ اللّهُ تَعالى لَهُ ، وهذا حَدُّ الوُقوفِ عَلَى الرِّضا بِما يُصرَفُ بِهِ القَضاءُ . (5)
.
ص: 365
الإمام الصادق عليه السلام :إنّا قَومٌ نَسأَلُ اللّهَ ما نُحِبُّ فيمَن نُحِبُّ ، فَيُعطينا ، فَإِذا أحَبَّ ما نَكرَهُ فيمَن نُحِبُّ رَضينا . (1)
سير أعلام النبلاء عن سفيان الثوري :اِشتَكى بَعضُ أولادِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلامفَجَزِعَ عَلَيهِ، ثُمَّ اُخبِرَ بِمَوتِهِ فَسُرِّيَ عَنهُ ، فَقيلَ لَهُ في ذلِكَ ، فَقالَ : نَدعُو اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ فيما نُحِبُّ ، فَإِذا وَقَعَ ما نَكرَهُ لَم نُخالِفِ اللّهَ فيما أحَبَّ . (2)
الكافي عن يونس بن يعقوب عن بعض أصحابنا :كانَ قَومٌ أتَوا أبا جَعفَرٍ عليه السلام فَوافَقوا صَبِيّا لَهُ مَريضا ، فَرَأَوا مِنهُ اهتِماما وغَمّا وجَعَلَ لا يَقِرُّ ، قالَ : فَقالوا : وَاللّهِ لَئِن أصابَهُ شَيءٌ إنّا لَنَتَخَوَّفُ أن نَرى مِنهُ ما نَكرَهُ . قالَ : فَما لَبِثوا أن سَمِعُوا الصِّياحَ عَلَيهِ ، فَإِذا هُوَ قَد خَرَجَ عَلَيهِم مُنبَسِطَ الوَجهِ في غَيرِ الحالِ الَّتي كانَ عَلَيها . فَقالوا لَهُ : جَعَلَنَا اللّهُ فِداكَ ، لَقَد كُنّا نَخافُ مِمّا نَرى مِنكَ أن لَو وَقَعَ أن نَرى مِنكَ ما يَغُمُّنا . فَقالَ لَهُم : إنّا لَنُحِبُّ أن نُعافى فيمَن نُحِبُّ ، فَإِذا جاءَ أمرُ اللّهِ سَلَّمنا فيما أحَبَّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنّا أهلُ بَيتٍ نَجزَعُ قَبلَ المُصيبَةِ ، فَإِذا نَزَلَ أمرُ اللّهِ عز و جل رَضينا بِقَضائِهِ وسَلَّمنا لِأَمرِهِ ، ولَيسَ لَنا أن نَكرَهَ ما أحَبَّ اللّهُ لَنا . (4)
.
ص: 366
الكافي عن علاء بن كامل :كُنتُ جالِسا عِندَ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام فَصَرَخَت صارِخَةٌ مِنَ الدّارِ ، فَقامَ أبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام ثُمَّ جَلَسَ فَاستَرجَعَ ، وعادَ في حَديثِهِ حَتّى فَرَغَ مِنهُ . ثُمَّ قالَ : إنّا لَنُحِبُّ أن نُعافى في أنفُسِنا وأولادِنا وأموالِنا ، فَإِذا وَقَعَ القَضاءُ فَلَيسَ لَنا أن نُحِبَّ ما لَم يُحِبَّ اللّهُ لَنا . (1)
الكافي عن قتيبة الأعشى :أتَيتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام أعودُ ابنا لَهُ فَوَجَدتُهُ عَلَى البابِ ، فَإِذا هُوَ مُهتَمٌّ حَزينٌ ، فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ كَيفَ الصَّبِيُّ ؟ فَقالَ : وَاللّهِ إنَّهُ لِما بِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ فَمَكَثَ ساعَةً ، ثُمَّ خَرَجَ إلَينا وقَد أسفَرَ وَجهُهُ وذَهَبَ التَّغَيُّرُ وَالحُزنُ . قالَ : فَطَمِعتُ أن يَكونَ قَد صَلَحَ الصَّبِيُّ فَقُلتُ : كَيفَ الصَّبِيُّ جُعِلتُ فِداكَ ؟ فَقالَ : لَقَد (2) مَضى لِسَبيلِهِ . فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، لَقَد كُنتَ وهُوَ حَيٌّ مُهتَمّا حَزينا وقَد رَأَيتُ حالَكَ السّاعَةَ وقَد ماتَ غَيرَ تِلكَ الحالِ ، فَكَيفَ هذا ؟ فَقالَ : إنّا أهلَ البَيتِ إنَّما نَجزَعُ قَبلَ المُصيبَةِ ، فَإِذا وَقَعَ أمرُ اللّهِ رَضينا بِقَضائِهِ ، وسَلَّمنا لِأَمرِهِ . (3)
.
ص: 367
القسم الثّالث : العدل ، والشرورالفصل الأَوَّلُ : الميزان في معرفة الخير والشّرّالفصل الثّاني : حكمة المصائبالفصل الثّالِثُ : عوامل الشّرورالفصل الرّابِعُ : موانع الشّرور
.
ص: 368
. .
ص: 369
المدخلمن المسائل الّتي حظيت بالاهتمام منذ عصور موغلة في القِدم واُثيرت حولها الأسئلة بشكل متكرّر ، هي تعيين خالق المصائب والشرور في عالم الخلق. وبعبارة أوضح : بما أنّ اللّه _ تعالى _ عادل ولا يجيز الظلم مهما كان وعلى أيّ أحد ، يُطْرَح السؤال التالي : من خالق الشرور والإخفاقات والمشاكل ، ومن مقدّرها ؟ لماذا خلق البعض قبيحا والبعض جميلاً؟ لماذا يوجد الجهل والعجز والفقر والحرمان والتمييز والظلم والظالم وعوامل الضلال في العالم؟ من المتسبّب في السيول والأعاصير والزلازل والأمراض والموت؟ أو لَيس ممّا يناسب العالم ألّا يعاني أحدٌ من تلك الشرور والإخفاقات وتحلّ محلها الأفراح والمسرّات؟ ألا تعتبر هذه الأمور ظلما، خاصّة حسب التفسير الّذي سنقدّمه عن الظلم والعدل؟
ظهور «الثنويّة»لقد أدّت هذه الشبهة إلى أن تقول فرقة تسمّى ب_ «الثنويّة» بوجود خالقين ؛ أحدهما
.
ص: 370
خالق الخير ، والآخر خالق الشرّ ، فرأت طائفة أنّ النور خالق الخير والظلمة خالق الشرّ ، واعتقدت طائفة أنّ اللّه خالق الخير ، والشيطان خالق الشرّ .
الشرور وإنكار الخالقلقد اعتبر البعض أنّ وجود الشرور والإخفاقات دليل على كون الوجود فاقدا الشعور، وعلى إنكار الخالق أيضا .
الجواب الإجمالي على شبهة الشرورإنّ ما يمكن قوله إجمالاً جوابا على شبهة الشرور هو: أوّلاً : إنّ التمييز الابتدائي والسطحي للعقل ليس هو المعيار في تعيين الخير من الشرّ ، فمن الممكن أن يكون الشيء شرّا في الظاهر ولكنّه خير في الحقيقة، والعكس صحيح أيضا، وعلى هذا فإنّ الكثير من الأشياء الّتي يعتبرها الإنسان شرّا ولا يراها متلائمة مع العدالة والحكمة الإلهيّة ، هي في الحقيقة عين العدالة والحكمة. ثانيا: الشرّ مخلوق ومقدّر من اللّه _ تعالى _ ولكنّه ليس منسوبا إليه ، ذلك لأنّ إرادة الإنسان لها دور في ظهوره ، واستنادا إلى سنّة الخلق غير القابلة للتغيير، فإنّ من غير الممكن الحيلولة دون الشرور، إلّا بإيجاد الموانع في طريقها ومنع عواملها. (1) ثالثا : إنّ خلق الشرّ وتقديره ليسا مُستقلَّين ، بل هما بتبع خلق الخير، وعلى هذا فإنّهما لا يتنافيان مع العدالة والحكمة. هذا هو الجواب الإجمالي للكتاب والسنّة ، أو جواب اللّه _ تعالى _ نفسه على شبهة الشرور و عدم منافاتها لعدالته وحكمته.
الجواب المفصّل على شبهة الشرورمن أجل الإجابة على شبهة الشرور، علينا أن نتناول بعض المسائل بالبحث
.
ص: 371
والدراسة:
أوّلاً : معنى الخير والشرقد يراد من الخير والشرّ معنى اللذّة والألم ، إلّا أنّ هذا المعنى معنى سطحيّ وابتدائي، فمن الممكن أن يتلذّذ الإنسان بشيء مضرٍ له مؤدٍّ إلى شقائه . وأمّا المعنى الصحيح للخير فهو : الشيء المفيد الّذي يؤدّي إلى سعادته . والشرّ : هو الشيء المضرّ الذي يودّي إلى شقائه .
ثانيا : المعيار في تمييز الخير والشرّالملاحظة المهمّة في تعريف الخير والشر هي انه كيف يمكن ادراك أنّ الشيء مفيد للإنسان أو مضرّ له؟ وبعبارة اُخرى : ما هو ملاك التمييز بين الخير والشرّ والنفع والضرّ؟ فهل الملاك في ذلك هو التمييز الابتدائي والسطحيّ للعقل، أم تمييزه لهما بعد التأمّل والإحاطة بجميع أبعاد الموضوع ؟ لاشكّ في أنّ العقل ليس بإمكانه أن يصدر الحكم بشأن كون الشيء نافعا أو ضارّا مالم تتّضح له جميع أبعاد الموضوع ، وإن أصدر الحكم قبل الإحاطة بأبعاده فإنّ مثل هذا الحكم لا قيمة له من الناحية العلميّة، فما أكثر الأشياء الّتي تبدو للوهلة الاُولى خيرا ومفيدة ، ولكن يتّضح من خلال التأمّل أنّها في الحقيقة مضرّة وقبيحة، وما أكثر الاُمور الّتي تبدو من خلال النظرة السطحيّة شرّا وغير مرغوبة، ولكن سرعان ما تنكشف فائدتها للإنسان عبر التأمّل فيها وإجالة النظر في آثارها.
ثالثا : الخير والشرّ في النظرة العالميّة الإسلاميّةإنّ الخير _ حسب النظرة الإسلاميّة العالميّة _ عبارة عن : النفع الّذي لا يضرُّ
.
ص: 372
بحياة الإنسان الدائمة . والشرّ : هو الشيء الّذي يضرُّ بحياة الإنسان الدائمة ، لذلك روي عن الإمام عليّ عليه السلام : ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، وما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ . وكُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ . (1) ونقل عنه عليه السلام في رواية اُخرى: لا تَعُدَّنَّ خَيرا ما أدرَكتَ بِهِ شَرّا . (2) لا تَعُدَّنَّ شَرّا ما أدرَكتَ بِهِ خَيرا . (3) استنادا إلى هذه النظرة العالميّة، يذكّر القرآن الكريم مرارا أنّ التمييز الابتدائي والسطحيّ للعقل، ليس هو ملاك التمييز بين الخير والشرّ : «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْ_ئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْ_ئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». (4) وكذلك يقول: «وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْمُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» . (5) في هذه الآيات اعتبرت الحرب والقتل في سبيل اللّه خيرا، في حين أنّ العقل يعتبره شرّا عبر نظرته الابتدائيّة، علما أنّه قد وردت الإشارة في الآية الاُولى إلى مبدأ كلّي عقليّ ، وهو أنّ التحديد الابتدائي للعقل لا يمكن أن يكون ملاك تقييم
.
ص: 373
الخير والشرّ، ونفع الشيء أو ضرّه، ولذلك فإنّ القتل في سبيل اللّه والّذي يعدّ شرّا حسب النظرة الابتدائيّة للعقل ، ليس في الحقيقة شرّا فحسب ، بل هو خير محض نظرا إلى آثاره . على العكس من ذلك، فإنّ الثروة الطائلة من منظار القرآن شرّ ومدعاة للشقاء بالنسبة إلى المترفين، في حين أنّها تبدو من وجهة نظر الناس ذوي التفكير السطحيّي ، وحسب التحديد الابتدائي للعقل، سببا للسعادة والخير: «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ» . (1) واستنادا إلى هذه النظرة العالميّة، فإنّ القرآن لا يعتبر حياة الكافرين وتمتّعهم بالإمكانيّات ونعم الدنيا الماديّة في صالحهم وحسب، بل يراها مضرّة لهم: «فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَ لُهُمْ وَلَا أَوْلَ_دُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَ_فِرُونَ» . (2) كما يؤكّد أنّ إمهال الكافرين وطول أعمارهم ليس في صالحهم: «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» . (3) بناء على ذلك، فإنّ وصف الاُمور الّتي تعتبر في الظاهر سعادة، أو بلاء ومصيبة، ب «الخير» و« الشرّ » يعتمد على موقف الإنسان إزاءها، فالإخفاقات لا تكون شرّا ، إلّا إذا لم تؤدّ إلى نموّ الإنسان وتكامله، واللذائذ لا تكون خيرا حقّا ، إلّا إذا حالت دون انحطاط الإنسان وشقائه، وباختصار فإنّ بإمكان الإنسان من خلال الاختيار الصحيح، أن يحوّل الاُمور السلبيّة و«الشرّيرة» في الظاهر إلى «خير» وأن يغيّر عبر
.
ص: 374
الاختيار الخاطئ الاُمور الإيجابيّة في الظاهر والخَيِّرة إلى شرّ .
رابعا : الفرق بين عقيدة الإمامية والأشاعرةقد يقول قائل: استنادا إلى ما مرّ في تبيين ملاك الخير والشرّ ، أنّ العقل لمّا لم يكن محيطا بجميع المصالح والمفاسد ، فليس بإمكانه أن يصدر الأحكام في الكثير من المواضع بشأن كون الشيء خيرا أو شرّا ، أوَ ليس هذا الرأي هو نفس ما يقوله الأشاعرة من أنّ العقل غير قادر على التمييز بين الخير والشرّ ؟ الجواب : إنّ حسن الأشياء وقبحها ليسا ذاتيّين من وجهة نظر الأشاعرة، بل هما اعتباريّان وتعاقديّان، فهم يرون أنّ اللّه وحده هو القادر على أن يجعل الشيء خيرا وحسنا أو يعتبره شرّا وسيّئا ، فالعقل لا يحقّ له إصدار الأحكام بشأن الحسن والقبيح، ولذلك فإن صدر من اللّه فعل يبدو للعقل قبيحا ومخالفا للعدل تماما، فإنّ عليه أن يعتقد بأنّ ذلك العمل جميلٌ ويمثّل العدالة بعينها؛ لأنّهُ فعل اللّه في حين أنّ الإماميّة وكذلك المعتزلة يرون أنّ حسن الأشياء وقبحها ذاتيّان ، وأنّ الأفعال الإلهيّة تقوم على أساس المصالح والمفاسد الحقيقيّة، والعقل قادر على أن يدرك مصالح الأشياء ومفاسدها وحسنها وقبحها ، لكن لا في جميع المواضع ؛ لأنّه لا يحيط بجميع أسرار الوجود : «وَ مَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَا قَلِيلاً» . (1) على هذا، فإنّ الكثير من الأشياء الّتي يعتبرها الإنسان في نظرته الابتدائيّة شرّا وضارّة ومخالفة للعدالة والحكمة ، إذا ما أحاط علما بجميع أبعادها وآثارها سوف يكتشف أنّها تمثّل الخير والنفع ، وأنّها عين العدالة والحكمة .
.
ص: 375
خامسا : أقسام الخير والشرّيمكن تقسيم الخير والشرّ إلى قسمين :
1 . الخير والشرّ المطلقالخير المطلق : عبارة عن الظاهرة الّتي تمثل النفع المحض ، ولا تسبّب الضرر لأيّ شيء وأيّ شخص . الشرّ المطلق : هو أن يكون الشيء ضررا محضا ، ولا نفع له لأيّ شيء وأيّ شخص .
2 . الخير والشرّ النسبيانمن النادر أن نجد ظاهرة هي خير مطلق أو شرّ مطلق، فالظواهر في الغالب مزيج من الخير والشرّ لذلك فإنّ الظواهر الّتي يغلب خيرها ونفعها على شرّها وضرّها تسمّى خيرا في الغالب ، وما غلب فيه شرّه وضرره على خيره سمّي شرّا . على هذا ، فإنّ من الممكن أن تكون ظاهرة خيرا ونفعا لأحد ، وشرّا لآخر أو آخرين ، وعلى سبيل المثال فإنّ لسعة الحشرات ومخالب الحيوانات المفترسة وأنيابها هي خير لها ؛ لأنّها تمثّل أدوات الدفاع عن نفسها وتغذيتها، ولكنّها تعدّ شرّا بالنسبة للإنسان . والعكس صحيح أيضا، فمن الممكن أن يكون أمر ما شرّا ومضرّا لشخص ، ولكنّه قد يكون خيرا لآخر أو آخرين، مثل المطر عندما يتسبّب في تدمير بيت أو عشّ ، فهو شرّ لصاحب البيت أو العشّ ، ولكنّه خير لعامّة الناس ، لذلك تجب ملاحظة جميع أبعاد الظاهرة وآثارها للحكم بشأن كونها خيرا أو شرّا .
سادسا : خلق الخير والشرّ وتقديرهماالخير والشرّ كلاهما مخلوقان ومقدّران للّه _ تعالى _ من منظار الكتاب والسنّة ، بمعنى أنّه لا توجد ظاهرة إلّا وهي مخلوق من مخلوقات اللّه وهي ضمن دائرة
.
ص: 376
التقدير والتدبير الإلهيين . وفي هذا المجال يصرّح القرآن الكريم: «وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَ_ذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ» . (1) ويقول أيضا : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» . (2) كما جاء في الحديث القدسي: أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا ، خالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وهُما خَلقانِ مِن خَلقي . (3) وهنا بعض النقاط جديرة بالالتفات
1 . المراد من خلق الشرّ :المعروف هو أنّ الشرّ يعود عند التحليل النهائي إلى أمر عدميّ أو أمر وجودي ينتهي إلى أمر عدميّ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن يراد من خلق الشرّ خلق العدم ، بل المراد هو إيجاد ظاهرة تنتهي إلى العدم المضرّ ، نظير الزلازل والأعاصير والسيول ، بل والجراثيم الّتي تجرّ الإنسان من السلامة إلى المرض ، ومن الحياة إلى الموت .
2 . أيّ قسم من أقسام الشرور مخلوق من قبل اللّه ؟تقدّم فيما سبق تقسيم الشرّ إلى المطلق والنسبي، وقلنا : إنّه قد يغلب شرّ الشيء على خيره فيعدّ هذا الشيء شرّا ، كما قد يغلب خير الشيء على شرّه فيعدّ خيرا ،
.
ص: 377
وتارة يكون الشيء ذا خير وشرّ على حدّ سواء فلا يعدّ من أحدهما . وهنا يطرح السؤال التالي : أيّ الأقسام المذكورة من الشرّ مخلوق من قبل اللّه سبحانه وتعالى ؟ لا شكّ ولا ريب في أنّ الحكيم سبحانه لايخلق ما اتّصف بالشرّ المطلق، كما لا يخلق ما كان شرّه غالبا على خيره، أو كان شرّه وخيره على حدّ سواء، وعليه فالمخلوق من قبل اللّه سبحانه هو القسم الأخير فحسب ، أعني ما كان خيره غالبا على شرّه .
3 . خلق الخير قبل الشرّجاء في عدد من الأحاديث أنّ اللّه _ تعالى _ خلق الخير قبل الشرّ ، كما نقرأ في الحديث القدسي : أنَا اللّهُ الكَريمُ ، خَلَقتُ الخَيرَ قَبلَ الشَّرِّ . (1) يبدو أنّ في هذا النوع من الأحاديث إشارة إلى ملاحظة مهمّة يجب أن يلتفت إليها في تبيين خلق الشرور، هي أنّ الشرّ ، ليس له خلق مستقلّ منفصل عن الخير ، بمعنى أنّ اللّه تعالى لم يخلق الشيء الّذي هو شرّ في ذاته ، بل إنّ ما خلقه خيرٌ والشرّ يظهر تبعا لخلق الخير ، على سبيل المثال فإنّ اللّه سبحانه خلَقَ الأرض، وخَلقُها خيرٌ، ولكن بما أنّ ظاهرة الزلزال ملازمة لطبيعة الأرض فتخلق معها واللّه خلق الغيم والرياح والمطر وهي خيرٌ ، ولكنّها قد تستوجب أحيانا الأعاصير والسيول المضرّة .
4 . دور إرادة الإنسان في ظهور الشرورتتمثّل المسألة الأهمّ حول موضوع الشرور وعدم تنافيها مع العدالة والحكمة الإلهيّتين، في دور الإنسان في ظهورها، فعلى الرغم من أنّه لا يوجد شيء خارج عن دائرة الخلق والتقدير الإلهي، إلّا أنّ إرادة الإنسان في حدوث الشرّ والإخفاقات
.
ص: 378
الّتي تناله لها دور أساسي استنادا إلى ذلك النظام ، لذلك فعلى الرغم من أنّ القران الكريم يعتبر جميع مظاهر السعادة والتعاسة الّتي تنال الإنسان، من جانب اللّه تعالى ، إلّا أنّه يصرّح في الوقت نفسه قائلاً: « مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ» . (1) بعبارة اُخرى : فإنّ الشرور من مخلوقات اللّه من جانب، ومنسوبة إلى الإنسان من جانب آخر ، فمن حيث إنّ جميع الأشياء تنتهي في نهاية المطاف إلى علّة العلل ومسبّب الأسباب، فإنّ الشرور مخلوقة أيضا من قبل اللّه _ رغم أنّ خلقها تبعي _ تنسب إلى الإنسان من حيث إنّ لإرادته دورا في ظهورها، كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام ، في الدعاء حيث يناجي اللّه _ تعالى _ قائلاً: الخَيرُ في يَدَيكَ وَالشَّرُّ لَيسَ إلَيكَ . (2) بناء على ذلك فإنّ الشرور مخلوقة من قبل اللّه ليست منسوبة إليه .
سابعا : فلسفة مصائب الواعين من الناسبالنظر إلى ما جاء في المسائل الستّة من هذا التحليل ، ومن خلال التأمّل في الآيات والروايات الّتي تشير إلى فلسفة الشرور والمصائب والإخفاقات، يمكن أن نخلص إلى هذه النتيجة وهي أنّ مصائب الأشخاص الواعين هي إما أثر لأفعالهم القبيحة وإمّا سبب لتكاملهم. وتوضيح ذلك يتم عبر النقاط التالية :
1 . المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسانيرى القرآن الكريم أنّ جميع المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص المكلّفون والواعون الذين يرتكبون المعاصي والذنوب ، إنّما هي شمار أفعالهم ونتيجة ما
.
ص: 379
كسبت أيديهم : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . (1) هذا يعني أنّ المصائب والمنغّصات الّتي تواجه المجتمع ، مثل : الجفاف ، والغلاء، والأعاصير والزلازل وما إلى ذلك، إنّما سببها الذنوب الّتي يرتكبها الناس، ولكنّ هذه المصائب لا تمثّل عقوبة جميع ذنوبهم ؛ لأنّ الكثير من الذنوب يعفو عنها اللّه _ تعالى _ بحكمته، وإلّا لما بقي على الأرض من دابّة : «وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ» . (2) إنّ القرآن يعلن بصراحة أنّ الإنسان إذا لم يرتكب الأفعال القبيحة واختار الطريق الصحيح في الحياة ، فإنّ البركات الإلهيّة ستنهمر عليه من السماء والأرض : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَ_تٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَ_كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَ_هُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (3) في قبال ذلك إذا ما أساء الإنسان استغلال إرادته وحرّيته، فإنّه استنادا إلى سنّة الخلق الثابتة وغير القابلة للتغيير، لن يُنزل المصائب والمشاكل على نفسه وعلى مجتمعه وحسب، بل إنّ فساده سوف يمحو بركات الأرض ويثير الفساد في البرّ والبحر : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . (4)
أقسام المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسانيمكن تقسيم المصائب الّتي تحيق بالإنسان على إثر عمله السيِّئ إلى ثلاثة أقسام :
.
ص: 380
أ _ العقوبةإنّ المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص الذين لا توجد في حياتهم أيُّ نقطة إيجابيّة والذين حفلت حياتهم بالفساد، من وجهة نظر القرآن جزء من العقاب على أعمالهم ، وهذا العقاب ليس تعاقديّا واعتباريّا ، بل عقاب تكوينيّ والنتيجة الطبيعية للفعل القبيح الّذي يرتكبه المجرم . وقد ابتليت على مرّ التاريخ اُمم مختلفة بالزلازل والسيول والبلايا المختلفة ، واعتبر القرآن هذه البلايا النتيجة الطبيعيّة لسيّئاتهم ، فجاء في سورة العنكبوت بعد استعراض مصير قوم نوح وإبراهيم ولوط وتمرّد قوم عاد وثمود، ومواجهة قارون وفرعون وهامان للرسل وامتناعهم عن قبول دعوتهم: «فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَ مِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْ_لِمَهُمْ وَ لَ_كِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْ_لِمُونَ» . (1) وكون المصائب جزء من العقوبة يمثّل قضيّة مهمّة نبّه عليها القرآن الكريم مرارا (2) وأكّدتها الأحاديث الكثيرة ، كما روي عن الإمام الرضا عليه السلام : كُلَّما أَحدَثَ العِبادُ مِنَ الذُّنوبِ ما لَم يَكونوا يَعمَلونَ ، أحدَثَ اللّهُ لَهُم مِنَ البَلاءِ ما لَم يَكونوا يَعرِفونَ . (3)
ب _ التأديبإنّ الهدف من بعض المصائب والبلايا الّتي يواجهها الإنسان، هو تأديبه وتحذيره
.
ص: 381
من خطر الذنوب والانحرافات، يروى عن الإمام عليّ عليه السلام في هذا المجال: البَلاءُ لِلظّالِمِ أَدَبٌ . (1) ويبّين القرآن الكريم، دور مشاكل الحياة في توعية الناس قائلاً: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (2) حيث ترى هذه الآية الكريمة أنّ سبب مظاهر الفساد الّتي تحدث في الكرة الأرضيّة (برّها وبحرها)، والمشاكل الناجمة عنها هو سيّئات أفعال الناس ، والهدف منها تحذير المجتمعات المبتلاة بالخطايا وتوعيتها وتأديبها وتربيتها ، وقد تمّ تأكيد هذا المعنى في آيات اُخرى أيضا . (3) كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام حول الدور التربوي للمشاكل الّتي تواجه الإنسان في حياته : إنَّ اللّهَ يَبتَلي عِبادَهُ عِندَ الأَعمالِ السَّيِّئَةِ بِنَقصِ الثَّمَراتِ ، وحَبسِ البَرَكاتِ ، وإغلاقِ خَزائِنِ الخَيراتِ ، لِيَتوبَ تائِبٌ ، ويُقلِعَ مُقلِعٌ ، ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ، ويَزدَجِرَ مُزدَجِرٌ . (4)
ج _ التمحيصيمثّل تمحيص الإنسان وتطهيره من الذنوب حكمة اُخرى من حكم مصائب الحياة ومشاكلها ؛ فإنّ العمل السيّئ يلوّث روح الإنسان ويدنّس قلبه :
.
ص: 382
«كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (1) وبلايا الحياة ومصائبها، هي من عوامل جلاء صدأ الذنوب وتطهير النفس من أرجاسها، فروح الإنسان تتطهّر وتصفو في بوتقة المصائب، وقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذا الصدد: ما يُصيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ ، ولا نَصَبٍ ، ولا سَقَمٍ ، ولا حَزَنٍ ؛ حتّى الهَمِّ يُهَمُّهُ ، إلّا كُفِّرَ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ . (2) بناء على ذلك ، فإنّ مصائب الحياة ومشاكلها بالنسبة إلى الأشخاص الذين يبتلون أحيانا برجس الذنوب، ليست تحذيرا وتوعية وحسب ، بل هي لإزالة الغشاوات الّتي توجدها الذنوب في نفوسهم أيضا ، وبذلك تزول موانع الانتفاع من العبادات في طريق سيرهم باتّجاه الكمال المعنويّ والروحيّ، كما روي عن الإمام علي عليه السلام : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ تَمحيصَ ذُنوبِ شيعَتِنا فِي الدُّنيا بِمِحَنِهِم ، لِتَسلَمَ بِها طاعاتُهُم ويَستَحِقّوا عَلَيها ثَوابَها . (3) على هذا الأساس، فإنّ مصائب الحياة تعدّ من النعم الإلهيّة الكبرى لأهل الإيمان ، كما روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام : للّهِِ فِي السَّرّاءِ نِعمَةُ التَّفَضُّلِ ، وفِي الضَّرّاءِ نِعمَةُ التَّطَهُّرِ . (4)
2 . المصائب البنّاءةإنّ الهدف والحكمة من بعض شرور الحياة ومصائبها وبلاياها، اختبار الإنسان
.
ص: 383
وبناؤه، حيث يصرّح القرآن الكريم أنّ الإنسان يمحَّص من خلال «الشرّ» و«الخير»: «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» . (1) و« الشرّ » يشمل أنواع المصائب ، والأمراض والمشاكل في الحياة ، و« الخير » يشمل أنواع النعم والمسرّات . روي عن الإمام الصادق عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرض ذات مرّة ، فدخل عليه جماعة لعيادته فسألوه: كيف أصبحت:؟ فأجابهم بغير ما كانوا يتوقّعوه منه قائلاً : أصبَحتُ بِشَرٍّ ! فسألوه متعجبين : سُبحانَ اللّهِ ، هذا مِن كَلامِ مِثلِكَ ؟! (2) فأجابهم الإمام قائلاً : يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» (3) ، فَالخَيرُ الصِّحَّةُ وَالغِنى ، وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ ابتِلاءً وَاختِبارا . 4 فالآية المذكورة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هي دليل واضح على أنّ حكمة بعض المصائب هي الاختبار والابتلاء ، كي يبلغ الإنسان الكمال نتيجة «الصبر» والتحمّل والنجاح في الاختبار ، وقد جاء هذا المعنى في آية اُخرى : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّ_بِرِينَ» . 5 على هذا الأساس، فإنّ الشرور والمصائب الّتي الهدف منها اختبار الإنسان
.
ص: 384
وبناءه لا تتنافى مع العدالة والحكمة الإلهيّتين وحسب، بل هي الحكمة بعينها، كما يشير الإمام عليّ عليه السلام إلى ذلك في قوله: أَيُّها النّاسُ ! إنَّ اللّهَ قَد أعاذَكُم مِن أَن يَجورَ عَلَيكُم ، وَلَم يُعِذكُم مِن أَن يَبتَلِيَكُم . (1) ممّا يجدر ذكره أنّ الاختبار الإلهي ليس الهدف منه الكشف عن الحقيقة المجهولة له أو للآخرين، بل لكي ينمّي مواهب الإنسان الدفينة بإرادته واختياره ، بحيث ينكشف ما في داخله تلقائيّا، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : أَلا إنَّ اللّهَ قَد كَشَفَ الخَلقَ كَشفَةً ، لا أَنَّهُ جَهِلَ ما أَخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَكنونِ ضَمائِرِهِم ، وَلكِن لِيَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلاً ، فَيَكونَ الثَّوابُ جَزاءً وَالعِقابُ بَواءً . (2) فروح الإنسان تنصقل وتقوى من خلال المصائب ؛ كجسمه، لهذا روي عن الإمام عليّ عليه السلام ردّا على ما يظنّه بعض الناس من أنّ الحياة في ظلّ الظروف الصعبة والتغذية البسيطة تؤدّي إلى ضعف الجسم وعجزه، قوله: أَلا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَّةَ أَصلَبُ عودا ، وَالرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلودا ، وَالنّابِتاتِ العِذيَةَ أَقوى وَقودا وَأَبطَأ خُمودا . (3) إنّ الهدف من المصائب والمشاكل الّتي يواجهها أهل الإيمان في ظلّ النظام الحكيم الّذي يسود العالم هو تربية المواهب الباطنة وتكاملها، وفي الحقيقة فإنّ اللّه _ تعالى _ يغذّي أرواح أوليائه في هذا العالم بالبلاء، كما نرى ذلك في العبارات الجميلة التالية المرويّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ . (4)
.
ص: 385
كما أنّ كلّ من كان أقرب إلى الحضرة الإلهيّة سقي أكثر من كؤوس البلاء، كما جاء في الحديث النبويّ : ما كَرُمَ عَبدٌ عَلى اللّهِ إِلّا ازدادَ عَلَيهِ البَلاءُ . (1) لهذا السبب نرى أنّ القادة الإلهيّين الكبار واجهوا المحن وذاقوا البلايا أكثر من الآخرين، كما نلاحظ ذلك في الرواية التالية عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أَشَدَّ النّاسِ بَلاءً الأَنبياءُ ثُمَّ الَّذينَ يَلونَهُم ، ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ . (2) كما جاء في حديث آخر : إِنَّما يَبتَلي اللّهُ تَبارَكَ وَتَعالى عِبادَهُ عَلى قَدرِ مَنازِلِهِم عِندَهُ . (3) بناء على ذلك ، فإنّ الهدف من مصائب الحياة وبلاياها يمكن أن يكون أمران فقد يكون الهدف منها هو العقاب والتأديب والتطهير أحيانا، وقد يكون تنمية المواهب والاستعدادات وتكميل النفوس . ومحن الأولياء هي من القسم الثاني ، لذلك فعندما تلا يزيد بن معاوية الآية التالية في الموقف الّذي جمعه مع الإمام زين العابدين عليه السلام : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . (4) إشارة إلى أنّ ما نزل بأهل بيت الإمام الحسين عليه السلام عقاب إلهي، أجابه الإمام زين العابدين عليه السلام : ليست هذه الآية فينا إنّ فينا قول اللّه عز و جل : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا» . (5)
.
ص: 386
من الطريف أنّ كلّ ما بيّناه حول فلسفة المصائب، يمكن أن نلاحظه في رواية قصيرة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، حيث قال: إنَّ البَلاءَ لِلظّالِمِ أدَبٌ ، ولِلمُؤمِنِ امتِحانٌ ، ولِلأَنبِياءِ دَرَجَةٌ ، ولِلأَولِياءِ كَرامَةٌ . (1)
ثامنا : عوامل فشل المستضعفينإنّ ما ذكرناه حتّى الآن حول فلسفة الشرور والمصائب ، يتعلّق بالأشخاص الواعين الذين بلغتهم الرسالة الإلهيّة وأقيمت الحجّة عليهم ، والآن لنرى ما الحكمة من وراء الشرور والإخفاقات الّتي يواجهها الأشخاص غير الواعين ، أو المستضعفون ؟ بعبارة اُخرى : فقد كان وما يزال على مرّ التاريخ الكثير ممّن لم تصلهم الرسالة الإلهيّة لأسباب مختلفة ولم يستطيعوا أن يدركوا مسؤوليّتهم كي يعيّنوا مصيرهم من خلال العمل، أو عدم العمل بمسؤوليّاتهم، ومن المصاديق البارزة لهذا النوع من البشر : الأطفال المشرّدون، والأشخاص المتخلّفون عقليّا والمجانين، فكيف يمكن أن نبرّر بلايا هؤلاء الأشخاص الذين يطلق عليهم «المستضعفون» اصطلاحا ؟ الجواب الإجمالي عن ذلك هو : أوّلاً : إنّ مسؤوليّة المصائب الّتي يبتلى بها المستضعفون وغير الواعين تلقى على عاتق الأشخاص الواعين باستثناء الحالات الّتي لها حِكَم خاصّة . ثانيا : إنّ اللّه سيعوّض الأبرياء في الآخرة عن الأضرار الّتي لحقت بهم في الدنيا. من أجل تسليط الضوء على هذه الإجابة الإجماليّة فإنّا بحاجة إلى مقدّمة قصيرة هي : إنّ قانون الأسباب الّذي يسمّى بلغة القرآن « سنّة اللّه » يستوجب أن يُدار نظام
.
ص: 387
الخلق على أساس نظامه الخاص ، فالقرآن الكريم يؤكّد مرارا أنّ « سنّة اللّه » غير قابلة للتغيير . (1) هذا يعني أنّ التدبير الإلهيّ وإجراءات اللّه _ تعالى _ لها قانونها الخاصّ بها ، وهو قانون ثابت غير قابل للتغيير، ليس كمثل القوانين التعاقديّة والاعتباريّة القابلة للتغيير. وقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام في رواية عنه، هذه الحقيقة في قوله: أبى اللّهُ أَن يُجرِيَ الأشياءَ إلّا بِأسبابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبا . (2) استنادا إلى قانون الأسباب والسنّة الإلهيّة الثابتة في تدبير اُمور عالم الخلق ، يمكننا أن نذكر عوامل المصائب والبلايا الّتي يبتلى بها المستضعفون كالتالي :
1 . الاستغلال السيّئللحرّيةإنّ نتيجة تمتّع الإنسان بالحرّية والاختيار في عالم الأسباب ، هي أنّ البعض يسيئون استغلال حرّيتهم ويتجاوزون على حقوق الآخرين، كما جاء في القرآن حول سوء استغلال أحد رؤوس الاستكبار لحريّته : «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَ_ائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» . (3) بناء على ذلك ، فإنّ استغلال الأشخاص الواعين لحريّاتهم يؤدّي إلى ظهور طبقتي الظالمين والمظلومين، والمستثمِرين، والمستثمَرين ، لا أن إرادة اللّه تعلقت بذلك كي تثار التساؤلات حول عدالته ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : ما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ . (4)
.
ص: 388
2 . الآثار التكوينية للذنوبإنّ الأعمال السيّئة للمكلّفين الواعين لها في عالم الأسباب تأثير في مصير المجتمع بشكل طبيعيّ وتكوينيّ ، فالشخص المذنب لا يفسد حياته وحسب ، بل إنّه يعرّض المجتمع للسقوط في هاوية الانحطاط . فالإنسان المذنب كالسفيه الّذي يخرق السفينة في عباب البحر، فإن منعه الآخرون نجا الجميع ، وإلّا فإنّ الجميع سيغرقون ومن بينهم خارق السفينة ، سواء كانوا مقصّرين أم لم يكونوا ، كبارا كانوا أم صغارا، لهذا يعلن القرآن الكريم صراحةً : «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً» . (1) فنتيجة الظلم شاملة بموجب نظام الخلق القائم على الحكمة، فالنار عندما تشبّ تأتي على الأخضر واليابس. بل إن عمل الإنسان القبيح لا يؤدّي إلى فساد المجتمع وحسب، وإنّما يفسد البيئة أيضا : «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . (2) ففي عالم الأسباب، عندما يلوذ الناس بالصمت إزاء الاعتداءات وغصب الحقوق، فإنّ أنواع البلايا _ الّتي تمثّل الآثار التكوينيّة للذنوب _ سوف تعمّهم جميعا حتّى المستضعفين ، بل عندها لا ينفع دعاء الصالحين لتغيير مصير المجتمع ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام : لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ، ثُمَّ تَدعُون فَلا يُستَجابُ لَكُم . (3)
.
ص: 389
3 . عدم رعاية التعليمات الصحّيةإنّ الذنب ليس هو المؤثّر الوحيد في مصير المجتمع ومنه الأشخاص المستضعفون ، بل إنّ الخطأ وعدم الالتزام بالتعليمات الصحّية من جانب الآباء والاُمّهات لهما أيضا دور في ظهور الأشخاص المعاقين والمتخلّفين عقليّا (1) ، ففي هذه الحالات تلقى مسؤوليّة تعاسة هذا النوع من الأشخاص على الأفراد الواعين بشكل مباشر لا على اللّه تعالى ، وقد رويت في هذا المجال إرشادات قيّمة عن أئمّة الإسلام للحيلولة دون ظهور هذا النوع من الأشخاص. (2)
4 . الحِكَم المجهولةبالإضافة إلى العوامل الّتي سبقت الاشارة إليها، فما أكثر الحكم الكامنة في بلايا المستضعفين ، والّتي هي مجهولة بالنسبة إلينا، وإذا ما انكشفت لنا تلك الأسرار يتّضح لنا أنّ ما حدث كان العدل والحكمة بعينهما، كما حدث للنبيّ موسى عليه السلام خلال رحلته مع سيّدنا الخضر عليه السلام ، عندما اعترض موسى عليه السلام عليه بعد أن رآه يقتل طفلاً بريئا ، حيث قال : «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا» . (3) أجابه الخضر عليه السلام في بيان الحكمة من وراء هذا العمل قائلاً : «وَ أَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا» . 4 على هذا الأساس ونظرا إلى محدوديّة علم الإنسان وجهله لسرّ الوجود، فلا يمكننا القول _ من خلال النظرة السطحيّة _ إنّ البلايا الّتي يقع فيها المستضعفون
.
ص: 390
مخالفة للعدل والحكمة ، مع أنّ اللّه سبحانه سيعوّض . المستضعفين عن بلاياهم في عالم الآخرة ؛ نظرا إلى أنّهم لم يكونوا هم المقصّرون في هذه الدنيا .
.
ص: 391
الفصل الأَوَّلُ : الميزان في معرفة الخير والشّرّالكتاب«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْ_ئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْ_ئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» . (1)
«وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَلِلَّهِ مِيرَ ثُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» . (2)
«وَ يَدْعُ الْاءِنسَ_نُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كَانَ الْاءِنسَ_نُ عَجُولًا» . (3)
«فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَ_هُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَ عَلَّمْنَ_هُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِرًا وَ لَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْ_ئلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا *
.
ص: 392
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَ لَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَ_مًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْ ءِ بَعْدَهَا فَلَا تُصَ_حِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَ_ذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَ_كِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَ كَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَ أَمَّا الْغُلَ_مُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَ_نًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَ_مَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَ كَانَ أَبُوهُمَا صَ__لِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَ يَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَ مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَ لِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا» . (1)
الحديثصحيح مسلم عن أنس :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يُؤتى بِأَنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِن أهلِ النّارِ يَومَ القِيامَةِ ، فَيُصبَغُ (2) فِي النّارِ صَبغَةً ، ثُمَّ يُقالُ : يَابنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ خَيرا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقولُ : لا وَاللّهِ يا رَبِّ ! ويُؤتى بِأَشَدِّ النّاسِ بُؤسا فِي الدُّنيا مِن أهلِ الجَنَّةِ ، فَيُصبَغُ صَبغَةً فِي الجَنَّةِ فَيُقالُ لَهُ : يَابنَ آدَمَ ، هَل رَأَيتَ بُؤسا قَطُّ ؟ هَل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقولُ : لا وَاللّهِ يا رَبِّ ، ما
.
ص: 393
مَرَّ بي بُؤسٌ قَطُّ ، ولا رَأَيتُ شِدَّةً قَطُّ . (1)
مسند ابن حنبل عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ موسى قالَ : أي رَبِّ ، عَبدُكَ المُؤمِنُ تُقَتِّرُ عَلَيهِ فِي الدُّنيا . قالَ : فَيُفتَحُ لَهُ بابُ الجَنَّةِ فَيَنظُرُ إلَيها ، قالَ : يا موسى هذا ما أعدَدتُ لَهُ . فَقالَ موسى : أي رَبِّ وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ ، لَو كانَ أقطَعَ اليَدَينِ وَالرِّجلَينِ يُسحَبُ عَلى وَجهِهِ مُنذُ يَومَ خَلَقتَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، وكانَ هذا مَصيرَهُ ، لَم يَرَ بُؤسا قَطُّ . قالَ : ثُمَّ قالَ موسى : أي رَبِّ عَبدُكَ الكافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيهِ فِي الدُّنيا ، قالَ : فَيُفتَحُ لَهُ بابٌ مِنَ النّارِ . فَيُقالُ : يا موسى هذا ما أعدَدتُ لَهُ . فَقالَ موسى : أي رَبِّ ، وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ ، لَو كانَت لَهُ الدُّنيا مُنذُ يَومَ خَلَقتَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ وكانَ هذا مَصيرَهُ كَأَن لَن يَرَ خَيرا قَطُّ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ إذا أدخَلَ أهلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ ، وأهلَ النّارِ النّارَ ، قالَ : يا أهلَ الجَنَّةِ ، «كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» . قالَ : لَنِعمَ مَا اتَّجَرتُم في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ ، رَحمَتي ورِضواني وجَنَّتِي ، امكُثوا فيها خالِدينَ مُخَلَّدينَ . ثُمَّ يَقولُ : يا أهلَ النّارِ ، «كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ» . فَيَقولُ : بِئسَ مَا اتَّجَرتُم في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ ، ناري وسَخَطِي ، امكُثوا
.
ص: 394
فيها خالِدينَ مُخَلَّدينَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :تَقولُ المَلائِكَةُ : يا رَبِّ عَبدُكَ المُؤمِنُ تَزوي عَنهُ الدُّنيا وتَعرِضُهُ لِلبَلاءِ وهُوَ مُؤمِنٌ بِكَ . فَيَقولُ : اِكشِفوا عَن ثَوابِهِ ، فَإِذا رَأَوا ثَوابَهُ ، تَقولُ المَلائِكَةُ : يا رَبِّ ما يَضُرُّهُ ما أصابَهُ فِي الدُّنيا ، وتَقولُ المَلائِكَةُ : يا رَبِّ عَبدُكَ الكافِرُ تَبسُطُ لَهُ فِي الدُّنيا وتَزوي عَنهُ البَلاءَ وقَد كَفَرَ بِكَ . فَيَقولُ : اِكشِفوا عَن عِقابِهِ فَإِذا رَأَوا عِقابَهُ ، قالوا : يا رَبِّ ما يَنفَعُهُ ما أصابَهُ فِي الدُّنيا . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :يُؤتى يَومَ القِيامَةِ بِأَنعَمِ أهلِ الدُّنيا مِنَ الكُفّارِ . فَيُقالُ : اِغمِسوهُ فِي النّارِ غَمسَةً ، فَيُغمَسُ فيها ، ثُمَّ يُقالُ لَهُ : أي فُلانُ ! هَل أصابَكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقولُ : لا ، ما أصابَني نَعيمٌ قَطُّ . ويُؤتى بِأَشَدِّ المُؤمِنينَ ضُرّا وبَلاءً، فَيُقالُ:اِغمِسوهُ غَمسَةً فِي الجَنَّةِ ،فَيُغمَسُ فيها غَمسَةً، فَيُقالُ لَهُ : أي فُلانُ ! هَل أصابَكَ ضُرٌّ قَطُّ أو بَلاءٌ ؟ فَيَقولُ : ما أصابَني قَطُّ ضُرٌّ ولا بَلاءٌ . (3)
.
ص: 395
صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان :كانَ النّاسُ يَسأَلونَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الخَيرِ ، وكُنتُ أسأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخافَةَ أن يُدرِكَني . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنّا كُنّا في جاهِلِيَّةٍ وشَرٍّ ، فَجاءَنَا اللّهُ بِهذَا الخَيرِ فَهَل بَعدَ هذَا الخَيرِ مِن شَرٍّ ؟ قالَ : نَعَم . قُلتُ : وهَل بَعدَ ذلِكَ الشَّرِّ مِن خَيرٍ . قالَ : نَعَم ، وفيهِ دَخَنٌ . (1) قُلتُ : وما دَخَنُهُ ؟ قالَ : قَومٌ يَهدونَ بِغَيرِ هَديي ، تَعرِفُ مِنهُم وتُنكِرُ . قُلتُ : فَهَل بَعدَ ذلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ ؟ قالَ : نَعَم ، دُعاةٌ إلى أبوابِ جَهَنَّمَ ، مَن أجابَهُم إلَيها قَذَفوهُ فيها . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، صِفهُم لَنا . فَقالَ : هُم مِن جِلدَتِنا ، ويَتَكَلَّمونَ بِأَلسِنَتِنا ، قُلتُ : فَما تَأمُرُني إن أدرَكَني ذلِكَ ؟ قالَ : تَلزَمُ جَماعَةَ المُسلِمينَ وإمامَهُم . قُلتُ : فَإِن لَم يَكُن لَهُم جَماعَةٌ ولا إمامٌ ؟ قالَ : فَاعتَزِل تِلكَ الفِرَقَ كُلَّها ، ولَو أن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتّى يُدرِكَكَ المَوتُ
.
ص: 396
وأنتَ عَلى ذلِكَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله رَجُلٌ يُقالُ لَهُ : ذُو النَّمِرَةِ 2 وكانَ مِن أقبَحِ النّاسِ وإنَّما سُمِّيَ ذُو النَّمِرَةِ مِن قُبحِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، أخبِرني ما فَرَضَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَيَّ ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَرَضَ اللّهُ عَلَيكَ سَبعَ عَشرَةَ رَكعَةً فِي اليَومِ وَاللَّيلَةِ وصَومَ شَهرِ رَمَضانَ إذا أدرَكتَهُ وَالحَجَّ إذَا استَطَعتَ إلَيهِ سَبيلاً وَالزَّكاةَ وفَسَّرَها لَهُ . فَقالَ : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيّا ما أزيدُ رَبّي عَلى ما فَرَضَ عَلَيَّ شَيئا . فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ولِمَ يا ذَا النَّمِرَةِ ؟ فَقالَ : كَما خَلَقَني قَبيحا . قالَ : فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّ رَبَّكَ يَأمُرُكَ أن تُبَلِّغَ ذَا النَّمِرَةِ عَنهُ السَّلامَ ، وتَقولَ لَهُ : يَقولُ لَكَ رَبُّكَ تَبارَكَ وتَعالى : أما تَرضى أن أحشُرَكَ عَلى جَمالِ جَبرَئيلَ عليه السلام يَومَ القِيامَةِ ؟ فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : يا ذَا النَّمِرَةِ هذا جَبرَئيلُ يَأمُرُني أن اُبَلِّغَكَ السَّلامَ ويَقولُ
.
ص: 397
لَكَ رَبُّكَ : أما تَرضى أن أحشُرَكَ عَلى جَمالِ جَبرَئيلَ ؟ فَقالَ ذُو النَّمِرَةِ : فَإِنّي قَد رَضيتُ يا رَبِّ فَوَعِزَّتِكَ لَأَزيدَنَّكَ حَتّى تَرضى . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :ما خَيرُ خَيرٍ (2) لا يُنال إلّا بِشَرٍّ ، ويُسرٍ لا يُنالُ إلّا بِعُسرٍ؟! (3)
عنه عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِهِ مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ رضى الله عنه _: يا بُنَيَّ ، ... ما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ ، وما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، كُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ . (4)
عنه عليه السلام :لا تَعُدَّنَّ خَيرا ما أدرَكتَ بِهِ شَرّا . (5)
عنه عليه السلام :لا تَعُدَّنَّ شَرّا ما أدرَكتَ بِهِ خَيرا . (6)
عنه عليه السلام :شَرُّ العَمَلِ ما أفسَدتَ بِهِ مَعادَكَ . (7)
الإمام الصادق عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِابنِ جُندَبٍ _: يَابنَ جُندَبٍ ، الخَيرُ كُلُّهُ أمامَكَ ، وإنَّ الشَّرَّ كُلَّهُ أمامَكَ ، ولَن تَرَى الخَيرَ وَالشَّرَّ إلّا بَعدَ الآخِرَةِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ _ جَلَّ وعَزَّ _ جَعَلَ الخَيرَ كُلَّهُ فِي الجَنَّةِ وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي النّارِ ، لِأَنَّهُمَا الباقِيانِ . (8)
الإمام عليّ عليه السلام :اِحذَروا عِبادَ اللّهِ المَوتَ وقُربَهُ ، وأعِدّوا لَهُ عُدَّتَهُ ، فَإِنَّهُ يَأتي بِأَمرٍ عَظيمٍ ،
.
ص: 398
وخَطبٍ (1) جَليلٍ ، بِخَيرٍ لا يَكونُ مَعَهُ شَرٌّ أبَدا ، أو شَرٍّ لا يَكونُ مَعَهُ خَيرٌ أبَدا . (2)
عنه عليه السلام :يوقَفُ العَبدُ بَينَ يَدَيِ اللّهِ ، فَيَقولُ : قيسوا بَينَ نِعَمي عَلَيهِ وبَينَ عَمَلِهِ ، فَتَستَغرِقُ (3) النِّعَمُ العَمَلَ ، فَيَقولونَ : قَدِ استَغرَقَتِ النِّعَمُ العَمَلَ . فَيَقولُ : هَبوا لَهُ نِعَمي وقيسوا بَينَ الخَيرِ وَالشَّرِّ مِنهُ ، فَإِنِ استَوَى العَمَلانِ أذهَبَ اللّهُ الشَّرَّ بِالخَيرِ وأدخَلَهُ الجَنَّةَ ، فَإِن كانَ لَهُ فَضلٌ أعطاهُ اللّهُ بِفَضلِهِ ، وإن كانَ عَلَيهِ فَضلٌ وهُوَ مِن أهلِ التَّقوى ، لَم يُشرِك بِاللّهِ تَعالى وَاتَّقَى الشِّركَ بِهِ ، فَهُوَ مِن أهلِ المَغفِرَةِ ، يَغفِرُ اللّهُ لَهُ بِرَحمَتِهِ إن شاءَ ويَتَفَضَّلُ عَلَيهِ بِعَفوِهِ . (4)
الإمام الباقر عليه السلام :يا جابِرُ فَاحفَظ مَا استَرعاكَ اللّهُ _ جَلَّ وعَزَّ _ مِن دينِهِ وحِكمَتِهِ ، ولا تَسأَلَنَّ عَمّا لَكَ عِندَهُ إلّا ما لَهُ عِندَ نَفسِكَ ، فَإِن تَكُنِ الدُّنيا عَلى غَيرِ ما وَصَفتُ لَكَ ، فَتَحَوَّل إلى دارِ المُستَعتَبِ، (5) فَلَعَمري لَرُبَّ حَريصٍ عَلى أمرٍ قَد شَقِيَ بِهِ حينَ أتاهُ ، ولَرُبَّ كارِهٍ لِأَمرٍ قَد سَعِدَ بِهِ حينَ أتاهُ ، وذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَ_فِرِينَ» (6) . (7)
الزهد عن عطاء الخراساني :مَرَّ نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ بِساحِلٍ ، فَإِذا هُوَ بِرَجُلٍ يَصطادُ
.
ص: 399
حيتانا ، فَقالَ : بِاسمِ اللّهِ ، وألقى شَبَكَتَهُ فَلَم يَخرُج فيها حوتٌ واحِدٌ ثُمَّ مَرَّ بِآخَرَ ، فَقالَ : بِاسمِ الشَّيطانِ ، فَخَرَجَ فيها مِنَ الحيتانِ حَتّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَتَقاعَسُ مِن كَثرَتِها . فَقالَ : أي رَبِّ هذَا الَّذي دَعاكَ ولَم يُشرِك بِكَ شَيئا ابتَلَيتَهُ بِأَن لَم يَخرُج في شَبَكَتِهِ شَيءٌ ، وهذَا الَّذي دَعا غَيرَكَ ابتَلَيتَهُ وخَرَجَ في شَبَكَتِهِ ما جَعَلَ يَتَقاعَسُ تَقاعُسا مِن كَثرَتِها ، وقَد عَلِمتُ أنَّ كُلَّ ذلِكَ بِيَدِكَ فَأَنّى هذا ؟ قالَ : اِكشِفوا لِعَبدي عَن مَنزِلِهِما فَلَّما رَأى ما أعَدَّ اللّهُ لِهذا مِنَ الكَرامَةِ ، وما أعَدَّ اللّهُ لِهذا مِنَ الهَوانِ . قالَ : رَضيتُ يا رَبّي ! (1)
.
ص: 400
. .
ص: 401
الفصل الثّاني : حكمة المصائب2 / 1الاِبتِلاءُ وَالاِمتِحانُالكتاب«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» . (1)
«إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّ__لِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَ_فِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَ_هَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّ_بِرِينَ» . (2)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ البَلاءَ لِلظّالِمِ أدَبٌ ، ولِلمُؤمِنِ امتِحانٌ ، ولِلأَنبِياءِ دَرَجَةٌ ، ولِلأَولِياءِ كَرامَةٌ . (3)
.
ص: 402
الإمام عليّ عليه السلام :يُمتَحَنُ المُؤمِنُ بِالبَلاءِ ، كَما يُمتَحَنُ بِالنّارِ الخِلاصُ (1) . (2)
عنه عليه السلام :لا تَفرَح بِالغَناءِ وَالرَّخاءِ ، ولا تَغتَمَّ بِالفَقرِ وَالبَلاءِ ، فَإِنَّ الذَّهَبَ يُجَرَّبُ بِالنّارِ ، وَالمُؤمِنُ يُجَرَّبُ بِالبَلاءِ . (3)
الإمام الحسين عن الإمام عليّ عليهماالسلام :مَرِضَ فَعادَهُ إخوانُهُ فَقالوا : كَيفَ أصبَحتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ؟ فَقالَ : بِشَرٍّ . فَقالوا : سُبحانَ اللّهِ ، هذا مِن كَلامِ مِثلِكَ ؟! فَقالَ عليه السلام : يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» (4) ، فَالخَيرُ الصِّحَّةُ وَالغِنى ، وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ ابتِلاءً وَاختِبارا . (5)
إحياء علوم الدين :قالَ لُقمانُ لِابنِهِ : يا بُنَيَّ إنَّ الذَّهَبَ يُجَرَّبُ بِالنّارِ ، وَالعَبدَ الصّالِحَ يُجَرَّبُ بِالبَلاءِ ، فَإِذا أحَبَّ اللّهُ قَوما ابتَلاهُم ، فَمَن رَضِيَ فَلَهُ الرِّضا ، ومَن سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ . (6)
2 / 2التَّذَكُّرُ وَالاِتِّعاظُالكتاب«وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَ تِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» . (7)
.
ص: 403
«وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (1)
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . (2)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :إذا رَأَيتَ اللّهَ سُبحانَهُ يُتابِعُ عَلَيكَ البَلاءَ فَقَد أيقَظَكَ . إذا رَأَيتَ اللّهَ سُبحانَهُ يُتابِعُ عَلَيكَ النِّعَمَ مَعَ المَعاصي فَهُوَ استِدراجٌ لَكَ . (3)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ يَبتَلي عِبادَهُ عِندَ الأَعمالِ السَّيِّئَةِ بِنَقصِ الثَّمَراتِ ، وحَبسِ البَرَكاتِ ، وإغلاقِ خَزائِنِ الخَيراتِ ، لِيَتوبَ تائِبٌ ، ويُقلِعَ مُقلِعٌ ، ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ، ويَزدَجِرَ مُزدَجِرٌ . (4)
عنه عليه السلام :مَن سَلَبَتهُ الحَوادِثُ مالَهُ ، أفادَتهُ الحَذَرَ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :ما مِن مُؤمِنٍ إلّا وهُوَ يُذَكَّرُ لِبَلاءٍ (6) يُصيبُهُ في كُلِّ أربَعينَ يَوما أو بِشَيءٍ مِن مالِهِ ووُلدِهِ ، لِيَأجُرَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، أو بِهَمٍّ لا يَدري مِن أينَ هُوَ ؟ (7)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ إذا أرادَ بِعَبدٍ خَيرا فَأَذنَبَ ذَنبا أتبَعَهُ بِنَقِمَةٍ ويُذَكِّرُهُ الاِستِغفارَ ، وإذا أرادَ
.
ص: 404
بِعَبدٍ شَرّا فَأَذنَبَ ذَنبا أتبَعَهُ بِنِعمَةٍ لِيُنسِيَهُ الاِستِغفارَ ويَتمادى بِها ، وهُوَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ» (1) بِالنِّعَمِ عِندَ المَعاصي . (2)
عنه عليه السلام :المُؤمِنُ لا يَمضي عَلَيهِ أربَعونَ لَيلَةً ، إلّا عَرَضَ لَهُ أمرٌ يَحزُنُهُ ، يُذَكَّرُ بِهِ . (3)
عنه عليه السلام_ للمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ _: ... ثُمَّ هذِهِ الآفاتُ الَّتي ذَكَرناها _ مِنَ الوَباءِ وَالجَرادِ وما أشبَهَ ذلِكَ _ ما بالُها لا تَدومُ ... يُلذَعُ (4) أحيانا بِهذِهِ الآفاتِ اليَسيرَةِ لِتَأديبِ النّاسِ وتَقويمِهِم ، ثُمَّ لا تَدومُ هذِهِ الآفاتُ ، بَل تَكشِفُ عَنهُم عِندَ القُنوطِ مِنهُم ، فَتَكونُ وُقوعُها بِهِم مَوعِظَةً وكَشفُها عَنهُم رَحمَةً ... . فَإِذا عَضَّتهُ المَكارِهُ ووَجَدَ مَضَضَهَا اتَّعَظَ وأبصَرَ كَثيرا مِمّا كانَ جَهِلَهُ وغَفَلَ عَنهُ ، ورَجَعَ إلى كَثيرٍ مِمّا كانَ يَجِبُ عَلَيهِ ... إنَّ هذِهِ الآفاتِ وإن كانَت تَنالُ الصّالِحَ وَالطّالِحَ جَميعاً ، فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَ ذلِكَ صَلاحا لِلصِّنفَينِ كِلَيهِما : أمَّا الصّالِحونَ فَإِنَّ الَّذي يُصيبُهُم مِن هذا يَرُدُّهُم (5) نِعَمَ رَبِّهِم عِندَهُم في سالِفِ أيّامِهِم فَيَحدوهُم ذلِكَ عَلَى الشُّكرِ وَالصَّبرِ ، وأمَّا الطّالِحونَ فَإِنَّ مِثلَ هذا إذا نالَهُم كَسَرَ شِرَّتَهُم ورَدَعَهُم عَنِ المَعاصي وَالفَواحِشِ ، وكَذلِكَ يَجعَلُ لِمَن سَلِمَ مِنهُم مِنَ الصِّنفَينِ صَلاحا في ذلِكَ ، أمَّا الأَبرارُ فَإِنَّهُم يَغتَبِطونَ بِماهُم عَلَيهِ مِنَ البِرِّ وَالصَّلاحِ ويَزدادونَ فيهِ رَغبَةً وبَصيرَةً ، وأمَّا الفُجّارُ فَإِنَّهُم يَعرِفونَ رَأفَةَ (6)
.
ص: 405
2 / 3جَزاءُ السَّيِّئاتِالكتاب«وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . (1)
«أَوَ لَمَّا أَصَ_بَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَ_ذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ» . (2)
«وَ مَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَا وَ أَهْلُهَا ظَ__لِمُونَ» . (3)
«أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّ_هُمْ فِى الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَ_رَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَ_هُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ» . (4)
«ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءَابَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَ_هُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :المَصائِبُ وَالأَمراضُ وَالأَحزانُ فِي الدُّنيا جَزاءٌ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مَا اختَلَجَ عِرقٌ ولا عَثَرَت قَدَمٌ إلّا بِما قَدَّمَت أيديكُم ، وما يَعفُو اللّهُ عز و جل عَنهُ
.
ص: 406
أكثَرُ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :أما إنَّهُ لَيسَ مِن عِرقٍ يُضرَبُ ولا نَكبَةٍ ولا صُداعٍ ولا مَرَضٍ إلّا بِذَنبٍ ، وذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل في كِتابِهِ : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . قالَ : ثُمَّ قالَ : وما يَعفُو اللّهُ أكثَرُ مِمّا يُؤاخِذُ بِهِ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا يُصيبُ عَبدا نَكبَةٌ فَما فَوقَها أو دونَها إلّا بِذَنبٍ ، وما يَعفُو اللّهُ عَنهُ أكثَرُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ في قَولِهِ تَعالى : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» _: ما مِن خَدشَةِ عودٍ ، ولَا اختِلاجِ عِرقٍ ولا نَكبَةِ حَجَرٍ ، ولا عَثرَةِ قَدَمٍ إلّا بِذَنبٍ ، وما يَعفُو اللّهُ أكثَرُ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» _: لَيسَ مِنِ التِواءِ عِرقٍ ، ولا نَكبَةِ حَجَرٍ ، ولا عَثرَةِ قَدَمٍ ، ولا خَدشِ عودٍ ، إلّا بِذَنبٍ ، ولَما يَعفُو اللّهُ أكثَرُ . (5)
.
ص: 407
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما تَكونُ مِن عِلَّةٍ إلّا مِن ذَنبٍ ، وما يَعفُو اللّهُ عز و جل عَنهُ أكثَرُ . (1)
الأمالي عن عبد اللّه بن محمد عن عقيل :سَمِعتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ زَينَ العابِدينَ عليه السلام يَقولُ : «مَا اختَلَجَ عِرقٌ ولا صُدِعَ مُؤمِنٌ إلّا بِذَنبِهِ ، وما يَعفُو اللّهُ عَنهُ أكثَرُ» . وكانَ إذا رَأَى المَريضَ قَد بَرِئَ قالَ : «لِيَهنِئكَ الطُّهرُ مِنَ الذُّنوبِ ، فَاستَأنِفِ العَمَلَ» . (2)
مسند أبي يعلى عن أبي سُخيلة عن الإمام عليّ عليه السلام :ألا اُخبِرُكُم بِأَفضَلِ آيَةٍ في كِتابِ اللّهِ حَدَّثَني بِها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ قالَ : «مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سَاُفَسِّرُها لَكَ يا عَلِيُّ ، ما أصابَكُم فِي الدُّنيا مِن بَلاءٍ أو مَرَضٍ أو عُقوبَةٍ ، فَاللّهُ أكرَمُ مِن أن يُثَنِّيَ عَلَيكُمُ العُقوبَةَ فِي الآخِرَةِ ، وما عَفا عَنهُ فِي الدُّنيا فَاللّهُ أحلَمُ مِن أن يَعودَ بَعدَ عَفوِهِ . (3)
بحارالأنوار عن المفضّل بن عمر_ في حَديثٍ عَنِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام يَذكُرُ فيهِ حِكمَةَ إنباتِ الشَّعرِ في وَجهِ الرَّجُلِ دونَ المَرأَةِ _: فَقُلتُ : يا مَولايَ ، فَقَد رَأَيتُ مَن يَبقى عَلى حالَتِهِ ولا يَنبُتُ الشَّعرُ في وَجهِهِ وإن بَلَغَ حالَ الكِبَرِ ؟ فَقالَ : ذلِكَ بِما قَدَّمت أيديهِم وإنَّ اللّهَ لَيسَ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ . (4)
.
ص: 408
2 / 4التَّطهيرُ مِنَ الذُّنوبِ لِلمُؤمِنينَرسول اللّه صلى الله عليه و آله :المُؤمِنُ يُكَفَّرُ ذُنوبُهُ بِسَبَبِ الإِيذاءِ وَالمَصائِبِ . (1)
الدرّ المنثور عن أبي إدريس الخولاني :سَأَلتُ عُبادَةَ بنَ الصّامِتِ ، عَن قَولِ اللّهِ : «وَ لَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ» (2) فَقالَ : سَأَلتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنها ، فَقالَ : هِيَ المَصائِبُ وَالأَسقامُ وَالأَنصابُ ، عَذابٌ لِلمُسرِفِ فِي الدُّنيا دونَ عَذابِ الآخِرَةِ . قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، فَما هِيَ لَنا ؟ قالَ : زَكاةٌ وطَهورٌ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ المُؤمِنَ إذا أصابَهُ السُّقمُ ثُمَّ أعفاهُ اللّهُ مِنهُ كانَ كَفّارَةً لِما مَضى مِن ذُنوبِهِ ، ومَوعِظَةً لَهُ فيما يَستَقبِلُ ، وإنَّ المُنافِقَ إذا مَرِضَ ثُمَّ اُعفِيَ كانَ كَالبَعيرِ عَقَلَهُ (4) أهلُهُ ثُمَّ أرسَلوهُ ، فَلَم يَدرِ لِمَ عَقَلوهُ ولَم يَدرِ لِمَ أرسَلوهُ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مَنِ ابتَلاهُ اللّهُ بِبَلاءٍ في جَسَدِهِ فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ (6) . (7)
.
ص: 409
عنه صلى الله عليه و آله :إذا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ ألَمَّ اللّهُ بِهِ الفَقرَ وَالمَرَضَ ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى يُريدُ أن يُصافِيَهُ . (1)
صحيح مسلم عن أبي هريرة :لَمّا نَزَلَت «مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» (2) بَلَغَت مِنَ المُسلِمينَ مَبلَغا شَديدا ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَارِبوا وسَدِّدوا فَفي كُلِّ ما يُصابُ بِهِ المُسلِمُ كَفّارَةٌ حَتَّى النَّكبَةِ يُنكَبُها ، أوِ الشَّوكَةِ يُشاكُها . (3)
صحيح البخاري عن عبد اللّه بن مسعود :دَخَلتُ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ يوعَكُ (4) وَعكا شَديدا فَمَسِستُهُ بِيَدي . فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ لَتوعَكُ وَعكا شَديدا . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجَل . إنّي اُوعَكُ كَما يوعَكُ رَجُلانِ مِنكُم . فَقُلتُ : ذلِكَ ، أنَّ لَكَ أجرَينِ ؟ فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أجَل . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما مِن مُسلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ؛ مَرَضٌ فَما سِواهُ ، إلّا حَطَّ اللّهُ لَهُ سَيِّئاتِهِ ، كَما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَها . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : إنّي إذَا ابتَلَيتُ عَبدا مِن عِبادي مُؤمِنا فَحَمِدَني عَلى مَا ابتَلَيتُهُ ، فَإِنَّهُ يَقومُ مِن مَضجَعِهِ ذلِكَ كَيَومَ وَلَدَتهُ اُمُّهُ مِنَ الخَطايا . ويَقولُ الرَّبُّ عز و جل : أنَا قَيَّدتُ عَبدي وَابتَلَيتُهُ ، وأجرُوا لَهُ كَما كُنتُم تُجرُونَ لَهُ وهُوَ صَحيحٌ . (6)
.
ص: 410
عنه صلى الله عليه و آله :ما يُصيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ (1) ، ولا نَصَبٍ (2) ، ولا سَقَمٍ ، ولا حَزَنٍ ؛ حَتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ ، إلّا كُفِّرَ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :ما يُصيبُ المُسلِمَ ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ، ولا هَمًّ ولا حَزَنٍ ولا أذىً ولا غَمًّ ، حَتَّى الشَّوكَةِ يُشاكُها ، إلّا كَفَّرَ اللّهُ بِها مِن خَطاياهُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَيَبتَلي عَبدَهُ بِالبَلاءِ وَالهَمِّ ، حَتّى يَترُكَهُ مِن ذَنبِهِ كَالفِضَّةِ المُصَفّاةِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الصُّداعَ وَالمَليلَةَ (6) لا تَزالُ بِالمُؤمِنِ ، وإنَّ ذَنبَهُ مِثلُ اُحُدٍ ، فَما تَدَعُهُ وعَلَيهِ مِن ذلِكَ مِثقالُ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن أصابَ فِي الدُّنيا ذَنبا فَعوقِبَ بِهِ ، فَاللّهُ أعدَلُ مِن أن يُثَنِّيَ عُقوبَتَهُ عَلى عَبدِهِ ، ومَن أذنَبَ ذَنبا فِي الدُّنيا فَسَتَرَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، فَاللّهُ أكرَمُ مِن أن يَعودَ في شَيءٍ قَد عَفا عَنهُ . (8)
.
ص: 411
صحيح ابن حبّان عن عائشة :إنَّ رَجُلاً تَلا هذِهِ الآيَةَ : «مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» فَقالَ : إنّا لَنُجزى بِكُلِّ ما عَمِلنا ؟! هَلَكنا إذا ! فَبَلَغَ ذلِكَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : نَعَم ، يُجزى بِهِ فِي الدُّنيا مِن مُصيبَةٍ في جَسَدِهِ مِمّا يُؤذيهِ . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :شَكى نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ إلى رَبِّهِ عز و جل فَقالَ : يا رَبِّ يَكونُ العَبدُ مِن عَبيدِكَ يُؤمِنُ بِكَ ويَعمَلُ بِطاعَتِكَ ، فَتَزوي (2) عَنهُ الدُّنيا ، وتَعرِضُ لَهُ البَلاءَ ، ويَكونُ العَبدُ مِن عَبيدِكَ يَكفُرُ بِكَ ويَعمَلُ بِمَعاصيكَ ، فَتَزوي عَنهُ البَلاءَ وتَعرِضُ لَهُ الدُّنيا . فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ ؛ أنَّ البِلادَ وَالعِبادَ لي ، وأنَّهُ لَيسَ مِن شَيءٍ إلّا يُسَبِّحُني ويُهَلِّلُني ويُكَبِّرُني ، وأمّا عَبدِيَ المُؤمِنُ فَلَهُ سَيِّئاتٌ فَأَزوي عَنهُ الدُّنيا ، وأعرِضُ لَهُ البَلاءَ حَتّى يَأتِيَني فَأَجزِيَهُ بِحَسَناتِهِ ، وأمّا عَبدِيَ الكافِرُ فَلَهُ حَسَناتٌ فَأَزوي عَنهُ البَلاءَ ، وأعرِضُ لَهُ الدُّنيا حَتّى يَأتِيَني فَأَجزِيَهُ بِسَيِّئاتِهِ . (3)
الموطّأ عن يحيى بن سعيد :إنَّ رَجُلاً جاءَهُ المَوتُ في زَمانِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ رَجُلٌ : هَنيئا لَهُ ، ماتَ ولَم يُبتَلَ بِمَرَضٍ! فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : وَيحَكَ ، وما يُدريكَ لَو أنَّ اللّهَ ابتَلاهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما يَزالُ البَلاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ في نَفسِهِ ووَلَدِهِ ومالِهِ ، حَتّى يَلقَى اللّهَ
.
ص: 412
وما عَلَيهِ خَطيئَةٌ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّما مَثَلُ العَبدِ المُؤمِنِ حينَ يُصيبُهُ الوَعكُ أوِ الحُمّى ، كَمَثَلِ حَديدَةٍ تُدخَلُ النّارَ فَيَذهَبُ خَبَثُها ويَبقى طيبُها . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُصيبَةٍ تُصيبُ المُسلِمَ إلّا كَفَّرَ اللّهُ بِها عَنهُ ، حَتَّى الشَّوكَةِ يُشاكُها . (3)
الإمام الحسين عليه السلام :عادَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام سَلمانَ الفارِسِيَّ فَقالَ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، كَيفَ أصبَحتَ مِن عِلَّتِكَ ؟ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أحمَدُ اللّهَ كَثيرا ، وأشكو إلَيكَ كَثرَةَ الضَّجَرِ . قالَ : فَلا تَضجَر يا أبا عَبدِ اللّهِ ، فَما مِن أحَدٍ مِن شيعَتِنا يُصيبُهُ وَجَعٌ إلّا بِذَنبٍ قَد سَبَقَ مِنهُ ، وذلِكَ الوَجَعُ تَطهيرٌ لَهُ . قالَ سَلمانُ : فَإِن كانَ الأَمرُ عَلى ما ذَكَرتَ _ وهُوَ كَما ذَكَرتَ _ فَلَيسَ لَنا في شَيءٍ مِن ذلِكَ أجرٌ خَلَا التَّطهيرَ! قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : يا سَلمانُ ، إنَّ لَكُمُ الأَجرَ بِالصَّبرِ عَلَيهِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللّهِ عَزَّ اسمُهُ ، وَالدُّعاءِ لَهُ، بِهِما يُكتَبُ لَكُمُ الحَسَناتُ ويُرفَع لَكُمُ الدَّرَجاتُ ، وأمَّا الوَجَعُ فَهُوَ خاصَّةً
.
ص: 413
تَطهيرٌ وكَفّارَةٌ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ تَمحيصَ ذُنوبِ شيعَتِنا فِي الدُّنيا بِمِحَنِهِم ، لِتَسلَمَ لَهُم (2) طاعاتُهُم ويَستَحِقّوا عَلَيها ثَوابَها . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :للّهِِ فِي السَّرّاءِ نِعمَةُ التَّفَضُّلِ ، وفِي الضَّرّاءِ نِعمَةُ التَّطَهُّرِ . (4)
عنه عليه السلام :إنَّ المُؤمِنَ لَيُهَوَّلُ عَلَيهِ في نَومِهِ فَيُغفَرُ لَهُ ذُنوبُهُ ، وإنَّهُ لَيُمتَهَنُ في بَدَنِهِ فَيُغفَرُ لَهُ ذُنوبُهُ . (5)
كنز الفوائد عن يونس بن يعقوب :سَمِعتُ الصّادِقَ جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام يَقولُ : مَلعونٌ مَلعونٌ كُلُّ بَدَنٍ لا يُصابُ في كُلِّ أربَعينَ يَوما ، فَقُلتُ : مَلعونٌ ؟! قالَ : مَلعونٌ ، فَلَمّا رَأى عِظَمَ ذلِكَ عَلَيَّ قالَ : يا يونُسُ ، إنَّ مِنَ البَلِيَّةِ الخَدشَةَ ، وَاللَّطمَةَ ، وَالعَثرَةَ ، وَالنَّكبَةَ (6) ، وَالقَفزَةَ (7) ، وَانقِطاعَ الشِّسعِ وأشباهَ ذلِكَ . يا يونُسُ إنَّ المُؤمِنَ أكرَمُ عَلَى اللّهِ تَعالى مِن أن يَمُرَّ عَلَيهِ أربَعونَ يَوما لا يُمَحَّصُ فيها مِن ذُنوبِهِ ، ولَو بِغَمًّ يُصيبُهُ لا يَدري ما وَجهُهُ ، وإنَّ أحَدَكُم لَيَضَعُ الدَّراهِمَ بَينَ يَدَيهِ فَيَراها فَيَجِدُها ناقِصَةً فَيَغتَمُّ بِذلِكَ ، فَيَجِدُها سَواءً فَيَكونُ ذلِكَ حَطّا لِبَعضِ ذُنوبِهِ . (8)
.
ص: 414
الإمام الباقر عليه السلام :لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَهُ «مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» قالَ بَعضُ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما أشَدَّها مِن آيَةٍ . فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أما تُبتَلَونَ في أموالِكُم وأنفُسِكُم وذَرارِيِّكُم ؟ قالوا : بَلى . قالَ : هذا مِمّا يَكُتبُ اللّهُ لَكُم بِهِ الحَسَناتِ ويَمحو بِهِ السَّيِّئاتِ . (1)
عنه عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا كانَ مِن أمرِهِ أن يُكرِمَ عَبدا ولَهُ ذَنبٌ ابتَلاهُ بِالسُّقمِ ، فَإِن لَم يَفعَل ذلِكَ لَهُ ابتَلاهُ بِالحاجَةِ ، فَإِن لَم يَفعَل بِهِ ذلِكَ شَدَّدَ عَلَيهِ المَوتَ لِيُكافِيَهُ بِذلِكَ الذَّنبِ . قالَ : وإذا كانَ مِن أمرِهِ أن يُهينَ عَبدا ولَهُ عِندَهُ حَسَنَةٌ صَحَّحَ بَدَنَهُ ، فَإِن لَم يَفعَل بِهِ ذلِكَ وَسَّعَ عَلَيهِ في رِزقِهِ ، فَإِن هُوَ لَم يَفعَل ذلِكَ بِهِ هَوَّنَ عَلَيهِ المَوتَ لِيُكافِيَهُ بِتِلكَ الحَسَنَةِ . (2)
تفسير القمّي عن الأصبغ بن نباتة عن الإمام عليّ عليه السلام ، قال :سَمِعتُهُ يَقولُ : إنّي اُحَدِّثُكُم بِحَديثٍ يَنبَغي لِكُلِّ مُسلِمٍ أن يَعِيَهُ . ثُمَّ أقبَلَ عَلَينا فَقالَ : ما عاقَبَ اللّهُ عَبدا مُؤمِنا في هذِهِ الدُّنيا إلّا كانَ اللّهُ أحلَمَ وأمجَدَ وأجوَدَ مِن أن يَعودَ في عِقابِهِ يَومَ القِيامَةِ ، وما سَتَرَ اللّهُ عَلى عَبدٍ مُؤمِنٍ في هذِهِ الدُّنيا وعَفا عَنهُ إلّا كانَ اللّهُ أمجَدَ وأجوَدَ وأكرَمَ مِن أن يَعودَ في عُقوبَتِهِ يَومَ القِيامَةِ . ثُمَّ قالَ عليه السلام : وقَد يَبتَلِي اللّهُ المُؤمِنَ بِالبَلِيَّةِ في بَدَنِهِ أو مالِهِ أو وَلَدِهِ أو أهلِهِ ، ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ ...» . (3)
.
ص: 415
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا كَثُرَت ذُنوبُ العَبدِ ولَم يَكُن لَهُ ما يُكَفِّرُها مِنَ العَمَلِ ، ابتَلاهُ اللّهُ عز و جل بِالحُزنِ لِيُكَفِّرَها عَنهُ . (1)
2 / 5التَّكامُلُ لِلأَنبِياءِ وَالأَولِياءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ البَلاءَ ... لِلأَنبِياءِ دَرَجَةٌ ، ولِلأَولِياءِ كَرامَةٌ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :سُئِلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن أشَدُّ النّاسِ بَلاءً فِي الدُّنيا ؟ فَقالَ : النَّبِيّونَ ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، ويُبتَلَى المُؤمِنُ بَعدُ عَلى قَدرِ إيمانِهِ وحُسنِ أعمالِهِ ، فَمَن صَحَّ إيمانُهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ اشتَدَّ بَلاؤُهُ ، ومَن سَخُفَ إيمانُهُ وضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلاؤُهُ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى إذا أحَبَّ عَبدا غَتَّهُ (4) بِالبَلاءِ غَتّا . (5)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ أشَدُّ حِميَةً لِلمُؤمِنِ مِنَ الدُّنيا مِنَ المَريضِ أهلَهُ مِنَ الطَّعامِ ، وَاللّهُ عز و جل
.
ص: 416
أشَدُّ تَعاهُدا لِلمُؤمِنِ بِالبَلاءِ مِنَ الوالِدِ لِوَلَدِهِ بِالخَيرِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :ما ضُرِبَ مِن مُؤمِنٍ عِرقٌ إلّا حَطَّ اللّهُ عَنهُ بِهِ خَطيئَةً ، وكَتَبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةً ، ورَفَعَ لَهُ بِهِ دَرَجَةً . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَ لَتَكونُ لَهُ دَرَجَةٌ رفيعَةٌ مِنَ الجَنَّةِ لا يَنالُها إلّا بِشَيءٍ مِنَ البَلايا تُصيبُهُ ، حَتّى يَنزِلَ بِهِ المَوتُ وما بَلَغَ تِلكَ الدَّرَجَةَ ، فَيُشَدَّدُ عَلَيها حَتّى يَبلُغَها . (3)
عُدّة الداعي :عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه و آله : إنَّ فِي الجَنَّةِ مَنازِلَ لا يَنالُهَا العِبادُ بِأَعمالِهِم ، لَيسَ لَها عِلاقَةٌ مِن فَوقِها ولا عِمادٌ مِن تَحتِها . قيلَ : يا رَسولَ اللّهِ ، مَن أهلُها ؟ فَقالَ صلى الله عليه و آله : هُم أهلُ البَلايا وَالهُمومِ . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى لَيَكتُبُ لِلعَبدِ الدَّرَجَةَ العُليا (5) فِي الجَنَّةِ ، فَلا يَبلُغُها عَمَلُهُ ، فَلا يَزالُ يُتَعَهَّدُ بِالبَلاءِ حَتّى يَبلُغَها . (6)
مسند ابن حنبل عن عبد الرحمن بن شيبة :إنَّ عائِشَةَ أخبَرَتهُ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله طَرَقَهُ وَجَعٌ ، فَجَعَلَ يَشتَكي ويَتَقَلَّبُ عَلى فِراشِهِ . فَقالَت عائِشَةُ : لَو صَنَعَ هذا بَعضُنا
.
ص: 417
لَوَجَدتَ (1) عَلَيهِ. فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إنَّ الصّالِحينَ يُشَدَّدُ عَلَيهِم ، وإنَّهُ لا يُصيبُ مُؤمنا نَكبَةٌ مِن شَوكَةٍ فَما فَوقَ ذلِكَ إلّا حُطَّت بِهِ عَنهُ خَطيئَةٌ ، ورُفِعَ بِها دَرَجَةٌ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الرَّجُلَ تَكونُ لَهُ المَنزِلَةُ عِندَ اللّهِ فَما يَبلُغُها بِعَمَلٍ ، فَلا يَزالُ يَبتَليهِ بِما يَكرَهُ حَتّى يُبَلِّغَهُ ذلِكَ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ العَبدَ إذا سَبَقَت لَهُ مِنَ اللّهِ مَنزِلَةٌ لَم يَبلُغها بِعَمَلِهِ ابتَلاهُ اللّهُ في جَسَدِهِ ، أو في مالِهِ ، أو في وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلى ذلِكَ حَتّى يُبَلِّغَهُ المَنزِلَةَ الَّتي سَبَقَت لَهُ مِنَ اللّهِ تَعالى . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :ما مِن مُؤمِنٍ يُصيبُهُ صُداعٌ في رَأسِهِ أو شَوكَةٌ فَتُؤذيهِ أو ما سِوى ذلِكَ مِنَ الأَذى ، إلّا رَفَعَهُ اللّهُ بِها يَومَ القِيامَةِ دَرَجَةً ، أو كَفَّرَ عَنهُ بِها خَطيئَةً . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَكونُ مُؤمِنا حَتّى تَعُدَّ البَلاءَ نِعمَةً وَالرَّخاءَ مِحنَةً ؛ لِأَنَّ بَلاءَ الدُّنيا نِعمَةٌ فِي
.
ص: 418
الآخِرَةِ ، ورَخاءَ الدُّنيا مِحنَةٌ فِي الآخِرَةِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا أرادَ بِقَومٍ خَيرا ابتَلاهُم . (2)
الطبقات الكبرى عن أبي فاطمة :كُنتُ مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله جالِسا ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن أحَبَّ أن يَصِحَّ ولا يَسقُمَ ؟ قُلنا : نَحنُ يا رَسولَ اللّهِ ، قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَهْ ! وعَرَفناها في وَجهِهِ . فَقالَ : أتُحِبّونَ أن تَكونوا كَالحَميرِ الصَّيّالَةِ ؟ (3) قالَ : قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، لا . قال : ألا تُحِبّونَ أن تَكونوا أصحابَ بَلاءٍ وأصحابَ كَفّاراتٍ ؟ قالوا : بَلى يا رَسولَ اللّهِ . قالَ : فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَوَاللّهِ إنَّ اللّهَ لَيَبتَلِي المُؤمِنَ وما يَبتَليهِ إلّا لِكَرامَتِهِ عَلَيهِ ، وإنَّ لَهُ عِندَهُ مَنزِلَةً ما يَبلُغُها بِشَيءٍ مِن عَمَلِهِ دونَ أن يَنزِلَ بِهِ مِنَ البَلاءِ ما يَبلُغُ بِهِ تِلكَ المَنزِلَةَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ فِي الجَنَّةِ مَنزِلَةً لا يَبلُغُها عَبدٌ إلّا بِالاِبتِلاءِ في جَسَدِهِ (5) . (6)
.
ص: 419
عنه عليه السلام :إنَّهُ لَيَكونُ لِلعَبدِ مَنزِلَةٌ عِندَ اللّهِ فَما يَنالُها إلّا بِإِحدى خَصلَتَينِ : إمّا بِذَهابِ مالِهِ ، أو بِبَلِيَّةٍ في جَسَدِهِ . (1)
الكافي عن عليّ بن رئاب :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» أرَأَيتَ ما أصابَ عَلِيّا وأهلَ بَيتِهِ عليهم السلام مِن بَعدِهِ هُوَ بِما كَسَبَت أيديهِم ، وهُم أهلُ بَيتِ طَهارَةٍ مَعصومونَ ؟ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَتوبُ إلَى اللّهِ ويَستَغفِرُهُ في كُلِّ يَومٍ ولَيلَةٍ مِئَةَ مَرَّةٍ مِن غَيرِ ذَنبٍ ، إنَّ اللّهَ يَخُصُّ أولِياءَهُ بِالمَصائِبِ لِيَأجُرَهُم عَلَيها مِن غَيرِ ذَنبٍ . (2)
الكافي عن ابن بكير :سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام في قَولِ اللّهِ عز و جل : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» فَقالَ هُوَ : «وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» قالَ : قُلتُ : لَيسَ هذا أرَدتُ ، أرَأَيتَ ما أصابَ عَلِيّا وأشباهَهُ مِن أهلِ بَيتِهِ عليهم السلام مِن ذلِكَ ؟ فَقالَ : إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ يَتوبُ إلَى اللّهِ في كُلِّ يَومٍ سَبعينَ مَرَّةً مِن غَيرِ ذَنبٍ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لَمّا اُدخِلَ رَأسُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام عَلى يَزيدَ لَعَنَهُ اللّهُ ، واُدخِلَ عَلَيهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ وبَناتُ أميرِ المُؤمِنينَ عليهم السلام وكانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام مُقَيَّدا مَغلولاً ، فَقالَ يَزيدُ : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، الحَمدُ للّهِِ الَّذي قَتَلَ أباكَ . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : لَعَنَ اللّهُ مَن قَتَلَ أبي ، قالَ : فَغَضِبَ يَزيدُ وأمَرَ بِضَربِ عُنُقِهِ عليه السلام . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : فَإِذا قَتَلتَني فَبَناتُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَن يَرُدُّهُم إلى
.
ص: 420
مَنازِلِهِم ولَيسَ لَهُم مَحرَمٌ غَيري ؟ فَقالَ : أنتَ تَرُدُّهُم إلى مَنازِلِهِم ، ثُمَّ دَعا بِمِبرَدٍ (1) فَأَقبَلَ يَبرُدُ الجامِعَةَ مِن عُنُقِهِ بِيَدِهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ، أتَدري مَا الَّذي اُريدُ بِذلِكَ ؟ قالَ : بَلى ، تُريدُ ألّا يَكونَ لِأَحَدٍ عَلَيَّ مِنَّةٌ غَيرُكَ . فَقالَ يَزيدُ : هذا وَاللّهِ ما أرَدتُ أفعَلُهُ ، ثُمَّ قالَ يَزيدُ : يا عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . فَقالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : كَلّا ، ما هذِهِ فينا نَزَلَت ، إنَّما نَزَلَت فينا : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ» (2) فَنَحنُ الَّذين لا نَأسى عَلى ما فاتَنا ولا نَفرَحُ بِما آتانا مِنها . (3)
مقاتل الطالبّيين :دَعا يَزيدُ _ لَعَنَهُ اللّهُ _ بِعَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَقالَ : مَا اسمُكَ ؟ فَقالَ : عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ . قالَ : أوَ لَم يَقتُلِ اللّهُ عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ ؟ قالَ : قَد كانَ لي أخٌ أكبَرُ مِنّي يُسَمّى عَلِيّا ، فَقَتَلتُموهُ . قالَ : بَلِ اللّهُ قَتَلَهُ . قالَ عَلِيٌّ : «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا» . (4)
.
ص: 421
قالَ لَهُ يَزيدُ : «وَ مَا أَصَ_بَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» . (1) فَقالَ عَلِيٌّ : «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَ_بٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ وَ اللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» . (2)
الإمام الحسن عليه السلام :سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يُقالُ لَها شَجَرَةُ البَلوى ، يُؤتى بِأَهلِ البَلاءِ يَومَ القِيامَةِ ، فَلا يُرفَعُ لَهُم ديوانٌ (3) ولا يُنصَبُ لَهُم ميزانٌ ، يُصَبُّ عَلَيهِمُ الأَجرُ صَبّا ، وقَرَأَ : «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّ_بِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (4) . (5)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: ... اِعلَم أنَّ بَلاياهُ مَحشُوَّةٌ بِكَراماتِهِ الأَبَدِيَّةِ ، ومِحَنَهُ مورِثَةٌ رِضاهُ وقُربَهُ ولَو بَعدَ حينٍ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :البَلاءُ زَينُ المُؤمِنِ ، وكَرامَةٌ لِمَن عَقَلَ ؛ لِأَنَّ في مُباشَرَتِهِ وَالصَّبرِ عَلَيهِ وَالثَّباتِ عِندَهُ تَصحيحَ نِسبَةِ الإِيمانِ . قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : نَحنُ مَعاشِرَ الأَنبِياءِ أشَدُّ بَلاءً ، وَالمُؤمِنُ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ ، ومَن ذاقَ طَعمَ البَلاءِ تَحتَ سِترِ حِفظِ اللّهِ لَهُ تَلَذَّذَ بِهِ أكثَرَ مِن تَلَذُّذِهِ بِالنِّعمَةِ ، ويَشتاقُ إلَيهِ إذا
.
ص: 422
فَقَدَهُ ؛ لِأَنَّ تَحتَ نيرانِ البَلاءِ وَالمِحنَةِ أنوارَ النِّعمَةِ ، وتَحتَ أنوارِ النِّعمَةِ نيرانَ البَلاءِ وَالمِحنَةِ ، وقَد يَنجو مِنهُ كَثيرٌ ، ويَهلِكُ فِي النِّعمَةِ كَثيرٌ . وما أثنَى اللّهُ تَعالى عَلى عَبدٍ مِن عِبادِهِ مِن لَدُن آدَمَ عليه السلام إلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إلّا بَعدَ ابتِلائِهِ ووَفاءِ حَقِّ العُبودِيَّةِ فيهِ ، فَكَراماتُ اللّهِ تَعالى فِي الحَقيقَةِ نِهاياتٌ ، بِداياتُها البَلاءُ ، وبِداياتٌ نِهاياتُهَا البَلاءُ . ومَن خَرَجَ مِن شَبَكَةِ البَلوى جُعِلَ سِراجَ المُؤمِنينَ ومُؤنِسَ المُقَرَّبينَ ، ودَليلَ القاصِدينَ. (1)
عنه عليه السلام :مَنِ ابتُلِيَ مِنَ المُؤمِنينَ بِبَلاءٍ فَصَبَرَ عَلَيهِ ، كانَ لَهُ مِثلُ أجرِ ألفِ شَهيدٍ . (2)
الكافي عن أحمد بن الحسن الميثميّ عن رجل عَنِ الإمام الصادق عليه السلام :مَن مَرِضَ لَيلَةً فَقَبِلَها بِقَبولِها ، كَتَبَ اللّهُ عز و جل لَهُ عِبادَةَ سِتّينَ سَنَةً . قُلتُ : ما مَعنى قَبولِها ؟ قالَ : لا يَشكو ما أصابَهُ فيها إلى أحَدٍ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ لَيَتَعاهَدُ عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما يَتَعاهَدُ الغائِبُ أهلَهُ بِالطُّرَفِ ، وإنَّهُ لَيَحميهِ الدُّنيا ، كَما يَحمِي الطَّبيبُ المَريضَ . (4)
.
ص: 423
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ تَعالى يَتَعَهَّدُ عَبدَهُ المُؤمِنَ في نَفسِهِ ومالِهِ بِالبَلاءِ ، كَما تَتَعَهَّدُ الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ ، وإنَّهُ لَيَحمي عَبدَهُ المُؤمِنَ مِنَ الدُّنيا ، كَما يَحمِي الطَّبيبُ المَريضَ مِنَ الطَّعامِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ يَتَعاهَدُ وَلِيَّهُ بِالبَلاءِ ، كَما يَتَعاهَدُ المَريضَ أهلُهُ بِالدَّواءِ ، وإنَّ اللّهَ لَيَحمي عَبدَهُ الدُّنيا كَما يُحمَي المَريضُ الطَّعامَ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ لَيَتَعاهَدُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، ما يَمُنُّ عَلَيهِ أن يَقومَ لَيلَةً إلّا تَعاهَدَهُ إمّا بِمَرَضٍ في جَسَدِهِ ، أو بِمُصيبَةٍ في أهلٍ أو مالٍ ، أو مُصيبَةٍ مِن مَصائِبِ الدُّنيا ؛ لِيَأجُرَهُ عَلَيها . (4)
2 / 6ما يوجِبُ مِحَنَ المُستَضعَفينَالكتاب«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَ_ائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْىِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» . (5)
«وَمَا لَكُمْ لَا تُقَ_تِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَ نِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَ_ذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ
.
ص: 424
نَصِيرًا» . (1)
«وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَ_لَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» . (2)
«فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَ_مًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّة بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا» . (3)
«وَ أَمَّا الْغُلَ_مُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَ_نًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا» . (4)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا لَم يَأمُروا بِالمَعروفِ ولَم يَنهَوا عَن المُنكَرِ ، ولَم يَتَّبِعُوا الأَخيارَ مِن أهلِ بَيتي ، سَلَّطَ اللّهُ عَلَيهِم شِرارَهُم ، فَيَدعو خِيارُهُم فَلا يُستَجابُ لَهُم . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :لا يَزالُ النّاسُ بِخَيرٍ ما أمَروا بِالمَعروفِ ونَهَوا عَنِ المُنكَرِ وتَعاوَنوا عَلَى البِرِّ والتَّقوى ، فَإِذا لَم يَفعَلوا ذلِكَ نُزِعَت مِنهُمُ البَرَكاتُ ، وسُلِّطَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، ولَم يَكُن لَهُم ناصِرٌ فِي الأَرضِ ولا فِي السَّماءِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ الأَحبارَ مِنَ اليَهودِ وَالرُّهبانَ مِنَ النَّصارى لَمّا تَرَكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ عَلى لِسانِ أنبِيائِهِم ثُمَّ عُمُّوا بِالبَلاءِ . (7)
.
ص: 425
الترغيب والترهيب عن أنس عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لا تَزالُ «لا إلهَ إلَا اللّهُ» تَنفَعُ مَن قالَها ، وتَرُدُّ عَنهُمُ العَذابَ وَالنَّقِمَةَ ، ما لَم يَستَخِفّوا بِحَقِّها . قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، ومَا الاِستِخفافُ بِحَقِّها ؟ قالَ : يَظهَرُ العَمَلُ بِمَعاصِي اللّهِ ، فَلا يُنكَرُ ، ولا يُغَيَّرُ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :_ مِن وَصِيَّتِهِ لِلحَسَنَينِ عليهماالسلام بَعدَ أن ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ _: لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ثُمَّ تَدعونَ فَلا يُستَجابُ لَكُم . (2)
قصص الأنبياء عن ابن عبّاس :قالَ عُزَيرٌ : يا رَبِّ إنّي نَظَرتُ في جَميعِ اُمورِكَ وأحكامِها فَعَرَفتُ عَدلَكَ بِعَقلي وبَقِيَ بابٌ لَم أعرِفهُ إنَّكَ تَسخَطُ عَلى أهلِ البَلِيَّةِ فَتَعُمُّهُم بِعَذابِكَ وفيهِمُ الأَطفالُ فَأَمَرَهُ اللّهُ تَعالى أن يَخرُجَ إلَى البَرِّيَّةِ وكانَ الحَرُّ شَديدا فَرَأى شَجَرَةً فَاستَظَلَّ بِها ونامَ فَجاءَت نَملَةٌ فَقَرَصَتهُ فَدَلَكَ الأَرضَ بِرِجلِهِ فَقَتَلَ مِنَ النَّملِ كَثيرا فَعَرَفَ أنَّهُ مَثَلٌ ضُرِبَ فَقيلَ لَهُ : يا عُزَيرُ إنَّ القَومَ إذَا استَحَقّوا عَذابي قَدَّرتُ نُزولَهُ عِندَ انقِضاءِ آجالِ الأَطفالِ فَماتَ اُولئِكَ بِآجالِهِم وهَلَكَ هؤُلاءِ بِعَذابي (3) . (4)
.
ص: 426
الاحتجاج :مِن سُؤالِ الزِّنديقِ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ : . . . فَبِمَا استَحَقَّ الطِّفلُ الصَّغيرُ ما يُصيبُهُ مِنَ الأَوجاعِ وَالأَمراضِ بِلا ذَنبٍ عَمِلَهُ ولا جُرمٍ سَلَفَ مِنهُ ؟ قالَ : إنَّ المَرَضَ عَلى وُجوهٍ شَتّى : مَرَضُ بَلوى ومَرَضُ عُقوبَةٍ ومَرَضٌ جُعِلَ عِلَّةً لِلفَناءِ ، وأنتَ تَزعُمُ أنَّ ذلِكَ مِن أغذِيَةٍ رَدِيَّةٍ وأشرِبَةٍ وَبِيَّةٍ أو مِن عِلَّةٍ كانَت بِاُمِّهِ ... . (1)
.
ص: 427
الفصل الثّالِثُ : عوامل الشّرور3 / 1الجَهلُالكتاب«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (1)
«وَ قَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَ_بِ السَّعِيرِ» . (2)
«وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ» . (3)
«تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَ لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ أصلُ كُلِّ شَرٍّ . (5)
عنه عليه السلام :بِالجَهلِ يُستَثارُ كُلُّ شَرٍّ . (6)
.
ص: 428
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الجَهلُ رَأسُ الشَّرِّ كُلِّهِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ مَعدِنُ الشَّرِّ . (2)
عنه عليه السلام :السَّفَهُ (3) يَجلِبُ الشَّرَّ . (4)
3 / 2الكُفرُ«إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» . (5)
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَ_تٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَ_كِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَ_هُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . (6)
3 / 3غَضَبُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذا غَضِبَ اللّهُ عَلى اُمَّةٍ ولَم يُنزِل بِهَا العَذابَ ، غَلَت أسعارُها ، وقَصُرَت أعمارُها ، ولَم تَربَح تُجّارُها ، ولَم تَزكُ ثِمارُها ، ولَم تَغزُر أنهارُها ، وحُبِسَ عَنها أمطارُها ، وسُلِّط عَلَيها شِرارُها . (7)
.
ص: 429
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل إذا غَضِبَ عَلى اُمَّةٍ لَم يُنزِل بِها عَذابَ خَسفٍ ولا مَسخٍ، (1) غَلَت أسعارُها ، ويُحبَسُ عَنها أمطارُها ، ويَلي عَلَيها أشرارُها (2) . (3)
3 / 4النَّفسُ الأَمّارَةُ بِالسّوءِالكتاب«إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إِلَا مَا رَحِمَ رَبِّى إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (4) .
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :تَكَلَّفوا فِعلَ الخَيرِ وجاهِدوا نُفوسَكُم عَلَيهِ ، فَإِنَّ الشَّرَّ مَطبوعٌ عَلَيهِ الإِنسانُ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ النَّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِ وَالفَحشاءِ ، فَمَنِ ائتَمَنَها خانَتهُ ، ومَنِ استَنامَ إلَيها أهلَكَتهُ ، ومَن رَضِيَ عَنها أورَدَتهُ شَرَّ المَوارِدِ . (6)
عنه عليه السلام :الشَّرُّ كامِنٌ في طَبيعَةِ كُلِّ أحَدٍ ، فَإِن غَلَبَهُ صاحِبُهُ بَطَنَ ، وإن لَم يَغلِبهُ ظَهَرَ . (7)
عنه عليه السلام :اِقمَعوا هذِهِ النُّفوسَ ، فَإِنَّها طُلَعَةٌ (8) ، إن تُطيعوها تَزِغ بِكُم إلى شَرِّ غايَةٍ . (9)
عنه عليه السلام_ فى ذِكرِ حَديثِ مِعراجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله _: قالَ اللّهُ تَعالى : ... يا أحمَدُ لا تَزَيَّن بِلينِ
.
ص: 430
اللِّباسِ (1) ، وطيبِ الطَّعامِ ، ولينِ الوِطاءِ ، فَإِنَّ النَّفسَ مَأوى كُلِّ شَرٍّ ، ورَفيقُ كُلِّ سوءٍ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّكُم إن أطَعتُم أنفُسَكُم نَزَعَت بِكُم إلى شَرِّ غايَةٍ . (3)
عنه عليه السلام_ مِن كِتابِهِ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ _: فَقَد أجرَيتَ إلى غايَةِ خُسرٍ ، ومَحَلَّةِ كُفرٍ ، فَإِنَّ نَفسَكَ قَد أولَجَتكَ (4) شَرّا ، وأقحَمَتكَ (5) غَيّا (6) ، وأورَدَتكَ المَهالِكَ ، وأوعَرَت عَلَيكَ المَسالِكَ . (7)
3 / 5مَساوِئُ الأَخلاقِأ _ الحِرصُالإمام عليّ عليه السلام :الحِرصُ رَأسُ الفَقرِ ، واُسُّ الشَّرِّ . (8)
عنه عليه السلام :لا تُشرِكَنَّ في مَشورَتِكَ حَريصا يُهَوِّنُ عَلَيكَ الشَّرَّ ، ويُزَيِّن لَكَ الشَّرَهَ (9) . (10)
ب _ الطَّمَعُالإمام عليّ عليه السلام :الطَّمَعُ أوَّلُ الشَّرِّ . (11)
.
ص: 431
عنه عليه السلام :مِلاكُ الشَّرِّ الطَّمَعُ . (1)
عنه عليه السلام :جَمالُ الشَّرِّ الطَّمَعُ . (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: كُلَّما نَقَصَ مِنَ القَناعَةِ زادَ فِي الرَّغبَةِ وَالطَّمَعِ ، وَالطَّمَعُ وَالرَّغبَةُ فِي الدُّنيا أصلانِ لِكُلِّ شَرٍّ . (3)
ج _ الشَّرَهُالإمام عليّ عليه السلام :الشَّرَهُ اُسُّ كُلِّ شَرًّ . (4)
عنه عليه السلام :الشَّرَهُ داعِيَةُ الشَّرِّ . (5)
عنه عليه السلام :لِكُلِّ شَيءٍ بَذرٌ ، وبَذرُ الشَّرِّ الشَّرَهُ . (6)
عنه عليه السلام :يُستَدَلُّ عَلى شَرِّ الرَّجُلِ بِكَثرَةِ شَرَهِهِ وشِدَّةِ طَمَعِهِ . (7)
عنه عليه السلام :إيّاكُم ودَناءَةَ الشَّرَهِ وَالطَّمَعِ ، فَإِنَّهُ رَأسُ كُلِّ شَرٍّ ، ومَزرَعَةُ الذُّلِّ ، ومُهينُ النَّفسِ ، ومُتعِبُ الجَسَدِ . (8)
د _ الغَضَبُالإمام عليّ عليه السلام :بِئسَ القَرينُ الغَضَبُ ؛ يُبدِي المَعايِبَ ، ويُدنِي الشَّرَّ ، ويُباعِدُ الخَيرَ . (9)
.
ص: 432
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :خَيرُ الرِّجالِ مَن كانَ بَطيءَ الغَضَبِ سَريعَ الرِّضا ، وشَرُّ الرِّجالِ مَن كانَ سَريعَ الغَضَبِ بَطيءَ الرِّضا . (1)
الإمام الصادق عليه السلام :الغَضَبُ مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :الغَضَبُ شَرٌّ ، إن أطَعتَهُ دَمَّرَ . (3)
ه _ الحِقدُالإمام عليّ عليه السلام :سِلاحُ الشَّرِّ الحِقدُ . (4)
عنه عليه السلام :الغِلُّ (5) بَذرُ الشَّرِّ . (6)
عنه عليه السلام :شَرُّ ما اُلقِيَ فِي القُلوبِ الغُلولُ . (7)
و _ المِراءُالإمام عليّ عليه السلام :المِراءُ (8) بَذرُ الشَّرِّ . (9)
.
ص: 433
عنه عليه السلام :جِماعُ الشَّرِّ اللَّجاجُ (1) وكَثرَةُ المُماراةِ . (2)
مصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: المِراءُ داءٌ دَوِيٌّ ولَيسَ فِي الإِنسانِ خَصلَةٌ بِشَرٍّ مِنهُ ، وهُوَ خُلُقُ إبليسَ ونِسبَتُهُ ، فَلا يُماري في أيِّ حالٍ كانَ إلّا مَن كانَ جاهِلاً بِنَفسِهِ وبِغَيرِهِ ، مَحروما مِن حَقائِقِ الدّينِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام_ لِمُحَمَّدِ بنِ النُّعمانِ _: يَابنَ النُّعمانِ ، إيّاكَ وَالمِراءَ فَإِنَّهُ يُحبِطُ عَمَلَكَ ، وإيّاكَ وَالجِدالَ فَإِنَّهُ يوبِقُكَ (4) ، وإيّاكَ وكَثرَةَ الخُصوماتِ فَإِنَّها تُبعِدُكَ مِنَ اللّهِ . (5)
ز _ اللُّؤمُالإمام عليّ عليه السلام :اللُّؤمُ اُسُّ الشَّرِّ . (6)
عنه عليه السلام :اللَّئيمُ لا يُرجى خَيرُهُ ، ولا يُسلَمُ مِن شَرِّهِ ، ولا يُؤمَنُ مِن غَوائِلِهِ (7) . (8)
عنه عليه السلام :شَرُّ النّاسِ مَنِ ادَّرَعَ اللُّؤمَ ، ونَصَرَ الظَّلومَ . (9)
ح _ اللَّجاجُالإمام عليّ عليه السلام :اللَّجاجُ بَذرُ الشَّرِّ . (10)
.
ص: 434
عنه عليه السلام :جِماعُ الشَّرِّ اللَّجاجُ وكَثرَةُ المُماراةِ . (1)
ط _ المَكرُالإمام عليّ عليه السلام :مَن أمِنَ المَكرَ لَقِيَ الشَّرَّ . (2)
ي _ قِلَّةُ الحَياءِمصباح الشريعة_ فيما نَسَبَهُ إلَى الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام _: قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «الحَياءُ مِنَ الإِيمانِ ، وَالإِيمانُ بِالحَياءِ» . وصاحِبُ الحَياءِ خَيرٌ كُلُّهُ ، ومَن حُرِمَ الحَياءَ فَهُوَ شَرٌّ كُلُّهُ ، وإن تَعَبَّدَ وتَوَرَّعَ (3) . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :رَأسُ كُلِّ شَرٍّ القِحَةُ (5) . (6)
عنه عليه السلام :القِحَةُ عُنوانُ الشَّرِّ . (7)
ك _ الكَسَلُ وَالضَّجَرُالإمام الباقر عليه السلام :إيّاكَ وَالكَسَلَ وَالضَّجَرَ ، فَإِنَّهُما مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ؛ مَن كَسِلَ لَم يُؤَدِّ حَقا ، ومَن ضَجِرَ لَم يَصبِر عَلى حَقٍّ . (8)
.
ص: 435
ل _ غَلَبَةُ الشَّهوَةِالإمام عليّ عليه السلام :سَبَبُ الشَّرِّ غَلَبَةُ الشَّهوَةِ .
م _ سوءُ الظَّنِّالإمام عليّ عليه السلام :سوءُ الظَّنِّ يُفسِدُ الاُمورَ ، ويَبعَثُ عَلَى الشُّرورِ . (1)
عنه عليه السلام :سوءُ الظَّنِّ بِالمُحسِنِ ، شَرُّ الإِثمِ وأقبَحُ الظُّلمِ . (2)
الإمام الرضا عليه السلام :أحسِن بِاللّهِ الظَّنَّ ، فَإِنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : أنَا عِندَ ظَنِّ عَبدي ، إن خَيرا فَخَيرٌ ، وإن شَرّا فَشَرٌّ . (3)
ن _ حُبُّ الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :الدُّنيا مَعدِنُ الشَّرِّ ومَحَلُّ الغُرورِ . (4)
عنه عليه السلام :الدُّنيا مَزرَعَةُ الشَّرِّ . (5)
س _ تِلكَ الخِصالُالإمام عليّ عليه السلام :جِماعُ الشَّرِّ فِي الاِغتِرارِ بِالمَهَلِ ، وَالاِتِّكالِ عَلَى الأمَل (6) . (7)
عنه عليه السلام :النِّفاقُ عَلى أربَعِ دَعائِمَ : عَلَى الهَوى ، وَالهُوَينا (8) ، وَالحَفيظَةِ (9) ، وَالطَّمَعِ .
.
ص: 436
فَالهَوى عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى البَغيِ ، وَالعُدوانِ ، وَالشَّهوَةِ ، وَالطُّغيانِ ، فَمَن بَغى كَثُرَت غَوائِلُهُ وتُخُلِّيَ مِنهُ وقُصِرَ عَلَيهِ ، ومَنِ اعتَدى لَم يُؤمَن بَوائِقُهُ ولَم يَسلَم قَلبُهُ ولَم يَملِك نَفسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ ، ومَن لَم يَعدِل نَفسَهُ فِي الشَّهواتِ خاضَ فِي الخَبيثاتِ ، ومَن طَغى ضَلَّ عَلى عَمدٍ بِلا حُجَّةٍ . وَالهُوَينا عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى الغِرَّةِ ، وَالأَمَلِ ، وَالهَيبَةِ ، وَالمُماطَلَةِ ، وذلِكَ بِأَنَّ الهَيبَةَ تَرُدُّ عَنِ الحَقِّ ، وَالمُماطَلَةَ تُفَرِّطُ فِي العَمَلِ حَتّى يَقدَمَ عَلَيهِ الأَجَلُ ، ولَولَا الأَمَلُ عَلِمَ الإِنسانُ حَسَبَ ما هُوَ فيهِ ، ولَو عَلِمَ حَسَبَ ما هُوَ فيهِ ماتَ خُفاتا مِنَ الهَولِ وَالوَجَلِ ، وَالغِرَّةَ تَقصُرُ بِالمَرءِ عَنِ العَمَلِ . وَالحَفيظَةُ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : عَلَى الكِبرِ وَالفَخرِ وَالحَمِيَّةِ (1) وَالعَصَبِيَّةِ ، فَمَنِ استَكبَرَ أدبَرَ عَنِ الحَقِّ ، ومَن فَخَرَ فَجَرَ ، ومَن حَمِيَ أصَرَّ عَلَى الذُّنوبِ ، ومَن أخَذَتهُ العَصَبِيَّةُ جارَ ، فَبِئسَ الأَمرُ أمرٌ بَينَ إدبارٍ وفُجورٍ ، وإصرارٍ وجَورٍ عَلَى الصِّراطِ . وَالطَّمَعُ عَلى أربَعِ شُعَبٍ : الفَرَحِ ، وَالمَرَحِ وَاللَّجاجَةِ وَالتَّكاثُرِ ؛ فَالفَرَحُ مَكروهٌ عِندَ اللّهِ، وَالمَرَحُ خُيَلاءُ ، وَاللَّجاجَةُ بَلاءٌ لِمَنِ اضطَرَّتهُ إلى حَملِ الآثامِ وَالتَّكاثُرُ لَهوٌ و لَعِبٌ وشُغُلٌ ، وَاستِبدالُ الَّذي هُوَ أدنى بِالَّذي هُوَ خَيرٌ . (2)
عنه عليه السلام :الخِلالُ المُنتِجَةُ لِلشَّرِّ : الكَذِبُ وَالبُخلُ وَالجَورُ وَالجَهلُ . (3)
الإمام الباقر عليه السلام :مَن اُعطِيَ الخُلُقَ وَالرِّفقَ فَقَد اُعطِيَ الخَيرَ وَالرّاحَةَ ، وحَسُنَ حالُهُ
.
ص: 437
في دُنياهُ وآخِرَتِهِ ، ومَن حُرِمَ الخُلُقَ وَالرِّفقَ كانَ ذلِكَ سَبيلاً إلى كُلِّ شَرٍّ وبَلِيَّةٍ ، إلّا مَن عَصَمَهُ اللّهُ . (1)
3 / 6مَساوِئُ الأَعمالِأ _ شُربُ الخَمرِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :جُمِعَ الشَّرُّ كُلُّهُ في بَيتٍ ، وجُعِلَ مِفتاحُهُ شُربَ الخَمرِ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :الخَمرُ جِماعُ الإِثمِ ، واُمُّ الخَبائِثِ ، ومِفتاحُ الشَّرِّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :الشُّربُ مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ، ومُدمِنُ الخَمرِ كَعابِدِ وَثَنٍ ، وإنَّ الخَمرَ رَأسُ كُلِّ إثمٍ ، وشارِبَها مُكَذِّبٌ بِكِتابِ اللّهِ تَعالى ، لَو صَدَّقَ كِتابَ اللّهِ حَرَّمَ حرَامَهُ . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :(5) : شارِبُ المُسكِرِ مِنَ الأَشرارِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :الخَمرُ لَن تَزيدَ شارِبَها إلّا كُلَّ شَرٍّ . (7)
.
ص: 438
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِلشَّرِّ أقفالاً ، وجَعَلَ مَفاتيحَ تِلكَ الأَقفالِ الشَّرابَ . (1)
الإمام الصادق عليه السلام_ لَمّا سَأَلَهُ الزِّنديقُ : لِمَ حَرَّمَ اللّهُ الخَمرَ _: حَرَّمَها لِأَنَّها اُمُّ الخَبائِثِ ورَأسُ كُلِّ شَرٍّ ، يَأتي عَلى شارِبِها ساعَةٌ يُسلَبُ لُبُّهُ (2) ، ولا يَعرِفُ رَبَّهُ ، ولا يَترُكُ مَعصِيَةً . (3)
عنه عليه السلام :المُضطَرُّ لا يَشرَبِ الخَمرَ لِأَنَّها لا تَزيدُهُ إلّا شَرّا ؛ ولِأَنَّهُ إن شَرِبَها قَتَلَتهُ ، فَلا يَشرَب مِنها قَطرَةً . (4)
ب _ الكَذِبُالإمام عليّ عليه السلام :عاقِبَةُ الكَذِبِ الذَّمُّ ، وفِي الصِّدقِ السَّلامَةُ ، وعاقِبَةُ الكَذِبِ شَرُّ عاقِبَةٍ . (5)
عنه عليه السلام :شَرُّ الأَخلاقِ الكَذِبُ وَالنِّفاقُ . (6)
عنه عليه السلام :شَرُّ الشِّيَمِ (7) الكَذِبُ . (8)
.
ص: 439
عنه عليه السلام :لا سَوأَةَ (1) أسوَأُ مِنَ الكَذِبِ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِلشَّرِّ أقفالاً ، وجَعَلَ مَفاتيحَ تِلكَ الأَقفالِ الشَّرابَ ، وَالكَذِبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرابِ . (3)
ج _ إطلاقُ اللِّسانِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :رَحِمَ اللّهُ مُؤمِنا أمسَكَ لِسانَهُ مِن كُلِّ شَرٍّ ، فَإِنَّ ذلِكَ صَدَقَةٌ مِنهُ عَلى نَفسِهِ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إن كانَ في شَيءٍ شُؤمٌ ، فَفِي اللِّسانِ . (5)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ أبو ذَرٍّ _ رَحِمَهُ اللّهُ _ يَقولُ : يا مُبتَغِيَ العِلمِ إنَّ هذَا اللِّسانَ مِفتاحُ خَيرٍ ومِفتاحُ شَرٍّ ، فَاختِم عَلى لِسانِكَ كَما تَختِمُ عَلى ذَهَبِكَ ووَرِقِكَ (6) . (7)
.
ص: 440
الإمام عليّ عليه السلام :لا تَقولَنَّ ما يُوافِقُ هَواكَ وإن قُلتَهُ لَهوا أو خِلتَهُ لَغوا ، فَرُبَّ لَهوٍ يوحِشُ مِنكَ حُرّا ، ولَغوٍ يَجلِبُ عَلَيكَ شَرّا . (1)
عنه عليه السلام :رُبَّ لَغوٍ يَجلِبُ شَرّا . (2)
3 / 7شَياطينُ الجِنِّ وَالإِنسِأ _ وَسوَسَةُ الشَّيطانِالكتاب«الشَّيْطَ_نُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ لِلشَّيطانِ لَمَّةً (4) بِابنِ آدَمَ ولِلمَلَكِ لَمَّةً ، فَأَمّا لَمَّةُ الشَّيطانِ فَإِيعادٌ بِالشَّرِّ وتَكذيبٌ بِالحَقِّ ، وأمّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعادٌ بِالخَيرِ وتَصديقٌ بِالحَقِّ ، فَمَن وَجَدَ ذلِكَ فَليَعلَم أنَّهُ مِنَ اللّهِ فَليَحمَدِ اللّهَ ، ومَن وَجَدَ الاُخرى فَليَتَعَوَّذ بِاللّهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ . (5)
.
ص: 441
عنه صلى الله عليه و آله :[إنَّ] (1) لِلشَّيطانِ كُحلاً ولَعوقا (2) ، فَإِذا كَحَّلَ الإِنسانَ مِن كُحلِهِ نامَت عَيناهُ عَنِ الذِّكرِ ، وإذا لَعَّقَهُ مِن لَعوقِهِ ذَرِبَ (3) لِسانُهُ بِالشَّرِّ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ إبليسَ يَخطُبُ شَياطينَهُ ويَقولُ : عَلَيكُم بِاللَّحمِ وَالمُسكِرِ وَالنِّساءِ ، فَإِنّي لا أجِدُ جِماعَ الشَّرِّ إلّا فيها . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :إنّ لِلقَلبِ اُذُنَينِ : روحُ الإِيمانِ يُسارُّهُ بِالخَيرِ ، وَالشَّيطانُ يُسارُّهُ بِالشَّرِّ ، فَأَيُّهُما ظَهَرَ عَلى صاحِبِهِ غَلَبَهُ . (6)
ب _ بِطانَةُ السّوءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما بَعَثَ اللّهُ مِن نَبِيٍّ ولَا استَخلَفَ مِن خَليفَةٍ إلّا كانَت لَهُ بِطانَتانِ ، بِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمَعروفِ وتَحُضُّهُ عَلَيهِ ، وبِطانَةٌ تَأمُرُهُ بِالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيهِ ، فَالمَعصومُ مَن عَصَمَ اللّهُ تَعالى . (7)
3 / 8تِلكَ الأَعمالُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن وُقِيَ شَرَّ ثَلاثٍ فَقَد وُقِيَ الشَّرَّ كُلَّهُ : لَقلَقِهِ وقَبقَبِهِ وذَبذَبِهِ ؛ فَلَقلَقُهُ
.
ص: 442
لِسانُهُ ، وقَبقَبُهُ بَطنُهُ ، وذَبذَبُهُ فَرجُهُ . (1)
المُوطّأ عن عطاء بن يسار :إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن وَقاهُ اللّهُ شَرَّ اثنَينِ وَلَجَ الجَنَّةَ . فَقالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّهِ ، لا تُخبِرُنا ؟ فَسَكَتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ عادَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ مِثلَ مَقالَتِهِ الاُولى . فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ : لا تُخبِرُنا يا رَسولَ اللّهِ ؟ فَسَكَتَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله . ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِثلَ ذلِكَ أيضا . فَقالَ الرَّجُلُ : لا تُخبِرُنا يا رَسولَ اللّهِ ؟ ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِثلَ ذلِكَ أيضا . ثُمَّ ذَهَبَ الرَّجُلُ يَقولُ مِثلَ مَقالَتِهِ الاُولى فَأَسكَتَهُ رَجُلٌ إلى جَنبِهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن وَقاهُ اللّهُ شَرَّ اثنَينِ وَلَجَ الجَنَّةَ ، ما بَينَ لَحيَيهِ وما بَينَ رِجلَيهِ ، ما بَينَ لَحيَيهِ وما بَينَ رِجلَيهِ ، ما بَينَ لَحيَيهِ وما بَينَ رِجلَيهِ . (2)
عيسى عليه السلام :بِحَقٍّ أقولُ لَكُم : إنَّ المِدحَةَ بِالكَذِبِ وَالتَّزكِيَةَ فِي الدّينِ ، لَمِن رَأسِ الشُّرورِ المَعلومَةِ . (3)
.
ص: 443
الفصل الرّابِعُ : موانع الشّرور4 / 1المَعرِفَةُالكتاب«قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْ_ئا وَبِالْوَ لِدَيْنِ إِحْسَ_نًا وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَ_دَكُم مِّنْ إِمْلَ_قٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَ حِشَ مَاظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَا بِالْحَقِّ ذَ لِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مَن لَم يَعرِف مَضَرَّةَ الشَّرِّ ، لَم يَقدِر عَلَى الاِمتِناعِ مِنهُ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :اِدفَع عَن نَفسِكَ حاضِرَ الشَّرِّ بِحاضِرِ العِلمِ . (3)
الإمام الكاظم عليه السلام :يا هِشامُ ، كانَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَقولُ : ما عُبِدَ اللّهُ بِشَيءٍ أفضَلَ مِنَ العَقلِ ، وما تَمَّ عَقلُ امرِئٍ حَتّى يَكونَ فيهِ خِصالٌ شَتّى ، الكُفرُ وَالشَّرُّ مِنهُ
.
ص: 444
مَأمونانِ ... . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في بَيانِ ثَمَراتِ العِلمِ _: ومِن ثَمَراتِهِ تَركُ الاِنتِقامِ عِندَ القُدرَةِ ، وَاستِقباحُ مُقارَبَةِ الباطِلِ ، وَاستِحسانُ مُتابَعَةِ الحَقِّ ، وقَولُ الصِّدقِ ، وَالتَّجافي عَن سُرورٍ في غَفلَةٍ ، وعَن فِعلِ ما يُعَقِّبُ نَدامَةً ، وَالعِلمُ يَزيدُ العاقِلَ عَقلاً ويورِثُ مُتَعَلِّمَهُ صِفاتِ حَمدٍ ، فَيَجعَلُ الحَليمَ أميرا ، وذَا المَشوَرَةِ وَزيرا ، ويَقمَعُ الحِرصَ ، ويَخلَعُ المَكرَ ، ويُميتُ البُخلَ ، ويَجعَلُ مُطلَقَ الفُحشِ مَأسورا ، ويُعيدُ السَّدادَ قَريبا . (2)
راجع : ص 479 (مبادى ء السعادة / المعرفة) .
4 / 2الإِيمانُالكتاب«كَذَ لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» . (3)
«وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَ_اءِ لَيَبْغِى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّ__لِحَ_تِ وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ» . (4)
«إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَ_طِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» . (5)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وإنَّ صَنائِعَ المَعروفِ تَقي مَصارِعَ السَّوءِ ، وإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزيدُ فِي العُمُرِ وتَقِي الفَقرَ وأكثِروا مِن قَولِ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ
.
ص: 445
إلّا بِاللّهِ، فَإِنَّها كَنزٌمِن كُنوزِ الجَنَّةِ، وإنَّ فيها شَفاءً مِن تِسعَةٍ وتِسعينَ داءً ، أدناهَا الهَمُّ. (1)
الإمام عليّ عليه السلام :المُؤمِنونَ خَيراتُهُم مَأمولَةٌ ، وشُرورُهُم مَأمونَةٌ . (2)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أعَفُّ النّاسِ قِتلَةً، (3) أهلُ الإِيمانِ . (4)
الكافي عن عليّ بن سويد :كَتَبتُ إلى أبِي الحَسَنِ موسى عليه السلام وهُوَ فِي الحَبسِ كِتابا أسأَلُهُ عَن حالِهِ وعَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ ، فَاحتُبِسَ الجَوابُ عَلَيَّ أشهُرا ، ثُمَّ أجابَني بِجَوابٍ هذِهِ نُسخَتُهُ : ... لَيسَ مِن أخلاقِ المُؤمِنينَ الغِشُّ ولَا الأَذى ولَا الخِيانَةُ ولَا الكِبرُ ولَا الخَنا (5) ولَا الفُحشُ (6) ولَا الأَمرُ بِهِ . (7)
راجع : ص 480 (مبادى ء السعادة / الإيمان) .
4 / 3محَاسِنُ الأَخلاقِأ _ التَّقوىالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ المُتَّقينَ _: المُتَّقونَ ... قُلوبُهُم مَحزونَةٌ،وشُرورُهُم مَأمونَةٌ. (8)
.
ص: 446
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عُبِدَ اللّهُ بِمِثلِ العَقلِ ، وما تَمَّ عَقلُ امرِئٍ حَتّى يَكونَ فيهِ عَشرُ خِصالٍ ، الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ ... . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في وَصفِ المُتَّقينَ _: الخَيرُ مِنهُ مَأمولٌ ، وَالشَّرُّ مِنهُ مَأمونٌ . (2)
عنه عليه السلام_ في وَصفِ المُتَّقينَ _: مُقبِلاً خَيرُهُ مُدبِرا شَرُّهُ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في جُملَةِ خَبرٍ طَويلٍ ومَسائِلَ كَثيرَةٍ سَأَلَ عَنها شَمعونُ بنُ لاوِيَ بنِ يَهودا مِن حَوارِيِّي عيسى عليه السلام فَأَجابَهُ صلى الله عليه و آله _: ... وأمَّا الصِّيانَةُ فَيَتَشَعَّبُ مِنهَا : الصَّلاحُ ، وَالتَّواضُعُ ، وَالوَرَعُ ، وَالإِنابَةُ ، وَالفَهمُ ، وَالأَدَبُ ، وَالإِحسانُ ، وَالتَّحَبُّبُ ، وَالخَيرُ ، وَاجتِنابُ الشَّرِ (4) ، فَهذا ما أصابَ العاقِلَ بِالصِّيانَةِ . (5)
ب _ الحَياءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في خَبرٍ طَويلٍ ومَسائِلَ كَثيرَةٍ سَأَلَهُ عَنها راهِبٌ يُعرَفُ بِشَمعونَ بنِ لاوِيَ بنِ يَهودا مِن حَوارِيِّي عيسى عليه السلام فَأَجابَهُ صلى الله عليه و آله _: ... أمَّا الحَياءُ فَيَتَشَعَّبُ مِنهُ : اللّينُ ، وَالرَّأفَةُ ، وَالمُراقَبَةُ للّهِِ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، وَالسَّلامَةُ ، وَاجتِنابُ الشَّرِّ ،
.
ص: 447
وَالبَشاشَةُ ، وَالسَّماحَةُ ، وَالظَّفَرُ . (1)
ج _ حُسنُ العِشرَةِالإمام الصادق عليه السلام : «وَ قُولُواْ لِلنَّاسِ» كُلِّهِم «حُسْنًا» مُؤمِنِهِم ومُخالِفِهِم ، أمَّا المُؤمِنونَ فَيَبسُطُ لَهُم وَجهَهُ وبِشرَهُ ، وأمَّا المُخالِفونَ فَيُكَلِّمُهُم بِالمُداراةِ لِاجتِذابِهِم إلَى الإِيمانِ ، فَإِن يَيأَس مِن ذلِكَ يَكُفَّ شُرورَهُم عَن نَفسِهِ وعَن إخوانِهِ المُؤمِنينَ . (2)
د _ مُكافَحَةُ الحِقدِالإمام عليّ عليه السلام :اُحصُدِ الشَّرَّ مِن صَدرِ غَيرِك بِقَلعِهِ مِن صَدرِكَ . (3)
ه _ الاِتِّكالُ عَلَى اللّهِبحار الأنوار نقلاً عَن صُحُفِ إدريسَ عليه السلام :مَن أتَى الأَمرَ مُتَبَرِّئا مِن حَولِهِ وقُوَّتِهِ ، استَكثَرَ الخَيرَ وأمِنَ مِن تَوابِعِ الشَّرِّ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن وَثِقَ بِاللّهِ أراهُ السُّرورَ ، ومَن تَوَكَّلَ عَلَيهِ كَفاهُ الاُمورَ ، وَالثِّقَةُ بِاللّهِ حِصنٌ لا يَتَحَصَّنُ فيهِ إلّا مُؤمِنٌ أمينٌ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللّهِ نَجاةٌ مِن كُلِّ سوءٍ ، وحِرزٌ مِن كُلِّ عَدُوٍّ . (5)
.
ص: 448
الكافي عن إبراهيم بن عبد الحميد :مَرَّ بي مُعَتِّبٌ ومَعَهُ خاتَمٌ ، فَقُلتُ لَهُ : أيُّ شَيءٍ هذا ؟ فَقالَ : خاتَمُ أبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام ، فَأَخَذتُ لِأَقرَأَ ما فيهِ ، فَإِذا فيه : اللّهُمَّ أنتَ ثِقَتي ، فَقِني شَرَّ خَلقِكَ . (1)
جامع الأخبار :إنَّ أعرابِيّا جاءَ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام وقالَ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، قَد ضَمِنتُ دِيَةً كامِلَةً وعَجَزتُ عَن أدائِها ، فَقُلتُ في نَفسي : أسأَلُ أكرَمَ النّاسِ ، وما رَأَيتُ أكرَمَ مِن أهلِ بَيتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : يا أخَا العَرَبِ ، أسأَلُكَ عَن ثَلاثِ مَسائِلَ ، فَإِن أجَبتَ عَن واحِدَةٍ أعطَيتُكَ ثُلُثَ المالِ ، وإن أجَبتَ عَنِ اثنَتَينِ أعطَيتُكَ ثُلُثَيِ المالِ ، وإن أجَبتَ عَنِ الكُلِّ أعطَيتُكَ الكُلَّ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : يَابنَ رَسولِ اللّهِ ، أمِثلُكَ يَسأَلُ عَن مِثلي وأنتَ مِن أهلِ بَيتِ العِلمِ وَالشَّرَفِ ؟ فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : بَلى ، سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : المَعروفُ بِقَدرِ المَعرِفَةِ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : سَل عَمّا بَدا لَكَ ، فَإِن أجَبتُ وإلّا تَعَلَّمتُ مِنكَ ، ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : أيُّ الأَعمالِ أفضَلُ ؟ فَقالَ الأَعرابِيُّ : الإِيمانُ بِاللّهِ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَمَا النَّجاةُ مِنَ المَهلَكَةِ ؟
.
ص: 449
فَقالَ الأَعرابِيُّ : الثِّقَةُ بِاللّهِ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَما يُزَيِّنُ الرَّجُلَ ؟ فَقالَ الأَعرابِيُّ : عِلمٌ مَعَهُ حِلمٌ . فَقالَ : فَإِن أخطَأَهُ ذلِكَ ؟ فَقالَ : مالٌ مَعَهُ مُرُوءَةٌ . فَقالَ : فَإِن أخطَأَهُ ذلِكَ ؟ فَقالَ : فَقرٌ مَعَهُ صَبرٌ . فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَإِن أخطَأَهُ ذلِكَ . فَقالَ الأَعرابِيُّ : فَصاعِقَةٌ تَنزِلُ مِنَ السَّماءِ فَتُحرِقُهُ فَإِنَّهُ أهلٌ لِذلِكَ. فَضَحِكَ الحُسَينُ عليه السلام ورَمى بِصُرَّةٍ إلَيهِ فيها ألفُ دينارٍ ، وأعطاهُ خاتَمَهُ ، وفيهِ فَصٌّ قيمَتُهُ مِئَتا دِرهَمٍ . (1)
4 / 4مَحاسِنُ الأَعمالِأ _ طاعَةُ اللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ طاعَةَ اللّهِ نَجاحٌ مِن كُلِّ خَيرٍ يُبتَغى ، ونَجاةٌ مِن كُلِّ شَرٍّ يُتَّقى . (2)
.
ص: 450
ب _ الخَيرِالإمام عليّ عليه السلام :مَن لَبِسَ الخَيرَ تَعَرّى مِنَ الشَّرِّ . (1)
عنه عليه السلام :لَم يَتَعَرَّ مِنَ الشَّرِّ مَن لَم يَتَجَلبَبِ الخَيرَ . (2)
عنه عليه السلام :لَن تَتَحَقَّقَ الخَيرَ حَتّى تَتَبَرَّأَ مِنَ الشَّرِّ . (3)
عنه عليه السلام :عَزيمَةُ الخَيرِ تُطفِئُ نارَ الشَّرِّ . (4)
عنه عليه السلام :مَن دَفَعَ الشَّرَّ بِالخَيرِ غَلَبَ . (5)
عنه عليه السلام :ضادُّوا الشَّرَّ بِالخَيرِ . (6)
تنبيه الخواطر عن لقمان :يا بُنَيَّ ، الشَّرُّ لا يُطفَأُ بِالشَّرِّ كَالنّارِ لا تُطفَأُ بِالنّارِ ، ولكِنَّهُ يُطفَأُ بِالخَيرِ كَالنّارِ تُطفَأُ بِالماءِ . (7)
تنبيه الخواطر عن لقمان :يا بُنَيَّ ، كَذَبَ مَن قالَ : إنَّ الشَّرَّ يُطفِئُ الشَّرَّ ، فَإِن كانَ صادِقا فَليوقِد نارَينِ ثُمَّ لِيَنظُر هَل تُطفِئُ إحداهُمَا (8) الاُخرى! وإنَّما يُطفِئُ الخَيرُ الشَّرَّ كَما يُطفِئُ الماءُ النّارَ . (9)
.
ص: 451
ج _ صُحبَةُ الأَخيارِالإمام عليّ عليه السلام :صاحِبِ الأَخيارَ ، تَأمَن مِنَ الأَشرارِ . (1)
عنه عليه السلام :لَيسَ شَيءٌ أدعى لِخَيرٍ وأنجى مِن شَرٍّ ، مِن صُحبَةِ الأَخيارِ . (2)
د _ الصَّدَقَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :الصَّدَقَةُ تَسُدُّ بِها سَبعينَ بابا مِنَ الشَّرِّ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ لا إلهَ إلّا هُوَ ، لَيَدفَعُ بِالصَّدَقَةِ الدّاءَ وَالدُّبَيلَةَ (4) وَالحَرَقَ وَالغَرَقَ وَالهَدمَ وَالجُنونَ . وعَدَّ صلى الله عليه و آله سَبعينَ بابا مِنَ السّوءِ . (5)
ه _ قِراءَةُ القُرآنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :البَيتُ إذا قُرِئَ فيهِ القُرآنُ حَضَرَتهُ المَلائِكَةُ وتَنَكَّبَت عَنهُ الشَّياطينُ ، وَاتَّسَعَ عَلى أهلِهِ ، وكَثُرَ خَيرُهُ وقَلَّ شَرُّهُ . وإنَّ البَيتَ إذا لَم يُقرَأ فيهِ حَضَرَتهُ الشَّياطينُ وتَنَكَّبَت عَنهُ المَلائِكَةُ ، وضاقَ عَلى أهلِهِ ، وقَلَّ خَيرُهُ وكَثُرَ شَرُّهُ . (6)
.
ص: 452
و _ دَفعُ الغيبَةِ عَنِ المُؤمِنِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا ومَن تَطَوَّلَ عَلى أخيهِ في غيبَةٍ سَمِعَها فيهِ في مَجلِسٍ فَرَدَّها عَنهُ ، رَدَّ اللّهُ عَنهُ ألفَ بابٍ مِنَ الشَّرِّ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَإِن هُوَ لَم يَرُدَّها وهُوَ قادِرٌ عَلى رَدِّها ، كانَ عَلَيهِ كَوِزرِ مَنِ اغتابَهُ سَبعينَ مَرَّةً . (1)
ز _ زِيارَةُ الحُسَينِ عليه السلاممصباح المتهجّد عن ابن ميثم التمّار عن الإمام الباقر عليه السلام :مَن زارَ الحُسَينَ عليه السلام ، أو قالَ : مَن زارَ لَيلَةَ عَرَفَةَ أرضَ كَربَلاءَ وأقامَ بِها حَتّى يُعَيِّدَ ثُمَّ يَنصَرِفَ ، وَقاهُ اللّهُ شَرَّ سَنَتِهِ . (2)
ح _ تِلكَ الأَعمالُالإمام عليّ عليه السلام :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن صَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ يَومَ الجُمُعَةِ قَبلَ الصَّلاةِ ، يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ فاتِحَةَ الكِتابِ عَشرَ مَرّاتٍ ... ثُمَّ يَقولُ : سُبحانَ اللّهِ وَالحمَدُ للّهِِ ولا إلهَ إلَا اللّهُ وَاللّهُ أكبَرُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ مِئَةَ مَرَّةٍ ، ويُصَلّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِئَةَ مَرَّةٍ . قالَ صلى الله عليه و آله : مَن صَلّى هذِهِ الصَّلاةَ وقالَ هذَا القَولَ ، دَفَعَ اللّهُ عَنهُ شَرَّ أهلِ السَّماءِ وشَرَّ أهلِ الأَرضِ، وشَرَّ الشَّياطينِ وشَرَّ كُلِّ سُلطانٍ جائِرٍ (3) وقَضَى اللّهُ لَهُ سَبعينَ حاجَةً... . (4)
.
ص: 453
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن صامَ أيّامَ البيضِ مِن رَجَبٍ أو قامَ لَيالِيَها ، ويُصَلّي لَيلَةَ النِّصفِ مِئَةَ رَكعَةٍ ، يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» عَشرَ مَرّاتٍ ، فَإِذا فَرَغَ مِن هذِهِ الصَّلاةِ استَغفَرَ سَبعينَ مَرَّةً ، رُفِعَ عَنهُ شَرُّ أهلِ السَّماءِ ، وشَرُّ أهلِ الأَرضِ ، وشَرُّ إبليسَ وجُنودِهِ ... . (1)
الأمالي عن عليّ بن عمر العطّار :دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ العَسكَرِيِّ عليه السلام يَومَ الثُّلاثاءِفَقالَ : لَم أرَكَ أمسِ ! قُلتُ : كَرِهتُ الحَرَكَةَ في يَومِ الإِثنَينِ . قالَ : يا عَلِيُّ ، مَن أحَبَّ أن يَقِيَهُ اللّهُ شَرَّ يَومِ الإِثنَينِ ، فَليَقرَأ في أوَّلِ رَكعَةٍ مِن صَلاةِ الغَداةِ : «هَل أتى عَلَى الإنسانِ» ، ثُمَّ قَرَأَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام : «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَ لِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا» (2) . (3)
ط _ الاِستِعانَةُ بِاللّهِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :«لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» كَنزٌ مِن كُنوزِ الجَنَّةِ ، مَن قالَها أذهَبَ اللّهُ عَنهُ سَبعينَ بابا مِنَ الشَّرِّ أدناهَا الهَمُّ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله_ في الدُّعاءِ _: يا مُنيرُ يا مُبينُ يا رَبِّ ، اكفِني شَرَّ الشُّرورِ وآفاتِ الدُّهورِ ،
.
ص: 454
وأسأَلُكَ النَّجاةَ يَومَ يُنفَخُ فِي الصّورِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :إذا هَمَّ أحَدُكُم بِالأَمرِ فَليَركَع رَكعَتَينِ مِن غَيرِ الفَريضَةِ ، ثُمَّ لِيَقُل : اللّهُمَّ إنّي أستَخيرُكَ بِعِلمِكَ وأستَقدِرُكَ بِقُدرَتِكَ وأسأَلُكَ مِن فَضلِكَ العَظيمِ ، فَإِنَّكَ تَقدِرُ ولا أقدِرُ ، وتَعلَمُ ولا أعلَمُ وأنتَ عَلّامُ الغُيوبِ . اللّهُمَّ إن كُنتَ تَعلَمُ أنَّ هذَا الأَمرَ خَيرٌ لي في ديني ومَعاشي وعاقِبَةِ أمري _ أو قالَ : عاجِلِ أمري وآجِلِهِ _ فَاقدِرهُ لي ويَسِّرهُ لي ثُمَّ بارِك لي فيهِ ، وإن كُنتَ تَعلَمُ أنَّ هذَا الأَمرَ شَرٌّ لي في ديني ومَعاشي وعاقِبَةِ أمري _ أو قالَ : في عاجِلِ أمري وآجِلِهِ _ فَاصرِفهُ عَنّي وَاصرِفني عَنهُ ، وَاقدِر لِيَ الخَيرَ حَيثُ كانَ ثُمَّ أرضِني بِهِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :اللّهُمَّ اهدِني لِأَرشَدِ الاُمورِ ، وقِني شَرَّ نَفسي ، اللّهُمَّ أوسِع لي في رِزقي ، وَامدُد لي في عُمُري . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الدُّعاءِ _: اِصرِف عَنّي شَرَّ كُلِّ ذي شَرٍّ إلى خَيرِ ما لا يَملِكُهُ أحَدٌ سِواكَ ، وَاحتَمِل عَنّي مُفتَرَضاتِ حُقوقِ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ أيضا _: ... أسأَلُكَ خَوفا تُعينُني بِهِ عَلى حُدودِ رِضاكَ ،
.
ص: 455
وأسأَلُكَ الأَخذَ بِأَحسَنِ ما أعلَمُ ، وَالتَّركَ لِشَرِّ ما أعلَمُ ، وَالعِصمَةَ لي مِن أن أعصِيَ وأنا أعلَمُ ... . (1)
عنه عليه السلام _ في دُعائِهِ يَومَ الخَميسِ _ :اللّهُمَّ فَكَما أبقَيتَني لَهُ فَأَبقِني لِأَمثالِهِ ، وصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ولا تَفجَعني فيهِ وفي غَيرِهِ مِنَ اللَّيالي وَالأَيّامِ ، بِارتِكابِ المَحارِمِ وَاكتِسابِ المَآثِمِ ، وَارزُقني خَيرَهُ وخَيرَ ما فيهِ وخَيرَ ما بَعدَهُ ، وَاصرِف عَنّي شَرَّهُ وشَرَّ ما فيهِ وشَرَّ ما بَعدَهُ . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ومَن أرادَني بِسوءٍ فَاصرِفهُ عَنّي ، وَادحَر عَنّي مَكرَهُ ، وَادرَأ عَنّي شَرَّهُ ، ورُدَّ كَيدَهُ في نَحرِهِ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ عافِني بِأَحسَنِ عافِيَتِكَ ، وَارزُقني مِن فَضلِكَ ، وَاكفِني شَرَّ جَميعِ خَلقِكَ . (4)
عنه عليه السلام_ مِن دُعائِهِ فِي الصَّباحِ وَالمَساءِ _: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ووَفِّقنا في يَومِنا هذا ولَيلَتِنا هذِهِ وفي جَميعِ أيّامِنا لِاستعِمالِ الخَيرِ ، وهِجرانِ الشَّرِّ ، وشُكرِ النِّعَمِ ، وَاتِّباعِ السُّنَنِ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، وحَبِّب إلَيَّ ما رَضيتَ لي ، ويَسِّر لي ما أحلَلتَ بي ، وطَهِّرني مِن دَنَسِ ما أسلَفتُ ، وَامحُ عَنّي شَرَّ ما قَدَّمتُ ، وأوجِدني حَلاوَةَ
.
ص: 456
العافِيَةِ ، وأذِقني بَردَ السَّلامَةِ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنَّكَ مَن والَيتَ لَم يَضرُرهُ خِذلانُ الخاذِلينَ ، ومَن أعطَيتَ لَم يَنقُصهُ مَنعُ المانِعينَ ، ومَن هَدَيتَ لَم يُغوِهِ إضلالُ المُضِلّينَ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَامنَعنا بِعِزِّكَ منِ عِبادِكَ ، وأغنِنا عَن غَيرِكَ بِإِرفادِكَ (2) . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن أضغاثِ الأَحلامِ ، وأن يَلعَبَ بِيَ الشَّيطانُ فِي اليَقَظَةِ وَالمَنامِ ، بِاسمِ اللّهِ تَحَصَّنتُ ، وبِالحَيِّ الَّذي لا يَموتُ مِن شَرِّ ما أخافُ وأحذَرُ ، ورَمَيتُ مَن يُريدُ بي سوءا أو مَكروها مِن بَينِ يَدَيَّ ، بِلا (4) حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ سَهِّل لي حُزونَةَ (6) أمري ، وذَلِّل لي صُعوبَتَهُ ، وأعطِني مِنَ الخَيرِ أكثَرَ مِمّا أرجو ، وَاصرِف عَنّي مِنَ الشَّرِّ أكثَرَ مِمّا أخافُ وأحذَرُ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ . (7)
عنه عليه السلام :اِكفِني شَرَّ الشَّيطانِ ، وشَرَّ السُّلطانِ ، وسَيِّئاتِ عَمَلي . (8)
.
ص: 457
عنه عليه السلام :نَسأَلُكَ اللّهُمَّ أن تُلهِمَنَا الخَيرَ وتُعطِيَناهُ ، وأن تَصرِفَ عَنَّا الشَّرَّ وتَكفِيَناهُ ، وأن تَدحَرَ (1) عَنَّا الشَّيطانَ وتُبعِدَناهُ . (2)
الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِما _ إذا هَمَّ بِأَمرِ حَجٍّ أو عُمرَةٍ أو بَيعٍ أو شِراءٍ أو عِتقٍ ، تَطَهَّرَ ثُمَّ صَلّى رَكعَتَيِ الاِستِخارَةِ ، فَقَرَأَ فيهِما بِسورَةِ الحَشرِ وبِسورَةِ الرَّحمنِ ، ثُمَّ يَقرَأُ المُعَوِّذَتَينِ و«قُل هُوَ اللّهُ أحَدٌ» إذا فَرَغَ وهُوَ جالِسٌ في دُبُرِ الرَّكعَتَينِ . ثُمَّ يَقولُ : اللّهُمَّ إن كانَ كَذا وكَذا خَيرا لي في ديني ودُنيايَ وعاجِلِ أمري وآجِلِهِ ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ويَسِّرهُ لي عَلى أحسَنِ الوُجوهِ وأجمَلِها ، اللّهُمَّ وإن كانَ كَذا وكَذا شَرّا لي في ديني ودُنيايَ وآخِرَتي وعاجِلِ أمري وآجِلِهِ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَاصرِفهُ عَنّي ، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَاعزِم لي عَلى رُشدي وإن كَرِهتُ ذلِكَ أو أبَتهُ نَفسي . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام يَدعو بِهذَا الدُّعاءِ : اللّهُمَّ ... ادفَع عَنّي شَرَّ الحَسَدَةِ . (4)
عنه عليه السلام :قُل في كُلِّ يَومٍ مِن رَجَبٍ صَباحا ومَساءً ، وفي أعقابِ صَلَواتِكَ وفي يَومِكَ ولَيلَتِكَ : يا مَن أرجوهُ لِكُلِّ خَيرٍ وآمَنُ سَخَطَهُ عِندَ كُلِّ شَرٍّ ... أعطِني بِمَسأَلَتي إيّاكَ جَميعَ خَيرِ الدُّنيا وجَميعَ خَيرِ الآخِرَةِ ، وَاصرِف عَنّي بِمَسأَلَتي إيّاكَ جَميعَ شَرِّ
.
ص: 458
الدُّنيا وشَرِّ الآخِرَةِ . (1)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ أن تَصرِفَ عَنّي شَرَّ كُلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ ، وشَرَّ كُلِّ شَيطانٍ مَريدٍ ، وشَرَّ كُلِّ ضَعيفٍ مِن خَلقِكَ وشَديدٍ ، ومِن شَرِّ السّامَّةِ وَالهامَّةِ (2) وَاللّامَّةِ (3) وَالخاصَّةِ وَالعامَّةِ ، ومِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ صَغيرَةٍ أو كَبيرَةٍ بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ ، ومِن شَرِّ فَسَقَةِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، ومِن شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإِنسِ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . (4)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... ارزُقني مِنَ الخَيرِ فَوقَ ما أرجو ، وَاصرِف عَنّي مِنَ الشَّرِّ فَوقَ ما أحذَرُ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ ... أطلُبُ إلَيكَ أن تُعَرِّفَني ما عَرَّفتَ أولِياءَكَ في مَنزِلي هذا ، وأن تَقِيَني جَوامِعَ الشَّرِّ . (6)
عنه عليه السلام :يا عَلِيُّ يا عَظيمُ ، يا رَحمانُ يا رَحيمُ ، يا سامِعَ الدَّعَواتِ ، يا مُعطِيَ الخَيراتِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأعطِني مِن خَيرِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ما أنتَ أهلُهُ ، وَاصرِف عَنّي مِن شَرِّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ما أنتَ أهلُهُ . (7)
.
ص: 459
الإمام الكاظم عليه السلام :اللّهُمَّ كَما كَفَيتَ نَبِيَّكَ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله هَولَ عَدُوِّهِ ، وفَرَّجتَ هَمَّهُ وكَشَفتَ غَمَّهُ ، وصَدَقتَهُ وَعدَكَ ، وأنجَزتَ لَهُ مَوعِدَكَ بِعَهدِكَ ، اللّهُمَّ بِذلِكَ فَاكفِني هَولَ هذِهِ السَّنَةِ وآفاتِها ، وأسقامَها وفِتنَتَها وشُرورَها ، وأحزانَها وضيقَ المَعاشِ فيها ، وبَلِّغني بِرَحمَتِكَ كَمالَ العافِيَةِ بِتَمامِ دَوامِ العافِيَةِ وَالنِّعمَةِ عِندي إلى مُنتَهى أجَلي . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :اللّهُمَّ ادفَع عَن وَلِيِّكَ وخَليفَتِكَ ، وحُجَّتِكَ عَلى خَلقِكَ ، ولِسانِكَ المُعَبِّرِ عَنكَ النّاطِقِ بِحُكمِكَ ، وعَينِكَ النّاظِرَةِ بِإِذنِكَ وشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ ، الجَحجاحِ (2) المُجاهِدِ العائِذِ بِكَ العابِدِ عِندَكَ ، وأعِذهُ مِن شَرِّ جَميعِ ما خَلَقتَ وبَرَأتَ وأنشَأتَ وصَوَّرتَ . (3)
الإمام المهديّ عليه السلام :اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ الأَخيارِ في آناءِ اللَّيلِ وأطرافِ النَّهارِ ، وَاكفِني شَرَّ الأَشرارِ . (4)
راجع : ص 486 (مبادى السعادة / محاسن الأخلاق والأعمال) .
.
ص: 460
. .
ص: 461
القسم الرّابع : العدل ، والسَّعادة والشَّقاوةالفصل الأَوَّلُ : معنى السّعادة والشّقاوةالفصل الثّاني : مبادئ السّعادةالفصل الثّالِثُ : مبادئ الشّقاء
.
ص: 462
. .
ص: 463
المدخلكلمة السعادة مشتقّة من مادّة «س ع د» بمعنى «الخير» ، «الفرح» و«اليُمن» ، والشقاء ضدّها . يصرّح ابن فارس في هذا المجال : السين والعين والدالّ أصل يدلّ على خير وسرور ، خلاف النحس ، فالسعد : اليُمن في الأمر . (1) وذكر حول مادّة الشقاء : الشين والقاف والحرف المعتلّ أصل يدلّ على المعاناة ، وخلاف السهولة والسعادة . (2) ويقول ابن منظور : السعد : اليُمن ، وهو نقيض النحس ، والسعودة خلاف النحوسة ، والسعادة خلاف الشقاوة . (3) والسعيد في نظر العرف هو الّذي يتمتّع بما يعتبره الناس خيرا . على هذا الأساس يمكننا تفسير السعادة بالحصول على الخير والكمال ، والشقاء بالوقوع في على الشرّ والنقص ، وعليه فما ورد في تفسير الخير والشرّ وبيان المعيار
.
ص: 464
في تحديدهما في الرؤية الإسلاميّة (1) موافق أيضا للتفسير المذكور للسعادة والشقاء . ونظرا للآيات الكريمة والروايات الشريفة الواردة في هذا القسم ، نرى من الضروريّ بيان معنى السعادة والشقاء في المذاهب المختلفة وفي الرؤية الإسلاميّة .
السعادة والشقاء في المذاهب المختلفةتقدم أن السعادة هي الحصول على الخير والكمال ، والشقاء هو الابتلاء بالشرّ والنقص ، وعليه فيمكننا القول فيما يتعلّق بهذا التعريف الكلّي إنّه لا خلاف فيه بين المذاهب الفكرية المختلفة ، وانما وقع الخلاف بينها في تفسير مصاديق الخير والشرّ ، والنقص والكمال . وقد حظيت هذه المسألة منذ القدم وحتّى اليوم باهتمام الباحثين والفلاسفة ، وعلى سبيل المثال ، فإنّ السعادة ليست سوى اللّذة من وجهة نظر أبيقورس (2) ، فقد كان يعتبر اللّذة غاية الإنسان ، ويؤكّد أنّ اللّذة خير مطلق ، يجب أن تكرّس جميع أفعال الإنسان باتّجاه اكتسابها ، نعم مراده من اللّذة هو كسب الفضائل واللّذات الروحيّة . (3) ويرى أرسطو أنّ السعادة هي رعاية الحدّ الوسط ، أو الاعتدال . (4) ويرى بينشه أنّ الكمال ما هو إلّا القوّة . (5) وكان اسبينوزا يعتبر السعادة والكمال صيانة الذات . 6
.
ص: 465
وبشكلٍ عام يمكن القول إنّ المذاهب المختلفة _ عدا النظرة الاسلامية _ على قسمين ؛ فطائفة ترى أنّ اللذائذ والكمالات المعنويّة هي السعادة ، فيما هناك طائفة اُخرى تراها في اللذائذ الماديّة ، وأمّا النظرة الإسلاميّة فهي كالتالي :
السعادة والشقاء في الرؤية الإسلاميةمن خلال نظرة إجماليّة إلى الآيات والروايات الواردة في هذا الفصل ، يتّضح أنّ التمتّع بخصوص اللذائذ الماديّة ليس هو السعادة حسب الرؤية الإسلاميّة ، كما أنّ التمتّع بخصوص اللذائذ المعنويّة لا يُعدّ سعادة كاملة أيضا ، بل إنّ التمتّع باللذائذ الماديّة والمعنويّة معا في الدنيا والآخرة هو كمال السعادة . وفي المقابل ، فكلّ ما يحطّ التمتّع المادّي أو المعنويّ للإنسان في الدنيا والآخرة ، يعدّ شقاء . بعبارة اُخرى ، فإنّ الإسلام هو برنامج تكامل الجسم والروح ، المادّة والمعنى ، والضامن لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة إلى جانب بعضهما البعض ، على هذا الأساس فإنّ ما يؤدّي إلى سرور الإنسان ورخائه المادّي _ على شرط ألّا يكون مضرّا بحياته المعنويّة وحياته الاُخرويّة _ يعتبر سعادة ، وفي المقابل فإنّ ما يؤدّي إلى عناء الإنسان ومشقّته الماديّة يُسمّى شقاءً ، شريطة ألّا يكون أرضيّة لتأمين حياته المعنويّة ورخائه الأكمل . على هذا ، فإنّ ما جاء في الروايات في بيان مصاديق السعادة (1) ، مثل : الوجه الحسن ، الزوجة الجميلة والصالحة ، البيت الواسع والدابّة الحسنة ، كذلك ما جاء في بيان الشقاء (2) ، مثل : الزوجة غير الصالحة ، الدار الضيّقة ، الدابّة غير المناسبة ؛ إنما هو بعض مصاديق السعادة والشقاء .
.
ص: 466
حقيقة السعادة والشقاءالملاحظة المهمّة الّتي تستحقّ الاهتمام في تفسير السعادة والشقاء ، هي أنّ السعادة والشقاء الاُخرويّين لا يمكن مقارنتهما مع السعادة والشقاء الدنيويّين ؛ لأنّ لذائذ الدنيا ومعاناتها ناقصة وزائلة حتّى وإن عظمتا ، في حين أنّ آلام الآخرة ولذائذها أكثر كمالاً من الدنيا ودائمين ، لذلك نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام في بيان السعادة الحقيقيّة : حَقيقَةُ السَّعادَةِ أَن يَختِمَ الرَّجُلُ عَمَلَهُ بِالسَّعادَةِ . (1) وروي عنه عليه السلام أيضا في بيان الشقاء الحقيقي : حَقيقةُ الشَّقاءِ أَن يَختِمَ المَرءُ عَمَلَهُ بِالشَّقاءِ . (2) وهذا يعني أنّ اللذائذ والآلام الدنيويّة لا تستحقّ اسم السعادة والشقاء الحقيقيّين بسبب كونها عرضيّة وزائلة ، كما جاء في حديثٍ منسوبٍ إليه عليه السلام : الّذي يَستَحِقُّ اسمَ السَّعادَةِ على الحَقيقَةِ سَعادَةُ الآخِرَةِ ، وَهي أَربَعةُ أَنواعٍ : بَقاءٌ بِلا فَناءٍ ، وَعِلمٌ بَلا جَهلٍ ، وَقُدرَةٌ بِلا عَجزٍ ، وغِنىً بِلا فَقرٍ . (3) على هذا الأساس ، فإنّ ما جاء في الفصل الثاني من هذا القسم حول مبادئ السعادة مثل : المعرفة ، الإيمان ، ولاية أهل البيت ، والقيم الأخلاقيّة والعمليّة ، هي في الحقيقة الضامن للسعادة الحقيقيّة أي السعادة الاُخرويّة ، في نفس الوقت الّذي تُحقّق فيه سعادة الإنسان الماديّة والدنيويّة على أفضل وجه . كذلك ما جاء في الفصل الثالث حول مبادئ الشقاء مثل : الجهل ، الكفر ، والرذائل الأخلاقيّة والعمليّة ، هي في الحقيقة عوامل الشقاء الحقيقيّ أي الشقاء الاُخرويّ ، في نفس الوقت الّذي تقرن حياة الإنسان الماديّة والدنيويّة بالمرارة والعناء .
.
ص: 467
الفصل الأَوَّلُ : معنى السّعادة والشّقاوة1 / 1حَقيقَةُ السَّعادَةِالكتاب«وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِى الْجَنَّةِ خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَ_اءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :حَقيقَةُ السَّعادَةِ أن يَختِمَ الرَّجُلُ عَمَلَهُ بِالسَّعادَةِ . (2)
عنه عليه السلام :السَّعادَةُ ما أفضَت (3) إلَى الفَوزِ . (4)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: الَّذي يَستَحِقُّ اسمَ السَّعادَةِ عَلَى الحَقيقَةِ سَعادَةُ
.
ص: 468
الآخِرَةِ ، وهِيَ أربَعَةُ أنواعٍ : بَقاءٌ بِلا فَناءٍ ، وعِلمٌ بِلا جَهلٍ ، وقُدرَةٌ بِلا عَجزٍ ، وغِنىً بِلا فَقرٍ . (1)
عنه عليه السلام :عِندَ العَرضِ عَلَى اللّهِ سُبحانَهُ ، تَتَحَقَّقُ السَّعادَةُ مِنَ الشَّقاءِ . (2)
عنه عليه السلام :الآخِرَةُ فَوزُ السُّعَداءِ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في الدعاء _: اللّهُمَّ... وَ السَّعيدُ مَن آوَيتَهُ إلى كَنَفِ (4) نِعمَتِكَ ، ونَقَلتَهُ حَميدا إلى مَنازِلِ رَحمَتِكَ . (5)
سعد السعود نقلاً عن الزبور :السَّعيدُ مَن أخَذَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ وَانصَرَفَ إلى أهلِهِ مُضيءَ الوَجهِ . (6)
1 / 2حَقيقَةُ الشَّقاءِالكتاب«يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَ سَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِى النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خَ__لِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَ_وَ تُ وَ الْأَرْضُ إِلَا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ» . (7)
.
ص: 469
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :حَقيقَةُ الشَّقاءِ أن يَختِمَ المَرءُ عَمَلَهُ بِالشَّقاءِ . (1)
عنه عليه السلام :وارِدُ النّارِ مُؤَبَّدُ الشَّقاءِ . (2)
سعد السعود نقلاً عن الزبور :الشَّقِيُّ مَن أخَذَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ومِن وَراءِ ظَهرِهِ ، [وَ] (3) انصَرَفَ إلى أهلِهِ باسِرَ (4) الوَجهِ . (5)
1 / 3أماراتُ السَّعادَةِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :كَفى بِالمَرءِ سَعادَةً أن يوثَقَ بِهِ في أمرِ دينِهِ ودُنياهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ استِخارَةُ اللّهِ ورِضاهُ بِما قَضَى اللّهُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :لا تَمَنَّوُا المَوتَ ، فَإِنَّ هَولَ المُطَّلَعِ (8) شَديدٌ ، وإنَّ مِنَ السَّعادَةِ أن يَطولَ عُمُرُ العَبدِ
.
ص: 470
ويَرزُقَهُ اللّهُ الإِنابَةَ (1) . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ الزَّوجَةُ الصّالِحَةُ ، وَالمَسكَنُ الواسِعُ ، وَالمَركَبُ الهَنيءُ ، وَالوَلَدُ الصّالِحُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ أن يُشبِهَهُ وَلَدُهُ ، وَالمَرأَةَ الجَملاءَ (4) ذاتَ دينٍ ، وَالمَركَبَ الهَنيءَ ، وَالمَسكَنَ الواسِعَ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مِنَ السَّعادَةِ ، وثَلاثٌ مِنَ الشَّقاوَةِ ، فَمِنَ السَّعادَةِ المَرأَةُ تَراها تُعجِبُكَ وتَغيبُ فَتَأمَنُها عَلى نَفسِها ومالِكَ ، وَالدّابَّةُ تَكونُ وَطيئَةً (6) فَتُلحِقُكَ بِأَصحابِكَ ، وَالدّارُ تَكونُ واسِعَةً كَثيرَةَ المَرافِقِ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المُسلِمِ سَعَةُ المَسكَنِ ، وَالجارُ الصّالِحُ ، وَالمَركَبُ الهَنيءُ . (8)
.
ص: 471
عنه صلى الله عليه و آله :أربَعَةٌ مِن سَعادَةِ المَرءِ : الخُلَطاءُ الصّالِحونَ ، وَالوَلَدُ البارُّ ، وَالمَرأَةُ المُؤاتِيَةُ ، وأن تَكونَ مَعيشَتُهُ في بَلَدِهِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :خَمسَةٌ مِنَ السَّعادَةِ : الزَّوجَةُ الصّالِحَةُ ، وَالبَنونَ الأَبرارُ ، وَالخُلَطاءُ الصّالِحونَ ، ورِزقُ المَرءِ في بَلَدِهِ ، وَالحُبُّ لِالِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن تَزَوَّجَ فَقَد اُعطِيَ نِصفَ السَّعادَةِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ الوَلَدُ الصّالِحُ . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ حُسنُ الخُلُقِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ ابنِ آدَمَ ، رِضاهُ بِما قَسَمَ اللّهُ لَهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يُشبِهَ أباهُ . (7)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ المَركَبُ الهَنيءُ . (8)
.
ص: 472
الإمام عليّ عليه السلام :أماراتُ (1) السَّعادَةِ إخلاصُ العَمَلِ . (2)
عنه عليه السلام :السَّخاءُ إحدَى السَّعادَتَينِ . (3)
عنه عليه السلام :سَعادَةُ المَرءِ القَناعَةُ وَالرِّضا . (4)
عنه عليه السلام :يَقولُ اللّهُ عز و جل : «يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبَارَ» (5) فَحافِظوا عَلى أمرِ اللّهِ عز و جل في هذِهِ المَواطِنِ ، الَّتِي الصَّبرُ عَلَيها كَرَمٌ وسَعادَةٌ ، ونَجاةٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ مِن فَظيعِ الهَولِ وَالمَخافَةِ . (6)
عنه عليه السلام :الصَّمتُ حُكمٌ ، وَالسُّكوتُ سَلامَةٌ ، وَالكِتمانُ طَرَفٌ مِنَ السَّعادَةِ . (7)
عنه عليه السلام :خُلُوُّ الصَّدرِ مِنَ الغِلِّ وَالحَسَدِ ، مِن سَعادَةِ العَبدِ . (8)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن تَكونَ صَنائِعُهُ عِندَ مَن يَشكُرُهُ ، ومَعروفُهُ عِندَ مَن لا يَكفُرُهُ . (9)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَضَعَ مَعروفَهُ عِندَ أهلِهِ . (10)
عنه عليه السلام :حُسنُ الصّورَةِ أوَّلُ السَّعادَةِ . (11)
.
ص: 473
عنه عليه السلام :الصّورَةُ الجَميلَةُ أقَلُّ السَّعادَتَينِ . (1)
عنه عليه السلام :مَن سَلِمَ مِن ألسِنَةِ النّاسِ كانَ سَعيدا . (2)
عنه عليه السلام :عُنوانُ صَحيفَةِ السَّعيدِ حُسنُ الثَّناءِ عَلَيهِ . (3)
عنه عليه السلام_ فِي الحِكَمِ المَنسوبَةِ إلَيهِ _: مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَطولَ عُمُرُهُ ، ويَرى في أعدائِهِ ما يَسُرُّهُ . (4)
الإمام الحسين عليه السلام :ألا تَرَونَ الحَقَّ لا يُعمَلُ بِهِ وَالباطِلَ لا يُتَناهى عَنهُ ، لِيَرغَبِ المُؤمِنُ في لِقاءِ اللّهِ ، وإنّي لا أرَى المَوتَ إلّا سَعادَةً وَالحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إلّا بَرَما (5) . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إنَّ مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَكونَ مَتجَرُهُ في بَلَدِهِ ، ويَكونَ خُلَطاؤُهُ صالِحينَ ، ويَكونَ لَهُ وُلدٌ يَستَعينُ بِهِم . (7)
الإمام الباقر عليه السلام :إنَّ مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ أن يَكونَ لَهُ الوَلَدُ يَعرِفُ فيهِ شِبهَ خَلقِهِ وخُلُقِهِ وشَمائِلِهِ . (8)
الإمام الصادق عليه السلام :مِن سَعادَةِ المَرءِ أن يَكونَ مَتجَرُهُ في بَلَدِهِ ، ويَكونَ لَهُ أولادٌ يَستَعينُ بِهِم ، وخُلَطاءُ صالِحونَ ، ومَنزِلٌ واسِعٌ ، وَامرَأَةٌ حَسناءُ ، إذا نَظَرَ إلَيها سُرَّ بِها وإذا غابَ عَنها حَفِظَتهُ في نَفسِها . (9)
.
ص: 474
عنه عليه السلام :ثَلاثَةٌ مِنَ السَّعادَةِ : الزَّوجَةُ المُؤاتِيَةُ ، وَالأَولادُ البارّونَ ، وَالرَّجُلُ يُرزَقُ مَعيشَتَهُ بِبَلَدِهِ يَغدو إلى أهلِهِ ويَروحُ . (1)
عنه عليه السلام :مِنَ السَّعادَةِ سَعَةُ المَنزِلِ . (2)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ المُؤمِنِ دابَّةٌ يَركَبُها في حَوائِجِهِ ، ويَقضي عَلَيها حُقوقَ إخوانِهِ . (3)
عنه عليه السلام :مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ أن يَكونَ القَيِّمَ (4) عَلى عِيالِهِ . (5)
تحف العقول :قالَ أبو عُبَيدَةَ [لِلإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام ] : اُدعُ اللّهَ لي ألّا يَجعَلَ رِزقي عَلى أيدِي العِبادِ . فَقالَ عليه السلام : أبَى اللّهُ عَلَيكَ ذلِكَ إلّا أن يَجعَلَ أرزاقَ العِبادِ بَعضِهِم مِن بَعضٍ ، ولكِنِ ادعُ اللّهَ أن يَجعَلَ رِزقَكَ عَلى أيدي خِيارِ خَلقِهِ فَإِنَّهُ مِنَ السَّعادَةِ ، ولا يَجعَلَهُ عَلى أيدي شِرارِ خَلقِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الشَّقاوَةِ . (6)
.
ص: 475
الإمام الكاظم عليه السلام :إنَّ جَعفَرا عليه السلام كانَ يَقولُ : سَعِدَ امرُؤٌ لَم يَمُت حَتّى يَرى خَلَفَهُ مِن نَفسِهِ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام :مِن سَعادَةِ الرَّجُلِ أن يَكشِفَ الثَّوبَ عَنِ امرَأَةٍ بَيضاءَ . (2)
عنه عليه السلام_ فِي الفِقهِ المَنسوبِ إلَيهِ _: كِبَرُ الدّارِ مِنَ السَّعادَةِ ، وكَثرَةُ المُحِبّينَ مِنَ السَّعادَةِ ، ومُوافَقَةُ الزَّوجَةِ كَمالُ السُّرورِ . (3)
الإمام الصادق عليه السلام : ألا إنَّ النِّساءَ خُلِقنَ شَتّى فَمِنهُنَّ الغَنيمَةُ وَالغَرامُ ومِنهُنَّ الهِلالُ (4) إذا تَجَلّى لِصاحِبِهِ ومِنهُنَّ الظَّلامُ فَمَن يَظفَر بِصالِحِهِنَّ يَسعَد ومَن يُغبَن فَلَيسَ لَهُ انتِقامُ (5)
1 / 4أماراتُ الشَّقاءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أربَعٌ مِنَ الشَّقاوَةِ : الجارُ السَّوءُ ، وَالمَرأَةُ السَّوءُ ، وَالمَسكَنُ الضَّيِّقُ ، وَالمَركَبُ السَّوءُ . (6)
.
ص: 476
المعجم الكبير عن أسماء :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إنَّ مِن شَقاءِ المَرءِ فِي الدُّنيا ثَلاثَةً : سوءَ الدّارِ ، وسوءَ المَرأَةِ وسوءَ الدّابَّةِ ، قالَت : يا رَسولَ اللّهِ ما سوءُ الدّارِ ؟ قالَ : ضيقُ ساحَتِها وخُبثُ جيرانِها ، قيلَ : فَما سوءُ الدّابَّةِ ؟ قالَ : مَنعُها ظَهرَها وسوءُ ضَلعِها ، قيلَ : فَما سوءُ المَرأَةِ ؟ قالَ : عُقمُ رَحِمِها وسوءُ خُلُقِها . (1)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ثَلاثٌ مِنَ السَّعادَةِ وثَلاثٌ مِنَ الشَّقاوَةِ ... و مِنَ الشَّقاوَةِ : المَرأَةُ تَراها فَتَسوؤُكَ وتَحمِلُ لِسانَها عَلَيكَ ، وإن غِبتَ عَنها لَم تَأمَنها عَلى نَفسِها ومالِكَ ، وَالدّابَّةُ تَكونُ قَطوفا (2) ، فَإِن ضَرَبتَها أتعَبَتكَ وإن تَركَبها لَم تُلحِقكَ بِأَصحابِكَ ، وَالدّارُ تَكونُ ضَيِّقَةً قَليلَةَ المَرافِقِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن عَلاماتِ الشَّقاءِ : جُمودُ العَينِ (4) ، وقَسوَةُ القَلبِ ، وشِدَّةُ الحِرصِ في طَلَبِ الدُّنيا ، وَالإِصرارُ عَلَى الذَّنبِ . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :مِن شِقوَةِ ابنِ آدَمَ تَركُهُ استِخارَةَ اللّهِ ، وسَخَطُهُ بِما قَضَى اللّهُ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: يا عَلِيُّ أربَعُ خِصالٍ مِنَ الشَّقاوَةِ : جُمودُ العَينِ ، وقَساوَةُ القَلبِ ،
.
ص: 477
وبُعدُ الأَمَلِ ، وحُبُّ البَقاءِ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله :... ومِن شِقوَتِهِ [أيِ ابنِ آدَمَ] سوءُ الخُلُقِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :مِنَ الشَّقاءِ فَسادُ النِّيَّةِ . (3)
عنه عليه السلام :مِنَ الشَّقاءِ احتِقابُ (4) الحَرامِ . (5)
عنه عليه السلام :مِنَ الشَّقاءِ أن يَصونَ المَرءُ دُنياهُ بِدينِهِ . (6)
عنه عليه السلام :الحِرصُ أحَدُ الشَّقاءَينِ . (7)
عنه عليه السلام :أعظَمُ المَصائِبِ وَالشَّقاءِ ، الوَلَهُ (8) بِالدُّنيا . (9)
عنه عليه السلام :الخِذلانُ مِنَ الشَّقاوَةِ . (10)
الإمام زين العابدين عليه السلام :مِن شَقاءِ المَرءِ أن تَكونَ عِندَهُ امرَأَةٌ مُعجَبٌ بِها وهِيَ تَخونُهُ . (11)
.
ص: 478
الإمام الباقر عليه السلام :مِن شَقاءِ العَيشِ ضيقُ المنَزِلِ . (1)
عنه عليه السلام :مِن شَقاءِ العَيشِ المَركَبُ السَّوءُ . (2)
.
ص: 479
الفصل الثّاني : مبادئ السّعادة2 / 1المَعرِفَةُالكتاب«يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَا أُوْلُواْ الْأَلْبَ_بِ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :العِلمُ إمامُ العَمَلِ وَالعَمَلُ تابِعُهُ ، يُلهِمُهُ اللّهُ السُّعَداءَ ويَحرِمُهُ الأَشقِياءَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :مَن خَرَجَ مِن بَيتِهِ لِيَلتَمِسَ بابا مِنَ العِلمِ ، كَتَبَ اللّهُ عز و جل لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوابَ نَبِيٍّ مِنَ الأَنبِياءِ ، وأعطاهُ اللّهُ بِكُلِّ حَرفٍ يَسمَعُ أو يَكتُبُ مَدينَةً فِي الجَنَّةِ ، وطالِبُ العِلمِ أحَبَّهُ اللّهُ وأحَبَّهُ المَلائِكَةُ وأحَبَّهُ النَّبِيّونَ ، ولا يُحِبُّ العِلمَ إلَا السَّعيدُ ، وطوبى (3) لِطالِبِ العِلمِ
.
ص: 480
يَومَ القِيامَةِ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :مَن قاتَلَ جَهلَهُ بِعِلمِهِ ، فازَ بِالحَظِّ الأَسعَدِ . (2)
عنه عليه السلام :مَن عَرَفَ اللّهَ سُبحانَهُ لَم يَشقَ أبدا . (3)
الإمام الصادق عليه السلام :لا يَنبَغي لِمَن لَم يَكُن عالِما أن يُعَدَّ سَعيدا . (4)
الإمام الكاظم عليه السلام_ في بَيانِ جُنودِ العَقلِ وَالجَهلِ _: السَّعادَةُ ، الشَّقاءُ . (5)
راجع : ص 443 (موانع الشرور / المعرفة) .
2 / 2الإِيمانُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أسعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ ، مَن قالَ : «لا إلهَ إلَا اللّهُ» ، خالِصا مِن قَلبِهِ أو نَفسِهِ . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ ومَضَى القَدَرُ ، بِتَحقيقِ الكِتابِ وتَصديقِ الرُّسُلِ ، وبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وكَفَرَ ، وبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وبرَاءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ . (7)
.
ص: 481
الإمام الرضا عليه السلام :جَفَّ القَلَمُ بِحَقيقَةِ الكِتابِ مِنَ اللّهِ بِالسَّعادَةِ لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَالشّقاوَةِ مِنَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى لِمَن كَذَّبَ وعَصى . (1)
الإمام عليّ عليه السلام :بِالإِيمانِ يُرتَقى إلى ذِروَةِ السَّعادَةِ ونِهايَةِ الحُبورِ . (2)
عنه عليه السلام :ما أعظَمَ سَعادَةَ مَن بوشِرَ قَلبُهُ بِبَردِ اليَقينِ . (3)
عنه عليه السلام :أفضَلُ السَّعادَةِ استِقامَةُ الدّينِ . (4)
عنه عليه السلام :فازَ السُّعَداءُ بِوِلايَةِ الإِيمانِ . (5)
عنه عليه السلام :مُعتَصَمُ السُّعَداءِ بِالإِيمانِ ، وخِذلانُ الأَشقِياءِ بِالعِصيانِ مِن بَعدِ إيجابِ الحُجَّةِ عَلَيهِم بِالبَيانِ ، إذا وَضَحَ لَهُم مَنارُ الحَقِّ وسَبيلُ الهُدى . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :لَم يُؤمِنِ اللّهُ المُؤمِنَ مِن هَزاهِزِ الدُّنيا ، ولكِنَّهُ آمَنَهُ مِنَ العَمى فيها وَالشَّقاءِ فِي الآخِرَةِ . (7)
راجع : ص 444 (موانع الشرور / الإيمان) .
.
ص: 482
2 / 3وِلايَةُ أهلِ البَيتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا عَلِيُّ ، سَعِدَ مَن تَوَلّاكَ . (1)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: إنَّ السَّعيدَ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأطاعَكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله_ لِعَلِيٍّ عليه السلام _: ألا إنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّكَ وأخَذَ بِطَريقَتِكَ . (3)
الأمالي للمفيد عن سلمان الفارسي :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ ، فَقالَ [لِعَلِيٍّ عليه السلام ] : ... إنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ حَقَّ السَّعيدِ ، مَن أطاعَكَ وتَوَلّاكَ مِن بَعدي . (4)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، أطيعوا عَلِيّا وَاتَّبِعوهُ وتَوَلَّوهُ ولا تُخالِفوهُ ، وَابرَؤوا مِن عَدُوِّهِ وآزِروهُ وَانصُروهُ وَاقتَدوا بِهِ ، تَرشُدوا وتَهتَدوا وتَسعَدوا . (5)
عنه صلى الله عليه و آله :يا أيُّهَا النّاسُ ، اتَّبِعوا هُدَى اللّهِ تَهتَدوا وتَرشُدوا وهُوَ هُدايَ ، وهُدايَ هُدى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، فَمَنِ اتَّبَعَ هُداهُ في حَياتي وبَعدَ مَوتي فَقَدِ اتَّبَعَ هُدايَ ، ومَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَقَدِ اتَّبَعَ هُدَى اللّهِ ، ومَنِ اتَّبَعَ هُدَى اللّهِ فَلا يَضِلُّ ولا يَشقى . (6)
عنه صلى الله عليه و آله :إنّي أسأَلُكَ يا سَيِّدي وإلهي أن تَجعَلَ لي مِن أهلي وَزيرا تَشُدُّ بِهِ عَضُدي ،
.
ص: 483
فَجَعَلَ اللّهُ لي عَلِيّا وَزيرا وأخا ، وجَعَلَ الشَّجاعَةَ في قَلبِهِ ، وألبَسَهُ الهَيبَةَ عَلى عَدُوِّهِ ، وهُوَ أوَّلُ مَن آمَنَ بي وصَدَّقَني ، وأوَّلُ مَن وَحَّدَ اللّهَ مَعي ، وإنّي سَأَلتُ ذلِكَ رَبّي عز و جل فَأَعطانيهِ ، فَهُوَ سَيِّدُ الأَوصِياءِ ، اللُّحوقُ بِهِ سَعادَةٌ وَالمَوتُ في طاعَتِهِ شَهادَةٌ ، وَاسمُهُ فِي التَّوراةِ مَقرونٌ إلَى اسمي . (1)
الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام :اِتِّباعُ الكِتابِ يورِثُ السَّعادَةَ «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» (2) وَاتِّباعُ الأَئِمَّةِ يورِثُ الجَنَّةَ . (3)
الكافي عن عليّ بن عبد اللّه :(4) : سَأَلَهُ رَجُلٌ عَن قَولِهِ تَعالى : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» . قالَ : مَن قالَ بِالأَئِمَّةِ وَاتَّبَعَ أمرَهُم ولَم يَجُز (5) طاعَتَهُم . (6)
الإمام عليّ عليه السلام :فينا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ : «إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» (7) فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أنَا المُنذِرُ وأنتَ الهادي يا عَلِيُّ ، فَمِنَّا الهادي وَالنَّجاةُ وَالسَّعادَةُ إلى يَومِ القِيامَةِ . (8)
.
ص: 484
عنه عليه السلام :بَينَما نَحنُ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَجودُ بِنَفسِهِ وهُوَ مُسَجّىً (1) بِثَوبٍ ومُلاءَةٍ (2) خَفيفَةٍ عَلى وَجهِهِ ، فَمَكَثَ ما شاءَ اللّهُ أن يَمكُثَ ، ونَحنُ حَولَهُ بَينَ باكٍ ومُستَرجِعٍ ، إذ تَكَلَّمَ صلى الله عليه و آله وقالَ : اِبيَضَّت وُجوهٌ وَاسوَدَّت وُجوهٌ ، وسَعِدَ أقوامٌ وشَقِيَ آخَرونَ ، سَعِدَ أصحابُ الكِساءِ الخَمسَةِ أنَا سَيِّدُهُم ، ولا فَخرَ ، عِترَتي أهلُ بَيتِي السّابِقونَ ، اُولئِكَ المُقَرَّبونَ ، يَسعَدُ مَنِ اتَّبَعَهُم وشايَعَهُم عَلى ديني ودينِ آبائي . (3)
فاطمة عليهاالسلام :خَرَجَ عَلَينا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ، فَقالَ : إنَّ اللّهَ _ تَبارَكَ وتَعالى _ باهى بِكُم وغَفَرَ لَكُم عامَّةً ولِعَلِيٍّ خاصَّةً ، وإنّي رَسولُ اللّهِ إلَيكُم غَيرُ مُحارِبٍ لِقَرابَتي ، هذا جَبرَئيلُ يُخبِرُني أنَّ السَّعيدَ كُلَّ السَّعيدِ حَقَّ السَّعيدِ مَن أحَبَّ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ مَوتِهِ ، وإنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَن أبغَضَ عَلِيّا في حَياتِهِ وبَعدَ وَفاتِهِ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :السَّعيدُ مَنِ اتَّبَعَنا ، وَالشَّقِيُّ مَن عادانا وخالَفَنا . (5)
2 / 4التَّوفيقُالإمام عليّ عليه السلام :التَّوفيقُ مِنَ السَّعادَةِ . (6)
.
ص: 485
عنه عليه السلام :بِالتَّوفيقِ تَكونُ السَّعادَةُ . (1)
عنه عليه السلام :التَّوفيقُ رَأسُ السَّعادَةِ . (2)
عنه عليه السلام :التَّوفيقُ رَأسُ النَّجاحِ . (3)
عنه عليه السلام :مِنَ السَّعادَةِ التَّوفيقُ لِصالِحِ الأَعمالِ . (4)
عنه عليه السلام :نالَ الفَوزَ مَن وُفِّقَ لِلطّاعَةِ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام :رَأَيتُ المَعروفَ كَاسمِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ أفضَلَ مِنَ المَعروفِ إلّا ثَوابُهُ وذلِكَ يُرادُ مِنهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يُحِبُّ أن يَصنَعَ المَعروفَ إلَى النّاسِ يَصنَعُهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يَرغَبُ فيهِ يَقدِرُ عَلَيهِ ، ولا كُلُّ مَن يَقدِرُ عَلَيهِ يُؤذَنُ لَهُ فيهِ ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ الرَّغبَةُ وَالقُدرَةُ وَالإِذنُ ، فَهُنالِكَ تَمَّتِ السَّعادَةُ لِلطّالِبِ وَالمَطلوبُ إلَيهِ . (6)
عنه عليه السلام :ما كُلُّ مَن نَوى شَيئا قَدَرَ عَلَيهِ ، ولا كُلُّ مَن قَدَرَ عَلى شَيءٍ وُفِّقَ لَهُ ، ولا كُلُّ مَن وُفِّقَ أصابَ لَهُ مَوضِعا ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ النِّيَّةُ وَالقُدرَةُ وَالتَّوفيقُ وَالإِصابَةُ ، فَهُنالِكَ تَمَّتِ السَّعادَةُ . (7)
.
ص: 486
2 / 5مَحاسِنُ الأَخلاقِ وَالأَعمالِأ _ الإِخلاصُالإمام عليّ عليه السلام :فازَ بِالسَّعادَةِ مَن أخلَصَ العِبادَةَ . (1)
عنه عليه السلام :قَدِّموا خَيرا تَغنَموا ، وأخلِصوا أعمالَكُم تَسعَدوا . (2)
عنه عليه السلام :السَّعيدُ مَن أخلَصَ الطّاعَةَ . (3)
ب _ التَّقوىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :السَّعادَةُ فِي اثنَتَينِ : الطّاعَةِ وَالتَّقوى . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ ... أسعِدني بِتَقواكَ . (5)
ج _ الزُّهدُ فِي الدُّنياالإمام عليّ عليه السلام :أصلُ الزُّهدِ اليَقينُ ، وثَمَرَتُهُ السَّعادَةُ . (6)
.
ص: 487
عنه عليه السلام :اِعزِف (1) عَن دُنياكَ تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ ، وتُصلِح مَثواكَ . (2)
عنه عليه السلام :إنَّ السُّعَداءَ بِالدُّنيا غَدا ، هُمُ الهارِبونَ مِنهَا اليَومَ . (3)
عنه عليه السلام :كَفى بِالمَرءِ سَعادَةً أن يَعزِفَ عَمّا يَفنى ، ويَتَوَلَّهَ بِما يَبقى . (4)
د _ الحُبُّ فِي اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :كونوا عِبادَ اللّه إخوانا ، تَسعَدوا لَدَيهِ بِالنَّعيمِ المُقيمِ . (5)
ه _ التَّواصُلُ مَعَ اللّهِالإمام عليّ عليه السلام :صِلِ الَّذي بَينَكَ وبَينَ اللّهِ ، تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ . (6)
عنه عليه السلام :صِلُوا الَّذي بَينَكُم وبَينَ اللّهِ تَسعَدوا . (7)
و _ اِتِّباعُ القُرآنِالكتاب«إِنَّ هَ_ذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ» . (8)
.
ص: 488
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ هذَا القُرآنَ هُوَ النّورُ المُبينُ ... مَن جَعَلَهُ شِعارَهُ ودِثارَهُ (1) أسعَدَهُ اللّهُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إن أرَدتُم عَيشَ السُّعَداءِ ، ومَوتَ الشُّهَداءِ ، وَالنَّجاةَ يَومَ الحَسرَةِ ، وَالظِّلَّ يَومَ الحَرورِ (3) ، وَالهُدى يَومَ الضَّلالَةِ ، فَادرُسُوا القُرآنَ ؛ فَإِنَّهُ كَلامُ الرَّحمنِ، وحِرزٌ (4) مِنَ الشَّيطانِ ، ورُجحانٌ فِي الميزانِ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ عَلى مِصرَ _: هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ ، مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ ... أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ وإيثارِ طاعَتِهِ ، وَاتِّباعِ ما أمَرَ بِهِ في كِتابِهِ مِن فَرائِضِهِ وسُنَنِهِ ، الَّتي لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِاتِّباعِها ، ولا يَشقى إلّا مَعَ جُحودِها (6) وإضاعَتِها . (7)
ز _ العَمَلُ الصّالِحُالكتاب«مَنْ عَمِلَ صَ__لِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» . (8)
.
ص: 489
«فَأَمَّا مَن تَابَ وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صَ__لِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَمِلَ صالِحا شَهِدَت لَهُ جَوارِحُهُ ، وبِقاعُهُ ، وشُهورُهُ ، وأعوامُهُ ، وساعاتُهُ ، وأيّامُهُ ، ولَيالِي الجُمَعِ وساعاتُها وأيّامُها ، فَيَسعَدُ بِذلِكَ سَعادَةَ الأَبَدِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّ الدُّنيا دارُ تِجارَةٍ ورِبحُها أو خُسرُهَا الآخِرَةُ ، فَالسَّعيدُ مَن كانَت بِضاعَتُهُ فيهَا الأَعمالَ الصّالِحَةَ ، ومَن رَأَى الدُّنيا بِعَينِها وقَدَّرَها بِقَدرِها . (3)
عنه عليه السلام :سَعادَةُ الرَّجُلِ في إحرازِ دينِهِ وَالعَمَلِ لِاخِرَتِهِ . (4)
ح _ الجِدُّ فِي العَمَلِالإمام عليّ عليه السلام :قَد سَعِدَ مَن جَدَّ . (5)
ط _ لُزومُ الحَقِّالإمام عليّ عليه السلام :في لُزومِ الحَقِّ تَكونُ السَّعادَةُ . (6)
.
ص: 490
ي _ دَوامُ العِبادَةِالإمام عليّ عليه السلام :دَوامُ العِبادَةِ بُرهانُ الظَّفَرِ بِالسَّعادَةِ . (1)
ك _ التَّوبَةُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ، توبوا إلَى اللّهِ قَبلَ أن تَموتوا ، وبادِروا بِالأَعمالِ الصّالِحَةِ قَبلَ أن تَشتَغِلوا ، وأصلِحُوا الَّذي بَينَكُم وبَينَ رَبِّكُم تَسعَدوا . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ يَعرِضُ عَلى عَبدِهِ في كُلِّ يَومٍ نَصيحَةً ، فَإِن هُوَ قَبِلَها سَعِدَ ، وإن تَرَكَها شَقِيَ ، فَإِنَّ اللّهَ باسِطٌ يَدَهُ لِمُسيءِ النَّهارِ لِيَتوبَ ، فَإِن تابَ تابَ اللّهُ عَلَيهِ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: لا يَشقى بِنَقِمَتِكَ المُستَغفِرونَ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :رَحِمَ اللّهُ عَبدا تابَ إلَى اللّهِ قَبلَ المَوتِ ، فَإِنَّ التَّوبَةَ مُطَهِّرَةٌ مِن دَنَسِ الخَطيئَةِ ، ومُنقِذَةٌ مِن شَفَا (5) الهَلَكَةِ ، فَرَضَ اللّهُ بِها عَلى نَفسِهِ لِعِبادِهِ الصّالِحينَ ، فَقالَ : «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَا بِجَهَ__لَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (6) «وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْ_لِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ
.
ص: 491
اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا» (1) . (2)
ل _ طاعَةُ اللّهِالكتاب«قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعَا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» . (3)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَنِ اتَّبَعَ كِتابَ اللّهِ هَداهُ اللّهُ مِنَ الضَّلالَةِ ، ووَقاهُ سوءَ الحِسابِ يَومَ القِيامَةِ ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ يَقولُ : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَ لَا يَشْقَى» . (4)
عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ السَّعادَةَ كُلَّ السَّعادَةِ ، طولُ العُمُرِ في طاعَةِ اللّهِ عز و جل . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :لا يَسعَدُ امرُؤٌ إلّا بِطاعَةِ اللّهِ سُبحانَهُ . (6)
عنه عليه السلام :إنَّ عُمُرَكَ مَهرُ سَعادَتِكَ ، إن أنفَذتَهُ في طاعَةِ رَبِّكَ . (7)
.
ص: 492
عنه عليه السلام :دَعوا طاعَةَ البَغيِ (1) وَالعِنادِ ، وَاسلُكوا سَبيلَ الطّاعَةِ وَالاِنقِيادِ ، تَسعَدوا فِي المَعادِ . (2)
عنه عليه السلام :لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِإِقامَةِ حُدودِ اللّهِ . (3)
عنه عليه السلام :مَن أطاعَ اللّهَ لَم يَشقَ أبَدا . (4)
لقمان_ لِابنِهِ _: اِشتَغِل بِرِضَا اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، فَفيهِ شُغُلٌ شاغِلٌ وسَعادَةٌ وإقبالٌ فِي الدُّنيا ويَومِ الحِسابِ وَالسُّؤالِ . (5)
م _ إنفاقُ المالِالإمام عليّ عليه السلام :إذا قَدَّمتَ مالَكَ لِاخِرَتِكَ ، وَاستَخلَفتَ اللّهَ سُبحانَهُ عَلى مَن خَلَّفتَهُ مِن بَعدِكَ ، سَعِدتَ بِما قَدَّمتَ ، وأحسَنَ اللّهُ لَكَ الخِلافَةَ عَلى مَن خَلَّفتَ . (6)
عنه عليه السلام :الجَوادُ فِي الدُّنيا مَحمودٌ ، وفِي الآخِرَةِ مَسعودٌ . (7)
ن _ مُحاسَبَةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :مَن حاسَبَ نَفسَهُ سَعِدَ . (8)
س _ مُجاهَدَةُ النَّفسِالإمام عليّ عليه السلام :مَن أجهَدَ نَفسَهُ في إصلاحِها سَعِدَ . (9)
.
ص: 493
عنه عليه السلام :اِعلَموا أنَّ الجِهادَ الأَكبَرَ جِهادُ النَّفسِ ، فَاشتَغِلوا بِجِهادِ أنفُسِكُم تَسعَدوا . (1)
عنه عليه السلام :إنَّ النَّفسَ الَّتي تَجهَدُ فِي اقتِناءِ الرَّغائِبِ الباقِيَةِ ، لَتُدرِكُ طَلَبَها وتَسعَدُ في مُنقَلَبِها . (2)
ع _ مُجالَسَةُ العُلَماءِ ومُتابَعَتُهُمالإمام عليّ عليه السلام :جالِسِ العُلَماءَ تَسعَد . (3)
عنه عليه السلام :عاشِر أهلَ الفَضلِ تَسعَد وتَنبُل . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :وَصِيَّةُ وَرَقَةَ بنِ نَوفَلٍ لِخَديجَةَ بِنتِ خُوَيلِدٍ عليهاالسلام ، إذا دَخَلَ عَلَيها يَقولُ لَها : يا بِنتَ أخي لا تُماري (5) جاهِلاً ولا عالِما ، فَإِنَّكِ مَتى مارَيتِ جاهِلاً آذاكِ ، ومَتى مارَيتِ عالِما مَنَعَكِ عِلمَهُ ، وإنَّما يَسعَدُ بِالعُلَماءِ مَن أطاعَهُم . (6)
ف _ المُبادَرَةُ إلَى الخَيراتِالإمام عليّ عليه السلام :دَركُ السَّعادَةِ بِمُبادَرَةِ الخَيراتِ وَالأَعمالِ الزّاكِياتِ . (7)
عنه عليه السلام :بادِرِ الطّاعَةَ تَسعَد . (8)
ص _ الاِستِعدادُ لِلمَوتِالإمام عليّ عليه السلام :اِحذَرِ المَوتَ وأحسِن لَهُ الاِستِعدادَ ، تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ . (9)
.
ص: 494
عنه عليه السلام :اِحذَر قِلَّةَ الزّادِ وأكثِر مِنَ الاِستِعدادِ ، تَسعَد بِرِحلَتِكَ . (1)
عنه عليه السلام :تَدارَك في آخِرِ عُمُرِكَ ما أضَعتَهُ في أوَّلِهِ ، تَسعَد بِمُنقَلَبِكَ . (2)
عنه عليه السلام :سابِقُوا الأَجَلَ ، وأحسِنُوا العَمَلَ ، تَسعَدوا بِالمَهَلِ . (3)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إذَا استُحِقَّت وِلايَةُ اللّهِ وَالسَّعادَةُ ، جاءَ الأَجَلُ بَينَ العَينَينِ ، وذَهَبَ الأَمَلُ وَراءَ الظَّهرِ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ _: اِتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلبَهُ ... وقَد عَبَرَ مَعبَرَ العاجِلَةِ حَميدا ، وقَدَّمَ زادَ الآجِلَةِ سَعيدا . (5)
عنه عليه السلام :تَفَكَّروا أيُّهَا النّاسُ وتَبَصَّروا ، وَاعتَبِروا وَاتَّعِظوا ، وتَزَوَّدوا لِلآخِرَةِ تَسعَدوا . (6)
ق _ الاِستِعانَةُ مِنَ اللّهِالكتاب«ك_هيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَ لَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا» . (7)
«قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى يَ_إِبْرَ هِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مَلِيًّا * قَالَ سَلَ_مٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا * وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُواْ رَبِّى عَسَى أَلَا
.
ص: 495
أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّى شَقِيًّا» . (1)
الحديثرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا اللّهُ يا اللّهُ يا اللّهُ الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، ارحَمني رَحمَةً تُطفِئُ بِها غَضَبَكَ ، وتَكُفُّ بِها عَذابَكَ ، وتَرزُقُني بِها سَعادَةً مِن عِندِكَ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنّي أسأَلُكَ الفَوزَ فِي العَطاءِ ، ونُزُلَ الشُّهَداءِ ، وعَيشَ السُّعَداءِ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ إنَّكَ أكرَمُ مَسؤولٍ فَأَسأَلُكَ أن تُحيِيَني حَياةَ السُّعَداءِ ، وأن تَتَوَفّاني وَفاةَ الشُّهَداءِ ، وأنتَ عَنّي راضٍ غَيرُ غَضبانَ يا رَحيمُ . (4)
الإمام عليّ عليه السلام_ في خُطبَتِهِ _: نَسأَلُ اللّهَ مَنازِلَ الشُّهَداءِ ، ومُعايَشَةَ السُّعَداءِ ، ومُرافَقَةَ الأَنبِياءِ . (5)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِن زَوالِ نِعمَتِكَ ، ومِن تَحويلِ عافِيَتِكَ ومِن فَجأَةِ نَقِمَتِكَ ، ومِن دَركِ الشَّقاءِ ، ومِن شَرِّ ما سَبَقَ فِي اللَّيلِ . (6)
.
ص: 496
عنه عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ عَلى مِصرَ _: أسأَلُ اللّهَ... أن يَختِمَ لي ولَكَ بِالسَّعادَةِ وَالشَّهادَةِ ، إنّا إلَيهِ راجِعونَ . (1)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: اُخصُصني مِنكَ بِمَغفِرَةٍ لا يُقارِبُها شَقاءٌ ، وسَعادَةٍ لا يُدانيها أذىً . (2)
الإمام الحسين عليه السلام :صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأتمِم عَلَينا نِعمَتَكَ ، وأسعِدنا بِطاعَتِكَ . (3)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: سَيِّدي ، عَظُمَ قَدرُ مَن أسعَدتَهُ بِاصطِفائِكَ . (4)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسأَلُكَ ... مِنَ الحُدودِ (5) أسعَدَها . (6)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ وأيُّما عَبدٍ نالَ مِنّي ما حَظَرتَ (7) عَلَيهِ ، وَانتَهَكَ مِنّي ما حَجَزتَ عَلَيهِ ، فَمَضى بِظُلامَتي مَيِّتا ، أو حَصَلَت لي قِبَلَهُ حَيّا فَاغفِر لَهُ ما ألَمَّ بِهِ مِنّي ، وَاعفُ لَهُ عَمّا أدبَرَ بِهِ عَنّي ، ولا تَقِفهُ عَلى مَا ارتَكَبَ فِيَّ ، ولا تَكشِفهُ عَمَّا اكتَسَبَ بي ، وَاجعَل ما سَمَحتُ بِهِ مِنَ العَفوِ عَنهُم ، وتَبَرَّعتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيهِم ، أزكى صَدَقاتِ المُتَصَدِّقينَ ، وأعلى صِلاتِ المُتَقَرِّبينَ ، وعَوِّضني مِن عَفوي عَنهُم عَفوَكَ ، ومِن دُعائي لَهُم رَحمَتَكَ ، حَتّى يَسعَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنّا بِفَضلِكَ ، ويَنجُوَ كُلٌّ مِنّا بِمَنِّكَ (8) . (9)
.
ص: 497
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسعِدني بِسَعَةِ رَحمَتِكَ ، سَيِّدي . (1)
عنه عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ بِكُلِّ ما حَمِدَهُ بِهِ أدنى مَلائِكَتِهِ إلَيهِ ، وأكرَمُ خَليقَتِهِ عَلَيهِ ، وأرضى حامِديهِ لَدَيهِ ... حَمدا نَسعَدُ بِهِ فِي السُّعَداءِ مِن أولِيائِهِ ، ونَصيرُ بِهِ في نَظمِ الشُّهَداءِ بِسُيوفِ أعدائِهِ ، إنَّهُ وَلِيٌّ حَميدٌ . (2)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ أولِني في كُلِّ يَومِ إثنَينِ نِعمَتَينِ ثِنتَينِ : سَعادَةً في أوَّلِهِ بِطاعَتِكَ ، ونِعمَةً في آخِرِهِ بِمَغفِرَتِكَ ، يا مَن هُوَ الإِلهُ ، ولا يَغفِرُ الذُّنوبَ سِواهُ . (3)
عنه عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا مَن أنوارُ قُدسِهِ لِأَبصارِ مُحِبّيهِ رائِقَةٌ (4) ، وسُبُحاتُ وَجهِهِ لِقُلوبِ عارِفيهِ شائِقَةٌ . يا مُنى قُلوبِ المُشتاقينَ ، ويا غَايَةَ آمالِ المُحِبّينَ ... وَاجعَلني مِن أهلِ الإِسعادِ وَالحُظوَةِ (5) عِندَكَ ، يا مُجيبُ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (6)
الإمام عليّ عليه السلام_ في دُعائِهِ _: السَّعيدُ مَن أسعَدتَ . (7)
الإمام الباقر عليه السلام :اللّهُمَّ اجعَلني مِمَّن تَسقيهِ فِي المَعادِ مِن حَوضِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وتُسعِدُهُ بِمُرافَقَتِهِ بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ . (8)
الإمام المهديّ عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أسأَلُكَ أن تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأن
.
ص: 498
تُحيِيَني حَياةَ السُّعَداءِ . (1)
الإمام زين العابدين عليه السلام_ في دُعائِهِ _: نَعوذُ بِكَ مِنَ الحَسرَةِ العُظمى ، وَالمُصيبَةِ الكُبرى ، وأشقَى الشَّقاءِ . (2)
عنه عليه السلام :أنَا أفقَرُ الفُقَراءِ إلَيكَ ، فَاجبُر فَاقَتَنا بِوُسعِكَ ، ولا تَقطَع رَجاءَنا بِمَنعِكَ ، فَتَكونَ قَد أشقَيتَ مَنِ استَسعَدَ بِكَ . (3)
عنه عليه السلام :اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى حُسنِ قَضائِكَ ، وبِما صَرَفتَ عَنّي مِن بَلائِكَ ، فَلا تَجعَل حَظّي مِن رَحمَتِكَ ما عَجَّلتَ لي مِن عافِيَتِكَ ، فَأَكونَ قَد شَقيتُ بِما أحبَبتُ ، وسَعِدَ غَيري بِما كَرِهتُ . (4)
الإمام الرضا عليه السلام_ في دُعائِهِ _: يا شِقوَتاه إن ضاقَت عَنّي سَعَةُ رَحمَتِكَ . (5)
راجع : ص 447 (موانع الشرور / محاسن الأعمال) .
2 / 6خَصائِصُ السُّعَداءِرسول اللّه صلى الله عليه و آله_ في مَكارِمِ الأَخلاقِ _: عَشَرَةٌ تَكونُ فِي الرَّجُلِ ولا تَكونُ فِي ابنِهِ ، وتَكونُ فِي الاِبنِ ولا تَكونُ في أبيهِ ، وتَكونُ فِي العَبدِ ولا تَكونُ في سَيِّدِهِ ، يَقسِمُهَا اللّهُ لِمَن أرادَ بِهِ السَّعادَةَ : صِدقُ الحَديثِ ، وصِدقُ النّاسِ (6) _ وهُوَ أن لا يَشبَعَ وجارُهُ
.
ص: 499
وصاحِبُهُ جائِعانِ _ وإعطاءُ السّائِلِ ، وَالمُكافَأَةُ بِالصَّنائِعِ ، وحِفظُ الأَمانَةِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، وَالتَّذَمُّمُ (1) لِلجارِ ، وَالتَّذَمُّمُ لِلصّاحِبِ ، وإقراءُ (2) الضَّيفِ ، ورَأسُهُنَّ الحَياءُ . (3)
عنه صلى الله عليه و آله_ مِن وَصِيَّةٍ طَويلَةٍ أوصى بِها أبا ذَرٍّ _: ... اِعلَم يا أبا ذَرٍّ، إنَّ اللّهَ جَعَلَ أهلَ بَيتي كَسَفينَةِ النَّجاةِ في قَومِ نوحٍ ، مَن رَكِبَها نَجا، ومَن رَغِبَ عَنها غَرِقَ ، ومِثلِ بابِ حِطَّةٍ في بَني إسرائيلَ ؛ مَن دَخَلَها كانَ آمِنا . يا أبا ذَرٍّ ، اِحفَظ ما أوصَيتُكَ بِهِ ، تَكُن سَعيدا فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ... . (4)
الإمام عليّ عليه السلام :ثَلاثٌ مَن حافَظَ عَلَيها سَعِدَ : إذا ظَهَرَت عَلَيكَ نِعمَةٌ فَاحمَدِ اللّهَ ، وإذا أبطَأَ عَنكَ الرِّزقُ فَاستَغفِرِ اللّهَ ، وإذا أصابَتكَ شِدَّةٌ فَأَكثِر مِن قَولِ : «لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ» . (5)
2 / 7ما يوجِبُ كَمالَ السَّعادَةِالإمام عليّ عليه السلام :إذَا اقتَرَنَ العَزمُ بِالحَزمِ كَمُلَتِ السَّعادَةُ . (6)
.
ص: 500
عنه عليه السلام :مِن كَمالِ السَّعادَةِ السَّعيُ في صَلاحِ الجُمهورِ . (1)
عنه عليه السلام :مَن عَزَفَت نَفسُهُ عَن دَنِيِّ المَطامِعِ كَمُلَت مَحاسِنُهُ . ومَن كَمُلَت مَحاسِنُهُ حُمِدَ ، وَالمَحمودُ مَحبوبٌ . ولَن يُحِبَّ العِبادُ عَبدا إلّا بَعدَ حُبِّ اللّهِ عز و جل إيّاهُ ، فَتَكونُ المَحَبَّةُ دَرَجَةً إلى نَيلِ صَلاحِ مَعاشِهِ مَعَ وُفورِ مَعادِهِ . ومَنِ اجتَمَعَت لَهُ الخَصلَتانِ كَمُلَت سَعادَتُهُ ، وَالشَّقِيُّ الكامِلُ الشَّقاءِ مَن كانَ بِخِلافِ ذلِكَ . (2)
الإمام الصادق عليه السلام :رَأَيتُ المَعروفَ كَاسمِهِ ، ولَيسَ شَيءٌ أفضَلَ مِنَ المَعروفِ إلّا ثَوابُهُ وذلِكَ يُرادُ مِنهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يُحِبُّ أن يَصنَعَ المَعروفَ إلَى النّاسِ يَصنَعُهُ ، ولَيسَ كُلُّ مَن يَرغَبُ فيهِ يَقدِرُ عَلَيهِ ، ولا كُلُّ مَن يَقدِرُ عَلَيهِ يُؤذَنُ لَهُ فيهِ ، فَإِذَا اجتَمَعَتِ الرَّغبَةُ وَالقُدرَةُ وَالإِذنُ ، فَهُنالِكَ تَمَّتِ السَّعادَةُ لِلطّالِبِ وَالمَطلوبِ إلَيهِ . (3)
2 / 8ما يُحَوِّلُ الأَشقِياءَ سُعَداءَرسول اللّه صلى الله عليه و آله : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» ، (4) الصَّدَقَةُ وَاصطِناعُ المَعروفِ وصِلَةُ الرَّحِمِ وبِرُّ الوالِدَينِ ، يُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، ويَزيدُ مِنَ العُمُرِ ، ويَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (5)
.
ص: 501
حلية الأولياء عن الاوزاعي :قَدِمتُ المَدينَةَ فَسَأَلتُ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ ، عَن قَولِهِ عز و جل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَ_بِ» . فَقالَ : نَعَم ، حَدَّثَنيهِ أبي عَن جَدِّهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام قالَ : سَأَلتُ عَنها رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَقالَ : لَاُبَشِّرَنَّكَ بِها يا عَلِيُّ ، فَبَشِّر بِها اُمَّتي مِن بَعدي ، الصَّدَقَةُ عَلى وَجهِها ، وَاصطِناعُ المَعروفِ ، وبِرُّ الوالِدَينِ ، وصِلَةُ الرَّحِمِ ، تُحَوِّلُ الشَّقاءَ سَعادَةً ، وتَزيدُ فِي العُمُرِ ، وتَقي مَصارِعَ السَّوءِ . (1)
كامل الزيارات عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح عن الإمام الصادق عليه السلام ، قالَ :قُلتُ لَهُ[ عليه السلام ] : ما لِمَن أتى قَبرَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام زائِرا عارِفا بِحَقِّهِ ، غَيرَ مُستَنكِفٍ ولا مُستَكبِرٍ ؟ قالَ : يُكتَبُ لَهُ ألفُ حَجَّةٍ مَقبولَةٍ ، وألفُ عُمرَةٍ مَبرورَةٍ (2) ، وإن كانَ شَقِيّا كُتِبَ سَعيدا ، ولَم يَزَل يَخوضُ في رَحمَةِ اللّهِ . (3)
.
ص: 502
. .
ص: 503
الفصل الثّالِثُ : مبادئ الشّقاء3 / 1الجَهلُالكتاب«وَ قَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَ_بِ السَّعِيرِ» . (1)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :الجَهلُ مُميتُ الأَحياءِ ، ومُخَلِّدُ الشَّقاءِ . (2)
عنه عليه السلام :فَقدُ العَقلِ شَقاءٌ . (3)
عنه عليه السلام :أشقَى النّاسِ الجاهِلُ . (4)
الإمام الصادق عليه السلام :بَينَ المَرءِ وَالحِكمَةِ نِعمَةُ العالِمِ ، وَالجاهِلُ شَقِيٌّ بَينَهُما . (5)
.
ص: 504
3 / 2الكُفرُالكتاب«وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْاءِسْلَ_مِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْاخِرَةِ مِنَ الْخَ_سِرِينَ» . (1)
«فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَا الْأَشْقَى * الَّذِى كَذَّبَ وَ تَوَلَّى» . (2)
«أَلَمْ تَكُنْ ءَايَ_تِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَ كُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ» . (3)
«وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَ لَا يَحْيَى» . (4)
الحديثالإمام عليّ عليه السلام :مَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينا تَتَحَقَّق شِقوَتُهُ . (5)
الإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِهِ : «فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَا الْأَشْقَى * الَّذِى كَذَّبَ وَ تَوَلَّى» _: في جَهَنَّمَ وادٍ فيهِ نارٌ لا يَصلاها إلَا الأَشقَى الَّذي كَذَّبَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عَلِيٍّ عليه السلام ، وتَوَلّى عَن وِلايَتِهِ . (6)
.
ص: 505
3 / 3مَساوِئُ الأَخلاقِأ _ حُبُّ الدُّنيارسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن اُشرِبَ قَلبُهُ حُبَّ الدُّنيَا ، التاطَ (1) مِنها بِثَلاثٍ : شَقاءٍ لا يَنفَدُ عَناهُ ، وحِرصٍ لا يَبلُغُ غِناهُ ، وأمَلٍ لا يَبلُغُ مُنتَهاهُ . (2)
عنه صلى الله عليه و آله :بِئسَ العَبدُ عَبدٌ خُلِقَ لِلعِبادَةِ فَأَلهَتهُ العاجِلَةُ عَنِ الآجِلَةِ ، فازَ بِالرَّغبَةِ العاجِلَةِ وشَقِيَ بِالعاقِبَةِ . (3)
الإمام عليّ عليه السلام :إيّاكَ وَالوَلَهَ بِالدُّنيا ، فَإِنَّها تورِثُكَ الشَّقاءَ وَالبَلاءَ ، وتَحدوكَ عَلى بَيعِ البَقاءِ بِالفَناءِ . (4)
عنه عليه السلام :سَبَبُ الشَّقاءِ حُبُّ الدُّنيا . (5)
عنه عليه السلام :لا تَمهَرِ الدُّنيا دينَكَ ، فَإِنَّ مَن مَهَرَ الدُّنيا دينَهُ ، زُفَّت إلَيهِ بِالشَّقاءِ وَالعَناءِ وَالمِحنَةِ وَالبَلاءِ . (6)
عنه عليه السلام :حُكِمَ عَلى أهلِ الدُّنيا ، بِالشَّقاءِ وَالفَناءِ وَالدَّمارِ وَالبَوارِ (7) . (8)
.
ص: 506
عنه عليه السلام :إنَّ النَّفسَ الَّتي تَطلُبُ الرَّغائِبَ الفانِيَةَ ، لَتَهلِكُ في طَلَبِها وتَشقى في مُنقَلَبِها . (1)
عنه عليه السلام :اِزهَد فِي الدُّنيا وَاعزِف عَنها ، وإيّاكَ أن يَنزِلَ بِكَ المَوتُ وأنتَ آبِقٌ (2) مِن رَبِّكَ في طَلَبِها فَتَشقى . (3)
عنه عليه السلام :مَن كانَتِ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّهِ ، طالَ شَقاؤُهُ وغَمُّهُ . (4)
عنه عليه السلام :اُنظُروا إلَى الدُّنيا نَظَرَ الزّاهِدِ فيها ، فَإِنَّها ... وَاللّهِ عَن قَليلٍ تُشقِي المُترَفَ ، وتُحَرِّكُ السّاكِنَ ، وتُزيلُ الثّاوِيَ (5) . (6)
عنه عليه السلام :مَنِ اعتَمَدَ عَلَى الدُّنيا فَهُوَ الشَّقِيُّ المَحرومُ . (7)
عنه عليه السلام :مَن رَغِبَ فيها [أيِ الدُّنيا] أتعَبَتهُ وأشقَتهُ . (8)
الإمام الصادق عليه السلام :أنزِلِ الدُّنيا كَمَنزِلٍ نَزَلتَهُ فَارتَحَلتَ عَنهُ ، أو كَمالٍ أصَبتَهُ في مَنامِكَ فَاستَيقَظتَ ولَيسَ في يَدِكَ شَيءٌ مِنهُ ، فَكَم مِن حَريصٍ عَلى أمرٍ قَد شَقِيَ بِهِ حينَ أتاهُ ، وكَم مِن تارِكٍ لِأَمرٍ قَد سَعِدَ بِهِ حينَ أتاهُ . (9)
.
ص: 507
ب _ الحِرصُالإمام عليّ عليه السلام :مَن كَثُرَ حِرصُهُ (1) كَثُرَ شَقاؤُهُ . (2)
عنه عليه السلام :كَثرَةُ الحِرصِ تُشقي صاحِبَهُ ، وتُذِلُّ جانِبَهُ . (3)
عنه عليه السلام :الحِرصُ وَالشَّرَهُ (4) يَكسِبانِ الشَّقاءَ وَالذِّلَّةَ . (5)
عنه عليه السلام :عَبدُ الحِرصِ مُخَلَّدُ الشَّقاءِ . (6)
عنه عليه السلام :فِي الحِرصِ الشَّقاءُ وَالنَّصَبُ . (7)
عنه عليه السلام :الحِرصُ يُذِلُّ ويُشقي . (8)
عنه عليه السلام :مَن حَرَصَ شَقِيَ وتَعَنّى . (9)
ج _ الطَّمَعُالإمام عليّ عليه السلام :ثَمَرَةُ الطَّمَعِ الشَّقاءُ . (10)
عنه عليه السلام :لا تُمَلِّك نَفسَكَ بِغُرورِ الطَّمَعِ ، ولا تُجِب دَواعِيَ الشَّرَهِ ، فَإِنَّهُما يَكسِبانِكَ الشَّقاءَ وَالذُّلَّ . (11)
.
ص: 508
عنه عليه السلام :المَذَلَّةُ وَالمَهانَةُ وَالشَّقاءُ ، فِي الطَّمَعِ وَالحِرصِ . (1)
د _ البُخلُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :ألا وإنَّ السَّعيدَ مَنِ اختارَ باقِيَةً يَدومُ نَعيمُها ، عَلى فانِيَةٍ لا يَنفَدُ عَذابُها ، وقَدَّمَ لِما يَقدَمُ عَلَيهِ مِمّا هُوَ في يَدَيهِ ، قَبلَ أن يُخَلِّفَهُ لِمَن يَسعَدُ بِإِنفاقِهِ ، وقَد شَقِيَ هُوَ بِجَمعِهِ . (2)
الإمام عليّ عليه السلام :إذا جَمَعتَ المالَ فَأَنتَ فيهِ وَكيلٌ لِغَيرِكَ ، يَسعَدُ بِهِ وتَشقى أنتَ . (3)
عنه عليه السلام :كَم مِن غافِلٍ وَثِقَ بِغَفلَتِهِ وتَعَلَّلَ بِمُهلَتِهِ ، فَأَمَّلَ بَعيدا ، وبَنى مَشيدا ، فَنَغِصَ بِقُربِ أجَلِهِ بَعدَ أمَلِهِ ، وفاجَأَهُ مَنِيَّتُهُ بِانقِطاعِ اُمنِيَّتِهِ ، فَصارَ بَعدَ العِزِّ وَالمنَعَةِ وَالشَّرَفِ وَالرِّفعَةِ ، مُرتَهَنا بِموبِقاتِ (4) عَمَلِهِ ، قَد غابَ فَما رَجَعَ ، ونَدِمَ فَمَا انتَفَعَ ، وشَقِيَ بِما جَمَعَ في يَومِهِ ، وسَعِدَ بِهِ غَيرُهُ في غَدِهِ . (5)
عنه عليه السلام_ لِابنِهِ الحَسَنِ عليه السلام _: لا تُخَلِّفَنَّ وَراءَكَ شَيئا مِنَ الدُّنيا ، فَإِنَّكَ تُخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَينِ : إمّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِطاعَةِ اللّهِ فَسَعِدَ بِما شَقيتَ بِهِ ، وإمّا رَجُلٌ عَمِلَ فيهِ بِمَعصِيَةِ اللّهِ فَشَقِيَ بِما جَمَعتَ لَهُ ، فَكُنتَ عَونا لَهُ عَلى مَعصِيَتِهِ . ولَيسَ أحَدُ هذَينِ حَقيقا أن تُؤثِرَهُ عَلى نَفسِكَ . (6)
.
ص: 509
عنه عليه السلام :إنَّ الَّذي في يَدِكَ مِنَ الدُّنيا قَد كانَ لَهُ أهلٌ قَبلَكَ ، وهُوَ صائِرٌ إلى أهلٍ بَعدَكَ ، وإنَّما أنتَ جامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَينِ : رَجُلٍ عَمِلَ فيما جَمَعتَهُ بِطاعَةِ اللّهِ فَسَعِدَ بِما شَقيتَ بِهِ ، أو رَجُلٍ عَمِلَ فيهِ بِمَعصِيَةِ اللّهِ فَشَقيتَ بِما جَمَعتَ لَهُ ، ولَيسَ أحَدُ هذَينِ أهلاً أن تُؤثِرَهُ عَلى نَفسِكَ ، ولا أن تَحمِلَ لَهُ عَلى ظَهرِكَ ، فَارجُ لِمَن مَضى رَحمَةَ اللّهِ ، ولِمَن بَقِيَ رِزقَ اللّهِ . (1)
ه _ الرِّياءُرسول اللّه صلى الله عليه و آله :يُؤمَرُ بِرِجالٍ إلَى النّارِ فَيَقولُ اللّهُ جَلَّ جَلالُهُ لِمالِكٍ : قُل لِلنّارِ : لا تُحرِقي لَهُم أقداما فَقَد كانوا يَمشونَ إلَى المَساجِدِ ، ولا تُحرِقي لَهُم أوجُها فَقَد كانوا يُسبِغونَ الوُضوءَ ، ولا تُحرِقي لَهُم أيدِيا فَقَد كانوا يَرفَعونَها بِالدُّعاءِ ، ولا تُحرِقي لَهُم ألسُنا فَقَد كانوا يُكثِرونَ تِلاوَةَ القُرآنِ!! قالَ : فَيَقولُ لَهُم خازِنُ النّارِ : يا أشقِياءُ ، ما كانَ حالُكُم ؟ قالوا : كُنّا نَعمَلُ لِغَيرِ اللّهِ تَعالى ، فَقيلَ لَنا : خُذوا ثَوابَكُم مِمَّن عَمِلتُم لَهُ . (2)
و _ الحَسَدُالإمام عليّ عليه السلام :ثَمَرَةُ الحَسَدِ شَقاءُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . (3)
.
ص: 510
ز _ الغَفلَةُالإمام عليّ عليه السلام_ في وَصِيَّتِهِ لِعُوّادِهِ بَعدَ ما ضُرِبَ _: فَيا لَها حَسرَةً عَلى كُلِّ ذي غَفلَةٍ ، أن يَكونَ عُمُرُهُ عَلَيهِ حُجَّةً ، أو تُؤَدِّيَهُ أيّامُهُ إلى شِقوَةٍ . (1)
ح _ الحَمِيَّةُالإمام عليّ عليه السلام_ بَعدَ ما ذَكَرَ صِفَةَ خَلقِ آدَمَ عليه السلام _: فَقالَ سُبحانَهُ : «اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَا إِبْلِيسَ» (2) اعتَرَتهُ الحَمِيَّةُ (3) ، وغَلَبَت عَلَيهِ الشِّقوَةُ . (4)
3 / 4مَساوِئُ الأَعمالِأ _ معصية اللّهالإمام الصادق عليه السلام_ في قَولِ اللّهِ عز و جل : «قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا» (5) _: بِأَعمالِهِم شَقوا. (6)
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن عَمِلَ سوءا شَهِدَت عَلَيهِ : جَوارِحُهُ ، وبِقاعُهُ ، وشُهورُهُ ، وأعوامُهُ ، وساعاتُهُ (وأيّامُهُ) ولَيالِي الجُمَعِ وساعاتُها وأيّامُها ، فَيَشقى بِذلِكَ شَقاءَ الأَبَدِ . (7)
.
ص: 511
عنه صلى الله عليه و آله :اللّهُمَّ ... لا تُشقِني بِمَعصِيَتِكَ . (1)
الإمام عليّ عليه السلام_ في كِتابِهِ لِلأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ عَلى مِصرَ _: هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ ... أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ وإيثارِ طاعَتِهِ ، وَاتِّباعِ ما أمَرَ بِهِ في كِتابِهِ مِن فَرائِضِهِ وسُنَنِهِ ، الَّتي لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِاتِّباعِها ، ولا يَشقى إلّا مَعَ جُحودِها وإضاعَتِها . (2)
عنه عليه السلام :لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِإِقامَةِ حُدودِ اللّهِ ، ولا يَشقى أحَدٌ إلّا بِإِضاعَتِها . (3)
عنه عليه السلام :خِذلانُ الأَشقِياءِ بِالعِصيانِ . (4)
عنه عليه السلام :لا يَشقَى امرُؤٌ إلّا بِمَعصِيَةِ اللّهِ . (5)
عنه عليه السلام :بِالمَعصِيَةِ تَكونُ الشَّقاءُ . (6)
الإمام زين العابدين عليه السلام :إيّاكُم وَالذُّنوبَ الَّتي قَلَّما أصَرَّ عَلَيها صاحِبُها إلّا أدّاهُ إلَى الخِذلانِ المُؤَدّي إلَى الخُروجِ عَن وِلايَةِ مُحَمَّدٍ وعَلِيٍّ وَالطَّيِّبينَ مِن آلِهِما ، وَالدُّخولِ في مُوالاةِ أعدائِهِما ، فَإِنَّ مَن أصَرَّ عَلى ذلِكَ فَأَدّى خِذلانُهُ إلَى الشَّقاءِ الأَشقى مِن مُفارَقَةِ وِلايَةِ سَيِّدِ اُولِي النُّهى ، فَهُوَ مِن أخسَرِ الخاسِرينَ . (7)
.
ص: 512
الإمام الصادق عليه السلام :اللّهُمَّ ... لا تُشقِني بِنَشطي لِمَعاصيكَ . (1)
الإمام الرضا عليه السلام_ في دُعائِهِ _: أعوذُ بِكَ مِنَ الذُّنوبِ الَّتي تورِثُ الشَّقاءَ . (2)
تحف العقول_ في مُناجاةِ اللّهِ عز و جل لِموسى عليه السلام _: يا موسى ... مَن عَصاني شَقِيَ . (3)
ب _ مُخالَفَةُ أهلِ البَيتِرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِعلَموا أنَّكُم إن أطَعتُم عَلِيّا سَعِدتُم ، وإن خالَفتُموهُ شَقيتُم . (4)
الإمام زين العابدين عليه السلام :اِعلَموا أنَّهُ مَن خالَفَ أولِياءَ اللّهِ ، ودانَ بِغَيرِ دينِ اللّهِ ، وَاستَبَدَّ بِأَمرِهِ دونَ أمرِ وَلِيِّ اللّهِ ، كانَ في نارٍ تَلتَهِبُ ، تَأكُلُ أبدانا قَد غابَت عَنها أرواحُها وغَلَبَت عَلَيها شِقوَتُها ، فَهُم مَوتى لا يَجِدونَ حَرَّ النّارِ ، ولَو كانوا أحياءً لَوَجَدوا مَضَضَ (5) حَرِّ النّارِ ، وَاعتَبِروا يا اُولِي الأَبصارِ . (6)
الإمام الصادق عليه السلام :الحَمدُ للّهِِ الَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا بِالحَقِّ نَبِيّا وأكرَمَنا بِهِ ، فَنَحنُ صَفوَةُ اللّهِ عَلى خَلقِهِ وخِيَرَتُهُ مِن عِبادِهِ ، فَالسَّعيدُ مَنِ اتَّبَعَنا ، وَالشَّقِيُّ مَن عادانا وخالَفَنا . (7)
.
ص: 513
عنه عليه السلام :دَخَلَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وهُوَ في بَيتِ اُمِّ سَلَمَةَ ، فَلَمّا رَآهُ قالَ : كَيفَ أنتَ يا عَلِيُّ ، إذا جُمِعَتِ الاُمَمُ ، ووُضِعَتِ المَوازينُ ، وبَرَزَ لِعَرضِ خَلقِهِ ، ودُعِيَ النّاسُ إلى ما لا بُدَّ مِنهُ ؟ قالَ : فَدَمَعَت عَينُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : ما يُبكيكَ يا عَلِيُّ ؟ تُدعى وَاللّهِ أنتَ وشيعَتُكَ غُرّا مُحَجَّلينَ (1) ، رِواءً مَروِيّينَ ، مُبيَضَّةً وُجوهُكُم ، ويُدعى بِعَدُوِّكَ مُسوَدَّةً وُجوهُهُم ، أشقِياءَ مُعَذَّبينَ . (2)
الأمالي للمفيد عن سلمان الفارسي :خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ عَرَفَةَ ، فَقالَ [لِعَلِيٍّ عليه السلام ] : ... إنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَن عَصاكَ ، ونَصَبَ لَكَ عَداوَةً مِن بَعدي . (3)
الإمام المهدي عليه السلام :إذا أرَدتُمُ التَّوَجُّهَ إلَى اللّهِ وإلَينا فَقولوا : ... يا مَولايَ ، شَقِيَ مَن خالَفَكُم وسَعِدَ مَن أطاعَكُم . (4)
ج _ اِتِّباعُ الهَوىرسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِحذَرِ الهَوى ، فَإِنَّهُ قائِدُ الأَشقِياءِ إلَى النّارِ . (5)
الإمام عليّ عليه السلام :إنَّكَ إن مَلَّكتَ نَفسَكَ قِيادَكَ ، أفسَدتَ مَعادَكَ ، وأورَدَتكَ بَلاءً لا يَنتَهي
.
ص: 514
وشَقاءً لا يَنقَضي . (1)
عنه عليه السلام :مَن أهمَلَ نَفسَهُ في لَذّاتِها شَقِيَ وبَعُدَ . (2)
عنه عليه السلام :مَغلوبُ الهَوى ، دائِمُ الشَّقاءِ ، مُؤَبَّدُ الرِّقِّ . (3)
عنه عليه السلام :مَن سامَحَ نَفسَهُ فيما يُحِبُّ ، أتعَبَتهُ فيما يَكرَهُ . (4)
د _ الظُّلمُالإمام عليّ عليه السلام :ظُلمُ المَرءِ فِي الدُّنيا ، عُنوانُ شَقائِهِ فِي الآخِرَةِ . (5)
ه _ عُقوقُ الوالِدَينِالإمام الصادق عليه السلام :عُقوقُ الوالِدَينِ مِنَ الكَبائِرِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ العاقَّ عَصِيّاً شَقّيا (6) . (7)
و _ تِلكَ الاُموررسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن ذَكَرَني ولَم يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَد شَقِيَ ، ومَن أدرَكَ رَمَضانَ فَلَم تُصِبهُ الرَّحمَةُ فَقَد شَقِيَ ، ومَن أدرَكَ أبَوَيهِ أو أحَدَهُما فَلَم يَبَرَّ فَقَد شَقِيَ . (8)
.
ص: 515
الفهرس التفصيلي .
ص: 516
. .
ص: 517
. .
ص: 518
. .
ص: 519
. .
ص: 520
. .
ص: 521
. .
ص: 522
. .
ص: 523
. .
ص: 524
. .
ص: 525
. .
ص: 526
. .
ص: 527
. .
ص: 528
. .
ص: 529
. .
ص: 530
. .