سرشناسه : احمدي ميانجي، علي، 1304 - 1379.، گردآورنده
عنوان و نام پديدآور : مكاتيب الائمه/ علي الاحمدي الميانجي؛ تحقيق و مراجعه مجتبي فرجي.
مشخصات نشر : قم: موسسه دار الحديث العلميه و الثقافيه، مركز الطباعه و النشر، 1427ق.=1385 -
مشخصات ظاهري : ج.
فروست : مركز بحوث دارالحديث؛ 93.
شابك : دوره: 964-493-021-5 ؛ 34000ريال: ج. 1، چاپ دوم: 964-493-019-3 ؛ 32000ريال: ج. 2: 964-493-021-5 ؛ 28000 ريال: ج.3 964-493-028-2: ؛ 32000 ريال: ج.4: 964-493-165-3 ؛ 50000 ريال: ج.5 : 978-964-493-254-0 ؛ 50000 ريال: دوره، چاپ پنجم: 978-964-493-021-8 ؛ ج.1، چاپ پنجم: 978-964-493-019-5 ؛ ج.2، چاپ پنجم: 978-964-493-020-1 ؛ ج.3، چاپ پنجم: 978-964-493-028-7 ؛ ج.4، چاپ سوم: 978-964-493-165-9 ؛ ج.5، چاپ سوم: 978-964-493-254-0 ؛ ج.6، چاپ چهارم: 978-964-493-344-8
يادداشت : عربي.
يادداشت : كتاب حاضر همراه با شرح و توضيح نامه هاي حضرت علي (ع) است كه توسط علي احمدي ميانجي گردآوري و تنظيم شده است.
يادداشت : ج.1 - 3 ( چاپ دوم ).
يادداشت : ج.1 تا 3(چاپ اول: 1384).
يادداشت : ج.4 ( چاپ اول: 1385 ).
يادداشت : ج.5 (چاپ اول: 1387).
يادداشت : ج.1-3(چاپ پنجم: 1389).
يادداشت : ج.5،4 و7 (چاپ سوم: 1389).
يادداشت : ج.6(چاپ چهارم: 1389).
يادداشت : كتابنامه.
يادداشت : نمايه.
مندرجات : ج.1و2 . مكاتيب الامام علي.- ج.3. مكاتيب الامام الحسن والحسين و علي بن الحسين و محمدبن علي.- ج.4. مكاتيب الامام جعفربن محمدالصادق والامام موسي بن جعفرالكاظم عليهما السلام.- ج.5. مكاتيب الامام علي بن موسي الرضا عليهما السلام و مكاتيب الامام محمد بن علي الجواد عليهما السلام.- ج.6.مكاتيب الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام و مكاتيب الاما م الحسن بن علي العسكري عليه السلام.- ج.7. مكاتيب الامام ابي القاسم المهدي عجل الله فرجه الشريف.
موضوع : ائمه اثناعشر -- نامه ها
شناسه افزوده : فرجي، مجتبي، 1346 - ، محقق
شناسه افزوده : موسسه علمي - فرهنگي دارالحديث. سازمان چاپ و نشر
رده بندي كنگره : BP36/5/الف3م7 1385
رده بندي ديويي : 297/95
شماره كتابشناسي ملي : 1203857
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
ص: 7
مَكاتيْبُ الإِمامِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضا عليهماالسلام
.
ص: 8
. .
ص: 9
تصديرلقد عاش أئمّة الهدى عليهم السلام في ظروفٍ غلب عليها طابع الكبت و الرّعب و شتّى أنواع الضغوطات ، ولكنّهم رغم ذلك لم يتوانوا لحظة واحدة عن أداء واجبهم ، و لم يستسلموا لتلك الظروف ، بل نهضوا بما تمليه عليهم رسالتهم في الحياة ، فنظروا إلى متطلّبات زمانهم ، و عملوا على تلبيتها بما يتناسب معها . فكانت إجاباتهم عمّا يُعرض عليهم من الأسئلة على شكل أقوالٍ تارّةً ، أو سلوكٍ علميٍّ ، أو آثارٍ مكتوبةٍ تارّةً أُخرى ، و خلّفوا وراءهم ما هو كفيل بهداية الأجيال اللّاحقة . و لكن ممّا يؤسف له حقّا أنّه لم يصلنا من تلك الآثار و من ذلك التراث الغني إلّا القليل النادر ممّا لم يكن عرضة لعوادي الدهور و صروف الأيّام ، و حتّى هذا القليل النادر لا يتّسم بما ينبغي أن يتّسم به من الشفّافية و الوضوح ، و إنّما فيه متّسع للكلام و التعليق . و يمكننا في هذا المجال أن نُشير _ على سبيل المثال _ إلى كتابين ، هما : فقه الرّضا و صحيفة الرّضا ؛ حيث هناك جدل حول صحّة أو عدم صحّة انتسابهما إلى الإمام الرّضا عليه السلام ، و كُتبت بعض الآراء الّتي تتناول هذه المسألة بالبحث و التدقيق . وهذا الكتاب الّذي بين أيديكم ، هو المجلد الخامس من سلسلة مكاتيب الأئمة التي عني بجمعها وتحقيقها المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ علي الأحمدي الميانجي ويتضمن مكاتيب الإمامين الهمامين عليّ ابن موسى الرضا عليه السلام ومحمّد بن عليّ الجواد عليه السلام . إنّ الكتاب الجامع لمكاتيب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قد طبع في زمن حياته عام 1411 ه . ق من قبل المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام وضمت تلك الطبعة 200 مكتوبة للإمام الرضا عليه السلام . ولكنّها لم تكن مرتبة وفق ترتيب موضوعى مع مازاده عليه ، و قوامها إجاباته على ما كان يصل إليه من مكتوبات تتضمّن أسئلة أو أيّة قضايا أُخرى ، فكان في المقابل يجيب عليها ، أو يردّ عليها بخطّ يده ، أو يأمر بكتابة الرّدّ عليها . و فيها بعض الموارد بادر ابتداءً إليها من غير أن تُعرض عليه ، رغم أنّ بعض الأقسام مثل : مكتوبة محض الإسلام ، و أجوبة مسائل ابن سنان ، و علل ابن شاذان لا تخلو من مباحث وردت في فقه الرّضا و صحيفة الرّضا . كما أنّ بعض الأقسام أُضيفت إليها مطالب أُخرى طردا للباب .
.
ص: 10
و بما أنّ المرحوم المؤلّف كان قد كتب مقدّمة مكاتيب الإمام الرضا عليه السلام في زمن تدوينه ، لذلك فهي تُعتبر بمثابة وثيقة علميّة جديرة بالاهتمام ، فأدرجناها بحذافيرها في مقدمة هذا القسم من الكتاب . و لابدّ من التنبيه إلى أنّ الإحصائيات و الأرقام الّتي أوردها المؤلّف في المطبوع ، تستند إلى ما كان متوفّرا لديه من المعلومات في ذلك الوقت ، إلّا أنّ هذه السلسلة من الكتب الّتي تصدر اليوم تحت عنوان مكاتيب الأئمّة ، قد أُعيد النظر فيها و أُضيف إليها مزيدا من الأحاديث المكتوبة . وقد رتبت مكاتيب الإمام الجواد عليه السلام في ثمانية موضوعات وهي تطبع اوّل مرّة وتشكّل القسم الثاني من هذا الكتاب . و قد أُخضع هذا المجلّد _ كما هو الحال بالنسبة إلى المجلّدات الأُخرى _ للمراجعة و التنقيح ، و أُضيفت إلى ما كتبه رحمه الله زيادات ، سواء في المتن أو في الهوامش ، وأُعيد تنظيم المكاتيب فيه حسب الترتيب الموضوعي . و هنا نرى بأنّ الواجب يملي علينا ضمن دعائنا للمؤلّف الرّاحل بالرحمة و المغفرة ، أن نعرب عن فائق الشكر و التقدير لسماحة حجّة الإسلام مجتبى فرجي ؛ الَّذي تكفّل بمهمّة مراجعة الكتاب و تحقيقه مع ما زاده عليه . والسلام عليكم محمد كاظم رحمان ستايش
.
ص: 11
المقدّمةالحمد للّه ربّ العالمين ، و صلّى اللّه على رسوله محمّد و آله الطاهرين ، و اللعن على أعدائهم و منكري فضائلهم و ولايتهم من الأوّلين و الآخرين . اللّهمّ صلّ على وليّ أمرك القائم المؤمّل و العدل المنتظر ، و حفّه بملائكتك ، و أيّده بنصرك ، و أعزّه بجندك ، و أحيي به ما أماته الظالمون من معالم دينك . اللّهمّ أعزّه و اعزز به ، و انصره و انتصر به ، و انصره نصرا عزيزا ، و افتح له فتحا يسيرا ، و اجعلنا من شيعته و أعوانه و أنصاره . آمين ربّ العالمين . و بعد ، فبفضل اللّه و منّه تسلّمت الدعوة من المؤتمر العالمي للإمام الرّضا _ صلوات اللّه عليه _ سنة 1365 ه . ش ، الموافق لسنة 1406 ه . ق ، فاغتنمت الفرصة لتلبيتها ؛ لتقبيل العتبة السامية ، و التشرّف بزيارة الإمام الثامن _ سلام اللّه عليه _ و الحضور في هذا المجمع الحافل بالعلماء المحقّقين . و حضرت المؤتمر و استفدت من محتوياته العالية ؛ من خطبة تُلقى ، و كتاب تحقيقيّ يُهدى ، و رسالة جامعة تُقرأ ، كلّها حول عظمة الإمام و تاريخ حياته و ... . و بما أنّني لم أكن قد أعددت شيئا لهذه المناسبة ، فقد حثّني بعض الإخوان _ بحسن ظنّهم _ على أن أكتب شيئا و لو قليلاً كهدبة النملة ، فرجعت إلى ما كنت قد جمعته في طوال السنين الغابرة _ لعلّه منذ ثلاثين سنة _ من كتب الإمام الرّضا عليه السلام ، من دون أيّ تحقيق حول مصادر الكتاب و أسانيده ، أو تحقيق حول مضامينه . رجعت إليه و أهديته إلى المؤتمر ، معتذرا لثامن الأئمّة عن التقصير ، و لعلّ القليل
.
ص: 12
يُقبل و يُكرم ؛ لأنّ المُهدى إليه كريم عادته الكرم و سجيّته الفضل و الإنعام . هذا ، و تشتمل هذه الوجيزة المتواضعة على كلّ ما روي عنه صلوات اللّه عليه من الكتب و الرّسائل ، حتّى جواب الأسئلة في الأحكام و غيرها ، و حتّى ما أملاه على آخرين فكتبوه ، باستثناء ما طُبع مستقلّاً ممّا نُسب إليه صلوات اللّه عليه ، ك صحيفة الرّضا عليه السلام و فقه الرّضا عليه السلام المنسوبين إليه صلوات اللّه عليه ؛ فإننّا لم نحتج إلى نقلهما في هذه الوجيزة ؛ فإنّهما قد طبعا مرارا و كتب حولهما العلماء المحقّقون ، كالعلّامة المحقّق النوري رحمه الله في خاتمة المستدرك المجلّد الثالث ، و بحار الأنوار في المقدّمة ، و أعيان الشيعة في ترجمة الإمام الرّضا عليه السلام . نظ_رات هامّ_ة اهتمّ النبيّ العظيم صلى الله عليه و آله و آل بيته الطاهرين عليهم السلام بعد كتابة القرآن الكريم ، بكتابة السنن و العلوم النبويّة . فقال صلى الله عليه و آله : «قيّدوا العلم بالكتاب » . (1) عن عبد اللّه بن عمرو ، قال : قالت لي قريش : تكتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و إنّما هو بشر يغضب كما يغضب البشر . فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت : يا رسول اللّه ، إنّ قريشا يقول : تكتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله و إنّما هو بشر يغضب كما يغضب البشر ! قال : فأومأ لي شفتيه فقال : « و الّذي نفسي بيده ما يخرج ممّا بينهما إلّا حقّ فاكتب » . (2) و شكى رجل إليه سوء الحفظ ، قال : « استعن بيمينك » و أومأ بيده للخطّ . (3)
.
ص: 13
« و اكتبوا هذا العلم ؛ فإنّكم تنتفعون به إمّا في دنياكم أو في آخرتكم ، و أنّ العلم لا يضيّع صاحبه » . (1) « ضالّة المسلم العلم ، كلّما قيّد حديثا طلب إليه آخر » . (2) « من ترك أربعين حديثا بعد موته ، فهو رفيقي في الجنّة » . (3) هذا الحديث ورد بأسانيد متعدّدة متظافرة أو متواترة من طرق الفريقين بألفاظ متقاربة . (4) « من كتب عنّي أربعين حديثا رجاء أن يغفر اللّه له ، غفر اللّه له و أعطاه ثواب الشهداء » . (5) «اكتبوا عنّي و لا حرج » أو «اكتبوا و لا حرج» . (6) قال عبد اللّه بن عمرو : يا رسول اللّه أُقيّد العلم؟ قال : «نعم» . قلت : و ممّا تقييده؟ قال : «الكتاب» . (7) و الإمام الباقر عليه السلام قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السلام : اُكتب ما أُملي عليك . قال : يا نبي اللّه أتخاف عليَّ النسيان؟ فقال : لست أخاف عليك النسيان و قد دعوت اللّه لك أن يحفظك و لا ينسيك ، و لكن اُكتب لشركائك . قال : قلت : و من شركائي يا نبيّ اللّه ؟
.
ص: 14
قال : الأئمّة من ولدك ، بهم تُسقى أُمّتي الغيث ، و بهم يُستجاب دعاؤهم ، و بهم يصرف اللّه عنهم البلاء ، و بهم تنزل الرّحمة من السماء ، و هذا أوّلهم _ و أومأ بيده إلى الحسن عليه السلام ، ثمّ أومأ بيده إلى الحسين عليه السلام ، ثمّ قال عليه السلام _ : الأئمّة من ولده » . (1) و عن الحارث الأعور ، عن عليّ عليه السلام ، قال : « قيّدوا العلم ، قيّدوا العلم » ، مرّتين . (2) و قال عليه السلام : « من يشتري منّي علما بدرهم ؟ » أو « يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم » . (3) عن شرحبيل بن سعد ، قال : دعا الحسن بن عليّ بنيه و بني أخيه ، فقال : « يا بني و بني أخي ، إنّكم صغار قومٍ يوشك أن تكونوا كبار قومٍ آخرين ، فتعلّموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه فيكتبه و يضعه في بيته » . (4) هذا كلّه في الاهتمام بكتابة العلم المرويّ عن النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله . و أمّا ما روى الأئمّة من ولده _ صلوات اللّه عليه _ ، فكثير لا تسعه هذه العجالة . كما أنّه صلى الله عليه و آله على رغم أنّه كان أُميّا بعث في الاُميّين ، فقال صلى الله عليه و آله : « إنّي بُعثت إلى أُمّة أُميّة» (5) ، و « إنّا أُمّة أُميّة لا نكتب و لا نحسب » (6) ، فلم يكن _ حينما بُعث _ في مكّة و المدينة من يحسن الكتابة إلّا القليل .
.
ص: 15
اهتمّ كثيرا بتعليم المسلمين الكتابة في مكّة و المدينة ، فشاعت الكتابة و ذاعت بين المسلمين ، حتّى إنّه صلى الله عليه و آله في بدر يقبل ممّن لا مال له و هو يحسن الكتابة أن يعلّم عشرا من غلمان الأنصار (1) . و أمر عبد اللّه بن سعيد أن يعلّم النّاس الكتابة بالمدينة ، و كان محسنا (2) . و كثرت الكتابة العربية في المدينة بعد الهجرة ، و لعلّ كلّ ذلك استيحاء منه صلى الله عليه و آله عن القرآن الكريم ، حيث يقسم بالقلم فيقول : «ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ» (3) ، ويقول : «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْاءِنسَ_نَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْاءِنسَ_نَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (4) . ويشير سبحانه إلى أهمّية الكتابة ، فيصف القرآن الكريم بالكتاب ويقول : «ذَ لِكَ الْ_كِتَ_بُ لَا رَيْبَ فِيهِ » (5) ،كما أنّه يصف مانزل على موسى وعيسى _ على نبيّنا وآله وعليهم السلام _ بالكتاب ، ويصف الّذين أُنزل عليهم التوراة والإنجيل بأنّهم أهل الكتاب ، بل يصف ما نزل على الأنبياء عليهم السلام بالصحف والكتب ، في قوله : «أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الْأُولَى» (6) و «إِنَّ هَ_ذَا لَفِى الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى» (7) و «كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» (8) و «مَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» (9) «وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ» (10) إلى غير ذلك .
.
ص: 16
ويأمر سبحانه وتعالى المسلمين بالكتابة في الاُمور الجارية المتعارفة في معاملاتهم ، ويقول : «فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ» (1) و «وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبُ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْ_ئا فَإِن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلَا تَسْ_ئمُواْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَ لِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَ_دَةِ وَأَدْنَى أَلَا تَرْتَابُواْ...» (2) . و يشير إلى الحكمة الداعية إلى الأمر بها . أو استرشادا ممّا يحكم به العقل السليم من أنّ الكتابة فيها ضبط أدقّ و أوفى ، و لا سيما لجزئيات الاُمور ، و أنّها وسيلة ناجحة لتقديم الخيرات للأجيال اللّاحقة ، و تعاون البشرية على بناء حياتها ، و أنّها تمثّل تراثا و وثائقا قويّةً تساعد كثيرا على دراسة كثير من الحالات و الظواهر الّتي قد لا تجد من يعبّر عنها في الظروف العادية لولا هذا الكتاب . كما أنّ الكتابة تمثّل التاريخ و الحضارة في الأقوام البائدة و مقدار الحضارة الغابرة . و أوّل من عمل بوصية رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كتابة السنن و الأخلاق و التفسير و الفقه و كلّ العلوم النبويّة ، هو وصيّه و وزيره و ابن عمّه و أبو ولده أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، فإنّه كتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ ما يحتاج إليه النّاس إلى يوم القيامة ، بإملائه صلى الله عليه و آله ، كما أوردناه في مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله الفصل التاسع من المقدّمة . و كان أهل بيته عليهم السلام الوارثون لهذه الكتب ، يفتخرون بها و يدّخرونها كما يدّخر
.
ص: 17
أصحاب الدنيا كنوزهم ، و قال عليّ عليه السلام في وصف أهل بيته عليهم السلام : «موضع سرّه ، و لجأ أمره ، و عيبة علمه ، و موئل حكمه ، و كهوف كتبه ، و جبال دينه » . (1) و « الكتب » جمع أُريد به الكتب العديدة الكثيرة ، لا القرآن فقط ، و لذا قال المعتزلي في الشرح : و كتبه : يعني القرآن والسنّة عندهم ، فهم كالكهوف له لاحتوائهم عليه ، و واضح أنّ المراد هو السنّة المكتوبة الموجودة المحفوظة عندهم ، بقرينة المقابلة مع قوله : « و عيبة علمه » . (2) و الضمائر الثمانية راجعة إلى محمّد صلى الله عليه و آله ، كما مرّ ذكره في أوائل الخطبة ، و هذا هو الأظهر بقرينة المقام ، لا ما يظهر من ابن ميثم حيث أرجع الضمير إلى اللّه تعالى ، و قال : إنّ المراد من كتبه تعالى : القرآن و سائر الكتب السماوية . و هذه كتب أمير المؤمنين عليه السلام الّتي نقلها جهابذة العلم في الفنون المختلفة من العلوم الإسلامية ، وكانت من الكثرة بحيث اختار منها الشريف الرّضيّ _ رضوان اللّه عليه _ على عادته في النهج طائفة ، و ما تركها أو فات عنها كثير جدّا ، و لعمري إنّ كتبه صلوات اللّه عليه من ذخائر الإسلام ، يجب على كلّ مسلم منصف أن يدرسها و يتعلّمها و يتأدّب بها و يستعين بها في دينه و دنياه . هذا ، و قد اتّبع أثره صلوات اللّه عليه بنوه المعصومون الأطهار عليهم السلام في كتابة العلم ، فإنّهم عليهم السلام مع وجود الموانع الّتي أوجدها الأعداء الألدّاء الأمويّون ؛ الشجرة الملعونة و شيعتهم و مواليهم الملعونون ، و بعدهم العبّاسيون ، حتّى إنّ الحسنين عليهماالسلامطيلة حياتهما لم يُسألا عن شيء من أحكام الدين و حقائقه إلّا فيما ندر وشذّ ، و لأجل ذلك لا يوجد عنهما في كتب الحديث إلّا ما نقله عنهما آلهما و قليل من غيرهم . نعم ، إنّهم مع وجود الموانع الكثيرة قد كتبوا في أجوبة المسائل الكلامية أو الفقهية ، كما و كتبوا العديد من الرّسائل في المسائل الهامّة ، كالتوحيد و الإمامة و الحقوق و العلل و ... .
.
ص: 18
فها نحن نجد كتبا للحسنين عليهماالسلام في الكلام و التفسير و الولاية و الوثائق السياسية و . . . ما لم يصل إلينا . كما إنّا نجد كتبا للإمام أبي الحسن عليّ بن الحسين عليهماالسلام في المعارف الإلهية في صورة الدعاء ، وهناك كتبه عليه السلام في الحقوق والمواعظ و ... ولعلّها تقرب من أربعين كتابا ، هذا عدى ما روي عنه عليه السلام كتاب الصحيفة السجّادية بأسانيد جمّة . وروي عن الصادقين عليهماالسلام أيضا كتب كثيرة ، فانظر إلى ما كتبه أبو جعفر الباقر عليه السلام إلى بعض خلفاء بني أُميّة في الجهاد ، وإلى ما كتبه إلى سعد الخير في المعارف والأخلاق ، وما أعطاه لأبي حمزة من الدعاء الجامع . وانظر إلى ما أملاه الصادق عليه السلام على المفضّل من التوحيد ، وإلى ما كتبه إليه من مناظرته مع الهندي ؛ فإنّها مناظرة هامّة جدّا ، وإلى ما كتبه إلى بني الحسن المعتقلين تعزيةً لهم ، وإلى ما كتب في الدعاء ، وإلى ما كتبه في المغانم ، وإلى رسالته إلى شيعته ، وإلى ما كتبه إلى المفضّل في الرّدّ على المنحرفين المنتحلين للإسلام ... ولعلّها تبلغ إلى ثلاثة وتسعين ومئة كتاب . وراجع كتب الإمام الكاظم عليه السلام _ مع أنّه عاش معتقلاً في السجون _ فيما كتبه للرشيد _ لعنه اللّه تعالى _ في كلمات جامعة في الإسلام ، وما كتب إلى عليّ بن سويد في جوابه ، وإلى فتح بن عبد اللّه في التوحيد ، وما كتبه في صدقاته ، وما كتبه إلى المهديّ العبّاسيّ في جوابه ، وما كتب إلى الخيزران في تعزيتها بابنها موسى ، و ... إلى ما ينيف على سبع ومئة كتاب . وانظر إلى كتب أبي جعفر الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام ، وقد تصل إلى خمسة عشر ومئة كتاب ، فيها كتابه عليه السلام إلى بعض أوليائه في الزهد ، وكتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرج في الدعاء ، وإلى حاكم سجستان ، وكتابه في الخمس ، وإلى عليّ بن مهزيار في أجوبة مسائله ، و غير ذلك . و انظر إلى كتب أبي الحسن الهادي عليه السلام ، فإنّها تقرب من سبعة وثمانين ومئتين
.
ص: 19
كتاب ، وفيها كتابه عليه السلام في جواب يحيى بن أكثم ، ورسالته في الرّدّ على أهل الجبر والتفويض ، وكتابه إلى اليسع بن حمزة القمّي والي المتوكّل _ لعنه اللّه تعالى _ ، وكتابه في الزيارة المعروفة . و انظر إلى كتب أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام الّتي تصل إلى سبعة و خمسين و مئة كتاب ، منها كتابه عليه السلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، و كتبه عليه السلام إلى محمّد بن الحسن الصفّار ، و إلى أهل قم و آبة و إلى ابن بابويه القمّي ، و كتابه عليه السلام في أحمد بن هلال ، و فيمن ادّعوا النيابة من قبله عليه السلام ، و إلى محمّد بن عبيد اللّه في اختلاف النّاس ، و كتابه عليه السلام في الصلوات ، و كتابه عليه السلام في الدعاء ، و ... . و انظر في التوقيعات الصادرة عن الحجّة القائم عليه السلام ، فإنّها تقرب من ستّة و عشرين ومئة توقيع . كلّها متضمّنة للعلوم الإلهية و السنن النبويّة ؛ من التفسير و الفقه و الأخلاق و الأدعية و الزيارات ، وكذا ما في هذه الوجيزة من الكتب المنسوبة إلى المولى الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، فإنّ فيها الكتاب الّذي كتبه صلوات اللّه عليه إلى المأمون العبّاسي _ لعنه اللّه تعالى _ في محض الإسلام المشتمل على الاُصول العقائدية ، حيث قد أكّد على مسألة الولاية ، مصرّحا بأسماء الأئمّة عليهم السلام ، و كذا الفروع . . . و كذا ما كتبه من العلل إلى محمّد بن سنان ، و إلى محمّد بن عبيد ، و الفتح في الكلام ، و إلى عبد اللّه بن جندب في الولاية ، و . . . و لعلّها تصل إلى عشرين و مئتين كتاب . و قد سبق إلى جمع قسم كبير منها العلّامة المحقّق المتتبّع ، علم الهدى الكاشاني ، في كتابه القيّم معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة عليهم السلام ، والفضل لمن سبق . عليّ الأحمدي الميانجى ¨ أوّل شوال المكرّم 1409ه . ق 17 / 1 / 1368 ه . ش
.
ص: 20
. .
ص: 21
الفصل الأوّل: في التّوحيد
.
ص: 22
. .
ص: 23
1كتابه عليه السلام إلى هشام المشرقيّفي معاني التّوحيدهشام المشرقيّ1 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الخراساني عليه السلام : رجلٌ يسأل عن معانٍ في التّوحيد ؟ قال : فقال لي : ما تَقولُ إِذا قالوا لَكَ أَخبِرنا عَنِ اللّهِ ، شَيءٌ هوَ أَم لا شَيء ؟ قال : فقلتُ : إنّ اللّه أثبت نفسه شيئا فقال : « قُلْ أَىُّ شَىْ ءٍ أَكْبَرُ شَهَ_دَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ» (1) ، لا أقول شيئا كالأشياء ، أو نقول إنّ اللّه جسم ؟ فقال : وما الّذي يَضعُفُ فيهِ مِن هذا إنّ اللّهَ جِسمٌ لا كالأَجسامِ وَ لا يَشبَهُهُ شَيءٌ مِنَ المَخلوقينَ ؟ قال : ثمّ قال : إِنَّ لِلنَّاسِ في التَّوحيدِ ثَلاثَةَ مَذاهِبَ : مَذهَبُ نَفيٍ ، و مَذهَبُ تَشبيهٍ ، وَ مَذهَبُ إِثباتٍ
.
ص: 24
بِغَيرِ تَشبيهٍ،فَمَذهَبُ النَّفي لايَجوزُ ،وَمَذهَبُ التَّشبيهِ لايَجوزُ ؛ وذلِكَ أَنَّ اللّهَ لايُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَالسَّبيلُ في ذلِكَ الطَّريقَةُ الثَّالِثَةُ ؛ وَ ذلِكَ أَنَّه مُثبَتٌ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، وَ هوَ كَما وَصَفَ نَفسَهُ أَحَدٌ صَمَدٌ نورٌ . (1) وفي رواية أُخرى عن هشام بن المشرقيّ ، عن أبي الحسن الخراسانيّ عليه السلام ، قال : إِنَّ اللّهَ كَما وَصَفَ نَفسَهُ ، أحَدٌ صَمَدٌ نورٌ . ثمّ قال : «بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ» (2) . فقلت له : أفله يدان هكذا ؟ وأشرت بيدي إلى يده . فقال : لَو كانَ هكَذا كانَ مَخلوقا. (3)
2كتابه عليه السلام إلى محمّد بن زيدمحمّد بن الحسن عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (4) ، عن محمّد بن زيد 5 قال : جئت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن التّوحيد ، فأملى عليَّ :الحَمدُ للّهِ فاطِرِ الأَشياءِ إِنشاءً ، ومُبتَدِعِها ابتِداعا بِقُدرَتِهِ وحِكمَتِهِ ، لا مِن شَيءٍ فَيَبطُلَ الاِختِرَاعُ وَلا لِعِلَّةٍ فَلا يَصِحَّ الاِبتِداعُ ، خَلَقَ ما شاءَ كَيفَ شاءَ ، مُتَوَحِّدا بِذلِكَ لإِظهارِ حِكمَتِهِ وَحَقيقَةِ رُبوبيَّتِهِ ، لا تَضبِطُهُ العُقولُ وَلا تَبلُغُهُ الأَوهامُ وَلا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وَلا يُحيطُ بِهِ مِقدارٌ ، عَجَزَت دونَهُ العِبَارَةُ وَكَّلتُ دونَهُ الأَبصارُ وَضَلَّ فيهِ تَصاريفُ الصِّفاتِ ، احتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ واستَتَرَ بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ ، عُرِفَ بِغَيرِ رُؤيَةٍ وَوُصِفَ بِغَيرِ صورَةٍ وَنُعِتَ بِغَيرِ
.
ص: 25
جِسمٍ ، لا إِلهَ إلَا اللّهُ الكَبيرُ المُتَعالِ . (1)
3كتابه عليه السلام إلى يونس بن بهمنفي السّؤال عن جوهريّة اللّهعليّ بن محمّد قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسين بن بشّار الواسطيّ (2) ، عن يونس بن بهمن 3 ، قال : قال لي يونس : اكتب إلى أبي الحسن عليه السلام فاسأله عن آدم ، هل فيه من جوهريّة اللّه شيء؟ قال : فكتب إليه ، فأجابه :هذِهِ المَسأَلَةُ مَسأَلَةُ رَجُلٍ عَلَى غَيرِ السُّنَّةِ . فقلت ليونس ، فقال : لا يسمع ذا أصحابنا فيبرؤون منك . قال ، قلت ليونس : يبرؤون منّي أو منك (3) ؟ وفي رواية أُخرى : طاهر بن عيسى قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني الشّجاعيّ ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسين بن بشّار ، عن الحسن بن بنت إلياس ،
.
ص: 26
عن يونس بن بهمن ، قال : قال يونس بن عبد الرّحمن 1 : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام سألته عن آدم عليه السلام هل كان فيه من جوهرية الرّبّ شيء؟ قال : فكتب إليّ جواب كتابي : لَيسَ صاحِبُ هذِهِ المَسأَلَةِ عَلى شَيءٍ مِن السُّنَّةِ ، زِنديقٌ . (1)
4كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبيدفي نفي الرّؤيةأحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (2) ، عن عليّ بن سيف ، عن محمّد بن عبيد (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن الرّؤية وما ترويه
.
ص: 27
العامّة والخاصّة ، وسألته أن يشرح لي ذلك . فكتب بخطّه :اتَّفَقَ الجَميعُ لا تَمانُعَ بَينَهُم ، أَنَّ المَعرِفَةَ مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ ضَرورَةٌ ، فإِذا جازَ أَن يُرَى اللّهُ بِالعَينِ ، وَقَعتِ المَعرِفَةُ ضَرورَةً ، ثُمَّ لَم تَخْلُ تِلكَ المَعرِفَةُ مِن أَن تَكونَ إِيمانا أَو لَيسَت بِ_إِيمانٍ . فإِن كانَت تِلكَ المَعرِفَةُ مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ إِيمانا ، فالمَعرِفَةُ الَّتي في دار الدُّنيا مِن جِهَةِ الاكتِسابِ لَيسَت بِإِيمانٍ ؛ لِأَنَّها ضِدُّهُ ، فَلا يَكونُ في الدُّنيا مُؤمِنٌ ؛ لِأَنَّهُم لَم يَرَوا اللّهَ عَزَّ ذِكرُهُ . وَإِن لَم تَكُن تِلكَ المَعرِفَةُ الَّتي مِن جِهَةِ الرُّؤيَةِ إِيمانا ، لَم تَخْلُ هذِهِ المَعرِفَةُ الَّتي مِن جِهَةِ الاكتِسابِ أَن تَزولَ ، وَلا تَزولُ في المِعادِ ، فَهذا دَليلٌ عَلَى أَنَّ اللّهَ عز و جل لا يُرى بِالعَينِ ؛ إذِ العَينُ تُؤَدِّي إِلى ما وَصَفناهُ . (1)
5كتابه عليه السلام إلى فتح بن يزيد الجرجانيّفي نفي التّشبيهعليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق رحمه الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ، قال : حدّثني عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثني جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن فتح بن يزيد الجرجانيّ 2 ، قال : كتبت
.
ص: 28
إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن شيء من التّوحيد ؟ فكتب إليَّ بخطّه _ قال جعفر : و إنّ فتحا أخرج إليَّ الكتاب فقرأته بخطّ أبي الحسن عليه السلام _ :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم الحَمدُ للّهِ المُلهِمِ عِبادَهُ الحَمدَ ، وَ فاطِرِهِم عَلى مَعرِفَةِ رُبوبِيَّتِهِ ، الدَّالِّ عَلى وُجودِهِ بِخَلقِهِ ، وَ بِحُدُوثِ خَلقِهِ عَلى أَزَلِهِ ، وَ بِأَشباهِهِم عَلى أَلّا شِبهَ لَهُ ، المستَشهِدِ آياتِهِ عَلى قُدرَتِهِ ، المُمتَنِعِ مِنَ الصِّفاتِ (1) ذاتُهُ ، وَ مِنَ الأَبصارِ رُؤيَتُهُ ، وَ مِنَ الأَوهامِ الإِحاطَةُ بِهِ ، لا أَمَدَ لِكَونِهِ ، وَ لا غايَةَ لِبَقائِه ، لا يَشمُلُهُ المَشاعِرُ وَ لا يَحجُبُه الحِجابُ ، فَالحِجابُ بَينَهُ وَ بَينَ خَلقِهِ ، لامتِناعِهِ مِمَّا يُمكِنُ في ذَواتِهِم ، وَ لإِمكانَ ذَواتِهِم مِمِّا يَمتَنِعُ مِنهُ ذاتُهُ ، وَ لافتِراقِ الصَّانِعِ و المَصنوعِ ، وَ الرَّبِّ و المَربوبِ ، وَ الحادِّ و المَحدودِ ، أَحدٌ لا بِتَأويلِ عَدَدٍ ، الخالِقُ لا بِمَعنى حَرَكَةٍ ، السَّميعُ لا بِأَداةٍ ، البَصيرُ لا بِتَفريقِ آلَةٍ ، الشَّاهِدُ لا بِمُماسَّةٍ ، البائِنُ لا بِبَراحِ (2) مَسافَةٍ ، الباطِنُ لا بِاجتِنانٍ (3) ، الظَّاهِرُ لا بمُحاذٍ ، الّذي قَد حَسَرَت دونَ كُنهِهِ نَواقِدُ الأَبصارِ ، وَ امتَنَعَ وُجودُهُ جَوائِلَ الأَوهامِ .
.
ص: 29
أَوَّلُ الدِّيانَةِ مَعرِفَتُهُ ، وَ كَمَالُ المَعرِفَةِ تَوحيدُهُ ، وَ كَمَالُ التَّوحيدِ نَفيُ الصِّفاتِ عَنهُ ، لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّها غَيرُ المَوصوفِ ، وَ شَهادَةِ المَوصوفِ أَنَّهُ غَيرُ الصِّفَةِ ، وَ شَهادَتِهِما جَمِيعا عَلى أَنفُسِهِما بِالبَيِّنَةِ المُمتَنِعِ مِنها الأَزَلُ ، فَمَن وَصَفَ اللّهَ فَقَد حَدَّهُ ، وَ مَنَ حَدَّهُ فَقَد عَدَّهُ ، وَ مَن عَدَّهُ فَقَد أَبطَلَ أَزَلَهُ ، وَ مَن قالَ : كَيف فَقَدِ استوصَفَهُ ، وَ مَن قالَ : عَلى مَ فَقَد حَمَلَهُ ، وَ مَن قالَ : أَينَ فَقَد أَخلى مِنهُ ، وَ مَن قالَ : إلى مَ فَقَد وَقَّتَهُ ، عالِمٌ إِذ لا مَعلومَ ، وَ خالِقٌ إذ لا مَخلوقَ ، وَ رَبٌّ إِذ لا مَربوبَ ، وَ إِلهٌ إِذ لا مَألوهَ ، وَ كَذلِكَ يُوصَفُ رَبُّنا ، وَ هوَ فَوقَ ما يَصِفُهُ الواصِفونَ. (1)
6إملاؤه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيفي المشيئة والإرادةفي عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا أبي رضى الله عنه و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ 2 ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : قلت له : إنّ أصحابنا
.
ص: 30
بعضهم يقول بالجبر و بعضهم يقول بالاستطاعة . فقال لي : اكتُب :قالَ اللّهُ تَعالى : يا بنَ آدَمَ ، بِمَشيَّتي كُنتَ أنتَ الّذي تَشاءُ ، وَ بِقوَّتي أَدَّيتَ لي فَرائِضي ، وَ بِنِعمَتي قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، جَعَلتُكَ سَميعا بَصيرا قَويَّا ، ما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ ، وَ ذلِكَ أَنِّي أَولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وَ أَنتَ أَولى بِسَيِّئاتِكَ مِنِّي ، وَ ذلِكَ أَنِّي لا أُسأَلُ عَمَّا أَفعَلُ وَ أَنتُم تُسأَلونَ ، وَ قَد نَظَمتُ لَكَ كُلَّ شَيءٍ تُريدُ . (1)
7كتابه عليه السلام إلى حَمدان بن سليمانفي أفعال العبادعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيسابوريّ العطّار رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن محمّد بن قُتَيبة النّيسابوريّ ، عن حَمدان بن سليمان (2) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقةٌ هي أمْ غير مخلوقة؟ فكتب عليه السلام :أَفعالُ العِبادِ مُقدَّرةٌ في عِلمِ اللّهِ عز و جل قَبلَ خَلقِ العِبادِ بِأَلفي عامٍ . (3)
8كتابه عليه السلام إلى طاهر بن حاتمفي أدنى المعرفةعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن طاهر بن حاتم 4 _ في حال استقامته _ أنّه
.
ص: 31
كتب إلى الرّجل : ما الّذي لا يُجتزأ (1) في معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب إليه :لَم يَزَل عالِما وَسامِعا وَبَصيرا ، وَهو الفَعَّالُ لِما يُريدُ . وسُئل أبو جعفر عليه السلام عن الّذي لا يُجتزأ بدون ذلك من معرفة الخالق ؟ فقال : لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَ لا يُشبِهُهُ شَيءٌ ، لَم يَزَل عالِما سَميعا بَصيرا . (2) وفي التّوحيد : أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهماالله ، قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمّد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمّد بن عليّ الطّاحي ، عن طاهر بن حاتم بن ماهويه ، قال : كتبت إلى الطيّب _ يعني أبا الحسن موسى عليه السلام _ :ماالّذي لاتُجزِئُ معرفه الخالق بدونه؟ فكتب: لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، وَ لَم يَزَل سَميعا وَ عَليما وَ بَصيرا ، وَ هوَ الفَعَّالُ لِما يُريدُ . (3)
.
ص: 32
. .
ص: 33
الفصل الثّاني: في الإمامة
.
ص: 34
. .
ص: 35
9كتابه عليه السلام إلى الحسن بن العبّاس المعروفيّفي الفرق بين الرّسول والنّبيّ والإمامعليُّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرَّار 1 ، قال : كتب الحسن بن العبّاس المعروفيّ (1) إلى الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرَّسول والنَّبيِّ و الإمام؟ قال : فكتب أو قال :الفَرقُ بَينَ الرَّسولِ وَ النَّبيِّ وَ الإِمامِ : أَنَّ الرَّسولَ الّذي يُنزَلُ عَليهِ جِبرَئيلُ فَيَراهُ وَ يسمَعُ
.
ص: 36
كَلامَهُ وَ يُنزَلُ عَلَيهِ الوَحيُ ، وَ رُبَّما رَأَى في مَنَامِهِ نَحوَ رؤيا إبراهيم عليه السلام ، و النَّبيُّ رُبَّما سَمِعَ الكَلامَ وَ رُبَّما رأَى الشَّخصَ وَ لَم يَسمَع ، وَ الإِمامُ هوَ الّذي يَسمَعُ الكَلامَ وَ لا يَرى الشَّخصَ . (1)
10كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَبفي أنّ الأئمّة ورثوا علم النّبيّ وجميع الأنبياء والأوصياءفي الكافي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن عبد العزيز بن المُهتدي (2) ، عن عبد اللّه بن جندب (3) ، أنّه كتب إليه الرّضا عليه السلام :أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كانَ أَمينَ اللّهِ في خَلقِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ صلى الله عليه و آله كُنَّا أَهلَ البَيتِ وَرَثَتَهُ ، فَنَحن أُمَناءُ اللّهِ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ البَلايا وَالمَنايا وأَنسابُ العَرَبِ وَمَولِدُ الإِسلامِ ، وإِنَّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رَأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَحَقيقَةِ النِّفاقِ ، وإِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم وَأَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ عَلَينا وَعَلَيهِمُ الميثاقَ ، يَرِدُونَ مَورِدَنا وَيَدخُلونَ مَدخَلَنا ، لَيسَ عَلى مِلَّةِ الإِسلام غَيرُنا وَغَيرُهُم ، نَحنُ النُّجَباءُ النُّجَاةُ ، وَنَحنُ أَفراطُ الأَنبياءِ وَنَحنُ أَبناءُ الأَوصياءِ ، وَنَحنُ المَخصوصونَ في كِتابِ اللّهِ عز و جل ، وَنَحنُ أَولى النَّاسِ بِكِتابِ اللّهِ ، وَنَحنُ أَولى النَّاسِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
.
ص: 37
وَنَحنُ الَّذينَ شَرَعَ اللّهُ لَنا دِينَهُ فَقالَ في كِتابِهِ : «شَرَعَ لَكُم» يا آلَ مُحَمَّدٍ «مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا» قَد وَصَّانا بِما وَصَّى بِهِ نُوحا «وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يامُحَمَّدٍ «وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى» فَقَدَ عَلَّمَنا وَبَلَّغَنا عِلمَ ما عَلِمنا ، واستَودَعَنا عِلمَهُم نَحنُ وَرَثَةُ أُولي العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ «أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ» يا آلَ مُحَمَّدٍ «وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ» وَكُونوا على جَمَاعَةٍ «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» مَن أَشرَكَ بِوَلايَةِ عَليٍّ «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِن وَلايَةِ عَليٍّ ، إِنَّ «اللَّهُ» . . . يامُحَمَّدُ «يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (1) مَن يُجيبُكَ إِلى وَلايَةِ عَليٍّ عليه السلام . (2) وفي تفسير فرات : جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا عن الحسين بن عبد اللّه بن جندب ، قال : أخرج [خرج ] إلينا صحيفة ، فذكر أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي قد كبرت و ضعفت و عجزت عن كثير ممّا كنت أقوى عليه ، فأحبّ جُعلت فداك أن تعلّمني كلاما يقرّبني من ربّي [ بربّي ] ، و يزيدني فهما و علما . فكتب إليه : قَد بَعَثتُ إِليكَ بِكِتابٍ فَاقرَأَهُ وَ تَفَهَّمَهُ ؛ فإِنَّ فيهِ شِفاءٌ لِمَن أَرادَ اللّهُ شِفاه ، وَ هُدىً لِمَن أَرادَ اللّهُ هُداهُ ، فأَكثِر مِن ذِكرِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيم ، وَ اقرأها عَلى صَفوانَ وَ آدَمَ . قالَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ عليهماالسلام : إنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كانَ أَمينُ اللّهِ في أَرضِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ مُحَمَّدٌ [ صلى الله عليه و آله ] كُنَّا أَهلَ البَيتِ أُمَناءَ اللّهِ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ البَلايا وَ المَنايا وَ أَنسابُ العَرَبِ وَ مَولِدُ الإسلامِ ، وِ إِنَّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَ بِحقَيقَةِ النِّفاقِ ، وَ إِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم وَ أَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ الميثاقَ عَلَينا [ وَ عَلَيهِم ] ، يَرِدونَ مَوارِدَنا وَ يدخُلونَ مَداخِلَنا ، لَيسَ عَلى مِلَّةِ إِبراهيمَ خَليلُ الرَّحمنِ غَيرُنا وَ غَيرُهُم ، إِنَّا يَومَ القِيامَةِ آخِذِينَ بِحُجزَةِ نَبِيِّنا وَ نَبِيُّنا آخِذٌ بِحُجزَةِ رَبِّه ، وَ إِنَّ الحُجزَةَ النُّورُ ، وَ شيعَتُنا آخِذينَ بِحُجزَتِنا ، مَن فارَقَنا هَلَكَ وَ مَن تَبِعَنا نَجا ، [ مُفارِقُنا ] وَ الجاحِدُ لِوَلايَتِنا كافِرٌ ، وَ شيعَتُنا وَ تابِعُ وَلايَتِنا [ وَمُتَّبِعُنا وَ تابِعُ أَوليائِنا لِوَلايَتِنا ]
.
ص: 38
مُؤمِنٌ ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ وَ لا يُبغِضُنا مُؤمِنٌ ، مَن ماتَ وَ هو مُحِبُّنا [ يُحِبُّنا ] كانَ حَقّا عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَهُ مَعَنا . نَحنُ نُورٌ لِمَن تَبِعَنا وَ نُورٌ لِمَن اقتَدَى بِنا ، مَن رَغِبَ عَنَّا لَيسَ مِنَّا ، وَ مَن لَم يَكُن مِنَّا [ مَعَنا ] فَلَيسَ مِن الإِسلامِ في شَيءٍ . بِنا فَتَحَ اللّهُ وَ بِنا يَختِمُهُ ، وَ بِنا أَطعَمَكُم اللّهُ عُشبَ الأَرضِ ، وَ بِنا أَنزَلَ اللّهُ عَلَيكُم قَطرَ السَّماءِ ، وَ بِنا آمَنَكُم اللّهُ مِنَ الغَرَقِ في بَحرِكُم وَ مِنَ الخَسفِ في بَرِّكُم ، وَ بِنا نَفَعَكُم اللّهُ في حَياتِكُم وَ في قُبورِكُم وَ في مَحشَرِكُم وَ عِندَ الصِّراطِ وَ عِندَ المِيزانِ وَ عِندَ دُخولِكُم الجِنانَ . إِنَّ مَثَلَنا في كِتابِ اللّهِ كَمَثَلِ المِشكاةِ وَ المِشكاةُ في القِنديلِ ، فَنَحنُ المِشكاةُ « فِيهَا مِصْبَاحٌ » وَ المِصباحُ [ هوَ ]مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله «الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ» نَحنُ الزُّجاجَةُ « كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ » لا مُنكِرَةٍ وَ لا دَعيَّةٍ «يَكَادُ زَيْتُهَا» نورُها « يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » نورُ الفُرقانِ «نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ » لِوَلايَتِنا «مَن يَشَآءُ» (1) ، « وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ » (2) عَلى أَن يَهدِي مَن أَحَبَّ لِوَلايَتِنا ، حَقّا عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَ وَلِيَّنا مُشرِقا وَجهُهُ نَيِّرا بُرهانُهُ عَظيما عِندَ اللّهِ حُجَّتُهُ ، [ حَقّا عَلى اللّهِ أَن ]يَجيء عَدوُّنا يَومَ القِيامَةِ مُسوَدّا وَجهُهُ مُدحَضَةٌ عِندَ اللّهِ حُجَّتُهُ ، حَقّا [ حَقٌّ ] عَلى اللّهِ أَن يَجعَلَ وَلِيَّنا رفيق النَّبِيِّينَ و الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقا ، وَحَقٌّ [ حَقّا ] عَلى اللّهِ أَن يَجعَلَ عَدوَّنا رَفيقا لِلشَّياطينِ وَ الكافِرينِ وَ بِئسَ أُولئِكَ رَفيقا . لِشهيدِنا فَضلٌ [ أَفضل ] عَلى الشُّهَدَاءِ بِعَشرِ دَرَجاتٍ ، وَ لِشَهيدِ شيعَتِنا عَلى شَهيدِ غَيرِنا سَبعُ دَرَجاتٍ . نَحنُ النُّجَبَاءُ ، وَ نَحنُ أَبناءُ الأَوصياءِ ، وَنَحنُ أَولى النَّاسِ بِاللّهِ ، وَنَحنُ المُخلَصونَ [ المُختَصُّونَ المَخصوصونَ ] في كِتابِ اللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِدينِ اللّهِ ، وَ نَحنُ الَّذين شَرَعَ اللّهُ [ لَنا ]دِينَهُ فَقالَ اللّهُ : «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى
.
ص: 39
أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يا مُحَمَّدُ وَ ما وَصَّى بِهِ إِبراهيمَ وَ إِسماعيلَ [ وَ إِسحاقَ ]وَيَعقوبَ ، فَقَد عَلَّمَنا وَبَلَّغَنا ماعَلَّمنا وَاستَودَعَنا عِلمَهُم . نَحنُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ وَ نَحنُ ذُرِّيَّةُ أُولي العِلمِ «أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ» بِآلِ مُحَمَّدٍ « وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ » وَ كونوا عَلى جَماعَتِكُم «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» مَن أَشرَكَ بِولَايَةِ عَليِّ بنِ أَبي طَالِبٍ عليه السلام «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِن وَلايةِ عَليٍّ « إنَّ اللّهَ » يا مُحَمَّدُ «يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (1) ] قالَ ] مَن يُجيبُكَ إِلى وَلايةِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام . (2) وفي تفسير القمّي : عبد اللّه بن جندب (3) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأل عن تفسير هذه الآية : « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الأَرْضِ . . . » (4) إلى آخر الآية . فكتب إليَّ الجواب : أَمّا بَعدُ ، فإِنَّ مُحَمَّدَا كانَ أَمينَ اللّهِ في خَلقِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله كُنَّا أَهلَ البَيتِ وَرَثَتَهُ ، فَنَحنُ أُمَناءُ اللّهِ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ المَنايا وَ البَلايا وَ أَنسابُ العَرَبِ وَ مَولِدُ الإِسلامِ ، وَ ما مِن فِئَةٍ تُضِلُّ مِئَةً بِهِ وَ تَهدِي مِئَةً به إِلَا وَ نَحنُ نَعرِفُ سائِقَها وَ قائِدَها وَ ناعِقَها ، و إِنَّا لَنعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رَأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَ حَقيقَةِ النِّفاقِ ، و إِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم وَ أَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ عَلَينا وَ عَلَيهِمُ الميثاقَ ، يَرِدُونَ مَورِدَنا وَ يَدخُلونَ مَدخَلَنا ، لَيسَ عَلى مِلَّةِ الإِسلامِ غَيرُنا وَ غَيرُهُم إِلى يَومِ القِيامَةِ . نَحنُ آخِذونَ بحُجزَةِ نَبِيِّنا وَ نَبِيُّنا آخِذٌ بِحُجزَةِ رَبِّنا ، وَ الحُجزَةُ النُّورُ ، وَ شيعَتُنا آخذونَ بحُجزَتِنا ، مَن فارَقَنا هَلَكَ وَ مَن تَبِعَنا نَجا ، وَ المُفارِقُ لَنا وَ الجاحِدُ لِولَايَتِنا كافِرٌ ، وَ متّبعنا وَ تابع أوليائنا مؤمن ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ وَ لا يُبغِضُنا مُؤمِنٌ ، وَ مَن ماتَ وَ هو يُحِبُّنا كانَ حَقَّا عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَهُ مَعَنا . نَحنُ نورٌ لِمَن تَبِعَنا ، وَ هُدَىً لِمَن اهتَدَى بِنا ، وَ مَن لَم يَكُن مِنّا فَلَيسَ مِن الإِسلامِ في شَيءٍ ،
.
ص: 40
وَ بِنا فَتَحَ اللّهُ الدِّينَ وَ بِنَا يَختِمُهُ ، وَ بِنا أَطعَمَكُم اللّهُ عُشبَ الأَرضِ ، وَ بِنا أَنزَلَ اللّهُ قَطرَ السَّماءِ ، وَ بِنا آمَنَكُم اللّهُ مِن الغَرَقِ في بَحرِكُم وَ مِنَ الخَسفِ في بَرِّكُم وَ بِنا نَفَعَكُم اللّهُ في حَياتِكُم وَ في قُبورِكُم وَ في مَحشَرِكُم وَ عِندَ الصِّراطِ وَ عِندَ المِيزانِ وَ عِندَ دُخولِكُم الجِنانَ . مَثَلُنا في كِتابِ اللّهِ كَمَثَلِ مِشكاةٍ وَ المِشكاةُ في القِنديلِ ، فَنَحنُ المِشكاةُ فيها مِصباحٌ ، المِصباحُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله « الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ » مِن عُنصُرَةٍ طاهِرَةٍ « الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَ_رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ » لا دَعيَّةٍ وَ لا مُنكِرَةٍ «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » القُرآنُ « نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَ_لَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْ ءٍ عَلِيمٌ » فَالنُّورُ عَلِيٌّ عليه السلام ، يهدي اللّه لِوَلايَتِنا مَن أَحَبَّ . وَ حَقٌّ عَلى اللّهِ أَن يَبعَثَ وَلِيَّنا مُشرِقا وَجهُهُ مُنيرا بُرهانُهُ ظاهِرَةٌ عِندَ اللّهِ حُجَّتُهُ ، حَقٌّ عَلى اللّهِ أَن يَجعَلَ أَولياءَنا المُتَّقينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهداءَ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقا ، فَشُهداؤنا لَهُم فَضلٌ عَلى الشُّهداءِ بِعَشرِ دَرَجاتٍ ، وَ لِشَهيدِ شيعَتِنا فَضلٌ عَلى كُلِّ شَهيدٍ غَيرنا بِتِسعِ دَرَجاتٍ . نَحنُ النُّجَبَاءُ ، وَ نَحنُ أَفراطُ الأَنبياءِ ، وَ نحنُ أَولادُ الأَوصياءِ ، وَ نحن المَخصوصونَ في كِتابِ اللّهِ ، وَ نحنُ أَولى النَّاسِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ نَحنُ الَّذينَ شَرَعَ اللّهُ لَنا دينَهُ فَقَالَ في كِتابِهِ : « شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ » يا مُحَمَّدُ « وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى » . قَد عَلَّمَنا وَ بَلَّغَنا ما عَلَّمنا وَ استَودَعَنا عِلمَهُم ، وَ نَحنُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ ، وَ نَحنُ وَرَثَةُ أُولي العِلم وَ أُولي العَزمِ مِن الرُّسلِ « أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ » وَ « لَا تَمُوتُنَّ إِلَا وَ أَنتُم مُّسْلِمُونَ » (1) كَما قَالَ اللّهُ : « وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِن الشِّركِ مَن أَشرَكَ بِوَلايةِ عَلِيٍّ عليه السلام « مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » مِن وَلايةِ عَليٍّ عليه السلام يا مُحَمَّد فيهِ هُدَىً « وَ يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ » (2) مِن يُجيبُكَ إِليَّ بِوَلايةِ عَلِيٍّ عليه السلام . وَقَد بَعَثتُ إِليكَ بِكتابٍ فَتَدَبَّرهُ و افهَمهُ ؛ فإِنَّهُ
.
ص: 41
شِفاءٌ لِما في الصُّدورِ وَ نورٌ ، وَ الدَّليلُ عَلى أَنَّ هذا مَثَلٌ لَهُم. (1) وفي بصائر الدّرجات : عبد اللّه بن عامر عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، (2) قال : كتب أبو الحسن الرّضا عليه السلام رسالة و أقرأنيها ، قال : قالَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام : إِنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله كانَ أَمينَ اللّهِ في أَرضِهِ ، فَلَمَّا قُبِضَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله كُنَّا أَهلَ البَيتِ وَرَثَتَهُ ، وَ نَحن أُمَناءُ اللّهُ في أَرضِهِ ، عِندَنا عِلمُ البَلايا وَ المَنايا وَ أَنسابُ العَرَبِ وَ مَولِدُ الإِسلامِ ، وَ إِنَّا لَنَعرِفُ الرَّجُلَ إِذا رَأَيناهُ بِحَقيقَةِ الإِيمانِ وَ حَقيقَةِ النِّفاقِ ، وَ إِنَّ شيعَتَنا لَمَكتوبونَ بِأَسمائِهِم ، و أَسماءِ آبائِهِم ، أَخَذَ اللّهُ عَلَينا وَ عَلَيهِمُ الميثاقَ ، يَرِدونَ مَورِدَنا وَ يَدخُلونَ مَدخَلَنا . نَحنُ النُّجَباءُ وَ أَفراطُنا أَفراطُ الأَنبياءِ ، وَ نَحنُ أَبناءُ الأَوصياءِ ، وَ نَحنُ المَخصوصونَ في كِتابِ اللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِاللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِكِتابِ اللّهِ ، وَ نَحنُ أَولى النَّاسِ بِدينِ اللّهِ ، وَ نَحنُ الَّذينَ شَرَعَ لَنا دينَهُ فَقالَ في كِتابِهِ : « شَرَعَ لَكُم » يا آلَ مُحَمَّدٍ «مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا» وَ قَد وَصَّانا بِمَا أَوصى بِهِ نَوحا «وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ» يا مُحَمَّدُ «وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ» و إِسماعيل «وَ مُوسَى وَ عِيسَى» وَ إِسحاقَ وَ يَعقوبَ ، فَقَد عَلَّمَنا وَ بَلَّغَنا ما عَلِمنا وَ استَودَعَنا عِلمَهُم . نَحنُ وَرَثَةُ الأَنبياءِ . وَ نَحنُ وَرَثَةُ أُولي العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ « أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ » يا آلَ مُحَمَّدٍ «وَ لَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ» وَ كونوا عَلى جَماعَةٍ «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ» مَن أَشرَكَ بِوَلايَةِ عَلِيٍّ «مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» مِن وَلايَةِ عَلِيٍّ إنّ «اللَّهُ» يا مُحَمَّدُ «يَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ» (3) مَن يُجيبُك إلى وَلاية عَليٍّ عليه السلام . (4)
.
ص: 42
11كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدفي أنّهم عليهم السلام الذّكر وأهل الذكرأحمد بن محمّد (1) قال : كتب إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام :عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ أَحسَنَ عافيَةٍ ، إِنَّما شيعَتُنا مَن تابَعَنا وَ لَم يُخالِفنا ، وَ إذا خِفنا خافَ وَ إِذا أَمنَّا أَمِنَ ، قالَ اللّهُ : «فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ » (2) قال : « فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَ_آئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ » (3) الآية ، فَقَد فُرِضَت عَلَيكُم المَسأَلَةُ وَ الرَّدُّ إِلَينا ، وَ لَم يُفرَض عَلَينا الجَوابُ ، أَو لَم تُنهَوا عَن كَثرَةِ المَسائِلِ فَأَبَيتُم أَن تَنتَهوا ، إِيَّاكُم وَ ذاكَ ، فإِنَّهُ إِنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤالِهِم لأَنبيائِهِم ، قالَ اللّهُ : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » (4) . (5)
12كتابه عليه السلام إلى سليمان بن جعفرفيما عند الأئمّة عليهم السلام من سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آلهالحسين بن عليّ عن محمّد بن عبد اللّه بن المغيرة ، عن سليمان بن جعفر (6) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فكتب إليَّ بخطّه
.
ص: 43
الّذي أعرفه :هَو عِندي . (1) و في كشف الغمّة : قال صاحب كتاب الدلائل _ الحميري _ : عن جعفر بن محمّد بن يونس (2) ، قال : كتب رجل إلى الرّضا عليه السلام يسأله مسائل ، و أراد أن يسأله عن الثّوب المُلحَم (3) يلبسه المحرم ، وعن سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فنسي ذلك وتلهّف عليه . فجاء جواب المسائل وفيه : لا بَأسَ بِالإِحرامِ في الثَّوبِ المُلحَمِ ، وَ اعلَم أَنَّ سِلاحَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فينا بِمَنزِلَةِ التَّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، يَدورُ مَعَ كُلِّ عالِمٍ حَيثُ دارَ . (4)
13كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضيلالهيثم النّهديّ عن محمّد بن الفضيل الصّيرفيّ 5 قال : دخلت على أبي الحسن
.
ص: 44
الرّضا عليه السلام ، فسألته عن أشياء وأردت أن أسأله عن السّلاح فاغفلته ، فخرجت ودخلت على أبي الحسن بن بشير ، فإذا غلامه ومعه رقعته وفيها :بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرَّحيم أَنا بِمَنزِلَةِ أَبي وَوارِثُهُ ، وَعِندي ما كانَ عِندَهُ . (1) وفي الخرائج والجرائح : محمّد بن الفضيل الصّيرفيّ ، قال : دخلت على الرّضا عليه السلام فسألته عن أشياء ، وأردت أن أسأله عن سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأغفلته ، فخرجت فدخلت إلى منزل الحسين بن بشّار ، فإذا رسول للرّضا عليه السلام أتى ، وكان معه رقعة فيها : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أَنا بِمَنزِلَةِ أَبي ، وَوارثُهُ كُلَّ ما كانَ عِندَه ، وَسِلاحُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندي . (2)
.
ص: 45
14إملاؤه عليه السلام لعلماء نيسابورفي معنى حصن اللّه عز و جلفي عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسديّ ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين الصّولي ، قال : حدّثنا يوسف بن عقيل عن إسحاق بن راهويه ، قال : لمّا وافى أبو الحسن الرّضا عليه السلام نيسابور و أراد أن يخرج منها إلى المأمون ، اجتمع عليه أصحاب الحديث ، فقالوا له : يا بن رسول اللّه ، ترحل عنّا و لا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك ؟ و كان قد قعد في العُمّارية فأطلَع رأسه وقال :سَمِعتُ أَبي موسى بنَ جَعفَرٍ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي جَعفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي عَلِيَّ بنَ الحُسَينِ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ يَقولُ : سَمِعتُ أَبي أَميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أَبي طالِبٍ عليهم السلام يَقولُ : سَمِعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : سَمِعتُ اللّهَ عز و جل يَقولُ : لا إِلهَ إِلَا اللّهُ حِصني ، فَمن دَخَلَ حِصني أَمِنَ مِن عَذابي . قال : فلمّا مرّت الرّاحلة نادانا : بِشُروطِها وَ أَنا مِن شُروطِها . قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله : من شروطها الإقرار للرّضا عليه السلام بأنّه إمام من قبل اللّه عز و جل على العباد ، مفترض الطّاعة عليهم . و يقال : إنّ الرّضا عليه السلام لمّا دخل نيسابور ، نزل في محلّة يقال لها « الفرويني » ، فيها حمّام ، و هو الحمّام المعروف ( اليوم ) بحمّام الرّضا عليه السلام ، و كانت هناك عين قد قلّ ماؤها ، فأقام عليها من إخرج ماؤها حتّى توفّر و كثر ، و اتّخذ من خارج الدّرب حوضا يُنزل إليه بالمراقي (1) إلى هذه العين ، فدخله الرّضا عليه السلام و اغتسل فيه ثمّ خرج
.
ص: 46
منه و صلّى على ظهره ، و النّاس يتناوبون ذلك الحوض و يغتسلون فيه و يشربون منه إلتماسا للبركة ، و يصلّون على ظهره و يدعون اللّه عز و جل في حوائجهم فتُقضى لهم ، و هي العين المعروفة بعين كهلان ، يقصدها النّاس إلى يومنا هذا . (1) و في كشف الغمّة : أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه : إنّ عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام لمّا دخل إلى نيسابور في السّفرة الّتي فاز فيها بفضيلة الشّهادة ، كان في مهدٍ على بغلةٍ شهباء عليها مركب من فضّة خالصة ، فعرض له في السّوق الإمامان الحافظان للأحاديث النّبويّة ، أبو زرعة و محمّد بن أسلم الطوسي رحمهماالله ، فقالا : أيّها السّيد ابن السّادة ، أيّها الإمام و ابن الأئمّة ، أيّها السّلالة الطّاهرة الرّضيّة ، أيّها الخلاصة الزّاكية النّبويّة ، بحقّ آبائك الأطهرين و أسلافك الأكرمين ، إلّا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون ، و رويت لنا حديثا عن آبائك عن جدّك نذكرك به . فاستوقف البغلة و رفع المظلّة ، و أقرّ عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة ، فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، و النّاس على طبقاتهم قيام كلّهم ، و كانوا بين صارخ و باك و ممزّق ثوبه و متمرّغ في التّراب و مقبّل حزام بغلته و مطوّل عنقه إلى مظلّة المهد ، إلى أن انتصف النّهار وجرت الدّموع كالأنهار و سكنت الأصوات . و صاحت الأئمّة و القضاة : معاشر النّاس اسمعوا و عوا ، و لا تؤذوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عترته و انصتوا . فأملى عليه السلام هذا الحديث ، و عدّ من المحابر أربع و عشرون ألفا ، سوى الدّوي ، و المستملي أبو زرعة الرّازي ومحمّد بن أسلم الطوسي رحمهماالله . فقال عليه السلام : حَدَّثَني أَبي موسى بنُ جَعفَرٍ الكاظِمُ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصّادقُ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الباقِرُ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زينُ العابِدينَ ، قالَ : حَدَّثَني أَبي الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ شهيدُ أَرضَ كَربَلاء ، قالَ : حَدَّثَني أَبي أَميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ شَهيدُ أَرضَ الكوفَةِ ، قالَ : حَدَّثَني أَخي وابنُ عَمِّي مُحَمَّدٌ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : حَدَّثَني جَبرَئيلُ عليه السلام ، قالَ :
.
ص: 47
سَمِعتُ رَبَّ العِزَّةِ سُبحانَهُ وَ تَعالى يَقولُ : كَلِمَةُ لا إِلهَ إلّا اللّهُ حِصني ، فَمَن قالَها دَخَلَ حِصني ، وَ مَن دَخَلَ حِصني أَمِنَ مِن عَذابي ، صَدَقَ اللّهُ سُبحانَهُ وَ صَدَقَ جَبرَئيلُ وَ صَدَقَ رَسولُهُ وَ صَدَقَ الأَئِمَّةُ عليهم السلام . قال الاُستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله : إنّ هذا الحديث بهذا السّند بلغ بعض أُمراء السّامانيّة ، فكتبه بالذّهب و أوصى أن يدفن معه ، فلمّا مات رؤي في المنام ، فقيل : ما فعل اللّه بك ؟ فقال : غفر اللّه لي بتلفّظي بلا إله إلّا اللّه و تصديقي محمّدا رسول اللّه مخلصا ، و إنّي كتبت هذا الحديث بالذّهب تعظيما و احتراما . (1)
15كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي سمّاكفي الإمام لا يغسله إلّا الإمامحدّثنا معاوية بن حكيم ، عن إبراهيم بن أبي سمّاك ، (2) قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : إنّا قد روينا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ الإمام لا يغسِله إلّا الإمام ، و قد بلغنا هذا الحديث ، فما تقول فيه ؟ فكتب إليَّ :إِنَّ الّذي بَلَغَكَ هوَ الحَقُّ . قال : فدخلت عليه بعد ذلك ، فقلت له : أبوك من غسّله و من وليه ؟ فقال : لَعَلَّ الَّذينَ حَضَروهُ أَفضَلَ مِن الَّذينَ تَخلَّفوا عَنهُ . قلت : و مَن هم ؟ قال : حَضَروهُ الَّذينَ حَضَروا يوسُفَ عليه السلام مَلائِكَةُ اللّهِ وَ رَحمَتُهُ . (3)
.
ص: 48
16كتابه عليه السلام إلى أحمد بن عمر الحلّالمن علامات الإمامأحمد بن محمّد بن أبي نصر (1) قال : كتب أبو الحسن الرّضا عليه السلام إلى أحمد بن عمر الحلّال (2) في جواب كتابته :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم عافانا اللّهُ و إِيَّاكَ بِأَحسَنِ عافيةٍ ، سَأَلتَ عَنِ الإِمامِ إِذا ماتَ بِأَيِّ شَيءٍ يُعرَفُ الإِمامُ الّذي بَعدَهُ . الإِمامُ لَهُ علاماتٌ ، مِنها : أَن يَكونَ أَكبَرَ وُلدِهِ ، وَ يَكونَ فيهِ الفَضلُ ، و إِذا قَدِمَ الرَّكبُ المَدينَةَ قالوا : إِلى مَن أَوصى فُلانٌ ؟ قالوا : إلى فُلانِ بنِ فُلانٍ ، و السِّلاحُ فينا بِمَنزِلَةِ التَّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، فَكونوا مَعَ السِّلاحِ أَينَما كانَ (3) . و في الكافي : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر ، قال : قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام : إذا مات الإمام بِمَ يُعرف الّذي بعده ؟ فقال عليه السلام : لِلإِمامِ عَلاماتٌ ، منها : أن يَكونَ أَكبرَ وُلدِ أَبيهِ ، وَ يَكونَ فيهِ الفَضلُ وَ الوَصيَّةُ ، وَيقدَمَ الرّكبُ فَيَقولَ : إلى مَن أَوصى فُلانٌ؟ فَيُقالَ : إلى فُلانٍ ، و السِّلاحُ فينا بِمَنزِلَةِ التَّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، تَكونُ الإِمامَةُ مَعَ السِّلاحِ حَيثُما كانَ . (4)
17كتابه عليه السلام إلى الحسين بن قيامافي الإشارة و النّص على إمامة الجواد عليه السلامأحمد بن محمّد عن جعفر بن يحيى ، عن مالك بن أشْيَم ، عن الحسين بن بَشّار ،
.
ص: 49
قال : كتب ابن قياما 1 إلى أبي الحسن عليه السلام كتابا يقول فيه : كيف تكون إماما و ليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن الرّضا عليه السلام _ شِبهَ المُغضَب _ :و ما عَلَّمَكَ أَنَّهُ لا يَكونُ لي وَلَدٌ ، وَ اللّهِ لا تَمضي الأَيَّامُ وَ اللَّيالي حَتَّى يَرزُقَنيَ اللّهُ وَلَدا ذَكَرا يَفرُقُ بَينَ الحَقِّ و الباطِلِ . (1) و في عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا حمزة بن محمّد بن أحمد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام بقم في رجب سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمئة ، قال : أخبرني عليّ بن إبراهيم بن هاشم فيما كتب إليَّ سنة سبع و ثلاثمئة ، قال : حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد عن عبد الرّحمن بن أبي نجران و صفوان بن يحيى (2) ، قالا : حدّثنا الحسين بن قياما ، و كان من رؤساء الواقفة ، فسألنا أن نستأذن له على الرّضا عليه السلام ففعلنا ، فلمّا صار بين يديه قال له : أنت إمام؟ قال : نَعَ_م .
.
ص: 50
قال : إنّي أُشهد اللّه أنّك لست بإمام. قال : فنكت عليه السلام في الأرض طويلاً منكس الرّأس ، ثمّ رفع رأسه إليه فقال له : ما عِلمُكَ أَنِّي لَستُ بِإِمامٍ ؟ قال له : إنّا قد روينا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ الإمام لا يكون عقيما ، و أنت قد بلغت السّنّ و ليس لك ولد . قال : فنكس رأسه أطول من المرّة الاُولى ، ثمّ رفع رأسه فقال : إِنِّي أُشهِدُ اللّهَ أَنَّهُ لا تَمضي الأَيَّامَ وَ اللَّياليَ حَتَّى يَرزُقَنيَ اللّهُ وَلَدا مِنِّي . قال عبد الرّحمن بن أبي نجران : فعددنا الشّهور من الوقت الّذي قال ، فوهب اللّه له أبا جعفر عليه السلام في أقلّ من سنة . قال : و كان الحسين بن قياما هذا واقفا في الطواف ، فنظر إليه أبو الحسن الأوّل عليه السلام فقال : ما لَكَ حَيَّرَكَ اللّهُ تَعالى ؟ فوقف عليه بعد الدّعوة . (1)
18كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جُندَبفي الولاية ووجوب طاعتهم عليهم السلامعبد اللّه بن جُندَب (2) قال : كتب إليَّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام :ذَكَرتَ رَحِمَكَ اللّهُ هَؤُلاءِ القَومِ الَّذينَ وَصَفتَ أَنَّهُم كانوا بِالأَمسِ لَكُم إِخوانا ، وَ الّذي صاروا إِليهِ مِنَ الخِلافِ لَكُم وَ العَداوَةِ لَكُم وَ البَراءَةِ مِنكُم ، وَ الَّذينَ تَأَفَّكوا بِهِ مِن حَياةِ أَبي صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ رَحمَتُهُ .
.
ص: 51
و ذكر في آخر الكتاب : إِنَّ هؤُلاءِ القَومَ سَنَحَ لَهُم شَيطانٌ اغتَرَّهُم بِالشُّبهَةِ وَ لَبَّسَ عَلَيهِم أَمرَ دينِهِم ، وَ ذلِكَ لَمَّا ظَهَرَت فِريَتُهُم و اتَّفَقَت كَلِمَتُهُم وَ كَذَّبوا [ نَقَموا] عَلى عالِمِهِم ، وَ أَرادوا الهُدى مِن تِلقَاءِ أَنفُسِهِم ، فَقَالوا : لِمَ وَ مَن وَ كَيفَ ؟ فَأَتاهُمُ الهُلكُ مِن مَأمَنِ احتياطِهِم ، وَ ذلِكَ بِما كَسَبَت أَيديهِم وَ ما رَبُّكَ بِظَلَامٍ لِلعَبيدِ . وَ لَم يَكُن ذلِكَ لَهُم وَ لا عَلَيهِم ، بَل كانَ الفَرضُ عَلَيهِم ، وَ الواجِبُ لَهُم مِن ذلِكَ الوُقوفَ عِندَ التَّحَيُّرِ ، وَ رَدَّ ما جَهِلوهُ مِن ذلِكَ إِلى عالِمِهِ وَ مُستَنبِطِهِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ يَقولُ في مُحكَمِ كِتابِهِ : « وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ » (1) يَعني آلَ مُحَمَّدٍ ، وَ هُمُ الَّذينَ يَستَنبِطونَ مِنَ القُرآنِ ، وَ يَعرِفونَ الحَلالَ وَ الحَرامَ ، وَ هُمُ الحُجَّةُ للّهِ عَلى خَلقِهِ . (2)
19كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرفي الولاية و...أحمد بن محمّد بن عيسى (3) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (4) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : إنّي رجل من أهل الكوفة ، و أنا و أهل بيتي ندين اللّه عز و جل بطاعتكم ، و قد أحببت لقاءك لأسألك عن ديني ، و أشياء جاء بها قوم عنك بحجج يحتجّون بها عليّ فيك ، و هم الّذين يزعمون أنّ أباك صلّى اللّه عليه حيّ في الدّنيا لم يمت يقينا ، و ممّا يحتجّون به أنّهم يقولون : إنّا سألناه عن أشياءٍ فأجاب بخلاف ما جاء عن آبائه و أقربائه كذا ، و قد نفى التّقيّة عن نفسه ، فعليه أن يخشى. ثمّ إنّ صفوان لقيك
.
ص: 52
فحكى لك بعض أقاويلهم الّتي سألوك عنها ، فأقررت بذلك و لم تنفه عن نفسك ، ثمّ أجبته بخلاف ما أجبتهم ، و هو قول آبائك ، و قد أحببت لقاءك لتخبرني لأيّ شيء أجبت صفوان بما أجبته ، و أجبت أولئك بخلافه ، فإنّ في ذلك حياة لي و للناس ، و اللّه تبارك و تعالى يقول : « وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا » (1) . فكتب عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قَد وَصَلَ كِتابُكَ إِليَّ ، وَ فَهِمتُ ما ذَكَرتَ فيهِ مِن حُبِّكَ لِقائي وَ ما تَرجو فيهِ ، وَ يَجِبُ عَلَيكَ أَن أُشافِهكَ في أَشياءٍ جاءَ بِها قَومٌ عَنِّي ، وَ زَعَمتَ أَنَّهُم يَحتَجُّونَ بِحُجَجٍ عَلَيكُم وَ يَزعُمونَ أَنِّي أَجِبتُهُم بِخِلافِ ما جاءَ عَن آبائي ، وَ لَعَمري ما يُسمِعُ الصُّمَّ وَ لا يَهدي العُمي إِلَا اللّهُ «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ كَذَ لِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ» (2) «إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (3) . وَ قَد قَالَ أَبو جَعفَرٍ : لَو استَطاعَ النَّاسُ لَكانوا شيعَتَنا أَجمَعينَ ، وَ لكِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى أَخَذَ ميثاقَ شيعَتِنا يَومَ أَخَذَ ميثاقَ النَّبيِّينَ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : إِنَّما شيعَتُنا مَن تابَعَنا وَ لَم يُخالِفنا ، وَ مَن إِذا خِفنا خافَ ، وَ إِذا أَمِنَّا أَمِنَ ، فَأُولئِكَ شيعَتُنا . وَ قالَ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى : « فَسْ_ئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَّ » (4) وَ قالَ اللّهُ : «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَ_آئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (5) فَقَد فُرِضَت عَلَيكُمُ المَسأَلَةُ وَ الرَّدُّ إِلَينا ، وَ لَم يُفرَض عَلَينا الجَوابُ ، قالَ اللّهُ عز و جل : «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ
.
ص: 53
اللَّهِ» (1) يَعني مَن اتَّخَذَ دينَهُ رَأيَهُ بِغيرِ إِمامٍ مِن أَئِمَّةِ الهُدى . فكتبت إليه : إنّه يعرض في قلبي ممّا يروي هؤلاء في أبيك . فكتب : قَالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : ما أَحَدٌ أَكذَبَ عَلى اللّهِ وَ عَلى رَسولِهِ صلى الله عليه و آله مِمَّن كَذَّبَنا أَهلَ البَيتِ أَو كَذَبَ عَلَينا ؛ لأَنَّهُ إِذا كَذَّبَنا أَو كَذَبَ عَلَينا فَقَد كَذَّبَ اللّهَ وَ رَسولَهُ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّا إِنَّما نُحدِّثُ عَن اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى وَ عَن رَسولِهِ . قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام ، وَ أَتاهُ رَجُلٌ فَقالَ : إِنَّكُم أَهلُ بَيتِ الرَّحمَةِ ، اختَصَّكُمُ اللّهُ بِها . فَقالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : نَحنُ كَذلِكَ _ وَ الحَمدُ للّهِ _ لَم نُدخِل أَحَدا في ضَلالَةٍ وَ لَم نُخرِجهُ عَن هُدَىً ، وَ إِنَّ الدُّنيا لا تَذهَبُ حَتَّى يَبعَثَ اللّهُ مِنَّا _ أَهلَ البَيتِ _ رَجُلاً يَعمَلُ بِكِتابِ اللّهِ عز و جل ، لا يَرى مُنكَرا إِلَا أَنكَرَهُ . فكتب إليه : جُعلت فداك ، إنّه لم يمنعني من التّعزية لك بأبيك إلّا أنّه كان يعرض في قلبي ممّا يروي هؤلاء ، فأمّا الآن فقد علمت أنّ أباك قد مضى صلوات اللّه عليه ، فآجرك اللّه في أعظم الرّزيّة ، و هنّاك أفضل العطيّة ، فإنّي أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلى الله عليه و آله . ثمّ وصفت له حتّى انتهيت إليه . فكتب : قَالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : لا يَستَكمِل عَبدٌ الإِيمانَ حَتَّى يَعرِفَ أَنَّهُ يَجري لِاخِرِهِم ما يَجري لِأَوَّلِهِم في الحُجَّةِ وَ الطَّاعَةِ وَ الحَرامِ وَ الحَلالِ سَواءٌ ، وَ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَ لأَميرِ المُؤمِنينَ فَضلُهُما . وَ قَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مَن ماتَ وَ لَيسَ عَلَيهِ إِمامٌ حَيٌّ يَعرِفُهُ ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : إنَّ الحُجَّةَ لا تَقومُ للّهِ عز و جل عَلى خَلقِهِ إِلَا بِإِمامٍ حَيٍّ يَعرِفونَهُ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : مَن سَرَّهُ أَلّا يَكونَ بَينَهُ وَبَينَ اللّهِ حِجابٌ حَتَّى يَنظُرَ إلى اللّهِ وَ ينظُرَ اللّهُ إِلَيهِ ، فَليَتَوَلَّ آلَ مُحَمَّدٍ وَ يَبرأَ مِن عَدُوِّهِم ، وَ يَأتَمَّ بِالإِمامِ مِنهُم ، فَإِنَّه إِذا كانَ كَذلِكَ نَظَرَ اللّهُ
.
ص: 54
إلَيهِ وَ نَظَرَ إِلى اللّهِ . وَ لَولا ما قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام حينَ يَقولُ : لا تَعجَلوا عَلى شيعَتِنا ، إِن تَزِلَّ قَدَمٌ تَثبُتُ أُخرى ، وَ قالَ : مَن لَكَ بِأَخيكَ كُلِّهِ ، لَكانَ مِنِّي مِنَ القَولِ في ابنِ أَبي حَمزَةَ و ابنِ السَّرَّاجِ وَ أَصحابِ ابنِ أَبي حَمزَةَ . أمَّا ابنُ السَّرَّاجِ (1) فَإِنَّما دَعاهُ إِلى مُخالَفَتِنا وَ الخُروجِ عَن أَمرِنا ، أَنَّهُ عَدا عَلى مالٍ لِأَبي الحَسَنِ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ _ عَظيمٍ فَاقتَطَعَهُ في حَياةِ أَبي الحَسَنِ ، وَ كابَرَني عَلَيهِ وَ أَبى أَن يَدفَعَهُ ، وَ النَّاسُ كُلُّهُم مُسلِمونَ مُجتَمِعونَ عَلى تَسليمِهِم الأَشياءَ كُلَّها إِليَّ ، فَلَمَّا حَدَثَ ما حَدَثَ مِن هَلاكِ أَبي الحَسَنِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، اغتَنَمَ فِراقَ عَليِّ بنِ أَبي حَمزَةَ وَ أَصحابِهِ إِيَّايَ ، وَ تَعلَّلَ ، وَ لَعَمري ما بِهِ مِن عِلَّةٍ إِلَا اقتِطاعَهُ المالَ وَ ذَهابَهُ بِهِ . وَ أَمَّا ابنُ أَبي حَمزَةَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ تَأوَّلَ تَأويلاً لَم يُحسِنهُ ، وَ لَم يُؤتَ عِلمَهُ ، فَأَلقاهُ إِلى النَّاسِ ، فَلَجَّ فيهِ وَكَرِهَ إِكذابَ نَفسِهِ في إِبطالِ قَولِهِ بِأَحاديثَ تَأَوَّلَها وَ لَم يُحسِن تَأويلَها وَ لَم يُؤتَ عِلمَها ، وَرَأَى أَنَّه إِذا لَم يُصَدِّق آبائي بِذلِكَ ، لَم يَدرِ لَعَلَّ ما خَبَّرَ عَنهُ مِثلُ السُّفيانيِّ وَ غَيرُهُ أَنَّهُ كائِنٌ لا يَكونُ مِنهُ شَيءٌ ، وَ قالَ لَهُم : لَيسَ يَسقُطُ قَولُ آبائِهِ بِشَيءٍ ، وَ لَعَمري ما يَسقُطُ قَولَ آبائي شيءٌ ، وَ لكِن قَصَرَ عِلمُهُ عَن غاياتِ ذلِكَ وَ حَقائِقِهِ ، فَصارَ فِتنةٌ لَهُ وَ شُبِّهَ عَلَيهِ وَ فَرَّ مِن أَمرٍ فَوَقَعَ فيهِ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : مَن زَعَمَ أَنَّه قَد فَرَغَ مِنَ الأَمرِ فَقَد كَذَبَ ؛ لِأَنَّ للّهِ عز و جل المَشيئَةَ في خَلقِهِ ، يُحدِثُ ما يَشاءُ وَ يَفعَلُ ما يُريدُ . و قال : « ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (2) فآخِرُها مِن أَوَّلِها و أَوَّلُها مِن آخِرِها ، فَإِذا أُخبرَ عَنها بِشَيءٍ مِنها بِعَينِهِ أَنَّه كائِنٌ فَكانَ في غَيرِهِ مِنهُ ، فَقَد وَقَعَ الخَبَرُ عَلى ما أُخبِرَ ، أَلَيسَ في أَيديهِم أَنَّ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام قالَ : إِذا قيلَ في المَرءِ شَيءٌ فَلَم يَكُن فيهِ ثُمَّ كانَ في وَلَدِهِ مِن بَعدِهِ ، فَقَد كانَ فيهِ . (3)
.
ص: 55
20جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسن بن محبوبالحسن بن محبوب (1) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام وسألته عن قول اللّه : « وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَ لِىَ مِمَّا تَرَكَ الْوَ لِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَ_نُكُمْ » (2) . قال :إنّما عَنى بِذلِكَ الأَئِمَّةَ ، بِهِم عَقَدَ اللّهُ أَيمانَكُم . (3)
21كتابه عليه السلام لرجل في حبّ آل محمّد صلى الله عليه و آلهفي الدّعوات : وإليه _ أي الحبّ في اللّه والبغض في اللّه _ أشار الرّضا عليه السلام بمكتوبه :كُن مُحِبَّا لِالِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَإِن كُنتَ فاسِقا ، وَمُحِبَّا لِمُحِبِّيهِم وَإِن كانوا فاسِقينَ . (4)
وزاد في بحار الأنوار : إنّ هذا المكتوب هو الآن عند بعض أهل « كرمند » ، قرية من نواحينا إلى أصفهان ما هي ورفعته (5) أنّ رجلاً من أهلها كان جمّالاً لمولانا أبي الحسن عليه السلام عند توجّهه إلى خراسان ، فلمّا أراد الانصراف قال له : يابن رسول اللّه ، شرِّفني بشيء من خطّك أتبرَّك به ، وكان الرّجل من العامّة ، فأعطاه ذلك المكتوب . (6)
.
ص: 56
. .
ص: 57
الفصل الثّالث: في بعض معجزاته وغرائب شأنه عليه السلام
.
ص: 58
. .
ص: 59
22كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شعيبنصر بن الصّباح ، قال : حدّثني إسحاق بن محمّد ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، عن أحمد بن محمّد بن مطر و زكريّا اللّؤلؤيّ ، قالا : قال إبراهيم بن شعيب (1) : كنت جالسا في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله و إلى جانبي رجل من أهل المدينة ، فحادثته مليّا ، و سألني من أين أنا ؟ فأخبرته : أنّي رجل من أهل العراق . قلت له : ممّن أنت ؟ قال : مولىً لأبي الحسن الرّضا عليه السلام . فقلت له : لي إليك حاجة . قال : و ما هي ؟ قلت : توصل لي إليه رقعة ؟ قال : نعم إذا شئت . فخرجت و أخذت قرطاسا و كتبت فيه : بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إنّ من كان قبلك من آبائك يخبرنا بأشياء فيها دلالات و براهين ، و قد أحببت أن تخبرني باسمي و اسم أبي و ولدي . قال : ثمّ ختمت الكتاب و دفعته إليه ، فلمّا كان من الغد أتاني بكتاب مختوم ففضضته و قرأته ، فإذا أسفل من الكتاب بخطّ ردي (2) :
.
ص: 60
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يا إِبراهيمَ ، إِنَّ مِن آبائِكَ شُعَيبا وَ صالِحا ، وَ إِنَّ مِن أَبنائِكَ مُحَمَّدا وَ عَليَّا وَ فُلانَةُ و فُلانَةُ . غير أنّه زاد اسما لا نعرفها . قال : فقال له بعض أهل المجلس : اعلم أنّه كما صدقك في غيرها فقد صدقك فيها فابحث عنها . (1)
23كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلامفي رجال الكشّي : وجدت بخطّ جبريل بن أحمد : حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) و محمّد بن سنان (3) ، جميعا قالا : كنّا بمكّة و أبو الحسن الرّضا عليه السلام بها ، فقلنا له : جعلنا اللّه فداك ، نحن خارجون و أنت مقيم ، فإن رأيت أن تكتب لنا إلى أبي جعفر عليه السلام كتابا نلمّ به . فكتب إليه . فقدمنا فقلنا للموفّق : أخرجه إلينا . قال : فأخرجه إلينا و هو في صدر موفّق ، فأقبل يقرؤه و يطويه و ينظر فيه و يتبسّم ، حتّى أتى على آخره ، و يطويه من أعلاه و ينشره من أسفله . قال محمّد بن سنان : فلمّا فرغ من قراءته حرّك رجله و قال : ناج ناج . فقال أحمد : ثمّ قال ابن سنان عند ذلك : فطرسية فطرسية. (4)
.
ص: 61
24كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّسعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى (1) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ (2) ، قال : كنت شاكّا في أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، فكتبت إليه كتابا أسأله فيه الإذن عليه ، و قد أضمرت في نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه عن ثلاث آيات قد عقدتُ قلبي عليها . قال : فأتاني جواب ما كتبت به إليه :عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ ، أَمَّا ما طَلَبتَ مِنَ الإِذنِ عَلَيَّ فَإِنَّ الدُّخولَ إِليَّ صَعبٌ ، وَهَؤُلاءِ قَد ضَيَّقوا عَلَيَّ في ذلِكَ ، فَلَستَ تَقدِرُ عَلَيهِ الآنَ ، وَ سَيَكونُ إِن شاءَ اللّهُ . وكتب عليه السلام بجواب ما أردت أن أسأله عنه عن الآيات الثّلاث في الكتاب ، ولا واللّه ما ذكرت له منهنّ شيئا ، و لقد بقيت متعجّبا لما ذكرها في الكتاب ، و لم أدر أنّه جوابي إلّا بعد ذلك فوقفت على معنى ما كتب به عليه السلام . (3)
25كتابه عليه السلام إلى أبي محمّد المصريّمحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ ، عن محمّد بن الوليد بن يزيد الكرمانيّ (4) ، عن أبي محمّد المصريّ (5) ، قال : قَدِمَ أبو الحسن الرّضا عليه السلام فكتبت إليه أسأله الإذن في
.
ص: 62
الخروج إلى مصر أتّجر إليها . فكتب إليَّ :أَقِم ما شاءَ اللّهُ . قال : فأقمت سنتين ثمّ قَدِمَ الثّالثة فكتبت إليه أستأذنه . فكتب إليّ : اخرُج مُبارَكا لَكَ صَنَعَ اللّهُ لَكَ ، فَإِنَّ الأَمرَ يَتَغَيَّرُ . قال : فخرجت فأصبت بها خيرا ، و وقع الهرج ببغداد فسلمت من تلك الفتنة . (1)
26كتابه عليه السلام إلى المأمونعليّ بن إبراهيم عن ياسر ، قال : لمّا خرج المأمون من خراسان يريد بغداد و خرج الفضل ذو الرّياستين و خرجنا مع أبي الحسن عليه السلام ، ورد على الفضل بن سهل ذي الرّياستين (2) كتاب من أخيه الحسن بن سهل و نحن في بعض المنازل : إنّي نظرت في تحويل السَّنَة في حساب النّجوم ، فوجدت فيه أنّك تذوق في شهر كذا و كذا يوم الأربعاء حرّ الحديد و حرّ النّار ، و أرى أن تدخل أنت و أمير المؤمنين و الرّضا الحمّام في هذا اليوم و تحتجم فيه و تصبّ على يديك الدّم ليزول عنك نحسه . فكتب ذو الرّياستين إلى المأمون بذلك و سأله أن يسأل أبا الحسن ذلك .
.
ص: 63
فكتب المأمون إلى أبي الحسن يسأله ذلك . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام :لَستُ بِداخِلٍ الحَمَّامَ غَدا ، وَلا أَرى لَكَ وَلا لِلفَضلِ أَن تَدخُلا الحَمَّامَ غَدا. فأعاد عليه الرّقعة مرّتين . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، لَستُ بِداخِلٍ غَدا الحَمَّامَ ؛ فإِنِّي رَأَيتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في هذِهِ اللَّيلَةِ في النَّومِ فَقالَ لي : يا عَلِيُّ لا تَدخُلِ الحَمَّامَ غَدا . وَ لا أَرى لَكَ وَ لا لِلفَضلِ أَن تَدخُلا الحَمَّامَ غَدا . فكتب إليه المأمون : صدقت يا سيّدي و صدق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، لست بداخلٍ الحمّام غدا و الفضل أعلم . قال : فقال ياسرٌ : فلمّا أمسينا و غابت الشّمس قال لنا الرّضا عليه السلام : قولوا نَعوذُ بِاللّهِ مِن شَرِّ ما يَنزِلُ في هذِهِ اللَّيلَةِ . فلم نزل نقول ذلك ، فلمّا صلّى الرّضا عليه السلام الصّبح قال لي : اصعَد عَلى السَّطحِ فاستَمِع هَل تَسمَعُ شَيئا ؟ فلمّا صعدت سمعت الضجّة و التَحَمَت و كثرت ، فإذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الّذي كان إلى داره من دار أبي الحسن و هو يقول : يا سيّدي يا أبا الحسن آجرك اللّه في الفضل ، فإنّه قد أبى و كان دخل الحمّام ، فدخل عليه قومٌ بالسّيوف فقتلوه . و أُخِذَ ممّن دخل عليه ثلاث نفر كان أحدهم ابن خاله الفضل بن ذي القلمين . قال : فاجتمع الجند و القوّاد و من كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا : هذا اغتاله و قتله _ يعنون المأمون _ و لنطلبنّ بدمه . و جاؤوا بالنّيران ليحرقوا الباب . فقال المأمون لأبي الحسن عليه السلام : يا سيّدي ! ترى أن تخرج إليهم و تفرّقهم ؟ قال : فقال ياسر : فركب أبو الحسن و قال لي : اركَب . فركبت ، فلمّا خرجنا من
.
ص: 64
باب الدّار نظر إلى النّاس و قد تزاحموا ، فقال لهم بيده تفرّقوا تفرّقوا . قال ياسر : فأقبل النّاس واللّه يقع بعضهم على بعض ، و ما أشار إلى أحد إلّا ركض و مرّ . (1)
27كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن يحيىعليّ بن الحسين بن يحيى (2) : كان لنا أخ يرى رأي الإرجاء يقال له : عبد اللّه ، و كان يطعن علينا . فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أشكو إليه و أسأله الدّعاء . فكتب إليَّ :سَتَرى حالَهُ إِلى ما تُحِبُّ ، وَ أَنَّهُ لَن يَموتَ إِلَا عَلى دينِ اللّهِ ، وَ سَيولَدُ لَهُ مِن أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فُلانَةَ غُلامٌ . قال عليّ بن الحسين بن يحيى : فما مكثنا إلّا أقلّ من سنة حتّى رجع إلى الحقّ ، فهو اليوم خير أهل بيتي ، و ولد له _ بعد كتاب أبي الحسن _ من أُمّ ولده تلك غلام . (3)
28كتابه عليه السلام إلى ابن الجهممحمّد بن عبد الحميد عن ابن فضّال ، عن ابن الجهم (4) ، قال : و كتب ( الرّضا عليه السلام ) إليَّ
.
ص: 65
بعد ما انصرفت من مكّة في صفر :يَحدُثُ إِلى أَربَعةِ أَشهُرٍ قِبَلَكُم حَدَثٌ . فكان من أمر محمّد بن إبراهيم ، و أمر أهل بغداد ، و قتل أصحاب زهير و هزيمتهم. (1)
29كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرجعفر بن محمّد بن مالك عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) _ و هو من آل مهران _ و كانوا يقولون بالوقف و كان على رأيهم ، فكاتب أبا الحسن الرّضا عليه السلام و تعنّت في المسائل فقال : كتبت إليه كتابا و أضمرت في نفسي أنّي متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن ، و هي قوله تعالى : «أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِى الْعُمْىَ وَ مَن كَانَ فِى ضَ_لَ_لٍ مُّبِينٍ» (3) ، و قوله : «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْاءِسْلَ_مِ» (4) ، وقوله : « إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَ_كِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ » (5) . قال أحمد : فأجابني عن كتابي ، و كتب في آخره الآيات الّتي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها و لم أذكرها في كتابي إليه ، فلمّا وصل الجواب أُنسيت ما كنت
.
ص: 66
أضمرته ، فقلت : أيّ شيء هذا من جوابي ؟ ثمّ ذكرت أنّه ما أضمرته . (1)
30كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ الوشّاءالحسن بن عليّ الوشّاء (2) و كان يقول بالوقف فرجع ، و كان سببه أنّه قال : خرجت إلى خراسان في تجارةٍ لي ، فلمّا وردته بعث إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام يطلب منّي حِبرَة _ وكانت بين ثيابي قد خفي عليّ أمرها _ فقلت : ما معي منها شيء . فردّ الرّسول و ذكر علامتها و أنّها في سفط (3) كذا . فطلبتها فكان كما قال ، فبعثت بها إليه ، ثمّ كتبت مسائل أسأله عنها ، فلمّا وردت بابه خرج إليّ جواب تلك المسائل الّتي أردت أن أسأله عنها من غير أن أظهرتها. فرجع عن القول بالوقف إلى القطع على إمامته . (4) و في عيون أخبار الرّضا عليه السلام : حدّثنا أبي رضى الله عنه ، قال : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أبو الخير صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : بعث إليَّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام غلامه ومعه رقعة فيها :ابعَث إِلَيَّ بِثَوبٍ مِن ثيابِ مَوضِعِ كَذا وَ كَذا مِن ضَربِ كَذا . فكتبت إليه ، و قلت للرسول : ليس عندي ثوب بهذه الصّفة ، و ما أعرف هذا الضّرب من الثّياب . فأعاد الرّسول إليَّ و قال : فَاطلبهُ . فأعدت إليه الرّسول و قلت : ليس عندي من هذا الضّرب شيء فأعاد إلى الرّسول : اطلُبهُ فَإِنَّهُ عِندَكَ مِنهُ . قال الحسن بن عليّ الوشّاء : و قد كان أبضع منّي رجلٌ ثوبا منها و أمرني ببيعه و كنت قد نسيته ، فطلبت كلّ شيء كان معي فوجدته في سفط تحت الثّياب كلّها ،
.
ص: 67
فحملته إليه . (1) و في روايةٍ أُخرى : سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا أبو الخير صالح بن أبي حمّاد عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : كنت كتبت معي مسائل كثيرة قبل أن أقطع على أبي الحسن عليه السلام ، و جمعتها في كتاب ممّا روي عن آبائه عليهم السلام و غير ذلك ، و أحببت أن أثبت في أمره و أختبره ، فحملت الكتاب في كُمّي و صرت إلى منزله ، و أردت أن آخذ منه خلوة فأناوله الكتاب ، فجلست ناحية و أنا متفكّر في طلب الإذن عليه و بالباب جماعة جلوس يتحدّثون ، فبينا أنا كذلك في الفكرة في الاحتيال للدخول عليه إذ أنا بغلامٍ قد خرج من الدّار في يده كتاب ، فنادى : أيّكم الحسن بن علي الوشّاء ابن بنت إلياس البغداديّ ؟ فقمت إليه ، فقلت : أنا الحسن بن عليّ فما حاجتك ؟ فقال : هذا الكتاب أُمرت بدفعه إليك ، فهاك خذه . فأخذته و تنحّيت ناحية فقرأته ، فإذا واللّه فيه جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه و تركت الوقف . (2)
31كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانحمدويه ، قال : حدّثنا أبو سعيد الآدمي ، عن محمّد بن مرزبان ، عن محمّد بن سنان (3) ، قال : شكوت إلى الرّضا عليه السلام وجع العين ، فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر عليه السلام و هو أقلّ من نيتي ، فدفع الكتاب إلى الخادم و أمرني أن أذهب معه ، و قال : اكتُم . فأتيناه و خادم قد حمله ، قال : ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السلام ،
.
ص: 68
فجعل أبو جعفر عليه السلام ينظر في الكتاب و يرفع رأسه إلى السّماء ، و يقول : ناجٍ . ففعل ذلك مرارا ، فذهب كلّ وجع في عيني ، و أبصرت بصرا لا يبصره أحد . قال : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلك اللّه شيخا على هذه الاُمّة ، كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني إسرائيل . قال : ثمّ قلت له : يا شبيه صاحب فُطرُس ، قال : و انصرفت و قد أمرني الرّضا عليه السلام أن أكتم ، فما زلت صحيح البصر حتّى أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني ، فعاودني الوجع . قال : قلت لمحمّد بن سنان : ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فُطرُس ؟ فقال : إنّ اللّه تعالى غضب على ملك من الملائكة يُدعى فُطرُس ، فدُقّ جناحه ورمي في جزيرة من جزائر البحر ، فلمّا ولد الحسين عليه السلام بعث اللّه عز و جل جبريل إلى محمّد صلى الله عليه و آله ليهنّئه بولادة الحسين عليه السلام ، و كان جبريل صديقا لفُطرُس ، فمرّ به و هو في الجزيرة مطروح ، فخبّره بولادة الحسين عليه السلام و ما أمر اللّه به ، فقال له : هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي و أمضي بك إلى محمّد صلى الله عليه و آله ليشفع لك ؟ قال : فقال فُطرُس : نعم . فحمله على جناح من أجنحته حتّى أتى به محمّدا صلى الله عليه و آله ، فبلغه تهنية ربّه تعالى ثمّ حدّثه بقصّة فُطرُس ، فقال محمّد صلى الله عليه و آله لفُطرُس : امسح جناحك على مهد الحسين و تمسّح به ، ففعل ذلك فُطرُس ، فجبّر اللّه جناحه و ردّه إلى منزله مع الملائكة . (1)
32جوابه عليه السلام إلى البزنطيّالبزنطيّ (2) ، قال : إنّي كنت من الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام و أشكّ في الرّضا عليه السلام ، فكتبت أسأله عن مسائل و نسيت ما كان أهمّ المسائل إليّ ، فجاء الجواب من جميعها ، ثمّ قال :
.
ص: 69
وَ قَد نَسَيتَ ما كانَ أَهَمَّ المَسائِلِ عِندَكَ . فاستبصرت . . . (1)
33كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلامأبو المفضل محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ ، قال : حدّثني عليّ بن يونس الخزّاز ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : كنت أنا و محمّد بن سنان و صفوان و عبد اللّه بن مغيرة عند أبي الحسن الرّضا عليه السلام بمنىً ، فقال لي :أَلَكَ حاجَةٌ ؟ فقلت : نعم . و كتب معنا كتابا إلى أبي جعفرٍ عليه السلام ، فلمّا صرنا إلى رذالمدينة أخرجه إلينا مسافر على كتفه و له يومئذ ثمانيةٍ عشر شهرا ، فدفعنا إليه الكتاب ففضّ الخاتم و قرأه ، ثمّ رفع رأسه إلى نخلة كان تحتها فقال : باح باح . (2) وفي الخرائج و الجرائح : محمّد بن ميمون ، أنّه كان مع الرّضا عليه السلام بمكّة قبل خروجه إلى خراسان ، قال : قلت له : إنّي أُريد أن أتقدّم إلى المدينة ، فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر عليه السلام . فتبسّم وكتب . فصرت إلى المدينة ، وقد كان ذهب بصري ، فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا يحمله من المهد ، فناولته الكتاب ، فقال لموفّق الخادم : فِضَّهُ وَ انشُرهُ . ففضّه و نشره بين يديه ، فنظر فيه ، ثمّ قال لي : يا مُحَمَّدُ ، ما حالُ بَصَرِك ؟ قلت : يا بن رسول اللّه ، اعتلّت عيناي ، فذهب بصري كما ترى .
.
ص: 70
فقال : أُدنُ مِنِّي . فدنوت منه ، فمدّ يده فمسح بها على عيني ، فعاد إليّ بصري كأصحّ ما كان ، فقبّلت يده و رجله ، و انصرفت من عنده وأنا بصير . (1)
34رواية أحمد بن عمر الحلّالفي أن الأئمّة يخبرون شيعتهم بإضمارهم وحديث أنفسهمموسى بن عمر عن أحمد بن عمر الحلّال (2) ، قال : سمعت الأخرس بمكّة يذكر الرّضا عليه السلام فنال منه ، قال : فدخلت مكّة فاشتريت سكّينا ، فرأيته فقلت : واللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد . فأقمت على ذلك فما شعرت إلّا برقعة أبي الحسن عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم بِحَقِّي عَلَيكَ لَمَّا كَفَفتَ عَن الأَخرَسِ ، فَإِنَّ اللّهَ ثِقَتي وَ هوَ حَسبي . (3) و في الخرائج و الجرائح : أحمد بن عمر الحلّال ، قال : سمعت الأخرس يذكر موسى بن جعفر عليه السلام بسوء ، فاشتريت سكّينا و قلت في نفسي : و اللّه لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك و جلست ، فما شعرت إلّا برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت عليَّ فيها : بِحَقِّي عَلَيكَ لَمَّا كَفَفتَ عَن الأَخرَسِ ، فَإِنَّ اللّهَ ثِقَتي وَ هوَ حَسبي .
.
ص: 71
فما بقي أيّاما إلّا ومات . (1)
35كتابه عليه السلام إلى حكيمة ابنة أبي موسى عليه السلامأبوالمفضّل محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني أبو النّجم بدر بن عمّار ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ ، قال : حدّثني عبد اللّه بن أحمد ، عن صفوان ، عن حكيمة (2) بنت أبي الحسن موسى عليه السلام ، قالت : كتبت لمّا عَلِقَت (3) أُمّ أبي جعفرٍ عليه السلام به : خادمتك ( سبيكة ) قد عَلِقَت . فكتب إليَ :إِنَّها عَلِقَت ساعَةَ كَذا ، مِن يَومِ كَذا ، مِن شَهرِ كَذا ، فَإِذا هِيَ وَلَدَت فالزَميها سَبعَةَ أَيَّامٍ . قالت : فلمّا وَلَدَته قال : أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ . فلمّا كان اليوم الثالث عطس ، فقال : الحَمدُ للّهِِ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ عَلى الأَئِمَّةِ الرَّاشِدينَ . (4)
36كتابه عليه السلام إلى موسى بن مهرانأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثني أبي ، عن محمّد بن عيسى ، عن موسى بن مهران (5) ، أنّه كتب إلى الرّضا عليه السلام يسأله أن يدعو اللّه لابنٍ له . فكتب عليه السلام إليه :وَهَبَ اللّهُ لَكَ ذَكَرا صالِحا .
.
ص: 72
فمات ابنه ذلك و ولد له ابن . (1)
37كتابه عليه السلام إلى الوشّاءابن الوليد عن الصّفار ، عن اليقطينيّ ، عن الوشّاء (2) ، قال : سألني العبّاس بن جعفر بن محمّد بن الأشعث أن أسأله _ الرّضا عليه السلام _ أن يحرق كتبه إذا قرأها ؛ مخافة أن يقع في يَدَي غيره ، قال الوشّاء : فابتدأني عليه السلام بكتابٍ قبل أن أسأله أن يحرق كتبه ، فيه :أعلِم صاحِبَكَ أَنِّي إِذا قَرَأتُ كُتُبَهُ إليَ خَرَقتُها . (3) و روي عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : كنّا عند رجل بمرو ، و كان معنا رجل واقفيّ ، فقلت له : اتّق اللّه ، قد كنت مثلك ثمّ نوّر اللّه قلبي ، فصُم الأربعاء و الخميس و الجمعة و اغتسل و صلّ ركعتين ، وسل اللّه أن يريك في منامك ما تستدلّ به على هذا الأمر . فرجعت إلى البيت ، و قد سبقني كتاب أبي الحسن إليّ يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرّجل ، فانطلقت إليه و أخبرته ، و قلت له : احمد اللّه و استخره مئة مرّة ، و قلت : إنّي وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدّار أن أقول لك ، و فيه ما كنّا فيه ، و إنّي لأرجو أن ينوّر اللّه قلبك فافعل ما قلت لك من الصّوم و الدّعاء . فأتاني يوم السّبت في السّحر ، فقال لي : أشهد أنّه الإمام المفترض الطّاعة . فقلت : وكيف ذلك ؟ قال : أتاني أبو الحسن البارحة في النّوم فقال :
.
ص: 73
يا إِبراهيمُ ، وَاللّهِ لَتَرجِعَنَّ إِلى الحَقِّ . و زعم أنّه لم يطّلع عليه إلّا اللّه . (1)
38كتابه عليه السلام إلى يحيى بن أبي عمران و أصحابهفي أحمد بن سابقنصر بن صباح ، قال : حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن محمّد البصريّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، قال : حدّثني سليمان بن جعفر الجعفريّ ، قال : كتب أبو الحسن الرّضا عليه السلام إلى يحيى بن أبي عمران 2 و أصحابه ، قال : و قرأ يحيى بن أبي عمران الكتاب ، فإذا فيه :عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكُم ، انظُروا أَحمَدَ بنَ سابِقٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، الأَعثَمَ الأَشَجَّ وَ احذَروهُ .
قال أبو جعفر : و لم يكن أصحابنا يعرفون أنّه أشجّ أو به شجّة حتّى كشف رأسه فإذا به شجّة . قال أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه : و كان أحمد قبل ذلك يظهر القول بهذه المقالة . قال : فما مضت الأيّام حتّى شرب الخمر و دخل في البلايا . (2)
.
ص: 74
. .
ص: 75
الفصل الرّابع: في مكاتيبه الفقهيّة
.
ص: 76
. .
ص: 77
39في محض الإسلام وشرائع الدّينعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النّيسابوريّ العطّار رضى الله عنه بنيسابور في شعبان سنة اثنتين و خمسين و ثلاثمئة ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النّيسابوريّ ، عن الفضل بن شاذان ، قال : سأل المأمونُ عليَّ بن موسى الرّضا عليه السلام أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز و الاختصار . فكتب عليه السلام له : [في محض الإسلام]إنَّ مَحضَ الإِسلامِ شَهادَةُ أَن لا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، إلها واحِدا ، أَحَدا ، فَردا ، صَمَدا ، قَيُّوما ، سَميعا ، بَصيرا ، قَديرا ، قَديما ، قائِما ، باقيا ، عالِما لا يَجهَلُ ، قادِرا لا يَعجِزُ ، غَنيَّا لا يَحتاجُ ، عَدلاً لا يَجورُ ، وَ أَنَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا شِبهَ لَهُ ، وَ لا ضِدَّ لَهُ ، وَ لا نِدَّ لَهُ ، وَ لا كُفؤَ لَهُ ، وَ أَنَّهُ المَقصودُ بِالعِبادَةِ وَ الدُّعاءِ وَ الرَّغبَةِ وَ الرَّهبَةِ . وَ أَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ وَ رَسولُهُ وَ أَمينُهُ وَ صَفيُّهُ وَ صَفوَتُهُ مِن خَلقِهِ ، وَ سَيِّدُ المُرسَلينَ وَ خاتَمُ النَّبيِّينَ ، وَ أَفضَلُ العالَمِينَ ، لا نَبِيَّ بَعدَهُ ، وَ لا تَبديلَ لِمِلَّتِه وَ لا تَغييرَ لِشَريعَتِهِ ، وَ أَنَّ جَميعَ ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ بنُ عَبدِ اللّهِ هوَ الحَقُّ المُبينُ ، وَ التَّصديقُ بِهِ وَبِجَميعِ مَن مَضى قَبلَهُ مِن رُسُلِ اللّهِ وَ أَنبيائِهِ وَ حُجَجِهِ ، وَ التَّصديقُ بِكتابِهِ الصَّادِقِ العَزيزِ الّذي « لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (1) .
.
ص: 78
وَ أَنَّه المُهَيمِنُ عَلى الكُتُبِ كُلِّها ، وَ أَنّهُ حَقٌّ مِن فاتِحَتِهِ إِلى خاتِمَتِهِ ، نُؤمِنُ بِمُحكَمِهِ وَمُتَشابِهِهِ ، وَ خاصِّهِ وَ عامِّهِ ، وَ وَعدِهِ وَ وَعيدِهِ ، وَ ناسِخِهِ وَ مَنسوخِهِ ، وَ قِصَصِهِ وَأَخبارِهِ ، لا يَقدِرُ أَحدٌ مِنَ المَخلوقينَ أَن يَأتيَ بِمِثلِهِ ، وَ أَنَّ الدَّليلَ بَعدَهُ وَ الحُجَّةَ عَلى المُؤمِنينَ وَ القائِمَ بِأمرِ المُسلِمينَ ، وَ النَّاطِقَ عَنِ القُرآنِ ، وَ العالِمَ بِأَحكامِهِ أَخوهُ وَخَليفَتُهُ وَ وَصيُّهُ وَ وَليُّهُ وَ الّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، أَميرُ المُؤمِنينَ وَ إِمامُ المُتَّقينَ وَ قائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، وَ أَفضَلُ الوَصيِّينَ وَوَارِثُ عِلمِ النَّبيِّينَ وَ المُرسَلينَ . وَ بَعدَهُ الحَسَنُ وَ الحُسَينُ سَيِّدا شَبابِ أَهلِ الجَنَّةِ ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العابِدينَ ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ باقِرُ عِلمِ النَّبيِّينَ ، ثُمَّ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ وارِثُ عِلمِ الوَصيِّينَ ، ثُمَّ موسى بنُ جَعفَرٍ الكاظِمُ ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ موسى الرِّضا ، ثُمَّ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ ، ثُمَّ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ ، ثُمَّ الحُجَّةُ القائِمُ المُنتَظَرُ ، صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم أَجمَعينَ . أَشهَدُ لَهُم بِالوَصيَّةِ وَ الإِمامَةِ وَ أِنَّ الأَرضَ لا تَخلو مِن حُجَّةِ اللّهِ تَعالى عَلى خَلقِهِ في كُلِّ عَصرٍ وَ أَوانٍ ، وَ أَنَّهُم العُروَةُ الوُثقى وَ أَئِمَّةُ الهُدى وَ الحُجَّةُ عَلى أَهلِ الدُّنيا إِلى أَن يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ وَ مَن عَلَيها ، وَ أَنَّ كُلَّ مَن خالَفَهُم ضالٌّ مُضِلٌّ باطِلٌ تارِكٌ لِلحَقِّ وَ الهُدى ، وَ أَنَّهُم المُعَبِّرونَ عَنِ القُرآنِ وَ النَّاطِقونَ عَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله بِالبَيانِ ، وَ مَن ماتَ وَ لَم يَعرِفهُم ماتَ مِيتَةً جاهِليَّةً .
[من دين الأئمّة عليهم السلام ]وَ إنَّ مِن دينِهِم : الوَرَعُ وَ العِفَّةُ ، وَ الصِّدقُ وَ الصَّلاحُ ، وَ الاستِقامَةُ وَ الاجتِهادُ ، وَ أَداءُ الأَمانَةِ إِلى البَرِّ وَ الفاجِرِ ، وَ طولُ السُّجُودِ ، وَ صيامُ النَّهارِ ، وَ قيامُ اللَّيلِ ، وَ اجتِنابُ المَحارِمِ ، وَ انتِظارُ الفَرَجِ بِالصَّبرِ ، وَ حُسنُ العَزاءِ ، وَ كَرَمُ الصُّحبَةِ . (1)
[في الوضوء]ثُمَّ الوُضوءُ كَما أَمَرَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ : غَسلُ الوَجهِ وَ اليَدَينِ مِنَ المِرفَقَينِ ، وَ مسحُ الرَّأسِ
.
ص: 79
وَ الرِّجلَينِ مَرَّةً واحِدَةً ، وَ لا ينقُضُ الوُضوءَ إِلَا غائِطٌ أَو بَولٌ أَو ريحٌ أَو نَومٌ أَو جَنابَةٌ ، وَ أَنَّ مَن مَسَحَ عَلى الخُفَّينِ فَقَد خالَفَ اللّهَ تَعالى وَ رَسولَهُ وَ تَركَ فَريضَةً مِن كِتابِهِ . (1)
[في الأغسال وأقسامها]وَ غُسلُ يَومِ الجُمُعَةِ سُنَّةٌ ، وَ غُسلُ العيدَينِ ، وَ غُسلُ دُخولِ مَكَّةَ وَ المَدينَةِ ، و غُسلُ الزِّيارَةِ ، وَ غُسلُ الإِحرامِ ، وَ أَوَّلِ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وَ لَيلَةِ سَبعَ عَشرَةَ ، وَ لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ ، وَ لَيلَةِ إحدى وَ عِشرينَ ، وَ لَيلَةِ ثَلاثٍ وَ عِشرينَ مِنَ شَهرِ رَمَضانَ ، هذِهِ الأَغسالُ سُنَّةٌ ، وَ غُسلُ الجَنابَةِ فَريضَةٌ ، وَ غُسلُ الحَيضِ مِثلُهُ .
[في صلاة الفريضة]وَ الصَّلاةُ الفَريضَةُ الظُّهرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ العَصرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ المَغرِبُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ ، وَ العِشاءُ الآخِرَةُ أَربَعُ رَكعاتٍ ، وَ الغَداةُ رَكعَتانِ ، هذِهِ سَبعَ عَشرَةَ رَكعَةً .
[في صلاة السّنّة]وَ السُّنَّةُ أَربَعٌ وَ ثَلاثونَ رَكعَةً ، ثَمانُ رَكَعاتٍ قَبلَ فَريضَةِ الظُّهرِ ، وَ ثَمانُ رَكَعاتٍ قَبلَ العَصرِ ، وَ أَربَعُ رَكَعاتٍ بَعدَ المَغرِبِ ، وَ رَكعَتانِ مِن جُلوسٍ بَعدَ العَتَمَةِ تُعَدَّانِ بِرَكعَةٍ وَثَمانُ رَكَعاتٍ في السَّحرِ ، وَ الشَّفعُ وَ الوَترُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ يُسَلِّمُ بَعدَ الرَّكعَتَينِ ، وَ رَكعَتا الفَجرِ .
[الحثّ على الصّلاة في أوّل الوقت]وَ الصَّلاةُ في أَوَّلِ الوَقتِ أَفضَلُ . (2)
[في صلاة الجماعة]وَ فَضلُ الجَماعَةِ عَلى الفَردِ أَربعٌ وَ عِشرونَ ، وَلا صَلاةَ خَلفَ الفاجِرِ ، وَلا يُقتَدى إِلَا بِأَهلِ الوَلايَةِ .
[في عدم طهارة جلد الميتة]وَ لا يُصَلَّى في جُلودِ المَيتَةِ وَ لا في جُلودِ السِّباعِ .
.
ص: 80
[في التّشهّد]وَ لا يَجوزُ أَن يَقولَ في التّشَهُّدِ الأَوَّلِ : السَّلامُ عَلَينا وَ عَلى عِبادِ اللّهِ الصَّالِحينَ ؛ لأَنَّ تَحليلَ الصَّلاةِ التَّسليمُ ، فَإِذا قُلتَ هذا فَقَد سَلَّمتَ .
[في تبيين الصّلاة وصوم المسافر]وَ التَّقصيرُ في ثَمانيَةِ فَراسِخَ وَ ما زادَ ، وَ إِذا قَصَّرتَ أَفطَرتَ ، وَ مَن لَم يُفطِر لَم يُجزِ عَنهُ صَومُهُ في السَّفرِ وَ عَلَيهِ القَضاءُ ؛ لِأَنَّه لَيسَ عَلَيهِ صَومٌ في السَّفرِ . (1)
[في القنوت]وَ القُنوتُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ في الغَداةِ وَ الظُّهرِ وَ العَصرِ وَ المَغرِبِ وَ العِشاءِ الآخِرَةِ .
[في الصّلاة على الميّت]وَ الصَّلاةُ عَلى المَيِّتِ خَمسُ تَكبيراتٍ ، فَمَن نَقَصَ فَقَد خالَفَ السُّنَّةَ . (2)
[في دفن الميّت]وَ المَيِّتُ يُسَلُّ مِن قِبَلِ رِجلَيهِ ، وَ يُرفَقُ بِهِ إذا أُدخِلَ قَبرَهُ . (3)
[في الإجهار ببسم اللّه ]وَ الإِجهارُ بِبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في جَميعِ الصَّلَواتِ سُنّةٌ .
[في الزكاة]وَ الزَّكاةُ الفَريضَةُ في كُلِّ مِئَتَي دِرهَمٍ خَمسَةُ دَراهِمَ ، وَلا يَجِبُ فيما دونَ ذلِكَ شَيءٌ ، وَ لا تَجِبُ الزَّكاةُ عَلى المالِ حَتَّى يَحولَ عَليه الحَولُ ، وَ لا يَجوزُ أَن يُعطَى الزَّكاةُ غَيرَ أَهلِ الوَلايَةِ المَعروفينَ ، وَ العُشرُ مِنَ الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ إِذا بَلَغَ خَمسَةَ أَوساقٍ ، وَ الوَسقُ سِتُّون صاعا ، وَ الصَّاعُ أَربَعَةُ أَمدادٍ . (4)
.
ص: 81
[في زكاة الفِطر]وَ زَكاةُ الفِطرِ فَريضَةٌ عَلى كُلِّ رَأسٍ صَغيرٍ أَو كَبيرٍ ، حُرٍّ أَو عَبدٍ ، ذَكَرٍ أَو أُنثى ، مِنَ الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ صاعٌ ، وَ هوَ أَربَعَةُ أَمدادٍ . وَ لا يَجوزُ دَفعُها إِلّا إِلى أَهلِ الوَلايَةِ . (1)
[في الحيض و الاستحاضة]وَ أَكثرُ الحَيضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، وَ أَقلَّهُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ، وَ المُستَحاضَةُ تَحتَشي وَ تَغتَسِلُ وَ تُصَلِّي ، وَ الحائِضُ تَترُكُ الصَّلاةَ وَ لا تَقضي وَ تَترُكُ الصَّومَ وَ تَقضي .
[في علامة شهر رمضان]وَ صِيامُ شَهرِ رَمَضانَ فَريضَةٌ ، يُصامُ لِلرُّؤيَةِ وَ يُفطَرُ لِلرُّؤيَةِ . (2)
[في التّطوّع في جماعة]وَ لا يَجوزُ أَن يُصَلَّى التَّطَوُّعُ في جَماعَةٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ بِدعَةٌ ، وَ كُلُّ بِدعَةٍ ضَلالَةٌ ، وَ كُلُّ ضَلالَةٍ في النَّارِ .
[في صوم السّنّة]وَ صَومُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِن كُلِّ شَهرٍ سُنَّةٌ في كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَومُ أَربِعاءَ بَينَ خَميسَينِ ، وَ صَومُ شَعبانَ حَسَنٌ لِمَن صامَهُ ، وَ إِن قَضَيتَ فَوائِتَ شَهرِ رَمَضانَ مُتَفَرِّقَةً أَجزأَ . (3)
[في حجّ بيت اللّه الحرام]وَ حِجُّ البَيتِ فَريضَةٌ « عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » (4) وَ السَّبيلُ الزَّادُ وَ الرَّاحِلَةُ مَعَ الصِّحَّةِ ، وَ لا يَجوزُ الحَجُّ إِلَا تَمَتُّعا ، وَ لا يَجوزُ القِرانُ وَ الإِفرادُ الّذي يَستَعمِلَهُ العامَّةُ إِلَا لاِهلِ مَكَّةَ وَ حاضِريها ، وَ لا يَجوزُ الإِحرامُ دونَ الميقاتِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » (5) . (6)
.
ص: 82
وَ لا يَجوزُ أَن يُضَحِّي بِالخَصيِّ ؛ لِأَنَّهُ ناقِصٌ ، وَ لا يَجوزُ المَوجوءُ . (1)
[في الجهاد والتّقية]وَ الجِهادُ واجِبٌ مَعَ الإِمامِ العَدلِ ، وَ مَن قُتِلَ دونَ مالِهِ فَهوَ شَهيدٌ ، وَ لا يَجوزُ قَتلُ أَحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ وَ النُّصَّابِ في دارِ التَّقيَّةِ ، إِلّا قاتِلٌ أَو ساعٍ في فَسادٍ وَ ذلِكَ إذا لَم تَخَف عَلى نَفسِكَ وَ عَلى أَصحابِكَ . (2) وَ التَّقيَّةُ في دارِ التَّقيَّةِ واجِبَةٌ ، وَ لا حِنثَ عَلى مَن حَلَفَ تَقيَّةً يَدفَعُ بِها ظُلما عَن نَفسِهِ .
[في الطّلاق والنّكاح]وَ الطَّلاقُ لِلسُّنَّةِ عَلى ما ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ وَ سُنَّةِ نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ لا يَكونُ طَلاقٌ لِغَيرِ سُنَّةٍ ، وَ كُلُّ طَلاقٍ يُخالِفُ الكِتابَ فَلَيسَ بِطَلاقٍ كَما أَنَّ كُلَّ نِكاحٍ يُخالِفُ الكِتابَ فَلَيسَ بِنِكاحٍ ، وَ لا يَجوزُ أَن يَجمَعَ بَينَ أَكثَرَ مِن أَربَعِ حَرائِرَ ، وَ إذا طُلِّقتِ المَرأَةُ لِلعِدَّةِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَم تَحِلَّ لِزَوجِها حَتَّى تَنكِحَ زَوجا غَيرَهُ . (3) وَ قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اتَّقوا تَزويجَ المُطَلَّقاتِ ثَلاثا في مَوضِعٍ واحِدٍ ؛ فَإنَّهُنَّ ذَواتُ أَزواجٍ .
[في الصّلوات على النّبيّ صلى الله عليه و آله ]وَ الصَّلَواتُ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله واجِبَةٌ في كُلِّ مَوطِنٍ وَ عِندَ العُطاسِ وَ الذَّبائِحِ وَ غَيرِ ذلِكَ . (4)
[في حبّ أولياء اللّه وبغض أعدائهم]وَحُبُّ أَولياءِ اللّهِ تَعالى واجِبٌ ، وَ كَذلِكَ بُغضُ أَعداءِ اللّهِ وَ البَراءَةُ مِنهُم وَ مِن أَئِمَّتِهِم .
[في برّ الوالدين]وَبِرُّ الوالِدَينِ واجِبٌ وَإِن كانا مُشرِكَينِ ، وَلا طاعَةَ لَهُما في مَعصيَةِ اللّهِ عز و جل وَلا لِغَيرِهِما ؛ فَإِنَّه لا طاعَةَ لِمَخلوقٍ في مَعصيَةِ الخالِقِ .
.
ص: 83
[في ذكاة الجنين]وَ ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّهِ إِذا أَشعَرَ وَ أَوبَرَ .
[في تحليل المتعتين]وَ تَحليلُ المُتعَتَينِ اللَّتَينِ أَنزَلَهُما اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ وَ سَنَّهُما رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : مُتعَةُ النِّساءِ وَ مُتعَةُ الحَجِّ .
[في سهام المواريث]وَ الفَرائِضُ عَلى ما أَنزَلَ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ وَ لا عَولَ (1) فيها ، وَ لا يَرِثُ مَعَ الوَلَدِ وَ الوالِدَينِ أَحَدٌ إِلَا الزَّوجُ وَ المَرأَةُ ، وَ ذو السَّهمِ أَحَقُّ مِمَّن لا سَهمَ لَهُ ، وَ لَيسَتِ العَصَبَةُ مِن دينِ اللّهِ تَعالى .
[في سنن المولود]وَ العَقيقَةُ عَنِ المَولودِ لِلذَّكَرِ وَ الاُنثى واجِبَةٌ ، وَ كَذلِكَ تَسميَتُهُ وَ حَلقُ رأسِهِ يَومَ السَّابِعِ وَ يَتَصَدَّقُ بِوَزنِ الشَّعرِ ذَهَبا أَو فِضَّةً ، وَ الخِتانُ سُّنَّةٌ واجِبَةٌ لِلرِّجالِ وَ مَكرُمَةٌ لِلنِّساءِ .
[في نفي الظّلم والجور عن اللّه تعالى]وَ إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى : « لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَا وُسْعَهَا » (2) وَ إنَّ أَفعالَ العِبادِ مَخلوقَةٌ للّهِ تَعالى خَلقَ تَقديرٍ لا خَلقَ تَكوينٍ وَ « اللَّهُ خَ__لِقُ كُلِّ شَىْ ءٍ » (3) وَ لا نَقولُ بِالجَبرِ وَ التَّفويضِ ، وَ لا يَأخُذُ اللّهُ البَريءَ بِالسَّقيمِ ، وَ لا يُعذِّبُ اللّهُ تَعالى الأَطفالَ بِذنُوبِ الآباءِ « وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (4) « وَ أَن لَّيْسَ لِلْاءِنسَ_نِ إِلَا مَا سَعَى » (5) وَللّهِِ أَن يَعفوَ وَ يَتَفَضَّلَ ، وَ لا يَجورُ وَلا يَظلِمَ ؛ لِأَنَّه تَعالى مُنَزَّهٌ عَن ذلِكَ .
.
ص: 84
[في لزوم عصمة الإمام عليه السلام ]وَ لا يَفرُضُ اللّهُ عز و جل طاعَةَ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُضِلُّهُم وَ يُغويهِم ، وَ لا يَختارُ لِرِسالَتِهِ وَ لا يَصطَفي مِن عِبادِهِ مَن يَعلَمُ أنَّه يَكفُرُ بِهِ وَ بِعِبادَتِهِ وَ يَعبُدُ الشَّيطانَ دونَهُ .
[في الإسلام والإيمان]وَ إِنَّ الإِسلامَ غَيرُ الإِيمانِ ، وَ كُلُّ مُؤمِنٍ مُسلِمٍ ، وَ لَيسَ كُلُّ مُسلِمٍ مُؤمِنٍ ، وَ لا يَسرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسرِقُ وَ هو مُؤمِنٌ ، وَ لا يَزني الزَّاني حينَ يَزني وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ أَصحابُ الحُدودِ مُسلِمونَ لا مُؤمِنونَ وَ لا كافِرونَ ، وَ اللّهُ تَعالى لا يُدخِلُ النَّارَ مُؤمِنا وَ قَد وَعَدَهُ الجَنَّةَ ، وَ لا يُخرِجُ مِنَ النَّارِ كافِرا وَ قَد أَوعَدَهُ النَّارَ وَ الخُلودَ فيها ، وَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَ يَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ . (1)
[في الشّفاعة]وَ مُذنِبو أَهلَ التَّوحيدِ لا يُخَلَّدونَ في النَّارِ وَ يُخرَجونَ مِنها ، وَ الشَّفاعَةُ جائِزَةٌ لَهُم ، وَ أَنَّ الدَّارَ اليَومَ دارُ تَقيِّةٍ وَ هي دارُ الإِسلامِ لا دارُ كُفرٍ وَ لا دارُ إِيمانٍ .
[في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر]وَ الأَمرُ بِالمَعروفِ وَ النَّهيُ عَنِ المُنكَرِ واجِبانِ إِذا أَمكَنَ وَ لَم يَكُن خيفَةٌ عَلى النَّفسِ .
[في الإيمان]وَ الإِيمانُ هوَ أَداءُ الأَمانَةِ و اجتِنابُ جَميعِ الكَبائِرِ ، وَ هوَ مَعرِفَةٌ بِالقَلبِ وَ إقرارٌ بِاللِّسانِ وَ عَمَلٌ بِالأَركانِ .
[في صلاة العيدين]وَ التَّكبيرُ في العيدَينِ واجِبٌ في الفِطرِ في دُبُرِ خَمسِ صَلَواتٍ ، وَ يُبدَأُ بِهِ في دُبُرِ صَلاةِ المَغرِبِ لَيلَةَ الفِطرِ وَ في الأَضحى في دُبُرِ عَشرِ صَلَواتٍ ، وَ يَبدَأُ بِهِ مِن صَلاةِ الظُّهرِ يَومَ النَّحرِ وَ بِمِنىً في دُبُرِ خَمسَ عَشرَةَ صَلاةً .
.
ص: 85
[في النّفاس و المستحاضة]وَ النُّفَساءُ لا تَقعُدُ عَنِ الصَّلاةِ أَكثَرَ مِن ثَمانيَةَ عَشَرَ يَوما ، فَإِن طَهُرَت قَبلَ ذلِكَ صَلَّت ، وَ إِن لَم تَطهُر حَتَّى تَجاوَزَ ثَمانيَةَ عَشَرَ يَوما اغتَسَلَت وَ صَلَّت وَ عَمِلَت ما تَعمَلُ المُستَحاضَةِ . وَ يُؤمِنُ بِعَذابِ القَبرِ وَ منكَرٍ وَ نَكيرٍ وَ البَعثِ بَعدَ المَوتِ ، وَ الميزانِ وَ الصِّراطِ .
[في التّبرّي]وَ البَراءَةُ مِنَ الَّذينَ ظَلَموا آلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وَ هَمُّوا بِإخراجِهِم وَ سَنُّوا ظُلمَهُم وَ غَيَّروا سُنَّةَ نَبيِّهِم صلى الله عليه و آله ، وَ البَراءَةُ مِنَ النّاكِثينَ وَ القاسِطينَ وَ المارِقينَ الَّذينَ هَتَكوا حِجابَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ نَكَثوا بَيعَةَ إِمامِهِم ، وَ أَخرَجوا المَرأَةَ وَ حارَبوا أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وَ قَتَلوا الشِّيعَةَ المُتَّقينَ رَحمَةُ اللّهِ عَليهِم ، واجِبَةٌ ، وَ البَراءَةُ مِمَّن نَفى الأَخيارَ وَ شَرَّدَهُم ، وَ آوى الطُّرَداءِ اللُّعناءِ ، وَ جَعَلَ الأَموالَ دَولَةً بَينَ الأَغنياءِ ، وَاستَعمَلَ السُّفَهاءَ مِثلُ مُعاويةَ وَ عَمرِو بنِ العاصِ لَعينَيّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . وَ البَراءَةُ مِن أَشياعِهِم وَ الَّذينَ حارَبوا أَميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وَ قَتَلوا الأَنصارَ وَ المُهاجِرينَ وَ أَهلَ الفَضلِ وَ الصَّلاحِ مِنَ السَّابِقينَ ، وَ البَراءَةُ مِن أَهلِ الاستئثارِ ، وَ مِن أَبي موسى الأَشعَريِّ وَ أَهلِ وَلايَتِهِ «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِ_ئايَ_تِ رَبِّهِمْ » (1) وَ بِوَلايَةِ أَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وَ «لِقائِهِ» كَفَروا بِأَن لَقوا اللّهَ بِغيرِ إِمامَتِهِ « فَحَبِطَتْ أَعْمَ__لُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ وَزْنًا» (2) ، فَهُم كِلابُ أَهلِ النَّارِ . وَ البَراءَةُ مِنَ الأَنصابِ وَ الأَزلامِ أَئِمَّةِ الضَّلالَةِ وَ قادَةِ الجَورِ كُلِّهِم أَوَّلِهِم وَ آخِرِهِم ، وَ البَراءَةُ مِن أَشباهِ عاقِري النَّاقَةِ أَشقياءِ الأَوَّلينَ وَ الآخِرينَ وَ مِمَّن يَتَولَاهُم .
[في الولاية]وَ الوَلايَةُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وَ الَّذينَ مَضَوا عَلى مِنهاجِ نَبيِّهِم صلى الله عليه و آله وَ لَم يُغيِّروا وَ لَم يُبَدِّلوا ،
.
ص: 86
مِثلُ سَلمانِ الفارِسيِّ وَ أَبي ذَرٍّ الغِفاريِّ وَ المِقدادِ بَنِ الأَسوَدِ وَ عَمَّارِ بنِ ياسِرٍ وَ حُذيفَةَ اليَمانيِّ وَ أَبي الهَيثَمِ بنِ التَّيِّهانِ وَ سَهلِ بنِ حُنَيفٍ وَ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ وَ أَبي أَيُّوبِ الأَنصاريِّ وَ خَزيمَةَ بنِ ثابِتٍ ذي الشِّهادَتَينِ وَ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ ، وَ أَمثالِهِم رَضيَ اللّهُ عَنهُم وَرَحمَةُ اللّهُ عَليهِم ، وَ الوَلايَةُ لِأَتباعِهِم وَ أَشياعِهِم وَ المُهتَدينَ بِهُداهُم وَ السَّالِكينَ مِنهاجَهُم رِضوانُ اللّهِ عَلَيهِم .
[في تحريم المسكر و التّداوي بالحرام]وَ تَحريمُ الخَمرِ قَليلِها وَ كَثيرِها ، وَ تَحريمُ كُلِّ شَرابٍ مُسكِرٍ قَليلِهِ وَ كَثيرِهِ ، وَما أَسكَرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حَرامٌ ، وَ المُضطَرُّ لا يَشرَبِ الخَمرَ ؛ لِأَنَّها تَقتُلُهُ . (1)
[في تحريم بعض غير المأكول]وَ تَحريمُ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وَ كُلِّ ذي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ ، وَ تَحريمُ الطَّحالِ فَإِنَّهُ دَمٌ ، وَ تَحريمُ الجِرِّيِّ وَ السَّمَكِ الطَّافي وَ المارماهي وَ الزِّمِّيرِ ، وَ كُلِّ سَمَكٍ لا يَكونُ لَهُ فَلسٌ . (2)
[في الكبائر]وَ اجتِنابُ الكَبائِرِ ، وَ هيَ : قَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ تَعالى ، وَ الزِّنا ، وَ السَّرِقَةُ ، وَ شُربُ الخَمرِ ، وَ عُقوقِ الوالِدَين ، وَ الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ ، وَ أَكلُ مالِ اليَتيمِ ظُلما ، وَ أَكلُ المَيتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحمِ الخِنزيرَ ، وَ ما أُهِلَّ لِغَيرِ اللّهِ بِهِ مِن غَيرِ ضَرورَةٍ ، وَ أَكلُ الرِّبا بَعدَ البَيِّنَةِ ، وَ السُّحتُ ، وَ المَيسِرُ ، وَ القِمارُ ، وَ البَخسُ في المِكيالِ وَ الميزانِ ، وَ قَذفُ المُحصَناتِ ، وَ اللِّواطُ ، وَ شَهادَةُ الزُّورِ ، وَ اليأسُ مِن رَوحِ اللّهِ ، وَ الأَمنُ مِن مَكرِ اللّهِ ، وَالقُنوطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، وَ مَعونَةُ الظَّالِمينَ وَ الرُّكونُ إِلَيهِم ، وَ اليَمينُ الغَموسُ ، وَ حَبسُ الحُقوقِ مِن غَيرِ العُسرَةِ ، وَ الكَذِبُ ، وَ الكِبرُ ، وَ الإِسرافُ ، وَ التَّبذيرُ ، وَ الخيانَةُ ، وَالاستِخفافُ بِالحَجِّ ، وَ المُحارَبَةُ لِأَولِياءِ اللّهِ تَعالى ، وَ الاشتِغالُ بِالمَلاهي ، وَ الإِصرارُ عَلى الذُّنوبِ. (3)
.
ص: 87
40إملاؤه عليه السلام إلى الفضل بن سهلفي تحف العقول: روي أنّ المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرّياستين 1 إلى الرّضا عليه السلام ، فقال له : إنّي أُحبّ أن تجمع لي من الحلال و الحرام و الفرائض و السّنن ، فإنّك حجّة اللّه على خلقه ومعدِن العلم . فدعا الرّضا عليه السلام بدواةٍ و قرطاسٍ ، و قال للفضل : أُكتُب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم حَسبُنا شَهادَةُ أَن لا إِلهَ إلَا اللّهُ ، أَحَدا صَمَدا ، لَم يَتَّخِذ صاحِبَةً وَ لا وَلَدا ، قَيّوما ، سَميعا ، بَصيرا ، قَويّا ، قائِما ، باقيا ، نورا ، عالِما لا يَجهَلُ ، قادِرا لا يَعجِزُ ، غَنيّا لا يَحتاجُ ، عَدلاً لا يَجورُ ، خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، لا شِبهَ لَهُ وَلا ضِدَّ وَلا نِدَّ و لا كُفؤَ . وَ أَنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ وَ رَسولُهُ وَ أَمينُهُ وَ صَفوَتُهُ مِن خَلقِهِ ، سَيّدُ المُرسَلينَ وَ خاتَمُ النَّبيِّينَ وَ أَفضَلَ العالَمينَ ، لا نَبيَّ بَعدَهُ وَلا تَبديلَ لِمِلَّتِهِ وَ لا تَغييرَ . وَ أَنَّ جَميعَ ما جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أَنَّهُ هوَ الحَقُّ المُبينُ ، نُصَدِّقُ بِهِ وَ بِجَميعِ مَن مَضى قَبلَهُ مِن رُسُلِ اللّهِ وَ أَنبيائِهِ وَ حُجَجِهِ . وَ نُصَدِّقُ بِكِتابِهِ الصَّادِقِ : « لَا يَأْتِيهِ الْبَ_طِ_لُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (1) . وَ أَنَّهُ ( كِتابُهُ ) المُهَيمِنُ عَلى الكُتُبِ كُلِّها ، وَ أَنَّهُ حَقٌّ مِن فاتِحَتِهِ إِلى خاتِمَتِهِ ، نُؤمِنُ بِمُحكَمِهِ وَ مُتَشابِهِهِ ، وَ خاصِّه وَ عامِّه ، وَ وَعدِهِ وَ وَعيدِهِ . وَ ناسِخِهِ وَ مَنسوخِهِ وَ أَخبارِهِ ، لا يَقدِرُ واحِدٌ مِنَ المَخلوقينَ أَن يأتيَ بِمِثلِهِ . وَ أَنَّ الدَّليلُ وَ الحُجَّةُ مِن بَعدِهِ عَلى المُؤمِنينَ ، وَ القائِمُ بِأُمورِ المُسلِمينَ ، وَ النَّاطِقُ عَن
.
ص: 88
القُرآنِ وَ العالِمُ بِأَحكامِهِ ، أَخوهُ وَ خَليفَتُهُ وَ وَصيُّهُ وَ الّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام أَميرُ المُؤمِنين ، وَ إِمامُ المُتَّقينَ ، وَ قائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ ، يَعسوبُ المُؤمِنينَ ، وَ أَفضَلُ الوَصيِّينَ بَعدَ النَّبيِّينَ . وَ بَعدَهُ الحَسَنُ وَ الحُسينُ عليهماالسلام ، واحِدا بَعدَ واحِدٍ إلى يَومِنا هذا ، عِترَةُ الرَّسولِ وَ أَعلَمُهُم بِالكِتابِ وَ السُّنَّةِ وَ أَعدَلُهُم بِالقَضيَّةِ ، وَ أَولاهُم بِالإِمامَةِ في كُلِّ عَصرٍ وَ زَمانٍ ، وَ أَنَّهُم العُروَةُ الوُثقى ، وَ أئِمَّةُ الهُدى ، وَ الحُجَّةُ عَلى أَهلِ الدُّنيا حَتَّى يَرِثَ اللّهُ الأَرضَ وَ مَن عَلَيها وَ هوَ خَيرُ الوارِثينَ ، وَ أَنَّ كُلَّ مَن خالَفَهُم ضالٌّ مُضِلٌّ ، تارِكٌ لِلحَقِّ وَ الهُدى ، وَ أَنَّهُم المُعَبِّرونَ عَنِ القُرآنِ ، النّاطِقونَ عَنِ الرَّسولِ بِالبَيانِ ، مَن ماتَ لا يَعرِفَهُم وَ لا يَتَوَلّاهُم بِأَسمائِهِم وَأَسماءِ آبائِهِم ماتَ ميتَةً جاهِليَّةً . وَ إنَّ مِن دينِهِم الوَرَعُ وَ العِفَّةُ وَ الصِّدقُ وَ الصَّلاحُ وَ الاجتِهادُ ، وَ أَداءُ الأَمانَةِ إِلى البِرِّ وَ الفاجِرِ ، وَ طولُ السُّجودِ ، وَ القيامُ بِاللَّيلِ ، وَ اجتِنابُ المَحارِمِ ، وَ انتِظارُ الفَرَجِ بِالصَّبرِ وَ حُسنِ الصُّحبَةِ ، وَ حُسنُ الجِوارِ ، وَ بَذلُ المَعروفِ ، وَ كَفُّ الأَذى ، وَ بَسطُ الوَجهِ ، وَ النَّصيحَةُ ، وَ الرَّحمَةُ لِلمُؤمِنينَ . وَ الوُضوءُ _ كَما أَمَرَ اللّهُ في كِتابِهِ _ غَسلُ الوَجهِ وَ اليَدَينِ ، وَ مَسحُ الرَّأسِ وَ الرِّجلَينِ ، واحِدٌ فَريضَةٌ وَاثنانِ إِسباغُ ، وَ مَن زادَ أَثِمَ وَ لَم يُؤجَر . وَ لا يَنقُضُ الوُضوءَ إِلَا الرِّيحُ وَ البَولُ وَ الغائِطُ وَ النَّومُ وَ الجَنابَةُ . وَ مَن مَسَحَ عَلى الخُفَّينِ فَقَد خالَفَ اللّهَ وَرَسولَهُ وَ كِتابَهُ وَ لَم يُجزِ عَنهُ وُضوءُه ؛ وَ ذلِكَ أَنَّ عَليّا عليه السلام خالَفَ القَومَ في المَسحِ عَلى الخُفَّينِ ، فَقالَ لَهُ عُمَرُ : رَأَيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه و آله يَمسَحُ . فَقالَ عَليٌّ عليه السلام : قَبلَ نُزولِ سُورَةِ المائِدَةِ أَو بَعدَها ؟ قالَ : لا أَدري . قالَ عَليٌّ عليه السلام : لكِنِّي أَدري أَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَمسَح عَلى خُفَّيهِ مُذ نَزَلَت سورَةُ المائِدَةِ . وَ الاغتِسالُ مِنَ الجَنابَةِ وَ الاِحتِلامِ وَ الحَيضِ ، وَ غُسلُ مَن غَسَّلَ المَيِّتَ فَرضٌ ، وَ الغُسلُ يَومَ الجُمُعَةِ وَ العيدَينِ وَ دُخولِ مَكَّةَ وَ المَدينَةِ ، وَ غُسلُ الزِّيارَةِ ، وَ غُسلُ الإِحرامِ ، وَ يَومِ عَرَفَةَ ، وَ أَوَّلِ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ ، وَ لَيلَةِ تِسعَ عَشرَةَ مِنهُ ، وَ إِحدى وَ عِشرينَ ، وَ ثَلاثٍ وَ عِشرينَ مِنهُ ، سُنَّةٌ .
.
ص: 89
وَ صَلاةُ الفَريضَةِ : الظُّهرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ العَصرُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ المَغرِبُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ ، وَ العِشاءُ الآخِرَةُ أَربَعُ رَكَعاتٍ ، وَ الفَجرُ رَكعَتانِ ، فَذلِكَ سَبعَ عَشرَةَ رَكعَةً. وَ السُّنَّةُ أربَعٌ وَ ثَلاثونَ رَكعَةً : مِنها ثَمانٌ قَبلَ الظُّهر ، وَ ثَمانٌ بَعدَها ، وَ أَربَعٌ بَعدَ المَغرِبِ ، وَ رَكعَتانِ مِن جُلوسٍ بَعدَ العِشاءِ الآخِرَةِ _ تُعَدُّ بِواحِدَةٍ _ وَ ثَمانٌ في السَّحَرِ ، وَ الوَترُ ثَلاثُ رَكَعاتٍ وَ رَكعَتانِ بَعدَ الوَترِ . وَ الصَّلاةُ في أَوَّلِ الأَوقاتِ ، وَفَضلُ الجَماعَةِ عَلى الفَردِ كُلُّ رَكعَةٍ بِأَلفَي رَكعَةَ ، وَ لا تُصَلِّ خَلفَ فاجِرٍ ، وَ لا تَقتَدي إِلَا بِأَهلِ الوَلايَةِ ، وَ لا تُصَلِّ في جُلودِ المَيتَةِ وَ لا جُلودِ السِّباعِ . وَ التَّقصيرُ في أَربَعِ فَراسِخَ ، بَريدٌ ذاهِبا وَ بَريدٌ جائِيا ، اثنا عَشَرَ ميلاً ، وَ إِذا قَصَّرتَ أَفطَرتَ . وَ القُنوتُ في أَربَعِ صَلَواتٍ : في الغَداةِ ، وَ المَغرِبِ ، وَ العَتَمَةِ (1) ، وَ يَومِ الجُمُعَةِ ، وَ صَلاةِ الظُّهرِ ، وَ كُلُّ القُنوتِ قَبلَ الرُّكوعِ وَ بَعدَ القِراءَةِ . وَ الصَّلاةُ عَلى المَيِّتِ خَمسُ تَكبيراتٍ ، وَ لَيسَ في صَلاةِ الجَنائِزِ تَسليمٌ ؛ لِأَنَّ التَّسليمَ في الرُّكوعِ وَ السُّجودِ وَ لَيسَ لِصَلاةِ الجَنازَةِ رُكوعٌ وَلا سُجودٌ ، وَ يُرَبَّعُ قَبرُ المَيِّتِ وَ لا يُسَنَّمُ . (2) وَ الجَهرُ بِبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في الصَّلاةِ مَعَ فاتِحَةِ الكِتابِ . وَ الزَّكاةُ المَفروضَةُ مِن كُلِّ مِئتَي دِرهَمٍ خَمسَةُ دَراهِمَ ، وَ لا تَجِبُ في ما دونَ ذلِكَ ، وَ فيما زادَ في كُلِّ أَربَعينَ دِرهَما دِرهَمٌ ، وَ لا تَجِبُ فيما دونَ الأَربَعيناتِ شَيءٌ (3) ، وَ لا تَجِبُ حَتَّى يَحولَ الحَولُ ، وَ لا تُعطى إِلَا أَهلَ الوَلايَةِ وَ المَعرِفَةِ ، وَ في كُلِّ عِشرينَ دينارا نِصفُ دينارٍ . وَ الخُمسُ مِن جَميعِ المالِ مَرَّةً واحِدَةً ، وَ العُشرُ مِنَ الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ ،
.
ص: 90
وَ كُلُّ شَيءٍ يَخرُجُ مِن الأَرضِ مِنَ الحُبوبِ إِذا بَلَغَت خَمسَةَ أَوسُقٍ ففيهِ العُشرُ إِن كانَ يُسقى سَيحا (1) ، وَ إِن كانَ يُسقى بِالدَّوالي (2) فَفيهِ نِصفُ العُشرِ لِلمُعسِرِ وَ الموسِرِ . وَ تُخرَجُ مِنَ الحُبُوبِ القَبضَةُ وَ القَبضتانِ ؛ لِأَنَّ اللّهُ لا يُكلِّفُ نَفسا إِلَا وُسعَها ، وَلا يُكلِّفُ العَبدَ فَوقَ طاقَتِهِ . وَالوَسقُ سِتُّونَ صاعا ، وَ الصَّاعُ سِتَّةُ أَرطالٍ وَهوَ أَربَعَةُ أَمدادٍ ، وَالمُدُّ رِطلانِ وَربُعٌ بِرَطلِ العِراقيّ ، وَقالَ الصَّادِقُ عليه السلام : هوَ تِسعةُ أَرطالٍ بِالعِراقيّ وَسِتَّةُ أَرطالٍ بِالمَدَنيّ . وَزَكاةُ الفِطرِ فَريضَةٌ عَلى رَأسِ كُلِّ صَغيرٍ أَو كَبيرٍ ، حُرٍّ أَو عَبدٍ ، مِنَ الحِنطَةِ نِصفُ صاعٍ ، وَمِنَ التَّمرِ وَالزَّبيبِ صاعٌ . وَلا يَجوزُ أَن تُعطى غَيرَ أَهلِ الوَلايَةِ ؛ لِأَنَّها فَريضَةٌ . وَ أَكثَرُ الحَيضِ عَشَرَةُ أيّامٍ ، وَ أقَلُّهُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ ، وَ المُستَحاضَةُ تَغتَسِلُ وَ تُصَلِّي ، وَ الحائِضُ تَترُكُ الصَّلاةَ وَ لا تَقضي ، وَ تَترُكُ الصِّيام وَ تَقضيهِ . وَ يُصامُ شَهرُ رَمَضانَ لِرُؤيَتِهِ وَ يُفطَرُ لِرُؤيَتِهِ ، وَلا يَجوزُ التَّراويحُ (3) في جَماعَةٍ . وَ صَومُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في كُلِّ شَهرٍ سُنَّةٌ ، مِن كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَومٌ ، خميسٌ من العَشرِ الأَوَّلِ ، وَ الأَربِعاءُ مِن العَشرِ الأَوسَطِ ، وَ الخَميسُ مِنَ العَشرِ الآخَرِ . وَ صَومُ شَعبانَ حَسَنٌ وَ هوَ سُنّةٌ ، وَ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : شَعبانُ شَهري وَ شَهرُ رَمَضانَ شَهرُ اللّهِ . وَ إن قَضَيتَ فائِتَ شَهرِ رَمَضانَ مُتَفَرِّقا أَجزَأَكَ .
.
ص: 91
وَحَجُّ البَيتِ مَنِ استَطاعَ إِلَيهِ سَبيلاً ، وَ السَّبيلُ زادٌ وَ راحِلَةٌ . وَ لا يَجوزُ الحَجُّ إِلَا مُتَمَتِّعا ، وَ لا يَجوزُ الإِفرادُ وَ القِرانُ الّذي تَعمَلُهُ العامَّةُ ، وَ الإِحرامُ دونَ الميقاتِ لا يَجوزُ ، قالَ اللّهُ : « وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » ، (1) وَ لا يَجوزُ في النُّسُكِ الخَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ ناقِصٌ ، وَ يَجوزُ المَوجوءُ . وَالجِهادُ مَعَ إِمامٍ عادِلٍ ، وَ مَن قاتَلَ فَقُتِلَ دونَ مالِهِ وَ رَحلِهِ وَ نَفسِهِ فَهوَ شَهيدٌ . وَلا يَحِلُّ قَتلُ أَحَدٍ مِنَ الكُفَّارِ في دارِ التَّقيَّةِ ، إِلَا قاتِلٍ أَو باغٍ وَ ذلِكَ إِذا لَم تَحذَر عَلى نَفسِكَ ، وَلا أَكلُ أَموالِ النَّاسِ مِنَ المُخالِفينَ وَ غَيرِهِم ، وَ التَّقيَّةُ في دارِ التَّقيَّةِ واجِبَةٌ ، وَ لا حِنثَ عَلى مَن حَلَفَ تَقيَّةً يَدفَعُ بِها ظُلما عَن نَفسِهِ . وَ الطَّلاقُ بِالسُّنَّةِ عَلى ما ذَكَرَ اللّهُ جَلَّ وَ عَزَّ وَ سُنَّةُ نَبيِّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ لا يَكونُ طَلاقٌ بِغَيرِ سُنَّةٍ ، وَ كُلُّ طَلاقٍ يُخالِفُ الكِتابَ فَلَيسَ بِطَلاقٍ ، وَ كُلُّ نِكاحٍ يُخالِفُ السُّنَّةَ فَلَيسَ بِنِكاحٍ . وَ لا يُجَمع بَينَ أَكثَرَ مِن أَربَعِ حَرائِرَ ، وَ إِذا طُلِّقَتِ المَرأَةُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لِلسُّنَّةِ لَم تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنكِحَ زَوجا غَيرَهُ ، وَ قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : اتَّقوا المُطَلَّقاتِ ثَلاثا فَإِنَّهُنَّ ذَواتِ أَزواجٍ . وَ الصَّلاةُ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله في كُلِّ المَواطِنِ عِندَ الرِّياحِ وَ العُطاسِ وَ غَيرِ ذلِكَ ، وَحُبُّ أَولياءِ اللّهِ وَأَوليائِهِم ، وَبُغضُ أَعدائِهِ وَ البَراءَةُ مِنهُم وَ مِن أَئِمَّتِهِم . وَ بِرُّ الوالِدَينِ ، وَ إِن كانا مُشرِكَينِ فَلا تُطِعهُما وَ صاحِبهُما في الدُّنيا مَعروفا ؛ لِأَنَّ اللّهُ يَقولُ : « اشْكُرْ لِى وَ لِوَ لِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ * وَ إِن جَ_هَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا » (2) ، قالَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : ما صاموا لَهُم وَلا صَلَّوا وَ لكِن أَمَروهُم بِمَعصيَةِ اللّهِ فَأَطاعوهُم ، ثُمَّ قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن أَطاعَ مَخلوقا في غَيرِ طاعَةِ اللّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فَقَد كَفَرَ وَ اتَّخَذَ إِلها مِن دونِ اللّهِ . وَ ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أُمِّهِ . وَ ذُنوبُ الأَنبياءِ صِغارٌ مَوهوبَةٌ لَهُم بِالنُّبوَّةِ . وَ الفَرائِضُ عَلى ما
.
ص: 92
أَمَرَ اللّهُ لا عَولَ (1) فيها ، وَ لا يَرِثُ مَعَ الوالِدَينِ وَ الوَلدُ أَحدٌ إِلَا الزَّوجُ وَ المَرأَةُ ، وَ ذو السَّهمِ أَحَقُّ مِمَّن لا سَهمَ لَهُ ، وَ لَيسَتِ العَصَبَةُ (2) مِن دينِ اللّهِ . وَ العَقيقَةُ عَنِ المَولودِ الذَّكَرِ وَ الأُنثى يَومَ السَّابِعِ ، وَ يُحلَقُ رَأسُهُ يَومَ السَّابِعِ ، وَ يُسَمَّى يَومُ السَّابِعِ ، وَ يُتَصَدَّقُ بِوَزنِ شَعرِهِ ذَهَبا أَو فِضَّةً يَومَ السَّابِعِ . وَ إِنَّ أَفعالَ العِبادِ مَخلوقَةٌ خَلقَ تَقديرٍ ، لا خَلقَ تَكوينٍ ، وَ لا تَقُل بِالجَبرِ وَ لا بِالتَّفويضِ ، وَ لا يَأخُذُ اللّهُ عز و جل البَريءَ بِجُرمِ السَّقيمِ ، وَلا يُعَذِّبُ اللّهُ الأَبناءَ وَ الأَطفالَ بِذُنوبِ الآباءِ ، وَ أَنّهُ قالَ : « وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى » (3) « وَ أَن لَّيْسَ لِلْاءِنسَ_نِ إِلَا مَا سَعَى » (4) ، وَاللّهُ يَغفِرُ وَلا يَظلِمُ ، وَ لا يَفرِضُ اللّهُ عَلى العِبادِ طاعَةَ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يُظلِمُهُم وَ يُغويهِم ، وَ لا يَختارُ لِرِسالَتِهِ وَ يَصطَفي مِن عِبادِهِ مَن يَعلَمُ أَنَّهُ يَكفُرُ وَ يَعبُدُ الشَّيطانَ مِن دونِهِ . وَ أَنّ الإِسلامَ غَيرُ الإِيمانِ ، وَ كُلُّ مُؤمِنٍ مُسلِمٍ وَ لَيسَ كُلُّ مُسلِمٍ مُؤمِنا ، لا يَسرِقُ السَّارِقُ حينَ يَسرِقُ وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ لا يَشرَبُ الشّارِبُ حينَ يَشرَبُ الخَمرَ وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ لا يَقتُلُ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ بِغَيرِ الحَقِّ وَ هوَ مُؤمِنٌ ، وَ أَصحابُ الحُدودِ لا بِمُؤمِنينَ وَ لا بِكافِرينَ ، وَ أَنَّ اللّهَ لا يُدخِلُ النَّارَ مُؤمِنا وَ قَد وَعَدَهُ الجَنَّةَ وَ الخُلودَ فيها ، وَ مَن وَجَبَت لَهُ النَّارُ بِنِفاقٍ أَو فِسقٍ أَو كَبيرَةٍ مِنَ الكَبائِرِ لَم يُبعَث مَعَ المُؤمِنينَ وَ لا مِنهُم ، وَ لا تُحيطُ جَهَنَّمَ إِلَا بِالكافِرينَ ، وَكُلُّ إِثمٍ دَخَلَ صاحِبُهُ بِلزِومِهِ النَّارَ فَهوَ فاسِقٌ ، وَ مَن أَشرَكَ ، أَو كَفَرَ ، أَو نافَقَ ، أَو أَتى كَبيرَةً مِنَ الكَبائِرِ .
.
ص: 93
وَ الشَّفاعَةُ جائِزَةٌ لِلمُستَشفِعينَ ، وَ الأَمرُ بِالمَعروفِ وَ النَّهيُ عَنِ المُنكَرِ بِاللِّسانِ واجِبٌ ، وَ الإِيمانُ أَداءُ الفَرائِضِ وَاجتنابُ المَحارِمِ ، وَ الإِيمانُ هوَ مَعرِفَةٌ بِالقَلبِ وَ إِقرارٌ بِاللِّسانِ وَ عَمَلٌ بِالأَركانِ . وَ التَّكبيرُ في الأَضحى خَلفَ عَشرَ صَلَواتٍ ، يُبتَدأُ مِن صَلاةِ الظُّهرِ مِن يَومِ النَّحرِ ، وَ في الفِطرِ في خَمسِ صَلَواتٍ ، يُبتَدَأُ بِصَلاةِ المَغرِبِ مِن لَيلَةِ الفِطرِ . وَ النُّفَساءِ تَقعُدُ عِشرينَ يَوما لا أَكثَرَ مِنها ، فَإِن طَهُرَت قَبلَ ذلِكَ صَلَّت ، وَ إِلَا فَإِلى عِشرينَ يَوما ، ثُمَّ تَغتَسِلَ وَ تُصَلِّي وَ تَعمَلَ عَمَلَ المُستَحاضَةِ . وَ يُؤمِنُ بِعَذابِ القَبرِ ، وَ مُنكَرٍ وَ نَكيرٍ ، وَ البَعثِ بَعدَ المَوتِ ، وَ الحِسابِ ، وَ الميزانِ ، وَ الصِّراطِ ، وَ البَراءَةِ مِن أَئِمَّةِ الضَّلالِ وَ أَتباعِهِم ، وَ المُوالاتِ لِأَولياءِ اللّهِ ، وَتَحريمِ الخَمرِ قَليلِها وَ كَثيرِها ، وَ كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ ، وَ كُلُّ ما أَسكَرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حَرامٌ ، وَ المُضطَرُّ لا يَشرَبِ الخَمرَ ؛ فَإِنَّها تَقتُلُهُ . وَتَحريمُ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وَ كُلِّ ذي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ ، وَ تَحريمُ الطِّحالِ فَإِنَّهُ دَمٌ ، وَ الجِرِّيِّ (1) ، وَ الطَّافي (2) ، وَالمارماهي ، وَالزِّمِّيرِ (3) ، وَكُلِّ شَيءٍ لا يَكونُ لَهُ قُشورٌ ، وَمِنَ الطَّيرِ ما لا تَكونُ لَهُ قانِصَةٌ ، وَ مِنَ البَيضِ كُلُّ ما اختَلَفَ طَرَفاهُ فَحَلالٌ أَكلُهُ وَ ما استَوى طَرَفاهُ فَحَرامٌ أَكلُهُ . وَ اجتِنابُ الكَبائِرِ ، وَ هيَ قَتلُ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللّهُ ، وَ شُربُ الخَمرِ ، وَ عُقوقُ الوالِدَينِ ، وَ الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ (4) ، وَ أَكلُ مالِ اليَتامى ظُلما ، وَ أَكلُ المَيتَةِ ، وَ الدَّمِ ، وَ لَحمِ الخِنزيرِ ، وَ
.
ص: 94
ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللّهِ مِن غَيرِ ضَرورَةٍ بِهِ ، وَ أَكلُ الرِّبا وَ السُّحتُ بَعدَ البَيِّنَةِ ، وَ المَيسِرُ ، وَ البَخسُ في الميزانِ وَ المِكيالِ ، وَ قَذفُ المُحصَنات ، وَ الزِّنا ، وَاللِّواطُ ، وَ الشَّهاداتُ الزُّورِ ، وَ اليأسُ مِنَ رَوحِ اللّه ، وَ الأَمنُ مِن مَكرِ اللّهِ ، وَ القُنوطُ مِن رَحمَةِ اللّهِ ، وَ مُعاوَنَةُ الظَّالِمينَ وَ الرُّكونُ إلَيهِم ، وَ اليَمينُ الغَمُوسُ (1) ، وَ حَبسُ الحُقوقِ مِن غَيرِ عُسرٍ ، وَ الكِبرُ ، وَ الكُفرُ ، وَ الإِسرافُ ، وَ التَّبذيرُ ، وَ الخيانَةُ ، وَ كِتمانُ الشَّهادَةِ ، وَ المَلاهي الَّتي تَصُدُّ عَن ذِكرِ اللّهِ مِثلَ الغِناءِ وَ ضَربِ الأَوتارِ ، والإِصرارُ عَلى الصّغائِر مِنَ الذُّنوبِ. فَهذا أُصولُ الدِّينِ ، وَ الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى نَبيِّهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسليما. (2) و في مخطوطات مكتبة آية اللّه المرعشي دامت بركاته نسخةٌ حسنة الخطّ و الاُسلوب ، فيها : إنّ المأمون بعث إلى الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليهماالسلام ، ووجّه بالفضل بن سهل ذو الرّئاستين ، فقال : أحبّ أن تجمع لنا أُصول الدّين جميعا ، من التّوحيد و العدل و الحلال و الحرام و الفرائض و السّنن ، فإنّك حجّة اللّه على خلقه و معدن العلم و مفترض الطّاعة . قال : فدعى الرّضا عليه السلام بدواةٍ و قرطاسٍ و كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : أَوَّلُ الفَرائِض . . . و أشار إلى الرّسالة على كلتا الرّوايتين في أعيان الشّيعة (3) ، و ظاهر كلامه أنّهما كتابان كتبهما الإمام عليه السلام ، و لكنّه بعيد ؛ لكثرة اشتراك الكتابين في العبائر و الألفاظ كما لا يخفى . ظاهر رواية العيون أنّ الكتاب كان بخطّه عليه السلام ، و ظاهر نقل التّحف أو صريحه أنّه كان بإملائه و خطّ الفضل بن سهل .
.
ص: 95
و عثرت بعد كتابة ما تقدّم على كتاب نظريّة الإمامة تأليف الدّكتور أحمد محمود صبحي ، و فيه : و لقد بعث المأمون إلى الرّضا يطلب منه أن يجمع له في كتاب أُصول الدّين جميعا ، من التّوحيد و الحلال و الحرام و الفرائض و السّنن . . . فدعا الرّضا بدواةٍ و قرطاسٍ ، و كتب إلى المأمون كتابا حدّد فيه الفرائض و السّنن كما هي معروفة في الإسلام ، ثمّ عرج إلى وجوب الإيمان بالأئمّة من آل بيت النّبيّ ، إذ يقول : وَإِنَّ الدَّليلَ مِن بَعدِهِ [ النّبيّ ] و الحُجَّةَ عَلى المُؤمِنينَ وَ القائِمَ بِأُمورِ المُسلِمين ، وَ النَّاطِقَ عَنِ القُرآنِ ، وَ العالِمَ بِأَحكامِهِ أَخوهُ وَ خَليفَتُهُ وَ وَصيُّهُ ، وَ وَليُّهُ الّذي كانَ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ ، وَ بَعدَهُ الحَسَنُ وَالحُسينُ .
ثمّ ذكر الأئمّة واحدا بعد واحد ، و وصفهم بأنّهم عترة الرّسول و أعلمهم بالكتاب و السّنّة . . . (1) ، و نحن نحاول أن نحصل منه على نسخةٍ فتوغرافيّة ، و لكنّ المانع الآن هو الحرب بين الإيمان و الكفر ، و لعلّ اللّه يفتح لنا المجال بنجاح الثّورة إن شاء اللّه تعالى . و في معجم المؤلّفين في عنوان عليّ الرّضا : . . . . من آثاره مسند في فضائل أهل البيت . . . أظنّه أن يكون هو هذا الكتاب ، لا صحيفة الرّضا عليه السلام ؛ لأنّها ليست في فضائل أهل البيت عليهم السلام (2) .
41كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانمحمّد بن عليّ ماجيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن عليّ الكوفيّ ، عن محمّد بن سنان : و حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدّقاق و محمّد بن أحمد السّنانيّ و عليّ بن عبد اللّه الورّاق و الحسين بن إبراهيم بن
.
ص: 96
أحمد بن هشام المُكَتِّب رضي الله عنهم ، قالوا : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان ، و حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد اللّه البرقيّ و عليّ بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة وأبو جعفر محمّد بن موسى البرقي بالري _ رحمهم اللّه _ ، قالوا : حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان (1) : أنّ عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كتب إليه في جواب مسائله :[علّة غسل الجنابة] عِلَّةُ غُسلِ الجَنابَةِ النَّظافَةُ وَ تَطهيرُ الإِنسانِ نَفسَهُ مِمَّا أَصابَ مِن أَذاهُ وَ تَطهيرُ سائِرِ جَسَدِهِ ؛ لأَنَّ الجَنابَةَ خارِجَةٌ مِن كُلِّ جَسَدِهِ ، فَلِذلِكَ وَجَبَ عَلَيهِ تَطهيرُ جَسَدِهِ كُلِّهِ . (2)
[علّة التّخفيف في البول و الغائط]وَ عِلَّةُ التَّخفيفِ في البَولِ وَ الغائِطِ لِأَنَّهُ أَكثَرُ وَ أَدوَمُ مِنَ الجَنابَةِ فَرَضيَ فيهِ بِالوضُوءِ لِكَثرَتِهِ وَ مَشَقَّتِهِ وَ مَجيئِهِ بِغَيرِ إِرادَةٍ مِنهُ وَ لا شَهوَةٍ ، وَ الجَنابَةُ لا تَكونُ إلَا بِالِاستِلذاذِ مِنهُم وَ الإِكراهِ لِأَنفُسِهِم. (3)
[علّة غُسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الأغسال]وَ عِلَّةُ غُسلِ العيدَينِ وَ الجُمُعَةِ وَ غَيرِ ذلِكَ مِنَ الأَغسالِ ؛ لِما فيهِ مِن تَعظيمِ العَبدِ رَبَّهُ ، وَاستِقبالِهِ الكَريمَ الجَليلَ ، وَ طَلَبِ المَغفِرَةِ لِذُنوبِهِ ، وَ ليَكونَ لَهُم يَومَ عيدٍ مَعروفٍ يَجتَمِعونَ فيهِ عَلى ذِكرِ اللّهِ عز و جل ، فَجُعِلَ فيهِ الغُسلُ تَعظيما لِذلِكَ اليَومِ وَ تَفضيلاً لَهُ عَلى سائِرِ الأَيَّامِ وَ زيادَةً في النَّوافِلِ وَ العِبادَةِ ، وَ ليَكونَ تِلكَ طَهارَةً لَهُ مِنَ الجُمُعَةِ إِلى الجُمُعَةِ . (4)
.
ص: 97
[علّة غُسل المَيّت]وَ عِلَّةُ غُسلِ المَيِّتِ ؛ أَنَّهُ يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ يُطَهَّرُ وَ يُنَظَّفُ مِن أَدناسِ أَمراضِهِ وَ ما أَصابَهُ مِن صُنوفِ عِلَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلقَى المَلائِكَةَ وَ يُباشِرُ أَهلَ الآخِرَةِ ، فَيُستَحَبُّ إِذا وَرَدَ عَلى اللّهِ وَ لَقيَ أَهلَ الطَّهارَةِ وَ يُماسُّونَهُ وَ يُماسُّهُم ، أَن يَكونَ طاهِرا نَظيفا موَجَّها بِهِ إِلى اللّهِ عز و جل ، لِيُطلَبَ بِهِ وَ يُشَفَّعَ له . وَ عِلَّةٌ أُخرى أَنَّهُ يَخرُجُ مِنهُ المَنيُّ الّذي مِنهُ خُلِقَ فَيُجنِبُ فَيَكونُ غُسلُهُ لَهُ . وَ عِلَّةُ اغتِسالِ مَن غَسَّلَهُ أَو مَسَّهُ ؛ فَطَهارَةٌ لِما أَصابَهُ مِن نَضحِ المَيِّتِ ، لِأَنَّ المَيِّتَ إِذا خَرَجَت الرُّوحُ مِنهُ بَقيَ أَكثَرُ آفَتِهِ ، فَلِذلِكَ يُتَطَهَّرُ مِنهُ وَ يُطَهَّرُ . (1)
[علّة الوضوء]وَ عِلَّةُ الوُضوءِ الَّتي مِن أَجلِها صارَ غَسلُ الوَجهِ وَ الذِّراعَينِ وَ مَسحُ الرَّأسِ وَ الرِّجلَينِ ؛ فَلِقيامِهِ بَينَ يَدي اللّهِ عز و جل وَ استِقبالِهِ إِيَّاهُ بِجَوارِحِهِ الظَّاهِرَةِ ، وَ مُلاقاتِهِ بِها الكِرامَ الكاتِبينَ ، فَغُسلُ الوَجهِ لِلسُّجودِ وَ الخُضوعِ ، وَ غُسلُ اليَدَينِ ليَقلِبَهُما وَ يَرغَبَ بِهِما وَ يَرهَبَ وَ يَتَبَتَّلَ ، وَ مَسحُ الرَّأسِ وَ القَدَمَينِ لِأَنَّهُما ظاهِرانِ مَكشوفانِ يَستَقبِلُ بِهِما في كُلِّ حالاتِهِ ، وَ لَيسَ فيهِما مِنَ الخُضوعِ وَ التَّبَتُّلِ ما في الوَجهِ وَ الذِّراعَينِ . (2)
[علّة الزّكاة]وَ عِلَّةُ الزَّكاةِ مِن أَجلِ قُوتِ الفُقَراءِ وَ تَحصينِ أَموالِ الأَغنياءِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى كَلَّفَ أَهلَ الصِّحَّةِ القيامَ بِشأنِ أَهلِ الزَّمانَةِ وَ البَلوى ، كَما قالَ اللّهُ تَعالى : « لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَ لِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ » (3) في أَموالِكُم بِإِخراجِ الزَّكاةِ ، وَ في أَنفُسِكُم بِتَوطينِ الأَنفُسِ عَلى الصَّبرِ ، مَعَ ما في ذلِكَ مِن أَداءِ شُكرِ نِعَمِ اللّهِ عز و جل ، وَ الطَّمَعِ في الزِّيادَةِ مَعَ ما فيهِ مِنَ الرَّأفَةِ وَ الرَّحمَةِ لِأَهلِ الضَّعفِ ، وَ العَطفِ عَلى أَهلِ المَسكَنَةِ ، وَ الحَثِّ لَهُم عَلى المُواساتِ ، وَ تَقوِيَةِ الفُقَراءِ ، وَ
.
ص: 98
المَعونَةِ عَلى أَمرِ الدِّينِ ، وَهُم عِظَةٌ لِأَهلِ الغِنى ، وَ عِبرَةٌ لَهُم لِيَستَدِلُّوا عَلى فُقَراءِ الآخِرَةِ بِهِم ، وَ ما لَهُم مِنَ الحَثِّ في ذلِكَ عَلى الشُّكرِ للّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى لِما خَوَّلَهُم وَ أَعطاهُم ، وَ الدُّعاءِ وَ التَّضَرُّعِ ، وَ الخَوفِ مِن أَن يَصيروا مِثلَهُم في أُمورٍ كَثيرَةٍ ، في أَداءِ الزَّكاةِ وَ الصَّدَقاتِ ، وَ صِلَةِ الأَرحامِ ، وَ اصطِناعِ المَعروفِ. (1)
[علّة وجوب الحجّ و الطواف]وَ عِلَّةُ الحَجِّ الوِفادَةُ إِلى اللّهِ تَعالى وَ طَلَبُ الزِّيادَةِ ، وَ الخُروجُ مِن كُلِّ ما اقتَرَفَ ، وَ ليَكونَ تائِبا مِمَّا مَضى مُستأنِفا لِما يَستَقبِلُ ، وَ ما فيهِ مِن استِخراجِ الأَموالِ ، وَ تَعَبِ الأَبدانِ ، و حَظرها عَنِ الشَّهَواتِ وَ اللَّذَّاتِ ، وَ التَّقَرُّبُ بِالعِبادَةِ إلى اللّهِ عز و جل ، وَ الخُضوعُ وَ الاستِكانَةُ و الذُّلُّ ، شاخِصا إِليهِ في الحَرِّ وَ البَردِ ، وَ الأَمنِ وَ الخَوفِ ، دائِبا في ذلِكَ دائِما ، وَ مَا في ذلِكَ لِجَميعِ الخَلقِ مِنَ المَنافِعِ . وَ الرَّغبَةُ وَ الرَّهبَةُ إِلى اللّهِ عز و جل وَ مِنهُ تَركُ قَساوَةِ القَلبِ ، وَ جَسارَةِ الأَنفُسِ ، وَ نِسيانِ الذِّكرِ ، وَ انقِطاعِ الرَّجاءِ . وَ العَمَلُ وَ تَجديدُ الحُقوقِ ، وَ حَظرُ النَّفسِ عَنِ الفَسادِ ، وَ مَنفَعَةُ مَن في شَرقِ الأَرضِ وَ غَربِها ، وَ مَن في البَرِّ وَ البَحرِ مِمَّن يَحُجُّ وَ مِمَّن لا يَحُجُّ ، مِن تاجِرٍ وَ جالِبٍ وَ بائعٍ وَ مُشتَرٍ وَ كاسِبٍ وَ مِسكينٍ . وَ قَضاءُ حَوائِجِ أَهلِ الأَطرافِ وَ المَواضِعِ المُمكِنِ لَهُم الاجتِماعُ فيها كَذلِكَ لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم . (2)
[وجوب الحجّ مع الشّرائط]وَ عِلّةُ فَرضِ الحَجِّ مَرَّةً واحِدَةً ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى وَضَعَ الفَرائِضَ عَلى أَدنى القَومِ قُوَّةً ، فَمِن تِلكَ الفَرائِضِ الحَجُّ المَفروضُ واحِدا ، ثُمَّ رَغَّبَ أَهلَ القُوَّةِ عَلى قَدرِ طاقَتِهِم . (3)
[العلّة الَّتي من أجلها وضع البيت]وَ عِلَّةُ وَضعِ البَيتِ وَسَطَ الأَرضِ ؛ أنَّه المَوضِعُ الّذي مِن تَحتِهِ دُحيَتُ الأَرضُ ، وَ كُلُّ ريحٍ تَهُبُّ
.
ص: 99
في الدُّنيا فَإِنَّها تَخرُجُ مِن تَحتِ الرُّكنِ الشَّاميِّ ، وَ هي أَوَّلُ بُقعَةٍ وُضِعَت في الأَرضِ ؛ لِأَنَّها الوَسَطُ ، لِيَكونَ الفَرضُ لِأَهلِ الشَّرقِ وَ الغَربِ في ذلِكَ سَواءً . (1)
[علّة تسمية مكّة]وَ سُمِّيَت مَكَّةُ مَكَّةُ ؛ لاِنَّ النّاسَ كانوا يَمكونَ فيها ، وَ كانَ يُقالُ لِمَن قَصَدَها : قَد مَكا ، وَ ذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : « وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَا مُكَآءً وَتَصْدِيَةً » (2) ، فَالمُكاءُ : التَّصفيرُ ، وَ التَّصديَةُ : صَفقُ اليَدَينِ . (3)
[علّة الطواف بالبيت]وَ عِلَّةُ الطَّوافِ بِالبَيتِ ؛ أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى قالَ لِلمَلائِكَةِ : « إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَآءَ » (4) فَرَدُّوا عَلى اللّهِ تَعالى هذا الجَوابُ ، فَنَدِموا وَ لاذوا بِالعَرشِ وَ استَغفَروا ، فَأَحَبَّ اللّهُ عز و جل أَن يَتَعَبَّدَ بِمِثلِ ذلِكَ العِبادُ ، فَوَضَعَ في السَّماءِ الرَّابِعَةِ بَيتا بِحِذاءِ العَرشِ يُسَمَّى الضُّراحَ ، ثُمَّ وَضَعَ في السَّماءِ الدُّنيا بَيتا يُسَمَّى المَعمورَ بِحِذاءِ الضُّراحَ ، ثُمَّ وَضَعَ هذا البَيتُ بِحِذاءِ البَيتِ المَعمورِ ، ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليه السلام فَطافَ بِهِ فَتابَ اللّهُ عز و جل عَلَيهِ ، وَ جَرى ذلِكَ في وُلدِهِ إِلى يَومِ القيامَةِ . (5)
[علّة استلام الحجر الأسود]وَ عِلَّةُ استِلامِ الحَجَرِ ؛ أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَمَّا أَخَذَ ميثاقَ بَني آدَمَ التَقَمَهُ الحَجَرُ ، فَمِن ثَمَّ كُلِّفَ النّاسُ تَعاهُدِ ذلِكَ الميثاقِ ، وَ مِن ثَمَّ يُقالُ عِندَ الحَجَرِ : أَمانَتي أَدِّيتُها وَ ميثاقٌ تَعاهَدتُهُ لِتَشهَدَ لي بِالموافاةِ ، وَ مِنهُ قَولُ سَلمانَ رضى الله عنه : لَيَجيئَنَّ الحَجَرُ يَومَ القيامَةِ مِثلَ ( جَبَلِ ) أَبي قُبَيسٍ لَهُ لِسانٌ وَ شَفَتانِ ، يَشهَدُ لِمَن وافاهُ بِالمُوافاةِ . (6)
.
ص: 100
[علّة تسمية مِنى]وَ العِلَّةُ الَّتي مِن أَجلِها سُمِّيَت مِنىً مِنىً ؛ أَنَّ جَبرَئيلَ عليه السلام قالَ هُناكَ لِاءِبراهيمَ عليه السلام : تَمَنَّ عَلى رَبِّكَ ما شِئتَ ، فَتَمَنَّى إِبراهيمُ في نَفسِهِ أَن يَجعَلَ اللّهُ مَكانَ ابنِهِ إِسماعيلَ كَبشا يأمُرُهُ بِذَبحِهِ فِداءً لَهُ ، فَأُعطِيَ مُناهُ . (1)
[علّة فرض الصّيام]وَ عِلَّةُ الصَّومِ ؛ لِعِرفانِ مَسِّ الجُوعِ وَ العَطَشِ ، لِيَكونَ العَبدُ ذَليلاً مِسكينا مأجورا مُحتَسِبا صابِرا ، فَيَكونَ ذلِكَ دَليلاً لَهُ عَلى شَدائِدِ الآخِرَةِ مَعَ ما فيهِ مِن الانكِسارِ لَهُ عَنِ الشَّهَواتِ ، وَاعِظا لَه في العاجِلِ دَليلاً عَلى الآجلِ ، ليَعلَمَ شِدَّةَ مَبلَغِ ذلِكَ مِن أَهلِ الفَقرِ وَ المَسكَنَةِ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ . (2)
[علّة تحريم قتل النّفس]وَ حَرَّمَ اللّهُ قَتلَ النَّفسِ ؛ لِعِلَّةِ فَسادِ الخَلقِ في تَحليلِهِ لَو أَحَلَّ ، وَ فَنائِهِم ، وَ فَسادِ التَّدبيرِ . (3)
[تحريم العقوق]وَ حَرَّمَ اللّهُ عز و جل عُقوقَ الوالِدَينِ ؛ لِما فيهِ ، مِنَ الخُروجِ عَنِ التَّوقيرِ لِطاعَةِ اللّهِ عز و جل ، وَ التَّوقيرِ لِلوالِدَينِ ، وَ تَجَنُّبِ كُفرِ النِّعمَةِ ، وَ إبطالِ الشُّكرِ ، وَ ما يَدعو في ذلِكَ إلى قِلَّةِ النَّسلِ وَ انقِطاعِهِ ، لِما في العقُوقِ مِن قِلَّةِ تَوقيرِ الوالِدَينِ وَ العِرفانِ بِحَقِّهِما ، وَ قَطعِ الأَرحامِ ، وَ الزُّهدِ مِنَ الوالِدَينِ في الوَلَدِ ، وَ تَركِ التَّربيَةِ لِعِلَّةِ تَركِ الوَلَد بِرَّهُما . (4)
[علّة تحريم الزّنا]وَ حَرَّمَ الزِّنا ؛ لِما فيهِ مِنَ الفَسادِ مِن قَتلِ الأَنفُسِ ، وَ ذَهابِ الأَنسابِ ، وَ تَركِ التَّربيَةِ لِلأَطفالِ ،
.
ص: 101
وَ فَسادِ المَواريثِ ، وَ ما أَشبَهَ ذلِكَ مِن وُجوهِ الفَسادِ . (1)
[علّة تحريم أكل مال اليتيم ظلما]وَ حَرَّمَ أَكلُ مالِ اليَتيمِ ظُلما ؛ لِعِلَلٍ كَثيرَةٍ مِن وُجوهِ الفَسادِ : أَوَّلُ ذلِكَ أَنَّهُ إِذا أَكَلَ الإِنسانُ مالَ اليَتيمِ ظُلما فَقَد أَعانَ عَلى قَتلِهِ ؛ إِذ اليَتيمُ غَيرُ مُستَغنٍ وَ لا مُحتَمِلٌ لِنَفسِهِ وَ لا عَليمٌ بِشَأنِهِ ، وَ لا لَهُ مَن يَقومُ عَلَيهِ وَ يَكفيهِ كَقيامِ وَالِدَيهِ ، فَإِذا أَكَلَ مَالَهُ فَكَأَنَّهُ قَد قَتَلَهُ وَ صَيَّرَهُ إِلى الفَقرِ وَ الفاقَةِ ، مَعَ ما خَوَّفَ اللّهُ عز و جل وَ جَعَلَ مِنَ العُقوبَةِ في قَولِهِ عز و جل : « وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَ_فًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ اللَّهَ » (2) وَ لِقَولِ أَبي جَعفَرٍ عليه السلام : إِنَّ اللّهَ عز و جل وَعَدَ في أَكلِ مَالِ اليَتيمِ عُقوبَتَينِ : عُقوبَةٌ في الدُّنيا ، وَ عُقوبَةٌ في الآخِرَةِ . فَفي تَحريمِ مَالِ اليَتيمِ استِبقاءُ اليَتيمِ وَ استِقلالُهُ بِنَفسِهِ ، وَ السَّلامَةُ لِلعَقِبِ أَن يَصيبَهُ ما أَصابَهُ ، لِما وَعَدَ اللّهُ فيهِ مِنَ العُقوبَةِ ، مَعَ ما في ذلِكَ مِن طَلَبِ اليَتيمِ بِثَأرِهِ إذا أَدرَكَ ، وَ وُقوعِ الشَّحناءِ وَ العَداوَةِ وَ البَغضاءِ حَتَّى يَتَفانوا. (3)
[علّة تحريم الفِرار من الزّحف]وَ حَرَّمَ اللّهُ الفِرارَ من الزَّحفِ ؛ لِما فيهِ مِنَ الوَهنِ في الدِّينِ ، وَ الاستِخفافِ بِالرُّسُلِ وَ الأَئِمَّةِ العادِلَةِ عليهم السلام ، وَ تَركِ نُصرَتِهِم عَلى الأَعداءِ ، وَ العُقوبَةِ لَهُم عَلى إِنكارِ ما دَعَوا إِليهِ مِنَ الإِقرارِ بِالرُّبوبيَّةِ وَ إِظهارِ العَدلِ وَ تَركِ الجَورِ وَ إماتَةِ الفَسادِ ، وَ لِما في ذلِكَ مِن جُرأَةِ العَدوِّ عَلى المُسلِمينَ ، وَ ما يَكونُ في ذلِكَ مِنَ السَّبي وَ القَتلِ وَ إِبطالِ دينِ اللّهِ عز و جل ، وَ غيرِهِ مِنَ الفَسادِ . (4)
[علّة تحريم التّعرّب بعد الهجرة]وَ حَرَّمَ التَّعَرُّبَ بَعدَ الهِجرَةِ (5) ؛ لِلرُّجوعِ عَنِ الدِّينِ ، وَ تَركِ مُؤازَرَةِ الأَنبياءِ وَ الحُجَجِ عليهم السلام ،
.
ص: 102
وَ ما في ذلِكَ مِنَ الفَسادِ وإِبطالِ حَقِّ كُلِّ ذي حَقٍّ لا لِعلَّةِ سُكنى البَدوِ ، وَ كَذلِكَ لَو عَرَفَ الرَّجلُ الدِّينَ كامِلاً ، لَم يَجزُ لَهُ مُساكَنَةُ أَهلِ الجَهلِ وَ الخوفِ عَلَيهِم ؛ لِأَنَّهُ لا يُؤمَنُ أَن يَقَعَ مِنهُ تَركُ العِلمِ ، وَ الدُّخولُ مَعَ أَهلِ الجَهلِ ، وَ التَّمادي في ذلِكَ . (1)
[علّة تحريم ما أُهِلَّ لغير اللّه به]و حَرَّمَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيرِ اللّهِ ؛ لِلَّذي أَوجَبَ اللّهُ عز و جل عَلى خَلقِهِ مِنَ الإِقرارِ بِهِ وَ ذِكرِ اسمِهِ عَلى الذَّبائِحِ المُحلَّلَةِ ، وَ لِئَلّا يُسَوِّي بَينَ ما تُقُرِّبَ بِهِ إِليهِ ، وَ بَينَ ما جُعِلَ عِبادَةً لِلشَّياطينِ وَ الأَوثانِ ؛ لِأَنَّ في تَسميَةِ اللّهِ الإِقرارَ بِرُبوبيَتِهِ وَ تَوحيدِهِ ، وَ ما في الإِهلالِ لِغَيرِ اللّهِ مِنَ الشِّركِ بِهِ وَ التَّقَرُّبِ بِهِ إِلى غَيرِهِ ، ليَكونَ ذِكرُ اللّهِ وَ تَسميَتُهُ عَلى الذَّبيحَةِ فَرقا بَينَ ما أَحَلَّ اللّهُ ، وَ بَينَ مَا حَرَّمَ اللّهُ . (2)
[علّة تحريم جميع السّباع من الطّير والوحش]وَ حُرِّمَ سِباعُ الطَّيرِ وَ الوَحشِ كُلُّها ؛ لِأَكلِها مِنَ الجِيَفِ وَ لُحومِ النَّاسِ وَ العَذِرَةِ وَ ما أَشبَهَ ذلِكَ ، فَجَعَلَ اللّهُ عز و جل دَلائِلَ ما أَحَلَّ مِنَ الوَحشِ وَ الطَّيرِ وَ ما حَرَّمَ كَما قالَ أَبي عليه السلام : كُلُّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ وَ ذي مِخلَبٍ مِنَ الطَّيرِ حَرامٌ ، وَ كُلُّ ما كانَت لَهُ قانِصَةٌ مِنَ الطَّيرِ فَحَلالٌ . وَ عِلَّةٌ أُخرى يُفرِّقُ بَينَ ما أُحِلَّ مِنَ الطَّيرِ وَ ما حُرِّمَ قَولُهُ عليه السلام : كُل ما دَفَّ ، وَ لا تَأكُل ما صَفَّ . (3)
[تحريم لحوم المسوخ وعلّة تحريم الأرنب]وَ حَرَّمَ الأَرنَبَ ؛ لِأَنَّها بِمَنزِلَةِ السِّنّورِ ، وَ لَها مَخالِيبُ كَمخالِيبِ السِّنّورِ وَ سِباعِ الوَحشِ ، فَجَرَت مَجراها ، مَعَ قَذَرِها في نَفسِها ، وَ ما يَكونُ مِنها مِنَ الدَّمِ كَما يَكونُ مِنَ النِّساءِ ؛ لِأَنَّها مَسخٌ . (4)
.
ص: 103
[علّة تحريم الرّبا]وَ عِلَّةُ تَحريمِ الرِّبا ، إِنَّما نَهى اللّهُ عَنهُ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَموالِ ؛ لِأَنَّ الإِنسانَ إذا اشتَرى الدِّرهَمَ بِالدِّرهَمَينِ كانَ ثَمَنُ الدِّرهَمِ دِرهَما ، وَ ثَمَنُ الآخَرِ باطِلاً ، فَبَيعُ الرِّبا وَكسٌ عَلى كُلِّ حالٍ عَلى المُشتَري وَ عَلى البائِعِ ، فَحَرَّمَ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى الرِّبا لِعِلَّةِ فَسادِ الأَموالِ ، كَما حَظَرَ عَلى السَّفيهِ أَن يُدفَعَ مالُهُ إِلَيهِ ؛ لِما يُتَخَوَّفُ عَلَيهِ مِن إِفسادِهِ حَتَّى يُؤنَسَ مِنهُ رُشدُهُ ، فَلِهذِهِ العِلَّةِ حَرَّمَ اللّهُ الرِّبا وَ بَيعَ الدِّرهَمِ بِالدِّرهَمَينِ يَدا بِيَدٍ . وَ عِلَّةُ تَحريمِ الرِّبا بَعدَ البَيِّنَةِ ، لِما فيهِ مِنَ الاستِخفافِ بِالحرامِ المُحَرَّمِ ، وَ هي كَبيرَةٌ بَعدَ البَيانِ ، وَ تَحريمِ اللّهِ تَعالى لَها ، وَ لَم يَكُن ذلِكَ مِنهُ إلّا استِخفافا بِالتَّحريمِ لِلحَرامِ ، وَالاستِخفافُ بِذلِكَ دُخولٌ في الكُفرِ . وَ عِلَّةُ تَحريمِ الرِّبا بِالنّسيئَةِ لِعِلَّةِ ذَهابِ المَعروفِ ، وَ تَلَفِ الأَموالِ ، وَرَغبَةِ النَّاسِ في الرِّبحِ ، وَ تَركِهِم القَرضَ وَ الفَرضَ وَ صَنائِعَ المَعروفِ ، وَ لِما في ذلِكَ مِنَ الفَسادِ وَ الظُّلمِ وَفَناءِ الأَموالِ . (1)
[علل تحريم المحرّمات من المأكول]وَ حَرَّمَ الخِنزير ؛ لِأَنَّهُ مُشَوَّهٌ جَعَلَهُ اللّهُ عز و جل عِظَةً لِلخَلقِ وَ عِبرَةً وَ تَخويفا ، وَ دَليلاً عَلى ما مَسَخَ عَلى خِلقَتِهِ ، وَ لِأَنَّ غِذاءَهُ أَقذَرُ الأَقذارِ ، مَعَ عِلَلٍ كَثيرَةٍ . وَ كَذلِكَ حَرَّمَ القِرَدَ ؛ لِأَنَّهُ مَسخٌ مِثلَ الخِنزيرِ ، وَ جَعَلَ عِظَةً وَ عِبرَةً لِلخَلقِ ، وَ دَليلاً عَلى ما مَسَخَ عَلى خِلقَتِهِ وَ صورَتِهِ ، وَ جَعَلَ فيهِ شِبها مِنَ الإِنسانِ ليَدُلَّ عَلى أَنَّهُ مِنَ الخَلقِ المَغضوبِ عَلَيهِم . وَ حُرِّمَتِ المَيتَةُ ؛ لِما فيها مِن فَسادِ الأَبدانِ وَ الآفَةِ ، وَ لِما أَرادَ اللّهُ عز و جل أَن يَجعَلَ تَسميَتَهُ سَبَبا لِلتَّحليلِ وَ فَرقا بَينَ الحَلالِ وَ الحَرامِ . وَ حَرَّمَ اللّهُ عز و جل الدَّمَ كَتَحريمِ المَيتَةِ ؛ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَبدانِ ، وَ لِأَنَّهُ يُورِثُ الماءَ الأَصفَرَ ،
.
ص: 104
وَ يُبخِرُ الفَمَ ، وَ يُنتِنُ الرِّيحَ ، وَ يُسيءُ الخُلُقَ ، وَ يُورِثُ القَسَوةَ لِلقَلبِ ، وَ قِلَّةَ الرَّأفَةِ وَ الرَّحمَةِ حَتَّى لا يُؤمَنُ أَن يَقتلُ والِدَهُ وَ صاحِبَهُ . وَ حَرَّمَ الطِّحالِ ؛ لِما فيهِ مِنَ الدَّمِ ، وَ لِأَنَّ عِلَّتَهُ وَ عِلَّةَ الدَّمِ وَ المَيتَةِ وَاحِدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ يَجري مَجراها في الفَسادِ . (1)
[علّة المهر و وجوبه]وَ عِلَّةُ المَهرِ وَ وُجوبِهِ عَلى الرِّجالِ وَ لا يَجِبُ عَلى النِّساءِ أَن يُعطينَ أَزواجَهُنَّ ؛ لِأَنَّ لِلرَّجلِ مَؤونَةَ المَرأَةِ ، وَ لِأَنَّ المَرأَةَ بائِعَةٌ نَفسَها وَ الرَّجُلُ مُشتَرٍ ، وَ لا يَكونُ البَيعُ إِلَا بِثَمَنٍ وَ لا الشِّراءُ بِغَيرِ إعطاءِ الثَّمَنِ ، مَعَ أَنَّ النِّساءَ مَحظوراتٌ عَنِ التَّعامُلِ وَ المَتجَرِ ، مَعَ عِلَلٍ كَثيرَةٍ . (2)
[علّة التّزويج للرّجل أربعة نسوة]وَ عِلَّةُ التَّزويجِ لِلرَّجُلِ أَربَعةَ نِسوَةٍ وَ تَحريمِ أَن تَتَزَوَّجَ المَرأَةُ أَكثَرَ مِن واحِدٍ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذا تَزَوَّجَ أَربَعَ نِسوَةٍ كانَ الوَلَدُ مَنسوبا إِلَيهِ ، وَ المَرأَةُ لَو كانَ لَها زَوجانِ وَ أَكثَرُ مِن ذلِكَ لَم يُعرَفِ الوَلَدُ لِمَن هوَ ، إِذ هُم مُشتَرِكونَ في نِكاحِها ، وَ في ذلِكَ فَسادُ الأَنسابِ وَ المَواريثِ وَ المَعارِفِ . (3)
[علّة التّزويج للعبد اثنتين]وَ عِلَّةُ التَّزويجِ لِلعَبدِ اثنَتَينِ لا أَكثَرَ مِنهُ ؛ لِأَنَّهُ نِصفُ الرَّجُلِ الحُرِّ في الطَّلاقِ وَ النِّكاحِ ، لا يَملِكُ نَفسَهُ وَ لا لَهُ مالٌ ، إِنَّما يُنفِقُ مَولاهُ عَلَيهِ ، وَ ليَكونَ ذلِكَ فَرقا بَينَهُ وَ بَينَ الحُرِّ ، وَ ليَكونَ أَقلَّ لِاشتِغالِهِ عَن خِدمَةِ مَواليهِ . (4)
[علّة الطّلاق]وَ عِلَّةُ الطَّلاقِ ثَلاثا ؛ لِما فيهِ مِنَ المُهلَةِ فيما بَينَ الواحِدَةِ إِلى الثَّلاثِ ، لِرَغبَةٍ تَحدُثُ أَو سُكونِ غَضَبٍ إِن كان ، وَ ليَكُن ذلِكَ تَخويفا وَ تَأديبا لِلنِّساءِ ، وَ زَجرا لَهُنَّ عَن مَعصيَةِ أَزواجِهِنَّ
.
ص: 105
فاستَحَقَّتِ المَرأَةُ الفُرقَةَ وَ المُبايَنَةَ ؛ لِدُخولِها فيما لا يَنبَغي مِن مَعصِيَةِ زَوجِها . وَ عِلَّةُ تَحريمِ المَرأَةِ تِسعِ تَطليقاتٍ فَلا تَحِلُّ لَهُ أَبَدا ؛ عُقوبَةٌ لِئَلَا يَتَلاعَبَ بِالطَّلاقِ ، وَ لا يَستَضعِفَ المَرأَةَ ، وَ ليَكونَ ناظِرا في أُمورِهِ مُتَيقِّظا مُعتَبِرا ، وَ ليَكونَ يأسا لَهُما مِنَ الاِجتِماعِ بَعدَ تِسعِ تَطليقاتٍ . وَ عِلَّةُ طَلاقِ المَملوكِ اثنَتَينِ ؛ لِأَنَّ طَلاقَ الأَمَةِ عَلى النِّصفِ ، فَجَعَلَهُ اثنَتَينِ احتياطا لِكَمالِ الفَرائِضِ ، وَ كَذلِكَ في الفَرقِ في العِدَّةِ لِلمُتَوَفَّى عَنها زَوجُها . (1)
[علّة ترك شهادة النّساء في الطّلاق والهلال]وَ عِلَّةُ تَركِ شَهادَةَ النِّساءِ في الطّلاقِ وَ الهِلالِ ؛ لِضَعفِهِنَّ عَن الرُّؤيَةِ ، وَ مُحاباتِهِنَّ النِّساءَ في الطَّلاقِ ، فَلِذلِكَ لا يَجوزُ شَهادتُهُنَّ إِلَا في مَوضِعِ ضَرورَةٍ ، مِثلِ شَهادَةِ القابِلَةِ وَ ما لا يَجوزُ لِلرِّجالِ أَن يَنظروا إِلَيهِ ، كَضَرورَةِ تَجويزِ شَهادَةِ أَهلِ الكِتابِ إِذا لَم يُوجَد غَيرُهُم ، وَ في كِتابِ اللّهِ عز و جل : «اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ » (2) كافِرينِ ، وَ مِثلِ شَهادَةِ الصِّبيانِ عَلى القَتلِ إِذا لَم يُوجَد غَيرُهُم . (3)
[علّة شهادة أربعة في الزّنا]وَ العِلَّةُ في شَهادَةِ أَربَعَةٍ في الزِّنا و اثنَينِ في سائِرِ الحُقوقِ ؛ لِشِدَّةِ حَدِّ المُحصَنِ ؛ لِأَنَّ فيهِ القَتلَ ، فَجُعِلَت الشَّهادَةُ فيهِ مُضاعَفَةً مُغَلَّظَةً لِما فيهِ مِن قَتلِ نَفسِهِ وَذَهابِ نَسَبِ وَلَدِهِ ، وَلِفَسادِ الميراثِ . (4)
[علّة تحليل مال الولد للوالد]وَ عِلَّةُ تَحليلِ مالِ الوَلَدِ لِوالِدِهِ بِغَيرِ إِذنِهِ وَ لَيسَ ذلِكَ لِلوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الوَلَدَ مَولودٌ لِلوالِدِ في قَولِ
.
ص: 106
اللّهِ عز و جل : « يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَ_ثًا وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ » (1) ، مَعَ أَنَّهُ المأخُوذُ بِمَؤونَتِهِ صَغيرا أَو كَبيرا ، وَ المَنسوبُ إِلَيهِ أَو المَدعوُّ لَهُ ، لِقَولِ اللّهِ عز و جل : « ادْعُوهُمْ لِأَبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ » (2) ، وَ قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله : « أَنتَ وَ مالُكَ لِأَبيكَ » وَ لَيسَ لِلوالِدَةِ مِثلُ ذلِكَ ، لا تأخُذُ مِن مالِهِ إِلَا بِإِذنِهِ أَو بِإِذنِ الأَبِ ؛ لِأَنَّ الأَبَ مأخوذٌ بِنَفَقَةِ الوَلَدِ ، وَلا تُؤخَذُ المَرأَةُ بِنَفَقَةِ وَلَدِها . (3)
[علّة أن البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر]وَ العِلَّةُ في أَنَّ البَيِّنَةَ في جَميعِ الحُقوقِ عَلى المُدَّعي وَ اليَمينَ عَلى المُدَّعى عَليهِ ما خَلا الدَّمِ ؛ لِأَنَّ المُدَّعى عَليهِ جاحِدٌ وَلا يُمكِنُهُ إِقامَةُ البَيِّنَةِ عَلى الجُحودِ ، وَ لِأَنَّه مَجهولٌ وَ صارَت البَيِّنَةُ في الدَّمِ عَلى المُدَّعى عَليهِ ، وَ اليَمينُ عَلى المُدَّعي لِأَنَّهُ حَوطٌ يَحتاطُ بِهِ المُسلِمونَ ؛ لِئَلَا يَبطُلَ دَمُ امرِى ءٍ مُسلِمٍ ، وَ ليَكونَ زاجِرا وَ ناهيا لِلقاتِلِ لِشِدَّةِ إِقامَةِ البَيِّنَةِ عَليهِ ؛ لِأَنَّ مَن يَشهَدُ عَلى أَنَّهُ لَم يَفعَل قَليلٌ . وَ أَمّا عِلَّةُ القَسامَةِ أَن جُعِلَت خَمسينَ رَجُلاً ؛ فَلِمَا في ذلِكَ مِنَ التَّغليظِ وَ التَّشديدِ وَ الاحتياطِ ؛ لِئَلَا يَهدِرَ دَمُ امرِى ءٍ مُسلِمٍ . (4)
[علّة قطع يمين السّارق]وَ عِلَّةُ قَطعِ اليَمينَ مِنَ السَّارِقِ ؛ لِأَنَّه يُباشِرُ الأَشياءِ بِيَمينِهِ وَ هيَ أَفضَلُ أَعضائِهِ وَ أَنفَعُها لَهُ ، فَجَعَلَ قَطعُها نَكالاً وَ عِبرَةً لِلخَلقِ لِئَلَا يَبتَغوا أَخذَ الأَموالِ مِن غَيرِ حِلِّها ، وَ لِأَنَّهُ أَكثَرُ ما يُباشِرُ السَّرِقَةَ بِيَمينِهِ . وَ حُرِّمَ غَصبُ الأَموالِ وَ أَخذُها مِن غَيرِ حِلِّها ؛ لِما فيهِ مِن أَنواعِ الفَسادِ ، وَ الفَسادُ مُحَرَّمٌ ؛ لِما فيهِ مِن الفَناءِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن وُجوهِ الفَسادِ . (5)
[علّة حرمة السّرقة]وَ حُرمَةُ السَّرِقَةِ ؛ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَموالِ وَ قَتلِ الأَنفُسِ لَو كانَت مُباحَةً ، وَ لِما يأتي في
.
ص: 107
التَّغاصُبِ مِنَ القَتلِ وَ التَّنازُعِ وَ التَّحاسُدِ ، وَ ما يَدعو إِلى تَركِ التِّجاراتِ وَ الصِّناعاتِ في المَكاسِبِ ، وَ اقتِناءِ الأَموالِ إِذا كانَ الشَّيءُ المُقتَنى لا يَكونُ أَحدٌ أَحقَّ بِهِ مِن أَحدٍ. (1)
[علّة ضرب الزّاني]وَ عِلَّةُ ضَربِ الزَّاني عَلى جَسَدِهِ بِأَشَدِّ الضَّربِ ؛ لِمُباشَرَتِهِ الزِّنا وَ استِلذاذِ الجَسَدِ كُلِّهِ بِهِ ، فَجُعِلَ الضَّربُ عُقوبَةً لَهُ وَ عِبرَةً لِغَيرِهِ ، وَ هوَ أَعظَمُ الجِناياتِ . (2)
[علّة ضرب القاذف و شارب الخمر]وَ عِلَّةُ ضَربِ القاذِفِ وَ شارِبِ الخَمرِ ثَمانينَ جَلدَةً ؛ لِأَنَّ في القَذفِ نَفيَ الوَلَدِ وَ قَطعَ النَّسلِ وَ ذَهابَ النَّسَبِ . وَ كذلِكَ شارِبُ الخَمرِ ؛ لِأَنَّهُ إِذا شَرِبَ هَذي ، وَ إِذا هَذي افتَرى ، فَوَجَبَ عَلَيهِ حَدُّ المُفتَري . (3)
[علّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة]وَ عِلَّةُ القَتلِ بَعدَ إِقامَةِ الحَدِّ في الثَّالِثَةِ عَلى الزَّاني وَ الزَّانيَةِ ؛ لِاستِخفافِهِما وَ قِلَّةِ مُبالاتِهِما بِالضَّربِ ، حَتَّى كَأَ نَّهُما مُطلَقٌ لَهُما ذلِكَ الشَّيءُ . وَ عِلَّةٌ أُخرى : أَنَّ المُستَخِفَّ بِاللّهِ وَ بِالحَدِّ كافِرٌ ، فَوَجَبَ عَلَيهِ القَتلُ لِدُخولِهِ في الكُفرِ . (4)
[علّة تحريم الذُّكران للذُّكران و الإناث للإناث]وَ عِلَّةُ تَحريمِ الذُّكرانِ لِلذُّكرانِ وَ الإِناثِ لِلإِناثِ ؛ لِما رُكِّبَ في الإِناثِ ، وَ ما طُبِعَ عَلَيهِ الذُّكرانِ ، وَ لِما في إِتيانِ الذُّكرانِ لِلذُّكرانِ وَ الإِناثِ لِلإِناثِ مِنِ انقِطاعِ النَّسلِ ، وَ فَسادِ التَّدبيرِ ، وَ خَرابِ الدُّنيا . (5)
.
ص: 108
[علّة إباحة لحوم البقر والغنم والإبل]وَ أَحَلَّ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى لُحومَ البَقَرِ وَ الغَنَمِ وَ الإِبلِ ، لِكَثرَتِها وَ إِمكانِ وُجودِها . وَ تَحليلُ بَقَرِ الوَحشِ وَ غَيرِها مِن أَصنافِ ما يُؤكَلُ مِنَ الوَحشِ المُحَلَّلَةِ ؛ لِأَنَّ غِذاءَها غَيرُ مَكروهٍ وَ لا مُحَرَّم ، وَ لا هيَ مُضِرَّةٌ بَعضُها بِبَعضٍ ، وَ لا مُضِرَّةٌ بِالإِنسِ ، وَ لا في خَلقِها تَشويهٌ . وَ كُرِهَ أَكلُ لُحومِ البِغالِ وَ الحُمُرِ الأَهليَّةِ ؛ لِحاجَةِ النَّاسِ إِلى ظُهورِها وَ استِعمالِها ، وَ الخَوفِ مِن قِلَّتِها ، لا لِقَذَرِ خَلقِها وَ لا لِقَذَرِ غِذائِها . (1)
[علّة حرمة النّظر إلى شعور النّساء]وَ حُرِّمَ النَّظَرُ إِلى شُعورِ النِّساءِ المَحجوباتِ بِالأَزواجِ وَ إِلى غَيرِهِنَّ مِنَ النِّساءِ ؛ لِما فيهِ مِن تَهييجِ الرِّجالِ ، وَ ما يَدعو التَّهييجُ إِليهِ مِنَ الفَسادِ وَ الدُّخولِ فيما لا يَحِلُّ وَ لا يَجمُلُ ، وَ كَذلِكَ ما أَشبَهَ الشُّعورِ ، إِلَا الّذي قالَ اللّهُ تَعالى : « وَ الْقَوَ عِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّ_تِى لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَ_ت بِزِينَةٍ وَ أَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (2) أَي غَيرَ الجِلبابِ فَلا بَأسَ بِالنَّظَرِ إِلى شُعورِ مِثلِهِنَّ . (3)
[علّة إعطاء النّساء نصف ما يعطى الرّجال من الميراث]
.
ص: 109
« الرِّجَالُ قَوَّ مُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَ لِهِمْ » (1) . (2)
[علّة المرأة لا ترث من العقار]وَ عِلَّةُ المَرأَةِ أَنَّها لا تَرِثُ مِنَ العَقارِ شَيئا إِلَا قِيمَةَ الطُّوبِ وَ النِّقضِ ؛ لِأَنَّ العَقارَ لا يُمكِنُ تَغييرُهُ وَ قَلبُهُ ، وَ المَرأَةَ يَجوزُ أَنَ يَنقَطِعَ ما بَينَها وَ بَينَهُ مِنَ العِصمَةِ ، وَ يجوزُ تَغييرُها وَ تَبديلُها . وَ لَيسَ الوَلَدُ وَ الوالِدُ كَذلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لا يُمكِنُ التَّفَصِّي مِنهُما ، وَ المَرأَةُ يُمكِنُ الاستِبدالُ بِها ، فَما يَجوزُ أَن يَجئَ وَ يَذهَبَ كانَ ميراثُهُ فيما يَجوزُ تَبديلُهُ وَ تَغييرُهُ إِذا أَشبَهَهُ ، وَ كانَ الثَّابِتُ المُقيمُ عَلى حالِهِ كَمَن كانَ مِثلُهُ الثَّباتِ وَ القيامِ . (3)
42كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانفي علّة تحريم قذف المحصناتعليّ بن أحمد ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان 4 : أنّ
.
ص: 110
أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كَتب إليه فيما كَتب من جواب مسائله :حَرَّمَ اللّهُ عز و جل قَذفَ المُحصَناتِ ؛ لِما فيهِ مِن فَسادِ الأَنسابِ ، وَ نَفي الوَلَدِ ، وَ إِبطالِ المَواريثِ ، وَ تَركِ التَّربيَةِ ، وَ ذَهابِ المَعارِفِ ، وَ ما فيهِ مِنَ المَساوئ وَ العِلَلِ الَّتي تُؤَدِّي إِلى فَسادِ الخَلقِ . (1)
43كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانفي علّة الصّلاةعليّ بن أحمد بن محمّد ، قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن ربيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله :إنَّ عِلَّةَ الصَّلاةِ أَنَّها إقرارٌ بِالرُّبوبيَّةِ للّهِ عز و جل ، وَ خَلعُ الأَندادِ ، وَ قيامٌ بَينَ يَدي الجَبَّارِ جَلَّ جَلالُهُ بالذُّلِّ وَ المَسكَنَةِ وَ الخُضوعِ وَ الِاعتِرافِ ، وَ الطَّلبُ لِلإِقالَةِ مِن سالِفِ الذُّنوبِ ، وَ وَضعُ الوَجهِ عَلى الأَرضِ كُلَّ يَومٍ خَمسَ مَرَّاتٍ إعظاما للّهِ عز و جل ، وَ أَن يَكونَ ذاكِرا غَيرَ ناسٍ وَ لا بَطِرٍ ، وَ يَكونُ خاشِعا مُتَذَلِّلاً ، راغِبا ، طالِبا لِلزِّيادَةِ في الدِّين وَ الدُّنيا ، مَعَ ما فيهِ مِنَ الانزِجارِ وَ المُداوَمَةِ عَلى ذِكرِ اللّهِ عز و جل بِاللَّيلِ وَ النَّهارِ ؛ لِئَلَا يَنسى العَبدُ سَيِّدَهُ وَ مُدَبِّرَهُ وَ خالِقَهُ فَيَبطَرَ
.
ص: 111
وَ يَطغى ، وَ يَكونَ في ذِكِرِهِ لِرَبِّهِ و قيامِهِ بَينَ يَدَيهِ زاجِرا لَهُ عَنِ المَعاصي ، وَ مانِعا مِن أَنواعِ الفَسادِ . (1)
44كتابه عليه السلام إلى محمّد بن سنانفي علل تحريم المحرّماتعليّ بن أحمد رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الرّبيع الصّحّاف ، عن محمّد بن سنان : أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه :جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ أَنَّ بَعضَ أَهلِ القِبلَةِ يَزعُمُ أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَم يُحِلَّ شَيئا وَ لَم يُحَرِّمَهُ لِعِلَّةٍ أَكثَرَ مِنَ التَّعَبُّدِ لِعِبادِهِ بِذلِكَ ، قَد ضَلَّ مَن قالَ ذلِكَ ضَلالاً بَعيدا ، وَ خَسِرَ خُسرانا مُبِينا ؛ لِأَنَّهُ لَو كان ذلِكَ لَكانَ جائِزا أَن يَستَعبِدَهُم بِتَحليلِ مَا حَرَّمَ وَ تَحريمِ مَا أَحَلَّ ، حَتَّى يَستَعبِدَهُم بِتَركِ الصَّلاةِ وَ الصِّيامِ وَ أَعمالِ البِرِّ كُلِّها ، وَ الإِنكارِ لَهُ وَ لِرُسُلِهِ وَ كُتُبِهِ ، وَ الجُحودِ بِالزِّنا وَ السَّرِقَةِ ، وَ تَحريمِ ذَواتِ المَحارِمِ ، وَ ما أَشبَهَ ذلِكَ مِنَ الأُمورِ الَّتي فيها فَسادُ التَّدبيرِ وَ فَناءُ الخَلقِ ، إِذ العِلَّةُ في التَّحليلِ وَ التَّحريمِ التَّعَبُّدُ لا غيرُهُ . فَكانَ كَما أَبطَلَ اللّهُ تَعالى بِهِ قَولَ مَن قالَ ذلِكَ ، إِنَّا وَجَدنا كُلَّما أَحَلَّ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى فَفيهِ صَلاحُ العِبادِ وَ بَقاؤُهُم ، وَ لَهُم إليهِ الحاجَةُ الَّتي لا يَستَغنونَ عَنها ، وَ وَجَدنا المُحَرَّمَ مِنَ الأَشياءِ لا حاجَةَ بِالعِبادِ إِليهِ ، وَ وَجَدناهُ مُفسِدا داعيا إلى الفَناءِ وَ الهَلاكِ ، ثُمَّ رَأَيناهُ تَبارَكَ وَ تَعالى قَد أَحَلَّ بَعضَ ما حَرَّمَ في وَقتِ الحاجَةِ ؛ لِما فيهِ مِنَ الصَّلاحِ في ذلِكَ الوَقتِ ، نَظيرَ ما أَحَلَّ مِنَ المَيتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحمِ الخِنزيرِ إِذا اضطَرَّ إِليها المُضطَّرُ ؛ لِما في ذلِكَ الوَقتِ مِنَ
.
ص: 112
الصَّلاحِ وَ العِصمَةِ وَ دَفعِ المَوتِ ، فَكَيفَ أَنَّ الدَّليلَ عَلى أَنَّهُ لَم يُحِلَّ إِلَا لِما فيهِ مِنَ المَصلَحَةِ لِلأَبدانِ ، وَ حَرَّمَ ما حَرَّم لِما فيه مِنَ الفَسادِ ، وَ لِذلِكَ وَصَفَ في كِتابِهِ وَ أَدَّت عَنهُ رُسُلُهُ وَ حُجَجُهُ ، كَما قالَ أَبو عَبدِ اللّهِ عليه السلام : « لَو يَعلَمُ العِبادُ كَيفَ كانَ بَدءُ الخَلقِ ما اختَلَفَ اثنانِ » ، وَ قَولُه عليه السلام : « لَيسَ بَينَ الحَلالِ وَ الحَرامِ إِلَا شَيءٌ يَسيرٌ يُحَوِّلَهُ مِن شَيءٍ إِلى شَيءٍ فَيَصيرُ حَلالاً وَ حَراما » . (1)
باب الطّهارة45جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي ماء البئرأبو القاسم جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع 2 ، قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أباالحسن
.
ص: 113
الرّضا عليه السلام . فقال : ماءُ البِئرِ واسِعٌ لا يُفسِدُهُ شَيءٌ ، إِلَا أَن يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَو طَعمُهُ فَيُنزَحُ مِنهُ حَتَّى يَذهَبَ الرِّيحُ وَ يَطيبَ طَعمُهُ ؛ لِأَنَّ لَهُ مادَّةً . (1)
46كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي ملاقاة نجاسةٍ مع ماء البئرأبو القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (2) ، قال : كتبت إلى رجلٍ أسأله أن يسأل أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن البئر يكون في المنزل للوضوء ، فتقطر فيها قطرات من بولٍ أو دمٍ ، أو يسقط فيها شيء من عذرةٍ كالبعرة أو نحوها ، ما الّذي يطهرهاحتّى يحلّ الوضوء منها للصّلاة ؟ فوقّع عليه السلام في كتابي بخطّه : يُنزَحُ مِنها دِلاءٌ . (3)
47كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي المياهأحمد بن محمّد عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد (4) ،
.
ص: 114
عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (1) ، قال : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السّماء أو يُستقى فيه من بئرٍ ، فيستنجي فيه الإنسان من بولٍ أو يغتسل فيه الجنب ، ما حدّه الّذي لا يجوز ؟ فكتب :لا تَوَضَّأ مِن مِثلِ هذا ، إِلَا مِن ضَرورَةٍ إِلَيهِ . (2)
48كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي لبس الخزّجعفر بن عيسى 3 ، قال : كتبت إلى أبيالحسن الرِّضا عليه السلام أسألُه عن الدّوابّ الّتي يُعمَل الخزّ من وبرها ، أسباع هي ؟ فكتب عليه السلام :لَبِسَ الخَزَّ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ وَمِن بَعدِهِ جَدِّي عليهماالسلام . (3)
.
ص: 115
49كتابه عليه السلام إلى الفضلفي المسكمحمّد بن الوليد الكرمانيّ (1) ، قال : أتيت أبا جعفر بن الرّضا عليهماالسلام ، فوجدت بالباب الّذي في الفناء قوما كثيرا ، فعدلت إلى مسافرٍ فجلست إليه حتّى زالت الشّمس ، فقمنا للصّلاة ، فلمّا صلّينا الظّهر وجدت حسّا من ورائي ، فالتفتّ فإذا أبو جعفرٍ عليه السلام ، فسرت إليه حتّى قبّلت يده ، ثمّ جلس و سأل عن مقدمي ، ثمّ قال :سَلِّم . فقلت : جُعلت فداك قد سلّمت ، فأعاد القول ثلاث مرّات : سَلِّم . وقلت : ذاك ما قد كان في قلبي منه شيء ، فتبسّم و قال : سَلِّم . فتداركتها وقلت : سلّمت ورضيت يابن رسول اللّه . فأجلى اللّه ما كان في قلبي ، حتّى لو جهدت و رمت لنفسي أن أعود إلى الشّك ما وصلت إليه . فعدت من الغد باكرا ، فارتفعت عن الباب الأوّل و صرت قبل الخيل و ما ورائي أحد أعلمه ، و أنا أتوقّع أن أجد السّبيل إلى الإرشاد إليه ، فلم أجد أحدا ، حتّى اشتدّ الحرّ والجوع جدّا ، حتّى جعلت أشرب الماء أَطفِئُ به حرّ ما أجد من الجوع و الخواء ، فبينا أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خِوانا عليه طعام و ألوان ، و غلام آخر معه طشت و إبريق ، حتّى وُضِعَ بين يدي و قالا : أمرك أن تأكل . فأكلت ، فما فرغت حتّى أقبل ، فقمت إليه فأمرني بالجلوس و بالأكل ، فأكلت ، فنظر إلى الغلام فقال : كُل مَعَه يَنشَط . حتّى إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطّعام ، فقال : مَه مَه ، ما كانَ في الصَّحراءِ فَدَعهُ وَ لَو فَخِذَ شاةٍ ، وَ ما كانَ في البَيتِ فالقُطهُ . ثمّ قال : سَل . قلت : جعلني اللّه فداك ما تقول في المسك ؟ فقال :
.
ص: 116
إِنَّ أَبي أَمَرَ أَن يُعمَل لَهُ مِسكٌ في بانٍ (1) ، فَكَتَبَ إِليهِ الفَضلُ يُخبِرُهُ أَنَّ النَّاسَ يَعيبونَ ذلِكَ عَلَيهِ . فَكَتَبَ : يا فَضلُ أَما عَلِمتَ أَنَّ يُوسُفَ كانَ يَلبَسُ ديباجا مَزرورا بِالذَّهَبِ وَ يَجلِسَ عَلى كَراسيِّ الذَّهَبِ فَلَم يَنقُص مِن حِكمَتِهِ شَيئا ، وَ كَذلِكَ سُليمان . ثمّ أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم . ثمّ قلت : ما لمواليك في موالاتكم ؟ فقال : إِنَّ أَبا عَبدِ اللّهِ عليه السلام كانَ عِندَه غُلامٌ يُمسِكُ بَغلَتَهُ إِذا هوَ دَخَلَ المَسجِدَ ، فَبَينا هوَ جَالِسٌ و مَعَهُ بَغلَةٌ إِذ أَقبَلَت رِفقَةٌ مِن خُراسانَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِن الرِّفقَةِ : هَل لَكَ يا غُلامُ أَن تَسأَلَهُ أَن يَجعَلَني مَكانَكَ وَ أَكونَ لَهُ مَملوكا وَ أَجعَل لَكَ مالي كُلَّهُ ، فَإِنِّي كَثيرُ المالِ مِن جَميعِ الصُّنُوف ، اذهَب فاقبِضهُ وَ أَنا أُقيمُ مَعَهُ مَكانَكَ . . . (2) .
50كتابه عليه السلام إلى محمّد بن أحمد الدّقاق البغداديّفي الخروج والحجامة يوم الأربعاءمحمّد بن الحسن رضى الله عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعريّ (3) ، قال : حدّثنا السّياريّ ، عن محمّد بن أحمد الدّقاق البغداديّ (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام أسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور (5) . فكتب عليه السلام :مَن خَرَجَ يَومَ الأَربِعاءِ لا يَدورُ خِلافا عَلى أَهلِ الطِّيَرَةِ ، وُقِيَ مِن كُلِّ آفَةٍ ، وَعُوفيَ مِن كُلِّ
.
ص: 117
داءٍ وَعاهَةٍ ، وَقَضَى اللّهُ لَهُ حاجَتَهُ . (1) وكتبت إليه مرّة أُخرى أسأله عن الحجامة يوم الأربعاء لا يدور ؟ فكتب عليه السلام : مَنِ احتَجَمَ في يَومِ الأَربِعاءِ لا يَدورُ خِلافا عَلى أَهلِ الطِّيَرَةِ ، عُوفيَ مِن كُلِّ آفَةٍ ، وَوُقيَ مِن كُلِّ عاهَةٍ ، وَلَم تَخضَرَّ مَحاجِمُهُ . (2)
51كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يونسفي خضاب الجُنُبسعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد بن عيسى (3) ، عن محمّد بن الحسن بن عَلاّن ، عن جعفر بن محمّد بن يونس (4) : أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام عن الجُنُب يختَضب أو يُجنب و هو مُختضب . فكتب :لا أُحِبُّ لَهُ ذلِكَ . (5)
.
ص: 118
52كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدفي التّربيعكتب الحسين بن سعيد 1 إلى أبي الحسن الرِّضا عليه السلام يسألُه عن سَرير الميّت يُحمَل ، ألَه جانبٌ يُبدَأُ به في الحمل من جوانبه الأربعة ، أو ما خفّ على الرّجل يَحمِل من أيِّ الجوانب شاء ؟ فكتب عليه السلام :مِن أَيِّها شاءَ . (1)
53كتابه عليه السلام إلى يونسفي دفن الكافرأبو القاسم جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن أحمد بن أشيم ، عن يونس ، قال : سألت الرّضا عليه السلام عن الرّجل تكون له الجارية اليهوديّة والنّصرانيّة فيواقعها فتحمل ، ثمّ يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه ، فدنى ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات الولد ، أيدفن معها على النّصرانيّة ، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام ؟ فكتب :يُدفَنُ مَعَها (2) .
.
ص: 119
54كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّفي استعمال جلد الميتةعليّ بن إبراهيم عن المختار بن محمّد بن المختار ومحمّد بن الحسن ، عن عبداللّه بن الحسن العلويّ ، جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ (1) ،عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتبت إليه عليه السلام أسأله عن جلود الميتة الّتي يؤكل لحمها إن ذُكّي . فكتب :لا يُنتَفَعُ مِنَ المَيتَةٍ بِإِهابٍ وَ لا عَصَبٍ ، وَ كُلُّ ما كانَ مِنَ السِّخالِ مِنَ الصُّوفِ _ إِن جُزَّ _ وَ الشَّعرِ و الوَبَرِ وَ الإِنفَحَةِ وَ القَرنِ ، وَ لا يُتَعَدَّى إلى غَيرِها إِن شاءَ اللّهُ . (2)
باب الصّلاة55كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن مهرانفي مواقيت الصّلاةعليّ بن محمّد و محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران 3 ،
.
ص: 120
قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : ذَكَرَ أصحابنا أنّه إذا زالت الشّمس فقد دخل وقت الظّهر و العصر و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة ، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السّفر و الحضر ، و أنّ وقت المغرب إلى ربع اللّيل . فكتب :كَذلِكَ الوَقتُ ، غَيرَ أَنَّ وَقتَ المَغرِبِ ضَيِّقٌ ، وَ آخِرُ وَقتِها ذَهابُ الحُمرَةِ وَ مَصيرُها إِلى البَياضِ في أُفُقِ المَغرِبِ . (1)
56كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن محمّدالحسين بن سعيد (2) ، عن عبداللّه بن محمّد (3) ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام أنّهما قالا :إِذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَد دَخَلَ وَقتُ الصَّلاتَينِ ، إِلَا أَنَّ بَينَ يَدَيهِمَا سُبحَةٌ ، إِن شِئتَ طَوَّلتَ ، وَإِن شِئتَ قَصَّرتَ . و روى بعض مواليك عنهما : أَنَّ وَقتَ الظُّهرِ عَلى قَدَمَينِ مِنَ الزَّوالِ ، وَوَقتَ العَصرِ عَلى أَربَعَةِ أَقدامٍ مِنَ الزَّوالِ ، فَإِن صَلَّيتَ قَبلَ ذلِكَ لَم يُجزِك . و بعضهم يقول : يُجزي ، وَلكنَّ الفَضلَ في انتِظارِ القَدَمينِ وَ الأَربَعَةِ أَقدامٍ . وقد أحببت جُعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت ؟ فكتب : القَدَمانِ وَ الأَربَعَةُ أَقدامٍ صَوابٌ جَميعا . (4)
.
ص: 121
57كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى بن حبيبفي قضاء النّوافلمحمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن يحيى بن حبيب ، 1 قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : يكون عليّ الصّلاة النّافلة ، متى أقضيها ؟ فكتب عليه السلام :أَيَّةَ ساعَةٍ شِئتَ مِن لَيلٍ أَو نَهارٍ . (1)
58كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيمفي الصّلاة في جلود الأرانب والفَنَك (2) والقَزّعليّ بن إبراهيم عن أحمد بن عبديل ، عن ابن سنان ، عن عبد اللّه بن جندب (3) ، عن سفيان بن السّمط . . . قال : و قرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم (4) إلى أبي الحسن عليه السلام
.
ص: 122
يسأله عن الفَنَك يُصلّى فيه ؟ فكتب :لا بَأسَ بِهِ . و كتب يسأله عن جلود الأرانب . فكتب عليه السلام : مَكروهٌ . و كتب : يسأله عن ثوب حَشوُه قَزّ ، يُصلّى فيه ؟ فكتب : لا بَأسَ بِهِ . (1)
59كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدأبو القاسم جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمّد ، عن عبد اللّه بن عامر ، عن عليّ بن مهزيار و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، روى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهماالسلام في الخمر يصيب ثوب الرّجل ، أنّهما قالا :لا بَأسَ أَن يُصلِّيَ فيهِ ، إِنَّما
.
ص: 123
حُرِّمَ شُربُها . وروى غير زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : إِذا أَصابَ ثَوبَكَ خَمرٌ أَو نَبيذٌ _ يَعني المُسكِرَ _ فاغسِلهُ إِن عَرَفتَ مَوضِعَهُ ، وَ إِن لَم تَعرِف مَوضِعَهُ فاغسِلهُ كُلَّهُ ، وَ إِن صَلَّيتَ فيهِ فَأَعِدِ صَلاتَكَ . فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقّع بخطّه عليه السلام وقرأته : خُذ بِقَولِ أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام . (1)
60كتابه عليه السلام إلى رجلٍمحمّد بن أحمد بن يحيى (2) ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (3) ، عن رجلٍ سأل الرّضا عليه السلام عن الصّلاة في جلود الثّعالب ، فنهى عن الصّلاة فيها و في الّذي يليه ، فلم أدر أيّ الثّوبين الّذي يلصق بالوبر أو الّذي يلصق بالجلد . فوقّع عليه السلام بخطّه :الّذي يَلصَقُ بِالجِلدِ . و ذكر أبو الحسن عليه السلام أنّه سُئل عن هذه المسألة فقال : لا تُصَلِّ في الّذي فَوقَهُ وَ لا في الّذي تَحتَهُ . (4)
61كتابه عليه السلام إلى قاسم الصّيقلفي الصّلاة في جلود الحُمُر المَيتَةالحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن عبد اللّه الواسطيّ ، عن قاسم الصّيقل 5 ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : إنّي أعمل أغماد السّيوف من جلود الحُمُر
.
ص: 124
المَيتَة ، فيصيب ثيابي ، فاُصلّي فيها ؟ فكتب عليه السلام إليَّ :اتَّخِذ ثَوبا لِصَلاتِكَ . (1) و في تهذيب الأحكام : محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي القاسم الصّيقل وولده ، قال : كتبوا إلى الرّجل عليه السلام : جعلنا اللّه فداك ، إنّا قوم نعمل السّيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها ، و نحن مضطرّون إليها ، و إنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهليّة لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسّها بأيدينا و ثيابنا ؟ ونحن نصلّي في ثيابنا ، و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها . فكتب عليه السلام : اجعَل ثَوبا لِلصَّلاةِ . (2)
62جوابه عليه السلام لمكتوبة صفوان بن يحيىفي الصّلاة مع اشتباه النّجس بالطّاهر
.
ص: 125
كتبت إليه أسأله عن رجلٍ كان معه ثوبان ، فأصاب أحدهما بولٌ و لم يدر أيّهما هو ، و حضرت الصّلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء ، كيف يصنع ؟ قال :يُصَلِّي فيهِما جَميعا . (1)
63كتابه عليه السلام إلى سليمان بن رشيدمحمّد بن الحسن الصّفّار عن أحمد بن محمّد و عبد اللّه بن محمّد (2) ، عن عليّ بن مهزيار (3) ، قال : كتب إليه سليمان بن رشيد 4 يخبره : أنّه بال في ظلمة اللّيل ، وأنّه
.
ص: 126
أصاب كفّه بَردُ نقطةٍ من البول لم يَشُكَّ أنّه أصابه و لم يره ، و أنّه مسحه بخرقةٍ ثمّ نسي أن يغسله ، و تمسّح بدهنٍ فمسح به كفّيه و وجهه و رأسه ، ثمّ توضّأ وضوء الصّلاة فصلّى . فأجاب بجواب قرأته بخطّه :أَمَّا ماتَوَهَّمتَ مِمَّا أَصابَ يَدَكَ فَلَيسَ بِشَيءٍ إلّا ماتَحَقَّق ، فَإِن حَقَّقتَ ذلِكَ كُنتَ حَقيقا أَن تُعيدَ الصَّلَواتِ الَّتي كُنتَ صَلَّيتَهُنَّ بِذلِكَ الوُضوءِ بِعَينِهِ ماكانَ مِنهُنَّ في وَقتِها ، وَ ما فاتَ وَقتُها فَلا إِعادَةَ عَلَيكَ لَها ، مِن قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا كانَ ثَوبُهُ نَجِسا لَم يُعِدِ الصَّلاةَ إِلَا ما كانَ في وَقتٍ ، وَ إِذا كانَ جُنُبا أَو صَلَّى عَلى غَيرِ وُضُوءٍ فَعَلَيهِ إِعادَةُ الصَّلَواتِ المَكتوباتِ الَّتي فاتَتهُ ؛ لِأَنَّ الثَّوبَ خِلافُ الجَسَدِ ، فَاعمَل عَلى ذلِكَ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (1)
64كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن مهرانفي حدّ غسل الوجهعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ،عن إسماعيل بن مهران (2) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن حدّ الوجه ، فكتب:مِن أَوَّلِ الشَّعرِ إِلى آخِرِ الوَجهِ ، وَكَذلِكَ الجَبينَينِ . (3)
.
ص: 127
65جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن القاسمفي السّجود على الملابسعَبّاد بن سليمان عن سعد بن سعد (1) ، عن محمّد بن القاسم بن الفضيل بن يسار (2) ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يسجد الرّجل على الثّوب يتّقي به وجهَه من الحرّ و البَرد و من الشّيء يكرَه السّجود عليه؟ فقال :نَعَم لا بَأسَ بِهِ . (3)
66كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّفي سجدة الشّكر والقول فيهاسليمان بن حَفص المَروَزيّ (4) أنّه قال : كتَب إليَّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام :قُل في سَجدَةِ الشُّكر مِئَةِ مَرَّةٍ « شُكرا شُكرا » ، وَ إِن شِئتَ « عَفوا عَفوا » . (5)
.
ص: 128
67إملاؤه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيع وسليمان الجعفريّفي الدّعاء في سجدة الشّكرسعد بن عبد اللّه في كتاب فضل الدّعاء ، قال : أبو جعفر محمّد بن إسماعيل بن بزيع (1) عن الرّضا عليه السلام ، و بكير بن صالح ، عن سليمان بن جعفر 2 عن الرّضا عليه السلام ، قالا : دخلنا عليه وهو ساجد في سجدة الشّكر ، فأطال في سجوده ثمّ رفع رأسه ، فقلنا له : أطلت السّجود ؟ فقال :مَن دَعا في سَجدَةِ الشُّكرِ بِهذا الدُّعاءِ كانَ كالرَّامي مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ . قالا : قلنا : فنكتبه ؟ قال : اكتُبَا : إذا أَنتَ سَجَدتَ سَجدَةَ الشُّكرِ فَقُلِ : اللَّهُمَّ العَنِ اللَّذَينِ بَدَّلا دِينَكَ ، وَ غَيّرا نِعمَتَكَ ، وَ اتَّهَمَا رَسولَكَ صلى الله عليه و آله ، وَ خالَفا مِلَّتَكَ ، وَ صَدَّا عَن سَبيلِكَ ، وَ كَفَرا آلاءَكَ ، وَ رَدَّا عَلَيكَ كَلامَكَ ، وَ استَهزَءا بِرَسولِكَ ، وَ قَتَلا ابنَ نَبِيِّكَ ، وَ حَرَّفا كِتابَكَ ، وَ جَحَدا آياتِكَ ، وَ سَخِرا بِآياتِكَ ، وَ استَكبَرا عَن عِبادَتِكَ ، وَ قَتَلا أَولياءَكَ ، وَ جَلَسا في مَجلِسٍ لَم يَكُن لَهُما بِحَقٍّ ، وَحَمَلا النَّاسَ عَلى أَكتافِ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا يَتلو بَعضَهُم بَعضا ، وَاحشُرهُما و أَتباعَهُما إِلى جَهَنَّمَ زُرقا . اللَّهُمَّ إِنّا نَتَقَرَّبُ إلَيكَ باللَّعنَةِ عَلَيهِما وَ البَراءَةِ مِنهُما في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ . اللَّهُمَّ العَن قَتَلَةَ أَميرِ المُؤمِنين ، وَقَتَلَةَ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ابنِ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
.
ص: 129
اللَّهُمَّ زِدهُما عَذابا فَوقَ العَذابِ ، وَ هَوانا فَوقَ هَوانٍ ، وَ ذُلَاً فَوقَ ذُلٍّ ، وَ خِزيا فَوقَ خِزيٍ . اللَّهُمَّ دُعَّهُما في النَّارِ دَعَّا ، وَ أَركِسهُما في أَليمِ عَذابِكَ رَكسا . اللَّهُمَّ احشُرهُما وَ أَتباعَهُما إِلى جَهَنَّمَ زُمَرا . اللَّهُمَّ فَرِّق جَمعَهُم ، وَ شَتِّت أَمرَهُم ، وَ خالِف بَينَ كَلِمَتِهِم ، وَ بَدِّد جَماعَتَهُم ، وَ العَن أَئِمَّتَهُم ، وَ اقتُل قادَتَهُم وَ سادَتَهُم وَ كُبَراءَهُم ، وَ العَن رُؤَساءَهُم ، وَ اكسِر رايَتَهُم ، وَ أَلقِ البَأسَ بَينَهُم ، وَلا تُبقِ مِنهُم دَيَّارا . اللَّهُمَّ العَن أَبا جَهلٍ وَ الوَليدَ لَعنا يَتلو بَعضُهُ بَعضا ، وَ يَتبَعُ بَعضُهُ بَعضا . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا يَلعَنُهُما بِهِ كُلُّ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ،وَكُلُّ نَبِيٍّ مُرسَلٍ ،وَكُلُّ مُؤمِنٍ امتَحَنتَ قَلبَهُ لِلإِيمانِ . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا يَتَعَوَّذُ مِنهُ أَهلُ النَّارِ . اللَّهُمَّ العَنهُما لَعنا لا يَخطُرُ لِأَحَدٍ بِبالٍ . اللَّهُمَّ العَنهُما في مُستَسِرِّ سِرِّكَ ، وَ ظاهِرِ عَلانِيَتِكَ ، وَ عَذِّبهُما عَذابا في التَّقديرِ وَ فَوقَ التَّقديرِ ، وَ شارِك مَعَهُما ابنَتَيهِما وَ أَشياعَهُما وَ مُحِبِّيهِما وَ مَن شايَعَهُما ، إِنَّكَ سَميعُ الدُّعاءِ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجمَعينَ . (1) وَ في المصباح : عن الرّضا عليه السلام : مَن دَعا بِهذا الدُّعاءِ في سَجدَةِ الشُّكرِ كانَ كالرَّامي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله يَومَ بَدرٍ وَ أُحُدٍ وَ حُنَينٍ بِأَلفِ أَلفِ سَهمٍ . ثمّ ذكر هذا الدّعاء . (2)
68كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدفي صلاة المُغمى عليهعبد اللّه بن محمّد 3 ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك ، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في
.
ص: 130
المريض يُغمى عليه أيّاما ، فقال بعضهم : يقضي صلاة يومه الّذي أفاق فيه ، وَ قال بعضهم : يَقضي صلاة ثلاثة أيّام وَ يدع ما سوى ذلك ، وَ قال بعضهم : إنّه لا قضاء عليه . فكتب :يَقضي صَلاةَ اليَومِ الّذي يُفيقُ فيهِ . (1)
69كتابه عليه السلام إلى الفضل الواسطيّفي صلاة الآياتمحمّد بن عبد الحميد ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال (2) ، عن الفضل الواسطيّ 3 ، قال : كتبت إليه عليه السلام : كسفت الشّمس و القمر و أنا راكب . قال : فكتب إليَّ :صَلِّ عَلى مَركَبِكَ الّذي أَنتَ عَلَيهِ . (3)
.
ص: 131
70كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن فضّالفي متابعة المأموم الإمامَأبو جعفر ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال 1 ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام في الرّجل
.
ص: 132
كان خلف الإمام يأتمّ به ، فركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع ، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الرّكوع مع الإمام ، أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الرّكعة ؟ فكتب :يُتِمُّ صَلاتَهُ ، وَ لا يُفسِدُ ما صَنَعَ صَلاتَهُ . (1)
71كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي إعادة المنفرد صلاتهمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : إنِّي أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم فيأمرونّي بالصّلاة بهم و قد صلّيت قبل أن آتيهم ، و ربّما صلّى خلفي مَن يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل ، و أكره أن أتقدّم و قد صلّيتُ بحال مَن يُصلّي بصلاتي ممّن سمّيتُ لك ، فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام :صَلِّ بِهِم . (3)
.
ص: 133
72كتابه عليه السلام إلى زكريّا بن آدمفي صلاة المسافرسأل زكريّا بن آدم 1 أبا الحسن الرّضا عليه السلام عن التّقصير : في كم يقصّر الرّجل إذا كان في ضياع أهل بيته و أمره جائز فيها يسير في الضّياع يومين و ليلتين و ثلاثة أيّام و لياليهنّ ؟ فكتب :التَّقصيرُ في مَسيرَةِ يَومٍ وَ لَيلَةٍ . (1)
73كتابه عليه السلام إلى عبداللّه بن محمّدالعبّاس بن معروف عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : قرأت في كتاب لعبداللّه بن محمّد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ركعتي الفجر في السّفر ، فروى بعضهم : أن صلّهما في المحمل ، وروى بعضهم : أن لا تصلّهما إلّا على الأرض ، فاعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك؟ فوقّع عليه السلام :مُوَسَّعٌ عَلَيكَ بِأَيَّةٍ عَمِلتَ . (4)
.
ص: 134
باب الزّكاة74كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى (1) ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمّد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال :وَضَعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله الزَّكاةَ على تِسعَةِ أَشياءَ : الحِنطَةِ وَ الشَّعيرِ وَ التَّمرِ وَ الزَّبيبِ وَ الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ وَ الغَنَمِ وَ البَقَرِ وَ الإِبِلِ ، وَ عَفا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَمَّا سِوى ذلِكَ . فقال له القائل : عندنا شيءٌ كثير يكون أضعاف ذلك . فقال : وَ ما هوَ ؟ فقال له : الأرُزُّ . فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : أَقولُ لَكَ : إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَضَعَ الزَّكاةَ عَلى تِسعَةِ أَشياءَ وَ عَفا عَمَّا سِوى ذلِكَ وَ تقولُ : عِندَنا أَرُزٌّ وَ عِندَنا ذُرَةٌ ، وَ قَد كانَت الذُّرَةُ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَوَقَّع عليه السلام : كَذلِكَ هوَ ، وَ الزَّكاةُ عَلى كُلِّ ما كِيلَ بِالصَّاعِ . (4)
.
ص: 135
75كتابه عليه السلام إلى جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّفي مقدار الصّاعمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمذانيّ (1) و كان معنا حاجّا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام عَلى يدِ أبي : جُعلت فداك ، إنّ أصحابنا اختلفوا في الصّاع ، بعضهم يقول : الفِطرَةُ بصاعِ المدنيّ ، و بعضهم يقول : بصاعِ العراقيّ . قال : فكتب إليَّ :الصَّاعُ سِتَّةُ أَرطالٍ بِالمَدَنيِّ وَ تِسعَةُ أَرطالٍ بِالعِراقيِّ . قال : و أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا و مئة و سبعين وزنة . (2)
76كتابه عليه السلام إلى محمّد بن القاسم بن الفُضَيلفي زكاة مال اليتيم
.
ص: 136
كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، أسأله عن الوصيّ أيزكّي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مالٌ ؟ قال : فكتب عليه السلام :لا زَكاةَ عَلى يَتيمٍ . (1)
77جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن القاسم بن الفُضَيلفي زكاة المملوكمحمّد بن الحسين عن محمّد بن القاسم بن الفُضَيل البصريّ (2) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : كتبت إليه : . . . وعن مملوكٍ يموت مولاه وهو عنه غائبٌ في بَلدٍ آخر و في يده مال لمولاه ويحضر الفِطرُ ، أ يزكّي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى ؟ قال :نَعَم . (3)
78كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي إخراج الزّكاة إلى الإماممحمّد بن يحيى عن بُنان بن محمّد ، عن أخيه عبد الرَّحمن بن محمّد ، عن محمّد بن
.
ص: 137
إسماعيل (1) ، قال : بعثت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام بدراهمٍ لي و لغيري ، وكتبت إليه أُخبره أنّها من فِطرة العيال . فكتَب بخطّه :قَبَضتُ وَ قَبِلتُ . (2)
باب الخمس79كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن عيسىأحمد بن محمّد بن عيسى بن يزيد (3) ، قال : كتبت : جُعلتُ لك الفداء ، تعلّمني ما الفائدة وما حدّها ، رأيك _ أبقاك اللّه تعالى _ أن تمنّ عليّ ببيان ذلك ؛ لكيلا أكون مقيما على حرامٍ لا صلاة لي ولا صوم . فكتب :الفائِدَةُ مِمَّا يُفيدُ إِلَيكَ في تِجارَةٍ مِن رِبحِها ، وَ حَرثٍ بَعدَ الغَرامِ أَو جائِزَةٍ . (4)
80كتابه عليه السلام إلى الحسين بن عبد ربّهفي الصّلة وفيما يصله به صاحب الخمسسهل بن زياد عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحسين بن عبد ربّه 5 ، قال : سرّح
.
ص: 138
الرّضا عليه السلام بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي : هل عليَّ فيما سرّحت إليَّ خمس ؟ فكتب إليه :لا خُمُسَ عَلَيكَ فيما سَرَّحَ بِهِ صاحِبُ الخُمُسِ . (1)
81كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارمحمّد بن الحسين وعليّ بن محمّد عن سهل بن زياد،عن عليّ بن مهزيار 2 ، قال : كتبت إليه: ياسيّدي،رجلٌ دُفِعَ إليه مالٌ يحجّ به،هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمسُ ، أو على ما فَضَل في يده بعد الحجّ ؟ فكتب عليه السلام :لَيسَ عَلَيهِ الخُمُسُ . (2)
.
ص: 139
82كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي المؤونةسهل عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أقرأني عليّ بن مهزيار (2) كتاب أبيك عليه السلام ، فيما أوجبه على أصحاب الضّياع نصف السّدس بعد المؤونة ، و أنّه ليس على من لم تَقُم ضيعته بمؤونته نصف السّدس ولا غير ذلك ، فاختَلَفَ مَن قِبَلَنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضّياع الخمس بعد المؤونة ، مؤونة الضّيعة و خراجها لا مؤونة الرّجل وعياله . فكتب عليه السلام :بَعدَ مَؤونَتِهِ وَ مَؤونَةِ عِيالِهِ وَ بَعدَ خَرَاجِ السُّلطانِ . (3) و في كتاب من لا يحضره الفقيه : في توقيعات الرّضا عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ : إِنَّ الخُمُسَ بَعدَ المَؤونَةِ . (4)
83كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من تجّار فارسفي إيصال حصّة الإمامسهل عن أحمد بن المثنّى ، قال : حدّثني محمّد بن زيد الطّبريّ (5) ، قال : كتب رجلٌ
.
ص: 140
من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرِّضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس . فكتب إليه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم إِنَّ اللّهَ واسِعٌ كَريمٌ ، ضَمِنَ عَلى العَمَلِ الثَّوابَ وَ عَلى الضِّيقِ الهَمَّ ، لا يَحِلُّ مالٌ إِلَا مِن وَجهٍ أَحَلَّهُ اللّهُ وَ إِنَّ الخُمُسَ عَونُنا عَلى دِينِنا وَ عَلى عِيالاتِنا وَ عَلى مَوالينا و ما نَبذُلُهُ وَ نَشتَري مِن أَعراضِنا مِمَّن نَخافُ سَطوَتَهُ ، فَلا تزوُوهُ عَنَّا ، وَ لا تَحرِموا أَنفُسَكُم دُعاءَنا ما قَدَرتُم عَلَيهِ ، فَإِنَّ إِخراجَهُ مِفتاحُ رِزقِكُم وَ تَمحِيصُ ذُنوبِكُم ، وَ ما تُمَهِّدونَ لِأَنفُسِكُم لِيَومِ فاقَتِكُم ، وَ المُسلِمُ مَن يَفِي للّهِِ بِما عَهِدَ إِلَيهِ ، وَ لَيسَ المُسلِمُ مَن أَجابَ بِاللِّسانِ وَ خالَفَ بِالقَلبِ ، وَ السَّلامُ . (1)
باب الصّوم84كتابه عليه السلام إلى عليّ بن الحسنفي الاحتقانأحمد بن محمّد عن عليّ بن الحسن (2) ، عن أبيه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول في التّلطّف بالأشياف يستدخله الإنسان وهو صائم ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِالجامِدِ . (3)
.
ص: 141
85جوابه عليه السلام لمكتوبة سعد بن سعدفي شمّ الرّيحان للصّائمأبو جعفر عن عبّاد بن سليمان ، عن سعد بن سعد 1 ، قال : كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام : هل يشمّ الصّائم الرّيحان يتلذّذ به ؟ فقال عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ . (1)
86جوابه عليه السلام لمكتوبة الفتح بن يزيد الجرجانيّفي تكرير الكفّارةأبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ رضى الله عنه ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه أبي النّضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش العيّاشي ، قال : حدّثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد بن شجاع ، عن محمّد بن عثمان ، عن حميد بن محمّد ، عن أحمد بن الحسن بن صالح ، عن أبيه ، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ (2) ، أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام سأله عن رجلٍ واقع امرأةً
.
ص: 142
في شهر رمضان من حلٍّ أو حرامٍ عشر مرّات ؟ قال :عَلَيهِ عَشرُ كَفَّاراتٍ ، لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ ، فَإِن أَكَلَ أَو شَرِبَ فَكَفّارَةُ يَومٍ واحِدٍ . (1)
87كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليِّ بن فضّالفي إطعام المفطر في شهر رمضانسعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن عليّ بن فَضّال (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسألُه عن قومٍ عندنا يصلّون و لا يصومون شهر رمضان ، و أنا أحتاج إليهم يحصدون لي ، فإذا دعوتهم إلى الحصاد لم يجيبوا حتّى أُطعمهم ، و هم يجدون مَن يطعمهم فيذهبون إليه و يدعوني ، و أنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان . فكتب عليه السلام إليّ بخطّه أعرفه :أَطعِمهُم . (3)
باب الحجّ88كتابه عليه السلام إلى صَفوان بن يحيىفي مواقيت الحجّأحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد (4) ، عن صفوان بن يحيى (5) ، عن أبي الحسن
.
ص: 143
الرّضا عليه السلام ، قال : كتبت إليه : أنّ بعض مَواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماءٌ و لا منزل ، و عليهم في ذلك مؤونةٌ شديدةٌ و يُعجِلُهُم أصحابُهم و جَمّالهم ، و مِن وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلاً منزلٌ فيه ماء و هو منزلهم الّذي ينزلون فيه ، فترى أن يُحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفّته عليهم ؟ فكتب :إِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَقَّتَ المَوَاقيتَ لِأَهلِها وَ لِمَن أَتَى عَلَيها مِن غَيرِ أَهلِها ، وَ فيها رُخصَةٌ لِمَن كانَت بِهِ عِلَّةٌ ، فَلا يُجَاوِزِ الميقاتَ إلَا مِن عِلَّةٍ . (1)
89كتابه عليه السلام إلى يونس بن عبد الرّحمنمحمّد بن يحيى عن محمّد بن أحمد ، عن موسى بن جعفر ، عن يونس بن عبد الرّحمن (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّا نحرم من طريق البصرة ولسنا نعرف حَدّ عرض العقيق . فكتب :أَحرِم مِن وَجرَةَ . (3)
90كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ بن يحيىفي الإحرام في الثّوب المُلحَممحمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن يحيى 4 ، قال : زوّدتني جاريةٌ لي ثوبين
.
ص: 144
ملحمين و سألتني أن أُحرم فيهما ، فأمرت الغلام فوضعهما في العَيبة (1) ، فلمّا انتهيت إلى الوقت الّذي ينبغي أن أُحرم فيه دعوت بالثّوبين لألبسهما ، ثمّ اختلج في صدري فقلت : ما أظنّه ينبغي أن أُحرم فيهما ، فتركتهما و لبست غيرهما ، فلمّا صرت بمكّة كتبت كتابا إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام وبعثت إليه بأشياء كانت معي ، و نسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم . فلم ألبث أن جاءني الجواب بكلّ ما سألته عنه و في أسفل الكتاب :لا بَأسَ بِالمُلحَمِ أَن يَلبَسَهُ المُحرِمُ . (2)
91كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن سفيانفي الطّيب للمحرمكتب إبراهيم بن سفيان 3 إلى أبي الحسن عليه السلام : المُحرم يغسل يده
.
ص: 145
بأُشنان (1) فيه الإذخِر ؟ فكتب :لا أُحِبُّهُ لَكَ . (2)
92كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيل بن بزيعفي الظّلال للمحرمأحمد بن محمّد عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (3) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل ؟ فكتب :نَعَم .
قال : وسأله رجلٌ عن الظّلال للمحرم من أذى مطرٍ أو شمسٍ وأنا أسمع ، فأمره أن يفدي شاةً و يذبحها بمنىً . (4)
93كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي الطّيب للمتمتّع قبل طواف النساءالحسين بن سعيد عن محمّد بن إسماعيل ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : هل يجوز للمحرم المتمتّع أن يمسّ الطّيب قبل أن يطوف طواف النّساء؟ فقال :لا . (5)
.
ص: 146
94كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن سفيانفيما على من اختصر شوطا في الحجّالحسين بن سعيد (1) عن إبراهيم بن سفيان (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام :امرأةٌ طافت طواف الحجّ ، فلمّا كانت في الشّوط السّابع اختصرت فطافت في الحِجرِ وصلّت ركعتي الفريضة وسعت و طافت طواف النّساء ثمّ أتت مِنىً . فكتب عليه السلام : تُعيدُ . (3)
95جوابه عليه السلام لمكتوبة يونس بن عبد الرّحمن البَجَليّموسى بن القاسم عن أبي جعفر محمّد الأحمسي ، عن يونس بن عبد الرّحمن البَجَليّ (4) ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام أو كتبت إليه عن سعيد بن يَسار : أنّه سقط من جملِهِ فلا يستمسك بطنُه ، أطوفُ عنه و أسعى ؟ قال :لا ، وَلكِن دَعهُ فَإِن بَرَأَ قَضى هوَ ، وَ إِلَا فاقضِ أَنتَ عَنهُ . (5)
96كتابه عليه السلام إلى ابن السرّاجفيمن لم يجد الهديصَفوان بن يحيى (6) عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : قلت له : ذكر ابن السرّاج 7 أنّه كتب
.
ص: 147
إليك يسألُك عن مُتمتّع لم يكن له هَديٌ ؟ فأجبتَه في كتابك :يَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ بمِنى ، فَإِن فاتَهُ ذلِكَ صامَ صَبيحَةَ الحَصبَةِ وَ يَومَينِ بَعدَ ذلِكَ . قال : أَمَّا أيَّامُ مِنىً فَإِنَّها أَيَّامُ أَكلٍ وَ شُرْبٍ لا صِيامَ فيها ، وَ سَبعَةَ أَيَّامٍ إذا رَجَعَ إِلى أَهلِهِ . (1)
97كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن أبي البلادفي التّسليم على النّبيّ صلى الله عليه و آلهالحسن بن عبد اللّه عن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن أبي البلاد 2 ،
.
ص: 148
قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام :كَيفَ تَقولُ في التَّسليمِ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ؟ قلت : الّذي نعرفه و رويناه . قال : أَوَ لا أُعَلِّمُكَ ما هوَ أَفضَلُ مِن هذا ؟ قلت : نعم جعلت فداك . فكتب لي و أنا قاعد ، بخطّه و قرأه عليَّ : إِذا وَقَفتَ عَلى قَبرِهِ صلى الله عليه و آله فَقُل : أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إلّا اللّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَ أَشهَدُ أَنَّكَ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ ، وَ أشهَدُ أَنَّكَ رَسولُ اللّهِ ، وَ أَشهَدُ أَنَّكَ خاتِمُ النَّبيِّينَ ، وَ أَشهَدُ أَنَّكَ قَد بَلَّغتَ رِسالَةَ رَبِّكَ وَ نَصَحتَ لِأُمَّتِكَ ، وَ جاهَدتَ في سَبيلِ رَبِّكَ وَ عَبَدتَهُ حَتَّى أَتاكَ اليَقينُ ، وَ أَدَّيتَ الّذي عَلَيكَ مِنَ الحَقِّ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَ رَسولِكَ وَ نَجيبِكَ وَ أَمينِكَ وَ صَفيِّكَ وَ خيرَتِكَ مِن خَلقِكَ ، أَفضَلَ ما صَلَّيتَ عَلى أَحَدٍ مِن أَنبيائِكَ وَ رُسُلِكَ . اللَّهُمَّ سَلِّم عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما سَلَّمتَ عَلى نوحٍ في العالَمينَ ، وَ امنُن عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما مَنَنتَ عَلى موسى وَ هارونَ ، وَ بارِك عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكتَ عَلى إِبراهيمَ وَ آلِ إبراهيمَ ، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ تَرَحَّم عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ. اللَّهُمَّ رَبَّ البَيتِ الحَرامِ ، وَ رَبَّ المَسجِدِ الحَرامِ ، وَ رَبَّ الرُّكنِ وَ المَقامِ ، وَ رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ وَ رَبَّ الحِلِّ وَ الحَرامِ وَ رَبَّ المَشعَرِ الحَرامِ ، بَلِّغ روحَ نَبيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنِّي السَّلامَ . (1)
98كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرفي فضل زيارته عليه السلاممحمّد بن أحمد بن داوود عن الحسن بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن عليِّ بن الحسن ، عن عبد اللّه بن موسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) ، قال : قرأت
.
ص: 149
كتاب أبي الحسن الرّضا عليه السلام بخطّه :أَبلِغ شيعَتي أَنَّ زيارَتي تَعدِلُ عِندَ اللّهِ أَلفَ حَجَّةٍ وَ أَلف عُمرَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ كُلُّها . قال : قلت لأبي جعفر : ألف حجَّة؟! قال : إِي وَ اللّهِ ، وَ أَلفَ أَلفِ حَجَّةٍ لِمَن يَزورُهُ عارِفا بِحَقِّهِ . (1)
باب التّجارة99كتابه عليه السلام إلى يونس في البيع و الشّراءفيمَن يؤاجر أرضا ثمّ يبيعها قبل انقضاء الأجلمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن أحمد ، عن يونس ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام أسأله عن رجلٍ تقبّل من رجلٍ أرضا أو غير ذلك سِنينَ مُسمّاةً ، ثمّ إنّ المُقَبِّل أراد بيع أرضه الّتي قَبَّلها قبل انقضاء السّنين المسمّاة ، هل للمتقبِّل أن يمنعه من البيع قبل انقضاء أجله الّذي تقبّلها منه إليه ، وما يلزم المتقبِّل له ؟ قال : فكتب :لَهُ أَن يَبيعَ إِذا اشتَرَطَ عَلى المُشتَري أَنَّ لِلمُتَقَبِّلِ مِنَ السِّنينَ ما لَهُ . (2)
100كتابه عليه السلام إلى الوشّاءفي الفُقّاعأحمد بن محمّد بن عيسى (3) عن الوشّاء (4) ، قال : كتبت إليه _ يعني الرّضا عليه السلام _ أسأله
.
ص: 150
عن الفُقاع . فكتب :حَرامٌ وَ هوَ خَمرٌ ، وَ مَن شَرِبَهُ كانَ بِمَنزِلَةِ شارِبِ خَمرٍ . (1) و في روايةٍ أُخرى : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع . قال : فكتب يقول : هوَ الخَمرُ ، وَ فيهِ حَدُّ شارِبِ الخَمرِ . (2) و في روايةٍ أُخرى : أبو عليّ الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفُقاع ، فكتب ينهاني عنه . (3) و في روايةٍ أُخرى : أحمد بن محمّد عن بكر بن صالح (4) ، عن زكريّا بن يحيى ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أسأله عن الفُقاع و أصفه له ، فقال : لا تَشرَبَهُ . فأعدته عليه ، كلّ ذلك أصِفه له كيف يصنع . فقال : لا تَشرَبَهُ ، وَ لا تُراجِعني فيهِ . (5)
101كتابه عليه السلام إلى الحسن بن الحسين الأنباريّفي العمل للسّلطانعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن عليّ بن الحكم ، عن الحسن بن الحسين
.
ص: 151
الأنباريّ (1) ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : كتبت إليه أربعة عشر سنة أستأذنه في عمل السّلطان ، فلمّا كان في آخر كتابٍ كتبته إليه أذكر أنّي أخاف على خَبط (2) عُنقي ، و أنّ السّلطان يقول لي : إنّك رافضيّ و لسنا نشكّ في أنّك تركت العمل للسلطان للرفض . فكتب إليّ أبو الحسن عليه السلام :قَد فَهِمتُ كِتابَكَ وَ ما ذَكَرتَ مِنَ الخَوفِ عَلى نَفسِكَ ، فَإِن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّكَ إِذا وُلِّيتَ عَمِلتَ في عَمَلِكَ بما أَمَرَ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ تُصيِّرُ أَعوانَكَ وَ كُتَّابَكَ أَهلَ مِلَّتِكَ ، فَإِذا صارَ إِلَيكَ شَيءٌ واسَيتَ بِهِ فُقَراءَ المُؤمِنينَ حَتَّى تَكونَ واحِدا مِنهُم ، كانَ ذا بِذَا ، وَ إلَا فَلا . (3)
102كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصّيقلمحمّد بن عيسى عن أبي القاسم الصّيقل (4) ، قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل (5) أشتري السّيوف وأبيعها من السّلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ . (6)
.
ص: 152
103كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي سقوط الرّدّ بالبراءة من العيوبالصّفّار عن محمّد بن عيسى ، عن جعفر بن عيسى (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، المتاع يُباع فيمن يزيد ، فينادي عليه المنادي ، فإذا نادى عليه بَرِئ مِن كلّ عيبٍ فيه ، فإذا اشتراه المشتري و رضيَهُ و لم يبق إلّا نَقدُهُ الثّمن فربّما زهد ، فإذا زهد فيه ادّعى فيه عيوبا و أنّه لم يعلم بها ، فيقول له المنادي : قد بَرِئتُ منها ، فيقول له المشتري : لم أسمع البراءةَ منها ، أ يُصدَّق فلا يجب عليه الثّمن ، أم لا يُصدَّق فيجب عليه الثّمن ؟ فكتب عليه السلام :عَلَيهِ الثَّمَنُ . (2)
104كتابه عليه السلام إلى أبي القاسم الصّيقلفي جلد غير مأكول اللّحممحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى (3) ، عن أبي القاسم الصّيقل (4) ، قال : كتبت إليه : قوائم السّيوف الّتي تُسمّى السّفَنَ (5) أتّخذها من جلود السّمك ، فهل يجوز العمل بها ولسنا نأكل لحومها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ . (6)
.
ص: 153
105كتابه عليه السلام إلى يونسفي بيع الواحد بالاثنين و أكثرمحمّد بن عيسى عن يونس ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّه كان لي على رجلٍ دراهم ، و أنّ السّلطان أسقط تلك الدّراهم و جاء بدراهمٍ أعلى من تلك الدّراهم الاُولى ، و لهم اليوم وضيعةٌ ، فأيّ شيء لي عليه ؟ الاُولى الّتي أسقطها السّلطان ، أو الدّراهم الّتي أجازها السّلطان ؟ فكتب عليه السلام :الدَّراهِمُ الأُولى . (1)
106كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمرومحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى ، عن الفضل بن كثير ، عن محمّد بن عمرو (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّ امرأةً مِن أهلنا أوصت أن ندفع إليك ثلاثين دينارا ، و كان لها عندي فلم يحضرني ، فذهبت إلى بعض الصّيارفة فقلت : أسلفني دنانير على أن أعطيك ثمن كلّ دينار ستّة و عشرين درهما ، فأخذت منه عشرة دنانير بمئتين و ستّين درهما و قد بعثتها إليك . فكتب عليه السلام إليّ :وَصَلَت الدَّنانيرُ . (3)
.
ص: 154
107كتابه عليه السلام إلى يونسفيما كان له مال على غيره دراهم فسقطت حتّى لا تَنفُقعليُّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّ لي على رجلٍ ثلاثة آلاف درهم ، و كانت تلك الدّراهم تَنفُق بين النّاس تلك الأيّام و ليست تنفق اليوم ، فلي عليه تلك الدَّراهم بأعيانها ، أو ما ينفق اليوم بين النّاس ؟ قال : فكتب إليّ :لَكَ أَن تَأخُذَ منه ما يَنفُقُ بَينَ النَّاسِ كَما أَعطَيتَهُ ما يَنفُقُ بَينَ النَّاسِ . (1)
108كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي الدّراهم المغشوشة والنّاقصةمحمّد بن الحسن الصّفّار عن محمّد بن عيسى ، عن جعفر بن عيسى (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : ما تقول جُعلت فداك في الدّراهم الّتي أعلم أنّها لا تجوزُ بين المسلمين إلّا بوضيعةٍ ، تصير إليّ من بعضهم بغير وضيعةٍ لجهلي به ، و إنّما أخذته على أنّه جيّدٌ ، أ يجوز لي أن آخذه و أخرجه من يدي إليه على حدّ ما صار إليّ من قِبلهم ؟ فكتب عليه السلام :لا يَحِلُّ ذلِكَ . وكتبت إليه : جُعلت فداك ، هل يجوز إن وصلت إليّ ردّه على صاحبه من غير معرفته به ، أو إبداله منه و هو لا يدري أنّي أبدله منه و أردّه عليه ؟ فكتب عليه السلام : لايَجوزُ . (3)
.
ص: 155
109جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسن بن عليّ بن فضّالفي السّلف في الطّعامسهل بن زياد عن معاوية بن حكيم ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال (1) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : الرّجل يسلفني في الطّعام فيجيء الوقت و ليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته دراهم ؟ قال :نَعَم . (2)
باب الإجارة110كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن همّامكتب أبوهمّام (3) إلى أبي الحسن عليه السلام في رجلٍ استأجر ضيعةً من رجلٍ ، فباع المُؤاجِرُ الضّيعة بحضرة المستأجِر ولم ينكر المستأجِر البيع وكان حاضرا شاهدا عليه ، فمات المشتري وله ورثة ، هل يرجع ذلك الشّيء في ميراث الميّت ، أو يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته ؟ فكتب عليه السلام :يَثبُتُ في يَدِ المُستَأجِرِ إلى أَن تَنقَضيَ إِجارَتُهُ . (4)
باب الرّهن111كتابه عليه السلام إلى سليمان بن حفص المروزيّإذا مات الرّاهنمحمّد بن عيسى بن عبيد عن سليمان بن حفص المروزيّ (5) ، قال : كتبت إلى أبي
.
ص: 156
الحسن عليه السلام في رجلٍ مات و عليه دينٌ و لم يخلف شيئا إلّا رهنا في يد بعضهم ، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن إيّاه ، أيأخذه بماله ، أو هو و سائر الدّيّان فيه شركاء ؟ فكتب عليه السلام :جَميعُ الدُّيَّانِ في ذلِكَ سَواءٌ يَتَوَزَّعونَهُ بَينَهُم بِالحِصَصِ . و قال : و كتبت إليه في رجلٍ مات و له ورثةٌ ، فجاء رجل فادّعى عليه مالاً و أنّ عنده رهنا ؟ فكتب عليه السلام : إِن كانَ لَهُ عَلى المَيِّتِ مالٌ وَ لا بَيِّنَةَ لَه عَليهِ ، فَليأخُذ مالَهُ مِمَّا في يَدِهِ وَ ليَرُدَّ الباقيَ عَلى وَرَثَتِهِ ، وَ مَتى أَقَرَّ بِما عِندَهُ أُخِذَ بِهِ وَ طُولِبَ بِالبَيِّنَةِ عَلى دَعواهُ وَ أَوفى حَقَّهُ بَعدَ اليَمينِ ، وَ مَتى لَم يُقِم البَيِّنَةَ وَ الوَرَثَةُ يُنكِرونَ فَلَهُ عَلَيهِم يَمينُ عِلمٍ يَحلِفونَ بِاللّهِ ما يَعلَمونَ أَنَّ لَهُ عَلى مَيِّتِهِم حَقّا . (1)
باب الوقوف والصّدقات112كتابه عليه السلام إلى صَفْوَان بن يحيىروى صفوان بن يحيى (2) عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن الرّجل يوقف ثلث الميّت بسبب الإجراء . فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَ لا يُوقِفُ . (3)
113كتابه عليه السلام إلى أحمد بن هلالمحمّد بن عليّ بن محبوب عن العبيديّ،عن أحمد بن هلال 4 ،قال:كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام :
.
ص: 157
ميّتُ أوصى بأن يُجرى على رجلٍ ما بقي من ثُلثه ولم يَأمر بإنفاذ ثُلثه ، هل للوصيّ أن يُوقِفَ ثُلث الميّت بسبب الإجراء . فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَلا يُوقِف . (1)
114جوابه عليه السلام لمكتوبة بعض الأصحابمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، عن بعض أصحابنا ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : أنّي وقَفت أرضا على ولدي و في حجٍّ و وجوه برٍّ ،
.
ص: 158
و لك فيه حقٌّ بعدي أو لِمَن بعدك و قد أزلتها عن ذلك المجرى . فقال عليه السلام :أَنتَ في حِلٍّ وَ مُوسَّعٌ لَكَ . (1)
115جوابه عليه السلام لمكتوبة محمّد بن عبداللّه القمّيفي الهديّةمحمّد بن إسماعيل بن بزيع (2) عن الرّضا عليه السلام ، قال : سألته عن مسألة كتب بها إليّ محمّد بن عبداللّه القمّي الأشعريّ فقال : لنا ضياعٌ فيها بيوت نيرانٍ تُهدي إليها المجوس البقر و الغنم و الدّراهم ، فهل يَحلّ لأرباب القرى أن يأخذوا ذلك ، و لبيوت نيرانهم قُوّامٌ يقومون عليها ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام :لِيَأخُذ أَصحابُ القُرَى مِن ذلِكَ ، فَلا بَأسَ بِهِ . (3)
باب الوصايا116كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي اختيارات الموصيمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن جعفر بن عيسى (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله في رجل أوصى ببعض ثُلُثه من بعد
.
ص: 159
موته من غَلّة ضيعة له إلى وصيّه يضع نصفه في مواضع سمّاها له معلومةٍ في كلّ سنة ، و الباقي من الثّلث يعمل فيه بما شاء ، و رأى الوصيُّ فأنفذ الوصيُّ ما أوصى إليه من المسمّى المعلوم ، و قال في الباقي : قد صيّرت لفلانٍ كذا و لفلانٍ كذا و لفلانٍ كذا في كلّ سنةٍ ، و في الحجّ كذا و كذا ، و في الصّدقة كذا في كلّ سنةٍ ، ثمّ بدا له في كلّ ذلك فقال : قد شئتُ الأوّل و رأيت خلاف مشيّتي الاُولى ، و رأيي أله أن يرجع فيها و يُصيِّر ما صيّر لغيرهم أو ينقصهم أو يدخل معهم غيرهم إن أراد ذلك ؟ فكتب عليه السلام :لَهُ أَن يَفعَلَ ما شاءَ إِلَا أَن يَكونَ كَتَبَ كِتابا عَلى نَفسِهِ . (1)
117كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصرفي الوصيّة المبهمةأحمد بن محمّد بن عيسى (2) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (3) ، قال : نسخت من كتابٍ بخطّ أبي الحسن عليه السلام : رجلٌ أوصى لقرابته بألف درهمٍ و له قرابة من قِبَل أبيه و أُمّه ، ما حدّ القرابة يُعطي مَن كان بينه قرابة ، أو لها حدٌّ ينتهي إليه ؟ رأيك فدتك نفسي . فكتب عليه السلام :إِن لَم يُسَمِّ أَعطاها قَرابَتَهُ . (4)
118كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه الطّاهريّسعد بن عبداللّه عن محمّد بن عيسى بن عبيد،قال:إنّ محمّد بن عبداللّه الطّاهريّ 5
.
ص: 160
كتب إلى الرّضا عليه السلام يشكو عمّه بعمل السّلطان والتلبّس به ، وأمر وصيّته في يديه . فكتب عليه السلام :أَمَّا الوَصيَّةُ فَقَد كَفَيتُ أَمرَها . فاغتمّ الرّجل وظنّ إنّها تؤخذ منه ، فمات بعد ذلك بعشرين يوما . (1)
119إملاؤه عليه السلام للمأمونأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن ياسر الخادم (2) ، قال : كتب من نيسابور إلى المأمون : أنّ رجلاً من المجوس أوصى عند موته بمالٍ جليلٍ يُفرّق في الفقراء والمساكين ، ففرّقه قاضي نيسابور على فقراء المسلمين ، فقال المأمون للرّضا عليه السلام : يا سيّدي ، ما تقول في ذلك ؟ فقال الرّضا عليه السلام :إِنَّ المَجوسَ لا يَتَصدَّقونَ عَلى فُقَراءِ المُسلِمينَ ، فاكتُب إِليهِ أَن يُخرِجَ بِقَدرِ ذلِكَ مِن صَدَقاتِ المُسلِمينَ فَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلى فُقراءِ المَجوسِ . (3)
باب النّكاح120جوابه عليه السلام لمكتوبة الحسين بن بشَّار الواسطيفي كراهة تزويج سيّئ الخُلقمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسين بن بشّار
.
ص: 161
الواسطيّ 1 قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : أنّ لي قرابةً قد خطب إليّ و في خُلقه شيءٌ . فقال :لا تُزَوِّجه إِن كانَ سَيِّئَ الخُلُقِ . (1)
121كتابه عليه السلام إلى رجلفي الجمع بين الاُختينعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار (2) ، عن يونس ، قال : قرأت في
.
ص: 162
كتاب رجلٍ إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك ، الرّجل يتزوّج المرأة مُتعةً إلى أجلٍ مُسمّىً فينقضي الأجلُ بينهما ، هل له أن ينكح أُختها من قبل أن تنقضي عِدّتها ؟ فكتب :لا يَحِلُّ لَهُ أَن يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تنقَضيَ عِدَّتُها . (1)
122كتابه عليه السلام إلى الرّيّان بن شَبيبفي حبس المهر إذا أخلفتمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن أحمد بن أشيَم (2) ، قال : كتب إليه الرّيّان بن شَبيب 3 _ يعني أبا الحسن عليه السلام _ : الرّجل يتزوّج المرأة متعةً بِمَهرٍ إلى أجَلٍ
.
ص: 163
معلومٍ ، و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي ، ثمّ دخل بها وعلم بعد دخوله بها _ قبل أن يوفّيها باقي مهرها _ أنّما زوّجته نفسها و لها زوجٌ مُقيمٌ معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها ، أم لا يجوز ؟ فكتب عليه السلام :لا يُعطيها شَيئا ؛ لِأَنَّها عَصَتِ اللّهَ . (1)
123كتابه عليه السلام إلى محمّد بن شعيبفي عقد المرأة مع تعيينها و خطأ الوكيلمحمّد بن عبد الحميد عن محمّد بن شعيب (2) ، قال : كتبت إليه : أنّ رجلاً خَطبَ إلى عمٍّ له ابنتَهُ ، فأمر بعض إخوته أن يزوّجه ابنته الّتي خطبها ، و أنّ الرّجل أخطأ باسم الجارية ، و كان اسمها فاطمة فسمّاها بغير اسمها و ليس للرّجل ابنة باسم الّتي ذكر المزوّج . فوقّع عليه السلام :لا بَأسَ بِهِ. (3)
.
ص: 164
124كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيدفي نكاح الأمةالحسين بن سعيد (1) قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : رجلٌ كانت له أمة يطأها فماتت أو باعها ، ثمّ أصاب بعد ذلك أُمّها ، هل يحلّ له أن ينكحها ؟ فكتب عليه السلام :لا يَحِلُّ لَهُ . (2) 125
كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل (3) ، قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام في جاريةٍ لابنٍ لي صغيرٍ ، أ يجوزُ لي أن أطأها ؟ فكتب :لا ، حتَّى تُخَلِّصَها . (4)
126كتابه عليه السلام إلى الفتح بن يزيد الجرجانيّفيمّن أتى جاريته في دبرهاالفتح بن يزيد الجرجانيّ (5) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام في مثله _ أي في رجل أتى جاريته في دبرها _ . فورد منه الجواب :
.
ص: 165
سألتَ عَمَّن أَتى جاريَتَهُ في دُبُرِها وَ المَرأَةُ لُعبَة ( الرَّجُلِ ) ، لا تُؤذَى ، وَ هي حَرثٌ كَما قالَ اللّهُ تَعالى . (1)
127كتابه عليه السلام إلى الرّيان بن شبيبفيما لو زوّج أمته حرّا و شرط لنفسه الخيار في التّفريقأحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن أحمد ، قال : كتب إليه الرّيان بن شَبيب (2) : رجلٌ أراد أن يزوّج مملوكته حرّا و شرط عليه أنّه متى شاء فرّق بينهما ، أيجوز له ذلك جعلت فداك أو لا ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم ، إِذا جَعَلَ إِلَيهِ الطَّلاقَ . (3)
128كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفيما يحرم من الرّضاعمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار (4) ، عن أبي الحسن عليه السلام ، أنّه كتب إليه يسأله عن الّذي يُحرِّمُ من الرّضاع . فكتب عليه السلام :قَليلُهُ وَ كَثيرُهُ حَرامٌ . (5)
.
ص: 166
129كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّفي الزّوج إذا بان خصيّاأحمد بن محمّد بن عيسى (1) عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن خصيٍّ تزوّج امرأةً ثمّ طلّقها بعدما دخل بها و هما مسلمان ، فسأل عن الزوج ، أله أن يرجع عليها بشيءٍ من المَهر ، و هل عليها عِدّة ؟ فلم يكن عندنا فيها شيء . فرأيك فدتك نفسي . فكتب :هذا لا يَصلُحُ . (3)
130كتابه عليه السلام إلى الحسن بن محبوبفي التّصرّف بجارية الولدالحسن بن محبوب 4 ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : إنّي كنت وهبت لابنةٍ
.
ص: 167
لي جاريةً حيث زوَّجتها ، فلم تزل عندها و في بيت زوجها حتّى مات زوجها ، فرجعت إليّ هي و الجارية ، أ فيحلّ لي أن أطَأ الجارية ؟ قال :قَوِّمها قِيمَةً عادِلَةً وَ أشهِد عَلى ذلِكَ ، ثُمَّ إِن شِئتَ فَطَأها . (1)
باب الطّلاق131جوابه عليه السلام لمكتوبة عليّ بن الفضل الواسطيّفي شرائط الطّلاقسهل بن زياد عن عليّ بن أسباط (2) ، عن عليّ بن الفضل الواسطيّ (3) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : رجلٌ طلّق امرأته الطّلاق الّذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ، فتزوّجها غلامٌ لم يحتلم . قال :لا حَتَّى يَبلُغَ . فكتبت إليه : ما حدّ البلوغ ؟ فقال : ما أَوجَبَ عَلى المُؤمِنينَ الحُدودَ . (4)
.
ص: 168
132كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدفي الطّلاق ثلاثاعليُّ بن إسماعيل (1) قال : كتب عبد اللّه بن محمّد (2) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يُطلّق امرأته ثلاثا بكلمةٍ واحدةٍ على طُهرٍ بغير جماعٍ بشاهدين ، أنّه يلزمه تطليقةٌ واحدةٌ ؟ فوقَّع بخطِّه عليه السلام :أُخطِئَ عَلى أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام إِنَّهُ لا يَلزَمُهُ الطَّلاقُ ، وَ يُرَدُّ إِلى الكِتابِ وَ السُّنَّةِ إِن شاءَ اللّهُ . (3)
133كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب عبد اللّه بن محمّد (4) إلى أبي الحسن عليه السلام : روى بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يطلّق امرأته على الكتاب والسّنّة ، فَتَبينُ منه بواحدةٍ ، فتزوّجُ زوجا غيره فيموت عنها أو يطلّقها ، فترجع إلى زوجها الأوّل ، أنّها تكون عنده على تطليقتين و واحدةٌ قد مضت . فوقّع عليه السلام بخطّه :صَدَقوا . وروى بعضهم : أنّها تكون عنده على ثلاثٍ مستقبلاتٍ ، و أنّ تلك الّتي طلّقها
.
ص: 169
ليست بشيءٍ ؛ لأنّها قد تزوّجت زوجا غيره . فوقّع عليه السلام بخطّه : لا . (1) وفي تهذيب الأحكام :أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن أحمد ،عن عبد اللّه بن محمّد ، قال : قلت له : روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرّجل يطلّق امرأته على الكتاب و السّنّة و تَبينُ منه بواحدةٍ ، و تَزوَّجُ زوجا غيره فيموت عنها أو يطلّقها ، فترجع إلى زوجها الأوّل ، أنّها تكون عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت . فكتب : صَدَقوا . (2)
134كتابه عليه السلام إلى الفقهاءفي طلاق أهل السنّةالحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ ، قال : حدّثني محمّد بن يحيى الصّوليّ ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن إسحاق الطّالقانيّ ، قال : حدّثني أبي ، قال : حلف رجلٌ بخراسان بالطّلاق أنّ معاوية ليس من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أيّام كان الرّضا عليه السلام بها ، فأفتى الفقهاء بطلاقها ، فسُئل الرّضا عليه السلام . فأفتى :أَنَّها لا تُطَلَّقُ . فكتب الفقهاء رقعة و أنفذوها إليه ، و قالوا له : من أين قلت يا بن رسول اللّه إنّها لم تُطلّق ؟ فوقّع عليه السلام في رقعتهم : قُلتُ هذا مِن رِوايَتَكُم عَن أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ أَنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لِمَسلَمَةٍ يَومَ الفَتحِ وَ قَد كَثُروا عَلَيهِ : أَنتُم خَيرٌ وَ أَصحابي خير ، وَ لا هِجرَةَ بَعدَ الفَتحِ ، فأَبطَلَ الهِجرَةَ وَ لَم يَجعَل هؤلاءِ أَصحابا لَهُ . قال : فرجعوا إلى قوله . (3)
.
ص: 170
باب الظّهار135كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن محمّدمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار (1) ، قال : كتب عبد اللّه بن محمّد (2) إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّ بعض مواليك يزعم أنّ الرّجل إذا تكلّم بالظّهار وجبت عليه الكفّارة حَنِثَ أو لم يَحنث ، و يقول : حِنثُهُ كلامُه بالظّهار ، و إنّما جُعلت عليه الكفّارة عقوبةً لكلامه . و بعضهم يزعم أنّ الكفّارة لا تلزمه حتّى يَحنَثَ في الشّيء الّذي حلف عليه ، فإن حَنِثَ وجبت عليه الكفّارة ، و إلّا فلا كفّارة عليه . فوقَّع عليه السلام بخطِّه :لا تَجِبُ الكَفَّارَةُ حَتَّى يَجِبَ الحِنثُ . (3)
باب العتق136جوابه عليه السلام لمكتوبة ابن محبوبفي نفقة المملوك و إن أُعتقمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، و سألته عن الرّجل يعتق غلاما صغيرا أو شيخا كبيرا أو من به زمانَةٌ و لا حيلة له . فقال :
.
ص: 171
مَن أَعتَقَ مَملوكا لا حيلَةَ لَهُ فَإِنَّ عَلَيهِ أَن يَعولَهُ حَتَّى يَستَغنيَ عَنهُ ، وَ كَذلِكَ كانَ أَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام يَفعَلُ إِذا أَعتَقَ الصِّغارَ وَ مَن لا حيلَةَ لَهُ . (1)
137كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الوصيّة لاُمّ الولد وعتقهاأحمد بن محمّد عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) ، قال : نَسخت من كتابٍ بخطّ أبي الحسن عليه السلام : فلانٌ _ مولاي _ تُوفّي ابن أخٍ له و ترك أُمّ ولدٍ له ليس لها ولدٌ ، فأوصى لها بألفٍ ، هل تجوز الوصيّة ، و هل يقع عليها عِتقٌ ، و ما حالها ؟ رأيُك فدتك نفسي . فكتب عليه السلام :تُعتَقُ مِنَ الثُّلُثِ وَ لَها الوَصيَّةُ . (3)
باب النّذر138كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أحمد بن أشيَمفيمن جعل على نفسه صوما معلوماأحمد بن محمّد عن عليّ بن أحمد بن أشيَم (4) ، قال : كتب الحسين إلى الرّضا عليه السلام :
.
ص: 172
جعلت فداك ، رجلٌ نذر أن يصوم أيّاما معلومةً ، فصام بعضها ثمّ اعتلّ فأفطر ، أيبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب إليه :يَحتَسِبُ ما مَضَى . (1)
باب الصّيد139كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إسماعيلفي الرّبيثامحمّد بن إسماعيل (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : اختلف النّاس عليَّ في الرَّبِيثا (3) ، فما تأمرني به فيها ؟ فكتب عليه السلام :لا بَأسَ بِها . (4)
باب الأطعمة و الأشربة140جوابه عليه السلام لمكتوبة عبد العزيز بن المُهتديفي انقلاب الخمر خلّاًمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى بن عُبيد ، عن عبد العزيز بن المُهتدي 5 ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك ، العصير يصير خمرا فيُصبّ
.
ص: 173
عليه الخلّ و شيء يُغَيّره حتَّى يصير خلّاً ؟ قال :لا بَأسَ بِهِ . (1)
141كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر الثّاني عليه السلامفي شُربِ الرّجُل السّويق (2) بالسكّرمحمّد بن يحيى عن موسى بن الحسن، عن السّياريّ، عن عبيد اللّه بن أبي عبد اللّه (3) ، قال : كتب أبو الحسن عليه السلام من خراسان إلى المدينة :لا تَسقوا أَبا جَعفَرٍ الثَّانيَ السَّويقَ بِالسُّكَّرِ ؛ فَإِنَّهُ رَديٌّ لِلرِّجالِ . وفسّره السّياريّ عن عبيد اللّه : أنّه يُكره للرّجال ؛ فإنّه يقطع النّكاح من شدّة برده مع السكّر . (4)
142جوابه عليه السلام إلى مكتوبة يونسفي أكل السّمك و ما استُثنىعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن صالح بن السّنديّ ، عن يونس ، قال : كتبت إلى
.
ص: 174
الرّضا عليه السلام : السّمك لا يكون له قشرٌ أيؤكل ؟ فقال :إِنَّ مِنَ السَّمَكِ ما يَكون لَهُ زَعَارَّةٌ (1) فَيَحتَكُّ بِكُلِّ شَيءٍ فَتَذهَبُ قُشورُهُ ، وَ لكِن إِذا اختَلَفَ طَرَفاهُ _ يعني ذَ نَبَهُ وَ رَأسَهُ _ فَكُلهُ . (2)
باب المواريث143جوابه عليه السلام لمكتوبة البزنطيّفي ميراث ولد الصّلبكتب البزنطيّ (3) إلى أبي الحسن عليه السلام في رجلٍ مات وترك ابنته وأخاه . قال :ادفَعِ المالَ إِلى الِابنَةِ إِن لَم تَخَف مِن عَمِّها شَيئا . (4)
باب الشهادات144كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي رجلٍ ينسى الشّهادة و يَعرف خطّه بالشهادةأحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد (5) ، قال : كتب إليه جعفر بن عيسى (6) : جُعلت فداك ، جاءني جيرانٌ لنا بكتابٍ زعموا أنّهم أشهدوني عليه ما فيه ، و في الكتاب
.
ص: 175
اسمي بخطّي قد عرفته ، و لست أذكر الشّهادة و قد دعوني إليها ، فأشهد لهم على معرفتي أنّ اسمي في الكتاب و لست أذكر الشّهادة ، أو لا تجب لهم الشّهادة عليّ حتّى أذكرها ، كان اسمي في الكتاب بخطّي أو لم يكن ؟ فكتب :لا تَشهَد . (1)
باب القضاء145كتابه عليه السلام إلى أبي الأسدفي القضاةمحمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عيسى عن الحسن بن عليّ بن فضّال (2) ، قال : قرأت في كتاب أبي الأسد إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام ، و قرأته بخطّه ، سأله ما تفسير قوله تعالى : « وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَ_طِ_لِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى الْحُكَّامِ » (3) ؟ قال : فكتب إليه بخطّه :الحُكَّامُ القُضاةُ . قال : ثمّ كتب تحته : هوَ أَن يَعلَمَ الرَّجُلُ أَنَّهُ ظالِمٌ فَيَحكُمَ لَهُ القاضي ، فَهوَ غَيرُ مَعذورٍ في أَخذِهِ ذلِكَ الّذي حَكَمَ لَهُ إِذا كانَ قَد عَلِمَ أَنَّهُ ظالِمٌ . (4)
.
ص: 176
146كتابه عليه السلام إلى جعفر بن عيسىفي كيفيّة الحكم في الدّعوىمحمّد بن جعفر الكوفيّ عن محمّد بن إسماعيل (1) ، عن جعفر بن عيسى (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه كان أعارها بعض ما كان عندها من متاعٍ و خدمٍ ، أتُقبل دعواه بلا بيّنةٍ ، أم لا تُقبل دعواه إلّا ببيّنةٍ ؟ فكتب إليه :يَجوزُ بِلا بَيِّنَةٍ . قال : و كتبت إليه : إِنِ ادَّعى زوجُ المرأة الميّتة أو أبو زوجها أو أُمُّ زوجها في متاعها أو ( في ) خدمها مثل الّذي ادَّعى أبوها من عاريَّة بعض المتاع أو الخدم ، أتكون في ذلِكَ بمنزلة الأب في الدَّعوى ؟ فكتب عليه السلام : لا . (3)
باب الحدود147كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الحدّ في اللّواطالحسين بن سعيد (4) ، قال : قرأت بخطّ رجلٍ أعرِفُهُ إلى أبي الحسن عليه السلام _ وقرأت جواب أبي الحسن عليه السلام _ بخطّه : هل على رجلٍ لَعِبَ بغلامٍ بين فَخذيه حدٌّ ، فإنّ بعض العصابة روى أنّه لا بأس بلَعبِ الرّجل بالغلام بين فَخذيه ؟ فكتب :لَعنةُ اللّهِ عَلى مَن فَعَلَ ذلِكَ .
.
ص: 177
وكتب أيضا هذا الرّجل و لم أرَ الجواب : ما حدّ رجلين نكح أحدهما الآخر طوعا بين فخذيه و ما توبتُه ؟ فكتب : القَتلُ . و ما حدّ رجلين وجدا نائمين في ثوبٍ واحدٍ ؟ فكتب عليه السلام : مِئَةُ سَوطٍ . (1)
148كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي حدّ المرتدّ عن فطرةٍالحسين بن سعيد (2) ، قال : قرأتُ بخطّ رجلٍ إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : رجل ولد على الإسلام ثمّ كفر وأشرك وخرج عن الإسلام ، هل يُستتاب أو يُقتل و لا يُستتاب ؟ كتب عليه السلام :يُقتَلُ . (3) وفي الاستبصار : الحسين بن سعيد قال : قرأت بخطّ . . . فكتب عليه السلام : يُقتَلُ ، فَأَمَّا المَرأَةُ إِذا ارتَدَّت فَإِنَّها لا تُقتَلُ عَلى كلِّ حالٍ ، بَل تُخَلَّدُ السِّجنَ إِن لَم تَرجِع إِلى الإِسلامِ . (4)
149جوابه عليه السلام لكتاب المأمونفي حكم من مضى ليغيث مستغيثا فدفعه ، فوقع في البئر فماتمحمّد بن أحمد بن يحيى (5) بإسناده ، قال : رُفع إلى المأمون رجلٌ دفع رجلاً في بئرٍ
.
ص: 178
فمات ، فَأَمر به أن يُقتل ، فقال الرّجل : إنّي كنت في منزلي فسمعت الغوث فخرجت مسرعا و معي سيفي ، فمررت على هذا و هو على شفير بئرٍ فدفعته فوقع في البئر . فسأل المأمون الفقهاء في ذلك ، فقال بعضهم : يُقاد به ، و قال بعضهم : يُفعل به كذا و كذا ، فسأل أبا الحسن عليه السلام عن ذلك و كتب إليه . فقال :دِيَتُهُ عَلى أَصحابِ الغَوثِ الَّذِينَ صاحوا الغَوثَ . قال : فاستعظم ذلك الفقهاء ، فقالوا للمأمون : سله من أين قلت هذا ؟ فسأل ، فقال عليه السلام : إِنَّ امرأَةً استَعدَت إِلى سُلَيمانَ بنِ داوودَ عليه السلام عَلى ريحٍ ، فَقالَت : كُنتُ عَلى فَوقِ بَيتي فَدَفَعَتني ريحٌ فَوَقَعتُ إِلى الدَّارِ فانكَسَرَت يَدي ! فَدَعا سُلَيمانُ عليه السلام بِالرِّيحِ فَقالَ لَها : ما حَمَلَكِ عَلى ما صَنَعتِ بِهذِهِ المَرأَةِ ؟ فَقالَت الرِّيحُ : يا نَبيَّ اللّهِ ، إِنَّ سَفينَةَ بَني فُلانٍ كانَت في البَحرِ قَد أَشرَفَ أَهلُها عَلى الغَرَقِ ، فَمَرَرتُ بِهذِهِ المَرأَةِ وَ أَنا مُستَعجِلَةٌ ، فَوَقَعَت فانكَسَرَت يَدُها . فَقَضى سُلَيمانُ عليه السلام بِأَرشِ يَدِها عَلى أَصحابِ السَّفينَةِ . (1)
.
ص: 179
الفصل الخامس: رسالته في الطّبّ
.
ص: 180
. .
ص: 181
150كتابه عليه السلام إلى المأمونفي الرّسالة المعروفة بالذّهبيّةقال العلّامة الشّيخ آغا بزرك الطّهراني رحمه الله في الذّريعة : ( الذّهبيّة الطّبيّة ) ، المشهور بطبّ الرّضا عليه السلام ، كتبه للمأمون العبّاسي ، و هو في تعليم حفظ صحّة البدن و تدبيره بالأغذية و الأشربة و الألبسة و الأدوية الصّالحة و الفصد و الحجامة و السّواك و الحمّام و النّورة ، و غير ذلك . أوّله : اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، إنَّ اللّهَ لَم يَبتَلِ المُؤمِنَ بِبَلاءٍ حَتَّى يَجعَلَ لَهُ دَواءً . . . . أورده العلّامة المجلسي بتمامه في مجلّد : « السّماء و العالم » من بحار الأنوار ، و نسخه شائعة ، و طبع قبل سنين في بمبئي . و أوّل انتشار هذا الكتاب برواية محمّد بن الحسن بن جهور ( جمهور ) العَمِّي البصري بسنده عن الإمام الرّضا عليه السلام . و قيل إنّه أوّل كتاب دوّن في الإسلام في علم الطّبّ و حفظ صحّة الأبدان ، فإنّ ما بلغنا عن النّبيّ صلى الله عليه و آله في متفرّقات الطّبّ قد جمعها و دوّنها الشّيخ أبو العبّاس المستغفريّ المتوفّى « 432ه.ق » ، و كذا ما جمعه ابنا بسطام في كتاب طبّ الأئمّة ، و لكونه أوّل ما كُتب في الطّبّ في الإسلام ، قدّره المأمون خليفة المسلمين في عصره ، و قرضه و أمر بكتابته بماء الذّهب ، وسمّاه بالذّهبيّة ، و بعده سائر
.
ص: 182
علماء الإسلام ، وزادت عنايتهم به حتّى كتبوا عليه شروحا من لدن القرن الخامس حتّى اليوم . وقد اطّلعنا على شروحه و تراجمه بالفارسيّة و الاُردويّة بما يبلغ ستّة عشر كتابا ذكرناها في محالّها ، إمّا بعنوان التّرجمة أو الشّرح أو العناوين الخاصّة ، و آخر شروحه على نحو التّعليق شرح الدّكتور عبد الصّاحب زيني المعلّق على الطّبع الأخير ، حيث جعل العدد الثّاني من أعداد ملتقى العصرين من نشريات الفاضل السّيّد مرتضى السّاوجي العسكريّ مدير مدرسة الإمام الكاظم عليه السلام في الكاظميّة . (1)
الأسناد المنقولة لهذه الرّسالة :1 و 2 . نقلها الشّيخ العلّامة المجلسي رحمه الله عن خطّ الشّيخ الأجلّ الأفضل الكامل نور الدّين عليّ بن عبد العالي الكركيّ رحمه الله (2) . . . ثمّ قال : و وجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السّندين : قال موسى بن عليّ بن جابر السّلامي : أخبرني الشّيخ الأجلّ العالم الأوحد سديد الدّين يحيى بن محمّد بن علبان الخازن ، قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد الجمهور . و قال هارون بن موسى التّلعكبريّ رضى الله عنه : حدّثنا محمّد بن هشام بن سهل رحمه الله ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور ، قال : حدّثني أبي _ و كان عالما بأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام خاصّة به ملازما لخدمته ، و كان معه حين حُمل من المدينة إلى أن صار إلى خراسان ، و استشهد عليه الصّلاة و السّلام بطوس و هو ابن تسع و أربعين سنة _ قال : و كان المأمون بنيسابور . . . الحديث . (3)
.
ص: 183
3 . في الفهرست في ترجمة محمّد بن الحسن بن جمهور العَمِّي البصري : له كتب جماعة ، منها : كتاب الملاحم ، و كتاب الواحدة ، و كتاب صاحب الزّمان عليه السلام ، وله الرّسالة الذّهبيّة عن الرّضا عليه السلام ، وله كتاب وقت خروج القائم عليه السلام . أخبرنا برواياته وكتبه كلّها _ إلّا ما كان فيها من غلوّ أو تخليط _ جماعة ، عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عنه . ورواها محمّد بن عليّ بن بابويه ، عن ابن الوليد ، عن الحسن بن متيل ، عن محمّد بن أحمد العلويّ ، عن العمركيّ بن عليّ ، عنه ( محمّد بن جمهور ) . (1) 4 . و في رجال النجاشي طريقه : أخبرنا محمّد بن عليّ الكاتب ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللّه ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسين الهذليّ المسعوديّ ، قال : لقيت الحسن بن محمّد بن جمهور فقال لي : حدّثني أبي محمّد بن جمهور ، وهو ابن مئة و عشر سنين . أخبرنا ابن شاذان ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، قال : حدّثنا سعد ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن جمهور بجميع كتبه. (2) 5 . و قال : قال محمّد بن شهر آشوب : محمّد بن الحسن بن جمهور العَمِّي البصري ، له كتاب الملاحم والفتن ، و الواحدة ، صاحب الزّمان ، الرّسالة الذهبيّة عن الرّضا عليه السلام في الطّب. (3) وقال العلّامة المجلسي بعد نقل هذه الأسانيد : فظهر أنّ الرّسالة كانت من المشهورات بين علمائنا و لهم إليه طرق و أسانيد ، لكن كان في نسختها الّتي وصلت إلينا اختلاف فاحش أشرنا إلى بعضها... (4) 6 . قال في كشف الظّنون : كتب أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام للمأمون
.
ص: 184
رسالة مشتملة عليه _ الطّبّ النّبويّ _ . (1) 7 . أشار إسماعيل باشا في هديّة العارفين في ترجمة الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام إليها ، و قال : صنّف رسالة في الطّبّ . (2) 8 . في نسخة مخطوطة في مكتبة آية اللّه المرعشي في قم ، رواها عن خلف بن محمّد الماورديّ في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ستّين و ثلاثمئة ، قال : أخبرنا أبو عليّ محمّد بن الحسن بن محمّد الجمهوريّ عن الحسن ، قال : حدّثنا أبو محمّد عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام . (3) 9 . التّراتيب الإدارية . (4) 10 . أعيان الشّيعة . (5) 11 . و في معجم المؤلّفين : عليّ بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق أبو الحسن . . . من آثاره مسند فضائل أهل البيت و الرّسالة الذّهبيّة في حفظ صحّة المزاج و . . . ألّفها للمأمون العبّاسي ثمّ نقلها عن فهرس المؤلّفين بالظّاهرية (6) و الأعلام للزركلي (7) و هديّة العارفين . (8)
الشّروح و التّرجمة للرّسالة :1 . ترجمة العلويّ للطبّ الرّضويّ للسّيّد فضل بن عليّ الرّاونديّ كتب عليها شرحا . (9)
.
ص: 185
2 . ترجمة الذّهبيّة للمولى فيض اللّه عصارة التّستريّ ، الماهر بالطّبّ و النّجوم في عصر فتح عليّ خان ، في حوالي سنة ( 1078 ) ، مخطوط موجود بمكتبة مشكاة في جامعة طهران . 3 . ترجمة الذّهبيّة للمولى محمّد باقر المجلسي المتوفّى ( 1110 ) ، مخطوط موجود في خزانة كتب المغفور له آية اللّه الصّدر في الكاظميّة . 4 . عافية البريّة في شرح الذّهبيّة للميرزا محمّد هادي ابن ميرزا محمّد صالح الشّيرازيّ ، ألّفه في عصر السّلطان حسين الصّفوي ، مخطوط موجود في خزانة كتب السّيّد العالم السّيّد حسين الهمدانيّ في النّجف الأشرف . 5 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للمولى محمّد شريف الخاتون آبادي ، ألّفه حوالي سنة ( 1120 ) . 6 . ترجمة الذّهبيّة للسّيّد شمس الدّين محمّد بن محمّد بديع الرّضويّ المشهديّ ، فرغ من تأليفه سنة ( 1105 ) مخطوط موجود بمكتبة الشّيخ علي أكبر النّهاونديّ بخراسان . 7 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للسّيّد عبد اللّه بن محمّد رضا الشّبّر الحسينيّ المتوفّى سنة ( 1342 ) ، ذكر الشّيخ النّوري أنّه قد رأى نسخته . 8 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للحاجّ المولى محمّد بن الحاجّ محمّد حسن المشهديّ والمدرّس بها المتوفّى سنة ( 1257 ) . 9 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للمولى نوروز عليّ البسطاميّ ، ألّفها بعد الشّرح السّابق. 10 . المحموديّة للحاجّ ميرزا كاظم الموسوي الزّنجاني و المتوفّى بها سنة ( 1292 ) محفوظ موجود عند أحفاده . 11 . شرح طبّ الرّضا عليه السلام للمولى محمّد بن يحيى ، مخطوط موجود بخزانة المولى
.
ص: 186
محمّد عليّ الخونساريّ بالنّجف الأشرف . 12 . شرح السّيّد نصر اللّه الموسويّ الأرموي ، المسمّى بالطّبّ الرّضوي . 13 . الذّهبيّة في أسرار العلوم الطّبيّة للمولوي مقبول أحمد ، شرحها بالأردويّة و طبع بحيدر آباد . 14 . الشّرح الأخير للدكتور السيّد عبد الصّاحب زيني خرّيج الكليّة الطّبيّة العراقيّة . 15 . شَرَحَ العلّامة المجلسي الكتاب في البحار كما يأتي . 16 . ابن محمّد هاشم الطّبيب ، له شرح على الذّهبيّة ألّفه باسم الشّاه سليمان الصّفوي بالفارسيّة . 17 . السّيّد محمود الدّهسرخي ، له مفاتيح الصّحة جمع فيه طبّ النّبيّ صلى الله عليه و آله و طبّ الأئمّة و الرّسالة الذّهبيّة ، مع شرح يسير بالفارسيّة ، طبع سنة 1379 ش . 18 . السّيّد ميرزا عليّ إمام جمعة التّفرشيّ ، له شرح الرّسالة الذّهبيّة بالفارسيّة . 19 . السّيّد حسين بن نصر اللّه بن صادق الأرموي الموسويّ عرب باغي ، له ترجمة الموسوي للطّبّ في الطّبّ الرّضوى¨ . 20 . المرحوم الاُستاذ أبو القاسم سحاب ، له شرح على الرّسالة بالفارسيّة باسم بهداشت رضوي . (1) و اعلم أنّ نسخ الرّسالة مختلفة شديدة الاختلاف ، و نحن نورد هنا بتلفيق ما أورده العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار ، والرّسالة الذّهبيّة بتحقيق محمّد مهدي نجف ، و نعمل ما كان الممكن من نقل الاختلاف بين النّسخة المعتمدة عند المجلسي و نسخة الرّسالة الذّهبيّة تحقيق محمّد مهدي نجف . وأمّا ما بعد الّتي نجد الاختلاف
.
ص: 187
كثيرا لا يمكن الإشارة إليه ، ننقل عن الرّسالة الذّهبية والنّسخة المعتمدة عند المجلسي كلّ على حدة من دون نقل اختلاف النّسخ . قال العلّامة المجلسي رحمه الله : أقول : وجدت بخطّ الشّيخ الأجلّ الأفضل العلّامة الكامل في فنون العلوم و الأدب ، مروّج الملّة [ و الدين ] و المَذهب نور الدّين عليّ بن عبد العالي الكركيّ _ جزاه اللّه سبحانه عن الإيمان و أهله الجزاء السّني _ ما هذا لفظه : الرّسالة الذّهبيّة في الطّبّ ، الّتي بعث بها الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام إلى المأمون العبّاسي في حفظ صحّة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة والأدوية . قال إمام الأنام ، غرّة وجه الإسلام ، مظهر الغموض بالروية اللّامعة ، كاشف الرّموز في الجفر و الجامعة ، أقضى من قضى بعد جدّه المصطفى ، و أغزى من غزى بعد أبيه عليّ المرتضى ، إمام الجنّ و الإنس أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليه و على آبائه النّجباء [النقباء] الكرام الأتقياء : اعلم يا أمير المؤمنين . _ إلى آخر ما سيأتي من الرّسالة _ . و وجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السّندين : قال موسى بن عليّ بن جابر السّلامي : أخبرني الشّيخ الأجلّ العالم الأوحد سديد الدّين يحيى بن محمّد بن علبان الخازن _ أدام اللّه توفيقه _ ، قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن جمهور . (1) في الرّسالة الذّهبيّة : أخبرنا أبو محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ رضى الله عنه (2) ، قال :
.
ص: 188
حدّثنا محمّد بن همّام بن سهيل 1 رحمة اللّه عليه ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور (1) ، قال : حدّثني أبي ، وكان عالما بأبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليهما خاصّا به ملازما لخدمته ، و كان معه حين حُمل من المدينة إلى المأمون إلى خراسان ، و استشهد عليه السلام بطوس و هو ابن تسع و أربعين سنة . قال : كان المأمون بنيسابور و في مجلسه سيّدي أبو الحسن الرّضا عليه السلام و جماعة
.
ص: 189
من الفلاسفة و المتطبّبين ، مثل يوحنّا بن ماسويه (1) و جبرائيل بن بختيشوع (2) و صالح بن بهلمة الهنديّ (3) و غيرهم من منتحلي العلوم و ذوي البحث و النّظر . فجرى ذكر الطّبّ و ما فيه صلاح الأجسام و قوامها ، فأغرق المأمون و من كان بحضرته في الكلام و تغلغلوا في علم ذلك و كيف ركّب اللّه تعالى هذا الجسد و جمع فيه هذه الأشياء المتضادّة من الطّبائع الأربع ، و مضارّ الأغذية و منافعها و ما يلحق الأجسام من مضارّها من العلل . قال : و أبو الحسن عليه السلام ساكت لا يتكلّم في شيءٍ من ذلك ، فقال له المأمون : ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الّذي نحن فيه منذ اليوم ؟ فقد كبر عليَّ ، و هو الّذي لا بدّ منه ، و معرفة هذه الأغذية النّافع منها و الضّارّ و تدبير الجسد . فقال له أبو الحسن عليه السلام : عندي من ذلك ماجرّبته وعرفت صحّته بالاختبار ومرور الأيّام ، مع ما وقّفني عليه من مضى من السّلف ممّا لا يسع الإنسان جهله ولا يعذر في تركه ، و أنا أجمع ذلك لأمير المؤمنين (4) مع ما يقاربه ممّا يحتاج إلى معرفته .
.
ص: 190
قال : و عاجل المأمون الخروج إلى بلخ (1) و تخلّف عنه أبو الحسن عليه السلام ، فكتب المأمون إليه كتابا يتنجّز ما كان ذكره له ممّا يحتاج إلى معرفته على ما سمعه و جرّبه من الأطعمة و الأشربة و أخذ الأدوية و الفصد و الحجامة (2) و السّواك و الحمّام و النّورة و التّدبير في ذلك . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام كتابا هذه نسخته :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم اعتَصَمتُ بِاللّهِ . أَمَّا بَعدُ : فَإِنَّه وَصَلَ كِتابُ أَميرِ المُؤمِنينَ فيما أَمَرني بِهِ مِن تَوقيفِهِ عَلى ما يَحتاجُ إِليهِ ، مِمَّا جَرَّبتُهُ وَ سَمِعتُهُ في الأَطعِمَةِ ، وَ الأَشرِبَةِ ، وَ أَخذِ الأَدويَةِ ، وَ الفَصدِ ، وَ الحِجامَةِ ، وَ الحَمَّامِ ، وَ النُّورَةِ ، وَ الباهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يُدَبِّرُ استِقامَةَ أَمرِ الجَسَدِ بِهِ . وَ قَد فَسَّرتُ ( لِأَميرِ المُؤمِنينَ ) (3) ما يَحتاجُ إِليهِ ، وَ شَرَحتُ لَهُ ما يَعمَلُ عَلَيهِ مِن تَدبيرِ مَطعَمِهِ ، وَ مَشرَبِهِ ، وَ أَخذِهِ الدَّواءِ ، وَ فَصدِهِ ، وَ حِجامَتِهِ ، وَ باهِهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يَحتاجُ إِليهِ في سياسَةِ جِسمِهِ ، وَ بِاللّهِ التَّوفيقُ .
[إنّ اللّه لم يُنزل داءً إلّا أنزل له دواءً]اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ (4) : إِنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَبتَلِ البَدنَ بِداءٍ حَتّى جَعَلَ لَهُ دَواءً يُعالَجُ بِهِ ، وَ لِكُلِّ صِنفٍ مِنَ الدَّاءِ صِنفٌ مِنَ الدَّواءِ وَ تَدبيرٌ وَ نَعتٌ .
[ وظائف الأعضاء و مثالها مثال المُلك ]و ذلِكَ أَنَّ هذِهِ الأَجسامِ أُسِّسَت عَلى مِثالِ المُلكِ 5 . فَمَلِكُ الجَسَدِ هوَ
.
ص: 191
ما في (1) القَلبِ ، وَ العُمَّالُ العُروقُ في الأَوصالِ (2) وَ الدِّماغِ ، وَ بَيتُ المَلِكِ قَلبُهُ ، وَ أَرضُهُ الجَسَدُ، وَالأَعوانُ يَداهُ وَرِجلاهُ وَعَيناهُ وَشَفَتاهُ وَلِسانَهُ وَأُذُناهُ، وَخَزائِنُهُ مَعِدَتُهُ (3) وَبَطنُهُ وَحِجابُهُ وَ صَدرُهُ (4) . فَاليَدانِ عَونانِ يُقَرِّبانِ وَ يُبَعِّدانِ ، وَ يَعمَلانِ عَلى ما يُوحي إِلَيها المَلِكُ ، وَالرِّجلانِ يَنقُلانِ المَلِكَ حَيثُ يَشاءُ ، وَ العَينانِ يَدُلَانِهِ عَلى ما يَغيبُ عَنهُ ؛ لِأَنَّ المَلِكَ وَراءَ حِجابٍ (5)
.
ص: 192
لا يُوصَلُ إِليهِ إِلَا بِإِذنٍ ، وَ هُما سُراجاهُ أَيضا . وَ حِصنُ الجَسَدِ وَ حِرزَهُ الأُذُنانِ ، لا يُدخِلانِ عَلى المَلِكِ إِلَا ما يُوافِقُهُ ؛ لِأَنَّهُما لا يَقدِرانِ أَن يُدخِلا شَيئا حَتَّى يُوحي المَلِكُ إِلَيهِما (1) ، أَطرَقَ المَلِكُ مُنصِتا لَهُما حَتَّى يَعي مِنهُما ، ثُمَّ يُجيبُ بِما يُريدُ ، نادّا منه ريحَ الفُؤادِ وَ بُخارَ المَعِدَةِ ، وَ مَعونَةُ الشَّفَتَينِ . وَ لَيسَ لِلشَّفَتَينِ قُوَّةٌ إِلَا بِإِنشاءِ اللِّسانِ ، وَ لَيسَ يَستَغني بَعضُها عَن بَعضٍ ، وَ الكلام لا يُحسَنُ إِلَا بِتَرجيعِهِ فِي الأَنفِ ؛ لِأَنَّ الأَنفَ يُزيِّنُ الكَلامَ كَما يُزيِّنُ النَّافِخُ المِزمارَ 2 ، وَ كَذلِكَ
.
ص: 193
المَنخَرانِ هُما ثَقبا الأَنفِ ، وَ الأَنفُ يُدخِلُ عَلى المَلِكِ مِمَّا يُحِبُّ مِنَ الرَّوائِحِ الطَّيِّبَةِ ، فَإِذا جاءَ ريحٌ يَسوء أَوحى المَلِكُ إِلى اليَدَينِ فَحَجَبَت بَينَ المَلِكِ وَ بَينَ تِلكَ الرَّوائِحِ . وَ لِلمَلِكِ مَعَ هذا ثَوابٌ وَ عَذابٌ ، فَعَذابُهُ أَشَدُّ مِن عَذابِ المُلوكِ الظَّاهِرَةِ القاهِرَةِ في الدُّنيا ، وَ ثَوابُهُ أَفضَلُ مِن ثَوابِها (1) ! فَأَمَّا عَذابُهُ فَالحُزنِ ، وَ أَمّا ثَوابُهُ فَالفَرَحِ ، وَ أَصلُ الحُزنِ في الطِّحالِ ، وَ أَصلُ الفَرَحِ في الثَّربِ (2) وَ الكُليَتَينِ ، وَ فيهِما (3) عِرقانِ موصِلانِ إِلى الوَجهِ ، فَمِن هُناكَ يَظهَرُ الفَرَحُ وَ الحُزنُ ، فَتَرى تَباشيرِهِما (4) في الوَجهِ . وَ هذِهِ العُروقِ كُلُّها طُرُقٌ مِنَ العُمَّالِ إِلى المَلِكِ وَ مِنَ المَلِكِ إِلى العُمَّالِ ، وَ تَصديقُ (5) ذلِكَ أَنَّه (6) إِذا تَناوَلتَ الدَّواءَ أَدَّتهُ العُروقُ إِلى مَوضِعِ الدَّاءِ بِإِعانَتِها (7) .
[عمارة الجسم مثل عمارة الأرض ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ (8) : إنَّ الجَسَدَ بِمَنزِلَةِ الأَرضِ الطَّيِّبَةِ ، مَتى تُعوهِدَت بِالعِمارَةِ وَ السَّقي مِن حَيثُ لا تَزدادُ مِنَ (9) الماءِ فَتَغرِق ، وَ لا تُنقَصُ مِنهُ فَتَعطَشَ ، دامَت عِمارَتُها ، وَ كَثُرَ رَيعُها ، وَ زَكا زَرعُها . وَ إِن تَغافَلتَ عَنها فَسَدَت ، و نَبَتَ (10) فيها العُشبُ (11) ، وَ الجَسَدُ بِهذِهِ المَنزِلَةِ .
.
ص: 194
[الاعتدال في الأكل و الشّرب]وَ التَّدبيرُ في الأَغذيَةِ وَ الأَشرِبَةِ يَصلُحُ وَ يَصِحُّ ، وَ تَزكو العَافيَةُ فيهِ . وَ انظُر يا أَميرَ المُؤمِنينَ ما يُوافِقُكَ ، وَ ما يُوافِقُ مَعِدَتِكَ ، وَ يُقَوِّي عَليهِ بَدَنُكَ ، وَ يستَمرِئُهُ مِنَ الطَّعامِ وَ الشَّرابِ (1) فَقَدِّرهُ لِنَفسِكَ وَ اجعَلهُ غِذاءَكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِن هذِهِ الطَّبائِعِ (2) تَحُبُّ ما يُشاكِلُها (3) ، فَاتَّخِذ (4) ما يُشاكِلُ جَسَدَكَ ، وَ مَن أَخَذَ الطَّعامَ زيادَةَ الإبانِ لَم يُفدهُ (5) ، وَ مَن أَخَذَ بِقَدَرٍ لا زيادَةَ عَلَيهِ وَ لا نَقصَ في غِدَّاهُ وَ نَفَعَهُ . وَ كَذلِكَ الماءُ فَسَبيلُكَ (6) أَن تأخُذَ مِنَ الطَّعامِ مِن كُلِّ صِنفٍ مِنهُ في إبانِهِ (7) ، وَ ارفَع يَدَيكَ مِنَ الطَّعامِ وَ بِكَ إِلَيهِ بَعضُ القَرَمِ (8) ؛ فَإنَّهُ أَصَحُّ (9) لِبَدَنِكَ ، وَ أَذكى لِعَقلِكَ (10) وَ أَخَفُّ عَلى نَفسِكَ إِن شاءَ اللّهُ (11) .
.
ص: 195
[تدبير الصّحة في الفصول الأربعة ]ثُمَّ كُل يا أَميرَ المُؤمِنينَ البارِدَ في الصَّيفِ (1) ، وَ الحارَّ في الشِّتاءِ ، وَ المُعتَدِلَ في الفَصلَينِ عَلى قَدَرِ قُوَّتِكَ وَ شَهوَتِكَ . وَ ابدأ في أَوّلِ (2) طَعامِكَ بِأَخَفِّ الأَغذيَةِ الَّتي تُغَذِّيَ بِها بَدَنَكَ بِقَدَرِ عادَتِكَ وَ بِحَسَبِ وَطَنِكَ (3) وَ نَشاطِكَ ، وَ زمانِكَ 4 ، وَ الّذي يَجبُ أَن يَكونَ أَكلُكَ في كُلِّ يَومٍ عِندَما يَمضي مِنَ النَّهارِ ثَمانِ ساعاتٍ أَكلَةً واحِدَةً ، أَو ثَلاثَ أَكَلاتٍ في يَومَينِ ، تَتَغَذَّى باكِرا في أَوَّلِ يَومٍ ، ثُمَّ تَتَعَشَّى ، فَإِذا كانَ في اليَومِ الثَّاني ، عِندَ مُضيِّ ثَمانِ ساعاتٍ مِنَ النَّهارِ ، أَكَلَتَ أَكلَةً 7واحِدَةً وَ لَم تَحتَج إِلى العِشاءِ .
.
ص: 196
[ وَ كَذا أَمَرَ جَدِّي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله عَليّا عليه السلام في كُلِّ يَومٍ وَجبَةً ، (1) وَ في غَدِهِ وَجبتين] (2) . وَ ليَكُن ذلِكَ بِقَدَرٍ لا يَزيدُ وَ لا يَنقُصُ . وَ تَكُفُّ عَنِ الطَّعامِ وَ أَنتَ مُشتَهيٍ لَهُ (3) ، وَ ليَكُن شَرابُكَ عَلى أَثَرِ طَعامِكَ مِن هذا الشَّرابِ الصَّافي المُعَتَّقِ (4) مِمَّا يَحُلُّ شُربُهُ ، [ وَ الّذي أَنا واصِفُهُ فيما بَعد ] (5) . وَ نَذكُرُ الآنَ ما يَنبَغي ذِكرُهُ مِن تَدبيرِ فُصولِ السَّنَةِ وَ شُهورِها الرُّوميَّةِ الواقِعَةِ فيها مِن كُلِّ فَصلٍ عَلى حِدَةٍ ، وَ ما يُستَعمَلُ مِنَ الأَطعِمَةِ وَ الأَشرِبَةِ وَ ما يُجتَنَبُ مِنهُ ، وَ كَيفيَّةِ حِفظِ الصِّحَّةِ مِن أَقاويلِ القُدَماءِ ، وَ نَعودُ إِلى قَولِ الأَئِمَّةِ عليهم السلام في صِفَة شَرابٍ يَحِلُّ شُربُهُ وَ يُستَعمَلُ بَعدَ الطَّعامِ . أَمَّا فَصلُ الرَّبيعِ : فَإِنَّه روحُ الأَزمانِ (6) ، وَ أَوَّلُهُ « آذار » وَ عَدَدُ (7) أَيَّامِهِ ثَلاثَونَ يَوما ، وَ فيهِ يَطيبُ اللَّيلُ وَ النَّهارُ (8) ، وَ تَلينُ الأَرضُ ، وَ يَذهَبُ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ يَهيجُ الدَّمُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ مِنَ الغِذاءِ اللَّطيفِ وَ اللُّحومِ وَ البَيضِ النِّيمبِرِشتِ 9 ، وَ يُشرَبُ الشَّرابُ بَعدَ تَعديلِهِ بِالماءِ ، وَ يُتَّقى فيهِ أَكلُ البَصَلِ وَ الثُّومِ وَ الحامِضِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ شُربُ المُسهِلِ ، وَ
.
ص: 197
يُستَعمَلُ فيهِ الفَصدُ وَ الحِجامَةُ . (1)
[التّدبير في أشهر السّنة ][ نيسان ]نَيسانُ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ يَطولُ النَّهارُ وَيَقوى مِزاجُ الفَصلِ ، وَ يَتَحَرَّكُ الدَّمُ ، وَ تَهُبُّ فيهِ الرِّياحُ الشَّرقيَّةُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ مِنَ المآكِلِ المَشويَّةِ ، وَ ما يُعمَلُ بِالخَلِّ ، وَ لُحومِ الصَّيدِ ، وَيُعالَجُ (2) الجِماعُ وَالتَمريخُ (3) بِالدُّهنِ في الحَمَّامِ ، وَ لا يُشرَبُ الماءُ (4) عَلى الرِّيقِ ، وَ يُشَمُّ الرَّياحينُ وَ الطِّيبُ .
[ أيار ]أَيارُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، وَ تَصفو فيهِ الرِّياحُ ، وَ هوَ آخِرُ فَصلِ الرَّبيعِ ، وَ قَد نُهيَ فيهِ عَن أَكلِ المُلوحاتِ وَ اللُّحومِ الغَليظَةِ كَالرُّؤوسِ وَ لَحمِ (5) البَقَرِ (6) وَ اللَّبَنِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ دُخولُ الحَمَّامِ أَوَّلَ النَّهارِ ، وَ يُكرَهُ فيهِ الرِّياضَةُ (7) قَبلَ الغِذَاءِ .
[ حزيران ]حَزيرانُ ثَلاثونَ يَوما ، يَذهَبُ فيهِ سُلطانُ البَلغَمِ وَ الدَّمِ ، وَ يُقبِلُ زَمانُ المِرَّةِ الصَّفراويَّةِ (8) ،
.
ص: 198
وَ نُهيَ فيهِ عَنِ التَّعَبِ (1) ، وَ أَكلِ اللَّحمِ داسِما (2) وَ الإِكثارِ مِنهُ ، وَ شمِّ المِسكِ وَ العَنبَرِ (3) ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ البُقولِ البارِدَةِ كالهِندَباءِ وَ بَقلَةِ الحَمقاءِ (4) ، وَأَكلُ الخُضَرِ كالخيارِ وَ القِثاءِ ، وَ الشِّيرَخِشتِ ، وَ الفاكِهَةِ الرَّطبَةِ ، وَ استِعمالُ المُحَمِّضاتِ ، وَ مِنَ اللُّحومِ لَحمُ المَعزِ الثَّنيِّ (5) وَ الجَذَعِ (6) ، وَ مِنَ الطُّيورِ الدَّجاجُ وَ الطَّيهوجُ (7) وَ الدُّرَّاجُ ، وَ الأَلبانُ ، وَ السَّمَكُ الطَّريُّ .
[ تموز ]تَمُّوزُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ شِدَّةُ الحَرارَةِ ، وَ تَغورُ المياهُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ شُربُ الماءِ البارِدِ عَلى الرِّيقِ ، وَ يُؤكَلُ فيهِ الأَشياءُ البارِدَةُ الرَّطبَةُ (8) ، وَ يُكسَرُ فيهِ مِزاجُ الشَّرابِ (9) ، وَ تُؤكَلُ فيهِ الأَغذيَةُ اللَّطيفَةُ السَّريعَةُ الهَضمِ ، كَما ذُكِرَ في حَزيرانَ ، وَيُستَعمَلُ فيهِ مِنَ النَّورِ وَ الرَّياحينِ البارِدَةِ الرَّطبَةِ الطَّيِّبَةِ الرَّائِحَةِ .
[ آب ]آبُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ تَشتَدُّ السُّمومُ ، وَ يَهيجُ الزُّكامُ بِاللَّيلِ ، وَ تَهُبُّ الشَّمالُ ، وَ يَصلُحُ
.
ص: 199
المِزاجُ بِالتَّبريدِ وَ التَّرطيبِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ شُربُ اللَّبَنِ الرَّائبِ (1) ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ الجِماعُ وَ المُسهِلُ ، وَ يُقَلُّ مِنَ الرِّياضَةِ ، وَ يُشَمُّ مِنَ الرَّياحينِ البارِدَةِ .
[ أيلول ]أَيلولُ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ يَطيبُ الهَواءُ ، وَ يَقوى سُلطانُ المِرَّةِ (2) السَّوداءِ ، وَ يَصلُحُ شُربُ المُسهِلِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ الحَلاواتِ ، وَ أَصنافِ اللُّحومِ المُعتَدِلَةِ ، كالجِداءِ وَ الحَوليِّ (3) مِنَ الضَّأنِ ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ لَحمُ البَقَرِ ، وَ الإِكثارُ مِنَ الشَّواءِ ، وَ دُخولُ الحَمَّامِ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ الطِّيبُ المُعتَدِلُ المِزاجِ ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ أَكلُ البِطِّيخِ وَ القِثَّاءِ .
[ تشرين الأوّل ]تِشرينُ الأَوَّلُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ تَهُبُّ الرِّياحُ المُختَلِفَةُ ، وَ يُتَنَفَّسُ فيهِ ريحُ الصِّبا ، وَ يُجتَنَبُ فيهِ الفَصدُ وَ شُربُ الدَّواءِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ الجِماعُ ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ اللَّحمِ السَّمينِ ، وَ الرُّمَّانِ المُزِّ (4) ، وَ الفاكِهَةِ بَعدَ الطَّعامِ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ أَكلُ اللُّحومِ بِالتَّوابِلِ (5) ، وَ يُقَلَّلُ فيهِ مِن شُربِ الماءِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ الرِّياضَةُ .
[ تشرين الآخر ]تِشرينُ الآخِرُ (6) ثَلاثونَ يَوما ، فيهِ يُقطَعُ المَطرُ الوَسميُّ (7) ، وَ يُنهى فيهِ عَن شُربِ الماءِ بِاللَّيلِ ، وَ يُقَلَّلُ فيهِ مِن دُخولِ الحَمَّامِ وَ الجِماعِ ، وَ يُشرَبُ بُكرَةَ كُلِّ يَومٍ جُرعَةُ ماءٍ حارٍّ ،
.
ص: 200
وَ يُجتَنَبُ أَكلُ البُقولِ (1) كَالكَرَفسِ وَ النَّعناعِ وَ الجِرجيرِ . (2)
[ كانون الأوّل ]كانونُ الأَوَّلُ أَحَدٌ وَ ثَلاثون يَوما ، تَقوى فيهِ العَواصِفُ ، وَ يشتَدُّ فيهِ البَردُ ، وَ يَنفَعُ فيهِ كُلُّ ما ذَكَرناهُ في تِشرينِ الآخِرِ ، وَ يُحذَرُ فيهِ مِن أَكلِ الطَّعامِ البارِدِ ، وَ يُتَّقَى فيهِ الحِجامَةُ وَ الفَصدُ ، وَ يُستَعمَلُ فيهِ الأَغذيةُ الحارَّةُ بِالقُوَّةِ وَ الفِعلِ .
[ كانون الآخر ]كانُونُ الآخِرُ أَحَدٌ وَ ثَلاثونَ يَوما ، يَقوى فيهِ غَلَبَةُ البَلغَمِ ، وَ يَنبَغي أَن يُتَجَرَّعَ فيهِ الماءُ الحارُّ عَلى الرِّيقِ (3) ، وَ يُحمَدُ فيهِ الجِماعُ ، وَ يَنفَعُ الأَحشاءَ (4) فيهِ مِثلُ البُقولِ الحارَّةِ كَالكَرَفسِ وَ الجِرجيرِ وَ الكُرَّاثِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ دُخولُ الحَمَّامِ أَوَّلَ النَّهارِ ، وَ التَّمريخُ بِدُهنِ الخيريِّ (5) وَ ما ناسَبَهُ ، وَ يُحذَرُ فيهِ الحُلوُ (6) ، وَ أَكلُ السَّمَكِ الطَّريِّ وَ اللَّبَنِ .
[ شباط ]شُباطُ ثَمانيَةٌ وَ عِشرونَ يَوما ، تَختَلِفُ فيهِ الرِّياحُ ، وَ تَكثُرُ الأَمطارُ ، وَ يَظهَرُ فيهِ العُشبَ ، وَ يَجري فيهِ الماءُ في العُودِ ، وَ يَنفَعُ فيهِ أَكلُ الثُّومِ وَ لحمُ الطَّيرِ وَ الصُّيودِ وَ الفاكِهَةِ اليابِسَةِ ، وَ يُقَلَّلُ مِن أَكلِ الحَلاوَةِ ، وَ يُحمَدُ فيهِ كَثرَةُ الجِماعِ ، وَ الحَرَكَةُ ، وَ الرِّياضَةُ .
.
ص: 201
[ إعداد الشّراب الّذي يحلّ شربه واستعماله بعد الطّعام ][صِفَةُ الشَّرابِ الّذي يَحِلُّ شُربُهُ وَ استِعمالُهُ بَعدَ الطَّعامِ . وَ قَد تَقَدَّمَ ذِكرُ نَفعِهِ في ابتِدائِنا بِالقَولِ عَلى فُصولِ السَّنَةِ وَ ما يُعتَمَدُ فيها مِن حِفظِ الصِّحَّةِ ] (1) . وَ صِفَتُهُ أَن يُؤخَذَ مِنَ الزِّبيبِ المُنَقَّى عَشَرَةُ أَرطالٍ ، فَيُغَسلَ وَ يُنقَّعَ في ماءٍ صافٍ ، في غَمرَةٍ (2) وَ زيادَةٍ عَلَيهِ أَربَعَ أَصابِعَ (3) ، وَ يُترَكَ في إِنائِهِ ذلِكَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ في الشِّتاءِ ، وَ في الصَّيفِ يَوما وَ لَيلَةً . ثُمَّ يُجعَلَ في قِدرٍ نَظيفَةٍ ، وَ ليَكُنِ الماءُ ماءَ السَّماءِ إِن قُدِرَ عَلَيهِ ، وَ إِلَا فَمِنَ الماءِ العَذبِ الصافي الّذي يَكونُ يَنبوعُهُ مِن ناحيةِ المَشرِقِ ، ماءً أَبيَضا بَرَّاقا خَفيفا ، وَ هوَ القابِلُ لِما يَعتَرِضُهُ عَلى سُرعَةٍ مِنَ السُّخونَةِ وَ البُرودَةِ ، وَ تِلكَ الدَّلالَةُ عَلى خِفَّةِ (4) الماءِ ، وَ يُطبَخُ حَتّى يَنتَفِخَ الزَّبيبُ ، ثُمَّ يُعصَرُ ، وَ يُصَفَّى ماؤُهُ ، وَ يُبَرَّدُ ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى القِدرِ ثانيا ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَهُ بِعودٍ ، وَ يُغلَى بِنارٍ لَيِّنَةٍ غَلَيانا رَقيقا حَتَّى يَمضي ثُلُثاهُ وَ يَبقى ثُلُثُهُ ، ثُمَّ يُؤخَذُ مِنَ العَسلِ المُصَفَّى رِطلٌ (5) ، فَيُلقى عَلَيهِ ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَ الماءِ وَ مِقدارَهُ مِنَ القِدرِ ، وَ يُغلَى حَتَّى يَذهَبَ قَدرُ العَسَلِ ، وَ يَعودَ إِلى حَدِّهِ ، وَ يُؤخَذُ [خِرقَةٌ ] (6) صَفيقَةُ (7) ، فَيجعَلُ فيها مِنَ الزَّنجَبيلِ وَزنَ دِرهَمٍ (8) ، وَ مِنَ القَرَنفُلِ (9) وَزنَ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الدَّارصينيِّ وَزنَ نِصفِ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الزَّعفَرانِ وَزنَ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ السُّنبُلِ وَزنَ نِصفِ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ العودِ النِّيِّ وَزنَ
.
ص: 202
نِصفِ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ المَصطَكيِّ (1) وَزنَ نِصفِ دِرهَمٍ ، بَعدَ أَن يُسحَقَ كُلَّ صِنفٍ مِن هذِهِ الأَصنافِ وَحدَهُ وَ يُنخَلَ ، وَ يُجعَلَ في الخِرقَةِ ، وَ يُشَدَّ بِخَيطٍ شَدَّا جَيِّدا ، وَ يَكونُ لِلخَيطِ طَرَفٌ طَويلٌ تُعَلَّقُ بِهِ الخِرقَةُ المَصرورَةُ في عودٍ مُعارِضٍ بِهِ عَلى القِدرِ ، وَ يَكونُ ألقى هذِهِ الصُّرَّةِ في القِدرِ في الوَقتِ الّذي يُلقى فيهِ العَسَلُ ، ثُمَّ تُمرَسُ الخِرقَةُ ساعَةً فَساعَة ؛ ليُنزِلَ ما فيها قَليلاً قَليلاً ، وَ يُغلى إِلى أَن يَعودَ إِلى حالِهِ ، وَ يَذهَبَ زيادَةُ العَسَلِ ، وَ ليَكُنِ النَّارُ لَيِّنَةٌ ، ثُمَّ يُصَفَّى وَ يُبَرَّدَ وُ يُترَكَ في إِنائِهِ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ مَختوما عَلَيهِ لا يُفتَح ، فَإِذا بَلَغَت المُدَّةُ فَاشرَبهُ ، وَ الشَّربَةُ مِنهُ قَدرُ أُوقيَّةٍ (2) بِأُوقيَّتَينِ ماءً . فَإِذا أَكَلتَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ كَما وَصَفتُ لَكَ مِن قَدَرِ الطَّعامِ ، فَاشرَب مِن هذا الشَّرابِ ثَلاثَةَ أَقداحٍ بَعدَ طَعامِكَ ، فَإِذا فَعَلتَ فَقَد أَمِنتَ بِإِذنِ اللّهِ يَومَكَ مِن وَجَعِ النِّقرِسِ (3) ، وَ الإِبرِدَةِ ، وَ الرِّياحِ المُؤذيَةِ . فَإِن اشتَهَيتَ الماءَ بَعدَ ذلِكَ ، فاشرَب مِنهُ نِصفَ ما كُنتَ تَشرَبُ ، فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، وَ أَكثَرُ لِجِماعِكَ ، وَ أَشَدُّ لِضَبطِكَ وَ حِفظِكَ .
[في الماء البارد بعد أكل السّمك]فَإِنَّ الماءَ البارِدَ بَعدَ أَكلِ السَّمَكِ الطَّريِّ يُورِثُ الفَالِجَ (4) .
[في أكل الأترج باللّيل]وَ أَكلُ الأُترُجِّ (5) بِاللَّيلِ يَقلِبُ العَينَ وَ يُورِثُ الحَوَلَ (6) .
.
ص: 203
[في إتيان المرأة الحائض]وَ إِتيانُ المَرأَةِ الحائِضِ يُوَلِّدُ الجُذامَ (1) في الوَلَدِ .
[في الجماع من غير إهراق]وَ الجِماعُ مِن غَيرِ إِهراقِ الماءِ عَلى أَثَرِهِ يُورِثُ الحَصاةَ (2) .
[في الجماع بعد الجماع]وَ الجِماعُ بَعدَ الجِماعِ مِن غَيرِ أَن يَكونَ بَينَهُما غُسلٌ يُورِثُ لِلوَلَدِ الجُنونَ إِن غَفَلَ عَنِ الغُسلِ .
[في كثرة أكل البيض وإدمانه]وَ كَثرَةُ أَكلِ البَيضِ وَ إِدمانُهُ يُورِثُ الطُّحالَ وَ رياحا في رَأسِ المَعِدَةِ ، وَ الاِمتِلاءُ مِنَ البَيضِ المَسلوقِ (3) يُورِثُ الرَّبوَ وَ الاِبتِهارَ 4 .
[في أكل اللّحم النّيء]وَ أكلُ اللَّحمِ النَّيءِ (4) يُورِثُ الدُّودَ في البَطنِ .
.
ص: 204
[في أكل التّين]وَ أَكلُ التِّينِ يَقمَلُ الجَسَدَ إِذا أُدمِنَ عَلَيهِ .
[في شرب الماء البارد عقيب الحارّ والحلاوة]وَ شُربُ الماءِ البارِدِ عَقيبَ الشَّيءِ الحارِّ وَ عَقيبَ الحَلاوَةِ يَذهَبُ بِالأَسنانِ .
[في الإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر]وَ الإِكثارُ مِن أَكلِ لُحومِ الوَحشِ و البَقَرِ يُورِثُ تَيبيسَ العَقلِ ، وَ تَحيُّرَ الفَهمِ ، وَ تَلَ_بُّدَ الذِّهنِ ، وَ كَثرَةَ النِّسيانِ .
[في دخول الحمّام وآدابه]وَ إِذا أَرَدتَ دُخولَ الحَمَّامِ وَ أَلّا تَجِدَ في رَأسِكَ ما يُؤذيكَ ، فَابدأ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ بِخَمسِ حَسَواتِ ماءٍ حارٍّ ، فَإِنَّكَ تَسلَمُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى مِن وَجَعِ الرَّأسِ وَ الشَّقيقَةِ (1) ، وَ قيلَ : خَمسَةَ أَكُفِّ ماءٍ حارٍّ تَصُبُّها عَلى رَأسكَ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ تَركيبَ الحَمَّامِ عَلى تَركيبِ الجَسَدِ ، لِلحَمَّامِ أَربَعَةُ أَبياتٍ مِثلُ أَربَعُ طَبائِعٍ : البَيتُ الأَوَّلُ : بارِدٌ يابِسٌ . وَ الثَّاني : بارِدٌ رَطبٌ . وَ الثَّالِثُ : حارٌّ رَطبٌ . وَ الرَّابِعُ : حارٌّ يابِسٌ . وَ مَنفَعَةُ الحَمَّامِ تُؤَدِّي إِلى الاعتِدالِ ، وَ يُنَقِّي الدَّرنَ ، وَ يُلَيِّنُ العَصَبَ وَ العُروقَ ، وَ يُقَوِّي الأَعضاءَ الكِبارَ ، وَ يُذيبُ الفُضولَ وَ العُفوناتَ . وَ إِذا أَرَدتَ أَلّا يَظهَرَ في بَدَنِكَ بَثرَةٌ وَ لا غَيرُها ، فابدأ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ بِدُهنِ بَدَنَكَ بِدُهنِ البَنَفسَجِ ، وَ إِذا أَرَدتَ أَلّا يَبثُرَ وَ لا يُصيبَكَ قُروحٌ ، وَ لا شُقاقٌ ، وَ لا سُوادٌ ، فاغسِل بِالماءِ البارِدِ قَبلَ أَن تُنَوِّرَ .
[في التّنوير ]وَ مَن أَرادَ دُخولَ الحَمَّامِ لِلنُّورَةِ ، فَليَتَجَنَّب الجِماعَ قَبلَ ذلِكَ بِاثنَتَي عَشرَةَ ساعَةً ،
.
ص: 205
وَ هوَ تَمامُ يَومٍ ، وَ ليَطرَح في النُّورَةِ شَيئا مِنَ الصَّبِرِ (1) ، وَ القاقيا 2 ، و الحُضُضِ (2) ، أَو يَجمَعُ ذلِكَ ، وَ يَأخُذُ مِنهُ اليَسيرَ إذا كان مُجتَمِعا أَو مُتَفَرِّقا ، وَ لا يُلقي في النُّورَةِ مِن ذلِكَ شَيئا حَتَّى تُماتَ النُّورَةُ بِالماءِ الحارِّ الّذي يُطبَخُ فيهِ البابونَجُ (3) ، وَ المَرزَنجُوشُ (4) ، أَو وَردُ البَنَفسَجِ (5) اليابِسِ ، وَإِن جُمِعَ ذلِكَ أُخِذَ مِنهُ اليَسيرُ مُجتَمِعا أَو مُتَفَرِّقا قَدرِ ما يَشرَبُ الماءُ رائِحَتَهُ ، وَ ليَكُنِ زِرنيخُ (6) النُّورَةِ مِثلَ ثُلُثها . وَ يُدلَّكُ الجَسَدُ بَعدَ الخُروجِ مِنها ما يَقطَعُ ريحَها ، كَوَرَقِ الخَوخِ (7) ، و ثَجيرهِ (8) العُصفُرِ (9) ، وَ الحِنَّاءِ ، وَ السَّعدِ (10) ، وَ الوَردِ (11) .
.
ص: 206
وَ مَن أَرادَ أَن يَأمَنَ النُّورَةَ وَ يَأمَنَ إِحراقَها ، فَليُقَلِّل مِن تَقليبِها ، وَ ليُبادِر إِذا عُمِلَت في غَسلِها ، وَ أَن يَمسَحُ البَدَنِ بِشَيءٍ مِن دُهنِ وَردٍ . فَإِن أَحرَقَت _ وَ العياذِ بِاللّهِ _ أُخِذَ عَدَسٌ مُقَشَّرٌ فَيُسحَقُ بِخَلٍّ وَ ماءِ وَردٍ ، وَ يُطَلَّى عَلى المَوضِعِ الّذي أَحرَقَتهُ النُّورَةُ ، فَإِنَّهُ يَبرأُ بِإذنِ اللّهِ . وَ الّذي يَمنَعُ مِن تَأثيرِ النُّورَةِ لِلبَدَنِ هوَ أَن يُدَلَّكَ عَقيبَ النُّورَةِ بِخَلِّ عِنَبٍ ، وَ دُهنِ وَردٍ دَلكا جَيِّدا .
[في حبس البول]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكيَ مَثانَتَهُ فَلا يَحبِسِ البَولَ وَ لَو عَلى ظَهرِ دابَّتِهِ .
[في شرب الماء على الطّعام]وَ مَن أَرادَ أَلّا تُؤذيَهُ مَعِدَتُهُ فَلا يَشرَب عَلى طَعامِهِ ماءً حَتَّى يَفرُغَ مِنهُ ، وَ مَن فَعَلَ ذلِكَ رَطِبَ بَدَنُهُ وَ ضَعُفَ (1) مَعِدَتُهُ ، وَ لَم تَأخُذِ العُروقَ قُوَّةَ الطَّعامِ ؛ لِأَنَّه يَصيرُ في المَعِدَةِ فِجَّا (2) إِذا صُبَّ الماءُ عَلى الطَّعامِ أَوَّلاً فَأَوَّلاً .
[في الأمن من الحصاة وعسر البول]وَ مَن أَرادَ أَن يَأمَنَ الحَصاةَ ، وَ عُسرَ البَولِ ، فَلا يَحبِسِ المَنيَّ عِندَ نُزولِ الشَّهوَةِ ، وَ لا يُطيلِ المَكثَ عَلى النِّساءِ .
.
ص: 207
[في الأمن من وجع السّفل والبواسير]وَ مَن أَرادَ أَن يَأمَنَ وَجَعَ السُّفِل (1) ، وَ لا يَضُرُّهُ شَيءٌ مِن أَرياحِ البَواسيرِ ، فَليَأكُل سَبَعَ تَمَراتٍ هيرونٍ (2) بِسَمنِ بَقَرٍ ، وَ يُدَهِّنُ أُنثَيَيهِ بِزِئبَقٍ خالِصٍ .
[في ازدياد الحافظة]وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في حِفظِهِ فَليأكُل سَبعَ مَثاقيلَ زَبيبا بِالغَداةِ عَلى الرِّيقِ . وَمَن أَرادَ أَن يَقِلَّ نِسيانِهِ ، وَ يَكونَ حافِظا ، فَليَأكُل في كُلِّ يَومٍ ثَلاثَ قِطَعِ زَنجَبيلٍ ، مُرَبَّىً بِالعَسَلِ ، وَ يَصطَنِعُ بِالخَردَلِ (3) مَعَ طَعامِهِ فِي كُلِّ يَومٍ .
[في ازدياد العقل]وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في عَقلِهِ فَلا يَخرُج كُلَّ يَومٍ حَتَّى يَلوكَ عَلى الرِّيقِ ثَلاثَ هَليلَجاتٍ (4) سودٍ مَعَ سُكَّرٍ طَبرزَدٍ .
[في تشقّق الأظفار]وَ مَن أَرادَ ألّا تَشَقَّقَ أَظفارُهُ وَ لا تَفسُدَ فَلا يُقَلِّمُ أَظفارَهُ إِلَا يَومَ الخَميسِ .
[في الأُذُن]وَ مَن أَرادَ ألّا يَشتَكيَ أُذنَهُ فَليَجعَل فيها عِندَ النَّومِ قُطنَةٌ .
[في دفع الزّكام]وَ مَن أَرادَ دَفعَ الزُّكامِ في الشِّتاءِ أَجمَع فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ لُقَمِ شَهدٍ (5) .
[في العسل]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ لِلعَسَلِ دَلائِلٌ يُعرَفُ بِها نَفعُهُ مِن ضَرَرِهِ ، وَ ذلِكَ أَنَّ مِنهُ ما إِذا
.
ص: 208
أَدرَكَهُ الشَّمُّ عَطِسَ ، وَمِنهُ ما يُسكِرُ وَلَهُ عِندَ الذَّوقِ حَرافَةٌ (1) شَديدَةٌ ، فَهذِهِ الأَنواعُ مِنَ العَسَلِ قاتِلَةٌ . (2)
[في الزّكام]وَ ليَشُمَّ النَّرجِسِ فَإِنَّهُ يأمَنُ الزُّكامَ ، وَ كَذلِكَ الحَبَّةُ السَّوداءُ (3) . وَ إِذا جاءَ الزُّكامُ في الصَّيفِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ خيارَةً واحِدَةً ، وَليَحذَرِ الجُلوسَ في الشَّمسِ .
[في الشّقيقة والشّوصة]وَ مَن خَشيَ الشَّقيقَةَ ، وَ الشَّوصَةَ (4) فَلا يَنَم حينَ يَأكُلُ السَّمكَ الطَّريَّ صَيفا كانَ أَم شِتاءً .
[في سلامة الجسم]وَ مَن أَرادَ أَن يَكونَ صالِحا خَفيفَ اللَّحمِ فَليُقَلِّل عَشاءَهُ بِاللَّيلِ .
[في الحجامة]وَ مَن أَرادَ ألّا يَشتَكيَ كَبِدَهُ عِندَ الحِجامَةِ فَليَأكُل في عَقيبِها هِندَباءَ بِخَلٍّ .
[في عدم الابتلاء بشكاية السُّرة]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكيَ سُرَّتَهُ فَليُدَهِّنُها إِذا دَهَّنَ رأَسَهُ .
.
ص: 209
[في عدم الابتلاء بانشقاق الشفتين ]وَ مَن أَرادَ أَلّا تَشَقَّق شَفَتاهُ وَ لا يَخرُجَ فيها ناسورٌ (1) ، فَليُدَهِّن حاجِبَيهِ .
[في عدم الابتلاء بإسقاط أُذن ولهاة]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَسقُطَ أُذُناهُ وَ لا لَهاتُهُ (2) ، فَلا يَأكُل حَلوا إِلَا تَغَرغَرَ بِخَلٍّ .
[في حفظ الأسنان]وَ مَن أَرادَ أَلّا يَفسُدَ أَسنانُهُ فَلا يأكُل حَلوا إِلَا أَكَلَ بَعدَهُ كِسرَةَ خُبزٍ .
[في عدم الابتلاء باليرقان والصّفار]وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ اليَرَقانُ (3) وَ الصُّفارُ (4) ، فَلا يَدخُلَنَّ بَيتا في الصَّيفِ أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ ، وَ لا يَخرُجَنَّ مِن بَيتٍ في الشِّتاءِ أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ بِالغِداةِ .
[في عدم الابتلاء بالريح]وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ ريحٌ فَليَأكُلِ الثُّومَ (5) في كُلِّ سَبعةِ أَيَّامٍ .
[في استمراء الطّعام]وَ مَن أَرادَ أَن يُمرِئَهُ الطَّعامُ فَليَتَّكِئ عَلى يَمينِهِ ، ثُمَّ يَنقَلِبُ بَعدَ ذلِكَ عَلى يَسارِهِ حينَ يَنامَ .
[في ذهاب البلغم]وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ بِالبَلغَمِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ جَوارِشنا (6) حِرِّيفا ، وَ يُكثِرُ دُخولَ الحَمَّامِ ،
.
ص: 210
وَ إِتيانَ النِّساءِ ، وَ القُعودَ في الشَّمسِ ، وَ يَتَجَنَّبُ كُلَّ بارِدٍ ؛ فَإِنَّهُ يُذيبُ البَلغَمَ وَ يُحرِقُهُ .
[في ذهاب لهب الصّفراء]وَ مَن أَرادَ أَن يُطفِئَ المِرَّةَ الصَّفراءَ فَليَأكُل كُلَّ بارِدٍ لَيِّنٍ ، وَ يُرَوِّحُ بَدَنَهُ ، وَ يُقلِلُ الانتِصابَ ، وَ يُكثِرُ النَّظرَ إِلى مَن يُحبُّ .
[في ذهاب السّوداء]وَ مَن أَرادَ أَلّا تَحرِقَهُ السَّوداءُ فَعَلَيهِ بِالقَيءِ ، وَ فَصدِ العُروقِ ، وَ الاِطِّلاءِ بِالنّورَةِ .
[في ذهاب الرّيح الباردة]وَ مَن أَرادَ أَن يُذهِبَ بِالرِّيحِ البارِدَةِ فَعَلَيهِ بِالحُقنَةِ ، وَ الإِدِّهانِ اللَّيِّنَةِ عَلى الجَسَدِ ، وَ عَلَيهِ بِالتَّكميدِ بِالماءِ الحارِّ في الأَبزَنِ (1) ، وَ يَتَجَنَّبُ كُلَّ بارِدٍ يابِسٍ ، وَ يَلزَمُ كُلَّ حارٍّ لَيِّنٍ .
[في ذهاب البلغم]وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ عَنهُ البَلغَمُ ، فَليَتَناوَل كُلَّ يَومٍ مِنَ الإِطريفِلِ (2) الأَصغَرِ مِثقالاً واحِدا .
[في المسافر]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ المُسافِرَ يَنبَغي لَهُ أَن يَحتَرِزَ في الحَرِّ أَن يُسافِرَ وَ هوَ مُمتَلِئٌ مِنَ الطَّعامِ ، أَو خاليَ الجَوفِ ، وَ ليَكُن عَلى حَدِّ الاِعتِدالِ ، وَ ليَتَناوَل مِنَ الأَغذيَةِ إِذا أَرادَ الحَرَكَةَ ، الأَغذيَةَ البارِدَةَ ، مِثلُ القريصِ (3) ، وَ الهُلامِ (4) ، وَ الخَلِّ ، وَ الزَّيتِ ، وَ ماءِ الحِصرِمِ (5) ، وَ نَحوِ
.
ص: 211
ذلِكَ مِنَ البَوادِرِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ السَّيرَ الشَّديدَ في الحَرِّ ضارٌّ لِلأَجسامِ المَهلوسَةِ (1) إِذا كانَت خاليَةٌ مِنَ الطَّعامِ ، وَ هوَ نافِعٌ لِلأَبدانِ الخِصبَةِ . أَمَّا إِصلاحُ المياهِ لِلمُسافِرِ ، وَ دَفعُ الأَذى عَنها ، هوَ أَلّا يَشرَبِ المُسافِرُ مِن كُلِّ مَنزِلٍ يَرِدهُ ، إِلَا بَعدَ أَن يَمزُجَهُ بِماءِ المَنزِلِ الأَوَّلِ الّذي قَبلَهُ ، أَو بِشَرابٍ واحِدٍ غَيرِ مُختَلِفٍ ، فَيَشوبُهُ بِالمياهِ عَلى اختِلافِهِا . 2 وَ الواجِبُ أَن يَتَزَوَّدَ المُسافِرُ مِن تُربَةِ بَلَدِهِ وَ طينِهِ ، فَكُلَّمَا دَخَلَ مَنزِلاً طَرَحَ في إنائِهِ الّذي
.
ص: 212
يَكونُ فيهِ الماءُ شَيئا مِنَ الطِّينِ ، وَ يُماتُّ فيهِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ إِلى مائِهِ المُعتادِ بِهِ بِمُخالَطَتهِ الطِّينَ .
[في أنواع المياه و خيرها شربا]وَ خيرُ المياهِ شُربا لِلمُقيمِ وَ المُسافِرِ ما كانَ يَنبوعُها مِنَ المَشرِقِ نَبعا أَبيَضا ، وَ أَفضَلُ المياهِ الَّتي تَجري مِن بَينِ مشرِقِ الشَّمسِ الصَّيفيِّ وَ مَغرِبِ الشَّمسِ الصَّيفيِّ ، و أَفضَلُها وَ أَصَحُّها إِذا كانت بِهذا الوَصفِ الّذي يَنبُعُ مِنهُ ، وَ كانَت تَجري في جِبالِ الطِّينِ ؛ لِأَنَّها تَكونُ حارَّةً في الشِّتاءِ بارِدَةً في الصَّيفِ ، مُلَيِّنَةً لِلبَطنِ ، نافِعَةً لِأَصحابِ الحَراراتِ . وَ أَمَّا المياهُ المالِحَةُ الثَّقيلَةُ ، فَإِنَّها تُيَبِّسُ البَطنَ ، وَ مياهُ الثُّلوجِ وَ الجَليدِ 1 رَديئَةٌ لِلأَجسامِ ، كَثيرَةُ الإِضرارِ بِها . وَ أَمَّا مياهُ الجُبِّ ، فَإِنَّها خَفيفَةٌ ، عَذبَةٌ ، صافيَةٌ ، نافِعَةٌ جِدَّا لِلأَجسامِ إِذا لَم يَطُل خَزنُها وَ حَبسُها في الأَرضِ .
.
ص: 213
وَ أَمَّا مياهُ البَطائِحِ (1) وَ السِّباخِ (2) ، فَحارَّةٌ غَليظَةٌ في الصَّيفِ ؛ لِرُكودِها وَ دَوامِ طُلوعِ الشَّمسِ عَلَيها ، وَ قَد تُوَلِّد لِمَن داوَمَ عَلى شُربِها المِرَّةُ الصَّفراءُ ، وَ تَعظُم أَطحِلَتُهُم . وَ قَد وَصَفتُ لَكَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ فيما بَعدُ مِن كِتابيَ هذا ما فيهِ كفايَةٌ لِمَن أَخَذَ بِهِ ، وَ أَنا ذاكِرٌ مِن أَمرِ الجِماعِ ما هوَ صَلاحُ الجَسَدِ وَ قَوامُهُ بِالطَّعامِ وَ الشَّرابِ ، وَ فَسادُهُ بِهِما ، فَإِن أَصلَحتَهُ بِهِما صَلَحَ ، وَ إِن أَفسَدتَهُ بِهِما فَسَدَ .
[في قوام الجسد و فساده ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ قُوى النَّفسِ تابِعَةٌ لِمزاجاتِ الأَبدانِ ، وَ مِزاجاتُ الأَبدانِ تابِعَةٌ لِتَصَرُّفِ الهَواءِ ، فَإِذا بَرَدَ مَرَّةً ، وَ سَخَنَ أُخرى ، تَغَيَّرَت بِسَبَبِهِ الأَبدانُ وَ الصُّوَرُ ، فَإِذا استَوى الهَواءُ ، وَ اعتَدَلَ ، صارَ الجِسمُ مُعتَدِلاً ؛ لِأَنَّ اللّهَ عز و جل بَنى الأَجسامَ عَلى أَربَعِ طَبائِعٍ : عَلى الدَّمِ (3) ، وَ البَلغَمِ ، (4) وَ الصَّفراءِ (5) ، وَ السَّوداءِ (6) . فَاثنانِ حارَّانِ ، وَ اثنانِ بارِدانِ ، وَ خُولِفَ بَينَهُما ، فَجُعِلَ حارٌّ يابِسٌ ، وَ حارٌّ لَيِّنٌ ، وَ بارِدٌ يابِسٌ ، وَ بارِدٌ لَيِّنٌ . ثُمَّ فُرِّقَ ذلِكَ عَلى أَربَعَةِ أَجزاءٍ مِنَ الجَسَدِ : عَلى الرَّأسِ ، وَ الصَّدرِ ، وَ الشَّراسيفِ (7) ، وَ أَسفَلِ البَطنِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الرَّأسَ ، وَ الأُذنَينِ ، وَ العَينَينِ ، وَ المَنخَرَينِ ، وَ الأَنفَ ، وَ الفَمَ مِنَ الدَّمِ (8) ، وَ أَنَّ الصَّدرَ مِنَ البَلغَمِ وَ الرِّيحِ ، وَ أَنَّ الشَّراسيفَ مِنَ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، وَ أَنَّ
.
ص: 214
أَسفَلَ البَطنِ مِنَ المِرَّةِ السَّوداءِ .
[في النّوم ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ النَّومَ سُلطانُهُ في الدَّماغِ (1) ، وَ هوَ قِوامُ الجَسَدِ وَ قُوَّتُهُ ، وَ إِذا أَرَدتَ النَّومَ فَليَكُن اضطِجاعُكَ أَوَّلاً عَلى شِقِّكَ الأَيمَنِ ، ثُمَّ انقَلِب عَلى شِقِّك الأَيسَرِ (2) ، وَكذلِكَ فَقُم مِن مَضطجَعِكَ عَلى شِقِّكَ الأَيمَنِ ، كَما بَدَأتَ بِهِ عِندَ نَومِكَ . وَ عَوِّد نَفسَكَ مِنَ القُعودِ بِاللَّيلِ مِثلُ ثُلثِ ما تَنامَ ، فَإِذا بَقيَ مِنَ اللَّيلِ ساعَتانِ فَادخُلِ الخَلاءِ لِحاجَةِ الإِنسانِ ، وَ البَث فيهِ بِقَدرِ ما تَقضيَ حاجَتَكَ ، وَلا تُطيل ، فَإِنَّ ذلِكَ يُورِثُ الدَّاءَ الدَّفينِ .
[في حفظ الأسنان ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ خَيرَ ما استَكتَ بِهِ الأَشياءُ المُقبِضةُ الَّتي تَكونُ لَها ماءٌ ، فَإِنَّهُ يَجلو الأَسنانَ ، وَ يطيبُ النَّكهَةَ ، وَ يَشُدُّ اللَّثَّةَ ، وَ يُسَمِّنُها ، وَ هوَ نافِعٌ مِنَ الحَفرِ (3) ، إِذا كانَ ذلِكَ بِاعتِدالٍ ، وَ الإِكثارُ مِنهُ يُرِقُّ الأَسنانَ وَ يُزَعزِعُها (4) ، وَ يُضَعِّفُ أُصولَها . فَمَن أَرادَ حِفظَ أَسنانِهِ فَليَأخُذ قَرنَ إِيَّلٍ مُحرَقٍ (5) ، وَ كَزمازَجَ (6) ، وَ سَعدَ ، وَوَردَ ، وَ سُنبُلَ الطِّيبِ ، أَجزاءً
.
ص: 215
بِالسَّويَّةِ ، وَ مِلحَ أَندَرانيّ (1) رُبُعَ جُزءٍ ، فَخُذ كُلَّ جُزءٍ مِنها ، فَتَدُقُّ وَحدَهُ وَ تَستَكَّ بِهِ ، فَإِنَّهُ مُمسِكٌ لِلأَسنانِ . وَ مَن أَرادَ أَن يُبَيِّضَ أَسنانَهُ فَليَأخُذ جُزءَ مِلحٍ أَندَرانيّ ، وَ جُزءا مِن زَبَدِ البَحرِ بِالسَّويَّةِ ، يُسحقانِ جَميعا وَ يَستَنَّ بِهِما (2) .
[ في أحوال الإنسان سنّا ]وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ أَحوالَ الإِنسانِ الَّتي بَناهُ اللّهُ تَعالى عَلَيها وَ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفا بِها ، أَربَعَةُ أَحوالٍ : الحالَةُ الأُولى : لِخَمسَ عَشرَةَ سَنَةَ ، وَ فيها شَبابُهُ ، وَ صَباهُ ، وَ حُسنُهُ ، وَ بَهاؤُهُ ، وَ سُلطانُ الدَّمِ في جِسمِهِ . وَ الحالَةُ الثَّانيَةُ : لِعِشرينَ سَنَةً ، مِن خَمسَ عَشَرَةَ إِلى خَمسَ وَ ثَلاثينَ سَنَةً ، وَ فيها سُلطانُ المِرَّةِ الصَّفراءِ وَ غِلبَتُها ، وَ هوَ أَقوَمُ ما يَكونُ وَ أَيقَظُهُ وأَلعَبُهُ ، فَلا يَزالُ كَذلِكَ حَتَّى يَستَوفيَ خَمسَ وَ ثَلاثينَ سَنَةً . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الثَّالِثَةِ : وَ هيَ مِن خَمسٍ وَ ثَلاثينَ سَنَةً إلى أَن يَستَوفيَ سِتَّينَ سَنَةً ، فَيَكونَ في سُلطانِ المِرَّةِ السَّوداءِ ، وَ يَكونَ أَحكَمَ ما يَكونُ ، وَ أَقوَلَهُ ، وَ أَدراهُ ، وَ أَكتَمَهُ لِلسِّرِّ ، وَ أَحسَنَهُ نَظَرا في الأُمورِ وَ فِكرا في عَواقِبِها ، وَ مُداراةٍ لَها ، وَ تَصَرُّفا فيها . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الرَّابِعَةِ : وَ هيَ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ هيَ الحالَةُ الَّتي لا يَتَحَوَّلُ مِنها ما بَقيَ ، وَ قَد دَخَلَ في الهَرِمِ حينَئِذٍ ، وَفاتَهُ الشَّبابُ وَ استَنكَرَ كُلَّ شَيءٍ كانَ يَعرِفُهُ مِن نَفسِهِ ، حَتَّى صارَ يَنامُ عِندَ القَومِ ، وَ يَسهَرُ عِندَ النَّومِ وَ يَذكُرُ ما تَقَدَّمَ وَ يَنسى ما تَحَدَّثَ بِهِ ، وَ يُكثِرُ مِن حَديثِ النَّفسِ ، وَ يذهَبُ ماءُ الجِسمِ وَ بَهاؤُهُ ، وَ يَقِلُّ نَباتُ أَظفارِهِ وَ شَعرِهِ ، وَ لا يَزالُ جِسمُهُ في إِدبارٍ وَ انعِكاسٍ ما عاشَ ؛ لِأَنَّهُ في سُلطانِ البَلغَمِ ، وَ هوَ بارِدٌ جامِدٌ ، فَلِجُمودِهِ وَ
.
ص: 216
[في الحجامة ]فَإذا أَرَدتَ الحِجامَةَ فَلا تَحتَجِمَ إِلَا لاثنَتي عَشَرَ تَخلوَ مِنَ الهِلالِ إِلى خَمسَةَ عَشَرَ مِنهُ (1) ؛ فَإِنَّه أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، فَإِذا نَقَصَ الشّهرُ فَلا تَحتَجِم ، إِلَا أَن تَكونَ مُضطَرَّا إِلى إِخراجِ الدَّمِ ، وَ ذلِكَ أَنَّ الدَّمَ يَنقُصُ في نُقصانِ الهِلالِ ، وَ يَزيدُ في زيادَتِهِ ، وَ لتَكُنِ الحِجامَةُ بِقَدَرِ ما مَضى مِنَ السِّنينَ ، ابنُ عِشرينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ عِشرينَ يَوما ، وَ ابنُ ثَلاثينَ سَنَةً في كُلِّ ثَلاثينَ يَوما ، وَ ابنُ أَربَعينَ فِي كُلِّ أَربَعينَ يَوما ، وَ ما زادَ فَبِحِسابِ ذلِكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحِجامَةَ إِنَّما يُؤخَذُ دَمُها مِن صِغارِ العُروقِ المَبثوثَةِ في اللَّحمِ ، وَ مِصداقُ ذلِكَ ، أَنَّها لا تُضَعِّفُ القُوَّةَ كَما يُوجَدُ مِنَ الضَّعفِ عِندَ الفَصادِ . وَ حِجامَةُ النُّقرَةِ (2) تَنفَعُ لِثِقلِ الرَّأسِ ، وَ حِجامَةُ الأَخدَعَينِ (3) تُخَفِّفُ عَنِ الرَّأسِ ، وَ الوَجهِ ، وَ العَينِ ، وَ هيَ نافِعَةٌ لِوَجَعِ الأَضراسِ ، وَ رُبَّما نابَ الفَصدُ عَن سائِرِ ذلِكَ . وَ قَد يَحتَجِمُ تَحتَ الذَّقَنِ لِعِلاجِ القُلاعِ 4 في الفَمِ ، وَ فَسادِ اللَّثَّةِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ الفَمِ ، وَ كَذلِكَ الَّتي توضَعُ بَينَ
.
ص: 217
الكَتِفَينِ ، تَنفَعُ مِنَ الخَفَقانِ الّذي يَكونُ مَعَ الامتِلاءِ وَ الحَرارَةِ . وَ الَّتي تُوضَعُ عَلى السَّاقَينِ ، قَد يَنقُصُ مِنَ الامتِلاءِ في الكُلى وَ المَثانَةِ وَ الأَرحامِ ، وَ يُدِرُّ الطَّمثَ (1) ، غَيرَ أَنَّها مُنهِكَةٌ لِلجَسَدِ ، وَ قَد تَعرَضُ مِنها العُشوَةُ (2) الشَّديدةُ ، إِلَا أَنَّها نافِعَةٌ لِذَوي البُثورِ (3) وَ الدَّماميلِ . وَ الّذي يُخَفِّفُ مِن أَلَمِ الحِجامَةِ تَخفيفُ المَصِّ عِندَ أَوَّلِ ما يَضَعُ المَحاجِمَ ، ثُمَّ يُدَرِّجُ المَصَّ قَليلاً قَليلاً ، وَ الثَّواني أَزيَدُ في المَصِّ مِنَ الأَوائِلِ ، وَ كذلِكَ الثَّوالِثُ فَصاعِدا . وَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الشَّرطِ حَتَّى يَحمَرَّ المَوضِعُ جَيِّدا بِتَكريرِ المَحاجِمِ عَلَيهِ ، وَ تُلَيَّنُ المِشرَطَةِ عَلى جُلودٍ لَيِّنَةٍ ، وَ يَمسَحُ المَوضِعَ قَبلَ شَرطِهِ بِالدُّهنِ ، وَ كَذلِكَ يَمسَحُ المَوضِعَ الّذي يُفصَدُ بِدُهنٍ ، فَإِنَّهُ يُقَلِّلُ الأَلَمَ ، وَ كذلِكَ يُلَيِّنُ المِشراطَ وَ المِبضَعَ بِالدُّهنِ ، وَ يَمسَحَ عَقَيبَ الحِجامَةِ ، وَ عِندَ الفَراغِ مِنها [ يُليِّنُ ] (4) المَوضِعَ بِالدُّهنِ . وَ ليُنَقَّطُ (5) عَلى العُروقِ إِذا فَصَدَت شَيئا مِنَ الدُّهنِ كَيلا تَلتَحِمَ فَيُضِرَّ ذلِكَ المَقصودَ ، وَ لَيَعمَدِ الفاصِدُ أَن يَفصِدَ مِنَ العُروقِ ما كانَ في المَواضِعِ القَليلَةِ اللَّحمِ ؛ لأَنَّ في قِلَّةِ اللَّحمِ مِن فَوقِ العُروقِ قِلَّةُ الأَلَمِ . وَ أَكثَرُ العُروقِ أَلَما إِذا كانَ الفَصدُ في حَبلِ الذِّراعِ وَ القِيفالِ (6) لِأَجلِ كَثرَةِ اللَّحمِ عَلَيها . فَأَمَّا الباسَليقُ وَ الأَكحَلُ (7) ، فَإِنَّهُما أَقَلُّ أَلَما في الفَصدِ
.
ص: 218
إِذا لَم يَكُن فَوقَهُما لَحمٌ ، وَ الواجِبُ تَكميدُ مَوضِعِ الفَصدِ (1) بِالماءِ الحارِّ ، لِيَظهَرَ الدَّمُ ، وَ خاصَّةً في الشِّتاءِ ، فَإِنَّهُ يُلَيِّنُ الجِلدَ ، وَ يُقَلِّلُ الأَلَمَ ، وَ يُسَهِّلُ الفَصدَ . وَ يَجِبُ في كُلِّ ما ذَكَرنا مِن إِخراجِ الدَّمِ ، اجتِنابُ النِّساءِ قَبلَ ذلِكَ باثنَتَي عَشرَةَ ساعَةً ، وَ يَحتَجِمُ في يَومٍ صاحٍ صافٍ ، لا غَيمَ فيهِ ، وَ لا ريحَ شَديدَةً . وَ ليَخرُج مِنَ الدَّمِ بِقَدرِ ما يُرى مِن تَغَيُّرِهِ ، وَ لا تَدخُل يَومُكَ ذاكَ الحَمَّامَ ؛ فَإِنَّه يُورِثُ الدَّاءَ ، وَ اصبُب عَلى رَأسِكَ وَ جَسَدِكَ الماءَ الحارَّ ، وَ لا تَغفَل ذلِكَ مِن ساعَتِكَ . وَ إيَّاكَ وَ الحَمَّامِ إِذا احتَجَمتَ ، فَإِنَّ الحُمَّى الدَّائِمَةَ تَكونُ مِنهُ ، فَإِذا اغتَسلتَ مِنَ الحِجامَةِ ، فَخُذ خِرقَة مَرغَزيِّ (2) ، فَأَلقِها عَلى مَحاجِمِكَ (3) ، أَو ثَوبا لَيِّنا مِن قَزٍّ (4) ، أَو غَيرِهِ ، وَ خُذ قَدرَ الحِمَّصَةِ من التِّرياقِ الأَكبَرِ (5) فَاشرَبهُ ، وَ كُلهُ مِن غَيرِ شِربٍ إِن كان شِتاءً ، وَ إِن كانَ صَيفا فاشرَب الإسكَنجَبينَ المَغليَّ ، فَإِنَّكَ إِذا فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد أَمِنتَ مِنَ اللّقوَةِ (6) ، وَ البَهَقِ (7) ، وَ البَرَصِ (8) ، وَ الجُذامِ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . وَ مُصَّ مِنَ الرُّمانِ الإِمليسيِّ (9) ، فَإِنَّه يُقَوِّي النَّفسَ ، وَ يُحيي الدَّمَ . وَ لا تَأكُلَنَّ طَعاما مالِحا ،
.
ص: 219
وَ لا مِلحا بَعدَهُ بِثُلثَي ساعَةٍ ، فَإِنَّه يَعرُضُ مِنهُ الجَرَبُ (1) . وَ إِن كانَ شِتاءً فَكُل الطَّياهيجِ (2) إِذا احتَجَمتَ ، وَ اشرَب عَلَيهِ مِن ذلِكَ الشَّرابِ الّذي وَصَفتُهُ لَكَ . وَ ادهُن مَوضِعَ الحِجامَةِ بِدُهنِ الخِيريِّ ، وَ ماءَ وَردٍ ، وَ شَيءٍ مِن مِسكٍ ، وَ صُبَّ مِنهُ عَلى هامَتِكَ ساعَةَ تَفرَغُ مِن حِجامَتِكَ . وَ أَمَّا في الصَّيفِ ، فَإِذا احتَجَمتَ فَكُلِ السِّكباجَ (3) ، وَ الهَلامَ ، وَ المَصوصَ (4) ، وَ الخاميرَ (5) ، وَ صُبَّ عَلى هامَتِكَ دُهنَ البَنَفسَجِ ، وَ ماءَ وَردٍ ، وَ شَيئا مِن كافورٍ (6) ، وَ اشرَب مِن ذلِكَ الشَّرابِ الّذي وَصَفتُهُ لَكَ بَعدَ طَعامِكَ . وَ إِيَّاكَ وَ كَثرَةَ الحَرَكَةِ ، وَ الغَضَبَ وَ مُجامَعَةَ النِّساءِ يَومَكَ ذاكَ .
[التّحذير من الجمع بين البيض و السّمك ]وَ ينبَغي أَن تَحذَرَ أَميرَ المُؤمِنينَ أَن تَجمَعَ في جَوفِكَ البَيضَ وَ السَّمَكَ في حالٍ واحِدَةٍ ، فَإِنَّهُما إِذا اجتَمَعا وَلَّدا القُولَنجَ (7) ، وَ رياحَ البَواسيرِ ، وَ وَجَعَ الأَضراسِ .
[التّحذير من الجمع بين التّين والنّبيذ ]وَ التِّينُ (8) ، وَ النَّبيذُ الّذي يَشرَبُهُ أَهلُهُ إِذا اجتَمَعا وَلَّدا النِّقرِسَ ، وَ البَرَصَ .
.
ص: 220
[التّحذير من مداومة أكل البيض ]وَ إِدامَةُ أَكلِ البَيضِ يُوَلِّدُ الكَلَفُ (1) في الوَجهِ .
[التّحذير من بعض المأكولات بعد الحجامة ]وَ أكلُ المُلوحَةِ ، وَ اللُّحمانِ المَملوحَةِ ، وَ أكلُ السَّمكِ المَملوحِ بَعدَ الحِجامَةِ وَ الفَصدِ لِلعروقِ يُوَلِّدا البَهَقَ وَ الجَرَبَ .
[التّحذير من أكل كُلى و أجواف الغنم ]وَ إِدمانُ أَكلِ كُلَى الغَنَمِ ، وَ أَجوافِها يَعكُسُ المَثانَةَ .
[التّحذير من دخول الحمّام على البطنة ]وَ دُخولُ الحَمَّامِ عَلى البِطنَةِ (2) يُوَلِّدُ القولَنجَ .
[في مجامعة النّساء ]وَ لا تَقرَبِ النِّساءِ في أَوَّلِ اللَّيلِ ، لا شِتاءً ، وَ لا صَيفا ؛ وَ ذلِكَ أَنَّ المَعِدَةَ وَ العُروقَ تَكونُ مُمتَلِئَةً ، وَ هوَ غَيرُ مَحمودٍ ، يُتَخَوَّفُ مِنهُ القولَنجُ ، وَ الفالِجُ ، وَ اللَّقوَةُ ، والنِّقرِسُ ، وَ الحَصاةُ ، وَ التَّقطيرُ (3) ، وَ الفَتقُ ، وَ ضُعفُ البَصَرِ وَ الدَّماغِ . فَإِذا أُريدَ ذلِكَ فَليَكُن في آخِرِ اللَّيلِ ؛ فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِلبَدَنِ ، وَ أَرجَى لِلوَلَدِ ، وَ أَذكى لِلعَقلِ فِي الوَلَدِ الّذي يُقضى بَينَهُما . وَ لا تُجامِع امرأَةً حَتَّى تُلاعِبَها ، وَ تَغمِزَ ثَديَيها ، فَإِنَّكَ إِن فَعَلتَ ، اجتَمَعَ ماؤُها وَ ماؤُكَ فَكانَ مِنها الحَملُ ، وَ اشتَهَت مِنكَ مِثلَ الّذي تَشتَهيهِ مِنها ، وَ ظَهَرَ ذلِكَ في عَينَيها . وَ لا تُجامِعها إِلَا وَ هي طاهِرَةٌ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ كانَ أَروَحَ لِبَدَنِكَ ، وَ أَصَحَّ لَكَ بِإِذنِ اللّهِ .
.
ص: 221
[ في ختام الرّسالة ]وَ لا تَقولُ طالَما ما فَعلتُ كَذا ، وَ أَكَلتُ كَذا فَلَم يُؤذِني ، وَ شَرِبتُ كَذا وَ لَم يَضُرَّني ، وَ فَعَلتُ كَذا وَ لَم أرَ مَكروها ، وَ إِنَّما هذا القَليلُ مِنَ النَّاسِ _ يا أَميرَ المُؤمِنينَ _ كالبَهيمَةِ لا يَعرِفُ ما يَضُرُّهُ ، وَ لا ما يَنفَعُهُ . وَ لَو أُصيبَ اللِّصُّ أَوَّلَ ما يَسرِقُ فَعوقِبَ لَم يَعُد ، لَكانَت عُقوبَتُهُ أَسهَلَ ، وَ لكِن يُرزَقُ الإِمهالِ وَ العافيَةِ ، فَيُعاوِدُ ثُمَّ يُعاوِدُ ، حَتَّى يُؤخَذُ عَلى أَعظَمِ السَّرِقاتِ ، فَيُقطَعُ ، وَ يُعَظَّمُ التَّنكيلُ بِهِ ، وَ ما أَودَتهُ عاقِبةُ طَمَعِهِ . وَ الأُمورُ كُلُّها بِيَدِ اللّهِ عز و جل أَن يَكونَ لَهُ وَلَدا ، وَ إِليهِ المَآبُ ، وَ نَرجو مِنهُ حُسنَ الثَّوابِ ، إِنَّهُ غَفورٌ تَوَّابٌ . عَلَيهِ تَوَكَّلنا وَ عَلَيهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . قال أبو محمّد الحسن القمّي : قال لي أبي : فلمّا وصلت هذه الرّسالة من أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا _ صلوات اللّه عليهما و على آبائهما و الطّيّبين من ذرّيتهما _ إلى المأمون ، قرأها و فرح بها ، وأمر أن تُكتب بالذّهب ، و أن تترجم بالرسالة الذّهبيّة . تمّت الرّسالة بحمد اللّه تعالى ، و كتب العبد الفقير إلى اللّه تعالى عبد الرّحمن المدعوّ أبي بكر بن عبد اللّه الكرخي الجنس ، عتيق السعيد المرحوم قاضي القضاة كان بالعراق الحسن بن قاسم بن أبي الحسين بن عليّ بن قاسم النيليّ (1) رحمهم اللّه تعالى . في يوم الاثنين قبل أذان المغرب [ في ] بلخ ، كان فراغها من النّسخ تاسع عشر ذي الحجّة سنة خمس عشرة و سبعمئة ( 715 ه ) تمّ . (2)
.
ص: 222
هذه تمام الرّسالة نقلاً عن كتاب الرّسالة الذّهبيّة . وللاختلاف الكثير بين نسخة بحار الأنوار و الرّسالة الذهبية تحقيق محمّد مهدي نجف ، نأتي بالباقي من الرّسالة ، من « الزِّبيب و يُنضج ، ثمّ يعصر . . . » إلى نهاية الرّسالة نقلاً عن نسخة بحار الأنوار من دون نقل اختلاف النّسخ لمزيد الفائدة إن شاء اللّه تعالى ، وهي : الزّبيبُ وَ يَنضَجَ ، ثُمَّ يُعصَرُ وَ يُصَفَّى ماؤُهُ وَيُبَرَّدُ ، ثُمَّ يُرَدُّ إِلى القِدرِ ثانيا ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَهُ بِعودٍ ، وَ يُغلى بِنارٍ لَيِّنَةٍ غَلَيانا لَيِّنا رَقيقا ، حتّى يَمضي ثُلُثاهُ وَ يَبقى ثُلثُهُ . ثُمَّ يُؤخَذُ مِن عَسَلِ النَّحلِ المُصَفَّى رِطلٌ ، فَيُلقى عَلَيهِ ، وَ يُؤخَذُ مِقدارَهُ وَ مِقدارَ الماءِ إِلى أَين كانَ مِنَ القِدرِ ، وَ يُغلى حَتَّى يَذهَبَ قَدرُ العَسَلِ وَ يَعودَ إِلى حَدِّهِ ، وَ يُؤخَذُ خِرقَةٌ صَفيقَةٌ فَيُجعَلُ فيها زَنجَبيلٌ وَزنَ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ القَرَنفُلِ نِصفُ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الدَّارچينيِّ نِصفُ دِرهَم ، وَ مِنَ الزَّعفرانِ دِرهَمٌ ، وَ مِن سُنبُلِ الطِّيبِ نِصفُ دِرهَمٍ ، وَ مِنَ الهِندَباءِ مِثلُهُ ، وَ مِن مَصطَكيّ نِصفُ دِرهَمٍ ، بَعدَ أَن يُسحَقَ الجَميعُ كُلَّ واحِدَةٍ عَلى حِدَةٍ ، وَ يُنخَلَ وَ يُجعَلَ في الخِرقَةِ ، وَ يُشَدَّ بِخَيطٍ شَدَّا جَيِّدا ، وَتُلقى فيهِ ، وَ تُمرَسَ الخِرقَةُ في الشَّراب بِحَيثُ تَنزِلُ قُوى العقاقيرِ الَّتي فيها ، وَلا يَزالُ يُعاهَدُ بِالتَّحريكِ عَلى نارٍ لَيِّنَةٍ بِرِفقٍ حَتَّى يَذهَبَ عَنهُ مِقدارُ العَسَلِ ، وَ يُرفَعَ القِدرُ وَ يُبَرَّدَ ، وَ يُؤخَذَ مُدَّةَ ثَلاثَةِ أَشهُرٍ حَتَّى يَتَداخَلَ مِزاجُهُ بَعضُهُ بِبَعضٍ ، وَ حِينَئِذٍ يُستَعمَلُ . وَ مِقدارُ ما يُشرَبُ مِنهُ أُوقيَّةٌ إِلى أُوقيَّتينِ مِنَ الماءِ القَراحِ . فَإِذا أَكَلتَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ مِقدارَ ما وَصَفتُ لَكَ مِنَ الطَّعامِ ، فَاشرَب مِن هذا الشَّرابِ مِقدارَ ثَلاثَةِ أَقداحٍ بَعدَ طَعامِكَ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ فَقَد أَمِنتَ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى يَومَكَ وَ لَيلَتِكَ مِنَ الأَوجاعِ البارِدَةِ المُزمِنَةِ ، كالنِّقرِسِ ، وَ الرِّياحِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ العَصَبِ ، وَ الدِّماغِ ، وَ المَعِدَةِ ، وَ بَعضِ أَوجاعِ الكَبِدِ ، وَ الطِّحالِ ، وَ المِعاءِ ، وَ الأَحشاءِ . فإن صَدَقَت بَعدَ ذلِكَ شَهوَةُ الماءِ ، فَليَشرَب مِنهُ مِقدارَ النِّصفِ مِمَّا كانَ يَشرَبُ قَبلَهُ ؛ فَإِنَّه أَصلَحُ لِبَدَنِ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَ أَكثَرُ لِجِماعِهِ ، وَ أَشَدُّ لِضَبطِهِ وَ حِفظِهِ ، فَإِنَّ صَلاحَ البَدَنِ
.
ص: 223
وَ قَوامَهُ يَكونُ بِالطَّعامِ وَ الشَّرابِ ، وَ فَسادَهُ يَكونُ بِهِما ، فَإِن أَصلَحتَهُما صَلَحَ البَدَنُ ، وَ إِن أَفسَدتَهُما فَسَدَ البَدَنُ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ قُوَّةَ النُّفوسِ تابِعَةٌ لاِمزِجَةِ الأَبدانِ ، وَ أَنَّ الأَمزِجَةَ تابِعَةٌ لِلهَواءِ ، وَ تَتَغَيَّرَ بِحَسَبِ تَغيُّرِ الهَواءِ في الأَمكِنَةِ ، فَإِذا بَرَدَ الهَواءُ مَرَّةً وَ سَخَنَ أُخرى ، تَغَيَّرَت بِسَبَبِهِ أَمزِجَةُ الأَبدانِ ، وَ أَثَّر ذلِكَ التَّغَيُّرِ فِي الصُّورِ ، فَإِذا كانَ الهَواءُ مُعتَدِلاً اعتَدَلَت أَمزِجَةُ الأَبدانِ ، وَ صَلَحَت تَصَرُّفاتِ الأَمزِجَةِ في الحَرَكاتِ الطَّبيعيَّةِ ، كالهَضمِ ، وَ الجِماعِ ، وَ النَّومِ ، وَ الحَرَكَةِ ، وَ سائِرَ الحَرَكاتِ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى بَنى الأَجسامَ عَلى أَربَعِ طَبائِعٍ ، وَ هي : المِرَّتانِ ، وَ الدَّمِ ، وَ البَلغَمِ . وَ بِالجُمَلَةِ : حارَّانِ وَ بارِدانِ ، قَد خُولِفَ بَينَهُما ، فَجَعَلَ الحارَّينِ لَيِّنا و يابِسا ، وَ كَذلِكَ البارِدَينِ رَطبا وَ يابِسا ، ثُمَّ فَرَّقَ ذلِكَ عَلى أَربَعَةِ أَجزاءٍ مِنَ الجَسَدِ ، وَ عَلى الرَّأسِ ، وَ الصَّدرِ ، وَ الشَّراسيفِ ، وَ أَسفَلِ البَطنِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الرَّأسَ وَ الأُذُنَينِ وَ العَينَينِ وَ المَنخَرينِ وَ الفَمَ و الأَنفَ مِنَ الدَّمِ ، وَ أَنَّ الصَّدرَ مِنَ البَلغَمِ وَ الرِّيحِ ، وَ الشَّراسيفَ مِنَ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، و أَنَّ أَسفَلَ البَطنِ مِنَ المِرَّةِ السَّوداءِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ النَّومَ سُلطانُ الدَّماغِ ، وَ هوَ قِوامُ الجَسَدِ وقوّته ، فَإِذا أَرَدتَ النَّومَ فَليَكُن اضطِجاعُكَ أَوّلاً عَلى شَقِّكَ الأَيمَنِ ، ثُمَّ انقَلِب عَلى الأَيسَرِ ، وَ كَذلِكَ فَقُم مِن مَضجَعِكَ عَلى شَقِّكَ الأَيمَنِ كَما بَدَأتَ بِهِ عِندَ نَومِكَ . وَ عَوِّد نَفسَكَ القُعودَ مِنَ اللَّيلِ ساعَتَينِ مِثلُ ما تَنامَ . فَإِذا بَقيَ مِنَ اللَّيلِ ساعَتانِ فَادخُل ، وَ ادخُلِ الخَلاءِ لِحاجَةِ الإِنسانِ ، وَ البَث فيهِ بِقَدرِ ما تَقضيَ حاجَتَكَ ، وَ لا تُطِل فيهِ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُورِثُ داءَ الفيلِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : إِنَّ أَجوَدَ ما استَكتَ بِهِ ليفُ الأَراكِ ، فَإِنَّهُ يَجلو الأَسنانَ ، وَ يُطيبُ النَّكهَةَ ، وَ يَشُدُّ اللَّثَّةَ وَ يُسَنِّنُها ، وَ هوَ نافِعٌ مِنَ الحَفرِ إِذا كانَ بِاعتِدالٍ ، وَ الإِكثارُ مِنهُ يَرِقُّ الأَسنانَ وَ يُزَعزِعُها ، وَ يُضَعِّفُ أُصولَها . فَمَن أَرادَ حِفظَ الأَسنانِ فَليَأخُذ قَرنَ الإِيلِ مُحرَقا ، وَ كَزمازَجا ، وَ سَعدا ، وَ وَردا ، وَ سُنبُلَ الطِّيبِ ، وَ حَبَّ الأَثلِ ، أَجزاءً سواءً ، وَ مِلحا أَندَرانيّا رُبُعَ جُزءٍ ، فَيُدَقُّ الجَميعَ ناعِما وَ يُستَنَّ بِهِ ، فَإِنَّهُ يُمسِكُ الأَسنانَ ، وَ يَحفَظُ
.
ص: 224
أُصولَها مِنَ الآفاتِ العارِضَةِ . وَ مَن أَرادَ أَن يُبَيِّضُ أَسنانَهُ فَليَأخُذ جُزءً مِن مِلحٍ أَندَرانيّ ، وَ مِثلُهُ زَبَدَ البَحرِ ، فَيَسحَقُهُما ناعِما وَيَستَنَّ بِهِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَحوالُ الإِنسانِ الَّتي بَناهُ اللّهُ تَعالى عَلَيها وَ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفا بِها ، فَإِنَّها أَربَعَةُ أَحوالٍ : الحالَةُ الأُولى : لِخَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، وَ فيها شَبابُهُ وَ حُسنُهُ وَبَهاؤُهُ ، وَ سُلطانُ الدَّمِ في جِسمِهِ . ثُمَّ الحالَةُ الثَّانيةُ : مِن خَمسَةٍ وَ عِشرينَ سَنَةً إِلى خَمسٍ وَ ثَلاثينَ سَنَةً ، وَ فيها سُلطانُ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، وَقُوَّةُ غَلَبَتِها عَلى الشَّخصِ ، وَ هيَ أَقوى ما يَكونُ . وَ لا يَزالُ كَذلِكَ حَتَّى يَستَوفيَ المُدَّةَ المَذكورَةَ ، وَ هيَ خَمسٌ وَ ثَلاثونَ سَنَةً . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الثَّالِثةِ : إلى أَن تَتَكامَلَ مُدَّةُ العُمرِ سِتِّينَ سَنَةً ، فَيَكونُ في سُلطانِ المِرَّةِ السَّوداءِ ، وَ هيَ سِنِّ الحِكمَةِ ، وَ المَوعِظَةِ ، وَ المَعرِفَةِ ، وَ الدِّرايَةِ ، وَ انتِظامِ الأُمورِ ، وَ صِحَّةِ النَّظَرِ في العَواقِبِ ، وَ صِدقِ الرَّأيِ ، وَ ثَباتِ الجأشِ (1) في التَّصرّفاتِ . ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الرَّابِعَةِ : وَ هيَ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ هيَ الحالَةُ الَّتي لا يَتَحَوَّلُ عَنها ما بَقيَ إِلَا إِلى الهَرِمِ ، وَ نَكِدِ عَيشٍ (2) ، وَ ذُبولٍ ، وَ نَقصٍ في القُوَّةِ ، وَ فَسادٍ في كَونِهِ ، وَ نِكتَتَهُ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ كانَ لا يَعرِفُهُ حَتَّى يَنامَ عِندَ القُوَّةِ ، وَ يَسهَرَ عِندَ النَّومِ ، وَ لا يَتَذكَّرَ ما تَقَدَّمَ ، وَ يَنسى ما يُحَدِّثُ في الأَوقاتِ ، وَ يَذبَلَ (3) عودُهُ ، وَ يَتَغَيَّرَ مَعهودُهُ ، وَ يَجُفَّ ماءُ رَونَقِهِ وَ بَهائِهِ ، وَ يَقُلَّ نَبتَ شَعرِهِ وَ أَظفارِهِ ، وَ لا يَزالُ جِسمُهُ في انعِكاسٍ وَ إِدبارٍ ما عاشَ ؛ لِأَنَّهُ في سُلطانِ المِرَّةِ البَلغَمِ . وَ هوَ بارِدٌ وَ جامِدٌ ، فَبِجُمودِهِ وَ بَردِهِ يَكونُ فَناءُ كُلَّ جِسمٍ يَستَولي عَلَيهِ في آخِرِ
.
ص: 225
القُوَّةِ البَلغَميَّةِ . وَ قَد ذَكَرتُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ جَميعَ ما يَحتاجُ إلَيهِ في سياسَةِ المِزاجِ ، وَ أَحوالَ جِسمِهِ ، وَ علاجَهُ . وَ أَنا أَذكُرُ ما يَحتاجُ إِلى تَناوِلِهِ مِنَ الأَغذيَةِ وَ الأَدويَةِ ، وَ ما يَجِبُ أَن يَفعَلَهُ في أوقاتِهِ : فَإِذا أَرَدتَ الحِجامَةَ فَليَكُن في اثنَي عَشرَةَ لَيلَةً مِن الهِلالِ إِلى خَمسَ عَشَرَةَ ، فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، فَإِذا انقَضى الشَّهرُ فَلا تَحتَجِم ، إِلَا أَن تَكون مُضطَرّا إِلى ذلِكَ ، وَ هوَ لِأَنَّ الدَّمَ يَنقُصُ في نُقصانِ الهِلالِ ، وَ يَزيدُ في زيادَتِهِ ، وَ لتَكُن الحِجامَةُ بِقَدرِ ما يَمضي مِنَ السِّنينَ ، ابنُ عِشرينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ عِشرينَ يَوما ، وَ ابنُ الثَّلاثينَ في كُلِّ ثَلاثين يَوما مَرَّةً واحِدَةً ، وَ كَذلِكَ مَن بَلَغَ مِنَ العُمرِ أَربَعينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ أَربعينَ يَوما مَرَّةً ، وَ ما زادَ فَبِحَسَب ذلِكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحِجامَةَ إِنَّما تَأخُذُ دَمُها مِن صِغارِ العُروقِ المَبثوثَةِ في اللَّحمِ ، وَ مِصداقُ ذلِكَ ما أَذكُرُهُ أَنَّها لا تُضَعِّفُ القُوّةَ كَما يوجَدُ مِنَ الضَّعفِ عِندَ الفَصدِ . وَ حِجامَةُ النُّقرَةِ تَنفَعُ مِن ثِقلِ الرَّأسِ ، وَ حِجامَةُ الأَخدَعَينِ تُخَفِّفُ عَنِ الرَّأسِ وَ الوَجهِ وَ العَينَينِ ، وَ هيَ نافِعَةٌ لِوَجعِ الأَضراسِ . وَ رُبَّما نابَ الفَصدُ عَن جَميعِ ذلِكَ . وَ قَد يُحتَجَمُ تَحتَ الذَّقَنِ لِعلاجِ القُلاعِ في الفَمِ ، وَمِن فَسادِ اللَّثَّةِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ الفَمِ . وَ كَذلِكَ الحِجامَةُ بَينَ الكَتِفَينِ تَنفَعُ مِنَ الخَفَقانِ الّذي يَكونُ مِنَ الاِمتِلاءِ وَ الحَرارَةِ ، وَ الّذي يُوضَعُ عَلى السَّاقَينِ قَد يَنقُصُ مِنَ الاِمتِلاءِ نَقصَا بَيِّنا ، وَ يَنفَعُ مِنَ الأَوجاعِ المُزمِنَةِ فِي الكُلى وَ المَثانَةِ وَ الأَرحامِ ، وَ يُدِرُّ الطَّمثَ ، غَيرَ أَنَّها تَنهَكُ الجَسَدَ ، وَ قَد يَعرِضُ مِنها الغَشيُ الشَّديدُ ، إِلّا أَنَّها تَنفَعُ ذَوي البُثورِ وَ الدَّماميلِ . وَ الّذي يُخَفِّفُ مِن أَلَمِ الحِجامَةِ تَخفيفُ المَصِّ عِندَ أَوَّلِ ما يَضَعُ المَحاجِمَ ، ثُمَّ يُدَرِّجُ المَصَّ قَليلاً قَليلاً ، وَ الثَّواني أَزيَدُ في المَصِّ مِنَ الأَوائِلِ ، وَ كَذلِكَ الثَّوالِثُ فَصاعِدا . وَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الشَّرطِ حَتَّى يَحمَرَّ المَوضِعُ جَيِّدا بِتَكريرِ المَحاجِمِ عَلَيهِ ، وَ يُلَيِّنُ المِشراطَ عَلى جُلودٍ لَيِّنَةٍ ، وَ يَمسَحُ المَوضِعَ قَبلَ شَرطِهِ بِالدُّهنِ . وَ كَذلِكَ الفَصدُ يَمسَحُ المَوضِعَ الّذي يَفصِدُ فيهِ بِالدُّهنِ ،
.
ص: 226
فَإِنَّهُ يُقلِّلُ الأَلَمَ ، وَ كَذلِكَ يُلَيِّنُ المِشرَطَ وَ المِبضَعَ بِالدُّهنِ عِندَ الحِجامَةِ ، وَ عِندَ الفَراغِ مِنها يُلَيِّنُ المَوضِعَ بِالدُّهنِ . وَ ليُقَطِّرُ عَلى العُروقِ إِذا فَصَدَ شَيئا مِنَ الدُّهنِ ، لِئَلَا يَحتَجِبَ فَيُضِرَّ ذلِكَ بِالمَفصودِ . وَ ليَعمَدِ الفاصِدُ أَن يَفصِدَ مِنَ العُروقِ ما كانَ في المَواضِعِ القَليلَةِ اللَّحمِ ؛ لِأَنَّ في قلَّةِ اللَّحمِ مِنَ العُروقِ قِلَّةُ الأَلَمِ . وَ أَكثَرُ العُروقِ أَلَما إِذا فُصِدَ حَبلُ الذِّراعِ وَالقِيفالِ ، لِاتَّصالِهِما بِالعَضَلِ وَ صَلابَةِ الجِلدِ ، فَأَمَّا الباسَليقُ وَ الأَكحَلُ فَإِنَّهما في الفَصدِ أَقَلُّ أَلَما إِذا لَم يَكُن فَوقَهُما لَحمٌ . وَ الواجِبُ تَكميدُ مَوضِعِ الفَصدِ بِالماءِ الحارِّ لِيَظهَرَ الدَّمَ ، وَ خاصَّةً في الشِّتاءِ فَإِنَّهُ يُلَيِّنُ الجِلدَ ، وَ يُقَلِّلُ الأَلَمَ ، وَيُسَهِّلُ الفَصدَ . وَ يَجبُ في كُلِّ ما ذَكَرناهُ مِن إِخراجِ الدَّمِ اجتِنابُ النِّساءِ قَبلَ ذلِكَ بِاثنَي عَشَرَ ساعَةً ، وَ يَحتَجِمُ في يَومٍ صاحٍ صافٍ ، لا غَيمَ فيهِ وَ لا ريحَ شَديدَةً ، وَ يَخرُجُ مِنَ الدَّمِ بِقَدرِ ما تَرى مِن تَغَيُّرِهِ ، وَ لا تَدخُل يَومَكَ ذلِكَ الحَمَّامَ ، فَإِنَّه يُورِثُ الدَّاءَ . وَ صُبَّ عَلى رَأسِكَ وَ جَسَدِكَ الماءَ الحارَّ ، وَ لا تَفعَل ذلِكَ مِن ساعَتِكَ . وَ إِيَّاكَ وَ الحَمَّامَ إِذا احتَجَمتَ ، فَإِنَّ الحُمَّى الدَّائِمَةَ يَكونُ فيهِ ، فَإِذا اغتَسَلتَ مِنَ الحِجامَةِ فَخُذ خِرقَةَ مِرغَريِّ فَأَلقِها عَلى مَحاجِمِكَ ، أَو ثَوبا لَيِّنا مِن قَزٍّ أَو غَيرِهِ ، وَخُذ قَدرَ حِمَّصَةٍ مِنَ التِّرياقِ الأَكبَرِ ، و اشرَبهُ إِن كانَ شِتاءً ، وَ إِن كانَ صَيفا فَاشرَبِ السَّكَنجَبينَ العُنصُليَّ ، وَ امزُجهُ بِالشَّرابِ المُفرِحِ المُعتَدِلِ ، وَ تَناوَلهُ ، أَو بِشَرابِ الفاكِهَةِ . وَ إِن تَعَذَّرَ ذلِكَ فَشَرابِ الأَترُجِّ ، فَإِن لَم تَجِد شَيئا مِن ذلِكَ فَتَناوَلهُ بَعدَ عَركِهِ (1) ناعِما تَحتَ الأَسنانِ ، وَ اشرَب عَلَيهِ جُرَعَ ماءٍ فاتِرٍ (2) . وَ إِن كانَ في زَمانِ الشِّتاءِ وَ البَردِ ، فاشرَب عَلَيه السَّكَنجَبينَ العُنصُليَّ العَسَليَّ (3) ، فَإِنَّكَ مَتى فَعَلتَ ذلِكَ أَمِنتَ مِنَ اللَّقوَّةِ ، وَ البَرَصِ ، وَ البَهَقِ ، وَ الجُذامِ بِ_إِذنِ اللّهِ
.
ص: 227
تَعالى ، وَ امتَصَّ مِنَ الرُّمانِ المُزِّ ، فَإِنَّهُ يُقَوِّي النَّفسَ ، وَ يُحيي الدَّمَ ، وَ لا تَأكُل طَعاما مالِحا بَعدَ ذلِكَ بِثَلاثِ ساعاتٍ ، فَإِنَّهُ يُخافُ أَن يَعرِضَ مِن ذلِكَ الجَرَبُ . وَ إِن كانَ شِتاءً فَكُل مِنَ الطَّياهيجِ إِذا احتَجَمتَ ، وَ اشرَب عَلَيهِ مِنَ الشَّرابِ المُذَكَّى الّذي ذَكَرتُهُ أَوَّلاً ، وَ ادهُن بِدُهنِ الخِيريِّ ، أَو شَيءٍ مِنَ المِسكِ وَ ماءِ وَردٍ ، وَ صُبَّ مِنهُ عَلى هامَتِكَ ساعَةَ فَراغِكَ مِنَ الحِجامَةِ . وَ أَمَّا في الصَّيفِ ، فَإِذا احتَجَمتَ فَكُلِ السِّكباج ، وَ الهَلامَ ، وَ المَصوصَ أَيضا ، وَ الحامِضَ ، وَ صُبَّ عَلى هامَتِكَ دُهنَ البَنَفسَجِ بِماءِ الوَردِ شَيءٍ مِنَ الكافورَ ، وَ اشرَب مِن ذلِكَ الشَّرابِ الّذي وَصَفتُهُ لَكَ بَعدَ طَعامِكَ ، وَ إِيَّاكَ وَ كَثرَةَ الحَرَكَةِ ، وَ الغَضَبَ ، وَ مُجامَعَةَ النِّساءِ لِيَومِكَ . وَ احذَر يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَن تَجمَعَ بَينَ البَيضِ وَ السَّمَكِ في المَعِدَةِ في وَقتٍ وَاحِدٍ ، فَإنَّهُما مَتى اجتَمَعا في جَوفِ الإِنسانِ ، وَلَدَ عَلى النِّقرِسِ ، وَ القُولَنجِ ، وَ البَواسيرِ ، وَ وَجَعِ الأَضراسِ . وَ اللَّبَنُ وَ النَّبيذُ الّذي يَشرَبُهُ أَهلُهُ إِذا اجتَمَعا وَلَدَ النِّقرِسَ وَ البَرَصَ . وَ مُداوَمَةُ أَكلِ البَيضِ يَعرِضُ مِنهُ الكَلَفُ في الوَجهِ . وَ أَكلُ المَملوحَةِ وَ اللَّحمانِ المَملوحَةِ ، وَ أَكلُ السَّمَكِ المَملوحِ بَعدَ الفَصدِ وَ الحِجامَةِ ، يَعرِضُ مِنهُ البَهَقُ وَ الجَرَبُ . وَ أَكلُ كُليَةِ الغَنَمِ وَ أَجوافِ الغَنَمِ يُغَيِّرُ المَثانَةَ . وَ دُخولُ الحَمَّامِ عَلى البِطنَةِ يُوَلِّدُ القولَنجَ . وَ الاِغتِسالُ بِالماءِ البارِدِ بَعدَ أَكلِ السَّمَكِ يُورِثُ الفالِجَ . وَ أَكلُ الأُترُجِّ بِاللَّيلِ يَقلِبُ العَينَ وَ يُوجِبُ الحَوَلَ . وَ إِتيانُ المَرأَةِ الحائِضِ يُورِثُ الجُذامَ في الوَلَدِ ، وَ الجِماعُ مِن غَيرِ إهراقِ الماءِ عَلى أَثَرِهِ
.
ص: 228
يُوجِبُ الحَصاةَ ، وَ الجِماعُ بَعدَ الجِماعُ مِن غَيرِ فَصلٍ بَينَهُما بِغُسلٍ يُورِثُ لِلوَلَدِ الجُنونَ . وَ كَثرَةُ أَكلِ البَيضِ وَ إِدمانُهُ يُوَلِّدُ الطُّحالَ وَ رياحا في رَأسِ المَعِدَةِ ، وَ الامتِلاءُ مِنَ البَيضِ المَسلوقِ يُورِثُ الرَّبوَ وَ الانبِهارَ . وَ أَكلُ اللَّحمِ النِّيءِ يُوَلِّدُ الدُّودَ في البَطنِ . وَ أَكلُ التِّينِ يَقمَلُ مِنهُ الجَسَدُ إِذا أُدمِنَ عَلَيهِ . وَ شُربُ الماءِ البارِدِ عَقيبَ الشَّيءِ الحارِّ أَو الحَلاوَةِ يَذهَبُ بِالأَسنانِ . وَ الإكثارُ مِن أَكلِ لُحومِ الوَحشِ وَ البَقَرِ يُورِثُ تَغَيُّرَ العَقلِ ، وَ تَحَيُّرَ الفَهمِ ، وَ تَبَلُّدَ الذِّهنِ ، وَ كَثرةَ النِّسيانِ . وَ إِذا أَرَدتَ دُخولَ الحَمَّامِ وَ أَلّا تَجِدَ في رَأسِكَ ما يُؤذيكَ ، فَابدأ قَبلَ دُخولِكَ بِخَمسِ جُرَعٍ مِن ماءٍ فاتِرٍ ، فَإِنَّكَ تَسلَمُ _ إن شاءَ اللّهُ تَعالى _ مِن وَجَعِ الرَّأسِ وَ الشَّقيقَةِ . وَ قيلَ : خَمسَ مَرَّاتٍ يُصَبُّ الماءُ الحارُّ عَلَيهِ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحَمَّامَ رُكِّبَ عَلى تَركيبِ الجَسَدِ : لِلحَمَّامِ أَربَعةُ بُيوتٍ مِثلُ أَربَعِ طَبائِعِ الجَسَدِ : البَيتُ الأَوَّلُ بارِدٌ يابِسٌ ، وَ الثَّاني بارِدٌ رَطبٌ ، وَ الثَّالِثُ حارٌّ رَطبٌ ، وَ الرَّابِعُ حارٌّ يابِسٌ . وَ مَنفَعَةٌ عَظيمَةٌ ، يُؤَدِّي إِلى الاعتِدالِ ، وَ يُنَقِّي الدِّرنَ ، وَ يُلَيِّنُ العَصَبَ وَ العُروقَ ، وَ يُقَوِّي الأَعضاءَ الكِبارَ ، وَ يُذيبُ الفُضولَ ، وَ يُذهِبُ العَفَنَ (1) . فَإِذا أَرَدتَ أَلّا يَظهَرَ في بَدَنِكَ بَثرَةٌ وَ لا غَيرُها ، فَابدأ عِندَ دُخولِ الحَمَّامِ فَادهُن بَدَنَكَ بِدُهنِ البَنَفسَجِ . وَإِذا أَرَدتَ استِعمالَ النُّورَةِ وَ لا يُصيبَكَ قُروحٌ ولا شُقاقٌ وَلا سُوادٌ فاغتَسِل بِالماءِ البارِدِ قَبلَ أَن تَتَنَوَّرَ . وَ مَن أَرادَ دُخولَ الحَمَّامِ لِلنُّورَةِ فَليَجتَنِبِ الجِماعَ قَبلَ ذلِكَ بِاثنَتَي عَشرَةَ ساعَةً ، وَ هوَ تَمامُ يَومٍ ، وَ ليَطرَح في النُّورَةِ شَيئا مِن الصَّبِرِ ، وَ الأَقاقيا ، وَ الحُضُضِ ، أَو يَجمَعُ ذلِكَ ، وَ يأخُذُ مِنهُ اليَسيرَ إِذا كانَ مُجتَمِعا أَو مُتَفَرِّقا ، و لا يُلقي في النُّورَةِ شَيئا مِن
.
ص: 229
ذلِكَ حَتَّى تُماثَ النُّورَةُ بِالماءِ الحارِّ الّذي طُبِخَ فيهِ بابونَجٌ ، وَ مَرزنجوشٌ ، أَو وَردُ بَنَفسجٍ يابِسٍ ، أَو جَميعُ ذلِكَ ، أَجزاءٌ يَسيرَةٌ ، مَجموعَةً أَو مُتَفَرِّقَةً ، بِقَدرِ مايَشرَبُ الماءُ رائِحَتَه ، وَ ليَكُن الزِّرنيخُ مِثلَ سُدُسِ النُّورَةِ . وَ يُدلَكُ الجَسَدُ بَعدَ الخُروجِ مِنها بِشَيءٍ يَقلَعُ رائِحَتَها ، كَوَرَقِ الخَوخِ ، وَ ثَجيرِ العُصفُرِ ، وَ الحِنّاءِ ، وَ الوَردِ ، وَ السُّنبُلِ مُفرَدَةً أَو مُجتَمِعَةً . وَ مَن أَرادَ أَن يأمَنَ إِحراقَ النُّورَةِ فَليُقَلِّل مِن تَقليبِها ، وَ ليُبادِر إِذا عَمِلَت في غَسلِها ، وَ أَن يَمسَحَ البَدَنَ بِشَيءٍ مِن دُهنِ الوَردِ ، فَإِن أَحرَقَتِ البَدَنَ _ وَ العياذُ بِاللّهِ _ يُؤخَذُ عَدَسٌ مُقَشَّرٌ ، يُسحَقُ ناعِما ، وَ يُدافُّ في ماءِ وَردٍ وَخَلٍّ ، يُطلى بِهِ المَوضِعُ الّذي أَثَّرَت فيه النُّورَةُ ، فَإِنَّه يَبرأُ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى . وَ الّذي يَمنَعُ مِن آثارِ النُّورَةِ في الجَسَدِ ، هوَ أَن يُدلَكَ المَوضِعُ بِخَلِّ العِنَبِ العُنصُلِ الثَّقيفِ (1) ، وَ دُهنِ الوَردِ ، دَلكا جَيّدا . وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكي مَثانَتَهُ فَلا يَحبِسِ البَولَ وَ لَو عَلى ظَهرِ دابَّتِهِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُؤذيَهُ مَعِدَتُهُ فَلا يَشرَبَ بَينَ طَعامِهِ مَاءً حَتَّى يَفرُغَ ، وَ مَن فَعلَ ذلِكَ رَطِبَ بَدَنُهُ ، وَ ضَعُفَت مَعِدَتُهُ ، وَ لَم يأخُذِ العُروقُ قُوَّةَ الطَّعامِ ، فَإِنَّهُ يَصيرُ في المَعِدَةِ فِجأ ، إِذا صَبَّ الماءُ عَلى الطَّعامِ أَوّلاً فَأَوَّلاً . وَ مَن أَراد أَلّا يَجِدَ الحَصاةَ وَ عُسرَ البَولِ فلا يَحبِسِ المَنيَّ عِندَ نُزولِ الشَّهوَةِ ، وَ لا يُطِل المَكثَ عَلى النِّساءِ . وَ مَن أَرادَ أَن يأمَنَ مِن وَجَعِ السُّفلِ وَ لا يَظهَرَ بِهِ وَجَعُ البَواسيرِ ، فَليَأكُل كُلَّ لَيلَةٍ سَبعَ تَمَرَاتٍ بَرنيٍّ 2 بِسَمنِ البَقَرِ ، وَ يَدّهِنُ بَينَ أُنثَيَيهِ بِدُهنِ زَنبَقٍ خَالِصٍ . وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في حِفظهِ فَليَأكُل سَبعَ مَثاقيلَ زَبيبا بِالغَداةِ عَلى الرِّيقِ . وَ مَن أَرادَ أَن يَقِلَّ نِسيانُهُ وَ يَكونَ حافِظا ، فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ قِطَعِ زَنجَبيلٍ مُرَبَّىً بِالعَسَلِ ، وَ يَصطَبِغُ (2) بِالخَردَلِ مَعَ طَعامِهِ في كُلِّ يَومٍ .
.
ص: 230
وَ مَن أَرادَ أَن يَزيدَ في عَقلِهِ يَتَناوَلُ كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ هَليلَجاتٍ بِسُكَّرٍ أَبلوجٍ 1 . وَ مَن أَرادَ أَلّا يَنشَقَّ ظُفرَهُ وَ لا يَميلُ إِلى الصُّفرَةِ وَ لا يَفسُدُ حَولَ ظُفرِهِ ، فَلا يُقَلِّم أَظفارَهُ إلَا يَومَ الخَميسِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُؤلِمُهُ أُذُنُهُ فَليَجعَل فيها عِندَ النَّومِ قُطنَةٌ . وَ مَن أَرادَ رَدعَ الزُّكامِ مُدَّةَ أَيَّامِ الشِّتاءِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ ثَلاثَ لُقَمٍ مِن الشَّهدِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ لِلعَسَلِ دَلائِلٌ يُعرَفُ بِها نَفعُهُ مِن ضَرِّهِ ، وَ ذلِكَ أَنَّ مِنهُ شَيئا إِذا أَدرَكَهُ الشَّمُّ عَطِشَ ، وَ مِنهُ شَيءٌ يُسكِرُ ، وَ لَهُ عِندَ الذَّوقِ حَراقَةٌ شَديدَةٌ ، فَهذِهِ الأَنواعُ مِنَ العَسَلِ قاتِلَةٌ . وَ لا يُؤَخِّر شَمَّ النَّرجِسِ ، فَإِنَّهُ يَمنَعُ الزُّكامَ في مُدَّةِ أَيَّامِ الشِّتاءِ ، وَ كَذلِكَ الحَبَّةُ السَّوداءُ . وَ إِذا خافَ الإِنسانُ الزُّكامَ في زَمانِ الصَّيفِ فَليَأكُل كُلَّ يَومٍ خيارَةً ، وَ ليَحذَرِ الجُلوسَ في الشَّمسِ . وَ مَن خَشيَ الشَّقيقَةَ وَ الشَّوصَةَ ، فَلا يُؤَخِّر أَكلَ السَّمَكِ الطَّرِيِّ صَيفا وَ شِتاءً . وَ مَن أَرادَ أَن يَكونَ صالِحا خَفيفَ الجِسمِ وَ اللَّحمِ ، فَليُقَلِّل مِن عَشَائِهِ بِاللَّيلِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يَشتَكيَ سُرَّتَهُ فَليُدَهِّنُها مَتى دَهَّنَ رَأسَهُ . وَ مَن أراد أَلّا تَنشَقَّ شَفَتاهُ وَ لا يَخرُجَ فيها باسورٌ ، فَليُدَهِّن حاجِبَهُ مِن دُهنِ رَأسِهِ . وَ مَن أَرادَ أَلّا تَسقُطَ أُذُناهُ وَ لَهاتُهُ ، فَلا يأكُل حُلوا حَتَّى يَتَغَرغَرَ بَعدَهُ بِخَلٍّ . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ اليَرَقانُ فَلا يَدخُل بَيتا في الصَّيفِ أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ ، وَ لا يَخرُج مِنهُ
.
ص: 231
أَوَّلَ ما يَفتَحُ بابَهُ في الشِّتاءِ غُدوَةً . وَ مَن أَرادَ أَلّا يُصيبَهُ ريحٌ في بَدَنِهِ فَليَأكُلِ الثُّومَ كُلَّ سَبعَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً . وَ مَن أَرادَ أَلّا تَفسُدَ أَسنانُهُ فَلا يأكُل حُلوا إِلَا بَعدَ كِسرَةِ خُبزٍ . وَ مَن أَرادَ أَن يَستَمرئ طَعامَهُ فَليَستَك بَعدَ الأَكلِ عَلى شَقِّهِ الأَيمَنِ ، ثُمَّ يَنقَلِبُ بَعدَ ذلِكَ عَلى شَقِّهِ الأَيسَرِ ، حَتَّى يَنامَ . وَ مَن أَرادَ أَن يُذهِبَ البَلغَمَ مِن بَدَنِهِ وَ يَنقُصَهُ ، فَليَأكُلُ كُلَّ يَومٍ بُكرَةً شَيئا مِنَ الجَوارِشِ الحِرِّيفِ ، وَ يُكثِرُ دُخولَ الحَمَّامِ ، وَ مُضاجَعَةَ النِّساءِ ، وَ الجُلوسَ في الشَّمسِ ، وَ يَجتَنِبُ كُلَّ بارِدٍ مِنَ الأَغذيَةِ ، فَإِنَّهُ يُذهِبُ البَلغَمَ وَ يُحرِقُهُ . وَ مَن أَرادَ أَن يُطفئَ لَهَبَ الصَّفراءِ (1) فَليَأكُلُ كُلَّ يَومٍ شَيئا رَطبا بَارِدا ، وَ يُرَوِّحُ بَدَنَهُ ، وَ يُقِلُّ الحَرَكَةَ ، وَ يُكثِرُ النَّظَرَ إِلى مَن يُحِبُّ . وَ مَن أَرادَ أَنَ يُحرِقَ السَّوداءَ فَعَلَيهِ بِكَثرَةِ القَيءَ وَ فَصدِ العُروقِ وَ مُداوَمَةِ النُّورَةِ . وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ بِالرِّيحِ البارِدَةِ فَعَلَيهِ بِالحُقنَةِ وَ الإِدِّهانِ اللَّيِّنَةِ عَلى الجَسَدِ ، وَ عَلَيهِ بِالتَّكميدِ بِالماءِ الحارِّ في الأَبزَنِ وَ يَجتَنِبُ كُلَّ بارِدٍ ، وَ يَلزَمُ كُلَّ حارٍّ لَيِّنٍ . وَ مَن أَرادَ أَن يَذهَبَ عَنهُ البَلغَمَ فَليَتَناوَل بُكرَةً كُلِّ يَومٍ مِنَ الإِطريفِلِ الصَّغيرِ مِثقالاً واحِدا . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنّ المُسافِرَ يَنبَغي لَهُ أَن يَتَحَرَّزَ بِالحَرِّ إِذا سافَرَ وَ هوَ مُمتَلِئٌ مِنَ الطَّعامِ ، وَ لا خالي الجَوفِ ، وَ ليَكُن عَلى حَدِّ الاعتِدالِ ، وَ ليَتَناوَل مِنَ الأَغذيَةِ البارِدَةِ مِثلُ القريصِ ، وَ الهُلامِ ، و الخَلِّ ، وَ الزَّيتِ ، وَ ماءِ الحِضرِمِ ، وَ نَحوِ ذلِكَ مِنَ الأَطعِمَةِ البارِدَةِ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ السَّيرَ في الحَرِّ الشَّديدِ ضارٌّ بِالأَبدانِ المَنهوكَةِ إِذا كانَت خاليَةٌ عَنِ الطَّعامِ ، وَ هوَ نافِعٌ في الأَبدانِ الخَصِبَةِ . فَأَمَّا صَلاحُ المُسافِرَ وَ دفعُ الأَذى عَنهُ ، فَهوَ أَلّا يَشرَب مِن ماءِ كُلِّ مَنزِلٍ يَرِدهُ إِلَا بَعدَ أَن يَمزُجَهُ بِماءِ المَنزِلِ الّذي قَبلَهُ ، أَو شَرابٍ واحِدٍ غَيرِ
.
ص: 232
مُختَلِفٍ يَشوبُهُ بِالمياهِ عَلى الأَهواءِ عَلى اختِلافِها . وَ الواجِبُ أَن يَتَزَوَّدَ المُسافِرُ مِن تُربَةِ بَلَدِهِ وَ طينَتِهِ الَّتي رُبِّيَ عَلَيها ، وَ كُلَّما وَرَدَ إِلى مَنزِلٍ طَرَحَ في إِنائِهِ الّذي يَشرَبُ مِنهُ الماءَ شَيئا مِنَ الطِّينِ الّذي تَزَوَّدَهُ مِن بَلَدِهِ ، وَ يَشوبَ الماءَ وَ الطِّينَ في الآنيَةِ بِالتَّحريكِ ، وَ يُؤخَّر قَبلَ شُربِهِ حَتَّى يَصفوَ صَفاءً جَيِّدا . وَ خَيرُ الماءِ شُربا لِمَن هوَ مُقيمٌ أَو مُسافِرٌ ، ما كانَ ينبوعُهُ مِنَ الجِهَةِ المَشرِقيَّةِ مِنَ الخَفيفِ الأَبيَضِ . وَ أَفضَلُ المياهِ ما كانَ مَخرَجُها مِن مَشرِقِ الشَّمسِ الطَّيفيِّ ، وَ أَصَحُّها وَ أَفضَلُها ، ما كانَ بِهذا الوَصفِ الّذي نَبَعَ مِنهُ ، وَ كانَ مَجراهُ في جِبالِ الطِّينِ ، وَ ذلِكَ أَنَّها تَكونُ في الشِّتاءِ بارِدَةً ، وَ في الصَّيفِ مُلَيِّنَةً لِلبَطنِ نافِعَةً لأَصحابِ الحَراراتِ . وَ أَمَّا الماءُ المالِحُ وَ المياهُ الثَّقيلَةُ ، فَإِنَّها تُيَبِّسُ البَطنَ ، وَ مياهُ الثُّلوجِ وَ الجَليدِ رَديَّةٌ لِسائِرِ الأَجسادِ ، وَ كَثيرةُ الضَّررِ جِدَّا ، وَ أَمَّا مياهُ السُّحُب فَإِنَّها خَفيفَةٌ ، عَذبَةٌ ، صافيَةٌ ، نافِعَةٌ لِلأَجسامِ إِذا لَم يَطُل خَزنُها وَ حَبسُها في الأَرضِ ، وَ أَمَّا مياهُ الجُبِّ فَإِنَّها عَذبَةٌ ، صافيَةٌ نافِعَةٌ إِن دامَ جَريُها وَ لَم يَدُم حَبسُها في الأَرضِ . وَ أَمَّا البطائِحُ وَ السِّباخُ فَإِنَّها حارَّةٌ غَليظَةٌ في الصَّيفِ ، لِرُكودِها وَ دَوامِ طُلوعِ الشَّمسِ عَلَيها ، وَ قَد يَتَوَلَّدُ مِن دَوامِ شُربِها المِرَّةُ الصَّفراويَّةُ وَ تَعظُمُ بِهِ أَطحِلَتُهُم . وَ قَد وَصَفتُ لَكَ يا أَميرَ المُؤمِنينَ فيما تَقَدَّمَ مِن كِتابي هذا ما فيهِ كِفايَةٌ لِمَن أَخَذَ بِهِ . وَ أَنا أَذكُرُ أَمرَ الجِماعِ : فَلا تَقرَبِ النِّساءَ مِن أَوّلِ اللَّيلِ صَيفا وَ لا شِتاءً ؛ وَ ذلِكَ لأَنَّ المَعِدَةَ وَ العُروقَ تَكونُ مُمتَلِئَةً ، وَ هوَ غَيرُ مَحمودٍ ، وَ يَتَوَلَّدُ مِنهُ القولَنجُ ، وَ الفالِجُ وَ اللَّقوَةُ ، وَ النِّقرِسُ ، وَ الحَصاةُ ، وَ التَّقطيرُ ، وَ الفَتقُ ، وَ ضُعفُ البَصَرِ وَ رِقَّتُهُ . فَإِذا أَرَدتَ ذلِكَ فَليَكُن في آخرِ اللَّيلِ ، فَإِنَّهُ أَصلَحُ لِلبَدَنِ ، وَ أَرجى لِلوَلَدِ ، وَ أَزكى لِلعَقلِ في الوَلَدِ الّذي يَقضي اللّهُ بَيَنَهُما . وَ لا تُجامِع امرأَةً حَتَّى تُلاعِبَها ، وَ تُكثِرَ مُلاعَبَتَها ، وَ تَغمِزَ ثَديَيها ، فَإِنَّكَ إِذا فَعَلتَ ذلِكَ غَلَبتَ شَهوَتُها وَ اجتَمَعَ ماؤُها ؛ لِأَنَّ ماءَها يَخرُجُ مِن ثَديَيها ، وَ الشَّهوَةُ تَظهَرُ مِن وَجهِها وَ عَينَيها ، وَ اشتَهَت مِنكَ مِثلَ الّذي تَشتَهيهُ مِنها .
.
ص: 233
وَ لا تُجامِعِ النِّساءَ إِلَا وَ هي طاهِرَةٌ ، فَإِذا فَعَلتَ ذلِكَ فَلا تَقُم قائِما ، وَ لا تَجلِس جالِسا ، وَ لكِن تَميلُ عَلى يَمينِكَ ، ثُمّ انهَض لِلبَولِ إِذا فَرَّغتَ مِن ساعَتِكَ شَيئا ، فَإنَّكَ تَأمَنُ الحَصاةَ بِ_إِذنِ اللّهِ تَعالى ، ثُمّ اغتَسِل وَ اشرَب مِن ساعَتِكَ شَيئا مِنَ المُوميائي بِشَرابِ العَسَلِ ، أَو بِعَسَلٍ مَنزوعِ الرَّغوَةِ ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مِنَ الماءِ مِثلَ الّذي خَرَجَ مِنكَ . وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ جِماعِهِنَّ وَ القَمَرُ في بُرجِ الحَملِ أَو الدَّلوِ مِنَ البُروجِ أَفضَلُ ، وَ خَيرٌ مِن ذلِكَ أَن يَكونَ في بُرجِ الثَّورِ ؛ لِكَونِهِ شَرَفُ القَمَرِ . وَ مَن عَمِلَ فيما وَصَفتُ في كِتابي هذا وَ دَبَّرَ بِهِ جَسَدَهُ ، أَمِنَ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى مِن كُلِّ داءٍ ، وَ صَحَّ جِسمُهُ بِحَولِ اللّهِ وَقُوَّتِهِ ، فَإِنَّ اللّهَ تَعالى يَعطي العافيَةُ لِمَن يَشاءُ ، وَ يَمنَحُها ، إِيَّاهُ ، و الحَمدُ للّهِ أَوَّلاً وَ آخِرا وَ ظاهِرا وَ باطِنا . (1)
.
ص: 234
. .
ص: 235
الفصل السّادس: في الدّعاء
.
ص: 236
. .
ص: 237
151كتابه عليه السلام في ذكر الحاجة وأدبهداوود الصّرميّ 1 عن أبي الحسن الثّالث عليه السلام ، قال : أمرني سيّدي عليه السلام بحوائج كثيرة فقال عليه السلام لي : قُل : كَيفَ تَقولُ ؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي ، فمدّ الدّواة و كتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، أَذكُرُهُ إِن شاءَ اللّهُ وَ الأَمرُ بِيَدِ اللّهِ . فتبسّمت ، فقال عليه السلام : ما لَكَ ؟ قلت : خير . فقال : أَخبِرني . قلت : جُعلت فداك ، ذكرت حديثا حدّثني به رجل من أصحابنا عن جدّك الرّضا عليه السلام إذا أمرَ بحاجة كتب : بِسم اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أذكُرُ إِن شاءَ اللّهُ . فتبسّمت ، فقال عليه السلام لي : يا داوودُ ، وَ لَو قُلتُ : إِنَّ تارِكَ التَّقِيَّةِ كَتارِكِ الصَّلاةِ لَكُنتُ صادِقا. (1) وفي تحف العقول : كان عليه السلام _ أي الإمام الرّضا عليه السلام _ : يُترِبُ الكتاب ويقول : لا بَأسَ بِهِ . وكان إذا أراد أن يكتب تَذَكّرات حوائجه كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أذكُرُ إِن
.
ص: 238
شاءَ اللّهُ ، ثمّ يَكتب ما يُريد . (1)
152كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن جندبفيما يقرّب إلى الرّبّ ويزيد الفهم والعلمجعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا : عن الحسين بن عبد اللّه بن جندب (2) ، قال : أخرج إلينا صحيفة ، فذكر أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي قد كبرت و ضعفت و عجزت عن كثير ممّا كنت أقوى عليه ، فأحبّ _ جعلت فداك _ أن تعلّمني كلاما يقرّبني من ربّي و يزيدني فهما و علما . فكتب إليه :قَد بَعَثتُ إِليكَ بِكِتابٍ فاقرَأهُ وَ تَفَهَّمهُ ، فَإِنَّ فيهِ شِفاءً لِمَن أَرادَ اللّهُ شِفاهُ ، وَ هُدَىً لِمَن أَرادَ اللّهُ هُداهُ ، فَأَكثِر مِن ذِكرِ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . وَ اقرَأها عَلى صَفوانَ وَ آدَمَ . (3)
153كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهلفيمن كان يرجو مع الإمام في الدّنيا والآخرةإسماعيل بن سهل 4 قال : قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السلام : علّمني دعاءً إذا أنا قلته كنت
.
ص: 239
معكم في الدّنيا و الآخرة . فكتب إليَّ :أَكثِر تِلاوَةَ إِنَّا أَنزَلناهُ ، وَ رَطِّب شَفَتَيكَ بِالاستِغفارِ . (1)
154كتابه عليه السلام إلى يونس بن بكيرعند الشّدائدفي مهج الدّعوات : دعاء الرّضا عليه السلام ، و جدناه في أصل يونس بن بكير (2) ، قال : و سألت سيّدي أن يعلّمني دعاءً أدعو به عند الشّدائد . فقال لي : يا يونُسُ ، تَحفِظُ ما أَكتُبُهُ لَكَ ، وَ ادعُ بِهِ في كُلِّ شِدَّةٍ ، تُجابُ وَ تُعطى ما تَتَمَنَّاهُ . ثمّ كتب لي :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنوبي وَ كَثرَتَها قَد أَخلَقَت وَجهي عِندَكَ ، وَ حَجَبَتني عَنِ استِئهالِ رَحمَتِكَ ، وَ باعَدَتني عَنِ استِيجابِ مَغفِرَتِكَ ، وَ لَولا تَعَلُّقي بِآلائِكَ ، وَ تَمسُّكي بِالدُّعاءِ ، وَ ما وَعَدتَ أَمثالي مِنَ المُسرِفينَ ، وَ أَشباهي مِنَ الخاطِئينَ ، وَ أَوعَدتَ القانِطينَ مِن رَحمَتِكَ بِقَولِكَ : « يَ_عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » (3) وَ حَذَّرتَ القانِطينَ مِن رَحمَتِكَ فَقُلتَ : « وَ مَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَا الضَّآلُّونَ» (4) ثُمَّ نَدبتَنا بِرَأفَتِكَ إِلى دُعائِكَ فَقُلتَ : « ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ » (5) .
.
ص: 240
إِلهي لَقَد كانَ الإِياسُ عَلَيَّ مُشتَمِلاً ، وَ القُنوطُ مِن رَحمَتِكَ مُلتَحِفا . إلهي لَقَد وَعَدتَ المُحسِنُ ظَنِّهِ بِكَ ثَوابا ، وَ أَوعَدتَ المُسيءُ ظَنِّهِ بِكَ عِقابا . اللَّهُمَّ وَ قَد أَمسَكَ رَمَقي حُسنُ الظَّنِّ بِكَ في عِتقِ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ ، وَ تَغَمُّدُ زَلَّتي ، وَ إِقالَةُ عَثرَتي . اللَّهُمَّ قُلتَ في كِتابِكَ وَ قَولُكَ الحَقُّ الّذي لا خُلفَ لَهُ وَ لا تَبديلَ : « يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاس بِإِمَ_مِهِمْ » و ذلِكَ يَومُ النُّشورِ «إِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ» و « بُعْثِرَ مَا فِى الْقُبُورِ » . اللَّهُمَّ فَإِنّي أُوفي وَ أُشهِدُ وَ أُقِرُّ ، وَ لا أَنكُرُ وَ لا أَجحُدُ ، وَ أُسِرُّ وَ أُعلِنُ وَ أُظهِرُ وَ أُبطِنُ ، بِأَنَّكَ أَنتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلَا أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ ، وَ أَنَّ مُحَمَّدا عَبدُكَ وَ رَسولُكَ صلى الله عليه و آله ، وَ أَنَّ عَليَّا أَميرُ المُؤمِنينَ سَيِّدُ الأَوصياءِ ، وَ وارِثِ عِلمِ الأَنبياءِ ، عِلمُ الدِّينِ ، وَ مُبيرُ المُشرِكينِ ، وَ مُمَيِّزُ المُنافِقينَ ، وَ مُجاهِدُ المارِقينَ ، وَ إِمامي ، وَ حُجَّتي ، وَ عُروَتي ، وَ صِراطي ، وَ دَليلي ، وَ مَحَجَّتي ، وَ مَن لا أَثِقُ بِأَعمالي وَ لَو زَكَت ، وَلا أَراها مُنجيَةٌ لي وَ لَو صَلَحَت ، إِلّا بِوَلايَتِهِ وَ الاِئتِمامِ بِهِ وَ الإِقرارِ بِفَضائِلِهِ ، وَ القَبولِ مِن حَمَلَتِها ، وَ التَّسليمِ لِرواتِها . وَ أُقِرُّ بِأَوصيائِهِ مِن أَبنائِهِ أَئِمَّةً وَ حُجَجا وَ أَدِلَّةً وَ سُرُجا وَ أَعلاما وَ مَنارا وَ أَبرارا . وَ أُؤمِنُ بِسِرِّهِم وَ جَهرِهِم وَ ظاهِرِهِم وَ باطِنِهِم ، وَ شاهِدِهِم وَ غائِبِهِم ، وَ حيِّهِم وَ ميِّتِهِم ، لا شَكَّ في ذلِكَ وَ لا ارتيابَ ، عِندَ تَحَوُّلِكَ وَ لا انقِلابَ . اللَّهُمَّ فادعُني يَومَ حَشري وَ نَشري بِ_إِمامَتِهِم ، وَ أَنقِذني بِهِم يا مَولايَ مِن حَرِّ النِّيرانِ ، وَ إِن لَم تَرزُقَني روحَ الجِنانِ ، فَإِنَّكَ إِن أَعتَقتَني مِنَ النَّارِ كُنتُ مِنَ الفائِزينَ . اللَّهُمَّ وَ قَد أَصبَحتُ يَوميَ هذا ، لا ثِقَةَ لي وَ لا رَجاءَ ، وَ لا لَجأ وَ لا مَفزَعَ وَ لا مَنجى ، غَيرَ مَن تَوَسَّلتُ بِهِم إِلَيكَ ، مُتَقَرِّبا إِلى رَسولِكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ عَليٍّ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَ الزَّهراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ ، وَ الحَسَنِ ، وَ الحُسَينِ ، وَ عَليٍّ وَ مُحَمَّدٍ ، وَ جَعفَرٍ ، وَ موسى ، وَ عَليٍّ ، وَ مُحَمَّدٍ ، وَ عَليٍّ ، وَ الحَسَنِ ، وَ مِن بَعدِهِم يَقيمُ المَحَجَّةِ إِلى الحُجَّةِ المَستورَةِ مِن وُلدِهِ ، المَرجو لِلأُمَّةِ مِن بَعدِهِ . اللَّهُمَّ فَاجعَلهُم في هذا اليَومِ وَ ما بَعدَهُ حِصني مِنَ المَكارِهِ ، وَ مَعقِلي مِنَ المَخاوِفِ ، وَنَجِّني
.
ص: 241
بِهِم مِن كُلِّ عَدوٍّ وَ طاغٍ وَ باغٍ وَ فاسِقٍ ، وَ مِن شَرِّ ما أَعرِفُ وَ ما أُنكِرُ ، وَ ما استَتَرَ عَنِّي وَ ما أُبصِرُ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ رَبِّي آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمِ . اللَّهُمَّ بِتَوَسُّلي بِهِم إِلَيكَ وَ تَقَرُّبي بِمَحَبَّتِهِم ، وَ تَحَصُّني بِإِمامَتِهِم ، افتَح عَلَيَّ في هذا اليَومِ أَبوابَ رِزقِكَ ، وَ انشُر عَلَيَّ رَحمَتَكَ ، وَ حَبِّبني إِلى خَلقِكَ ، وَ جَنِّبني بُغضَهُم وَ عَداوَتَهُم ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ . اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُتَوَسِّلٍ ثَوابٌ ، وَ لِكُلِّ ذي شَفاعَةٍ حَقٌّ ، فَأَسأَلُكَ بِمَن جَعَلتَهُ وَسيلَتي إِلَيكَ ، وَ قَدَّمتَهُ أَمامَ طَلِبَتي ، أَن تُعَرِّفَني بَرَكَةَ يَومي هذا ، وَ شَهري هذا ، وَ عامي هذا . اللَّهُمَّ وَ هُم مَفزَعي وَ مَعونَتي في شِدَّتي وَ رَخائي ، وَ عافيَتي وَ بَلائي ، وَ نَومي وَ يَقظَتي ، وَ ظَعني وَ إِقامَتي ، وَ عُسري وَ يُسري ، وَ عَلانيَتي وَ سِرِّي ، وَ إِصباحي وَ إِمسائي ، وَ تَقَلُّبي وَ مَثواي ، وَ سِرِّي وَ جَهري . اللَّهُمَّ فَلا تُخَيِّبني بِهِم مِن نائِلِكَ ، وَ لا تَقطَع رَجائي مِن رَحمَتِكَ ، وَ لا تُؤيسني مِن رَوحِكَ ، وَ لا تَبتَلِني بِانغِلاقِ أَبوابِ الأَرزاقِ ، وَ انسِدادِ مَسالِكِها ، وَ ارتياحِ مَذاهِبِها ، وَ افتَح لي مِن لَدُنكَ فَتحَا يَسيرا ، وَ اجعَل لي مِن كُلِّ ضَنَكٍ مَخرَجا ، وَ إِلى كُلِّ سَعَةٍ مَنهَجا ، إِنَّكَ أَرحمُ الرَّاحِمينَ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ ، آمينَ رَبَّ العالَمينَ . (1)
155كتابه عليه السلام إلى الحسينفي الكرب والهمّ والحزنمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين (2) قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام دعاءً و أنا خلفه ، فقال :اللَّهُمَّ إنِّي أسأَلُكَ بِوَجهِكَ الكَريمِ ، وَ اسمِكَ العَظيمِ ، وَ بِعِزَّتِكَ الَّتي لا تُرَامُ ، وَ بِقُدرَتِكَ
.
ص: 242
الَّتي لا يَمتَنِعُ مِنها شيءٌ ، أَن تَفعَلَ بي كَذا وَ كَذا . قال : و كتب إليَّ رقعةً بخطّه : قُل : يا مَن عَلا فَقَهَرَ ، وَ بَطَنَ فَخَبَرَ ، يا مَن مَلَكَ فَقَدَرَ ، وَ يا مَن يُحيِي المَوتى وَ هوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ افعَل بي كَذا وَ كَذا . ثُمَّ قُل : يا لا إِله إِلَا اللّهُ ارحَمنِي ، بِحَقِّ لا إِله إِلَا اللّهُ ارحَمنِي . و كتب إليَّ في رقعة أُخرى ، يأمرني أن أقول : اللَّهُمَّ ادفَع عَنِّي بِحَولِكَ وَ قُوَّتِكَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ في يَومي هذا وَ شهري هذا وَ عامي هذا برَكَاتِكَ فيها ، وَ ما يَنزِلُ فيها مِن عُقوبَةٍ أَو مَكروهٍ أَو بَلاءٍ فاصرِفهُ عَنِّي وَ عَن وُلدِي ، بِحَولِكَ وَ قُوَّتِكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِن زَوَالِ نِعمَتِكَ و تَحوِيلِ عَافِيَتكَ ، و مِن فَجأَةِ نَقِمَتِك ، وَ مِن شَرِّ كِتابٍ قَد سَبَقَ ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِك مِن شَرِّ نَفسِي و مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، وَ إِنَّ اللّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلما ، وَ أَحصى كُلَّ شَيءٍ عَدَدا . (1)
156كتابه عليه السلام إلى أيّوب بن يقطينفي سحر شهر رمضانفي إقبال الأعمال : رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن فضّال من كتاب الصّيام ، و رواه أيضا ابن أبي قرّة في كتابه و اللّفظ واحد ، فقالا معا : عن أيّوب بن يقطين (2) ، أنّه كتب إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام يسأله أن يصحّح له هذا الدّعاء . فكتب إليه :
.
ص: 243
نَعَم ، وَ هوَ دُعاءُ أَبي جَعفَرٍ عليه السلام بِالأَسحارِ في شَهرِ رَمَضانَ . قالَ أَبي : قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : لَو يَعلَمُ النّاسُ مِن عِظَمِ هذا المَسائِلِ عِندَ اللّهِ ، وَ سُرعَةِ إِجابَتِهِ لِصاحِبِها ، لاقتَتَلوا عَلَيهِ وَ لَو بِالسُّيوفِ ، وَ اللّهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشاءُ . وَ قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : لَو حَلَفتُ لَبَرَرتُ أَنَّ اسمَ اللّهِ الأَعظَمِ قَد دَخَلَ فيها ، فَإِذا دَعَوتُهُم فاجتَهَدوا في الدُّعاءِ فَإِنَّه مِن مَكنونِ العِلمِ ، وَ اكتُموهُ إِلَا مِن أَهلِهِ ، وَ لَيسَ مِن أَهلِهِ المُنافِقونَ وَ المُكَذِّبونَ وَ الجاحِدونَ وَ هوَ دُعاءُ المُباهَلَة ، تَقولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن بَهائِكَ بِأَبهاهُ وَ كُلُّ بَهائِكَ بَهِيٌّ ، اللَّهُمَّ إِنَّي أَسأَلُكَ بِبَهائِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن جَمالِكَ بِأَجمَلِهِ وَ كُلُّ جَمالِكَ جَميلٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِجَمالِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن جَلالِكَ بِأَجَلِّهِ وَ كُلُّ جَلالِكَ جَليلٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِجَلالِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عَظَمَتِكَ بِأَعظَمِها وَ كُلُّ عَظَمَتِكَ عَظيمَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعَظَمَتِكَ كُلِّها . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن نُورِكَ بِأَنوَرِهِ وَ كُلُّ نُورِكَ نَيِّرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِنُورِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن رَحمَتِكَ بِأَوسَعِها وَ كُلُّ رَحمَتِكَ واسِعَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِرَحمَتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن كَلِماتِكَ بِأَتَمِّها وَ كُلُّ كَلِماتِكَ تامَّةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِكَلِماتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن كَمالِكَ بِأَكمَلِهِ وَ كُلُّ كَمالِكَ كامِلٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِكَمالِكَ كُلِّه . اللَّهُمَّ إنِّي أَسأَلُكَ مِن أَسمائِكَ بِأَكبَرِها وَ كُلُّ أَسمائِكَ كَبيرَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِأَسمائِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عِزَّتِكَ بِأَعَزِّها وَ كُلُّ عِزَّتِكَ عَزيزَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعِزَّتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مَشيَّتِكَ بِأَمضاها وَ كُلُّ مَشيَّتِكَ ماضيَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَشيَّتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن قُدرَتِكَ بِالقُدرَةِ الَّتي استَطَلتَ بِها عَلَى كُلِّ شَيءٍ ، وَ كُلُّ قُدرَتِكَ مُستَطيلَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِقُدرَتِكَ كُلِّها . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عِلمِكَ بِأَنفَذِهِ وَ كُلُّ عِلمِكِ نافِذٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعلِمِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن قَولِكَ بِأَرضاهُ وَ كُلُّ قَولِكَ رَضيٌّ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِقَولِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مَسائِلِكَ بِأَحَبِّها إِلَيكَ وَ كُلُّ مَسائِلِكَ إِلَيكَ حَبيبَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَسائِلِكَ كُلِّها . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن شَرَفِكَ بِأَشرَفِهِ وَ كُلُّ شَرَفِكَ شَريفٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِشَرَفِكَ كُلِّهِ ،
.
ص: 244
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن سُلطانِكَ بِأَدوَمِهِ وَ كُلُّ سُلطانِكَ دائِمٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِسُلطانِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مُلكِكَ بِأَفخَرِهِ وَ كُلُّ مُلكِكَ فاخِرٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمُلكِكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن عُلوِّكَ بِأَعلاه وَ كُلُّ عُلوِّكَ عالٍ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِعُلوِّكَ كُلِّهِ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن مَنِّكَ بِأَقدَمِهِ وَ كُلُّ مَنّكَ قَديمٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِمَنِّكَ كُلِّهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مِن آياتِكَ بِأَكرَمِها وَ كُلُّ آياتِكَ كَريمَةٌ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِآياتِكَ كُلِّها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِما أَنتَ فيهِ مِنَ الشَّأنِ وَ الجَبَروتِ ، وَ أَسأَلُكَ بِكُلِّ شَأنٍ وَحدَهُ وَ جَبَروتٍ وَحدها ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِما تُجيبُني بِهِ حينَ أَسأَلُكَ ، فَأَجِبني يا اللّهَ . وَ افعَل بي كَذا وَ كَذا . وَ تَذكُرُ حاجَتَكَ ، فَإِنَّها تُعطاها إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (1)
157كتابه عليه السلام إلى داوود بن كثير الرّقّيفي النجاة من الحبسالحسين بن يسار قال : قرأت كتابه إلى داوود بن كثير الرّقّي 2 _ وهو محبوس و كتب إليه يسأله الدّعاء _ فكتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ بِأَحسَنِ عافيَةٍ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ بِرَحمَتِهِ ،
.
ص: 245
كَتَبتُ إِلَيكَ وَ ما بِنا مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ، لَهُ الحَمدُ لا شَريكَ لَهُ . وَصَلَ إِليَّ كِتابُكَ . يا أَبا سَلمانَ ، وَ لَعَمري لَقَد قُمتَ مِن حاجَتِكَ ما لَو كُنتَ حاضِرا لَقَصُرتَ ، فَثِق بِاللّهِ العَظيمِ الّذي بِهِ يُوثَقُ ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ ، وَ نَسألُ اللّهُ بِمَنِّهِ وَ فَضلِهِ وَ طَولِهِ . . . (1) يُحيي المَوتى وَ هوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، يا اللّهُ بِحَقِّ لا إِلهَ إِلَا اللّهُ ، ارحَمني بِحَقِّ لا إِلهَ إِلَا اللّهُ . (2)
158رقعة من جيبه عليه السلامفي الحرز من الشّيطان و السّلطانمحمّد بن موسى المتوكّل رضى الله عنه ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ياسر الخادم (3) ، قال : لمّا نزل أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام قصر حميد بن قحطبة ، نزع ثيابه و ناولها حميدا ، فاحتملها و ناولها جارية له لتغسلها ، فما لبثت أن جاءت و معها رقعة فناولتها حميدا و قالت : وجدتها في جيب أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، فقلت : جُعلت فداك ، إنّ الجارية وجدت رقعة في جيب قميصك فما هي ؟ قال : يا حَميدُ ، هذِهِ عُوذَةٌ لا نُفارِقُها . فقلت : لو شرّفتني بها. قال عليه السلام : هذِهِ عُوذَةٌ مَن أَمسَكَها في جَيبِهِ كانَ مَدفوعا ، وَ كانَت لَهُ حِرزا مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ وَ مِنَ السُّلطانِ . ثمّ أملى على حميد العوذة ، و هي :
.
ص: 246
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، باسمِ اللّهِ ، إِنَّي أَعوذُ بِالرَّحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقَيّا أَو غَيرَ تَقيٍّ ، أَخَذتُ بِاللّهِ السَّميعِ البَصيرِ عَلى سَمعِكَ وَ بَصَرِكَ ، لا سُلطانَ لَكَ عَلَيَّ ، وَ لا عَلى سَمعي ، وَ لا بَصَري ، وَ لا شَعري ، وَ لا عَلى بَشَري ، وَ لا عَلى لَحمي ، وَ لا عَلى دَمي ، وَ لا عَلى مُخِّي ، وَ لا عَلى عَصَبي ، وَ لا عَلى عِظامي ، وَ لا عَلى أَهلي ، وَ لا عَلى مالي ، وَ لا عَلى ما رَزَقَني رَبِّي . سَتَرتُ بَيني وَ بَينَكَ بِسِترَةِ النُّبوَّةِ ، الّذي استَتَرَ بِهِ أَنبياءُ اللّهِ مِن سُلطانِ الفَراعِنَةِ ، جَبرَئيلُ عَن يَميني ، وَ ميكائيلُ عَن يَساري ، وَ إِسرافيلُ مِن وَرائي ، وَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أَمامي ، وَ اللّهُ مُطَّلِعٌ عَلى ما يَمنَعُكَ وَ يَمنَعُ الشَّيطانَ مِنِّي . اللَّهُمَّ لا يَغلِبُ جَهلُهُ أَناتَكَ أَن يَستَفِزَّني وَ يَستَخِفَّني ، اللَّهُمَّ إِلَيكَ التجأتُ ، اللَّهُمَّ إِلَيكَ التَجأتُ ، اللَّهُمَّ إِلَيكَ التَجأتُ . (1) و في مهج الدّعوات بعد نقل قول ياسر الخادم ، قال : قلت : و لهذا الحرز قصّة مونقة و حكاية عجيبة كما رواه أبو الصّلت الهرويّ ، قال : كان مولاي عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ذات يوم جالسا في منزله إذ دخل عليه رسول المأمون فقال : أجب أمير المؤمنين . فقام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام فقال لي : يا أَبا الصَّلتِ ، إِنَّه لا يَدعوني في هذا الوَقتِ إِلّا لِداهيَةٍ ، وَ اللّهُ لا يُمكِنُهُ أَن يَعمَلَ بي شَيئا أكرَهُهُ لِكَلِماتٍ وَقَعَت إِليَّ مِن جَدِّي رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . قال : فخرجت معه حتّى دخلنا على المأمون ، فلمّا نظر به الرّضا عليه السلام قرأ هذا الحرز إلى آخره ، فلمّا وقف بين يديه نظر إليه المأمون و قال : يا أبا الحسن ، قد أمرنا لك بمئة ألف درهم ، و اكتب حوائج أهلك . فلمّا ولّى عنه عليّ بن موسى بن جعفر عليه السلام و مأمون ينظر إليه في قفاه و يقول : أردت و أراد اللّه و ما أراد اللّه خيرا . (2)
.
ص: 247
159دعاء عنه عليه السلام في الحرزفي رقعة الجيب برواية أُخرىفي مهج الدّعوات : حدّثني السّيد الإمام أبو البركات محمّد بن إسماعيل الحسينيّ المشهديّ قال : حدّثني المفيد أبو الوفاء عبد الجبّار بن عبداللّه المقري ، قال : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي ، و أخبرني الشّيخ الفقيه أبو القاسم الحسن بن عليّ بن محمّد الجويني رحمه الله ، و أخبرني الشّيخ أبو عبداللّه الحسن بن أحمد بن محمّد بن طحال المقداديّ _ قدّس اللّه روحه _ ، و أخبرني الشّيخ أبو عليّ بن محمّد بن الحسن الطوسي ، قال : حدّثنا والدي رحمه الله ، و أخبرني شيخي و جدّي ، قال : والدي الفقيه أبو الحسن ، قال : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، قال : حدّثنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، قال : حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضّال (1) ، قال : حدّثنا محمّد بن أرومة ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر (2) ، عن الرّضا عليه السلام أنّه قال :رُقعَةُ الجَيبِ عُوذَةٌ لِكُلِّ شَيءٍ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، بِاسمِ اللّه « اخْسَ_ئواْ فِيهَا وَ لَا تُكَلِّمُونِ » « إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَ_نِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا » ، أَخذتُ بِسَمعِ اللّهِ وَ بَصَرِهِ عَلى أَسماعِكُم وَ أبصارِكُم ، وَ بِقُوّةِ اللّهِ عَلى قُوَّتِكُم ، لا سُلطانَ لَكُم عَلى فُلانِ بنِ فُلانَةَ ، وَ لا عَلى ذُرِّيَّتِهِ ، وَ لا عَلى أَهلِهِ ، وَ لا عَلى أَهلِ بَيتِهِ ، سَتَرتُ بَيني وَ بَينَكُم بِسِترِ النُّبُوَّةِ الّذي استَتَروا بِهِ مِن سَطَواتِ الجَبابِرَةِ وَ الفَراعِنَةِ ، جَبرَئيلُ عَن أَيمانِكُم ، وَ ميكائيلُ عَن يَسارِكُم ، وَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله أَمامَكُم ، وَ اللّهُ يَطَّلِعُ عَلَيكُم بِمَنعِهِ نَبيَّ اللّهِ وَ بِمَنعِ ذُرِّيَّتَهُ وَ أَهلَ بَيتِهِ مِنكُم وَ مِنَ الشَّياطينَ ، ما شاءَ اللّهُ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . اللَّهُمَّ إِنَّهُ لا يَبلُغُ جَهلُهُ أَناتَكَ وَ لا يَبتَليَهُ ، وَ لا يَبلُ مَجهُودُ نَفسِهِ ، عَلَيكَ تَوَكَّلتُ وَ أَنتَ
.
ص: 248
نِعمَ المَولى وَ نِعمَ النَّصيرِ ، حَرَسَكَ اللّهُ يا فُلانَ ابنَ فُلانَةَ وَ ذُرِّيَّتَكَ مِمَّا تَخافُ عَلى أَحدٍ مِن خَلقِهِ ، وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ . وَ يَكتُبُ آيةَ الكُرسيِّ عَلى التَّنزيلِ : « اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَ_وَ تِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْ ءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَا بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَ_وَ تِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَ_ئودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ » (1) . و يَكتُبُ : لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِ العَظيمِ ، لا مَلجَأ مِنَ اللّهِ إِلَا إِلَيهِ ، وَ حَسبيَ اللّهُ وَ نِعمَ الوَكيلِ . وَ أَسلَمَ في رَأسِ الشَّهباءِ فيها طَأَلسَلسَبيلا . وَ يَكتُبُ : وَ صَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ . (2)
160كتابه عليه السلام إلى الحسن بن عليّ الوشّاءفي رقعة الحُمّىالحسن بن عليّ الوشّاء (3) عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : قال لي : ما لي أَراكَ مُصفَرَّا ؟ فقلت : هذا الحُمّى الرِّبعُ قد ألحّت عليَّ . قال : فدعا بدواة و قرطاس ثمّ كتب :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أَبجَد هَوَّز حُطِّي عَن فُلانِ بنِ فُلانَةَ . ثمّ دعا بخَيط فاُتي بخيط مَبلول فقال : ائتِني بِخَيطٍ لَم يَمَسَّهُ الماءُ . فأُتي بخيط يابس فشدّ وسطه ، و عَقَد على الجانب الأيمن أربعة و عقَد على الأيسر ثلاث عُقَد ، و قرأ على كلّ عقدة الحمد والمعوّذتين و آية الكرسي ، ثمّ دفعه إليّ و قال : شُدَّهُ عَلى
.
ص: 249
عَضُدِكَ الأَيمَنِ ، وَ لا تَشُدَّهُ عَلى الأَيسَرِ . (1)
161كتابه عليه السلام إلى سليم مولى عليّ بن يقطينفي علاج رمد العينعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم (2) مولى عليّ بن يقطين 3 ، أنّه كان يلقى من رمد عينيه أذىً ، قال : فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام ابتداءً من عنده :ما يَمنَعُكَ مِن كُحلِ أَبي جَعفَرٍ عليه السلام جُزءُ كافورٍ رَباحيٍّ وَ جُزءُ صَبِرٍ أُصقوطرَى ، يُدَقَّانِ جَميعا وَ يُنخَلانِ بِحَريرَةٍ ، يُكتَحَلُ مِنهُ مِثلَ ما يُكتَحَلُ مِنَ الإِثمِدِ ، الكَحلَةُ في الشَّهرِ تَحدُرُ كُلَّ داءٍ في الرَّأسِ وَ تُخرِجُهُ مِنَ البَدَنِ .
.
ص: 250
قال : فكان يكتحل به ، فما اشتكى عينيه حتّى مات . (1)
162كتابه عليه السلام إلى عليّ بن يقطينفي علاج الصّداع وبرد الرّأسعليّ بن الحسن الحنّاط (2) قال : حدّثنا عليّ بن يقطين ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام (3) : أنّي أجد بردا شديدا في رأسي ، حتّى إذا هبّت عليّ الرّياح كدت أن يغشى عليَّ . فكتب لي :عَلَيكَ بِسُعوطِ العَنبَرِ وَ الزَّنبَقِ بَعدَ الطَّعامِ ، تُعافى مِنهُ بِإِذنِ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ. (4)
163كتابه عليه السلام إلى موسى بن عمر بن بزيعفي طلب الولدأحمد بن الهارون الفامي رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن جعفر بن بطّة ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن موسى بن عمر بن بزيع (5) ، قال : كان عندي جاريتان حاملتان ، فكتبت إلى الرّضا عليه السلام أعلمه ذلك
.
ص: 251
و أسأله أن يدعو اللّه تعالى أن يجعل ما في بطونهما ذكرين ، و أن يهب لي ذلك . قال : فوقّع عليه السلام :أَفعَلُ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . ثمّ ابتدأني عليه السلام بكتاب مفرد نسخته : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ بِأَحسَنِ عافيَةٍ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ بِرَحمَتِهِ ، الأُمورُ بِيَدِ اللّهِ عز و جل يَمضي فيها مَقاديرَهُ عَلى ما يُحِبُّ ، يولَدُ لَكَ غُلامٌ وَ جاريَةٌ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى ، فَسَمِّ الغُلامَ مُحَمَّدا وَ الجاريَةَ فاطِمَةَ عَلى بَرَكَةِ اللّهِ تَعالى . قال : فولد لي غلام و جارية على ما قاله عليه السلام . (1)
تتميم في طلب الولدأبو عبد اللّه محمّد بن محمّد قال : حدّثنا أبو الطّيب الحسن بن عليّ النّحوي ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ ، قال : حدّثني أبو نصر محمّد بن أحمد الطّائيّ ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد الصّيمريّ (2) الكاتب ، قال : تزوّجت ابنة جعفر بن محمود الكاتب و أحببتها حبّا لم يحبّ أحد مثله ، و أبطأ عليّ الولد ، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام فذكرت ذلك له ، فتبسّم و قال :اتَّخِذ خاتَما فَصُّهُ فَيروزَجٌ ، وَ اكتُب عَلَيهِ : « رَبِّ لَا تَذَرْنِى فَرْدًا وَ أَنتَ خَيْرُ الْوَ رِثِينَ » (3) . قال : ففعلت ذلك ، فما أتى عليّ حول حتّى رزقت منها ولدا ذكرا. (4)
في البواسيرفي بحار الأنوار :روي عن الرّضا عليه السلام أنّه شكا إليه رجل البواسير . فقال :
.
ص: 252
اُكتُب يس بِالعَسَلِ وَ اشرَبهُ . (1)
في التطيّب بالمسكمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى (2) ، عن معمّر بن خلّاد (3) ، قال : أمرني أبو الحسن الرّضا عليه السلام فعملت له دهنا فيه مسك و عنبر ، فأمرني أن أكتب في قرطاس آية الكرسي ، و أُمّ الكتاب و المعوّذتين و قوارع من القرآن ، و أجعله بين الغِلاف و القارورة ، ففعلت ثمّ أتيته فتغلّف به و أنا أنظر إليه. (4)
.
ص: 253
الفصل السّابع: في المواعظ
.
ص: 254
. .
ص: 255
164كتابه عليه السلام إلى الحسين بن سعيد المكفوففي الاستغفار و التّوكّل و . . .الحسين بن سعيد المكفوف (1) ، كتب إليه عليه السلام في كتابٍ له : جُعلت فداك يا سيّدي ، علّم مولاك ما لا يقبل لقائله دعوة ، و ما لا يؤخّر لفاعله دعوة ، وما حدّ الاستغفار الّذي وعد عليه نوح ، و الاستغفار الّذي لا يعذّب قائله ، و كيف يلفظ بهما ، و معنى قوله : « يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ » (2) « وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ » (3) و قوله : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ » (4) و « وَ مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى » (5) و « إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ » (6) ، و كيف تغيير القوم ما بأنفسهم ؟ فكتب صلوات اللّه عليه :كافأَكُم اللّهُ عَنِّي بِتَضعيفِ الثَّوابِ وَ الجَزاءِ الحَسَنِ الجَميلِ ، وَ عَلَيكُم جَميعا السَّلامُ وَرَحمَةُ اللّهُ وَ بَرَكاتُهُ .
.
ص: 256
الاستِغفارُ أَلفٌ ، وَ التَّوَكُّلُ مَن تَوَكَّلَ عَلى اللّهِ فَهوَ حَسبُهُ ، وَ مَن يَتَّقِ اللّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجا وَ يَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ . وَ أَمَّا قَولُهُ : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ » أَي مَن قالَ بِالإِمامَةِ وَ اتَّبَعَ أَمرَهُم بِحُسنِ طاعَتِهِم . وَ أَمَّا التّغيُّرُ فَإِنَّهُ لا يَسيءُ إِلَيهِم حَتَّى يَتَوَلَّوا ذلِكَ بِأَنفُسِهِم بِخَطَاياهُم ، وَ ارتِكابُهُم ما نُهِيَ عَنهُ . و كتب بخطّه . (1)
165تقريره عليه السلام لعليّ بن أسباطفي المواعظ و الحكمالحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط 2 ، قال : سمعت أبا الحسن الرّضا عليه السلام يقول :كانَ في الكَنزِ الّذي قالَ اللّهُ عز و جل : « وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا » (2) كانَ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ : عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالمَوتِ كَيفَ يَفرَحُ ؟ وَ عَجِبتُ لِمَن أَيقَنَ بِالقَدَرِ كَيفَ يَحزَنُ ؟ وَ عَجِبتُ لِمَن رَأَى الدُّنيا وَ تَقَلُّبَها بِأَهلِها كَيفَ يَركَنُ إِلَيها ؟ وَ يَنبَغي لِمَن عَقَلَ عَنِ اللّهِ أَلّا يَتَّهِمَ اللّهَ في قَضائِهِ وَ لا يَستَبطِئَهُ في رِزقِهِ .
.
ص: 257
فقلت : جُعلت فداك ، اُريد أن أكتبه . قال : فضرب واللّه يده إلى الدّواة ليضعها بين يدي ، فتناولت يده فقبّلتها وأخذت الدّواة فكتبته. (1)
166كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفضيلفي النّفاق والرّياءفي الكافي :محمّد بن يحيى عن الحسين بن إسحاق ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، عن محمّد بن عبد الحميد و الحسين بن سعيد (3) جميعا ، عن محمّد بن الفضيل (4) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن مسألة . فكتب إليّ : « إِنَّ الْمُنَ_فِقِينَ يُخَ_دِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَ_دِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَا قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً » (5) لَيسوا مِنَ الكافِرينَ ، وَلَيسوا مِنَ المُؤمِنينَ ، وَلَيسوا مِنَ المُسلِمينَ ، يُظهِرونَ الإِيمانَ وَيَصيرونَ إِلى الكُفرِ وَالتَّكذيبِ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ . (6) وفي تفسير العيّاشي : محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام ، قال : كتبت إليه
.
ص: 258
أسأله عن مسألة . فكتب إليّ : إنَّ اللّهَ يَقولُ : « إِنَّ الْمُنَ_فِقِينَ يُخَ_دِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَ_دِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلَوةِ » إلى قوله « سَبِيلاً » (1) ، لَيسوا مِن عِترَةِ [رسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ] ، وَ لَيسوا مِنَ المُؤمِنينَ ، وَ لَيسوا مِنَ المُسلِمينَ ، يُظهِرونَ الإِيمانَ وَ يُسِرُّونَ الكُفرَ وَ التَّكذيبَ ، لَعَنَهُمُ اللّهُ . (2)
167كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابفي تعيين الكبائرابن محبوب (3) قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائر ، كم هي وما هي ؟ فكتب :الكَبائِرُ : مَنِ اجتَنَبَ ما وَعَدَ اللّهُ عَلَيهِ النَّارَ ، كَفَّرَ عَنهُ سَيِّئاتِهِ إذا كانَ مُؤمِنا ، وَالسَّبعُ الموجِباتُ : قَتلُ النَّفسِ الحَرامِ ، وَعُقوقُ الوالِدَينِ ، وَأَكلُ الرِّبا ، وَ التَّعَرُّبُ بَعدَ الهِجرَةِ ، وَقَذفُ المُحصَناتِ ، وَأَكلُ مالِ اليَتيمِ ، وَالفِرارُ مِنَ الزَّحفِ . (4)
168كتابه عليه السلام إلى ابنه عليه السلامفي الإنفاق وصلة الرّحممحمّد بن عيسى بن زياد 5 قال : كنت في ديوان ابن عبّاد فرأيت كتابا يُنسخ ،
.
ص: 259
سألت عنه فقالوا : كتاب الرّضا إلى ابنه عليهماالسلام من خراسان . فسألتهم أن يدفعوه إليّ ، فدفعوه إليّ فإذا فيه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَبقاكَ اللّهُ طَويلاً ، وَأَعاذَكَ مِن عَدُوِّكَ يا وَلَدي فَداكَ أَبوكَ ، قَد فَسَّرتُ (1) لَكَ مالي وَأَنَا حَيٌّ سَويٌّ ، رَجاءَ أَن يَمُنَّكَ ( اللّهُ ) بِالصِّلَةِ لِقَرابَتِكَ وَلِمَوالي موسى وَجَعفَرَ رَضيَ اللّهُ عَنهُما . فَأَمَّا سَعيدَةُ فَإِنَّها امرأَةٌ قَويُّ الجَزمِ في النَّحلِ وَالصَّوابِ ، في رِقَّةِ الفِطرِ ، وَلَيسَ ذلِكَ كَذلِكَ ، قالَ اللّهُ : « مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَ_عِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً » (2) وقال : « لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَ مَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَاهُ اللَّهُ » (3) وَقَد أَوسَعَ اللّهُ عَلَيكَ كَثيرا يا بُنَيَ فَداكَ أَبوكَ لا ، يُسَتّر في الأُمورِ بِحَسبِها فَتَحظى حَظَّكَ وَالسَّلامُ . (4)
.
ص: 260
169كتابه عليه السلام إلى أبي جعفر عليه السلامفي الإنفاقأحمد بن محمّد بن خالد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى (1) جميعا ، عن ابن أبي نصر ، قال : قرأت في كتاب أبي الحسن الرّضا إلى أبي جعفر عليهماالسلام :يا أَبا جَعفَرٍ ، بَلَغَني أَنَّ المَواليَ إِذا رَكِبَت أَخرَجوكَ مِنَ البابِ الصَّغيرِ ، فَإِنَّما ذلِكَ مِن بُخلٍ مِنهُم ؛ لِئَلَا يَنالَ مِنكَ أَحَدٌ خَيرا ، وَأَسأَلُكَ بِحَقِّي عَلَيكَ لا يَكُن مَدخَلُكَ وَ مَخرَجُكَ إِلّا مِنَ البابِ الكَبيرِ ، فَإِذا رَكِبتَ فَليَكُن مَعَكَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ ، ثُمَّ لا يَسأَلُكَ أَحَدٌ شيئا إِلّا أَعطَيتَهُ. وَمَن سَأَلَكَ مِن عُمومَتِكَ أَن تَبَرَّهُ فَلا تُعطِهِ أَقَلَّ مِن خَمسينَ دينارا ، وَالكَثيرُ إِلَيكَ ، وَمَن سَأَلَكَ مِن عَمَّاتِكَ فَلا تُعطِها أَقَلَّ مِن خَمسَةٍ وعِشرينَ دينارا ، وَالكَثيرُ إِلَيكَ ، إِنَّي إِنَّما أُريدُ بِذلِكَ أن يَرفَعَكَ اللّهُ ، فَأَنفِق وَلا تَخشَ مِن ذي العَرشِ إِقتارا . (2)
170كتابه عليه السلام إلى المأمونفي الشّيبأحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد (3) الحسنيّ ، قال : بعث المأمون إلى أبي الحسن
.
ص: 261
الرّضا عليه السلام جارية ، فلمّا أُدخلت إليه اشمأزّت من الشّيب ، فلمّا رأى كراهيتها ردّها إلى المأمون ، وكتب إليه بهذه الأبيات شعرا : نَعى نَفسي إلى نفسي المَشيبُ وَعِندَ الشَّيبِ يَتَّعِظُ اللَّبيبُ فَقَد وَلَّى الشَّبابُ إِلى مَداهُ فَلَستُ أَرى مَواضِعَهُ يَؤُبُ سَأَبكيهِ وَأَندُبُه طَويلاً وَأَدعوهُ إِليَّ عَسى يَجيبُ وَهَيهاتَ الّذي قَد فاتَ عَنِّي تُمَنِّيني بِهِ النَّفسُ الكَذوبُ وَراعَ الغانياتُ بَياضُ رَأسي وَمَن مَدَّ البَقاءُ لَه يَشيبُ أَرى البيضَ الحِسانَ يَجدِفُ عَنِّي وَفي هِجرانِهِنَّ لَنا نَصيبُ فَإِن يَكُن الشَّبابُ مَضى حَبيبا فَإِنَّ الشَّيبُ أَيضا لي حَبيبُ سَأَصحَبهُ بِتَقوى اللّهِ حَتَّى يُفَرِّقُ بَينَنا الأَجَلُ القَريبُ (1)
171كتابه عليه السلام إلى الحسن بن شاذان الواسطيّفي الصّبر في دولة الباطلالحسين بن محمّد و محمّد بن يحيى جميعا ، عن محمّد بن سالم بن أبي سلمة ، عن الحسن بن شاذان الواسطيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام أشكو جَفاء أهل واسط و حملهم عليّ ، و كانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني . فوقّع بخطّه :إِنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى أَخَذَ ميثاقَ أَوليائِنا عَلى الصَّبرِ في دَولَةِ الباطِلِ « فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ » (3) فَلَو قَد قامَ سَيِّدُ الخَلقِ لَقالوا « قَالُواْ يَ_وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَ_ذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَ_نُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ » (4) . (5)
.
ص: 262
172كتابه عليه السلام إلى أحمد بن محمّدفي النّهي عن كثرة السؤالأحمد بن محمّد (1) قال : كتب إليّ أبو الحسن الرّضا عليه السلام ، و كتب في آخره :أَ و لَم تَنتَهوا عَن كَثرَةِ المَسائِلِ فَأَبَيتُم أَن تَنتَهوا ، إِيَّاكُم وَ ذاكَ ، فَإِنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤالِهِم ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى : « يَ_أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسْ_ئلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » إلى قوله : « كَ_فِرِينَ » . (2)
173كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي طلب الولد مع الفقر والغنى والقوّة و الضّعفبكر بن صالح 3 قال : كتبت إلى أبي الحسن الثّاني عليه السلام : إنّي اجتنبت طلب الولد منذ
.
ص: 263
خمس سنين ، و ذلك أنّ أهلي كرهت ذلك و قالت : إنّه يشتدّ عليّ تربيتهم لقلّة الشّيء ، فما ترى؟ فكتب عليه السلام :اطلُبِ الوَلَدَ ، فَإِنَّ اللّه يَرزُقُهُم . (1)
.
ص: 264
. .
ص: 265
الفصل الثّامن: في الواقفة
.
ص: 266
. .
ص: 267
174كتابه عليه السلام إلى يحيى بن المباركخلف بن حامد الكشّي ، قال : أخبرني الحسن بن طلحة المروزيّ ، عن يحيى بن المبارك (1) ، قال : كتبت إلى الرّضا عليه السلام بمسائل فأجابني _ وكنت ذكرت في آخر الكتاب قول اللّهعز و جل : « مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَ_ؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً » (2) _ فقال : نَزَلَت في الواقِفَةِ . ووجدت الجواب كلّه بخطّه : لَيسَ هُم مِنَ المُؤمِنينَ وَلا مِنَ المُسلِمينَ ، هُم مَن كَذَّب بِآياتِ اللّهِ ، وَنَحنُ أَشهُرٌ مَعلوماتٌ ، فَلا جِدالَ فينا وَلا رَفَثَ وَلافُسوقَ فينا ، أَنصِب لَهُم مِنَ العَداوَةِ يا يَحيى ما استَطَعتَ . (3)
175كتابه عليه السلام إلى عليّ بن عبد اللّهمحمّد بن مسعود ، ومحمّد بن الحسن البراثي قالا : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن
.
ص: 268
محمّد بن فارس ، قال : حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبدوس الخلنجيّ أو غيره ، عن عليّ بن عبد اللّه الزّبيريّ (1) ، قال :كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الواقفة . فكتب :الواقِفُ عانِدٌ مِنَ الحَقِّ ، وَمُقيمٌ عَلى سَيِّئَةٍ ، إِن ماتَ بِها ، كانَت جَهَنَّمُ مأواهُ وَ بِئسَ المَصيرُ . (2)
176كتابه عليه السلام في ردّ مذهب الواقفيّةحدّثنا أبي و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قالا : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن جمهور ، عن أحمد بن حمّاد 3 ، قال : كان أحد القوّام عثمان بن عيسى الرّواسيّ ، و كان يكون بمصر ، و كان عنده مال كثير و ستّ جواري ، قال : فبعث إليه أبو الحسن الرّضا عليه السلام فيهنّ و في المال ، قال : فكتب إليه : إنّ أباك لم يمت . قال : فكتب إليه :إِنَّ أَبي قَد ماتَ ، وَ قَد قَسَّمنا ميراثَهُ ، وَ قَد صَحَّت الأَخبارُ بِمَوتِهِ . واحتجّ عليه فيه . قال : فكتب إليه : إن لم يكن أبوك مات فليس لك مِن ذلك شيء ، و إن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، و قد أعتقت
.
ص: 269
الجواري و تزوّجتهنّ . (1)
177كتابه عليه السلام إلى حمزة الزّيّاتأيّوب بن نوح عن سعيد العطّار ، عن حمزة الزّيّات (2) ، قال : سمعت حمران بن أعين يقول : قلت لأبي جعفر عليه السلام : أمن شيعتكم أنا؟ قال :إِي وَ اللّهِ في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، وَ ما أَحَدٌ مِن شيعَتِنا إِلَا وَ هوَ مَكتوبٌ عِندَنا اسمُهُ وَ اسمُ أَبيهِ ، إِلَا مَن يَتَوَلَّى مِنهُم عَنَّا. قال : قلت : جُعلت فداك ، أو من شيعتكم من يتولّى عنكم بعد المعرفة؟ قال : يا حُمرانُ نَعَم ، وَ أَنتَ لا تُدرِكُهُم. قال حمزة : فتناظرنا في هذا الحديث قال : فكتبنا به إلى الرّضا عليه السلام نسأله عمّن استثنى به أبو جعفر عليه السلام . فكتب : هُمُ الواقِفَةُ عَلى موسى بنِ جَعفَرٍ عليهماالسلام . (3)
178كتابه عليه السلام إلى الحسين بن مهرانفي مواعظه عليه السلام لهحمدويه ، قال : حدّثنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا إسماعيل بن مهران (4) ، عن
.
ص: 270
أحمد بن محمّد (1) ، قال : كتب الحسين بن مهران (2) إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام كتابا ، قال : فكان يمشي شاكّا في وقوفه . قال : فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يأمره و ينهاه. فأجابه أبو الحسن عليه السلام بجواب و بعث به إلى أصحابه فنسخوه ، و ردّ إليه لئلّا يستره حسين بن مهران ، و كذلك كان يفعل إذا سُئل عن شيء ، فأحبّ ستر الكتاب ، و هذه نسخة الكتاب الّذي أجابه به :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم عافانا اللّهُ وَ إِيَّاكَ ، جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ الرَّجلَ الّذي عَلَيهِ الخيانَةُ ، وَ العَينُ تَقولُ أَخَذتُهُ ، وَتَذكُرُ ما تَلقاني بِهِ وَ تَبعَثُ إِليَّ بِغَيرِهِ ، وَ احتَجَجتَ فيهِ فَأَكثَرتَ ، وَ عِبتَ عَلَيهِ أَمرا وَ أَرَدتَ الدُّخولَ في مِثلِهِ . تَقولُ إِنَّهُ عَمَلَ في أَمري بِعَقلِهِ وَ حيلَتِهِ ، نَظَرا مِنهُ لِنَفسِهِ ، وَ إِرادَةَ أَن تَميلَ إِليهِ قُلوبُ النَّاسِ ، لِيَكونَ الأَمرُ بِيَدِهِ وَ إِليهِ ، يَعمَلُ فيهِ بِرَأيِهِ وَ يَزعُمُ أَنَّي طاوَعتُهُ فيما أَشارَ بِهِ عَلَيَّ ، وَ هذا أَنتَ تَشيرُ عَلَيَّ فيما يَستَقيمُ عِندَكَ في العَقلِ وَ الحيلَةِ بَعدَكَ ، لا يَستَقيمُ الأَمرُ إِلَا بِأَحدِ أَمرَينِ : إِمَّا قَبِلتَ الأَمرَ عَلى ما كانَ يَكونُ عَلَيهِ ، و إمَّا أَعطَيتَ القَومَ ما طَلَبوا وَ قَطَعتَ عَلَيهِم ، وَ إِلَا فَالأَمرُ عِندنا مِعوَجٌ ، وَ النَّاسُ غَيرُ مُسلِّمينَ ما في أَيديهِم مِن مالٍ وَ ذاهِبونَ بِهِ ، فَالأَمُر لَيسَ بِعَقلِكَ وَ لا بِحيلَتِكَ يَكونُ ، وَ لا تَفعَل الّذي تَجيلُهُ بِالرَّأيِ وَ المَشوَرَةِ ، وَلكِنَّ الأَمرَ إِلى اللّهِ عز و جلوَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، يَفعَلُ في خَلقِهِ ما يَشاءُ ، مَن يهدي اللّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَ مَن يُضلِلهُ فَلا هاديَ لَهُ ، وَ لَن تَجِد لَهُ مُرشِدا . فَقُلتَ : وَأَعمَلُ في أَمرِهِم وَ أَحتِلُ فيهِ ، وَ كَيفَ لَكَ الحيلَةُ ، وَ اللّهُ يَقولُ : « وَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ
.
ص: 271
جَهْدَ أَيْمَ_نِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا » (1) في التَّوراةِ وَ الإِنجيلِ ، إِلى قَولِهِ عز و جل : « وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ » (2) . فَلَو تُجيبُهُم فيما سَألوا عَنهُ استَقاموا وَ سَلَّموا ، وَ قَد كانَ مِنِّي ما أَنكَرتُ وَ أَنكَروا مِن بَعدي ، وَ مُدَّ لي لِقائي ، وَ ما كانَ ذلِكَ مِنِّي إِلَا رَجاءَ الإِصلاحِ ، لِقَولِ أَميرِ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهُ عَلَيهِ : اقتَرِبوا اقتَرِبوا وَسَلوا وَسَلوا ، فإِنَّ العِلمُ يَفيضُ فَيضا ، وَ جَعَلَ يَمسَحُ بَطنَهُ وَيَقولُ : ما مُلِئَ طَعامٌ ، وَ لكِن مَلأََهُ عِلمٌ ، وَ اللّهِ ما آيةٌ نَزَلَت في بَرٍّ وَ لا بَحرٍ وَ لا سَهلٍ وَ لا جَبَلٍ إِلَا أَنا أَعلَمُها و أَعلَمُ فيمَن نَزَلَت . وَ قَولُ أَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام : إِلى اللّهِ أَشكو أَهلَ المَدينَةِ إِنَّما أَنا فيهِم كَالشّعرِ أَتَنَقَّلُ ، يُريدونَني عَلى أَلّا أَقولُ الحَقَّ ، وَ اللّهِ لا أَزالُ أَقولُ الحَقَّ حَتَّى أَموتُ ، فَلمَّا قُلتُ حَقّا أُريدُ بِهِ حَقنَ دِمائِكُم ، وَ جَمعَ أَمرِكُم عَلى ما كُنتُم عَلَيهِ ، أَن يَكونَ سِرُّكُم مَكنونا عِندَكُم غَيرُ فاشٍ في غَيرِكُم ، وَ قَد قالَ رسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : سِرَّا أَسَرَّهُ اللّهُ إِلى جَبريلَ ، وَ أَسَرَّهُ جَبريلَ إِلى مُحَمَّدٍ ، وَ أَسَرَّهُ مُحمَّدُ إِلى عَليٍّ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وَ أَسرَّهُ عَليٌّ إلى مَن شاءَ . ثُمَّ قالَ : قالَ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام : ثُمَّ أَنتُم تُحَدِّثونَ بِهِ في الطَّريقِ ، فَأَردتُ حَيثُ مَضى صاحِبُكُم أَن أَلَفَّ أَمرَكُم عَلَيكُم ، لِئَلَا تُضَيِّعوهُ في غَيرِ مَوضِعِهِ ، وَ لا تَسأَلوا عَنهُ غَيرَ أَهلِهِ فَتَكونوا في مَسأَلتِكُم إِيَّاهُم هَلَكُتُم ، فَكَم دُعيَ إِلى نَفسِهِ وَ لَم يَكُن داخِلُهُ ، ثُمَّ قُلتُم : لابُدَّ إِذا كانَ ذلِكَ مِنهُ يَثبُتُ عَلى ذلِكَ ، وَ لا يَتَحَوَّلَ عَنهُ إِلى غَيرِهِ . قُلتُ : لِأَنَّه كانَ مِنَ التَّقيَّةِ وَ الكَفِّ أَوَّلاً ، وَ أَمَّا إِذا تَكَلَّمَ فَقَد لَزَمَهُ الجَوابُ فيما يَسألُ عَنهُ ، فَصارَ الّذي كُنتُم تَزعَمونَ أَنَّكُم تَذُمُّونَ بِهِ ، فَإِنَّ الأَمرُ مَردودٌ إِلى غَيرِكُم ، وَ إِنَّ الفَرضَ عَلَيكُم اتّباعُهُم فيهِ إِلَيكُم ، فَصَيَّرتُم ما استَقامَ في عُقولِكُم وَ آرائِكُم ، وَ صَحَّ بِهِ القياسُ عِندَكُم بِذلِكَ لازِما ، لِما زَعَمتُم مِن أَلّا يَصُحُّ أَمرُنا ، زَعَمتُم حَتّى يَكونَ ذلِكَ عَلَيَّ لَكُم . فَإِن قُلتُم : إِن لَم يَكُن كَذلِكَ لِصاحِبِكُم فَصارَ الأَمرُ إِن وَقَعَ إِلَيكُم ، نَبَذتُم أَمرَ رَبِّكُم وَراءَ
.
ص: 272
ظُهورِكُم ، فَلا أَتَّبِعُ أَهواءَكُم ، قَد ضَلَلتُ إِذا وَ ما أَنا مِنَ المُهتَدينَ ، وَ ما كانَ بَدُّ مِن أَن تَكونوا كَما كانَ مِن قَبلِكُم ، قَد أُخبِرتُم أَنَّها السُّنَنُ وَ الأَمثالُ ، القُذَّةُ بِالقُذَّةِ ، وَ ما كانَ يَكونُ ما طَلَبتُم مِنَ الكَفِّ أَوَّلاً وَ مِنَ الجَوابِ آخِرا ، شَفاءٌ لِصُدورِكُم وَ لا ذِهابَ شَكِّكُم ، وَ ما كانَ مِن أَن يَكونَ ما قَد كانَ مِنكُم ، وَ لا يَذهَبُ عَن قُلوبِكُم حَتَّى يُذهِبَهُ اللّهُ عَنكُم ، وَ لَو قَدَرَ النَّاسُ كُلَّهُم عَلى أَن يُحِبُّونا وَيَعرِفوا حَقَّنا وَيُسَلِّموا لأَِمرنا ، فَعَلوا ، وَلكِنَّ اللّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ وَيَهدي إِلَيهِ مَن أَنابَ . فَقَد أَجَبتُكَ في مَسائِلٍ كَثيرَةٍ ، فَانظُر أَنتَ وَمَن أَرادَ المَسائِلَ مِنها وَتَدَبَّرَها ، فَإِن لَم يَكُن في المَسائِلِ شَفاءٌ ، فَقَد مَضى إِلَيكُم مِنِّي ما فيهِ حُجَّةٌ وَمُعتَبَرٌ ، وَكَثرَةُ المَسائِلِ مُعيبَةٌ عِندَنا مَكروهَةٌ ، إِنَّما يُريدُ أَصحابُ المَسائِلِ المِحنَةَ ، لِيَجدوا سَبيلاً إِلى الشُّبهَةِ وَالضَّلالَةِ وَمَن أَرادَ لَبسا لَبَسَ اللّهُ عَلَيهِ وَوَكَّلَهُ إِلى نَفسِهِ ، وَلا تَرى أَنتَ وَأَصحابُكَ إِنِّي أَجِبتُ بِذلِكَ ، وَإِن شِئتَ صَمَتّ ، فَذَاكَ إِليَّ ، لا ما تَقولَهُ أَنتَ وَأَصحابُكَ ، لا تَدرونَ كَذا وكَذا ، بَل لابُدَّ مِن ذلِكَ ، إِذ نَحنُ مِنهُ عَلى يَقينٍ ، وَأَنتُم مِنهُ في شَكٍّ . (1)
179جوابه عليه السلام إلى رجلٍ من الواقفةروى البرسيّ في مشارق الأنوار : أنّ رجلاً من الواقفة جمع مسائل مشكلة في طومار و قال في نفسه : إن عرف الرّضا عليه السلام معناه فهو وليّ الأمر . فلمّا أتى الباب وقف ليخفّ المجلس ، فخرج إليه الخادم و بيده رقعة فيها جواب مسائله بخطّ الإمام عليه السلام . فقال له الخادم : أين الطومار ؟ فأخرجه ، فقال له : يقول لك وليّ اللّه :هذا جَوابُ ما فيهِ . فأخذه و مضى . (2)
.
ص: 273
180كتابه عليه السلام إلى رجلٍجعفر بن أحمد عن يونس بن عبدالرّحمن ، عن الحسين بن عمر (1) ، قال : قلت له : إنّ أبي أخبرني أنّه دخل على أبيك فقال له : إنّي أحتجّ عليك عند الجبّار ، أمرتني بترك عبد اللّه ، وأنّك قلت :أنا إمام . فقال : نَعَم فَما كانَ مِن إثمٍ فَفي عُنُقي . فقال : وإنّي أحتجّ عليك بمثل حجّة أبي على أبيك ، فإنّك أخبرتني بأنّ أباك قد مضى وأنّك صاحب هذا الأمر من بعده ؟ فقال : نَعَم . فقلت له : إنّي لم أخرج من مكّة حتّى كاد يتبيّن لي الأمر ، وذلك أَنَّ فلانا أقرأني كتابك يذكر : أَنَّ تَركَة صاحِبِنا عِندَكَ . فقال : صَدَقتُ وَصَدَقَ ، أَما وَاللّهِ مَا فَعَلتُ ذلِكَ حَتَّى لَم أَجِدُ بَدَّا ، وَلَقَد قُلتُهُ عَلى مِثلِ جَدعِ أَنفي ، وَلكِنِّي خِفتُ الضَّلالَ وَالفُرقَةَ . (2)
.
ص: 274
. .
ص: 275
الفصل التّاسع: مكاتيبه السياسيّة
.
ص: 276
. .
ص: 277
181كتابه عليه السلام إلى المأمونفي ولاية العهد و العلّة في قبولهعليّ بن إبراهيم عن ياسر الخادم (1) والرّيان بن الصّلت (2) جميعا ، قال : لمّا انقضى أمر المخلوع واستوى الأمر للمأمون ، كتب إلى الرّضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان ، فاعتلّ عليه أبو الحسن عليه السلام بعللٍ ، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتّى علم أنّه لا محيص له و أنّه لا يكفّ عنه ، فخرج عليه السلام ولأبي جعفرٍ عليه السلام سبع سنين . فكتب إليه المأمون : لا تأخذ على طريق الجبل وقُم ، وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس . حتّى وافى مرو . فعرض عليه المأمون أن يتقلّد الأمر والخلافة ، فأبى أبو الحسن عليه السلام . قال : فولاية العهد ؟ فقال : عَلى شُروطٍ أَسأَلُكَها . قال المأمون له : سل ما شئت . فكتب الرّضا عليه السلام :
.
ص: 278
إِنِّي داخِلٌ في وِلايَةِ العَهدِ عَلى أَلّا آمُرَ ، وَلا أَنهى ، وَلا أُفتيَ ، وَلا أَقضيَ ، وَلا أُوَلِّيَ ، وَلا أَعزِلَ ، وَلا أُغَيِّر شَيئا مِمَّا هوَ قائِم ، وَتَعفيَني مِن ذلِكَ كُلِّهِ . فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه . قال : فحدّثني ياسر (1) ، قال : فلمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرّضا عليه السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلّي ويخطب . فبعث إليه الرّضا عليه السلام : قَد عَلِمتَ ما كانَ بَيني وَبَينَكَ مِن الشُّروطِ في دُخولِ هذا الأَمرِ . فبعث إليه المأمون : إنّما أُريد بذلك أن تطمئنّ قلوب النّاس ويعرفوا فضلك ، فلم يزل عليه السلام يُرادُّه الكلام في ذلك فألحّ عليه . فقال : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، إِن أَعفَيتَني مِن ذلِكَ فَهوَ أَحَبُّ إِليَّ ، وَإِن لَم تُعفِني خَرَجتُ كَما خَرَجَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَأَميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام . فقال المأمون : اخرج كيف شئت . وأمر المأمون القوّاد والنّاس أن يبكّروا إلى باب أبي الحسن . قال:فحدّثني ياسر الخادم أنّه قعد النّاس لأبيالحسن عليه السلام في الطّرقات والسّطوح ، الرّجال والنّساء والصّبيان ، واجتمع القوّاد والجند على باب أبي الحسن عليه السلام ، فلمّا طلعت الشّمس قام عليه السلام فاغتسل وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن ، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه وتشمّر ، ثمّ قال لجميع مواليه : افعَلوا مِثلَ ما فَعَلتُ . ثمّ أخذ بيده عكّازا ، ثمّ خرج ونحن بين يديه وهو حافٍ قد شمّر سراويله إلى نصف السّاق ، وعليه ثيابٌ مشمّرة ، فلمّا مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السّماء وكبّر أربع تكبيرات ، فخُيّل إلينا أن السّماء والحيطان تجاوبه ، والقوّاد والنّاس على الباب قد تهيّؤوا ولبسوا السّلاح وتزيّنوا بأحسن الزّينة ، فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصّورة وطلع الرّضا عليه السلام وقف على الباب وقفة ، ثمّ قال : اللّهُ أَكبرُ ، اللّهُ أَكبرُ ، اللّهُ أَكبرُ ، اللّهُ
.
ص: 279
أَكبرُ عَلى ما هدانا ، اللّهُ أَكبرُ عَلى ما رَزَقَنا مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ، وَالحَمدُ للّهِ عَلى ما أَبلانا . نرفع بها أصواتنا . قال ياسر : فتزعزعت مرو بالبكاء والضّجيج والصّياح لمّا نظروا إلى أبي الحسن عليه السلام ، وسقط القوّاد عن دوابّهم ورموا بخفافهم لمّا رأوا أبا الحسن عليه السلام حافيا ، وكان يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات ويكبّر ثلاث مرّات . قال ياسر : فتخيّل إلينا أنّ السّماء والأرض والجبال تجاوبه ، وصارت مرو ضجّة واحدة من البكاء ، وبلغ المأمون ذلك. فقال له الفضل بن سهل ذو الرّياستين : يا أمير المؤمنين ، إن بلغ الرّضا المصلّى على هذا السّبيل افتتن به النّاس ، والرّأي أن تسأله أن يرجع . فبعث إليه المأمون فسأله الرّجوع . فدعا أبو الحسن عليه السلام بخفّه فلبسه وركب ورجع . (1)
182كتابه عليه السلام إلى المأمونفي كشف الغمّة : قال الفقير إلى اللّه تعالى عبد اللّه عليّ بن عيسى (2) أثابه اللّه : وفي سنة سبعين وستّمئة وصل من مشهده الشّريف عليه السلام أحد قوّامه ومعه العهد الّذي كتبه المأمون بخطّ يده ، وبين سطوره وفي ظهره بخطّ الإمام عليه السلام ما هو مسطور ، فقبّلت مواقع أقلامه ، وسرحت طرفي في رياض كلامه ، وعددت الوقوف عليه من منن اللّه وأنعامه ، ونقلته حرفا فحرفا . وما هو بخطّ المأمون : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم هذا كتاب كتبه عبد اللّه بن هارون الرّشيد أمير المؤمنين لعليّ بن موسى بن جعفر
.
ص: 280
وليّ عهده . أمّا بعد فإنّ اللّه عز و جل اصطفى الإسلام دينا ، واصطفى له من عباده رسلاً دالّين عليه وهادين إليه ، يبشّر أوّلهم بآخرهم ويصدّق تاليهم ماضيهم ، حتّى انتهت نبوّة اللّه إلى محمّد صلى الله عليه و آله على فترة من الرّسل ودروس من العلم وانقطاع من الوحي واقتراب من السّاعة ، فختم اللّه به النّبيّين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم ، وأنزل عليه كتابه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد بما أحلّ وحرّم ووعد وأوعد وحذّر وأنذر وأمر به ونهى عنه ؛ لتكون له الحجّة البالغة على خلقه ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم ، فبلّغ عن اللّه رسالته ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن ، ثمّ بالجهاد والغلظة حتّى قبضه اللّه إليه ، واختار له ما عنده صلى الله عليه و آله . فلمّا انقضت النّبوّة ، وختم اللّه بمحمّد صلى الله عليه و آله الوحي والرّسالة جعل قوام الدّين ونظام أمر المسلمين بالخلافة واتمامها وعزّها ، والقيام بحقّ اللّه فيها بالطّاعة الّتي بها يقام فرائض اللّه وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ويجاهد بها عدوّه . فعلى خلفاء اللّه طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده ، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حقّ اللّه وعدله وأمن السّبيل وحِقن الدّماء وصلاح ذات البين وجمع الأُلفة ، وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم ، واختلاف ملّتهم ، وقهر دينهم واستعلاء عدوّهم وتفرّق الكلمة وخسران الدّنيا والآخرة . فحقّ على من استخلفه اللّه في أرضه وائتمنه على خلقه ، أن يجهد للّه نفسه ويؤثر ما فيه رضا اللّه وطاعته ، ويعتد لما اللّه مواقفه عليه ومسائله عنه ، و يحكم بالحقّ ويعمل بالعدل فيما حمّله اللّه وقلّده ، فإنّ اللّه عز و جل يقول لنبيّه داوود عليه السلام : « يَ_دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَ_كَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن
.
ص: 281
سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ » (1) وقال اللّه عز و جل : « فَوَرَبِّكَ لَنَسْ_ئلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ » (2) . وبلغنا أنّ عمر بن الخطّاب قال : لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوّفت أن يسألني اللّه عنها ، وايم اللّه إنّ المسؤول عن خاصّة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين اللّه ، ليتعرّض على أمرٍ كبير وعلى خطرٍ عظيم ، فكيف بالمسؤول عن رعاية الأُمّة ، وباللّه الثّقة ، وإليه المفزع ، والرّغبة في التّوفيق والعصمة والتّشديد ، والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجّة ، والفوز من اللّه بالرضوان والرّحمة . وأنظر الاُمّة لنفسه وأنصحهم للّه في دينه وعباده من خلائقه في أرضه ، من عمل بطاعة اللّه وكتابه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله في مدّة أيّامه وبعدها ، وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامة المسلمين ورعايتهم بعده ، وينصبه علما لهم ، ومفزعا في جميع أُلفتهم ، ولمّ شعثهم ، وحقن دمائهم ، والأمن بإذن اللّه من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ، ورفع نزع الشّيطان وكيده عنهم ، فإنّ اللّه عز و جل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام وكماله وعزّه وصلاح أهله ، وألهم خلفائه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النّعمة وشملت فيه العافية ، ونقض اللّه بذلك مكر أهل الشّقاق والعداوة والسّعي في الفرقة والتّربّص للفتنة . ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة ، فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدّة مؤنتها وما يجب على من تقلّدها من ارتباط طاعة اللّه ومراقبته فيما حمّله منها ، فأنصب بدنه ، وأشهر عينه ، وأطال فكره فيما فيه عزّ الدّين ، وقمع المشركين ، وصلاح الاُمّة ، ونشر العدل ، وإقامة الكتاب والسّنة ، و منعه ذلك من الخفض والدّعة ومهنؤ العيش ، علما بما اللّه سائله عنه ، و محبّة أن يلقى اللّه مناصحا
.
ص: 282
له في دينه وعباده ، و مختارا لولاية عهده ورعاية الأُمّة من بعده أفضل من يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه ، و أرجاهم للقيام في أمر اللّه وحقّه ، مناجيا للّه تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره ، مُعمّلاً في طلبه والتماسه في أهل بيته من وِلد عبد اللّه بن العبّاس وعليّ بن أبي طالب فكره و نظره ، مقتصرا لمن علم حاله ومذهبه منهم على علمه وبالغا في المسألة عمّن خفي عليه أمره جهده وطاقته . حتّى استقصى أُمورهم معرفةً ، وابتلى أخبارهم مشاهدةً ، واستبرأ أحوالهم معاينةً ، وكشف ما عندهم مسائلةً ، فكانت خيرته بعد استخارته للّه ، وإجهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده وبلاده في البيتين جميعا ، عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، لما رأى من فضله البارع وعلمه النّاصع وورعه الظّاهر وزهده الخالص وتخلّيه من الدّنيا وتسلمه من النّاس ، وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة والألسن عليه متّفقة والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل نافعا وناشئا وحدثا ومكتهلاً ، فعقد له بالعهد والخلافة من بعده واثقا بخيرة اللّه في ذلك ، إذ علم اللّه إنّه فعله ايثارا له وللدين ، ونظرا للإسلام والمسلمين وطلبا للسّلامة وثبات الحقّ ، والنجاة في اليوم الّذي يقوم النّاس فيه لربّ العالمين . ودعا أمير المؤمنين ، وِلده وأهل بيته وخاصّته وقوّاده و خدمه ، فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين ، طاعة اللّه على الهوى في ولده وغيرهم ممّن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة ، و سمّاه الرّضا إذ كان رضا عند أمير المؤمنين ، فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قوّاده وجنده وعامّة المسلمين لأمير المؤمنين وللرّضا من بعده ( كتب بقلمه الشّريف بعد قوله «وللرّضا من بعده» بل آل من بعده) عليّ بن موسى ، على اسم اللّه وبركته ،
.
ص: 283
وحسن قضائه لدينه وعباده ، بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدوركم ، عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها وآثر طاعة اللّه والنّظر لنفسه ولكم فيها ، شاكرين للّه على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقّه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم ، راجين عائدة ذلك في جمع أُلفتكم وحقن دمائكم ولَمّ شعثكم وسدّ ثغوركم وقوّة دينكم ورغم عدوّكم واستقامة أُموركم ، و سارعوا إلى طاعة اللّه وطاعة أمير المؤمنين ، فإنّه الأمن إن سارعتم إليه وحمدتم اللّه عليه ، عرفتم الحظّ فيه إن شاء اللّه . وكتب بيده يوم الاثنين بسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومئتين .
صورة ماكان على ظهر العهد بخطّ الإمام الرّضا عليه السلامبِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم الحَمدُ للّهِ الفَعَّالُ لِما يَشاءُ ، لا مُعِّقّبَ لِحُكمِهِ وَلا رَادَّ لِقضائِهِ ، يَعلَمُ خائِنَةَ الأَعيُنِ وَما تُخفي الصُّدورُ . وَصلاتُهُ عَلى نَبيِّهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبيِّينَ ، وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ. أَقولُ وَأَنا عَليُّ بنُ موسى الرِّضا بنُ جَعفَرٍ : إِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ عَضَدَهُ اللّهُ بِالسَّدادِ ، وَوَفَّقَهُ لِلرَّشادِ ، عَرَّفَ مِن حَقِّنا ما جَهَلَهُ غَيرُهُ ، فَوَصَلَ أَرحاما قُطِعَت ، وَآمَنَ نُفوسا فَزِعَت ، بَل أَحياها وَقَد تَلَفَت ، وَأَغناها إِذ افتَقَرَت ، مُبتَغيا رِضا رَبِّ العَالمينَ ، لا يُريدُ جَزاءً مِن غَيرِهِ « وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّ_كِرِينَ » (1) و « لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » (2) . وَإِنَّهُ جَعَلَ إِلَيَّ عَهدَهُ وَالإِمرَةَ الكُبرى إِن بَقيتُ بَعدَهُ ، فَمَن حَلَّ عَقدَةً أَمَرَ اللّهُ بِشَدِّها ، وَفَصَمَ عُروَةً أَحَبَّ اللّهُ إِيثاقَها ، فَقَد أَباحَ حَريمَهُ وَأَحَلَّ مُحَرَّمَهُ ، إِذ كانَ بِذلِكَ زاريا عَلى الإِمامِ ، مُنهَتِكا حُرمَةَ الإِسلامِ بِذلِكَ جَرَى السَّالِفُ ، فَصَبَرَ عَنهُ عَلى الفَلتَاتِ (3) ، وَلَم يَعتَرِض بَعدَهَا عَلى الغُرماتِ ، خَوفا مِن شَتاتِ الدِّينِ وَاضطِرابِ حَبلِ المُسلِمينَ ، وَلِقُربِ أَمرِ الجاهِليَّةِ ،
.
ص: 284
وَرَصدِ فرصَةً تُنتَهَزُ وَبائِقَةً تُبتَدَرُ . وَقَد جَعَلتُ اللّهَ عَلى نفسي إِن استَرعاني أَمرَ المُسلِمينَ وَقَلَّدَني خِلافَتَهُ ، العَمَلَ فيهِم عامَّةً ، وَفي بَني العَبَّاسِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ خاصَّةً ، بِطاعَتِهِ وَطاعَةِ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَلّا أَسفُكُ دَما حَراما ، وَلا أُبيحُ فَرجا وَلا مالاً ، إِلَا ما سَفَكتهُ حُدودُ اللّهِ ، وَأباحَتهُ فَرائِضُهُ ، وَأَن أَتَخَيَّرَ الكُفاةَ (1) جُهدي وَطاقتي ، وَجَعَلتُ بِذلِكَ عَلى نَفسي عَهدا مُؤَكَّدا يَسأَلُني اللّهُ عَنهُ ، فَإِنَّه عز و جل يَقولُ : « وَ أَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَ الْعَهْدَكَانَ مَسْ_ئولًا » (2) ، وَإِن أَحدَثتُ أَو غَيَّرتُ أَو بَدَّلتُ كُنتُ لِلغَيرِ مُستَحِقَّا ، وَلِلنِكالِ مُتَعَرِّضا ، وَأَعوذُ بِاللّهِ مِن سَخَطِهِ وَإِلَيهِ أَرغَبُ في التَّوفيقِ لِطاعَتِهِ ، وَالحَولِ بَيني وَبَينَ مَعصيَتِهِ في عافيةٍ لي وَلِلمُسلِمينَ . وَالجامِعَةُ وَالجَفر يَدُلَان عَلى ضِدِّ ذلِكَ ، وَما أَدري مَا يُفعَلُ بي وَلا بِكُم ، إِنَّ الحُكمَ إِلَا للّهِ يَقضي بِالحَقِّ وَهوَ خَيرُ الفاصِلينَ ، لكِنِّي امتَثَلتُ أَمرَ أَميرِ المُؤمِنينَ وَآثَرتُ رِضاهُ ، واللّهُ يَعصِمُني وَإيَّاهُ ، وَأَشهَدتُ اللّهَ عَلى نَفسي بِذلِكَ ، وَكَفى بِاللّهِ شَهيدا. وَكَتبتُ بِخَطِّي بِحَضرَةِ أَميرِ المُؤمِنينَ _ أَطالَ اللّهُ بَقاءَهُ _ وَالفَضلِ بنِ سَهلٍ (3) ، وَسهلِ بنِ الفَضلِ ، وَيَحيى بنِ أَكثَمٍ ، وَعَبدِ اللّهِ بنِ طاهِرٍ ، وَثُمامَةُ بنِ أَشرَسِ ، وَبِشرِ بنِ المُعتَمِرِ ، وَحَمَّادِ بنِ النُّعمانِ ، في شَهرِ رَمَضانِ سَنَةَ إِحدَى وَمِئَتَين.
[الشّهود على العهد] :شَهَدَ يَحيى بنُ أَكثَمَ عَلى مَضمونِ هذا المَكتوبِ ظَهرَهُ وَبَطنَهُ ، وَهوَ يَسأَلُ اللّهَ أَن يُعَرِّفَ أَميرَ المُؤمِنينَ وَكافَّةَ المُسلِمينَ بِبَرَكَةِ هذا العَهدِ وَالميثاقِ. وَكَتَبَ بِخَطِّهِ في التاريخِ المُبيّنِ فيهِ ، عَبدُ اللّهِ بنُ طاهِرٍ بنُ الحُسينِ ، أَثبَتَ شَهادَتَهُ فيهِ بِتاريخِهِ ، شَهَدَ حَمَّادُ بَنُ النُّعمانِ بِمَضمونِهِ ظَهرَهُ وَبَطنَهُ وَكَتَبَ بِيَدِهِ في تاريخِهِ بِشرُ بَنُ المُعتَمِرِ يَشهَدُ بِمِثلِ ذلِكَ .
رسم (4) أمير المؤمنين _ أطال اللّه بقاءه _ قراءة هذه الصّحيفة الّتي هي صحيفة
.
ص: 285
الميثاق ، نرجو أن يجوز بها الصّراط ظهرها وبطنها بحرم سيّدنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين الرّوضة والمنبر ، على رؤوس الأشهاد ، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد ، بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب أمير المؤمنين الحجّة به على جميع المسلمين ، و لتبطل الشّبهة الّتي كانت اعترضت آراء الجاهلين ، وما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ، و كتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتّاريخ فيه . (1) و في بحار الأنوار بيان : أقول : أخذنا أخبار كشف الغمّة من نسخة قديمة مصحّحة كانت عليها إجازات العلماء الكرام ، و كان مكتوبا عليها في هذا الموضع على الهامش أشياء نذكرها ، و هي هذه : و كتب بقلمه الشّريف تحت قوله و الخلافة من بعده : « جعلت فداك » ، و كتب تحت ذكر اسمه عليه السلام «و صلتك رحم و جزيت خيرا» ، وكتب عند تسميته بالرضا «رضي اللّه عنك وأرضاك وأحسن في الدّارين جزاك » ، و كتب بقلمه الشّريف تحت الثّناء عليه « أثنى اللّه عليك فأجمل و أجزل لديك الثّواب فأكمل » . ثمّ كان على الهامش بعد ذلك : « العبد الفقير إلى اللّه تعالى الفضل بن يحيى عفى اللّه عنه : قابلت المكتوب الّذي كتبه الإمام عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليه وعلى آله الطّاهرين مقابلة بالّذي كتبه الإمام المذكور عليه السلام حرفا فحرفا ، و ألحقت ما فات منه و ذكرت أنّه من خطّه عليه السلام ، و ذلك في يوم الثّلثاء مستهلّ المحرّم من سنة تسع و تسعين و ستّ مئة الهلاليّة بواسط ، و الحمد للّه على ذلك و له المنّة » . انتهى . (2)
.
ص: 286
183كتابه عليه السلام في الفضل بن سهل وأخيهفي عيون أخبار الرّضا عليه السلام : وجدت في بعض الكتب نسخة كتاب الحباء و الشّرط من الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام إلى العمّال في شأن الفضل بن سهل و أخيه ، و لم أروِ ذلك [ عن ] (1) أحد :أَمَّا بَعدُ ، فَالحَمدُ للّهِ البَديءَ الرَّفيعِ القادِرِ القاهِرِ ، الرَّقيبِ عَلى عِبادِهِ ، المَقيتِ عَلى خَلقِهِ ، الّذي خَضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِمُلكِهِ ، وَ ذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لِعِزَّتِهِ ، وَاستَسلَمَ كُلُّ شَيءٍ لِقُدرَتِهِ ، وَ تَواضَعَ كُلُّ شَيءٍ لِسُلطانِهِ وَ عَظَمَتِهِ ، وَ أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمُهُ ، وَ أَحصى عَدَدَهُ ، فَلا يَؤُدُهُ كَبيرٌ وَ لا يَعزُبُ عَنهُ صَغيرٌ ، الّذي لا تُدرِكُهُ أَبصارُ النَّاظرِينَ ، وَ لا تُحيطُ بِهِ صِفَةُ الواصِفينَ ، لَهُ الخَلقُ وَ الأَمرُ وَ المَثَلُ الأَعلى في السَّماواتِ وَ الأَرضِ ، وَ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ . وَ الحَمدُ للّهِ الّذي شَرَعَ لِلإِسلامِ دينا ، فَفَضَّلَهُ وَ عَظَّمَهُ وَ شَرَّفَهُ وَ كَرَّمَهُ وَ جَعَلَهُ الدِّينَ القَيِّمَ لا يَقبَلُ غَيرَهُ ، وَ الصِّراطَ المُستَقيمَ الّذي لا يَضِلُّ مَن لَزَمَهُ ، و لا يَهتَدي مَن صُرِفَ عَنهُ ، وَ جَعَلَ فيهِ النُّورَ وَ البُرهانَ وَ الشِّفاءَ وَ البَيانَ ، وَ بَعَثَ بِهِ مَن اصطَفى مِن مَلائِكَتِهِ إِلى مَن اجتَبى مِن رُسُلِهِ ، في الأُمَمِ الخاليَةِ وَالقُرونِ الماضيَةِ ، حَتَّى انتَهَت رِسالَتُهُ إِلى مُحَمَّدٍ المُصطَفى صلى الله عليه و آله ، فَخَتَمَ بِهِ النَّبِيِّينَ ، وَقَفى بِهِ عَلى آثارِ المُرسَلينَ ، وَبَعَثَهُ رَحمَةً لِلعالَمينَ وَبَشيرا لِلمُؤمِنينَ المُصَدِّقينَ ، وَنَذيرا لِلكافِرينَ المُكَذِّبينَ ، لِتَكونَ لَهُ الحُجَّةُ البالِغَةُ ، وَليَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ، وَيَحيى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ، وَإِنَّ اللّهَ لَسَميعٌ عَليمٌ . وَالحَمدُ للّهِ الّذي أَورَدَ أهلَ بَيتِهِ مَواريثَ النُّبوَّةِ ، وَاستَودَعَهُم العِلمَ وَالحِكمَةَ ، وَجَعَلَهُم مَعدَنَ الإِمامَةِ وَالخِلافَةِ ، وَأَوجَبَ وَلايَتَهُم وَشَرَفَ مَنزِلَتِهُم ، فَأَمَرَ رَسولَهُ بِمَسأَلَةِ أُمَّتِهِ مَوَدَّتَهُم ، إِذ يَقولُ : « قُل لَا أَسْ_ئلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى » (2) وَما وَصَفَهُم بِهِ مِن
.
ص: 287
إِذهابِهِ الرِّجسَ عَنهُم ، وَتَطهيرِهِ إِيَّاهُم في قَولِهِ : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1) . ثُمَّ إِنَّ المَأمونَ بَرَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله في عِترَتِهِ ، وَ وَصَلَ أَرحامَ أَهلِ بَيتِهِ ، فَرَدَّ أُلفَتَهُم وَ جَمَعَ فُرقَتَهُم ، وَ رَأَبَ صَدعَهُم ، وَ رَتَقَ فَتقَهُم ، وَ أَذهَبَ بِهِ الضَّغائِنَ ، وَ الإِحَنَ بَينَهُم وَ أسكَنَ التَّناصُرَ وَ التَّواصُلَ وَ المَوَدَّةَ وَ المَحَبَّةَ قُلوبَهُم ، فَأَصبَحَت بيُمنِهِ وَحِفظِهِ وَبَرَكَتِهِ وَبِرِّهِ وَصِلَتِهِ أَيديهِم واحِدَةٌ ، وَكَلِمَتُهم جامِعَةٌ ، وَأَهوائُهُم مُتَّفِقَةٌ . وَرَعى الحُقوقَ لأَِهلِها ، وَوَضَعَ المَواريثَ مَواضِعَها ، وَكَافَأَ إِحسانَ المُحسِنينَ ، وَحَفَظَ بَلاءَ المُبتَلينَ ، وَقَرَّبَ وَباعَدَ عَلى الدِّينِ ، ثُمَّ اختَصَّ بِالتَّفضيلِ وَالتَّقديمِ وَالتَّشريفِ مَن قَدَّمَتهُ مَساعيهُ ، فَكانَ ذلِكَ ذا الرِّئاسَتَينِ الفَضلَ بنَ سَهلٍ ، إذ رآهُ لَهُ مُؤازِرا ، وَبِحَقِّهِ قائِما ، وَبِحُجَّتِهِ ناطِقا ، وَلِنُقَبائِهِ نَقيبا ، وَلِخُيوله قائِدا ، وَلِحُروبِهِ مُدَبِّرا ، وَلِرَعيَّتِهِ سائِسا ، وَإليهِ داعيا ، وَلِمَن أَجابَ إِلى طاعَتِهِ مُكافِئا ، وَلِمَن عَدَلَ عَنها مُنابِذا ، وَبِنُصرَتِهِ مُتَفَرِّدا ، وَلِمَرَضِ القُلوبِ وَالنِّيَّاتِ مُداويا ، لَم يَنهَهُ عَن ذلِكَ قِلَّةُ مالٍ وَلا عَوزُ رِجالٍ ، وَلَم يَمِل بِهِ طَمَعٌ ، وَلَم يَلفِتهُ عَن نيَّتِهِ وَبَصيرَتِهِ وَجَلٌ ، بَل عِندَما يُهَوِّلُ المُهَوِّلونَ ، وَيَرعُدُ وَيَبرُقُ لَهُ المُبرِقونَ وَالمُرعِدونَ ، وَكَثرَةُ المُخالِفينَ وَ المُعانِدينَ مِنَ المُجاهِدينَ وَ المُخاتِلينَ ، أَثبَتُ ما يَكونُ عَزيمَةً ، وَ أَجرَئَ جِنانا ، وَ أَنفَذَ مَكيدَةً ، وَأَحسَنَ تَدبيرا ، وَأَقوى في تَثبيتِ حَقِّ المَأمونِ وَالدُّعاءِ إِليهِ . حَتَّى قَصَمَ أَنيابَ الضَّلالَةِ ، وَ فَلَّ حَدَّهُم ، وَ قَلَّمَ أَظفارَهُم وَ حَصَدَ شَوكَتَهُم ، وَ صَرَعَهُم مَصارِعَ المُلحِدينَ في دِينِهِم ، وَالنَّاكِثينَ لِعَهدِهِ ، الوانينَ (2) في أَمرِهِ ، المُستَخِفِّينَ بِحَقِّهِ ، الآمِنينَ لِما حُذِّرَ مِن سَطوَتِهِ وَ بأسِهِ ، مَعَ آثار ذي الرِّئاسَتَينِ في صُنوفِ الأُمم مِنَ المُشرِكينَ ، وَ ما زادَ اللّهُ بِهِ في حُدودِ دارِ المُسلِمينَ ، مِمَّا قَد وَرَدَت أَنباؤهُ عَلَيكُم ، وَ قُرِأَت بِهِ الكُتُبُ عَلى مَنابِرِكُم ، وَ حَمَلَهُ أَهلُ الآفاقِ إِلَيكُم إِلى غَيرِكُم .
.
ص: 288
فَانتَهى شُكرُ ذي الرِّئاسَتَينِ بَلاءَ أَميرِ المُؤمِنينَ عِندَهُ وَ قيامَهُ بِحَقِّه ، وابتِذالَهُ مُهجَتَهُ وَ مُهجَةَ أَخيهِ أَبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ سَهلٍ ، الميمونِ النَّقيبَةِ ، المَحمودِ السِّياسَةِ ، إِلى غايَةٍ تَجاوَزَ فيها الماضينَ ، وَ فازَ بِها الفائِزينَ ، وَ انتَهَت مُكافَأَةُ أَميرُ المُؤمِنينَ إِيَّاه إِلى ما حَصَلَ لَهُ مِنَ الأَموالِ وَ القَطائِعِ وَ الجَواهِرِ ، وَإِن كانَ ذلِكَ لا يَفي بِيَومٍ مِن أَيَّامِهِ ، وَلا بِمَقامٍ مِن مَقاماتِهِ ، فَتَرَكَهُ زُهدا فيهِ ، وَارتِفاعا مِن هِمَّتِهِ عَنهُ ، وَ تَوفيرا لَهُ عَلى المُسلِمينَ ، وَ إطراحا لِلدُّنيا واستِصغارا لَها ، وَ إيثارا لِلآخِرَةِ وَمُنافَسَةً فيها . وَسأَلَ أَميرَ المُؤمِنينَ ما لَم يَزل لَهُ سائِلاً وَ إِلَيهِ فيهِ راغِبا ، مِنَ التَّخَلِّي وَ التَّزَهُّد ، فَعَظُمَ ذلِكَ عِندَهُ وَ عِندَنا ، لِمَعرِفَتِنا بِما جَعَلَ اللّهُ عز و جلفي مَكانِهِ الّذي هوَ بِهِ ، مِن العِزِّ وَ الدِّينِ وَ السُّلطانِ وَ القُوَّةِ عَلى صَلاحِ المُسلِمينَ وَ جِهادِ المُشرِكينَ ، وَ ما أَرى اللّهُ بِهِ مِن تَصديقِ نيَّتِهِ وَ يُمنُ نَقيبَتِهِ ، وَ صِحَّةِ تَدبيرِهِ وَ قُوَّةِ رَأيهِ ، وَ نُجحِ طَلِبَتِهِ وَ مُعاوَنَتِهِ عَلى الحَقِّ وَ الهُدى وَ البِرِّ وَ التَّقوى . فَلَمَّا وَثِقَ أَميرُ المُؤمِنينَ وَثَقنا مِنهُ بِالنَّظَرِ لِلدِّينِ وَ إِيثارِ ما فيهِ صَلاحُهُ وَ أَعطَيناهُ سُؤلَهُ الّذي يَشبَهُ قَدرَهُ ، وَ كَتَبنا لَهُ كِتابَ حِباءٍ وَ شَرطٍ قَد نُسِخَ في أَسفَلِ كِتابي هذا ، وَ أَشهَدنا اللّهَ عَلَيهِ ، وَ مَن حَضَرَنا مِن أَهلِ بَيتِنا ، وَ القُوَّادِ ، وَ الصَّحابَةِ ، وَ القُضاةِ وَ الفُقَهاءِ ، وَ الخاصَّةِ ، وَ العامَّةِ . وَ رأَى أَميرُ المُؤمِنينَ الكِتابَ بِهِ إِلى الآفاقِ لِيَذيعَ وَ يَشيعَ في أَهلِها ، وَ يُقرَأُ عَلى مَنابِرِها ، وَ يُثبَتُ عِندَ وِلاتِها وَ قُضاتِها ، فَسَأَلني أَن أَكتُبَ بِذلِكَ وَ أَشرَحَ مَعانيهِ ، وَ هيَ عَلى ثَلاثَةِ أَبوابٍ : فَفي البابِ الأَوَّلِ : البيانُ عَن كُلِّ آثارِهِ الَّتي أَوجَبَ اللّهُ تَعالى بِها حَقَّهُ عَلَينا وَ عَلى المُسلِمين . وَ البابُ الثَّاني : البيانُ عَن مَرتَبَتِهِ في إِزاحَةِ عِلَّتِهِ ، في كُلِّ ما دَبَرَ وَ دَخَلَ فيهِ ، وَلا سَبيلَ عَلَيهِ فيما تَرَكَ وَ كَرَهَ ، وَذلِكَ لِما لَيسَ لِخَلقٍ مِمَّن في عُنُقِهِ بَيعَةٌ إلّا لَهُ وَحدَهُ وَ لأَِخيهِ ، وَ مِن إِزاحَةِ العِلَّةِ تَحكيمُها في كُلِّ مَن بَغيَ عَلَيهُما ، وَسَعى بِفَسادٍ عَلَينا وَ عَلَيهِما وَأَوليائِنا ، لِئَلَا يَطمَعُ طامِعٌ في خِلافٍ عَلَيهِما ، وَلا مَعصيَةَ لَهُما ، وَلا احتيالَ في مَدخَلٍ بَينَنا وَ بَينَهُما.
.
ص: 289
وَالبابُ الثَّالثُ : البَيانُ عَن إِعطائِنا إِيَّاهُ ما أَحَبَّ مِن مُلكِ التَّحَلِّي ، وَ حُليَةِ الزُّهدِ ، وَحُجَّةِ التَّحقيقِ لِما سَعى فيهِ مِن ثَوابِ الآخِرَةِ بِما يُتَقَرَّبُ في قَلبِ مَن كانَ شاكَّا في ذلِكَ مِنهُ ، وَ ما يَلزَمُنا لَهُ مِن الكَرامَةِ وَ العِزِّ وَ الحِباءِ الّذي بَذَلناهُ لَهُ وَ لأَِخيهِ ، في مَنعِهِما ما نَمنَعُ مِنهُ أَنفُسَنا ، وَذلِكَ مُحيطٌ بِكُلِّ ما يَحتاطُ فيهِ مُحتاطٌ في أَمرِ دينٍ وَ دُنيا . وَهذِهِ نُسخَةُ الكِتابِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم هذا كِتابٌ وَشَرطٌ مِن عَبدِاللّهِ المَأمونِ أَميرِ المُؤمِنينَ وَوَلِيِّ عَهدِهِ عَليِّ بنِ موسى الرِّضا ، لِذي الرِّئاسَتَينِ الفَضلِ بنِ سهلٍ ، في يَومِ الإِثنَينِ لِسَبعِ لَيالٍ خَلَونَ مِن شَهرِ رَمَضانَ مِن سَنَةِ إِحدَى وَمئَتَينِ ، وَ هوَ اليَومُ الّذي تَمَّمَ اللّهُ فيهِ دَولَةَ أَميرِ المُؤمِنينَ ، وَعَقَدَ لِوَليِّ عَهدِهِ ، وَ أَلبَسَ النَّاسَ اللِّباسَ الأَخضَرَ ، وَ بَلَغَ أَمَلَهُ في إِصلاحِ وَليِّهُ وَ الظَّفَرِ بِعَدُّوِّهِ . إِنَّا دَعَوناكَ إِلى ما فيهِ بَعضُ مُكافاتِكَ عَلى ما قُمتَ بِهِ مِن حَقِّ اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ حَقِّ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله ، وَ حَقِّ أَميرِ المُؤمِنينَ وَ وَلِيِّ عَهدِهِ عَليِّ بنِ موسى ، وَحَقِّ هاشِمٍ الَّتي بِها يُرجى صَلاحُ الِّدينِ وَ سَلامَةُ ذاتِ البَينِ بَينَ المُسلِمينَ ، إِلى أَن يَثبُتَ النِّعمَةُ عَلَينا وَعَلى العامَّةِ بِذلِكَ ، وَ بِما عاوَنتَ عَلَيه أَميرَ المُؤمِنينَ مِن إِقامَةِ الدِّينِ وَ السُّنَّةِ ، وَ إِظهارِ الدَّعوَةِ الثَّانيةِ وَ إِيثارِ الأَولى ، مَعَ قَمعِ المُشرِكينَ ، وَ كَسرِ الأَصنامِ ، وَقَتلِ العُتاةِ ، وَ سائِرِ آثارِكَ المُمَثَّلَةِ لِلأَمصارِ في المَخلوعِ (1) وَقابِل ، وَ في المُسَمَّى بِالأَصفَرِ المُكَنَّى بِأَبي السَّرايا ، وَفي المُسَمَّى بِالمَهديِّ مُحَمَّدِ بنِ جَعفَرٍ الطَّالِبيِّ ، وَالتُّركِ الحولِيَّةِ ، وَ في طَبَرِستانَ وَ مُلوكِها ، إِلى بُندارَ هُرمُزَ بنِ شِروينَ ، وَ في الدَّيلَمِ وَ مَلِكِها مهورس ، وَ في كابُلَ وَ مَلِكِها هُرموس ، ثُمَّ مَلِكِها الأَصفَهبُدِ ، وَ في ابنِ البُرمِ ، وَ جِبالِ بدار بنده وغرشستان ، وَ الغور وَ أَصنافِها ، وَ في خُراسانَ خاقانَ وَ ملون صاحِبِ جَبَلِ التَّبَّتِ ، وَ في كيمان والتّغرغر ، وَ في إِرمينيَّةَ وَالحِجازِ ، وَ صاحِبِ السَّريرِ ، وَ صاحِبِ الخَزَرِ ، وَ في المَغرِبِ وَ حُروبِهِ ، وَ في تَفسيرِ ذلِكَ في ديوانِ السِّيرَةِ ،
.
ص: 290
وَكانَ ما دعَوناكَ إِليهِ وَ هوَ مَعونَةٌ لَكَ مِئَةَ ألفِ أَلفِ دِرهَمٍ ، وَغَلَّةَ عَشَرَةِ أَلفِ أَلفِ دِرهَمٍ جَوهَرا سِوى ما أَقطَعَكَ أَميرُ المُؤمِنينَ قَبلَ ذلِكَ ، وَقيمَةُ مِئَةِ أَلفِ أَلفِ دِرهَمٍ جَوهَرا يَسيرا ، عِندَنا ما أَنتَ لَهُ مُستَحِقٌّ ، فَقَد تَرَكتَ مِثلَ ذلِكَ حَينَ بَذَلَهُ لَكَ المَخلوعُ ، وَ آثَرتَ اللّهَ وَ دينَهُ ، وَ أَنَّكَ شَكَرتَ أَميرَ المُؤمِنينَ وَ وَليَّ عَهدِهِ ، وَ آثَرتَ تَوفيرَ ذلِكَ كُلَّهُ عَلى المُسلِمينَ ، وَجُدتَ لَهُم بِهِ ، وَ سَأَلتَنا أَن نَبلُغَكَ الخَصلَةُ الَّتي لَم تَزَل إِلَيها تائِقا مِنَ الزُّهدِ وَ التَّخَلِّي ، ليَصِحَّ عِندَ مَن شَكَّ في سَعيِكَ لِلآخِرَةِ دونَ الدُّنيا وَ تَركُكَ الدُّنيا ، وَ ما عَن مِثلِكَ يُستَغني في حالٍ وَ لا مِثلُكَ رُدَّ عَن طَلَبِهِ . وَ لَو أَخرَجَتنا طَلِبَتُكَ عَن شَطرِ النَّعيمِ عَلَينا ، فَكَيفَ بِأَمرٍ رُفِعَت فيهِ المَؤُنَةُ ، وَ أَوجَبَت بِهِ الحُجَّةُ عَلى مَن كانَ يَزعُمُ أَنَّ دُعاكَ إِلَينا لِلدُّنيا لا لِلآخِرَةِ ، وَ قَد أَجَبناكَ إِلى ما سَأَلتَ بِهِ ، وَ جَعَلنا ذلِكَ لَكَ مُؤَكَّدا بِعَهدِ اللّهِ وَميثاقِهِ الّذي لا تَبديلَ لَهُ وَلا تَغييرَ ، وَ فَوَّضنا الأَمرَ في وَقتِ ذلِكَ إِلَيكَ ، فَما أَقمتَ فَغَريزٌ مُزاحُ العِلَّةِ مَدفوعٌ عَنكَ الدُّخولُ فيما تَكرَهُهُ مِنَ الأَعمالِ كائِنا ما كانَ ، نَمنَعُكَ مِمَّا نَمنَعُ أَنفُسَنا في الحالاتِ كُلِّها ، وَإِذا أَرَدتَ التَّخَلِّيَ فَمُكَّرَمٌ مِزاحُ البَدَنِ وَ حَقٌّ لِبَدَنِكَ بِالرَّاحَةِ وَ الكَرامَةِ ، ثُمَّ نُعطيكَ مِمَّا تَتَناوَلُهُ مِمَّا بَذلناهُ لَكَ في هذا الكِتابِ فَتَرَكتُهُ اليَومَ ، وَ جَعَلنا لِلحَسَنِ بنِ سَهلٍ مِثلَ ما جَعَلناهُ لَكَ فَنِصفَ ما بَذَلناهُ مِنَ العَطيَّةِ وَ أَهلُ ذلِكَ هوَ لَكَ ، وَ بِما بَذَلَ مِن نَفسي في جِهادِ العُتاةِ وَ فَتحِ العِراقِ مَرَّتَينِ ، وَ تَفريقِ جُموعِ الشَّيطانِ بِيَدِهِ حَتَّى قَوِيَ الدِّينُ ، وَ خاضَ نيرانَ الحُروبِ ، وَ وَقانا عَذابَ السُّمومِ بِنَفسِهِ وَ أَهلِ بَيتِهِ ، وَ مَن ساسَ مِن أَولياءِ الحَقِّ . وَ أَشهَدنا اللّهَ وَ ملائِكَتَهُ وَ خيارَ خَلقِهِ ، وَ كُلَّ مَن أَعطانا بَيعَتَهُ وَ صَفقَةَ يَمينِهِ في هذا اليَومِ وَ بَعدَهُ عَلى ما في هذا الكِتابِ . وَ جَعَلنا اللّهَ عَلَينا كَفيلاً ، وَأَوجَبنا عَلى أَنفُسِنا الوَفاءَ بِما اشتَرَطنا مِن غَيرِ استِثناءٍ بِشَيءٍ يَنقُضُهُ في سِرٍّ وَلا عَلانيِّةٍ ، وَ المُؤمِنونَ عِندَ شُروطِهِم ، وَ العَهدُ فَرضٌ مَسؤولٌ وَ أَولى النَّاسِ بِالوَفاءِ مَن طَلَبَ مِنَ النَّاسِ الوَفاءَ وَكانَ مَوضِعا لِلقُدرَةِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « وَ أَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَ_هَدتُّمْ وَ لَا تَنقُضُواْ الْأَيْمَ_نَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ
.
ص: 291
عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ » (1) . وَ كَتَبَ الحَسَنُ بنُ سَهلٍ تَوقيعَ المَأمونِ فيهِ : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قَد أَوجَبَ أَميرُ المُؤمِنينَ عَلى نَفسِهِ جَميعَ ما في هذا الكِتابِ ، وَ أَشهَدَ اللّهَ تَعالى ، وَ جَعَلَهُ عَلَيهِ داعيا وكفيلاً . وَ كَتَبَ بِخَطِّهِ في صَفَرٍ سَنَةَ اثنَينِ وَ مِئَتَينِ تَشريفا لِلحِباءِ وَ تَوكيدا لِلشُّروطِ . تَوقيعُ الرِّضا عليه السلام فيه : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قَد أَلزَمَ عَليُّ بنُ موسى الرِّضا نَفسَهُ بِجَميعِ ما في هذا الكِتابِ عَلى ما أُكِّدَ فيهِ في يَومِهِ وَ غَدِهِ ما دامَ حَيَّا ، وَ جَعَلَ اللّهَ تَعالى عَلَيهِ داعيا وكفيلاً «وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» (2) . وَكَتَبَ بِخَطِّهِ في هذا الشّهرِ مِن هذهِ السَّنَةِ : وَ الحَمدُ للّهِ رَبِّ العَالَمينَ وَ صَلَّى اللّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسلَّمَ « حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » (3) . (4)
184كتابه عليه السلام إلى المأمونفي كشف الغمّة : قال الفقير إلى اللّه تعالى عليّ بن عيسى أثابه اللّه : ورأيت خطّه عليه السلام في واسط سنة سبع وسبعين وستّمئة جوابا عمّا كتبه إليه المأمون :
.
ص: 292
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم وَصَلَ كِتابُ أَميرِ المُؤمِنينَ أَطالَ اللّهُ بَقاءَهُ ، يَذكُرُ ما ثَبَتَ مِنَ الرِّواياتِ ، وَ رَسَمَ أَن أَكتُبَ لَهُ ما صَحَّ عِندي مِن حالِ هذهِ الشَّعرَةِ الواحِدَةِ ، وَ الخَشَبَةِ الَّتي لِرَحى المُدِّ لِفاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَعَلى أَبيها وَزَوجِها وَبَنيها ، فَهذِهِ الشَّعرَةُ الواحِدَةُ شَعرَةٌ مِن شَعرِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، لا شُبهَةَ وَلا شَكَّ ، وَ هذِهِ الخَشَبَةُ المُدُّ المَذكورَةُ لِفاطِمَةَ عليهاالسلام لا رَيبَ وَلا شُبهَةَ ، وَ أَنا قَد تَفَحَّصتُ وَ تَحَدَّبتُ وَ كَتَبتُ إِلَيكَ فَاقبَلَ قَولي فَقَد أَعظَمَ اللّهُ لَكَ في هذا الفَحصِ أَجرا عَظيما ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ. وَ كَتَبَ عَليُّ بنُ موسى بنِ جَعفَرٍ عليهماالسلام وَ عَلَيَّ سَنَةَ إحدى وَ مِئَتَين مِن هِجرَةِ صاحِبِ التَّنزيلِ جَدِّي صلى الله عليه و آله . (1)
.
ص: 293
الفصل العاشر: في أُمورٍ شتّى
.
ص: 294
. .
ص: 295
185كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم بن عبد اللّه العلويّ الحسنيّفي إيمان أبي طالبفي كتاب إيمان أبي طالب : السّيّد الإمام أبو عليّ عبد الحميد بن عبد اللّه التّقيّ العلويّ الحسينيّ النسّابة رحمه الله ، بإسناده إلى الشّريف النسّابة المحدّث أبي عليّ عمر بن الحسين بن عبد اللّه بن محمّد الصّوفيّ بن يحيى بن عبيد اللّه بن محمّد بن عمر بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، و كان الشّريف أبو عليّ هذا يُعرف بالمُوضِحِ ، و كان ثقة جماعا ، و يقال له ابن اللّبن ، و هو كوفيّ معروف ، قال : روى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه بإسناده له : أنّ عبد العظيم بن عبد اللّه العلويّ الحسنيّ 1 ، المدفون بالري ، كان مريضا ، يكتب إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام : عرّفني
.
ص: 296
يابن رسول اللّه عن الخبر المروي أنّ أبا طالبٍ في ضَحضَاحٍ (1) من نارٍ يغلي منه دماغه . فكتب إليه الرّضا عليه السلام :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّكَ إِن شَكَكتَ في إِيمانِ أَبي طالِبِ كانَ مَصيرُكَ إِلى النَّارِ . (2) وفي كنز الفوائد : كتابه عليه السلام إلى أبان بن محمّد : أبو عبد اللّه الحسين بن عبد اللّه بن عليّ المعروف بابن الواسطيّ رضى الله عنه ، قال : أخبرني أبو محمّد هارون بن موسى التّلعكبريّ ، قال : حدّثني أبو عليّ بن همام ، قال : حدّثنا أبو الحسن عليّ بن محمّد القمّي الأشعريّ ، قال : حدّثني منجح الخادم مولى بعض الطّاهرية بطوس ، قال : حدّثني أبان بن محمّد (3) ، قال : كتبت إلى الإمام الرّضا عليّ بن موسى عليه السلام : جعلت
.
ص: 297
فداك ، قد شككت في إيمان أبي طالب . قال : فكتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمَّا بَعدُ : فَمَن يَتَّبِع غَيرَ سَبيلِ المُؤمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ، إِنَّكَ إِن لَم تُقِرَّ بِإِيمانِ أَبي طالِبٍ كانَ مَصيرُكَ إِلى النَّارَ. (1) و في شرح نهج البلاغة : كتابه عليه السلام إلى أبان بن محمود . روي أنّ رجلاً من رجال الشّيعة و هو أبان بن محمود ، كتب إلى عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام : جُعلت فداك ، إنّي قد شككت في إسلام أبي طالب. فكتب إليه : « وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ » (2) الآية ، وبعدها : إِنَّكَ إِن لَم تُقِرَّ بِإيمانِ أَبي طالِبٍ كانَ مَصيرُكَ إِلى النَّارِ. (3)
186كتابه عليه السلام إلى زياد القنديّفي أمر البرامكةمحمّد بن الحسن ، قال : حدّثني أبو عليّ الفارسيّ ، عن محمّد بن عيسى و محمّد بن مهران ، عن محمّد بن إسماعيل بن أبي سعيد الزّيّات ، قال : كنت مع زياد القنديّ 4
.
ص: 298
حاجّا ، و لم نكن نفترق ليلاً و لا نهارا في طريق مكّة و بمكّة و في الطواف ، ثمّ قصدته ذات ليلة فلم أره حتّى طلع الفجر ، فقلت له : غمّني إبطاؤك ، فأيّ شيء كانت الحال ؟ قال لي : ما زلت بالأبطح مع أبي الحسن _ يعني أبا إبراهيم و عليّ ابنه عليهماالسلامعن يمينه _ فقال :يا أَبا الفَضلِ _ أو يا زيادُ _ هذا ابني عَلِيٌّ ، قَولُهُ قَولي وَ فِعلُهُ فِعلي ، فَإِن كانَت لَكَ حاجَةٌ فَأَنزِلها بِهِ وَاقبَل قَولَهُ ، فَإِنَّه لا يَقولُ عَلى اللّهِ إِلَا الحَقَّ . قال ابن أبي سعيد : فمكثنا ما شاء اللّه حتّى حدث من أمر البرامكة ما حدث ، فكتب زياد إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهماالسلام يسأله عن ظهور هذا الأمر الحديث ، أو الاستتار. فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام : أَظهِر ، فَلا بَأسَ عَلَيكَ مِنهُم . فظهر ، زياد ، فلمّا حدَّث الحديثَ ، قلت له : يا أبا الفضل ، أيّ شيء يعدل بهذا الأمر ؟ فقال لي : ليس هذا أوان الكلام فيه . قال : فألححت عليه بالكلام بالكوفة و ببغداد ، كلّ ذلك يقول لي مثل ذلك ، إلى
.
ص: 299
أن قال لي آخر كلامه : ويحك! فتبطل هذه الأحاديث الّتي روينا. (1)
187كتابه عليه السلام إلى يونس و هشامفي قصّة موسى عليه السلام حين لقي الخضر عليه السلاممحمّد بن عليّ بن بلال عن يونس ، قال : اختلف يونس و هشام بن إبراهيم في العالم الّذي أتاه موسى عليه السلام أيّهما كان أعلم ، و هل يجوز أن يكون على موسى حجّة في وقته و هو حجّة اللّه على خلقه ؟ فقال قاسم الصّيقل (2) : فكتبوا ذلك إلى أبي الحسن الرّضا عليه السلام يسألونه عن ذلك . فكتب في الجواب :أَتى موسى العالِمَ فَأَصابَهُ وَ هوَ في جَزيرَةٍ مِن جَزائِرِ البَحرِ ، إِمَّا جالِسا وَ إمَّا مُتَّكِئا ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ موسى فَأَنكَرَ السَّلامَ ، إِذ كانَ بِأَرضٍ لَيسَ فيها سَلامٌ ، قالَ : مَن أَنتَ؟ قالَ : أَنا موسى بنُ عِمرانَ ، قالَ : أَنتَ موسى بنُ عِمرانَ ، الّذي كَلَّمَهُ اللّهُ تَكليما؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَما حاجَتُكَ؟ قالَ : جِئتُ أَن لِتُعَلِّمَني مِمَّا عُلِّمتَ رُشدا . قالَ : إِنِّي وُكِّلتُ بِأَمرٍ لا تُطيقُهُ ، وَ وُكِّلتَ أَنتَ بِأَمرٍ لا أُطيقُهُ . ثُمَّ حَدَّثَهُ العالِمُ بِما يُصيبُ آلَ مُحَمَّدٍ مِنَ البَلاءِ وَ كَيدِ الأَعداءِ حَتَّى اشتَدَّ بُكاؤُهُما . ثُمَّ حَدَّثَهُ العالِمُ عَن فَضلِ آلِ مُحَمَّدٍ حَتَّى جَعَلَ موسى يَقولُ : يا لَيتَني كُنتُ مِن آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ حَتَّى ذَكَرَ فُلانا وَ فُلانا وَ فُلانا وَ مَبعَثَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إِلى قَومِهِ ، وَ ما يَلقى مِنهُم وَ مِن تَكذيبِهِم إِيَّاهُ ، وَ ذَكَرَ لَهُ مِن تَأويلِ هذهِ الآيَةِ : « وَنُقَلِّبُ أَفْ_ئدَتَهُمْ وَأَبْصَ_رَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ » (3) حينَ أَخَذَ الميثاقَ عَلَيهِم .
.
ص: 300
فَقالَ لَهُ موسى : « قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا » (1) ؟ فَقالَ الخَضِرُ : « إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا » . فَقالَ موسى عليه السلام : « سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِرًا وَ لَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا » . قالَ الخَضِرُ : « فَإِنِ اتَّبَعْتَنِى فَلَا تَسْ_ئلْنِى عَن شَىْ ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا » ، يَقولُ : لا تَسأَلني عَن شَيءٍ أَفعَلُهُ وَ لا تُنكِرهُ عَلَيَّ حَتَّى أَنا أُخبِرَكَ بِخَبَرِهِ . قالَ : نَعَم . فَمَرُّوا ثَلاثَتُهُم حَتَّى انتَهَوا إلى ساحِلِ البَحرِ وَ قَد شُحِنَت سَفينَةٌ وَ هي تُريدُ أَن تَعبُرَ ، فَقالَ لأَِربابِ السَّفينَةِ : تَحمِلوا هؤُلاءِ الثَّلاثَةَ نَفَرٍ ، فَإِنَّهُم قَومٌ صالِحونَ ، فَحَمَلوهُم فَلَمَّا جَنَحَتِ السَّفينَةُ في البَحرِ ، قامَ الخَضِرُ إِلى جَوانِبِ السَّفينَةِ فَكَسَرَها وَ أَحشاها بِالخِرَقِ وَ الطِّينِ ، فَغَضَبَ موسى غَضَبا شَديدا ، وَ قَال لِلخَضِرِ : « أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا إِمْرًا » . فَقالَ لَهُ الخَضِرُ عليه السلام : « أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا » ؟ قالَ موسى : « لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَ لَا تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا » . فَخَرَجوا مِنَ السَّفينَةِ فَمَرُّوا فَنَظَرَ الخَضِرُ إِلى غُلامٍ يَلعَبُ بَينَ الصِّبيانِ ، حَسَنِ الوَجهِ كَأَنَّهُ قِطعَةُ قَمَرٍ ، في أُذُنَيهِ دُرَّتانِ ، فَتَأَمَّلَهُ الخَضِرُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَقَتَلَهُ ، فَوَثَبَ موسى عَلى الخَضِرِ وَ جَلَدَ بِهِ الأَرضَ فَقالَ : « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْ_ئا نُّكْرًا » . فَقالَ الخَضِرُ : « أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا » . قالَ موسى : « إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْ ءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَ_حِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّى عُذْرًا * فَانطَ_لَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ » . بِالعَشيِّ تُسمَّى النَّاصِرَةَ ، وَ إِلَيها يَنتَسِبُ النَّصارى ، وَ لَم يُضَيِّفوا أَحَدا قَطُّ ، وَ لَم يَطعَموا غَريبا ، فاستَطعَموهُم فَلَم يُطعِموهُم ، وَ لَم يُضَيِّفوهُم ، فَنَظَرَ الخَضِرُ عليه السلام إِلى حائِطٍ قَد زالَ لِيَنهَدِمَ ، فَوَضَعَ الخَضِرُ يَدَهُ عَلَيهِ وَ قالَ : قُم بِإِذنِ اللّهِ فَقامَ . فَقالَ موسى : لم يَنبَغِ لَكَ أَن تُقيمَ الجِدارَ حَتَّى يُطعِمونا وَ يُؤوونا ، وَ هوَ قوله : « لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا » .
.
ص: 301
فَقالَ لَهُ الخَضِرُ : « هَ_ذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ » الَّتي فَعَلتُ بِها ما فَعَلتُ ، فَإِنَّها كانَت لِقَومٍ « مَسَ_كِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَ كَانَ وَرَآءَهُم » أَي وَراءَ السَّفينَةِ « مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ » صالِحَةٍ « غَصْبًا » _ كَذا نَزَلَت _ وَ إِذا كانَت السَّفينَةُ مَعيوبَةً لَم يَأخُذ مِنها شَيئا ، « وَ أَمَّا الْغُلَ_مُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ » وَ طُبِعَ كافِرا _ كَذا نَزَلَت _ فَنَظَرتُ إِلى جَبينِهِ وَ عَلَيهِ مَكتوبٌ طُبِعَ كافِرا ، « فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَ_نًا وَ كُفْرًا * فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَبَ رُحْمًا » فَأَبدَلَ اللّهُ لِوالِدَيهِ بنتا ، وَ وَلَدَت سَبعينَ نَبيّا ، « وَ أَمَّا الْجِدَارُ » الّذي أَقَمتُهُ « فَكَانَ لِغُلَ_مَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَ كَانَ أَبُوهُمَا صَ__لِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا » إلى قوله : « ذَ لِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا » (1) . (2)
188كتابه عليه السلام إلى حاكم الطّبَسَين (3)بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم مِن عَليِّ بنِ موسى بنِ جَعفَرٍ الرِّضا ، إِلى عامِرِ بنِ زَروامهر مَرزَبان الطَّبَسَينِ .
.
ص: 302
سَلامٌ عَلَيكَ ، فَإِنَّي أَحمِدُ إِلَيكَ اللّهَ الّذي لا إِلهَ إِلَا هوَ ، وَ أَسأَلُكَ أَن تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبدِهِ وَرَسولِهِ صلى الله عليه و آله . الحَمدُ للّهِ الأَحدِ الصَّمَدِ ، القاهِرِ فَوقَ عِبادِهِ ، القادِرِ عَلى ما يشاءُ مِن أَمرِهِ ، الّذي يَجيرُ مَن استَجارَهُ ، وَ يُعيذُ مَن استَعاذَهُ ، مَلكُ المُلوكِ وَ رَبُّ الأَربابِ ، لَيسَ أَحَدٌ يُسابِقُ إِلى نَفسِهِ قِسمٌ لَهُ ، وَ لا يُصارِفُ فيما جَرَى القَلَمُ بِهِ ، فَاتَّقوا اللّهَ في السِّرِّ وَ العَلانيَّةِ . أَمَّا بَعدُ ، فَإِنَّهُ عَرَضَت لَنا مِنَ الأُمورِ وَ الحاجَةِ ما لا أَعتَمِدُ عَلَيهِ بِهذِهِ النَّاحيَةِ دونَكَ ، وَ إِنَّه فُقِدَ وَلَدٌ مِن أَولادِ قُرَيشٍ مِن عِترَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه و آله ، وَ قَد وَرَّثَني حُزنَهُ ، المُسَمَّى بالحُسَينِ ، قَد راهَقَ الحُلُمَ ، وَ كانَ مِنِ ابنِ اثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً ، أَسمَرُ اللَّونِ ، في بَياضِ عَينِهِ اليُمنى نُقطَةٌ حَمراءٌ ، قاني الوَجنَتَينِ ، سَبِطَ (1) الشَّعرِ ، طَويلٌ ساعِداهُ ، أَطوَلُ مِن سائِرِ النَّاسِ ، مُنذُ أَتى عَلى فَقدِهِ تِسعِ [ سَبعِ ] سِنينَ ، وَ قَد بَلَغنَا أَنَّهُ قَصَدَ إِلى هذِهِ النَّاحيةِ بِبابَي خُراسانَ واقِفا بِهِما . فَأَسأَلُكَ أَن تَستَعينَ بِأَوليائِكَ وَ تَتَوَلَّى أَثَرَ هذا المَفقودِ ، فَإِن وَجَدتَهُ فَبَيِّن لي بَعدَ ما يَصُحُّ عِندَكَ الصِّفَةُ وَ الحُليَةُ ، لِأَقِفُ عَلَيهِ ، وَ أَسأَلُكَ تَعاهُدَهُ وَ بِرَّهُ وَ لُطفَهُ ، وَ إزاحَةَ عِلَّتَهُ إِلى أَن يَرُدَّ اللّهُ بِخَبَرِهِ المُعظَّمِ المُتَفَرِّقِ وَ أَكرَم ، وَ اكتُب إِليَّ بِما يَعرُضَ لَكَ بِهذِهِ النَّاحيَةِ دَقيقُكَ وَجَليلُكَ ، تَجِدَني عِندَ ذلِكَ مُوافَّقا إِن شاءَ اللّهُ . وَ احفِظ أَمرَ اللّهِ عز و جل وَ وَصيَّتَهُ في سورَةِ النِّساءِ الكُبرى : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الْأَمَ_نَ_تِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيرًا » (2) ؛ حَتَّى ذَكَرَ بَعدَ ذلِكَ : « وَأُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَ_زَعْتُمْ فِى شَىْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ » (3) .
.
ص: 303
وَ السَّلامُ عَلَيكَ وَ رَحمَةُ اللّهِ وَ بَركاتُهُ ، وَ عَلى جَميعِ أَوليائِكَ المُسلِمينَ المُستَضعَفينَ ، المُطيعينَ بِطاعَةِ اللّهِ وَ رَسولِهِ صلى الله عليه و آله . 1 وآخر دعوانا : « سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ » (1) .
.
ص: 304
. .
ص: 305
مكاتيب الإمام محمّد بن عليٍّ الجواد عليهما السّلام
.
ص: 306
. .
ص: 307
الفصل الأوّل: في التوحيد
.
ص: 308
. .
ص: 309
189كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارإثبات قدمه جلّ جلالهمحمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبد اللّه بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار 1 ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى رجلٍ بخطّه و قرأتُه في دعاءٍ كتب به أن يقول :
.
ص: 310
ياذا الَّذي كانَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، ثُمَّ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ ، ثُمَّ يَبقى وَ يَفنى كُلُّ شَيءٍ، وَ ياذا الَّذي لَيسَ في السَّماواتِ العُلى وَ لا في الأَرَضَينَ السُّفلى وَ لا فَوقَهُنَّ وَ لا بَينَهُنَّ وَ لا تَحتَهُنَّ إِلهٌ يُعبَدُ غَيرُهُ . (1)
190كتابه عليه السلام إلى عبد الرّحمن بن أبي نَجرانفي التّحذير من عبادة ألفاظٍ دون معنىعليُّ بن إبراهيم ، عن العبّاس بن معروف ، عن عبد الرّحمن بن أبي نَجران 2 قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أو قلتُ له : جعلني اللّه فداك نعبد الرّحمن الرّحيمَ الواحِدَ الأحدَ الصّمدَ . قال : فقال :إِنَّ مَن عَبَدَ الاسمَ دونَ المُسَمّى بِالأَسمَاء ، أَشرَك وَ كَفَرَ وَ جَحَدَ وَ لَم يَعبُد شَيئاً ، بَل اعبُدِ اللّهَ الواحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ ، المُسَمّى بِهذِهِ الأَسماءِ دونَ الأَسمَاءِ ، إنَّ الأَسماءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِها نَفسَهُ . (2)
191كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي البراءة من القائلين بالتّجسّممحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن العبّاس بن
.
ص: 311
معروف ، عن عليّ بن مهزيار (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن موسى الرّضا عليهم السلام : جُعلتُ فداك اُصلّي خلف من يقول بالجسم و من يقول بقول يونس بن عبد الرّحمن ؟ فكتب عليه السلام :لا تُصَلّوا خَلفَهُم ، وَ لا تُعطوهُم مِنَ الزَّكاةِ ، وَ ابرَءوا مِنهُم ، بَرِئَ اللّهُ مِنهُم . (2)
.
ص: 312
. .
ص: 313
الفصل الثّاني: في الإمامة
.
ص: 314
. .
ص: 315
192في الوصيّة على أبي الحسن الثّالثفي نسخة الصّفوانيّ من الكافي : محمّد بن جعفر الكوفيّ ، عن محمّد بن عيسى بن عُبيد ، عن محمّد بن الحسين الواسطيّ أنّه سمع أحمد بن أبي خالد (1) مولى أبي جعفرٍ يحكي أنّه أشهَدَهُ على هذه الوصيّة المنسوخة (2) : شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفرٍ : أنّ أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، أشْهده أنّه أوصى إلى عليٍّ ابنه بنفسه وأخواته ، و جعل أمرَ موسى (3) إذا بلغ إليه ، و جعل عبد اللّه بن المُساور (4) قائماً على تركَتِه مِن الضّياع و الأموال و النّفقات و الرّقيق ، و غير ذلك ، إلى أن يبلغ عليُّ بن محمّدٍ .
.
ص: 316
صيّر عبد اللّه بن المُسَاور ذلك اليوم إليه يقوم بأمر نفسِه و أخواته (1) ، و يُصيّر أمر موسى إليه يقومُ لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته الّتي تصدّق بها ، و ذلك يوم الأحد لثلاث ليالٍ خلون من ذي الحجّة سنة عشرين و مئتين ، و كتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطّه ، و شهد الحسن بن محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وهو الجَوّانيّ ، على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب ، و كتب شهادته بيده ، و شهد نصرٌ الخادم ، و كتب شهادته بيده . (2)
193كتابه عليه السلام في الوصيّةالنّصّ على أبي الحسن الثّالثالحسين بن محمّد ، عن الخَيرانيّ 3 ، عن أبيه أنّه قال : كان يلزم باب أبي جعفرٍ عليه السلام للخدمة الّتي كان وُكِّل بها ، و كان أحمدُ بن محمّد بن عيسى (3) يجيء في السّحر في
.
ص: 317
كلّ ليلة ، ليعرف خبر علّة أبي جعفرٍ عليه السلام ، و كان الرّسول الّذي يختلف بين أبي جعفرٍ عليه السلام و بين أبي إذا حضر قام أحمد و خلا به أبي ، فخرجت ذات ليلةٍ و قام أحمد عن المجلس و خلا أبي بالرّسول ، و استدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام ، فقال الرّسول لأبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السّلام و يقول لك : إِنّي ماضٍ وَ الأمرُ صائِرٌ إلى ابني عَليِّ ، وَ لَهُ عَلَيكُم بَعدي ما كانَ لي عَلَيكُم بَعدَ أَبي . ثمّ مضى الرّسول و رجع أحمد إلى موضعه و قال لأبي : ما الّذي قد قال لك ؟ قال : خيراً . قال : قد سمعت ما قال ، فلِمَ تكتُمُه ؟ و أعاد ما سمع . فقال له أبي: قد حرّم اللّه عليك ما فعلت ؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَ لَا تَجَسَّسُوا» (1) ، فاحفَظ الشّهادة ، لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما ، و إيّاك أن تُظهرها إلى و قتها . فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرّسالة في عشر رِقاعٍ ، و ختمها و دفعها إلى عشرةٍ من وجوه العصابة ، و قال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اُطالبكم بها فافتحوها و أعلِموا بما فيها . فلمّا مضى أبو جعفر عليه السلام ، ذكر أبي أنّه لم يخرج من منزله حتّى قطع على يديه نحوٌ من أربعمئة إنسان ، و اجتمع رُؤساء العصابة عند محمّد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر ، فكتب محمّد بن الفرج إلى أبي يُعلمه باجتماعهم ، عنده و أنّه لولا مخافة الشّهرة لصار معهم إليه ، و يسأله أن يأتيه . فركب أبي و صار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرّقاعُ : أَحضِروا الرّقاع . فأحضروها ، فقال لهم : هذا ما اُمرتُ به . فقال بعضهم : قد كُنّا نُحِبُّ أن يكون معك في هذا الأمر شاهدٌ آخَر ؟ فقال لهم : قد أتاكم اللّهُ عزّ و جلّ به هذا أبو جعفر الأشعريّ يشهد لي بسماع هذه
.
ص: 318
الرّسالة . و سأله أن يشهد بما عنده فأنكر أحمدُ أن يكون سمع من هذا شيئاً . فدعاه أبي إلى المُباهلة . فقال : لمّا حَقّقَ عليه قال : قد سمعت ذلك ، و هذا مكرمة كنت اُحِبّ أن تكون لرجلٍ من العرب ، لا لرجلٍ من العجم فلم يبرح القومُ حتّى قالوا بالحقّ جميعاً . (1)
194كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفَرَجفي علّة الغيبةمحمّد بن يحيى ، عن جعفر بن محمّد ، عن أحمد بن الحسين ، عن محمّد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الفَرَج 2 ، قال : كتب إليَّ أبو جعفرٍ عليه السلام :إذا غَضِبَ اللّهُ تَبَارَكَ وَ تَعالى عَلى خَلقِهِ ، نَحّانا عَن جِوَارِهِم . (2)
195كتابه عليه السلام في علّة الغيبةأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن
.
ص: 319
أحمد بن الحسين بن عمر ، عن محمّد بن عبد اللّه ، عن مروان الأنباريّ 1 ، قال : خرج من أبي جعفرٍ عليه السلام :إِنَّ اللّهَ إِذا كَرِهَ لَنا جِوارَ قَومٍ ، نَزَعَنا مِن بَينِ أَظهُرِهِم . (1)
196كتابه عليه السلام إلى أبي طالبٍ القمّيفي استحباب مدح الأئمّة عليهم السلامعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي طالبٍ القمّي (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام بأبيات شِعرٍ ، و ذكرتُ فيها أباه ، و سألته أن يأذن لي في أن أقول فيه ، فقطع الشّعر وحبسه ، و كتب في صدر ما بقي من القرطاس :قَد أَحسَنتَ ، فَجَزاكَ اللّهُ خَيراً . (3)
.
ص: 320
197كتابه عليه السلام إلى أبي طالبٍ القمّيمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني حمدان بن أحمد النّهديّ ، قال : حدّثنا أبو طالبٍ القمّي _ يعني عبد اللّه بن الصّلت _ 1 قال: كتبتُ إلى أبي جعفرٍ بن الرّضا عليهماالسلام ، فَأَذِن لي أن أرثي أبا الحسن عليه السلام _ أعني أباه _ ، قال : و كتب إليَّ : اندُبني وَ اندُب أَبي . (1)
.
ص: 321
الفصل الثّالث: في بعض معجزات و غرائب شأنه
.
ص: 322
. .
ص: 323
198كتابه عليه السلام إلى محمّد بن فُضَيل الصّيرفيروى بكر بن صالح عن محمّد بن فُضَيل الصّيرفي (1) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام كتاباً ، و في آخره : هل عندك سلاح رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ و نسيت أن أبعث بالكتاب . فكتب إليَّ بحوائجٍ له ، و في آخر كتابه :عِندي سِلاحُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَ هوَ فينا بِمَنزِلَةِ التّابوتِ في بَني إِسرائيلَ ، يَدورُ مَعَنا حَيثُ دُرنا ، وَ هوَ مَعَ كُلِّ إِمامٍ . و كنت بمكّة فأضمرت في نفسي شيئاً لا يعلمه إلّا اللّه ، فلمّا صرت إلى المدينة و دخلت عليه نظر إليَّ فقال : استَغفِرِ اللّهَ مِمّا أَضمَرتَ وَ لا تَعُد . قال بكر : فقلت لمحمّد : أيّ شيءٍ هذا ؟ قال : لا أخبر به أحداً . قال : و خرج بإحدى رِجلَيّ العِرق المدنيّ ، و قد قال لي قبل أن يخرج العِرق في
.
ص: 324
رِجلي و قد ودّعته ، فكان آخر ما قال : إِنَّهُ سَتُصيبُ وَجَعاً ، فاصبِر ، فَأَيُّما رَجُلٍ مِن شيعَتِنا اشتَكى فَصَبَرَ وَاحتَسَبَ ، كَتَبَ اللّهُ لَهُ أَجرَ أَلفِ شَهيدٍ . فلمّا صرت في بطن مَرَّ (1) ضُرب (2) على رِجلي ، و خرج بي العِرق ، فما زلت شاكياً أشهراً . و حججت في السّنة الثّانية ، فدخلت عليه فقلت: جعلني اللّه فداك ، عوّذ رجلي . و أخبرته أنّ هذه الّتي توجعني . فقال : لا بَأسَ عَلى هذِهِ ، وَ أَعطِني رِجلَكَ الأُخرى الصَّحيحَةَ . فبسطتها بين يديه و عوّذها ، فلمّا قمت من عنده خرج في الرّجل الصّحيحةِ ، فرجعت إلى نفسي فعلمت أنّه عوّذها قبل من الوجع ، فعافاني اللّه من بعد . (3)
199ما أرسله عليه السلام في إنشاء مكتوبة محمّد بن سهلعبد اللّه بن جعفر الحِميريّ فيما رواه في كتاب الدّلائل ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سهل بن اليسع (4) ، قال : كنت مجاوراً بمكّة فصرت إلى المدينة ، فدخلت على أبي جعفرٍ عليه السلام ، و أردت أن أسأله عن كِسوة يكسونيها ، فلم يتّفق لي أن أسأله ، حتّى ودّعته و أردت الخروج ، فقلت : أكتب إليه و أسأله .
.
ص: 325
قال : و كتبت الكتاب و صرت إلى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن أصلّي ركعتين و أستخير اللّه مئة مرّة ، فإن و قع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب و إلّا خرّقته . قال : فوقع في قلبي أن لا أبعث إليه . فخرّقت الكتاب و خرجت من المدينة، فبينا أنا كذلك إذ رأيت رسولاً معه ثياب في منديل يتخلّل الطّرقات و يسأل عن محمّد بن سهل القمّي ، حتّى انتهى إليَّ ، فقال : مولاك بعث إليك بهذا . و إذا مُلاءتان (1) . (2)
200كتابه عليه السلام إلى جماعةأحمد بن عليّ بن كلثوم السّرخسيّ 3 ، قال : رأيت رجلاً من أصحابنا يُعرف بابن زينبة (3) ، فسألني عن أحكم بن بشّار المروزيّ 5 ، و سألني عن قصّته و عن الأثر
.
ص: 326
الّذي في حلقه ، و قد كنت رأيت في بعض حلقه شبه الخيط كأنّه أثر الذّبح . فقلت له : قد سألته مراراً فلم يخبرني . قال : فقال : كنّا سبعة نفر في حجرةٍ و احدة ببغداد في زمان أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام ، فغاب عنّا أحكم من عند العصر و لم يرجع في تلك اللّيلة ، فلمّا كان جوف اللّيل جائنا توقيع من أبي جعفرٍ عليه السلام :إِنَّ صاحِبَكُم الخُراسانيَّ مَذبوحٌ مَطروحٌ في لِبدٍ في مَزبَلَةِ كَذا وَ كَذا ، فاذهَبوا فَداووهُ بِكَذا وَ كَذا . فذهبنا فوجدناه مذبوحاً مطروحاً كما قال ، فحملناه وداويناه بما أمر به ، فبرء من ذلك . (1)
201كتابه عليه السلام إلى ابن أُورَمَة( محمّد ) ابن اُورَمَة 2 ، قال (2) : حملت إليَّ امرأة شيئاً من حليّ ، و شيئاً من دراهم ،
.
ص: 327
و شيئاً من ثياب . فتوهّمت أنّ ذلك كلّه لها ، و لم أسألها (1) أنّ لغيرها في ذلك شيئاً ، فحملت ذلك إلى المدينة مع بضاعاتٍ لأصحابنا (2) . و كتبت في الكتاب أنّي قد بعثت إليك من قبل فلانة كذا ، و من قبل فلان كذا ، و من قبل فلان و فلان بكذا . فخرج في التّوقيع :قَد وَصَلَ ما بَعَثتَ مِن قِبَلِ فُلانٍ وَ فُلانٍ ، وَ مِن قِبَلِ المَرأَتَينِ ، تَقَبَّلَ اللّهُ مِنكَ ، وَرَضيَ عَنكَ ، وَ جَعَلَكَ مَعَنا في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ . فلمّا رأيت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنّه غير كتابه ، وأنّه قد عمل عليّ دونه ؛ لأنّي كنت في نفسي على يقين أنّ الّذي دفعت إليَّ المرأة كان كلّه لها و هي امرأة واحدة ، فلمّا رأيت في التّوقيع امرأتين اتّهمت موصّل كتابي . فلمّا انصرفت إلى البلاد ، جاءتني المرأة فقالت : هل أوصلت بضاعتي ؟ قلت : نعم . قالت : و بضاعة فلانة ؟ قلت : و كان فيها لغيرك شيء ؟
.
ص: 328
قالت : نعم ، كان لي فيها كذا ، ولأُختي فلانة كذا . قلت : بلى قد أوصلت ذلك . و زال ما كان عندي . (1)
202في العلم بالإضمار و حديث النّفسمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد القمّي ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى القمّي (2) ، قال : بعث إليَّ أبو جعفرٍ عليه السلام غلامه و معه كتابه ، فأمرني أن أصير إليه ، فأتيته فهو بالمدينة نازل في دار بزيع ، فدخلت عليه و سلّمت عليه، فذكر في صفوان و محمّد بن سنان وغيرهما ممّا قد سمعه غير واحد، فقلت في نفسي استعطفه على زكريّا بن آدم لعلّه أن يسلم ممّا قال في هؤلاء، ثمّ رجعت إلى نفسي فقلت : من أنا أن أتعرّض في هذا و في شبهه ، مولاي هو أعلم بما يصنع . فقال لي :يا أَبا عَليٍّ ، لَيسَ عَلى مِثلِ أَبي يَحيى يَعجَلُ ، وَ قَد كانَ مِن خِدمَتِهِ لِأَبي عليه السلام وَمَنزِلَتِهِ عِندَهُ وَعِندي مِن بَعدِهِ ، غَيرَ أَنّي احتَجتُ إِلى المالِ الَّذي عِندَهُ . فقلت : جعُلت فداك ، هو باعث إليك بالمال ، وقال لي : إن وصلت إليه فاعلمه أنّ الّذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون و مسافر . فقال : احمِل كِتابيَ إلَيهِ وَ مَرهُ أَن يَبعَثَ إِلَيَّ بِالمالِ .
.
ص: 329
فحملت كتابه إلى زكريّا ، فوجّه إليه بالمال . قال : فقال لي أبو جعفرٍ عليه السلام ابتداءً منه : ذَهَبَت الشُّبهَةُ ، ما لاِبي وَلَدٌ غَيري . فقلت : صدقت جُعلت فداك . (1)
.
ص: 330
. .
ص: 331
الفصل الرّابع: في فضائل بعض أصحابه
.
ص: 332
. .
ص: 333
ص: 334
بسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يا عَليُّ ، أَحسَنَ اللّهُ جَزاكَ ، وَأَسكَنَكَ جَنَّتَهُ ، وَ مَنَعَكَ مِنَ الخِزيِ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وَ حَشَرَكَ اللّهُ مَعَنا ، يا عَليُّ قَد بَلَوتُكَ وَ خَبَرتُكَ (1) في النَّصيحَةِ وَ الطّاعَةِ وَ الخِدمَةِ ، وَ التَّوقيرِ ، وَ القيامِ بِما يَجِبُ عَلَيكَ ، فَلَو قُلتُ إِنّي لَم أَرَ مِثلَكَ لَرَجَوتُ أَن أَكونُ صادِقاً ، فَجَزاكَ اللّهُ جَنّاتِ الفِردَوسِ نُزُلاً ، فَما خَفيَ عَلَيَّ مُقامُكَ وَ لا خِدمَتُكَ في الحَرِّ وَ البَردِ ، في اللَّيلِ وَ النَّهارِ ، فَأَسأَلُ اللّهَ إِذا جَمَعَ الخَلائِقَ لِلقيامَةِ أَن يَحبوكَ بِرَحمَةٍ تَغتَبِطَ بِها ، إِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ . (2)
204عليّ بن مهزيارفي كتابٍ إلى عليّ بن مهزيار :وَأَسأَلُ اللّهَ أَن يَحفَظَكَ مِن بَينِ يَدَيكَ وَ مِن خَلفِكَ وَ في كُلِّ حالاتِكَ ، فَأَبشِر فَإِنّي أَرجوا أَن يَدفَعَ اللّهُ عَنكَ ، وَ أَسأَلُ اللّهَ أَن يَجعَلَ لَكَ الخيرَةَ فيما عَزَمَ لَكَ بِهِ عَلَيهِ مِنَ الشُّخوصِ في يَومِ الأَحَدِ ، فَأَخِّر ذلِكَ إِلى يَومِ الإِثنَينِ إِن شاءَ اللّهُ . صَحَبَكَ اللّهُ في سَفَرِكَ ، وَ خَلَّفَكَ في أَهلِكَ ، وَ أَدَّي غَيبَتَكَ وَسَلَّمتَ بِقُدرَتِهِ . (3)
205عليّ بن مهزيارقال عليّ بن مهزيار: كتبت إليه ( أبي جعفرٍ عليه السلام ) : أسأله التّوسع عليّ و التّحليل لما في يدي . فكتب :وَسَّعَ اللّهُ عَلَيكَ ، وَ لِمَن سَأَلتَ بِهِ التَّوسِعَةَ في أَهلِكَ ، وَلاِهلِ بَيتِكَ وَ لَكَ يا عَليُّ عِندي مِن
.
ص: 335
أَكبَرِ التَّوسِعَةِ ، وَأَنا أَسأَلُ اللّهَ أَن يَصحَبَكَ بِالعافيَةِ ، وَ يُقَدِّمُكَ عَلى العافيَةِ ، وَ يَستُرُكَ بِالعافيَةِ ، إِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ . (1)
206عليّ بن مهزيارفي كتابٍ لأبي جعفرٍ عليه السلام إليه ببغداد :قَد وَصَلَ إِليَّ كِتابُكَ ، وَ قَد فَهِمتُ ما ذَكَرتَ فيهِ ، وَ مَلَأتَني سُروراً ، فَسَرَّكَ اللّهُ ، وَأَنا أَرجو مِنَ الكافي الدّافِعِ أَن يَكفي كَيدَ كُلِّ كائِدٍ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (2)
207عليّ بن مهزيارفي كتابٍ إلى عليّ بن مهزيار :وَ قَد فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ القُمِّيِّينَ ، خَلَّصَهُمُ اللّهُ وَ فَرَّجَ عَنهُمُ ، وَ سَرَرتَني بِما ذَكَرتَ مِن ذلِكَ ، وَلَم تَزَل تَفعَل ، سَرَّكَ اللّهُ بِالجَنَّةِ وَرَضيَ عَنكَ بِرِضائي عَنكَ ، وَأَنا أَرجوا مِنَ اللّهِ حُسنُ العَونِ وَ الرَّأفَةِ ، وَ أَقولُ حَسبُنا اللّهُ وَ نِعمَ الوَكِيلِ . (3)
208عليّ بن مهزيارفي كتابٍ إلى عليّ بن مهزيار بالمدينة :فاشخِص إِلى مَنزِلِكَ ، صَيَّرَكَ اللّهُ إِلى خَيرِ مَنزِلٍ
.
ص: 336
في دُنياكَ وَآخِرَتِكَ . (1)
209عليّ بن مهزيارقال عليّ بن مهزيار : سألته عليه السلام الدّعاء ؟ فكتب إليَّ :وَ أمّا ما سَأَلتَ مِنَ الدُّعاءِ ، فَإنَّكَ بَعدُ لَستَ تَدري كَيفَ جَعَلَكَ اللّهُ عِندي ، وَ رُبَّما سَمَّيتُكَ بِاسمِكَ وَنَسَبِكَ ، مَعَ كَثرَةِ عِنايَتي بِكَ وَ مَحَبَّتي لَكَ وَ مَعرِفَتي بِما أَنتَ إِلَيه ، فَأَدامَ اللّهُ لَكَ أَفضَلَ ما رَزَقَكَ مِن ذلِكَ ، وَرَضيَ عَنكَ بِرِضائي ، وَ بَلَّغَكَ أَفضَلَ نيَّتِكَ ، وَ أَنزَلَكَ الفِردَوسَ الأَعلى بِرَحمَتِه ، إِنَّهُ سَميعُ الدُّعاءِ ، حَفِظَكَ اللّهُ وَ تَوَلّاكَ وَدَفَعَ الشَّرَّ عَنكَ بِرَحمَتِهِ . . . . (2)
210يونس بن عبد الرّحمنحمدويه بن نصير ، قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل الرّازيّ (3) ، قال : حدّثني : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : ما تقول في يونس بن عبد الرّحمن ؟ فكتب إليَّ بخطّه :أَحِبَّه وَ تَرَحَّمَ عَلَيهِ ، وَإِن كانَ يُخالِفُكَ أَهلُ بَلَدِكَ . (4)
.
ص: 337
211محمّد بن أحمد بن حمّاد أبو عليّ المروزيّ المحموديّابن مسعود ، قال : حدّثني أبو عليّ المحموديّ (1) : و كتب أبو جعفر عليه السلام إليَّ بعد وفاة أبي :قَد مَضى أَبوكَ رَضيَ اللّهُ عَنهُ وَ عَنكَ وَ هوَ عِندَنا عَلى حالٍ مَحمودَةٍ وَ لَم يَتَعَدَّ مِن تِلكَ الحالِ . (2)
212إبراهيم بن محمّد الهمدانيّعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ 3 ،
.
ص: 338
قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أصف له صنع السّبع بي . فكتب بخطّه :عَجَّل اللّهُ نُصرَتَكَ مِمَّن ظَلَمَكَ وَ كَفاكَ مَؤُنَتَهُ ، وَأَبشِر بِنَصرِ اللّهِ عاجِلاً وَ بِالأَجرِ آجِلاً ، وَأَكثِر مِن حَمدِ اللّهِ . (1)
213أبو طالبٍ القمّيعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن عبد الجبّار ، عن أبي طالبٍ القمّي (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام بأبيات شعرٍ و ذكرت فيها أباه ، و سألته أن يأذن لي في أن أقول فيه ، فقطع الشّعر وحبسه ، و كتب في صدر ما بقي من القرطاس :قَد أَحسَنتَ جَزَاكَ اللّهُ خَيراً . (3)
214زكريّا بن آدمجعفر بن محمّد بن قولويه ، عن الحسن بن بُنان ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ،
.
ص: 339
عن عليّ بن مهزيار ، عن بعض القميّين ، عن محمّد بن إسحاق و الحسن بن محمّد (1) قالا : خرجنا بعد وفاة زكريّا بن آدم إلى الحجّ ، فتلقّانا كتابه عليه السلام في بعض الطّريق :ما جَرَى مِن قَضاءِ اللّهِ في الرَّجُلِ المُتَوَفّى رَحِمَهُ اللّهُ يَومَ وُلِدَ وَ يَومَ قُبِضَ وَ يَومَ يُبعَثُ حَيّاً ، فَقَد عاشَ أَيّامَ حَياتِهِ عارِفاً بِالحَقِّ قائِلاً بِهِ صابِراً مُحتَسِباً لِلحَقِّ قائِماً بِما يُحِبُّ اللّهُ وَرَسولُهُ صلى الله عليه و آله ، وَ مَضى رَحَمَةُ اللّهِ عَلَيهِ غَيرَ ناكِثٍ وَ لا مُبَدِّلٍ ، فَجَزاهُ اللّهُ جَزاء نيَّتِهِ ، وَأَعطاهُ جَزاءَ سَعيِهِ . وَذَكرتَ الرَّجُلَ المُوصَى إِلَيهِ فَلَم أَجِدُ فيهِ رَأيَنا ، وَ عِندَنا مِنَ المَعرِفَةِ بِهِ أَكثَرُ ما وَصَفتَ . يعني الحسن بن محمّد بن عمران . (2) و في كتاب الغيبة : خرج فيه عن أبي جعفرٍ عليه السلام : ذَكَرتَ ما جَرى مِن قَضاءِ اللّهِ في الرَّجُلِ المُتَوفَّى رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى يَومَ وُلِدَ وَ يَومَ يَموتُ وَ يَومَ يُبعَثُ حَيّاً ، فَقَد عاشَ أَيّامَ حَياتِهِ عارِفاً بِالحَقِّ قائِلاً بِهِ ، صابِراً مُحتَسِباً لِلحَقِّ ، قائِماً بِما يُحِبُّ للّهِ وَ لِرَسولِهِ ، وَ مَضى رَحمَةُ اللّهِ عَلَيهِ غَيرَ ناكِثٍ وَ لا مُبَدِّلٍ ، فَجَزاهُ اللّهُ أَجرَ نيَّتِهِ وَأَعطاهُ جَزاءَ سَعيِهِ (3) . (4)
.
ص: 340
215عبد الجبّار بن المبارك النّهاونديأبو صالح خالد بن حامد ، قال : حدّثني أبو سعيد الآدمي ، قال : حدّثني بكر بن صالح ، عن عبد الجبّار بن المبارك النّهاونديّ (1) ، قال : أتيت سيّدي سنة تسع و مئتين ، فقلت له : جُعلت فداك ، إنّي رويت عن آبائك أنّ كلّ فتحٍ فُتِحَ بضلالٍ فهو للإمام . فقال : نَعَم . قلت : جُعلت فداك ، فإنّه أتوا بي في بعض الفتوح الّتي فُتحت على الضّلال ، و قد تخلّصت من الّذين ملكوني بسببٍ من الأسباب ، و قد أتيتك مسترقّاً مُستَعبداً .فقال : قَد قَبلتُ . قال:فلمّا حضر خروجيإلى مكّة قلت له:جُعلت فداك،إنّيقد حججت و تزوّجت و مكسبي ممّا يعطف عليّ إخواني لا شيء لي غيره ، فمرني بأمرك . فقال لي : انصَرِف إِلى بِلادِكَ وَأَنتَ مِن حَجِّكَ وَ تَزويجِكَ وَ كَسبِكَ في حِلِّ . فلمّا كانت سنة ثلاث عشرة و مئتين أتيته و ذكرت العبودية الّتي اُلزمتها ، فقال : أَنتَ حُرٌّ لِوَجهِ اللّهِ . قلت له : جُعلت فداك ، اكتب لي عهدك . فقال : تَخرُجُ إِلَيكَ غَداً .
.
ص: 341
فخرج إليَّ مع كتبي كتاب فيه : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم هذا كِتابٌ مِن مُحَمَّدٍ بنِ عَليٍّ الهاشِميِّ العَلَويِّ لِعَبدِ اللّهِ بنِ المُبارَكِ (1) فَتاهُ (2) ، إِنَّي أُعتِقُكَ لِوَجهِ اللّهِ وَ الدّارِ الآخِرَةِ ، لا رَبَّ لَكَ إِلّا اللّهُ ، وَ لَيسَ عَلَيكَ سَبيلٌ ، وَ أَنتَ مَولايَ وَ مَولى عَقِبي مِن بَعدي . و كتب في المحرّم سنة ثلاث عشرة و مئتين ، ووقع فيه محمّد بن عليّ بخطّ يده و ختمه بخاتمه صلوات اللّه و سلامه عليه . (3)
216السّياريّطاهر بن عيسى الورّاق ، قال : حدّثني جعفر بن أحمد بن أيّوب ، قال : حدّثني الشّجاعيّ ، قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد بن حاجب (4) ، قال : قرأت في رقعةٍ مع الجواد عليه السلام يُعلم من سأل عن السّياريّ (5) :
.
ص: 342
إنَّهُ لَيسَ في المَكانِ الَّذي ادَّعاهُ لِنَفسِهِ ، وَإِلّا تَدفَعوا إلَيهِ شَيئاً . قال نصر بن الصباح : السّياريّ أحمد بن محمّد أبو عبد اللّه من وُلد سيّار ، و كان من كبار الطّاهريّة في وقت أبي محمّد الحسن العسكريّ عليه السلام . (1)
.
ص: 343
الفصل الخامس: في مكاتيبه الفقهيّة
.
ص: 344
. .
ص: 345
الطّهارة217كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّفي علّة نجاسة البول و الغائطعليّ بن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، عن سهل بن زياد الآدمي ، عن عبد العظيم بن عبداللّه الحسنيّ رضى الله عنه 1 ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ
.
ص: 346
محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام أسأله عن علّة الغائط ونَتنه .قال : إنّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عليه السلام وَ كانَ جَسَدُهُ طَيِّباً ، وَبَقِيَ أَربَعِينَ سَنَةً مُلقًىً ، تَمُرُّ بِهِ المَلائِكَةُ فَتقُولُ لِأَمرٍ ما خُلِقتَ ، وَ كانَ إِبليسُ يَدخُلُ مِن فيهِ وَ يَخرُجُ مِن دُبُرِهِ ، فَلِذلِكَ صارَ ما في جَوفِ آدَمَ مُنتِناً خَبِيثاً غَيرَ طَيِّبٍ . (1)
218كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفُضَيلفي غسل السّقط من المولودسَهل بن زياد ، عن عليّ بن مهران (2) ، عن محمّد بن الفُضَيل 3 ، قال : كتبت إلى أبي
.
ص: 347
جعفرٍ عليه السلام أسأله عن السّقط كيف يُصنع به ؟فكتب عليه السلام إليَّ : إِنَّ السَّقطَ يُدفَنُ بِدَمِهِ في مَوضِعِهِ . (1)
الصّلاة219كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي المواقيتسعد ، عن موسى بن جعفر ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ميمون بن يوسف النّحّاس (2) ، عن محمّد بن الفرج (3) ، قال : كتبت أسأل عن أوقات الصّلاة ؟ فأجاب :إِذا زالَتِ الشَّمسُ فَصَلِّ سُبحَتَكَ ، وَأُحِبُّ أَن يَكونَ فَراغُكَ مِنَ الفَريضَةِ وَ الشَّمسُ عَلى قَدَمَينِ ، ثُمَّ صَلِّ سُبحَتَكَ ، وَأُحِبُّ أَن يَكونَ فَراغُكَ مِنَ العَصرِ وَالشَّمسُ عَلى أَربَعَةِ أَقدامٍ ، فَإن عَجَّلَ بِكَ أَمرٌ فابدَأ بِالفَريضَتَينِ وَاقضِ النّافِلَةَ بَعدَهُما ، فَإِذا طَلَعَ الفَجرُ فَصَلِّ الفَريضَةَ ثُمَّ اقضِ بَعدُ ما شِئتَ . (4)
.
ص: 348
220كتابه عليه السلام إلى أبي الحسن بن الحُصَينفي وقت الفجرعليُّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو الحسن بن الحُصَين 1 إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام معي : جُعلت فداك ، قد اختلفَت مُوالُوك في صلاة الفجر ، فمنهم مَن يُصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء ، و منهم مَن يُصلّي إذا اعترض في أسفل الاُفق و استبان ، ولستُ أعرِف أفضل الوقتَين فاُصلّي فيه ، فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي ، و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويُصبِح ، و كيف أصنع مع الغيم ، و ما حَدّ ذلك في السّفر و الحضر ، فعلتُ إن شاء اللّه . فكتب عليه السلام بخطّه و قرأته :الفَجرُ _ يَرحَمُكَ اللّهُ _ هوَ الخَيطُ الأَبيَضُ المُعتَرِضُ ، لَيسَ هوَ الأَبيَضَ صُعَداءَ ، فلا تُصَلِّ في
.
ص: 349
سَفَرٍ وَ لا حَضَرٍ حَتّى تَتَبَيَّنَهُ ، فَإنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى لَم يَجعَل خَلقَهُ في شُبهَةٍ مِن هذا ، فَقالَ : «كُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» (1) ، فالْخَيْطُ الأَبْيَضُ هوَ المُعتَرِضُ الّذي يَحرُمُ بِهِ الأَكلُ وَ الشُّربُ في الصَّومِ وَ كَذلِكَ هوَ الَّذي تُوجَبُ بِهِ الصَّلاةُ . (2)
221كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفيما يصحّ السّجود عليهعليُّ بن محمّدٍ و غيرُه ، عن سَهل بن زياد ، عن عليّ بن الرّيّان (3) ، قال : كتب بعض أصحابنا إليه بيد إبراهيم بن عُقبة (4) يسأله [ يعني أبا جعفرٍ عليه السلام ] عن الصّلاة على الخُمرة (5) المدنيّة ؟ فكَتَب :صَلِّ فيها ما كانَ مَعمولاً بِخُيوطَةٍ ، وَ لا تُصَلِّ عَلى ما كانَ مَعمُولاً بِسُيورَةٍ (6) .
.
ص: 350
قال : فتوقّف أصحابنا فأنشدتهم بيت شعرٍ لتأبّطَ شَرّاً العَدوانِيّ : كأنّها خُيوطَةُ ماريٍّ تُغارُ وَ تُفتَلُ (1) و ماريّ كان رجلاً حبّالاً ، كان يعمل الخيوط . (2)
222كتابه عليه السلام إلى محمّد بن إبراهيم الحضينيّفي الصّلاة على السّريرأحمد بن محمّد ، عن عليّ بن أحمد بن أشيم ، عن محمّد بن إبراهيم الحُضينيّ (3) ، قال : سألته عن الرّجل يصلّي على السّرير و هو يقدر على الأرض . فكتب :لا بَأسَ ، صَلِّ فيهِ . (4)
223كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي لباس المصلّيعليّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسين
.
ص: 351
الأشعريّ (1) ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : ما تقول في الفَرو يُشترى من السّوق ؟ فقال :إذا كانَ مَضمُوناً فَلا بَأسَ . (2)
224كتابه عليه السلام إلى يحيَى بن أبي عِمرانفي لباس المصلّيروي عن يحيَى بن أبي عِمران (3) أنّه قال: كتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام في السّنجاب و الفَنَك والخَزّ ، و قلتُ : جُعلت فداك اُحبّ أن لا تُجيبني بالتّقيّة في ذلك . فكتب بخطّه إليَّ :صَلِّ فيها . (4)
225كتابه عليه السلام إلى قاسم الصّيقَلفي لباس المصلّيالحسين بن محمّد ، عن مُعَلّى بن محمّد ، عن محمّد بن عبد اللّه الواسطيّ ، عن قاسم
.
ص: 352
الصّيقَل (1) ، قال : كتبتُ إلى الرّضا عليه السلام أنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحُمُر الميتة فيصيب ثيابي ، فاُصلّي فيها ؟ فكتب عليه السلام إليَّ :اتّخِذ ثَوباً لِصَلاتِك . فكتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : كنت كتبت إلى أبيك عليه السلام بكذا و كذا ، فصعّب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحُمُر الوحشيّة الذّكيّة . فكتب عليه السلام إليَّ : كُلُّ أَعمالِ البِرِّ بِالصَّبر يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَإن كانَ ما تَعمَلُ وَحشيّاً ذَكيّاً فَلا بَأسَ . (2)
226كتابه عليه السلام إلى يحيَى بن أبي عِمران الهمدانيّفي قراءة الصّلاةمحمّد بن يحيَى ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن يحيَى بن أبي عِمران الهمدانيّ ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : جُعلت فداك ، ما تقول في رجلٍ ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في اُمّ الكتاب ، فلمّا صار إلى غير اُمّ الكتاب من السّورة تركها ، فقال العبّاسِيّ (3) : ليس بذلك بأسٌ . فكتب بخطّه :يُعِيدُها مَرَّتَينِ عَلى رَغم أَنفِهِ _ يَعني العَبّاسِيّ _ . (4)
.
ص: 353
227كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَةفي صلاة الجماعةأحمد بن محمّد بن أبي نَصر ، عن إبراهيم بن شَيبة (1) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أسأله عن الصّلاة خلف مَن يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام و هو يرى المسح على الخُفّين ، أو خلف مَن يُحَرّم المسح و هو يمسح ؟ فكتب :إِن جامَعَكَ وَ إِيّاهُم مَوضِعٌ فَلَم تَجِد بُدّاً مِنَ الصَّلاةِ فَأَذِّن لِنَفسِكَ وَأَقِم ، فَإِن سَبَقَكَ إِلى القِرَاءَةِ فَسَبِّح . (2)
228كتابه عليه السلام إلى أبي عبد اللّه البرقيفي صلاة الجماعةأحمد بن محمّد بن عيسى، عن أبي عبد اللّه البرقي (3) ، قال: كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : أيجوز _ جُعلت فداك _ الصّلاة خلف مَن وقف على أبيك وجدّك عليهم السلام ؟ فأجاب :لا تُصَلّ وَرَاءَهُ . (4)
.
ص: 354
229كتابه عليه السلام إلى رجلفي النّوافلعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب رجلٍ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام (1) : الرّكعتان اللّتان قبل صلاة الفجر ، من صلاة اللّيل هي أم من صلاة النّهار ؟ و في أيّ وقتٍ اُصلّيهما ؟ فكتب بخطّه :احشوهُما في صَلاةِ اللَّيلِ حَشوا . (2)
230كتابه عليه السلام إلى رجلفضل صلاة النوافل في شهر رمضانعليُّ بن حاتم ، عن الحسن بن عليّ (3) ، عن أبيه ، قال : كتب رجلٌ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسألُه عن صلاة نوافل شهر رمضان ، و عن الزّيادة فيها . فكتب عليه السلام إليه كتاباً قرأته بخطّه :صَلِّ في أوَّل شَهرِ رَمَضَانَ في عِشرِينَ لَيلَةً عِشرِينَ رَكعَةً ، صَلِّ مِنها ما بَينَ المَغرِبِ وَ العَتَمَةِ ثَمانيَ رَكَعاتٍ ، وَبَعدَ العِشَاءِ اثنَتَي عَشرَةَ رَكعَةً ، وَ في العَشرِ الأَواخِرِ ثَمانيَ رَكَعاتٍ بَينَ المَغرِبِ وَ العَتَمَةِ ، وَ اثنَتَينِ وَ عِشرِينَ رَكعَةً بَعدَ العَتَمَةِ ، إلّا في لَيلَةِ إِحدى وَعِشرينَ ، فَإِنَّ المِئَةَ تُجزيكَ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى ، وَ ذلِكَ سِوى الخَمسينَ ، وَ أَكثِر مِن قِراءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ فِى
.
ص: 355
لَيْلَةِ الْقَدْرِ » . (1)
231كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الرّيّانصلاة القضاء في الأماكن المقدّسةعليّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن محمّد بن الرّيّان (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : رجلٌ يقضي شيئاً من صلاته الخمسين في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله أو في مسجد الكوفة ، أتُحسب له الرّكعة على تضاعُف ما جاء عن آبائك عليهم السلام في هذه المساجد حتّى يُجزئه إذا كانت عليه عشرة آلاف ركعة أن يُصلّي مئةَ ركعة أو أقلّ أو أكثرَ ؟ و كيف يكون حاله ؟ فوقّع عليه السلام :يُحسَبُ لَهُ بِالضِّعفِ ، فَأَمّا أَن يَكونَ تَقصيراً مِنَ الصَّلاةِ بِحالِها فَلا يَفعَلُ ؛ هوَ إِلى الزّيادَةِ أَقرَبُ مِنهُ إِلى النُّقصانِ . (3)
232كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي إتمام الصّلاة في الحرمينسَهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار (4) ، قال : كتبت إلى أبي
.
ص: 356
جعفرٍ عليه السلام : إنّ الرّواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التّقصير في الحرمين ، فمنها بأن يُتمّ الصّلاة ولو صلاةً واحدةً ، و منها أن يُقصّر ما لم ينوِ مُقام عشرة أيّام ، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صَدَرنا في حجنّا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليَّ بالتّقصير ، إذ كنت لا أنوي مُقام عشرة أيّام فصرت إلى التّقصير ، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك ؟ فكتب إليَّ بخطّه :قَد عَلِمتَ يَرحَمُكَ اللّهُ فَضلَ الصَّلاةِ في الحَرَمَينِ عَلى غَيرِهِما ، فَإِنّي أُحِبُّ لَكَ إِذا دَخَلتَهُما أَن لا تَقصُرَ ، وَ تُكثِرَ فيهِما الصَّلاةَ . فقلت له بعد ذلك بسنتين مُشافَهةً : إنّي كَتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا . فقال : نَعَم . فقلتُ : أيّ شيء تعني بالحرمين ؟ فقال : مَكّةَ وَ المَدينَةَ . (1) وفي تهذيب الأحكام : عليّ بن مهزيار ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : الرّواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التّقصير للصّلاة في الحرمين ، فمنها أن يأمر بتتميم الصّلاة و لو صلاةً واحدةً ، و منها أن يأ مر بتقصير الصّلاة ما لم ينوِ مُقام عشرة أيّامٍ ، و لم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجّنا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتّقصير إذا كنت لا أنوي مُقامَ عشرة ، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك ؟ فكتب بخطّه عليه السلام : قد عَلِمتَ يَرحَمُكَ اللّهُ فَضلَ الصَّلاةِ في الحَرَمَينِ عَلى غَيرِهِما ، فَأَنا أُحِبُّ لَكَ إِذا دَخَلتَهُما أَن لا تَقصُرَ وَتُكثِرَ فيهِما مِنَ الصَّلاةِ . فقلتُ له بعد ذلك بسنتين مُشافهةً: إنّي كتبتُ إليك بكذا فأجبت بكذا . فقال: نَعَم . فقلتُ : أيّ شيءٍ تعني بالحرمين ؟ فقال : مَكَّةَ وَ المَدِينَةَ ، وَ مَتى إذا تَوَجَّهتَ مِن مِنىً فَقَصِّرِ الصَّلاةَ ، فَإِذا انصَرَفتَ مِن عَرَفَاتٍ
.
ص: 357
إِلى مِنىً وَزُرتَ البَيتَ وَرَجَعتَ إِلى مِنىً ، فَأَتِمَّ الصَّلاةَ تِلكَ الثَّلاثَةَ الأَيّامِ . وَ قالَ بِإِصبَعِهِ ثَلاثاً . (1)
233كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شَيبَةفي إتمام الصّلاة في الحرمينأحمد بن محمّد وسَهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن إبراهيم بن شَيبة (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أسأله عن إتمام الصّلاة في الحرمين . فكتب إليَّ :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُحِبُّ إِكثَارَ الصَّلاةِ في الحَرَمَينِ فَأَكثِر فيهِما وَ أَتِمَّ . (3)
الزّكاة234كتابه عليه السلام إلى محمّد بن خالد البرقيفي إخراج القيمة عن الزكاةمحمّد بن يحيَى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد البرقي (4) ، قال : كتبتُ
.
ص: 358
إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : هل يجوز أن يُخرَجَ عمّا يجب في الحَرث من الحنطة و الشّعير ، و ما يجب على الذّهب دراهمُ بقيمة ما يَسوَى ، أم لا يجوز إلّا أن يُخرج من كلّ شيءٍ ما فيه . فأجاب عليه السلام :أَيُّما تَيَسَّرَ يُخرَجُ . (1)
الخمس235كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارمحمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد و عبد اللّه بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إليه أبو جعفر عليه السلام ، و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة ، قال :الَّذي أَوجَبتُ في سَنَتي هذِهِ ، وَ هذِهِ سَنَةُ عِشرينَ وَ مِئَتَينِ فَقَط _ لِمَعنىً مِنَ المَعاني أَكرَهُ تَفسيرَ المَعنى كُلِّه ؛ خَوفاً مِنَ الانتِشارِ ، وَ سَأُفَسِّرُ لَكَ بَعضَهُ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى _ إنَّ مَواليَّ أَسأَلُ اللّهَ صَلاحَهُم أَو بَعضَهَم ، قَصَّروا فيما يَجِبُ عَلَيهِم ، فَعَلِمتُ ذلِكَ فَأَحبَبتُ أَن أُطَهِّرَهُم وَأُزَكِّيَهُم بِما فَعَلتُ في عامي هذا مِن أَمرِ الخُمُسِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « خُذ مِن أَموَ لِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَ تُزَكِّيهِم بِهَا وَ صَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُم وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَم يَعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
.
ص: 359
هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَ يأخُذُ الصَّدَقَ_تِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَ قُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَ رَسُولُهُ وَ المُؤمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَ__لِمِ الغَيبِ وَ الشَّهَ_دَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ » (1) . وَ لَم أُوجِب ذلِكَ عَلَيهِم في كُلِّ عامٍ ، وَ لا أُوجِبُ عَلَيهِم إِلَا الزَّكاةَ الَّتي فَرَضَها اللّهُ عَلَيهِم ، وَإِنَّما أَوجَبتُ عَلَيهِم الخُمُسَ في سَنَتي هذِهِ في الذَّهَبِ وَ الفِضَّةِ الَّتي قَد حالَ عَلَيها الحَولُ ، وَ لَم أُوجِبُ ذلِكَ عَلَيهِم في مَتاعٍ وَ لا آنيَةٍ وَ لا دَوابَّ وَ لا خَدَمٍ وَ لا رِبحٍ رَبِحَهُ في تِجارَةٍ ، وَ لا ضَيعَةٍ ، إلّا ضيعَةً سَأُفَسِّرُ لَكَ أَمرَها ؛ تَخفيفاً مِنّي عَن مَواليَّ ، وَ مَنّاً مِنّي عَلَيهِم لِما يَغتالُ السُّلطانُ مِن أَموالِهِم ، وَ لِما يَنوبُهُم في ذاتِهِم . فَأَمّا الغَنائِمُ وَ الفَوائِدُ ، فَهيَ واجِبَةٌ عَلَيهِم في كُلِّ عامٍ ، قالَ اللّهُ تَعالى : « وَاعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِّن شَى ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذى القُربَى وَاليَتَ_مى وَالمَسَ_كِينِ وَابنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُم ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلنَا عَلَى عَبدِنَا يَومَ الفُرقَانِ يَومَ التَقَى الجَمعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَى ءٍ قَدِيرٌ » (2) ، وَ الغَنائِمُ وَ الفَوائِدُ _ يَرحَمُكُ اللّهُ _ فَهيَ الغَنيمَةُ يَغنَمُها المَرءُ ، وَ الفائِدَةُ يُفيدُها ، وَ الجائِزَةُ مِنَ الإِنسانِ لِلإنسانِ الَّتي لَها خَطَرٌ عَظيمٌ ، وَ الميراثُ الَّذي لا يُحتَسَبُ مِن غَيرِ أَبٍ وَ لا ابنٍ ، وَ مِثلُ عَدوٍّ يُصطَلَمُ (3) فَيُؤخَذُ مالُهُ ، وَ مِثلُ مالٍ يُؤخَذُ لا يُعرَفُ لَهُ صاحِبُهُ ، وَ مِن ضَربٍ ما صارَ إِلى قَومٍ مِن مَواليَّ مِن أَموالِ الخُرَّميَّةِ 4 الفَسَقَةِ ، فَقَد عَلِمتُ أَنَّ أَموالاً عِظاماً
.
ص: 360
صارَت إِلى قَومٍ مِن مَواليَّ ، فَمَن كانَ عِندَهُ شَيءٌ مِن ذلِكَ فَليوصِل إِلى وَكيلي ، وَ مَن كانَ نائِياً بَعيدَ الشُّقَّةِ فَليَتَعَمَّد لإِيصالِهِ وَ لَو بَعدَ حينٍ ، فَإِنَّ نيَّةِ المُؤمِن خَيرٌ مِن عَمَلِهِ . فَأَمّا الَّذي أُوجِبُ مِنَ الغَلّاتِ وَ الضّياعِ في كُلِّ عامٍ ، فَهو نِصفُ السُّدُسِ مِمَّن كانت ضَيعَتُهُ تَقومُ بِمَؤنَتِهِ ، وَ مَن كانَت ضَيعَتُهُ لا تَقومُ بِمَؤنَتِهِ فَلَيسَ عَلَيهِ نِصفُ سُدُسٍ وَ لا غَيرُ ذلِكَ . (1)
236كتابه عليه السلام إلى ابن أبي نصرفي إخراج الخمس بعد المؤونةأحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نصر 2 ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : الخمس اُخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة ؟ فكتب :بَعدَ المَؤونَةِ . (2)
.
ص: 361
237كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي إخراج الخمس بعد المؤونةسعد بن عبد اللّه ، عن أبي جعفرٍ ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ 1 ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرّجلُ من قليلٍ و كثيرٍ من جميع الضّروب ، و على الصُّنّاع ، و كيف ذلك ؟ فكتب بخطّه :الخُمُسُ بَعدَ المَؤونَةِ . (1)
238كتابه عليه السلام إلى عبد العزيز بن المهتديّ القمّي الأشعريّفي دفع وجوه الخمسمحمّد بن مسعود ، قال : حدّثني عليّ بن محمّد ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، عن عبد العزيز (2) أو من رواه عنه ، عن أبي جعفرٍ عليه السلام ، قال : كتبت إليه أنّ لك معي شيئاً
.
ص: 362
فمرني بأمرك فيه إلى من أدفعه ؟ فكتب :إِنّي قَبَضتُ ما في هذِهِ الرُّقعَةِ وَ الحَمدُ للّهِ ، وَ غَفَرَ اللّهُ ذَنبَكَ وَرحِمَنا وَ إِيّاكَ وَرَضَيَ اللّهُ عَنكَ بِرِضايَ عَنكَ . (1) وفي كتاب الغيبة : خرج فيه عن أبي جعفرٍ عليه السلام : قَبَضتُ وَ الحَمدُ للّهِ ، وَ قَد عَرَفتُ الوجوهَ الّتي صارَت إِلَيكَ مِنها غَفَرَ اللّهُ لَكَ وَ لَهُم الذُّنوبَ وَرَحِمَنا وَإِيّاكُم . و خرج فيه : غَفَرَ اللّهُ لَكَ ذَنبَكَ وَرَحِمَنا وَإِيّاكَ وَرَضيَ عَنكَ بِرضائي عَنكَ . (2)
239كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي دفع وجوه الخمسحمدان بن سليمان ، عن أبي سعيد الأرمنيّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن مهران ، قال : قال محمّد بن الفرج (3) : كتب إليَّ أبو جعفرٍ عليه السلام :احمِلوا إِلَيَّ الخُمُس ؛ فَإِنّي لَستُ آخُذَهُ مِنكُم سِوى عامي هذا . فقُبض عليه السلام في تلك السّنة . (4)
.
ص: 363
240كتابه عليه السلام إلى رجلفي الأكل و شرب من الخمسأبو جعفرٍ عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتابٍ لأبي جعفرٍ عليه السلام من رجلٍ يسأله أن يجعله في حلٍّ من مأكله و مشربه من الخمس . فكتب بخطّه :مَن أَعوَزَهُ شَيءٌ مِن حَقّي فَهوَ في حِلٍّ . (1)
الحجّ241كتابه عليه السلام إلى عليّ بن راشدالإحرام في السّكرمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي عليّ بن راشد (2) ، قال : كتبت إليه أسأله عن رجل مُحرم سَكرَ و شهد المناسك و هو سكران ، أيتمّ حجّه على سُكره ؟ فكتب عليه السلام :لا يَتِمُّ حَجُّهُ . (3)
.
ص: 364
242كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي الظّلال للمحرمسَهل بن زياد ، عن بكر بن صالح (1) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ : إنّ عليه السلام عمّتي معي و هي زميلتي (2) ، و الحرّ تشتدّ عليها إذا أحرمت ، فترى لي أن اُظلّل عليّ و عليها ؟ فكتب عليه السلام :ظَلّل عليها وَحدَهَا . (3)
243كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي الحجّ نيابةمحمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن بكر بن صالح ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّ ابني معي و قد أمرته أن يحجّ عن اُمّي ، أيُجزي عنها حجّة الإسلام ؟ فكتب عليه السلام :لا .
.
ص: 365
و كانَ ابنه صَرورةً و كانت اُمّه صَرورَةً (1) . (2)
244كتابه عليه السلام عمرُو بن سعيد السّاباطيفي الحجّ نيابةكتب عمرو بن سعيد السّاباطيّ 3 إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عن رجلٍ أوصى إليه رجلٌ أن يُحجّ عنه ثلاثة رجالٍ ، فَيحلّ له أن يأخذ لنفسه حَجّةً منها ؟ فوقّع عليه السلام بخطّه و قرأته :حُجَّ عَنهُ إِن شَاءَ اللّهُ تَعالَى ، فَإِنَّ لَكَ مِثلَ أَجرِهِ ، و لا يَنقُصُ مِن أَجرِهِ شَيءٌ إن شاءَ اللّهُ تَعالى . (3)
.
ص: 366
245كتابه عليه السلام إلى عليِّ بن مُيَسِّرفي التخيير بين الحجّ مفرداً و متمتّعاًكتب عليّ بن مُيَسِّر 1 إلَى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يسأله عن رجلٍ اعتمر في شهر رمضان ثمّ حضر الموسم ، أيحُجّ مُفرداً للحجّ ، أو يتمتّع ؟ أيّهما أفضل ؟ فكتب عليه السلام إليه :يَتَمَتَّعُ . (1) وفي الكافي : أحمد بن عليّ ، عن عليّ بن حديد ، قال : كتب إليه عليّ بن مُيَسِّر يسأله عن رجلٍ اعتمر في شهر رمضان ثمّ حضر له الموسم ، أيحُجّ مُفرداً للحجّ ، أو يتمتّع ؟ أيّهما أفضل ؟ فكتب عليه السلام إليه : يَتَمَتَّعُ أفضَلُ . (2)
.
ص: 367
246كتابه عليه السلام إلى عليّ بن حديدالعمرة في شهر رمضانسَهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعاً ، عن علي بن مهزيار ، عن عليّ بن حديد (1) ، قال : كنتُ مقيماً بالمدينة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة و مئتين ، فلمّا قرب الفطر كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام أسأله عن الخروج في عمرة شهر رمضان أفضَل ، أو اُقيمُ حتّى ينقضي الشّهر واُتمّ صومي ؟ فكتب إليَّ كتاباً قرأته بخطّه :سَأَلتَ رَحِمَكَ اللّهُ عَن أَيِّ العُمرَةِ أَفضَلُ ؛ عُمرَةُ شَهرِ رَمضانَ أَفضَلُ يَرحَمُكَ اللّهُ . (2)
247كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن عمران الهمدانيّفي حجّ المخالفسهل بن زياد ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إبراهيم بن محمّد بن عمران
.
ص: 368
الهمدانيّ (1) إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّي حججت وأنا مخالف و كنت صَرورة ، فدخلت متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ؟ قال : فكتب إليه :أَعِد حَجَّكَ . (2)
المكاسب248كتابه عليه السلام إلى موسى بن عبد الملكفي استيفاء الدّين من مال الغريممحمّد بن الحسن الصّفّار ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : أخبرني إسحاق بن إبراهيم (3) : أنّ موسى بن عبد الملك (4) كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عن رجلٍ دفع إليه مالاً ليصرفه في بعض وجوه البرّ ، فلم يمكنه صرف ذلك المال في الوجه الّذي أمره به ، و قد كان له عليه مال بقدر هذا المال ، فسأل : هل يجوز لي أن أقبض مالي ، أو أردّه عليه واقتضيه ؟ فكتب عليه السلام إليه :اقبِض مالَكَ مِمّا في يَدَيكَ . (5)
.
ص: 369
الوقوف و الصّدقات249كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي وقف المعلوم و المجهولعليّ بن مهزيار (1) ، قال : قلت لأبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام أنّ كلّ وقفٍ إلى وقتٍ معلوم (2) فهو واجب على الورثة ، وكلّ وقفٍ إلى غير وقتٍ معلوم جهلٌ مجهولٌ باطلٌ مردودٌ على الورثة ، وأنت أعلم بقول آبائك عليهم السلام . فكتب عليه السلام :هوَ عِندي كَذا . (3)
250كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي بيع الوقفمحمّد بن يحيَى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعدّة من أصحابنا ، عن سَهل بن زياد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّ فلاناً ابتاع ضيعةً فوقفها و جعل لك في الوقف الخُمس ، و يسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو يقوّمها على نفسه بما اشتراها به ، أو يدعها موقوفة . فكتب عليه السلام إليَّ :
.
ص: 370
أَعلِم فُلاناً أَنّي آمُرُهُ بِبَيعِ حَقّي مِنَ الضَّيعَةِ وَإِيصالِ ثَمَنِ ذلِكَ إِلَيَّ ، وَإِنَّ ذلِكَ رَأيي إِن شاءَ اللّهُ ، أو يُقَوِّمُها عَلى نَفسِهِ إِن كانَ ذلِكَ أَوفَقَ لَهُ . وكَتَبتُ إليه : إنّ الرّجل ذكر أنّ بين من وَقف بقيّة هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً ، وأنّهُ ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كُلّ إنسان منهم ما كان وُقف له من ذلك أمرته . فكتب بخطّه إليَّ : وَأَعلِمهُ أَنَّ رَأيي لَهُ إن كانَ قَد عَلِمَ الاختِلافَ ما بَينَ أَصحابِ الوَقفِ أَن يبِيعَ الوَقفَ أَمثَلُ ، فَإنَّهُ رُبَّما جاءَ في الاختِلافِ ما فيهِ تَلَفُ الأَموالِ وَ النُّفوسِ . (1)
251كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّفي الوقف على كثيرينمحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن موسى بن جعفرٍ ، عن عليّ بن محمّد بن سليمان النّوفليّ ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام أسأل عن أرضٍ أوقفها جدّي على المحتاجين من وُلد فلان بن فلان ، و هم كثيرٌ مُتفرّقون في البلاد . فأجاب عليه السلام :ذَكَرتَ الأَرضَ الَّتي أَوقَفها جَدُّكَ عَلى فُقَرَاءِ وُلدِ فُلانِ بنِ فُلانٍ ، وَ هيَ لِمَن حَضَرَ البَلَدَ الَّذي فيهِ الوَقفُ ، وَ لَيسَ لَكَ أن تُتبِعَ مَن كانَ غائِباً . (2)
.
ص: 371
252كتابه عليه السلام إلى عليِّ بن مهزيارفي إعطاء فقراء بني هاشم من الصّدقاتسَهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام اُعلِمه أنّ إسحاق بن إبراهيم (1) وقف ضيعةً على الحجّ واُمّ ولده و ما فضل عنها للفقراء ، و أنّ محمّد بن إبراهيم أشهدني على نفسه بمالٍ ليُفرّق على إخواننا ، و أنّ في بني هاشم مَن يُعرف حقّه يقول بقولنا ممّن هو محتاج ، فترى أن أصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصّدقة ؛ لأنّ وقف إسحاق إنّما هو صدقة؟ فكتب عليه السلام :فَهِمتُ يَرحَمُكَ اللّهُ ما ذَكَرتَ مِن وَصِيَّةِ إِسحاقَ بنِ إِبراهيمَ رضى الله عنه ، وَ ما أَشهَدَ لَكَ بِذلِكَ مُحَمَّدُ بنُ إِبراهيم رضى الله عنه ، و ما استأمَرتَ فيهِ مِن إِيصالِكَ بَعضَ ذلِكَ إِلى مَن له مَيلٌ وَمَوَدَّةٌ مِن بَني هاشمٍ مِمَّن هوَ مُستَحِقٌّ فَقيرٌ ، فَأَوصِل ذلِكَ إلَيهِم يَرحَمُكَ اللّهُ ، فَهُم إذا صاروا إِلى هذِهِ الخُطَّةِ أَحَقُّ بِهِ مِن غَيرِهِم ، لِمَعنىً لَو فَسَّرتُهُ لَكَ لَعَلِمتَهُ إِن شاءَ اللّهُ . (2) الوصايا
253وصيّته عليه السلام إلى العبّاس بن معروففي الوصيّة بأكثر من الثّلثأحمد بن محمّد بن عيسَى ، عن العبّاس بن معروف (3) ، قال : كان لمحمّد بن
.
ص: 372
الحسن بن أبي خالد 1 غلام لم يكن به بأس ، عارف ، يُقال له : ميمُونٌ ، فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العبّاس بن معروف بجميع ميراثه وتركته ، أن اجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام ، وترك أهلاً حاملاً وإخوةً قد دخلوا في الإسلام واُمّاً مجوسيّةً . قال : ففعلتُ ما أوصى به ، و جمعتُ الدّراهم ودفعتها إلى محمّد بن الحسن ، و عزم رأيي أن أكتب إليه بتفسير ما أوصى به إليَّ و ما ترك الميّتُ من الورثة ، فأشار عليّ محمّد بن بشير و غيره من أصحابنا أن لا أكتب بالتفسير و لا احتاج إليه ؛ فإنّه يعرف ذلك من غير تفسيري ، فأبيت إلّا أن أكتب إليه بذلك على حقّه و صدقه . فكتبت و حصّلت الدراهم وأوصلتها إليه عليه السلام ، فأمره أن يعزل منها الثّلث يدفعها إليه و يردّ الباقي على وصيّه يرُدّها على ورثته . (1) و بروايةٍ اُخرى : محمّد بن عبد الجبّار ، عن العبّاس بن معروف ، قال : مات غلام محمّد بن الحسن و ترك اُختا ، وأوصى بجميع ماله له عليه السلام ، قال : فبعنا متاعه فبلغ ألف درهمٍ ، وحُمل إلى أبي جعفرٍ عليه السلام ، قال : وكتبت إليه و اعلمته أنّه أوصى بجميع ماله له ، فأخذ ثلث ما بعثت به إليه وردّ الباقي ، وأمرني أن أدفعه إلى وارثه . (2)
.
ص: 373
254كتابه عليه السلام إلى بعض الأصحابفي الوصيّة بأكثر من الثّلثمحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العبّاس ( بن المعروف ) ، عن بعض أصحابنا (1) ، قال : كتبت إليه : جُعلت فداك إنّ امرأةً أوصت إلى امرأةٍ ودفعت إليها خمسمئة درهم ، و لها زوج وولد ، فأوصتها أن تدفع سهماً منها إلى بعض بناتها و تصرف الباقي إلى الإمام . فكتب عليه السلام :تَصرِفُ الثُّلثَ مِن ذلِكَ إِلَيَّ ، وَ الباقي يُقسَمُ عَلى سِهامِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَينَ الوَرَثَةِ . (2)
255كتابه عليه السلام إلى جعفرٍ و موسىفي إنفاذ الوصيّة الشّرعيّةسَهل بن زياد عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى جعفرٍ و موسى (3) :وَ فيما أَمَرتُكُما مِنَ الإِشهادِ بِكَذا وَ كَذا نَجاةٌ لَكُما في آخِرَتِكُما ، وَ إِنفاذٌ لِما أَوصى بِهِ أَبَواكُما ، وَ بِرٌّ مِنكُما لَهُما ، وَ احذَرا أَن لا تَكونا بَدَّلتُما وَصِيَّتَهُما ، وَ لا غَيَّرتُماها عَن حالِها ؛ لِأَنَّهُما قَد خَرَجا مِن ذلِكَ رَضيَ اللّهُ عَنهُما ، وَصارَ ذلِكَ في رِقابِكُما ، وَ قَد قالَ للّهُ تَبارَكَ وَ تَعالى في كِتابِهِ في الوَصيَّةِ : « فَمَن بَدَّلَهُ بَعدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ
.
ص: 374
256كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمر السّاباطيّفي موت المُوصَى له قبل المُوصيمحمّد بن يحيى ، عن عِمران بن موسى ، عن موسى بن جعفرٍ ، عن عمرو بن سعيد المدائنيّ ، عن محمّد بن عمر السّاباطيّ (3) ، قال : سألت أبا جعفرٍ عليه السلام _ يعني الثّاني _ عن رجلٍ أوصى إليَّ و أمرني أن اُعطي عَمّاً له فِي كُلّ سنةٍ شيئاً ، فماتَ العَمُّ . فكتب عليه السلام :أَعطِهِ وَرَثَتَهُ . (4)
257كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي إنفاذ الثّلثكتب إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (5) إليه عليه السلام : ميّتٌ أوصى بأن يُجرى على رجلٍ ما بقي من ثُلُثه ، ولم يأمر بإنفاذ ثُلُثه ، هل للوصيّ أن يُوقِفَ ثُلُث الميّت بسبب الإجراء ؟
.
ص: 375
فكتب عليه السلام :يُنفِذُ ثُلُثَهُ وَ لا يُوقِفُ . (1)
258كتابه عليه السلام إلى محمّد بن يحيى الخراسانيّفي ميراث الأولى من ذوي الأرحاممحمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد ، قال : كتب محمّد بن يحيى الخراسانيّ 2 في رجلٍ أوصى إلى رجلٍ و له بنو عمٍّ و بنات عمٍّ و عمُّ أبٍ و عمّتان ، لِمن الميراث ؟ فكتب عليه السلام :أَهلُ العَصَبَةِ بَنو العَمِّ هُم وارِثونَ . (2)
النّكاح259كتابه عليه السلام إلى عليّ بن أسباطفي الكفاءة في النّكاحقال محمّد بن يعقوب الكلينيّ فيما صنّفه من كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام ، فيما يختصّ
.
ص: 376
بمولانا الجواد عليه السلام ، فقال : و من كتابٍ إلى عليّ بن أسباطٍ 1 :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ وَفَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ بَناتِكَ ، وَأَنَّكَ لا تَجِدُ أَحَداً مِثلَكَ ، فَلا تُفَكِّر في ذلِكَ يَرحَمُكَ اللّهُ ، فإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدينَهُ فَزَوِّجوهُ ، وَ «إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » (1) . وَ فَهِمتُ ما استَأمَرتَ فيهِ مِن أَمرِ ضَيعَتَيكَ اللَّتَينِ تَعَرَّضَ لَكَ السُّلطانُ فيهِما ، فاستَخِرِ اللّهَ مِئَةَ مَرَّةٍ خيرَةً في عافيَةٍ ، فَإِن احلَولى في قَلبِكَ بَعدَ الاستِخارَةِ فَبِعهِما ، وَ استَبدِل غَيرَهُما إِن شاءَ اللّهُ . وَ لتَكُنِ الاستِخارَةُ بَعدَ صَلاتِكَ رَكعَتَينِ ، وَ لا تُكَلِّم أَحَداً بَينَ أَضعافِ الاستِخارَةِ حَتَّى تُتِمَّ مِئةَ مَرَّةٍ . (2) وفي روايةٍ اُخرى : سهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب عليّ بن أسباط إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في أمر بناته ، و أنّه لا يجد أحداً مثله .
.
ص: 377
فكتب إليه أبو جعفرٍ عليه السلام : فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ بَنَاتِكَ ، وَ أَنَّكَ لا تَجِدُ أَحَداً مِثلَكَ ، فَلا تَنظُر في ذلِكَ رَحِمَكَ اللّهُ ؛ فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَ دينَهُ فَزَوِّجُوهُ ؛ « إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » . (1)
260كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي الكفاءة في النّكاحأحمد بن أبي عبد اللّه ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في التّزويج ، فأتاني كتابه بخطّه :قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِذا جاءَكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدينَهُ فَزَوِّجوهُ ؛ «إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » . (3)
261كتابه عليه السلام إلى الحسين بن بَشّار الواسطيّفي الكفاءة في النّكاحسهل بن زياد ، عن الحسين بن بَشّار الواسطيّ 4 ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ
.
ص: 378
الثّاني عليه السلام أسأله عن النّكاح ؟ فكتب إليَّ :مَن خَطَبَ إِلَيكُم فَرَضيتُم دينَهُ وَ أَمَانَتَهُ فَزَوِّجُوهُ ؛ «إِلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِى الأَْرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ » . (1)
262كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الشكّ في إيقاع العقدأحمد بن محمّد ، عن عبد اللّه بن الخزرج (2) أنّه كتب إليه رجلٌ خطب إلى رجلٍ
.
ص: 379
فطالت به الأيّامُ والشّهورُ و السّنون ، فذهب عليه أن يكون قال له : أفعلُ أو قد فَعلَ ، فأجاب فيه :لا يَجِبُ عَلَيهِ إلَا ما عَقَدَ عَلَيهِ قَلبَهُ وَ ثَبَتَت عَلَيهِ عَزيمَتُهُ . (1)
263كتابه عليه السلام إلى الرّيّان بن شبيبفي العقود على الإماءأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن أحمد (2) ، قال : كتب إليه الريّان بن شبيب (3) : رجل أراد أن يزوّج مملوكتّه حرّاً و يشترط عليه أنّه متى شاء فيفرّق بينهما ، أيجوز ذلك له جعلت فداك أم لا ؟ فكتب عليه السلام :نَعَم ، إِذا جَعَلَ إِلَيهِ الطَّلاقَ . (4)
.
ص: 380
264كتابه عليه السلام إلى خشففي التّزويجمحمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، قال : كَتَبَت إليه خِشفُ اُمُّ ولد عيسى بن عليّ بن يقطين في سنة ثلاث و مئتين ؛ تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد : اُخبرك يا سيّدي و مولاي ، أنّ ابنة مولاك عيسى بن عليّ بن يقطينٍ أملكتها من ابن عبيد بن يقطينٍ ، فبعدما أملكتها ذكروا أنّ جدّتها اُمّ عيسى بن عليّ بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ، ثمّ صارت إلى عليّ بن يقطين فأولدها عيسى بن عليّ ، فذكروا أنّ ابن عبيد قد صار عمّها من قبل جدّتها اُمّ أبيها أنّها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا سيّدى و مولاي أن تمنّ على مولاتك بتفسيرٍ منك ، و تخبرني هل تحلّ له ، فإنّ مولاتك يا سيّدي في غمٍّ اللّهُ به عليم . فوقّع عليه السلام في هذا الموضع بين السّطرين :إِذا صارَ عَمّاً لا تَحِلُّ لَهُ ، وَ العَمُّ و الِدٌ وَ عَمٌّ . (1)
265كتابه عليه السلام إلى عيسى بن يزيدفي المتعةعيسى بن يزيد (2) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في رجلٍ تكون في منزله امرأة
.
ص: 381
تخدمه ، فيلزم النّظر إليها فيتمتّع بها ، و الشّرط أن لا يفتضّها . فكتب :أَن لا بَأسَ بِالشَّرطِ إِذا كانَت مُتعةً . (1)
266كتابه عليه السلام إلى بعض بني عمّ محمّد بن الحسنفي استئمار البكرمحمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (2) ، قال : كتب بعض بني عمّي إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها ، فلمّا كبرت أبت التّزويج ؟ فكتب بخطِّه :لا تُكرَهُ عَلى ذلِكَ ، وَ الأَمرُ أَمرُها . (3)
الطّلاق267كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابهفي طلاق الغائبسهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ ، قال : كتب بعض موالينا إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : أنّ معي امرأةً
.
ص: 382
عارفةً أحدث زوجُها فَهرب عن البلاد فتبع الزّوجَ بعضُ أهلِ المرأة ، فقال : إمّا طَلّقتَ وإمّا رددتُك ، فطلّقها و مضى الرّجلُ على وَجهه ، فما ترى للمرأة ؟ فكتب بخطّه :تَزَوَّجي يَرحَمُكِ اللّهُ . (1)
268كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيفي المخالف إذا طلّق امرأتهأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام مع بعض أصحابنا ، وأتاني الجوابُ بخطّه :فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ ابنَتِك وَزَوجِها ، فَأَصلَحَ اللّهُ لَكَ ما تُحِبُّ صَلاحَهُ . فَأَمّا ما ذَكَرتَ من حِنثِهِ بطَلاقِها غَيرَ مَرَّةٍ فانظُر رَحِمَكَ اللّهُ ، فَإِن كانَ مِمَّن يَتَوَلّانا وَ يَقولُ بِقَولِنا فَلا طَلاقَ عَلَيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَم يَأتِ أَمراً جَهِلَهُ ، وَإِن كانَ مِمَّن لا يَتَوَلّانا وَ لا يَقولُ بِقَولِنا فاختَلِعها مِنهُ ؛ فَإِنَّه إِنَّما نَوى الفِراقَ بِعَينِهِ. (3)
الحلف269كتابه عليه السلام إلى رجلفي الحلف باللّه صادقاً و كاذباًعليّ بن مهزيار قال : كتب رجل إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يحكي له شيئاً.
.
ص: 383
فكتب عليه السلام إليه :وَاللّهِ ما كانَ ذاكَ ، وَإِنّي لأَكرَهُ أَن أَقولَ واللّهِ عَلى حالٍ مِنَ الأَحوالِ ، وَ لكِنَّهُ غَمَّني أَن يَقولَ ما لَم يَكُن . (1)
النّ_ذر270كتابه عليه السلام إلى رجلٍ من بني هاشمفي نذر المال للمرابطةعليّ بن مهزيار قال : كتب رجل من بني هاشمٍ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : إنّي كنت نذرت نذراً مُنذ سنتين أن أخرج إلى ساحلٍ من سواحل البحر ، إلى ناحيتنا ممّا يُرابط فيه المُتطوّعةُ نحو مرابطهم بجُدّة و غيرها من سواحل البحر ، أفترى جُعلت فداك أ نّه يلزمني الوفاء به ، أو لا يلزمني ، أو أفتدي الخروج إلى ذلك الموضع بشيءٍ من أبواب البرّ لأصيرَ إليه إن شاء اللّه تعالى ؟ فكتب إليه بخطّه و قرأتُه :إِن كانَ سَمِعَ مِنكَ نَذرَكَ أَحَدٌ مِنَ المُخالِفينَ ، فالوَفاءُ بِهِ إِن كُنتَ تَخَافُ شُنعَتَهُ (2) ، وَإلَا فاصرِف ما نَوَيتَ مِن ذلِكَ في أَبوابِ البِرِّ ، وَفَّقَنا اللّهُ وَإِيّاكَ لِما يُحِبُّ وَيَرضى . (3)
271كتابه عليه السلام إلى بندار مولى إدريسفي لزوم العمل بالنّذزأبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب بندار
.
ص: 384
مولى إدريس (1) : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كلّ يوم سبتٍ ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة ؟ فكتب و قرأته :لا تَترُكهُ إلَا مِن عِلَّةٍ ، وَ لَيسَ عَلَيكَ صَومُهُ في سَفَرٍ وَ لا مَرَضٍ ، إلَا أَن تَكونَ نَويتَ ذلِكَ ، وَإِن كُنتَ أَفطَرتَ مِنهُ مِن غَيرِ عِلَّةٍ ، فَتَصَدَّق بِعَدَدِ كُلِّ يَومٍ لِسَبعَةِ مَساكينَ ، نَسأَلُ اللّهَ التَّوفيقَ لِما يُحِبُّ وَيَرضى . (2)
الأطعمة و الأشربة272كتابه عليه السلام إلى عُبيد اللّه بن محمّد الرّازيّفي الفُقّاعالحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، قال : كتب عُبَيد اللّه بن محمّد الرّازيّ 3
.
ص: 385
إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : إن رأيت أن تُفسّر لي الفُقّاع ؛ فإنّه قد اشتبه علينا أمكروهٌ هو بعد غليانه أم قبله ؟ فكتب عليه السلام إليه :لا تَقرَبِ الفُقّاعَ إلَا ما لَم تَضرَ آنيَتُهُ أَو كانَ جَديداً . فأعاد الكتاب إليه أنّي كتبت أسأل عن الفُقّاع ما لم يَغلِ . فأتاني : أن اشرَبهُ ما كانَ في إِناءٍ جَديدٍ أَو غَيرِ ضارٍ وَ لَم أَعرِف حَدَّ الضَّراوَةِ (1) وَالجَديدِ . و سأل أن يُفسّر ذلك له ، وهل يجوزُ شربُ ما يُعمل في الغَضارَة و الزُّجاج و الخشب و نحوه من الأواني ؟ فكتب : يُفعَلُ الفُقّاعُ في الزُّجاجِ وَفي الفَخّارِ الجَديدِ إِلى قَدرِ ثَلاثِ عَمَلاتٍ ، ثُمَّ لا تُعِد مِنهُ بَعدَ ثَلاثِ عَمَلاتٍ إلَا في إِناءٍ جَديدٍ ، وَالخَشَبُ مِثلُ ذلِكَ . (2)
273كتابه عليه السلام إلى عليّ بن محمّد الحصينيفي الفقّاعأبو محمّد هارون بن موسى التّلّعكبَري ، عن أبي عليّ محمّد بن هَمّام ، عن الحسن بن هارون الحارثيّ المعروف بابن هرونا (3) ، قال : أخبرني إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه قال : كتب عليّ بن محمّد الحُصيني إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يسأله عن الفُقّاع ، و كتب : أنّي شيخ كبير ، و هو يَحُطّ عنّي طعامي ويُمرئ و ( تمرء ) لي ، فما ترى لي فيه ؟ فكتب إليه :
.
ص: 386
لا بَأسَ بِالفُقّاعِ إِذا عُمِلَ أَوَّلَ عَمَلَةٍ أَو الثّانيَةَ في أَواني الزُّجاجِ وَ الفَخّارِ ، فَأَمّا إِذا ضَريَ عَلَيهِ الإِناءُ فَلا تَقرَبهُ . قال عليّ [ بن مهزيار ] (1) : فاقرأني الكتاب و قال: لست أعرف ضراوة الإناء . فأعاد الكتاب إليه : جُعلت فداك لست أعرف حدّ ضراوة الإناء ، فاشرح لي من ذلك شرحاً بيّناً أعمل به . فكتب إليه : إِنَّ الإِناءَ إِذا عُمِلَ بِهِ ثَلاث عَمَلاتٍ أَو أَربَعٌ ، ضَريَ عَلَيهِ فَأَغلاهُ ، فَإِذا غَلا حَرُمَ ، فَإِذا حَرُمَ فَلا يَتعرَّض لَهُ . (2)
الصّيد274كتابه عليه السلام إلى فرّوخفي طلب الصّيد للتّصحّحمحمّد بن عيسى اليقطينيّ ، عن أبي عاصم ، عن هاشم بن ماهويه المداريّ ، عن الوليد بن أبان الرّازيّ ، قال : كتب ابن زاذان فرّوخ 3 إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يسأله
.
ص: 387
عن الرّجل يركض في الصّيد لا يريد بذلك طلب الصّيد ، و إنّما يريد بذلك التّصَحّحَ (1) . قال :لا بَأسَ بِذلِكَ إلَا لِلَّهوِ . (2)
275كتابه عليه السلام إلى عبد اللّه بن خالد بن نصر المدائنيّفي أكل صيد البازأحمد بن محمّد بن عيسى (3) ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام عبد اللّه بن خالد بن نصر المدائنيّ (4) : جُعلت فداك عن البازي إذا أمسك صيدَه و قد سُمّي عليه فقتل الصّيدَ ، هل يحلّ أكلُه ؟ فكتب عليه السلام بخطّه و خاتمه :إذا سَمَّيتَهُ أَكَلتَهُ . وقال عليُّ بن مهزيار: قرأته . (5)
.
ص: 388
الإرث276كتابه عليه السلام إلى بعض أصحابنافي ميراث ولد الزّنىمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن سيف ، عن محمّد بن الحسن الأشعريّ (1) ، قال : كتب بعض أصحابنا كتابا إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام معي ؛ يسأله عن رجلٍ فجر بامرأةٍ ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل ، فجاءت بولدٍ ، و هو أشبه خلق اللّه به . فكتب بخطّه و خاتمه :الوَلَدُ لِغَيَّةٍ لا يُوَرَّثُ . (2)
277كتابه عليه السلام إلى محمّد بن عمرفي إرث المواليمحمّد الكاتب ، عن عبد اللّه بن عليّ بن عمر بن يزيد ، عن عمّه محمّد بن عمر (3) أنّه كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عن رجلٍ مات و كان مولىً لرجلٍ ، و قد مات مولاه
.
ص: 389
قبله ، و للمولى ابنٌ و بناتٌ ، فسألته عن ميراث المولى ؟ فقال :هوَ لِلرِّجالِ دونَ النِّساءِ . (1)
278كتابه عليه السلام إلى الحسن بن سعيدفي إرث المعتقمحمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن 2 ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : الرّجلُ يموت و لا وارث له إلّا مواليه الّذين أعتقوه ، هل يرثونَه ؟ ولمن ميراثه ؟ فكتب عليه السلام :لِمَولاهُ الأَعلى . (2)
279كتابه عليه السلام إلى محمّد بن حمزة العلويّفي ميراث الأزواجسهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب محمّد بن حمزة العلويّ (3) إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : مولىً لك أوصى إليَّ
.
ص: 390
بمئة درهم ، و كنت أسمعهُ يقول : كلّ شيء هو لي فهو لمولاي ، فمات وتركها و لم يأمر فيها بشيءٍ ، و له امرأتان ، أمّا إحداهما فببغداد و لا أعرف لها موضعاً السّاعة ، و الاُخرى بقمّ . فما الّذي تأمرني في هذه المئة درهم ؟ فكتب إليه :انظُر أَن تَدفَعَ مِن هذِهِ الدَّراهِمِ إِلى زَوجَتَي الرَّجُلِ ، وَ حَقُّهُما مِن ذلِكَ الثُّمُنُ إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِن لَم يَكُن لَهُ وَلَدٌ فالرُّبُعُ ، وَ تَصَدَّق بِالباقي عَلى مَن تَعرِفُ أَنَّ لَهُ إلَيهِ حاجَةً إِن شاءَ اللّهُ . (1)
.
ص: 391
الفصل السّادس: في الدّعاء
.
ص: 392
. .
ص: 393
280كتابه عليه السلام إلى المأمونأدعية المُناجاةروى الشّيخ أبو جعفر محمّد بن بابويه ، عن إبراهيم بن محمّد بن الحارث النّوفليّ (1) ، قال : حدّثني أبي _ و كان خادماً لمحمّد بن عليّ الجواد عليهماالسلام _ قال : لمّا زوّج المأمون أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ بن موسى الرّضا عليهم السلام ابنته ، كتب إليه :إِنَّ لِكُلِّ زَوجَةٍ صَداقاً مِن مالِ زَوجِها ، وَ قَد جَعَلَ اللّهُ أَموالَنا في الآخِرَةِ مُؤَجَّلَةً مَذخورَةً هُناكَ ، كَما جَعَلَ أَموالَكُم مُعَجَّلَةً في الدُّنيا وَ كَثُرَ هاهُنا ، وَ قَد أَمهَرتُ ابنَتَكَ الوَسائِلَ إِلى المَسائِلِ ، وَ هيَ مُناجاةٌ دَفَعَها إِلَيَّ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ أَبي موسى ، قالَ : دَفَعَها إِليَّ أَبي جَعفَرٌ ، وَ قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ مُحَمَّدٌ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ عَليُّ بنُ الحُسينِ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ الحُسينُ أَبي ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ الحَسنُ أَخي ، قال : دَفَعَها إِلَيَّ أَميرُ المُؤمِنينَ عَليُّ بنُ أَبي طالِبٍ عليه السلام ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، قالَ : دَفَعَها إِلَيَّ جَبرَئيلُ عليه السلام ، قالَ : يا مُحَمَّدُ ، رَبُّ العِزَّةِ يُقرِئُكَ السَّلامَ وَيَقولُ : هذِهِ مَفاتيحُ كُنوزِ الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، فاجعَلها وَسائِلَكَ إِلى مَسائِلِكَ ، تَصَل إِلى
.
ص: 394
المُناجاة للاستخارةاَللَّهُمَّ إِنَّ خيرَتَكَ فيما استَخَرتُكَ فيهِ تُنيلُ الرَّغائِبَ ، وَ تُجزِلُ المَواهِبَ ، وَ تُغنِمُ المَطالِبَ ، وَ تُطَّيِّبُ المَكاسِبَ ، وَ تَهدي إِلى أَجمَلِ المَذاهِبِ ، وَ تَسوقُ إِلى أَحمَدِ العَواقِبِ ، وَ تَقي مَخوفَ النَّوائِبِ . اللَّهُمَّ إِنّي أَستَخيرُكَ فيما عَزَمَ رَأيي عَلَيهِ ، وَ قادَني عَقَلي إِلَيهِ ، فَسَهِّل اللَّهُمَّ فيهِ ما تَوَعَّر ، وَ يَسِّر مِنهُ ما تَعَسَّرَ ، وَ اكفِني فيهِ المُهِمُّ ، وَ ادفَع بِهِ عَنّي كُلَّ مُلِّمٍّ (1) ، وَ اجعَل يا رَبِّ عَواقِبَهُ غُنماً ، وَمخوفَهُ سِلماً ، وَبُعدَهُ قُرباً ، وَجَدبَهُ خِصباً (2) ، وَأَرسِل اللَّهُمَّ إِجابَتي ، وَأَنجحِ طَلِبَتي ، وَاقضِ حاجَتي ، وَ اقطَع عَنّي عَوائِقَها (3) ، وَ امنَع عَنّي بَوائِقَها (4) . وَ أَعطِني اللَّهُمَّ لِواءَ الظَّفَرِ ، وَ الخيرَةِ فيما استَخَرتُكَ ، وَوُفورَ المَغنَمِ فيما دَعَوتُكَ ، وَ عَوائِدَ الإِفضالِ فيما رَجَوتُكَ ، وَأَقرِنهُ اللَّهُمَّ بِالنَّجاحِ وَخُصَّهُ بِالصَّلاحِ، وَأَرِني أَسبابَ الخيَرَةِ فيهِ واضِحَةً، وَأَعلامَ غُنمِها لائِحَةً ، وَاشدُد خِناقَ تَعسيرِها ، وَ انعَش صَريخَ تَكسيرِها ، وَ بَيِّنِ اللَّهُمَّ مُلتَبَسَها ، وَأَطلِق مُحتَبَسَها ، وَ مَكِّن أُسَّها ؛ حَتّى تَكونَ خيرَةً مُقبِلَةً بِالغُنمِ ، مُزيلَةً لِلغُرمِ ، عاجِلَةً لِلنَّفعِ ، باقيَةَ الصُّنعِ ، إِنَّكَ مَلي بِالمَزيدِ مُبتَدئٌ بِالجودِ .
المُناجاة بالاستقالةاللَّهُمَّ إِنَّ الرَّجاءَ لِسَعَةِ رَحمَتِكَ أَنطَقَني بِاستِقالَتِكَ ، وَ الأمَلَ لِأَناتِكَ وَرِفقِكَ شَجَّعَني عَلى طَلَبِ
.
ص: 395
أَمانِكَ وَ عَفوِكَ ، وَلي يا رَبِّ ذُنوبٌ قَد واجَهَتها أَوجُهُ الانتِقامِ ، وَ خَطايا قَد لاحَظَتها أَعيُنُ الإِصطِلامِ (1) ، وَ استَوجَبتُ بِها عَلى عَدلِكَ أَليمَ العَذابِ ، وَ استَحقَقتُ بِاجتِراحِها مُبيرَ (2) العِقابِ ، وَ خِفتُ تَعويقَها لِاءِجابَتي ، وَرَدَّها إِيّايَ عَن قَضاءِ حاجَتي بِإِبطالِها لِطَلِبَتي ، وَقَطعَها لِأَسبابِ رَغبَتي ، مِن أَجلِ ما قَد أَنقَضَ ظَهري مِن ثِقلِها ، وَبَهَظَني (3) مِنَ الاستِقلالِ بِحَملِها ، ثُمَّ تَراجَعتُ رَبِّ إِلى حِلمِكَ عَنِ الخاطِئينَ، وَعَفوِكَ عَنِ المُذنِبينَ، وَرَحمَتِكَ لِلعاصينَ ، فَأَقبَلتُ بِثِقَتي مُتَوَكِّلاً عَلَيكَ ، طارِحاً نَفسي بَينَ يَدَيكَ ، شاكياً بَثّي إِلَيكَ ، سائِلاً ما لا أَستوجِبُهُ مِن تَفريجِ الهَمِّ ، وَ لا أَستَحِقُّهُ مِن تَنفيس الغَمِّ ، مُستَقيلاً لَكَ إِيّايَ ، واثِقاً مَولايَ بِكَ . اللَّهُمَّ فامنُن عَلَيَّ بِالفَرَجِ ، وَ تَطَوَّل بِسُهولَةِ المَخرَجِ ، وَأدلُلني بِرأفَتِكَ عَلى سَمتِ المَنهَجِ ، وَأَزلِقني بِقُدرَتِكَ عَنِ الطَّريقِ الأَعوَجِ ، وَ خَلِّصني مِن سِجنِ الكَربِ بِإِقالَتِكَ ، وَأَطلِق أَسري بِرَحمَتِكَ ، وَطُل عَلَيَّ بِرِضوانِكَ ، وَجُد عَلَيَّ بِإِحسانِكَ ، وَأَقِلني عَثرَتي ، وَ فَرِّج كُربَتي ، وَارحَم عَبرَتي ، وَ لا تَحجُب دَعوَتي ، وَ اشدُد بِالإِقالَةِ أَزري ، وَ قَوِّ بِها ظَهري ، وَ أَصلِح بِها أَمري ، وَ أَطِل بِها عُمري ، وَ ارحَمني يَومَ حَشري ، وَ وَقتَ نَشري ، إِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ غَفورٌ رَحيمٌ .
المُناجاة بالسّفراللَّهُمَّ إِنّي أُريدُ سَفَراً ، فَخِر لي فيه ، وَأَوضِح فيهِ سَبيلَ الرَّأيِ ، وَ فَهِّمنيهِ ، وَافتَح عَزمي بِالاستِقامَةِ ، و اشمُلني في سَفَري بِالسَّلامَةِ ، وَأَفدِني جَزيلَ الحَظِّ وَالكَرامَةِ ، وَاكلَأني بِحُسنِ الحِفظِ وَالحِراسَةِ ، وَ جَنِّبني اللَّهُمَّ وَعثاءَ (4) الأَسفارِ ، وَ سَهِّل لي حُزونَةَ الأَوعارِ ، وَ اطوِ لي بِساطَ المَراحِلِ ، وَ قرِّب مِنّي نَأي المَناهِلِ (5) ، وَ باعِدني في المَسيرِ بَينَ خُطى الرَّواحِلِ حَتّى تُقَرِّبَ نياطَ (6) البَعيدِ ، وَتُسَهِّلَ وُعُورَ الشَّديد .
.
ص: 396
وَ لَقِّني اللَّهُمَّ في سَفَري نُجحَ طائِرِ الواقيَةِ ، وَ هَبني فيهِ غُنمَ العافيَةِ و خَفيرَ (1) الاستِقلالِ ، وَدَليلَ مُجاوَزَةِ الأَهوالِ ، وَ باعِثَ وُفورِ الكِفايَةِ ، وَ سانِحَ خَفيرِ الوَلايَةِ ، وَ اجعَلهُ اللَّهُمَّ سَبَبَ عَظيمِ السِّلمِ حاصِلَ الغُنمِ ، وَ اجعَلِ اللَّيلَ عَلَيَّ سِتراً مِنَ الآفاتِ ، وَالنَّهارَ مانِعاً مِنَ الهَلَكاتِ ، وَ اقطَع عَنّي لُصوصَهِ بِقُدرَتِكَ ، وَ احرُسني مِن وُحوشِهِ بِقوَّتِكَ ، حَتّى تكونَ السَّلامَةُ فيهِ مُصاحِبَتي ، وَ العافيةُ فيهِ مُقارِنَتي ، وَ اليُمنُ سائِقي ، وَ اليُسرُ مُعانِقي ، وَ العُسرُ مُفارِقي ، وَ الفَوزُ مُوافِقي ، وَ الأَمرُ مُرافِقي ، إِنَّكَ ذو الطَّولِ وَ المَنِّ ، وَ القُوَّةِ وَ الحَولِ ، وَأَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، وَ بِعِبادِكَ بَصيرٌ خَبيرٌ .
المُناجاة في طلب الرّزقاللَّهُمَّ أَرسِل عَلَيَّ سِجالَ (2) رِزقِكَ مِدراراً ، وَأَمطِر عَلَيَّ سَحائِبَ إِفضالِكَ غِزاراً ، وَأَدِم غَيثَ نَيلِكَ إِلَيَّ سِجالاً ، وَ أَسبِل مَزيدَ نَعمِكَ عَلى خِلَّتي إِسبالاً ، وَ أَفقِرني بِجُودِكَ إِلَيكَ ، وَ أَغنِني عَمَّن يَطلُبُ ما لَدَيكَ ، وَ دَاوِ داءَ فَقري بِدَواءِ فَضلِكَ ، وَ انعَش صَرعَةَ عَيلَتي بِطَولِكَ ، وَ تَصَدَّق عَلَى إِقلالي بِكَثرَةِ عَطائِكَ ، وَ عَلى اختِلالي بِكَريمِ حِبائِكَ . وَ سَهِّل رَبِّ سَبيلَ الرِّزقِ إِلَيَّ ، وَ ثَبِّت قَواعِدَهُ لَدَيَّ ، وَبَجِّس (3) لي عُيونَ سَعَتِهِ بِرَحمَتِكَ ، وَ فَجِّر أَنهارَ رَغَدِ العَيشِ قِبَلي بِرَأفَتِكَ ، وَ أَجدِب أَرضَ فَقري ، وَأَخصِب جَدبَ ضُرّي ، وَاصرِف عَنّي في الرِّزقِ العَوائِقَ ، وَ اقطَع عَنّي مِنَ الضّيق العَلائِقَ . وَ ارمِني مِن سَعَةِ الرِّزقِ اللَّهُمَّ بِأَخصَبِ سِهامِهِ ، وَأَحبِني مِن رَغَدَ العَيشِ بِأَكثَرِ دَوامِهِ ، وَ اكسُنُي اللَّهُمَّ سَرابيلَ السَّعَةِ ، وَجَلابِيبَ (4) الدَّعَةِ ، فَإِنّي يا رَبِّ مُنتَظِرٌ لِاءِنعامِكَ بِحَذفِ المَضيقِ ، وَ لِتَطَوُّلِكَ بِقَطعِ التَّعويقِ ، وَ لِتَفَضُّلِكَ بِإِزالَةِ التَّقتيرِ (5) ، وَ لِوُصولِ حَبلي بِكَرَمِكَ
.
ص: 397
بِالتَّيسيرِ . وَأَمطِر اللَّهُمَّ عَلَيَّ سَماءَ رِزقِكَ بِسِجالِ الدَّيَمِ ، وَأَغنِني عَن خَلقِكَ بِعوائِدِ النِّعَمِ . وَأَرمِ مَقاتِلَ الإِقتارِ مِنّي ، وَ احمِل كَشفَ الضُّرِّ عَنّي عَلى مَطايا الإِعجالِ ، وَ اضرِب الضّيقَ عَنّي بِسَيفِ الاستِئصالِ ، وَ أتحِفني رَبِّ مِنكَ بِسَعَةِ الإِفضالِ ، وَامدُدني بِنُمُوِّ الأَموالِ ، وَاحرُسني مِن ضيقِ الإِقلالِ وَ اقبِض عَنّي سُوءَ الجَدب، وَ ابسُط لي بِساطَ الخِصبِ ، وَ اسقِني مِن ماءِ رِزقِكَ غَدَقاً (1) ، وَ انهَج لي مِن عَميمِ بَذلِكَ طُرُقاً ، وَ فاجِئني بِالثَّروَةِ وَ المالِ ، وَ انعَشني مِنَ الإِقلالِ ، وَصَبِّحني بِالاستِظهارِ ، وَ مَسِّني بِالتَّمَكُّن مِنَ اليَسارِ ، إِنَّكَ ذو الطَّولِ العَظيم ، وَ الفَضلِ العَميم ، وَالمَنِّ الجَسيمِ ، وَ أَنتَ الجَوادُ الكَريمُ .
المُناجاة بالاستعاذةاللَّهُمَّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِن مُلِمّاتِ نَوازِلِ البَلاءِ ، وَأَهوالِ عَظائِمِ الضَّرّاءِ ، فَأَعِذني رَبِّ مِن صَرعَةِ البَأساءِ ، وَ احجُبني مِن سَطَواتِ البَلاءِ ، وَ نَجِّني مِن مُفاجَأَةِ النِّقَمِ ، وَ أَجِرني مِن زَوالِ النِّعَمِ ، وَ مِن زَلَلِ القَدَمِ ، وَ اجعَلني اللَّهُمَّ في حياطَةِ عِزِّكَ وَحِفاظِ حِرزِكَ مِن مُباغَتَةِ الدَّوائِرِ (2) ، وَ مُعاجَلَةِ البَوادِرِ (3) . اللّهُمَّ رَبِّ ، وَأَرضَ البَلاءِ فاخسِفها ، وَعَرصَةَ المِحَنِ فَأَرجِفها ، وَشَمسَ النَّوائِبِ فَأَكسِفها ، وَجِبالَ السَّوءِ فانسِفها ، وَ كُرَبَ الدَّهرِ فاكشِفها ، وَ عَوائِقَ الأُمورِ فاصرِفها ، وَأَورِدني حياضَ السَّلامة ، وَ احمِلني عَلى مَطايا الكَرامَةِ ، وَ اصحَبني بِإِقالَةِ العَثرَةِ ، وَ اشمَلني بِسَترِ العَورةِ ، وَجُد عَلَيَّ يا رَبِّ بِآلائِكَ ، وَ كَشفِ بَلائِكَ ، وَدَفعِ ضَرّائِكَ . وَ ارفع كَلاكِلَ (4) عَذابِكَ ، وَ اصرِف عَنّي أَليمَ عِقابِكَ ، وَأَعِذني مِن بَوائِقِ الدُّهورِ ، وَأَنقِذني مِن سوءِ عَواقِبِ الأُمورِ ، وَاحرُسني مِن جَميعِ المَحذورِ ، وَ اصدَع صَفاءَ البَلاءِ عَن أَمري ، وَ اشلُل يَدَهُ عَنّي مَدى عُمري ، إِنَّكَ الرَّبُّ المَجيدُ المُبدئُ المُعيدُ الفَعّال لِما تُريدُ .
.
ص: 398
المُناجاة بطلب التّوبةاللَّهُمَّ إِنّي قَصَدتُ إِلَيكَ بِإخلاصِ تَوبَةٍ نَصوحٍ ، وَتَثبيتِ عَقدٍ صَحيحٍ ، وَدُعاءِ قَلبٍ قَريحٍ (1) ، وَإِعلانِ قَولٍ صَريحٍ . اللَّهُمَّ فَتَقَبَّل مِنّي مُخلَصَ التَّوبَةِ ، وَإِقبالَ سَريعِ الأَوبَةِ (2) ، وَمَصَارِعَ تَخَشُّعِ الحَوبَةِ (3) ، وَ قابِل رَبِّ تَوبَتي بِجَزيلِ الثَّوابِ وَ كَريمِ المَآبِ ، وَحَطِّ العِقابِ ، وَصَرفِ العَذابِ ، وَغُنمِ الإيابِ ، وَسِترِ الحِجابِ . وَ امحُ اللَّهُمَّ ما ثَبَتَ مِن ذُنوبي ، وَ اغسِل بِقَبولِها جَميعَ عُيوبي ، وَ اجعَلها جالِيَةً لِقَلبيِ ، شاخِصَةً لِبَصيرَةِ لُبّي ، غاسِلَةً لِدَرَني ، مُطَهِّرةً لِنَجاسَةِ بَدني ، مُصَحِّحَةً فيها ضَميري ، عاجِلَةً إِلى الوَفاءِ بِها بَصيرَتي . وَ اقبَل يا رَبِّ تَوبَتي ، فَإِنَّها تَصدُرُ مِن إِخلاصِ نيَّتي ، وَمَحضٍ مِن تَصحيحِ بَصيرَتي ، وَ احتِفالاً في طَويَّتي ، وَ اجتِهاداً في نَقاءِ سَريرَتي ، وَتَثبيتاً لِاءنابَتي ، مُسارِعَةً إِلى أَمرِكَ بِطاعَتي ، وَ اجلُ اللَّهُمَّ بِالتَّوبَةِ عَنّي ظُلمَةَ الإِصرارِ ، وَامحُ بِها ما قَدَّمتُهُ مِنَ الأَوزارِ ، وَ اكسُني لِباسَ التَّقوى وَجَلابِيبَ الهُدى ، فَقَد خَلَعتُ رِبقَ المَعاصيَ عَن جِلدي ، ونَزَعتُ سِربالَ (4) الذُّنوبِ عَن جَسَدي ، مُستَمسِكاً رَبِّ بِقُدرَتِكَ ، مُستَعيناً عَلى نَفسي بِعِزَّتِكَ ، مُستودِعاً تَوبَتي مِن النَّكثِ بِخَفرَتِكَ ، مُعتَصِماً مِنَ الخِذلانِ بِعِصمَتِك ، مُقارِناً بِهِ ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِكَ .
المُناجاة بطلب الحجاللَّهُمَّ ارزُقني الحَجَّ الَّذي افتَرَضتَهُ عَلى مَن استَطاعَ إِلَيهِ سَبيلاً ، وَ اجعَل لي فيهِ هادياً وَإلَيهِ دَليلاً ، وَ قَرِّب لي بُعدَ المَسالِكِ ، وَ أَعِنّي عَلى تَأديَةِ المَناسِكِ ، وَ حرِّم بِإِحرامي عَلى النّارِ جَسَدي ، وزِد للسَّفَرِ قُوَّتي وَ جَلَدي ، وَ ارزُقني رَبِّ الوَقوفَ بَينَ يَدَيكَ ، وَ الإِفاضَةَ إِلَيكَ ،
.
ص: 399
وَاظفِرني بِالنُّجحِ بِوافِر الرِّبحِ ، وَأصدِرني رَبِّ مِن مَوقِفِ الحَجِّ الأَكبَرِ إِلى مُزدَلَفَةِ المَشعَرِ ، وَاجعَلها زُلفةً إِلى رَحمَتِكَ ، وَ طريقاً إِلى جَنَّتِكَ ، وَقِفنى مَوقِفَ المَشعَرِ الحَرامِ ، وَمَقامَ وُقُوفِ الإِحرامِ . وَ أهِّلني لِتَأديَةِ المَناسِكِ وَنَحرِ الهَدي التَّوامِكِ (1) بِدَمٍ يَثُجُّ (2) ، وَأَوداجٍ تَمُجُّ ، وَإِراقَةِ الدِّماءِ المَسفوحَةِ ، وَالهَدايا المَذبوحَةِ ، وَفَري أَوداجِها عَلى ما أَمَرتَ ، وَ التَّنَفُّلِ بِها كَما وَسَمتَ . وَأَحضِرني اللَّهُمَّ صَلاةَ العيدِ راجياً لِلوَعدِ ، خائِفاً مِنَ الوَعيدِ ، حالِقاً شَعرَ رَأسي ، وَ مُقَصِّراً وَ مُجتَهِداً في طاعَتِكَ ، مُشَمِّراً ، رامياً لِلجِمارِ بِسَبعٍ بَعدَ سَبعٍ مِنَ الأَحجارِ ، وَأَدخِلني اللَّهُمَّ عَرصَةَ بَيتِكَ ، وَعَقوَتَكَ (3) ، وَمَحَلَّ أَمنِكَ ، وَ كَعبَتَكَ ، و مَساكِنكَ ، وَ سُؤالِكَ ، وَ مَحاويجَكَ ، وَ جُد عَلَيَّ اللَّهُمَّ بوافِرِ الأَجرِ مِنَ الانكِفاءِ وَ النَّفرِ . وَ اختِم اللَّهُمَّ مَناسِكَ حَجّي وَ انقِضاءِ عَجّي بِقَبولٍ مِنكَ لي ، وَرَأفةٍ مِنكَ بي ، يا أَرحَمَ الرّاحِمينَ .
المُناجاة بكشف الظّلماللَّهُمَّ إِنَّ ظُلمَ عِبادِكَ قَد تَمَكَّنَ في بِلادِكَ حَتّى أَماتَ العَدلَ ، وَقَطَعَ السُّبُلَ ، وَ مَحَقَ الحَقَّ ، وَأَبطَلَ الصِّدقَ ، وَأخفَى البِرَّ ، وَأَظهَرَ الشَّرَّ ، وَ أَحمَدَ (4) التَّقوى ، وَأَزالَ الهُدى ، وَأَزاحَ الخَيرَ ، وَأَثبَتَ الضَّيرَ (5) ، وَأَنمَى الفَسادَ ، وَ قَوّى العِنادَ ، وَبَسَطَ الجورَ وَعَدَى الطَّورَ (6) . اللَّهُمَّ يا رَبِّ لا يَكشِفُ ذلِكَ إلَا سُلطانُكَ ، وَ لا يُجيرُ مِنهُ إِلَا امتِنانُكَ . اللَّهُمَّ رَبِّ فابتِر الظُّلمَ ، وَبُثَّ حِبالَ الغَشمِ (7) ، وَ أَخمِد سوقَ المُنكَرِ وَ أَعِزَّ مَن عَنهُ
.
ص: 400
يَنزَجِرُ ، وَاحصُد شَأفَةَ (1) أَهلِ الجَورِ ، وَألبِسهُمُ الحَورَ (2) بَعد الكَورِ (3) ، وَ عَجِّلِ اللَّهُمَّ إِلَيهِم البَياتَ ، وَ أَنزِل عَلَيهِم المُثَلاتِ ، وَأَمِت حَياةَ المُنكَرِ ليُؤمَنَ المَخُوفُ ، وَيَسكُنَ المَلهوفُ ، وَيَشبَعَ الجائِعُ ، وَيَحفَظَ الضّائِعُ ، وَ يأويَ الطَّريدُ وَ يعودَ الشَّريدُ ، وَ يُغنيَ الفقيرُ ، وَ يُجارَ المُستَجيرُ ، وَ يُوقَّرَ الكَبيرُ ، وَ يُرحَمَ الصَّغيرُ ، وَيُعَزَّ المَظلومُ ، وَيُذَلَّ الظّالِمُ ، وَيُفَرَّجَ المَغمومُ ، وَ تَنفَرِجَ الغَمّاءُ ، وَ تَسكُنَ الدَّهماءُ (4) ، وَ يَموتَ الاختِلافُ ، وَ يَعلو العِلمُ ، وَ يَشمُلَ السِّلمُ ، وَيُجمَعَ الشَّتاتُ ، وَيَقوى الإيمانُ ، وَيُتلى القُرآنُ ، إِنَّكَ أَنتَ الدَّيّانُ المُنعِمُ المَنّانُ .
المُناجاة بالشّكر للّه تعالىاللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلى مَرَدِّ نَوازِلِ البَلاءِ وَ تَوالي سُبُوغِ النَّعماءِ ، ومُلِمّات الضَّرّاءِ ، وَ كَشفِ نَوائِبِ اللَأواءِ (5) . وَ لَكَ الحَمدُ عَلى هَنيَ عَطاءِكَ وَ مَحمودِ بَلائِكَ ، وَ جَليلِ آلائِكَ ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى إِحسانِكَ الكَثيرِ ، وَخَيرِكَ الغَزيرِ ، وَ تكليفِكَ اليَسيرِ ، وَدَفعِ العَسيرِ ، وَ لَكَ الحَمدُ يا رَبِّ عَلى تَثميرِكَ قَليلَ الشُّكرِ وَإِعطائِكَ وافِرَ الأَجرِ ، وَحَطِّكَ مُثقَلَ الوِزرِ ، وَ قَبولِكَ ضَيِّقَ العُذرِ ، وَوَضعِكَ باهِضَ الإِصرِ ، وَ تَسهيلِكَ مَوضِعَ الوَعرِ ، وَمَنعِكَ مُفظِعَ (6) الأَمرِ . وَ لَكَ الحَمدُ عَلى البَلاءِ المَصروفِ ، وَوافِرِ المَعروفِ ، وَدَفعِ المَخوفِ ، وَإِذلالِ العَسوفِ (7) ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى قِلَّةِ التَّكليفِ ، وَكَثرَةِ التَّخفيفِ ، وَتَقوَيةِ الضَّعيفِ ، وَإِغاثَةِ اللَّهيفِ ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى سَعَةِ إِمهالِكَ ، وَدَوامِ إِفضالِكَ ، وَصَرفِ إِمحالِكَ (8) ، وَ حَميدِ أفعالِكَ ، وَ تَوالي
.
ص: 401
نَوالِكَ ، وَ لَكَ الحَمدُ عَلى تَأخيرِ مُعاجَلَةِ العِقابِ ، وَتَركِ مُغافَصَةِ (1) العَذابِ ، وَتَسهيلِ طَريقِ المآبِ وَإِنزالِ غَيثِ السَّحابِ .
المُناجاة بطلب الحوائججَدَيرٌ مَن أَمرتَهُ بِالدُّعاءِ أَن يَدعوكَ ، وَمَن وَ عَدتَهُ بِالإِجابَةِ أَن يَرجوكَ ، وَلِيَ اللَّهُمَّ حاجَةٌ قَد عَجَزَت عَنها حيلَتي ، وَكَلَّت فيها طاقَتي ، وَ ضَعُفَ عَن مَرامِها قُوَّتي ، وَ سَوَّلَت لي نَفسي الأَمّارَةُ بِالسُّوءِ ، وَعَدُوّي الغَرورُ الَّذي أَنا مِنهُ مَبلوٌّ أَن أَرغَبَ إِلَيكَ فيها . اللَّهُمَّ وَأَنجِحها بِأَيمَنِ النَّجاحِ ، وَاهدِها سَبيلَ الفَلاح ، وَ اشرَحِ بِالرَّجاءِ لِاءسعافِكَ (2) صَدري ، وَيَسِّر في أَسبابِ الخَيرِ أَمري ، وَ صَوِّر إِلى الفَوز ببُلوغِ ما رَجَوتُهُ بِالوُصولِ إِلى ما أَمَّلتُهُ ، وَوَفِّقني اللَّهُمَّ في قَضاءِ حاجَتي بِبُلوغ أُمنيَّتي ، وَ تصديقِ رَغبَتي ، وَأَعِذني اللَّهُمَّ بِكَرَمِكَ مِنَ الخَيبَةِ وَالقُنوطِ وَالأَناةِ (3) ، وَالتَّثبيطِ (4) . اللَّهُمَّ إِنَّكَ مَليءٌ بِالمنائِحِ الجَزيلَةِ ، وَفيٌّ بِها ، وَ أَنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ، بِعِبادِكَ خَبيرٌ بَصيرٌ . (5)
ذكرتها مفصّلاً في مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله ، و نذكرها هنا ؛ لنقلها الجواد عليه السلام عنهم عليهم السلام ، و لجلالتها ، و التّبرّك بها (6) .
.
ص: 402
281كتابه عليه السلام إلى عليّ بن بصيرفي دعاء جامع للدّنيا و الآخرةمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، جميعاً عن عليّ بن زياد (1) ، قال : كتب عليّ بن بصير (2) يسأله أن يكتب له في أسفل كتابه دعاءً يعلّمه إيّاه ، يدعو به فيُعصم به من الذّنوب ، جامعاً للدّنيا والآخرة . فكتب عليه السلام بخطّه :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم يا مَن أَظهَرَ الجَميلَ ، وَ سَتَرَ القَبيحَ ، وَ لَم يَهتِكِ السِّترَ عَنّي ، يا كَريمَ العَفو ، يا حَسَنَ التَّجاوُزِ ، يا واسِعَ المَغفِرَةِ ، يا باسِطَ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ ، يا صاحِبَ كُلِّ نَجوى ، وَ يا مُنتَهى كُلِّ شَكوى ، يا كَريمَ الصَّفحِ ، يا عَظيمَ المَنِّ ، يا مُبتَدئَ كُلِّ نِعمَةٍ قَبلَ استِحقاقِها ، يا رَبّاه ، يا سَيِّداه ، يا مَولاه ، يا غياثاه ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَسأَلُكَ أَن لا تَجعَلَني في النّارِ . ثمّ تسأل ما بدا لك . (3)
.
ص: 403
282كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن شيبة و عليّ بن أسباطفي الاستخارةرواه سعد بن عبد اللّه في كتاب الأدعية ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب أبو جعفرٍ الثّاني إلى إبراهيم بن شيبة (1) :فَهِمتُ ما استَأمَرتَ فيهِ مِن أَمرِ ضَيعَتِكَ الَّتي تَعَرَّضَ لَكَ السُّلطانُ فيها ، فاستَخِرِ اللّهَ مِئَةَ مَرَّةٍ ، خِيَرَةً في عافيَةٍ ، فَإِنِ احلَولى بِقَلبِكَ بَعدَ الاستِخارَةِ بَيعُها ، فَبِعها وَ استَبدِل غَيرَها إِن شاءَ اللّهُ تَعالى ، وَ لا تَتَكَلَّم بَينَ أَضعافِ الاستِخارَةِ حَتّى تُتِمَّ المِئَةَ إِن شاءَ اللّهُ . (2) وفي روايةٍ اُخرى : عن محمّد بن يعقوب الكليني فيما صنّفه من كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام ، فيما يختصّ بمولانا الجواد عليه السلام : فقال : و من كتاب لهٍ إلى عليّ بن أسباط : فَهِمتُ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ ضَيعَتِكَ . . . و ذكر مثله ، إلَا أنّه زاد : وَ لتَكُنِ الاستِخارَةُ بَعدَ صَلاتِكَ رَكعَتَينِ . (3)
283كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهلمع الأئمّة عليهم السلام في الدّنيا و الآخرة
.
ص: 404
كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : علّمني شيئاً إذا أنا قلته كنت معكم في الدّنيا و الآخرة . قال : فكتب بخطٍّ أعرفه :أَكثِر مِن تِلاوَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » وَرَطِّب شَفَتَيكَ بِالاستِغفارِ . (1)
284كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفرجفي تعقيب صلاة الفجرسهل بن زياد عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن الفَرَج (2) ، قال : كتب إليَّ أبو جعفرٍ بن الرّضا عليه السلام بهذا الدّعاء وعلّمنيه و قال :مَن قالَ في دُبُرِ صَلاةِ الفَجرِ ، لَم يَلتَمِس حاجَةً إِلَا تَيَسَّرَت لَهُ ، وَ كَفاهُ اللّهُ ما أهَمَّهُ : بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ وَ صَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ «وَ أُفَوِّضُ أَمرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ مَا مَكَرُوا» (3) ، «لا إِلَهَ إِلَا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاستَجَبنَا لَهُ وَ نَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَ كَذَ لِكَ نُنجِى المُؤمِنِينَ » (4) ، «حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَّم يَمسَسهُم سُوءٌ » (5) . «مَا شَآءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَا بِاللَّهِ » (6) العَليِّ
.
ص: 405
العَظيمِ ، ما شاءَ اللّهُ لا ما شاءَ النّاسُ ، ما شاءَ اللّهُ وإِن كَرِهَ النّاسُ ، حَسبيَ الرَّبُّ مِنَ المَربوبينَ حَسبيَ الخَالِقُ مِنَ المَخلوقينَ ، حَسبِيَ الرّازِقُ مِنَ المَرزُوقينَ ، حَسبيَ الَّذي لَم يَزَل حَسبي مُنذُ قَطُّ «حَسبِىَ اللَّهُ لَا إِلَ_هَ إِلَا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَ هُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ» (1) . وقال عليه السلام : إِذا انصَرَفتَ مِن صَلاةٍ مَكتوبَةٍ فَقُل : رَضيتُ بِاللّهِ رَبّاً وَ بِمُحَمَّدٍ نَبيّاً وَ بِالإِسلامِ ديناً وبِالقُرآنِ كِتاباً وبِفُلانٍ وَ فُلانٍ أَئِمَّةً . اللَّهُمَّ وَليُّك فُلانٌ فاحفَظهُ من بَينِ يَدَيهِ وَ مِن خَلفِهِ ، وَ عَن يَمينِهِ وَ عَن شِمالِهِ ، وَمِن فَوقِهِ وَمِن تَحتِهِ ، وَ امدُد لَهُ في عُمُرِهِ ، وَ اجعَلهُ القائِمَ بِأَمرِكَ وَ المُنتَصِرَ لِدينِكَ ، وَ أَرِهِ ما يُحِبُّ وَ ما تَقَرُّ بِهِ عَينُهُ في نَفسِهِ وَ ذُرّيَّتِهِ ، وَ في أَهلِهِ وَ مَالِهِ ، وَ في شيعَتِهِ ، وَ في عَدوِّهِ ، وَ أَرِهِم مِنهُ ما يَحذَرونَ ، وَ أَرِهِ فيهِم ما يُحِبُّ وَ تَقِرُّ بِهِ عَينُهُ ، وَ اشفِ صُدُورَنا وَصُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ . قال عليه السلام : وَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله يَقولُ إِذا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ : اللَّهُمَّ اغفِر لي ما قَدَّمتُ وَ ما أَخَّرتُ ، وَ ما أَسرَرتُ وَ ما أَعلَنتُ ، وَ إِسرافي عَلى نَفسي ، وَ ما أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنّي . اللَّهُمَّ أَنتَ المُقَدِّمُ وَ أَنتَ المُؤَخِّرُ ، لا إِلهَ إِلَا أَنتَ ، بِعِلمِكَ الغَيبَ ، وَبِقُدرَتِكَ عَلى الخَلقِ أَجمَعينَ ، ما عَلِمتَ الحَياةَ خَيراً لي فَأَحيِني ، وَ تَوَفَّني إِذا عَلِمتَ الوَفاةَ خَيراً لي . اللَّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ خَشيَتَكَ في السِّرِّ وَ العَلانيَةِ ، وَ كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ وَ الرِّضا ، وَ القَصدَ في الفَقرِ وَ الغِنى ، وَ أَسأَلُكَ نَعيماً لا يَنفَدُ ، وَ قُرَّةَ عَينٍ لا يَنقَطِعُ . وَ أَسأَلُكَ الرِّضا بِالقَضاءِ ، وَ بَرَكَةَ المَوتِ بَعدَ العَيشِ ، وَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ ، ولَذَّةَ المَنظَرِ إِلى وَجهِكَ ، وَشَوقاً إِلى رُؤيَتِكَ وَ لِقَائِكَ مِن غَيرِ ضَرّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَ لا فِتنَةٍ مَضَلَّةٍ . اللَّهُمَّ زَيِّنّا بِزِينَةِ الإِيمانِ ، وَ اجعَلنَا هُدَاةً مَهديّينَ . اللَّهُمَّ اهدِنا فيمَن هَدَيتَ . اللَّهُمَّ إِنّي أَسأَلُك عَزِيمَةَ الرَّشادِ ، وَ الثَّباتَ في الأَمرِ وَ الرُّشدِ ، وَ أَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ ،
.
ص: 406
وَ حُسنَ عَافيَتِكَ ، وَ أَدَاءَ حَقِّكَ . وَ أَسأَلُكَ يا رَبِّ قَلباً سَليماً ، وَ لِساناً صَادِقاً ، وَ أَستَغفِرُكَ لِما تَعلَمُ ، وَ أَسأَلُكَ خَيرَ ما تَعلَمُ ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ ، فَإِنَّكَ تَعلَمُ وَ لا نَعلَمُ ، وَ أَنتَ عَلَامُ الغُيوبِ . (1)
285كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي الفَرَجسَهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار (2) ، قال : كتب محمّد بن حمزة الغَنَويّ إليَّ يسألني أن أكتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام في دعاء يُعلّمه ، يرجو به الفَرَج . فكتب إليَّ :أمّا ما سَأَلَ مُحَمَّدُ بنُ حَمزَةَ مِن تَعليمِهِ دُعاءً يَرجو بِهِ الفَرَجَ ، فَقُل لَهُ يَلزَمُ: يا مَن يَكفي مِن كُلِّ شَيءٍ ، و لا يَكفي مِنهُ شَيءٌ ، اكفِني ما أَهَمَّني مِمّا أَنا فيهِ . فَإنّي أَرجو أَن يُكفى ما هوَ فيهِ مِنَ الغَمِّ إِن شَاءَاللّهُ تَعالَى . فأعلمته ذلك ، فما أتى عليه إلّا قليل حتّى خرج مِن الحبس . (3)
286كتابه عليه السلام إلى محمّد بن الفُضَيلالدّعاء عند الإصباح و الإمساءمحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن
.
ص: 407
محمّد بن الفُضَيل (1) ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام أسألُه أن يُعلّمني دعاءً . فكتب إليَّ :تَقولُ إِذا أَصبَحتَ وَ أَمسَيتَ : اللّهُ اللّهُ اللّهُ رَبِّيَ ، الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، لا أُشرِكُ بِهِ شَيئاً . وإن زِد تَ عَلى ذلِكَ فَهوَ خَيرٌ ، ثُمَّ تَدعو بِما بَدا لَكَ في حاجَتِكَ ، فَهوَ لِكُلِّ شَيءٍ بِإِذنِ اللّهِ تَعالى ، يَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ . (2)
287كتابه عليه السلام إلى رجلالدّعاء عند الوسوسة و حديث النّفسسَهل بن زياد و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتب رجلٌ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يشكو إليه لَمَماً يخطر على باله ، فأجابه في بعض كلامه :إِنَّ اللّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إن شاءَ ثَبَّتَكَ فَلا يَجعَلَ لِاءِبليسَ عَلَيكَ طَريقاً ، قَد شَكى قَومٌ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه و آله لَمَماً يَعرِضُ لَهُم ، لَأَن تَهويَ بِهُمُ الرّيحُ أَو يُقَطَّعُوا ، أَحَبُّ إِلَيهم مِن أَن يَتَكَلَّموا بِهِ . فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : أَتَجِدونَ ذلِكَ ؟ قالوا : نَعَم . فَقالَ : وَ الَّذي نَفسي بيَدِهِ ، إِنَّ ذلِكَ لَصَرِيحُ الإيمانِ ، فَإِذا وَجَدتُموهُ فَقولوا : آمَنّا بِاللّهِ وَرَسولِهِ ، وَ لا حَولَ و لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ . (3)
.
ص: 408
288في جواب الرّقاعفي الحوائججماعة من أعلام الإمام محمّد بن عليّ التّقي عليهماالسلام قالوا : كتبنا إليه [ أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام ] رقاعاً في حوائجٍ لنا ، و كتب رجل من الواقفة رقعةً جعلها بين الرّقاع . فوقّع الجواب بخطّه في الرّقاع ، إلّا في رقعة الواقفي لم يجب فيها بشيء . (1)
289كتابه عليه السلام إلى إسماعيل بن سهلفي قضاء الدّينسهل بن زياد عن منصور بن العبّاس ، عن إسماعيل بن سهل (2) ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفرٍ عليه السلام : إنّي قد لزمني دينٌ فادح (3) . فكتب :أَكثِر مِنَ الاستِغفارِ ، وَرَطِّب لِسَانَكَ بِقِرَاءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » . (4)
.
ص: 409
290كتابه عليه السلام إلى أبي عمرو الحَذّاءفي قضاء الحوائجسَهل بن زياد ، عن عليّ بن سليمان ، عن أحمد بن الفضل ، عن أبي عمرو الحَذّاء 1 ، قال : ساءت حالي فكتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام . فكتب إليَّ :أَدِم قِراءَةِ : « إِنَّ_آ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ » (1) . قال : فقرأتُها حولاً فلم أرَ شيئاً ، فكتبت إليه اُخبره بسوء حالي ، و أ نّي قد قرأت « إِنَّ_آ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ » حولاً كما أمرتني و لم أرَ شيئاً . قال : فكتب إليَّ : قَد وَفى لَكَ الحَولُ ، فانتَقِل مِنها إِلى قِرَاءَةِ « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » . قال : ففعلت ، فما كان إلّا يسيراً حتّى بعث إليَّ ابنُ أبي داوود فقضى عنّي ديني وأجرى عليَّ وعلى عيالي ، ووجّهني إلى البصرة في وكالته بباب كلّاء ، و أجرى عليَّ خمسمئة درهم . و كتبت من البصرة على يدي عليّ بن مهزيار إلى أبي الحسن عليه السلام : إنّي كنت سألت أباك عن كذا و كذا ، و شكوت إليه كذا و كذا ، و إنّي قد نلت الّذي أحببت ، فأحببت أن تُخبرني يا مولاي كيف أصنع في قراءة « إِنَّ_آ أَنزَلْنَ_هُ » ؟ أقتصرُ عليها و حدها في فرائضي و غيرها ، أم أقرأ معها غيرها ، أم لها حدٌّ أعمل به ؟ فوقّع عليه السلام و قرأت التّوقيع : لا تَدَع مِنَ القُرآنِ قَصيرَهُ وَ طَويلَهُ ، وَ يُجزِئُكَ مِن قِراءَةِ « إِنَّ_آ
.
ص: 410
أَنزَلْنَ_هُ » يَومَكَ وَ لَيلَتَكَ مِئَةَ مَرَّةٍ . (1)
291كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن هارونفي العوذةمحمّد بن جعفر أبو العبّاس ، عن محمّد بن عيسى ، عن صالح بن سعيد ، عن إبراهيم بن محمّد بن هارون 2 أ نّه كتب إلى أبي جعفرٍ عليه السلام يسأله عوذةً للرّياح الّتي تعرض للصّبيان . فكتب إليه بخطّه بهاتين العوذتين ، و زعم صالحٌ أ نّه أنفذهما إلى إبراهيم بخطّه :اللّهُ أَكبَرُ اللّهُ أَكبَرُ اللّه أَكبَرُ ، أَشهَدُ أَن لا إِلهَ إلَا اللّهُ ، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّهِ ، اللّهُ أَكبَرُ اللّهُ أَكبَرُ ، لا إِله إِلَا اللّهُ ، وَ لا رَبَّ لي إِلَا اللّهُ ، لَهُ المُلكُ وَ لَهُ الحَمدُ ، لا شَريكَ لَهُ ، سُبحانَ اللّهِ ، ما شَاءَ اللّهُ كانَ ، وَ ما لَم يَشَأ لَم يَكُن ، اللَّهُمَّ ذا الجَلالِ وَ الإِكرام ، رَبَّ موسى وَ عيسى ، وَ إبراهيمَ الَّذي وَفّى ، إلهَ إِبراهيمَ وَ إِسماعيلَ وَ إِسحاقَ وَ يَعقوبَ وَ الأَسبَاطَ . لا إِلهَ إلَا أَنتَ سُبحانَكَ مَعَ ما عَدَّدتَ مِن آياتِكَ ، وَ بِعَظَمَتِكَ ، وَبِما سَأَلكَ بِهِ النَّبيّونَ ، وَبِأَنَّكَ رَبُّ النّاسِ ، كُنتَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ ، وَ أَنتَ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ ، أَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذي تُمسِكُ بِهِ السَّماواتِ أَن تَقَعَ عَلى الأَرضِ إِلَا بِإِذنِكَ ، وَ بِكَلِماتِكَ التّامّاتِ الَّتي تُحيي بِهِ المَوتى ، أَن تُجيرَ
.
ص: 411
عَبدَكَ فُلاناً مِن شَرِّ ما يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ ، وَ ما يَعرُجُ إِلَيها ، وَ ما يَخرُجُ مِنَ الأَرضِ ، وَ ما يَلِجُ فيها ، و سَلامٌ عَلى المُرسَلينَ ، وَ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمينَ . وكتب إليه أيضاً بخطِّه : بِسمِ اللّهِ وَ بِاللَّهِ وَ إِلى اللّهِ وَ كَما شاءَ اللّهُ ، وَ أُعيذُهُ بِعِزَّةِ اللّهِ ، وَ جَبَروتِ اللّهِ ، وَ قُدرَةِ اللّهِ ، وَ مَلَكوتِ اللّهِ ، هذا الكِتابُ مِنَ اللّهِ شِفاءٌ لِفُلانِ بنِ فُلانٍ ، ابنِ عَبدِكَ وَ ابنِ أَمَتِكَ عَبدَي اللّهِ ، صَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ . (1)
292كتابه عليه السلام إلى ابنه الهاديّ عليه السلامفي العوذةأبو المفضّل قال : حدّثنا أبو أحمد عبد اللّه بن الحسين بن إبراهيم العلويّ ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثني عبد العظيم بن عبداللّه الحسني رضى الله عنه (2) : أنّ أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ عليهماالسلام كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن عليه السلام و هو صبيّ في المهد ، و كان يعوذه بها يوماً فيوماً :بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرَّحيم لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ ، اللَّهُمَّ رَبَّ المَلائِكَةِ وَ الرّوحِ وَ النَّبيّينَ وَ المُرسَلَينَ ، وَ قاهِرَ مَن في السَّماواتِ وَ الأَرضَينَ ، وَ خالِقَ كُلِّ شَيءٍ وَ مالِكَهُ ، كُفَّ عَنّي بَأسَ أَعدآئِنا ، وَ مَن أَرادَنا بسوءٍ مِنَ الجِنِّ وَ الإِنسِ ، وَ أَعِم أَبصارَهُم وَ قُلوبَهُم ، وَ اجعَل بَينَنا وَ بَينَهُم حِجاباً وَ حَرَساً وَ مَدفَعاً ، إِنَّكَ رَبُّنا ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ لَنا إِلَا بِاللّهِ ، عَلَيهِ تَوَكَّلنا وَ إِلَيهِ أَنَبنا ، وَ هوَ العَزيزُ الحَكيمُ . رَبَّنا عافِنا مِن كُلِّ سُوءِ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِناصيَتِها ، وَ مِن شَرِّ ما سَكَنَ في
.
ص: 412
اللَّيلِ وَ النَّهارِ ، وَ مِن كُلِّ سوءٍ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ ، رَبَّ العالَمينَ وَ إِلهَ المُرسَلينَ ، وَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجمَعينَ ، وَ أَوليائِكَ ، وَ خُصَّ مُحَمَّداً وَ آلَه بِأَتَمِّ ذلِكَ ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ ، أُؤمِنُ بِاللّهِ ، وَ بِاللّهِ أَعوذُ ، وَ بِاللّهِ أَعتَصِمُ ، وَ بِاللّهِ أَستَجيرُ ، وَ بِعِزَّةِ اللّهِ وَ مَنعَتِهِ أَمتَنِعُ مِن شَياطينِ الإِنسِ وَ الجِنِّ ، وَ مِن رِجلِهِم وَ خَيلِهِم ، وَ رَكضِهِم وَ عَطفِهِم ، وَ رَجعيِهِم وَكَيدِهِم وَ شَرِّهِم ، و شَرِّ ما يَأتونَ بِهِ تَحتَ اللَّيلِ وَ تَحتَ النَّهارِ مِنَ البُعدِ وَ القُربِ ، وَ مِن شَرِّ الغائِبِ وَ الحاضِرِ ، وَ الشّاهِدِ وَ الزّائِرِ ، أَحياءً وَ أَمواتاً ، أَعمى وَ بَصيراً ، وَ مِن شَرِّ العامَّةِ وَ الخاصَّةِ ، وَ مِن شَرِّ نَفسٍ وَ وَسوَسَتِها ، وَ مِن شَرِّ الدَّياهِشِ ، وَ الحَسِّ و اللَّمسِ وَ اللَّبسِ ، وَ مِن عَينِ الجِنِّ وَ الإِنسِ ، وَ بِالاِسمِ الَّذي اهتَزَّ بِهِ عَرشُ بِلقيسَ . وَ أُعيذُ ديني وَ نَفسي وَ جَميعَ ما تَحُوطُهُ عِنايَتي ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ صورَةٍ وَ خَيالٍ ، أَو بَياضٍ أَو سَوادٍ ، أَو تِمثالٍ ، أَو مُعاهِدٍ أَو غَيرِ مُعاهِدٍ ، مِمَّن يَسكُنُ الهَواءَ وَ السَّحابَ ، وَ الظُّلُمات وَ النّورَ ، وَ الظِّلَ وَ الحَرورَ ، وَ البَرَّ وَ البُحورَ ، وَ السَّهلَ وَ الوُعورَ ، وَ الخَرابَ وَ العُمرانَ ، وَ الآكامَ وَ الآجامَ ، وَ المغائِضَ وَ الكَنائِسَ ، وَ النَّواويسَ وَ الفَلَواتَ ، وَ الجَبّاناتَ ، مِنَ الصّادِرينَ وَالوارِدين ، مِمَّن يَبدو بِاللَّيلِ وَ يَنشرُ بِالنَّهارِ ، و بالعَشِيِّ وَ الإِبكارِ ، وَ الغُدوِ وَ الآصالِ ، وَ المُربِئينَ ، وَ الأَسامِرَةَ وَ الأَفاتِرَةَ ، وَ الفَراعِنَةَ وَ الأَبالِسةَ ، وَ مِن جُنودِهِمِ وَ أَزواجِهِم وَ عَشائِرهِم وَ قَبائِلِهِم ، وَ مِن هَمزِهِم وَ لَمزِهِم ، وَ نَفثِهِم وَ وِقاعِهِم ، وَ أَخذِهِم وَ سِحرِهِم ، وَ ضَربِهِم وَ عَينِهِم ، وَ لَمحِهِم وَ احتِيالِهم وَ أَخلاقِهِم (1) . وَ مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ مِنَ السَّحَرَةِ وَ الغيلانِ ، وَ أُمَّ الصِّبيانِ ، وَ ما وَلَدوا وَ ما وَرَدوا ، و مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ ، داخِلٍ أَو خارِجٍ ، وَ عارِضٍ وَ مُعتَرِضٍ ، وَ ساكِنٍ وَ متَحَرِّكٍ ، وَ ضَرَبانِ عِرقٍ ، وَ صُداعٍ وَ شَقِيقَةٍ ، وَ أُمِّ مَلدَمٍ وَ الحُمّى ، وَ المُثَلَّثَةِ وَ الرِّبعِ ، وَ الغِبِّ وَ النّافِضَةِ وَ الصّالِبَةِ ، وَ الدّاخِلَةِ وَ الخارِجَةِ ، وَ مِن شَرِّ كُلِّ دابَّةٍ أَنتَ آخِذٌ بِناصيَتِها ، إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ ،
.
ص: 413
وَ صَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ سَلَّمَ تَسليماً . (1) و في مهج الدّعوات : قال الشّيخ عليّ بن عبد الصّمد : أخبرني جماعة من أصحابنا كثّرهم اللّه تعالى ، منهم الشّيخ جدّي ، قال : حدّثني أبي الفقيه أبو الحسن رحمه الله ، قال : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رحمه الله وأخبرني الشّيخ أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد بن طحال المقداديّ ، قال : حدّثنا أبو محمّد الحسين بن الحسين بن بابويه ، عن الشّيخ السّعيد أبي جعفرٍ محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي رحمه الله ، قال : أخبرني جماعة من أصحابنا عن أبي المفضّل محمّد بن عبد اللّه الشّيباني ، قال : حدّثني أبو أحمد عبد اللّه بن الحسين بن إبراهيم العلويّ ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ : إنّ أبا جعفرٍ محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السلام كتب هذه العوذة لابنه أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهم السلام و هو صبيّ في المهد ، و كان يعوذه بها ، و يأمر أصحابه به . الحرز : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ . . . الحديث . ذكره مع اختلافٍ يسير . (2)
293كتابه عليه السلام في الحرزالشّيخ عليّ بن عبد الصّمد قال : حدّثنا الشّيخ الفقيه أبو جعفرٍ محمّد بن أبي الحسن رحمه الله عمّ والدي ، قال : حدّثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن أحمد بن عبّاس الدّرويستي ، قال : حدّثنا والدي ، عن الفقيه أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، وأخبرني جدّي قال : حدّثنا والدي الفقيه أبو الحسن رحمه الله قال : حدّثنا
.
ص: 414
جماعة من أصحابنا رحمهم الله منهم السيّد العالم أبو البركات و الشّيخ أبو القاسم عليّ بن محمّد المعاذي وأبو بكر محمّد بن عليّ المعمّريّ وأبو جعفر محمّد بن إبراهيم بن عبد اللّه المدائنيّ ، قالوا كلّهم : حدّثنا الشّيخ أبو جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي _ قدّس اللّه روحه _ قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن جدّه ، قال : حدّثني أبو نصر الهمدانيّ ، قال : حدّثتني حكيمة 1 بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عمّة أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام قالت : لمّا مات محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام أتيت زوجته أمّ عيسى بنت المأمون فعزيتها فوجدتها شديدة الحزن و الجزع عليه تقتل نفسها بالبكاء و العويل فخفت عليها أن تتصدّع مرارتها فبينما نحن في حديثه و كرمه ووصف خُلقه و ما أعطاه اللّه تعالى من الشّرف و الإخلاص و منحه من العزّ و الكرامة إذ قالت أمّ عيسى : أ لا أخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل فوق الوصف والمقدار . قلت:وما ذاك . قال : كنت أغار عليه كثيراً واُراقبه أبداً وربّما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي فيقول يا بنية احتمليه فإنّه بضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ
.
ص: 415
دخلت عليّ جارية فسلّمت فقلت : من أنت ؟ فقالت : أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر وأنا زوجة أبي جعفرٍ محمّد بن عليّ الرّضا عليه السلام زوجك . فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك ، فهممت أن أخرج وأسيح في البلاد ، و كاد الشّيطان أن يحملني على الإساءة إليها ، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها و كسوتها ، فلمّا خرجت من عندي المرأة نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر و كان سكراناً لا يعقل . فقال : يا غلام عليّ بالسّيف . فأتى به فركب و قال : واللّه لأقتلنّه . فلمّا رأيت ذلك قلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، ما صنعت بنفسي و بزوجي ! و جعلت ألطم حرّ وجهي (1) . فدخل عليه والدي و ما زال يضربه بالسّيف حتّى قطّعه ، ثمّ خرج من عنده و خرجت هاربة من خلفه ، فلم أرقد ليلتي . فلمّا ارتفع النّهار أتيت أبي ، فقلت : أتدري ما صنعت البارحة ؟ قال : و ما صنعت ؟ وقلت : قتلت ابن الرّضا عليه السلام . فبرق عينه و غشي عليه ، ثمّ أفاق بعد حين و قال : ويلك ما تقولين ؟ قلت: نعم واللّه يا أبت ، دخلت عليه و لم تزل تضربه بالسّيف حتّى قتلته . فاضطرب من ذلك اضطراباً شديداً و قال : عليّ بياسر الخادم . فجاء ياسر فنظر إليه المأمون و قال: ويلك ما هذا الّذي تقول هذه ابنتي ؟ قال : صدقت يا أمير المؤمنين . فضرب بيده على صدره و خدّه و قال : إنّا للّه و إنّا إليه راجعون ، هلكنا باللّه و عطبنا و افتضحنا إلى آخر الأبد ، ويلك يا ياسر فانظر ما الخبر والقصّة عنه عليه السلام و عجّل عليّ بالخبر ، فإنّ نفسي تكاد أن تخرج السّاعة .
.
ص: 416
فخرج ياسر وأنا ألطم حرّ وجهي ، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر فقال : البشرى يا أمير المؤمنين . قال لك البشرى : فما عندك ؟ قال ياسر : دخلت عليه فإذا هو جالس و عليه قميص ودواج (1) و هو يستاك ، فسلّمت عليه وقلت : يا ابن رسول اللّه أحبّ أن تهب لي قميصك هذا اُصلّي فيه وأتبرّك به ، وإنّما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السّيف ، فواللّه كأنّه العاج الّذي مسّه صفرة ما به أثر . فبكى المأمون طويلاً وقال :مابقي مع هذا شيء،إنّ هذا لعبرة للأوّلين و الآخرين . وقال : يا ياسر ، أمّا ركوبي إليه وأخذي السّيف و دخولي عليه فإنّي ذاكر له ، و خروجي عنه فلست أذكر شيئاً غيره ، و لا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي ، فكيف كان أمري و ذهابي إليه ! لعن اللّه هذه الإبنة لعناً وبيلاً ، تقدّم إليها و قل لها : يقول لك أبوك واللّه لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت أو خرجت بغير إذنه لأنتقمنّ له منك ! ثمّ سر إلى ابن الرّضا وأبلغه عنّي السّلام ، و احمل إليه عشرين ألف دينار ، و قدّم إليه الشِّهري (2) الّذي ركبته البارحة . ثمّ مرّ بعد ذلك الهاشميّين أن يدخلوا عليه بالسّلام و يسلّموا عليه . قال ياسر:فأمرت لهم بذلك،ودخلت أنا أيضاً معهم،وسلّمت عليه وأبلغت التّسليم ووضعت المال بين يديه ، و عرضت الشّهري عليه ، فنظر إليه ساعة ثمّ تبسّم فقال :يا ياسِرُ ، هكَذا كانَ العَهدُ بَينَنا وَ بَينَهُ حَتّى يَهجُمَ عَلَيَّ بِالسَّيفِ ، أَ ما عَلِمَ أَنَّ لي ناصِراً وَ حاجِزاً يَحجُزُ بَيني وَ بَينَهُ ؟ فقلت : يا سيّدي يا ابن رسول اللّه دع عنك هذا العتاب و اصفح ، واللّه و حقّ جدّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما كان يعقل شيئاً من أمره و ما علم أين هو من أرض اللّه ، و قد نذر اللّه نذراً صادقاً و حلف أن لا يسكر بعد ذلك أبداً ، فإنّ ذلك من حبائل الشّيطان ،
.
ص: 417
فإذا أنت يا ابن رسول اللّه أتيته فلا تذكر له شيئاً و لا تعاتبه على ما كان منه. فقال عليه السلام : هكَذا كانَ عَزمي وَرَأيي وَاللّهِ . ثمّ دعا بثيابه و لبس و نهض ، و قام معه النّاس أجمعون حتّى دخل على المأمون ، فلمّا رآه قام إليه و ضمّه إلى صدره ورحّب به ، و لم يأذن لأحدٍ في الدّخول عليه ، و لم يزل يحدّثه و يستأمره . فلمّا انقضى ذلك قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الرّضا عليهم السلام : يا أَميرَ المُؤمِنينَ . قال : لبّيك و سعديك . قال : لك عِندي نَصيحَةٌ فاقبَلها . قال المأمون: بالحمد و الشّكر ، فما ذاك يا ابن رسول اللّه ؟ قال : أُحِبُّ لَكَ أَن لا تَخرُجَ بِاللَّيلِ ؛ فَإِنّي لا آمَنُ عَلَيكَ مِن هذا الخَلقِ المَنكوسِ ، وَ عِندي عَقدٌ تَحصُنُ بِهِ نَفسَكَ وَ تُحرَزُ بِهِ مِنَ الشُّرورِ وَ البَلايِا وَ المَكارِهِ وَ الآفاتِ وَ العاهاتِ ، كَما أَنقَذَني اللّهُ مِنكَ البارِحَةَ ، وَ لَو لَقيتَ بِهِ جُيوشَ الرّومِ وَ التُّركِ ، وَ اجتَمَعَ عَلَيكَ وَ عَلى غَلَبَتِكَ أَهلُ الأَرضِ جَميعاً ما تَهَيَّأ لَهُم مِنكَ شَيءٌ بِإِذنِ اللّهِ الجَبّارِ ، وَ إِن أَحبَبتَ بَعَثتُ بِهِ إِلَيكَ لِتَحتَرِزَ بِهِ مِن جَميعِ ما ذَكَرتُ لَكَ . قال : نعم ، فاكتب ذلك بخطّك و ابعثه إليَّ . قال : نَعَم . قال ياسر : فلمّا أصبح أبو جعفرٍ عليه السلام بعث إليَّ فدعاني ، فلمّا صرت إليه و جلست بين يديه دعا برقّ ظبيٍ من أرض تهامة ، ثمّ كتب بخطّه هذا العقد ، ثمّ قال : يا ياسِرُ ، احمِل هذا إِلى أَميرِ المُؤمِنينَ وَ قُل لَهُ : حَتّى يُصاغَ لَهُ قَصَبَةٌ مِن فِضَّةٍ مَنقوشٌ عَلَيها ما أَذكُرُهُ بَعدُهُ ، فَإِذا أَرادَ شَدَّهُ عَلى عَضُدِهِ فَليَشُدَّهُ عَلى عَضُدِهِ الأَيمَنِ ، وَ ليَتَوَضَّأ وُضوءً حَسَناً سابِغاً ، وَ ليُصَلِّ أَربَعَ رَكَعاتٍ يَقرَأُ في كُلِّ رَكعَةٍ فاتِحَةَ الكِتابِ مَرَّةً ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ آيَةَ الكُرسيِّ ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ شَهدَ اللّهُ ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ وَ الشَّمسُ وَ ضُحيها ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ وَ اللَّيلِ إِذا يَغشى ، وَ سَبعَ مَرّاتٍ قُل هوَ اللّهُ أَحَدٌ . فَإِذا فَرَغَ مِنها فَليَشُدَّهُ عَلى عَضُدِهِ الأَيمَنِ عِندَ الشَّدائِدِ وَ النَّوائِبِ ، يَسلم بِحَولِ اللّهِ وَ قُوَّتِهِ مِن كُلِّ شَيءٍ يَخافَهُ وَ يَحذَرُهُ . وَ يَنبَغي أَن لا يَكونَ طُلوعُ القَمَرِ في بُرجِ العَقرَبِ ، وَ لَو أَنَّه غَزيَ أَهلَ الرّومِ وَ مِلكِهِم لَغَلَبَهُم بِإِذنِ اللّهِ وَ بَرَكَةِ هذا الحِرزِ .
.
ص: 418
و روي أنّه لمّا سمع المأمون من أبي جعفرٍ في أمر هذا الحرز هذه الصّفات كلّها غزا أهل الرّوم ، فنصره اللّه تعالى عليهم ، و منح منهم من المغنم ما شاء اللّه ، و لم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة ، و كان ينصره اللّه عزّ و جلّ بفضله و يرزقه الفتح بمشيئته ، إنّه ولي ذلك بحوله و قوته . الحرز : « بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَ_نِ الرَّحِيمِ * الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ * الرَّحمَ_نِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَومِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعبُدُ وَ إِيَّاكَ نَستَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَ طَ المُستَقِيمَ * صِرَ طَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَ لَا الضَّآلِّينَ » . « أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مّا فِى الْأَرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » (1) . اللَّهُمَّ أَنتَ الواحِدُ المَلِكُ الدَّيّانُ يَومَ الدّينِ،تَفعَلُ ماتَشاءُ بِلا مُغالَبَةٍ ،وَتُعطي مَن تَشاءُ بِلا مَنٍّ ، وَتَفعَلُ ما تَشاءُ ، وَتَحكُمُ ماتُريدُ ، وَتُداوِلُ الأَيّامَ بَينَ النّاسِ ، وَتُرَكِّبُهُم طَبَقاً عَن طَبَقِ ، أَسأَلُكَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ المَجدِ ،وَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ السَّرائِرِ ، السّابِقِ الفائِقِ ، الحَسَنِ الجَميلِ النَّضيرِ ، رَبِّ المَلائِكَةِ الثَّمانيَةِ وَ العَرشِ الَّذي لا يَتَحَرَّكُ . وَ أَسأَلُكَ بِالعَينِ الَّتي لا تَنامُ ، وَ بِالحَياةِ الَّتي لا تَموتُ ، وَ بِنورِ وَجهِكَ الّذي لا يُطفَأُ ، وَ بِالاسمِ الأَكبَرِ الأَكبَرِ الأَكبَرِ ، وَ بِالاسمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ الأَعظَمِ ، الَّذي هوَ مُحيطٌ بِمَلَكوتِ السَّماواتِ وَ الأَرضِ ، وَ بِالاسمِ الَّذي أَشرَقَت بِهِ الشَّمسُ ، وَ أَضاءَ بِهِ القَمَرُ ، وَ سُجِّرَت بِهِ البُحورُ ، وَنُصِبَت بِهِ الجِبالُ ، وَ بِالاسمِ الَّذي قامَ بِهِ العَرشُ وَ الكُرسيُّ ، وَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ العَرشِ . وَ بِالاسمِ المَكتوب عَلى سُرادِقِ العَظَمَةِ ، وَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ العَظَمَةِ ، وَ بَاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ البَهاءِ ، وَ بِاسمِكَ المَكتوبِ عَلى سُرادِقِ القُدرَةِ ، وَ باسمِكَ العَزيزِ ، وَ بأَسمائِكَ المُقَدَّساتِ المُكَرَّماتِ المَخزوناتِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، وَ أَسأَلُكَ مِن خَيرِكَ خَيراً مِمّا أَرجو ، وَ أَعوذُ بِعِزَّتِكِ وَ قُدرَتِكَ مِن شَرِّ ما أَخافُ وَ أَحذَرُ وَ ما لا أَحذَرُ .
.
ص: 419
يا صاحِبَ مُحَمَّدٍ يَومَ حُنينِ ، وَ يا صاحِبَ عَليٍّ يَومَ صِفّينٍ ، أَنتَ يا رَبِّ مُبيرُ الجَبّارينَ وَ قاصِمُ المُتَكَبِّرينَ ، أَسأَلُكَ بِحَقِّ طه وَ يس ، وَ القُرآنِ العَظيمِ ، وَ الفُرقانِ الحَكيمِ ، أَن تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّدِ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَن تَشُدَّ بِهِ عَضُدَ صاحِبِ هذا العَقدِ ، وَ أَدرَأُ بِكَ في نَحرِ كُلِّ جَبّارٍ عَنيدٍ ، وَ كُلِّ شَيطانٍ مَريدٍ ، وَ عَدوٍّ شَديدٍ ، وَ عَدوٍّ مُنكَرِ الأَخلاقِ ، وَ اجعَلهُ مِمَّن أَسلَمَ إِلَيكَ نَفسَهُ ، وَ فَوَّضَ إلَيكَ أَمرَهُ ، وَ أَلجأَ إِلَيكَ ظَهرَهُ . اللَّهُمَّ بِحَقِّ هذِهِ الأَسماءِ الَّتي ذَكرتُها وَ قَرَأتُها وَ أَنتَ أَعرَفُ بِحَقِّها مِنّي ، وَ أَسأَلُكَ يا ذا المَنِّ العَظيمِ ، وَ الجودِ الكَريمِ ، وَليَّ الدَّعَواتِ المُستَجاباتِ ، وَ الكَلِماتِ التّامّاتِ ، وَ الأَسماءِ النّافِذاتِ . وَ أَسأَلُكَ يا نورَ النَّهارِ ، وَ يا نورَ اللَّيلِ ، وَ يا نورَ السَّماءِ وَ الأَرضِ ، وَ نورَ النّورِ ، وَ نوراً يُضيءُ بِهِ كلُّ نورٍ ، يا عالِمَ الخَفيّاتِ كَلِّها في البَرِّ وَ البَحرِ ، وَ الأَرضِ وَ السّماءِ وَالجِبالِ . وَ أَسأَلُكَ يا مَن لا يَفنى وَ لا يَبيدُ وَلا يَزول ، وَلا لَهُ شَيءٌ مَوصوفٌ ، وَلا إِلَيهِ حَدٌّ مَنسوبٌ ، وَ لا مَعَهُ إِلهٌ ، وَ لا إِلهٌ سِواهُ ، وَ لا لَهُ في مُلكِهِ شَريكٌ ، وَ لا تُضافُ العِزَّةُ إِلَا إِلَيهِ . لَم يَزل بِالعُلومِ عالِماً ، وَ عَلى العُلومِ واقِفاً ، وَ لِلأُمورِ ناظِماً وَ بِالكَينونيَّةِ عالِماً ، وَ للتَّدبيرِ مُحكِماً ، وَ بِالخَلقِ بَصيراً ، وَ بِالأُمورِ خَبيراً . أَنتَ الَّذي خَشَعَت لَكَ الأَصواتُ ، وَ ضَلَّت فيكَ الأَحلامُ ، وَ ضاقَت دونَكَ الأَسبابُ ، وَ مَلأَ كُلَّ شَيءٍ نورُكَ ، وَوَجِلَ كُلُّ شَيءٍ مِنكَ ، وَ هرَبَ كُلُّ شَيءٍ إِلَيكَ ، وَ تَوَكَّل كُلُّ شَيءٍ عَلَيكَ . وَ أَنتَ الرَّفيعُ في جَلالِكَ ، وَ أَنتَ البَهِيُّ في جَمالِكَ ، وَ أَنتَ العَظيمُ في قُدرَتِكَ ، وَ أَنتَ الَّذي لا يُدرِكُكَ شَيءٌ ، وَ أَنتَ العَليُّ الكَبيرُ العَظيمُ ، مُجيبُ الدَّعَواتِ ، قاضيُ الحاجاتِ ، مُفَرِّجُ الكُرُباتِ ، وَليُّ النَّعَماتِ . يا مَن هوَ في عُلوِّهِ دانٍ ، وَ في دُنوِّهِ عالٍ ، وَ في إشراقِهِ مُنيرٌ ، وَ في سُلطانِهِ قَويٌّ ، وَ في مُلكِهِ عَزيزٌ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَ احرُس صاحِبَ هذا العَقدِ وَ هذا الحِرزِ وَ هذا الكِتابِ ، بِعَينِكَ الّتي لا تَنامُ ، وَ اكنُفهُ بِرُكنِك الَّذي لا يُرامُ ، وَ ارحَمهُ بِقُدرَتِكَ عَلَيهِ ، فَإِنَّه مَرزوقُكَ . بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ ، بِسمِ اللّهِ وَ بِاللّهِ ، لا صاحِبَةَ لَهُ وَ لا وَلَدَ . بِسمِ اللّهِ قَويِّ الشَّأنِ ، عَظيمِ البُرهانِ ، شَديدِ السُّلطانِ ، ما شاءَ اللّهُ كانَ ، وَ ما لَم يَشَأ لَم يَكُن . أَشهَدُ أَنَّ نوحاً رَسولُ اللّهِ ، وَ أَنَّ إِبراهيمَ خَليلُ اللّهِ ، وَ أَنَّ موسى كَليمُ اللّهِ وَ نجِيُّه ، وَ أَنَّ
.
ص: 420
عيسى بنَ مَريَمَ _ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ وَ عَلَيهِم أَجمَعينَ _ كَلِمَتُهُ وَروحُهُ ، و أَنَّ مُحَمَّداً _ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ _ خاتَمُ النَّبيّينَ لا نَبيَّ بَعدَهُ . وَ أَسأَلُكَ بِحَقِّ السّاعَةِ الَّتي يُؤتى فيها بِإِبليسَ اللَّعينِ يَومَ القيامَةِ ، وَ يَقَولُ اللَّعينُ في تِلكَ السّاعَةِ : و اللّهِ ما أَنا إِلَا مُهَيِّجُ مَرَدَةٍ . اللّهُ نورُ السَّماواتِ وَ الأَرضِ ، وَ هوَ القاهِرُ وَ هوَ الغِالبُ ، لَهُ القُدرَةُ السّابِقَةُ ، وَ هوَ الحَكيمُ الخَبيرُ . اللَّهُمَّ وَ أَسأَلُكَ بِحَقِّ هذِهِ الأَسماءِ كُلِّها ، وَ صِفاتِها وَ صوَرِها . وَ هيَ : سُبحانَ الَّذي خَلَقَ العَرشَ وَ الكُرسيَّ وَ استَوى عَلَيهِ ، أَسأَلُكَ أَن تَصرِفَ عَن صاحِبِ كِتابي هذا كُلَّ سوءٍ وَ مَحذُورٍ ، فَهوَ عَبدُكَ وَ ابنُ عَبدِكَ وَ ابنُ أَمَتِك ، وَ أَنتَ مَولاهُ ، فَقِهِ اللَّهُمَّ يا رَبِّ الأَسواءَ كُلَّها ، وَ اقمَع عَنهُ أَبصارَ الظّالِمينَ ، وَ أَلسِنَةِ المُعانِدينَ وَ المُريدينَ لَهُ السّوءَ وَ الضُّرَ ،
.
ص: 421
وَ ادفَع عَنهُ ، كُلَّ مَحذُورٍ وَ مَخُوفٍ . وَ أَيُّ عَبدٍ مِن عَبيدِكَ ، أَو أَمَةٍ مِن إِمائِكَ ، أو سُلطانٍ مارِدٍ ، أو شَيطانٍ أَو شَيطانَةٍ ، أَو جِنٍّي أَو جِنيَّةٍ ، أو غُولٍ أَو غُولَةٍ أَرادَ صاحِبَ كِتابي هذا بِظُلمٍ أَو ضُرٍّ ، أَو مَكرٍ أَو مَكروهٍ ، أَو كَيدٍ أَو خَديعَةٍ ، أَو نِكايَةٍ أَو سِعايَةٍ ، أَو فَسادٍ أَو غَرَقٍ ، أَو اصطِلامٍ أَو عَطَبٍ ، أَو مُغالَبَةٍ أَو غَدرٍ ، أَو قَهرٍ أَو هَتكِ سِترٍ ، أو اقتِدارٍ ، أَو آفَةٍ ، أَو عاهَةٍ أَو قَتلٍ ، أَو حَرقٍ أَو انتِقامٍ ، أَو قَطعٍ أَو سِحرٍ ، أَو مَسخٍ أَو مَرَضٍ ، أَو سُقمٍ أَو بَرَصٍ ، أَو جُذامٍ أَو بُؤسٍ ، أَو آفَةٍ أَو فاقَةٍ ، أَو سَغَبٍ أَو عَطَشٍ ، أَو وَسوَسَةٍ أَو نَقصٍ في دِينٍ أو مَعيشَةٍ ، فاكفِنيهِ بِما شِئتَ ، وَ كَيفَ شِئتَ ، وَ أَنّى شِئتَ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٍ ، وَ صَلّى اللّهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَجمَعينَ ، وَ سَلَّم تَسليماً كَثيراً ، وَ لا حَولَ وَ لا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ العَليِّ العَظيمِ ، وَ الحَمدُ للّهِ رَبِّ العالَمينَ . فَأَمّا ما يَنقُشُ عَلى هذِهِ القَصَبَةِ مِن فِضَّةٍ غَيرِ مَغشوشَةٍ : يا مَشهوراً في السَّمواتِ ، يا مَشهوراً في الأَرضَينِ ، يا مَشهوراً في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، جَهَدَت الجبابِرَةُ وَ المُلوكُ عَلى إِطفاءِ نُورِكَ و إِخمادِ ذِكرِكَ ، فَأَبى اللّهُ إِلَا أَن يُتِمَّ نورَكَ وَ يَبوحَ بِذِكرِكَ وَ لَو كَرِهَ المُشرِكونَ . و رأيت في نسخة : و أبَيتَ إلَا أن يُتِمّ نورُكَ . أقول [ السيّد بن الطّاووس رحمة اللّه عليه ] : وأمّا قوله : « فَأَبى اللّهُ إِلَا أَن يُتِمَّ نُورُكَ » لعلّه يعني نورك أيّها الاسم الأعظم المكتوب في هذا الحرز بصورة الطّلسم. ووجدت في الجزء الثّالث من كتاب الواحدة (1) : إنّ المراد بقوله : يا مشهوراً في السّماوات إلى آخره ، هو مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2) . (3)
.
ص: 422
294كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي الزّلازلعليّ بن مهزيار (1) قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ عليه السلام و شكوت إليه كثرة الزّلازل في الأهواز ، و قلت : ترى لِيَ التّحوّل عنها ؟ فكتب عليه السلام :لا تَتَحَوَّلوا عَنها ، وَ صوموا الأَربِعَاءَ وَ الخَميسَ وَ الجُمُعَةَ ، وَ اغتَسِلوا وَ طَهِّروا ثيَابَكُم ، و ابرُزوا يَومَ الجُمُعَةِ ، وَ ادعوا اللّهَ فَإِنَّهُ يَدفَعُ عَنكُم . قال : ففعَلنا فسَكَنت الزّلازل . (2)
.
ص: 423
الفصل السّابع: في المواعظ
.
ص: 424
. .
ص: 425
295كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي الفضائل و مكارم الأخلاقروي أنّه حُمل لأبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام حِملُ بَزٍّ (1) له قيمة كثيرة ، فَسُلّ (2) في الطّريق . فكتب إليه الّذي حمله يُعرِّفه الخبَر . فوقّع بخطّه :إِنَّ أَنفُسَنا وَ أَموالَنا مِن مَواهِبِ اللّهِ الهَنيئَةِ وَ عَواريهِ المُستَودَعَةِ ، يُمَتِّعُ بِما مَتَّعَ مِنها في سُرورٍ وَغِبطَةٍ ، وَ يَأخُذُ ما أَخَذَ مِنها في أَجرٍ وَحِسَبةٍ (3) . فَمَن غَلَبَ جَزَعُهُ عَلى صَبرِهِ حَبِطَ أَجرُهُ ، نَعوُذُ بِاللّهِ مِن ذلِكَ . (4)
296كتابه عليه السلام إلى عليّ بن مهزيارفي المشورةأحمد بن محمّد عن عليّ بن مهزيار (5) قال: كتب إليَّ أبو جعفر عليه السلام :
.
ص: 426
أَن سَل فُلاناً أَن يُشِيرَ عَلَيَّ وَ يَتَخَيَّرَ لِنَفسِهِ فَهوَ أَعلَمُ بِما يَجُوزُ في بَلَدِهِ وَ كَيفَ يُعَامِلُ السَّلاطينَ ، فَإِنَّ المَشُورَةَ مُبَارَكَةٌ ، قالَ اللّهُ لِنَبيِّهِ في مُحكَمِ كِتابِهِ: «وَشَاوِرهُم فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» (1) ، فَإِنْ كانَ ما يَقولُ مِمّا يَجوزُ كَتَبتُ: أُصَوِّبُ رَأيَهُ ، وَ إِن كانَ غَيرَ ذلِكَ رَجَوتُ أَن أَضَعَهُ عَلى الطَّريقِ الواضِحِ إن شَاءَ اللّهُ ، وَ شاوِرهُم في الأَمرِ . قالَ : يَعني الاستِخارَةَ . (2)
297كتابه عليه السلام إلى رجلٍفي المصائب و التّعزيةسَهل بن زياد عن ابن مهران 3 قال : كتب أبو جعفرٍ الثّاني عليه السلام إلى رجلٍ :ذَكَّرتَ مُصِيبَتَكَ بِعَليٍّ ابنِك ، وَ ذكَّرتَ أَنَّهُ كانَ أَحَبَّ وُلدِكَ إِلَيكَ ، وَ كَذلِكَ اللّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّما يَأخُذُ مِنَ الوالِدِ وَغَيرِهِ أَزكى ما عِندَ أَهلِهِ لِيُعظِمَ بِهِ أَجرَ المُصابِ بالمُصيبَةِ ، فَأَعظَمَ اللّهُ
.
ص: 427
أَجرَكَ وَأَحسَنَ عَزاكَ وَرَبَطَ (1) على قَلبِك إنَّه قدِيرٌ ، وَ عَجَّل اللّهُ عَلَيكَ بِالخَلَفِ ، وَ أَرجو أَن يَكونَ اللّهُ قَد فَعَلَ إِن شاءَ اللّهُ تَعالى . (2)
298كتابه عليه السلام إلى رجلفي المصائب و التّعزيةمحمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعِدّةٌ من أصحابنا عن سَهل بن زياد جميعاً ، عن ابن مهران قال: كتب رجلٌ إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام يشكو إليه مُصَابَهُ بِوَلَده وشِدَّة ما دَخَلَه. فكتب إليه :أَما عَلِمتَ أَنَّ اللّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَختارُ مِن مالِ المُؤمِنِ وَ مِن وُلدِهِ أَنفَسَهُ ؛ لِيَأجُرَهُ عَلى ذلِكَ . (3)
299كتابه عليه السلام إلى عبد العظيم عبد اللّه الحسنيّفي قصص ذي الكفل عليه السلامابن بابويه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ، حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي عن عبد العظيم عبد اللّه الحسنيّ رضى الله عنه (4) ، قال : كتبت إلى أبي جعفرٍ أعني محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السلام ؛ أسأله
.
ص: 428
عن ذي الكفل ما اسمه ؟ و هل كان من المرسلين ؟ فكتب عليه السلام :بَعَثَ اللّهُ تَعالى جَلَّ ذِكرُهُ مِئَةَ أَلفَ نَبيٍّ وَ أَربَعَةَ وَ عِشرينَ أَلفَ نَبيٍّ ، المُرسَلونَ مِنهُم ثَلاثُمِئَةِ وَ ثَلاثَةُ عَشَرَ رَجُلاً ، وَ أَنَّ ذا الكِفلِ مِنهُم صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم ، وَ كانَ بَعَدَ سُلَيمانَ بنِ داوودَ ، وَ كانَ يَقضي بَينَ النّاسِ كَما كانَ يَقضي داوودَ عليه السلام ، وَ لَم يَغضَب إِلَا للّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ كانَ اسمُهُ عَويديا ، وَ هوَ الَّذي ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى جَلَّت عَظَمَتُهُ في كِتابِهِ حَيثُ قالَ : « وَ اذكُر إِسمَ_عِيلَ وَ اليَسَعَ وَ ذَا الكِفلِ وَ كُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ » (1) . 2(2)
.
ص: 429
300كتابه عليه السلام إلى بكر بن صالحفي برّ الوالدينأحمد بن محمّد عن أبيه محمّد بن الحسن بن الوليد القمّي ، عن محمّد بن الحسن الصّفار ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن بكر بن صالح (1) ، قال : كتب صِهرٌ لي إلى أبي جعفرٍ الثّاني عليه السلام : إنّ أبي ناصبٌ خبيثُ الرّأي ، و قد لقيتُ منه شدّةً وجَهداً ، فرأيُك _ جُعلت فِداك _ في الدُّعاء لي ، و ما ترَى _ جُعلت فداك _ أفترى أن اُكاشفه ، أم اُداريه ؟ فكتب عليه السلام :قَد فَهِمتُ كِتَابَك وَ ما ذَكَرتَ مِن أَمرِ أَبيكَ ، وَلَستُ أَدَعُ الدُّعاءَ لَكَ إِن شاءَ اللّهُ وَ المُدَاراةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ المُكاشَفَةِ ، وَ مَعَ العُسرِ يُسرٌ ، فاصبِر إِنَّ العاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ ثَبَّتَك اللّهُ عَلى وِلايَةِ مَن تَوَلَّيتَ ، نَحنُ وَ أَنتُم في وَديعَةِ اللّهِ الَّذي لا تَضيعُ وَدَائِعُهُ . قال بكر : فعطف اللّه بقلب أبيه حتّى صار لا يُخالفه في شيءٍ . (2)
.
ص: 430
301أحمد بن حمّاد المروزيّفي الدّنيا و الآخرةمحمّد بن مسعود قال: حدّثني أبو عليّ المحموديّ محمّد بن أحمد بن حمّاد المروزيّ (1) ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى أبي (2) في فصلٍ من كتابه :فكأنّ قد في يومٍ أو غد « وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْ_لَمُونَ » (3) ، أَمّا الدُّنيا فَنَحنُ فيها مُتَفَرِّجونَ في البِلادِ ، وَ لكِن مَن هَوى هَوَى صاحِبَهُ ، فَإِن بِدينِهِ فَهوَ مَعَهُ ، وَإِن كانَ نائياً عَنهُ ، وَأَمّا الآخِرَةُ فَهيَ دارُ القَرارِ . (4) وفي تحف العقول : كتب إلى بعض أوليائه: أَمّا هذِهِ الدُّنيا فَإِنّا فيها مُغتَرِفونَ ، وَ لكِن مَن كانَ هَواهُ هَوى صاحِبَهُ، وَدانَ بِدينِهِ فَهوَ مَعَهُ حيثُ كانَ ، وَ الآخِرَةُ هيَ دارُ القَرارِ . (5)
.
ص: 431
فيما ينسب إليه عليه السلام302كتابه عليه السلام إلى سعد الخيرفي التّقوى و...محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمّه حمزة بن بزيع و الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه ، عن يزيد بن عبد اللّه ، عمّن حدّثه ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام (1) إلى سعد الخير 2 :بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمّا بَعدُ ، فَإِنّي أُوصيكَ بِتَقوى اللّهِ ، فَإِنَّ فيها السَّلامَةَ مِنَ التَّلَفِ ، وَ الغَنيمَةَ في المُنقَلَبِ ، إِنَّ اللّهَ عز و جل يَقي بِالتَّقوى عَنِ العَبدِ ما عَزَبَ عَنهُ عَقلُهُ ، وَ يُجلي بِالتَّقوى عَنهُ عَماهُ وَ جَهلَهُ ،
.
ص: 432
وَ بِالتَّقوى نَجا نوحٌ وَمَن مَعَهُ في السَّفينَةِ ، وَ صالِحٌ وَ مَن مَعَهُ مِنَ الصّاعِقَةِ ، وَ بِالتَّقوى فازَ الصّابِرونَ ، وَ نَجَت تِلكَ العُصَبُ مِنَ المَهالِكِ ، وَ لَهُم إِخوانٌ عَلى تِلكَ الطَّريقَةِ يَلتَمِسونَ تِلكَ الفَضيلَةِ ، نَبَذوا طُغيانَهُم مِنَ الإيرادِ بِالشَّهَواتِ لِما بَلَغَهُم في الكِتابِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى ما رَزَقَهُم ، وَ هوَ أَهلُ الحَمدِ ، وَ ذَمّوا أنفُسَهُم عَلى ما فَرَّطوا ، وَ هُم أَهلُ الذَّمِّ . وَ عَلِموا أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى الحَليمَ العَليمَ ، إِنَّما غَضَبُهُ عَلى مَن لَم يَقبَل مِنهُ رِضاهُ ، وَ إِنَّما يَمنَعُ مَن لَم يَقبَل مِنهُ عَطاهُ ، و إِنَّما يُضِلُّ مَن لَم يَقبَل مِنهُ هُداه ، ثُمَّ أَمكَنَ أَهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إِلى ذلِكَ بِصَوتٍ رَفيعٍ لَم يَنقَطِع ، وَ لم يَمنَع دُعاءَ عِبادِهِ ، فَلَعَنَ اللّهُ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللّهُ ، وَ كَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ ، فَسَبَقَت قَبلَ الغَضَبِ فَتَمَّت صِد قاً وَ عَدلاً ، فَلَيسَ يَبتَدئُ العِبادِ بِالغَضَبِ قَبلَ أَن يُغضِبوهُ ، وَ ذلِكَ مِن عِلمِ اليَقينِ وَ عِلمِ التَّقوى . وَ كُلُّ أُمَّةٍ قَد رَفَعَ اللّهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حينَ نَبَذُوهُ ، وَوَلَاهُم عَدُوَّهُم حينَ تَوَلَّوهُ ، وَ كانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أَن أَقاموا حُرُوفَهُ ، وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم يَروونَهُ وَ لا يَرعَونَهُ ، وَ الجُهّالُ يُعجِبُهُم حِفظُهُم لِلرِّوايَةِ ، وَ العُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُهُم لِلرِّعايَةِ . وَ كانَ مِن نَبذِهِم الكِتابَ أَن وَلَّوهُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فَأَورَدوهُم الهَوى ، وَ أَصدَروهُم إِلى الرَّدى ، وَ غَيَّروا عُرى الدّين ، ثُمَّ وَرَّثوهُ في السَّفَهِ وَ الصِّبا ، فالأُمَّةُ يَصدُرون عَن أَمرِ النّاسِ بَعدَ أَمرِ اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ عَلَيه يُرَدّون . فَبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النّاس بَعدَ وَلايَةِ اللّهِ ، وَ ثَوابُ النّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللّهِ ، وَرِضا النّاسِ بَعدَ رِضا اللّهِ ، فَأَصبَحتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ ، وَ فيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ ، مُعجَبونَ مَفتونونَ ، فَعِبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم وَ لِمَن اقتدى بِهِم ، وَ قَد كانَ في الرُّسُلِ ذِكرى لِلعابِدينَ ، إِنَّ نَبيّاً مِنَ الأَنبياءِ كانَ يَستَكمِلُ الطّاعَةَ ، ثُمَّ يَعصي اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى في البابِ الواحِدِ ، فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الجَنَّةِ ، وَ يُنبَذُ بِهِ في بَطنِ الحوتِ ، ثُمَّ لا يُنَجّيهِ إِلَا الاعتِرافُ وَ التَّوبَةُ . فاعرِف أَشباهَ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، الَّذينَ ساروا بِكِتمانِ الكِتابِ وَ تَحريفِهِ « فَمَا رَبِحَت تِّجَ_رَتُهُمْ وَ مَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ » ، ثُمَّ اعرِف أَشباهَهُم مِن هذِهِ الأُمَّةِ ، الَّذينَ أَقاموا حُرُوفَ
.
ص: 433
الكِتابِ وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم مَعَ السّادَةِ وَ الكُبُرَّةِ ، فَإِذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأَهواءِ ، كانوا مَعَ أَكثَرِهِم دُنيا ، وَ ذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ العِلمِ لا يَزالونَ كَذلِكَ في طَبَعٍ و طَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إِبليسَ عَلى أَلسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ ، يَصبِرُ مِنهُمُ العُلَماءُ عَلى الأَذى وَ التَّعنيفِ ، وَ يعيبونَ عَلى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ ، وَ العُلَماءُ في أَنفُسِهِم خانَةٌ إِن كَتَموا النَّصيحَةَ ، إن رَأَوا تائِهاً ضالّاً لا يَهدونَهُ ، أَو مَيّتاً لا يُحيونَهُ ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى أَخَذَ عَليهِمُ الميثاقَ في الكِتابِ أَن يَأمُروا بِالمَعروفِ وَ بِما أُمِروا بِهِ ، وَ أَن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ ، وَ أَن يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ وَ التَّقوى ، وَ لا يَتَعاوَنوا عَلى الإِثمِ وَ العُدوانِ ، فَالعُلَماءُ مِنَ الجُهّالِ في جَهدٍ وَ جِهادٍ ، إِن وَعَظَت قالوا : طَغَت ، وَ إن عَلَّموا الحقَّ الَّذي تَرَكوا قالوا : خالَفَت ، وَ إِن اعتَزَلوهُم قالوا : فارَقَت ، وَ إِن قالوا هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ قالوا : نافَقَت ، وَ إِن أَطاعوهُم قالوا : عَصَتِ اللّهَ عز و جل ، فَهَلَكَ جُهَّالٌ فيما لا يَعلَمونَ ، أُمِّيّونَ فيما يَتلونَ ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ ، وَ يُكَذِّبونَ بِهِ عِندَ التَّحريفِ ، فَلا يُنكِرونَ ، أُولئِكَ أَشباهُ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، قادَةٌ في الهَوى ، سادَةٌ في الرَّدى . وَآخَرونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَهِ وَالهُدَى،لايَعرِفونَ إِحدى الطّائِفَتَينِ مِنَ الأُخرى، يَقولونَ : ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ، وَ لا يَدرونَ ما هوَ ، وَ صَدَّقوا تَركَهُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى البَيضاءِ لَيلُها مِن نَهارِها ، لَم يَظهَر فيهِم بِدعَةٌ ، وَ لَم يُبَدَّل فيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم وَ لا اختِلافَ ، فَلَمّا غَشي النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صارَوا إِمامَينِ دَاعٍ إِلى اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ داعٍ إِلى النّارِ ، فَعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فَعَلا صَوتُهُ عَلى لِسانِ أَوليائِهِ ، وَ كَثُرَ خَيلُهُ وَ رَجلُهُ ، وَ شارَكَ في المالِ وَالوَلَدِ مَن أَشرَكَهُ ، فَعُمِلَ بِالبِدعَةِ ، وَ تُرِكَ الكِتَابُ وَ السُّنَّةُ ، وَ نَطَقَ أَولياءُ اللّهِ بِالحُجَّةِ ، وَ أَخَذوا بِالكِتابِ وَ الحِكمَةِ ، فَتَفَرَّقَ مِن ذلِكَ اليَومِ أَهلُ الحَقِّ وَ أَهلُ الباطِلِ ، وَ تَخاذَلَ وَ تَهادَنَ أَهلُ الهُدَى ، وَ تَعاوَنَ أَهلُ الضَّلالَةِ ، حَتّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فُلانٍ وَ أَشباهِهِ . فَاعرِف هذا الصِّنفَ وَ صِنفٌ آخَرُ ، فَأَبصِرِهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءُ ، وَالزَمهُم حَتّى تَرِدَ أَهلَكَ إنّ « الْخَ_سِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَ_مَةِ أَلَا ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ » . [ إلى هاهنا رواية الحسين ، و في رواية محمّد بن يحيى زيادةٌ ] :
.
ص: 434
لَهُم عِلمٌ بِالطَّريقِ ، فَإِن كانَ دونَهُم بَلاءٌ فَلا تَنظُر إِلَيهِم ، فَإِن كانَ دونَهُم عَسفٌ مِن أَهلِ العَسفِ وَ خَسفٌ ، وَ دونَهُم بَلايا تَنقضي ، ثُمَّ تَصيرُ إِلى رَخاءٍ ، ثُمَّ اعلَم أَنَّ إِخوانَ الثِّقَةِ ذَخائِرُ بَعضُهُم لِبَعضٍ ، وَ لولا أَن تَذهَبَ بِكَ الظُّنونُ عَنّي لَجَلَيتُ لَكَ عَن أَشياءَ مِنَ الحَقِّ غَطَّيتُها ، وَ لَنَشَرتُ لَكَ أَشياءَ مِنَ الحَقِّ كَتَمتُها ، وَ لكِنّي أَتَّقيكَ وَ أستَبقيك ، وَ لَيسَ الحَليمُ الَّذي لا يَتَّقي أَحَداً في مَكان التَّقوى ، وَ الحِلمُ لِباسُ العالِمِ فَلا تَعرَيَنَّ مِنهُ ، وَ السَّلامُ » . (1) وفي رسالةٍ اُخرى : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بَزيع ، عن عمّه حمزة بن بَزيع ، قال : كتب أبو جعفرٍ عليه السلام إلى سعد الخير : « بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمّا بَعدُ ، فَقَد جاءَني كِتابُكَ تَذكُرُ فيهِ مَعرِفَةَ ما لا يَنبغي تَركُهُ ، و طَاعَةَ مَن رِضا اللّهِ رِضاهُ ، فَقُلتَ مِن ذلِكَ لِنَفسِكَ ما كانَت نَفسُكَ مُرتَهَنَةً لَو تَرَكتَهُ تَعجَبُ أَنَّ رِضا اللّهِ وَ طاعَتَهُ وَ نَصيحَتَهُ لا تُقبَلُ وَ لا توجَدُ وَ لا تُعرَفُ إِلَا في عِبادٍ غُرَباءَ أَخلاءً مِنَ النّاسِ ، قَد اتَّخَذَهُم النّاسُ سِخريّاً لِما يَرمُونَهُم بِهِ مِنَ المُنكَراتِ ، وَ كانَ يُقالُ لا يَكونُ المُؤمِنُ مُؤمِنا حَتّى يَكونَ أَبغَضَ إِلى النّاسِ مِن جِيفَةِ الحِمارِ ، وَ لَولا أَن يُصيبَكَ مِنَ البَلاءِ مِثلُ الَّذي أَصابَنا فَتَجَعَلَ فِتنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللّهِ ، وَ أُعيذُكَ بِاللّهِ وَ إِيّانا مِن ذلِكَ ، لَقرُبتَ على بُعدِ مَنزِلَتِكَ . وَاعلَم رَحِمَكَ اللّهُ ، أنَّهُ لا تُنالُ مَحبَّةُ اللّهِ إلَا بِبُغضِ كَثيرٍ مِنَ النّاسِ ، وَ لا وَلايَتُهُ إِلَا بمُعاداتِهِم ، وَ فوتُ ذلِكَ قَليلٌ يَسيرٌ ، لِدركِ ذلِكَ مِنَ اللّهِ لِقَومٍ يَعلَمونَ . يا أَخي ، إِنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ في كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ بَقايا مِن أَهلِ العِلمِ ، يَدعونَ مَن ضَلَّ إِلى الهُدى ، وَ يَصبِرونَ مَعَهُم عَلى الأَذى ، يُجيبونَ داعيَ اللّهِ ، وَ يَدعونَ إِلى اللّهِ ، فَأبصِرهُم رَحِمَكَ اللّهُ ؛ فَإنَّهُم في مَنزلَةٍ رَفيعَةٍ وَ إِن أَصابَتهُم في الدُّنيا وَضيعَةٌ ، إِنَّهم يُحيون بِكِتابِ اللّهِ المَوتى ، وَيُبَصِّرُنَّ بِنورِ اللّهِ مِنَ العَمى . كَم مِن قَتيلِ لِاءبليسَ قَد أَحيَوهُ ، وَكَم مِن تائِهٍ ضالٍّ قَد هَدَوهُ ، يَبذُلونَ دِماءَهُم دونَ هَلَكَةِ
.
ص: 435
العِبادِ ، وَ ما أَحسَنَ أَثَرَهُم عَلى العِبادِ ، وَ أَقبحَ آثارَ العِبادِ عَلَيهِم » . (1)
303كتابه عليه السلام إلى خيرانفي قبول الهديةمحمّد بن مسعود قال: حدّثني سليمان بن حفص، عن أبي بصير حمّاد بن عبد اللّه القنديّ ، عن إبراهيم بن مهزيار، قال: كتب إليَّ خيران 2 : قد وجّهت إليك ثمانية دراهم ، كانت اُهديت إليَّ من طرسوس (2) ، دراهم منهم ، و كرهت أن أردّها على صاحبها أو اُحدث فيها حدثاً دون أمرك، فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا ، لأعرفها إن شاء اللّه و أنتهي إلى أمرك ؟ فكتب و قرأته :اقبَل مِنهُم إِذا اُهديَ إِلَيكَ دَراهِمُ أَو غَيرُها ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَم يَرُدَّ هَديَّةً عَلى يَهوديٍّ وَ لا نَصرانيٍّ . (3)
.
ص: 436
. .
ص: 437
الفصل الثّامن: في اُمورٍ شتّى
.
ص: 438
. .
ص: 439
304مكاتبته عليه السلام مع أبيه عليه السلامالحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ ، قال : حدّثني محمّد بن يحيى الصّولي ، قال : حدّثنا عون بن محمّد ، قال : حدّثنا أبو الحسين بن محمّد بن أبي عبّاد (1) ، وكان يكتب للرضا عليه السلام ،ضمّه إليه الفضل بن سهل ، قال : ما كان عليه السلام يذكر محمّداً ابنه عليه السلام إلّا بكنيته ، يقول : كَتَبَ إِلَيَّ أَبو جَعفَرٍ عليه السلام ، وَ كُنتُ أَكتُبُ إِلى أَبي جَعفَرٍ عليه السلام ، و هو صبيّ بالمدينة ، فيخاطبه بالتّعظيم . و ترد كُتب أبي جعفرٍ عليه السلام في نهاية البلاغة و الحسن . (2)
305كتابه عليه السلام إلى داوود بن القاسمعن عليّ _ يعني ابن مهزيار _ قال : قرأت في كتابٍ لأبي جعفرٍ عليه السلام إلى داوود بن
.
ص: 440
القاسم (1) :إِنّي قَد جِئتُ وَ حَياتِكَ . (2)
في الحوائج306كتابه عليه السلام إلى حاكم سجستانباب شرط من أذن له في أعمالهممحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاريّ ، عن أحمد بن زكريّا الصّيدلانيِّ (3) ، عن رجلٍ من بني حنيفة من أهل بُستَ (4) وسِجِستان (5) ، قال : رافقت أبا جعفرٍ عليه السلام في السّنة الّتي حَجّ فيها في أوّل خلافة المُعتصم ، فقلت له وأنا معه على المائدة و هناك جماعة من أولياء السّلطان : إنّ والينا جُعلت فداك رجل يتولّاكم أهل البيت ويُحبّكم ، و عَلَيَّ في ديوانه خراج ، فإن رأيت جعلني اللّه فداك أن تكتب إليه كتاباً بالإحسان إليَّ .
.
ص: 441
فقال لي :لا أَعرِفُهُ . فقلت : جُعلت فداك ، إنّه على ما قلت من مُحبّيكم أهل البيت ، و كتابُك ينفعني عنده . فأخذ القرطاس و كتب : بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم أَمّا بَعدُ ، فَإِنَّ موصِلَ كِتابي هذا ذَكَرَ عَنكَ مَذهَباً جَميلاً ، وَ إِنَّ ما لَكَ مِن عَمَلِكَ ما أَحسَنتَ فيهِ ، فَأَحسِن إِلى إِخوانِكَ ، وَ اعلَم أَنَّ اللّهَ عَزَّ وَ جَلَّ سائِلُكَ عَن مَثاقيل الذَّرِّ وَ الخَردَلِ . قال : فلمّا وردت سِجِستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد اللّه النّيسابوريّ و هو الوالي ، فاستقبلني على فرسخين من المدينة ، فدفعت إليه الكتاب فقبّله ووضعه على عينيه ثمّ قال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : خراج عليّ في ديوانك . قال : فأمر بطرحه عنّي و قال لي : لا تُؤدّ خراجاً ما دام لي عمل . ثمّ سألَني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا وفضلاً . فما أدّيت في عمله خراجاً ما دام حيّاً ، و لا قطع عنّي صلتهُ حتّى مات . (1)
307كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّفي الوكالةعليّ بن محمّد ، قال : حدّثني محمّد بن أحمد ، عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ (2) ، قال : و كتب [ أبو جعفرٍ عليه السلام ] إليَّ :قَد وَصَلَ الحِسابُ ، تَقَبَّلَ اللّهُ مِنكَ وَرَضي عَنهُم ، وَ جَعَلَهُم مَعَنا في الدُّنيا وَ الآخِرَةِ ، وَ قَد بَعَثتُ إِلَيكَ مِنَ الدَّنانيرِ بِكَذا ، وَ مِنَ الكِسوَةِ كَذا ، فَبارَكَ لَكَ فيهِ وَ في جَميعِ نِعمَةِ اللّهِ عَلَيكَ .
.
ص: 442
وَقَد كَتَبتُ إِلى النَّضرِ (1) أَمَرتُهُ أَن يَنتَهيَ عَنكَ ، وَ عَنِ التَّعَرُّضِ لَكَ وَ بِخِلافِكَ ، وَ أَعلَمتُهُ مَوضِعَكَ عِندي ، وَ كَتَبتُ إِلى أَيَّوبَ (2) أَمرتُهُ بِذلِكَ أَيضاً ، وَ كَتَبتُ إِلى مَوالي بِهَمَدانَ كِتاباً أَمَرتُهُم بِطاعَتِكَ وَ المَصيرِ إِلى أَمرِكَ ، وَ أَن لا وَكيلَ لي سِواكَ . (3)
308كتابه عليه السلام إلى إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمدانيّقال إبراهيم بن محمّد بن يحيى الهمدانيّ (4) : كتب أبو جعفرٍ الثّاني عليه السلام إليَّ كتاباً ، و أمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن أبي عمران . فمكث الكتاب عندي سنتين ، فلمّا كان اليوم الّذي مات فيه يحيى بن أبي عمران فككته ، فإذا فيه :قُم بِما كانَ يَقومُ بِهِ وَ نَحوِ هذا مِنَ الأَمرِ . فقال إبراهيم: كنت لا أخاف الموت مادام يحيى حيّاً . (5)
.
ص: 443
في حسن الختامقال له عليه السلام رجل : أوصني ؟ قال عليه السلام : وَتَقبَلُ ؟ قال : نعم . قال :تَوَسَّدِ الصَّبرَ ، وَ اعتَنِقِ الفَقرَ ، وَ ارفَضِ الشَّهَواتِ ، وَ خالِفِ الهَوى ، وَ اعلَم أَنَّكَ لَن تَخلوَ مِن عَينِ اللّهِ ، فانظُر كَيفَ تَكونُ . (1)
وآخر دعوانا : « سُبحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَ سَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ * وَ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمِينَ » (2) .
.
ص: 444
. .
ص: 445
الفهرس التّفصيلي
.
ص: 446
. .
ص: 447
. .
ص: 448
. .
ص: 449
. .
ص: 450
. .
ص: 451
. .
ص: 452
. .
ص: 453
. .
ص: 454
. .
ص: 455
. .
ص: 456
. .
ص: 457
. .
ص: 458
. .
ص: 459
. .
ص: 460
. .
ص: 461
. .
ص: 462
. .
ص: 463
. .
ص: 464
. .